كتاب الزكاة (للمنتظري)

اشارة

سرشناسه : منتظری، حسینعلی، 1301 - 1388.

عنوان و نام پديدآور : کتاب الزکاه ‫ / لمولفه المنتظری.

مشخصات نشر : قم: مرکز النشر، مکتب الاعلام الاسلامی، [ 14ق. = 13] -

مشخصات ظاهری : ج.

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم، 1406ق. = 1364.

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : زکات

رده بندی کنگره : BP188/4/م 8ک 2 1300ی الف

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : 1839992

الجزء الأوّل

[مقدمة المصنف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين و اللعن على أعدائهم أجمعين.

و بعد فيقول العبد المفتقر الى ربه الهادي، حسين علي المنتظري النجف آبادي- غفر اللّه له و لوالديه-: هذه دروس فقهية ألقيت الى الاخوان في مسائل الزكاة و كنت أقيد ما ألقيه بالكتابة و كنّا نراعي في بحثنا ترتيب كتاب العروة الوثقى و نورد ما نذكره شرحا لها فاستدعى بعض الأصدقاء نشرها. و حيث ان المرء لا يخلو من الخطأ و النسيان و كفى في نبله ان تعدّ معايبه، فالمرجو ممن نظر فيها أن ينظر بنظر الانصاف و الاغماض و من اللّه- تعالى- أستمدّ و عليه التكلان.

قال المصنف:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 9

[تعريف الزكاة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الزكاة (1)

______________________________

(1) الزكاة في اللغة بمعنى النمو و الطهارة، ففي مقاييس اللغة: «الزاء و الكاف و الحرف المعتل اصل يدل على نماء و زيادة و يقال: الطهارة، زكاة المال قال بعضهم سميت بذلك لأنها مما يرجى به زكاء المال و هو زيادته و نمائه. و قال بعضهم سميت زكاة لأنها طهارة قالوا و حجة ذلك قوله: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «1».

و في المفردات: «اصل الزكاة النمو الحاصل عن بركة اللّه ... يقال: زكا الزّرع يزكو اذا حصل منه نمو و بركة».

اقول: و من النماء ظاهرا قوله- عليه السلام- في نهج البلاغة: «المال تنقصه النفقة و العلم يزكو على الانفاق» «2»، و من الطهارة قوله- تعالى-: «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيٰاتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ»* «3» و قوله:

«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا» «4».

و الزكاة في الاصطلاح يمكن اخذها من كل منهما اذ بالزكاة ينمو المال و يطهر المال

و صاحبه و لكن الانسب بقرينة قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» المعنى الثاني. و حيث قصد بالزكاة طهارة مؤدّيها اشترط فيها القربة و هذا من مميزات اقتصاد الإسلام حيث صبغ واجباته المالية من الزكوات و الاخماس بصبغة العبادة و القربة.

و عرّفوا الزكاة اصطلاحا بانها قدر مخصوص يطلب اخراجه من المال بشروط خاصة.

و ليست الزكاة من مخترعات الإسلام بل كانت مشرّعة في الأديان السابقة أيضا فترى

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 103.

(2)- نهج البلاغة من كلامه «ع» لكميل بن زياد (رقم 147).

(3)- سورة آل عمران، الآية 164 و سورة الجمعة، الآية 2.

(4)- سورة الشمس، الآية 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 10

[وجوب الزكاة]

التي وجوبها من ضروريات الدين (1)

______________________________

القرآن يحكي عن عيسى- عليه السلام-: «وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا» «1».

و الزكاة في فقهنا صارت قسيما للخمس و لكن نحدس كونها باصطلاح القرآن و في الصدر الأول مستعملة لكل واجب مالي مقدر فتشمل الخمس أيضا فكل ما ذكرت في القرآن عقيب الصلاة اريد بها الواجب المالي في قبال الواجب البدني، نعم الصدقة لا تشمل الخمس.

و لا يتوهم كون الزكاة حقيقة شرعية إذ لم يكن بناء الشرع على وضع اللغات و إنما استعملت الألفاظ بتناسب معانيها اللغوية ثم صارت في عرف المتشرعة بنحو الحقيقة المصطلحة.

(1) نذكر بعض ما دلّ على وجوبها و حرمة منعها:

الأول: ففي صحيحة حريز، عن زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم، انهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن اوتوا من منع من منعهم حقّهم

لا مما فرض اللّه لهم و لو ان الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير «2».

الثاني: و في رواية معتّب، مولى الصادق- عليه السلام- قال: قال الصادق: انما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء و لو ان الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّه له، و ان الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء، و حقيق على اللّه- تبارك و تعالى- ان يمنع رحمته ممّن منع حق اللّه في ماله، و اقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرزق انه ما ضاع مال في برّ و لا بحر إلّا بترك الزكاة، و ما صيد صيد في برّ و لا بحر إلّا بترك التسبيح في ذلك اليوم، و ان أحب الناس الى اللّه- تعالى- أسخاهم كفا، و اسخى الناس من أدّى زكاة ماله و لم يبخل على المؤمنين بما افترض اللّه لهم في ماله «3».

الثالث: و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» انه قال: ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب و هو قول اللّه- عز و جل-: «سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» يعني ما بخلوا به من الزكاة «4».

الرابع: و في رواية عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: ما ادّى أحد الزكاة فنقصت

______________________________

(1)- سورة مريم، الآية 31.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث

6.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 11

[منكر الزكاة و منكر الضروري]

و منكره مع العلم به كافر (1)

______________________________

من ماله و لا منعها أحد فزادت في ماله «1».

الخامس: و في رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: ما من رجل يمنع درهما في حقه إلّا أنفق اثنين في غير حقه، و ما من رجل يمنع حقا في ماله إلّا طوّقه اللّه به حيّة من نار يوم القيامة «2». و امثال هذه الرواية شاهدة على تجسّم الأعمال.

السادس: و في صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من منع حقا للّه- عز و جل- أنفق في باطل مثليه «3».

السابع: و في خبر ابن مسكان، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: بينما رسول اللّه «ص» في المسجد إذ قال: قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى اخرج خمسة نفر، فقال:

اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه و أنتم لا تزكّون «4».

و الواجبات المالية كانت في اختيار حكومة الإسلام و كان رسول اللّه «ص» يبعث العمّال لجمعها و كذا كانت السيرة بعده.

و بالجملة الأخبار في باب فرض الزكاة و حرمة منعها في غاية الكثرة و إنما ذكرنا بعضها نموذجا فراجع.

(1) أقول: ذكروا في كتاب الطهارة ان الكافر من ينكر الألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريّا من ضروريات الدين فنقول:

هل لإنكار الضروري موضوعية فهو موجب للكفر مطلقا أو لرجوعه الى انكار الرسالة و لو ببعضها و كون شي ء ضروريا امارة على التفات الشخص الى كونه جزء من الدين فلو ثبت كون انكاره لشبهة فلا يوجب الكفر أو لا

أثر للضرورية أصلا و لو بعنوان الامارة فلو احتمل في حقه الشبهة أيضا لا يحكم بكفره؟

ظاهر بعض العبارات الأول، ففي كتاب الطهارة من الشرائع: «الكافر و ضابطه كل من خرج عن الإسلام أو من انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة كالخوارج و الغلاة».

و في الارشاد: «و الكافر و إن أظهر الإسلام إذا جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة كالخوارج و الغلاة»، و نحوهما غيرهما.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 12

..........

______________________________

و لكن في مفتاح الكرامة: «و هنا كلام في أن جحود الضروري كفر في نفسه أو يكشف عن انكار النبوة مثلا؟ ظاهر هم الأول و احتمل الاستاذ الثاني قال: فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بتكفيره إلّا ان الخروج عن مذاق الأصحاب مما لا ينبغي».

و فيه أيضا: «و في مجمع البرهان: المراد بالضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقينا كونه من الدين و لو بالبرهان و لو لم يكن مجمعا عليه إذ الظاهر ان دليل كفره هو انكار الشريعة و انكار صدق النبي «ص» مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقينا عنده و ليس كل من أنكر مجمعا عليه يكفر، بل المدار على حصول العلم و الانكار و عدمه إلّا انه لما كان حصوله في الضروري غالبا جعل ذلك مدارا و حكموا به فالمجمع عليه ما لم يكن

ضروريا لم يؤثر».

و ظاهر ما حكاه في عبارته الأولى عن استاذه كاشف الغطاء من النسبة الى مذاق الأصحاب توهم كون المسألة اجماعية و لكن ليعلم ان المسألة ليست من المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام- و لم تذكر في الكتب المعدّة لنقلها كالمقنعة و النهاية و لم أجدها بهذه العبارة في الكتب قبل الشرائع.

نعم في الغنية كلام يقرب منها قال: «فصل في الردّة: متى أظهر المرء الكفر باللّه أو برسوله أو الجحد بما يعم فرضه و العلم به من دينه كوجوب الصلاة أو الزكاة أو ما يجري مجرى ذلك بعد اظهار التصديق به كان مرتدّا». فقوله: «الجحد بما يعم فرضه و العلم به» يقرب من انكار الضروري.

و بالجملة فليس كون انكار الضروري موجبا للكفر بنفسه مذكورا في كتب القدماء من أصحابنا فلا وجه لادعاء الشهرة في المسألة فضلا عن الاجماع، و اجماع المتأخرين على فرض ثبوته لا يفيد.

و ليس الاجماع بما هو اجماع حجة عندنا و ان جعله المخالفون حجة و استدلوا عليها بأمور: منها ما رووه عن النبي «ص» انه قال: «لا تجتمع أمتي على خطأ» و الحديث لم يثبت عندنا و إنما نؤمن بحجية الاجماع إذا كان كاشفا عن قول المعصومين- عليهم السلام- فمحله المسائل الأصلية المتلقاة يدا بيد لا المسائل التفريعية الاستنباطية.

و على هذا فليس لإنكار الضروري موضوعية و ليس بنفسه موجبا للكفر بل ان رجع انكاره الى انكار الرسالة بأن كان ملتفتا الى كونه من الدين و مع ذلك أنكره.

فان قلت: فعلى هذا لا يبقى فرق بين الضروري و غيره أصلا.

قلت: نعم و لذا مرّ عن مجمع البرهان كفر من أنكر ما ثبت عنده كونه من الدين بالبرهان و لو

لم يكن مجمعا عليه فضلا عن كونه ضروريا.

نعم لعل بينهما فرقا في مقام الاثبات فلو كان أحد في مناطق الإسلام و بلاده و نشأ بين المسلمين بحيث يبعد جدّا عدم علمه بواضحات الإسلام و ضرورياته فتصير ضرورية المسألة امارة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 13

..........

______________________________

عقلائية على علمه بكونها من الإسلام و يرجع إنكارها الى انكار أصل الرسالة و لو يجزئها و إلّا فلو ثبت كون انكار الشخص لشبهة أو كان الشخص جديد الإسلام أو بعيدا عن مناطق الإسلام فلا امارة و لا طريق الى احراز كون انكاره راجعا الى انكار الرسالة و الإسلام و لأجل ذلك قال في المتن: «و منكره مع العلم به كافر».

هذا، و القائلون بكون انكار الضروري مطلقا موجبا للكفر يتمسكون بوجوه:

الأول: ان الإسلام عبارة عن مجموع العقائد و الأحكام المخصوصة المقررة من جانب اللّه و يجب على المسلمين الالتزام بها فمن أنكر واحدا منها فقد أنكر الإسلام ببعضه.

إن قلت: لنا أخبار كثيرة تدل على أن الإسلام الذي به تحقن الدماء و تحل المناكح و يثبت التوارث شهادة أن لا إله إلّا اللّه و ان محمدا رسول اللّه.

قلت: أولا ان ذلك لجديد الإسلام، و ثانيا ان الشهادة بالرسالة في الحقيقة اقرار بجميع ما جاء به الرسول فانكار بعضها يرجع الى انكار الرسالة.

الثاني: اجماعهم على موضوعية انكار الضروري، لعطفه في كلماتهم على من خرج عن الإسلام، و ظاهر العطف المغايرة و لعدم تقييده بالعلم، و لتقييدهم إياه بالضروري، إذ لو كان الملاك الرجوع الى انكار الرسالة لجرى في كل ما علم أنه من الدين و ان لم يكن ضروريا، و لتمثيلهم له بالخوارج و الغلاة و النواصب مع ان كثيرا منهم لا

يعلمون بمخالفتهم في ذلك للدين بل ربما يتقربون بذلك الى اللّه سبحانه.

الثالث: اخبار مستفيضة متفرقة في الأبواب المختلفة، و سيأتي ذكرها.

أقول: يرد على الأول ان مقتضاه كفر من أنكر واحدا من أحكام الإسلام سواء كان ضروريا أو غيره و سواء كان عالما بكونه من الإسلام أو جاهلا مقصرا أو قاصرا حتى انه يجوز تكفير كل مجتهد لغيره اذا أفتى بخلاف ما أفتى به هذا المجتهد لأنه بفتواه بخلاف هذا المجتهد أنكر ما أفتى به هذا، و لا يمكن أن يلتزم بهذا أحد.

و يرد على الثاني منع الاجماع في المسألة لما عرفت من أن عنوان مسألة الضروري و ايجاب انكاره للكفر كان من المحقق و من بعده فيما أعلم و لم يكن في كلمات القدماء ذكر منه و التمثيل بالغلاة و الخوارج أيضا في كلمات المتأخرين.

نعم مرّ من ابن زهرة في الغنية: «الجحد بما يعم فرضه و العلم به من دينه»، و لكن لا يخفى ان كلمة «الجحد» لا تطلق إلّا في الانكار مع العلم، ففي الصحاح: «الجحود الانكار مع العلم»، و في المفردات «الجحود نفي ما في القلب اثباته و اثبات ما في القلب نفيه ... قال- عز و جل-:

و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم» «1». و ذكر المتأخرين للضروري لعله كان من جهة ان

______________________________

(1)- سورة النمل، الآية 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 14

..........

______________________________

ضرورية المسألة و كونها بديهية سبب للعلم بها فأرادوا بذلك كون الانكار عن علم أو لكونها امارة على كون المنكر عالما بكونها من الدين إذا كان الشخص ممن نشأ في محيط المسلمين فلو أنكر أحد مثلا كون الزوايا الثلاث في المثلث مساوية لقائمتين امكن كون انكاره عن جهل بالمسألة و

أما إذا أنكر أحد كون مضروب الاثنين في نفسه أربعة فلا يحمل انكاره طبعا على كونه عن جهل بعد كون المسألة بديهية يعرفها كل أحد و هذا لا ينافي كونه عن جهل إذا صدر ممن يحتمل في حقه ذلك.

و كيف كان فليس لإنكار الضروري موضوعية في ايجاب الكفر بل انكار كل حكم إذا رجع الى انكار الرسالة صار سببا للكفر و إلّا فلا.

و لا يخفى ان انكار الألوهية و التوحيد و الرسالة موجب للكفر و لو كان عن جهل و قصور فان العذر و القصور و عدم العذاب أمر، و الإسلام و الاعتقاد به أمر آخر فالمنكر لهذه الأصول أو لواحد منها ليس مسلما و إن كان قاصرا معذورا و لا محالة لا عقاب عليه عقلا فتدبر.

بقى الكلام في الاخبار التي ربما يتوهم دلالتها على المسألة فلنتعرض لها اجمالا:

فالأول: ما رواه في أصول الكافي صحيحا الى عبد الرحيم القصير قال: كتبت مع عبد الملك بن أعين الى أبي عبد اللّه «ع» أسأله عن الايمان ما هو؟ فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين سألت- رحمك اللّه- عن الايمان، و الايمان هو الإقرار باللسان و عقد في القلب و عمل بالأركان، و الايمان بعضه من بعض و هو دار و كذلك الإسلام دار و الكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا و لا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام قبل الايمان و هو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى اللّه- عزّ و جلّ- عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان و ثابتا عليه اسم الإسلام فان تاب و استغفر عاد إلى

دار الايمان، و لا يخرجه الى الكفر إلّا الجحود و الاستحلال ان يقول للحلال: هذا حرام و للحرام: هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام و الايمان، داخلا في الكفر و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة و أحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة و عن الحرم فضربت عنقه و صار الى النار. «1» و عبد الرحيم القصير و إن لم يوثق في الرجال و لكن نقل الكليني و الصدوق لرواياته يوجب نحو اعتبار له و لعله يستفاد من ترحم الصادق- عليه السلام- عليه كونه إماميا حسن الحال، و نقل الصدوق للحديث يتفاوت مع نقل الكليني و لعل نقل الكليني أصحّ.

و كيف كان فنقول ليس في الحديث اسم من الضروري، و لفظ الجحود كما مرّ يطلق على الانكار مع العلم لا مطلق الانكار، و لو سلم انه أعمّ فالمحتملات في الحديث أربعة:

الأول: ان الألفاظ وضعت للمعاني الواقعية فيكون المراد ان من قال للحلال الواقعي: انه

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب ان الإسلام قبل الايمان، ص 27.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 15

..........

______________________________

حرام، و للحرام الواقعي: هذا حلال، و مقتضاه كون انكار الحكم الواقعي موجبا للكفر مطلقا سواء كان ضروريا أو غيره و عن علم أو جهل تقصيرا أو قصورا.

الثاني: ان يراد بالحلال و الحرام ما ثبت عند جميع فرق المسلمين و مذاهبهم حليته أو حرمته.

الثالث: ان يراد بهما ما كان ضروريا و بديهيا منهما.

الرابع: ان يراد بهما ما كان كذلك في علم الشخص المنكر.

و أظهر الاحتمالات الاحتمال الأول و لكن لا يمكن أن يلتزم به أحد كما مرّ فيتردد الأمر بين الثلاثة الأخر و

أظهرها الأخير فيختص الكفر بالمنكر مع العلم و لا أقل من بقاء الترديد و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال فلا دلالة في الحديث على كون عنوان الضروري موجبا للكفر فتدبر.

هذا، و تشبيهه- عليه السلام- الإسلام و الايمان بالحرم و الكعبة أولا من جهة كون النسبة بينهما بالعموم و الخصوص و ثانيا من جهة ان الكعبة مما يعرفها كل أحد بخلاف الحرم و المسجد فالاهانة لها لا محالة تقع عن علم و عمد و لكن لو فرض لأحد شبهة في ذلك فأحدث فيها عن شبهة فهل يضرب عنقه؟ لا يمكن الالتزام بذلك و يشهد لهذا موثقة سماعة حيث ورد فيها: «لو ان رجلا دخل الكعبة فافلت منه بوله أخرج من الكعبة و لم يخرج من الحرم فغسّل ثوبه و تطهر، ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة، و لو ان رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة و من الحرم و ضربت عنقه» «1». فحكم القتل مرتب على البول عنادا لا مطلقا.

الحديث الثاني: خبر أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر «ع» قال: قيل لأمير المؤمنين «ع» من شهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه «ص» كان مؤمنا؟ قال: فأين فرائض اللّه، قال:

و سمعته يقول: كان علي «ع» يقول: لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم و لا صلاة و لا حلال و لا حرام. قال: و قلت لأبي جعفر «ع»: ان عندنا قوما يقولون: إذا شهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه «ص» فهو مؤمن؟ قال: فلم يضربون الحدود؟ و لم تقطع أيديهم؟! و ما خلق اللّه- عزّ و جلّ- خلقا أكرم على اللّه- عزّ و

جلّ- من المؤمن، لأن الملائكة خدّام المؤمنين و ان جوار اللّه للمؤمنين و ان الجنة للمؤمنين و ان الحور العين للمؤمنين، ثمّ قال: فما بال من جحد الفرائض كان كافرا؟ «2».

أقول: أولا ان الجحد كما عرفت هو الانكار عن علم لا مطلقا و ثانيا ليس في الحديث اسم من الضروري و المحتملات فيه أربعة كما عرفت في الحديث الأول و الكلام الكلام و ثالثا الكفر لغة الستر. يقال: «كفره» أي ستره و غطّاه و يقال للّيل «كافر» لستره الأشخاص و الأشياء

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب ان الإسلام قبل الايمان، ص 28.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر، ص 33.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 16

..........

______________________________

و للزارع «كافر» لستره البذور في الأرض. قال اللّه- تعالى- «كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ» «1»، أي الزّراع كما عن بعض المفسرين. و للكفر في الانسان مراتب بلحاظ مراتب ستر الايمان و الفطرة فمرتبته الكاملة مقابل الإسلام و لكن قد يطلق في مقابل الايمان أيضا كما في هذا الحديث بل قد يطلق على كل مرتكب للمعصية انه كافر، و في الحديث: «لا يزني الزاني و هو مؤمن» «2». و الكفر المبحوث عنه في كتاب الطهارة و المترتب عليه الأحكام الخاصة هو الكفر المقابل للإسلام و ليس في الحديث اسم منه.

الثالث: ما في الكافي أيضا عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عليا- عليه السلام- يقول و أتاه رجل فقال له: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا و أدنى ما يكون به العبد كافرا و أدنى ما يكون به العبد ضالا؟ فقال له: قد سألت فافهم الجواب اما أدنى ما يكون به العبد

مؤمنا أن يعرّفه اللّه- تعالى- نفسه ... و أدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم ان شيئا نهى اللّه عنه ان اللّه أمر به و نصبه دينا يتولى عليه و يزعم انه يعبد الذي أمره به و إنما يعبد الشيطان، الحديث «3».

و الجواب عنه أولا جريان الاحتمالات الأربعة المذكورة في الحديث الأول فيه أيضا فلا يتعين حمله على انكار الضروري فقط و ثانيا ان الكفر فيه مقابل الايمان لا الإسلام و لا أثر فقهي له.

الرابع: ما رواه الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: سنن رسول اللّه «ص» كفرائض اللّه- عزّ و جل-؟ فقال: ان اللّه- عزّ و جل- فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافرا، الحديث «4». و داود بن كثير و ان اختلفوا في وثاقته و لكن الحسن بن محبوب من أصحاب الاجماع.

و الجواب عن الحديث أيضا أولا ما مرّ من كون الجحد هو الانكار مع العلم و ثانيا جريان الاحتمالات الأربعة فيه.

الخامس: خبر موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الكفر و الشرك أيّهما أقدم؟

قال: فقال لي: ما عهدي بك تخاصم الناس، قلت: أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك، فقال لي: الكفر أقدم و هو الجحود، الحديث «5». و موسى بن بكر واقفي و الأمر في سهل سهل كما ذكر في محله.

و الجواب ما مرّ من أن الجحود الانكار مع العلم لا مطلقا و ليس في الحديث اسم من

______________________________

(1)- سورة الحديد، الآية 20.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكبائر، ص 285.

(3)- أصول الكافي ج 2

كتاب الايمان و الكفر باب أدنى ما يكون به العبد مؤمنا، ص 414.

(4)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكفر، ص 383.

(5)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكفر، ص 385.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 17

..........

______________________________

الضروري.

السادس: صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: كل شي ء يجرّه الاقرار و التسليم فهو الايمان و كل شي ء يجرّه الانكار و الجحود فهو الكفر «1».

و الجواب أولا ان الكفر فيه مقابل الايمان لا الإسلام و ثانيا ما مرّ في معنى الجحود.

السابع: خبر أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: اخبرني عن وجوه الكفر في كتاب اللّه- عزّ و جل- قال: الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود و الجحود على وجهين، الحديث «2».

و الحديث مفصل و حاصله ان الكفر في القرآن خمسة أوجه: الأول الجحود بالربوبية، الثاني الجحود على معرفة و هو أن يجحد الجاحد و هو يعلم انه حق، الثالث كفر النعم، الرابع ترك ما أمر اللّه به، الخامس كفر البراءة.

و الجواب ان كفر منكر الربوبية واضح و الجحود أيضا مرّ معناه و الأقسام الثلاثة الأخر لا أثر فقهي لها.

الثامن: صحيحة بريد العجلي، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا قال: فقال: من قال للنواة: انها حصاة و للحصاة: انها نواة ثم دان به «3».

و الجواب أولا ان المسؤول عنه حيثية الشرك لا الكفر و ثانيا ان لازم الحديث باطلاقه كفاية انكار كل حكم للحكم بالشرك ضروريا كان أم لا عن علم أو عن جهل تقصيرا أو قصورا و لا يقول به أحد فيجب أن

يحمل على الانكار عن علم أو على كون الشرك ذا مراتب و ليست كل مرتبة منه موجبة للكفر بالاصطلاح الفقهي فتدبر.

التاسع: موثقة مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: الكبائر: القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و قتل النفس التى حرّم اللّه و عقوق الوالدين و أكل مال اليتيم ظلما و أكل الربا بعد البينة و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار من الزحف، فقيل له: أ رأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها، أ تخرجه من الايمان، و ان عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين أو له انقطاع؟ قال: يخرج من الإسلام إذا زعم انها حلال و لذلك يعذّب أشدّ العذاب و إن كان معترفا بأنها كبيرة و هي عليه حرام و انه يعذب عليها و انها غير حلال، فانه معذّب عليها و هو أهون عذابا من الأول و يخرجه من الايمان و لا يخرجه من الإسلام «4».

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكفر، ص 387.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب وجوه الكفر، ص 389.

(3)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الشرك، ص 397.

(4)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكبائر، ص 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

و الرواية صريحة في ان مرتكب الكبيرة مع الاعتراف بها لا يكون كافرا فيجب أن يحمل ما دلّ على كفر العاصي أو مرتكب الكبيرة على ارادة بعض مراتب الكفر غير المضرة باسلام الشخص، و حيث ان مورد هذا الفرض أعني فرض الاعتراف هو صورة علم الشخص بكونها كبيرة يكون مورد الفرض

الأول أعني صورة زعم الحلية و انكار الحرمة أيضا صورة العلم فيرجع انكاره الى انكار الرسالة قهرا.

و قد يتوهم ان اسناد الفعل الى الفاعل المختار ظاهر في التفات الفاعل الى العنوان الذي ينطبق على هذا الفعل و يكون موضوعا للحكم في لسان الدليل فاذا قلنا: «فلان ارتكب كبيرة» يكون ظاهرا في ارتكابه لها ملتفتا الى كونها كبيرة و اذا قلنا: «فلان شرب خمرا» يكون ظاهرا في شربه له ملتفتا الى كونه خمرا.

و فيه ان الاسناد و ان دلّ على وقوع الفعل عن الفاعل عن علم و اختيار في مقابل الفاعل في النوم أو عن اكراه و لكن لا ظهور له في التفات الفاعل الى العنوان الذاتي لموضوع فعله فاذا قلنا:

«شرب زيد خمرا» يكون الاسناد ظاهرا في الشرب مع العلم و الاختيار و أما التفاته الى كون المشروب خمرا فدلالة الاسناد عليه ممنوعة و كون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية لا يلازم التفات الفاعل اليه و إلّا فلو كان المشروب خمرا واقعا و لكن الفاعل زعم كونه ماء و شربه يلزم مجازية قولنا حينئذ: «شرب زيد خمرا»، و بالجملة فالخمر موضوع للخمر الواقعي لا لمعلوم الخمرية و الاسناد أيضا لا يستفاد منه إلّا وقوع الفعل عن علم و اختيار و أما التفاته الى عنوان الخمرية فلا يستفاد هذا.

و لكن في المقام يجب أن يحمل المرتكب للكبيرة في الحديث على مرتكبها مع الالتفات الى كونها كبيرة اذ المحتملات كما عرفت في شرح الحديث الأول أربعة: المرتكب للكبيرة مطلقا ضرورية أم لا عن علم أو عن جهل عن تقصير أو عن قصور، و المرتكب لما هو كبيرة عند جميع المذاهب و الفرق، و المرتكب لما هو كبيرة و حرام

بالضرورة، و المرتكب لما هو كبيرة عند الفاعل و في علمه، و أظهر الاحتمالات و ان كان هو الأول و لكنه لا يمكن الالتزام به و لا يلتزم به أحد فيدور الأمر بين الثلاثة الأخر و أظهرها الأخير و يؤيده ما مرّ من كون مورد الاعتراف أيضا صورة العلم و لو سلّم بقاء الترديد بطل الاستدلال فحملها على ما هو حرام و كبيرة بالضرورة لا دليل عليه.

العاشر: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام و ان عذّب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدّة و انقطاع؟ فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلك من الإسلام

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 19

..........

______________________________

و عذّب أشدّ العذاب و ان كان معترفا انه أذنب و مات عليه أخرجه من الايمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الأول «1». و الكلام فيه الكلام في سابقة.

فان قلت: اذا كان الملاك كون الانكار عن علم حتى يرجع الى انكار الرسالة فلا يكون فرق بين الكبيرة و غيرها فلم خصّت بالذكر؟

قلت: الكبيرة ذكرت في كلام السّائل و لعله كان مرتكزا في ذهنه ما يعتقده بعض من كون فعل الكبائر مخرجا عن الإسلام، و الامام- عليه السلام- ردّ هذا الاعتقاد. و ما احتاطه بعض محشّي العروة من كون انكار الكبيرة موجبا للكفر فمأخذه هذان الحديثان و ليس الملاك حينئذ عنوان الضروري بل عنوان الكبيرة و بينهما عموم من وجه و قد عرفت جريان الاحتمالات الاربعة في الحديثين فيمكن حملهما على صورة الانكار عن علم كما كان الاعتراف أيضا

في مورد العلم.

و قد تلخص مما ذكرنا في جواب الروايات التي ربما يتوهم دلالتها على كون انكار الضروري بنفسه موجبا للكفر أولا ان الكفر في كثير منها ذكر في مقابل الايمان لا الإسلام و ثانيا اشتمال اكثرها على لفظ الجحود و هو يختص بصورة الانكار عن علم و ثالثا ان المحتملات فيها أربعة و أظهرها بحسب الاطلاق الأول و لكن حيث لا يلتزم به أحد يكون أظهر الثلاثة الباقية الأخير أعني صورة كون الإنكار عن علم و لو منعت الأظهرية بطل الاستدلال مع الاحتمال فلا دليل على خصوص عنوان الضروري.

و هنا ثلاث روايات أخر تشتمل على مضمون آخر ربما يتفاوت مع ما سبق:

الأولى: رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا «2».

و لا يخفى ان المراد بالعباد في الحديث ليس مطلق العباد بل الذين لهم سابقة الإسلام و لكن قد يعرض لهم شبهات في بعض المسائل و هذا كثير و لا سيما للشبان في أعصارنا و ليس المراد بالجهل الجهل المطلق و إلّا لم يناسب الجحد فانه الانكار عن علم كما عرفت فالمراد ان المسائل التي يعلم الانسان اجمالا بكونها من الدين و لكن يعرض له بسبب إلقاء الشيطان شبهة آنية فيها لو لم ينكرها الانسان جزما بل توقف فيها مقدمة للسؤال و التفحّص لم يخرج بذلك من الدين و الانسان لا يخلو غالبا من شك و من يهتم بذلك و يتعقبه بالسؤال و الاستفهام كان ذلك من كمال ايمانه كما في بعض الأحاديث.

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الكبائر، ص 285.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر

باب الكفر، ص 388.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 20

..........

______________________________

الثانية: رواية محمد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» جالسا عن يساره و زرارة عن يمينه فدخل عليه أبو بصير فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول فيمن شك في اللّه؟ فقال: كافر يا أبا محمد، قال: فشك في رسول اللّه؟ فقال: كافر، قال: ثم التفت الى زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد «1».

و يظهر من سابقها موردها و المراد منها.

الثالثة: خبر أبي اسحاق الخراساني قال: كان أمير المؤمنين «ع» يقول في خطبته: لا ترتابوا فتشكّوا و لا تشكّوا فتكفروا «2».

و الظاهر ان الشك أمر غير اختياري غالبا و لكن الارتياب يطلق فيما اذا اوجد الانسان باختياره مقدمات شكّه و ترديده، و لعل المراد ان الارتياب يتعقبه الشك و الشك قد يتعقبه الكفر لا ان الشك بنفسه كفر.

و كيف كان فسنخ الروايات الثلاث يخالف سنخ ما سبق.

و قد ظهر الى هنا عدم الدليل على موضوعية انكار الضروري و كونه بنفسه موجبا للكفر و لذا قال في طهارة العروة: «مع الالتفات الى كونه ضروريا بحيث يرجع انكاره الى انكار الرسالة، و الأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا»، و علقت عليه سابقا حينما كنت في السجن «لا دليل على عنوان الضروري، نعم الأحوط الاجتناب عن منكر المعاد و كذا عمن ارتكب كبيرة من الكبائر و زعم انها حلال و دان بذلك اذا لم يكن عن قصور»، و الآن أقول لا يلزم رعاية الاحتياط في غير منكر المعاد إلا إذا رجع الى انكار الرسالة. و لنذكر هنا بعض الفتاوى التي ربما يستفاد منها ايجاب انكار الضروري للكفر و القتل:

ففي باب الذبائح من المقنعة: «و يجتنب الأكل

و الشرب في آنية مستحلّي شرب الخمر و كل شراب مسكر».

و في الخلاف (- كتاب المرتد المسألة 9): «من ترك الصلاة معتقدا انها غير واجبة كان كافرا يجب قتله بلا خلاف».

و في النهاية: «من شرب الخمر مستحلا لها حلّ دمه ... و من استحل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام فقد ارتد بذلك عن دين الإسلام و وجب عليه القتل بالإجماع».

و في صوم المعتبر «من أفطر مستحلا فهو مرتدّ إن كان ممن عرف قواعد الإسلام».

فالعبارات السابقة مطلقة و لكن المحقق قيّد الحكم بمن عرف قواعد الإسلام مع انه في شرائعه

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الشك، ص 399.

(2)- أصول الكافي ج 2 كتاب الايمان و الكفر باب الشك، ص 399.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 21

[حكم مانع الزكاة]

بل في جملة من الأخبار ان مانع الزكاة كافر (1).

______________________________

أطلق كون انكار الضروري موجبا للكفر مطلقا و الظاهر ان مراد المطلقين أيضا صورة العلم و المعرفة نعم لا نأبى كما عرفت ان تكون ضرورية الحكم امارة على العلم ما لم ينكشف الخلاف، هذا ما عندنا هنا و محل تفصيل المسألة كتاب الطهارة فراجع.

(1) ففي رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم» و في روايته الأخرى، عنه- عليه السلام-: «ان الزكاة ليس يحمد بها صاحبها، إنما هو شي ء ظاهر إنما حقن اللّه بها دمه و سمي بها مسلما» «1»، الى غيرهما من الروايات و لكن يجب حملها على مراتب الكفر فقد عرفت ان الكفر بمعنى الستر و إن له مراتب بل للإسلام الذي هو بمعنى التسليم أيضا

مراتب و ليس كل كفر مصداقا للكفر المبحوث عنه في كتاب الطهارة بل قد مرّ بعض الروايات المصرّحة بعدم كفر مرتكبي الكبائر مع الاعتراف و يحتمل في بعض روايات الباب ان يراد بالكفر فيها البغي الموجب لجواز قتله فان الزكاة كانت مالية للإسلام و كانت تؤخذ من قبل الحكومة فمانعها باغ على الحكومة. و مما يسهّل الخطب ان التعبير بالكفر ورد في تارك الصلاة و تارك الحج و نحوهما أيضا فيجب حمل ذلك على بعض المحامل بداهة عدم ارادة الظاهر فيها فتدبر.

[في ان حق الحصاد واجب آخر مثل أم لا؟]

تنبيه: الزكاة و الخمس واجبان ماليان مقرران من قبل الشرع في موضوعات خاصة بمقدار مخصوص تحت شرائط و خصوصيات معينة لمصارف مشخصة، و في الشرع أيضا صدقات مستحبة و انفاقات مندوبة حثّ عليها الكتاب و السنة و قد يعرضها الوجوب بالنذر و أخويه و كذا في موارد الاضطرار أو حكم حاكم الإسلام و نحو ذلك و لكن هذا النسخ من الوجوب موقّت.

و هل هنا واجب مالي آخر عدا الخمس و الزكاة أو لا؟

قد يتوهم وجود واجبين ماليين غيرهما، أحدهما: حق الحصاد و الثاني: الحق المعلوم فلنتعرض لهما اجمالا.

أما حق الحصاد فيظهر من خلاف الشيخ كونه واجبا و كونه غير الزكاة المصطلحة، ففي (المسألة 1 من كتاب الزكاة): «يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة و هو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث و الحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ و به قال الشافعي و النخعي و مجاهد، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قوله تعالى: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فأوجب اخراج حقه يوم الحصاد و الأمر يقتضي الوجوب ... و أيضا روت فاطمة بنت

قيس ان النبي «ص» قال: في المال حق سوى الزكاة و روى حريز عن زرارة و محمد بن مسلم ...». فتراه- قدس سره- صرح بالوجوب و استدل عليه بالإجماع و بروايتين من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 22

..........

______________________________

طرق الفريقين و الضغث معلوم و الحفنة: ملأ الكفين من الشي ء.

و في الانتصار بعد ذكر قوله- تعالى-: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» و بيان انه شي ء غير الزكاة قال: «لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد و ان لم يكن مقدرا بل موكولا الى اختيار المعطي لم يكن بعيدا من الصواب».

و في هداية الصدوق بعد ذكر الآية: «و لا يجوز الحصاد و الجذاذ و البذر بالليل لأن المسكين لا يحضره».

هذا، و لكن المشهور عدم الوجوب و ادعاء الشيخ الاجماع على الوجوب عجيب و لكن الخلاف و كذا الغنية مشحونان من هذه الاجماعات و منشأها ورود الأخبار في المسألة بضميمة تحقق الاجماع على الأخذ بالأخبار.

و كيف كان فما يمكن أن يستدل بها للوجوب أمور:

الأول: اجماع الفرقة المدعى في الخلاف.

و فيه وجود الشهرة على الخلاف حتى ان الشيخ بنفسه أيضا لم يفت بالوجوب في غير خلافه.

الثاني: قوله- تعالى-: «وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّٰاتٍ مَعْرُوشٰاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشٰاتٍ وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّٰانَ مُتَشٰابِهاً وَ غَيْرَ مُتَشٰابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذٰا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» «1».

أقول: في مجمع البيان ما حاصله «ان في الآية قولين: احدهما: انه الزكاة العشر أو نصف العشر، عن ابن عباس و محمد بن الحنفية و

زيد بن أسلم ... و الثاني: انه ما تيسّر مما يعطى المساكين، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه و عطا و مجاهد و ابن عمر ... و قال ابراهيم و السدّي الآية منسوخة بفرض العشر و نصف العشر».

و في الفقه على المذاهب الأربعة أيضا حمل الآية على الزكاة.

و بالجملة فالجواب عن الاستدلال بالآية بوجهين:

الأول: حملها على الزكاة الواجبة.

فان قلت: لا يمكن تأدية الزكاة يوم الحصاد.

قلت: أولا ان المراد باليوم الزمان و زمان الحصاد واسع الى يوم التصفية و ذكره لتشريع أداء الزكاة قبل حمل الغلات الى المنزل. و ثانيا ان يوم الحصاد ظرف للحق لا للإيتاء فالمراد ايجاب اعطاء الحق الثابت في يوم الحصاد و الزكاة ثابتة يوم الحصاد لتعلقها حين انعقاد الحب.

الثاني: ان الحق فيها غير الزكاة و لكن الأمر محمول على الندب و حمل الأمر على الندب في

______________________________

(1)- سورة الأنعام، الآية 141.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 23

..........

______________________________

الكتاب و السنة غير عزيز و يشهد للحمل على الندب بعض الأخبار الآتية.

و في نفس الآية قرينة على كون الحق فيها غير الزكاة و هو قوله: «لٰا تُسْرِفُوا»*.

ففي الانتصار: «روي عن أبي جعفر- عليه السلام- في قوله- تعالى- «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: ليس ذلك الزكاة أ لا ترى انه- تعالى- قال: «لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»* و هذه نكتة مليحة منه- عليه السلام- لان النهي عن السرف لا يكون إلّا فيما ليس بمقدر و الزكاة مقدرة».

الثالث: اخبار مستفيضة ذكرها في الوسائل في الباب 13 و 14 من أبواب زكاة الغلات.

فمنها صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السلام- في قول اللّه- عزّ و جل-:

«وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فقالوا جميعا: قال أبو جعفر: هذا من الصدقة تعطى المسكين القبضة بعد القبضة، و من الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ، الحديث «1».

و قد يقال ان قوله: «من الصدقة» يشعر بالاستحباب.

و فيه ان الزكاة المفروضة أيضا صدقة كما يشهد بذلك قوله- تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» المفسر بالزكاة، و كذا قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...».

و يحتمل ضعيفا ان يراد بقوله: «من الصدقة» الزكاة يعني بذلك ان الزكاة لا يجب تأخيرها الى التصفية بل الانسان يشرع في أدائها من يوم الحصاد الى أن تفرغ.

و لكن يردّ هذا الاحتمال بعض الاخبار الأخر.

و منها خبر أبي مريم، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ- «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: تعطى المسكين يوم حصادك الضغث، ثم إذا وقع في البيدر، ثم إذا وقع في الصاع العشر و نصف العشر «2».

و منها خبر العياشي، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» في قوله: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: حقّه يوم حصاده عليك واجب و ليس من الزكاة تقبض منه الضغث من السنبل لمن يحضرك من السؤال، و لا تحصد بالليل و لا تجز بالليل لأن اللّه يقول: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» فاذا أنت حصدته بالليل لم يحضرك السؤال و لا تضحى بالليل «3»، الى غير ذلك من الأخبار و ظاهرها و إن كان الوجوب كظاهر الآية و لكن يجب حملها على الاستحباب بقرينة أخبار أخر:

منها خبر معاوية بن شريح قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: في الزرع حقان: حق تؤخذ به و حق تعطيه، قلت: و ما الذي اوخذ به و ما الذي أعطيه؟ قال:

أما الذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر، و أما الذي تعطيه فقول اللّه- عزّ و جل-: «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» يعني من حضرك

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 24

..........

______________________________

الشي ء بعد الشي ء و لا أعلمه الا قال: الضغث ثم الضغث حتى يفرغ «1». فان مقابلة الحقين ظاهرة في عدم وجوب الثاني لعدم الأخذ به، اللهم إلّا ان يقال: لا مانع من وجوب كليهما إلّا ان الأول يأخذه الحاكم و الثاني محوّل الى شخص المكلف.

و الظاهر كون معاوية بن شريح هو معاوية بن ميسرة بن شريح فنسب الى جده و يمكن ادراج خبره في الحسان و لا سيما لرواية ابن أبي عمير عنه هنا.

و منها خبر معمر بن يحيى انه سمع أبا جعفر- عليه السلام- يقول: لا يسأل اللّه عبدا عن صلاة بعد الفريضة و لا عن صدقة بعد الزكاة «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن الحسين قال: قال رسول اللّه «ص»: شهر رمضان نسخ كل صوم و النحر نسخ كل ذبيحة و الزكاة نسخت كل صدقة و غسل الجنابة نسخ كل غسل «3».

و يشهد للاستحباب أيضا اشتمال بعض الأخبار على الصدقة من البذر كقوله في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «و كذلك البذر، لا تبذر بالليل لأنك تعطى في البذر كما تعطى في الحصاد» «4»، و لم يقل بوجوبه أحد فالسياق يدل على الاستحباب في يوم الحصاد أيضا.

و يحتمل بعيدا كون حق الحصاد واجبا أولا ثم

نسخ بالزكاة فان حق الحصاد مذكور في سورة الأنعام و هي مكية و الزكاة وجبت رسما في السنة التاسعة من الهجرة حيث نزل قوله- تعالى-:

«خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» فقرأها رسول اللّه للناس ثم أمهلهم سنة ثم طالبهم بالزكاة. هذا ما يتعلق بحق الحصاد.

[في أن الحق المعلوم واجب آخر مثل الزكاة أم لا]

و أما الحق المعلوم فلم ينسب وجوبه الى أحد إلا الى الصدوق، ففي الهداية: «باب المعلوم سئل الصادق- عليه السلام- عن قول اللّه: «فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» قال: هذا شي ء سوى الزكاة و هو شي ء يجب أن يفرضه على نفسه كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة».

و في الفقيه أيضا روى رواية سماعة الآتية المعبر فيها بالفرض و قال في أول الفقيه:

«و لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما أفتى به و أحكم بصحته».

و كيف كان فيستدل على وجوبه بقوله- تعالى-: «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسّٰائِلِ

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 25

..........

______________________________

وَ الْمَحْرُومِ» «1». و بأخبار مستفيضة ذكرها في الوسائل «2».

منها خبر سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: و لكن اللّه- عزّ و جلّ- فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال- عزّ و جل-: «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ» فالحق المعلوم غير الزكاة و هو شي ء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب

عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله فيؤدّي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم و إن شاء في كل جمعة و إن شاء في كل شهر و قد قال اللّه- عز و جل- أيضا «أَقْرَضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً»* و هذا غير الزكاة و قد قال اللّه- عز و جل- أيضا:

«يُنْفِقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ سِرًّا وَ عَلٰانِيَةً» و الماعون أيضا و هو القرض يقرضه و المتاع يعيره، و المعروف يصنعه، و مما فرض اللّه- عز و جل- أيضا في المال من غير الزكاة قوله- عز و جل-: «الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» و من أدّى ما فرض اللّه عليه فقد قضى ما عليه، و أدّى شكر ما أنعم اللّه عليه في ماله إذا هو حمده على ما أنعم اللّه عليه فيه مما فضّله به من السعة على غيره، و لما وفقه لأداء ما فرض اللّه- عز و جل- عليه و أعانه عليه.

و الحديث و سائر أخبار الباب تشتمل على أمور لا يقول بوجوبها أحد بل و نفس احالة الفرض و تعيين مقدار المفروض الى شخص المكلف من أوضح الأدلة على عدم الوجوب و الفرض بمعنى التقدير لغة كما ان الوجوب بمعنى الثبوت فلا صراحة فيهما بالنسبة الى الوجوب الفقهي الممنوع من تركه. بل الآية بعد الدقة في مفادها ربما تشعر بعدم الوجوب إذ لو كان الحق المعلوم واجبا لكان وجوبه من قبل اللّه و الحق ثابتا من قبله و بجعله و الذي كان في عهدة المكلف أدائه و امتثاله مع ان مفاد الآية بقرينة السياق كون نفس الحق و ثبوته أمرا اختياريا ثابتا من قبل المكلف فقبل الآية قوله:

«إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلٰاتِهِمْ دٰائِمُونَ» و كما ان الدوام على الصلاة فعل اختياري ثابت من قبل المكلف فكذلك ثبوت الحق في المال أيضا فعل اختياري له فلا يصح تسميته واجبا شرعيا فتدبر.

هذا، مضافا الى أن ما مرّ من الروايات التي نفينا بها وجوب حق الحصاد تدل على عدم وجوب الحق المعلوم أيضا. فالواجب من قبل اللّه- تعالى- بعنوان الواجب المالي المقرّر دائما ليس إلا الزكاة و الخمس. بل قد مرّ منا احتمال أن تعم الزكاة المرغب فيها في الإسلام و في ساير الأديان و المذكورة في الكتاب و السنة عدلا للصلاة للخمس الاصطلاحي أيضا فيراد بالزكاة مطلق الواجب المالي المقرّر لسدّ الخلّات بشعبها و الذي هو قسيم للخمس و حرم على النبي و آله الصدقة، فتأمّل.

______________________________

(1)- سورة المعارج، الآية 24 و 25.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 26

[شروط وجوب الزكاة]

[الأول: البلوغ]

اشارة

و يشترط في وجوبها أمور: الأول: البلوغ فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول (1)

______________________________

(1) هنا ثلاث مسائل يجب أن يبحث عنها: الأولى: في نقديه، الثانية: في مال تجارته، الثالثة: في غلاته و مواشيه.

[حكم الزكاة في نقدي الطفل]

أما النقدان ففقهاء الشيعة متفقة على عدم الزكاة فيهما لا وجوبا و لا ندبا و ادّعى جمع الاجماع فيها، نعم مقتضى اطلاق ابن حمزة في الوسيلة عدم الوجوب على الصبي و اللزوم في ماله لزوم الزكاة في ماله مطلقا فيؤدّيها الولي و لكن يرده الاجماع و أخبار الباب.

[حكم الزكاة في مال تجارة الطفل]

الثانية: زكاة مال تجارته فالمشهور على ثبوتها فيه استحبابا مثل البالغين و يدل عليه أخبار مستفيضة و منهم من قال بالوجوب فيها.

الثالثة: الغلات و المواشي ففيها ثلاثة أقوال: الأول: الوجوب الثاني: الاستحباب. الثالث:

عدم الوجوب و لا الاستحباب.

و أما أهل السنة فلم يفصلوا في مال الصبي بل اما حكموا فيه بالوجوب مطلقا أو العدم كذلك.

فلنحكي عبارة الخلاف (المسألة 41): «مال الصبي و المجنون إذا كان صامتا لا تجب فيه الزكاة و إن كان غلّات أو مواشي يجب على وليّه أن يخرج عنه، و قال الشافعي ما لهما مثل مال البالغ العاقل تجب فيه الزكاة و لم يفصّل و به قال عمرو ابن عمر و عائشة و رووه عن علي «ع» و عن الحسن بن علي «ع» و به قال الزهري و ربيعة و هو المشهور عن مالك و به قال الليث بن سعد و ابن أبي ليلى و أحمد و اسحاق و قال الأوزاعي و الثوري تجب الزكاة في مالهما لكن لا يجب إخراجها بل تحصى حتى إذا بلغ الصبي عرّفوه مبلغ ذلك فيخرجه بنفسه و به قال ابن مسعود و ذهب ابن شبرمة و أبو حنيفة و أصحابه الى أنه لا تجب في ملكهما الزكاة و لم يفصّلوا، دليلنا اجماع الفرقة و أيضا الأصل عدم الزكاة و ايجابها يحتاج الى دليل ... و يمكن أن يستدل بما

روي عن النبي «ص» انه قال: رفع القلم ... و لا يلزمنا مثل ذلك في المواشي و الغلات لأنا قلنا ذلك بدليل».

و في الناصريات: «و لا زكاة في مال الصبي في احد القولين، الصحيح عندنا أنه لا زكاة في مال الصبي من العين و الورق فأما الزرع و الضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا الى أن الامام يأخذ منه الصدقة و قال أبو حنيفة و أصحابه لا زكاة في مال اليتيم على العموم ...، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المقدم ذكره ... و أيضا ما روي عن النبي أنه قال: رفع القلم».

و كيف كان فعدم الزكاة في النقدين بالنسبة الى الصبي مقطوع به و يدل عليه مضافا الى الاجماع الأخبار المستفيضة و العجب من الشيخ عدم اشارته إليها في الخلاف.

فمنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: في مال اليتيم عليه زكاة؟ فقال: إذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 27

..........

______________________________

كان موضوعا فليس عليه زكاة، فاذا عملت به فأنت له ضامن و الربح لليتيم «1».

و منها صحيحة زرارة و محمد بن مسلم انهما قالا: ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي ء فاما الغلات فعليها الصدقة واجبة «2».

فالنقدين هما القدر المتيقن من المال و هل يختص بهما فتكون الغلات قسيما له أو يعمّ كل ماله مالية و قيمة فتكون الغلات قسما منها؟

لا يخفى ان في كلمات الشيخ الأنصاري- قدس سره- «ان بين المال و الملك عموما من وجه فالمال يقال لكل ماله مالية و قيمة بحيث يبذل بازائه المال و الملك يقال لماله اضافة خاصة الى شخص خاص فدار زيد مال و ملك له و الحبة من حنطة زيد

ملك له و ليس له مالية و أشجار الآجام مال و ليست ملكا لأحد».

و لكن ربما ينسبق الى الذهن من بعض الروايات كون المال منحصرا في النقدين و يؤيد ذلك كونهما معيار مالية الأشياء و قيمتها و بهما تقوّم الأشياء خارجا،

و في لسان العرب: «المال معروف، ما ملكته من جميع الأشياء ... قال ابن الأثير: المال في الأصل ما يملك من الذهب و الفضة ثم أطلق على كل ما يقتنى و يملك من الأعيان و اكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل لأنها كانت اكثر أموالهم».

فابن الأثير أيضا اعترف بأن الأصل في المال النقدان و كنت في قديم الوقت حينما أراجع روايات ابواب زكاة مال اليتيم و القرض و الدين و نحوها ينسبق الى ذهني اختصاص المال لغة او اصطلاحا عرفيا بالنقدين إذ هما المعيار للمالية و بهما يقوم الناس ثرواتهم و أرباحهم و خساراتهم.

هذا.

و لكن مع ذلك الأقوى عموم المال لجميع ما له مالية و قيمة و يبذل بازائه المال، و يشهد بذلك قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» بضميمة الروايات المستفيضة الواردة في تفسيرها من أن رسول اللّه «ص» قرأها بعد نزولها للناس و أمهلهم سنة ثم وضع الزكاة في تسعة و عفا عما سوى ذلك.

و من أخبار الباب أيضا صحيحة أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: ليس على مال اليتيم زكاة، و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه فيما بقي حتى يدرك فاذا أدرك فانما عليه زكاة واحدة ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس. كذا في نقل الكليني و لكن في نقل الشيخ لهذه الرواية اضافة «3» فنتعرض لها في

مسألة زكاة غلات الطفل.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3 و 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 28

..........

______________________________

و منها أيضا صحيحة يونس بن يعقوب قال: ارسلت الى أبي عبد اللّه «ع» ان لي اخوة صغارا فمتى تجب على اموالهم الزكاة؟ قال: اذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة، قلت:

فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: اذا اتّجر به فزكّه «1».

و منها أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- قال: سألته عن مال اليتيم، فقال: ليس فيه زكاة «2» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و اعلم ان الشيخ الطوسي حينما شرع في تأليف التهذيب شرحا لمقنعة شيخه المفيد كان بنائه ان يذكر في الروايات المذكورة جميع السند منه الى الامام المعصوم و لكنه بعد أن شرح مقدارا من كتاب الطهارة رأى ان هذا الأسلوب يوجب التطويل فبنى في نقل كل حديث على الابتداء باسم راو يأخذ الحديث من كتابه ثم ذكر في آخر التهذيب سنده الى مؤلف هذا الكتاب فصحيحة محمد بن مسلم الأخيرة مثلا أخذها الشيخ من كتاب سعد بن عبد اللّه و هو من الطبقة الثامنة يعني ان بينه و بين رسول اللّه «ص» بحسب الطبع سبع وسائط و الشيخ نفسه من الطبقة الثانية عشر فيكون بينه و بين سعد ثلاث وسائط طبعا و لم يكن بنائهم على نقل الحديث من كتاب إلّا إذا قرؤوه على شيخ و هكذا الى أن يصل الى من قرأ الكتاب على مؤلفه رعاية للاحتياط.

و

كيف كان فالأخبار المصرحة بعدم الزكاة في مال اليتيم مستفيضة ان لم تكن متواترة و النقدان هما القدر المتيقن من المال فلا زكاة فيهما من اليتيم لا وجوبا و لا ندبا بالإجماع و الأخبار الكثيرة، و اما حديث رفع القلم فلا يفيد هنا إذ المرفوع به قلم التكليف لا الوضع و لذا يثبت فيه الأحكام الوضعية و اليتيم لا خصوصية له فالمراد مطلق غير البالغ و يشهد لذلك مضافا الى وضوحه صحيحة يونس بن يعقوب التي مرت.

و قد اتضح بما ذكرنا عدم الزكاة في النقدين من الطفل لا وجوبا و لا استحبابا.

المسألة الثانية: الزكاة في مال التجارة لليتيم و يأتي البحث عنها عند تعرض المصنف لها في ذيل المسألة الأولى فانتظر.

[زكاة غلات الطفل و مواشيه]

المسألة الثالثة: في حكم الزكاة في غلات الطفل و مواشيه و الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: الوجوب و به قال الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج.

الثاني: الاستحباب و هو المشهور بين المتأخرين.

الثالث: عدم الوجوب و لا الاستحباب و به قال ابن ادريس، فلنذكر بعض عبارات

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 29

..........

______________________________

الأصحاب:

ففي الخلاف (المسألة 41): «مال الصبي و المجنون اذا كان صامتا لا تجب فيه الزكاة و ان كان غلات أو مواشي يجب على وليه أن يخرج عنه».

و في النهاية: «و اما المجانين و من ليس بكامل العقل فلا يجب عليهم الزكاة في اموالهم المودعة و تجب عليهم فيما يحصل لهم من الغلات و المواشي و حكم الأطفال حكم من ليس بعاقل من المجانين ...».

و في المقنعة: «لا

زكاة عند آل الرسول في صامت أموال الأطفال و المجانين ... و على غلاتهم و أنعامهم الزكاة ...».

و في الناصريات: «الصحيح عندنا انه لا زكاة في مال الصبي من العين و الورق فاما الزرع و الضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا الى أن الامام يأخذ منه الصدقة».

و في المختلف: «أوجب الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج الزكاة في غلات الطفل و المجانين و مواشيهم، و أوجب ابن حمزة الزكاة في مال الصبي ... و قال ابن ادريس لا زكاة على الأطفال و المجانين و نقله عن ابن أبي عقيل و هو الأقرب».

هذه بعض الكلمات في المقام.

و يدل على وجوب الزكاة العمومات الأولية الحاكمة بثبوت الزكاة في الأموال كقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و خصوص صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» انهما قالا: مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شي ء فاما الغلات فان عليها الصدقة واجبة «1».

و الوجوب ظاهر في الوجوب الاصطلاحي أعني الالزام على الفعل و على فرض ارادة معناه اللغوي أعني الثبوت يكون الوجوب الاصطلاحي الفرد الأكمل منه فينصرف اليه اطلاق اللفظ، و المذكور في الصحيحة و ان كان خصوص الغلات و لكن يتم الحكم في المواشي أيضا بعدم القول بالفصل بينهما.

فان قلت: العمومات الأولية مخصصة بحديث رفع القلم.

قلت: حديث رفع القلم يختص بباب التكاليف و لذا يثبت للصغير و المجنون الأحكام الوضعية من النجاسة و الجنابة و الضمانات، و الثابت في باب الزكاة أولا قلم الوضع و بعد ثبوته يتصدى الولي لامتثاله.

فان قلت: العمومات مخصصة بما مرّ من الروايات الحاكمة بعدم الزكاة في مال اليتيم.

______________________________

(1)- التهذيب ج 1 ص 356.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 1، ص: 30

..........

______________________________

قلت: أولا يحتمل أن يراد بالمال في تلك الروايات النقدان لكونهما الملاك و المعيار في المالية حتى في الأشياء الأخر و قد مرّ عن ابن الأثير ان المال في الأصل ما يملك من الذهب و الفضة، و ثانيا ان بين عمومات الزكاة في الغلات و المواشي و بين قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» عموما من وجه و لا دليل على تقديم الثاني على الأول في مورد التعارض.

هذا و لكن يرد في المقام أولا عدم ثبوت العموم فان قوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» محدود بما ورد في تفسيره في الروايات الكثيرة من ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة و عفا عما سوى ذلك و هذه الروايات ليست في مقام بيان ثبوت الزكاة في جميع التسعة بل في مقام بيان عدم الزكاة فيما سواها و قوله «فيما سقت السماء العشر» أيضا لا اطلاق له لكونه في مقام بيان الواجب لا بيان ما فيه الواجب فتأمل فان عموم الآية لا يختلّ بهذه الروايات على فرض كون الآية في مقام تشريع الزكاة لا في مقام الحث على أخذ الزكاة مما ثبت تشريعها فيه قبل ذلك، و ثانيا لا نسلم اختصاص المال بالنقدين فانه مفرد الأموال الواقعة في الآية و هي عامة لجميع الأموال كما هو المستفاد من الأخبار الواردة في تفسيرها، فلا محيص إلّا عن الأخذ باطلاق قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» و لا تراعى النسبة بينه و بين عمومات الزكاة في الغلات و المواشي، إذ نسبة العموم من وجه ثابتة بالنسبة الى أدلة زكاة النقدين أيضا فلو لم يؤخذ به لزم طرحه أو تخصيص بعض العمومات به دون بعض بلا مرجح،

مضافا الى ان لسان أدلة الزكاة لسان الاقتضاء للزكاة و لسان قوله «لا زكاة في مال اليتيم» لسان بيان المانع عنها و في أمثال ذلك يحكم العرف بتقديم الثاني فيكون المراد ان اليتيم مانع عن تعلق الزكاة مطلقا ثم على فرض لحاظ العموم من وجه يكون المرجع في مورد التعارض البراءة فتأمل.

و بالجملة لا مجال للأخذ بعمومات الزكاة على فرض ثبوتها بعد اطلاق قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» و صحيحة زرارة و محمد بن مسلم يعارضها صحيحة أبي بصير بنقل الشيخ الحاكمة بعدم الزكاة في غلات اليتيم و سيأتي ذكرها و شرحها فالقول بالوجوب في الغلات مخدوش فكيف بالمواشي التي لا دليل عليها.

[الفرق بين التعارض و الحكومة]

تنبيه: قد عرفت ان وجه تقديم قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» على العمومات الأولية مع كون النسبة بينه و بين كل منها عموما من وجه لحاظه بالنسبة الى جميعها و تقديمه عليها و إلّا لزم طرحه أو تخصيص بعضها دون بعض بلا مرجح مضافا الى أن لسان المانع يقدم على لسان الاقتضاء بحكم العرف و هو المعبر عنه بالتوفيق العرفي.

و لكن في مصباح الفقيه ان قوله: «ليس على مال اليتيم زكاة» حاكم على العمومات الأولية المثبتة الواردة في كل نوع نوع من الأجناس و لا يلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 31

..........

______________________________

أقول: الظاهر عدم صحة ما ذكره اذ المقام من باب التعارض لا الحكومة.

بيان ذلك ان التعارض عبارة عن ورود حكمين مختلفين بالايجاب و السلب على موضوع واحد في عرض واحد سواء اختلفا بالتباين أو بنحو العموم و الخصوص مطلقا أو من وجه، فمثال الأول قوله: «أكرم العلماء» و قوله: «لا تكرم العلماء» و مثال

الثاني قوله: «اكرم العلماء» و قوله:

«لا تكرم النحويين» و مثال الثالث قوله: «اكرم العلماء» و قوله: «لا تكرم الفساق» ففي العموم و الخصوص مطلقا أو من وجه أيضا يرد الايجاب و السلب في عرض واحد على موضوع واحد أعني الخاص و مورد الاجتماع ففي باب التعارض يتعرض كل واحد من الدليلين لنفس النسبة التي يتعرض لها الدليل الآخر كلا كما في المتباينين أو بعضا كما في العامين من وجه أو مطلقا و لكن يخالف معه بالايجاب و السلب فالموضوع في القضيتين واحد كلا أو بعضا و المحمول أيضا واحد و محط الاختلاف النسبة بينهما فتختلفان فيها بالايجاب و السلب.

و أما في الحكومة فدليل الحاكم لا يتعرض للنسبة التي تعرض لها دليل المحكوم بل يتعرض لحيثية أخرى لم يتعرض لها دليل المحكوم من قبيل مقدمات الحكم و مؤخراته، و بعبارة أخرى من الأمور الواقعة في سلسلة علل الأحكام أو في سلسلة معلولاتها، فاذا قال المولى: «اكرم العلماء» فما تعرض له هذا الدليل هو النسبة الواقعة بين العالم و وجوب الاكرام بنحو الايجاب فلو تعرض الدليل الثاني لنفس هذه النسبة كلا أو بعضا بنحو السلب فهو من باب التعارض و لكن قوله: «اكرم العلماء» مسبوق بتصور المولى و تصديقه و عزمه و ارادته و جعله و إنشائه و كذا الموضوع و المحمول و ملجوق بوجوب اطاعته و استحقاق العقوبة و الذم على مخالفته و كذا وجوب اعادته و قضائه مثلا و لكن ليست هذه الأمور مفاد القضية بالمطابقة بل مما يحكم العقل بتحققها سابقة أو لا حقة أو مقارنة للنسبة، فلو قال المولى بدل قوله: «لا تكرم النحويين»: «ما تصورت اكرام النحويين» أو «ما أردت اكرام النحويين»

أو «ما انشأت وجوب اكرام النحويين» أو «ما جعلته» أو «النحوي ليس بعالم» أو «حارس الثورة عالم» أو «لا يجب اطاعة اكرام النحوي» أو «لا أعاقب على ترك اكرامه» أو «لا يجب الاعادة أو القضاء على من تركه» ففي جميع هذه الأمثلة ضيّق الحكم الأول أو وسّعه و لكن الدليل الثاني لم يتعرض لنفس النسبة التي تعرض لها الدليل الأول بل تعرض لحيثية أخرى يكون نتيجتها تضييق الحكم الأول أو توسعته و لسان الحاكم مقدم على لسان المحكوم فانه بمنزلة الشارح و المفسر للمراد عنه و بما ذكرنا يظهر عدم انحصار الحكومة في توسعة الموضوع أو تضييقه كما اشتهر بل هما من مصاديقها و الملاك فيها تعرض الحاكم لجهة من الدليل الأول لم يتعرض هو لهذه الجهة بل مما حكم العقل بتحققها سابقة أو لا حقة أو مقارنة له، فقوله «اكرم العلماء» يتعرض لنسبة وجوب الاكرام الى العلماء و لا يتعرض لتصور المولى و تصديقه و ارادته و لا لمعنى العالم و معنى الاكرام و حدودهما و لا للجعل و الانشاء بالحمل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 32

..........

______________________________

الأولي و لا لوجوب الاطاعة و استحقاق العقوبة على المخالفة و وجوب الاعادة أو القضاء معها فاذا تعرض الدليل الثاني لجهة من هذه الجهات يحكم بكون الثاني حاكما على الأول و مفسّرا له و مقدما عليه مطلقا من غير ملاحظة النسبة بينهما فتدبر.

فاذا عرفت هذا فنقول: بين قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» عموم و خصوص مطلق و بين قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» و بين دليل الزكاة في كل واحد من العناوين عموم من وجه، بداهة ان الموضوع في

دليل الزكاة جميع الناس و اليتيم بعض من هذا الموضوع فالدليلان متعارضان.

نعم لو قال «ما جعل الزكاة في مال اليتيم» كان حاكما نظير قوله «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» اذ مفاد الدليل الأول ليس هو الجعل و ان كان جعلا بالحمل الشائع فتقديم قوله «ليس على مال اليتيم زكاة» ليس من جهة الحكومة بل من جهة انه يلاحظ مع قوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»، و بعبارة أخرى مع مجموع الأدلة المثبتة للزكاة لكونها بمنزلة دليل واحد فيكون خاصا بالنسبة اليه كيف و لو لوحظ مع كل منها فاما ان يقدم على الجميع فهو المطلوب أو تقدم هي عليه فيلزم طرحه أو يخصص به بعضها دون بعض فيلزم الترجيح بلا مرجح.

هذا مضافا الى ما مرّ من أن الظاهر من الدليلين بعد جمعهما هو ان وجود المال مقتض للزكاة و اليتم مانع عنها و في أمثال ذلك يقدم دليل المانع عرفا فهذا جمع عرفي يحكم به العرف بمناسبة الحكم و الموضوع.

و على أي حال فقوله «ليس في مال اليتيم زكاة» يدل على نفي الزكاة في جميع اموال اليتيم من النقدين و الغلات و المواشي فكما لا تجب في نقديه لا تجب في غلاته و مواشيه أيضا و المال يعمّ الجميع و ان كان يختلج بالبال قديما انه منحصر في النقدين.

و الحاصل ان قوله: «ليس في مال اليتيم زكاة» الوارد في أخبار مستفيضة ان لم تكن متواترة مقدم على العمومات المثبتة للزكاة فبه يرفع اليد عنها على فرض ثبوتها و اما قوله في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «فاما الغلات فعليها الصدقة واجبة» فتعارضها صحيحة أبي بصير بنقل الشيخ عن أبي عبد اللّه «ع» انه

سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فاذا ادرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» «1»، و الكليني روى الحديث و حذف قوله: «و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة» «2». و الشيخ لما كان قائلا بوجوب الزكاة في غلات اليتيم حمل هذه الجملة على انه

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 33

[حكم من كان غير بالغ في بعض الحول]

و لا على من كان غير بالغ في بعضه، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ (1)

______________________________

ليس في جميع غلاته زكاة بل في بعضها أعنى الأربع و هو خلاف الظاهر جدّا مضافا الى ان غير اليتيم أيضا كذلك.

فبمقتضى هذه الصحيحة يلزم توجيه صحيحة زرارة و محمد بن مسلم اما أولا فبحمل الوجوب فيها على تأكد الاستحباب، و الوجوب و ان صار ظاهرا في الحكم الإلزامي في اصطلاح الفقهاء و لكنه بحسب اللغة بمعنى الثبوت فيعمّ الندب و نظيره حمل الوجوب على غسل الجمعة في بعض الأخبار و لا سيما و ان الوجوب في الصحيحة لم يضف الى الشخص بل الى الغلّات و الوجوب الفقهي يضاف الى الشخص، و اما ثانيا فيحتمل كون الجملة خبرية و يكون في الكلام نحو تقية لا من جهة الفتاوى اذ فقهاء أهل السنة بين موجب للزكاة في مال

الطفل مطلقا كالشافعي و مالك و أحمد و غير موجب له مطلقا كأبي حنيفة فليس فيهم مفصل بين موضوعات الزكاة بل التقية من عمّال خلفاء الوقت فان الزكاة كانت هي الخراج المهم و كان عمالها يأخذونها عملا من الأموال الظاهرة التي كانت بالمرأى كالغلّات و المواشي و مال التجارة و اما النقدان فلم يكونا من الأموال الظاهرة فيكون المراد بقوله: «واجبة» ان الزكاة ثابتة عليها عملا و لذا أضاف الوجوب اليها فقال: «فعليها الصدقة واجبة». و على هذا الاحتمال فلا يبقى دليل على الاستحباب أيضا بخلاف الاحتمال الأول فان الصحيحة دليل عليه بعد رفع اليد عن ظهورها في الوجوب بقرينة الصحيحة الأخرى.

هذا في الغلات و اما في المواشي فلا دليل على الاستحباب فيها الّا ما قيل من عدم القول بالفصل بينها و بين الغلات فمن أوجب الزكاة أوجبها فيهما و من قال بالندب قال فيهما و لكن عدم القول بالفصل لا حجية فيه إلّا اذا رجع الى القول بعدم الفصل بنحو يكشف عن قول المعصومين- عليهم السلام- اذ حجية الاجماع بسيطا و مركبا عندنا من جهة كشفه عن الحجة أعنى قول المعصوم- عليه السلام- و ان كان عند اهل السنة لنفس عنوانه موضوعية لما رووه عن النبي «ص» من انه قال: «لا تجتمع أمتي على خطأ».

(1) في المسألة ثلاثة احتمالات: الأول: ان يعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ افتى به المصنف و هو المشهور بين من تعرض للمسألة بل نسب الى ظاهر الأصحاب المشعر بالإجماع أيضا.

الثاني: ان يعتبر من حين الملكية فلو بلغ في أثناء السنة حسب ما قبله أيضا اختاره المحقق السبزواري في الذخيرة فقال على ما حكي عنه: «المستفاد من الأدلة عدم وجوب

الزكاة على الصبي ما لم يبلغ و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه، اذ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 34

..........

______________________________

لا يستفاد من أدلّة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف».

و محصّل كلامه ان كلا من البلوغ و حلول الحول شرط لتعلق الزكاة فهما شرطان في عرض واحد لتعلق الزكاة و لا دليل على اشتراط احد الشرطين بالشرط الآخر و هذه قاعدة كلية في كل مورد ذكر لحكم شروط متعددة فالجميع شروط في عرض واحد لهذا الحكم و لا يقتضي هذا تقدما لبعض الشروط على بعض لاحتياجه الى عناية زائدة فمتى حصل الجميع و لو في آن واحد يثبت الحكم قهرا.

الثالث: ان يفصّل بين تحقق البلوغ قبل الورود في الشهر الثاني عشر و بعده اذ الحول في الزكاة يتحقق بحلول الشهر الثاني عشر فلو بلغ قبل ذلك فبحلول الشهر يتحقق الشرطان فيجب الزكاة و اما اذا بلغ بعد ذلك فلا يحسب الأشهر السابقة اذ وقت التعلق حلول الشهر الثاني عشر و المفروض عدم التعلق حينئذ لعدم البلوغ.

أقول: المسألة لم تكن معنونة في كتب القدماء المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة فلا يوجد فيها شهرة قدمائية فضلا عن الاجماع فيجب اتمامها بالقواعد.

و العمدة في المسألة ما أشار اليه السبزواري من ان الشرطين اعتبرا في عرض واحد او طولين و الظاهر من الأدلة هو الثاني اذ الظاهر من قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» ان مال اليتيم ليس موضوعا للزكاة بل موضوعه مال البالغ فيكون البلوغ شرطا في الموضوع نظير قوله: «لا زكاة في مال الغائب» و قوله: «لا زكاة في الدين» و مضي الحول يجب أن يكون فيما هو موضوع الزكاة بعد ما

صار موضوعا له فليس البلوغ و الحول معتبرين في عرض واحد.

نعم في باب وجوب القصر على المسافر البالغ يعتبر القيدان في عرض واحد فلا يعتبر كون السفر في حال البلوغ فلو سافر عن قصد ثم بلغ يجب عليه القصر، كيف و مقتضى ما ذكره المحقق السبزواري وجوب الزكاة على الصبي بعد ما بلغ بالنسبة الى السنين السابقة بأجمعها اذ مضي الحول على قوله لا يعتبر أن يكون في حال البلوغ فاذا مضت سنوات على ماله ثم بلغ تحقق الشرطان في ماله و لو متعاقبين فيجب الزكاة و لا يفتي بهذا أحد. هذا.

و قد يستدل على المقام بأن الصبي لا يتمكن من التصرف و هو شرط اجماعا فيكون المقام نظير مال الغائب الذي يعتبر فيه الحول بعد التمكن.

و فيه ان البلوغ شرط آخر وراء التمكن من التصرف و الفرق بين المقامين ان في الغائب السلطنة على المال ناقصة و لا نقص في ذي السلطنة و في الصغير ليست السلطنة ناقصة و انما النقص في ذي السلطنة فيقوم وليه مقامه، نظير قيام الوكيل مقام موكّله فتدبر.

و قد يستدل أيضا بصحيحة أبي بصير السابقة عن أبي عبد اللّه «ع» انه سمعه يقول: ليس في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 35

..........

______________________________

مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فاذا ادرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس «1».

و مورد الاستدلال اولا قوله: «ليس في مال اليتيم زكاة» بتقريب مرّ و ثانيا قوله: «و ان بلغ

اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة» بتقريب ان قوله: «ما مضى» يشمل السنة التامة و الناقصة فلا يحسب ما مضى.

أقول: الاستدلال بالجملة الأولى قد مرّ بيانه و اما بالجملة الثانية فيتوقف على بيان الاحتمالات الجارية فيها و هي على ما في مصباح الفقيه أربعة و نضيف إليها واحدا فتصير خمسة:

الأولى: ان يجعل قوله: «و ان بلغ اليتيم ...» مرتبطا بالفقرة السابقة عليه النافية للزكاة على غلاته فيكون المراد بالموصول في «ما مضى» و «ما يستقبل» الغلّات و بالادراك بلوغها حد الكمال الذي يتعلق بها الزكاة. استظهر هذا الاحتمال في المصباح و المستمسك و عليه فالرواية أجنبية عن المدّعى.

الثانية: ان يراد بالموصول الزمان أعم من السنّة و بعضها و بالادراك ادراك اليتيم او ان التعلق بماله من حلول الحول أو انعقاد الحبّ و عليه فتصير الرواية دليلا على المدّعى من عدم حساب ما مضى من الشهور.

الثالثة: ان يراد بالموصول الزمان كذلك و بالادراك بلوغه حدّ الرشد الذي يرتفع به الحجر فتصير الرواية أجنبية أيضا، و لكن يرده عدم القول باشتراط الرشد في تعلق الزكاة.

الرابعة: ان يراد بالموصول الزمان المستقل في ايجاب الزكاة أعني السنة التامة لا مطلق الزمان و لذا يقبح أن يقال: ليس عليه لليوم الماضي أو الشهر الماضي زكاة، و عليه تكون الرواية على خلاف المطلوب أدلّ و لا أقل من سكوتها عن بعض السنة.

الخامسة: ما احتملناه و هو ان تكون «ان» في قوله: «و ان بلغ اليتيم» وصلية فتكون الجملة مرتبطة بما قبلها و تكون الفاء في قوله: «فليس عليه ...» تفريعية لا جزائية و يراد تكرار المقصود ببيان أو في فيكون المعنى: فليس على اليتيم لما مضى من سنّه و ما يستقبل

زكاة حتى يدرك البلوغ الشرعي فاذا بلغ كانت عليه زكاة واحدة اما استحبابا كما قد يقال أو بعد تحقق الشرائط التي منها حلول الحول فيما يعتبر فيه و يؤيده قوله: «و كان عليه مثل ما على غيره من الناس»، فيكون عطفا تفسيريا و يكون المقصود دفع توهم انه عند اليتم و ان لم يكن عليه شي ء و لكن بعد اليتم يؤدّي زكاة السنوات السابقة، و لعل هذا الاحتمال الخامس أظهر الاحتمالات فلا ترتبط الرواية

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 36

[حكم ما لا يعتبر فيه الحول من مال الطفل]

و اما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الأربع فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق (1) و هو انعقاد الحبّ و صدق الاسم على ما سيأتي.

[الثاني: العقل]

[تساوي المجنون و الطفل]

الثاني: العقل (2) فلا زكاة في مال المجنون في تمام الحول،

______________________________

بالمسألة و لو سلّم فنمنع ظهور الاحتمال الثاني و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و كيف كان فالحق في المسألة عدم حساب ما مضى و ابتداء الحول من حين البلوغ و قد عرفت وجهه و ان المدار في المسألة كون الشرطين أعني البلوغ و الحول في عرض واحد كما هو الظاهر في أكثر الأبواب او طوليين كما هو الظاهر من اخبار الباب فتدبر.

و اما التفصيل بين كون البلوغ قبل حلول الشهر الثاني عشر أو بعده فلا وجه له اذ مع فرض كون الشرطين في عرض واحد فكل واحد منهما اذا تحقق اولا ينتظر الثاني منهما فاذا تحققا معا تحقق المشروط و هو التعلق قهرا.

هذا و لكن الأحوط مع تحقق البلوغ قبل الشهر الثاني عشر اداء الزكاة اذا حلّ الحول و لو كان بعضه قبل البلوغ.

(1) لو قيل بكون عنوان البلوغ شرطا للتعلق فلا محالة يعتبر تحققه قبله.

و لكن لأحد ان يقول: لا دليل على شرطية عنوان البلوغ بل المستفاد من الأدلة كون اليتم مانعا فلو قارن البلوغ و انعقاد الحب كان المحكّم عمومات الزكاة لعدم صدق قوله: «لا زكاة في مال اليتيم» حينئذ بل يمكن أن يقال: مع شرطية البلوغ أيضا انه شرط في عرض شرطية انعقاد الحب فكلاهما شرطان في عرض واحد للتعلق و لا دليل على لزوم تقدم أحد الشرطين على الآخر ففي صورة المقارنة أيضا تتعلق الزكاة قهرا فتدبر.

(2) قد ذكر في أكثر كلمات الأصحاب التي مرّت،

المجنون مساويا لليتيم في الحكم فراجع.

و في الجواهر: «الأكثر بل المشهور ان حكم المجنون حكم الطفل لكن ان لم يكن اجماعا أشكل اثبات ذلك لعدم دليل معتدّ به على هذه التسوية الا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون اليها».

فالواجب الرجوع الى أخبار المسألة و اخبار اليتيم أربع طوائف:

الأولى: المستفيضة الحاكمة بعدم الزكاة في مال اليتيم مطلقا.

الثانية: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم الحاكمة بوجوب الصدقة في غلاته.

الثالثة: صحيحة أبي بصير الحاكمة بعدم الزكاة في غلاته.

الرابعة: المستفيضة الحاكمة بثبوت الزكاة في مال تجارته و سيأتي البحث عنها.

و اما المجنون فالأخبار فيه طائفة واحدة حاكمة بعدم الزكاة في ماله إلّا في مال تجارته.

فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: امرأة من أهلنا مختلطة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 37

..........

______________________________

أ عليها زكاة؟ فقال: ان كان عمل به فعليها زكاة و ان لم يعمل به فلا «1».

و منها خبر موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ قال: ان كان أخوها يتجر به فعليه زكاة «2».

و قد يتوهم بقرينة التفصيل في الصحيحة بين ان يعمل بالمال و غيره ان المراد به خصوص النقدين اذ الظاهر من العمل المضاربة و لا تصح إلا في النقدين.

و أجيب عن ذلك بأن السؤال عن الزكاة على المختلطة فهو عامّ فيراد بعدم العمل به في الجواب أعم من عدم القابلية أيضا فيعم الغلات و المواشي. هذا في الصحيحة و اما في الخبر فالاتجار يعم الغلات و المواشي أيضا.

و يفهم من اخبار باب اليتيم و المجنون ان غرض الشارع بقاء مالهما لهما لقصورهما و لو تعلقت الزكاة

بما لهما اكلته الزكاة لتكررها في كل سنة و كذلك العبد و اما زكاة مال التجارة فلا توجب فناء المال كما لا يخفى.

و كيف كان فلا زكاة في مال المجنون بالنسبة الى نقديه لا وجوبا و لا استحبابا و اما في غلاته و مواشيه فلا حديث في الباب بالخصوص و الحقه الشيخان و غيرهما باليتيم فيهما و قد مرّ استشكال صاحب الجواهر في ذلك.

و في المعتبر «ألحق الشيخان المجانين بالصبيان في ايجاب الزكاة في مواشيهم و غلاتهم، و يجب التوقف في ذلك و مطالبتهما بدليل ما ذكراه فانا لا نرى وجوب الزكاة على مجنون ثم لو سلمنا الوجوب في غلّة الطفل تبعا لما ادّعياه فمن اين يلزم مثله في المجنون فان جمع بينهما بعدم العقل كان جمعا بقيد عدمي لا يصلح للعلة و يمكن الفرق بين الطفل و المجنون بان الطفل لبلوغه التكليف غاية محققة فجاز ان تجب الزكاة في ماله لانتهاء غاية الحجر».

و في الشرائع «و قيل حكم المجنون حكم الطفل و الأصحّ انه لا زكاة في ماله إلّا في الصامت اذا اتجر له الولي استحبابا».

فالأمر في زكاة غلات المجنون و مواشيه مشكل اللهم إلّا ان يتمسك بالعمومات و قد ناقش في ثبوتها بعض و لكن قد مرّ منّا ان الأموال في قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» جمع مضاف يفيد العموم اللهم إلّا ان يدعى انصرافه عن مال الطفل و المجنون و لا سيما بلحاظ قوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ...» كما لا يبعد ذلك هذا.

و اما في مال تجارة المجنون فتثبت الزكاة كما دل عليه الخبران.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب

3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 38

[حكم المجنون في بعض الحول]

او بعضه و لو ادوارا (1) بل قيل: ان عروض الجنون آنا مّا يقطع الحول.

لكنه مشكل، بل لا بدّ من صدق اسم المجنون و انه لم يكن في تمام الحول عاقلا، و الجنون آنا مّا بل ساعة و ازيد لا يضر لصدق كونه عاقلا.

______________________________

تنبيه: لا يخفى انه لا اشكال في عدم وجوب الزكاة تكليفا على اليتيم و المجنون و انما البحث في تعلقها بهما وضعا فكان الأولى للمصنف أن يقول: «و يشترط في تعلقها أمور» فافهم.

(1) ليس في كلمات القدماء في المسألة تصريح بقسمي المجنون.

و أول ما رأيته في التذكرة قال فيها: «لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول فلو جنّ في أثنائه سقط و استأنف من حين عوده».

و ظاهر كلامه اضرار الجنون و لو ساعة في طول الحول و الالتزام بذلك مشكل جدّا اذ كثيرا ما يتفق الجنون و اختلال الحواس للناس لبعض العوارض و الأغذية في ساعة أو يوم و الالتزام بقطع ذلك للحول بعيد.

و في المدارك: «اما ذو الادوار فالاقرب تعلق الوجوب به في حال الافاقة اذ لا مانع من توجه الخطاب اليه في تلك الحال» ثم نقل عبارة التذكرة ثم قال: «و هو مشكل لعدم الظفر بما يدل على ما ادعاه».

و التحقيق ان يقال: لو ثبت بالدليل اشتراط العقل طول الحول كالبلوغ فالجنون آنا ما يضرّ فكيف بالساعة و اليوم و لا يفيد صدق كونه عاقلا في الحول بالصدق المسامحي العرفي فان موضوعات الأحكام و ان كانت تؤخذ من العرف لا من العقل و لذا نحكم بطهارة لون الدم و ان كان بحسب الدقة بقايا

اجزائه و لكن الملاك دقة العرف لا مسامحته فالعرف يحكم بالمسامحة على منّ من حنطة الّا مثقال انه منّ و على الصوم من طلوع الفجر الى الليل الا دقيقة انه صوم يوم و لكنه يتوجّه الى انه مسامحة منه بحيث لو سئل عن حكمه بالدقة يحكم بالسلب و لذا لا نكتفي في الكر و النصاب و الصوم و نحوها بالمسامحات العرفية فكذلك العرف في مثل من كان عاقلا طول السنة الا ساعة و ان كان يحكم بكونه عاقلا في السنة مسامحة و لكنه يتوجه الى كونه حكما مسامحيّا فلا اعتبار بهذا الحكم العرفي المسامحي في تعيين الموضوعات الشرعية.

هذا و لكن الذي يسهّل الخطب انه لا دليل على اعتبار عنوان العقل في المقام كما لا دليل على اعتبار عنوان البلوغ، بل الذي ثبت بالأدلة في المسألة السابقة عدم الزكاة في مال اليتيم و بعد الغاء الخصوصية عدم الزكاة في مال الصغير و في مسألتنا هذه عدم الزكاة في مال المختلط و اذا فرض ان امرأة تكون عاقلة طول السنة و لكنه عرضها جنون ما في بعض الساعات لا يصدق في حقّها انها امرأة مختلطة و اذا لم يصدق عليها هذا العنوان شملها عمومات الزكاة، نعم لو كان يعتورها الجنون كثيرا في طول السنة يصدق عليها المختلطة عرفا فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 39

[الثالث: الحرية]

[لا زكاة على العبد]

الثالث: الحرية فلا زكاة على العبد و ان قلنا بملكه (1)

______________________________

(1) في التذكرة: «باجماع العلماء و لا نعلم فيه خلافا إلا عن عطاء و أبي ثور».

أقول: موضوع العبيد و الإماء منتف في عصرنا فتفصيل البحث عنه بلا فائدة و لكن نشير اليه اشارة اجمالية فنبحث أولا عن مالكيته و ثانيا عن عدم

الزكاة في ماله.

اما الأول: فالمشهور عدم ملكه بل ادعى فيه الاجماع بل ربما قيل انه مذهب الإمامية.

و استدلوا لذلك بالأصل. و فيه ان عمومات اسباب الملك محكمة عليه بل واردة. و بقوله- تعالى-: «عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» «1». فيدل على عدم الملكية الاختيارية، و بعدم القول بالفصل تنفى الاضطرارية أيضا، و بقوله أيضا: «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ» «2». و فيهما ان المنفي الاستقلال و المساواة مع السيد لا أصل القدرة و الملكية. و بأخبار كثيرة منها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- في المملوك ما دام عبدا فانه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلّا ان يشاء سيّده «3». هذه احدى الروايات التي ذكرها الشيخ في زكاته للدلالة على عدم مالكيته. و أنت ترى ان دلالتها على المالكية أظهر غاية الأمر كونه محجورا عن كثير من التصرفات.

و قد يستدل لذلك أيضا بأنه مال و لا يملك المال مالا.

و فيه ان الملكية امر اعتباري تابعة لاعتبار العقلاء الا ان يرد الردع و المعمول في عصرنا تمليك اموالهم حتى لكلابهم و سنانيرهم و عندنا جواز التمليك حتى للأمكنة كالمساجد و الحسينيات مثلا و لذا نوصي من يريد ان يقف فرشا مثلا على المسجد ان لا يقفه عليه بل يملكه إياه ليكون المتولي للمسجد في سعة لتبديله اذا رآه صلاحا للمسجد.

هذا و هنا اخبار كثيرة دالة على مالكيته و منها اخبار المقام الدالة على عدم الزكاة في ماله اذ حملها على السالبة بانتفاء الموضوع خلاف الظاهر جدّا.

و المحتملات في المال

المنسوب الى العبد أربعة: كونه له مستقلا دون مولاه، و العكس، و كونه لهما لا بالمناصفة بل يعتبر لكل منهما بتمامه في عرض واحد، و كونه بتمامه لكل منهما طولا نظير مملوكية دار زيد لزيد و للّه- تعالى- طولا بل و مملوكية داره له و لأبيه كما يستفاد من قوله: «أنت و مالك لأبيك» فراجع الأخبار الواردة فيه. و الأول خلاف الآيات و الروايات و الأقوال و الثالث غير معتبر عند العقلاء ظاهرا فيبقى الثاني و الرابع و الأقوى الرابع فيكون المال للعبد و من طريقه

______________________________

(1)- سورة النحل، الآية 75.

(2)- سورة الروم، الآية 28.

(3)- الوسائل ج 13 الباب 78 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 40

..........

______________________________

و مسيره للمولى حيث انه يملك العبد بشراشر ذاته و توابعه و منها ماله فتدبر.

و اما الثاني أعني عدم الزكاة في ماله فقد يستدل عليه بعدم مالكيته و بحجره عن التصرف في ماله و بالأخبار الواردة و يردّ الأول بمنعه و الثاني بالنقص بالسفيه فالعمدة هي الأخبار.

فمنها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ليس في مال المملوك شي ء و لو كان الف الف درهم و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا، و نحوها صحيحته الأخرى بل الظاهر اتحادهما «1». و المستفاد منهما عدم الزكاة في ماله مطلقا فبذلك يدفع توهم عدم الزكاة عليه لكونها على مولاه لتوهم كون المال ماله.

و منها خبر وهب، عن الصادق عن آبائه عن علي- عليهم السلام- قال «ليس في مال المكاتب زكاة» «2». و لا فرق بين المكاتب و غيره قطعا بل الحكم ثابت في غيره بالأولوية.

و منها موثقة اسحاق بن عمار قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ... قلت: فعلى العبد أن يزكّيها اذا حال عليه الحول؟ قال: لا إلّا أن يعمل له فيها، و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا «3».

و قد رأيت في مال الصبي و المجنون أيضا ما دلّ على عدم الزكاة فيه إلّا أن يعمل به فيستفاد من هذه الأخبار ان الصبي و المجنون و العبد مشتركون في ان اللّه- تعالى- راعى جهة قصورهم الذاتي فلم يشرع الزكاة في مالهم حفظا له من النقصان إلّا ان يعمل به فتثبت الزكاة في ربحه.

و منها خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له: مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟ قال: لا، قال: قلت: فعلى سيّده؟ فقال: لا لأنه لم يصل الى السيد و ليس هو للمملوك «4».

نعم ليست الرواية صريحة في كون المال للمملوك فلعله كان للمولى وديعة عند عبده يتّجر به له ثم انقطع منه خارجا فصار من مصاديق ما لا يتمكن من التصرف فيه.

و في الجواهر احتمل كون قوله: «و ليس هو للمملوك» حالا من الضمير المستتر في قوله:

«لم يصل» فيكون المراد انه لم يصل اليه وصولا تاما بل وصل اليه و هو للعبد. و لكنه احتمال بعيد و يشبه اللاحجية.

و كيف كان فالأخبار السابقة دلت على مالكية العبد و انه ليس في ماله بما هو ماله زكاة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب

من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 41

من غير فرق بين القن و المدبّر و أم الولد و المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة (1)،

[وجوب الزكاة في مال المبعض]

و اما المبعّض فيجب عليه اذا بلغ ما يتوزع على بعضه الحر النصاب (2).

______________________________

لا عليه و لا على مولاه نظير الصبي و المجنون فهذا ما يظهر من الأخبار فالحرية شرط آخر وراء المالكية كما في المتن أيضا.

و لكن هنا احتمالات اخر كلها بعيدة عن وجه الصواب:

الأول: ان تطرح الأخبار بكثرتها بتوهم كونها معرضا عنها اذ مفادها مالكية العبد، و هي خلاف الآيات و الروايات و الشهرة المحققة القريبة من الاجماع.

الثاني: ان تحمل على عدم الزكاة فيما بيد العبد من المال لعدم كونه مالا له شرعا بل هو مال لمولاه و عليه زكاته.

الثالث: ان تحمل على عدم الزكاة فيه لا عليه و لا على مولاه و المال لمولاه شرعا.

و الحق ان الظاهر منها ما ذكرناه فاما ان يؤخذ به كما هو الأقوى و اما ان تطرح الأخبار و اما الاحتمالان الآخران فبعيدان جدّا عن مساغها. هذا.

و اما ما في المعتبر من أنه اذا قلنا لا يملك فلا بحث لأن المال للمولى فعليه زكاته و ان قلنا يملك فعلى العبد زكاته فمرجعه الى طرح الأخبار.

ثم انه ربما ينقدح في الذهن ان عدم الزكاة عليه لقصوره فلو جعله المولى مستقلا و حوّل أموره الى نفسه فعلى ماله زكاة مثل سائر الناس و ربما يستدل لذلك بخبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى «ع» قال: ليس على المملوك زكاة إلا باذن مواليه

«1». و لكن الخبر مضافا الى ضعفه بعبد اللّه بن الحسن المجهول معرض عنه ثم انه ليس صريحا في مال العبد فلعل المال لمولاه فان اراد العبد اداء زكاته لزم اذن المولى فتدبر.

(1) كل ذلك لإطلاق الأخبار مضافا الى كون المكاتب منصوصا عليه في خبر وهب كما مرّ و ان كان ضعيفا.

(2) كما هو المشهور بل نسب الى قطع الأصحاب و حكى الاتفاق عليه كذا في المستمسك.

أقول: ليس الفرع من المسائل الأصلية المأثورة حتى يتمسك فيه بالاتفاق أو الشهرة، و الاحتمالات المتصورة ثلاثة.

الأول: ثبوت الزكاة في جميع مال المبعّض عملا بعمومات الزكاة بعد ادعاء انصراف أخبار

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 42

[الرابع: ان يكون مالكا]

الرابع: ان يكون مالكا فلا تجب قبل تحقق الملكية (1).

______________________________

المقام عن المبعض.

الثاني: عدم الزكاة أصلا أما في جزئه الرق فللرقية و اما في جزئه الحر فلأن أدلة التكاليف تنصرف عن اجزاء المكلف.

الثالث: ما في المتن من التوزيع لأن في جزئه الحرّ المقتضى أعني عموم أدلة الزكاة موجود و المانع و هو الرقية مفقود و هو الأقوى.

(1) اجماعا كما عن نهاية الاحكام، و عليه اتفاق العلماء كما في المعتبر، و هو قول العلماء كافة كما في المنتهى، و هل يراد بها أصل الملكية في مقابل المباح فلا تتعلق الزكاة بالنصاب اذا فرض عدم كونه ملكا لأحد كالعنب الموجود في الآجام، أو الملكية الخاصة كما في الموهوب قبل القبض أو القرض قبله حيث لا تجب على الموهوب له و المستقرض لعدم حصول الملكية لهما و ان وجبت على الواهب و المقرض؟ كل محتمل بدوا، و على الأول تكون الملكية شرطا لأصل

التعلق كما في البلوغ و العقل و الحرّية، و على الثاني شرطا للوجوب على شخص خاص، و لكن الظاهر من المصنف بقرينة الأمثلة الثاني.

و لا يخفى ان عبارات الأصحاب في بيان هذا الشرط و الشرط الخامس مختلفة.

ففي الشرائع: «و الملك شرط في الأجناس كلها و لا بدّ ان يكون تاما ... و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلها».

فتراه اعتبر ثلاثة شروط: الملكية و التمامية و التمكن من التصرف، و المصنف اعتبر الملكية و التمكن من التصرف شرطين.

و في القواعد ذكر شرطا و هي كمالية الملك ثم قال ما حاصله: «و أسباب النقص ثلاثة: الأول منع التصرف فلا تجب في المغصوب و لا الضال و لا المجحود. الثاني تسلط الغير عليه فلا تجب في المرهون و لا الوقف و لا منذور التصدق به. الثالث عدم قرار الملك فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلّا بعد القبول و القبض، و لو اوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة و القبول».

و عن البيان أيضا انه ذكر التمام خاصة ثم قال: «و النقص بالمنع من التصرف و الموانع ثلاثة:

أحدها الشرع كالوقف و منذور الصدقة و الرهن غير المقدور على فكه. الثاني القهر فلا تجب في المغصوب و المسروق. الثالث الغيبة فلا زكاة في الموروث حتى يصل اليه او الى و كيله و لا في الضال و المدفون مع جهل موضعه».

و كيف كان فاصل الملكية معتبرة بلا إشكال اذ الزكاة جعلت في اموال الأغنياء للفقراء كما يستفاد من قوله- تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و من اخبار باب الزكاة بكثرتها فراجع.

و في الجواهر «بل الظاهر ذلك فيما كان الملك فيه بالجهة العامة كالمملوك للفقراء و العلماء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 43

..........

______________________________

و نحوهم».

أقول: لو كان النصاب لمنصب الامامة و للحكومة الاسلامية فعدم تعلق الزكاة و الخمس به واضح اذ هما من الضرائب الاسلامية، و لا تتعلق بالماليات ماليات، و يدل على ذلك مضافا الى وضوحه قوله في مرسلة حماد الطويلة المذكورة في باب الخمس «... و ليس في مال الخمس زكاة ... و لذلك لم يكن على مال النبي و الولي زكاة لأنه لم يبق فقير محتاج، الحديث» «1».

و ليس المراد بمال النبي و الولي مال أشخاصهما بل ما لمنصبهما كما هو واضح فان شخص النبي و الامام مكلفان بالتكاليف الاسلامية مثل سائر الأشخاص فعليهما الصلاة و على مالهما الزكاة بعد تحقق الشرائط و بما ذكرنا يظهر المراد من خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

قلت له: اما على الامام زكاة؟ فقال: احلت يا أبا محمد اما علمت ان الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها الى من يشاء جائز له ذلك من اللّه، الحديث «2».

فالدنيا و الآخرة للإمام بما هو امام لا لجعفر بن محمد «ع»، بما هو شخص و ليس في مال الامام بما هو امام أي في بيت المال زكاة و إن كان مال شخص جعفر بن محمد يتعلق به الزكاة قطعا.

و يدل على عدم الزكاة في مال الامام أيضا قوله- عليه السلام- في خبر البزنطي الوارد في أرض الخراج الذي يقبلها الامام: «... و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم ...» «3».

حيث خصّ الزكاة بحصص المتقبلين، و اما ما كان ملكا لسائر العناوين كالعلماء أو للأمكنة كالمساجد و الحسينيات بناء على صحة اعتبار الملكية لها كما

هو الأقوى لبناء العقلاء عليه فهل تتعلق بها الزكاة او الخمس لتعلق الماليات بكل ما يستفيد من امكانيات الحكومة اولا لانصراف الآية و الروايات؟ و جهان، هذا.

و اما عدم وجوب الزكاة على غير المالك فيدل عليه مضافا الى وضوحه صحيحة الكناني عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل ينسئ أو يعيّن فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال:

يزكّيه و لا يزكي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال. و كذا قوله- عليه السلام- في خبر ابن مهزيار: «... لا تجب عليه الزكاة إلا في ماله» و في خبر ابن جعفر عن أخيه- عليه السلام- «... إنما الزكاة على صاحب المال» «4».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- أصول الكافي ج 1 باب ان الأرض كلها للإمام ص 408.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1، 2 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 44

كالموهوب قبل القبض (1) و الموصى به قبل القبول (2)،

______________________________

(1) بناء على أنه شرط في الملك ناقل و كذا على الكشف الحكمي، و اما على الكشف الحقيقي فلا يكون المثال من باب فقد الملك و كذا بناء على كونه شرطا في اللزوم لا في الصحة.

ففي المختلف «الظاهر من كلام الشيخين ان الاقباض شرط في لزوم الهبة لا في صحتها و به قال ابن البرّاج و سلّار و ابن حمزة و ابن ادريس ... و قال أبو الصلاح انه شرط الصحة و نقله ابن ادريس عن أكثر علمائنا، و الوجه الأول».

و لكن في الجواهر عن التذكرة: «لا

يحصل الملك بدونه عند علمائنا أجمع».

و عن الايضاح «عليه اجماع الامامية و نص الأئمة».

و عن نهج الحق «ذهبت اليه الامامية».

و عن الدروس «لعل الأصحاب ارادوا باللزوم الصحة».

ثم قال في الجواهر: «الظاهر ان مراده في المختلف من الصحة الحاصلة بدون القبض صحة العقد من حيث كونه عقدا لا صحته بمعنى ترتب الملك عليه».

و في المستمسك «المحكي عن المحققين التصريح بأن المراد من كون القبض شرطا في اللزوم انه شرط في الملكية على نحو الكشف الحقيقي».

و لا يخفى ان كلماتهم في المسألة لا تخلو من تشويش و محل البحث عنها كتاب الهبة فراجع.

و كيف كان فلو حال الحول على النصاب بعد العقد و قبل القبض وجبت الزكاة على الواهب بناء على النقل أو الكشف الحكمي لا على المتهب لعدم الملكية له، و اما على الكشف الحقيقي فبالقبض ينكشف عدم ملكيته للواهب و بالنسبة الى الموهوب له لم يحل الحول عليه عند ربه و سيأتي اعتباره و مقتضى ذلك عدم تعلق الزكاة به اصلا و كذا على القول باشتراط القبض في اللزوم.

(2) الظاهر كون الوصية العهدية ايقاعا و لا يعتبر فيها القبول اصلا، و اما في التمليكية فهل القبول جزء نقلا او كشفا أو شرط كذلك أو شرط في استقرار الملك لا في أصل ثبوته أو لا يعتبر أصلا و لكن الرد مانع أو لا يعتبر شي ء اصلا فتحصل الملكية المستقرة بصرف الايجاب و الوفاة كالإرث؟ وجوه، فالمحتملات سبعة.

و الظاهر ان مفهوم الوصية التي يعبّر عنها في الفارسية ب «سفارش» مفهوم واحد في كلا قسميها من العهدية و التمليكية و تتحقق بصرف الايجاب فهي ايقاع مطلقا فليس القبول جزء فيها و لكن لمّا كان دخول المال قهرا في

ملكية الغير مخالفا للأصل من سلطنة الناس على نفوسهم تكوينا و اعتبارا عند العقلاء فالأقوى اعتبار القبول شرطا في حصول الملكية نقلا.

و لكن المصنف في باب الوصية يختار عدم اعتبار القبول أصلا بل يجعل الردّ مانعا فما ذكره

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 45

او قبل القبض (1) و كذا في القرض لا تجب الّا بعد القبض (2)

[الخامس: تمام التمكن من التصرف]

[الأقوال في المسألة]

الخامس: تمام التمكن من التصرف فلا تجب في المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه بأن كان غائبا و لم يكن في يده، و لا في يد وكيله (3)

______________________________

هنا مخالف لما يختاره هناك.

و قد يقال: ان مقتضى عمومات الوصية كقوله- تعالى- «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» «1»، و نحوه عدم اعتبار شي ء. و مقتضاه انتقال المال بالموت قهرا كالإرث و الوقف بالنسبة الى نمائه و لكن الالتزام بحكم مخالف للأصل يحتاج الى دليل قوي و اثبات ذلك بعمومات الوصية مشكل و تفصيل ذلك في كتاب الوصية.

(1) لم يتحقق قول باعتبار القبض هنا مضافا الى القبول و لذا قيل بأنه سهو من قلم المصنف بدل «قبل الوفاة».

هذا و لكن يمكن ان يقال: ان المراد به القبول العملي في قبال القبول اللفظي و لا دليل على اعتبار خصوص اللفظ فيه بناء على اعتباره فتدبر.

(2) لاعتباره في حصول الملكية به عندنا كما عن التذكرة بل ادعوا عليه الاجماع.

(3) في الحدائق «مما لا خلاف فيه فيما اعلم».

و في المدارك: «هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب بل قال في التذكرة انه قول علمائنا أجمع».

و في زكاة الشيخ الأعظم: «التمكن من التصرف شرط في وجوب الزكاة اجماعا محققا في الجملة و مستفيضا».

هذا و لكن اثبات الاجماع

لهذا العنوان مشكل، و المذكور في الأخبار بكثرتها مال الغائب او المال المدفون، و في كلمات الأصحاب عناوين خاصة مثل مال الغائب و المال المجحود و المسروق و المغصوب و الضال و نحوها.

و الظاهر ان اجماع التذكرة أيضا على العناوين الخاصة لا عنوان التمكن من التصرف فلنذكر بعض عبارات الأصحاب.

ففي الخلاف (المسألة 29): «من كان له مال: دراهم أو دنانير فغصبت أو سرقت أو جحدت أو غرقت أو دفنها في موضع ثم نسيها و حال عليه الحول فلا خلاف انه لا تجب عليه الزكاة منها لكن في وجوب الزكاة فيه خلاف فعندنا لا تجب فيه الزكاة و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 181.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 46

..........

______________________________

و محمد و هو قول الشافعي في القديم و قال في الجديد: تجب فيه الزكاة و به قال زفر. دليلنا اجماع الفرقة و أخبارهم لا يختلفون في ذلك».

و في المقنعة: «و لا زكاة على المال الغائب عن صاحبه اذا عدم التمكن من التصرف فيه و الوصول اليه».

و في النهاية «و لا زكاة على مال غائب إلّا اذا كان صاحبه متمكنا منه أي وقت شاء فان كان متمكنا منه لزمته الزكاة ... و من ورث مالا و لا يصل اليه إلا بعد أن يحول عليه أحوال فليس عليه زكاة إلّا أن يصل اليه و يحول عليه حول».

و في الغنية: «و اما شرائط وجوبها في الذهب و الفضة فالبلوغ و كمال العقل و بلوغ النصاب و الملك له و التصرف فيه بالقبض أو الأذن و حلول الحول عليه و هو كامل في الملك».

و في الشرائع: «و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في

الأجناس كلها».

و في التذكرة: «يشترط في وجوب الزكاة تمامية الملك و أسباب النقص ثلاثة: منع التصرف و تسلط الغير و عدم قرار الملك فلا تجب الزكاة في المغصوب و لا الضال و لا المجحود بغير بينة و لا المسروق و لا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع».

و لعل المتبادر من منع التصرف المنع الشرعي كما في المرهون و الموقوف و المنذور التصدق به و من تسلط الغير المنع الخارجي و من عدم القرار مثل الموهوب قبل القبض و نحوه و لكن الأمثلة كلها من قبيل المنع الخارجي و الاجماع أيضا عليها لا على عنوان التمكن.

و كيف كان فهنا جهات من البحث نشير إليها لتكون على بصيرة حين ذكر أخبار الباب:

الأولى: هل يعتبر عنوان التمكن من التصرف أو يقال: لا دليل على ذلك و إنما المتيقن عدم الزكاة في مال الغائب أو المال الغائب المذكورين في الأخبار؟

الثانية: على فرض اعتبار عنوان التمكن من التصرف فهل يراد به التمكن من جميع التصرفات أو يكفي التمكن من بعضها؟

و قالوا ان مقتضى الأول عدم تحقق مصداق له و لا سيما اذا أريد به الأعم من الشرعي لأن الانسان ممنوع عادة أو قانونا أو شرعا من كثير من التصرفات في ماله.

و مقتضى الثاني وجوب الزكاة حتى في موارد الأخبار و الفتاوى أيضا لإمكان بيع المال الغائب أو المغصوب و لو بأقل من قيمته أو هبته للغاصب و نحو ذلك.

الثالثة: هل المراد به التمكن الخارجي أو الأعم منه و من الشرعي لأن الممنوع شرعا كالممتنع عقلا و خارجا؟ و مثاله المرهون و الموقوف و المنذور التصدق به.

الرابعة: هل المراد به الاستيلاء الفعلي على المال بحيث يكون قبض المال و بسطه

فعلا بيده

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 47

..........

______________________________

أو الأعم منه و من التمكن و القدرة على الاستيلاء بتقريب ان التمكن من الاستيلاء يعدّ استيلاء عرفا و لا سيما في القوة القريبة من الفعل؟

الخامسة: هل يعتبر التمكن في خصوص النقدين أو فيما يعتبر فيه الحول مطلقا أو في الأجناس كلها حتى في الغلّات فيعتبر فيها وجود التمكن في وقت تعلق الزكاة؟

فلنذكر أخبار المسألة ثم نرجع الى توضيح هذه الجهات.

[أخبار المسألة]

فالأولى: ما رواه سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام-: ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ ان المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثم انه احتفر الموضع الذي من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال: يزكّيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه و ان كان احتبسه «1».

و السند صحيح إلّا بسدير فانه ممدوح و هو بفتح السين، و قوله: «يزكّيه لسنة واحدة» هل يحمل على الوجوب تعبّدا أو بلحاظ السنة الأولى حيث ان العلم بغيبة المال حصل بعد السنة الأولى أو يحمل على الاستحباب كما أفتى به كثير أو يحمل على الوجوب بعد تحقق الشرائط التي منها الحول بعد العثور على المال و قد ذكر ردّا لمن يفتي بعدم الوجوب ما دام المال غائبا فاذا عثر عليه يزكيه لجميع السنين الماضية كما أفتى به زفر و الشافعي في الجديد؟ وجوه.

و الظاهر عدم الافتاء بالأول و يردّ الثاني بأن المانع من تعلق الزكاة الغيبة الواقعية لا العلم بها و المفروض حصولها في السنة الأولى أيضا و يشهد للأخير روايتا اسحاق بن

عمار الآتيتان المصرّحتان بعدم الزكاة بعد قدوم الغائب حتى يحول الحول إذ الفرق بين مال الغائب و المال المدفون بلا وجه.

هذا و لكن الحكم بالزكاة يوجد في خبر رفاعة و مرسلة ابن بكير أيضا. و حمل الجميع على كون المراد الزكاة بعد حلول الحول عنده بعيد فلعل الحمل على الاستحباب كما صنعه الاصحاب هو الأظهر فتدبر.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 47

الثانية: موثقة اسحاق بن عمار قال: سألت أبا ابراهيم- عليه السلام- عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟

قال: يعزل حتى يجي ء، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: لا حتى يجي ء، قلت: فاذا هو جاء أ يزكّيه؟

فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده «2».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

الثالثة: موثقته الأخرى عنه «ع» قال: سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقدم، قلت: أ يزكّيه حين يقدم؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول و هو عنده «1».

و الروايتان ترجعان الى واحدة لاتحادهما راويا و مرويّا عنه و مفادا.

الرابعة: صحيحة رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه فلا يرد رأس المال كم يزكّيه؟ قال: سنة واحدة «2».

و قد مرّت المحتملات في قوله: «سنة واحدة» و قوله: «فلا يرد»

يمكن أن يكون مثالا و ان يكون مضاعفا معلوما و مجهولا.

الخامسة: صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل أخذ مال امرأته فلم تقدر عليه أ عليها زكاة؟ قال: إنما هو على الذي منعها «3».

و هو كناية عن نفي الوجوب أو محمول على أخذه قرضا مع اجتماع الشرائط.

السادسة: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك «4».

السابعة: مرسلة عبد اللّه بن بكير عمن رواه (زرارة) عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج فاذا خرج زكّاه لعام واحد، فان كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين «5».

هكذا في الوسائل المطبوعة جديدا فجعل زرارة نسخة و لذا عبّر في أكثر الكتب الفقهية عن الرواية بالموثقة، و لكن في التهذيب و الاستبصار «عمن رواه» فالحديث مرسل.

هذا و لكن ابن بكير من أصحاب الاجماع فلعل ارساله غير مضرّ.

و يفهم من الرواية عدم لزوم كون المال عنده و بيده فعلا بل يكفي القدرة على أخذه فهل يؤخذ بذلك و به يعمّم سائر الأخبار بتقريب ان القوة القريبة من الفعل بمنزلة الفعلية أو يقدم ظهور سائر الأخبار في الفعلية المحضة و يحمل هذا الخبر على الدين كما قيل أو على الاستحباب كما حمل العام الواحد فيه عليه؟ و جهان و سيأتي البحث عنه.

الثامنة: صحيحة ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن الرضا- عليه السلام-: الرجل

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من

تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 49

..........

______________________________

يكون له الوديعة و الدين فلا يصل اليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة؟ قال: اذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكّي «1».

و ليس المراد من قوله: «لا يصل إليهما» عدم كونهما فعلا في يده بل الظاهر منه عدم قدرته على قبضهما و بسطهما فلا يشمل من يقدر على الأمر و النهي فيهما بالتليفون مثلا و مورد الرواية المال الغائب و صرح فيها باشتراط الحول فلا يجب بدونه و لو زكاة سنة واحدة.

التاسعة: صحيحة الفضلاء الخمسة: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- قالا: ليس على العوامل من الابل و البقر شي ء ...

و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه فاذا حال عليه الحول وجب عليه «2».

و المستفاد من مجموع هذه الأخبار اشتراط حلول الحول على المال و هو عنده و بيده و عند ربه و ان غيبة المال الموجبة لاحتباسه عنه و انقطاعه منه مانعة عن تعلق الزكاة به.

و يشهد لذلك أيضا الأخبار الواردة فيمن ترك لأهله نفقة و غاب عنهم فراجع الوسائل الباب 17 من أبواب زكاة النقدين.

فمنها صحيحة أبي بصير أو موثقته عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له:

الرجل يخلف لأهله ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة؟ قال: إن كان شاهدا فعليها زكاة، و ان كان غائبا فليس فيها شي ء، و نحوها موثقة اسحاق بن عمار.

و منها مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول؟ قال: ان كان مقيما زكاه و ان كان غائبا لم يزك.

و لعله ينسبق الى الذهن من هذه المرسلة عدم وجوب الزكاة عليه لا على عياله و لكن المستفاد من خبر أبي بصير عدم وجوب الزكاة في هذا المال أصلا، و النفقة ليست ملكا للعيال بل هي باقية على ملك المعيل، و لا يخفى ان السفر و الغيبة في تلك الأعصار كانا يوجبان انقطاع الشخص من أهله و ماله بالكلية بحيث ربما كان يخلف لأهله مالا كثيرا و يحتاج في سفره الى قليل منه و لا يجد إليه سبيلا فلو فرض كون قبض المال و بسطه بيده و لو في سفره بحيث يأمرهم فيه بأوامره بالتليفون أو يمكن له ذلك بسهولة فالحكم بعدم الزكاة فيه حينئذ مشكل بل ممنوع فوزان هذه الأخبار أيضا وزان سائر الأخبار الدالة على اعتبار كون المال عنده و بيده، و هذا المضمون ربما يستفاد من أخبار اخر أيضا متشتتة في الأبواب المختلفة و لا سيما باب زكاة الدين فتتبّع.

اذا عرفت هذا فلنرجع الى جهات البحث الخمسة التي أشرنا إليها.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 50

[عنوان التمكن من التصرف ليس في الأخبار]

______________________________

الجهة الأولى: قد رأيت انه ليس من عنوان التمكن من

التصرف في هذه الأخبار بكثرتها عين و لا أثر، و مورد الجميع المال المدفون و الغائب و الحق به الأصحاب المغصوب و المسروق و المجحود و بعضهم المرهون و الموقوف و منذور التصدق أيضا مما يكون المنع فيها شرعيا لا خارجيا و يستفاد من الأخبار اعتبار كون المال بيده و عنده و عند ربه و مشهودا و غير محتبس عن صاحبه، فما هو العنوان المعتبر؟ و المحتملات بدوا ثلاثة:

الأول: ان يصطاد من الجميع عنوان التمكن من التصرف و يؤيد بالإجماعات المنقولة فيقع البحث في ان المراد به التمكن من جميع التصرفات أو بعضها و ان المانع من تعلق الزكاة المانع الخارجي التكويني أو الأعم منه و من المانع الشرعي.

و الظاهر عدم ارادة جميع التصرفات و إلّا لما تحقق له مصداق و لا سيما اذا اريد به الأعم من الشرعي اذ لا يخلو انسان من المنع عادة أو قانونا أو شرعا من كثير من التصرفات في ماله. و لا يراد تصرف ما أيضا و إلا لوجبت الزكاة حتى في المال الغائب المنقطع عنه لإمكان هبته للغاصب مثلا و بيعه بأقل من ثمنه بل المراد كونه بحيث يقدر على نوع التصرفات المتعارفة و يكون قبض المال و بسطه خارجا بيده أو بيد وكيله.

هذا و لكن عرفت خلو الأخبار و أكثر كلمات الأصحاب المتقدمين من هذا العنوان.

الثاني: ان يكون المعتبر كون المال بيد الانسان بما هي امارة على الملكية و يحكم على صاحبها في باب الترافع بكونه منكرا و كون البينة على خصمه. و الالتزام بهذا المعنى أيضا مشكل فان النفقة الموضوعة عند العيال و كذا المال المدفون في ملك الانسان اذا نسى موضعه تحت يد الانسان بهذا

المعنى و ان لم يتمكن من التصرف فيه فعلا.

الثالث: أن يكون المعتبر كون المال بيده بما انها آلة للقبض و البسط و اعمال القدرة في قبال كونه محتبسا عن ماله و منقطعا عنه خارجا.

و هذا هو الملاك المستفاد من الأخبار و من الأمثلة المذكورة في كلمات الأصحاب. فالمذكور في الأخبار و ان كان المال المدفون و الغائب و لكن لا يمكن الالتزام بموضوعية نفس الغيبة المقابلة للحضور. فمن كانت له نقود أو زروع أو مواشي متفرقة في البلدان و يتصرف فيها بوسيلة أياديه و وكلائه فهل يمكن الالتزام بعدم وجوب الزكاة عليه؟ و قد عرفت ان الغيبة في تلك الأعصار كانت موجبة لانقطاع الانسان من ماله بحيث ربما كان يحتاج الى قليل منه و لا يصل اليه فالظاهر ان الملاك استيلاء الانسان خارجا على المال و كون قبضه و بسطه بيده بحيث يقدر على نوع التصرفات فيه و لو بالأمر الى وكلائه و أياديه و هذا هو المراد من كونه بيده و عنده و عند ربه.

نعم ربما يتفق لهذا مصاديق مشتبهة أيضا فلو فرض ان حاكما مقتدرا أراد مصلحة صاحب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 51

..........

______________________________

المال و حفظ ماله فمنعه عن نقله و انتقاله دون مثل الأكل و الشرب و السكون و التلبس فهل يصدق كونه بيده و عنده أو لا؟ و لو كان الأب مراعيا لمصالح ابنه فمنعه من التصرفات الناقلة في ماله و كان الابن مطيعا له فهل تتعلق الزكاة بمثل هذا المال مع كون الابن منقطعا قهرا عن التصرفات الناقلة فيه؟ في المسألة و جهان. و الظاهر تعلقها به و سيأتي البحث عن حكم الشك فانتظر. هذا.

و للشيخ الأعظم في المقام

كلام لا بأس بالاشارة اليه و الى ما قيل فيه قال- قدس سره- ما حاصله: «ان المراد بالتمكن من التصرف في معاقد الاجماعات الذي يظهر اعتباره من النصوص هو كون المال بحيث يتمكن صاحبه عقلا و شرعا من التصرف فيه على وجه الاقباض و التسليم و الدفع الى الغير بحيث يكون من شأنه بعد حول الحول ان يكلف بدفع حصة منه الى المستحقين اذ المستفاد من أخبار المسألة انه اذا حال الحول على المال في يده و عنده يتعلق به الوجوب بلا مدخلية شي ء آخر في الوجوب فحلول الحول عليه و هو عنده تمام الموضوع و علة تامة له فيكون المراد بذلك التمكن من الاخراج و التسليم الى الغير لأن هذا التمكن شرط في آخر الحول الذي هو وقت الوجوب قطعا فلو كان المعتبر في تمام الحول شيئا آخر لزم توقف الوجوب مضافا الى كونه في يده تمام الحول الى شي ء آخر و قد عرفت ان كونه في يده و عنده تمام الموضوع و علة تامة بلا مدخلية شي ء آخر فما هو المعتبر في تمام الحول هو الذي يعتبر في آخر الحول قطعا». هذه خلاصة ما ذكره الشيخ- قدس سره.

و أجاب عنه في مصباح الفقيه بما حاصله «أولا: ان الأخبار ليست مسوقة الّا لبيان اشتراط تعلق الزكاة بوصول المال اليه و بقائه تحت يده حتى يحول عليه الحول لا انحصار شرائط الزكاة به و كونه سببا تاما لذلك و لذا لا تنافي بينها و بين ما دلّ على اعتبار سائر الشرائط كالنصاب و نحوه، و ثانيا سلمنا ظهورها في السببية التامة و لكن لا ينافي ذلك كونه ممنوعا عن التصرف فيه بالدفع و الاقباض لو

لا تعلق الزكاة، اذ قد يكون جواز الدفع و الاقباض مسببا عن ايجاب الزكاة عليه كما لو نذر أو حلف أو أمره أبوه أن لا يخرج النصاب عن ملكه الى ما بعد الحول فاذا تعلق به الزكاة ارتفع النهي الناشئ من قبل هذه العناوين الطارئة، و ثالثا: التمكن من الاقباض حال تعلق الزكاة ليس شرطا في تعلق الوجوب اذ قد يكون ممنوعا عن الاقباض عقلا و شرعا حال تعلق الوجوب و ليس ذلك مانعا من تعلقه كما في المال المشترك البالغ سهمه حد النصاب المتعذر في حقه تسليمه الى الفقير بدون اذن شركائه».

و في المستمسك أجاب عن الشيخ بما حاصله «ان هنا أمرين: ثبوت الزكاة في المال، و وجوب دفعها الى مصرفها و التمكن من الدفع في آخر الحول إنما يكون شرطا في وجوب الدفع، و التمكن من التصرف طول الحول شرط في ثبوتها في المال فلو بنى على أن التمكن من التصرف طول الحول سبب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 52

..........

______________________________

تام و انه بمعنى آخر غير التمكن من الدفع لم يلزم ان يكون الشرط في ثبوت الزكاة أمرين اذ احدهما شرط للثبوت و الآخر شرط لوجوب الدفع».

هذا و للشيخ الأعظم هنا كلام آخر واضح الإشكال قال ما حاصله: «قد يتوهم ان عمومات الزكاة بعد تخصيصها بغير المتمكن من التصرف تصير أعم من وجه من عمومات نفي الزكاة في مال الغائب و هو توهم محض لأن العام اذا ورد عليه خاصان فلا بدّ أن يخصص بكليهما لا ان يخصص باحدهما ثم تؤخذ النسبة بينه بعد التخصيص و بين الخاص الآخر».

أقول: ليس هنا خاصان حتى يبحث في طوليتهما أو عرضيتهما اذ الدليل على اعتبار التمكن

من التصرف ليس إلّا ما دلّ على عدم الزكاة في مال الغائب من الأخبار التي مرّت فتدبر.

[المعتبر التمكن من جميع التصرفات أو بعضها]

الجهة الثانية: قد ظهر بما ذكرنا في بيان العنوان المعتبر في المقام ما هو الحق في الجهة الثانية أيضا و هو ان المعتبر التمكن من جميع التصرفات أو بعضها و ان الملاك نوع التصرفات بحيث يصدق كون قبض المال و بسطه بيده و ان كان بعض التصرفات ممنوعا عادة أو قانونا أو شرعا فراجع.

[حكم القدرة على الاستيلاء]

و تأتي الجهة الثالثة أعني حكم القدرة على الاستيلاء في ذيل المسألة التاسعة فانتظر.

[التمكن من التصرف معتبر في الأجناس كلها]

الجهة الرابعة: في الشرائع «و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلها».

و في المسالك «أما ما لا يعتبر فيه (الحول) كالغلات فان استوعب الغصب مدة شرط الوجوب و هو نموّه في ملكه بأن لم يرجع حتى بدا الصلاح لم يجب و لو عاد قبل ذلك و لو بيسير وجبت كما لو انتقلت الى ملكه حينئذ».

و استشكل عليه في المدارك «بكون الروايات فيما يعتبر فيه الحول و لا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه و لو قيل بوجوب الزكاة في الغلات متى تمكن المالك من التصرف لم يكن بعيدا».

و ردّه الشيخ في زكاته بما حاصله: «انه خلاف فتاوى الأصحاب بل ظاهر ما يستفاد من الأخبار فان قوله في رواية سدير «لأنه كان غائبا عنه» يدل بمقتضى التعليل على أن كل مال غائب لا تجب عليه الزكاة و لا شك في عدم القول بالفصل بينه و بين مطلق غير المتمكن منه كالمغصوب و المجحود و نحوهما فاذا كان الزرع حال انعقاد حبّته مغصوبا فالزكاة لا تتعلق بعينها حينئذ فلا تتعلق به بعد ذلك أيضا لانقضاء وقت التعلق ألا ترى انه لو دخلت في ملك المكلف بعد ذلك أو حدث شرط لم يكن قبل ذلك انتفى الزكاة اجماعا».

أقول: الظاهر صحة ما ذكره الشيخ و أفتى به المحقق من العموم اذ المستفاد من التعليل كون الغيبة تمام العلة و تمام الموضوع للحكم و لو كان الحكم منحصرا بما فيه الحول صارت الغيبة جزء الموضوع و الجزء الآخر كونه مما فيه الحول فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 53

و لا

في المسروق و المجحود و المدفون في مكان منسيّ، و لا في المرهون (1)

______________________________

و يستفاد هذا من سائر أخبار المسألة أيضا و إن ذكر في آخرها الحول فحديث اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم- عليه السلام- «سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة؟

قال: لا حتى يقدم ...» «1» يشمل باطلاقه الغلات أيضا و لو فرض عدم اعادة السائل السؤال اقتصر الامام على هذا الجواب المطلق، غاية الأمر انه لما اعاد السؤال بقوله «أ يزكيه حين يقدم؟» صرح الامام بلزوم حولان الحول فقال: «لا حتى يحول عليه الحول و هو عنده» و لا محالة يكون لزومه فيما يعتبر فيه لا مطلقا فتأمل.

و اما قول الشيخ بأنه خلاف فتاوى الأصحاب فان أراد بذلك استظهار الاجماع في المسألة فيرد عليه عدم كون الفرع معنونا في كلمات القدماء من أصحابنا فراجع.

[عدم وجوب الزكاة في المرهون]

(1) الجهة الخامسة: لا يخفى ان المذكور في أخبار المسألة كما مرّ المال المدفون أو الغائب و دلّت على عدم الزكاة فيه حتى يحول عليه الحول عنده أو بيده و الغيبة في تلك الأعصار كانت موجبة لانقطاع الانسان من ماله بالكلية و عدم كون قبضه و بسطه بيده فليس لنفس عنوان الغيبة موضوعية بل المانع انقطاع الانسان من ماله و الشرط استيلاؤه عليه و كون قبضه و بسطه بيده و في المقنعة و النهاية الموضوعتان لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة- عليهم السلام- أيضا لم يذكر إلّا مال الغائب نعم ذكر في كتب المتأخرين المغصوب و المسروق و المجحود أيضا لوجود الملاك فيها و يشترك الجميع في كون الانقطاع و الممنوعية فيها خارجيا و لكن هنا أشياء ليست الممنوعية فيها خارجية بل شرعية كالمرهون و

الموقوف و منذور التصدق و قد تعرضوا لها في الكتب المتعرضة للتفريعات و الشيخ أيضا تعرض لها في مبسوطه.

و قال في أول المبسوط ما حاصله «اني عملت على قديم الوقت كتاب النهاية و ذكرت فيها المسائل الأصلية التي رواها الأصحاب في مصنفاتهم و لما كثر طعن المخالفين على أصحابنا بقلة الفروع و المسائل ألّفت المبسوط لذكر التفريعات المستنبطة من الأصول».

فهذا السنخ من المسائل مسائل تفريعية استنبطها الأصحاب و ليست مأثورة حتى يتمسك في مثلها بالإجماع أو الشهرة.

و كيف كان فالممنوع الشرعي اما أن يكون بنحو ثبت فيه حق للغير و نقص في الملكية كما في المرهون و نحوه و اما لا كما اذا نهاه والده عن التصرف في ماله بالكلية و كان يتأذى من عصيانه فالموجود هنا على فرض القول به المنع التكليفي الصرف.

اما في الثاني فنقول ان أثّر نهي الوالد في الولد و انقطع بسببه خارجا من المال فالظاهر عدم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 54

..........

______________________________

الزكاة و اما اذا لم يؤثر فيه خارجا و لم ينقطع من المال عملا فالزكاة تتعلق به قطعا و صرف المنع الشرعي اذا لم يوجب الانقطاع خارجا لا نسلّم كون وزانه وزان الامتناع الخارجي و ان اشتهر بينهم ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا و عادة.

و اما اذا ثبت فيه حق للغير كالمرهون و أخويه فلها حكم آخر لتحقق النقص في الملكية و في الشرائع ذكر منذور التصدق من أمثلة عدم تمامية الملك و المرهون و الموقوف من أمثلة عدم التمكن من التصرف، و لم يظهر لي وجه ذلك.

و كيف كان ففي المرهون أقوال ثلاثة: تعلق

الزكاة مطلقا، و عدمه مطلقا، و التفصيل بين القدرة على فكّه و عدمها.

و كلمات الشيخ- قدس سره- في المسألة متهافتة ففي الخلاف (المسألة 128): «اذا كان له ألف فاستقرض ألفا غيرها و رهن هذه عند المقرض فانه يلزمه زكاة الألف التي في يده اذا حال عليها الحول دون الألف التي هي رهن ...، دليلنا انه لا خلاف بين الطائفة ان زكاة القرض على المستقرض دون القارض و ان المال الغائب اذا لم يتمكن منه لا تلزمه زكاته و الرهن لا يتمكن منه ... و لو قلنا انه يلزم المستقرض زكاة الألفين لكان قويا لأن الألف القرض لا خلاف بين الطائفة انه يلزمه زكاتها و الألف المرهونة هو قادر على التصرف فيها بأن يفك رهنها و المال الغائب اذا كان متمكنا منه يلزمه زكاته بلا خلاف بينهم».

و المستفاد من أول كلامه عدم الزكاة في الرهن مطلقا و من آخره التفصيل بين امكان الفك و عدمه.

و في المبسوط أيضا ذكر نحو صدر كلامه و لكن في موضع آخر منه: «و متى رهن قبل ان تجب فيه الزكاة ثم حال الحول و هو رهن وجبت الزكاة و ان كان رهنا لأن ملكه حاصل ثم ينظر فيه فان كان للراهن مال سواه كان اخراج الزكاة منه و ان كان معسرا فقد تعلق بالمال حق المساكين يؤخذ منه لأن حق المرتهن في الذمة».

فيستفاد منه تعلق الزكاة في الرهن مطلقا فالشيخ أفتى في المسألة بالأقوال الثلاثة كما ذكره الشيخ الأعظم في زكاته.

و المسألة دائرة مدار ما أسلفناه من ان الاعتبار بالاستيلاء الفعلي أو الأعم منه و من القدرة عليه؟ و لم يثبت في الرهن الاستيلاء الفعلي شرعا لكونه متعلقا لحق الغير

و ما في المبسوط من ان حق المرتهن في الذمة ففيه ان الدين و ان كان في ذمة الراهن و لكن العين أيضا متعلقة لحق المرتهن و لذا ليس للراهن التصرف فيها بما ينافي حق الرهانة.

و الحق ما أسلفناه من التفصيل فان كان يقدر على فك الرهن قوة قريبة من الفعل بأن كان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 55

و لا في الموقوف (1)،

______________________________

الدين حالا و الراهن يقدر على أدائه بلا منّة و لا مئونة و لا استقراض فعليه الزكاة على الأحوط بل الأقوى و المصنف أيضا يحتاط في ذلك كما يأتي في المسألة التاسعة و ان كان الدين مؤجلا او حالا و لكن لا يقدر الراهن على فكه بسهولة فلا تجب الزكاة فان كون العين متعلقة لحق الغير مانع من التصرف فيها فيكون الانسان منقطعا من ماله شرعا و ان لم ينقطع منه خارجا بان كان العين في يده خارجا فتدبر.

[عدم وجوب الزكاة في الموقوف و المنذور]

(1) هل الوقف ملك للواقف أو الموقوف عليه أو للّه- تعالى- أو يفصل بين الوقف الخاص فللموقوف عليه و العام فلله أو ليس ملكا لأحد بل فك ملك؟ وجوه بل أقوال.

و الظاهر ان اعتبار الوقف على الأشخاص أو على الجهات ايقاف الانسان ملكه على رءوس الموقوف عليهم ليدرّ منافعه عليهم و هذا أيضا مفاد الحديث النبوي: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة» «1». و ليس في نظر الواقف تمليك ملكه للموقوف عليهم أو للّه- تعالى- بل و لا سلب مالكية نفسه بل سلب اختيار نفسه عن التصرف فيه و جعل منافعه للموقوف عليهم فقط. و التزام ما لم ينشئه الواقف مشكل فان العقود و الايقاعات تابعة للقصود، فبذلك يقرب في الذهن ما عن أبي

الصلاح في الكافي من بقائه على ملك الواقف، و في الفقه على المذاهب الأربعة عن المالكية:

«و اما الموقوف على غير معيّنين كالفقراء أو على معيّنين فتجب زكاته على ملك الواقف لأن الوقف لا يخرج العين عن الملك».

هذا و لكن المشهور كما في الجواهر انتقاله الى ملك الموقوف عليهم و به أفتى في الشرائع.

و قد يستدل على ذلك بالأخبار الواردة في أوقاف علي «ع» و الأئمة بعده المعبّر عنها بالصدقات بتقريب ان الموقوف عليهم هم المتصدق عليهم و الصدقة تصير ملكا للمتصدق عليه، اللهم إلّا أن يقال: لا دليل على كون الصدقة الجارية من قبيل الوقف فلعل الوقف على شخص أو جهة، أمر و التصدق عليه أمر آخر، و الفارق قصد المالك و إنشاؤه.

هذا و كلام المحقق في الشرائع لا يخلو من تهافت فانه اختار انتقال الوقف الى ملك الموقوف عليه مع انه صرّح فيها بأنه مع انقراض الموقوف عليه ينتقل الى ورثة الواقف دون الموقوف عليه.

فراجع.

هذا و لو منع بقاء الوقف على ملك الواقف فالأظهر عدم كونه ملكا لأحد، و ليست المسألة معنونة في كتب القدماء المعدّة لنقل المسائل المأثورة حتى يتمسك فيها بالإجماع أو الشهرة، و نفى الملكية لا يقتضي عدم ضمان المتلف اياه فان الضمان تابع للمالية لا الملكية، نعم يحتاج الى

______________________________

(1)- المستدرك ج 2، ص 511- عن العوالي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 56

و لا في المنذور التصدق به (1).

[حكم الشك في التمكن]
اشارة

و المدار في التمكن على العرف و مع الشك يعمل بالحالة السابقة (2) و مع عدم العلم بها فالأحوط الاخراج.

______________________________

المضمون له و هو من ضاع حقه بالا تلاف و هو الموقوف عليه.

و كيف كان فلا اشكال في عدم الزكاة في أصل

الوقف اما على عدم الملكية فواضح و اما على الملكية فلعدم التمامية فانه محبوس شرعا و عرفا لا يباع و لا يوهب فما مرّ عن المالكية من الزكاة فيه ممنوع جدّا.

و في المبسوط: «ان وقف على انسان أربعين شاة و حال عليها الحول لا تجب فيه الزكاة لأنها غير مملوكة و الزكاة تتبع الملك». و ظاهره عدم الملكية أصلا.

و اما في غلة الوقف ففي المبسوط ما حاصله «انها ان كانت لواحد و بلغ النصاب تجب فيه الزكاة و كذا ان كانت لجماعة و بلغ نصيب كل منهم ذلك لأنهم يملكون الغلة و ان كان الوقف غير مملوك».

أقول: و اما في الوقف العام كالوقف على الفقراء أو العلماء مثلا فالغلة تحصل في ملك العنوان و الجهة و لا يدخل في ملك الشخص و ان كان منحصرا الا بتطبيق العنوان عليه من قبل المتولي، و قد مرّ من الجواهر عدم الزكاة في ملك الجهات لانصراف الآية و الروايات عنها فقوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» و قوله: «ان اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به» ظاهران جدّا في الأشخاص.

نعم احتملنا سابقا الغاء الخصوصية و ان الزكاة مالية اسلامية فتتعلق بكل من يستفيد من امكانات الحكومة الاسلامية و المعمول في الحكومات الفعلية الدائرة أيضا تأدية المؤسسات العمومية المملوكة للجهات مالية الحكومة فتدبر و يأتي تتمة لذلك في شرح المسألة الثامنة فانتظر.

(1) يأتي شرح ذلك في المسألة الثانية عشرة فانتظر.

(2) لو شك في تحقق التمكن مفهوما أو مصداقا ففي الجواهر «و مع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الأفراد قد يقوى سقوط الزكاة للأصل بعد قاعدة: الشك في الشرط شك في المشروط، و ربما احتمل

الوجوب للإطلاق و رجوع الشك في الفرض الى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط، و الأول أظهر»

أقول: بعد فرض تحقق العمومات و الاطلاقات كقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» مثلا اذا شك في سعة دائرة المخصص و ضيقه بنحو الأقل و الأكثر فالمخصص اما متصل او منفصل و في كل منهما فالشبهة اما مفهومية أو مصداقية، و المشهور بين الأصوليين عدم جواز التمسك بالعام في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 57

..........

______________________________

مورد الشبهة في المتصل مطلقا و اما في المنفصل فالجواز في المفهومية دون المصداقية.

[التمسك بالعام في الشبهة المفهومية للمخصص]

و محل البحث عن المسألة الكتب الأصولية و لكن نتعرض لها هنا اجمالا تتميما للفائدة.

فنقول: اما في المتصل فيسري إجماله الى العام اذ هو يوجب عدم انعقاد ظهور العام من أول الأمر إلا في الخاص ففي قوله: «أكرم العلماء العدول» مثلا و ان كان هنا لفظان و استعمالان و كل لفظ استعمل فيما وضع له و لكن ليس لكل منهما ظهور مستقل حتى يتمسك بظهور العام في المورد المشكوك فيه كمرتكب الصغيرة مثلا، بل للموصوف و الصفة ظهور وحداني يستفاد منه كون موضوع الحكم أمرا واحدا و هو الطبيعة المقيدة فالتمسك به في مورد الشبهة نظير التمسك بالعام في الشبهة المفهومية أو المصداقية لنفسه و هو غير جائز قطعا. و نظير ذلك الاستثناء المتصل كقوله:

«أكرم العلماء إلّا الفساق منهم».

و اما في المنفصل فالشبهة اما مفهومية أو مصداقية فالأول كما اذا تردد الفاسق بين مرتكب الكبيرة فقط و مرتكب الكبيرة أو الصغيرة و الثاني كما اذا شك في كون زيد فاسقا أو عادلا بعد تبيّن مفهوم الفسق.

اما في الأول فالاقوى جواز التمسك بالعام في مورد الشبهة اذ العام بعد

صدوره من قبل المولى بلا احتفاف بالمخصص انعقد له ظهور في العموم و هو حجة عند العقلاء، و الخاص لا جماله لا يكون حجة في غير القدر المتيقن فيكون رفع اليد بسببه عن ظهور العام من مصاديق رفع اليد عن الحجة باللاحجة و ان شئت قلت: الامر دائر بين تخصيص واحد و تخصيصين فيقتصر على الأقل.

و استشكل على ذلك بوجهين: الأول: ما في الدرر و حاصله بتوضيح منا «انه بعد ما صارت عادة المتكلم جارية على ذكر التخصيص منفصلا فحال المنفصل في كلامه حال المتصل في كلام غيره و بناء الشارع المقدس على ذكر المخصصات منفصلات بل ربما يوجد العام في الكتاب و المخصص في السنة أو العام في كلام امام و المخصص في كلام امام آخر».

و أجاب عنه نفسه في حاشيته ان الانصاف خلاف ما ذكرنا اذ لو صحّ ذلك لما جاز تمسك أصحاب الأئمة- عليهم السلام- بكلام إمام زمانهم لأنه كالتمسك بصدر كلام المتكلم قبل مجي ء ذيله.

و في تقريرات بحث السيد الأستاذ- حفظه اللّه تعالى- الجواب عن الاشكال بوجه آخر و هو ان وجوب الفحص عن المخصص باب و سراية اجمال المخصص الى العام باب آخر. و مقتضى ما ذكره عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص لا سراية الاجمال اليه.

الوجه الثاني: ما في تقريرات بحث النائيني- قدس سره- و حاصله: «ان دليل حرمة اكرام العالم الفاسق و ان لم يكن رافعا لظهور دليل وجوب اكرام العلماء إلّا انه يوجب تقيّد المراد الواقعي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 58

..........

______________________________

بغير الفاسق و حيث ان مفهوم الفاسق مردّد بين الأقل و الأكثر يكون من يجب اكرامه بحسب المراد الواقعي مرددا فلا يكون فرق بين المتصل

و المنفصل الّا في ان الأول رافع للظهور من أول الأمر دون الثاني و امّا بالنسبة الى تقييد المراد الواقعي فكل منهما يوجب اجماله».

ثم أجاب عن الاشكال بما حاصله: «ان الأحكام لا تتعلق بالمفاهيم بما هي مفاهيم بل باعتبار كونها مرآتا للحقائق الخارجية فاذا كان دليل العام عاما بالنسبة الى كل انقسام ككونه مرتكب الكبيرة و غيره و مرتكب الصغيرة و غيره فبازاء كل انقسام يفرض في العام تكون فيه جهة اطلاق لا ترفع اليد عنها الا بدليل، فاذا تردد مفهوم المخصص بين الأقل و الأكثر فلا يكون هنا موجب لرفع اليد عن ظهور العام بالنسبة الى المشكوك فيه».

أقول: لعله يوجد فرق بين التخصيص المحض و التخصيص المستلزم للتقييد فالتخصيص المحض عبارة عن اخراج بعض الأفراد من العام الشامل لجميع الأفراد بلا اخذ عنوان فيه فلو قال:

«أكرم العلماء» ثم أشار الى بعض الأفراد و قال: «لا تكرم هؤلاء» فهذا تخصيص محض اذ ليس للمخصص عنوان دخيل في الحكم، و اما اذا قال: «أكرم العلماء» ثم قال و لو منفصلا: «لا تكرم الفسّاق منهم» فالمستفاد من الجمع بين الدليلين كون موضوع الحكم العالم غير الفاسق بحيث يكون كل من العنوانين جزء من الموضوع و هذا معنى التقييد.

نعم نتيجة هذا التقييد اخراج بعض العلماء من الحكم، فاذا صار موضوع الحكم مقيدا أعني مركّبا من جزءين فلقائل أن يقول: لا يمكن اجراء الحكم إلّا اذا أحرز الموضوع بكلا جزأيه، و في مورد الشبهة كمرتكب الصغيرة لم يحرز الجزء الثاني منه أعني القيد.

هذا و لكن يجاب عن ذلك بأن ظهور العام بعد انعقاده لا ينقلب عما وقع عليه و يكون حجة على العبد ما لم يرد في مقابله حجة

أقوى، و المفروض عدم ورود الحجة الأقوى من قبل المولى بالنسبة الى مرتكب الصغيرة اذ الشبهة مفهومية و رفع الشبهة و بيان المفهوم من وظائف المولى و هذه هي النكتة الفارقة بين الشبهة المفهومية و الشبهة المصداقية، هذا كله بالنسبة الى الشبهة المفهومية.

و اما الشبهة المصداقية كما اذا شككنا في فسق زيد بعد احراز علمه و تبين مفهوم الفسق فان كانت الحالة السابقة فسقه أو عدالته كان الاستصحاب محرزا له و لو لم نجوز التمسك بالعام، و اما مع عدم العلم بالحالة السابقة فربما يقال بجواز التمسك فيه بالعام بتقريب ان الحجة من قبل المولى لا تتم الا باحراز الصغرى و الكبرى معا ففي ناحية العام احرزتا معا لإحراز علم زيد و وجوب اكرام العالم، و اما في ناحية الخاص فالكبرى أعنى حرمة اكرام الفاسق و ان كانت محرزة و لكن لم تحرز الصغرى أعني فسق زيد فرفع اليد عن العام بسبب ورود الخاص رفع اليد عن الحجة باللاحجة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 59

[السادس: النصاب]

السادس: النصاب (1)، كما سيأتي تفصيله.

[صور الاتجار بمال الصبي]

[يستحب للولي اخراج الزكاة في غلات غير البالغ]

[مسألة 1]: يستحب للولي الشرعي (2) اخراج الزكاة في غلات غير

______________________________

و يرد على ذلك ان حكم المخصص لا يختص بأفراده المعلومة بل يدل على أن كل ما هو فرد للفاسق واقعا فهو مما لم يتعلق به الارادة الجدية في ناحية العام، و لا نسلّم عدم تمامية الحجة من قبل المولى الّا بعد احراز الصغرى و الكبرى معا فان بيان الصغرى ليس من وظائفه فقوله: «اكرم العلماء» مثلا حجة يجب التصدي لامتثاله، و قوله: «لا تكرم الفساق منهم» حجة أقوى تزاحم الأولى بالنسبة الى الفاسق الواقعي فلا يجوز التمسك بواحد منهما في الفرد المشكوك فيه فيرجع الى الأصل و السرّ في ذلك هو ما أشرنا اليه من ان تعيين الصغرى ليس من وظائف المولى، و هذا هو الفارق بين الشبهتين.

و بما ذكرنا يظهر ان من يتمسك في الشبهات الموضوعية بالبراءة العقلية بتقريب عدم كفاية بيان الكبرى في تحقق البيان بل يتوقف على بيان الصغرى و الكبرى معا كان مقتضى كلامه جواز التمسك بالعام في المقام اذ في ناحية العام احرزتا معا كما مرّ و في ناحية المخصص احرزت الكبرى فقط، و لكن يشكل جريان البراءة العقلية المبتنية على قبح العقاب من غير بيان في الشبهات الموضوعية نعم يجري فيها البراءة الشرعية الثابتة بحديث الرفع فتأمل.

هذا كله في البحث عن المسألة الأصولية فلنرجع الى المقام فنقول مع الشك في عنوان المخصص في المقام و سعة دائرته و ضيقه مفهوما يكون المرجع عمومات الزكاة و اطلاقاته.

و لكن ربما يشكك في وجود العمومات و الاطلاقات و لكن الظاهر عموم قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» لإفادة الجمع المضاف ذلك و ان قيل ان

تعقيبه بقوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» يدل على كونه محط النظر و ان الآية في مقام بيان الغاية المترتبة على الزكاة لا في مقام أصل تشريعها و لكن يرد على ذلك ان ذكر الغاية التشويق المكلفين لا يضر باطلاق التشريع فهما جملتان إحداهما في مقام التشريع و الأخرى في مقام بيان الغاية المترتبة على ما شرع فتدبر.

و اما اذا كانت الشبهة مصداقية فمع الحالة السابقة يعمل بها و الا فتجرى البراءة لما عرفت من عدم جواز التمسك بالعموم فيها و الظاهر من عبارة المصنف كون محل نظره الشبهة المصداقية فلا وجه للاحتياط فيها الا استحبابا نعم ظاهر ما مرّ من الجواهر فرض الشبهة مفهومية فتدبر.

(1) باجماع المسلمين غير أبي حنيفة في الغلات و يدل عليه مضافا الى ذلك الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة لبيان النصب و الظاهر ان المراد به ما نصبه الشارع علامة و معيارا لتعلق الزكاة.

(2) الظاهر ان ملاك الاستحباب ثابت للطفل لكون المال ماله و انما الوليّ يجري ما ثبت عليه كما في سائر موارد النيابة و قد مرّ ان الأقوال في غلات الطفل ثلاثة: الوجوب كما أفتى به

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 60

البالغ يتيما كان أو لا (1) ذكرا كان أو انثى دون النقدين (2) و في استحباب اخراجها من مواشيه اشكال (3) و الأحوط الترك.

نعم اذا اتجر الولي بماله يستحب اخراج زكاته أيضا (4).

______________________________

الشيخان و أبو الصلاح و ابن البراج، و الاستحباب كما افتى به كثير، و عدمهما كما عن ابن ادريس فراجع ما حررناه في شرطية البلوغ.

(1) للعلم بعدم خصوصية اليتم و ان ذكر في أكثر الأخبار و في صحيحة يونس بن يعقوب قال: أرسلت الى أبي

عبد اللّه «ع» ان لي اخوة صغارا فمتى تجب على اموالهم الزكاة؟ قال: اذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: اذا اتجر به فزكّه. «1» فالموضوع فيها أعم من اليتيم.

(2) لعدم الدليل على الاستحباب فيهما و لم أجد القائل به أيضا.

(3) من عدم الدليل على الاستحباب فيها و من ذكرها في كلماتهم مع الغلات و ادعاء عدم الفصل بينهما فمقتضى القول بالوجوب او الاستحباب في الغلات القول بهما فيها.

و لكن عرفت ان احراز عدم الفصل بنحو يصل الى حد الاجماع المعتبر ممنوع و لذا احتاط المصنف بالترك فراجع ما حررناه سابقا في شرطية البلوغ.

(4) المتجر بمال الصبي اما ان يتجر به للصبي او لنفسه او لهما مضاربة و المتجر به لنفسه اما ان يستقرضه من الصبي، ثم يتجر به لنفسه أم لا فهذه أربعة شقوق و في كل منها فاما يتجر بالعين او في الذمة مع قصد ابرائها من هذه العين او بدون هذا القصد و لكن يبرئها بها تصادفا و في جميع الصور فاما ان يكون المتجر وليّا شرعا أم لا فهذه كل شقوق المسألة.

و اما من جهة الزكاة فان وقعت التجارة من الولي الشرعي للصبي فهو القدر المتيقن من موضوع البحث هنا أعني ثبوت زكاة مال التجارة للصبي و ان وقعت صحيحة لنفس المتجر صار من مصاديق زكاة التجارة الآتية في محلها.

و اما اذا قصد المتجر نفسه و لكن حكمنا بوقوعها للصبي قهرا عليه ففي ثبوت زكاة التجارة فيه خلاف و الأولى نقل عبارة الشرائع في المقام: «نعم اذا اتجر له من اليه النظر استحب له الزكاة من مال الطفل فان ضمنه و اتجر لنفسه و

كان مليّا كان الربح له و يستحب الزكاة اما لو لم يكن مليّا او لم يكن وليّا كان ضامنا و الربح لليتيم و لا زكاة هنا».

و كيف كان فلنحرر مسألة التجارة بمال اليتيم و حكم الزكاة فيها في ضمن مسائل:

المسألة الأولى: لو اتجر بمال الصبي للصبي ففي زكاته ثلاثة أقوال: الوجوب كما هو ظاهر المقنعة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 61

..........

______________________________

و المقنع، و الاستحباب كما نسب الى الأكثر تارة و الأشهر أخرى و المشهور ثالثة و في المعتبر «عليه اجماع علمائنا» و في المنتهى «عليه فتوى علمائنا أجمع»، و عدم الوجوب و لا الاستحباب كما في تجارة السرائر و نفى البعد عنه في المدارك. و الأولى نقل بعض العبارات.

ففي المقنعة: «و لا زكاة عند آل الرسول في صامت اموال الأطفال و المجانين من الدراهم و الدنانير الا أن يتجر الولي او القيم عليهم بها فان اتجر بها و حركها وجب عليه اخراج الزكاة منها فاذا افادت ربحا فهو لا ربا بها و ان حصل فيها خسران ضمنه المتّجر لهم بها».

و في المقنع: «اعلم انه ليس على مال اليتيم زكاة الا أن يتجر به فان اتجر به فعليه الزكاة».

هذا و الشيخ في التهذيب بعد نقل عبارة المقنعة قال: «فاما قول الشيخ وجب فيه الزكاة انما يريد به الندب و الاستحباب دون الفرض و الايجاب ... ألا ترى انه لو كان هذا المال للبالغ و اتجر به لما وجبت عليه فيه الزكاة وجوب الفرض».

و يؤيد هذا ان المفيد بنفسه أيضا جعل زكاة مال التجارة سنة مؤكدة و اما عبارة المقنع فهي أيضا مضمون

اخبار الباب فالواجب نقلها.

فمنها صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل على مال اليتيم زكاة؟ قال:

لا الا ان يتجر به أو تعمل به «1». و الظاهر من الرواية بقاء المال على ملك اليتيم و لعل المراد بالأول التجارة له و بالثاني المضاربة.

و منها صحيحة يونس بن يعقوب قال: ارسلت الى أبي عبد اللّه «ع» ان لي اخوة صغارا فمتى تجب على اموالهم الزكاة؟ قال: اذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة، قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: اذا اتجر به فزكّه «2».

و منها خبر محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا «ع» عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم الزكاة؟ فقال: لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة، فاما اذا كان موقوفا فلا زكاة عليه «3».

و منها خبر ابن أبي شعبة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سئل عن مال اليتيم فقال: لا زكاة عليه الا ان يعمل به «4»، الى غير ذلك من الأخبار.

و ظاهرها كما ترى الوجوب و لكن يبعد جدّا القول بالوجوب هنا اذا منعنا الوجوب في زكاة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 62

..........

______________________________

تجارة البالغين فهما في مساغ واحد يدل على عدم الوجوب فيهما ما استدل به عليه هناك.

و في المستمسك

ان العمدة في رفع اليد عن الوجوب هنا الاتفاق المحكي على الاستحباب و اما اطلاقات «ليس على مال اليتيم زكاة» و كذا ما دلّ على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة فالجمع العرفي يقتضي تقديم نصوص المقام عليها لأنها أخص هذا.

و اما ما في مكاسب السرائر لنفي الاستحباب من «انه لا دلالة عليه من كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا اجماع و لأنه لا يجوز له التصرف الا فيما فيه مصلحة لهم».

فيرد عليه كفاية الأخبار المستفيضة مضافا الى ما مرّ من نقل الاجماع و ما ذكره من الدليل اجتهاد في مقابل النص.

و اضعف من ذلك ما في المدارك بعد نقل قول ابن ادريس: «و القول بالسقوط جيّد على أصله بل لا يبعد المصير اليه لأن ما استدل به على الاستحباب غير نقي الاسناد بل و لا واضح الدلالة».

لأن في أخبار الباب ما يصح سنده و دلالتها أيضا واضحة الا ان يقال انها لا تدل على الاستحباب لظهورها في الوجوب هذا.

و قد يوجد في كلمات المتأخرين احتمال حمل الأخبار في المسألة على التقية.

و فيه ان الأخبار فصّلت في مال اليتيم بعدم الزكاة فيه الا اذا اتجر به و لم يفصل أهل السنة في ماله بل حكم الشافعي و مالك و احمد بثبوت الزكاة في مال اليتيم مطلقا و حكم أبو حنيفة بعدمها فيه مطلقا فراجع المسألة 41 من زكاة الخلاف و قد مرّت منا في شرط البلوغ فالتفصيل بين مال التجارة و غيره في اليتيم لا يناسب التقية.

اللهم الا ان لا يراد التقية من أهل الفتوى بل التقية في مقام العمل في قبال حكام الوقت فان الزكوات كانت تطلب من قبل الحكام، و الذهب

و الفضة لم تكونا بمرآهم بخلاف الغلات و المواشي و مال التجارة فيكون الوجوب في قوله في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم السابقة: «فاما الغلات فعليها الصدقة واجبة» و كذا في أخبار مال التجارة بمعنى الثبوت و يراد به الاخبار عن الثبوت خارجا فيكون نظر الأئمة- عليهم السلام- ان مال اليتيم ليس فيه زكاة شرعا و لكن في الغلات و المواشي و مال التجارة تثبت خارجا لأخذهم لها قهرا.

[الاشارة الى نكتة مهمّة في تشريع الزكاة]

و هنا كلام آخر نورده هنا ايرادا لا اعتقادا و هو ان الزكاة كما يستفاد من الكتاب و السنة مالية شرعية شرعت في جميع الأديان الإلهية و منها الإسلام لسدّ خلّات المسلمين و المتدينين و رفع الحوائج المادية بشعبها و حيث ان دين الإسلام دين عامّ لجميع الأمكنة و الأزمنة الى يوم القيامة و منابع الثروة و طرق الاسترباح و كذا الحوائج و الخلّات تختلف بحسب الأمكنة و الأزمنة فلا محالة كان المناسب تشريع أصل الزكاة في الكتاب و السنة و احالة تعيين موضوعاتها و مواردها الى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

حكام الشرع و أولياء الأمور المحوّل اليهم ادارة الجوامع الاسلامية.

و أنت ترى ان القرآن لم يعين ما فيه الزكاة بل قال بنحو الاطلاق: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً».

و لكن الرسول- صلى اللّه عليه و آله- بعد ما نزلت الآية وضع الزكاة على تسعة و عفا عما سواها كما نطقت بذلك أخبار كثيرة و من المحتمل جدّا ان هذا لم يكن تشريعا منه «ص» باذن اللّه بل كان منه حكما حكوميّا بما انه كان حاكم المسلمين في عصره و كان أكثر ثروة المسلمين في عصره و منطقة حكومته الأمور التسعة و كانت زكاتها كافية

لإدارة شئونهم و رفع حاجاتهم.

و اما في مثل عصرنا فهل تكفي زكاة الأشياء التسعة و هل هي عمد ثروة الناس و طرق استرباحهم؟ و قد ورد في أخبارنا ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم فهل يسع مصارف الزكاة الثمانية زكاة الأشياء التسعة؟! فلا بدّ من تبدل موارد الزكاة بحسب الأزمنة و الأمكنة.

اللهم الا ان يقال ان أئمتنا- عليهم السلام- جبروا هذا النقص بجعل الخمس في أرباح المكاسب فهو في الحقيقة زكاة جعلت من قبلهم و لذا لا ترى منه اسما و لا أثرا في عصر النبي و الأئمة الاول و ليس في أخبار تنصيف الخمس أيضا اسم منه بل الظاهر من أخباره كونه بأجمعه لهم- عليهم السلام- لا لأشخاصهم بل بما هم أئمة و أولياء الأمور فهو في الحقيقة وضع من قبلهم لإدارة شئون المسلمين و سدّ خلاتهم. فليكن هذا في ذكرك اجمالا و للتفصيل مقام آخر.

[الاتجار بمال الصبي مضاربة]

المسألة الثانية: اذا اتجر الوليّ الشرعي بمال الصبي مصلحة له فقد يتوهم كون ضمان المال على الولي و الربح بأجمعه لليتيم بمقتضى عموم الأخبار المستفيضة التي تأتي و لكن الأقوى كون الخسارة على اليتيم بل و الربح بينهما مع قصد المضاربة للأصل و قاعدة عدم ضمان المأذون و قوله- تعالى- «مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» و رواية الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم و هو وصيّه أ يصلح له أن يعمل به؟ قال: نعم كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما، قال: قلت: فهل عليه ضمان؟

قال: لا اذا كان ناظرا له ... «1».

و الرواية أخص من

الأخبار الآتية فيؤخذ بها في موردها و قوله: «ناظرا له» يحتمل ان يراد به شرط زائد على الوصاية فيكون المراد نظره و دقته له بمعنى رعاية المصلحة و يحتمل ان يراد به ولايته و وصايته المفروضة بناء على كفاية عدم المفسدة في صحة فعل الوصي و الولي.

و عن الكشي: «محمد بن مسعود قال سألت على بن الحسن عن خالد بن جرير الذي يروي عنه الحسن بن محبوب فقال: كان من بجيلة و كان صالحا». و أبو الربيع الشامي اسمه خليد بن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 64

..........

______________________________

أوفى له كتاب و لكن لم تثبت وثاقته، و الذي يسهّل الخطب ان الحسن بن محبوب من أصحاب الاجماع و السند اليه صحيح مضافا الى عمل الأصحاب بالروايات الواردة بهذا السند في الأبواب المختلفة.

و بالجملة فعدم الضمان في المقام أقوى سواء اتجر الولي بقصد الصبي أو بقصدهما معا مضاربة.

و اعلم ان حقيقة المضاربة و المزارعة و المساقاة شركة رأس المال و العمل. فان الفائدة تترتب على العمل و على رأس المال الذي هو موضوعه معا و قد ينقدح في الذهن الغاء الخصوصية من هذه الموارد الثلاث و استفادة جواز شركة العمل و رأس المال مطلقا فيجوز مثلا شركة صاحب الشبكة و الصائد في الصيد و شركة صاحب السيارة و السائق في الاستفادة و شركة صاحبي المواد و الصنّاع في الموارد المختلفة و كل ذلك معاملات عقلائية يحتاج اليها الناس و يدل على صحتها أدلة وجوب الوفاء و للبحث عن ذلك مقام آخر.

[اخذ الولي الاجرة]

المسألة الثالثة: في زكاة الشيخ الأعظم بعد ذكر خبر أبي الربيع: «يستفاد من

الرواية و غيرها جواز اخذ الولي الأجرة».

أقول: القاعدة الفقهية الموافقة للقاعدة العقلائية تقتضي احترام عمل العامل و لا سيما المسلم و استحقاقه أجرة مثل عمله فقيرا كان أو غنيّا و لكن ظاهر القرآن الشريف يقتضي الفرق بين الغنى و الفقير و ان الغني عليه الاستعفاف و للفقير أن يأكل بالمعروف من غير ذكر للأجرة. قال اللّه- تعالى-: «وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ وَ لٰا تَأْكُلُوهٰا إِسْرٰافاً وَ بِدٰاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، الآية» «1». و الخطاب ظاهرا لأولياء الأطفال فكيف الجمع بين الآية و بين القاعدة الفقهية العقلائية التي تثبتها الفطرة حيث ان كل احد يملك تكوينا لعمله فلا محالة يستحق اجرة عمله اذا اوجده بالأذن؟

لا يخفى ان الأخبار و كذا الفتاوى في المقام و ان كانت متشتتة مختلفة و لكن الأقوى هو ما اشار اليه الشيخ الاعظم من استحقاق العامل اجرة عمله غنيا كان او فقيرا و لذا لم يفصّل في خبر أبي الربيع بينهما.

و يدل عليه أيضا صحيحة هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عمّن تولّى مال اليتيم ماله ان يأكل منه؟ فقال: ينظر الى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك «2».

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 6.

(2)- الوسائل ج 12 الباب 72 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 65

..........

______________________________

و عن مجمع البيان «و الظاهر من روايات أصحابنا ان له اجرة المثل سواء كان قدر الكفاية أو لم يكن» «1».

و مثله أيضا في التبيان و ليس في الصحيحة تفصيل بين الغنى و الفقير

و ترك الاستفصال يفيد العموم، و لازم ذلك حمل قوله- تعالى-: «فَلْيَسْتَعْفِفْ» على حكم ندبي اخلاقي. و الأكل بالمعروف في الآية و ان احتمل فيه كون المراد قدر الحاجة و الكفاية كما في بعض الأخبار و لكن يحتمل فيه أيضا كون المراد اجرة المثل لكونها معروفا عند الناس في اعمالهم و التعبير عن ذلك بالاكل لعله للدلالة على انه لا يتعين الاجتناب عن الاستفادة من عين ما لهم و اخذ الاجرة نقدا بل يجوز الاستفادة منها بعنوان الاجرة اذ يعسر الاجتناب من عين مالهم لمن زاولها و يقوم بامرها.

و قد أفتى بما ذكرنا العلامة في المختلف أيضا فقال: «و الوجه عندي ان له أجرة المثل سواء كان غنيا او فقيرا نعم يستحب للغني تركه».

هذا و اما الشيخ الطوسي- قدس سره- فقال في الخلاف (المسألة 295 من البيوع): «الولي اذا كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقلّ الأمرين من كفايته او اجرة مثله و لا يجب عليه القضاء، و للشافعي فيه و جهان احدهما مثل ما قلناه و الثاني ان عليه القضاء، دليلنا قوله: وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ و لم يوجب القضاء».

و نحو ذلك في مبسوطه و اما في النهاية فافتى اولا «بان له أن يأخذ من اموالهم قدر كفايته و حاجته» و افتى بعد ذلك باسطر «بان المتولي لأموال اليتامى و القيم بامورهم يستحق اجرة مثله من غير زيادة و لا نقصان». و ظاهره عدم الفرق بين الغنى و الفقير.

و ابن ادريس في السرائر حكى كلمات الشيخ ناقدا عليها و قال: «و الذي يقوى في نفسي ان له قدر كفايته لقوله- تعالى- هذا اذا كان القيم بامورهم فقيرا فاما ان

كان غنيا فلا يجوز له اخذ شي ء من اموالهم لا قدر الكفاية و لا اجرة المثل».

هذه بعض الكلمات في المقام و لعل وجه الافتاء باقل الامرين: من الكفاية و اجرة المثل تردد المعروف المذكور في الآية بينهما فيقتضي الاحتياط الاخذ بأقلهما.

و اما وجه قول ابن ادريس فظاهر الآية بضميمة الاخبار المستفيضة الواردة في المسألة و قد جمعها في الوسائل في ابواب ما يكتسب به الباب الثاني و السبعين.

فمنها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال: المعروف هو القوت، و إنما عنى الوصي او القيم في اموالهم و ما يصلحهم.

و منها خبر حنان قال: قال أبو عبد اللّه: سألني عيسى بن موسى عن القيم للأيتام في الابل

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 72 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 66

..........

______________________________

و ما يحل له منها، فقلت له: اذا لاط حوضها و طلب ضالّتها، و هنأ جرباها فله ان يصيب من لبنها في غير نهك لضرع و لا فساد لنسل.

و منها خبر أبي الصباح، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه- عز و جل-: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» فقال: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس ان يأكل بالمعروف اذا كان يصلح لهم اموالهم فان كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا.

و منها موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عز و جل-: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال: من كان يلي شيئا لليتامى و هو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى اموالهم و يقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر و

لا يسرف و ان كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج بنفسه فلا يرزأن من أموالهم شيئا. الى غير ذلك من الأخبار.

و عن مجمع البيان: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» معناه من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة من الكفاية على جهة القرض ثم يردّ عليه ما اخذ اذا وجد و هو المروي عن الباقر- عليه السلام.

و مقتضى هذه الرواية عدم الاجرة اصلا لا للفقير و لا للغني.

و الاخبار من طرق اهل السنة في تفسير الآية أيضا كثيرة مختلفة المضامين و قد جمعها في الدر المنثور في ذيلها.

ففي بعضها عن ابن عباس: «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال: يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج الى مال اليتيم».

و في رواية أخرى عنه «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، يعني القرض».

و في ثالثة عنه «اذا احتاج والي اليتيم وضع يده فأكل من طعامهم و لا يلبس منه ثوبا و لا عمامة».

و في رابعة عنه: «قال: يأكل الفقير اذا ولي مال اليتيم بقدر قيامه على ماله و منفعته له ما لم يسرف او يبذّر». الى غير ذلك من المضامين.

و الظاهر ان ما دلّ على الاستعفاف محمولة على الاستحباب و ما دلّ على جواز الأكل محمولة على عدم الزيادة على الاجرة و ذكر الأكل فيها كما عرفت للدلالة على جواز ما تعارف من الاستفادة من أعيان مال اليتيم من الالبان و الثمرات و نحوها.

فالاقوى جواز الاستفادة بقدر قيامه على ماله و منفعته له أعني الاجرة المتعارفة لعمله من غير فرق بين الغني و الفقير كما دلّ على ذلك صحيحة هشام بن الحكم و خبر أبي الربيع و الخبر الأخير من ابن عباس.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 67

..........

______________________________

و يحكم بذلك العقلاء و القاعدة الفقهية المسلمة الحاكمة باحترام عمل الانسان و لا سيما المسلم و لتفصيل المسألة مقام آخر.

[لو اتجر بمال الصبي لنفسه]

المسألة الرابعة: لو اتجر بمال الطفل متّجر لنفسه بان نقله الى نفسه بناقل كالقرض و نحوه ففي الارشاد: «ان كان وليا مليا فالربح له و الزكاة المستحبة عليه» بلا خلاف و لا اشكال بعد فرض جواز نقل مال الطفل الى الولي الملّي.

و يدل على الجواز اخبار: منها صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل ولّى مال يتيم أ يستقرض منه؟ فقال: ان علي بن الحسين «ع» قد كان يستقرض من مال ايتام كانوا في حجره فلا بأس بذلك. و نحوها خبر أبي الربيع عنه «ع» «1».

و حكاية فعل علي بن الحسين «ع» لبيان الجواز الذي هو محل حاجة السائل و ترك الاستفصال يفيد العموم من حيث الملاءة و المصلحة و عدمهما.

نعم يستفاد من بعض الاخبار اشتراط الملاءة أيضا. منها خبر منصور الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن مال اليتيم يعمل به؟ قال: فقال: اذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال، و ان كان المال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال «2».

و منها خبر ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع» قال في رجل عنده مال اليتيم فقال: ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و ان هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن «3».

و الظاهر من الاخبار و الفتاوى اشتراط الملاءة و وجود المال فعلا بل زاد في المسالك كونه فاضلا عن مستثنيات الدين و لكن يمكن ان يقال: لا موضوعية لوجود المال

فعلا بل الملاك كونه قادرا على غرامة مال الطفل على فرض التلف و لو بسبب كونه وجيها يقرضه الناس او قادرا على عمل له اجر كثير يحيط بماله او يكون ممن يحصل له الهدايا و الزكوات او الأخماس كثيرا و نحو ذلك.

و يمكن ان يستأنس لذلك بخبر اسباط بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» فقلت: أخي أمرني ان اسألك عن مال اليتيم في حجره يتّجر به، فقال: ان كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف او اصابه شي ء غرمه له، و الا فلا يتعرض لمال اليتيم «4».

فان ذيل الحديث الذي هو بمنزلة التعليل يدل على كون المال للغرامة فورا بدون تأخير فالاعتبار بامكان غرامته كذلك فتأمل.

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 76 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

(3)- الوسائل ج 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(4)- الوسائل ج 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 68

..........

______________________________

و كيف كان ففي جواز اقتراض مال الطفل يشترط الولاية و الملاءة معا و هل يشترط مع ذلك وجود المصلحة للصبي كما في اقراض غير الولي الذي اتفقوا ظاهرا على انه لا يجوز الا مع المصلحة كما في زكاة الشيخ او يكفي عدم المفسدة؟ و جهان: من اطلاق الاخبار الماضية الواردة في مقام البيان، و من قوله- تعالى-: «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* «1» و غيره مما استدل به لاشتراط المصلحة و منه دليل الاحتياط اذ الاصل عدم صحة التصرف الا فيما ثبت، الأحوط الثاني و ان كان

الأول لا يخلو من قوة.

هذا و في رهن المبسوط: «من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة: الأب و الجد و وصي الأب أو الجد و الامام او من يأمره الامام ... فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم الا على وجه الاحتياط و الحظ للصغير المولّى عليه لأنهم انما نصبوا لذلك فاذا تصرف على وجه لا حظّ له فيه كان باطلا لأنه خالف ما نصب له».

و في باب وجوب الزكاة من السرائر: «و لا يجوز للولي و الوصي ان يتصرف في المال المذكور الا ما يكون فيه صلاح المال و يعود نفعه الى الطفل دون المتصرف فيه، و هذا الذي يقتضيه اصل المذهب».

[اقتراض الاب و الجد من مال الصبي]

المسألة الخامسة: قد مرّ في المسألة الرابعة ان المتجر بمال اليتيم لنفسه ان كان وليا مليّا كان الربح له و الزكاة المستحبة عليه. و عرفت ان مقتضى اطلاق روايات الباب عدم اشتراط وجود المصلحة و لكن مقتضى قوله- تعالى-: «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* و غيره مما استدل به لاعتبار المصلحة و منه دليل الاحتياط اشتراط وجودها و عرفت أيضا كلامي المبسوط و السرائر في المنع عن التصرف الا بما فيه مصلحة و غبطة بل عن شرح الروضة للفاضل الهندي ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء.

و لكن حكي عن المتأخرين من أصحابنا استثناء الأب و الجد عن ذلك فجوز و الهما الاقتراض من مال الطفل مع الاعسار أيضا لوجود أخبار في الباب و لا يخفى ان المائز بينهما و بين سائر الأولياء وجوب نفقتهما على الطفل مع اعسارهما و لكن الأم و كذا الأولاد أيضا تشترك معهما في وجوب النفقة و مع ذلك ترى أخبارا مستفيضة

يستفاد منها جواز تصرف الأب بل الجد في مال الولد كيف شاء و عدم جواز ذلك للأم و الولد و هذه مسألة مشكلة.

فلنذكر الأخبار حتى يتضح الحال و هي طائفتان:

الأولى: ما يستفاد منها جواز تصرف الأب في مال الولد كيف شاء و باطلاقها تعمّ الطفل أيضا.

______________________________

(1)- سورة الأنعام، الآية 152.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 69

..........

______________________________

الثانية: ما يستفاد منها الجواز بمقدار الضرورة و اللزوم و قد جمعها في الوسائل (ج 12) في أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعين.

اما الأولى: فمنها صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه؟ قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال: في كتاب علي «ع» ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، و له ان يقع على جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر ان رسول اللّه «ص» قال لرجل: أنت و مالك لأبيك.

و السؤال و ان كان عن صورة الاحتياج التي يكون فيها الاب واجب النفقة على الولد و لكن الجواب يدل على أوسع من ذلك و لا سيما بقرينة الفرق بين الوالد و الولد مع كونه واجب النفقة أيضا و بقرينة جواز وقوعه على جاريته مع عدم كونها من النفقة الواجبة، و بقرينة ما حكي عن رسول اللّه «ص» المتبادر منه كون الولد و ماله بالنسبة الى الوالد مثل العبد و ماله بالنسبة الى مولاه فكما ان مال العبد مع كونه ماله حقيقة يكون ملكا لمولاه أيضا في طول العبد حيث ان مال المال مال فكذلك مال الولد بالنسبة الى والده

فكلاهما مالكان ملكية طولية.

و منها صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الاب اليه؟ قال: يأكل منه، فاما الام فلا تأكل منه الا قرضا على نفسها. و نحوها خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه «ع».

و منها خبر سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير؟

قال: نعم، قلت: يحج حجة الإسلام و ينفق منه؟ قال: نعم بالمعروف، ثم قال: نعم يحج منه و ينفق منه ان مال الولد للوالد، و ليس للولد ان يأخذ من مال والده الا باذنه.

و قوله: «يُنْفِقُ مِنْهُ» يمكن ان يراد به الانفاق على نفسه و ان يراد به الانفاق في سبيل اللّه.

و في الوسائل «تجويز اخذ نفقة الحج محمول على اخذها قرضا، او تساوي نفقة السفر و الحضر مع وجوب نفقته على الولد و استقرار الحج في ذمته».

و منها خبر محمد بن سنان ان الرضا «ع» كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله- عز و جل- «يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ». مع انه المأخوذ بمؤونته صغيرا و كبيرا، و المنسوب اليه و المدعوّ له لقوله- عزّ و جل-: «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ» و لقول النبي «ص»: «أنت و مالك لأبيك» و ليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا الا باذنه او باذن الاب و لان الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها.

و منها خبر علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن

جعفر «ع» قال: سألته عن الرجل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 70

..........

______________________________

يكون لولده الجارية أ يطأها؟ قال: ان أحب و ان كان لولده مال و أحبّ ان يأخذ منه فليأخذ، و ان كانت الام حيّة فلا أحب ان تأخذ منه شيئا الا قرضا الى غير ذلك من الاخبار.

و امّا الطائفة الثانية من الاخبار الدالة على المحدودية و الجواز بمقدار الحاجة و الضرورة فمنها ما رواه الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر «ع» ان رسول اللّه «ص» قال لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر «ع»: ما أحبّ (لا نحبّ خ ل) ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بدّ منه ان اللّه لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ.

هكذا سند الرواية في الكافي و التهذيبين و هو عجيب فان أبا حمزة مات في سنة مأئة و خمس او و خمسين كما في بعض نسخ رجال الشيخ و ولادة الحسن بن محبوب في سنة مأئة و تسع و اربعين كما قالوا فلا يمكن روايته عن أبي حمزة بلا واسطة.

و يفهم من الحديث عدم جواز أخذ الاب الزائد على ما احتاج اليه بقرينة استشهاده- عليه السلام- بالآية الشريفة.

و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألته يعني أبا عبد اللّه «ع» ما ذا يحلّ للوالد من مال ولده؟ قال: اما اذا انفق عليه ولده باحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا، و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها الا ان يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه، قال: و يعلن ذلك، قال: و سألته عن الوالد أ يرزأ من مال ولده شيئا؟ قال: نعم

و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا الا باذنه فان كان للرجل ولد صغار لهم جارية فاحب أن يفتضّها فليقومها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء إن شاء وطأ و إن شاء باع. فيفهم من الحديث عدم جواز أخذ الزائد على النفقة و ان الاستفادة من جارية الابن لا تجوز الّا مع تقويمها على نفسه.

و منها خبر علي بن جعفر، عن أبي ابراهيم «ع» قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟

قال: لا إلّا أن يضطرّ اليه فيأكل منه بالمعروف، و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلّا باذن والده.

و منها خبر الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما يحل للرجل من مال ولده؟

قال: قوته (قوت خ ل) بغير سرف اذا اضطر اليه، قال: فقلت له: فقول رسول اللّه «ص» للرجل الذي أتاه فقدم اباه فقال له: أنت و مالك لأبيك؟ فقال: إنما جاء بابيه الى النبي «ص» فقال:

يا رسول اللّه هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن أمّي فاخبره الأب انه قد أنفقه عليه و على نفسه، و قال: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه «ص» يحبس الأب للابن؟!

و في الوسائل بعد ذكر الطائفتين من الأخبار غير منظمة قال: «ثم ان ما تضمّن جواز أخذ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 71

..........

______________________________

الأب من مال الولد محمول اما على قدر النفقة الواجبة مع الحاجة او على الأخذ على وجه القرض او على الاستحباب بالنسبة الى الولد و ما تضمن منع الولد محمول على عدم الحاجة او على كون الأخذ لغير النفقة الواجبة و كذا ما تضمن منع

الأمّ، ذكر ذلك بعض الأصحاب».

و في زكاة الشيخ بعد ذكر اخبار الجواز: «و يشكل ان ظاهر هذه الأخبار غير مراد اجماعا فيحمل على جواز أخذ النفقة من مال ولده صغيرا كان أو كبيرا اذا لم ينفق الكبير عليه».

أقول: هذا الحمل حسن بل لا بدّ منه بمقتضى الجمع بين الأخبار. و لكن المشكل ان الولد و الام أيضا يجب نفقتهما و يجوز لهما الأخذ مع الحاجة و عدم الانفاق قطعا فلم فرّق في الأخبار بين الوالد و بينهما؟

اللهم إلّا أن يقال: ان الأب عند الحاجة يكون عاجزا في الغالب عن السعي و العمل بخلاف الابن فانه عند الحاجة و البلوغ الى حدّ امكان الاستيذان يكون قادرا في الأغلب على السعي و العمل و الأمّ عند الحاجة تكون واجبة النفقة على زوجها مقدما على الولد كما ان الولد كلّ على أبيه قبلها.

هذا مضافا الى ان احترام مقام الأبوّة يقتضي توسعة الولد بالنسبة الى الوالد بحيث لا تصل النوبة الى الاستيذان بخلاف العكس فيحتاج الى الاستيذان فكأن الحكم حكم أخلاقي استحبابي يقضي بالفرق أخلاقا بين الولد و الوالد في هذه الجهة بلا فرق جوهري بينهما عند الحاجة و تضييق الطرف.

و ما دلّ على جواز وقوعه على جارية ابنه محمول على صورة تقويمها و انتقالها الى نفسه بقرينة صحيحة ابن سنان و غيرها.

و لعلّ محط النظر في خبر الجواز رفع توهم ان تكون مملوكة الابن في حكم معقودته محرّمة على الأب فلا نظر فيه الى سائر الجهات من اشتراط التقويم و وجود المصلحة في الصغير بل و الاحتياج الى الاذن في الكبير قطعا لعدم كونها من سنخ النفقة الواجبة.

و كيف كان فالظاهر عدم الفرق بين الأب و الجد و

غيرهما من الأولياء الّا في وجوب نفقتهما على الابن مع الحاجة فيجوز أخذ مقدارها من الصغير و كذا من الكبير مع عدم انفاقه ففي غير مقدار النفقة لا يجوز التصرف مع وجود المفسدة للصغير بل الأحوط مراعاة المصلحة و الغبطة للآية الشريفة و الاحتياط و الأصل.

و قد مرّ في المسألة الرابعة كلام المبسوط و السرائر حيث حكما باشتراط المصلحة و الغبطة حتى في الأب و الجد و مرّ من الفاضل الهندي أيضا ان المتقدمين عمّموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 72

[لو اتجر بمال الطفل غير الولي]

______________________________

المسألة السادسة: لو اتجر بمال الطفل غير الولي الشرعي فالقاعدة تقتضي عدم الجواز و الضمان لكون اليد عادية من غير فرق بين كون التصرف ذا مصلحة و غيره و ربما يتوهم الجواز مع المصلحة و تعذر الاستيذان من الولي. نسبه الشيخ الى الكفاية و بعض آخر لقوله- تعالى-: تعاونوا على البر و التقوى و قوله: «اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه» «1» و قوله: «كل معروف صدقة» «2» و غير ذلك من عمومات البرّ.

و فيه ان التصرف لو كان ضروريا لا يرضى الشارع بتركه و لا طريق الى الاستيذان من الولي الخاص و لا العام كالحاكم فلا مانع منه لما دلّ على ولاية عدول المؤمنين في هذا السنخ من الأمور و اما صرف وجود المصلحة فلا يكفي في ذلك و إلّا لجاز التصرف في ملك البالغين أيضا مع المصلحة بنفس ما مرّ من الأدلة و الالتزام بذلك مشكل بل يلزم الهرج و المرج، فالحق ما ذكرناه من عدم الجواز و الضمان. و اما حكم الربح و الزكاة فتوضيحه ان المتجر اما أن يتجر

بالعين او بالذمة مع قصد ابرائها بالعين او مطلقا و لكن ابرئها بها فان اشترى بالعين فان اجازه الولي فالربح لليتيم بل مقتضاها خروج العامل عن الضمان أيضا سواء قصد وقوع المعاملة لليتيم او لنفسه مع قصد القرض و بدونه فان أدلة صحة الفضولي بالاجازة اللاحقة تشمل صورة قصد الفضولي نفسه أيضا بل هي مورد صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه.

فان قلت: يجب أن يكون المنشأ و المجاز واحدا و في الصورة المفروضة المنشأ غير مجاز و المجاز غير منشأ.

قلت: حقيقة البيع مبادلة مال بمال في اضافة الملكية و اما كون الثمن مالا له او لغيره فايجاب البيع ساكت عنه فينتقل المثمن الى من يكون الثمن ملكا له قهرا و بعبارة أخرى حقيقة البيع مبادلة المالين لا المالكين و لا المالكيتين و لكن المبادلة بينهما ليس بحسب المكان بل بحسب المالكية فيكون المنشأ صيرورة المثمن ملكا لمن يكون الثمن ملكا له و بالعكس و المفروض ان المثمن ملك لليتيم فيصير الثمن ملكا له بهذا الانشاء.

فان قلت: لو فرض صحة ما تقول فلا يصح قطعا فيما اذا كان المنشأ تملك الموجب كما اذا قال: ملكت او تملكت فقال الآخر ملّكتك.

قلت: أجاب الشيخ عن ذلك بأن نسبة العاقد الفضولي الملك الى نفسه ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا او عدوانا فالمبادلة الحقيقية لنفسه لا تكون الا بلحاظ كونه مالكا و الثابت للشي ء لحيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية فالمبادلة حقيقة بين

______________________________

(1)- الوسائل ج 11 الباب 29 من أبواب فعل المعروف، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب الصدقة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

المالكين و هي التي تجاز و بناء الفضولي على كون المالك نفسه لا يضرّ بعد وقوع الانشاء بلحاظ المالكية المنطبقة شرعا و واقعا على اليتيم فتدبر.

هذا اذا أجاز الولي المعاملة و اما ان لم يجزها فمقتضى القاعدة بطلان المعاملة الّا انه قد يقال بان ظاهر كثير من الروايات اطلاق الحكم بكون الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال فيكون المقام مستثنى من الفضولي و كأن الشارع اجاز هذا السنخ من المعاملة بلحاظ مصلحة اليتيم.

و في زكاة الشيخ «و مما يؤيّد عدم ابتناء المسألة على مسألة الفضولي حكم الحلي في السرائر و فخر الإسلام في حاشية الارشاد كون الربح هنا لليتيم مع حكمهما ببطلان معاملة الفضولي».

فلنذكر الأخبار حتى نرى انها شاملة للمقام أم لا.

فمنها خبر سعيد السمّان قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: ليس في مال اليتيم زكاة الّا ان يتجر به فان اتجر به فالربح لليتيم، و ان وضع فعلى الذي يتجر به «1».

فالحكم بالضمان قرينة على عدم ولاية المتجر و الحكم بالزكاة على مال اليتيم دليل على وقوع الشراء له و حمله على صورة اجازة الولي خلاف الظاهر جدّا.

و من الممكن كون هذا اجازة من قبل الشارع الذي هو وليّ الأولياء فلا يحتاج الى اجازة الولي الشرعي.

و بهذا يجاب عما ذكره الشيخ حيث قال: «و تطبيق مسألتي الربح و الخسران على قاعدة الفضولي دونه خرط القتاد».

اذ يرد عليه انه من الممكن تبعيض الاجازة من قبل الشارع فيجيز مع الربح و لا يجيز مع الخسران و هذا الذي تقتضيه مصلحة الصبي.

و منها صحيحة زرارة و بكير، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: ليس على مال اليتيم زكاة الّا أن يتجر به فان اتجر به

ففيه الزكاة، و الربح لليتيم، و على التاجر ضمان المال «2». و الكلام فيها الكلام.

و هل تشمل الروايتان ما اذا اتجر غير الولي بقصد نفسه فتثبت الزكاة فيها أيضا اولا من جهة ان الزكاة انما تثبت على اليتيم اذا اتجر بقصده و الا فلا زكاة لا على الصبي لعدم قصده حين الاتجار و لا على المتجر لعدم تحقق التجارة و الربح له؟ وجهان.

و في رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أ يضمنه؟ قال: نعم، قلت: فعليه زكاة؟ فقال: لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 74

..........

______________________________

و الزكاة «1».

اللهم الّا ان يقال نفي الزكاة على المتجر لا ينافي ثبوتها على الطفل بعد انتقال الربح اليه.

أقول: مقتضى القاعدة بطلان المعاملة بدون اجازة الولي سواء قصد نفسه او اليتيم، و مقتضى اطلاق الروايتين كون الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال مطلقا اجاز المولى أم لا و قصد اليتيم او نفسه فكأن الشارع الذي هو ولي الأولياء اجاز المعاملة مع الربح مطلقا و مقتضى اطلاق قوله:

«ليس في مال اليتيم زكاة الا ان يتجر به» أيضا ثبوت الزكاة مع الاتجار به سواء قصد اليتيم او نفسه، و ظهور ذلك في خصوص ما اذا قصد اليتيم حين الاتجار ممنوع.

فالأقوى ثبوت الزكاة في الصورتين كما حكاه الشيخ عن الشهيدين و المحقق الثاني خلافا لما يظهر من المحقق في الشرائع من عدم الزكاة في ما اذا قصد نفسه و

كأنه لما يتوهم من ان الربح حينئذ لليتيم كأنه مال ثبت له بحكم الشارع تصادفا من دون صدق عنوان مال التجارة عليه فتدبر.

تنبيه: لو قيل بتوقف الصحة على اجازة الولي فهل تجب عليه الاجازة مع وجود المصلحة أم لا؟ من ان الظاهر من قوله- تعالى- «لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* ان قرب مال اليتيم أعني التصرف فيه لا يجوز الّا بالنحو الأحسن و هذا لا يدل على وجوب القرب و التصرف و الاصل براءة الذمة عنه و من ان ترك الاجازة مع ظهور الربح يعدّ اضرارا به و تضييعا للربح الحاصل بفعل الغير فلا يقاس بترك الاكتساب بل يمكن ان يراد بالقرب في الآية أعم من التصرف و الابقاء فكأنه قال «لا تصمّموا بالنسبة الى مال اليتيم تصرفا او ابقاء له الّا بالتي هي أحسن» فلا يجوز ترك الاكتساب الذي فيه المصلحة أيضا و الأحوط اجازته له مع ظهور الربح و عدم محذور فيها فتدبر.

[لو ابرأ الولي ذمته بمال الطفل]

المسألة السابعة: ما مرّ كان في صورة تجارة غير الولي بعين مال اليتيم و لو اتجر في ذمة نفسه ثم دفع مال اليتيم لإبراء ذمته فالتجارة وقعت لنفسه و الربح له و الخسران عليه.

و اما اذا اتجر به في الذمة و لكن كان حين الانشاء عازما على دفع مال اليتيم عنها فالقاعدة تقتضي أيضا وقوع المعاملة عن نفسه لوقوع الانشاء على الكلي.

و لكن قد يقال كما في زكاة الشيخ: ان ظاهر الأخبار الحاكمة بثبوت الربح لليتيم و الخسارة على العامل يشمل هذه الصورة أيضا فان الاتجار بمال اليتيم و ان كان حقيقة في الاتجار بالعين الّا انه يصدق عرفا على الاتجار بما في الذمة مع قصد دفع

العين الخاصة أيضا فتراهم يطلقون ان فلانا يتجر بما في يده او بمال فلان مع انه قلما يتفق معاملة بالعين الشخصية.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 75

..........

______________________________

و من هنا استجود سيد مشايخنا الحاق هذه الصورة بصورة الشراء بالعين و النسبة بين القاعدة المشار اليها و هذه الأخبار و ان كانت عموما من وجه و لكن تقييد هذه الأخبار بالشراء بالعين تقييد بالفرد النادر المساوق لطرحها فكما خرجنا بهذه الأخبار عن قاعدة الفضولي نخرج بها عن هذه القاعدة مع امكان ان يقال: ان العامل اذا قصد حين الانشاء دفع مال خاص فكأنه اوقع العقد عليه ابتداء فليس قصد هذا المال الخاص خارجا من متن العقد بل هو في متنه.

و من هنا يستقرب اطراد الحكم في غير مال الصغير أيضا و يدل عليه مضافا الى أخبار مال اليتيم بعد الغاء الخصوصية روايات:

منها ما رواه الكليني بسند فيه ارسال عن أبي حمزة، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني ان أؤدّيها؟ قال: اعزلها، فان اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فان لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها «1». و الخبر مرسل الّا أن يقال ان قول الكليني في ديباجة الكافي: «بالآثار الصحيحة عن الصادقين» حكم بصحة جميع ما في الكافي و لا يقصر هذا عن توثيقات الكشي و النجاشي فتأمل.

و منها ما رواه ابو سيار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

اني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه و حلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته اياه فقال: هذا مالك فخذه و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك و اجعلني في حلّ فاخذت المال منه و أبيت أن آخذ الربح و اوقفت المال الذي كنت استودعته و أتيت حتى استطلع رأيك فما ترى؟ قال: فقال: خذ الربح و اعطه النصف و احلّه ان هذا رجل تائب و اللّه يحب التوّابين «2».

و في السند الحسن بن محبوب و هو من أصحاب الاجماع.

و في المختلف (كتاب الأمانات): «مسألة اذا اتجر الودعي بالوديعة من غير اذن المالك كان ضامنا و الربح للمالك بأجمعه، قاله الشيخان و سلّار و أبو الصلاح و ابن البرّاج و غيرهم».

فان حمل هذه الروايات و كلمات الأصحاب على صورة وقوع المعاملات بشخص العين الخارجية حمل على فرد نادر غير متعارف فتحمل لا محالة على هذه و على صورة وقوع المعاملات على الذمة مع توجه العامل الى الشخص الخارجي و قصد ابراء الذمة به و المسألة محل اشكال الا ان ثبوت الربح للعامل لا يخلو عن قوة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 12 الباب 10 من كتاب الوديعة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 76

..........

______________________________

هذه خلاصة ما افاده الشيخ في المقام بتوضيح ما.

أقول: محصّل استدلال الشيخ- عليه الرحمة- للمسألة يرجع الى ثلاثة أدلّة:

الأول: ان الاتجار بمال فلان مثلا عند العرف يكون أعم من الاتجار بعينه فيشمل الاتجار بالذمة أيضا مع قصد دفع العين الخاصة.

الثاني: ان العامل اذا قصد حين العقد دفع المال الخاص فكأنه أوقع العقد عليه فالانشاء

و ان وقع صورة على الكلي فهو بالحقيقة على الشخص اذ العقد يتقوم بالقصد كما قيل: «العقود تابعة للقصود» فلو كان هنا قصدان: احدهما قصد الكلي و الثاني قصد تطبيقه على الشخص الخاص أمكن ان يقال ان الواقع في متن العقد القصد الأول لا الثاني و الثاني في حاشية العقد و لكن الشخص الذي يريد شراء دار مثلا فيحصّل ثمنا خاصا و يجعله في كيسه و يقول في جواب البائع السائل عن وجود الثمن نقدا: «انه موجود نقد» لو قال هذا الشخص «اشتريت دارك بكذا تومانا» فلا يقصد في إنشائه الّا شخص الثمن الموجود في كيسه و ان لم يشر اليه في لفظه فهي معاملة شخصية بصورة الكلي.

الثالث: ان حمل الأخبار الواردة في الاتجار بمال الغير من اليتيم و غيره على الاتجار بالعين حمل على فرد نادر مساوق لطرح هذه الأخبار.

هذا و لا يخفى عدم تمامية الدليل الأول اذ الاطلاق العرفي المذكور كما يشمل الذمة مع القصد المزبور يشمل الذمة المطلقة أيضا فمن يقول: «فلان اتجر بمال عمرو و استفاد منه كذا و كذا في طول سنوات» لا يكون مطلعا على ذهن العامل و انه كان قاصدا حين الإنشاءات للمال الخاص أم لا فهذا تعبير مسامحي يشمل الذمة المطلقة أيضا من حيث ان ابرائها بالاخرة كان بمال عمرو و ان وجود مال عمرو كان سببا لاستمرار تجارته و استفادته مع ان وقوع التجارة على الذمة المطلقة للعامل بلا اشكال و يفتي به الجميع.

نعم الدليلان الأخيران متينان جدا فالأحوط ان يعامل مع مورد النزاع معاملة الشخص.

و هاهنا كلام و هو ان الشيخ قال: «القاعدة تقتضي احتياج الفضولي الى الاجازة و لكن نلتزم باستثناء باب اليتيم منه

بمقتضى الاخبار اذ ظاهر قوله: «و الربح لليتيم» عدم الاحتياج الى اجازة الولي اذ التقييد بالاجازة خلاف الظاهر».

فنقول في رواية التجارة بالمال الزكوي و بالوديعة و كذا فيما حكاه في المختلف عن الأصحاب أيضا لم تذكر الاجازة مع وضوح الاحتياج اليها اذ لا يلتزم احد بصحة الفضولي مع الربح بلا احتياج الى اجازة بل قهرا على صاحب المال فلا محالة يقال: ان المراد ان لصاحب الوديعة مثلا اخذ الربح باجازة المعاملات الواقعة عليها و لم يتعرض للإجازة لوضوح الاحتياج اليها و لأن

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 77

..........

______________________________

البحث عنها في محل آخر فلم لا يلتزم بذلك في التجارة بمال اليتيم أيضا مع وحدة السياق في جميع الروايات و لم يجعل باب التجارة بماله مستثنى من باب الفضولي!؟

و على هذا فيمكن منع عدم الاحتياج الى الاجازة في مال اليتيم و لعل عدم التعرض للإجازة فيه من جهة انه مع وضوح الربح يجب على الولي الاجازة اذ يعدّ تركها تضييعا لحق اليتيم و وجوب الاجازة امر و عدم الاحتياج اليها أمر آخر فالأحوط تحصيل اجازة الولي و الأحوط له الاجازة فتدبر.

[لو اتجر بمال الطفل اليتيم غير الملى]

المسألة الثامنة: لو اتجر بمال اليتيم الولي غير الملي فلا خلاف و لا اشكال في جواز تجارته للطفل مع المصلحة.

و اما الشراء لنفسه فاما ان يكون بالعين او بالذمة المطلقة او بالذمة مع قصد الأداء من العين و حكم الأخيرين اتضح بما مرّ.

و أما الشراء لنفسه بالعين فواضح انه لا يقع لنفسه لعدم الملاءة و قد مرّ اشتراطها، و الظاهر وقوعه للطفل فالربح له و الخسارة على العامل لفحوى ما مرّ في تجارة غير الولي من كون التجارة بمال اليتيم مستثناة من باب الفضولي مضافا

الى وجود اخبار هنا أيضا و ستأتي.

و اما بناء على عدم اخراجها من باب الفضولي فهل يحتاج هنا أيضا الى الاجازة اللاحقة أم لا؟ من ان المتجر هو الولي المأذون و لا يقدح نية الشراء لنفسه اذ الشراء وقع بعين مال الطفل و البيع مبادلة المال بالمال في اضافة المالكية فينتقل المثمن الى من خرج الثمن عن ملكه و لو أثرت نية نفسه و أضرّت لا ضرّت في مطلق الفضولي و قد مرّ عدم اضرارها، و من ان الانتقال يحتاج الى النية اذ العقود تابعة للقصود و المفروض وقوع الانشاء بقصد نفسه فلا يفيد النقل الى المالك غاية الأمر انه قابل لأن يسلب عنه الخصوصية الملحوظة بالقصد الجديد للمالك و لو كان مجرد كون العين ملكا له كافيا في صرف العقد اليه لم نحتج في الفضولي الى الاجازة أصلا.

اللهم الا ان يقال كما مرّ: ان قصد نفسه ليس بما انه شخص خاص بل بما انه مالك للثمن و لو ادعاء فان المفروض انه قصد البيع، و البيع مبادلة مال بمال في اضافة المالكية فلا يفرض قصده الا مع فرض نفسه مالكا ادعاء فالانشاء وقع مع قصد الانتقال الى المالك فهذا متن العقد نعم فرض نفسه مالكا ادعاء و لكن هذا الفرض لا أثر له لأنه أمر في حاشية العقد فتأمل اذ لو سلم التوجه الى عنوان المالكية فكونه ملحوظا بنحو التقييد لا التعليل ممنوع.

هذا و الذي يسهّل الخطب ما عرفت من خروج باب اليتيم من باب الفضولي لفحوى ما مرّ في تجارة غير الولي مضافا الى ورود اخبار في خصوص المسألة:

فمنها خبر منصور الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن مال اليتيم يعمل به؟

قال: فقال:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 78

..........

______________________________

اذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال و ان كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال «1».

و مورد الرواية تجارة الولي فانه الذي يجوز له أن يستقرض مال اليتيم اذا كان مليّا و اما غير الولي فلا يجوز له ذلك سواء كان ذا مال أم لا.

و منها صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» في مال اليتيم، قال: العامل به ضامن، و لليتيم الربح اذا لم يكن للعامل مال، و قال: ان عطب أدّاه.

و منها صحيحة ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: في رجل عنده مال اليتيم فقال:

ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و ان هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن.

و منها ما رواه العياشي عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: مال اليتيم ان عمل به الذي وضع على يديه ضمن و لليتيم ربحه الحديث «2».

فالتفصيل بين ذي مال و غيره في هذه الروايات يدل على كون المورد تجارة الولي بمال اليتيم.

هذا و لكن قد مرّ في المسألة السابقة الإشكال في استثناء باب اليتيم من مسألة الفضولي و في المقام و ان كان المتجر هو الوليّ و لكن المفروض انه قصد نفسه و هذا بنفسه و ان لا يضر مع قصد عنوان المعاملة التي هي مبادلة مال بمال و لكنه قد يشكل فيما اذا قصد الطرف نقل المال الى خصوص العامل بل صرح بأنه لا يرضى بانتقاله الى غيره و انه يرضى بالانتقال اليه بما انه شخص خاص، و

خصوصية المالك و ان لم تكن ركنا في البيع و بهذا يفترق عن النكاح إلّا انه يمكن مدخليتها اذا لاحظها المتبايعان و صرحا باعتبارها.

و يجري هذا الاشكال في الوكيل عن الغير أيضا اذا لاحظ الطرف خصوصية العاقد، و في هذه الصورة يمكن القول بعدم كفاية الاجازة اللاحقة من الولي و الوكيل أيضا بل يحتاج الى اجازة الطرف الآخر فتدبر جيدا.

فهذه ثمانية مسائل ذكرناها في باب التجارة بمال اليتيم و قد مرّ ان في المسألة من حيث تعلق الزكاة ثلاث صور:

الأولى: ان يتجر به الولي لنفسه بنحو يقع له كما في صورة الملاءة و المصلحة فحكمها حكم سائر موارد التجارة فتثبت الزكاة فيها على نحو ثبوتها في غيره من الوجوب او الاستحباب و في الحقيقة لا تكون التجارة في هذه الصورة بمال اليتيم بل بمال المتجر.

الثانية: ان يتجر به لليتيم فتقع له اما لكونه وليّا او لحكم الشارع بكون الربح له فتثبت

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 و 3 و 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 79

[عدم الزكاة في مال الجنين]

و لا يدخل الحمل في غير البالغ فلا يستحب اخراج زكاة غلّاته و مال تجارته (1).

______________________________

الزكاة أيضا للأخبار المستفيضة الواردة في المسألة و منها صحيحة زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» حيث قال: «... فان اتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال» «1».

الثالثة: ان يتجر به المتجر لنفسه مع عدم وقوعه لنفسه بل لليتيم قهرا عليه فهل تثبت فيه الزكاة كما عن الشهيدين و المحقق الثاني و يدل عليه اطلاق الصحيحة أو

لا كما في الشرائع لانصراف أدلة زكاة التجارة الى صورة وقوع التجارة بقصد صاحب المال و الّا فالربح في الحقيقة لم يحصل له بالتجارة بل هو مال ثبت له تصادفا بحسب حكم الشارع قهرا على المتجر؟ وجهان، و الأقوى الثبوت. و قد مرّ تفصيل ذلك في ذيل المسألة السادسة. و قد خرجنا في المقام عن طور الاختصار لكون المسألة مما يبتلى بها كثيرا و قد تعرض الشيخ لها في زكاته أيضا مفصلة فراجع.

(1) في التذكرة: «لا زكاة في المال المنسوب الى الجنين لعدم التكليف و عدم الوثوق بحياته و وجوده و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني يجب كمال الصبي، و الأصل ممنوع».

و في الايضاح: «و اعلم ان اجماع أصحابنا على انه قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله كالميراث لا وجوبا و لا غيره».

و في الجواهر عن شرح اللمعة للأصبهاني: «التحقيق ان لم يثبت الاجماع المنقول في الايضاح تعميم الحكم له ان كان المستند العمومات».

أقول: لا يخفى عدم شمول لفظ «اليتيم» او «الصغار» او «الطفل» للجنين و لا أقل من انصرافها عنه و لكن ان اخترنا عدم وجوب الزكاة في مال اليتيم فلا تجب في مال الجنين قطعا للأولوية القطعية.

و أمّا على القول بوجوبها في غلات اليتيم و مواشيه كما في كلمات القدماء من أصحابنا فنقول:

المحتملات بدوا في مالكية الجنين ثلاثة:

الأول: ان يقال بصيرورته مالكا بصرف موت المورّث و لكن موته قبل التولد يصير موجبا لانتقال الملك عنه.

و الظاهر انه لا يقول بهذا أحد لكونه خلاف ظاهر الروايات مضافا الى اقتضائه انتقال المال منه الى وارث نفسه لا سائر ورثة المورّث.

الثاني: ان يقال بكون ولادته حيا كاشفا عن انتقال المال اليه من حين موت

المورث.

الثالث: ان تكون ولادته حيا ناقلة فقبلها يكون مستعدا للمالكية لا مالكا بالفعل و لعله

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 80

[المتصدي للإخراج هو الولي]

و المتولي لإخراج الزكاة هو الوليّ (1) و مع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي (2).

و لو تعدد الوليّ جاز لكل منهم ذلك (3) و من سبق نفذ عمله (4).

______________________________

الظاهر من اخبار اشتراط ولادته حيا.

و على هذا فلا تتعلق به الزكاة لعدم الملك و قد مرّ اشتراطه و على الكشف و ان كان مالكا واقعا و لكنها متزلزلة غير تامة و قد مرّ اشتراط التمامية أيضا فلا وجوب قطعا.

و اما الاستحباب فكان مورده بحسب الروايات غلات اليتيم و مال تجارته و قد عرفت انصراف لفظ اليتيم عن الجنين كما ان عمومات الزكاة مثل قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» أيضا منصرفة عنه بل عن اليتيم و المجنون أيضا كما لا يخفى و قوله: «فيما سقت السماء العشر» او «في خمس من الإبل شاة» في مقام بيان المقدار لا المورد فلا عموم فيهما بحسبه فلا دليل على ثبوت الزكاة في مال الجنين لا وجوبا و لا استحبابا هذا.

و اما ما ادعاه في الايضاح من الاجماع على العدم فموهون بعدم كون المسألة معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا فكيف يدّعى فيها الاجماع؟ و هل نكشف بهذا النحو من الاجماع المنقول عن رأي المعصوم- عليه السلام-؟ فتدبر.

(1) اذ جعل الزكاة يستلزم اجازة الاخراج و لا يجوز للصبي التصرف في ماله لأنه محجور و الولي هو المنصوب للتصرف في ماله و اما غيره فلا يجوز له التصرف لعموم حرمة التصرف في مال الغير.

هذا

على فرض عدم ثبوت الحق في الزكاة المستحبة و الّا فجعل الحق في المال يستلزم اجازة التأدية و الولي هو المتيقن.

هذا مضافا الى قوله- عليه السلام- في موثقة يونس بن يعقوب المتقدمة: «اذا اتجر به فزكّه» «1» و في خبر أبي العطارد «اذا حركته فعليك زكاته» «2».

و نية الاخراج على الولي، و لو أراد الولي الاخراج و منعه الصبي مع التميز فعلى فرض الحق يكون نظر الولي مقدما و اما على فرض الاستحباب التكليفي فقط فيشكل تقديمه لأن ملاك الاستحباب للصبي لا للولي.

(2) لأنه ولي من لا ولي له و الغائب كالمعدوم اذا طالت مدة الغيبة و انقطع عن المال بالكلية.

(3) مع فرض استقلال كل منهما كالأب و الجد او المنصوبين المستقلين.

(4) لأنه مقتضى ولايته المستقلة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 81

و لو تشاحّوا في الاخراج و عدمه قدّم من يريد الاخراج (1) و لو لم يؤدّ الوليّ الى أن بلغ المولّى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة اليه (2).

[زكاة مال المجنون]

[مسألة 2]: يستحب للولي الشرعي اخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره من النقدين كان أو من غيرهما (3).

______________________________

(1) لإطلاق دليل الاستحباب و الولاية نعم لو رفعا الأمر الى القاضي فهل عليه تقديم مريد الاخراج او تقديم مصلحة اليتيم؟ و جهان.

(2) لو كان الاستحباب للولي كما في عبارة المصنف في صدر المسألة فلا وجه لبقائه بعد بلوغ المولى عليه و زوال الولاية و لكن الظاهر فساد هذا المبنى.

و امّا اذا كان لليتيم لأنه صاحب المال و فيه ملاكه و لا

يرفعه حديث رفع القلم فان المرفوع هو الالزام فهو باق ببقاء صاحب المال و ان لم يبق المال أيضا و اولى بذلك ما لو قيل بأن المجعول في الزكاة المستحبة أيضا نحو حق و مرتبة منه لا يستتبع الّا حكما ندبيا فكما ان المجعول في الزكاة الواجبة ليس التكليف المحض بل نحو حق للمصارف فكذلك في المستحبة الّا ان للحق مراتب فبعضها يستتبع الالزام بالأداء و بعضها يستتبع استحبابه و على فرض تصرف المال ينتقل الى الذمة على نحو ثبوته في المال و قد مرّ في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «فاما الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «1».

و في صحيحة زرارة و بكير: «فان اتجر به ففيه الزكاة» «2» فالزكاة ثابتة على المال و في المال فليست تكليفا محضا فعلى هذا يكون بقائها الى حال البلوغ أظهر.

و اما ما في المستمسك من انه لا مانع عقلا من ملك الفقير جزء من المال بنحو يستحب دفعه اليه و لا يجب فتصويره مشكل ان أراد بذلك الملكية الاصطلاحية اذ مقتضى الملكية عدم جواز التصرف و وجوب دفعه الى صاحبه فتأمل.

(3) اما ثبوت الزكاة في مال تجارته فلدلالة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و خبر موسى بن بكر عليه و قد مرّ ذكرهما عند ذكر المصنف اشتراط العقل و اما في الوجوب و الاستحباب فهو بحكم غيره من الناس فكل ما حكمنا به في زكاة مال التجارة من الوجوب و الاستحباب نحكم به في اليتيم و المجنون أيضا.

و أمّا في النقدين فلا وجوب و لا استحباب كما هو المتيقن من مورد الخبرين.

و اما في الغلات و المواشي ففي الخلاف و النهاية و المقنعة و نحوها حكموا بوجوبها فيهما

مثل الصبي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 82

[حكم الزكاة في مال المغمى عليه و السكران]

[مسألة 3]: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول، و كذا السكران، فالاغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه، و لا ينافيان الوجوب اذا عرضا حال التعلق في الغلّات (1).

______________________________

و قد مرّ الإشكال في ذلك من المحقق في المعتبر و من صاحب الجواهر اذ لا دليل على إلحاق المجنون بالصبي فيهما لا في الوجوب و لا في الاستحباب و مقتضى الصحيحة و الخبر عدم ثبوتها في ماله الّا اذا عمل به فالحق ما ذكره المصنف من عدم الاستحباب في غير مال التجارة و عليك بمراجعة ما حررناه سابقا في المسألة.

(1) في التذكرة: «و تجب الزكاة على النائم و الساهي و المغفّل دون المغمى عليه لأنه تكليف و ليس من أهله».

و في المدارك: «و في الفرق نظر فانه ان أراد ان المغمى عليه ليس أهلا للتكليف في حال الاغماء فمسلّم لكن النائم كذلك و ان أراد كون الاغماء مقتضيا لانقطاع الحول و سقوط الزكاة كما ذكره في ذي الأدوار طولب بدليله».

و ملخص كلام المدارك ان المغمى عليه و النائم يشتركان في عدم التكليف و لكن الزكاة وضع يثبت لهما معا و لا دليل على قطعهما للحول. غاية الأمر ان الأداء يقع في حال اليقظة و الافاقة و بالجملة فالعمومات شاملة و لا دليل على تخصيصها في المقام بخلاف اليتيم و المجنون و حمل المقام على المجنون قياس.

أقول: للعلامة ان يستدل بما ورد من قوله في المغمى عليه:

«ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر».

و قد استفاضت الأخبار بهذا المضمون و أوضحها و أشملها ما رواه في العلل و الخصال عن موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يغمى عليه يوما أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك كم يقضي من صلاته؟ قال: ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟

كلما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده.

قال و زاد فيه غيره ان أبا عبد اللّه «ع» قال: هذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها ألف باب «1».

ثم انه لو فرض الاغماء او السبات طال سنة أو سنتين أو أكثر يصير وزانه وزان الغائب عن ماله المنقطع عنه فيقرب جدّا عدم تعلق الزكاة به كمال الغائب اذ الغيبة لا خصوصية لها كما عرفت بل الملاك انقطاع الانسان عن ماله بحيث لا يقدر على قبضه و بسطه و لذا ألحق به

______________________________

(1)- الوسائل ج 5 الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 8 و 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 83

[لا تجب الزكاة على سيد العبد]

[مسألة 4]: كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه على المختار من كونه مالكا، و اما على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكن العرفي من التصرف فيه (1).

[لو شك في تقدم البلوغ و تأخره]

[مسألة 5]: لو شك حين البلوغ في مجي ء وقت التعلق، من صدق الاسم و عدمه (2) او علم تاريخ البلوغ و شك في سبق زمان التعلق و تأخره

______________________________

الأصحاب المسروق و المجحود و المنذور و نحوها و بذلك أشار في قوله في السؤال في المرسلة «ما له عنه غائب لا يقدر على أخذه».

نعم الاغماء ساعة أو ساعتين لا يضرّ بل عرفت عدم اضرار الجنون المختصر أيضا فراجع ما حررناه في اشتراط العقل.

(1) مرّ في اشتراط الحرّية ان نفس أخبار عدم الزكاة في مال العبد باستفاضتها تدل على صيرورة العبد مالكا و مع ذلك حكمت بعدم الزكاة في ماله فالقول بوجوب زكاته على المولى اجتهاد في مقابل النص نعم لو طرحنا هذه الأخبار و نحوها مما تدل على ملكية العبد و انكرنا ملكيته بأي نحو من الأنحاء و قلنا بأن الملك للمولى من رأس بلا وساطة العبد صار كسائر امواله و تعلقت به الزكاة.

و الحاصل ان المحتملات في الأخبار ثلاثة:

الأول: ان المال للعبد و لا زكاة فيه لا عليه و لا على المولى و هو الظاهر منها جدّا.

الثاني: ان يراد لا زكاة في مال العبد يعني على العبد بل هي على المولى و هو خلاف الظاهر جدّا.

الثالث: ان يراد لا زكاة في مال العبد يعني انه ليس مال العبد بل مال لمولاه و عليه زكاته و هذا أبعد من الثاني و يشبه اللاحجية فراجع أخبار الباب و ما حررناه سابقا.

(2) في المستمسك:

اذا كان المراد الشك حين البلوغ في تحقق او ان التعلق قبل البلوغ فلا اثر لهذا الشك اذ على التقديرين من التحقق و عدمه لا إلزام بالزكاة، و ان كان المراد الشك في تحقق او ان التعلق حين البلوغ فكذلك بناء على ما تقدم منه من اعتبار سبق البلوغ.

أقول: الاشكال وارد على فرض ارادة المصنف الشك البدوي في تحقق وقت البلوغ و لكن الظاهر ان مفروض المسألة صورة العلم بتحقق البلوغ و التعلق معا و الشك في تقدم أحدهما على الآخر، و الفرق بين هذه الصورة و الصورة التالية ان زمان الشك قد يكون زمان معلوم التاريخ و قد يكون ما بعده و لا فرق بينهما في حكم المسألة كما لا يخفى.

و صور المسألة على ما ذكره المصنف عشرون صورة فان كلا من البلوغ و اشتداد الحب مثلا اما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

أن يجهل تاريخهما او يعلم تاريخ البلوغ و يجهل الآخر او بالعكس و في الأخيرتين اما أن يكون زمان الشك نفس زمان معلوم التاريخ او بعده و ان كان لا أثر لهذا كما عرفت فهذه خمس صور و في كل من هذه الصور فالترديد اما بين السبق و التقارن او بين السبق و اللحوق او بين التقارن و اللحوق او بين السبق و التقارن و اللحوق.

و على ما ذكره المصنف من اعتبار سبق البلوغ على وقت التعلق تكون جميع الصور موردا للشك في الحكم و اما على ما اخترناه من كفاية التقارن بينهما من جهة ان كليهما شرطان للتعلق في عرض واحد و لا دليل على لزوم تقدم أحد الشرطين على الآخر ففي خمس من الصور يعلم بالتعلق قطعا مثلا

اذا علم بأن البلوغ اما سابق على اشتداد الحب أو مقارن له فهو يعلم بالتعلق في كلا الفرضين بلا إشكال.

و كيف كان فقبل بيان حكم صور المسألة لا بأس باشارة اجمالية الى المسألة الأصولية في المقام.

فنقول: لا فرق في المستصحب بين أن يكون مشكوك الارتفاع في الزمان اللاحق رأسا و بين أن يشك في ارتفاعه في جزء من الزمان اللاحق مع القطع بارتفاعه بعد ذلك، فلو علم بوجود حادث في زمان و شك في وجوده قبل هذا الزمان يستصحب عدمه الى الزمان المتأخر و يلزمه عقلا تأخر حدوثه و يعبر عن ذلك في كلمات الأصحاب بأصالة تأخر الحادث.

ثم ان هذا الحادث المشكوك تقدمه و تأخره قد يلاحظ بحسب أجزاء الزمان و قد يلاحظ بحسب حادث آخر، و الحادثان اما ان يكونا مجهولي التاريخ او يعلم تاريخ احدهما.

ففي مجهولي التاريخ لا يجري استصحاب العدم اصلا بناء على عدم اجرائه في اطراف العلم الإجمالي أو يجري في كليهما و يتعارضان.

و اما في ما علم تاريخ أحدهما فيستصحب عدم مجهول التاريخ الى زمان معلوم التاريخ و تترتب آثار العدم و اما آثار العناوين الوجودية الملازمة لهذا العدم كالحدوث و اللحوق و التقارن فلا تترتب الا بناء على حجية الأصل المثبت او خفاء الواسطة او احراز التلازم بحسب الجعل بين جعل آثار هذا العدم و جعل آثار العنوان الوجودي الملازم له.

و ربما يتوهم جريان الأصل في معلوم التاريخ أيضا بأن يستصحب عدمه الى الزمان الواقعي للآخر.

و أجيب بأن نفس وجوده غير مشكوك فيه في زمان و اما وجوده في زمان الآخر فليس مسبوقا بالعدم.

أقول: لو كان الأثر للوجود المقيد بكونه في زمان الآخر فعدمه بنحو السلب التام له حالة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 85

ففي وجوب الاخراج اشكال (1) لان اصالة التأخر لا تثبت البلوغ حال التعلق (2) و لكن الأحوط الاخراج (3).

______________________________

سابقة و لكنه ليس معارضا لاستصحاب العدم في مجهول التاريخ لعدم التقيد في هذا الطرف فتدبر فان للبحث عن المسألة مقاما آخر.

و في الرسائل بعد اختيار استصحاب العدم في مجهول التاريخ و ترتيب آثار العدم لا التأخر و نحوه من العناوين الوجودية الملازمة قال: «يظهر من الأصحاب هنا قولان آخران: احدهما جريان هذا الأصل في مجهول التاريخ و اثبات تأخره عن معلوم التاريخ بذلك و هو ظاهر المشهور و قد صرّح بالعمل به الشيخ و ابن حمزة و المحقق و العلامة و الشهيدان و غيرهم في بعض الموارد منها مسألة اتفاق الوارثين على اسلام أحدهما في غرة رمضان و اختلافهما في موت المورث قبل الغرة أو بعدها فانهم حكموا بأن القول قول مدّعي تأخّر الموت ...، الثاني عدم العمل بالأصل و إلحاق صورة جهل تاريخ أحدهما بصورة جهل تاريخهما».

و الحق ما ذكره الشيخ من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ و عدم اثبات وصف التأخر و نحوه و لعلّ التزام المشهور باثباتها كان من جهة ان الاستصحاب كان عندهم من قبيل الامارات الظنية الثابت حجيتها بسيرة العقلاء و عملهم.

(1) أقواه عدم الوجوب الا فيما مرّ من كون الترديد بين تقارن وقت التعلق او تأخره للقطع بالوجوب حينئذ على ما مرّ منّا من كفاية التقارن سواء كان زمان الشك زمان البلوغ المعلوم وقته او بعده.

هذا و لكن الأحوط في جميع صور الشك الفحص ثم اجراء الأصول لانصراف أدلة الأصول عن الشك الذي يزول بأدنى فحص بحيث يصدق ان علمه في كيسه و لذا

نحتاط بوجوب الفحص في من شك في تعلق الزكاة أو الخمس بماله أو حصول الاستطاعة له بماله.

نعم ثبت بمقتضى صحيحة زرارة الثانية و اجماع الأصحاب عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية في باب الطهارة و النجاسة فراجع.

(2) كان المناسب أن يقول: «لا تثبت التعلق وقت البلوغ» فانه المشكوك فيه و مجرى الأصل و المراد بأصالة التأخر هو استصحاب عدم اشتداد الحب مثلا الى زمان البلوغ فانه لا يثبت تأخر الاشتداد عن البلوغ.

(3) رعاية لما عن المشهور من اثبات وصف التأخر بهذا الاستصحاب كما حكاه الشيخ عنهم و قد عرفت ان كلامهم مبتن على حجية الاستصحاب من جهة سيرة العقلاء و كونه من الامارات الظنية و يمكن أن يكون وجه الاحتياط أيضا احتمال حجية الأصل المثبت او كون

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 86

و اما اذا شك حين التعلق في البلوغ و عدمه او علم زمان التعلق و شك في سبق البلوغ و تأخره او جهل التاريخين فالأصل عدم الوجوب (1).

و اما مع الشك في العقل فان كان مسبوقا بالجنون و كان الشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل (2).

و ان كان مسبوقا بالعقل فمع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب (3) و مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشك في سبق التعلق و تأخره فالأصل عدم الوجوب (4) و كذا مع الجهل

______________________________

الواسطة خفية فتدبر.

(1) بل الأصل في غير مجهولي التاريخ عدم البلوغ لتقدم الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي تقدم الأصل السببي على المسببي و قد مرّت الاشارة الى القطع بالوجوب هنا اذا كان الترديد بين سبق البلوغ و تقارنه في الصور

الثلاثة لكفاية التقارن على ما اخترناه خلافا للمصنف من اشتراط سبق البلوغ.

و لم يتعرض المصنف هنا للاحتياط كما تعرض له في الفرضين السابقين لأن مورد الاستصحاب هنا عدم البلوغ و لو فرض اثبات لازمه أعني تأخر البلوغ أيضا كان مفاده نفي الوجوب أيضا.

(2) لأن العقل مثل البلوغ شرط يكون مسبوقا بالعدم فيجري فيه ما يجري فيه بلا تفاوت.

و يأتي فيه أيضا ما ذكرنا من القطع بالوجوب في بعض الصور بناء على ما اخترناه من كفاية التقارن.

(3) لاستصحاب بقاء العقل الى وقت التعلق فيثبت الوجوب بثبوت شرطه و لا مانع من احراز أحد الشرطين بالاستصحاب و الآخر بالوجدان.

(4) بل الأصل عدم تحقق اشتداد الحب مثلا الى زمان الجنون فان الأصل الموضوعي مقدم على الحكمي تقدم الأصل السببي على المسببي و على فرض اثباته وصف التأخر أيضا يكون مقتضاه عدم الوجوب أيضا كما لا يخفى و لذا لم يتعرض المصنف للاحتياط.

و قد يتوهم في المقام جريان استصحاب العقل الى زمان انعقاد الحب و مقتضاه وجوب الزكاة و لا يعارض باستصحاب عدم اشتداد الحب الى زمان الجنون فانه لا يثبت كون الاشتداد في زمان الجنون و ما لم يثبت ذلك يجب الاخراج لأن الخارج من عمومات الزكاة كون المال مال المجنون.

و يرد على ذلك ان المفروض كون الجنون معلوم التاريخ فلا شك في العقل بحسب الزمان حتى يستصحب و اما نسبته الى زمان اشتداد الحب فليس لها حالة سابقة حتى تستصحب فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 87

بالتاريخين (1) كما انه مع الجهل بالحالة السابقة و انها الجنون او العقل كذلك (2)

[الخيار لا يمنع من تعلق الزكاة]

[مسألة 6]: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة اذا كان في تمام

الحول، و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرف فلو اشترى نصابا من الغنم او الابل مثلا و كان للبائع الخيار جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه (3).

______________________________

(1) لأصالة عدم الوجوب و اما الاصلان الموضوعيان فلا يجريان او يسقطان بالمعارضة.

(2) لانتفاء الاصل الموضوعي هنا فتجري اصالة عدم الوجوب و لا أصل لما في بعض الحواشي من اصالة السلامة فتدبر.

(3) بيان حكم المسألة يتوقف على تقديم البحث عن مسألتين نبحث عنهما هنا اجمالا و التفصيل موكول الى كتاب البيع:

الأولى: هل الملكية تحصل بالعقد او بعد الخيار نقلا او كشفا؟

الثانية: على فرض حصولها بالعقد فهل تجوز لغير ذي الخيار التصرفات الناقلة او المتلفة في زمن الخيار أم لا؟

اما الأولى: ففي الخلاف (المسألة 29): «العقد يثبت بنفس الايجاب و القبول فان كان مطلقا فانه يلزم بالافتراق بالأبدان، و ان كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط فان كان الشرط لهما او للبائع فاذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم، و ان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد لكنه لم ينتقل الى المشتري حتى ينقضي الخيار فاذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول، و للشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها ينتقل بنفس العقد، و الثاني ينتقل بشرطين: العقد و قطع الخيار، و الثالث مراعى فان تم البيع تبينا ان ملكه انتقل بنفس العقد و ان فسخ تبينا ان ملكه ما زال سواء كان الخيار لهما او للبائع وحده او للمشتري، و خيار الشرط فيه و خيار المجلس سواء، فاما أبو حنيفة فلا يثبت عنده خيار المجلس و يثبت خيار الثلاث بالشرط فان كان البيع

مطلقا انتقل بنفس العقد و ان كان بخيار الشرط فان كان الخيار لهما او للبائع لم ينتقل الملك عن البائع فاذا انقضى الخيار ملك المشتري و كان بعقد متقدم و ان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بالعقد لكنه لم ينتقل الى المشتري فلا يكون له مالك حتى ينقضي الخيار فاذا انقضى ملكه المشتري الآن ...».

فالمسألة كانت مختلفا فيها بين العامة و الشيخ لا يفرّق بين أن يكون الخيار للبائع او للمشتري او لهما و في الجميع يفتي بدخالة انقضاء الخيار و لكن بنحو الكشف الحقيقي فان حصل الفسخ يكشف عن عدم انتقال الملك من أول الأمر و ان انقضى زمان الخيار انكشف تحقق الملكية بنفس العقد و من حينه كما في اجازة الفضولي على الكشف و تظهر الثمرة في النماء كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 88

..........

______________________________

و في الشرائع في باب الزكاة: «و لو اشترى نصابا جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة و لو شرط البائع أو هما خيارا زائدا عن الثلاثة يبنى على القول بانتقال الملك و الوجه انه من حين العقد».

قال في المدارك بعد هذه العبارة ما حاصله: «ربما ظهر من العبارة ان الخلاف في وقت الانتقال انما وقع في خيار البائع او المشترك مع ان الظاهر تحقق الخلاف فيه مطلقا فان الشيخ حكم في الخلاف بأن المبيع لا ينتقل الى المشتري الّا بانقضاء الخيار سواء كان لهما او لأحدهما لكنه قال ان الخيار اذا اختص بالمشتري ينتقل المبيع عن ملك البائع بالعقد و لا يدخل في ملك المشتري الّا بانقضاء الخيار و مقتضى ذلك سقوط زكاته عن البائع و المشتري و هو ضعيف

جدّا».

أقول: إشكاله على المحقق «ره» وارد فان الشيخ لم يفرق بين خيار المشتري و غيره و لكن ظاهر ما نقله عن الشيخ دخالة انقضاء الخيار بنحو النقل مع ان الشيخ أفتى بالكشف في جميع الصور فراجع عبارة الخلاف.

و كيف كان فالأقوى في المسألة ما اختاره مشهور أصحابنا من تحقق النقل بنفس العقد و عدم دخل انقضاء الخيار فيه لا نقلا و لا كشفا.

و يدل عليه ظهور قوله- تعالى-: «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و قوله: «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و غيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك.

و يدلّ عليه أيضا الأخبار الحاكمة بكون غلّة الدار المشتراة ببيع الخيار للمشتري و خسارتها عليه في مدة الخيار فراجع الوسائل «1».

المسألة الثانية: بعد ما اخترناه من تحقق الانتقال بصرف العقد فهل يجوز للمشتري مثلا التصرف في ما اشتراه في زمن خيار البائع أم لا؟

ففي المكاسب ما حاصله: «من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين على قول الشيخ و المحكي عن ابن سعيد و ظاهر جماعة منهم العلامة في القواعد و المحقق و الشهيد الثانيان بل في مفتاح الكرامة ان حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الأكثر».

و في الدروس: «في تملك المبيع بالعقد او بعد الخيار بمعنى الكشف او النقل خلاف مأخذه ان الناقل، العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه او ان غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار».

و عن جامع الشرائع: «و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 8 من أبواب الخيار.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

المشتري فيه حتى ينقضي خيار البائع».

و ظاهرهما كما ترى تسلّم عدم جواز التصرف على فرض القول بالانتقال بنفس العقد و عدم كونه خلافيا.

و في المسالك في شرح العبارة السابقة من الشرائع: «و يشكل بان الخيار متى كان للبائع أو لهما منع المشتري من التصرفات المنافية للخيار كالبيع و الهبة و الرهن و الاجارة و نحوها و ذلك ينافي تمامية الملك». و نحو ذلك في المدارك أيضا.

و عن فوائد الشرائع: «و لقائل أن يقول: أين تمامية الملك و المشتري ممنوع من كثير من التصرفات» و ظاهرهم تسليم المحقق لهذا المبنى أيضا.

أقول: مبنى أصل المسألة هو ان حقيقة الخيار هل هو ملك حلّ العقد من حينه او من اصله فلا تعلق له بالمال او هو ملك استرداد العين فيكون حقا متعلقا بالمال مانعا من التصرفات المنافية لاسترداده؟

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 89

و في مكاسب الشيخ الأعظم ما حاصله: «حجة القول بالمنع ان الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث ارجاعهما بحلّ العقد الى ملكهما السابق فالحق بالاخرة يتعلق بالعين فلا يجوز أن يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق باتلافها او نقلها و جواز الفسخ مع التلف بالرجوع الى البدل لا يوجب جواز الاتلاف لأن الحق متعلق بالعين و ان انتقل الى بدلها لو تلفت بنفسها كما في العين المرهونة.

هذا و لكنه لا يخلو عن نظر فان الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار على فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين و فقدها فالمرجع في المسألة أدلة

سلطنة الناس على اموالهم ألا ترى ان حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الأصلية، و اما الخيارات المجعولة بالشرط فالظاهر من اشتراطها ارادة ابقاء الملك ليستردّه عند الفسخ».

أقول: الحق في المسألة ما اختاره الشيخ- قدس سره- فان الخيار ان كان للمتصرف فهو لا يوجب تزلزلا في ملكيته بل يؤكدها و ان كان لغيره بالشرع فليس حقيقته كما مرّ إلّا التسلط على العقد فقط و لا نسلّم سرايته منه الى العين، فقول أبي عبد اللّه «ع»: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فاذا افترقا وجب البيع ...» «1» ظاهر في كون متعلق الخيار نفس العقد المعبر عنه في الحديث بالبيع فالذي يثبت بالافتراق وجوب العقد و ثباته فيعلم بذلك ان الثابت قبله تزلزله و عدم ثباته و ليس فيه نظر الى العين، نعم لازم حلّ العقد رجوع العين مع

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 90

..........

______________________________

بقائه و مثلها او قيمتها مع تلفه او ما بحكمه، نعم في بيع الخيار كأنه شرط في العقد ابقاء العين مدة الخيار حتى تستردّ فيصير ذو الخيار محقّا بالنسبة الى ابقاء العين فتدبر.

اذا عرفت ما ذكرناه في المسألتين فنقول: لو قيل بأن لانقضاء مدة الخيار دخلا في حصول النقل بنحو النقل فالمبيع لم ينتقل الى المشتري فلا زكاة عليه قطعا لاشتراط الملك فيها فزكاة المبيع على البائع و الثمن على المشتري.

و اما اذا قيل به بنحو الكشف فثبوت الزكاة واقعا على فرض تحقق النقل واقعا مبنيّ على جواز تصرف غير ذي الخيار في مدته مع عدم احراز انتقاله

اليه، و الظاهر عدم جوازه، لعدم احراز كونه ملكا له فتكون الملكية على فرض ثبوتها غير تامة فلا زكاة. و هل يجب على ذي الخيار اعمال الخيار و أداء الزكاة؟ و جهان.

و اما اذا قلنا بحصول النقل بصرف العقد فلو قيل بجواز التصرفات الناقلة و المتلفة في مدة الخيار فلا اشكال في تعلق الزكاة و وجوبها على المالك.

و اما لو قيل بمنعها مطلقا او في مثل بيع الخيار فربما يقال ان المنع من التصرف لا ينافي وجوب الزكاة أيضا اذ يصدق انه مال حال عليه الحول في يد مالكه و عنده و ليس مثل المال الغائب المنقطع عنه المالك.

و لم نجد لعنوان التمكن من التصرف دليلا حتى يستشكل في صدقه في المقام بل يمكن ان يستفاد تعلق الزكاة هنا من صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» الواردة في زكاة القرض و كونها على المقترض لا المقرض. قال- عليه السلام-: لأنه ليس في يده شي ء إنما المال في يد الآخر فمن كان المال في يده زكاه ... يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و على من؟ قلت:

للمقترض، قال: فله الفضل و عليه النقصان و له ان ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكيه؟ بل يزكيه فانه عليه «1».

و كذا من صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث او ما شاء اللّه على من الزكاة؟ على المقرض او على المستقرض؟

فقال: على المستقرض لأن له نفعه و عليه زكاته «2».

أقول: المراد بكون المال بيده و عنده كون قبضه و بسطه بيده يتصرف فيه

كيف يشاء و هذا لا يلائم كون الانسان ممنوعا من التصرفات المترقبة من الملك، و اذا فرض عدم جواز التصرفات المتلفة و الناقلة بالنسبة الى الملك و لزوم حفظه فهل يصدق انه ينكح و يلبس منه و يأكل منه و ان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 91

[في ما اذا كانت العين الزكوية مشتركة]

[مسألة 7]: اذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين او ازيد يعتبر بلوغ النصاب في حصة كل واحد (1) فلا تجب في النصاب الواحد اذا كان مشتركا.

______________________________

له وضيعة ذلك المال و ربحه؟ مع ان الوضيعة و الربح يتحققان نوعا في طيّ المعاملات الواقعة عليه و الاستفادات الأكلية و اللبسية و نحوهما تتحقق باشتراء المأكولات و الملبوسات بنقده و المعاوضة عليه فلا يشابه المبيع في المقام لمال القرض.

و في زكاة الشيخ الأعظم: «ان في الفرق بين منذور الصدقة بعينه نذرا مشروطا بما يحتمل الحصول فضلا عما يقطع بحصوله و بين المبيع في أيام الخيار و الحكم بمانعية النذر دون الخيار اشكالا بل تحكّما».

و نعم ما قال، فالحق على فرض المنع من التصرف عدم التعلق و لكن الأقوى كما عرفت جواز التصرف فانه مقتضى سلطنة الناس على اموالهم الثابتة بحكم العقلاء و الشرع فلا يمنع الخيار عن تعلق الزكاة، نعم في بيع الخيار الظاهر عدم جواز التصرفات الناقلة و المتلفة فيشكل التعلق و ان كان الأحوط أدائها من القيمة فتدبر.

(1) بلا خلاف بيننا بل الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر بل هو المشهور بين أهل السنة أيضا و المخالف في ذلك الشافعي في

موارد الخلطة و الخلطة و قد عنون المسألة في الخلاف (المسألة 34 و 36).

و حيث ان الأصحاب و كذا المصنف عنونوا المسألة في باب زكاة الأنعام نحوّل تفصيلها الى هناك و نقول هنا اجمالا ان المسألة واضحة بل اعتبار الملك و النصاب يكفيان لا ثباتها مضافا الى ما رواه في العلل عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» في حديث قال: قلت له: مأتي درهم بين خمس أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: لا، هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي ء حتى يتم لكل انسان منهم مأتا درهم، قلت: و كذلك في الشاة و الابل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: نعم «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 92

[حكم الزكاة في نماء الوقف]

[مسألة 8]: لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين ان يكون الوقف عاما او خاصا (1) و لا تجب في نماء الوقف العام (2) و اما في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كل من بلغت حصّته حد النصاب.

______________________________

(1) مرّ البحث في ان الوقف ملك للواقف او الموقوف عليه او للّه- تعالى- او يفصّل بين الخاص و العام او انه ليس ملكا لأحد بل فك ملك و عرفت ان الظاهر بقائه على ملك الواقف و لكنه ممنوع عن التصرفات فيه و سنخ العام و الخاص واحد فكلاهما يقعان بلفظ الوقف متعديا بكلمة «على» الدالة على الاستعلاء فكأن الانسان يوقف ملكه على رءوس الموقوف عليهم لتدرّ منافعه عليهم و هو المستفاد من الحديث النبوي: «حبّس الأصل و سبّل

الثمرة».

و يمكن الفرق بين ما ينشأ بلفظ الوقف و ما ينشأ بلفظ الصدقة الجارية فان الظاهر من لفظ الصدقة انتقالها الى المتصدق عليه.

و كيف كان فلا تتعلق الزكاة بالوقف مطلقا اما لعدم الملك او لعدم تماميته فراجع ما ذكرناه سابقا عند تعرض المصنف لاشتراط التمكن من التصرف.

(2) في المبسوط: «اذا وقف على انسان واحد او جماعة ضيعة فدخل منها الغلة و بلغت نصابا فان كان لواحد تجب فيه الزكاة و ان كان لجماعة و بلغ نصيب كل واحد النصاب كان عليهم الزكاة ... و إنما أوجبنا الزكاة لأنهم يملكون الغلة و ان كان الوقف غير مملوك».

و في التذكرة ما حاصله: «مسألة: اذا كان الوقف شجرا فأثمر او أرضا فزرعت و كان الوقف على أقوام بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة او الحب نصاب وجبت فيه الزكاة عند علمائنا و به قال مالك و الشافعي و احمد ... و قال طاوس و مكحول لا زكاة فيه لأن الأرض ليست مملوكة لهم ... و اما لو كان الموقوف عليه غير منحصر كالمساكين فلا زكاة عليهم فيما يحصل في أيديهم ...

لأن الوقف على المساكين لا يتعين لواحد منهم لأن كل واحد منهم يجوز حرمانه و الدفع الى غيره و إنما يثبت الملك فيه بالقبض».

أقول: اما في الوقف العام فالظاهر اتفاقهم على عدم تملك الأشخاص لنماء الوقف بل يتوقف تملكهم له على اقباض المتولي و دفعه و لو كان العنوان الموقوف عليه منحصرا في فرد خارجا فالنماء حين يحدث يحدث ملكا للعنوان و قد عرفت من صاحب الجواهر عدم شمول أدلة الزكاة لما ملكه العناوين كالعلماء و الفقراء مثلا و لعل قوله- تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» ينصرف عن ملك

العناوين بقرينة قوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ».

و لكن قد عرفت ان لأحد ان يقول ان الزكاة مالية اسلامية وضعت على كل من يستفيد من امكانات الحكومة و الدولة الاسلامية شخصا كان او عنوانا وجهة كما هو المتداول في الحكومات المتداولة فراجع ما حررناه في بحث اعتبار الملك في الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 93

[اذا تمكن من تخليص المغصوب]

[مسألة 9]: اذا تمكن من تخليص المغصوب او المسروق او المجحود، بالاستعانة بالغير او البينة او نحو ذلك بسهولة فالأحوط اخراج زكاتها (1)،

______________________________

و اما في الوقف الخاص فيستفاد من عبارة العلامة الاجماع على حصول الملك للأشخاص بصرف حدوث النماء، و اثباته مشكل و لأحد ان يخدش فيقول ان سنخ الوقف و حقيقته في العام و الخاص واحد و لعل النماء في الوقف الخاص أيضا يحدث في ملك عنوان الولد الذكور مثلا و إنما ينتقل الى الأشخاص باقباض المتولي فالمسألة تحتاج الى دقة و تتبع أكثر، و لا نسلّم ان الوقف للأولاد مثلا يستلزم استيعابهم في التقسيم بخلاف الوقف العام فانه بنحو المصرف اذ يرد عليه ان كلا من الاستيعاب و المصرفية يستفاد من نحو الجعل و القرائن في كلا القسمين من الوقف.

(1) هذه هي الجهة الثالثة من الجهات الخمس التي أشرنا اليها في مبحث التمكن من التصرف و هي انه لو لم يكن مستوليا بالفعل على المال و لكن كان يقدر على أخذه و الاستيلاء عليه فظاهر أكثر أخبار المسألة اعتبار كون المال بيده و عنده فعلا، و اطلاق حكم الأصحاب بعدم الزكاة في مال الغائب و المسروق و المغصوب و نحوها أيضا يقتضي ذلك.

و لكن ظاهر قوله في مرسلة ابن بكير: «... فان كان يدعه متعمدا

و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين» «1»، كفاية التمكن من الاستيلاء، و قد مرّت حجية المرسلة لكون ابن بكير من أصحاب الاجماع، و حملها على الاستحباب او على باب الدين خلاف الظاهر.

و يشهد لذلك أيضا قوله في حسنة سدير الواردة في المال المدفون: «لأنه كان غائبا عنه و ان كان احتبسه» «2» اذ يستفاد منه ان المانع كون المال محبوسا عن مالكه غير مقدور عليه.

و يدل عليه أيضا خبر دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- انه قال في الدين يكون للرجل على الرجل: «ان كان غير ممنوع منه يأخذه متى شاء بلا خصومة و لا مدافعة فهو كسائر ما في يده من ماله يزكيه، و ان كان الذي عليه يدافعه و لا يصل اليه الّا بخصومة فزكاته على من هو في يديه و كذلك مال الغائب و كذلك مهر المرأة على زوجها» «3».

هذا و الأقوى هو التفصيل فان كانت القوة قريبة من الفعل بحيث لا تتوقف الفعلية على مئونة كثيرة كما اذا استولى الغاصب على ماله و يرتفع استيلائه بصرف الطلب منه بلا خوف و لا منّة و لا مئونة فحكمها حكم الفعلية عرفا فكذلك شرعا، و اما اذا توقف على مئونة او منّة او نحو ذلك فلا، اذ في من سافر و خلف نفقة لعياله أيضا قد يمكن له قطع سفره و الرجوع الى وطنه قبل قضاء حوائجه و لا يجب ذلك قطعا فافهم.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة. الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- المستدرك ج 1 الباب 6

من أبواب من تجب عليه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 94

و كذا لو مكّنه الغاصب من التصرف فيه (1) مع بقاء يده عليه، او تمكن من أخذه سرقة، بل و كذا لو امكن تخليصه ببعضه (2) مع فرض انحصار طريق التخلص بذلك أبدا و كذا في المرهون (3) ان أمكنه فكّه بسهولة.

[اذا امكنه استيفاء الدين بسهولة]

[مسألة 10]: اذا امكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل لم يجب اخراج زكاته (4) بل و ان أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختيارا، مسامحة او فرارا من الزكاة، و الفرق بينه و بين ما ذكر من المغصوب و نحوه ان الملكية حاصلة في المغصوب و نحوه بخلاف الدين فانه لا يدخل في ملكه الّا بعد قبضه.

______________________________

(1) حتى من اعطاء الزكاة منه.

(2) عدم الوجوب في هذا الفرض أقوى.

(3) مرّت الأقوال في المسألة عند تعرض المصنف لعدم الزكاة في المرهون فراجع، و الاحوط بل الأقوى ما ذكره المصنف من التفصيل.

(4) قد يتوهم ان موضوع البحث في هذه المسألة أعني الدين أعم مطلقا من موضوع البحث في المسألة التالية أعني القرض بل ربما يستدل لهذه المسألة باخبار تلك المسألة كما في المدارك مع وضوح عدم ارتباط أحدهما بالآخر فان موضوع البحث هنا الدين الثابت في ذمة الغير و لو كان بالقرض و موضوع البحث في المسألة الآتية العين الخارجية المستقرضة اذا فرض بقائها حولا عند المستقرض فبينهما تباين كما لا يخفى.

و كيف كان ففي الخلاف (المسألة 95): «لا زكاة في مال الدين الّا ان يكون تأخره من قبل صاحبه و قال ابو حنيفة و الشافعي في القديم: لا زكاة في الدين و لم يفصّلا، و قال الشافعي في عامة كتبه ان فيه الزكاة،

و قال أصحابه: ان كان الدين حالا فله ثلاثة أحوال اما ان يكون على مليّ باذل او على مليّ جاحد في الظاهر با ذل في الباطن او على جاحد في الظاهر و الباطن فان كان على مليّ با ذل ففيه الزكاة كالوديعة ... و ان كان الدين الى أجل فهل يملكه أم لا؟ على وجهين ...».

و في المقنعة: «و لا زكاة في الدين الا ان يكون تأخيره من جهة مالكه و يكون بحيث يسهل عليه قبضه متى رامه».

و في المبسوط: «لا زكاة في المال الغائب و لا في الدين الّا ان يكون تأخره من جهته».

و في الجمل و العقود: «مال الدين على ضربين: أحدهما ان يكون تأخيره من جهة صاحبه فهذا يلزمه زكاته و الآخر يكون تأخيره من جهة من عليه الدين فزكاته على مؤخره».

و في المختلف و الحدائق نسب هذا التفصيل الى النهاية أيضا و لكن لم اجده فيها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

و في الشرائع: «و لا الدين حتى يقبضه فان كان تأخره من جهة صاحبه قيل يجب الزكاة على مالكه و قيل: لا و الأول أحوط».

و المشهور بين المتأخرين عدم الزكاة في الدين مطلقا حتى يقبضه و يحول عليه الحول عنده و نسبه في المختلف الى ابن أبي عقيل من قدماء أصحابنا.

و منشأ الاختلاف اختلاف أخبار الباب و هي على طوائف:

فمنها ما دلّ على عدم الزكاة في الدين مطلقا حتى يقبضه و يحول عليه الحول.

و منها ما دلّ على التفصيل بين ان يكون تأخيره من جهة صاحبه و غيره.

و منها ما صرح فيها بعدم الزكاة و ان كان التأخير من جهة صاحبه.

و منها ما دلّ على الزكاة و ان كان مؤجلا.

و

منها ما دلّ على عدم الزكاة الا ان يفرّ به صاحبه.

و منها ما دلّ على عدم الزكاة الّا أن يشاء صاحبه أن يزكّيه الظاهرة في الاستحباب.

فهذه ست طوائف فمن الطائفة الأولى صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك «1».

و موثقة اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي ابراهيم- عليه السلام-: الدين عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقبضه. قلت: فاذا قبضه أ يزكّيه؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يده «2».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ليس في الدين زكاة؟ فقال: لا «3» الى غير ذلك من الاخبار و ترك الاستفصال فيها يدل على العموم كما لا يخفى.

و من الطائفة الثانية المفصّلة خبر عبد العزيز قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون له الدين أ يزكّيه؟ قال: كل دين يدعه هو اذا أراد أخذه فعليه زكاته و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة «4».

و خبر عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس في الدين زكاة الا ان يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره فاذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه «5».

و خبر الدعائم، عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- انه قال في الدين يكون للرجل على الرجل:

ان كان غير ممنوع منه يأخذه متى شاء بلا خصومة و لا مدافعة فهو كسائر ما في يده من ماله يزكّيه

______________________________

(1)- الوسائل 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث

3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

و ان كان الذي عليه يدافعه و لا يصل اليه الّا بخصومة فزكاته على من هو في يديه و كذلك مال الغائب و كذلك مهر المرأة على زوجها «1».

و يستأنس من الرواية عدم كون الدين بما هو دين ذا حكم و خصوصية في المقام بل الدين و العين متشابهان حكما فان كان صاحبهما يقدر على اخذهما متى شاء ففيهما الزكاة و الّا فلا.

و يؤيد هذه الطائفة في اصل ثبوت الزكاة في الدين صحيحة ابي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل ينسئ او يعيّن فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال:

يزكّيه و لا يزكّي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال «2».

و «عيّن التاجر»: باع سلعته بثمن الى أجل ثم اشتراها بأقل من ذلك. و في بعض النقول «يعير» بدل «يعين» فمورد الحديث الدين المؤجل و الزكاة زكاة مال التجارة ظاهرا و لكنه من افراد الدين المطلق و قد حكم فيه بالزكاة.

و كذلك صحيحة عبد الحميد بن سعد قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل باع بيعا الى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقه و ماله في ثقة يزكّي ذلك المال في كل سنة تمرّ به أو يزكّيه اذا أخذه؟ فقال: لا بل يزكيه اذا أخذه، قلت له: لكم يزكيه؟ قال: قال: لثلاث سنين «3».

فالصحيحتان تؤيدان ثبوت الزكاة في الدين اجمالا و ان

قيل بلزوم حملهما على الاستحباب لعدم القائل بثبوت الزكاة في الدين المؤجل.

و كذلك خبر اسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» أعلى الدين زكاة؟ قال: لا الّا ان تفرّ به، فاما ان غاب عنك سنة او أقل أو أكثر فلا تزكّه الّا في السنة التي يخرج فيها «4» لعدم القائل فينا بهذا التفصيل.

و كيف كان فالطائفة الأولى تدل بعمومها و اطلاقها على عدم الزكاة في الدين مطلقا و الطائفة الثانية دلت على التفصيل بين ان يكون التأخير من ناحية صاحب الدين و غيره.

و القاعدة تقتضي حمل المطلق و العام على المقيد و المفصل و لازم ذلك عدم الفرق بين العين و الدين لما مرّ من ان القدرة على الأخذ في المال الغائب أيضا تكفي في تعلق الزكاة كما دلت على ذلك مرسلة ابن بكير السابقة «5» فراجع.

و ربما يشعر بعدم الفرق بينهما صحيحة ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 13.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 97

..........

______________________________

الرضا «ع»: الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل اليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة؟

قال: اذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكّي «1».

فكأن ذهن الراوي كان مأنوسا بعدم الفرق بين العين و الدين و بثبوت الزكاة في كليهما

طبعا غاية الأمر ان عدم وصول الرجل اليهما كان موجبا لشكّه و سؤاله.

فان قلت: حمل الطائفة الأولى بكثرتها و ظهورها في العموم على الطائفة الثانية ملازم لتأخير البيان عن وقت الحاجة و هو قبيح فيجب الأخذ بعموم الطائفة الأولى و حمل الثانية على الاستحباب كما هو المشهور بين المتأخرين.

قلت: هذا اشكال ذكره العلامة في المختلف و لكن لو فتح هذا الباب لانسدّ باب تخصيص العمومات و تقييد المطلقات بالأدلة المنفصلة في جميع أبواب الفقه مع ان بناء الفقه على تخصيص عموم الكتاب بالسنة و عموم سنة النبي بسنة الأئمة و سنة الامام الأول بالامام الأخير مثلا و لعل العام او المطلق كان محفوفا بقرينة استفاد الراوي منها حاجته او لعل السؤال لم يكن في مورد الحاجة الى العمل بل كان للاستعلام و التفقه مثلا.

فان قلت: الأخبار الحاصرة للزكاة في تسعة تنفي ثبوتها في الدين.

قلت: مضافا الى ما يأتي في تلك الأخبار في محله ان ضم أخبار الباب الى تلك الأخبار يرشدنا الى ان المراد بالتسعة أعم من العين و الدين، فالدين ليس أمرا وراء التسعة بل هي بعينها في ظرف الذمة فظرف التسعة قد يكون هو الخارج و قد يكون هو الذمة.

فان قلت: الأخبار الدالة على اشتراط الحول و ان مالا يحول عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه تنفي وجوب الزكاة في الدين و من تلك الأخبار صحيحة الفضلاء الخمسة عنهما- عليهما السلام-: «... و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه فاذا حال عليه الحول وجب عليه» «2».

قلت: بعد ظهور أخبار الباب في وجوب الزكاة في الدين تحمل أخبار الحول كما في الحدائق على ان المراد بالعندية فيها

الكناية عن امكان التصرف و كون قبض المال و بسطه بيده سواء كان بيد نفسه او وكيله او مديونه او مستودعه فيشترط ان يكون المال في جميع الحول بحيث يمكنه أخذه و التصرف فيه.

و بالجملة فالجمع بين أخبار المسألة الى هنا يقتضي عدم وجوب الزكاة في الدين الذي ليس قبضه و بسطه بيد صاحبه لكونه على المعسر او المماطل او الغائب او كونه مؤجلا و وجوب الزكاة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

في ما اذا كان التأخير من قبل صاحبه فيكون مثل النقد يقدر على أخذه و صرفه كيف يشاء بل و وجوبها في المؤجل أيضا اذا كان على رجل مليّ باذل و لكن بعد قبضه كما دلت عليه صحيحة عبد الحميد بل و الكناني أيضا.

هذا كله مع قطع النظر عما جعلناه طائفة ثالثة و هي ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن الدين يكون على القوم المياسير اذا شاء قبضه صاحبه هل عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقبضه و يحول عليه الحول. و رواه علي بن جعفر في كتابه «1».

اذ هي صريحة في عدم الوجوب و ان كان الدين على المياسير و كان تأخيره من ناحية صاحبه فيجب بمقتضاها حمل ما دلّ على ثبوت الزكاة في الدين بأجمعها على الاستحباب.

و يدل على ذلك أيضا ما رواه بهذا السند عنه «ع» قال: ليس على الدين زكاة الّا ان يشاء رب الدين ان يزكيه «2».

و ما في الحدائق

من ان الحمل على الاستحباب و ان اشتهر بين الأصحاب في جميع الأبواب الّا انه لا دليل عليه من سنة و لا كتاب و ان الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح كغيره من الوجوب و التحريم و نحوهما و اختلاف الاخبار ليس دليلا على ذلك ففيه انه اذا تعارض النص و الظاهر كان اللازم رفع اليد عن الظهور بسبب النص و اذا رفعنا اليد عن ظهور الأمر في الوجوب صار مقتضاه الاستحباب قهرا.

هذا و لكن عبد اللّه بن الحسن مجهول لم يذكر بمدح و لا بقدح و الخبران غير مذكورين في الكتب الأربعة فرفع اليد بسببهما عن الاخبار المستفيضة المفتى بها في كتب القدماء من أصحابنا مشكل و مخالف للاحتياط، فالاحوط ثبوت الزكاة في الدين الذي هو كالعين في اختيار صاحبه و تحت يده كالموجود في المصارف و البنوك و لا يتوهم كونه وديعة لأن الانسان لا يملك عينا خاصة بل مقدارا خاصا في ذمة البنك فهو من مصاديق الدين و لكنه كالنقد و العين في نظر العرف، فاذا ضم الى ذلك احتمال ان يكون عنوان الذهب و الفضة المسكوكين في عناوين الزكاة مثالا للنقد الرائج الذي يقوّم به جميع الأموال كما نلتزم بذلك في باب المضاربة و الّا لانتفى موضوعها في أعصارنا فيكون موضوع الزكاة النقد الرائج المسكوك و لو كان من قبيل الدولار و الاسكناس و نحوهما صارت النتيجة تعلق الزكاة بما يسمّى عرفا بالودائع البنكية المستعقبة للربح دائما عند البنوك اذا بقيت فيها حولا.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 15.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 14.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

هذا و لكن محل البحث عن هذه الجهة مقام آخر فانتظر و إنما ذكرناها هنا احتمالا و الاحتمال خفيف المؤونة هذا.

و اما احتمال حمل اخبار الوجوب على التقية فيرد عليه مضافا الى كونه خلاف الأصل لا يصار اليه الا بعد تعذر الجمع الدلالي ان كلا من الوجوب مطلقا و العدم مطلقا و التفصيل مفتى به بين أهل السنة فلا يبقى مجال للتقية اللهم الّا ان يثبت ان عمل الحكام كان على مطالبة زكاة الدين فصدرت اخبار ثبوتها تقية منهم لا من أهل الفتوى فتدبر.

و ينبغي التنبيه على امور: الأول: لو قلنا بعدم الزكاة في الدين فلازمه حسبان الحول من حين قبضه كما صرح بذلك في موثقة اسحاق بن عمار و غيرها، فما دلّ على الزكاة حين القبض يحمل على الاستحباب او يقيد بحولان الحول بعده و ان كان مخالفا للظاهر.

الثاني: في الجواهر: «لو كان الدين حيوانا فأولى بعدم وجوب الزكاة لعدم صدق السّوم».

و في المبسوط: «فاما اذا أصدقها أربعين شاة في الذمة فلا تتعلق بها الزكاة لأن الزكاة لا تجب الّا فيما يكون سائما و ما في الذمة لا يكون سائما».

أقول: نحن نسلّم انصراف السوم الى السوم الخارجي لا الاتصاف به و لكن الأمر كذلك في عنواني الذهب و الفضة و في عنوان المسكوكية المشترطة فيهما أيضا فاذا فرضنا القول بثبوت الزكاة في الدين بمقتضى الاخبار الماضية كان معناه رفع اليد عن هذه الظواهر بتحكيم هذه الاخبار و صار مقتضاه تعلق الزكاة بطبيعة الذهب و الفضة المتصفين بالمسكوكية في الخارج او في الذمة فلما ذا نحكم هذه الاخبار على اخبار النقدين المشروط فيهما السكة و لا نحكمها على اخبار الأنعام المشروط

فيها السوم؟

اللهم الّا أن يلتزم بظهور المال و الدين في النقدين و قد منعناه سابقا فراجع و قد ذكروا في باب السلم في اللحم لزوم التعرض لكون المبيع لحم سائمة او معلوفة مع فرض اختلاف الرغبات فيعم السوم للخارج و الذمة معا فتدبر.

الثالث: حكى في الجواهر عن البيان انه قيّد عدم الزكاة في الدين بما اذا لم يعينه المديون و يمكنه منه في وقته و نحوه عن الكركي و الميسي و القطيفي و عن حواشي الشهيد تقييده بما اذا لم يعيّنه في وقته و يحمله الى الحاكم او يبقيه على حاله بعد عزله في يده مع تعذر الحاكم.

أقول: صرف التعيين و العزل لا يكفي في مالكية الدائن للشخص نعم لو اخذه الحاكم بعد امتناعه منه صار قبضه بمنزلة قبض المالك لأنه ولي الممتنع فتتعلق به الزكاة قهرا بعد حلول الحول عليه، اللهم الّا ان يكون غائبا غير متمكن منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 100

[زكاة القرض على المقترض بعد قبضه]

[مسألة 11]: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه (1) لا المقرض فلو اقترض نصابا من أحد الأعيان الزكوية و بقي عنده سنة وجب عليه الزكاة.

نعم يصح ان يؤدّي المقرض عنه تبرعا (2).

______________________________

(1) بلا خلاف كما عن الخلاف و السرائر و غيرهما بل في التنقيح هو مذهب الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، كذا في الجواهر.

و في الخلاف (في المسألة 128): «لا خلاف بين الطائفة ان زكاة القرض على المستقرض دون القارض».

و وجهه واضح لان القرض بالقبض صار ملكا للمستقرض و انقطعت عنه علاقة المقرض و توهم توقف الملك على التصرف كما عن الشيخ، فاسد لاستلزامه الدور فان التصرف لا يجوز الّا بعد حصول الملكية.

هذا مضافا الى دلالة اخبار مستفيضة على ذلك من

دون معارض لها:

ففي صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث او ما شاء اللّه على من الزكاة؟ على المقرض او على المستقرض؟ فقال على المستقرض لأن له نفعه و عليه زكاته «1».

و في صحيحة زرارة قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل مالا قرضا على من زكاته؟

على المقرض او على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها ان كانت موضوعة عنده حولا على المقترض، قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شي ء لأنه ليس في يده شي ء انما المال في يد الآخر، فمن كان المال في يده زكّاه، قال: قلت: أ فيزكّي مال غيره من ماله؟ فقال: انه ماله ما دام في يده، و ليس ذلك المال لأحد غيره، ثم قال: يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و على من؟ قلت: للمقترض، قال: فله الفضل و عليه النقصان، و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له ان يزكيه؟

بل يزكيه فانه عليه «2» الى غير ذلك من اخبار الباب فراجع.

(2) و الاصل في ذلك صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده؟ قال: ان كان الذي اقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و ان كان لا يؤدّي أدّى المستقرض «3».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6

الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 101

..........

______________________________

فيستفاد منها اجمالا صحة تبرع الغير بزكاة الانسان بان يؤديها عنه و لا فرق في ذلك بين المقرض و الاجنبي اذ العين المستقرضة بعد صيرورتها ملكا للمستقرض تنقطع منها علاقة المقرض و يصير اجنبيا منها.

و هل تكون الصحيحة في مقام البيان من هذه الجهة أيضا حتى يتمسك باطلاقها على عدم الاحتياج الى اجازة المستقرض او انها في مقام بيان وظيفة المستقرض فقط و انه متى يجب عليه أن يؤدي زكاة القرض و متى لا تجب عليه؟ فبالنسبة الى المقرض يستفاد اجمالا صحة تبرعه بها و اما انه يشترط فيه اذن المستقرض أم لا؟ فليست الصحيحة في مقام بيان ذلك.

قال في المدارك: «و لو تبرع المقرض بالاخراج عن المقترض فالوجه الاجزاء سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا و به قطع في المنتهى قال: لأنه بمنزلة أداء الدين و يدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم ... و اعتبر الشهيد في الدروس و البيان في الاجزاء اذن المقترض و الرواية مطلقة».

أقول: لا يخفى ان أصل نيابة الانسان عن غيره و صيرورته وجودا تنزيليا عنه و صيرورة عمله عملا للمنوب عنه أمر اعتباري غير واقعي فلا اعتبار بها الّا في مورد يعتبره العقلاء أو الشرع.

و صيرورة الغير مالكا لعمل الانسان إنما يتصور على وجهين:

الأول: ان يستأجره الغير في مدة معلومة لعمل خاص فيصير عمله في هذه المدة للمستأجر.

الثاني: ان يستنيبه الغير بأن يكون فعل النائب النيابة أعني جعل نفسه بدلا عن الغير و وجودا تنزيليا له فيصير نفس العمل الذي يعمله النائب بعد قصد النيابة مستندا

الى المنوب عنه و الظاهر ان النيابة في العبادات لا تصح الّا بهذا الوجه فان الأمر الوجوبي أو الندبي بالصلاة أو الزكاة مثلا توجّه الى المنوب عنه لا النائب فلا يمكن بعثه الى الفعل الّا بعد تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه حتى يمتثل المنوب عنه أمره المتوجه اليه في قالبه التنزيلي ففعل النائب النيابة و فعل المنوب عنه الصلاة مثلا و بهذا الطريق يصحح الاستيجار في العبادات أيضا و يعبر عن هذا المعنى في التعبيرات بلفظة «عن» فيقال: «صلى عنه» أو «تصدق عنه».

و الأصل الأولي كما عرفت و ان كان عدم صحة النيابة و لكن العرف يساعد على صحته في بعض الموارد و منه الصيد و حيازة المباحات و احياء الموات للغير.

و يستفاد من أخبار كثيرة أيضا قبول العبادات الشرعية للنيابة غاية الأمر وجود الاجماع على العدم في الصلوات و الصيام الواجبة بالنسبة الى الاحياء فتبقى موارد الشك تحت عموم هذه الأخبار و قد ذكرها في الوسائل «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 5 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 102

بل يصح تبرّع الأجنبي أيضا (1) و الأحوط الاستيذان من المقترض في التبرع عنه (2) و ان كان الأقوى عدم اعتباره.

و لو شرط في عقد القرض ان يكون زكاته على المقرض فان قصد ان يكون

______________________________

و منها ما رواه عن الكليني، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيين و ميتين يصلي عنهما و يتصدق عنهما و يحج عنهما و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك فيزيده اللّه- عزّ و جل- ببره و صلته خيرا كثيرا «1».

و بالجملة يستفاد

من هذه الأخبار و من صحيحة منصور بن حازم قبول أداء الزكاة للنيابة فهذا مما لا اشكال فيه و انما الاشكال في جواز التبرع بها بدون اذن المكلف بها مع حياة المكلف و ظاهر هذه الروايات الجواز، و اما الصحيحة فكونها في مقام البيان من هذه الجهة لا يخلو من اشكال كما عرفت.

و لعل تنزيل الانسان نفسه منزلة الغير المعبر عنه بالنيابة عنه نحو تصرف في سلطة الغير فيتوقف على اذنه الّا ان يدل دليل على خلافه بل المعتبر في العبادات الانتساب الى المنوب عنه حتى يكون الفعل بداعي الأمر المتوجه اليه و لا يتحقق انتساب الفعل اليه الا اذا كانت النيابة باذنه.

هذا و اما ما في المنتهى من قياس المقام على باب اداء الدين ففيه انه مع الفارق فان الدين حق مخصوص بمالكه يسقط بابرائه أو استيفائه من أي شخص كان سواء رضي به المديون أم لا بل لا يشترط رضا الدائن أيضا اذا كان المدفوع اليه مصداقا لما يستحقه من الكلي فليس له الامتناع من قبوله لو بذله باذل و لو تبرعا بخلاف الزكاة فانها ليست كليا في الذمة بل في العين بنحو الشياع أو الحق و مالكها ليس شخصا خاصا بل عنوان الفقراء مثلا و قد جعل تطبيقه على المصاديق باختيار المكلف بها فيكون قيام الغير مقامه محتاجا الى دليل خاص.

(1) لما عرفت من عدم الفرق بين المقرض و غيره بعد انقطاع انتسابه الى العين المقترضة فتدبر.

(2) لا يترك لما عرفت من لزوم انتساب الفعل العبادي الى المنوب عنه ليصدر بداعي الأمر المتوجه اليه و لا يتحقق الانتساب الّا بعد اذنه في النيابة.

نعم مقتضى اطلاق الأخبار المشار اليها وقوع الفعل للمنوب عنه

حيا كان أو ميتا بصرف قصد النيابة عنه بلا احتياج الى الاذن فراجع.

و اما الصحيحة فقد عرفت الاشكال في كونها في مقام البيان من هذه الجهة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 5 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 103

خطاب الزكاة متوجها اليه لم يصحّ (1) و ان كان المقصود ان يؤدي عنه صحّ (2).

______________________________

(1) في المستمسك: «لكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة أعنى اطلاق ما دل على أن الزكاة على المالك في ماله».

أقول: بل لأنه أمر غير مقدور للمشروط عليه لأن الخطاب من قبل الشارع و ليس تحت قدرة الانسان و اما ما في المستمسك فانما يجري فيما هو من أفعال الانسان و لكن شرطه يخالف الكتاب و السنة كأن يشترط في عقد النكاح ان لا يتزوج و لا يتسرى على الزوجة فتدبر.

(2) نسب في الحدائق و الجواهر الى المشهور عدم صحة هذا الشرط، و في زكاة المبسوط و قرض النهاية صحته.

ثم على فرض عدم الصحة ان افسد العقد فالزكاة على المقرض و ان لم يفسده فالزكاة على المستقرض و على فرض الصحة فهل يسقط عن المستقرض بصرف الشرط او لا يسقط عنه الّا بأداء المقرض؟ كل محتمل.

ففي قرض النهاية: «و تسقط الزكاة عن المقرض الّا ان يشترط المستقرض عليه ان يزكّيه فحينئذ تجب الزكاة على المقرض دون المستقرض».

و ظاهر هذه العبارة سقوطها عن المستقرض بصرف الشرط.

و في زكاة المبسوط: «و مال القرض زكاته على المستقرض دون المقرض الّا ان يشرط على المقرض زكاته فانه يلزمه حينئذ بحسب الشرط».

و العلامة في زكاة المختلف أفتى بعدم صحة الشرط و في قرضه أفتى بصحته.

و الأقوى صحة الشرط و لكنها لا تسقط عن المستقرض

الّا بعد أداء المقرض.

استدل للقائل بالفساد بوجوه أربعة:

الأول: ان الزكاة عبادة فيشترط فيها المباشرة و لا تقبل النيابة.

الثاني: انه مخالف للسنة أعني الأخبار الحاكمة بكون زكاة القرض على المستقرض لأنه ملكه.

الثالث: ان عقد القرض جائز فلا يلزم الوفاء به فكيف بشرطه.

الرابع: انه يوجب الربا لقوله- عليه السلام- «جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط» «1».

و يجاب عن الأول بما مرّ من قبولها النيابة و ان كانت عبادة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 12 من أبواب الصرف، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

و عن الثاني بعدم كون الشرط مخالفا للأخبار بل مؤكد لها لأن مرجعه الى أن الزكاة الواجبة عليّ في مالي ادّها عنّي نيابة عني.

و عن الثالث: بان الشرط كما فصل في محله التزام في التزام و مقتضى قوله «المسلمون عند شروطهم» صحته و لزومه مطلقا خرج عنه بالإجماع على فرض التسليم الشرط الابتدائي و بقي الباقي تحته، فالشرط في ضمن العقد الجائز لازم العمل على فرض ثبوت العقد نعم لو فسخ العقد صار كالشرط الابتدائي.

و بعبارة أخرى ان كان لزوم الشرط من قبل لزوم العقد صح ما ذكر و لكنه التزام مستقل في ظرف التزام العقد و لزومه ليس من ناحية العقد بل من ناحية قوله: «المسلمون عند شروطهم».

هذا مضافا الى انّا لا نسلم كون عقد القرض جائزا.

و عن الرابع بانه يوجب الربا اذا كان على المستقرض دون المقرض و اذا لم يكن دليل على فساد الشرط فمقتضى عموم أدلة الشروط صحته و هو الأقوى.

هذا و قد يستشهد للصحة بصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا

ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين و انما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي «1».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال فاشترط في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين «2».

أقول: المشار اليه بقوله «انما فعل ذلك» يمكن أن يكون نفس البيع فيريد ان البيع وقع جبرا لأن هشاما كان واليا و قد أجبر الامام على هذا البيع و يمكن أن يكون الاشتراط فيراد انه لما كان واليا قصّر في أداء زكاة الثمن في السنوات السابقة فاشترط الامام عليه أداء زكاة عشر سنين من السنوات السابقة او انه لما كان واليا و يطالب قهرا بالزكوات في السنين اللاحقة فاشترط عليه الامام عدم مطالبته بها عشر سنين.

و على أي حال فان كان الشرط أداء زكاة السنين اللاحقة واقعا صح الاستدلال بالصحيحتين للمقام. و اما اذا كان الشرط أداء زكاة السنين السابقة المتوجهة الى نفس هشام او سليمان فلا ترتبطان بالمقام كما لا يخفى كما انه لو كان الشرط عدم مطالبته بها لم يجز الاستدلال بهما لكفاية أداء الغير فافهم، و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و لكن نحن لا نحتاج في صحة النيابة و صحة الشرط المتفرع عليها الى الصحيحتين لدلالة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 105

[اذا نذر التصدق بالعين الزكوية و اعتبارات ماهية النذر]

اشارة

[مسألة 12]: اذا نذر التصدق بالعين الزكوية فان كان مطلقا غير موقت و لا معلقا على شرط لم تجب الزكاة فيها (1)،

______________________________

صحيحة منصور و أخبار

باب النيابة على قبول الزكاة للنيابة و دلالة عموم أدلة الشروط على صحة الشرط كما مرّ بيانهما.

نعم بالشرط يلزم المشروط عليه أداء الزكاة نيابة عن المشروط له و لكن لا يسقط التكليف عنه ما لم يؤدها المشروط عليه كما هو ظاهر صحيحة منصور أيضا حيث علق السقوط عن المستقرض على أداء المقرض اياها فتدبر.

فائدة: في زكاة المختلف: مسألة: قال الشيخ علي بن بابويه: «ان بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة او سنتين او أكثر فان ذلك يلزمه دونك»، و في لزوم هذا الشرط نظر.

أقول: الظاهر كون نظره في هذه المسألة الى الصحيحتين و توجد نفس هذه العبارة في فقه الرضا المطبوع (ص 23)، و هذا أيضا من الشواهد على ما نصرّ عليه من كون فقه الرضا هو رسالة علي بن بابويه الذي كان مرجعا للأصحاب عند اعواز النصوص، و قد جمعت موارد نقل الفقيه من رسالة أبيه في جزوة فهي أحد و ثلاثون موردا و قابلت الجميع مع مشابههما في فقه الرضا المطبوع، فتوافقا. و علي بن بابويه هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي و لعله كان ينسب الى جده موسى فيقال له: علي بن موسى فتخيل اللاحقون انه علي بن موسى الرضا «ع».

(1) أقول: النذر اما أن يتعلق بالنصاب بعد تعلق الزكاة به أو قبله و على التقديرين فاما أن يتعلق بجميعه أو ببعضه و على التقادير فاما أن يتعلق بالفعل أعني التصدق به أو بالنتيجة أعني كونه صدقة و على التقادير فاما ان يكون منجزا أو مشروطا. ثم فيما تعلق قبل تعلق الزكاة فاما أن يكون المنذور مطلقا أو موقتا بما قبل الحول أو بما

بعده و في المشروط اما ان يعلم بحصول الشرط قبل الحول او بعده او يعلم بعدمه او يشك.

هذا و المسألة ليست من الأصول المتلقاة المأثورة و لم تعنون في الكتب المعدّة لذلك كالمقنعة و النهاية بل هي من المسائل التفريعية المستنبطة فلا يفيد فيها الاجماع فضلا عن الشهرة و قد عنونها الشيخ في الخلاف و المبسوط.

ففي الخلاف (المسألة 126): «اذا ملك مأتين لا يملك غيرها فقال: للّه عليّ ان أتصدق بمائة منها ثم حال الحول لا تجب عليه زكاتها، و للشافعي فيه قولان: أحدهما ان قال: ان الدين يمنع فهاهنا يمنع و الآخر لا يمنع ... و قال محمد بن الحسن: النذر لا يمنع وجوب الزكاة، عليه زكاة مأتين خمسة دراهم ... و عليه ان يتصدق بسبعة و تسعين درهما و نصف دليلنا انه اذا جعل للّه على نفسه من ذلك المال مأئة فقد زال بذلك ملكه».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

و في المبسوط: «اذا كان معه مائتان فقال للّه عليّ ان أتصدق بمائة منها ثم حال عليها الحول لم تجب عليه الزكاة لأنه زال ملكه عن مأئة و ما يبقى فليس بنصاب». و حكمه في نذر الفعل بخروجه عن الملك ممنوع و ان كان له وجه سيأتي.

و كيف كان فاذا تقدم النذر على تعلق الزكاة فاما ان ينذر الفعل او النتيجة و على التقديرين فاما ان يكون مطلقا او موقتا او مشروطا بشرط فلنبحث أولا في نذر الفعل مع الاطلاق و لنقدم البحث عن ماهية النذر و الاحتمالات فيه أربعة:

[الأول: ان يكون اعتباره تمليك العمل المنذور للّه- سبحانه]

الأول: ان يكون اعتباره تمليك العمل المنذور للّه- سبحانه- ففي قوله: «للّه عليّ أن أتصدق بكذا» اللام للتمليك فيصير اللّه- تعالى- مالكا و

التصدق مملوكا له و عهدة الناذر ظرفا له فان معنى الخبر و الانشاء واحد و انما يختلفان بقصد الحكاية في الخبر و قصد الايجاد في الانشاء فكما انه لو قال المخبر: «لزيد عليّ ان أخيط ثوبه» كان معناه الاخبار عن مالكية زيد عليه لأن يخيط ثوبه و كان اقرارا و اعترافا على نفسه فكذلك لو قاله إنشاء كان معناه إنشاء مالكيته له و اذا صار التصدق بالمال على الفقراء ملكا للّه- سبحانه- صار موضوعه أعني المال موضوع حقّ له- تعالى- و على ما ذكرنا يكون الظرف أعني اللام و مدخوله ظرفا مستقرا خبرا للفعل المنذور و ركنا للكلام.

و الاخبار دلت على عدم تحقق النذر الّا بذلك، ففي صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: اذا قال الرجل: عليّ المشي الى بيت اللّه و هو محرم بحجة أو عليّ هدي كذا و كذا فليس بشي ء حتى يقول: للّه عليّ المشي الى بيته، أو يقول: للّه عليّ أن أحرم بحجة، أو يقول: للّه عليّ هدي كذا و كذا ان لم أفعل كذا و كذا «1».

و في خبر الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل قال: عليّ نذر؟ قال: ليس النذر بشي ء حتى يسمّى للّه صياما او صدقة او هديا او حجا «2».

فقول الناذر: «للّه» قوام النذر و ركن له فلا يمكن ان يقال انه يذكر تبركا او انه كناية عن اعتبار القربة.

و ربما يستشكل على ما ذكرنا من كون اعتبار النذر تمليك العمل للّه بوجهين:

الأول: ان التمليك لا يتعلق الّا بأمر موجود محقق و العمل قبل تحققه ليس شيئا حتى يتعلق به التمليك. نعم نسلّم ان له نحو اعتبار بتبع موضوعه

أعني العامل و لذا نختار ضمان المنافع غير المستوفاة أيضا و لكن صرف هذا الاعتبار لا يكفي لتمليكه مستقلا. و الاجارة ليست تمليك المنفعة و العمل و لذا لا نسلم صحة إنشائها بقول الموجر «ملّكتك عملي» بل هي اضافة متعلقة بنفس

______________________________

(1)- الوسائل ج 16 الباب 1 من كتاب النذر، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 16 الباب 1 من كتاب النذر، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 107

..........

______________________________

العين يترتب عليها قهرا تحقق المنفعة تدريجا في ملك المستأجر.

[الثاني: ان اللّه مالك لجميع نظام الوجود بشراشرها]

الثاني: ان اللّه مالك لجميع نظام الوجود بشراشرها بالملكية الحقيقية التكوينية فلا يعتبر بالنسبة الى ساحته المقدسة المالكية الاعتبارية.

أقول: يرد على الأول ان الملكية ليست وصفا حقيقيا خارجيا حتى تحتاج الى موضوع خارجي بل هي أمر اعتباري يكفي في اعتبارها موضوع ما و لو كان متحققا بتبع أمر آخر و المنفعة و العمل تعتبران موجودا بتبع موضوعهما، و لا نسلم عدم كفاية قول القائل: «ملّكتك عملي» لتمليك العمل و ان لم يسم هذا اجارة اصطلاحا.

و على الثاني ان الاعتبار خفيف المؤونة يعتبر حتى للّه- تعالى- ألا ترى قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ، الآية» «1» حيث جعل له- تعالى- سهم في الخمس مع كونه مالكا لجميع الأشياء بالملكية الحقيقية، فالأقوى ان حقيقة النذر كما هو ظاهر صيغته تمليك المنذور للّه- تعالى- و اذا صار العمل ملكا له صار متعلقه أعني المال الخارجي موضوع حق له- تعالى-.

الثاني: ان يكون اعتبار النذر، التعجيز، فالانسان قبل النذر يقدر على انحاء التصرف في ماله بأن يأكله أو يبيعه أو يهبه أو يتصدق به لمن شاء و لكن بنذر تصدقه على الفقراء يعجّز

نفسه باختياره عن جميع التصرفات الممكنة الّا عن التصدق به عليهم فبذلك يصير المال متعلقا لحق الفقراء اذ الناذر أوجب على نفسه التصدق بهذا المال عليهم و اللّه- تعالى- أوجب الوفاء بذلك بقوله: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» «2» و بقوله «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» «3» و بقول الصادق- عليه السلام- في خبر السندي بن محمد «... ما جعلته للّه فف به» «4».

بل في زكاة الشيخ ما حاصله: «انه يمكن القول بخروجه عن ملكه بالنذر اذ لو قصد بالتصدق المنذور التمليك بقصد القربة فلا يحصل بصرف النذر بل بالعمل به و اما اذا أريد به الاعطاء بقصد القربة فيمكن ان يستفاد من الامر به من قبل المالك الحقيقي خروج ما امر بدفعه عن ملكية الناذر و لذا استفيد خروج الزكاة و الخمس عن ملك المالك الى الفقراء من الأمر بدفع بعض النصاب اليهم و الّا فلم يرد في أدلة تشريع الزكاة حكم وضعي في تملك الفقراء لحصتهم، و ما ورد من ان اللّه شرّك بين الأغنياء و الفقراء في أموالهم فليس الّا مأخوذا عن الحكم التكليفي لا انه ملّك الفقراء أولا ثم أمر الأغنياء بدفع ملكهم اليهم على حدّ التكليف بأداء الأمانة».

______________________________

(1)- سورة الأنفال، الآية 41.

(2)- سورة الانسان، الآية 7.

(3)- سورة الحج، الآية 29.

(4)- الوسائل ج 16 الباب 8 من كتاب النذر، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

أقول: كون ماهية النذر عبارة عن التعجيز امر يذكر في مقام الاحتمال و لكن العقود و الايقاعات تابعة للقصود و ليس الناذر متوجها الى مفهوم التعجيز حتى ينشئه و لو سلّم فلا نسلّم ايجابه تعلق حق للفقراء بالمال، و مفهوم التصدق التمليك بقصد القربة لا الاعطاء المطلق و كيف يحكم

بثبوت حق للفقراء او ملك لهم بصرف الانشاء مع عدم قصد الناذر، فاصرار الشيخ الأعظم بحصول الملك لهم بنفس النذر عجيب و ان مرّ في عبارة الخلاف و المبسوط أيضا و أعجب من ذلك التزامه باستفادة الملكية في باب الزكاة و الخمس من صرف الحكم التكليفي مع ان الشركة في باب الخمس تستفاد من اللام في الآية و في باب الزكاة من بعض التعبيرات الواردة في الأخبار كقوله- عليه السلام- في نهج البلاغة لمصدقه: «فان كان له ماشية او إبل فلا تدخلها الّا باذنه فان أكثرها له» «1».

و بالجملة على فرض كون ماهية النذر التعجيز فلا نسلّم ايجابه تعلق حق للفقراء بالمال فضلا عن ملكهم له.

[الثالث: ان يكون اعتبار النذر، المعاهدة مع اللّه- تعالى]

الثالث: ان يكون اعتبار النذر، المعاهدة مع اللّه- تعالى- و المعاقدة معه نظير الشروط المتداولة بين الناس و باعتبار ذلك يطلق على القيام بمقتضاه لفظ الوفاء فانه عبارة عن العمل بما يقتضيه الشرط المعبر عنه في الفارسية ب «قرارداد». و على هذا الوجه أيضا لا يتعلق بالمال الخارجي حق لا للّه و لا للمنذور له. نعم يجب عليه حفظه و صرفه فيما نذره و يرى العقلاء اتلافه للمال خروجا عن الالتزام و المعاهدة. هذا.

و يرد على هذا الوجه انه مفاد العهد الشرعي لا النذر فحقيقة العهد المعاهدة مع اللّه و تتحقق بقولنا «عليّ عهد اللّه ان أفعل كذا» او «عاهدت اللّه ان أفعل كذا» و اما النذر فيتحقق بقولنا «للّه عليّ أن أفعل».

[الرابع: ان يكون النذر عبارة عن الزام الانسان نفسه]

الرابع: ان يكون النذر عبارة عن الزام الانسان نفسه على عمل و ايجابه على نفسه نظير ايجابه على غيره فامضاه الشارع و امر بالوفاء به و مقتضى ذلك أيضا ثبوت حكم تكليفي فقط.

و فيه ان لازم ذلك كون صيغة النذر «عليّ كذا» و تكون كلمة «للّه» غير دخيلة فيه و ظرفا لغوا متعلقا بمثل «التزمت» او «تقربت» و يكون ذكره للتشريف او للدلالة على قصد القربة و هذا خلاف ظاهر الاخبار الدالة على كون الكلمة مقومة للصيغة.

فهذه محتملات أربعة في ماهية النذر و قد عرفت تقوية الأول منها و مقتضاه صيرورة المال متعلقا لحق اللّه- تعالى- في نذر التصدق به فيصير كالعين المرهونة و يكون الحق مانعا من التصرف في موضوعه و اما على المحتملات الأخر فلا يستتبع النذر تملكا للغير و لا حقا له، نعم التكليف

______________________________

(1)- نهج البلاغة من كتبه- عليه السلام- (رقم 25).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 109

و

ان لم تخرج عن ملكه بذلك لعدم التمكن من التصرف فيها (1) سواء تعلق بتمام النصاب او بعضه.

______________________________

بالوفاء به يستتبع وجوب حفظ المال للتصدق به فينصرف عنه دليل الزكاة بعد ما تعيّن من قبل الشارع له قبل تعلقها مصرف خاص و بعبارة أخرى الأمر بالوفاء بالنذر في الحقيقة أمر بابقاء المال ليصرف فيما نذر له فلا يشمله دليل الزكاة المتأخر و ان ابيت فالأقوى التفصيل بين نفوذ التكليف في الناذر و غيره فان نفذ فيه و صار بسببه منقطعا من المال خارجا لم تتعلق الزكاة لما عرفت في بيان اخبار المال الغائب من عدم الاعتبار بنفس عنوان الغيبة بل الملاك صيرورة الانسان منقطعا من ماله بالكلية، و ان لم يصر نافذا فيه بل تصرف فيه بعد النذر من دون أي اعتناء بحكم اللّه- تعالى- و صادف ذلك بقاء مقدار النصاب من المال حولا وجبت زكاته و ان تعيّن أداء القيمة. هذا.

و مقتضى عدم تعلق حق للّه او للفقراء بالمال صحة بيعه و هبته و نحوهما و ان كان محرما نظير البيع وقت النداء.

و لكن في زكاة الشيخ ما حاصله «التحقيق ان نذر الصدقة انما يفيد وجوب التمليك لا حصول التملك نعم الظاهر منع الناذر من التصرف فيه بما ينافي النذر و وقوعه باطلا لا لاقتضاء النهي للفساد بل لعموم الأمر بالوفاء بالنذر الشامل لما بعد التصرف المنافي، و دعوى ان وجوب الوفاء مشروط ببقاء محله و هو بقاء العين في ملك الناذر مدفوع بأن اطلاق وجوب الوفاء بالنذر لما بعد البيع كاشف عن عدم فوات محله، نظير اثبات بطلان العقد الناقل الثاني من البائع بأدلة ايجاب الوفاء بالعقد الأول الحاصل منه، و يؤيد ذلك اتفاقهم

على أن المال المنذور لا يورث فعدم قابليته للملك الاختياري أولى».

أقول: هذا منه- قدس سره- فتح باب جديد في باب المتزاحمين او المتعارضين و هو تقديم المتقدم زمانا. و الالتزام به مشكل اذ في الأول يقدّم الأهم مع وجوده و الّا فيثبت التخيير و في الثاني يتساقطان و يرجع الى الأصل و لا أثر للتقدم الزماني اللهم الّا أن يكون انطباق الأول رافعا لموضوع الثاني فلو صدر من المولى أولا الأمر بإنقاذ العبد و ثانيا الأمر بانقاذ الابن يقدم انقاذ الابن على انقاذ العبد مع التزاحم مطلقا، و بطلان العقد الثاني من البائع ليس لوجوب الوفاء بالعقد الأول بل لانتفاء موضوع البيع الثاني لخروجه عن ملكه بالبيع الأول فتأمل و للكلام في المسألة مقام آخر و كيف كان فوجوب التصدق بشخص المال فعلا يمنع من تعلق الزكاة به و ان لم يثبت بالنذر لا ملك و لا حقّ.

(1) بل لصيرورة المال بالنذر متعلقا لحق اللّه- تعالى- و لا أقل من دعوى انصراف دليل الزكاة عما جعل له الشارع قبل ذلك مصرفا خاصا بمقتضى ايجاب الوفاء بالنذر و اما عدم التمكن

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 110

[حكم منذور التصدق به]

نعم لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب اخراجها أولا ثم الوفاء بالنذر (1).

و ان كان موقتا بما قبل الحول و و فى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة اذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب و كذا اذا لم يف به و قلنا بوجوب القضاء بل مطلقا لانقطاع الحول بالعصيان (2).

______________________________

من التصرف فمضافا الى انصرافه الى عدم التمكن الخارجي كما في الغائب و المغصوب و المدفون لم يثبت ما يدل على عنوانه فراجع ما حررناه في الشرط الخامس.

(1)

في البقية اذا كان بنحو تعدد المطلوب كما هو الغالب.

هذا و لكن الأقوى حينئذ وجوب التصدق بالجميع لإمكان أداء الزكاة من غير العين، و المعتبر في النذر ليس الّا رجحان المتعلق و القدرة عليه، و المقدور بالواسطة مقدور فلو نذر التصدق بما هو ملك للغير فعلا و لكن أمكن اشتراؤه منه فان قصد التصدق به بدون الشراء بطل و الّا فلا يبعد وجوب الوفاء به بأن يشتريه ثم يتصدق به نظير ما اذا صرّح في نذره بأن يشتريه و يتصدق به.

و يحتمل أيضا ان تحسب الزكاة من الصدقة المنذورة اذ الزكاة من أوضح مصاديقها اللهم الّا ان ينصرف النذر منها فتدبر.

(2) بل بالنذر المستعقب لوجوب الوفاء، و في زكاة الشيخ ما حاصله «و ان كان النذر منجزا موقتا فان كان الوقت قبل تمام الحول فلا اشكال في سقوط الزكاة سواء و فى بالنذر في وقته او لم يف و سواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا لرجوع الموقت بعد حضور وقته الى المطلق و في شرح الروضة انه لا شبهة في وجوب الزكاة لو لم يف بالنذر و لم نوجب القضاء، و فيه ان مجرد التكليف بالتصدق يوجب انقطاع الحول من غير توقف على الوفاء».

و استشكل عليه في مصباح الفقيه بما حاصله «كون مجرد التكليف بالتصدق به في وقت معين من غير ان يحدث حق او يجب قضاؤه موجبا لانقطاع الحول لا يخلو من تأمّل فانه ليس الّا كوجوب صرف الدينار المكنوز عنده في أثناء الحول وقتا ما في وفاء دينه او نفقة عياله مع انه لا يكون مثله موجبا لانقطاع الحول و لا مانعا عن تعلق الزكاة بهذا المال».

أقول: نقضه- قدس سره-

غير وارد اذ في وفاء الدين و نفقة العيال ليس الحكم التكليفي الشرعي متعلقا بهذا المال بل بعنوان الوفاء بالدين و الانفاق على العيال و اما في المنذور التصدق به فالتكليف تعلق بهذا المال الشخصي و هو بعينه معيّن المصرف من قبل اللّه فتنصرف عنه أدلة الزكاة.

هذا و لكن يمكن أن يقال فيما اذا كان وقت الوجوب قليلا جدا و لم نوجب القضاء ان تعلق

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 111

نعم اذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت (1) على القول بعدم وجوب القضاء، و كذا ان كان موقتا بما بعد الحول فان تعلق النذر به مانع عن التصرف فيه (2).

و اما ان كان معلقا على شرط فان حصل المعلق عليه قبل تمام الحول لم تجب (3) و ان حصل بعده وجبت (4).

______________________________

الوجوب وقتا ما ليس بأولى من احتباس المال و الانقطاع منه وقتا ما في أثناء الحول كيوم مثلا و كون مثله مضرا بالحول موجبا لانقطاعه مشكل فلو غصب النصاب غاصب ساعة ثم ردّه فهل يوجب ذلك انقطاع الحول و هل يستفاد ذلك أيضا مما دلّ على عدم الزكاة في مال الغائب؟

فالأحوط في المسألة أداء الزكاة كما عن شرح الروضة اذا كان وقت الوجوب قليلا جدّا.

(1) بلا اشكال لتحقق الشرائط.

(2) سواء قلنا بثبوت حق للّه- تعالى- متعلقا بالمنذور أم لا لما عرفت من ان الأمر بالوفاء بالنذر يقتضي وجوب ابقاء العين الى وقت العمل. و توهم عدم وجوب الموقت الّا بعد حضور وقته و كون الوقت شرطا للوجوب في الواجبات الموقتة مدفوع كما في مصباح الفقيه بأن هذا لو سلّم ففي غير النذر اذ فيه يكون الوجوب حاليا حاصلا بانشاء النذر و

ان كان الواجب استقباليا نظير الواجب المعلق بنظر صاحب الفصول، يشهد بذلك العرف و قصد الناذرين، نعم لو بنى في الموقت على عدم الحق و لا التكليف الّا بعد الوقت صار الموقت مصداقا للواجب المشروط الآتي بحثه آنفا.

(3) اذ المشروط بعد حصول شرطه يصير منجزا و المفروض حصول شرطه قبل الحول فيصير مانعا عن تعلق الزكاة.

(4) اذ قبل الشرط لا وجوب و لا حقّ فتتعلق الزكاة عند الحول بلا مزاحم.

و في مصباح الفقيه: «ان الشرط ان كان متيقن الحصول فحكمه حكم الموقت في جميع ما عرفت».

و فيه وجود التفاوت بينهما اذ في الموقّت كما مرّ منه أيضا الوجوب حالي حاصل قبل الحول و ان كان الواجب استقباليا موقتا بما بعده بخلاف المشروط فان الوجوب اذا كان مشروطا بشرط متقدم فلا محالة لا يحصل الّا بعد شرطه و المفروض ان الشرط بعد الحول فلا وجوب قبله حتى يصير مانعا عن الزكاة.

نعم الأقوى مع ذلك عدم الزكاة و كون النذر مانعا عنها في بعض الصور.

و تفصيل ذلك ان الشرط اما أن يكون فعلا اختيارا للناذر أو لا و في الثاني اما أن يتعلق النذر بالمال مطلقا أو بشرط بقائه الى حين حصول الشرط فهنا ثلاث صور:

فان كان الشرط فعلا اختياريا للناذر مثل ان يقول: ان فعلت كذا في الشهر الكذائي فللّه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

عليّ أن أتصدق بهذا المال فهذا لا يصير مانعا عن الزكاة قطعا.

و كذا ان لم يكن اختياريا و لكن شرط معه بقاء المال بأن قال مثلا: ان جاء ابني سالما من السفر و كان هذا المال باقيا حينه فللّه عليّ ان أتصدق به فبالحقيقة يكون الوجوب مشروطا بشرطين و الوجوب

المشروط متأخر عن شرطه فلا يوجبه و الّا لزم الدور.

و اما اذا كان الشرط غير اختياري و كان النذر من ناحية بقاء المال مطلقا بأن قال مثلا: ان جاء ابني من السفر في الشهر الكذائي فللّه عليّ أن أتصدق بهذا المال، ففي هذه الصورة الأقوى وجوب حفظ المال الى حين الوفاء بالنذر و تقريبه بوجهين:

الأول: ما في المستمسك من أن مرجع النذر حينئذ الى نذر ابقاء المال الى زمان الشرط و التصدق به بعده ففي الحقيقة المنذور امران: ابقاء المال الى زمان الشرط و التصدق به بعده فيجب عليه حفظه و عدم تعجيز نفسه، نظير ما اذا وعد زيدا أن يعطيه ثوبه الكذائي هدية و جائزة ان صنع كذا في وقت كذا فالعرف يراه ملتزما بابقاء الثوب الى الوقت الكذائي و اتلافه ينافي التزامه، و النذر تمليك و وعد للّه- تعالى- الزم انجازه.

الثاني ان الوجوب المشروط بعد العلم بتحقق شرطه في محله يقتضي عند العقلاء لزوم التهيؤ لامتثاله و الاتيان بمقدماته ان لم يمكن تحصيلها في وقته، و ما اشتهر بينهم من عدم وجوب المقدمة ما لم يجب ذيها انما هو في الوجوب الشرعي المترشح من وجوب ذيها و نحن نمنع الوجوب الشرعي في المقدمة و انما الموجود فيها اللابدية العقلية و العقلاء يلزمون العبد على تحصيل المقدمات بعد العلم بتحقق وجوب ذيها و لو في المستقبل ففي المقام بعد العلم بتحقق شرط النذر في المستقبل يجب عقلا حفظ المال للوفاء به في محله فيمنع هذا عن تعلق الزكاة به فتأمل. و لا يخفى ان التقريب الأول يجري مع العلم بتحقق الشرط و الشك فيه و اما الثاني فلا يجري في صورة الشك فافهم.

فان قلت:

في الموقت بعد الحول و المشروط بشرط كذلك يمكن الالتزام ببطلان النذر اذا كان المنذور التصدق بجميع المال لعدم رجحانه حين العمل لتعلقه بحق الغير.

قلت: إنما يكون متعلقا بحق الغير اذا فرض اجتماع شرائط وجوب الزكاة و لكن النذر رافع للتمكن من التصرف الذي هو من شرائطه.

فان قلت: نعم هذا صحيح لو قدم دليل النذر و اما لو قدم دليل الزكاة ارتفع شرط النذر أعني رجحان المتعلق.

قلت: الجمع بين الدليلين يقتضي الأخذ بالسابق منهما و يكون هذا واردا على الآخر رافعا لموضوعه فتدبر.

هذا و في المستمسك عبّر عن الورود في المقام بالتخصص.

و فيه انه خلاف الاصطلاح فان التخصص عبارة عن خروج فرد بالذات عن موضوع الحكم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 113

و ان حصل مقارنا لتمام الحول ففيه اشكال و وجوه ثالثها التخيير (1) بين تقديم أيهما شاء و رابعها القرعة.

______________________________

فلو قال المولى أكرم العلماء يكون زيد الجاهل خارجا بالذات عن العلماء و لا يكون خروجه متوقفا على ورود دليل و حكم فالفرد الجاهل خارج عن عنوان العلماء تخصصا، كان هنا حكم في المقام أم لا. و اما الورود فهو عبارة عن كون احد الدليلين بشموله رافعا لموضوع الدليل الآخر حقيقة كما في المقام فان دليل النذر بعد شموله يرفع التمكن من التصرف الذي هو موضوع الزكاة و كذا العكس فالورود يشترك مع الحكومة في كون رفع الموضوع بعناية الدليل الآخر غاية الأمر ان رفعه في الورود بنحو الحقيقة و في الحكومة بنحو التعبّد فتدبر.

فان قلت: شمول كل من دليلي النذر و الزكاة في المقام دوري فكيف المخلص؟ بيان ذلك ان شمول دليل النذر متوقف على رجحان المتعلق في ظرف العمل، و رجحانه في

المقام متوقف على عدم شمول دليل الزكاة، و عدم شموله متوقف على عدم التمكن من التصرف، و عدم التمكن منه متوقف على شمول دليل النذر، فشمول دليل النذر صار متوقفا على نفسه، و كذلك شمول دليل الزكاة متوقف على التمكن من التصرف، و التمكن متوقف على عدم شمول دليل النذر، و هو متوقف على عدم رجحان المتعلق و هو متوقف في المقام على شمول دليل الزكاة و هذا الدور مقتضى طبع كل دليلين يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر.

قلت: أولا نسلّم ان شمول دليل النذر متوقف على رجحان المتعلق و لكنه حاصل فعلا فان التصدق راجح طبعا نعم دليل الزكاة لو جرى ارتفع الرجحان و لكنه لا يجري بعد ما حصل الأمر النذري قبله و ثانيا و هو حق الجواب ان رجحان المتعلق في المقام حاصل و لو بعد فرض شمول دليل الزكاة لما عرفت من صحة نذر التصدق بالمال الذي هو للغير بعد امكان تحصيله بالشراء و نحوه ثم التصدق به و الزكاة يمكن ادائها بالقيمة فالنذر و ان توقف على رجحان متعلقه و لكنه حاصل فيصير صحيحا و بجريانه يرتفع موضوع الزكاة قهرا.

(1) يعني أحدها وجوب الزكاة و ثانيها عدم وجوبها و وجوب العمل بالنذر في جميع المال.

ثم لو قلنا بعدم وجوب الزكاة فيما اذا حصل الشرط بعد الحول كما اخترناه فالقول بالعدم هنا أولى.

و اما اذا قلنا بالوجوب فيه كما اختاره المصنف ففي المقارن يجري وجوه قالوا: وجه الأول ان عدم التمكن في آخر ازمنة الحول لا يقدح في أمر الزكاة لقلته و عدم الاعتناء به و بعد وجوب الزكاة لا يصح النذر لتعلقه بحق الغير، و وجه الثاني ظهور الأدلة في اعتبار

التمكن في تمام الحول حقيقة و هو غير حاصل، و وجه التخيير اما من جهة تزاحم المقتضيات مع عدم أهمية أحدهما أو من جهة تعارض الدليلين، و وجه القرعة انها لكل مجهول كما في الخبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 114

..........

______________________________

أقول: و هنا وجه خامس و هو الأقوى على فرض التنزل مما سبق و هو صحة النذر و وجوب الزكاة معا اما الزكاة فلحولان الحول و هو متمكن و الآن الآخر غير مضر كما مرّ و اما النذر فلانه كنذر مال الغير فيؤدي الزكاة من القيمة و يعمل بالنذر في جميع المال.

و اما الوجوه المذكورة فيرد على الأول منها أولا وجود التهافت في بيانه اذ مقتضى فرض عدم التمكن في آخر الحول وجود أمر النذر مع انه قال: انه بعد وجوب الزكاة لا يصح النذر و ثانيا ان موضوع الزكاة حولان الحول و تماميته و هو انما يتحقق بعد الآن الآخر ففي صورة مقارنة الأمرين تحقق الحول بتمامه و التمكن أيضا في تمامه.

و يرد على الثاني ما مرّ من عدم امكان الالتزام باعتبار التمكن في جميع آنات الحول بحيث لو عرض عدم التمكن آنا مّا انقطع الحول فلو حال غاصب بينه و بين ماله ساعة فهل يمكن استفادة عدم الزكاة فيه مما دلّ على عدم الزكاة في المال الغائب و المدفون؟

و يرد على الثالث ان المفروض ان جريان أحد الدليلين يرفع موضوع الآخر فلا طريق الى احراز الملاكين ليصير من باب التزاحم و التعارض في المقام بنحو العموم من وجه و أدلة التخيير في المتعارضين على القول به موردها التعارض بنحو التباين.

و يرد على الرابع عدم التزامهم بالقرعة في كل مجهول بل في الموضوعات فقط.

فالحق

في المقام تقديم أمر النذر على ما سبق في الشرط المتأخر عن الحول و على فرض التنزل وجوب الوفاء بالنذر في العين و أداء الزكاة من القيمة كما مرّ وجهه فتدبر. هذا كله في نذر الفعل.

[حكم نذر النتيجة]

و اما نذر النتيجة مثل ان يقول: «للّه عليّ أن يكون هذا المال صدقة» فتارة يبحث عن صحته و أخرى عن مانعيته عن الزكاة.

اما الثاني فواضح اذ مقتضاه على فرض الصحة خروج المال عن ملك الناذر و قد مرّ اعتبار الملكية في وجوب الزكاة.

و في التذكرة «لو جعل هذه الاغنام ضحايا او هذا المال صدقة بنذر و شبهه كان سقوط الزكاة فيه أقوى لانتقال المال عنه الى ما نذره».

و في المدارك هنا «و اولى منه ما لو جعله صدقة بالنذر لخروجه عن ملكه بمجرد النذر فيما قطع به الأصحاب و للنظر فيه مجال».

و اما الأول فحيث ان البحث عن نذر النتيجة و كذا عن شرطها كثير الدوران في المباحث المختلفة لا بأس بالتعرض لهما هنا.

فنقول: ظاهر عبارة المدارك قطع الأصحاب بصحة نذر النتيجة مطلقا او في خصوص الصدقة و قد يدعى في بعض الكلمات الاتفاق او الاجماع على صحة نذر كون الحيوان هديا او اضحية و صيرورته كذلك و خروجه عن الملك بصرف النذر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

أقول: في الخلاف (- كتاب الضحايا، المسألة 16): «اذا أوجب على نفسه أضحية بالقول او بالنية على ما مضى من الخلاف زال ملكه عنها و انقطع تصرفه فيها و به قال أبو يوسف و أبو ثور و الشافعي و روي ذلك عن عليّ- عليه السلام-، و قال أبو حنيفة و محمد لا يزول ملكه عنها و لا ينقطع تصرفه فيها

و تكون له على ملكه حتى يخرجها الى المساكين و له أن يستبدل بها بالبيع و غير ذلك ...، دليلنا على الأول اجماع الفرقة و اخبارهم».

و الايجاب على النفس ليس صريحا في النذر نعم هو من أوضح مصاديقه و مراده باخبار الفرقة لعله اخبار اشعار الهدي و تقليده في حج القران.

و في المنتهى ان أبا حنيفة استدل على مذهبه بما صنعه النبي «ص» في حجة الوداع من جعل ثلث هديه الذي ساقه و هو مأئة بعير لعلي- عليه السلام- بعد ما ورد عليه من اليمن.

و في الشرائع (- كتاب الصيد و الذباحة، و المسألة الرابعة): «اذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها».

و في الجواهر «بلا خلاف أجده فيه بيننا بل في كشف اللثام اجماعا». ثم استدل له بذلك و بمراسيل عامية منها ان رجلا قال للنبي «ص»: يا رسول اللّه اني أوجبت على نفسي بدنة و هي تطلب مني بنوق فقال: انحرها و لا تبعها و لو طلبت بمائة بعير. و منها عن علي- عليه السلام- «من عيّن اضحية فلا يستبدل بها». و منها عن أبي سعيد الخدري انه قال: «اشتريت كبشا لأضحّي به فعدى الذئب فاخذ منه الألية فسألت رسول اللّه عن ذلك فقال: ضحّ به».

و في الجواهر عن الدروس «و لو كانت في ملكه تعيّنت بقوله: جعلتها اضحية، فيزول ملكه عنها».

و أنت ترى ان محطّ بعض الكلمات مطلق تعيين الحيوان للأضحية لا خصوص النذر فيشمل تعيينه بالاشعار و التقليد أيضا.

نعم في الشرائع ذكر النذر و لكن لم يصرح بكونه بنحو نذر النتيجة و في الجواهر حمله على نذر الفعل و استشكل على المسالك الذي حمله على نذر النتيجة.

و قولهم بالخروج عن الملك لا

يدل على ارادتهم نذر النتيجة فانك رأيت في صدر المسألة ان الشيخ في الخلاف و المبسوط حكم في نذر الفعل أيضا بالخروج عن الملك بل الشيخ الأعظم أيضا قرّب ذلك و استأنس له من باب الزكاة و الخمس حيث يحكم بمالكية الفقير من طريق ايجاب دفع المال اليه، و ان كان فيه ما فيه، كما ان ما ذكره في الجواهر من المراسيل دليلا على الخروج عن الملك أيضا لا تدل على ذلك كما هو واضح.

و كيف كان فليس كلام الأصحاب في مسألة تعيين الهدي و الأضحية صريحا في نذر النتيجة حتى ينسب الى قطعهم او اتفاقهم او اجماعهم صحة نذر النتيجة في باب الهدي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

و الأضحية فلا تثبت المسألة من طريق الاجماع بل يجب اثباتها من طريق القواعد المقررة.

و البحث تارة في تصوير نذر النتيجة ثبوتا و عقلا و أخرى في اثبات صحته بالأدلة العامة مثل قوله: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» او «ما جعلته للّه فف به» او بروايات خاصة كما سيأتي.

فالنافون لنذر النتيجة قرّروا مرادهم بوجوه:

الأول: ان القائل: «للّه عليّ ان يكون هذا المال صدقة» مثلا أراد به ايجاب ايجاد السبب على نفسه فهو يرجع الى نذر الفعل و ان أراد نفس مضمون الكلام دون التوجه الى السبب ففيه ان الظاهر من أدلة وجوب الوفاء بالنذر كون المنذور فعلا اختياريا للناذر قابلا للبرّ و الحنث حتى نلزمه بالوفاء به أ لا ترى انه لو قال: «للّه عليّ ان يكون ماء البحر رطبا او اجاجا» مثلا عدّ لغوا و لا تشمله أدلة الوفاء. هذا.

و يرد على ذلك أولا ان المقدور بالواسطة مقدور. فالمنذور و ان كان نفس المسبب و لكنه مقدور

بالقدرة على سببه فلم تحكمون ببطلان النذر كذلك؟ بل اللازم الحكم بصحته و وجوب الوفاء به بايجاد السبب اللهم الّا ان يراد بالبطلان عدم تحقق المسبب بصرف النذر، و ثانيا بان الأمر الاختياري في المقام لا ينحصر في ايجاد السبب فان ترتيب آثار المسبب أيضا فعل اختياري فيمكن أن يكون الوفاء في نذر النتيجة بترتيب آثار المسبب من عدم التصرف و البيع و الهبة و نحوها فيه و لازمه بدلالة الاقتضاء تحقق نفس المسبب قهرا نظير ما حكموا في المعاطات على القول بافادتها الاباحة بحصول الملكية آنا ما قبل نقله الى الغير جمعا بين الاباحة و جواز النقل الى الغير و قوله «لا بيع الّا في ملك».

و بالجملة كما ان ايجاد السبب فعل اختياري قابل للبرّ و الحنث فكذلك ترتيب آثار المسبب أيضا أمر اختياري غاية الأمر تأخره عن المسبب فاذا ثبت صحة نذر النتيجة بالعمومات او بالأدلة الخاصة كان مقتضاها وجوب ترتيب آثار النتيجة أعني المسبب.

الثاني: ان المسببات الشرعية لها أسباب خاصة توقيفية فلا يمكن تحققها بدونها كالنذر و الشرط و الى هذا أشار الشيخ في زكاته حيث قال:

«بل التحقيق ان الغايات التي ثبتت بالقواعد توقفها على أسبابها اذا وقعت في حيّز النذر أفاد النذر وجوب ايجاد تلك الأسباب لأن الوفاء بالنذر موقوف على ذلك و لا يفيد تحقق الغاية من دون السبب».

و فيه أولا ان هذا لا يقتضي بطلان نذر النتيجة بل صحته و استتباعه لوجوب ايجاد السبب و ثانيا ان الغايات على قسمين: فبعضها ثبت بمقتضى الأدلة عدم تحققها الّا عن سبب خاص كالزوجية و الطلاق و نحوهما و بعضها ليس كذلك كالملكية و الوكالة و الحرية و نحوها و الدليل لا

يجري في القسم الثاني.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 117

..........

______________________________

الثالث: ما في المستمسك و حاصله «ان اللام في صيغة النذر للتمليك و كما ان تمليك الأعيان لا يصحّ إلّا اذا كانت خارجية أو كليا معتبرا في ذمة خاصة فكذلك المنفعة و العمل فتمليك العمل بنحو الاطلاق لا اعتبار له إلّا بعد اعتباره في ذمة خاصة و لذا يذكر في الصيغة كلمة «عليّ» و ما يمكن أن يعتبر في الذمة هو العمل الصادر عن صاحب الذمة فالنذر لا يصحّ إلّا في نذر الفعل».

و فيه ما عرفت في جواب الوجه الأول من ان الأمر الاختياري الذي يصح اعتباره في الذمة أعم من المقدور بلا واسطة و بالواسطة و من ايجاد السبب المتقدم على المسبب و ترتيب الآثار المتأخرة عنه.

الرابع: ما في المستمسك أيضا و حاصله «انك عرفت ان قول الناذر: «للّه» ركن للنذر و الظرف مستقر خبر للمتأخر فمفاد قول الناذر «للّه عليّ كون هذا صدقة» تمليك اللّه كون هذا صدقة بالجعل التأليفى فلا تعرض فيه لجعل الصدقة بالجعل البسيط فيحتاج الى جعل آخر اذ الجملة الواحدة لا تصلح لجعل المنسوب و جعل النسبة معا فان الأول مفاد الكون التام و الثانى مفاد الكون الناقص فاذا ملك اللّه- تعالى- كون هذا صدقة وجب عليه تحصيلها بجعل مستقل غير النذر.

و اما بناء على كون اللام متعلقا ب «التزمت» المحذوف و الظرف لغوا فالمجعول بالنذر الالتزام بالأمر المنذور و أدلة الوفاء تدل على نفوذ هذا الالتزام فان كان المنذور من الأمور العقدية المتقومة بالطرفين لم يترتب الأثر الّا مع قبول الآخر فيكون النذر بمنزلة الايجاب و ان كان من الايقاعات صحّ و كفى إنشائه بناء على كفاية إنشاء الالتزام

و عدم اعتبار صيغة خاصة».

أقول: ما ذكره عمدة الاشكال ثبوتا في باب نذر النتيجة و يمكن ان يناقش أولا بان الصيغة على الفرض الأول و ان تعرضت لانشاء واحد و هو جعل المنذور للّه بجعل تأليفي و لكنها تدل بالملازمة على تحقق المنسوب اليه بسيطا اذ بها يعرف رضا الشخص بتحقق الصدقة بسيطا و بكونها للّه تأليفا و في باب العقود و الايقاعات و ان لم يكف الرضا القلبي ما لم يظهر و لكن يمكن أن يكفي الرضا المبرز و لو بالالتزام فحيث ان إنشاء النسبة بالمطابقة يستفاد منه بالالتزام الرضا بالمنسوب اليه يكفي ذلك في تحققه من غير احتياج الى إنشاء مستقل بعد قيام الدليل على صحة نذر النتيجة بسبب العمومات و الاخبار الخاصة كما يأتي فتأمل.

و ثانيا: لا شك ان الوفاء لا يتصور الّا بلحاظ الفعل و العمل و لكن العمل لا ينحصر في ايجاد الأسباب و ان أو همت ذلك كلماتهم في المقام بل كما ان ايجاد الاسباب المتقدم على المسبب عمل فكذلك ترتيب آثار المسبب و النتيجة أيضا عمل غاية الأمر تأخرها عنه فلو دلّ دليل على صحة نذر النتيجة اثباتا كان مفاده وجوب ترتيب آثار المسبب و النتيجة و هذا يدل بالملازمة على تحقق

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 118

..........

______________________________

المسبب قهرا بحكم الشارع و بالجملة مفاد قول الناذر: «للّه عليّ كون هذا المال صدقة» يرجع الى قوله «للّه عليّ ترتيب آثار الصدقة على هذا المال» فاذا حكم الشارع بوجوب الوفاء بذلك كان مقتضى حكمه تحقق الصدقة قهرا بحكمه فتدبر.

هذا و لا يخفى ان ما ذكره «قدس سره» من الاشكال في باب النذر لا يجي ء في باب شرط النتيجة، فان

الشرط في باب شروط العقد كما حقق في محله ليس قيدا للعقد المنشأ و الّا لزم انتفاء مضمون العقد بانتفائه بل هو التزام في ضمن التزام فاذا يكون شرط النتيجة من قبيل نذر النتيجة بناء على كون الظرف لغوا متعلقا ب «التزمت» المحذوف فيكون صحيحا بمقتضى أدلة الشروط الّا فيما لا يكفي في تحققه صرف إنشاء الالتزام به و محل المسألة باب الشروط فراجع.

هذا كله فيما يتعلق بنذر النتيجة ثبوتا و اما في مقام الاثبات فيكفي في صحته بعد تصويره ثبوتا العمومات كقوله- تعالى- «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» و قوله «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» و قوله في الحديث «...

ما جعلته للّه فف به» «1».

و بعض الأخبار الخاصة الظاهرة فيه كموثقة اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

قلت له: رجل كان عليه حجة الإسلام فأراد ان يحج فقيل له: تزوّج ثم حجّ فقال: ان تزوّجت قبل ان أحج فغلامي حرّ فتزوج قبل ان يحجّ، فقال: اعتق غلامه، فقلت: لم يرد بعتقه وجه اللّه، فقال: انه نذر في طاعة اللّه و الحج أحق من التزويج و أوجب عليه من التزويج، قلت: فان الحج تطوّع؟ قال: و ان كان تطوّعا فهي طاعة للّه قد اعتق غلامه «2» فان الظاهر من قوله أخيرا:

«قد اعتق غلامه» حصول العتق بصرف النذر فيكون من نذر النتيجة.

و كمرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل تكون له الجارية فتؤذيه امرأته و تغار عليه فيقول هي عليك صدقة، قال: ان جعلها للّه و ذكر اللّه فليس له ان يقربها، و ان لم يكن ذكر اللّه فهي جاريته يصنع بها ما شاء «3» و مراسيل ابن أبي عمير

بحكم المسانيد و لا سيما هذه و مفهوم قوله: «ان لم يكن ذكر اللّه فهي جاريته» انه ان ذكر اللّه فليست هي جاريته فيكون النذر بنحو النتيجة.

و يمكن ان يستدل أيضا بقوله- تعالى- «إِذْ قٰالَتِ امْرَأَتُ عِمْرٰانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي» «4» اذ ظاهره صيرورة ما في البطن محررا بصرف ولادته من دون احتياج الى

______________________________

(1)- الوسائل ج 16 الباب 8 من كتاب النذر، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 16 الباب 7 من كتاب النذر، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 16 الباب 17 من كتاب النذر، الحديث 9.

(4)- سورة آل عمران، الآية 35.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 119

[لو استطاع الحج بالنصاب]

[مسألة 13]: لو استطاع الحج بالنصاب، فان تمّ الحول قبل سير القافلة و التمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولا فان بقيت الاستطاعة بعد اخراجها وجب و الّا فلا (1).

______________________________

إنشاء تحريره و لذا استدعى قبوله بصرف النذر و المحرّر و ان كان اسم مفعول فيتوقف تحققه على تحرير و محرّر و لكن التحرير وقع بنفس النذر نظير ما مرّ في موثقة اسحاق بن عمار من قوله: «قد اعتق غلامه» الظاهر في حصول الاعتاق بنفس النذر كما عرفت.

و قد يستدل أيضا بخبر علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن الصدقة يجعلها الرجل للّه مبتوتة هل له ان يرجع فيها؟ قال: اذا جعلها للّه فهي للمساكين و ابن السبيل فليس له ان يرجع فيها «1».

و في المستدرك عن الدعائم، عن أبي عبد اللّه «ع» انه سئل عن الصدقة يجعلها الرجل للّه مبتولة نحوه «2».

و لكن الشيخ حمل الرواية على باب الوقف فلا ترتبط بالمقام.

و قد تلخص مما ذكرنا تصوير شرط النتيجة و نذرها ثبوتا

و عمدة الاشكال كان ما ذكره أخيرا في المستمسك و قد عرفت عدم جريانه في باب الشرط بل مساغ شرط النتيجة مساغ أكثر الجعالات فلو قال أحد: «من وجد بعيري فله عبائي» يصير مالكا للعباء بصرف وجدان البعير و لا يصير منتظرا لتمليك العباء له بصيغة الهبة و نحوها و العرف أيضا يساعد على ذلك فاذا تصورنا شرط النتيجة و نذرها ثبوتا فأدلة الشروط و الوفاء بالنذر كافية لصحتها اثباتا مضافا الى ما مرّ من الروايات الخاصة في النذر.

نعم فيما ثبت شرعا احتياجها الى إنشاء جديد بلفظ خاص كالنكاح و الطلاق نرفع اليد عن هذه الأدلة فتدبر.

و الحمد للّه، 17 شعبان المعظم 1402، المطابق ل 20/ 3/ 61.

(1) أقول: محل البحث في المقام مسألة تزاحم الحج مع الزكاة او الخمس، و قبل الشروع فيها نشير الى مسألة مربوطة بباب الحج و هو ان الحج واجب مشروط شرط وجوبه الاستطاعة فالوجوب متأخر رتبة عن شرطه تأخر الحكم عن موضوعه فان الشرط بمنزلة الموضوع او هو هو و لذا قيل كل شرط موضوع و كل موضوع شرط فلا يتصور الزام من قبل هذا الوجوب بالنسبة الى احداث شرطه او ابقائه.

______________________________

(1)- الوسائل ج 13 الباب 5 من كتاب الهبات، الحديث 5. (و البحار كتاب الاحتجاج).

(2)- المستدرك ج 2 الباب 6 من كتاب الوقوف.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 120

..........

______________________________

فالوجوب دائر مدار وجود شرطه حدوثا و بقاء بلا الزام بالنسبة اليه و لا نسلّم صيرورة الواجب المشروط مطلقا بعد حصول شرطه بل هو مشروط و لو بعد حصول شرطه فكما ان وجوب القصر مشروط بالسفر حدوثا و بقاء و لا الزام من ناحيته بالنسبة الى احداث السفر او ابقائه

فكذلك وجوب الحج بالنسبة الى الاستطاعة و مقتضى هذه القاعدة عدم وجوب حفظ الاستطاعة و لو بعد حصولها بجميع شئونها.

هذا و لكن ثبت اجماعا استقرار وجوب الحج اجمالا في بعض الموارد و ان اخرج الانسان نفسه عن الاستطاعة و لعلّ العرف يفرق بين قوله: المستطيع يجب عليه الحج و بين قوله: يجب الحج ان استطاع بأن الظاهر من الثاني كفاية حدوث الاستطاعة في ايجاب الحج ظهور الفعل في الحدث فتأمل.

و كيف كان ففي بعض الموارد يستقر الحج بحدوث الاستطاعة فيمكن ان يقال ان غير الاستطاعة المالية من صحة البدن و تخلية السرب و غيرهما من الامكانات و زانها و زان القدرة التي هي من الشرائط العامة حيث ان المعتبر منها القدرة حين العمل لا حين الامر فلو علم بحصولها وقت العمل و قبيله كفى في الوجوب فيجب حفظ المال لأجله بل مع الاحتمال أيضا بناء على وجوب الاحتياط عند الشك في القدرة حتى يظهر العجز.

و قال المصنف في كتاب الحج (مسألة 23): «اذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحجّ يجوز له قبل ان يتمكن من المسير ان يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و اما بعد التمكن منه فلا يجوز و ان كان قبل خروج الرفقة».

و لكن يظهر من عبارته هنا كون التمكن من المسير عبارة أخرى عن سير القافلة فتأمل.

و في حاشية الاستاذ- دام ظله- على الحج: «اذا كان عدم التمكن لأجل عدم الصحة في البدن او عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرف و اما اذا كان لأجل عدم تهيئة الأسباب او فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول فضلا عن العلم به».

و في بعض حواشي العروة أضاف الى التمكن من المسير ان يكون

قبل اشهر الحج فبعد دخولها لا يجوز اذهاب الاستطاعة و ان لم يتمكن من المسير و لم تخرج الرفقة.

و المذكور في كلام بعض الأصحاب ان المدار حضور وقت السفر، ففي التذكرة «لو كان له مال فباعه نسية عند قرب وقت الخروج الى أجل يتأخر عنه سقط الفور في تلك السنة عنه لأن المال انما يعتبر وقت خروج الناس و قد يتوسّل المحتال بهذا الى دفع الحج». و نحو ذلك أيضا عن المنتهى و محل تحقيق المسألة كتاب الحج.

و كيف كان فلو اخترنا في تلك المسألة ما اختاره المصنف من كون المدار التمكن من المسير فيجوز اذهاب الاستطاعة المالية قبله اختيارا فكيف بأداء الزكاة اذا حال الحول قبله و اما اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 121

و ان كان مضى الحول متأخرا عن سير القافلة وجب الحج و سقط وجوب الزكاة (1).

نعم لو عصى و لم يحج وجبت بعد تمام الحول (2).

______________________________

منعنا ذلك و قلنا بأن الملاك في غير الاستطاعة المالية حصوله حين العمل اذا علم بحصوله حينه بل و مع الاحتمال أيضا فيصير حكم هذه الصورة حكم الصورة التالية كما لا يخفى اذ يجب حينئذ تهيئة المقدمات و حفظ المال الذي يتوقف عليه الحج و لو قبل التمكن من المسير اذا علم بحصوله بعد ذلك فتدبر.

(1) في وقت سير القافلة و التمكن من المسير و ان استقر الحج و وجب و لكن صرف هذا لا يوجب عدم وجوب الزكاة الّا اذا صرف النصاب او بعضه قبل الحول او توقف اتيان الحج على صرف هذا المال بعينه بتمامه و بعبارة أخرى صار هذا المال بتمامه مقدمة وجودية للحج بحيث وجب حفظه مقدمة للحج فيصير نظير

منذور التصدق الممنوع عن التصرف فيه فلا زكاة فيه لعدم التمكن من التصرف فيه شرعا و لا مجال لمنع وجوب الحج باذهاب الاستطاعة عليه من جهة وجوب دفع الزكاة اذ المقتضيان الشرعيان اذا كان كل منهما رافعا لشرط الآخر يعمل باسبقهما فكما ان وجوب الزكاة في الصورة الأولى كان دافعا لوجوب الحج برفع الاستطاعة يكون وجوب الحج في هذه الصورة دافعا لوجوب الزكاة برفع التمكن من التصرف. هذا.

و اما اذا لم يتوقف الحج على صرف عين هذا المال بأجمعه فيه بل أمكن الحج ببعضه او بالقرض او بنحو التسكع او الخدمة و نحو ذلك فلا تكون العين ممنوعا من التصرف فيها فتتعلق بها الزكاة قهرا و لا يسقط الحج أيضا و ان فرض فوات الاستطاعة بسبب الزكاة اذا امكن له تبديل النصاب لدفع الزكاة فيكون فوات الاستطاعة بتقصير منه فليس من قبيل تلف المال المسقط للاستطاعة و الوجوب قهرا.

و بالجملة كلام المصنف بسقوط الزكاة انما هو في صورة صيرورة هذا المال بعينه و بتمامه مقدمة وجودية منحصرة للحج و لعله فرض نادر و لذا قال في القواعد: «لو استطاع بالنصاب و وجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة».

و في التذكرة «لو استطاع بالنصاب و وجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة لتعلق الزكاة بالعين بخلاف الحج».

فيظهر من تعليله عدم تزاحم الزكاة و الحج لاختلاف موضوعهما فموضوع الزكاة هي العين و موضوع الحج الذمة و لا محالة يريد صورة عدم ترشح الأمر المقدمي من ناحية الحج الى خصوص العين كما هو الغالب فتدبر.

(2) هذا يخالف ما ذكره في منذور التصدق به اذا لم يف

بالنذر حيث قال: «و كذا اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 122

و لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولا لتعلقها بالعين بخلاف الحج (1).

[لو مضت سنتان او أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه]

[مسألة 14]: لو مضت سنتان او أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه، بأن كان مدفونا و لم يعرف مكانه أو غائبا أو نحو ذلك ثمّ تمكن منه استحب زكاته لسنة (2) بل يقوى استحبابها بمضي سنة واحدة أيضا.

______________________________

لم يف به و قلنا بوجوب القضاء بل مطلقا، لانقطاع الحول بالعصيان».

و لا يمكن التفريق بين المقامين بعد تعلق الحج بالعين بعد فرض كون محل البحث صورة توقف الحج على صرف خصوص العين الخارجية بصيرورتها مقدمة وجودية منحصرة اذ في غير هذه الصورة لا تسقط الزكاة سواء حج او عصى كما عرفت بل المقام أولى ببقاء سقوط الزكاة بعد العصيان اذ في باب النذر على فرض عدم وجوب القضاء بعد العصيان يمكن ان يقال بأن فعلية وجوب النذر اذا قلّ وقتها لا تقطع حول الزكاة فانه ليس بأولى من الانقطاع الخارجي عن المال و كون الانقطاع منه وقتا ما موجبا لانقطاع الحول محل تأمل كما عرفت.

و هذا البيان لا يجري في المقام اذ الحج بتركه في هذه السنة لا يسقط قطعا فيجب حفظ المال لأجله.

اللهم الّا ان يكون حين العصيان عازما على ترك الحج الى الأبد و قلنا في باب المقدمة بعدم وجوب المقدمة غير الموصلة فتدبر.

(1) قد عرفت ان مجرد عدم تعلق الحج بالعين غير كاف في وجوب الزكاة بعد فرض توقف الحج على خصوص العين الخارجية و صيرورتها مقدمة وجودية منحصرة.

نعم لو لم يتوقف الحج على صرفها بخصوصها و قلنا بأن المنع من التصرف في جزء

ما من الحول و لا سيما جزء آخره لا يمنع من وجوب الزكاة وجبت الزكاة و سقط الحج قهرا لعدم الاستطاعة.

(2) في التذكرة: «و قال مالك: اذا قبضه زكاه لحول واحد و هو على الاستحباب عندنا».

و في المنتهى: «اذا عاد المغصوب او الضال الى ربه استحب له أن يزكيه لسنة واحدة ذهب اليه علماؤنا و قال مالك: يجب». و ظاهره دعوى اجماع أصحابنا على الاستحباب.

و في النهاية: «فان لم يكن متمكنا و غاب منه سنين ثم حصل عنده يخرج منه زكاة سنة واحدة»، و ليس فيه تصريح بالاستحباب.

و في الشرائع: «فان مضى عليه سنون و عاد زكاه لسنة استحبابا».

أقول: قد مرّ منا عدم وجوب الزكاة في المال الغائب و المفقود و نحوهما مما لا يتمكن من التصرف فيه و به قال ابو حنيفة و ابو يوسف و محمد و الشافعي في القديم و قال في الجديد بوجوب تزكيته لجميع ما مضى و قال مالك بوجوب تزكيته لسنة واحدة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

و يدل على عدم الوجوب الاخبار المستفيضة التي مرّت و ذكرها في الوسائل في الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة و قد صرح في بعضها بعدم الوجوب و لو لسنة واحدة كموثقتي اسحاق بن عمار و صحيحة ابراهيم بن أبي محمود المذكورة في الباب 6.

ففي الموثقة الأولى: «قلت: فاذا هو جاء أ يزكّيه؟ فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده»، فلا وجه لما عن بعض متأخري المتأخرين من الوجوب لسنة واحدة كما في الجواهر و ان قال به مالك من العامة و يجب حمل عبارة النهاية أيضا على الاستحباب.

و اما الاستحباب لسنة فاستدل له بالإجماع المدّعى في التذكرة و

المنتهى و بقول أبي جعفر- عليه السلام- في حسنة سدير الواردة في المال الغائب ثلاث سنين: «يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه» و بصحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه فلا يرد رأس المال كم يزكّيه؟ قال: لسنة واحدة و بمرسلة ابن بكير عمن رواه (عن زرارة خ) عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج فاذا خرج زكاه لعام واحد «1».

فتحمل على الاستحباب جمعا بينها و بين ما دلّ على عدم الوجوب اصلا هذا.

و المذكور في حسنة سدير ثلاث سنين و في الصحيحة خمس سنين و لكن المرسلة تشمل السنتين أيضا كعبارة المنتهى و ما عن المبسوط و المدارك أيضا و في الجواهر عن صريح البيان و محكى جامع المقاصد و المفاتيح أيضا كفاية السنتين و لا بأس بذلك لا طلاق المرسلة بل في الجواهر: «قد يقال بدلالته على كفاية الغيبة عاما فصاعدا نعم تلفيق العام من الضلال و الوجدان لا دليل على الاستحباب فيه».

أقول: لو قلنا بالاستحباب في الغائب تمام السنة كان الاستحباب في الغائب بعض السنة أولى كما لا يخفى.

هذا و مورد الروايات المال الغائب و المفقود، و في المنتهى: المغصوب و الضال، و لكن المصنف عمّم الاستحباب في كل ما لم يتمكن من التصرف فيه و لعله بسبب الفحوى و الغاء الخصوصية.

هذا كله بناء على تسليم الاستحباب في المسألة و لكن ناقش فيه من اصله السيد الاستاذ- مد ظله- في حاشيته و لعله لما احتملناه سابقا من عدم ارادة تزكية المال لسنة واحدة بلا فصل بل

بعد استجماعه لشرائط وجوب الزكاة من النصاب و حلول الحول و نحوهما.

و بالجملة محط النظر في الروايات دفع توهم ان المال بعد عوده الى صاحبه و استجماعه للشرائط تثبت فيه زكاة جميع السنين كما أفتى به الشافعي فالمراد كون السنين السابقة كالعدم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 4 و 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 124

[اذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة]

[مسألة 15]: اذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضيّ الحول متمكنا فقد استقر الوجوب (1) فيجب الأداء اذا تمكن بعد

______________________________

فتثبت فيه زكاة سنة واحدة بعد ما حصلت الشرائط التي منها حلول الحول عنده و في يده.

و يؤيد ذلك التعليل في حسنة سدير بقوله: «لأنه كان غائبا عنه» اذ الغيبة كما تدفع زكاة السنين تدفع زكاة السنة أيضا فالمراد زكاة السنة بعد الغيبة.

و قد مرّ نظير هذا الاحتمال في صحيحة أبي بصير الواردة في مال اليتيم حيث قال: «... فاذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» «1».

فان الظاهر من قوله: «كانت عليه زكاة واحدة» نفى وجوب الزكاة لما مضى فتثبت زكاة واحدة بشروطها من النصاب و حلول الحول و نحوهما و يؤيد ذلك قوله: «و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» الذي هو بمنزلة التفسير لما قبله.

و بالجملة مع ورود هذا الاحتمال في أخبار الباب لا يبقى دليل على الاستحباب الّا الاجماع المدّعى المحتمل كون مدركهم هذه الأخبار فيشكل الافتاء بالاستحباب الّا من باب التسامح في أدلة السنن فتدبر.

(1) في الشرائع: «و امكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب».

و في المنتهى: «و ليس

التمكن من الأداء شرطا في الوجوب ذهب اليه علماؤنا أجمع و به قال أبو حنيفة، و قال مالك التمكن شرط فيه و للشافعي قولان، لنا قوله: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول فجعله غاية للوجوب ... احتجّ المخالف بأن الزكاة عبادة مشترط في وجوبها امكان أدائها كالصلاة و الصوم و الحج».

أقول: و ملخّص الكلام ان المجعول في باب الزكاة ان كان صرف الوجوب أعني الحكم التكليفي كما في الصلاة و نحوها أمكن ان يقال ان القدرة و التمكن شرط فيه لكونها من الشرائط العامة للتكاليف و هو محصّل دليل المخالف.

و لكن المجعول في باب الزكاة و الخمس حكم وضعي مقتضاه شركة الفقراء او ثبوت حق لهم كما يأتي فلا مانع من أن تتعلق الزكاة بالمال و ان لم يتمكن المكلف من أدائها غاية الأمر عدم ضمانه لها ان لم يتمكن فعلا و فائدته وجوب الأداء مهما تمكن، و اطلاقات أدلة الزكاة تقتضي التعلق مع حصول الشرائط من النصاب و الحول و التمكن من التصرف في الحول و نحو ذلك و لا دليل على اشتراط التمكن من الأداء في التعلق و مراد المحقق و العلامة و المصنف من لفظ الوجوب هنا هو التعلق لا الوجوب التكليفي كما لا يخفى.

و كان على المصنف أن يعنون المسألة كما في الشرائع و المنتهى فان عدم امكان الأداء أعم من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 125

ذلك، و الّا فان كان مقصرا يكون ضامنا (1) و الّا فلا.

[الكافر تجب عليه الزكاة]

اشارة

[مسألة 16]: الكافر تجب عليه الزكاة (2).

______________________________

عدم التمكن من التصرف لشموله لما اذا لم يمكن الأداء من

جهة عدم وجود المستحق او كان هنا جابر أجاز جميع التصرفات و لكن منع من أداء الزكاة فقط.

(1) في التذكرة: «لو تلف المال بعد الحول و امكان الأداء وجبت الزكاة عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و احمد ... لأنها زكاة واجبة مقدور على أدائها فاذا تلفت ضمنها».

و في المنتهى: «امكان الأداء شرط في الضمان و هو فتوى علمائنا و عن أحمد روايتان، لنا ان الزكاة تجب في العين فاذا تلف الواجب قبل امكان أدائه لم يجب على المالك العوض لأنه كالأمانة نعم لو فرّط او أتلف ضمن بلا خلاف». فترى ادعاء العلامة الاجماع و عدم الخلاف على الضمان مع التفريط و عدمه مع العدم، و يدل على شقّي المسألة عموم قوله: على اليد ما قبضت حتى تؤديه بضميمة الاجماع على استثناء اليد الأمينة بناء على وجوب أداء الزكاة فورا و اما بناء على السعة كما يستفاد من بعض الأخبار فيشكل القول بالضمان بصرف التأخير.

اللهم إلا أن يستدل له باطلاق اجماع التذكرة و بالأخبار الخاصة كصحيحة زرارة قال:

سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث اليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان قلت: فانه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن اذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.

و صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها؟ و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس

عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع اليه اذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه اليه، فان لم يجد فليس عليه ضمان «1». اذ يستفاد من الصحيحين الضمان بصرف التأخير و ان لم يكن مقصّرا و مفرّطا من جهة جواز التأخير شرعا فتأمل.

(2) هنا مسائل خمس: الأولى: هل الكفار مكلفون بالفروع أم لا؟ الثانية: هل تصح منهم في حال الكفر؟ الثالثة: هل للإمام او نائبه أخذ الزكاة منه قهرا؟ الرابعة: هل يضمنها اذا أتلفها؟ الخامسة: هل تسقط منه بالاسلام؟ و قد تعرض المصنف لأربع منها في هذه المسألة و للخامسة في المسألة التالية.

[هل الكفار مكلفون بالفروع أم لا؟]

اما المسألة الأولى فنقول: المشهور بيننا ان الكفار مكلفون بالفروع كما انهم مكلفون بالاصول

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 39 من أبواب المستحقين، الحديث 2 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 126

..........

______________________________

بل ادعى عليه الاجماع في الكتب الاصولية و الفقهية، و اما أهل الخلاف ففيهم الخلاف في المسألة.

قال في التذكرة: «اما الكافر فان الزكاة و ان وجبت عليه عندنا لأنه مخاطب بالفروع و به قال الشافعي خلافا لأحمد و أبي حنيفة الّا انه لا يصح منه أدائها حال كفره فاذا أسلم سقطت عنه و ان كان النصاب موجودا لأنها عبادة فسقطت باسلامه لقوله «ع»: الإسلام يجبّ ما قبله و يستأنف الحول حين الإسلام».

و في المعتبر: «تجب الزكاة على الكافر و ان لم يصح منه أدائها اما الوجوب فلعموم الأمر و اما عدم صحة الأداء فلأن ذلك مشروط بنية القربة و لا تصح منه و لا قضاء عليه لو أسلم لقوله- عليه السلام-: الإسلام يجبّ ما قبله و يستأنف لماله الحول عند اسلامه».

و

في الشرائع: «و الكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أداؤها».

و في الخلاف (المسألة 97): «اذا ارتد الانسان ثم حال عليه الحول ... و أيضا جميع الآيات المتناولة لوجوب الزكاة تتناول الكافر و المسلم فمن خصّها فعليه الدلالة».

و تعرض للمسألة في النهاية و المبسوط أيضا هذا.

و في الفقه على المذاهب الأربعة: «من شروطها الإسلام فلا تجب على الكافر، سواء كان أصليا او مرتدا و اذا أسلم المرتدّ فلا يجب عليه اخراجها زمن ردته عند الحنفية و الحنابلة. المالكية قالوا الإسلام شرط للصحة لا للوجوب فتجب على الكافر و ان كانت لا تصح الّا بالاسلام و اذا أسلم فقد سقطت بالاسلام لقوله- تعالى- «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ» و لا فرق بين الكافر الأصلي و المرتد. الشافعية قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوبا موقوفا على عوده الى الإسلام فان عاد اليه تبين انها واجبة عليه لبقاء ملكه ...».

و بالجملة المشهور بيننا بل المجمع عليه بين قدماء أصحابنا كون الكفار مكلفين بالفروع و استدل له بوجوه:

الأول: الاجماع فان مخالفة بعض المتأخرين لا يضر.

الثاني: آيات من الكتاب العزيز كقوله- تعالى- في سورة فصّلت: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ (7)».

و في سورة المدّثر: «مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ (45) وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)».

و في سورة الحجر: «فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمّٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمٰا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)».

و في سورة القيامة: «فَلٰا صَدَّقَ وَ لٰا صَلّٰى (31) وَ لٰكِنْ كَذَّبَ وَ

تَوَلّٰى (32)».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

الثالث: اطلاقات و عمومات أدلة الأحكام مثل قوله- تعالى- في سورة آل عمران: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97) مثلا.

الرابع: ان الأحكام التي يدرك العقل حسنها أو قبحها كوجوب رد الوديعة و حرمة الظلم فالعقل يحكم بعمومها اذ لا تخصيص في الأحكام العقلية و كذلك الواجبات التوصلية لكون المقصود من الطلب فيها صرف حصول متعلقاتها في الخارج.

و اما الواجبات الضرورية فيستفاد عمومها لكافة العباد من أخبار مستفيضة كخبر علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد اللّه «ع» عن الدين الذي افترض اللّه على العباد ما لا يسعهم جهله و لا يقبل منهم غيره ما هو؟ فقال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه و ان محمدا رسول الله «ص» و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و حج البيت من استطاع اليه سبيلا و صوم شهر رمضان و الولاية.

و خبر سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أخبرني عن الفرائض التي افترض اللّه على العباد ما هي؟ فقال: شهادة أن لا إله الّا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و اقام الصلاة الخمس و ايتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و الولاية ...» «1». فيقال بالعموم في ساير الأحكام أيضا بعدم الفصل فتدبر.

الخامس: صحيحة البزنطي و خبره عن الرضا «ع» ففي الأولى: «و ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر قبّل أرضها و نخلها ... و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر».

و في الثاني: «و ما أخذ بالسيف فذلك

الى الامام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر قبّل سوادها و بياضها ... و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر قال: و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم» «2».

و من المحتمل جدّا اتحاد الخبرين فيشكل صحة الأول. و ظهور العشر و نصف العشر في الزكاة و كونها غير قبالة الأرض واضح و أهل خيبر كانوا من اليهود و أهل ما يؤخذ بالسيف أيضا من الكفار فيظهر من الخبرين ثبوت الزكاة على الكفار، فتشكيك البعض فيهما بأن العشر و نصف العشر جزء من قبالة الأرض المجعولة من قبل الامام لا من باب الزكاة مخالف للظاهر و لا سيما في الثاني هذا.

فالمسألة بحمد اللّه واضحة و كانت عندنا مفروغا عنها الى ان ناقش فيها المحدثان الأسترآبادي

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12 و 17.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

و الكاشاني و وافقهما في الحدائق و قد ذكر في الحدائق وجوها للنظر فيها:

الأول: عدم الدليل و هو دليل العدم.

و فيه كفاية ما ذكرنا من الأدلة الخمسة.

الثاني: الأخبار الدالة على توقف التكليف على الاقرار و التصديق بالشهادتين فمنها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر «ع» أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال:

ان اللّه- عزّ و جلّ- بعث محمدا «ص» الى الناس أجمعين رسولا و حجة للّه على جميع خلقه في أرضه فمن آمن باللّه و بمحمد رسول اللّه «ص» و اتبعه و صدّقه فان معرفة الامام منا واجبة عليه و من لم يؤمن باللّه و برسوله و لم

يتبعه و لم يصدقه و يعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام و هو لا يؤمن باللّه و رسوله و يعرف حقهما ... «1».

فانه متى لم تجب معرفة الامام قبل الايمان باللّه و رسوله فبطريق الأولى معرفة الفروع المتلقاة من الامام.

و في الوافي بعد نقل الصحيحة: «و في هذا الحديث دلالة على أن الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام كما هو الحق خلافا لما اشتهر بين متأخري أصحابنا».

و منها ما رواه القمي في تفسير قوله- تعالى-: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ» عن أبان بن تغلب قال: قال لي أبو عبد اللّه «ع»: يا أبان أ ترى ان اللّه- عزّ و جلّ- طلب من المشركين زكاة أموالهم و هم يشركون به حيث يقول: ويل للمشركين الذين لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ؟ قلت له: كيف ذاك جعلت فداك فسّره لي، فقال: ويل للمشركين الذين أشركوا بالامام الأول و هم بالأئمة الآخرين كافرون يا أبان انما دعا اللّه العباد الى الايمان به فاذا آمنوا باللّه و برسوله افترض عليهم الفرائض «2».

و منها ما رواه في الاحتجاج في احتجاج أمير المؤمنين- عليه السلام- على زنديق: «و اما قوله:

انما أعظكم بواحدة فان اللّه- عز و جلّ- نزّل عزائم الشرائع و آيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و لو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر و لكنه جعل الاناة و المداراة امثالا لأمنائه و ايجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الاقرار بالوحدانية و الربوبية و الشهادة بان لا إله الّا اللّه فلما أقروا بذلك تلاه بالاقرار لنبيه بالنبوة و الشهادة له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض

عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات و ما يجري مجراها من مال الفي ء» «3».

______________________________

(1)- أصول الكافي ج 1 ص 180 باب معرفة الامام، الحديث 3.

(2)- تفسير القمي ج 2، ص 262.

(3)- الاحتجاج، طبع النجف الأشرف (دار النعمان) ص 379.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

أقول: اما الخبر الأخير فلا ربط له بمسألتنا فانه في مقام بيان التدرج في نزول الأحكام في صدر الإسلام و هو أمر لا ينكر و انما البحث في ان الأحكام بعد نزولها بالوحي تخص المسلمين أو تعم الكافرين أيضا.

و امّا الآخران فأجاب عنهما الشيخ- طاب ثراه- في مبحث غسل الجنابة من الطهارة بما حاصله بتوضيح و اضافة منا: أنا لا نقول بكون الكفار مخاطبين بالفروع تفصيلا كيف و هم جاهلون بها غافلون عنها و على تقدير الالتفات يستهجن خطاب من أنكر الرسول بالايمان بخليفته و أخذ الأحكام منه بل المراد ان الرسول أرسل الى كافة الناس و ان المنكر له أيضا مأمور بالايمان به و الايتمار بأوامره و الانتهاء عن نواهيه فان آمن و حصل ذلك كله كان مطيعا و ان لم يؤمن ففعل المحرمات و ترك الواجبات عوقب عليها كما يعاقب على ترك الايمان لمخاطبته بها اجمالا و ان لم يخاطب بفعل الصلاة و ترك الزنا مثلا فما هو المدّعى تكليفهم اجمالا و ما هو المنفي في الخبرين تكليفهم تفصيلا بخصوص عناوين الفرائض و ليس موضوع التكليف عنوان الكافر او المسلم او اشخاصهما بل الأحكام تجعل بنحو القضية الحقيقية على العناوين الكلية الشاملة لهما كعنوان المستطيع او البالغ العاقل او نحو ذلك و لا يؤخذ في الموضوعات بنحو القيدية الّا ما هو دخيل في

المصالح و المفاسد التي هي ملاكات الأحكام و ليست القضية الكلية المحصورة الحقيقية عبارة أخرى عن مجموع قضايا جزئية او شخصية بل هي قضية واحدة بملاك واحد و له صدق واحد و كذب واحد و نقيضها سلب هذه الكلية أعني السالبة الجزئية فليس الكافر بعنوانه مخاطبا او موضوعا للحكم الشرعي حتى يحكم باستهجان خطابه بل الناس بما هم بالغون عاقلون، مكلفون اجمالا بالايمان باللّه و بالرسول و بجميع ما جاء به من اللّه- تعالى- و يشترك فيها الكافر و المسلم و العالم و الجاهل بمعنى كونها حجة على الجميع غاية الأمر تنجزها على العالم و الجاهل المقصر دون القاصر فتدبر.

الثالث من الوجوه التي ذكرها صاحب الحدائق: لزوم تكليف ما لا يطاق اذ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تصورا و تصديقا عين تكليف ما لا يطاق.

و فيه ان العلم او التمكن منه شرط للتنجز لا لنفس التكليف لاشتراك العالم و الجاهل بقسميه في أصل التكليف كما عرفت آنفا كيف و جعل العلم بالتكليف مأخوذا في موضوعه يستلزم الدور كما حرر في محله.

الرابع: الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم كقوله: طلب العلم فريضة على كل مسلم، فان موردها خصوص المسلم دون مجرد البالغ العاقل.

و فيه ما لا يخفى.

الخامس: اختصاص الخطاب القرآني بالذين آمنوا في بعض الأحكام فيحمل عليه ما ورد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

بقوله: يا أيها الناس، حمل المطلق على المقيد.

و فيه أيضا ما لا يخفى.

فهذه الوجوه الخمسة التي ذكرها في الحدائق. و يضاف الى ذلك و جهان آخران:

الأول: استهجان خطاب الكافر باللّه و برسوله بالفروع الجزئية.

و فيه ما عرفت آنفا من عدم كون الخطاب متوجها الى خصوص الكافر او المسلم بل الأحكام

مجعولة بنحو القضية الحقيقية على العناوين الكلية الواجدة للمصالح او المفاسد المقتضية لها.

الثاني: انه تكليف بغير المقدور و القدرة من الشرائط العامة للتكاليف. بيان ذلك انه ستجي ء فتواهم بعدم صحة الزكاة و نحوها من العبادات من الكافر و سقوطها منه بعد اسلامه فتكليفه بالزكاة تكليف بما لا يقدر على امتثاله لا في حال كفره و لا بعد اسلامه.

و فيه ان كفره وقع بسوء اختياره فلو لم يختر الكفر اولا كان قادرا على اتيان الزكاة و نحوها و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار و لا يرفع العقوبة و لذا نقول بوقوع الحركات الخروجية في الدار المغصوبة مبغوضة و معاقبا عليها و ان اضطر اليها.

نعم يقبح البعث و الزجر الفعلي و لكن ملاك الحكم و آثاره من العقوبة و نحوها باقية بعد ما كان قادرا عليه من أول الأمر و القدرة المشترطة في التكليف و ان كانت هي القدرة حين العمل و لكن يجب تحصيلها و لو قبل العمل.

هذا مضافا الى صحة جعل الحكم الوضعي من الجنابة و الطهارة و شركة الفقراء في المال فيكون المجعول في المقام تعلق الزكاة و فائدته جواز أخذ الامام او نائبه قهرا عليه.

و كيف كان فالأقوى في المسألة هو ما اختاره المشهور من عموم الأحكام للكفار أيضا بمعنى عدم أخذ قيد الإسلام في موضوعاتها لعموم ملاكاتها المقتضية لها و ان كان اجرائها خارجا و العمل بها متوقفا على الإسلام فالاسلام شرط للواجب لا الوجوب على اشكال في ذلك أيضا كما سيأتي آنفا.

تتمة: أجاب في الحدائق عن الآيات التي ذكرناها بحمل قوله: «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» على المخالفين لا الكفار فيكون المعنى لم نك من اتباع الأئمة كما في تفسير علي بن

ابراهيم فيكون المصلي بمعنى الذي يلي السابق و هكذا الكلام في قوله: «فَلٰا صَدَّقَ وَ لٰا صَلّٰى» و اما قوله: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ» فمرّ خبر علي بن ابراهيم في تفسيره.

أقول: هذه التفسيرات من قبيل الجري و التطبيق و بيان بطن من بطون القرآن، و ليس لنا رفع اليد عن ظواهر القرآن بسببها، فانه حجة من قبل اللّه- تعالى- و قد امرنا بالاخذ به و عرض اخبار الائمة- عليهم السلام- عليه، فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 131

[هل تصح منهم في حال الكفر؟]

لكن لا تصحّ منه اذا أدّاها (1)

[هل للإمام او نائبه أخذ الزكاة منه قهرا؟]

نعم للإمام «ع» أو نائبه أخذها منه قهرا (2).

______________________________

(1) بلا اشكال فيه كما في المدارك للإجماع، و لاشتراطها بالقربة و عدم تمكن الكافر منها كما في المعتبر، و لقوله- تعالى- في سورة التوبة: «وَ مٰا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقٰاتُهُمْ إِلّٰا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّٰهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لٰا يَأْتُونَ الصَّلٰاةَ إِلّٰا وَ هُمْ كُسٰالىٰ وَ لٰا يُنْفِقُونَ إِلّٰا وَ هُمْ كٰارِهُونَ»، و للأخبار المستفيضة المتضمنة لاشتراط الايمان و بطلان عبادة المخالف و لا سيما الزكاة فضلا عن الكافر فراجع. «1» و للإجماع على ان الكافر لا يدخل الجنة و لو صحت عبادته لأثيب عليها.

أقول: تحقق الاجماع المعتبر غير واضح، و القربة و ان لا تحصل من منكر الصانع و لكن يمكن حصولها من الفرق المنتحلين بالاسلام كالنواصب و الغلاة بل من أهل الكتاب و غيرهم من المقرّين باللّه و بالشرائع أيضا،

و الآية تنفي القبول لا الصحة و لا سيما ان موردها المنافقون لا الكفار لقوله و لا يأتون الصلاة الّا و هم كسالى فيكون المراد بالكفر فيها مرتبة منها لا تنافي القربة و الصحة،

و الأخبار المتضمنة لاشتراط الايمان بعضها يدل على اشتراطه في القبول فلا ينافي الصحة بدونه و بعضها يدل على وجوب الرجوع الى الأئمة ليكون العمل بدلالتهم فيكون المفاد عدم الاطمينان بصحة العمل و وجدانه للشرائط بدون الرجوع اليهم لأنهم أبواب علم اللّه و علم النبي «ص» لا ان نفس الاقرار بولايتهم شرط لصحة العمل، هذا و لتحقيق هذه المسألة محل آخر سيأتي و اما الاجماع على عدم دخول الكافر الجنة فلا ينافي صحة أعماله و الثواب عليها في الدنيا فتدبر.

(2) في المنتهى: «لو أخذ الامام

الزكاة ثم أسلم سقطت عنه لأنه واجب أخرج على وجهه فلا يتعقب القضاء».

و في المسالك: «تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الامام او الساعي أخذ الزكاة منه قهرا فانه يشترط فيه بقاء النصاب فلو وجده قد أتلفه لم يضمّنه الزكاة و ان كان بتفريطه ... و ان وجده تاما أخذها كما يؤخذ من المسلم الممتنع من أدائها».

و مفروض بحث المسالك الكافر الأصلي و لكن عبارة المنتهى مرددة بين الأصلي و المرتد فراجع.

و كيف كان فيظهر منهما جواز أخذ الامام و الساعي الزكاة من الكافر قهرا عليه.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 131

و استدل لذلك بقوله- تعالى-: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ»، و بما تقدم من أخذ النبي «ص» الزكاة من يهود خيبر كما دلّ عليه صحيحة البزنطي و خبره «2» و بان في الزكاة حيثيتان: حيثية العبادية و حيثية حق الناس، و الحاكم الشرعي بولايته على الفقراء له استيفاء أموالهم و حقوقهم و مجرد عدم صحة الايتاء من الكافر و عدم مقربيته له لا يوجب تعذر استيفاء

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 132

..........

______________________________

حقوق الناس منه كما في المسلم الممتنع فيكون الحاكم وليا عليه في التعيين و الأخذ لا نائبا عنه في العمل العبادي فبعد الأخذ يسقط الوجوب بانتفاء موضوعه لا بامتثال النائب هذا.

و لكن الآية مساقها مساق قوله- تعالى-: «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» مع وضوح عدم صحة الصلاة منه و لا

الصلاة عنه، و أخذ النبي «ص» من يهود خيبر كان بجعلها على عهدتهم في عقد الجزية و جزء منها و مورد البحث أعم. و مقتضى اشتراط القربة و الايمان في الزكاة عدم صحتها و عدم وقوعها بدونهما فكيف تؤخذ منه بعنوان الزكاة و لذا قال في مصباح الفقيه بعد البحث عن ضمان الكافر للزكاة: «و لكن البحث عنه كالبحث عن وجوب اصل الزكاة على الكافر بعد الالتزام بسقوطها عنه بالاسلام قليل الفائدة. و ما يقال من ان ثمرة وجوبها تظهر لجواز القهر عليه كما في غيره من الممتنعين من أداء الزكاة، فهو لا يخلو من اشكال اما بالنسبة الى الذمّي و المعاهد فان كان أخذ الزكاة منهم داخلا فيما شرط عليهم فلا كلام فيه و الّا فالزامهم بدفعها أو أخذها منهم بمحض ثبوتها في شرع الإسلام مشكل لأنه ينافي تقريرهم على ما هم عليه لأن قضية ذلك عدم مزاحمتهم فيما يرونه ملكا لهم بسبب او نسب او معاملة فاسدة بل ترتيب أثر الملكية الصحيحة على ما يرونه في مذهبهم كما في ثمن الخمر و الخنزير و ميراث العصبة و الّا لكان وجوب اخراج الزكاة من أموالهم لدى انتقالها الى مسلم بهبة او بيع او ارث و نحوه من أظهر الثمرات و لكن الظاهر عدم التزام أحد بها و اما بالنسبة الى الحربي فانه و ان جاز أخذ أمواله جميعها منه قهرا و لكن الزامه بدفع الزكاة أو أخذ شي ء منه بهذا العنوان بحيث يترتب عليه أثره بأن يتعين صرفه الى مصرفها المعين فلا يخلو من اشكال فليتأمّل».

أقول: بعد اللتيا و التي لو قيل باشتراك الكفار للمسلمين في الفروع و تعلق الزكاة بأموالهم فالظاهر جواز تعيين

الامام إياها و أخذها من ماله بالنسبة الى الكافر الحربي نظير المسلم الممتنع و هذا لا ينافي جواز استنقاذ جميع ماله فان الزكاة لها مصرف خاص و الحاكم وليّ الممتنع بل يجب أخذها لوجوب حفظ حقوق المجتمع على الحكّام بل لو فرض عدم وجود الحاكم او عدم قدرته على تصدي الحكومة و شئونها وجب على عدول المؤمنين بل على فسّاقهم أيضا مع عدمهم فان الحكومة و شئونها من أوضح مصاديق الحسبة و هل يمكن الالتزام بعدم جواز تعطل التصرف في أموال اليتامى و القصر و الغيّب و جواز تعطل الحكومة و شئونها مع استلزامه الهرج و المرج و ضياع حقوق الأمة الاسلامية هذا بالنسبة الى الحربي.

و اما الذمي فالظاهر فيه هو التفصيل فان جعل الزكاة في عقد الذمة أخذت منه كما صنع رسول اللّه «ص» بأهل خيبر بل ربما تضاعف عليهم كما صنع بنصارى تغلب و الظاهر انها المراد أيضا من الخمس الذي يؤخذ من الذمّي المشتري لأرض المسلم فليس المراد منه الخمس المصطلح و لا خمس الرقبة بل تضعيف الزكاة المأخوذة من الأراضي العشرية فراجع ما حررناه في كتاب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 133

..........

______________________________

الخمس «1». و اما اذا لم تجعل الزكاة شرطا في عقد الجزية فلا يؤخذ غير الجزية المجعولة على ما نطقت به الأخبار المستفيضة و أفتى به القدماء من أصحابنا بحيث يظهر ان المسألة كانت واضحة عندهم فراجع أخبار المسألة.

ففي صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم أما عليهم في ذلك شي ء موظّف؟ فقال: كان عليهم ما اجازوا على

أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية ان شاء الامام وضع ذلك على رءوسهم، و ليس على أموالهم شي ء، و ان شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي ء، فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: انما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه «ص» «2».

و الظاهر ان المراد بالخمس في الحديث هو ما أشرنا اليه من تضعيف العشر فهو زكاة حقيقة و لكنها جعلت بعنوان الجزية و يشهد لذلك ما رواه الصدوق قال: قال الرضا- عليه السلام-: ان بني تغلب أنفوا من الجزية و سألوا عمر ان يعفيهم فخشى ان يلحقوا بالروم فصالحهم على ان صرف ذلك عن رءوسهم و ضاعف عليهم الصدقة فعليهم ما صالحوا عليه و رضوا به الى أن يظهر الحق «3».

و كيف كان فالصحيحة تدل على أن ليس للإمام اكثر من الجزية فليس له ان يأخذ منهم الزكاة اذا لم تذكر في عقد الذمة.

و نحوها صحيحته الأخرى قال: سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم و أموالهم؟ قال: الخراج، و ان أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على ارضهم، و ان أخذ من ارضهم فلا سبيل على رءوسهم «4».

فالامام- عليه السلام- حصر حقن دمائهم و أموالهم في أخذ الجزية و صرّح بأنها ان أخذت من رءوسهم فلا سبيل على ارضهم و مقتضى ذلك عدم جواز مطالبة الزكاة منهم.

و أظهر من ذلك صحيحته الثالثة عن أبي جعفر «ع» في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شي ء سوى الجزية؟ قال: لا «5». اذ الظاهر ان المسؤول عنه هو أخذ الزكاة زائدا على الجزية.

و نحوها خبره عنه- عليه السلام- المروي عن المقنعة قال: اذا أخذت الجزية من أهل الكتاب

______________________________

(1)- كتاب

الخمس و الأنفال (المطبوع) ص 135.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 6.

(4)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

(5)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

فليس على أموالهم و مواشيهم شي ء بعدها «1».

فهذه أربعة أخبار من محمد بن مسلم ثلاثة منها صحاح تدل على عدم جواز مطالبة ما سوى الجزية من أهل الذمة.

و يشهد لذلك أيضا ما دلّ على سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين بالنسبة اليهم حيث لا يوجد فيها تعرض لمطالبة الزكاة منهم سوى الجزية.

فعن أبي الفتوح في تفسيره في قصة المباهلة: «فامر رسول اللّه «ص» ان يكتب لهم كتاب الصلح بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول اللّه لنجران و حاشيتها في كل صفراء و بيضاء و ثمرة و رقيق لا يؤخذ منهم غير ألفي حلّة».

و ظاهر ان المراد بالصفراء و البيضاء الذهب و الفضة و الثمرة تشمل التمر و العنب.

و عن مصعب بن يزيد الانصاري قال: استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» على أربعة رساتيق المدائن: البهقباذات، و نهر سير (شير خ ل) و نهر جوير، و نهر الملك، و أمرني ان اضع على كل جريب زرع غليظ درهما و نصفا، و على كل جريب وسط درهما، و على كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، و على كل جريب كرم عشرة دراهم، و على كل جريب نخل عشرة دراهم، و على كل جريب البساتين التي تجمع النخل و الشجر عشرة دراهم ... «2». بل لا تجد

في كتب علي- عليه السلام- الى عمّاله و في شرائط الذمة المذكورة في الأخبار و الفتاوى اسما من أخذ الزكاة منهم فهذه هي أخبار المسألة فلنذكر بعض الفتاوى.

ففي المقنعة: «ففرض اللّه سبحانه على نبيه أخذ الجزية من كفار أهل الكتاب و فرض ذلك على الأئمة من بعده اذ كانوا هم القائمين بالحدود مقامه و المخاطبين في الأحكام بما خوطب به و جعلها حقنا لدمائهم و منعا من استرقاقهم و وقاية لما عداها من أموالهم».

و في باب الجزية من النهاية: «و من وجبت عليه الجزية فالامام مخير بين أن يضعها على رءوسهم او على ارضيهم فان وضعها على رءوسهم فليس له أن يأخذ من ارضيهم شيئا و ان وضعها على ارضيهم فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا». و نحوه ذلك في السرائر أيضا.

و في باب أحكام الارضين من النهاية: «الضرب الثالث من الارضين كل ارض صالح أهلها عليها و هي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الامام عليه من النصف او الثلث او الربع و ليس عليهم غير ذلك». و نحو ذلك في المبسوط و السرائر أيضا.

و في زكاة الغلات من المبسوط: «اذا باع الثمرة قبل بدوّ صلاحها من ذمّي سقط زكاتها فاذا

______________________________

(1)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 11 الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 135

[هل يضمنها اذا أتلفها؟]

و لو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه (1).

______________________________

بدا صلاحها في ملك الذمّي لا يؤخذ منه الزكاة لأنه ليس ممن يؤخذ من ماله الزكاة فان اشتراها من الذمّي بعد ذلك لم يجب عليه الزكاة لأنه دخل وقت وجوب الزكاة و هو في ملك

غيره».

و في كتاب الجزايا من المبسوط، أواخر فصل حكم البيع و الكنائس «و اما نصارى تغلب و هم تنوخ و نهر و تغلب ... و ينبغي ان تؤخذ منهم الجزية و لا تؤخذ منهم الزكاة لأن الزكاة لا تؤخذ الّا من مسلم».

و في أم الشافعي: «و لو أقام (المرتد) في ردّته زمانا كان كما وصفت ان رجع الى الإسلام أخذت منه صدقة ماله و ليس كالذمّي الممنوع المال بالجزية و لا المحارب و لا المشرك غير الذمّي الذي لم تجب في ماله زكاة قط «1».

و قد أطلنا المسألة ليظهر لك ان عدم جواز مطالبة غير الجزية كان أمرا واضحا بحسب الأخبار و الفتاوى و العمل و السيرة.

لا يقال: ان الأخبار بصدد بيان انه لا يجوز أخذ الزائد على المجعول جزية بعنوان الجزية فلا تنافي أخذ الزكاة منه ألا ترى انه لو قتل أحدا أو أتلف ماله أو جنى جناية يؤخذ منه الدية و البدل قطعا.

فانه يقال: ما ذكرت خلاف ظاهر الأخبار و صريح بعض الفتاوى و النقض غير وارد فان الديات و أروش الجنايات ليست مما أسّسها الشرع بل هي حقوق عقلائية ثابتة على كل أحد دان بدين أم لا بخلاف الزكوات و الأخماس.

فتلخص مما ذكرنا بعد الجزم بثبوت الزكاة في مال الكفار على ما تقدم جواز استنقاذ الامام او السّاعي بل و عدول المؤمنين أيضا إياها من مال الحربي بعنوان الزكاة و كذا من مال الذمي بجعلها من شرائط الذمة و جزءا من الجزية و أما بعد جعل الجزية و عدم ذكرها في عقدها فلا تؤخذ منه.

و بما ذكرنا يظهر الاشكال في تعميم المصباح للمناقشة بالنسبة الى الحربي أيضا و كذا فيما يرى في

بعض الكلمات من عدم كون ما جعله النبي «ص» على يهود خيبر من باب الزكاة مع ظهور لفظ العشر و نصف العشر في خصوص الزكاة و لا سيما بعد ذكرهما في عرض قبالة الأرض كما في خبر البزنطي حيث قال: «و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم». اللهم الّا ان ينكر ارتباط هذه الجملة بعمل رسول اللّه «ص» في خيبر كما هو المحتمل فراجع.

(1) لقاعدة الضمان بالاتلاف لكن المحكى عن جماعة عدم الضمان بل نسب الى

______________________________

(1)- أم الشافعي ج 2 باب من تجب عليه الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

المشهور. فالاولى نقل بعض الكلمات:

ففي النهاية: «قسم منهم اذا لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة كان ثابتا في ذمّتهم و هم جميع من كان على ظاهر الإسلام و الباقون هم الذين متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة لم يلزمهم قضائه و هم جميع من خالف الإسلام فان الزكاة و ان كانت واجبة عليهم بشرط الإسلام و لم يخرجوها لكفر هم فمتى اسلموا لم يلزمهم اعادتها».

و في المبسوط: «فاما شرائط الضمان فاثنان: الإسلام و امكان الأداء لأن الكافر و ان وجبت عليه الزكاة لكونه مخاطبا بالعبادات فلا يلزمه ضمانها اذا أسلم».

و في الشرائع بعد ذكر وجوب الزكاة على الكافر: «فاذا تلفت لا يجب عليه ضمانها و ان أهمل». و فصّل في المسلم بين المفرّط و غيره.

و في القواعد: «و لو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان».

و في الارشاد: «و شرط الضمان الإسلام و امكان الأداء فلو تلفت بعد الوجوب و امكان الأداء ضمن المسلم لا الكافر».

و قد مرّ في عبارة المسالك في الفرع السابق: «فلو وجده قد

اتلفه لم يضمّنه الزكاة و ان كان بتفريطه».

أقول: قد ذكر في محله ان أسباب الضمان ثلاثة: الاتلاف بالمباشرة و الاتلاف بالتسبيب و اليد اذا لم تكن أمينة.

و الأصل يقتضي عدم الفرق في الضمان بين الكافر و المسلم لعموم قاعدة الاتلاف و قاعدة اليد.

و لكنّك ترى الأعلام انهم فرّقوا بين المسلم و الكافر في المقام.

و استدل على عدم ضمان الكافر بأنه غير متمكن من الأداء و لا يكون التلف مع عدم التمكن مقتضيا للضمان.

و فيه مع عدم جريانه في الاتلاف ان عدم تمكنه من الأداء مسبّب عن سوء اختياره الكفر و البقاء عليه و كما لا يمنع الكفر عن تكليفه لا يمنع عن ضمانه فوجب الحكم بضمانه في الاتلاف و كذا في التلف مع التأخير كما في المسلم نعم لو أسلم سقطت عنه لقاعدة الجبّ الآتية، فالفارق بين المسلم و الكافر ان أراد الفرق بين المسلم و بين الكافر بعد ما أسلم كما هو صريح عبارتي النهاية و المبسوط سلّمنا ذلك و هو في الحقيقة بيان مسألة الجبّ الآتية. و ان أراد الفرق بينهما مع بقائه على الكفر منعناه و فائدة ضمانه جواز مطالبة الامام البدل مع الاتلاف او التلف ان قلنا بجواز مطالبته كما أفتى به المصنف.

و بذلك يظهر الاشكال على المسالك بل على الشرائع و القواعد و الارشاد أيضا ان أرادوا بعدم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 137

[هل تسقط منه بالاسلام؟]

[مسألة 17]: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه (1) و ان كانت العين موجودة، فان الإسلام يجبّ ما قبله.

______________________________

ضمانه عدم الضمان في حال الكفر و كذا على المصنف حيث يظهر منه التفصيل بين الاتلاف و التلف اذ خصّ الضمان بالاتلاف فقط

مع عدم الفرق بين الاتلاف و التلف لا في حال الكفر و لا بعد الإسلام كما بيّنّاه فتدبر جيدا.

(1) على المشهور كما قيل بل في الجواهر: «لم نجد فيه خلافا و لا توقفا قبل الأردبيلي و الخراساني و سيد المدارك».

و في شرح الارشاد للأردبيلي: «كأنه للإجماع و النص مثل الإسلام يجبّ ما قبله».

و في مفتاح الكرامة «نصّ عليه المفيد في كتاب الاشراف و الشيخ و ابن ادريس و كذا ابن حمزة و سائر المتأخرين و ما وجدنا من خالف او توقف قبل صاحب المدارك و صاحب الذخيرة ...

بل في المعتبر و التذكرة و كشف الالتباس و المسالك انها تسقط عنه بالاسلام و ان كان النصاب موجودا».

و استدل على المسألة بوجوه: الأول: الاجماع المدّعى.

الثاني: قوله- تعالى- في سورة الانفال: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ».

الثالث: ما في الجواهر من امكان القطع به بملاحظة معلومية عدم أمر النبي «ص» لأحد ممن تجدّد اسلامه من أهل البادية و غيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية، بل ربما كان ذلك منفّرا لهم عن الإسلام كما انه لو كان شي ء منه لذاع و شاع، كيف و الشائع عند الخواص فضلا عن العوام خلافه.

الرابع: حديث الجبّ المشهور.

أقول: اما الاجماع فيرد عليه مضافا الى عدم كون المسألة من المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين و لذا لم تذكر في المقنعة و المقنع و الهداية و نحوها بل هي من المسائل التفريعية و ليس الاجماع حجة في مثلها، عدم حجيته مع احتمال كون مدرك المجمعين الآية الشريفة و حديث الجبّ.

و اما ما في الجواهر ففيه ان أكثر الوفود المقبلة الى الإسلام اقبلوا اليه في أوائل الهجرة و اواسطها و آية الزكاة

نزلت في السنين الأخيرة من عمر النبي «ص» و لو سلّم فطلبها كان في السنة الأخيرة، اللهم الّا أن يضمّ الى كلامه عدم مطالبتها ممن تجدد اسلامه في عصر الخلفاء و عصر أمير المؤمنين- عليه السلام- أيضا فتأمّل فتبقى الآية و الحديث. و اللازم أولا البحث عن سند الحديث ثم عن دلالته و مفاده.

فنقول: في النهاية في لغة جبب «و منه الحديث: ان الإسلام يجبّ ما قبله و التوبة تجبّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 138

..........

______________________________

ما قبلها أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذنوب».

و مثله في لسان العرب في لغة جبب و قوله: «من الكفر و المعاصي» بنحو اللف و النشر المرتب كما لا يخفى.

و في مجمع البحرين في لغة جبب «في الحديث: الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجبّ ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب».

و الظاهر ان قوله: «من الكفر ...» ليس من الحديث بل هو تفسير منه مأخوذ من تفسير النهاية كما لا يخفى على أهل الفنّ اذ لا تجد هذا الذيل في نقل سوى ما في تفسير النهاية و اللسان.

و في تفسير علي بن ابراهيم في ذيل قوله- تعالى- في سورة بني اسرائيل: (وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) ما حاصله: «انها نزلت في عبد اللّه بن أبي امية أخي أم سلمة و ذلك انه قال هذا لرسول اللّه «ص» فلما فتح مكة استقبل ابن أبي امية فسلّم على رسول اللّه «ص» فأعرض عنه فدخل الى أم سلمة و قال ان رسول اللّه قبل الإسلام الناس و ردّ اسلامي فذكرت أم سلمة ذلك لرسول اللّه فقال: ان أخاك

كذّبني تكذيبا لم يكذبني أحد من الناس هو الذي قال لي: لن نؤمن لك الآيات، فقالت يا رسول اللّه أ لم تقل: ان الإسلام يجبّ ما كان قبله قال نعم فقبل رسول اللّه اسلامه» «1».

و في أواخر شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة عن أبي الفرج الاصفهاني ذكر قصة اسلام المغيرة بن شعبة و انه وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر فلما رجعوا جعلهم المغيرة سكارى ثم قتلهم و أخذ أموالهم و فرّ الى المدينة مسلما و عرض خمس أموالهم على النبي «ص» فلم يقبله و قال هذا غدر و الغدر لا خير فيه فخاف المغيرة على نفسه فقال «ص»: «الإسلام يجبّ ما قبله».

و في صلاة القضاء من المستمسك: «في السيرة الحلبية: ان عثمان شفع في أخيه ابن أبي سرح قال «ص»: اما بايعته و آمنته؟ قال: بلى و لكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح و يستحي، قال «ص»: الإسلام يجبّ ما قبله و في تاريخ الخميس و السيرة الحلبية و الاصابة لابن حجر في اسلام هبار قال: يا هبار الإسلام يجبّ ما قبله و نحوه في الجامع الصغير للسيوطي في حرف الألف، و في كنوز الحقائق للمناوي عن الطبراني في حرف الألف: الإسلام يجبّ ما قبله و الهجرة تجبّ ما قبلها».

و في حاشية المستمسك: «في السيرة الحلبية في آخر غزوة وادي القرى: ان خالد بن الوليد و عمر و بن العاص و عثمان بن طلحة جاؤوا الى النبي «ص» مسلمين و طلبوا منه أن يغفر اللّه لهم

______________________________

(1)- تفسير القمي ج 2 ص 26.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 139

..........

______________________________

فقال لهم «ص»: ان الإسلام يجبّ ما كان قبله».

أقول:

و نحو ذلك في الجزء الرابع من طبقات ابن سعد في شرح حال خالد بن الوليد. و روى هذه الجملة أيضا في أسد الغابة في اسلام هبار و في كنز العمال «الإسلام يجبّ ما كان قبله (ابن سعد عن الزبير و عن جبير بن مطعم) و فيه أيضا عن الطبراني عن ابن عمر: «ان الإسلام يجبّ ما كان قبله و الهجرة تجبّ ما كان قبلها» «1».

هذا و لكن في صحيح مسلم عن عمر و بن العاص قال: «فلما جعل اللّه الإسلام في قلبي أتيت النبي «ص» فقلت: أبسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال: فقبضت يدي قال: مالك يا عمرو قال: فقلت: أردت ان اشترط قال: تشترط بما ذا؟ قلت ان يغفر لي قال: اما علمت ان الإسلام يهدم ما كان قبله و ان الهجرة تهدم ما كان قبلها و ان الحج يهدم ما كان قبله» «2».

و في الدر المنثور: «اخرج ابن احمد و مسلم عن عمرو بن العاص» و ذكر نحو ذلك «3».

و في كنز العمال عن مسلم عن عمرو بن العاص: «اما علمت ان الإسلام يهدم ما كان قبله و ان الهجرة تهدم ما كان قبلها و ان الحج يهدم ما كان قبله» «4».

و في المستمسك عن مناقب ابن اشوب آشوب، في من طلق زوجته في الشرك تطليقة و في الإسلام تطليقتين: «قال علي- عليه السلام-: هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة».

فهذا ما عثرت عليه عاجلا من مواضع ذكر الحديث و الظاهر انه متواتر اجمالا بمعنى انه يحصل العلم اجمالا بصدور هذا المضمون عن النبي «ص» و لو في ضمن قصة من تلك القصص الكثيرة.

و انه ليس جميع هذه القصص كاذبة بأن

تواطئ الأشخاص على جعل هذا المضمون في ضمن القصص المختلفة.

و يظهر من بعض رواياتنا أيضا وضوح هذا المضمون في عصر الأئمة- عليهم السلام- و امضائهم له فروى الشيخ بسند صحيح عن جعفر بن رزق اللّه قال: قدم الى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال يحيى بن اكثم: قد هدم ايمانه شركه و فعله و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا فأمر المتوكل بالكتاب الى أبي الحسن الثالث- عليه السلام- و سؤاله عن ذلك فلما قدم الكتاب كتب أبو الحسن «ع»: يضرب حتى يموت فانكر يحيى بن اكثم و انكر فقهاء العسكر ذلك و قالوا يا أمير المؤمنين سله عن هذا فانه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجى ء به السنة فكتب ان فقهاء

______________________________

(1)- كنز العمال ج 1، الحديث 243 و 297.

(2)- صحيح مسلم ج 1، باب ان الإسلام يهدم ما قبله.

(3)- الدر المنثور ج 3 في ذيل قوله تعالى «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ...».

(4)- كنز العمال ج 1، الحديث 247.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 140

..........

______________________________

المسلمين قد انكروا هذا و قالوا: لم تجى ء به سنة و لم ينطق به كتاب فبيّن لنا بما اوجبت عليه الضرب حتى يموت فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ. قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات «1».

و جعفر بن رزق اللّه لم يذكر بمدح و لا بقدح الّا ان يورث نقل محمد بن أحمد

بن يحيى عنه نحو اعتماد عليه.

فيظهر من الحديث ان هدم الإسلام لما قبله كان بحدّ من الوضوح يعرفه النصراني أيضا و لذا أسلم بقصد الفرار من الحد و الامام- عليه السلام- أيضا لم ينف هذا المعنى بل كأنه أمضى أصله كما أثبته الفقهاء و إنّما أشار الى نكتة دقيقة مستنبطة من كلام اللّه العزيز و هو ان الايمان المفيد الهادم لما قبله هو الايمان الصحيح لا ما حصل بقصد الفرار عن البأس فانه غير نافع.

و روى الكليني بسند صحيح عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر «ع» في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم، قال: أقتله به الحديث «2» و يظهر الاستدلال به مما سبق.

و في الدعائم في صلاة الجمعة: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عن علي «ع» ان رسول اللّه «ص» قال: أربعة يستأنفون العمل: المريض اذا برئ و المشرك اذا أسلم و المنصرف من الجمعة ايمانا و احتسابا و الحاج اذا قضى حجه «3».

و بالجملة فالتشكيك في اصل صدور مضمون الحديث بل في اصل الحكم كما في المدارك بلا وجه.

قال فيها: «و قد نص المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه على ان الزكاة تسقط عن الكافر بالاسلام و ان كان النصاب موجودا لقوله «ص»: الإسلام يجبّ ما قبله. و يجب التوقف في هذا الحكم لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا و متنا و لما روي في عدة أخبار صحيحة من أن المخالف اذا استبصر لا يجب عليه اعادة شي ء من العبادات التي اوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة فانه لا بدّ ان يؤديها و مع ثبوت هذا الفرق في المخالف فيمكن اجرائه في الكافر، و بالجملة فالوجوب على

الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة الى أن يحصل الامتثال او يقوم على السقوط بالاسلام دليل يعتدّ به، على أنه ربما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر كما في قضاء العبادات لامتناع أدائها في حال الكفر و سقوطها بالاسلام الّا ان يقال ان متعلق

______________________________

(1)- الوسائل ج 18 الباب 36 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 19 الباب 49 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(3)- الدعائم ج 1، صلاة الجمعة ص 179.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

الوجوب ايصالها الى الساعي و ما في معناه في حال الكفر و ينبغي تأمل في ذلك».

أقول: فيه مضافا الى ما مرّ من العلم بصدور الحديث اجمالا ان الحديث هو مضمون قوله- تعالى-: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ» فالواجب هو البحث عن الدلالة و عن مقدارها.

و ما في المستمسك من التشكيك في الدلالة على فرض كون المتن ما في مجمع البحرين اذ مفاده حينئذ رفع نفس الكفر و المعاصي و الذنوب.

فيرد عليه أولا ما أشرنا اليه من أن الظاهر عدم كون الذيل جزءا من الحديث بل هو تفسير منه مأخوذ من تفسير النهاية و اللسان مذكور بنحو اللف و النشر فقوله من الكفر متعلق بالجملة الأولى و قوله من المعاصي و الذنوب متعلق بالجملة الثانية.

و ثانيا ان جبّ الإسلام لنفس الكفر و رفعه له أمر واضح لا يتصدى المعصوم لبيانه فلا محالة يراد رفع ما ثبت حال الكفر باعتبار آثاره فلا يضر الذيل بالاستدلال.

و ملخص الكلام ان المحتملات في الحديث ثلاثة:

الأول: ان يراد به ان الإسلام يرفع الكفر.

الثاني: ان يراد ان الإسلام يرفع آثار الكفر و أحكامه أي الأحكام الشرعية

التي موضوعها عنوان الكفر كنجاسة البدن و مهدورية الدم و المال مثلا.

الثالث: ان يراد به رفع ما تحقق في حال الكفر من ترك الواجبات و فعل المحرمات باعتبار الآثار و التبعات المتفرعة عليهما كترك الصلاة المستتبع للقضاء و شرب الخمر المستتبع للحد مثلا فيراد بالحديث ان الخطيئة الكبيرة أعني الكفر لما كانت منشأ لسائر الخطايا من ترك الواجبات و فعل المحرمات خارجا اذا ارتفعت هذه الخطيئة بسبب الإسلام صار الإسلام كفارة لسائر الخطايا المتحققة بسببها فترتفع تبعاتها أيضا كقضاء الصلاة و حدّ شرب الخمر مثلا فهو بوجه نظير قول الامام الصادق- عليه السلام- لسليمان بن خالد حينما قال سليمان: اني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي. قال «ع»: «لا تفعل فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة». قال الشهيد: يعني ما تركت من شرائطها و أفعالها «1».

هذا و لا يخفى بطلان الاحتمال الأول لأنه يساوق توضيح الواضحات بل و كذا الثاني لوضوح ارتفاع الأحكام بارتفاع موضوعاتها مضافا الى عدم تناسب ذلك لموارد صدور الحديث من قصص المغيرة و خالد و ابن العاص و ابن أبي سرح و غيرهم فيتعين الثالث و مقتضاه ان اسلام الكافر يصير

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 142

..........

______________________________

كفارة لما صدر عنه في حال كفره و بسبب كفره من ترك الواجبات و فعل المحرمات و يصير هو كأنه لم يصدر عنه ذلك فلا تترتب آثار ذلك و تبعاته فهذا اجمالا مما لا ريب فيه.

و لكن استشكل عليه كما في المستمسك بوجوه:

الأول: انه وارد مورد الامتنان المنافي لشموله

للمقام لأنه خلاف الامتنان بالنسبة الى الفقراء.

الثاني: ان ظاهر الحديث جبّ حال الكفر عن حال الإسلام فيختص بما لو كان ثابتا حال الإسلام لاستند الى ما ثبت حال الكفر كالتكليف بقضاء العبادات حال الإسلام فانه لو ثبت كان مستندا الى الفوت حال الكفر فلا يجري في مثل الزكاة لأن حول الحول مثلا على العين الزكوية يوجب حدوث حق للفقراء و اذا حدث يبقى باستعداد ذاته فاذا أسلم يجب عليه الزكاة للحق الباقي فعلا لا للحادث قبلا نظير ما اذا أجنب أو تنجس بدنه فان الجنابة و النجاسة أمران باقيان باستعداد ذاتهما و بعد الإسلام يؤمر بالغسل و الغسل للجنابة و النجاسة الفعليّتين لا لما قبل الإسلام و كذا اذا أسلم بعد الزوال مع بقاء الوقت فانه يؤمر بالصلاة للوقت الباقي لا للزوال السابق. و دعوى ان حق الفقراء ناشئ من الأمر التكليفي بأداء الزكاة المستند الى حولان الحول حال الكفر فبالحديث ينفى الأمر المذكور فينتفي الحق أيضا بانتفاء منشأه، ممنوعة جدّا اذ الأمر بالعكس و ان الأمر بالايتاء متفرع على ثبوت الحق في الرتبة السابقة فالامر بايتاء الزكاة نظير ادفع مال زيد اليه لا من قبيل ادفع مالك الى زيد كيف و الأمر بايتاء الانسان ماله الى غيره لا يقتضي بوجه ثبوت حق للغير في ماله و التعبير بأموالهم في قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» من جهة ان أصلها من أموالهم او لأنها قبل الدفع لم تتعين زكاة.

الثالث: ان البناء على عموم الحديث يوجب تخصيص الأكثر اذ لا ريب في بقاء عقوده و ايقاعاته و ما عليه من الديون و نحوها.

هذا و أجاب في المستمسك عن الأول بأن الامتنان بالنسبة الى المسلم نفسه فلا

مانع من كونه خلاف الامتنان بالاضافة الى غيره.

و الأولى أن يجاب بأن الامتنان في الحديث على فرض اعتباره أخذ حكمة لا علة فالحكم عامّ مضافا الى أن الزكاة ليست ملكا للفقراء و انما هي مالية مجعولة في الإسلام و الفقراء من مصارفها.

و أجاب عن الثاني بأن الملكية لما كانت من الأمور الاعتبارية المحضة كان بقائها أيضا مستندا الى ملاحظة منشأ الاعتبار كحدوثها فما لم يلحظ منشأ الاعتبار في كل آن لا يصح اعتبارها و لذا كان الفسخ واردا على العقد و موجبا لارتفاع الأثر لا انه وارد على نفس الأثر فوزان الملكية و حولان الحول وزان وجوب القضاء و الفوت و مقتضى ذلك عدم تأثير حولان الحول الحاصل قبل الإسلام في ملكية الفقراء بعده.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 143

..........

______________________________

نعم يتم الاشكال في مثل النجاسة و الحدث فانهما و ان كانتا اعتباريتين و لكن منشأ اعتبارهما نفس الأثر الخارجي الباقي باستعداد ذاته الى ما بعد الإسلام.

و عن الثالث بانصراف الحديث الى ما كان وقوعه قبل الإسلام مستندا الى عدم الإسلام كترك الواجب و الحرام فيصير الإسلام كفارة له فلا يشمل مثل العقود و الايقاعات التي يشترك فيها المسلم و غيره. هذا.

و التحقيق ان يقال ان الأحكام الشرعية على خمسة أقسام:

الأول: الأحكام العقلائية الثابتة عند الناس بما هم عقلاء و ان لم يلتزموا بشريعة غاية الأمر امضاء الشارع لها و تحديدها و ردعه عن بعض مصاديقها كالعقود و الايقاعات و الضمانات.

الثاني: الأحكام التكليفية التي أتى بها الإسلام و تكون أحكاما تكليفية محضة غير مستعقبة لأثر شرعي كوجوب ردّ السلام و حرمة الكذب مثلا.

الثالث: الأحكام التكليفية المستعقبة لآثار شرعية كوجوب الصلاة المستعقب للقضاء و حرمة الخمر المستعقب

للحد الشرعي.

الرابع: الأحكام الوضعية الاعتبارية المحضة المستعقبة للآثار الشرعية كملكية الفقراء للزكاة المستعقبة لوجوب الأداء و الضمان مع الاتلاف او التلف في بعض الموارد.

الخامس: الأحكام الوضعية الكاشفة عن نحو ثبوت خاصية خارجية كالنجاسة و الجنابة الكاشفتين عن ثبوت نحو قذارة خارجية جسمية او روحية مثلا مع كونها مستعقبة لآثار شرعية كوجوب الغسل او الغسل او حرمة دخول المسجد او عدم صحة الصلاة و نحو ذلك.

اما القسم الأول فربما ينسبق الى الذهن عدم جبّ الإسلام لها اذ الظاهر من الحديث جبّ الإسلام للتخلّفات المستندة الى الكفر و عدم الاعتقاد بالاسلام و الأحكام العقلائية الدارجة بين الناس لا ربط لها بالكفر و الإسلام.

و لكن ربما يخطر بالبال الاشكال في ذلك بالنقض بموارد ذكر الحديث فان المغيرة قتل ثلاث عشرة نسمة و أخذ أموالهم و خالد بن الوليد قتل عدّة من المسلمين في الحروب كغزوة أحد مثلا.

و القصاص او الدية و كذا تضمين الأموال من الأحكام العقلائية و مورد نقل المناقب من طلق زوجته تطليقة في الشرك و تطليقتين في الإسلام و فيه قال علي- عليه السلام- «هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة» مع ان النكاح و الطلاق من الأمور الدارجة بين العقلاء بما هم عقلاء.

اللهم الّا ان يقال ان من قتلهم المغيرة كانوا مهدوري الدم و المال بكفرهم فلذا لم يضمّنه النبي «ص» و قتل خالد للمسلمين كان في القتال و الدفاع عن عقيدته و كيانه بحسب وضعه و لم يكن مثل هذا باطلا موجبا للضمان عند الناس بل بحسب موازين الإسلام فيشمله حديث

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

الجبّ قهرا و كذا الطلاق و ان كان دارجا عند الناس و لكن ايجابه

للحرمة الأبدية في المرتبة الثالثة لعله كان مما شرّعه الإسلام فتأمّل.

و الذي يسهّل الخطب عدم ثبوت كل مورد من موارد الحديث بنحو يكون حجة شرعية و انما الذي ادعيناه هو التواتر الإجمالي بمعنى العلم بعدم كذب الجميع و انه ثبت واحد منها اجمالا.

و القسم الثاني من الأحكام مشمول للحديث جزما و كذا القسم الثالث بلحاظ الآثار المترتبة عليه فلا يثبت بعد الإسلام القضاء و لا الحدّ لترك الصلاة و شرب الخمر في حال الكفر كما لا يشمل القسم الخامس قطعا بعد فرض خارجية النجاسة و الجنابة و بقائهما الى حال الإسلام و لكن الفرض قابل للمنع.

و اما القسم الرابع كملكية الفقراء للزكاة فمع اتلافها او تلفها في حال الكفر يرفع الحديث ضمانها بلا اشكال و اما مع بقاء النصاب و العين ففيه شائبة اشكال من أن الملكية بعد ثبوتها باقية باستعدادها الذاتي فوجوب الأداء بعد الإسلام اثر للملكية الباقية الفعلية و من ان الملكية من آثار حولان الحول في حال الكفر و الإسلام يقطع حال الإسلام عن حال الكفر فكأن حولان الحول لم يقع من أصله و كأنه صار بعد الإسلام مالكا لهذا المال و لذا قال في المعتبر «و يستأنف لماله الحول عند اسلامه». و في القواعد: «و يستأنف الحول حين الإسلام» و مثله في التذكرة.

نعم في الجواهر عن نهاية الاحكام: «لو أسلم قبل الحول بلحظة وجبت الزكاة و لو كان الإسلام بعد الحول و لو بلحظة فلا زكاة» و الظاهر هو سقوط ما تعلق سابقا.

قال في مصباح الفقيه: «فان مثل الزكاة و الخمس و الكفارات و أشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقن منها كما يؤيد ذلك بل يدل على أصل

المدعى قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي و الأئمة القائمين مقامه على عدم مؤاخذة من دخل في الإسلام بشي ء من هذه الحقوق بالنسبة الى الأزمنة السابقة».

و اما استيناف الحول و عدم احتساب الشهور السابقة ففيه اشكال فان الملكية للنصاب متحققة و انقضاء الشهور على النصاب أمر تكويني متحقق فلم لا تتعلق الزكاة بعد ما حال الحول حين الإسلام؟ فالظاهر صحة ما في نهاية الأحكام فتدبّر.

هذا و قد عرفت ان جبّ الإسلام لما قبله كان أمرا متسالما عليه الى عصر صاحب المدارك فأنكره هو و صاحبا الذخيرة و المستند.

و ما ذكره صاحب المدارك وجها لعدم سقوط الزكاة بعد تضعيف الحديث سندا و متنا يرجع الى وجوه ثلاث:

الأول: قياس الكافر على المخالف اذا استبصر حيث وردت الأخبار بصحة أعماله الّا الزكاة. الثاني: الاستصحاب. الثالث: انه يلزم من الحكم بالسقوط عدم صحة تكليفة لامتناع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 145

[اذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب]

مسألة 18: اذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلّق الزكاة وجب عليه اخراجها (1).

______________________________

امتثاله حال الكفر و سقوطه بالاسلام.

هذا و قد عرفت امكان ان يدعى تواتر الحديث اجمالا و كذا مفاده و دلالته، و القياس باطل و الأولوية ممنوعة، و الاستصحاب لا يجري مع الدليل، و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار و المدار في صحة التكليف تمكن المكلف و لو بترتيب مقدماته من قبل و الكافر كان متمكنا حال بلوغه من الإسلام و اتيان ما جاء به النبي و منه الزكاة. و عدم امكان العبث او الزجر الفعلي لا ينافي وقوع الترك او الفعل مبغوضا عليه كما في الحركات الخروجية في الدار المغصوبة لمن توسطها بسوء اختياره.

بقي هنا شي ء و هو ان يقال ان جبّ الإسلام

لما قبله وقع في سياق جبّ التوبة لما قبلها و هدم الحج لما قبله و نحو ذلك و واضح ان الحج او التوبة لا تجب مثل الزكاة و نحوها من الحقوق الواجبة.

و فيه ان عدم الأخذ بظاهر الدليل في بعض الموارد بدليل لا يوجب رفع اليد عن ظاهر غيره فاللازم الحكم بجبّ الإسلام لجميع التخلفات المتحققة حال الكفر الّا لما ثبت بالدليل عدم جبّه له فتدبر.

و قد طال البحث عن المسألة فأرجو العفو من القرّاء الكرام و ألتمس منهم الدعاء

التقييد بتمام النصاب وقع على ما اختاره المصنف في باب تعلق الزكاة من كونه من قبيل الكلي في المعين و الّا فعلى الاشاعة لا فرق بين اشتراء تمام النصاب و بعضه. و الظاهر عدم الفرق بين جميع أقسام الانتقال من البيع و الصلح و الهبة و الارث و غير ذلك.

و يستدل على الحكم مضافا الى كونه على طبق القاعدة بعد شركة الفقراء في العين او كونها متعلقا لحقهم بصحيحة عبد الرحمن البصري قال قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك إبله او شاته عامين فباعها على من اشتراها ان يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع او يؤدي زكاتها البائع «1».

هذا و لكن المسألة محل تأمل اذ لم يكن بناء النبي «ص» و الأئمة- عليهم السلام- و لا الخلفاء اخراج الزكاة من غنائم الكفار بعد جمعها بل بنائهم و بناء المسلمين في جميع الأعصار كان على ترتيب حكم الملكية على ما ينتقل اليهم من الكفار و الزامهم بما الزموا به أنفسهم و التزموا به و قد ورد الحكم بجواز أخذ ما ملكوه في مقابل الخمر و الخنزير بعنوان الجزية.

ففي

صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن صدقات أهل الذمة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم. قال: عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 146

..........

______________________________

لحم الخنزير او خمر فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم. و نحوها خبره المروي عن المقنعة «1».

فيظهر من ذلك ان البناء كان على الحكم بملكيتهم لما يعتقدون مالكيتهم له على حسب ضوابطهم كيف و الّا عسر الأمر على المسلمين في معاملاتهم الدارجة مع الكفار و التوارث بينهم.

و دعوى عدم حصول العلم غالبا بتعلق الزكاة بأموالهم واضحة الفساد.

و ما دلّ على تحليل الخمس للشيعة فيما ينتقل اليهم ممن لا يعتقد الخمس توسعة لهم يستفاد منه بالملاك تحليل الزكاة أيضا و قد قال- عليه السلام- في خبر يونس بن ظبيان او المعلّى بن خنيس:

«... و ان وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه الى ذه يعني ما بين السماء و الأرض ...» «2».

فراجع أخبار تحليل المناكح و المساكن و المتاجر تستأنس منها صحة ما ذكرناه و قد مرّ في أواخر المسألة السادسة عشرة عبارة المبسوط حيث قال: «فان اشتراها من الذمي بعد ذلك لم يجب عليه الزكاة لأنه دخل وقت وجوب الزكاة و هو في ملك غيره» فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 11 الباب 70 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1 و 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 17.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 147

[1- فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة]

اشارة

فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة

[تجب الزكاة في تسعة أشياء]

تجب الزكاة في تسعة أشياء (1): الأنعام الثلاثة- و هي الإبل و البقر و الغنم- و النقدين- و هما الذهب و الفضة- و الغلات الأربع- و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب- و لا تجب فيما عدا ذلك على الأصح (2).

______________________________

(1) بلا خلاف أجده فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين بل هو من ضروريات الفقه ان لم يكن من ضروريات الدين، و النصوص به مع ذلك متواترة كتواترها في أنه لا تجب فيما عدا ذلك، كذا في الجواهر.

و في التذكرة: «قد أجمع المسلمون على ايجاب الزكاة في تسعة أشياء: الإبل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و اختلفوا فيما زاد على ذلك».

و يأتي باقي العبارات في الحاشية التالية.

(2) في بداية المجتهد لابن رشد ما حاصله: «اما ما تجب فيه الزكاة من الأموال فانهم اتفقوا منها على أشياء و اختلفوا في أشياء، اما ما اتفقوا عليه فصنفان من المعدن: الذهب و الفضة اللتين ليستا بحليّ، و ثلاثة أصناف من الحيوان: الإبل و البقر و الغنم، و صنفان من الحبوب: الحنطة و الشعير، و صنفان من الثمر: التمر و الزبيب و في الزيت خلاف شاذّ. و اختلفوا اما من الذهب ففي الحليّ فقط و ذلك انه ذهب فقهاء الحجاز: مالك و الليث و الشافعي الى انه لا زكاة فيه اذا أريد للزينة و اللباس، و قال أبو حنيفة و أصحابه: فيه الزكاة ...، و اما ما اختلفوا فيه من الحيوان فمنه ما اختلفوا في نوعه و ما اختلفوا في صنفه، اما ما اختلفوا في نوعه فالخيل و ذلك

ان الجمهور على ان لا زكاة في الخيل، و ذهب أبو حنيفة الى انها اذا كانت سائمة و قصد بها النسل ان فيها الزكاة أعني اذا كانت ذكرانا و اناثا ...، و اما ما اختلفوا في صنفه فهي السائمة من الابل و البقر و الغنم من غير السائمة منها فان قوما اوجبوا الزكاة في هذه الأصناف الثلاثة سائمة كانت او غير سائمة و به قال الليث و مالك، و قال سائر فقهاء الأمصار: لا زكاة في غير السائمة من هذه الثلاثة الأنواع ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 148

..........

______________________________

و أجمعوا على أنه ليس فيما يخرج من الحيوان زكاة الّا العسل فانهم اختلفوا فيه فالجمهور على أنه لا زكاة فيه و قال قوم: فيه الزكاة ...، و اما ما اختلفوا فيه من النبات بعد اتفاقهم على الأصناف الأربعة التي ذكرناها فهو جنس النبات التي تجب فيه الزكاة فمنهم من لم ير الزكاة الّا في تلك الأربع فقط و به قال ابن أبي ليلى و سفيان الثوري و ابن المبارك و منهم من قال: الزكاة في جميع المدخر المقتات من النبات و هو قول مالك و الشافعي و منهم من قال: الزكاة في كل ما تخرجه الأرض ما عدا الحشيش و الحطب و القصب و هو أبو حنيفة ... و اتفقوا على أن لا زكاة في العروض التي لم يقصد بها التجارة و اختلفوا في ايجاب الزكاة فيما اتخذ منها للتجارة فذهب فقهاء الأمصار الى وجوب ذلك و منع ذلك أهل الظاهر».

و في الفقه على المذاهب الأربعة: «الأنواع التي تجب فيها الزكاة خمسة أشياء: الأول: النعم و هي الابل و البقر و الغنم ... و لا زكاة

في غير ما بينّاه من الحيوان فلا زكاة في الخيل و البغال و الحمير و الفهد و الكلب المعلّم و نحوها الّا اذا كانت للتجارة.

الثاني: الذهب و الفضة و لو غير مضروبين.

الثالث: عروض التجارة.

الرابع: المعدن و الركاز.

الخامس: الزروع و الثمار و لا زكاة فيما عدا هذه الأنواع الخمسة»، هذا.

و في المقنع: «اعلم ان الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك».

و في الانتصار: «و مما ظن انفراد الامامية به القول بأن الزكاة لا تجب الّا في تسعة أصناف:

الدنانير و الدراهم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و لا زكاة فيما عدا ذلك و باقي الفقهاء يخالفونهم في ذلك ... و الذي يدلّ على صحة مذهبنا مضافا الى الاجماع ان الأصل براءة الذمة».

و في النهاية: «الذي يجب فيه الزكاة فرضا لازما تسعة أشياء: الذهب و الفضة ... و كل ما عدا هذه التسعة الأشياء فانه لا يجب فيه الزكاة».

و في الغنية: «فزكاة الأموال تجب في تسعة أشياء: الذهب ... بلا خلاف و لا تجب فيما عدا ما ذكرناه بدليل الاجماع».

و الظاهر منه ان الوجوب في التسعة لا خلاف فيه بين المسلمين و عدم الوجوب في غيرها باجماع الامامية.

و في المقنعة ما حاصله: «الزكاة تجب في تسعة أشياء خصّها رسول اللّه «ص» بفريضتها فيها و هي الذهب ... و عفا رسول اللّه سوى ذلك رواه حريز، عن زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 149

..........

______________________________

و بريد و الفضيل، عن الباقر-

عليه السلام- و رواه عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بكر الحضرمي و صفوان بن يحيى، عن ابن بكير، عن محمد بن الطيار، عن أبي عبد اللّه «ع».

و قد نقل ما في المقنعة صاحب الوسائل بتقديم و تأخير و جعله الرواية السادسة عشرة من الباب الثامن مع وضوح عدم كون المفيد بصدد نقل الحديث بل نقل مضمون الأحاديث المتكثرة بعنوان الفتوى.

و في المعتبر: «تجب في الأنعام: الابل و البقر و الغنم، و في الحجرين: الذهب و الفضة و في الغلات الأربع: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و لا يجب في غير ذلك و هو مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد و به قال الحسن و ابن سيرين و الحسن بن صالح بن حيّ و ابن أبي ليلى واحدى الروايتين عن أحمد».

و في المنتهى: «تجب الزكاة في تسعة أصناف هي أنعام و اثمان و اثمار ... و قد اتفق علماء الإسلام على وجوب الزكاة في هذه الأصناف و لا تجب في غيرها ذهب اليه علماؤنا أجمع و به قال ابن عمر و موسى بن طلحة و الحسن البصري و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح بن حيّ و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبو عبيدة و أحمد في احدى الروايتين».

و قد مرّت عبارة التذكرة أيضا فراجع.

و في المختلف: «قال ابن الجنيد تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كل ما دخله القفيز من حنطة و شعير و سمسم و ارز و دخن و ذرة و عدس و سلت و ساير الحبوب و من التمر و الزبيب».

و فيه أيضا: «أوجب ابن الجنيد الزكاة في الزيتون و الزيت اذا كانا في الأرض العشرية و

الحق خلاف ذلك و انما هو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي في أحد قوليه».

و فيه أيضا: «أوجب ابن الجنيد الزكاة في العسل المأخوذ في أرض العشر و ليس بجيّد و إنما ذلك مذهب أبي حنيفة».

و فيه أيضا: «اختلف علماؤنا في مال التجارة على قولين فالأكثر قالوا بالاستحباب و آخرون قالوا بالوجوب».

و قد أطلنا الكلام في نقل الأقوال لكون المسألة من المسائل الأساسية فأردنا أنس ذهن القراء حين الرجوع الى الأخبار بخلاصة من أقوال الفريقين فيما يتعلق به الزكاة.

[الاشارة الى نكتة في تشريع الزكاة]

و قبل ذكر اخبار المسألة نوجّه نظر القارئ الى نكتة و هي انه ربما يختلج بالبال ان الزكاة لما كانت مالية دينية شرّعت في جميع الأديان و منها دين الإسلام لتأمين الشؤون الاقتصادية و سدّ الخلّات الحادثة للحكومة الدينية و متّبعيها في جميع الأزمنة و الأمكنة و كان دين الإسلام دينا شاملا لكافة الناس و جميع الأعصار الى يوم القيامة و كانت الأموال العامة و منابع الثروة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

تختلف و تتطور بحسب الأزمنة و الأمكنة و القارّات فلا محالة كان المناسب ان يكون اصل حكم الزكاة و تشريعها مذكورا في القرآن الكريم الذي هو بمنزلة القانون الأساسي للإسلام و يكون ما فيه الزكاة متبدلا بحسب الأمكنة و الأزمنة و محولا تعيينه الى المتصدي للحكومة الاسلامية فيعيّنه بحسب منابع ثروة الناس و بحسب الاحتياج للمصارف اللازمة.

فهذا الذي ربما يسبق الى الذهن و أنت ترى ان القرآن الكريم أكّد في آيات كثيرة وجوب إيتاء الزكاة و قرنها بالصلاة و قال أيضا: «... أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» «1».

و الظاهر ان المراد بالنفقة الزكاة بدلالة قوله- تعالى-:

«وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» «2» و خاطب اللّه النبي «ص» فقال: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» «3» و بيّن مصرفها بقوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...» «4» و لم يعيّن ما فيه الزكاة و إنما عيّنه النبي «ص» كما يأتي في خلال الأخبار الآتية انه لما نزل قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عما سواها فلعله يتبادر الى الذهن من هذه الأخبار ان رسول اللّه «ص» بما انه رسول من ربّه بيّن لهم حكم اللّه من وجوب الزكاة و لزوم أخذها و بما انه كان حاكم المسلمين و سائسهم في عصره وضع الزكاة في تسعة و عفا عما سواها مع وجود المقتضي فيه و شمول قوله: «أَمْوٰالِهِمْ» له اذ التسعة كانت عمد ثروة العرب في الحجاز في عصره- صلى اللّه عليه و آله- فيكون لحاكم المسلمين في كل مكان و عصر ملاحظة ثروة رعيته و احتياج الحكومة و المرتزقة من قبلها فيضع الزكاة على طبق ما يرفع الاحتياج و يراه صلاحا.

و قد ورد في أخبار كثيرة مستفيضة ان اللّه فرض للفقراء في اموال الأغنياء ما يكتفون به و لو علم ان الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم، و لا محالة أراد بالفقراء الفقراء و ساير المصارف الثمانية الى يوم القيامة.

فهذا أمر ربما يختلج بالبال ذكرناه ايرادا لا اعتقادا.

فلنرجع الى أخبار الباب فان المستفاد منها بعد الجمع بينها و ضمّ بعضها الى بعض هو المحكّم.

[اخبار المسألة اربع طوائف]

فنقول: اخبار المسألة تنقسم الى أربع طوائف:

الأولى: ما تتضمن ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة و عفا عمّا سواها فهي بصدد بيان

أمر تاريخي صدر عن رسول اللّه «ص» في عصره و هذا هو مدلوله المطابقي و ان كان ربما

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 267.

(2)- سورة التوبة، الآية 34.

(3)- سورة التوبة، الآية 103.

(4)- سورة التوبة، الآية 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

يستشعر منها كون بيان ذلك للأخذ به في عصر الامام الحاكي له أيضا.

الثانية: ما اشتملت على بيان هذا الأمر التاريخي مع التصريح او الظهور بكون الحكم الفعلي في عصر الامام الحاكي له أيضا ذلك و ان الغرض من نقل فعله «ص» هو الأخذ به في العصر الحاضر أيضا و يلحق بهذه الطائفة ما دلّ على وجوب الزكاة في تسعة بلا تعرض لوضع النبي و كذا ما دلّ على عدم الزكاة في غير الأربعة من الغلات.

الثالثة: ما دلت صريحا على ثبوت الزكاة في غير التسعة أيضا.

الرابعة: ما اشتملت على المضمون الثاني و الثالث معا فيستفاد منها صدور كلتا الطائفتين.

و لا يخفى ان الطائفتين الأخيرتين تعارضان الطائفة الثانية بالصراحة دون الطائفة الأولى اذ مفاد الأخيرتين صريحا ثبوت الزكاة في غير التسعة و مفاد الأولى ان رسول اللّه وضعها في تسعة و عفا عما سواها و لا منافاة بين عفو الرسول عن غير التسعة في عصره بما انه كان حاكم عصره و عدم العفو عنها في الأعصار المتأخرة فتدبر.

و كيف كان فمن الطائفة الأولى ما رواه الكليني و الصدوق بسند صحيح لا ريب فيه، ففي الفقيه روى الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» في شهر رمضان فأمر رسول اللّه «ص» مناديه فنادى في الناس ان اللّه- تبارك و

تعالى- قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عما سوى ذلك قال ثم لم يتعرض لشي ء من اموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر «ص» مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم قال: ثم وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق «1».

و سند الصدوق الى الحسن بن محبوب: محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري و سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب.

و لا يخفى ان حكم الزكاة ذكر في آيات كثيرة و منها آيات مكية نزلت قبل ذلك و ان الذي نزل في أواخر حياة النبي «ص» بقوله «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» هو مطالبة الزكاة و أخذها منهم بتوجيه عمّال الصدقة.

و منها أيضا ما رواه الكليني، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي و الفضيل بن يسار كلهم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- قالا فرض اللّه- عزّ و جلّ- الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

رسول اللّه «ص» في تسعة أشياء و عفا رسول اللّه عما سواهنّ: في الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر

و الزبيب و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «1». و السند صحيح بلا اشكال.

و منها أيضا ما رواه الكليني، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن اسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك. قال يونس: معنى قوله: ان الزكاة في تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك انما كان ذلك في أول النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ثم زاد رسول اللّه «ص» فيها سبع ركعات و كذلك الزكاة وضعها و سنّها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب «2» و السند لا بأس به و ان لم يوثق اسماعيل بن مرّار صريحا.

و لا يخفى ان الكليني عقد بابا بهذا العنوان: «باب ما وضع رسول اللّه «ص» الزكاة عليه» و ذكر فيه هذين الخبرين ثم عقد بابا آخر بعنوان: «باب ما يزكّى من الحبوب» و ذكر فيه ما دل على ثبوت الزكاة في غير الأربعة أيضا فراجع.

و منها أيضا ما رواه الشيخ، عن علي بن الحسن بن فضّال، عن العباس بن عامر، عن ابان بن عثمان، عن أبي بصير و الحسن بن شهاب، عن أبي عبد اللّه «ص» قال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم «3».

و السند لا بأس

به فان ابان و ان كان ناووسيا و لكنه ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و علي بن الحسن بن فضال و ان كان فطحيا و لكن قال الشيخ في الفهرست انه ثقة كوفي كثير العلم واسع الرواية و الاخبار جيّد التصانيف غير معاند ...

فهذه أربع روايات صحيحة او موثقة تعرضت لنقل ما صنعه رسول اللّه «ص» من الوضع و العفو، و نقل فعل النبي و ان كان يستشعر منه كونه للأخذ به و لكن من المحتمل أيضا وقوع الخلاف فيما صنعه النبي في عصره فأراد الامام بيان ما هو الحق في صنعه «ص» من دون قصد الى وجوب الأخذ به في عصر الامام- عليه السلام- لتبدّل ما تتعلق به الماليات في الأعصار المختلفة.

و اما الطائفة الثانية: فهي أيضا أخبار كثيرة فالأولى: ما رواه الشيخ، عن على بن الحسن بن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 153

..........

______________________________

فضّال، عن محمد بن عبيد اللّه بن علي الحلبي و العباس بن عامر جميعا، عن عبد اللّه بن بكير، عن محمد (بن جعفر) الطيار قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عما تجب فيه الزكاة فقال: في تسعة أشياء:

الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك، فقلت: أصلحك اللّه فان عندنا حبّا كثيرا قال: فقال: و ما هو؟ قلت: الارز، قال:

نعم ما

اكثره، فقلت: أ فيه الزكاة؟ فزبرني، قال: ثم قال: أقول لك: ان رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك و تقول: ان عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة «1».

و محمد بن عبيد اللّه مجهول الحال. و محمد الطيار أيضا مجهول فان بقاء محمد بن جعفر بن أبي طالب الى عصر الصادق- عليه السلام- مشكل.

الثانية: ما رواه أيضا عن علي بن الحسن، عن جعفر بن محمد بن حكيم، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء، و عفا عما سوى ذلك: على الفضة و الذهب و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم، فقال له الطيّار و أنا حاضر: ان عندنا حبّا كثيرا يقال له الارز فقال له أبو عبد اللّه «ع»: و عندنا حبّ كثير، قال: فعليه شي ء؟ قال: لا، قد اعلمتك ان رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك «2».

و جعفر بن محمد بن حكيم لم يذكر بمدح و ان توهم ادراجه في الحسان.

و قوله «ع» في خبر الطيار: «أقول لك ان رسول اللّه «ص» عفا ...» يحتمل فيه أمران:

الأول: و هو الأظهر ان يريد ان بعد عفو الرسول «ص» عن غير التسعة لا وجه لسؤالك عن ثبوت الزكاة في الارز.

الثاني: ان يريد ان ما وقع مني هو نقل عمل النبي «ص» و عفوه عن غير التسعة و هذا لا ينافي ثبوت الزكاة في غيرها بعد ذلك فيكون سؤالك بلا وجه.

و لكن هذا خلاف الظاهر مضافا الى أن ظاهر السؤال في صدر الخبر هو السؤال عن الحكم الفعلي لا عمّا صنعه رسول اللّه «ص». ثم ان

خبر جميل يرفع الاحتمال الثاني لقوله- عليه السلام-: «لا» في جواب قول السائل: «فعليه شي ء». اللهم الّا ان يقال لا يثبت لنا كون جواب الامام كذلك بعد كون الخبرين حاكيين لقضية واحدة و عدم ذكر كلمة «لا» في الخبر الأول فتأمل.

الثالثة: ما رواه الصدوق في معاني الأخبار، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن موسى بن عمر، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد القمّاط، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 154

..........

______________________________

انه سئل عن الزكاة فقال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عما سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و البقر و الغنم و الابل فقال السائل: و الذرة، فغضب- عليه السلام- ثم قال: كان و اللّه على عهد رسول اللّه «ص» السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك فقال: انهم يقولون: انه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه «ص» و إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك فغضب و قال: كذبوا فهل يكون العفو الّا عن شي ء قد كان، و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر. و رواه في الخصال عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى أيضا «1».

و الحديث مرسل مضافا الى ان عدم ذكره في الكتب الأربعة ربما يوهنه و لكن كونه سؤالا و جوابا بصدد بيان الحكم

الفعلي لا حكاية عمل النبي «ص» فقط واضح.

الرابعة: ما رواه في العيون، عن حمزة بن محمد العلوي، عن قنبر بن علي بن شاذان، عن أبيه، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع» (في حديث) قال: و الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة «2».

و قنبر بن علي كما قيل إمامي مجهول فالخبر ضعيف كسابقه.

الخامسة: ما رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال، عن هارون بن مسلم، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أحدهما «ع» قال: الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «3».

و في السند شي ء و ان وثق رجاله و ظاهر الخبر كونه بصدد بيان الحكم الفعلي و ان حكي في آخره عفو الرسول- صلى اللّه عليه و آله.

السادسة: ما رواه الشيخ أيضا، عن علي بن الحسن، عن علي بن اسباط، عن محمد بن زياد، عن عمر بن اذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر «ع» عن صدقات الأموال، فقال: في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء: في الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كل شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج «4».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه

الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

و ظاهر الخبر أيضا سؤالا و جوابا كونه بصدد بيان الحكم الفعلي في عصر أبي جعفر «ع» و الظاهر كونه موثقة و كون المراد بمحمد بن زياد محمد بن أبي عمير.

السابعة: ما رواه أيضا عنه، عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سئل عن الزكاة فقال:

الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «1».

و دلالتها كسابقتها و كذا سندها.

الثامنة: ما رواه علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن جعفر «ع» قال: سألته عن الصدقة فيما هي؟ قال: قال رسول اللّه «ص»: في تسعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الابل و البقر و الغنم و عفا عما سوى ذلك «2».

و هذه الأخبار مضافا الى ظهورها في الحكم الفعلي تدل أيضا على أن نقل صنع النبي «ص» كان للأخذ به لا لصرف حكاية واقعة تاريخية.

التاسعة: ما رواه الشيخ باسناده عن سعد، عن احمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: ما انبتت

الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ... و ليس فيما انبتت الأرض شي ء الّا في هذه الأربعة أشياء «3».

العاشرة: ما رواه باسناده عن علي بن الحسن، عن محمد بن اسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن زرارة و بكير ابني أعين، عن أبي جعفر «ع» قال: ليس في شي ء انبتت الأرض من الارز و الذرة و الدخن و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و ان كثر ثمنه زكاة الّا ان يصير مالا يباع بذهب او فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول ... «4».

و سند الخبرين لا بأس به فالأولى صحيحة و الثانية موثقة و كلاهما يصرحان بعدم وجوب زكاة الزرع في غير الأربعة.

و هذه عشرة كاملة للطائفة الثانية و ان ضعف بعضها سندا بالارسال او بجهل الراوي.

الطائفة الثالثة: ما دلت على ثبوت الزكاة في غير التسعة و ان شئت قلت في غير الأربعة من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 17.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 156

..........

______________________________

الحبوب و ظاهرها الوجوب و ان حملها الأصحاب على الاستحباب او التقية و قد ذكرها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

فالأولى منها: ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل قال: قلت لأبي الحسن «ع»: ان لنا رطبة

و أرزا فما الذي علينا فيها؟ فقال «ع»: اما الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و اما الارز فما سقت السماء العشر، و ما سقي بالدلو فنصف العشر من كل ما كلت بالصاع او قال: وكيل بالمكيال «1».

و السند صحيح و الدلالة على الوجوب ظاهرة و الحمل على التقية ينافيه تعرّض الامام في آخر الرواية لبيان الميزان الكلي لما فيه الزكاة، اذ التقية ضرورة و الضرورات تتقدّر بقدرها و السائل إنما سأل عن الارز فقط فأي داع للإمام الى أن يذكر الزكاة في كل ما كيل اذا فرض كونه حكما على خلاف الواقع.

اللهم الّا ان يقال ان التقية قد تكون للإمام و قد تكون للسائل و قد تكون للسائل و قد تكون لسائر الشيعة و هنا من قبيل الثالث حيث ان الشيعة كانت مبتلاة بحكّام الجور و هم كانوا يطلبون الزكاة من كل ما كيل فأراد الامام- عليه السلام- أدائهم للزكاة اليهم و عدم مقاومتهم في قبالهم حفظا لهم من تعرضاتهم و هذا البيان يجري في كثير من أخبار هذه الطائفة الثالثة.

الثانية: ما رواه الكليني، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عمن ذكره، عن ابان، عن أبي مريم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الحرث ما يزكّي منه؟ فقال: البر و الشعير و الذرة و الارز و السلت و العدس، كل هذا مما يزكّى، و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة «2». و في السند ارسال كما ترى.

الثالثة: ما رواه عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز بن عبد اللّه، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الحبوب ما يزكّى منها؟ قال- عليه السلام-: البر و الشعير

و الذرة و الدخن و الارز و السلت و العدس و السمسم كل هذا يزكى و اشباهه «3».

و السند صحيح و السؤال يحتمل أمرين: الأول: ان يكون السؤال عما يزكّى خارجا في عصره بحسب مطالبة الحكام. الثاني: ان يكون السؤال عن الحكم الشرعي. و الأول خلاف الظاهر جدّا، و الثاني ظاهره الوجوب بل قيل في محله ان ظهور الجملة الخبرية الواردة في مقام الأمر آكد في الوجوب من نفس الأمر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 157

..........

______________________________

الرابعة: ما رواه أيضا بالاسناد عن حريز، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» مثله و قال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة و قال: جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء انبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول، و كل شي ء يفسد من يومه. و رواه الشيخ أيضا الا انه قال: فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه الزكاة «1».

و السند صحيح و الظهور في الوجوب واضح و لو كان الامام في مقام التقية فأيّ داع له الى التطويل في الجواب و ذكر الميزان الكلي ثم النسبة الى النبي «ص» و الحكاية عنه لما لا يراد به الواقع مع ما عرفت من ان الضرورات تتقدر بقدرها فتأمل.

الخامسة: ما رواه الشيخ عن علي بن الحسن، عن ابراهيم بن هاشم، عن حماد، عن حريز، عن زرارة أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: في الذرة شي ء؟

فقال لي: الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة «2».

و الرواية موثقة بابن فضّال و لا وجه لما قد يرى في بعض المنشورات من اتهام ابن فضال بأنه الذي روى أخبار الحصر في التسعة لما رأيت من نقل غيره لها أيضا و لما تراه هنا من نقله أخبار عدم الحصر في التسعة أيضا. و ظهور الخبر في الوجوب واضح و السائل سأل عن الذرة فقط فلو كان الامام في مقام التقية فلم ذكر غيرها أيضا مع عدم اضطراره الى ذكره؟

السادسة: ما رواه الشيخ أيضا بالاسناد عن حريز، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» هل في الأرز شي ء؟ فقال: نعم. ثم قال: ان المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه و عامّة خراج العراق منه «3».

و الرواية أيضا موثقة و ظاهرة في الوجوب و لو كان الامام في مقام التقية فأيّ داع له الى أن ينسب الى النبي «ص» أمرا خلاف الواقع و كانت الضرورة ترتفع بقوله «نعم» فقط.

الطائفة الرابعة: ما اشتملت على مضمون الثانية و الثالثة معا و يستفاد منها صدور كلتيهما و هي ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد الى أبي الحسن «ع»: جعلت فداك روي عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر

و الزبيب و الذهب و الفضة و الغنم و البقر و الابل و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك فقال

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6 و 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 158

..........

______________________________

له القائل: عندنا شي ء كثير يكون أضعاف ذلك فقال: و ما هو؟ فقال له: الارز، فقال أبو عبد اللّه «ع» أقول لك: ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك و تقول: عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول اللّه «ص» فوقّع- عليه السلام-:

كذلك هو، و الزكاة على كل ما كيل بالصاع. و كتب عبد اللّه: و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّه «ع» انه سأله عن الحبوب فقال: و ما هي؟ فقال: السمسم و الارز و الدخن و كل هذا غلّة كالحنطة و الشعير فقال أبو عبد اللّه «ع»: في الحبوب كلها زكاة. و روى أيضا عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قال:

فاخبرني- جعلت فداك- هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب: الحمص و العدس زكاة؟

فوقّع- عليه السلام-: صدقوا الزكاة في كل شي ء كيل «1».

و السند صحيح و ان لم نعرف عبد اللّه بن محمد لعدم كونه راويا. و الامام- عليه السلام- صدّق مضمون الطائفة الثانية الحاكمة بانحصار الزكاة في تسعة و الثالثة الحاكمة بعدم الانحصار

ثم حكم بنفسه أيضا بثبوت الزكاة في كل ما كيل و ظاهره الوجوب.

[وجوه الجمع بين الاخبار]

فهذه هي عمد أخبار المسألة و قد قسمناها أربع طوائف و قد عرفت ان المفاد المطابقي للطائفة الأولى هي وضع رسول اللّه «ص» للزكاة على تسعة و عفوه عما سواها أعني قضية تاريخية فلا منافاة بين هذا و بين كون ما فيه الزكاة في عصر الصادقين- عليهما السلام- أزيد من تسعة لاحتمال كون المصلحة في عصر النبي وضعها في التسعة لكونها عمدة ثروة عرب الحجاز في عصره و المصلحة في عصرهما- عليهما السلام- وضعها في الأزيد و كون التشخيص في ذلك بيد من يتصدّى للحكومة الحقة فانه العالم باحتياجات الحكومة و بمنابع الثروة في حيطة حكومته.

و بالجملة لا تنافي بين الطائفة الأولى و بين الأخيرتين إلّا بالنظر البدوى.

و امّا الطائفة الثانية الظاهرة في بيان الوظيفة الفعلية في عصر الصادقين مع حصر الزكاة في تسعة فتنافي الأخيرتين الظاهرتين في ثبوتها في غيرها أيضا و ما ذكر أو يمكن أن يذكر في رفع التنافي وجوه:

الأول: ما في الكافي عن يونس ففيه بعد نقل خبر يونس عن ابن مسكان عن الحضرمي «2»:

«قال يونس: معنى قوله: ان الزكاة في تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك انما كان ذلك في أول النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ثم زاد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فيها سبع ركعات و كذلك الزكاة وضعها و سنّها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6 و الباب 9 منها، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث

5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 159

..........

______________________________

و لعل الظاهر من الكليني أيضا اختيار ذلك و ان الزكاة في جميع الحبوب فانه عنون ثلاثة أبواب متوالية: الأول: باب ما وضع رسول اللّه «ص» الزكاة عليه، و ذكر صحيحة الفضلاء و خبر الحضرمي ثم كلام يونس «1». الثاني: باب ما يزكّى من الحبوب، و ذكر أخبار ثبوت الزكاة في سائر الحبوب و ظاهر عنوانه الوجوب. الثالث: باب ما لا تجب فيه الزكاة مما تنبت الأرض من الخضر و غيرها.

و لعل يونس أراد الجمع بين ما دلّ على وضع رسول اللّه «ص» الزكاة في تسعة و بين ما دلّ على وضعه في غيرها أيضا كما في صحيحة زرارة حيث قال: جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء انبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه «2».

و لكن كلامه لا يفيد في الجمع بين جميع الأخبار اذ المستفاد من أخبار الطائفة الثانية حصر الزكاة في التسعة بعد النبي «ص» أيضا فضلا عن عصره.

الثاني: حمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على الاستحباب. اختاره المفيد في المقنعة و تلميذه الشيخ الطوسي- قدس سرهما- في التهذيبين.

ففي المقنعة ما حاصله: «و يزكّى ساير الحبوب ... سنّة مؤكدة دون فريضة واجبة و ذلك انه قد ورد في زكاة ساير الحبوب آثار عن الصادقين «ع» مع ما ورد في حصرها في التسعة و قد ثبت ان أخبارهم لا تتناقض فلم يكن لنا طريق الى الجمع بينها الّا اثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه فيه و حمل ما اختلفوا فيه مع عدم ورود التأكيد في الأمر به على السنّة المؤكدة ...».

و في التهذيب: «انها محمولة على

الندب و الاستحباب دون الفرض و الايجاب و إنما قلنا ذلك لئلا تتناقض الأخبار ...». و نحو ذلك في الاستبصار.

و مرجع كلامهما بتوضيح منا أن أخبار الطائفة الثانية نص على عدم الزكاة في غير التسعة و الطائفتان الأخيرتان ظاهرتان في ثبوتها في ما عدا التسعة أيضا. فترفع اليد عن الظهور بقرينة النص فيحمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على الاستحباب عملا بالدليلين و رفعا لتناقض الأخبار، و الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.

أقول: الجمع العرفي بين الدليلين مما يقبله العرف و الوجدان كما في حمل المطلق على المقيد و تخصيص العام بالمخصص، و اما الجمع التبرعي بين الدليلين المتناقضين بحسب الظاهر باعمال الدقة العقلية فاعتباره بحيث يصير أساسا للفتوى كما في المقام محل اشكال و الاستحباب كسائر الأحكام يحتاج الى دليل شرعي يدل عليه و ليس في أخبار الباب اسم منه فكيف نفتي به

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4 و 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 160

..........

______________________________

بصرف الجمع التبرّعي المنقدح في الذهن لرفع تناقض الأخبار؟

و بالجملة فالحمل على الاستحباب في المقام مما ذكره المفيد و تبعه الشيخ ثم اشتهر بين المتأخرين و أساسه كلام المفيد في المقنعة.

الوجه الثالث: حمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على التقية. ذكره في الانتصار و تبعه في الحدائق و قرّبه في مصباح الفقيه و ان ناقضه بنفسه في أثناء كلامه.

فالسيد المرتضى مع كونه من أكابر تلامذة المفيد لم يرتض بجمع المفيد بل قال في الانتصار بعد ما ادعى اجماع الامامية على ان الزكاة لا

تجب الّا في تسعة ما حاصله: «فان قيل: كيف تدّعون اجماع الامامية و ابن الجنيد يخالف في ذلك و يذهب الى ان الزكاة واجبة في جميع الحبوب و روى في ذلك أخبارا كثيرة عن أئمتنا و ذكر ان يونس كان يذهب الى ذلك. قلنا: لا اعتبار بشذوذ ابن الجنيد و لا يونس. و الظاهر من مذهب الامامية ما حكيناه و قد تقدم اجماع الامامية و تأخر عن ابن الجنيد و يونس. و الأخبار التي تعلق ابن الجنيد بها الواردة من طريق الشيعة الامامية معارضة بأظهر و أكثر و أقوى منها و يمكن حملها بعد ذلك على انها خرجت مخرج التقية فان الأكثر من مخالفي الامامية يذهبون الى ان الزكاة واجبة في الاصناف كلها».

و في الحدائق، ما حاصله: «و الاصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل هذه الأخبار الأخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم و عادتهم في جميع الأبواب، و الأظهر عندي حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بليّة، فان القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أبي يوسف و محمد كما نقله في المنتهى و يدل على ذلك ما رواه الصدوق (و ذكر رواية أبي سعيد القماط «1» ثم قال:) و مما يستأنس به لذلك صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث انه أقرّ السائل على ما نقله عن أبي عبد اللّه «ع» من تخصيص الوجوب بالتسعة و انكاره على السائل لما راجعه في الارز و مع هذا قال له: الزكاة في كل ما كيل بالصاع فلو لم يحمل كلامه على التقية للزم التناقض بين الكلامين و لو كان الاستحباب مرادا لما خفي

على أصحاب الأئمة المعاصرين لهم و لما احتاجوا الى عرض هذه الأخبار على الامام «ع» و لو سلّم الخفاء عليهم كان الأظهر في الجواب أن يقال ان المراد مما ظاهره الوجوب الاستحباب لا انه يقرّ السائل على الحصر على التسعة و مع هذا يوجب عليه اخراج الزكاة فيما عداها».

و في مصباح الفقيه بعد الاشارة الى الوجوه الثلاثة للجمع: «و ملخص الكلام ان الجمع بين الخبرين المتعارضين بحمل أحدهما على الاستحباب و ان كان في حدّ ذاته أقرب من الحمل على التقية الذي هو في الحقيقة بحكم الطرح و لكنه في غير مثل المقام الذي يكون احتمال التقية فيه

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 161

..........

______________________________

أقوى فان الحمل على التقية حينئذ أقرب الى الواقع من الحمل على الاستحباب. و لكن يتوجه على هذا الكلام انه لا أثر لأقوائية احتمال التقية و لا لكون المورد مما لا محيص للإمام- عليه السلام- عن اظهار مخالفة الواقع في باب التراجيح بناء على ما هو الحق المحقق في محله من عدم اشتراط حجية ظواهر الألفاظ بافادة الظن بالمراد بل و لا بعدم الظن بالخلاف».

ثم قال أخيرا ما حاصله: «فالانصاف ان حمل الأخبار المثبتة للزكاة في سائر الأجناس بأسرها على التقية أشبه. اللهم الّا أن يقال ان رجحان الصدقة بالذات و امكان ارادة استحبابها بعنوان الزكاة و لو على سبيل التورية مع اعتضاده بفهم الأصحاب و فتواهم كاف في اثبات استحبابها من باب المسامحة بل الروايات الواردة في من بلغه ثواب على عمل غير قاصرة عن شمول مثل هذه الأخبار».

أقول: ربّما يؤيد الحمل على التقية القرائن الداخلية و

الخارجية:

اما الخارجية فاشتهار الفتوى بوجوب الزكاة فيما عدا التسعة بين أهل الخلاف و قد مرّت أقوالهم في صدر المسألة.

و اما الداخلية فكثير من أخبار الباب. ففي مرسلة القماط: «فقال السائل: و الذرة، فغضب- عليه السلام- ثم قال: كان و اللّه على عهد رسول اللّه «ص» السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك فقال: انهم يقولون: انه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه «ص» و إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال: كذبوا فهل يكون العفو الّا عن شي ء قد كان و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر» «1».

و في صحيحة ابن مهزيار: «فقال له أبو عبد اللّه «ع»: أقول لك: ان رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك و تقول عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول اللّه «ص» فوقّع «ع» كذلك هو و الزكاة على كل ما كيل بالصاع» «2».

و في رواية زرارة «سألت أبا جعفر «ع» عن صدقات الأموال فقال: في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء» «3».

و في رواية الطيّار: «فقلت:- أصلحك اللّه- فان عندنا حبّا كثيرا؟ قال: فقال: و ما هو؟

قلت: الأرز، قال: نعم ما اكثره، فقلت: أ فيه الزكاة؟ فزبرني، قال: ثم قال: أقول لك: ان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص:

162

..........

______________________________

رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك و تقول: ان عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة» «1».

و في رواية جميل: «فقال له الطيّار و أنا حاضر ان عندنا حبّا كثيرا يقال له الارز فقال له أبو عبد اللّه «ع» و عندنا حبّ كثير، قال: فعليه شي ء؟ قال: لا، قد أعلمتك ان رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك» «2».

و في صحيحة زرارة: «و ليس فيما انبتت الأرض شي ء الّا في هذه الأربعة أشياء» «3».

و في موثقة أبي بصير: «ان المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه، و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه و عامة خراج العراق منه» «4».

الى غير ذلك من الأخبار مضافا الى تأكيد الأئمة- عليهم السلام- في أخبار كثيرة بأن رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك فان جميع ذلك مما يستشعر منه جدا وجود خلاف في المسألة و ان الأئمة- عليهم السلام- كانوا بصدد ردّ ذلك.

هذا و لكن يرد على ذلك اولا: ان ما يتوهم من كون الأئمة- عليهم السلام- ضعفاء مستوحشين يقلّبون الحق و يكتمونه بأدنى خوف من الناس أمر يعسر علينا قبوله. كيف و ان بنائهم- عليهم السلام- كان على بيان الحق و رفع الباطل في كل مورد انحرف الناس عن مسير الحق الا تريهم كيف أنكروا العول و التعصيب في المواريث و الجماعة في صلاة التراويح و أمثال ذلك مما استقر عليه فقه أهل الخلاف. و وظيفة الامام الحق الدفاع عنه و مجابهة الباطل بأي نحو كان. قال اللّه- تعالى- «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ» «5».

و

ثانيا: قد أشرنا سابقا الى أن التقية ضرورة و الضرورات تتقدر بقدرها فاذا فرض صدور هذه الأخبار الكثيرة الصحيحة او الموثقة الدالة على ثبوت الزكاة فيما عدا التسعة تقية فلم لم يقنع الامام- عليه السلام- بمقدار الضرورة بل ربما أطال الكلام و ربما نسب الى النبي «ص» أيضا مع عدم الاحتياج الى ذلك؟

ففي موثقة أبي بصير «قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل في الارز شي ء؟ فقال: نعم» «6».

فبهذا الجواب ارتفعت الضرورة فأي داع دعا الامام- عليه السلام- ان يقول بعد ذلك: «ان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

(5)- سورة البقرة، الآية 159.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 163

..........

______________________________

المدينة لم تكن يومئذ أرض ارز فيقال فيه و لكنه قد جعل فيه و كيف لا يكون فيه و عامّة خراج العراق منه».

و في صحيحة زرارة المماثلة لصحيحة محمد بن مسلم سئل أبو عبد اللّه- عليه السلام- عن الحبوب ما يزكّى منها فعدّ الامام- عليه السلام- الحبوب. فأي داع دعاه الى ان يعقب ذلك بقوله:

«كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» ثم ينسب الى النبي «ص» أمرا على خلاف الواقع فيقول: «جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه» «1». الى

غير ذلك مما أشرنا اليه في نقل الطائفة الرابعة من الأخبار فراجع.

و ثالثا: الانحصار في التسعة ليس من خصائص الشيعة بل أفتى به بعض أهل السنة أيضا و وردت به الروايات من طرقهم فلا يبقى مجال للتقية و قد حكينا بعضا من أقوالهم في صدر المسألة و نتمّم ذلك هنا بنقل عبارة عن المغني لابن قدامة ملخّصة: و قال مالك و الشافعي: لا زكاة في ثمر الّا التمر و الزبيب و لا في حبّ الّا ما كان قوتا و حكي عن أحمد الّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و هذا قول ابن عمر و موسى بن طلحة و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبي عبيد ... و قد روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو انه قال: انما سنّ رسول اللّه «ص» الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و في رواية عن أبيه، عن جدّه، عن النبي «ص» انه قال: و العشر في التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير، و عن موسى بن طلحة، عن عمر انه قال: إنما سنّ رسول اللّه «ص» الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عن أبي بردة، عن أبي موسى و معاذ ان رسول اللّه «ص» بعثهما الى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم فأمرهم ان لا يأخذوا الصدقة الّا من هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، رواهن كلهن الدار قطني «2».

فانظر الى الروايات من طرقهم و كذا الفتاوى حيث حصروا زكاة الغلات في الأربع، و انحصار المفتين

في الأئمة الأربعة منهم إنما ثبت في القرن الرابع ففي عصر الصادقين- عليهما السلام- لم يكن فرق بينهم و بين غيرهم من فقهائهم، فمع وجود الأخبار و كذا الفتاوى منهم بعدم الزكاة في سائر الحبوب لا يبقى مجال للتقية لأئمتنا.

اللهم الّا ان يقال كما أشرنا اليه ان التقية لم تكن لحفظ الامام- عليه السلام- و لا من الفقهاء و المفتين بل لحفظ الشيعة من شرّ السلاطين و الحكام الجباة للزكوات بعنف و شدّة فانها كانت

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- المغني ج 2، ص 550.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 164

..........

______________________________

أساس اقتصادهم فأراد الأئمة- عليهم السلام- تقيّد الشيعة بأداء الزكاة اليهم في كل ما يطلبونه دفعا لشرّهم و تخلّصا من مكائدهم فتأمّل.

[بحث في حجية الظواهر]

بقي الكلام فيما ذكره في المصباح من عدم اشتراط حجية الظواهر بالظن بالمراد و لا بعدم الظن بالخلاف، و نحوه ما في الكفاية حيث انه بعد التمسك لحجيتها باستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات قال: «و الظاهر ان سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بافادتها الظن فعلا و لا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعا ضرورة انه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم أفادتها للظن بالوفاق و لا بوجود الظن بالخلاف».

و قرّب هذا بعضهم بأنه لو كانت الحجية مشروطة بالظن الشخصي أو بعدمه على الخلاف لانسدّ باب الاحتجاج على العبيد لأن الظن أمر وجداني فلهم أن يدّعوا انه لم يحصل لهم ظن بالوفاق او حصل على الخلاف، و ردّه بعض آخر بنقض ذلك بالعلم اذ لا ريب في عدم حجيتها مع العلم بالخلاف.

أقول: يخطر ببالي من قديم الأيام اشكال في المقام و كذا

في خبر الثقة و قول المفتي و حاصله انه بعد ما علمنا اجمالا بتوجه خطابات من اللّه- تعالى- إلينا و كوننا مكلفين اجمالا بتكاليف في أبواب العبادات و المعاملات و السياسات و نحوها فالعقل يحكم بالاحتياط في أطراف العلم الإجمالي، و اما الامارات فان دلّ دليل شرعي على حجيتها أخذنا بمفاد دليل الحجية و اطلاقه كما نحكم بحجية البينة بموثقة مسعدة بن صدقة حيث جعلتها قسيما للعلم فهي حجة حتى مع الظن بالخلاف لإطلاق الدليل و كذلك قول الثقة و المفتي ان ثبت حجيتهما بالآيات او الروايات، و اما اذا كان الدليل على حجية هذه الأمور سيرة العقلاء و قلنا ان مفاد الآيات و الروايات أيضا ليس الّا امضاء سيرتهم لا جعل الحجية شرعا كما هو مذاق الأصحاب في هذه الأبواب فالظاهر ان العقلاء لا تعبّد فيهم و لا تقليد لهم من غيرهم في ذلك بل هذه الأمور في الحقيقة طرق علمهم و وثوقهم و سكون نفسهم فكأنهم لا يعتنون الّا بالعلم.

نعم العلم لا ينحصر عندهم في اليقين الجازم بنحو المائة في المائة بل يكتفون بالوثوق و الاطمينان اذا كان احتمال الخلاف ضعيفا جدّا، و العقلاء غالبا يحصل لهم الوثوق بقول الثقة أو أهل الخبرة او نحو ذلك و لذلك يرتّبون عليه الأثر.

و اما مع عدم حصوله لهم فلا يعتنون بها اللهم الّا في ما لا يهمّ او فيما اذا كان مطابقا للاحتياط و اما في الأمور المهمّة فيحتاطون و لا يرتّبون الأثر على هذه الأمور اذا لم تطابق الاحتياط فاذا أراد بيع ملك له فرجع الى المقوّم و بعد تشخيصه حصل له الظن باشتباهه و كان مقدار الاشتباه عنده كثيرا فهل يرتب الأثر على

تقويمه تعبّدا او يحتاط و يرجع الى مقوّم آخر او هيئة تقويم؟ و لو ابتلي بمرض شديد ذو خطر فرجع الى طبيب و فرض انه ظنّ باشتباه الطبيب و كان أمره دائرا بين

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

الحياة و الموت و قدر على الرجوع الى طبيب آخر او هيئة طبّية فهل يعمل بقول الطبيب الأول مع احتمال الخطر الجدّي في العمل بقوله؟!

و مقتضى ما ذكرنا عدم ثبوت التقليد بمعنى الأخذ بقول الغير تعبدا عند العقلاء و إنما يعملون بوثوقهم و علمهم و قول أهل الخبرة طريق علم لهم.

فان قلت: سيرة العقلاء في مقام احراز الواقعيات في الأمور الشخصية و ان كانت كذلك و لكن بنائهم في الأمور المربوطة بالموالي و العبيد و الاحتجاجات الدائرة بينهم على العمل بظواهر الألفاظ و قول الثقة و أهل الخبرة و نحو ذلك بما انها ظنون نوعية و لا يسمع في مقام الاحتجاج اعتذار العبد المخالف لقول أهل الخبرة مثلا اذا اعتذر بأنه لم يحصل له الوثوق بقوله، ففي الأمور المربوطة بالموالي و العبيد اذا عمل العبد بما ذكر لم يكن للمولى حجة عليه و لو خالف كان له حجة عليه.

قلت: نعم لو لم يتمكن العبد من الاحتياط و لم يكن له طريق آخر او كان الاحتياط موافقا للطريق الذي قام له و الّا فلو فرض ان العبد علم بحصول وظائف له من قبل المولى و لم يحصل له الوثوق بسبب قول أهل الخبرة مثلا و كان متمكنا من الاحتياط او الرجوع الى طريق آخر يطمئن به فلم يرجع اليه و لم يحتط بل عمل بقول الأول و اتفق مخالفته للواقع و كان الأمر من الأمور المهمة فهل

ليس للمولى عتابه و لومه و هل يكون معذورا عند وجدانه؟! فاذا فرض احالة المولى امور ولده العزيز لديه الى عبده فمرض الولد مرضا شديدا مهما دار أمره بين الحياة و الموت فأتى به العبد الى طبيب و اتفق انه حصل في خاطره الظن باشتباه الطبيب او شك في صحة تشخيصه و كان قادرا على الرجوع الى طبيب آخر او هيئة طبية فلم يفعل و اتفق موت الولد بسبب علاج الطبيب الأول فاذا علم المولى بذلك فهل ليس له مؤاخذة العبد و هل يسمع اعتذاره بأنه رجع الى أهل الخبرة و عمل بقوله؟!

و لا يخفى ان المسائل الدينية كلها مهمة و نظائر لولد المولى. و الشرع أحالها إلينا فيجب علينا امتثالها بالعلم او العلمي فاذا نصب من قبله طريق لنا فلا محالة نأخذ بمفاد دليله و اطلاقه حجة قهرا و اما اذا لم ينصب لنا طريقا بل كانت الطرق هي الطرق العقلائية كظواهر الألفاظ و قول الثقة او المفتي على مذاق الأصحاب ففي غير صورة حصول الوثوق الشخصي يشكل الأخذ بها كما بيّناه. و السرّ في ذلك وجود العلم الإجمالي بالتكاليف من قبل الشارع من طرف و عدم وجود التعبد و التقليد من الغير تعبدا بدون الوثوق الشخصي عند العقلاء من طرف آخر فتدبر جيّدا.

و لا يخفى ان ما يتلقاه بعض بألسنتهم من ان «هذا ما أفتى به المفتي و كل ما أفتى به المفتي فهو حكم اللّه في حقّي» أمر تلقوه بلا توجّه من المصوّبة القائلين بحجية الآراء و كونها أحكاما واقعية في حق المجتهدين و مقلّديهم و نحن بريئون من ذلك و لتفصيل الكلام مقام آخر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 166

..........

______________________________

و يعجبني

هنا نقل كلام ابن زهرة في الغنية ملخصا. قال فيها ما حاصله: «فصل لا يجوز للمستفتي تقليد المفتي لأن التقليد قبيح و لأن الطائفة مجمعة على أنه لا يجوز العمل الّا بعلم و ليس لأحد أن يقول: اجماع الطائفة على وجوب رجوع العامي الى المفتي و العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه يؤمنه من الاقدام على قبيح. لأنا لا نسلّم اجماعها على العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه بل إنما أمروا برجوع العامي الى المفتي فقط فاما ليعمل بقوله تقليدا فلا.

فان قيل: فما الفائدة في رجوعه اليه؟

قلنا: الفائدة في ذلك ان يصير له بفتياه و فتيا غيره من علماء الامامية سبيل الى العلم باجماعهم فيعمل بالحكم على يقين. يتبين صحة ذلك انهم أجمعوا على أنه لا يجوز الاستفتاء إلّا من إمامي المذهب فلو كان ايجابهم الاستفتاء لتقليده لم يكن فرق بينه و بين مخالفه الذي لا تؤمن فتياه بغير الحق».

و مراده بالتقليد القبيح الأخذ بقول الغير تعبدا من دون حصول الوثوق بمطابقة قوله للواقع كما لا يخفى فتدبر.

[بحث في تشريع الزكاة و خمس الارباح]

الوجه الرابع من الوجوه المحتملة لرفع التهافت بين أخبار ما فيه الزكاة: ان يقال كما أشرنا اليه في صدر المسألة: ان أصل ثبوت الزكاة من القوانين الأساسية للإسلام بل لجميع الأديان الإلهية و جعلت في آيات الكتاب العزيز عدلا للصلاة التي هي عمود الدين و تكررت كثيرا فانها أساس اقتصاد الحكومة الاسلامية و في سورة مريم حكاية عن قول عيسى «ع» «وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا» «1». و عن اسماعيل صادق الوعد «وَ كٰانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ» «2». و في سورة الأنبياء في ابراهيم و لوط و اسحاق و يعقوب: «وَ أَوْحَيْنٰا

إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرٰاتِ وَ إِقٰامَ الصَّلٰاةِ وَ إِيتٰاءَ الزَّكٰاةِ» «3».

فهي أمر ثابت في جميع الأديان الإلهية، و حيث ان ثروات الناس و منابع أموالهم تختلف بحسب الأزمنة و الأمكنة و دين الإسلام شرّع لجميع الناس و لجميع الأعصار كما نطق بهما الكتاب و السنة كقوله- تعالى- «وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلّٰا كَافَّةً لِلنّٰاسِ» «4» و قوله- تعالى- «خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ» «5» و قوله «ص»: «حلالي حلال الى يوم القيامة و حرامي حرام الى يوم القيامة» «6».

فلا محالة ذكر في الكتاب أصل ثبوت الزكاة و خوطب النبي «ص» بقوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ

______________________________

(1)- سورة مريم، الآية 31.

(2)- سورة مريم، الآية 55.

(3)- سورة الأنبياء، الآية 73.

(4)- سورة سبأ، الآية 28.

(5)- سورة الأحزاب، الآية 40.

(6)- الوسائل ج 18 الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 47.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 167

..........

______________________________

صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ» «1» و لم يذكر ما فيه الزكاة بل ذكر عمومات فقط كقوله: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» «2» و قوله: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»* «3» و المقصود بالانفاق الزكاة بدلالة قوله- تعالى-: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ «4».

و إنما أحيل بيان ما فيه الزكاة الى حكام الحقّ و قد وضع رسول اللّه «ص» بما أنه كان حاكما للمسلمين في عصره الزكاة في تسعة لما كانت هي عمدة ثروة العرب في عصره و عفا عما سوى ذلك و لعله جعلها في آخر عمره في أكثر من ذلك. و الأئمة- عليهم السلام- ربما جعلوها في وقت في أكثر من التسعة كما تدل عليه روايات كثيرة و ربما شاهدوا في وقت آخر ان الزكاة المأخوذة

تصرف في تقوية دول الضلال و الجور و رأوا ان الجباة لها يستندون في تعميمها لمال التجارة و سائر الحبوب الى النقل عن النبي «ص» فأرادوا قصمهم و تضعيف دولتهم بسدّ منابع اقتصادهم فنقلوا ان الزكاة التي وضعها النبي كانت في تسعة ليرتدع الناس عن دفع الزكاة الى حكام الجور.

و بالجملة فتعيين ما فيه الزكاة أحيل الى حكّام الحق لتطوّر ثروات الناس بحسب الأزمنة و الأمكنة و تطور خلّاتهم و احتياجاتهم.

و يؤيد ذلك ما ورد من جعل أمير المؤمنين- عليه السلام- الزكاة في الخيل الإناث و ظاهر ذلك جعلها بنحو الوجوب لا الندب.

ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عنهما- عليهما السلام- جميعا قالا: وضع أمير المؤمنين- عليه السلام- على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين و جعل على البرازين دينارا «5». و المراد بها الزكاة لا الخراج لتسمية ذلك صدقة في صحيحة زرارة «6». فراجع.

و حمل الزكاة هنا على الاستحباب خلاف الظاهر جدا.

هذا و كيف نلتزم في مثل أعصارنا بحصر الزكاة في تسعة فقط مع ان النقدين و كذا الأنعام الثلاثة السائمة منتفية موضوعا و الغلّات الأربع بالنسبة الى منابع ثروة الناس قليلة جدّا و مصارف الزكاة ثمانية تجمعها عمد خلّات الناس و احتياجاتهم و قد اشتملت أخبار كثيرة على أن اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به و لو علم ان الذي فرض لهم لا يكفيهم

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 103.

(2)- سورة البقرة، الآية 267.

(3)- سورة البقرة، الآية 3.

(4)- سورة التوبة، الآية 34.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة،

الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 168

..........

______________________________

لزادهم «1».

و لا محالة أريد بالفقراء: الفقراء و سائر المصارف الثمانية.

و لو فرض ان اللّه- تعالى- جعل الزكاة في تسعة للمصارف الثمانية و جعل الخمس في سبعة منها المعادن بسعتها و منها أرباح المكاسب بشعبها جعله للإمام و لفقراء الهاشميين فقط بحيث يكون عشر كل المستفادات للهاشميين فقط لزم منه- نعوذ باللّه- عدم احاطة اللّه باعداد الناس و ارقامهم مع ان زكاة الهاشميين تكفي لأنفسهم اذا لوحظوا بالنسبة الى سائر الناس و الزكاة المفروضة لهم و لا يكفي في ذلك ما ورد من ان الزائد من الهاشميين للإمام بعد عدم كون المجعولين في البابين متعادلين بالنسبة في مقام الجعل.

اللهم الّا ان يقال- كما احتملناه في كتاب الخمس «2»- ان الخمس الذي يقسم قسمين على القول به خمس غنائم الحرب و لا أقلّ خمس غير الأرباح و اما خمس الأرباح فللإمام فقط بما انه امام و حاكم أي لعنوان الامامة و الحكومة كما هو الظاهر من بعض أخبار خمس الأرباح كقوله في رواية ابن شجاع النيسابوري: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته» و التعبير عنه بحقّك في رواية أبي علي بن راشد «قلت له أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك» «3».

بل التعبير عن مطلق الخمس بوجه الامارة في خبر رسالة المحكم و المتشابه «4».

و قد بيّنّا في محله ان الظاهر عدم وجود خمس الأرباح في عصر النبي و الأعصار الاولى بعده و إنما جعله الأئمة المتوسطون كالصادقين- عليهما السلام- و من بعدهما بحسب ضرورة العصر فلعلهم- عليهم السلام- رأوا عدم انطباق الزكاة التي وضعها النبي «ص» على الأزمنة و الأمكنة مضافا الى انحرافها عن مسيرها الصحيح بحسب المصرف

فجعلوا خمس الأرباح مكانها و هو منطبق على جميع الثروات بحسب جميع الأزمنة و الأمكنة فهو كأنه زكاة وضعها الأئمة- عليهم السلام- و زمام اختيارها بأيديهم و لعلّ ما وضعه النبي «ص» من التسعة أيضا باق و لكن جعل خمس الأرباح متمما لها. كل هذا محتمل و الجزم محتاج الى تتبع و تدقيق.

و كيف كان فقد ذكرنا الى هنا أربعة وجوه للجمع بين الأخبار في المقام و حيث ان الجمع التبرعي كما عرفت لا يكفي في الافتاء بالاستحباب و الحمل على التقية أيضا غير خال عن الإشكال و القول بحصر الزكاة في تسعة أيضا أشكل فالمسألة عندنا باقية بحدّ الاجمال فالأحوط

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(2)- كتاب الخمس، ص 270.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 و 3.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 169

[ما يستحب فيه الزكاة]

نعم يستحب اخراجها من أربعة أنواع أخر:

أحدها: الحبوب مما يكال أو يوزن كالأرز و الحمص و الماش و العدس و نحوها (1).

______________________________

ثبوت الزكاة في غير التسعة أيضا مما ساعدته الأخبار فان الاحتياط طريق للنجاة و مفرّ عن الافتاء بما لا يعلم. و لا أدري نصف العلم. ربّ زدني علما و ألحقني بالصالحين.

و قد طال البحث في المسألة و لكن لم يكن عنه محيص لأن الزكاة أساس اقتصاد الإسلام- صانه اللّه عن الحدثان.

(1) كما أفتى به الشيخان و أكثر من تأخر عنهما خلافا ليونس بن عبد الرحمن و ابن الجنيد فقالا بالوجوب بل استظهرناه أيضا من الكليني و جعلناه أحوط و خلافا للسيد المرتضى و

صاحب الحدائق و صاحب الوافي حيث حملوا أخبار المسألة على التقية فلا وجوب عندهم و لا استحباب.

و قد مرّ تفصيل المسألة و كذا أخبارها أعني أخبار الطائفة الثالثة و الرابعة فراجع.

نعم يقع الاشكال في موضوع المسألة، هل هي الحبوب او ما يقدر بالكيل او باضافة الوزن أيضا او ما أنبتت الأرض الّا ما استثني من الخضر و البقول و ما يفسد من يومه؟

ففي مكاتبة عبد اللّه بن محمد: «الزكاة على كل ما كيل بالصاع».

و في صحيحة محمد بن اسماعيل: «من كل ما كلت بالصاع او قال: و كيل بالمكيال».

و في رواية أبي مريم «كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق» و نحوها موثقة زرارة نعم فيها ذكر الحبوب أيضا و لعلها أخص مما كيل بالصاع.

و في صحيحة محمد بن مسلم سألته عن الحبوب ما يزكّى منها قال «ع»: البر و الشعير و الذرة و الدخن و الارز و السلت و العدس و السمسم كل هذا يزكّى و أشباهه.

و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» مثله، و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة و قال: جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه «1».

ففي الحقيقة جمع في صحيحة زرارة بين الحبوب و ما كيل و ما انبتت الأرض الّا ما استثني و الأول أخص من الأخيرين و بين الأخيرين عموم من وجه و القاعدة في المثبتات و لا سيما في المستحبات و ان كان عدم حمل المطلق على المقيد لعدم احراز وحدة الحكم فلا تنافي بينها و لكن الظاهر في المقام ان السائل و ان سأل عن

الحبوب و لكن الامام «ع» بعد الجواب عنها قال: «كل ما كيل بالصاع ...» لبيان ما هو موضوع الحكم حقيقة ثم قال: «جعل رسول اللّه «ص» ...»

لبيان علة الحكم و ما هو الموضوع في لسان رسول اللّه «ص» فيعلم من ذلك ان المراد بما كيل،

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1، 2، 3، 10، 4 و 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 170

و كذا الثمار كالتفّاح و المشمش و نحوهما (1)

______________________________

ما كيل من النباتات لا مطلقا فترجع الموضوعات الثلاثة الى موضوع واحد و هو ما ذكره رسول اللّه «ص» من «كل شي ء انبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه» هذا.

و اما الوزن فلا دليل على اعتباره في المقام و ان ذكره المصنف، اللهم الّا ان يستشهد له بالغاء الخصوصية بل بالأولوية لأنه الأصل في اعتبار الأشياء و الكيل فرع عليه او يستدل له بخبر زيد الزراد عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: كل شي ء يدخل فيه القفزان و الميزان ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول الّا ما انفسد الى الحول و لم يمكن حبسه ... «1».

و لكن الأولوية القطعية ممنوعة و الظنية غير مفيدة، و عدم اعتبار الخصوصية أيضا ممنوع بل لعل ذكر الكيل لاستثناء الخضر و البقول و ما يفسد لاعتبار أكثرها بالوزن دون الكيل، و خبر زيد مربوط بزكاة مال التجارة بقرينة قوله: «اذا حال عليه الحول» فتدبر.

(1) نسب الى المشهور لدخولها فيما يكال بالصاع و فيما أنبتت الأرض اذ مثل المشمش و نحوه يمكن تجفيفه و ابقاؤه مثل الزبيب فليس مما يفسد من يومه.

و لكن

في الجواهر عن موضع من كشف الغطاء عدم الاستحباب فيها، و عن الدروس و الروضة أيضا نسبته الى الرواية، و لعله مقتضى الجمع بين الأخبار فان عنوان المكيل بالصاع و كذا ما أنبتت الأرض و ان شملها و لكن هنا روايات مخصصة لهذين العنوانين:

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (أ) و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان مالا هل فيه الصدقة؟ قال: لا «2».

و في صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما في الخضر؟ قال: و ما هي؟ قلت:

القضب و البطّيخ و مثله من الخضر، قال: ليس عليه شي ء الّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة، و عن الغضاة من الفرسك و أشباهه فيه زكاة؟ قال: لا، قلت: فثمنه؟ قال:

ما حال عليه الحول من ثمنه فزكّه «3».

و الغضاة جمع غضّ بمعنى الطريّ و في الوافي: «العضاه: جمع عضهة كل شجر له شوك» و الفرسك كزبرج الخوخ او نوع منه.

فالواجب تخصيص العنوانين بهاتين الصحيحتين، و حملهما على نفي الوجوب فلا ينافي الاستحباب بعيد و لا سيما في صحيحة الحلبي لوقوع الفرسك و نحوه في سياق القضب و البطيخ

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 171

دون الخضر و البقول كالقتّ و الباذنجان و الخيار و البطيخ و نحوها (1).

______________________________

و لا استحباب فيهما هذا.

و في مصباح الفقيه: «لا يبعد دعوى خروج ثمر الأشجار عن

منصرف اطلاق ما تنبته الأرض».

و كأنه لانصراف هذا العنوان الى خصوص النباتات المنبسطة على الأرض او القريبة منها و اذا سلّمنا انصراف هذا العنوان عن ثمار الأشجار أمكن القول بعدم شمول عنوان المكيل أيضا لها اذ لعله عنوان مشير الى ما كان مكيلا في عصر الروايات و لعل ثمار الأشجار كانت موزونة لا مكيلة فلا يشملها دليل الاستحباب أصلا.

هذا و لعل نظر الماتن في القول بالاستحباب الى عدم اعمال قواعد العموم و الخصوص و الاطلاق و التقييد في باب المستحبات لعدم احراز وحدة الحكم و التعارض فيها و احتمال كون الاستحباب ذا مراتب فتدبر.

(1) كما يدل على ذلك أخبار مستفيضة كصحيحة الحلبي التي مضت آنفا و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر «ع» انه سئل عن الخضر فيها زكاة و ان بيعت بالمال العظيم؟ فقال:

لا حتى يحول عليه الحول «1».

و المراد حولان الحول على المال الذي بيعت به و هل يراد بالمال خصوص النقدين الواجب فيهما الزكاة أو الأعمّ منهما فيستحب لو كان غيرهما؟ وجهان.

و في صحيحة زرارة: «و جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض الّا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه».

و في صحيحة محمد بن اسماعيل «قال: قلت لأبي الحسن «ع»: ان لنا رطبة و ارزا فما الذي علينا فيهما؟ فقال اما الرطبة فليس عليك فيها شي ء».

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ليس على البقول و لا على البطيخ و أشباهه زكاة الّا ما اجتمع عندك من غلّته فبقى عندك سنة» و نحوها رواية أبي بصير و يحتمل اتحادهما و سقوط أبي بصير من سند رواية سماعة فان سماعة

من رواة أبي بصير.

و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» انهما قالا: عفا رسول اللّه «ص» عن الخضر قلت: و ما الخضر؟ قالا: كل شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك مما يكون سريع الفساد، قال زرارة: قلت: لأبي عبد اللّه «ع» هل في القضب شي ء؟ قال: لا «2».

و في جميع هذه الروايات يأتي ما أشرنا اليه من احتمال ان يراد بالمال او الغلة أعم من

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4، 5، 7، 10 و 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 172

الثاني: مال التجارة على الأصح (1).

الثالث: الخيل الاناث دون الذكور و دون البغال و الحمير و الرقيق.

الرابع: الأملاك و العقارات (2) التي يراد منها الاستنماء كالبستان و الخان و الدكان و نحوها.

[لو تولد حيوان بين حيوانين]

[مسألة 1]: لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم (3) في تحقق الزكاة و عدمها، سواء كانا زكويين أو غير زكويين أو مختلفين، بل سواء كانا

______________________________

النقدين و ان قيل بكون المراد بهما خصوص النقدين و يكون المراد ثبوتها فيهما وجوبا و ربما يستأنس لذلك مضافا الى كونهما النقد الرائج في تلك الأعصار موثقة زرارة و بكير عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: ليس في شي ء أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الدخن و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و ان كثر ثمنه زكاة الّا أن يصير مالا يباع بذهب او فضّة تكنزه ثم يحول عليه الحول و قد صار ذهبا

او فضة ... «1».

هذا و لكن يبقى في الذهن شي ء و هو انه كيف يمكن الالتزام بانتفاء موضوع الزكاة في عصرنا بصرف انتفاء الذهب و الفضة و رواج الأوراق البنكية بدلهما مع بقاء حكمة الزكاة و مصارفها بسعتها، ثم على فرض انحصار الوجوب في التسعة فأي مانع من القول بالاستحباب في أثمان الخضر و البقول و ان لم تكن من النقدين؟

و هل توجب الموثقة الأخيرة التصرف في جميع تلك الروايات المستفيضة الحاكمة بالزكاة في ما اجتمع من غلّة البستان و الأرض؟ و ربما نعود الى البحث عن ذلك في فرصة أخرى فتدبر.

(1) المشهور بين أهل السنة وجوب الزكاة في مال التجارة، و المشهور بيننا الاستحباب فيه و ظاهر ابني بابويه الوجوب و الأخبار في المسألة كثيرة متعارضة. و صاحب الحدائق و الوافي حملا ما دلّ على الزكاة فيه على التقية فلا استحباب فيه أيضا عندهما.

فالأقوال فيه ثلاثة و حيث ان المصنف يتعرض للمسألة بعد ذلك مفصّلة فنحن أيضا نحيل البحث عنها الى ذلك الموضع فانتظر و كذلك عن الثالث و الرابع.

(2) أي في حاصلها على ما قيل و ان كان محل نظر و هل يعتبر فيه النصاب و الحول أم لا؟

يأتي البحث عنه و ان أفتى في التذكرة بعدم اعتبارهما فيه بل يخرج منه ربع العشر بمجرد حصوله.

(3) اذ الأحكام تدور مدار الأسماء لكونها حاكية عن المفاهيم المأخوذة موضوعا للأحكام حتى النجاسة و الطهارة أيضا فلو فرض تولد غنم من كلب و خنزير حكم بطهارته لذلك.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 173

محلّلين او محرمين أو مختلفين مع فرض تحقق الاسم حقيقة لا

ان يكون بمجرد الصورة، و لا يبعد ذلك فان اللّه قادر على كل شي ء.

______________________________

و لكن في المبسوط: «المتولّد بين الظباء و الغنم ان كانت الأمهات ظباء لا خلاف انه ليس فيه زكاة و ان كانت الأمّهات غنما فالأولى أن يجب فيها الزكاة لأن اسم الغنم يتناوله فانها تسمّى بذلك و ان قلنا: لا يجب عليه شي ء لأنه لا دليل عليه و الأصل براءة الذمة كان قويا و الأول أحوط».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 173

و وجهه غير ظاهر، و ادعاء عدم الخلاف مع عدم كون المسألة من المسائل الأصلية المأثورة غريب. و الحمد للّه و الصلاة على رسوله و على آله الطاهرين.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 174

[2- فصل في زكاة الأنعام]

اشارة

فصل في زكاة الأنعام

[يشترط لوجوب الزكاة في الأنعام أمور]

اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيها، مضافا الى ما مرّ من الشرائط العامة أمور:

[الشرط الأول: النصاب]
اشارة

الأول: النصاب (1)

[في نصاب الابل]

و هو في الإبل اثنا عشر نصابا:

الأول: الخمس، و فيها شاة. الثاني: العشر، و فيها شاتان. الثالث: خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه. الرابع: العشرون، و فيها أربع شياه. الخامس: خمس و عشرون، و فيها خمس شياه. السادس: ستّ و عشرون، و فيها بنت مخاض و هي الداخلة في السنة الثانية. السابع: ستّ و ثلاثون، و فيها بنت لبون و هي الداخلة في السنة الثالثة. الثامن: ست و اربعون، و فيها حقّة و هي الداخلة في السنة الرابعة. التاسع: إحدى و ستون، و فيها جذعة و هي التي دخلت في السنة الخامسة. العاشر: ست و سبعون و فيها بنتا لبون. الحادي عشر: إحدى و تسعون، و فيها حقّتان. الثاني عشر: مأئة واحدى و عشرون، و فيها في كل خمسين

______________________________

(1) اذ لا تجب الزكاة قبله اجماعا من المسلمين بل ضرورة من المذهب بل من الدين و تدل عليه الأخبار الآتية.

و في صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل كنّ عنده أربع أينق و تسعة و ثلاثون شاة و تسع و عشرون بقرة أ يزكّيهن؟ قال: لا يزكّي شيئا منهن لأنه ليس شي ء منهن تاما فليس تجب فيه الزكاة «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 175

حقّة و في كل أربعين بنت لبون (1)

______________________________

(1) في المدارك: «هذه النصب مجمع عليها بين علماء الإسلام كما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر سوى النصاب السادس فان ابن أبي عقيل و ابن الجنيد أسقطاه و أوجبا بنت المخاض في خمس و عشرين الى ست و ثلاثين و هو قول الجمهور».

و في المختلف: «المشهور ان في

خمس و عشرين من الإبل خمس شياه فاذا زادت واحدة وجبت بنت المخاض او ابن لبون ذكر ذهب اليه الشيخان و السيد المرتضى و ابن ادريس و ابنا بابويه و سلّار و أبو الصلاح و ابن البراج و باقي علمائنا الّا ابن أبي عقيل و ابن الجنيد فانهما أوجبا في خمس و عشرين بنت مخاض. قال ابن أبي عقيل: فاذا بلغت خمسا و عشرين ففيها بنت مخاض الى خمس و ثلاثين فاذا زادت واحدة ففيها بنت لبون. و قال ابن الجنيد: ثم ليس في زيادتها شي ء حتى تبلغ خمسا و عشرين فاذا بلغتها ففيها بنت مخاض أنثى فان لم تكن في الإبل فابن لبون ذكر فان لم يكن فخمس شياه. فان زاد على الخمس و العشرين واحدة ففيها ابنة مخاض فان لم يوجد فابن لبون ذكر الى خمس و ثلاثين».

فلاحظ ان ابن الجنيد لم يسقط النصاب السادس بل اثبته و أثبت فيه ما أثبته المشهور و إنما خالفهم في فريضة النصاب الخامس. هذا.

و في الخلاف (المسألة 2): «في خمس و عشرين من الإبل خمس شياه و في ست و عشرين بنت مخاض و به قال أمير المؤمنين «ع»، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: في خمس و عشرين بنت مخاض و اما ما زاد على ذلك فليس في النصب خلاف الى عشرين و مأئة، دليلنا اجماع الفرقة و أخبارهم و أيضا روى عاصم بن ضمرة عن علي «ع» قال: أظنه عن رسول اللّه و ذكر مثل ما قلناه و قد روي مثل ذلك عن عمرو بن حزام عن رسول اللّه «ص» ...».

فهذا ما خالفوه في النصاب الخامس و السادس ثم لا خلاف الى

النصاب العاشر فعن الصدوقين خلاف ذلك.

ففي الهداية «الى أن تبلغ ستين فاذا زادت واحدة ففيها جذعة الى ثمانين فاذا زادت واحدة ففيها ثني الى تسعين».

و في فقه الرضا كذلك الى قوله «ففيها ثني». و لعله رسالة علي بن بابويه كما ذكرناه سابقا فراجع. و لم يوافق الصدوقين في ذلك أحد. هذا.

و للسيد المرتضى في الانتصار بالنسبة الى النصاب الثاني عشر كلام خالف فيه الجميع حتى نفسه في الناصريات و العجب عدّه ذلك من منفردات الامامية مع انه لم يقل به أحد منهم.

ففي الانتصار: «و مما انفردت به الامامية و قد وافقها غيرها من الفقهاء فيه قولهم: ان الإبل اذا بلغت مأئة و عشرين ثم زادت فلا شي ء عليهم في زيادتها حتى تبلغ مأئة و ثلاثين و اذا بلغتها ففيها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 176

..........

______________________________

حقة واحدة و بنتا لبون و انه لا شي ء في الزائد بين العشرين و الثلاثين و هذا مذهب مالك بعينه، و الشافعي يذهب الى انها اذا زادت واحدة على مأئة و عشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ...

و الذي يدل على صحة ما ذهبنا بعد الاجماع المتردد ان الأصل هو براءة الذمة ...».

و في الناصريات: «الذي نذهب اليه ان الابل اذا كثرت و زادت على مأئة و عشرين أخرج من كل خمسين حقة و من كل اربعين بنت لبون و وافقنا عليه الشافعي، و قال مالك: اذا زادت على احدى و تسعين فلا شي ء فيها حتى تبلغ مأئة و ثلاثين ثم تجب في كل أربعين بنت لبون و في كل خمسين حقة».

فلاحظ كيف تناقض في كلاميه و كيف نسب في الانتصار الى الاجماع و منفردات الامامية ما لم يقل به

أحد منهم حتى نفسه في كتابه الناصريات.

فهذه هي أقوال المسألة فلنذكر أخبارها.

فنقول يدل على النصب الاثنا عشر المشهورة صحيحة زرارة التي رواها الصدوق و الشيخ ففي الوسائل عن الصدوق في الفقيه باسناده عن عمر بن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال:

ليس فيما دون الخمس من الابل شي ء فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة فاذا كانت عشرا ففيها شاتان، فاذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فاذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فاذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فاذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض الى خمس و ثلاثين، فان لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فان زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون الى خمس و اربعين فان زادت واحدة ففيها حقّة- و إنما سمّيت حقّة لأنها استحقت أن يركب ظهرها- الى ستين، فان زادت واحدة ففيها جذعة الى خمس و سبعين، فان زادت واحدة ففيها ابنتا لبون الى تسعين، فان زادت واحدة فحقّتان الى عشرين و مأئة فان زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون. و عن الشيخ بسند موثق عن زرارة نحوه «1».

و نحو ذلك صحيحة أبي بصير و كذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- الى قوله: «حقتان الى عشرين و مأئة» ثم قال: فاذا كثرت الابل ففي كل خمسين حقة «2».

نعم في صحيحة عبد الرحمن بعد النصاب السادس: «و قال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا و بين الناس».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2

من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 177

..........

______________________________

ثم انه في صحيحة زرارة كما ترى و كذا في صحيحة الفضلاء الآتية ذكر للنصاب الأخير عنوان زيادة الواحدة على العشرين و المائة و في فريضته: «في كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون».

و في صحيحتي أبي بصير و عبد الرحمن ذكر للنصاب الأخير عنوان كثرة الابل و للفريضة «في كل خمسين حقة» فقط.

هذا و استدل لابن أبي عقيل و ابن الجنيد بصحيحة الفضلاء: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل كلهم، عن أبي جعفر «ع» و أبي عبد اللّه «ع» قالا: في صدقة الابل في كل خمس شاة الى ان تبلغ خمسا و عشرين، فاذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و ثلاثين فاذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و أربعين، فاذا بلغت خمسا و أربعين ففيها حقّة طروقة الفحل، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستين، فاذا بلغت ستّين ففيها جذعة، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و سبعين، فاذا بلغت خمسا و سبعين ففيها ابنتا لبون، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ تسعين، فاذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة فاذا بلغت عشرين و مأئة ففيها حقّتان طروقتا الفحل، فاذا زادت واحدة على عشرين و مأئة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون. ثم ترجع الابل على اسنانها، و ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء الحديث «1».

قال في التهذيب ما حاصله:

«ثم قوله- عليه السلام- فاذا بلغت خمسا و عشرين ففيها ابنة مخاض يحتمل ان يكون أراد: «و زادت واحدة» و إنما لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب و لو لم يحتمل ما ذكرناه لجاز أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة».

و في الانتصار ما حاصله: «قلنا اجماع الامامية قد تقدم ابن الجنيد و تأخر عنه و إنما عوّل ابن الجنيد في هذا المذهب على بعض الأخبار و يمكن أن يحمل على ان ذلك على سبيل القيمة لما هو الواجب من خمس شياه»

و في الوسائل ما حاصله: «ان الصدوق روى هذه الرواية في كتاب المعاني عن حماد بن عيسى و في بعض النسخ الصحيحة من المعاني «فاذا بلغت خمسا و عشرين فاذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض» و كذا في سائر الفقرات.

أقول: على نقل صاحب الوسائل هذه الصحيحة من النسخة الصحيحة لا يبقى اشكال و اما

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 178

بمعنى انه يجوز أن يحسب أربعين أربعين و في كل منها بنت لبون أو خمسين خمسين و في كل منها حقة (1) و يتخير بينهما مع المطابقة لكل منهما أو مع عدم المطابقة لشي ء منهما.

______________________________

الحمل على القيمة او التقية فلا يرفعان الاشكال فان الاشكال لا ينحصر في النصاب الخامس و السادس اذ جملة: «فان زادت واحدة» حذفت مما بعدهما أيضا مع انه لا خلاف من أهل السنة في النصب الأخر. فالظاهر لزوم الالتزام بالحذف. و الذي يسهّل الخطب ان نقل الفضلاء الخمسة هذه الصحيحة بطولها من الامامين الهمامين لعله يشهد بعدم صدور الألفاظ بعينها من الامام

اذ يبعد جدّا حضور الخمسة عند الامام الباقر «ع» و سماع عين هذه الألفاظ و ضبطها ثم حضور هذا الجمع عند الامام الصادق «ع» و سماعها منه بعينها أيضا فاذا وصلت النوبة الى النقل بالمعنى فلعل السهو و السقط في مقام النقل بالمعنى حصل منهم او من بعض الرواة عن هذا الجمع و النقل بالمعنى يلازم هذا النحو من الفلتات غالبا. فتأمل.

و كيف كان فلا تساوق هذه الصحيحة للصحاح الأخر لكثرتها و اشتهارها بين الأصحاب فيعمل بقوله- عليه السلام-: «خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه».

ثم ان قوله في ذيل الصحيحة: «ثم ترجع الابل على اسنانها» لعل المراد به ان الفريضة بعد ذلك تنحصر في اسنان الابل من الحقة و ابن اللبون ردا على أبي حنيفة و أصحابه القائلين باستيناف الفريضة و الرجوع الى الغنم بعد النصاب الأخير فيكون في الخمس شاة و في العشر شاتان و هكذا. و يدل على ردّه أيضا قوله «و ليس على النيف شي ء».

و قد صرح بذلك في آخر خبر شرائع الدين المروي في الخصال عن الأعمش، عن جعفر بن محمد «ع» حيث قال بعد النصاب الأخير: «و يسقط الغنم بعد ذلك و يرجع الى اسنان الابل» «1».

و اما ما ذكره الصدوقان في النصاب العاشر فيدل عليه مضافا الى عبارة فقه الرضا التي مرّت، خبر الأعمش المروي في الخصال عن جعفر بن محمد «ع» حيث قال: «فاذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة الى ثمانين، فان زادت واحدة ففيها ثني الى تسعين ...».

و لكنه لشذوذه و مخالفته للأخبار الصحيحة و الاجماعات المنقولة و فتاوى الأصحاب متروك.

و يمكن حمل الفريضة المذكورة في

الخبر على القيمة و ان كان بعيدا فتدبر.

(1) اذا تجاوز عدد الابل عن المائة و عشرين فهل يتخير المالك مطلقا بين أن يحسب و يعدّ خمسين خمسين و يعطي لكل خمسين حقة او اربعين اربعين و يعطي لكل أربعين بنت لبون، او

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 179

..........

______________________________

يتعين عليه أن يحسب و يعدّ بنحو يستوعب المال و لا يبقى عفو الّا من الواحد الى التسع فقد يتعين الخمسون و قد يتعين الأربعون و قد يجب العدّ بهما و قد يتخير؟ في المسألة قولان. المحكى عن فوائد القواعد و مجمع البرهان و المدارك و غيرها الأول، و عن الخلاف و المبسوط و السرائر و الوسيلة و التذكرة و المسالك و غيرها الثاني.

ففي الخلاف (المسألة 3): «اذا بلغت الابل مأئة و عشرين ففيها حقّتان بلا خلاف فاذا زادت واحدة فالذي يقتضيه المذهب ان يكون فيها ثلاث بنات لبون الى مأئة و ثلاثين ففيها حقة و بنتا لبون الى مأئة و اربعين ففيها حقتان و بنت لبون الى مأئة و خمسين ففيها ثلاث حقاق الى مأئة و ستين ففيها أربع بنات لبون الى مأئة و سبعين ففيها حقة و ثلاث بنات لبون الى مأئة و ثمانين ففيها حقتان و بنتا لبون الى مأئة و تسعين ففيها ثلاث حقاق و بنت لبون الى مأتين ففيها أربع حقاق او خمس بنات لبون ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ و به قال الشافعي و أبو ثور و ابن عمر، و قال أبو حنيفة و أصحابه اذا بلغت مأئة واحدى و عشرين استونفت الفريضة في كل خمس

شاة الى مأئة و أربعين ففيها حقتان و أربع شياه الى مأئة و خمس و اربعين ففيها حقتان و بنت مخاض ...».

و في المسالك في شرح قول المصنف: «فاربعون او خمسون او منهما» قال: «أشار بذلك الى ان النصاب بعد بلوغها ذلك يصير أمرا كليا لا ينحصر في فرد و ان التقدير بالاربعين و الخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب فان أمكن بهما تخيّر و ان لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء و لو لم يمكن الّا بهما وجب الجمع فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب و هو المائة واحدى و عشرون بالأربعين، و المائة و الخمسون بالخمسين، و المائة و سبعون بهما و يتخير في المائتين، و في الأربعمائة يتخير بين اعتباره بهما و بكل واحد منهما».

و في المدارك بعد نقل ما في المسالك: «و ما ذكره أحوط الّا ان الظاهر التخيير في التقدير بكل من العددين مطلقا كما اختاره- قدس سره- في فوائد القواعد و نسبه الى ظاهر الأصحاب لإطلاق قوله «ع» في صحيحة زرارة: فان زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون. و يدل عليه صريحا اعتبار التقدير بالخمسين خاصة في روايتي عبد الرحمن و أبي بصير المتقدمتين».

أقول: اما صحيحة زرارة فحملها على التخيير مطلقا خلاف الظاهر جدّا اذ الظاهر منها ان كل ما يفرض فيها مصداقا للخمسين فهو سبب لحقة و كل ما يفرض مصداقا للأربعين موجب لبنت اللبون و لكن لا على سبيل الاجتماع بل على سبيل التبادل اذ المال الواحد لا يزكّى مرتين فهو مخير بينهما اذا استوعب

كل منهما لجميع المال و كان عادّا له كما في المائتين و الّا تعين عليه الأخذ بما يحصل معه الاستيعاب حتى لا يبقى فرد من الخمسين و لا من الأربعين بلا عدّ له مستقلا او في ضمن الآخر فاذا كان المال مأئة واحدى و عشرين مثلا فكل ما يفرض فيه من الأربعين

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

أوجب ابنة لبون فلا يجوز عدّه بالخمسين قهرا لعدم شموله للأربعينات الثلاث و اذا كان مأئة و خمسين مثلا فكل واحد من الخمسينات الثلاث فيه أوجب حقة فلا يجوز عدّه بالأربعين لعدم شموله للخمسينات الثلاث بخلاف المائتين اذ كل منهما فيه عادّ لأفراد الآخر.

لا يقال: ان طرح أحد الدليلين إنما يلزم لو كان قد حصل مصداق تام للآخر و لم يعمل بدليله كما في المائة و أربعين مثلا لو أخذ بالخمسين فقط و اما في المائة و ثلاثين مثلا فلو أخذ بخمسينين فليس الثلاثون مصداقا تاما للأربعين.

فانه يقال: ليست الاربعينات و الخمسينات في النصاب الموجود منحازة مستقلة بل كل واحد من العقود يستعد لأن يصير جزءا من الأربعين او الخمسين فلا يجوز الغاء شي ء من العقود اذ يلزم منه الغاء مصداق من الأربعينات او الخمسينات المتصورة.

فمقتضى رعاية العددين و عدّ النصاب بهما عدم العفو الّا للنيّفات الفواصل بين العقود.

و لعله لذا قال قال في ذيل صحيحة الفضلاء: «ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون ثم ترجع الابل على اسنانها و ليس على النيف شي ء».

فلم يذكر العفو الّا للنيف المراد به الفاصل بين العقدين و في غيره يرجع الى اسنان الابل بحيث يستوفي العقود و يستوعبها. هذا.

و اما صحيحتا عبد الرحمن و أبي بصير فالتصرف

فيهما لازم على كل حال اذ الظاهر منهما تعيّن العدّ بالخمسين و لم يقل به أحد منّا لجواز العدّ بالأربعين اما تخييرا او بنحو التعيين اذا توقف الاستيعاب عليه فتكون الصحيحتان من هذه الجهة في مقام الاجمال فيرفع اجمالهما بظهور صحيحتي زرارة و الفضلاء في لزوم الاستيعاب.

فان قلت: النصاب الأخير أعني المائة واحدى و عشرين مورد للأربعين فقط فيلزم في صحيحتي عبد الرحمن و أبي بصير المذكور فيهما الخمسون فقط على فرض لزوم الاستيعاب تخصيص المورد.

قلت: أجاب في المستمسك عن هذا الاشكال بأن الحكم ليس لخصوص المائة و احدى و عشرين حتى يلزم تخصيص المورد و إنما هو حكم لما زاد على المائة و عشرين مطلقا و الواحدة مأخوذة فيه لا بشرط فيكون الموضوع كليا صادقا على المرتبة المذكورة و غيرها من المراتب.

و لكن الحق في الجواب ان المذكور في صحيحة زرارة: «فان زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل اربعين ابنة لبون» و نحو ذلك في صحيحة الفضلاء فالمورد فيهما المائة واحدى و عشرون.

و اما في صحيحتي عبد الرحمن و أبي بصير فالمذكور فيهما بعد العشرين و المائة قوله: «فاذا كثرت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 181

و مع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها (1) بل الأحوط مراعاة الأقل عفوا، ففي المائتين يتخير بينهما لتحقق المطابقة لكل منهما، و في المائة و خمسين الأحوط اختيار الخمسين، و في المائتين و الأربعين الأحوط اختيار الأربعين (2) و في المائتين و ستين يكون الخمسون أقل عفوا، و في المائة و أربعين يكون الأربعون أقل عفوا.

______________________________

الابل ففي كل خمسين حقة» فليس المورد فيهما المائة واحدى و عشرين بل كثرة الابل و لم

يقل:

«فاذا زادت» حتى يشمل زيادة الواحدة أيضا و يبعد جدا صدق كثرة الابل على ما اذا زادت واحدة فيعلم من ذلك ارادة بيان حكم الابل الكثيرة اجمالا حيث ان بعض مصاديق الكثير مما يستوعبه الخمسون.

و يؤيد ما ذكرناه من لزوم الاستيعاب ما تراه في صحيحة الفضلاء من بيان الاستيعاب في نصابي البقر فراجع.

و بما ذكرناه يظهر ما في كلام المصنف في بيان المسألة حيث غفل عن انه مع تعين العدّ بنحو الاستيعاب لا يبقى عفو الّا للفواصل و النيّفات و لا يتصور في العفو أقل و أكثر فتدبر.

(1) بل الأقوى كما مرّ وجوب مراعاة المطابقة و لو حصلت بالتركيب منهما و يتخير مع حصولها بكل منهما كالمائتين و حينئذ فلا يبقى عفو الّا للفواصل بين العقود و لا مجال للأقل عفوا.

(2) بل يتخير فيه بين الحساب بأربعين و بين ان يحسب باربعين واحد و اربع خمسينات، و في المائتين و ستين يتعين الأخذ بخمسينين و أربع أربعينات، و في المائة و أربعين بخمسينين و أربعين واحد.

تنبيه: في الكافي: «باب اسنان الابل: من أول يوم تطرحه أمّه الى تمام السنة حوار، فاذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لأن أمّه قد حملت، فاذا دخل في السنة الثالثة يسمى ابن لبون و ذلك ان أمّه قد وضعت و صار لها لبن، فاذا دخل في السنة الرابعة يسمى الذكر حقّا و الأنثى حقّة لأنه قد استحق أن يحمل عليه، فاذا دخل في السنة الخامسة يسمى جذعا، فاذا دخل في السادسة يسمى ثنيّا لأنه قد ألقى ثنيّته، فاذا دخل في السابعة ألقى رباعيته و سمي رباعيا، فاذا دخل في الثامنة ألقى السنّ الذي بعد الرباعية و سمي سديسا، فاذا

دخل في التاسعة و طرح نابه سمي بازلا، فاذا دخل في العاشرة فهو مخلف و ليس له بعد هذا اسم، و الأسنان التي تؤخذ منها في الصدقة من بنت مخاض الى الجذع». و نحو ذلك في الفقيه أيضا فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 182

[مسألة 1]: في النصاب السادس اذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون (1) بل لا يبعد اجزاؤه عنها اختيارا أيضا (2). و اذا لم يكونا معا عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء.

______________________________

(1) بلا خلاف و لا اشكال و يشهد له قوله في صحيحة زرارة: «فان لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» و نحو ذلك في صحيحة أبي بصير «1».

(2) الشقوق المتصورة أربعة: الأول: ان يوجد عنده المبدل منه و البدل معا فهل يجزي دفع البدل؟ قولان.

ففي الجواهر عن القواعد و غيرها الاجتزاء به اختيارا و قواه بنفسه قال: «لقيام علوّ السن مقام الأنوثة و لذا لم يكن فيه جبران اجماعا كما عن التذكرة و لانسباق عدم ارادة الشرط حقيقة من عبارة النص و الّا لاقتضى عدم اجزائها عنه اذا لم تكن موجودة حال الوجوب و ان وجدت بعده بناء على ان الشرط عدم كونها عنده حينه لا حال الأداء».

أقول: ظاهر النص كون البدل مجزيا عند عدم المبدل منه فيكون بدلا اضطراريا مشروطا بعدم القدرة على المبدل منه كالتيمم بالنسبة الى الوضوء و الاعتبار بالوجود و العدم حين الأداء لا حين الوجوب كسائر موارد الاضطرار فتدبر.

الثاني: لو كان عنده البدل فقط فاجزائه واضح كما مرّ و هل يجوز تحصيل المبدل منه بالشراء و نحوه و يجزي أم لا؟ الظاهر الاجزاء اذ المستفاد من الصحيحتين ان البدل من

باب الارفاق فيجوز تحصيل المبدل منه بل يتعين بعد تحصيله.

الثالث: ان يكون عنده المبدل منه و حكمه واضح.

الرابع: ان يفقد المبدل منه و البدل معا فهل يتعين عليه تحصيل المبدل منه او البدل او يتخير؟ وجوه.

وجه الأول ان الظاهر من دليل البدل بدليته عند وجوده فان فقده وجب عليه تحصيل أصل الفريضة.

و وجه الثاني ان شرط الانتقال الى البدل فقدان المبدل منه عنده و المفروض ان الشرط حاصل فيتعين تحصيل البدل لانتقال الفرض اليه.

و وجه الثالث ان البدل كما عرفت من باب الارفاق فيجزي المبدل منه بعد تحصيله قطعا و يجوز تحصيل البدل أيضا و يجزي لتحقق شرطه و هو فقدان المبدل منه.

لا يقال: بدلية البدل مقيد بكونه عنده.

فانه يقال: لو سلّم فبعد التحصيل يصدق كونه عنده.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 183

[في نصاب البقر]

و أمّا في البقر فنصابان: الأول: ثلاثون و فيها تبيع او تبيعة و هو ما دخل في السنة الثانية.

الثاني: أربعون و فيها مسنّة و هي الداخلة في السنة الثالثة (1).

______________________________

و الأقوى هو الوجه الثالث و ان كان الأحوط تحصيل المبدل منه.

(1) في الخلاف (المسألة 14): «لا شي ء في البقر حتى تبلغ ثلاثين فاذا بلغتها ففيها تبيع او تبيعة و هو مذهب جميع الفقهاء، و قال سعيد بن المسيب و الزهري: فريضتها في الابتداء كفريضة الابل في كل خمس شاة الى ثلاثين فاذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع، دليلنا اجماع الفرقة ... و أيضا روى الحكم، عن طاوس، عن ابن عباس قال: لما بعث رسول اللّه «ص» معاذا الى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا او تبيعة

و جذعا أو جذعة و من كل أربعين بقرة بقرة مسنّة».

و دليل سعيد و الزهري قياس البقر بالابل لأجزائهما في الهدي و الأضحية.

و يردّه اجزاء الغنم أيضا فيهما و قد مرّ صحيحة زرارة الصريحة في عدم الوجوب في تسع و عشرين بقرة.

و يدل على ذلك أيضا و على النصابين صحيحة الفضلاء الخمسة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه قالا: في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقل من ذلك شي ء، و في أربعين ففيها بقرة مسنّة، و ليس فيما بين الثلاثين الى الأربعين شي ء حتى تبلغ أربعين، فاذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، و ليس فيما بين الأربعين الى الستين شي ء، فاذا بلغت ستين ففيها تبيعان الى السبعين، فاذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنّة الى الثمانين، فاذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنّة الى تسعين، فاذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات، فاذا بلغت عشرين و مأئة ففي كل أربعين مسنّة ثم ترجع البقر على اسنانها، و ليس على النيف شي ء و لا على الكسور شي ء الحديث «1».

و في خبر الأعمش، عن جعفر بن محمد «ع»: «و تجب على البقر الزكاة اذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حولية فيكون فيها تبيع حولي الى أن تبلغ أربعين بقرة، ثم يكون فيها مسنّة الى ستين، (فاذا بلغت ستين ففيها تبيعتان الى سبعين ثم فيها تبيعة و مسنة الى ثمانين و اذا بلغت ثمانين- نسخة الخصال) فتكون فيها مسنّتان الى تسعين ثم يكون فيها تبايع ثم بعد ذلك يكون في كل ثلاثين بقرة تبيع و في كل أربعين مسنة «2».

______________________________

(1)- الوسائل

ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 184

..........

______________________________

و ظاهر الخبرين عدم العفو بعد الستين الّا لفواصل العقود كما قويناه في الابل أيضا و حذف المائة و المائة و العشرة في الصحيحة لا يضر بهذا الاستظهار لكونه معمولا في المكالمات العادية و لا سيما بملاحظة ما أشرنا اليه في باب الابل من ظهور كون الصحيحة منقولة بالمعنى، لاستبعاد صدور عين هذه الألفاظ بكثرتها من الامامين الهمامين لهذه الخمسة من الأصحاب و ضبطهم لها بعينها فراجع.

و على أي حال فلا اشكال من هذه الجهة.

نعم يبقى الاشكال في ان المذكور في الصحيحة و كذا خبر الأعمش التبيع و لكن المصنف عطف عليه التبيعة و ظاهره التخيير.

و في المعتبر: «و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و الفضيل و بريد، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: في البقرة في كل ثلاثين تبيع او تبيعة و ليس في أقل من ذلك شي ء ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنّة ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان او تبيعتان ثم في سبعين تبيع او تبيعة و مسنة و في ثمانين مسنّتان و في تسعين ثلاث تبايع، و هو قول العلماء خلا رواية عن أبي حنيفة».

فتراه نقل الصحيحة بنحو تدل على التخيير بين التبيع و التبيعة و يظهر منه اتفاق العلماء على ذلك.

و قد مرّت عبارة الخلاف أيضا حيث ذكرت فيها التبيعة أيضا ثم قال «و هو مذهب الفقهاء» الى أن قال «دليلنا اجماع الفرقة».

و في المنتهى:

«أجمع المسلمون على وجوب التبيع او التبيعة في الثلاثين و وجوب المسنّة في الأربعين و أجمعوا على أن هذين الشيئين هي المفروضة في زكاة البقر».

و فيه أيضا «الفريضة المأخوذة في الابل و البقر إنّما هي الاناث خاصة الّا ابن اللبون و ليس اصلا بل هو بدل و التبيع في البقر خاصة و لا خلاف. و في الأخرى (الأحرى ظ) التبيعة عن الثلاثين للأحاديث و لأنها أفضل بالدرّ و النسل».

و في الغنية: «ففي كل ثلاثين منها تبيع حولي او تبيعة» الى ان قال: «بدليل الاجماع الماضي ذكره».

و بالجملة يستدل على اجزاء التبيعة بصحيحة الفضلاء بنقل المعتبر و بالإجماعات المنقولة و بالشهرة المحكية في المختلف حيث قال: «المشهور ان في ثلاثين من البقر تبيعا او تبيعة» و بالأولوية و كونها أفضل بالدرّ و النسل كما في المنتهى مضافا الى ان ما في الصحيحة بنقل الكافي من قوله: «ثلاث تبايع حوليات» يدل على كفاية التبيعة اذ جمع فعيل فعال، و فعائل جمع لفعيلة مع ان تذكير لفظ العدد يدل على أنوثة المعدود.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 185

و فيما زاد يتخيّر بين عدّ ثلاثين ثلاثين و يعطي تبيعا أو تبيعة، و أربعين أربعين و يعطي مسنّة (1).

[في نصاب الغنم]

و أمّا في الغنم فخمسة نصب: الأول: أربعون، و فيها شاة. الثاني: مأئة واحدى و عشرون، و فيها شاتان. الثالث: مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه. الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مأئة شاة (2).

______________________________

هذا و لكن صحة نقل المعتبر مع معارضته بنقل الكليني و الشيخ محل اشكال و لعله كان واضحا عنده اجزاء التبيعة فخلّط في مقام النقل و كأنه كان عنده

نحوا من النقل بالمعنى. و كون معقد الاجماعات المذكورة كفاية التبيعة أيضا محل اشكال. و الشهرة الفتوائية المفيدة غير ثابتة و الأولوية القطعية أيضا غير ثابتة و لعل الذكور من البقر أفيد من اناثه لكثرة الابتلاء به في الحرث و نقل الكافي يعارضه نقل غيره و لذا خدش في الاجتزاء بالتبيعة في الحدائق بل استظهر عدمه و تعجب من الشيخ الحرّ انه مع تصلبه في الاخبارية كيف تبع المشهور في بدايته فقال فيه بالتخيير. و كيف كان فالأحوط متابعة النص.

ثم ان التبيع كما ذكر المصنف هو ما دخل في السنة الثانية.

و في الشرائع «هو الذي تمّ له حول». و لعله المشهور.

و لكن في المدارك: «ذكر الجوهري و غيره ان التبيع ولد البقر في السنة الأولى، و إنما اعتبر فيه تمام الحول لقوله في حسنة الفضلاء: في كل ثلاثين بقرة تبيع حوليّ».

و في المبسوط: «قال أبو عبيد: تبيع لا يدل على سنّ و قال غيره: إنما سمي تبيعا لأنه يتبع أمّه في الرعي و فيهم من قال: ان قرنه يتبع اذنه حتى صارا سواء فاذا لم تدل اللغة على معنى التبيع و التبيعة فالرجوع فيه الى الشرع ...».

و على أي حال فالحول معتبر شرعا للتصريح به في صحيحة الفضلاء و خبر الأعمش و القيد على أحد الوجهين توضيحي و على الآخر احترازي، و حمل النسبة على كون المراد بها كونه في الحول خلاف الظاهر جدا.

(1) هذا غير ظاهر الوجه لكونه خلاف الصحيح المتقدم و كذا خبر الأعمش فالظاهر وجوب العد بنحو الاستيعاب بحيث لا يقع العفو الّا على الفواصل بين العقود.

نعم يتخير لو كان الاستيعاب حاصلا بكل منهما كالمائة و العشرين مثلا، و الاقتصار فيه على

الثلاث مسنات في صحيحة الفضلاء لعله لكونها احدى فردي التخيير.

(2) في نصاب الغنم اختلافان: الأول في ان النصاب الأول أربعون او واحدة و أربعون، الثاني ان النصب أربعة أو خمسة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

اما الأول ففي الفقيه: «و ليس على الغنم شي ء حتى تبلغ أربعين شاة فاذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة».

و مثله في المقنع و الهداية و نحوه في فقه الرضا و قد احتملنا كونه رسالة علي بن بابويه.

و في المختلف: «المشهور عند علمائنا أجمع ان أول نصب الغنم أربعون. ذهب اليه الشيخان و ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و السيد المرتضى و سلّار و ابن البرّاج و ابن حمزة و قال ابنا بابويه «ره»: ليس على الغنم شي ء حتى يبلغ أربعين فاذا بلغت أربعين و زادت واحدة ففيها شاة».

و يستدل لهذا القول مضافا الى فقه الرضا بناء على كونه كتاب حديث بخبر الأعمش، عن جعفر بن محمد «ع» و فيه: «و تجب على الغنم الزكاة اذا بلغت أربعين شاة و تزيد واحدة فتكون فيها شاة» «1».

و يردّه انه خلاف اجماع المسلمين من الشيعة و غيرهم و خلاف الصحيحين الآتيين. فخبر الأعمش مضافا الى عدم صحة سنده من الشاذ النادر الذي يجب أن يترك.

و اما الثاني أعني كون النصب أربعة او خمسة فعند الجمهور أربعة و عندنا المسألة ذات قولين و فيها روايتان أيضا.

ففي الخلاف (المسألة 17): «زكاة الغنم في كل أربعين شاة الى مأئة و عشرين فاذا زادت واحدة ففيها شاتان الى مأتين، و اذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه الى ثلاثمائة، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياه الى أربعة مأئة فاذا بلغت ذلك ففي كل مأئة شاة،

و بهذا التفصيل قال النخعي و الحسن بن صالح بن حيّ، و قال جميع الفقهاء: أبو حنيفة و مالك و الشافعي و غيرهم مثل ذلك الّا انهم لم يجعلوا بعد المائتين و واحدة أكثر من ثلاث الى أربعمائة و لم يجعلوا في الثلاثمائة و واحدة أربعا كما جعلناه، و في أصحابنا من ذهب الى هذا على رواية شاذة و قد بيّنا الوجه فيها و هو اختيار المرتضى، دليلنا اجماع الفرقة و روى حريز ...».

و في المختلف: «ذهب الشيخان الى ان النصاب الرابع للغنم ثلاثمائة و واحدة و ان فيه أربع شياه الى أربعمائة فيؤخذ من كل مأئة شاة بالغا ما بلغ. قال الشيخ في الخلاف ... و الذي اختاره الشيخ هو مذهب أبي علي بن الجنيد و أبي الصلاح و ابن البرّاج، و مذهب السيد المرتضى هو اختيار ابن أبي عقيل و ابن بابويه و سلّار و ابن حمزة و ابن ادريس. و المعتمد اختيار الشيخ، لنا الاحتياط ...».

و أنت ترى ان كلا من القولين قائله منا كثير فلا يصح نسبة الشيخ القول الآخر الى رواية

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 187

..........

______________________________

شاذة.

و كيف كان فيدل على ما اختاره الشيخ صحيحة الفضلاء: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» (في الشاة) في كل أربعين شاة شاة، و ليس في ما دون الأربعين شي ء ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة فاذا بلغت عشرين و مأئة ففيها مثل ذلك شاة واحدة فاذا زادت على مأئة و عشرين ففيها

شاتان و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مأتين فاذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك فاذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ثم ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فاذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة، فاذا تمّت أربعمائة كان على كل مأئة شاة و سقط الأمر الأول و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء و ليس في النيف شي ء، و قالا: كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فاذا حال عليه الحول وجب عليه «1».

و يدل على القول الآخر صحيحة محمد بن قيس، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي ء فاذا كانت أربعين ففيها شاة الى عشرين و مأئة، فاذا زادت واحدة ففيها شاتان الى المائتين فاذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم الى ثلاثمائة، فاذا كثرت الغنم ففي كل مأئة شاة الحديث «2».

و في خبر الأعمش، عن جعفر بن محمد: و تجب على الغنم الزكاة اذا بلغت أربعين شاة و تزيد واحدة فتكون فيها شاة الى عشرين و مأئة فان زادت واحدة ففيها شاتان الى مأتين فان زادت واحدة ففيها ثلاث شياه (الى ثلاثمائة، و بعد ذلك يكون في كل مأئة شاة شاة، في نسخة الخصال، طبع مكتبة الصدوق) «3».

قال في الوسائل: بعد ذكر الصحيحتين «حكم الثلاثمائة و واحدة غير مذكور هنا صريحا فلا ينافي الحديث الأول، و لو كان صريحا في وجوب ثلاث شياه لا غير تعين حمله على التقية. ذكره جماعة من علمائنا».

و في المدارك: «المسألة قوية الاشكال لأن الروايتين معتبرتا الاسناد و

الجمع بينهما مشكل جدا و من ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح و اقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين و نسبة القول الثاني الى الشهرة ... و لو كانتا (الروايتين) متكافئتين في السند و المتن لأمكن حمل الرواية الأولى (صحيحة محمد بن قيس) على التقية لموافقتها لمذهب العامة او حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة و يكون حكم الثلاثمائة و واحدة مهملا في الرواية».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 188

..........

______________________________

أقول: في صحيحة محمد بن قيس بعد ذكر الثلاثمائة و ان فيها ثلاث شياه لم يقل: «فاذا زادت الغنم» حتى يشمل الثلاثمائة و واحدة فما فوقها بل قال: «فاذا كثرت الغنم» و يبعد جدّا عدم كون الثلاثمائة كثيرة فاذا زادت واحدة صارت كثيرة فالظاهر من هذه الجملة ارادة العقود الكبيرة مثل الأربعمائة فما فوقها فيكون ظاهر الحديث وجوب ثلاث شياه في المائتين و واحدة الى ثلاثمائة بنحو يدخل الغاية في المغيّى ثم من أربعمائة فما فوقها تجب في كل مأئة شاة فالصحيحتان بحسب الظاهر متعارضتان و تكون النصب الأربعة في صحيحة محمد بن قيس متباينة بخلاف الخمسة في صحيحة الفضلاء لتداخل النصاب الرابع و الخامس فيها حيث تتحد الفريضة فيهما كما لا يخفى.

و كيف كان فالجمع الدلالي مشكل فتصل النوبة الى الجهتي.

فان قلت: صحيحة الفضلاء نص في وجوب أربع شياه في الثلاثمائة و واحدة و صحيحة محمد بن قيس ظاهرة في وجوب ثلاث شياه فيها فيحمل الظاهر

على النص او يحكم باهمال حكم الثلاثمائة و واحدة في صحيحة محمد بن قيس كما في الوسائل و المدارك.

قلت: ظاهر كلتا الصحيحتين كونهما في مقام استقصاء النصب و لا نحكم بالجمع الدلالي الّا في صورة كونه عرفيا متبادرا من اللفظين بعد لحاظهما معا و ليس المقام كذلك فالمقام مقام الأخذ بقولهم- عليهم السلام-: «يؤخذ بما خالف العامة ففيه الرشاد»، و الاحتياط أيضا يقتضي الأخذ بصحيحة الفضلاء و الحكم بوجوب أربع شياه في الثلاثمائة و واحدة.

نعم هنا شي ء في الذهن بالنسبة الى صحيحة الفضلاء و هو ما أشرنا اليه في نصابي الابل و البقر من استبعاد سماع الفضلاء الخمسة هذه الألفاظ بعينها بطولها تارة من الامام الباقر و أخرى من الامام الصادق «ع» فيكون الخبر منقولا بالمعنى و بذلك وجّهنا التشويش الموجود فيه تارة في نصاب الابل من حذف قوله: «فاذا زادت واحدة» من الجملات و تارة في نصاب البقر من التعرض لحكم السبعين و الثمانين و التسعين ثم حذف المائة و المائة و العشرة ثم التعرض لحكم العشرين و المائة. فالاعتماد على هذه الصحيحة بهذا الوصف مشكل و لكن الاحتياط يقتضي الأخذ بها.

[ينبغي التنبيه على أمور]
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمور:

[الأول: هل الواحدة الزائدة شرط او جزء]

الأول: هل الواحدة الزائدة على المائة و العشرين في النصاب الأخير للإبل و النصاب الثاني للغنم و كذا الزائدة على المائتين او الثلاثمائة في نصابي الغنم شرط في وجوب الفريضة او جزء من النصاب؟ وجهان: من ظهور قوله «ع» «في كل اربعين ابنة لبون» مثلا في ان مورد الحق ثلاث اربعينات فالواحدة خارجة منها و من ان هذا الكلام مسوق لبيان ما يجب اخراجه و الّا فمتعلق الحق هو مجموع النصاب لا خصوص الأربعينات. و تظهر الثمرة في احتساب جزء من الفريضة على الفقير لو تلفت الواحدة بعد السنة بلا تفريط فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 189

[الثاني: انحاء تعلق الزكاة]

______________________________

الثاني: هل الثابت في باب الزكاة وجوب او ندب تكليفي محض، او تكون أمرا ثابتا في ذمة المكلف كالديون، او تكون حقا ثابتا في المال كما في حق الرهانة، او حق الجناية في العبد الجاني، او حق الزوجة في العقارات، او حق الغرماء في التركة، او حق الفقراء في منذور التصدق به، او تكون ثابتة في المال بنحو الملكية للفقراء بنحو الاشاعة او بنحو الكلي في المعين؟ وجوه ذكروها في محلها و سيأتي تفصيل ذلك عند تعرض المصنف له.

و الذي نريد الاشارة اليه هنا اجمالا هو ان المصنف و من حذا حذوه و ان توهّموا ان الكلي في المعين أمر خارجي و ان تعلق الزكاة أو الخمس بهذا النحو أيضا مثل الاشاعة نحو شركة في العين الخارجية و لكن الظاهر ان الشركة في العين الخارجية تنحصر في الاشاعة فقط و ان الكلي ليس أمرا خارجيا وراء الأشخاص و الأفراد.

و الشيخ الاعظم «ره» ذكر في المكاسب ما حاصله: «ان بيع البعض من جملة متساوية الأجزاء كصاع من صبرة

يتصور على وجوه: الأول: ان يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان.

الثاني: ان يراد به بعض مردد نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد.

الثالث: ان يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الأفراد المتصورة في تلك الجملة.

و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الثاني ان المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين و في هذا الوجه أمر كلي غير متشخص و لا متميز بنفسه و يتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة و يوجد به (الى أن قال): و حاصله ان المبيع مع الترديد جزئي حقيقي فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق على الأفراد المتصورة في تلك الجملة».

الى آخر ما ذكره مما يظهر منه وجود الفرد المنتشر في الخارج دون الكلي في المعين.

فكلامه- قدس سره- في عدّ الفرد المنتشر أمرا خارجيا و ان كان خلاف التحقيق و لكن كلامه في عدم وجود الكلي الّا بوجود الأفراد كلام صحيح. فكما ان المبيع اذا كان كليا مطلقا كمنّ من حنطة لا يكون بنفسه موجودا في الخارج بل في ذمة البائع غاية الأمر قابلية كل منّ خارجي من تطبيق المبيع عليه فكذلك اذا كان كليا مقيدا كمنّ من حنطة اصفهان او صاع من هذه الصبرة، فجميع تشخصات الصيعان باقية على ملك مالكها و لم ينتقل منها شي ء الى المشتري.

غاية الأمر انه ليس للبائع اتلاف جميعها لوجوب حفظ القدرة على الأداء و لكن قبل الأداء يكون جميع مصاديق الصاع و أشخاصه للبائع و لذا لا يجب على البائع تحصيل رضا المشتري في مقام التصرف بخلاف ما اذا كان المبيع السهم المشاع.

نعم يمكن ان يقال ان الكلي المطلق ظرفه ذمّة البائع و لكن الكلي المقيد في المقام ظرفه

الصبرة الخارجية فكأن ذمة الصبرة الخارجية مشغولة بهذا الصاع المبيع، و لكن هذا لا يلازم شركة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 190

..........

______________________________

المشتري في الصبرة و انتقال شي ء منها اليه فتأمل، فان الظاهر عدم الفرق بين منّ من حنطة اصفهان و صاع من هذه الصبرة، فكما ان خارجية اصفهان لا توجب اشتغال ذمة هذه البلدة فكذلك خارجية الصبرة لا توجب اشتغال ذمتها فيكون ظرف الكلي المقيد أيضا مثل الكلي المطلق ذمّة البائع.

[التنبيه الثالث: معنى العفو عما بين النصب]

التنبيه الثالث: هل العفو عما بين النصب بمعنى عدم وقوعه متعلقا لحق الفقراء أصلا و كون المتعلق مقدار النصاب، او بمعنى عدم ثبوت شي ء زائد على ما ثبت بالنصاب الذي قبله و ان كان الحق متعلقا بالمجموع، مثلا اذا كان له تسع من النوق فهل يكون المتعلق للزكاة مجموع التسع او الخمس منها؟ وجهان.

ربما يتوهم ان معنى كون الأربعة في المثال عفوا عدم كونها متعلقة لحق الفقراء و ان المتعلق له خصوص الخمس الموجود في ضمن التسع.

و لكن الظاهر من الروايات خلاف ذلك، ففي صحيحة زرارة: «فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة» و كذا: «فاذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض الى خمس و ثلاثين»، «فان زادت واحدة ففيها جذعة الى خمس و سبعين» «1». الى غير ذلك من الجمل التي ذكرت فيها كلمة «الى»، فان ظاهرها كون ما بين النصابين أيضا متعلقا للفريضة المذكورة.

و أوضح من ذلك ما في صحيحة الفضلاء في نصاب الغنم حيث قال: في كل أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شي ء، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة فاذا بلغت عشرين و مأئة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فاذا زادت على مأئة و عشرين

ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مأتين فاذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ... «2».

فانظر كيف صرح بثبوت الشاة في عشرين و مأئة و الشاتين في مأتين و الظاهر كون الشاة مثلا لمجموع العشرين و المائة لا لخصوص الأربعين في ضمنه. و على هذا فيراد بقوله في الفقرة الأولى: «ثم ليس فيها شي ء» عدم شي ء أزيد من شاة كما يدل عليه قوله في الفقرة الثانية: «و ليس فيها أكثر من شاتين».

و على هذا فيكون معنى العفو عدم ثبوت شي ء زائد فيه على ما وجب بالنصاب الأول، فلا ينافي كون المجموع متعلقا للحق، و هو المراد أيضا من قوله: «و ليس على النيف شي ء» أي شي ء زائد على ما على العقود.

هذا كله في مقام الاثبات و الاستظهار من الروايات و الّا فعلى القول بثبوت الشركة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 191

..........

______________________________

و الاشاعة في باب الزكاة لا محيص عن القول بتعلق الزكاة بالمجموع لأن هذا مقتضى كون حق الفقراء ثابتا بنحو الاشاعة في المال الخارجي.

فان قلت: لعل الزكاة ثابتة بنحو الاشاعة في خصوص مقدار النصاب لا المجموع منه و من مقدار العفو.

قلت: ليس مقدار النصاب موجودا مستقلا منحازا عن المجموع نعم هو موجود فيه بالقوة و بنحو الكلي في المعين و حيث عرفت في التنبيه السابق عدم خارجية الكلي في المعين و عدم تحققه بالفعل يظهر لك ان القول باشاعة حق الفقراء فيه يقتضي عدم ثبوت حقهم في الخارج. هف.

فان قلت: أ ليس اذا وجد المائة مثلا في الخارج وجد

في ضمنه الأربعون في الخارج أيضا.

قلت: لا نسلم وجود الأربعين بالفعل في ضمن المائة فان مراتب الأعداد بأسرها متباينة، فالأربعون بحدّه غير موجود في المائة بل يوجد فيها بالقوة و بنحو الكلي في المعيّن.

فتلخص من ذلك ان مقتضى القول بالشركة الخارجية هو القول بتعلق الزكاة بمجموع المال من مقدار النصاب و العفو فتدبر.

و سنعود في آخر التنبيه الخامس ثانيا الى هذا البحث فانتظر.

[التنبيه الرابع: حكم ما بين النصابين]

التنبيه الرابع: في صحيحة الفضلاء بعد نصب الابل و كذا بعد نصب البقر و الغنم: «ليس على النيّف شي ء».

و في نهاية ابن الأثير: «كل ما زاد على عقد فهو نيّف بالتشديد و قد يخفف حتى يبلغ العقد الثاني».

و في المنجد: «النيّف و النيف: الزيادة يقال: عشرة و نيّف او و نيف و كل ما زاد على العقد فنيف الى أن يبلغ العقد الثاني و لا تستعمل لفظة نيّف الّا بعد عقد فيقال: عشرة و نيف و مأئة و نيف و ألف و نيف و لكن لا يقال: خمسة عشر و نيف».

فعلى ذلك يكون قوله: «و ليس على النيف شي ء» مرتبطا بالنصاب الأخير من الثلاثة فان الاعتبار في النصاب الأخير من الابل باربعين و خمسين و في البقر بثلاثين و اربعين و في الغنم بمائة فيراد بذلك عدم الاعتبار بما بين العقود و اما في النصب الآخر فليس الاعتبار بالعقود الّا في البقر خاصة فلا مجال فيها لقوله: «ليس على النيف شي ء»، و حمل النيّف على ما بين النصابين حمل للّفظ على غير ما يستعمل فيه اصطلاحا و قد عرفت ان معنى الجملة عدم شي ء في النيّف زائدا على ما في قبله من النصاب فلا ينافي كون الفريضة بازاء النصاب و العفو معا

فتدبر.

[التنبيه الخامس: اشكال مشهور في باب نصب الغنم]

التنبيه الخامس: في باب نصب الغنم اشكال مشهور يقال انه مما طرحه المحقق- قدس سره- في درسه و هو انه اذا وجب أربع شياه عند بلوغ الغنم ثلاثمائة و واحدة و لم تتغيّر الفريضة حتى تبلغ خمسمائة فأيّ فائدة في جعل الأربعمائة نصابا و كذلك الكلام على كون النصب أربعة فانه اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 192

..........

______________________________

وجب في المائتين و واحدة ثلاث شياه و كذلك في الثلاثمائة و واحدة فأيّ فائدة في جعل الثاني نصابا مع تداخل النصابين في الفريضة.

أقول: لا يخفى ان الاشكال وارد على صحيحة الفضلاء و كذلك على تقرير الأصحاب للنصب الخمسة او الأربعة و اما على ما بيناه في صحيحة محمد بن قيس فلا يرد الاشكال اذ ليس فيها اسم من الثلاثمائة و واحدة بل ذكر فيها بعد الثلاثمائة قوله: «فاذا كثرت الغنم ففي كل مأئة شاة» و ليس معنى «كثرت»: «زادت» حتى يقال بشموله لثلاثمائة و واحدة فما فوقها بل ذكر هذه الجملة بعد الثلاثمائة ثم جعل الاعتبار بالمائة يستظهر منها كون النظر الى أربعمائة فما فوقها فلا تداخل للنصابين أصلا كما لا يخفى.

و في الحقيقة الاشكال متوجه الى الأصحاب و هو انه على فرض كون النصب في الغنم أربعة لم جعلوا النصاب الرابع ثلاثمائة و واحدة مع عدم ذكرها في الصحيحة و عدم تغير الفريضة فيها الى الأربعمائة؟

و كيف كان فقد أجاب في الجواهر عن الاشكال بأنه يمكن أن يكون الوجه في ذلك متابعة النص او ان الاتحاد في الفريضة مع فرض كون النصاب الثاني كليّا ذا أفراد متعددة ينفرد عن الأول في غالب أفراده غير قادح.

و ردّ عليه في مصباح الفقيه بما حاصله ان الجواب

الأول اسكاتي و الثاني غير حاسم لمادة السؤال اذ ما ذكره بيان لمعقولية جعل النصاب الثاني كليّا و ان اتحد مقتضاه لما قبله في بعض الأفراد و المقصود بالسؤال الاستفهام عن ثمرة جعل الأربعمائة نصابا كليا مع انه لو جعل الخمسمائة نصابا كليا لم يتداخل النصابان أصلا هذا.

و أجاب المحقق بنفسه عن الاشكال بقوله في الشرائع: «و تظهر الفائدة في الوجوب و في الضمان».

بيان ذلك انه اذا كانت أربعمائة فمحل الوجوب مجموعها اذ المجموع نصاب و محل الوجوب النصاب و لو نقصت عن الأربعمائة و لو واحدة فمحل الوجوب الثلاثمائة و واحدة و الزائد عفو، و يتفرع على ذلك جواز تصرف المالك في الزائد قبل اخراج الزكاة هذا بالنسبة الى الوجوب.

و اما الضمان فهو أيضا متفرع على محل الوجوب فلو تلف من أربعمائة واحدة بعد الحول بغير تفريط سقط من الزكاة جزء من مأئة جزء من الشاة و لو كانت ناقصة من أربعمائة و تلف منها شي ء لم يسقط من الفريضة شي ء ما دامت الثلاثمائة و واحدة باقية و كذلك الكلام على القول بالنصب الأربعة.

و ناقش في ذلك صاحب المدارك فقال ما لفظه: «لكن يمكن المناقشة في عدم سقوط شي ء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة لأن مقتضى الاشاعة توزيع التالف على الحقّين و ان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

كان الزائد عن النصاب عفوا اذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمّل».

و حاصل اشكاله يرجع الى الاشكال في محل الوجوب و في الضمان معا اذ حاصله ان الزكاة مشاعة في جميع المال فجميعه محل للوجوب و يتبعه عدم الضمان قهرا مع تلف الواحدة لا عن تفريط.

و أجاب في الحدائق عن هذه

المناقشة بما حاصله: «انه ان أريد كون الزكاة حقا شايعا في مجموع المال من النصاب و العفو فهو ممنوع و ان أريد كونها حقا شايعا في مقدار النصاب فقط فهو مسلّم و مقتضاه ما ذكره المحقق. غاية الأمر ان مقدار النصاب غير متميز بل هو مخلوط بالعفو و لكن لا يستلزم هذا تقسيط التالف على العفو لأن النصاب محل الوجوب، و نقصان الفريضة إنما يدور مدار نقصانه و النصاب الآن موجود كملا».

و قرر هذا الكلام في مصباح الفقيه بما حاصله: «ان اشاعة حق الفقير في النصاب لا تتوقف على تميز النصاب بل على تحققه في الواقع فلو باع زيدا مثلا صاعا من صبرة و شرط عليه أن يكون ربعه لعمرو فقد جعل لعمرو في هذه الصبرة ربعا مشاعا من صاع كلي مملوك لزيد متصادق على أي صاع فرض من هذه الصبرة فبقاء ملك عمرو تابع لبقاء ملك زيد الذي هو صاع من هذه الصبرة على سبيل الكلية بحيث لا يرد عليه نقص بتلف شي ء من الصبرة ما دام بقاء صاع منها.

فان أردت مثالا لما نحن فيه فهو فيما لو نذر ان رزقه اللّه عشرين شاة لا بشرط عدم الزيادة و بقيت عنده سنة فنصفها صدقة فرزقه اللّه ثلاثين و بقيت سنة فقد تحقق موضوع نذره و صار نصف العشرين الموجود في الثلاثين صدقة و ان لم يتشخص العشرون فلو تلف بعض الثلاثين قبل السنة او بعدها لم يرد نقص على الصدقة ما بقيت العشرون».

أقول: عمدة الاشكال هو ان الموجود في الخارج هو المتشخصات المتميزات و ان الشي ء ما لم يتشخص لم يوجد و الكلي الطبيعي و ان كان يوجد بوجود أفراده بل هو في الخارج

عين أفراده و لكن المقصود بالكلي في المعين هنا كالصاع من الصبرة ليس هو الصيعان الخارجية الموجودة بعين الصبرة اذ لا شك ان الخارج بخارجيته باق على ملك البائع في بيع صاع من الصبرة و ما لم يشخّص الصاع المبيع في صاع خارجي ليس للمشتري التصرف في الصيعان و الصبرة فكأن المبيع صاع كلي في ذمة هذه الصبرة نظير الصاع الكلي المطلق الثابت في ذمة البائع و ان شئت قلت: المبيع صاع كلي مقيد بالصبرة ثابت في ذمة البائع فليس خارجيا ثابتا في الواقع و اذا لم يكن هو ثابتا في الخارج فعدم خارجية المشاع فيه بطريق أولى، فلو قيل بشركة أرباب الخمس او الزكاة في المال الخارجي و ثبوت حق لهم في الخارج فلا محالة ينحصر ذلك في الاشاعة في ما هو الثابت في الخارج و هو مجموع المال الخارجي دون النصاب المفروض بنحو الكلي في المعين. فلعل هذا ما أراده صاحب المدارك في مناقشته.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 194

و ما بين النصابين في الجميع عفو (1) فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق (2).

[البقر و الجاموس واحد و كذا الضأن و الماعز]

[مسألة 2]: البقر و الجاموس جنس واحد (3) كما انه لا فرق في الابل بين العراب و البخاتي (4) و في الغنم بين المعز و الشاة و الضأن. كذا لا فرق بين الذكر و الأنثى في الكل (5).

______________________________

اللهم الّا ان يقال: ان الشي ء اما ان يوجد في الخارج بنفسه او بمنشإ انتزاعه كجميع المفاهيم الانتزاعية فان وجودها بوجود منشأ انتزاعها، و السهم المشاع أيضا من هذا القبيل فان الموجود في الخارج بنفسه هو ذات المقسوم بوحدته لا الاقسام و السهام، نعم لما كان المقسوم قابلا للقسمة يكون

وجود القابل بنفسه نحو وجود للمقبول. فالموجود بالفعل ذات المقسوم، و الأقسام موجودات بالقوة و يعتبر وجود المقسوم نحو وجود لها و هذا يكفي في الحكم عرفا بوجود الشي ء و اذا اكتفى بهذا النحو من الوجود فنقول نظيره متحقق في الكلي في المعين فان الصاع الكلي موجود بوجود الصبرة عرفا و ان لم يكن متميزا و موجودا بنفسه و لذا لو باع مالك الصبرة صيعانا بمقدارها يحكم عرفا بكونه واجدا لما باعه و لو باع أزيد من ذلك يحكم بعدم واجديته لما باعه.

و بالجملة الحكم بعدم وجود الكلي في المعين ينقض بعدم وجود السهم المشاع أيضا و الحلّ كفاية الوجود التقديري و الوجود بالقوة في كليهما فتدبر، فان للبحث عن هذه المسائل محلا آخر.

(1) قد جرت عادة الفقهاء بتسمية الزائد عن النصاب من الابل «شنقا» محركة و من البقر «و قصا» محركة و من الغنم «عفوا»، و المعنى واحد و المصنف سمى الجميع عفوا.

(2) مرّ الخلاف في ان المراد بالعفو ما لا يتعلق به الزكاة أصلا او مالا يتعلق به أزيد مما وجب بالنصاب الذي قبله فلا ينافي كون المتعلق المجموع من النصاب و العفو، و لعل عبارة المصنف هنا ظاهرة في الثاني.

(3) ففي صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قلت له: في الجواميس شي ء؟ قال: مثل ما في البقر «1».

(4) للإطلاق و لصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر «ع» و أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت: فما في البخت السائمة شي ء؟ قال: مثل ما في الابل العربية «2».

(5) كل ذلك لإطلاق الأدلة، و لفظ الشاة يطلق على الضأن و المعز معا، و كذا الذكر و الأنثى. و اشترط في المراسم في الأنعام الثلاثة الأنوثة. و

اجماع المسلمين و اطلاق الأدلة يدفعان قوله فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 195

[في حكم المال المشترك و المال المتفرق]

[مسألة 3]: في المال المشترك اذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم، و ان بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط. و ان كان المجموع نصابا و كان نصيب كل منهم أقل لم يجب على واحد منهم.

[اذا كان مال المالك الواحد متفرقا]

[مسألة 4]: اذا كان مال المالك الواحد متفرقا و لو متباعدا يلاحظ المجموع فاذا كان بقدر النصاب وجبت، و لا يلاحظ كل واحد على حدة (1).

______________________________

(1) أقول: هاتان المسألتان متعانقتان، و ملخّص الكلام فيهما ان فقهاءنا متفقون على ان الاعتبار بوحدة المالك و تعدّده، و انه لا أثر لوحدة مكان المال و تعدّده اصلا. فمال المالك الواحد اذا بلغ النصاب تعلقت به الزكاة سواء كان المال في مكان واحد أو أمكنة متعددة، قريبة او متباعدة و سواء اختلط بمال غيره أم لا.

و يوافقنا في ذلك أبو حنيفة أيضا و لكن الشافعية و الحنابلة قائلون بان الاعتبار بوحدة المال و تعدده بحسب المكان سواء كان المالك واحدا او متعددا. فلو كان أربعون من الغنم لأربعين شخصا بالشركة بينهم تعلقت به الزكاة، و لو كان ثمانون لشخص واحد في موضعين أخذت منه شاتان، و يعنونون المسألة بصدقة الخلطاء سواء كانت «الخلطة» بالضم بمعنى الشركة او «الخلطة» بالكسر بمعنى العشرة بأن يتحد الغنم مثلا في المسرح و المراح و المشرب و الحالب و المحلب و الفحل و نحو ذلك و ان امتاز مال كل مالك بنفسه.

فلنذكر بعض الكلمات و العبارات ثم نذكر الاستدلال لما هو الحق.

ففي نهاية الشيخ: «و لو ان انسانا ملك من المواشي ما يجب فيه الزكاة فان كانت في مواضع متفرقة وجب عليه فيها الزكاة. و ان وجد في موضع واحد من المواشي ما يجب فيه الزكاة لملّاك

جماعة لم يكن عليهم فيها شي ء على حال».

و في زيادات الزكاة من المقنعة: «روى اسماعيل بن مهاجر، عن رجل من ثقيف قال:

استعملني علي بن أبي طالب «ع» على بانقيا و سواد من الكوفة فقال لي: ... و لا تجمع بين متفرق و لا تفرق بين مجتمع، يعني في الملك على ما قدمناه، و المعنى في ذلك انه لا يؤخذ من الشريكين صدقة اذا بلغ ملكهما جميعا مقدار ما يجب فيه الزكاة و لا تسقط الزكاة عن المالك و ان كان ملكه في الأماكن على الافتراق».

و في الشرائع: «و لا يضم مال انسان الى غيره و ان اجتمعت شرائط الخلطة و كانا في مكان واحد بل يعتبر في مال كل واحد بلوغ النصاب، و لا يفرّق بين مالي المالك الواحد و لو تباعد مكانهما».

و في الجواهر بعد العبارة الأولى: «بأن اتحد المسرح و المراح و المشرب و الفحل و الحالب و المحلب، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا بل الاجماع بقسميه عليه، كما ان النصوص

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 196

..........

______________________________

واضحة الدلالة عليه». و بعد الجملة الأخيرة: «بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص واضحة الشمول له».

و في الخلاف عنون ثلاث مسائل متواليات:

(المسألة 34): «لا تأثير للخلطة في الزكاة سواء كان خلطة أعيان او خلطة أوصاف و إنما يزكى كل واحد منهما زكاة الانفراد فينظر الى ملكه فان كان فيه الزكاة على الانفراد ففيه الزكاة في الخلطة و ان لم يكن فيه الزكاة على الانفراد فلا زكاة فيه مع الخلطة ... و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و قال الشافعي و أصحابه انهما يزكيان زكاة الرجل الواحد فان كان بينهما اربعون شاة كان

فيها شاة كما لو كانت لواحد ...، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون فيما قلناه».

(المسألة 35): «اذا كان لرجل واحد ثمانون شاة في موضعين او مأئة و عشرون في ثلاثة مواضع لا يجب عليه أكثر من شاة واحدة و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: لا يجمع بين ذلك بل يؤخذ منه في كل موضع اذا بلغ النصاب ما يجب فيه، دليلنا اجماع الفرقة».

(المسألة 36): «لا يجب الزكاة في النصاب الواحد اذا كان بين شريكين من الدراهم و الدنانير و أموال التجارات و الغلّات و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي في القديم و قال في الجديد تضم الخلطة في ذلك و تجب فيه الزكاة، دليلنا انه اذا ثبت ان الشركة و الخلطة في المواشي لا يجب فيها الزكاة فلا تجب أيضا في هذه الأموال لأن أحدا لا يفرق بين المسألتين».

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و ان اختلط جماعة في خمس من الابل او ثلاثين من البقر او أربعين من الغنم و كان مرعاهم و مسرحهم و مبيتهم و محلهم و فحلهم واحدا أخذت منهم الصدقة».

و في المغني في شرح العبارة: «نصّ عليه أحمد و هذا قول عطا و الأوزاعي و الشافعي و الليث و اسحاق، لنا ما روى البخاري في حديث أنس: لا يجمع بين متفرق و لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة».

هذه بعض العبارات المرتبطة بالمسألتين.

اذا عرفت هذا فنقول يمكن أن يستدل على ما اختاره أصحابنا من كون الاعتبار بوحدة المالك و تعدده بوجوه:

الأول: الاجماع المدعى في الجواهر و غيره و ان كان تحصيله لا يخلو من اشكال لعدم عنوان المسألة في كثير من كتب القدماء.

الثاني: ظواهر الآيات

و الأخبار الحاكمة بوجوب الزكاة مع ما دلّ منها على اعتبار النصاب،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 197

..........

______________________________

فان الظاهر منها ان كل شخص مكلف بتزكية ماله بعد بلوغ النصاب أي بلوغ ماله و الّا فمجموع أموال الناس بحد النصاب دائما.

و بالجملة فتعدد المالك يوجب تعدد التكليف و الموضوع و الشرائط و هذا واضح لا غبار عليه بعد تتبع الآيات و الروايات في الأبواب المختلفة.

الثالث: خبر العلل عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قلت له: مأتي درهم بين خمس أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: لا هي بمنزلة تلك، يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي ء حتى يتم لكل انسان منهم مأتا درهم، قلت: و كذلك في الشاة و الابل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: نعم «1».

الرابع: قول النبي «ص» في كتابه لوائل بن حجر الحضرمي و لقومه: «... لا خلاط و لا وراط ...» «2».

و ظاهر الخبر عدم الأثر للخلطة او الخلطة، و الوراط: الخديعة و الغش.

قال الصدوق في المعاني: «و يقال: ان قوله: لا خلاط و لا وراط كقوله: لا يجمع بين متفرق و لا يفرّق بين مجتمع».

الخامس: ما ورد من الطريقين من قوله «ع»: «لا يجمع بين متفرق و لا يفرق بين مجتمع».

ففي صحيحة محمد بن قيس التي مضت في نصب الغنم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق».

و في خبر محمد بن خالد انه سأل أبا عبد اللّه عن الصدقة فقال: «مر مصدّقك ان لا يحشر من ماء الى ماء و لا يجمع بين المتفرق و لا يفرق بين المجتمع

الحديث» «3» و قد مرّ نقل الحديث عن البخاري أيضا.

أقول: في معنى الحديث احتمالات:

الأول: ان يراد الاجتماع و التفرق بحسب المكان كما فهمه الشافعي و أصحابه، فيكون المعنى ان المال الواحد المجتمع اذا كان بحد النصاب تعلق به الزكاة و ان كان لملّاك متعددة فلا يفرّق بحسب الملّاك و المال المتعدد المتفرق يراعى كل من أفراده و يؤخذ منه الزكاة و لا يحسب الجميع مالا واحدا بحسب وحدة المالك.

الثاني: ان يراد الاجتماع و التفرق بحسب الملّاك فيكون المعنى ان مال المالك الواحد اذا كان

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

بحد النصاب تعلق به الزكاة و ان كان في أمكنة متفرقة فلا يفرّق لذلك و المال المتفرق بحسب المالك لا يجمع بسبب الخلطة او الخلطة بل يحسب مال كل شخص بنفسه. هكذا حمل الحديث أصحابنا.

الثالث: ان يكون مرتبطا بآداب المصدّق فيكون في الحقيقة تفسيرا لقوله: «مر مصدقك ان لا يحشر من ماء الى ماء» اذ لعل المصدق قد يجبر صاحبي الأموال ان يجمعوا أموالهم في مكان واحد ليسهل له جباية زكواتها و قد يجبرهم على تفريقها لذلك فنهاهم الامام عن ذلك.

هذا و لكن يؤيد أحد الأولين قوله في حديث أنس: «خشية الصدقة».

و قال في الدعائم ما لفظه: «و عنهم- عليهم السلام- عن رسول اللّه «ص» انه نهى ان يجمع في الصدقة بين مفترق او يفرّق بين مجتمع.

و ذلك ان لا يجمع أهل المواشي مواشيهم للمصدق اذا أظلّهم ليأخذ

من كل مأئة شاة، و لكن يحسب ما عند كل رجل منهم و يؤخذ منه منفردا ما يجب عليه، لأنه لو كان ثلاثة نفر لكل واحد منهم أربعون شاة فجمعوها لم يجب للمصدق منها الّا شاة واحدة و هي اذا كانت كذلك في أيديهم وجب فيها ثلاث شياه، على كل واحد شاة.

و تفريق المجتمع ان يكون للرجل أربعون شاة فاذا أظلّه المصدق فرّقها فرقتين لئلا تجب فيها الزكاة فهذا ما يظلم فيه أرباب الأنعام.

فاما ما يظلم فيه المصدق فان يجمع مال رجلين لا تجب على كل واحد منهما الزكاة كأن كان لواحد منهما عشرون شاة فاذا جمعها صارت فريضة، و كذلك يفرق بين مال الرجل الواحد يكون له مأئة و عشرون شاة فيجب فيها واحدة فيفرّقها أربعين أربعين ليأخذ منها ثلاثا، فهذا لا يجب و لا ينبغي لأرباب الأموال و لا للسعاة ان يفرقوا بين مجتمع و لا يجمعوا بين مفترق.

و عن جعفر بن محمد «ع» انه قال: و الخلطاء اذا جمعوا مواشيهم و كان الراعي واحدا و الفحل واحدا لم تجمع أموالهم للصدقة و أخذ من مال كل امرئ منهم ما يلزمه، فان كانا شريكين أخذت الصدقة من جميع المال و تراجعا بينهما بالحصص على قدر مال كل واحد منهما من رأس المال» «1».

هذا و الظاهر اجمال الحديث و عدم امكان الاستدلال به.

ففي مصباح الفقيه: «الحق ان هذه العبارة بنفسها مجملة قابلة لمعان عديدة لا تنهض بنفسها شهادة لشي ء من المذهبين، و لعل الحكمة في اجمالها التقية».

و كيف كان فالمسألتان بحسب موازين فقهنا واضحتان لا اشكال فيهما فتدبر.

______________________________

(1)- كتاب الدعائم ج 1، ص 255.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 199

[الواجب من الضأن الجذع و من المعز الثنى]

[مسألة 5]: أقل أسنان

الشاة التي تؤخذ في الغنم و الابل من الضأن الجذع و من المعز الثني (1).

______________________________

(1) القائل به الشيخ، و بنو حمزة و زهرة و ادريس، و الفاضل، و الشهيدان، و العليان، و المقداد، و القطيفي على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور نقلا على لسان جماعة و تحصيلا، بل في الرياض ليس فيه مخالف يعرف، بل في الخلاف و الغنية الاجماع عليه كذا في الجواهر.

و قيل يجزي ما تسمى شاة، قال في الحدائق: «و هو الأصح و اليه ذهب جملة من أفاضل متأخري المتأخرين عملا باطلاق الأخبار المتقدمة». و في الجواهر: «ربما كان في المحكي عن المنتهى و التحرير نوع ميل اليه».

و في المستمسك: «مال اليه الأردبيلي و المدارك و الخراساني على ما حكي عنهم».

فلنذكر بعض عبارات الأصحاب:

ففي الشرائع: «و الشاة التي تؤخذ في الزكاة قيل: أقله الجذع من الضأن او الثني من المعز، و قيل ما سمي شاة و الأول أظهر».

و في الخلاف (المسألة 20): «المأخوذ من الغنم الجذع من الضأن و الثني من المعز فلا يؤخذ منه دون الجذعة و لا يلزمه أكثر من الثنية و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: لا يؤخذ الّا الثنية فيهما، و قال مالك: الواجب الجذعة فيهما، دليلنا اجماع الفرقة و أيضا روى سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول اللّه «ص» فقال: نهينا أن نأخذ من المراضع و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية».

و في الغنية: «و المأخوذ من الضأن الجذع و من المعز الثني و لا يلزم فوق الثني بدليل الاجماع المشار اليه».

و كيف كان يستدل على اعتبار الجذعة و الثنية بالشهرة و بالإجماع المنقول في الخلاف و الغنية، و برواية سويد بن

غفلة المذكورة في الخلاف و غيره، و بمرسلة العوالي المحكية في الجواهر عن النبي «ص» انه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن و الثني من المعز، قال: و وجد ذلك في كتاب علي- عليه السلام.

أقول: لو كانت المسألة من المسائل الأصلية المأثورة عن الأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين- لكانت مذكورة في الكتب المعدّة لنقل هذه المسائل كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية، مع انها غير مذكورة فيها، نعم ذكرها الشيخ في خلافه، و مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي.

فكشف الشهرة المدعاة و الاجماع المدعى عن كون المسألة متلقاة عن المعصومين «ع» مشكل.

و اما خبر سويد بن غفلة فقد يورد عليه أولا بأنه من الأخبار العامية.

و ثانيا بعدم وجدانه في كتب أهل السنة أيضا، نعم في كتاب الزكاة من سنن أبي داود في خبر مسلم بن شعبة عن رسولي رسول اللّه «ص»: «قد نهانا رسول اللّه ان نأخذ شافعا قلت: فأي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

شي ء تأخذان؟ قالا عناقا جذعة او ثنية». و لكنه يغاير مضمون خبر سويد.

و ثالثا يحتمل فيه ان يكون: «نهينا و أمرنا» مجهولين فلا يعلم الآمر و الناهي.

و رابعا بأنه لم يذكر فيه كون الجذعة من الضأن و الثنية من المعز، فلعله بالعكس او يكون المقصود التخيير بين الجذعة و الثنية في كليهما. هذا.

و أجيب عن الأول بأن استناد الأصحاب اليه جابر لضعفه فهو و ان لم يكن مرويا في كتب أخبار الامامية و لكن تدوينه في كتبهم الاستدلالية على وجه الاستناد اليه بمنزلة تدوينه في كتب أخبارهم بل أبلغ في الدلالة على الوثوق و الاعتماد عليه.

و نجيب عن الثاني بعدم اضراره بعد نقل الأعاظم له، و في

المغني لابن قدامة- في ذيل قول المصنف: «و يؤخذ من المعز الثني و من الضأن الجذع»-: «لنا ما روى مالك عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول اللّه «ص» و قال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن و الثنية من المعز»، و فيه أيضا: «لقول النبي: انما حقنا في الجذعة و الثنية». و هم أبصر بأخبارهم و مواضعها.

و عن الثالث بأن الظاهر كون الآمر و الناهي هو النبي «ص» لعدم كون غيره في عصره ممن يطاع في هذا السنخ من المسائل، مضافا الى ما في التذكرة في مقام نقل الحديث: «لقول سويد بن غفلة أتانا مصدق رسول اللّه «ص» و قال: نهانا رسول اللّه «ص» ان نأخذ المراضع و أمرنا بالجذعة و الثنية». فنسب النهي و الأمر اليه «ص».

و عن الرابع أولا بأن الشيخ في الخلاف (المسألة 12) نقل الحديث و فيه «و أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن و الثني من المعز».

و ثانيا بأن عدم التعرض لخصوصية الضأن و المعز يوجب اجمال المقيد فيوجب اجمال المطلقات و عدم امكان التمسك بها.

و ثالثا بامكان رفع الاجمال بما ورد في باب الهدى، ففي صحيحة ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز الّا الثني.

و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما انه سأل عن الأضحية فقال ... و الجذع من الضأن يجزي و الثني من المعز.

و في صحيحة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي فقال: الجذع من الضأن، قلت: فالمعز؟ قال: لا يجوز الجذع من المعز، قلت: و لم؟ قال:

لأن الجذع من الضأن يلقح

و الجذع من المعز لا يلقح «1».

هذا مضافا الى عدم وجود هذا الاجمال في مرسلة العوالي فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 10 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 201

[معنى الجذع و الثنى]

و الأول ما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية (1).

______________________________

هذا و لكن بعد اللتيا و التي يشكل الاعتماد في مقام الافتاء بالإجماع المنقول و المرسلتين، و اطلاق الشاة في قوله: «في خمس من الابل شاة»، و قوله: «في أربعين شاة شاة» مع كونه في مقام البيان يقتضي كفاية ما يسمى شاة، و انصرافها عن مثل الصغار و السخال لا يقتضي عدم صدقها على من بقي من سنته يوم أو يومان مثلا.

و لكن مخالفة المشهور المفتى به بعد اعتضاده بما هو المسلّم فتوى و رواية في باب الهدي من اعتبار الجذع في الضأن و الثني في المعز، و استظهار كون البابين بملاك واحد من جهة ما يستفاد من صحيحة حماد و غيرها من كون الملاك بلوغ الحيوان و كونه بحيث يستعد للّقاح أشكل، فان المستفاد من الصحيحة و كلمات الأصحاب و أهل اللغة ان الحيوان يلقح في هذا السنّ و ما لم يلقح لم يبلغ فيكون سخلا فينصرف عنه اطلاق الشاة.

و بالجملة يمكن الاستشهاد لهذا الباب بباب الهدي بعد استظهار وحدة الملاك فيهما، فاشتراط كون الضأن جذعة و المعز ثنية ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط و يشكل مخالفته.

(1) نسب الى الصدوقين و الشيخين و السيد في الجمل و سلّار و ابني حمزة و زهرة و الفاضلين، و هو الموافق لقول كثير من أهل اللغة و للاحتياط.

و في القواعد و عن المبسوط و التذكرة و المنتهى و التحرير

و الدروس و البيان و غيرها ما كمل له سبعة أشهر.

قال في الصحاح: «الجذع قبل الثني ... تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية و لولد البقرة و الحافر في السنة الثالثة و للإبل في السنة الخامسة أجذع و الجذع اسم له في زمن و ليس بسن تنبت و لا تسقط و قد قيل في ولد النعجة انه يجذع في ستة اشهر او تسعة أشهر و ذلك جائز في الأضحية».

و في نهاية ابن الأثير: «و أصل الجذع من أسنان الدواب و هو ما كان منها شابّا فتيا فهو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية، و قيل البقر في الثالثة و من الضأن ما تمت له سنة، و قيل: أقل منها و منهم من يخالف بعض هذا في التقدير».

و في مجمع البحرين: «و في الحديث تكرر ذكر الجذع بفتحتين و هو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في الثانية، و في المغرب: الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية أشهر، و في حياة الحيوان: الجذع من الضأن ماله سنة تامة. هذا هو الصحيح عند أصحابنا و هو الأشهر عند أهل اللغة و غيرهم، و قيل: ما له ستة أشهر، و قيل سبعة، و قيل ثمانية، و قيل ابن عشر حكاه القاضي عياض». انتهى ما في المجمع.

و في المغني لابن قدامة: «الجذع من الضأن و هو ما له ستة أشهر و الثني من المعز و هو ماله سنة».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 202

و الثاني ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة (1)

______________________________

و في زكاة المبسوط:

«فاذا دخلت (المعز) في الثانية فهي جذعة و الذكر جذع فاذا دخلت في الثالثة فهي الثنية و الذكر الثني ...، و اما الضأن ... فاذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي ان كان بين شابّين فهو جذع و ان كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر و هو جذع أبدا حتى يستكمل سنة فاذا دخل في الثانية فهو ثني و ثنية ... و إنما قيل جذع في الضأن اذا بلغ سبعة أشهر و أجزأ في الأضحية لأنه اذا بلغ سبعة أشهر فان له في هذا الوقت نزو و ضراب و المعز لا ينز و حتى يدخل في السنة الثانية». و نحو ذلك في زكاة التذكرة أيضا.

و في ما ذكر أخيرا من العلة اشارة الى ما مرّ آنفا في صحيحة حماد بن عثمان. و يعلم من ذلك ان الاعتبار ببلوغ الحيوان و خروجه من الصغر و هو يحصل بالنزو و اللقاح.

و في مفتاح الكرامة عن المصباح المنير: «أجذع ولد الشاة في السنة الثانية ثم قال: قال ابن الأعرابي: العناق تجذع لستة أشهر و ربما أجذعت قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع أجذاعها و من الضأن اذا كان بين شابين يجذع لستة أشهر الى سبعة و اذا كان من هرمين اجذع من ثمانية الى عشرة».

و فيه أيضا عن القاموس: «انه يقال لولد الشاة في السنة الثانية» و عن الأزهري: «الجذع من المعز لسنة و من الضأن لثمانية».

و يستفاد مما نقله عن ابن الأعرابي ان الجذع من أوصاف الحيوان لا من أسنانه فهو عبارة عن رشده و بلوغه و لا دخل للسن فيه.

فهذه بعض كلمات اللغويين و الفقهاء في معنى الجذع. و يظهر منها اختلافهم في

الضأن.

و أقل ما قيل فيه ستة أشهر و أكثره سنة. و لعل الأشهر هو سبعة أشهر.

و يأتي بعض الكلمات أيضا عند تفسير الثني.

(1) هل الثني من المعز ما كمل له سنة او سنتان؟ فيه قولان.

ففي الصحاح: «و الثني الذي يلقى ثنيته و يكون ذلك في الظلف و الحافر في السنة الثالثة و في الخف في السنة السادسة».

و في النهاية: «الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة و من البقر كذلك و من الابل في السادسة و الذكر ثني و على مذهب أحمد بن حنبل ما دخل من المعز في الثانية و من البقر في الثالثة».

و في مجمع البحرين: «و الثني الذي ألقى ثنيّته و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة و من ذوات الخف في السنة السادسة ... و على ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة، و قيل: الثني من الخيل ما دخل في الرابعة و من المعز ما له سنة و دخل في الثانية و قد جاء في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 203

..........

______________________________

الحديث: و الثني من البقر و المعز هو الذي تمّ له سنة».

و لعل مراده بالحديث عبارة الفقيه الآتية.

و قد مرّ في عبارة المبسوط و التذكرة ان المعز اذا دخلت في الثالثة فهي الثنية، و في عبارة المغني ان الثني من المعز ما له سنة.

فهذه بعض كلمات اللغويين و الفقهاء مع اختلافها.

و لكن هنا نكتة يجب أن ينبّه اليها و هي ان الجذع و الثني في باب الزكاة كما عرفت لم يذكرا في الكتب الأصلية الموضوعة لنقل المسائل الأصلية المأثورة عن الأئمة- عليهم السلام- كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية، و إنما تعرض

لهما الشيخ في خلافه و مبسوطه ثم تعرض لهما المتأخرون و لكن في باب الهدي من الحج تعرض لهما الكتب الأصلية و التفريعية معا و اتفق فيما رأيت من الكتب كلماتهم على كون الثني من المعز ما دخل في الثانية، حتى ان العلامة في التذكرة ذكر في الزكاة منها ان المعز اذا دخلت في الثالثة فهي الثنية، و في الحج منها ان ثني البقر و المعز ما له سنة و دخل في الثانية، و الشيخ ذكر في زكاة المبسوط ان المعز اذا دخلت في الثالثة فهي الثنية و كذا قال في البقر و لكن قال في الهدي من المبسوط ان ثني البقر هو الذي تمت له سنة و دخل في الثانية، نعم قال في كتاب الضحايا منه ان الثني من البقر و المعز ما استكمل سنتين و دخل في الثالثة فكيف التوفيق بين هذه العبارات؟!

و الذي يهمّنا اتفاقهم في باب الهدي في كون الثني من المعز ما دخل في الثانية، كما اتفقوا على أن الثني من الابل ما دخل في السادسة و قد ذكروا ذلك في الكتب الأصلية و التفريعية معا فلنذكر بعض كلماتهم في الحج:

ففي المقنعة: «و اعلم انه لا يجوز في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي قد تم له خمس سنين و دخل في السادسة، و لا يجوز من البقر و المعز الّا الثني و هو الذي قد تمّت له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من الضأن الجذع لسنة».

و نحوه أيضا في نهاية الشيخ و هداية الصدوق و مراسم سلّار.

و نحوه أيضا عبارة الفقيه في باب الحج و لكن صاحب الوسائل ذكرها بعنوان الرواية فقال:

«قال (الصدوق): و روى

انه لا يجزي في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي تم له خمس سنين و دخل في السادسة، و يجزي من المعز و البقر الثني و هو الذي له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من الضأن الجذع لسنة» «1».

و لعلها أيضا الحديث الذي ذكره في مجمع البحرين في عبارته السابقة و لكن المراجع الى

______________________________

(1)- الوسائل ج 10 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 204

..........

______________________________

الفقيه يرى انه لم تذكر كلمة «روي» هنا بل فيه: «و روي ان الجزور يجزي عن عشرة نفر متفرقين و اذا عزّت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين، و لا يجوز في الأضاحي من البدن ...».

و من المحتمل جدّا عدم كون قوله: «و لا يجوز ...» من الرواية بل من كلامه المزدوج مع الرواية كما هو دأبه كثيرا في الفقيه. و لكن لا يخفى ان فتاوى مثل الصدوق و أبيه مأخوذة من الروايات و مما وصل اليهما من شيوخهما.

و في المقنع: «و قال والدي في رسالته إليّ: يا بني اعلم انه لا يجوز في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي تمّ له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من المعز و البقر الثني و هو الذي تم له خمس سنين و دخل في السادسة، و يجزي من الضأن الجذع لسنة».

و لا يخفى ان مقايسة عبارة المقنع لسائر الكتب التي قدّمنا يوجب الجزم بوقوع الغلط و الاشتباه فيه فذكر البدن بدل المعز و البقر و بالعكس.

و نحوه عبارة فقه الرضا الذي احتملنا كونه رسالة أبيه، ففيه أيضا: «و لا يجوز في الأضاحي من البدن الّا الثني و هو الذي تمّ

له سنة و دخل في الثانية، و من الضأن الجذع لسنة». فذكر فيه البدن بدل المعز و حذف المعز و لعله سقط من العبارة.

و في المستدرك عن بعض نسخ فقه الرضا: «ثم اهرق الدم مما معك الجذع من الضأن و هو ابن سبعة أشهر فصاعدا و الثني من المعز و هو لا ثنى عشر شهرا فصاعدا و من الابل ما كمل خمس سنين و دخل في الستة و الثني من البقر اذا استكمل ثلاث سنين و اول يوم من السنة الرابعة» «1».

و في الغنية: «و أفضل الهدي و الأضاحي من الابل الذي قد تمت له خمس سنين و دخل في السادسة، و من البقر و المعز الذي قد تمت له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من الضأن الجذع و هو الذي لم يدخل في السنة الثانية».

و في حج التذكرة: «و لا يجزي في الهدي الّا الجذع من الضأن و الثني من غيره، و الجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر، و ثني المعز و البقر ماله سنة و دخل في الثانية، و ثني الابل ماله خمس سنين و دخل في السادسة».

فهذا بعض ما رأينا من كلماتهم، و أنت ترى توافق كلماتهم في كتاب الحج في كون الثني من المعز ما دخل في الثانية كما توافقوا في كون الثني من الابل ما دخل في السادسة و حيث ان اكثر هذه الكتب موضوعة لبيان الأصول المتلقاة عن الأئمة- عليهم السلام- فيمكن حصول القطع للفقيه بتلقيهم هذا منهم- عليهم السلام.

و يؤيد ذلك ان المستفاد من صحيحة حماد السابقة و كذا كلمات الأصحاب ان الملاك بلوغ

______________________________

(1)- المستدرك ج 2 كتاب الحج الباب 9 من أبواب

الذبح، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 205

..........

______________________________

الضأن و المعز حدّ النزو و اللقاح و هذا لا يتوقف خارجا على مضي السنتين في المعز و حيث ان الجذوعة تحصل قبل الثنية قطعا فمن المحتمل جدا ان يكون كلمة «لسنة» في جذع الضأن مصحف «لستة» و المراد ستة أشهر كما في عبارة التذكرة.

و في المستمسك في ذيل عبارة الفقيه او روايته انه «بقرينة المقابلة يراد منه ما كان في سنة».

و ربما يؤيده عبارة الغنية.

و كيف كان فقد ظهر لك بما نقلناه من كلماتهم ان المشهور بين الأصحاب في كتاب الحج كون الثني من المعز ما دخل في الثانية.

و بذلك يظهر ضعف ما في المستمسك حيث قال: «و قيل ما دخل في الثانية ... و يوافقه مرسل الفقيه المشار اليه آنفا لكن يشكل الاعتماد عليه لضعفه و عدم الجابر له».

و قد عرفت احتمال كون ما في الفقيه من فتاوى الصدوق لا من الرواية و لكن على فرض كونه رواية فأي جابر ينتظر أقوى من الشهرة المحققة من الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة؟ و كأنه- قدس سرّه- لم يراجع كلماتهم في باب الحج.

[ينبغى التنبيه على أمرين:]
اشارة

و ينبغى التنبيه على أمرين:

[الجمع بين تعلق الزكاة بالعين و اعتبار الحول في النصاب]

الأول: قد يقال ان الظاهر مما ورد في زكاة الغنم من ان في كل أربعين شاة شاة ارادة واحدة من النصاب كما هو مقتضى تعلق الزكاة بالعين و حيث ان الحول معتبر في النصاب فلا محالة تكون الفريضة مما حال عليه الحول فيعلم بذلك ان الجذع لا يكون أقل من سنة.

و قد يقرر هذا ببيان آخر فيقال ان الجمع بين تعلق الزكاة بالعين و اعتبار الحول في النصاب و بين تفسير الجذع بماله سبعة أشهر او ثمانية أشهر جمع بين المتهافتين، اللهم الّا ان يخصّ الجذعة و الثنية بالشاة المفروضة في الابل دون الغنم كما عن ظاهر البيان اختياره.

أقول: ما دلّ على اعتبار الجذعة و الثنية من الاجماع و خبر سويد و مرسلة العوالي مطلق يعمّ باب الابل و الغنم فالتفصيل بلا وجه.

و اما ما ذكر من الاشكال ففيه اولا ما في المستمسك من ان مجرد التعلق بالعين لا يقتضي وجوب كون المدفوع جزءا اذ لو كان التعلق بها من قبيل تعلق حق الرهانة لم يقتض ذلك فان العين و ان كانت رهنا على الدين و لكن لا يجب أداؤه منها.

و ثانيا ان تفسير الجذع بما استكمل سنة لا يجدي في التفصي عن الاشكال اذ لا خلاف في كفاية ما تمّ له سنة و ان كان جميع الأربعين من الثنية فما فوقها فما هو الوجه في الاجتزاء بما له سنة عن زكاة الأربعين التي جميعها ثنية او رباعية فما فوق هو الوجه في الاجتزاء بالجذع و ان فسّر بما له سبعة أشهر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 206

..........

______________________________

و ثالثا بالحل و هو ان مقتضى تعلق الزكاة بالعين ليس كون الفريضة

من أفراد النصاب اما في قوله «في خمس من الابل شاة» فواضح و اما في قوله «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض» مثلا فلأن اطلاق الرواية يشمل صورة عدم وجود بنت المخاض في النصاب أصلا و كون الجميع حقة او جذعة مثلا و كذا وجوب تبيع في ثلاثين بقرة او مسنة في اربعين منها يشمل باطلاقه صورة عدم وجود الفريضة في النصاب أصلا و هكذا وجوب الجذعة او الثنية في أربعين شاة يعمّ صورة كون جميع الأربعين فوق الجذعة و الثنية.

و على هذا فيكون مقتضى التعلق بالعين و كون حق الفقراء مشاعا فيها هو كون الحصة المشاعة الثابتة في العين مقدّرة عند الشارع بالفريضة المذكورة، فمعنى قوله: «في خمس من الابل شاة» ان للفقراء في خمس من الابل سهما مشاعا قوّمه و قدره الشارع بشاة، فالشاة هي الفريضة المجعولة بالاصالة و التقدير شرعي و مع ذلك الاشاعة حاصلة و هذا المعنى بعينه جار في قوله «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض» و قوله: «في ثلاثين بقرة تبيع» و قوله: «في أربعين شاة شاة» و نحو ذلك.

و قد أشار الى هذا المعنى صاحب الجواهر حيث قال: «المنساق الى الذهن من أمثال هذه الخطابات التي ستعرف ارادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع و الشاة و بنت المخاض و غيرها من الفرائض فيها لا ان المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب».

و بما ذكرنا ظهر وجه الفرع الآتي في كلام المصنف أعني عدم تعين دفع الزكاة من النصاب فانتظر.

[الأمر الثاني: لو شك في مفهوم الجذع و الثنى]

الأمر الثاني: قد عرفت الاختلاف في معنى الجذع و الثني فلو بقي لنا الشك في مفهومهما فان قيل ان الجذوعة من

أوصاف الحيوان لا من أسنانه فأريد بها مثلا حدّ خاص من رشد الحيوان و يختلف ذلك بحسب سنّ و الديه و غذائه و تربيته كما مرّ عن ابن الأعرابي فلا محالة يجب الاحتياط، اذ الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

و ان قيل بأن الجذوعة كالثنية من أسنانه او شك في انها من الأوصاف او من الأسنان فلا محالة يكون المخصص مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر فان سلمنا الاطلاق في الشاة المذكورة في قوله: «في خمس من الابل شاة» أو قوله: «في أربعين شاة شاة» أخذنا في مورد الشك بالاطلاق و ان منعناه كما في الجواهر و قلنا بعدم كونه في مقام البيان و ان المنظور بيان ان الفريضة في خمس من الابل شاة لا بقرة مثلا كان المرجع أصالة البراءة من الأكثر فتقييد الشاة في المعز بمضي السنة معلوم و بالزائد مجهول يرفع بالبراءة اللهم إلّا ان يقال ان ما هو حق للفقراء أولا و بالذات هي الحصة المشاعة في العين و إنما قوّمها الشارع بالفريضة فما لم يحرز أداء المقدر الشرعي كانت الاشاعة و الشركة في العين باقية و بالجملة لا يحصل العلم بخلوص المال من الحصة المشاعة ما لم يحرز كون

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 207

[في جواز اداء الفريضة من غير النصاب]

و لا يتعين عليه أن يدفع الزكاة من النصاب بل له أن يدفع شاة أخرى (1)

______________________________

المؤدى مصداقا للفريضة التي جعلها الشارع عوضا عنها فتدبر.

(1) في المسألة قولان: الأول: ما ذكره المصنف و هو المشهور بل ادعى جماعة عليه الاجماع.

ففي الجواهر: «مع ان الاجماع المحكى عن جماعة على جوازه (الاعطاء من غير العين) بل يمكن تحصيله».

و في زكاة الشيخ الأنصاري- قدس سره-: «لجواز دفع شاة أخرى

من غير النصاب على وجه الأصالة دون القيمة اتفاقا على الظاهر».

و في الكفاية: «و نقل جماعة من الأصحاب الاجماع على جواز اعطاء الفريضة من غير النصاب و ان اشتمل عليها».

الثاني: ما في المستند من كونه على وجه القيمة.

ففيه: «و اما الذكر عن الأنثى و بالعكس فلا يجزي الّا بالقيمة لما يأتي من تعلق الزكاة أصالة بالعين و من هذا يظهر انه لا يجوز دفع غير بعض آحاد الفريضة فيما يتعلق بالعين الّا مع اعتبار القيمة فلا يدفع غير غنم البلد بل و لا غير الغنم الذي تعلقت به الزكاة لفريضة الأغنام الّا بالقيمة».

و فيه أيضا: «قالوا: الفريضة و ان تعلقت بالعين الّا انه يجوز اخراجها من غير عين النصاب و ان اشتمل عليها بالإجماع على ما نقله جماعة و يدل عليه صحيحة البصري المتقدمة، و قد ينسب المخالفة الى شاذّ. أقول: المخالفة ان كانت في الاخراج من غير النصاب مطلقا و لو بالقيمة فهي ضعيفة للصحيحة و ساير روايات القيمة الآتية و ان كانت في اخراج جنس النصاب من غيره بدون اعتبار القيمة فهي قوية اذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس و لو من غير النصاب فان الاطلاقات كلها مما يستدل بها على التعلق بالعين كقولهم: في أربعين شاة شاة و نحوه و لا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق مما في العين و اما المطلق من غيره فلا دليل عليه».

أقول: قد عرفت ان مقتضى قوله: «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض» مثلا او «في ثلاثين بقرة تبيع حولي» وجوب هذه الفريضة في هذا النصاب مطلقا سواء وجدت فيه أم لا اذ من الممكن عدم وجود بنت المخاض او التبيع في النصاب

المذكور و كذلك الشاة في قوله: «في أربعين شاة شاة» بعد تقييدها بالجذعة و الثنية يمكن عدم وجودها في الأربعين، فاطلاق الأدلة يقتضي جواز الأداء و لو من غير النصاب و لا دليل على تقييد الفريضة بالنصاب من غير فرق في ذلك بين زكاة الابل و البقر و الغنم. فعلى القول بالاشاعة تكون الحصة المشاعة في النصاب مقدرة بالفريضة و التقدير من قبل نفس الشارع فيكون أداؤها و لو من غير النصاب على وجه الأصالة لا على وجه القيمة كما صرّح به الشيخ في عبارته المتقدمة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 208

سواء كانت من ذلك البلد أو غيره (1)،

______________________________

ثم لا يخفى انه مع اطلاق الفريضة لغير ما في النصاب يشكل تصوير كون التعلق على نحو الكلي في المعين كما يختاره المصنف، فانه في مثال بيع الصاع من الصبرة يكون الصاع داخلا في الصبرة، و في ما نحن فيه لا يلزم اشتمال النصاب على الفريضة.

و بالجملة فبين تجويز الدفع من غير النصاب على وجه الأصالة و كون التعلق بنحو الكلي في المعين يوجد نحو تهافت. هذا.

و يمكن ان يستدل على جواز دفع الفريضة من غير النصاب مضافا الى ما مرّ من الاطلاق بصحيحة عبد الرحمن البصري قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك ابله او شاته عامين فباعها على من اشتراها ان يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع «1». اللهم الّا ان تحمل على القيمة.

و مثلها صحيحة ابن سنان الواردة في بيع أبي جعفر «ع» أرضه من هشام بألف دينار و اشتراط زكاة المال على المشتري عشر سنين، و صحيحة الحلبي الواردة في بيع

أبي جعفر «ع» أرضه من سليمان بمال و اشتراط زكاته ست سنين «2».

(1) في المسألة أقوال ثلاثة: الأول: ما في المتن و نسب الى المشهور.

الثاني: ما في الخلاف و المبسوط من اعتبار كون المدفوع من البلد.

ففي الخلاف (المسألة 12): «من وجبت عليه شاة في خمس من الابل أخذت منه من غالب غنم أهل البلد سواء كانت غنم أهل البلد شامية او مغربية او نبطية و سواء كان ضأنا او ما عزا و به قال الشافعي، و قال مالك نظر الى غالب ذلك فان كان الضأن هو الغالب أخذت منه و ان كان الماعز الأغلب أخذ منه».

و في المبسوط في باب زكاة الابل: «و يؤخذ من نوع البلد لا من نوع بلد آخر لأن الأنواع تختلف فالمكّية بخلاف العربية و العربية بخلاف النبطية و كذلك الشامية و العراقية».

الثالث: ما عن جامع المقاصد و في المسالك من التفصيل بين ما يدفع عن الابل و ما يدفع عن الغنم.

ففي المسالك في ذيل قول المصنف: «و يجوز ان يدفع من غير غنم البلد و ان كان أدون قيمة» قال: «هذا مع التساوي في القيمة او كونها زكاة الابل و الّا لم يجز الّا بالقيمة».

أقول: استدل للقول الاول بعدم الفرق بين ما في البلد و غيره في الدخول تحت اطلاق الفريضة فاذا جاز دفع ما هو خارج من النصاب على وجه الأصالة و استفدنا ذلك من اطلاق

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 209

و ان كان أدون قيمة من أفراد ما في النصاب (1)

و كذا الحال في الابل و البقر.

[المدار الفرد الوسط]

فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمّى (2) لا الأعلى و لا الأدنى و ان كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن و زاد خيرا.

______________________________

الدليل فلا يفرق فيه بين ما في البلد و غيره، نعم لو كان الوجه في الجواز الاجماع أمكن القول بأن المتيقن منه ما في البلد.

و يرد على ما استدل به الشيخ بأنه من الممكن اتفاق ما في خارج البلد للنصاب صنفا و اختلاف ما في البلد له كذلك، فليس الاعتبار بعنوان كونه في البلد مضافا الى عدم الدليل على اعتبار الاتفاق بين المدفوع و النصاب بعد كون كليهما من نوع الغنم.

و اما تفصيل المسالك فلعله مبتن على القول بالشركة و الاشاعة في الغنم دون الابل لعدم فرضها فيه و مقتضى الاشاعة الدفع من النّصاب او مما يساويه قيمة كغنم البلد.

هذا و لكن قد عرفت ان الاشاعة في الجميع بمعنى واحد و هو تقدير الحصة المشاعة شرعا بالفريضة و لا يجب كونها من النصاب سواء في ذلك الابل و البقر و الغنم.

(1) مع فرض كونه من أفراد المتوسط بحسب النوع.

هذا و لكن يشكل الالتزام بجواز اعطاء الفرد الأدون من جميع أفراد النصاب فمن كان له اربعون من الأغنام السمينة العالية الغالية فالشاة الواجبة عليه و ان لم تتقيد بكونها من النصاب و لكن تنصرف عن الأدون من جميع أفراد النصاب.

(2) في الجواهر: «نعم قد يقوى وجوب الوسط بما يصدق عليه اسم الفريضة في المقام و غيره فلا يكلف الأعلى و لا يجزيه الأدنى لأنه المنساق الى الذهن من أمثال هذه الخطابات التي ستعرف ارادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع و الشاة

و بنت المخاض و غيرها من الفرائض فيها لا ان المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب بل ليست فيه قطعا في الخمس من الابل و نحوه».

أقول: يستدل على اعتبار الوسط بوجوه:

الأول: الانصراف المشار اليه في الجواهر. و يمكن أن يورد عليه بأن الانصراف البدوي لا يوجب رفع اليد عن المطلق الّا ان يكون من الوضوح بحدّ يكون كالقرينة المتصلة الرافعة للإطلاق.

الثاني: ما في المستمسك و حاصله: «انه لو أريد تقدير المالية وجب أن يكون التقدير بما لا يقبل الزيادة و النقصان فالتقدير يجب أن يكون بالأعلى فقط او بالوسط فقط او بالأدنى كذلك اذ لا يمكن أن تكون الحصة المشاعة مساوية للجميع، و اذ لا قرينة على ارادة الأعلى أو الأدنى وجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 210

..........

______________________________

الحمل على الوسط اذ كون الوسط متعارفا و غالبا مما يصلح للقرينيّة له، و هذا البرهان غير الانصراف المدعى لكنه يتوقف على تمامية الأدلة على كون المراد تقدير الحصة المشاعة المملوكة للفقير بالفريضة، و لازمه ان يكون دفع الأعلى دفعا للواجب و زيادة لا دفعا لمصداق الفريضة و ان يكون الدفع من غير النصاب دفعا للبدل و قد عرفت الاجماع على خلافه».

و لا بأس بما ذكره غير ما ذكر أخيرا من ان لازم التقدير كون الدفع من غير النصاب دفعا للبدل، لوضوح بطلانه حيث ان الفريضة على الفرض أعم مما في النصاب فيكون المدفوع من غيره أيضا على وجه الأصالة.

الثالث: قوله- تعالى- في سورة البقرة: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ».

و في الحديث: «كان اناس على عهد رسول اللّه «ص»

يتصدقون بأشرّ ما عندهم من التمر الرقيق القشر الكبير النوى يقال له: المعافارة ففي ذلك أنزل اللّه: و لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون» «1».

و عن الكافي في تفسير الآية عن أبي عبد اللّه «ع» قال: كان رسول اللّه «ص» اذا أمر بالنخل ان يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردإ التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيد فقال رسول اللّه «ص»: لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشي ء و في ذلك نزل: و لا تيمّموا الخبيث ...، الى غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها النهي عن دفع الأدنى «2».

و في باب أدب المصدق من زكاة البحار عن العياشي، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عمن سمع أبا عبد اللّه «ع» و هو يقول: ان اللّه أدّب رسوله «ص» فقال: يا محمد خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ قال: خذ منهم ما طهر و ما تيسّر و العفو الوسط «3».

و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» انه قال: لا يأخذ المصدق في الصدقة اللحم السمينة ... و لا يأخذ شرارها و لا خيارها «4».

و كيف كان فالظاهر عدم اجزاء الفرد الداني، اللهم الّا أن يكون جميع النصاب من هذا القبيل فان اجباره حينئذ على شراء الفرد الوسط او الأعلى يحتاج الى دليل و الآية و الروايات منصرفة عن مثل هذا الفرض فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1 و ...

(3)- بحار الأنوار

ج 96 من الطبع الجديد، ص 84.

(4)- دعائم الإسلام ج 1 ص 256.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 211

[الخيار للمالك لا للساعى او الفقير]

و الخيار للمالك لا للساعي أو الفقير (1) فليس لهما الاقتراح عليه،

______________________________

(1) على المشهور بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه كذا في الجواهر. قال: «لأنه المخاطب بايتاء الزكاة فبدفعها على مقتضى ما خوطب به يتحقق امتثاله».

و في مصباح الفقيه في ذيل قول المصنف: «و ليس للساعي التخيير» ما حاصله: «اذ ليس له الّا مطالبة المالك بالخروج عن عهدة الزكاة التي أوجبها اللّه في ماله فاذا دفع اليه المالك شيئا مما يندرج في مسمّى الفريضة ليس له الامتناع من قبوله فان لم يقبل منه و كلفه بفرد آخر فقد تعدى الساعي عن حدّه و ألزمه بما لم يتعين عليه شرعا. فلم يجب على المالك الالتزام به بل له الخيار في تعيين أي فرد شاء».

أقول: عن الشيخ و جماعة القرعة مع المشاحّة.

ففي المبسوط: «و ان تشاحّا أقرع بين الابل و يقسم أبدا حتى يبقى المقدار الذي فيه ما يجب عليه».

و لا يخفى ان مقتضى قواعد الاشاعة و الشركة أيضا ذلك فان المال المشترك لا يقسم الّا برضا جميع الشركاء و يقرع بينهم مع التشاحّ فيكون الاختيار بيد المالك يحتاج الى دليل.

و ما يمكن ان يستدل به لذلك أمور: الأول: الاجماع المدعى.

الثاني: السيرة المستمرة على تأدية الملّاك للأخماس و الزكوات و لم يعهد في عصر اقتراح الساعي او الفقير على المالك، و المأمور به في القرآن و الأخبار أيضا ايتاء الزكاة فظاهرها احالة الايتاء الى المالك و لا سيما بعد ترخيص الأئمة- عليهم السلام- للشيعة في ايصال الزكوات الى أهلها و توزيعها في مصارفها.

الثالث: ما دلّ على كون الاختيار

بعد تقسيم الساعي بيد المالك فراجع الوسائل.

ففي صحيحة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها فقال له ... فاذا أتيت ماله فلا تدخله الّا بإذنه فان أكثره له، فقل:

يا عبد اللّه أ تأذن لي في دخول مالك؟ فان أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه و لا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيّره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرّض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّه في ماله، فاذا بقي ذلك فاقبض حق اللّه منه و ان استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق اللّه في ماله ...، و نحوه ما في نهج البلاغة و ما في خبر محمد بن خالد فراجع «1».

اللهم الّا ان يقال ان ما تضمنته هذه الروايات دستور أخلاقي لمن خوطب به من السعاة فلا تدل على وجوب رعايته على الجميع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 7 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 212

[يجوز الاداء بالقيمة السوقية]

بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية (1)

______________________________

(1) اما في الغلات و النقدين فلا شبهة و لا خلاف يعتد به فيه، بل عن صريح المعتبر و التذكرة و المفاتيح و ظاهر المبسوط و غيره دعوى الاجماع عليه، بل لم ينقل الخلاف فيه الّا عن الاسكافي و قد حكي عن شرح الروضة موافقة الاسكافي أيضا للمشهور.

قال في الخلاف (المسألة 58): «يجوز اخراج القيمة في الزكوات كلها و في الفطرة أي

شي ء كانت القيمة و تكون القيمة على وجه البدل ...، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون في ذلك».

و في الانتصار في زكاة الأنعام: «و يمكن أن يحمل ذكر بنت مخاض و ابن لبون في خمس و عشرين على سبيل القيمة ... و عندنا ان القيمة يجوز أخذها في الصدقات».

و في الغنية في زكاة الأنعام: «و على هذا الحساب يؤخذ مع ما علا أو دنا بدرجتين او ثلاث بالإجماع المشار اليه فان أصحابنا لا يختلفون في جواز أخذ القيمة في الزكاة». و ظاهرهما الاطلاق.

و في المعتبر: «يجوز اخراج القيمة في الزكاة عن الفضة و الذهب و الغلات و به قال علماؤنا أجمع و هو قول أبي حنيفة، و قال الشافعي لا يجزي، لنا ان معاذا كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضا عن الزكاة».

و اما في الأنعام فظاهر الخلاف و الانتصار و الغنية أيضا الاجماع عليه.

و لكن في المقنعة بعد تجويز القيمة في الغلات و النقدين قال: «و لا يجوز اخراج القيمة في زكاة الأنعام الّا ان تعدم ذوات الأسنان المخصوصة في الزكاة».

و في المعتبر بعد نقل كلام المقنعة قال: «و استدل شيخنا باجماع الفرقة و أخبارهم، و في استدلاله بالإجماع اشكال و الأخبار غير دالة على موضع النزاع فاذن ما ذهب اليه المفيد أحوط».

و لكنه قال في الشرائع: «و يجوز ان يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية و من العين أفضل و كذا في سائر الأجناس». فلم يفرق بين الأنعام و غيرها.

و كيف كان فلنذكر أدلة المسألة فنقول يدل على اجزاء القيمة مضافا الى الاجماع المدعى أخبار ذكرها في الوسائل في الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة:

منها صحيحة محمد بن خالد البرقي

قال: كتبت الى أبي جعفر الثاني «ع» هل يجوز ان أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة او الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوّى أم لا يجوز الّا ان يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فأجاب أيّما تيسّر يخرج.

و السؤال و ان كان عن الحنطة و الشعير و الذهب و لكن لما ذكر في عدله: «ان يخرج من كل شي ء ما فيه» فلعله يستفاد منه ان السؤال مطلق و كأنه قال: هل يجوز أن يخرج القيمة في كل شي ء او يجب أن يخرج من كل شي ء ما فيه و الجواب أيضا مطلق، فيكون ذكر الثلاثة في السؤال من باب المثال و لذا لا شك في إلحاق التمر و الزبيب بها. فهذا التقريب يوجب اسراء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 213

..........

______________________________

الحكم في الأنعام و استفادته من الصحيحة أيضا.

و منها صحيحة علي بن جعفر «ع» قال: سألت أبا الحسن موسى «ع» عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك؟ قال: لا بأس به.

و منها خبر قرب الاسناد عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى ان ذلك خير لهم؟ قال: فقال: لا بأس.

و الخبر مطلق من جهتين: الأول من جهة شموله للأنعام. الثاني من جهة جواز دفع القيمة و لو من غير الأثمان.

و في المستمسك: «الظاهر اعتباره سندا اذ ليس فيه من يتأمل فيه سوى محمد بن الوليد و الظاهر انه البجلي الثقة بملاحظة طبقته و روايته عن يونس».

و الخدشة في دلالته باحتمال كون المراد اعطائهم من العين ثم

الأخذ منهم و الاشتراء بها مدفوعة بأنه على هذا الفرض لا اشكال في الجواز كي يسأل عنه فالظاهر ان المراد الاشتراء بها قبل الاعطاء، فكأن قوله: «فاشترى لهم ...» بيان لكيفية الاعطاء.

و كيف كان فاجزاء القيمة في الغلات و النقدين مما لا ريب فيه بحسب النصوص و الفتاوى و عليه الاجماع أيضا.

و إنما الاشكال في الانعام الثلاثة، فمقتضى الشهرة المحققة و اجماع الخلاف و الانتصار و الغنية اجزاء القيمة فيها أيضا.

و لكن منعه في المقنعة و مال اليه في المعتبر و في المدارك انه جيّد و في الحدائق انه بمحل من القوة، قال: «فان مقتضى الأدلة وجوب اخراج الفرائض المخصوصة فلا يجوز العدول عنها الّا بدليل».

و يمكن ان يؤيد المنع بوجوه: الأول: استمرار سيرة النبي «ص» و الخلفاء على اعزام السعاة و المصدقين على مجتمع قطائع الأنعام الثلاثة و اخذهم الزكوات من أعيانها، ففي صحيحة بريد بن معاوية: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها فقال له ... فاصدع المال صدعين ...»، و كذلك سائر أخبار الباب فراجع الباب 14 من زكاة الأنعام. فلو جاز أخذ القيمة أمروهم على مطالبتها و كانت أسهل.

الثاني: ما دلّ على جواز أخذ الابدال و ان من وجب عليه السن الأعلى من الابل لو فقده و كان عنده السن الأدون أخذ منه و جبر بشاتين او عشرين درهما و لو وجب عليه الأدنى ففقده أخذ منه الأعلى و ردّ عليه شاتان او عشرون درهما فراجع صحيحة زرارة و رواية ابن مقرن «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 214

..........

______________________________

فيظهر منها تعيّن الأنعام و لو بابدالها و

لو جازت القيمة أمر- عليه السلام- بها عملا بسهولة الشريعة المحمدية.

الثالث: ما في الدعائم عن علي «ع»: «انه أمر أن تؤخذ الصدقة على وجهها: الابل من الابل و البقر من البقر و الغنم و الحنطة من الحنطة و التمر من التمر» «1».

هذا و لكن اعزام السعاة لأخذ الأنعام او ابدالها كان بملاحظة تسهيل الأمر على الناس حيث ان الأنعام كانت في البوادي و قلّت في تلك الأعصار الأثمان و لذا كانت أكثر المعاملات بتبادل الأجناس، فلتسهيل الأمر عليهم كان النبي «ص» و الخلفاء يرسلون المصدقين الى مجتمع الأنعام في البوادي ليرفعوا عنهم كلفة اتيان الأموال بأنفسهم الى مقرّ النبي «ص» و الخلفاء.

و على هذا أيضا يحمل خبر الدعائم و لذا ذكر فيه الحنطة و التمر أيضا مع جواز القيمة فيهما بلا اشكال.

و في الدعائم بعد الخبر: «هذا اذا لم يكن أهل الصدقات أهل تبر و لا ورق و كذلك كانوا يومئذ».

و بالجملة فلهذه الأخبار محمل فالعمدة اقامة الدليل على الجواز و الّا فالأصل يقتضي المنع.

فنقول يمكن أن يستدل للجواز بوجوه: الأول: الشهرة و اطلاق اجماع الخلاف و الانتصار و الغنية و ان استشكل في ثبوت الاجماع في الأنعام في المعتبر كما مرّ.

الثاني: صحيحة البرقي بتقريب يشمل الأنعام كما مرّ.

الثالث: خبر قرب الاسناد عن يونس بن يعقوب الشامل باطلاقه لها و قد مرّ توثيق المستمسك إياه.

الرابع: ما دلّ على جواز احتساب الدين من الزكاة الشامل باطلاقه لما اذا كانت الزكاة من الأنعام الثلاثة.

ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن الأول- عليه السلام- عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي ان أدعه

فاحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم «2». و نحوها في الدلالة موثقة سماعة 3.

الخامس: ما دلّ على جواز احجاج الغير بالزكاة.

ففي صحيحة علي بن يقطين انه قال لأبي الحسن الأول «ع»: يكون عندي المال من الزكاة فأحجّ به موالىّ و أقاربي؟ قال: نعم لا بأس «4». و الاحجاج قد لا يمكن إلّا بالقيمة و الاطلاق

______________________________

(1)- دعائم الإسلام ج 1، ص 253.

(2) (2)- و (3)- الوسائل ج 6 الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2 و 3.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 215

من النقدين أو غيرهما (1)

______________________________

يشمل الأنعام أيضا.

السادس: ما دلّ على جواز تجهيز الميت من الزكاة.

ففي خبر الفضل بن يونس الكاتب: حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيّا، فوار بدنه و عورته و جهّزه و كفّنه و حنّطه و احتسب بذلك من الزكاة «1». و التجهيز و التكفين لا يمكن غالبا الّا بالقيمة.

السابع: ما يستفاد من بعض ما ورد في آداب الساعي.

ففي صحيحة محمد بن خالد بعد الأمر بتقسيم الغنم و أخذ صدقته: «فاذا أخرجها فليقومها فيمن يريد فاذا قامت على ثمن فان أرادها صاحبها فهو أحق بها و ان لم يردها فليبعها» «2». فان المستفاد من الصحيحة ان المقصود بيع الفريضة و اخذ ثمنه و ان صاحب المال أحق بذلك فاذا دفع القيمة من أول الأمر كان أولى.

الثامن: ما في المعتبر: «و لأن الزكاة وجبت جبرا للفقراء و معونة و ربما كانت الأعواض في وقت أنفع». و نحوه ما عن العلامة في مطولاته.

التاسع: ما دلّ على جواز تولّي المالك لتقسيم الزكاة و صرفها في المصارف الثمانية، و من المعلوم ان هذا

لا يمكن غالبا الّا بتقويم الزكاة و صرف قيمتها في المصارف الثمانية كأداء دين الغارمين و فك الرقاب و عمارة المساجد و تجهيز المقاتلين و نحو ذلك، فبدلالة الاقتضاء يستفاد من ذلك جواز التبديل.

قال في مصباح الفقيه: «فليس الأمر بصرف الزكاة الى هذه الوجوه الا كالوصية بصرف ثلث تركته من المواشي و العقار و الغلّات الى استيجار العبادات او شي ء من مثل هذه الوجوه فان مفادها عرفا ليس الّا ارادة صرف ثلثه الى هذه المصارف بأي وجه تيسّر، و ستعرف انه يجوز للمالك أن يتولى بنفسه صرف الزكاة الى مصارفها بل هو المكلف بذلك أولا و بالذات».

و بالجملة المتتبع لأخبار الزكاة و مصارفها المختلفة المتشتتة يحصل له القطع بأن المنظور منها سدّ الخلّات و رفع الحاجات بها بأي نحو تيسّر و قد لا يمكن ذلك الّا باداء القيمة و تقسيطها على المصارف المختلفة فتدبر جيّدا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 215

(1) كما نسب الى الأصحاب تارة و الى المشهور أخرى و هو الظاهر من اجماع الخلاف و الانتصار و الغنية اذ قال في الخلاف كما مرّ: «أي شي ء كانت القيمة» و مورد اجماع الانتصار و الغنية أيضا أداء بنت المخاض عوضا عن خمس شياه في خمس و عشرين من الابل فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب التكفين، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 216

..........

______________________________

و اطلاق عبارة الشرائع أيضا يشمل غير النقدين بل في البيان: «لو أخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين

كسكنى الدار فالأقرب الصحة و تسليمها بتسليم العين و يحتمل المنع هنا لأنها تحصل تدريجا و لو آجر الفقير نفسه او عقاره ثم احتسب مال الاجارة جاز و ان كان معرضا للفسخ».

لكن قال في المدارك «جواز احتساب مال الاجارة جيّد و كونه معرضا للفسخ لا يصلح مانعا اما جواز احتساب المنفعة فمشكل بل يمكن تطرق الاشكال الى اخراج القيمة مما عدا النقدين لقصور الروايتين عن افادة العموم».

و في الوافي أيضا بعد نقل خبر سعيد بن عمر الآتي: «هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم و الدنانير دون غيرهما».

أقول: و يدل على الجواز من غير النقدين خبر قرب الاسناد الماضي عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين اعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى ان ذلك خير لهم قال: فقال: لا بأس «1».

و يدل عليه أيضا أكثر ما استدللنا به لجواز أصل القيمة من صرف الزكاة في المصارف الثمانية، و احجاج الغير بها، و تجهيز الميت، و الاحتساب بها من الدين و نحو ذلك، فلو فرض احتياج الميت الى الكفن و كان الكفن موجودا عند المالك فهل لا يجوز تكفين الميت به بل يجب شراؤه من الغير بالنقدين؟ و لو كان دين الفقير من غير النقدين لا يجوز احتسابه او أداؤه من الزكاة؟ بل ربما يتعذر او يتعسر صرف عين الزكاة او قيمتها من النقدين في بعض المصارف الثمانية اللازمة فيتعين صرف القيمة من غيرهما فيها، فاذا جاز ذلك بمقتضى اطلاق الأدلة تمّ في غير هذا المورد بعدم القول بالفصل.

هذا و لكن قد يقال بأنه ينافي ذلك خبر سعيد بن عمر (عمر و

خ ل) عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

قلت: أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسّمه؟ قال:

لا يعطيهم الّا الدراهم كما أمر اللّه «2».

و أجيب عن ذلك بأن ظاهره غير معمول به اذ لا تتعين الدراهم في القيمة قطعا حتى فيما اذا كانت الفريضة من جنسها لجواز اخراج قيمتها من الدنانير نصا و اجماعا فيكون ذكر الدراهم من باب المثال، فاما ان يراد بها عين الفريضة التي تعلق بها التكليف أولا و بالذات كما يؤيده قوله «ع» «كما أمر اللّه» فيتعيّن حمله على الأفضلية لما عرفت من جواز اخراج القيمة في الجملة، او النقد الغالب الذي تقدر به الأموال غالبا أي الدراهم و الدنانير فيصير الخبر شاهدا لمن يخصّص

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 217

و ان كان الاخراج من العين أفضل (1).

[المدار في القيمة على وقت الأداء]

[مسألة 6]: المدار في القيمة على وقت الأداء، سواء كانت العين موجودة أو تالفة لا وقت الوجوب (2).

______________________________

القيمة بالنقدين. و هنا احتمال ثالث و هو أن يكون المقصود بالحديث المنع عن التصرف في الثمن بعد فرض تعين كونه زكاة لكونه مأخوذا من الغير بهذا العنوان ليوصل الى مستحقه او بجعل نفسه بناء على جواز عزل الزكاة و تعيّنها بالعزل و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، مضافا الى أنه لو فرض ظهور الخبر في الاحتمال الثاني كان مقتضى الجمع بينه و بين خبر قرب الاسناد المتقدم و غيره حمل هذه الرواية على الأفضلية او على ما اذا كان دفع الثمن

أصلح من شراء متاع.

و كيف كان فالأقوى ما عليه المشهور و أفتى به في المتن من جواز دفع القيمة من غير النقدين أيضا فتدبّر.

(1) أفتى بهذا في النهاية فقال: «و ان أخرج من الجنس كان أفضل» و لكن لا دليل عليه بعد جواز دفع القيمة نصا و اجماعا بل لعل الأفضل ما هو الأصلح للفقراء و المصارف، اللهم الّا على ما احتملناه في خبر سعيد بن عمر. و اما الخروج عن شبهة الخلاف فلا يقتضي كونه أفضل بل أحوط و بينهما فرق كما لا يخفى.

(2) في المسألة احتمالات: الأول: ان يكون المدار وقت الأداء مطلقا كما اختاره المصنف.

الثاني: ان يكون المدار وقت الوجوب مطلقا.

الثالث: ان يفصل فان كانت العين موجودة فوقت الأداء و ان كانت تالفة فوقت التلف.

الرابع: ان يفصل فان كانت موجودة فوقت الأداء و ان كانت تالفة فأعلى القيم من وقت الوجوب الى وقت التلف او الى وقت الأداء او من وقت التلف الى وقت الأداء.

الخامس: ما في التذكرة من التفصيل قال فيها: «تذنيب إنما تعتبر القيمة وقت الاخراج ان لم يقوم الزكاة على نفسه و لو قوّمها و ضمن القيمة ثم زاد السوق او انخفض قبل الاخراج فالوجه وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد او الناقص و ان كان قد فرّط بالتأخير حتى انخفض السوق او ارتفع اما لو لم يقوم ثم ارتفع السوق او انخفض اخرج القيمة وقت الاخراج».

و في المدارك بعد نقل ما في التذكرة: «و في تعين القيمة بمجرد التقويم نظر».

و في المصباح بعد نقل ما في المدارك: «و هو في محله».

السادس: التفصيل بأنه لو عزل القيمة حال وجود العين تعينت سواء ارتفع السوق او انخفض اما لو لم

يعزل فالمدار قيمة يوم الأداء.

و الأقوى انه ان جوّزنا العزل و قلنا بتعين المعزول لكونه زكاة كما يستفاد من بعض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 218

..........

______________________________

الأخبار «1» فالأقوى الاحتمال السادس، و اما ان منعناه او منعنا اطلاقه فالأقوى ما اختاره المصنف فانه ضامن للعين ما لم يؤدّها اما بنفسها او ببدلها و بدلها حين الأداء هو قيمتها في هذا الحين كما لا يخفى.

و لا فرق في ذلك بين كون العين باقية او تالفة فان تلف النصاب لا يوجب تلف الفريضة لما عرفت من ان الفريضة أعم مما في النصاب و لذا يكون أداؤها من غير النصاب على وجه الأصالة لا القيمة كما مرّ بيانه.

و في المستمسك: «اذا لم يكن التلف مستوجبا للضمان فلا شي ء عليه، و ان كان مستوجبا للضمان و كانت الفريضة قيمية تكون المسألة من صغريات مسألة الضمان بالتلف و ان القيمة المضمون بها قيمة يوم التلف او يوم الأداء او أعلى القيمة او قيمة يوم الضمان او غير ذلك و ان كانت الفريضة مثلية فالقيمة قيمة يوم الأداء لظاهر النصوص المتقدمة».

أقول: الأقوى في باب الضمان في القيميات أيضا قيمة يوم الأداء فانه مقتضى كون ما قبضت على اليد حتى تؤديه و لا دليل على التبدل بالقيمة بصرف التلف فالعين باقية في ضمان الشخص حتى يؤديها و مفهوم الضمان غير مفهوم اشتغال الذمة كما حرر في محله و لذا يتعلق بالعين الخارجي أيضا.

و لو سلم انكار ذلك في باب الضمان بتقريب ان ضمان التالف ليس الّا باشتغال الذمة بمثله او بقيمته فلا محالة يكون الاشتغال بقيمة يوم التلف او بتقريب ان التالف لا يعتبر له في حال التلف قيمة عند العقلاء فلا

محالة يكون المدار قيمته حين وجوده كما كان يستظهر ذلك الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي لردّ احتمال قيمة يوم الأداء.

فنقول قياس المقام بباب الضمان بلا وجه اذ في مقامنا هذا لا يكون تلف النصاب موجبا لتلف الفريضة كما مرّ فبعد تلف عين النصاب بأجمعه أيضا يمكن أداء الفريضة من غير النصاب فلا محالة يكون الانتقال الى القيمة حين الأداء و المراد بالقيمة قيمتها يوم الأداء فتدبر.

و اما الاحتمال الثاني أعني كون المدار في القيمة وقت الوجوب فتوجيهه اما بأن يقال ان الزكاة لا تتعلق بالعين أصلا بل هي من قبيل اشتغال الذمة كما نسب الى بعض العامة ففي وقت التعلق و الوجوب تشتغل ذمة المكلف بمالية الفريضة، او يقال انها تتعلق بالعين و لكن نحو تعلق حق الزوجة بالابنية و الأشجار، فالمجعول للفقير و نحوه مالية الشاة لا عينها و لذا يجوز أداؤها بالقيمة و حيث ان مالية الشاة مثلا مختلفة باختلاف الأزمنة فمقتضى الاطلاق المقامي- أعني عدم التعرض في الدليل لتعيين واحد من تلك القيم- الحمل على قيمة زمان الوجوب اذ تعيين غيرها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 219

[المدار على قيمة بلد الاخراج]

ثم المدار على قيمة بلد الاخراج ان كانت العين تالفة و ان كانت موجودة فالظاهر ان المدار على قيمة البلد التي هي فيه (1).

______________________________

يحتاج الى قرينة.

و يرد عليه مضافا الى منع المبنيين في نحو تعلق الزكاة ان القيمة و المالية لم تعتبر في نفسها بل بما انها قيمة و مالية لهذه الشاة و قائمة بها فتزيد بزيادة السوق و تنقص بنقصها الى أن يخرج المكلف عن عهدة الشاة عينا أو قيمة.

و اما الاحتمال الثالث أعني

التفصيل بين كون العين موجودة او تالفة فوجهه ما مرّ من المستمسك من قياس المقام بباب الضمانات و اختيار قيمة يوم التلف فيها.

و يرد عليه مضافا الى ان لازم ذلك اختصاص هذا التفصيل بالقيميّات كالأنعام مثلا دون المثليات كالنقدين و الغلات ان المقام كما عرفت ليس مثل باب الضمان اذ تلف النصاب لا يوجب تلف الفريضة حتى تنتقل الى القيمة اذ الواجب في المقام هي الشاة الكلية القابلة للانطباق على كل شاة حتى من غير النصاب و يكون أداؤها من غير النصاب أيضا على وجه الأصالة لا القيمة كما مرّ بيانه و يأتي في المسألة الآتية أيضا.

و بما ذكرنا يظهر وجه الاحتمال الرابع و الجواب عنه أيضا مضافا الى عدم الدليل على ضمان الفريضة حتى يضمن ارتفاع قيمتها بحسب تطوّر السوق.

و اما الاحتمال الخامس أعني التفصيل الذي ذكره العلامة في التذكرة فالجواب عنه ما أشار اليه في المدارك، و في المصباح جعله في محله الى أن قال: «لا دليل على جواز التقويم و صحة الضمان بالمعنى المزبور و إنما الثابت بالنص و الاجماع جواز تأدية الزكاة بالقيمة السوقية و هذا لا يقتضي الّا جواز اخراج القيمة حال التأدية ...».

و اما الاحتمال السادس فهو قوي بناء على صحة العزل و لو للقيمة و تمحض ما عزله لكونه زكاة و سيأتي في محله (المسألة 34 من زكاة الغلات).

(1) بل الظاهر كون المدار قيمة بلد الاخراج مطلقا.

و لعل ما ذكره المصنف مبني على كون تعلق الزكاة بنحو الاشاعة فاذا كانت العين موجودة فقيمتها ما يساوي ماليتها حتى بلحاظ خصوصية مكانها اما اذا كانت تالفة فليس لها وجود الّا في الذمة و ما في الذمة تختلف قيمته باختلاف مكان

التقويم و هو مكان الاخراج و الأداء.

هذا و لكن على فرض صحة كونها بنحو الاشاعة فقد عرفت ان مقتضى اطلاق الفريضة و عدم تقيدها بما في النصاب تقويم الشارع بنفسه الحصة المشاعة بالفريضة فكما قوّم الحصة المشاعة في خمس من الابل بشاة قوّم الحصة المشاعة في أربعين شاة بشاة جذعة او ثنية بنحو الاطلاق سواء وجدت بهذا السن في النصاب أم لا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 220

[كفاية الذكر عن الانثى و الضأن عن المعز و بالعكس]

[مسألة 7]: اذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس (1).

______________________________

فالعين أعني النصاب و ان تلفت لا يكون تلفها تلفا للفريضة حتى تنتقل الى الذمة اذ الشاة المطلقة موجودة في العالم و ان تلف النصاب فالواجب مطلقا أداء الشاة او بدلها و بدل الشاة عرفا قيمتها في بلد الاخراج.

فلو كان النصاب في الحجاز مثلا و المالك في ايران و الشاة المتوسطة في الحجاز تساوي دينارين و في ايران ثلاثة دنانير فلو أدى الزكاة في ايران أعطى شاة تساوي ثلاثة دنانير او قيمتها أعني ثلاثة دنانير و لو وكّل وكيله في الحجاز لأداء الزكاة أعطى هو شاة تساوي دينارين او أعطى الدينارين و اما هو نفسه فلو أعطى في ايران دينارين فلا يصدق انه أعطى قيمة الشاة المتوسطة.

و بالجملة فكما تختلف القيمة بحسب الأزمنة تختلف باختلاف الأمكنة أيضا و كما ان المدار في الأزمنة زمان الاخراج فكذلك في الأمكنة مكان الاخراج لأنها المعدودة عرفا بدلا من العين و يكون اداؤها أداء للعين بمرتبتها النازلة فتدبر.

(1) المسألة مشتملة على فروع ثلاثة: الأول: ان النصاب في الغنم اذا كان من الذكور هل يجوز دفع الأنثى و بالعكس أم لا؟.

الثاني: اذا كان النصاب بأجمعه من صنف

كالضأن مثلا هل يجوز دفع الزكاة من صنف آخر كالماعز أم لا؟ و مثله العراب و البخاتي في الابل، و البقر و الجاموس في البقر.

الثالث: اذا التئم النصاب من صنفين كالضأن و الماعز مثلا فما هو التكليف و هل يتخير المالك او يجب التقسيط؟

و ملاك الحكم في الفروع الثلاث واحد. فان قلنا بكون تعلق الزكاة بنحو الاشاعة و التزمنا بترتيب آثار الاشاعة كان الجواب في الفروع الثلاث النفي و وجب كون الفريضة المؤداة من سنخ النصاب و في الملتئم من الصنفين التقسيط بل في الملتئم من الجيد و الردي ء أيضا.

هذا و لكن قد عرفت منّا مرارا ان الاشاعة و ان فرض الالتزام بها لم تبق على صرافتها بل الشارع قوّم بنفسه الحصة المشاعة بالفريضة المجعولة فقوّم الحصة المشاعة في خمس من الابل بشاة جذعة او ثنية و الحصة المشاعة في ست و عشرين من الابل ببنت مخاض مطلقا سواء كانت بختية او عربية و سواء وجدت في النصاب أم لا حتى ان النصاب لو كان بأجمعه من السن الأعلى كالحقة او الجذعة كانت الفريضة أيضا بنت مخاض، و كذلك قوّم شرعا الحصة المشاعة في ثلاثين من البقر مطلقا بتبيع و في أربعين بمسنة مطلقا سواء وجدت في النصاب أم لا و سواء كانت من البقر او من الجاموس، و كذلك في أربعين شاة قوّمها و قدرها بشاة ثم بين في دليل آخر بلزوم كونها جذعة او ثنية و لعلها لا توجد أصلا في النصاب. فالواجب في أربعين شاة مطلقا سواء كانت من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 221

..........

______________________________

الضأن او من الماعز او التأمت منهما، و سواء كانت ذكرانا او اناثا او ملتئمة منهما، و

سواء وجد فيها جذع من الضأن او ثني من المعز أم لا، جذع من الضأن او ثني من المعز ذكرا أو أنثى.

كيف؟! و لو كان المراد الحصة المشاعة في النصاب لم يصح قوله: «في أربعين شاة شاة» بل اللازم أن يقال: «في أربعين شاة جزء مشاع من أربعين جزء» مثلا.

و لا يتوهم ان ما ذكرناه من الفريضة المقدرة من قبيل أداء القيمة لأن التقويم و التقدير هنا شرعي فهي على وجه الأصالة و ان أدّيت من خارج النصاب، و القيمة المصطلحة ما كان تعيينها بيد المؤدي لا من قبل نفس الشارع.

و كيف كان فمقتضى هذا البيان هو الجواب المثبت في الفروع الثلاث فيجزي الذكر عن الأنثى و بالعكس و الماعز عن الضأن و بالعكس و كذلك في النصاب المختلط و في البختية و العربية و البقر و الجاموس بعد كون الصنفين من نوع واحد و وجوب الزكاة في النصاب الملتئم منهما.

فهذا ما هو ملاك الحكم اجمالا في الفروع الثلاث، فلنرجع الى البحث عنها تفصيلا:

فنقول: اما الفرع الأول فمقتضى اطلاق النص و الفتوى كما بيناه في باب الغنم كفاية الذكر عن الأنثى و بالعكس.

قال في المبسوط: «فان كانت كلها ذكورا أخذ منه ذكر و ان كانت اناثا أخذ منه انثى فان أعطى بدل الذكر أنثى او بدل أنثى ذكرا أخذ منه لأن الاسم يتناوله».

لكنه قال في الخلاف (المسألة 22): «من كان عنده أربعون شاة أنثى أخذ منه أنثى و ان كان ذكورا كان مخيرا بين اعطاء الذكر و الانثى ... و قال الشافعي: ان كان اربعون اناثا او ذكورا و اناثا ففيها انثى قولا واحدا و ان كانت ذكورا فعلى وجهين ...، دليلنا ان الأربعين ثبت

انه يجب فيها شاة و هذا الاسم يقع على الذكر و الأنثى على حد واحد فيجب أن يكون مخيرا».

و لا يخفى ان دليله يطابق ما قلناه و لا ينطبق على مدّعاه كاملا.

و في المختلف بعد نقل ما في الخلاف و المبسوط: «و الوجه ان الذكر ان كان بقدر قيمة الأنثى اجزأ و الّا لزمته الأنثى، لنا انه مع مساواة القيمة يكون قد أخرج الواجب فيخرج عن العهدة و مع القصور يكون قد أخرج معيبا عن صحاح لأن الذكورة بالنسبة الى الأنوثة عيب فلا يقع مجزيا».

و لا يخفى ما في دليله. نعم لو فرض كون الذكر خارجا من حد الوسط و عدّ من شرار الغنم و أفراده الدنية لم يجز لما مرّ من اعتبار الفرد الوسط فراجع.

و في جامع المقاصد: «و يجزي الذكر و الأنثى في الغنم من الذكران او في شياه الابل لا مطلقا».

و في المستند: «الحق اجزاء الذكر عن النصاب الذكر، و الأنثى عن النصاب الأنثى، و كل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 222

[اذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس]

كما انه اذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس و ان اختلفت في القيمة (1).

______________________________

منهما عن الملفق منهما، و اما الذكر عن الأنثى و بالعكس فلا يجزي الّا بالقيمة لما يأتي من تعلق الزكاة أصالة بالعين».

و قد مرّ اجزاء الفريضة و لو من غير النصاب مطلقا على وجه الأصالة لا القيمة. فالحق ما اختاره المصنف في الفرع الأول الّا مع فرض كون الذكر نازلا من حدّ الوسط فتدبر.

(1) هذا هو الفرع الثاني. قال في التذكرة: «الأقرب جواز اخراج ثنية من المعز عن الأربعين من الضأن و جذعة من الضأن عن أربعين من المعز و

هو أحد وجهي الشافعي لاتحاد الجنس، الثاني: المنع فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس لأن الضأن فوق المعز».

و في المعتبر: «الثامن: يخرج عن الابل من جنسها فعن البخاتي بختية و عن العراب عربية و عن السمان مثلها و كذا المهازيل. و لو قيل يخرج من أيها شاء اذا كانت بالصفة الواجبة كان حسنا لأنها في الزكاة جنس واحد».

و لكنه قال في التاسع: «أمّا الغنم فان الفريضة تجب في العين فلا تدفع من غير صفتها الّا بالتقويم على القول به». و لا يخفى التهافت اذ الفرق غير واضح.

و في الجواهر: «يجزي عن نصاب كل من الصنفين فرد من الصنف الآخر فيجزي عن نصاب الضأن ثني من المعز و عن نصاب المعز جذع من الضأن كما عن التذكرة التصريح به».

و قد عرفت ان الملاك في المسألة هو اطلاق الفريضة و عدم تقيدها بما في النصاب، نعم يشترط عدم كونها من شرار النوع و أفراده الدنية كما مرّ بيانه في المسألة الخامسة.

هذا و لكن في مصباح الفقيه: «لا يبعد أن يدّعى انصراف اطلاق الفريضة فيما اذا لم تكن من غير الجنس الى واحدة من صنف النصاب الموجود عنده المتعلق به الزكاة. فان كان جميع النصاب من الجاموس فتبيع منه و ان كان الجميع من البقر فتبيع منه و كذا ان كان الجميع من الضأن فواحدة منه او من المعز فكذلك و هكذا بالنسبة الى سائر الأصناف التي تتفاوت بها الرغبات ككون الجميع عرابا او بخاتيا او نجديا او عراقيا و اذا كان مجتمعا من صنفين فواحدة منهما من أيهما تكون لا من صنف ثالث خارج من النصاب».

أقول: لا يبعد ما ذكره «قده» اللهم الّا بالقيمة، و لا ينافي

هذا ما قدمناه من الأخذ باطلاق الفريضة و الحكم بعدم وجوب كونها من النصاب، فان المطلق اذا كان له جهات من الاطلاق أمكن الأخذ ببعضها و رفع اليد عن بعضها الآخر بسبب الانصراف فلا يجب كونها منه و لكن يعتبر كونها من سنخه و من صنفه.

نعم الانصراف البدوي لا يوجب رفع اليد عن المطلق و لا يجوّزه اذ لا يجوز رفع اليد عن الدليل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 223

[مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء]

و كذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء (1)، كما ان في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر و بالعكس، و كذا في الابل يجوز دفع البخاتي عن العراب و بالعكس تساوت في القيمة أو اختلفت.

______________________________

الّا بدليل فيجب أن يكون الانصراف بحدّ يكون كالقرينة المتصلة الرافعة للإطلاق.

(1) هذا هو الفرع الثالث و هو صورة التئام النصاب من الصنفين، و لا اشكال في أصل ثبوت الزكاة فيه.

قال في الشرائع: «و النصاب المجتمع من الضأن و المعز و كذا من البقر و الجاموس و كذا من الابل العراب و البخاتي يجب فيه الزكاة».

و في الجواهر بعد ذلك: «بلا خلاف بل الاجماع بقسميه عليه لكون الجميع من جنس واحد».

و انصراف البقر عن الجاموس عرفا لا يضر بعد ما ثبت بالنص و الفتوى ثبوت الزكاة فيه و انه ليس في شي ء من صنوف الحيوان زكاة الّا الأنعام الثلاثة: الابل و البقر و الغنم. فيفهم من ذلك ان الجاموس و البقر بحكم واحد، و كذا العراب و البخاتي، و هكذا الضأن و المعز و الّا لصارت الأنعام ستة.

فاذا ثبت ذلك يقع البحث فيما يجب في النصاب الملتئم من الصنفين.

ففي الشرائع: «و المالك بالخيار في اخراج الفريضة

من أي الصنفين شاء».

و في التذكرة: «و لو اختلف النوع جاز اخراج مهما شاء المالك».

و فيها أيضا: «يجوز أن يخرج من الضأن او المعز سواء كان الغالب أحدهما او لا و سواء كان عنده أحدهما او لا لقول سويد بن غفلة ...».

و في المبسوط: «اذا كان المال ضأنا و ما عزا و بلغ النصاب أخذ منه لأن كل ذلك يسمى غنما و يكون الخيار في ذلك الى رب المال ان شاء أعطى من الضأن و ان شاء من المعز».

و في الجواهر حكى هذا القول عن ظاهر القواعد و الارشاد و صريح جماعة من متأخري المتأخرين.

و في المدارك في ذيل عبارة الشرائع: «اطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في جواز الاخراج من أحد الصنفين بين ما اذا تساوت قيمتهما او اختلفت، و بهذا التعميم جزم المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه، و هو متجه لصدق الامتثال باخراج مسمّى الفريضة و انتفاء ما يدل على اعتبار ملاحظة القيمة كما اعترف به الأصحاب في النوع المتحد. و اعتبر الشهيدان التقسط مع اختلاف القيمة و هو أحوط».

أقول: و نسب التقسيط الى جماعة أخرى أيضا، بل قيل انه المشهور و يظهر من موضع من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 224

..........

______________________________

المبسوط أيضا حيث قال: «اذا كان من جنس واحد نصاب و كانت من انواع مختلفة مثل ان يكون عنده أربعون شاة بعضها ضأن و بعضها ما عز و بعضها مكية و بعضها عربية و بعضها شامية يؤخذ منها شاة لأن الاسم يتناوله و لا يقصد أخذ الأجود و لا يرضى بأدونه بل يؤخذ ما يكون قيمته على قدر قيمة المال».

و في المختلف: «لو اجتمع الجاموس و البقر او

الغنم و الماعز او العراب و البخاتي أخذ الواجب من الجنسين فان لم يتفق أخذ ما يساوي المبسوط عليهما ...». هذا.

و استدلوا على التقسيط بأنه الذي تقتضيه قاعدة الشركة قالوا فلو كان عنده عشرون بقرة و عشرون جاموسة و قيمة المسنة من أحدهما اثنا عشر و من الآخر خمسة عشر أخرج مسنّة من أي الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر و نصف التي هي مجموع نصفي القيمتين.

و احتمل في البيان ما محصله أنه يجب في كل صنف نصف مسنّة او قيمته ثم قال: «و ردّ بأن عدول الشرع في الناقص عن ستّ و عشرين من الابل الى غير العين إنما هو لئلا يؤدي الاخراج من العين الى التشقيص و هو هنا حاصل نعم لو لم تؤد الى التشقيص كان حسنا كما لو كان عنده من كل نوع نصاب».

و في المغني لابن قدامة حكى الاحتمال عن الشافعي ثم ردّه بنحو ما في البيان.

فهذه ثلاثة احتمالات في المسألة: الأول: كون المالك بالخيار، اختاره المصنف و جماعة.

الثاني: التقسيط بالنسبة و قد نسب الى المشهور. الثالث: وجوب نصف من هذا الصنف و نصف من الصنف الآخر، نسب الى الشافعي و احتمله في البيان.

قال في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان الاحتمال الأخير فاسد اذ ليس لأبعاض النصاب من حيث هي اقتضاء في ايجاب شي ء اذ المؤثر هو مجموع النصاب من حيث المجموع فهو مقتضى واحد بسيط و له مقتضى واحد فليس العشرون من البقر و العشرون من الجاموس سببين لإيجاب نصفي مسنة بل المجموع سبب واحد لإيجاب مسنة، و قضية اطلاق المسنة كفاية اخراج مسماها من أي الصنفين شاء، و دعوى انصرافها الى فريضة قيمتها مقسطة على الصنفين غير مسموعة خصوصا

بعد ان علم ان الشارع لم يلاحظ القيمة في هذا الباب بل لا حظ العدد».

و لكن في الجواهر ما حاصله: «ان التشقيص مقتضى تعلق الزكاة بالعين بنحو الاشاعة، بل عند التأمل مرجع هذا الاحتمال الى القول بالتقسيط، ضرورة انه مع فرض عدم الفريضة التي قيمتها مجموع نصفي القيمتين ينتقل الى التنصيف المزبور في هذا الاحتمال، بل هذا الاحتمال أوفق بقواعد الشركة. نعم هو مناف لإطلاق ما دلّ على اجزاء مسمّى الفريضة كمنافاة القول بالتقسيط لذلك. و تعلق الزكاة و ان كان على نحو الاشاعة و لكن الحصة المشاعة قد قدرها الشارع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 225

[حكم الصحيح و المريض و الشاب و الهرم]

[مسألة 8]: لا فرق بين الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب و العدّ منه (1).

لكن اذا كانت كلها صحاحا لا يجوز دفع المريض، و كذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب و لو كانت كل منها شابّا لا يجوز دفع الهرم (2).

______________________________

بنفسه بالوسط من المسمّى سواء كان النصاب من البقر او الجاموس او مجتمعا بعد كون الجميع من جنس واحد و الخطاب واحدا فاذا دفع الفريضة من أي صنف أجزأ. نعم لو كان هناك خطابان أحدهما يقتضي تبيع البقر و الآخر يقتضي تبيع الجاموس اتجه مراعاة الأمرين في الاجتماع على حسب النسبة».

أقول: قد عرفت في صدر المسألة ان ملاك البحث و لبابه هو ان المشي ان كان على قواعد الشركة و الاشاعة كان مقتضاها التقسيط في المجتمع من الصنفين بل من الصنف الواحد المختلفة أفراده بالجودة و الرداءة و لكن البناء لم يكن و ليس على ذلك. بل لو سلّم الاشاعة فالشارع قدّر الحصة المشاعة بالفرد

الوسط من الفريضة باطلاقها سواء كانت من النصاب أم لا و سواء كانت بحسب القيمة أعلى من أفراد النصاب او أدنى منها بعد كونها بالذات من الأفراد المتوسطة من النوع.

فالحق هو الاحتمال الأول أعني خيار المالك. اللهم الّا أن يدّعى الانصراف الذي ادّعاه في المصباح في الفرع الثاني في هذا الفرع أيضا فيكون الاحتياط في التقسيط. و لا يخفى ان لازم القول بالتقسيط في النصاب المختلط عدم اجزاء فرد من صنف عن صنف آخر بطريق أولى. هذا.

و اما ما ذكره في الجواهر أخيرا فيرد عليه ما في المتمسك و حاصله: «انه لو كان هناك خطابان فالنصاب المختلط خارج عن الدليلين معا كالمختلط من نوعين فاثبات الزكاة فيه محتاج الى دليل آخر».

(1) بلا خلاف على الظاهر لإطلاق الأدلة و الفتاوى.

(2) الحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم كما في الحدائق، و مذهب الأصحاب كما في المدارك، و لا نعلم فيه خلافا كما في المنتهى بالنسبة الى المريض.

و يدل عليه مضافا الى ذلك قوله- تعالى-: «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»، و ما روى الجمهور عن النبي «ص» كما في المنتهى: «انه قال: لا يؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تيس الّا ان يشاء المصدق».

و في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي عبد اللّه «ع» الواردة في زكاة الغنم: «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار الّا أن يشاء المصدق» «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، ذيل الحديث 2 المذكور في الحاشية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 226

بل مع الاختلاف أيضا الأحوط اخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط (1).

______________________________

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»

الواردة في زكاة الابل: «و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار الّا أن يشاء المصدق و يعدّ صغيرها و كبيرها» «1». نعم في التهذيب المطبوع: «أن يعد صغيرها و كبيرها» فيختلف المعنى كما لا يخفى.

و روى نحو هذه الصحيحة في المستدرك، عن كتاب عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» و عنه عن أبي عبد اللّه «ع» أيضا.

و عن الدعائم، عن علي «ع» انه قال: لا يأخذ المصدق ... و لا ذات العوار ... و لا يأخذ شرارها و لا خيارها.

و عن العوالي: «روى الزهري، عن سالم، عن ابن عمر ان رسول اللّه «ص» كتب كتاب الصدقة الى عمّا له فعمل به الخلفاء بعده فكان فيه: و لا تؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عيب» «2».

و الهرم: أقصى الكبر، و العوار مثلثة: العيب و لعله يشمل المرض أيضا فانه نحو عيب مضافا الى عموم الآية و الى الاجماع، كما ان الاجماع و الآية و بعض الروايات تشمل الأنعام الثلاثة، نعم مورد بعضها الابل او الغنم.

و الظاهر انصراف المرض و العيب عن الجزئي منهما مما لا يعتنى بهما في الحيوانات.

و هل للمصدق ان يختار الهرمة و نحوها اقتراحا او يتوقف على مصلحة في ذلك كما اذا كانت أغلى سعرا او أرادها لنفسه بدلا عن حقه او أذن الامام له و لو لمصلحة أرباب الملك؟ وجهان:

ظاهر الحدائق و بعض آخر الأول، و اختار في المصباح الثاني و هو الأحوط.

(1) في الجواهر: «صرح الشيخ و ابن حمزة و الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم بمراعاة التقسيط في صورة التلفيق، بل نسبه بعضهم الى الأصحاب لكن قالوا: انه يخرج حينئذ فرد من مسمّى

الفريضة قيمته نصف قيمة الصحيح و نصف قيمة المريض لو كان التلفيق بالنصف و هكذا في الثلثين و الثلث و غيره».

أقول: لا يخفى ان حمل قوله: «لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار» على خصوص ما اذا كان كل النصاب صحيحا حمل على فرد نادر اذ الغالب في القطيع من الأنعام و لا سيما الكثير منه وجود الهرم و ذات العوار فيه، ففي الملفق أيضا لا يجزي المعيب قطعا. و اذا لم يجز فيه ذلك وجب الرجوع الى اطلاق الفريضة التي حملناها على الفرد الوسط كما مرّ بيانه في المسألة الخامسة و دلت عليه

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(2)- المستدرك ج 1 ص 515 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 227

نعم لو كانت كلها مراضا أو معيبه أو هرمة يجوز الاخراج منها (1).

______________________________

الروايات، منها قوله في خبر الدعائم الذي مرّ: «و لا يأخذ شرارها و لا خيارها». و قواعد الاشاعة و الشركة لا تجري هنا بعد تقدير الشارع الحصة المشاعة بالفريضة فما ذكره المصنف من الاحتياط في محله.

(1) اجماعا كما في الحدائق، و ذهب اليه علماؤنا كما في المنتهى، و مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك. هذا و في الخلاف (المسألة 9): «اذا كانت الابل كلها مراضا لا يكلف صاحبها شراء صحيحة للزكاة و تؤخذ منها و به قال الشافعي، و قال مالك: يكلف شراء صحيحة، دليلنا اجماع الفرقة».

و نحوه في المنتهى و زاد: «و عن أحمد روايتان لنا قوله: إيّاك و كرائم أموالهم ...».

أقول: و يستدل على اجزاء المريضة بعد الاجماع، و اطلاق الفريضة الشاملة للمعيبة أيضا، و أصل البراءة

من وجوب شراء الصحيحة- بعد انصراف ما دلّ على النهي عن المعيب عن هذه الصورة- بان الزكاة في العين على وجه الشركة الحقيقة كما نسب الى المشهور فاذا كان الجميع مراضا لم يستحق الفقير الّا جزءا منها و لم يكلف المالك بشراء صحيحة.

قال في الجواهر بعد ذكر هذا الدليل ما محصله: «ان الحصة المشاعة و ان قدرت بالفريضة و لكن تكون الفريضة مساوية لها فالحصة المشاعة من الصحيحة قدرت بالصحيحة و من المريضة بالمريضة فيرجع الحال الى نحو قولهم- عليهم السلام-: فيما سقت السماء العشر الشامل للجيدة و الردية فكذا قوله «ع»: في الأربعين شاة شاة يراد به وجوب ربع العشر فيراعى هذه النسبة في الصحاح و المراض معا، نعم لو فرض تفاوت المرض او فرض كونه في البعض دون البعض اتجه عدم الاجتزاء بالمريضة لعدم انطباقها على الحصة المشاعة التي هي ربع العشر اذ الفرض تفاوت الأفراد في القيمة».

أقول: هذا ينافي ما اختاره في المسألة السابقة من عدم ملاحظة القيمة و التقسيط في النصاب الملفق من الضأن و المعز بل كفاية كل منهما عن الآخر تمسّكا باطلاق الفريضة. فالحصة المشاعة في النصاب من أي صنف كانت و في أي مرتبة كانت قدرت من ناحية الشارع بالفرد المتوسط من الفريضة فلا يلاحظ في النصاب لا الصنف و لا الجودة و الرداءة بل يؤخذ باطلاق الفريضة، نعم تحمل على الفرد المتوسط بين الجودة و الرداءة لما مرّ في المسألة الخامسة.

و بالجملة فالاشاعة لم تبق بصرافتها بل قدّر الشارع الحصة المشاعة بالفرد المتوسط من الفريضة فيؤخذ باطلاقها فالعمدة في المسألة الاجماع و انصراف ما دلّ على اعتبار التوسط في الفريضة و كذا ما دلّ على عدم أخذ

الهرمة و نحوها عن مثل المقام.

و في الدعائم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي «ع» ان رسول اللّه «ص»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 228

[الشرط الثاني: السّوم طول الحول]
اشارة

الشرط الثاني: السّوم طول الحول (1).

______________________________

نهى ... و أمروا أن لا يأخذ المصدق منهم الّا ما وجد في أيديهم «1».

هذا و مع ذلك فالأحوط أداء الفرد المتوسط من الفريضة و ان كان النصاب كله مراضا.

[اقوال العلماء في المسألة]

(1) في المعتبر: «به قال العلماء الّا مالكا». و في المنتهى: «عليه فتوى علمائنا أجمع». و في الجواهر: «اجماعا بقسميه».

و في الخلاف (المسألة 60): «لا تجب الزكاة في الماشية حتى تكون سائمة للدر و النسل فان كانت سائمة للانتفاع بظهرها و عملها فلا زكاة فيها، او كانت معلوفة للدر و النسل فلا زكاة و هو مذهب الشافعي و به قال في الصحابة علي- عليه السلام- و جابر و معاذ و في الفقهاء الليث بن سعد و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه، و قال مالك: تجب في النعم الزكاة سائمة كانت او غير سائمة فاعتبر الجنس. قال أبو عبيد: و ما علمت أحدا قال بهذا قبل مالك، و قال الثوري: مثل قول أبي عبيد الحكاية، و قال داود: لا زكاة في معلوفة الغنم فأمّا عوامل البقر و الابل و معلوفتهما ففيها الزكاة، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم فانهم لا يختلفون فيه ...، و أيضا روى أنس ان النبي «ص» قال: في سائمة الغنم زكاة ...، و روى عاصم بن ضمرة عن علي «ع» ان النبي «ص» قال: ليس في العوامل شي ء، و روى ابن عباس قال: قال النبي «ص» ليس في البقر العوامل شي ء، و روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ان النبي «ص» قال: ليس في الابل العوامل شي ء ...».

أقول: لا يخفى ان المشهور ذكروا لوجوب الزكاة في الأنعام الثلاثة شروطا أربعة: النصاب و السوم و الحول

و عدم كونها عوامل فجعلوا السوم و عدم العمل شرطين و هو المصرح به في الخلاف، و مالك مخالف في الشرطين.

هذا و لكن المتعارف خارجا كون السائمة غير عاملة و كون العوامل معلوفة فالآبال مثلا على قسمين: قسم منها سائمة يراد منها الدّر و النسل و قسم منها معلوفة يركب ظهرها و يحمل عليها. و اما السائمة العاملة فلعلها قليلة جدا، و في الأخبار أيضا جعلت السائمة قسيما للعوامل فهذه نكتة ينبغي أن يتوجه اليها و نحن نتعرض لاخبار الشرطين معا لاشتراكهما في أكثرها.

فمن الأخبار، صحيحة الفضلاء الخمسة: زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد العجلي و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام- في حديث زكاة الابل قال: «و ليس على العوامل شي ء إنما ذلك على السائمة الراعية».

و منها أيضا صحيحتهم عنهما في حديث زكاة البقر: «ليس على النيف شي ء و لا على الكسور شي ء و لا على العوامل شي ء و إنما الصدقة على السائمة الراعية».

______________________________

(1)- دعائم الإسلام ج 1 ص 252.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 229

..........

______________________________

و منها أيضا صحيحتهم عنهما قالا: «ليس على العوامل من الابل و البقر شي ء إنما الصدقات على السائمة الراعية» «1».

و لا يخفى ان الصحيحة الثالثة كأنها جمع لمفاد الأوليين، و الأوليان مفصلتان قد مرّتا في نصاب الابل و البقر.

و يبعد جدا نقل الخمسة عن الامامين الهمامين معا إيّاهما بألفاظهما، فلعلهم سمعوا منهما- عليهما السلام- في المجالس المختلفة مضمون الحديثين، و اللفظ لبعضهم او للرواة منهم، و النقل بالمعنى غير عزيز في أخبارنا.

و من أخبار المسألة أيضا صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل على الفرس و البعير يكون للرجل

يركبهما شي ء؟ فقال: لا ليس على ما يعلف شي ء، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فامّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء «2».

فانظر ان السؤال وقع عن المركوب الذي هو عامل فأجاب الامام- عليه السلام- بأنه ليس على ما يعلف شي ء، فهذا أيضا يشهد بما ذكرناه من التلازم عادة بين العاملة و المعلوفة.

و منها أيضا ما رواه ابن أبي عمير قال: كان علي «ع» لا يأخذ من جمال العمل صدقة كأنه لم يجب أن يؤخذ من الذكورة شي ء لأنه ظهر يحمل عليها «3». و لعل الحديث من أدلة سلّار على اشتراط الأنوثة في الأنعام. و لكن يردّه التعليل فيه كما لا يخفى.

و منها أيضا موثقة زرارة، عن أحدهما «ع» قال: ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الابل و البقر و الغنم، و كل شي ء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء «4».

و لعل المستفاد من الموثقة بضميمة صحيحة زرارة كون الأنعام على ثلاثة أقسام: السائمة المرسلة في مرجها، و الداجنة المقيمة في المنازل، و العامة السائرة بين البلدان. و الزكاة في الأولى فقط دون الثانية لكونها معلوفة و الثالثة لكونها عاملة.

هذا و لا يخفى ان مورد الأخبار الى هنا الابل و البقر، و اما الغنم فمضافا الى الاجماع على اشتراكه معهما يدل على اشتراط السوم فيه موثقة زرارة، عن أبي جعفر «ع» الواردة في عدّ ما فيه الزكاة الى ان قال: «و الغنم السائمة و هي الراعية» «5».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 2 و 5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث

3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 230

..........

______________________________

و هنا روايتان عن اسحاق بن عمار تعارضان ما ذكر بالنسبة الى العوامل.

ففي الأولى قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الابل تكون للجمّال او تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال: نعم «1».

و في الثانية قال: سألت أبا ابراهيم «ع» عن الابل العوامل عليها زكاة؟ فقال: نعم عليها زكاة «2».

و يحتمل اتحاد الروايتين و ان كان يضعّفه تعدد الامامين و الشيخ حملهما على الاستحباب، و في الوسائل احتمال حملهما على التقية، و في الحدائق جعله أقرب. و لا يخفى موافقة الروايتين لفتوى مالك و كيف كان فلا مجال للعمل بهما.

و الرواية الأولى تؤيّد ما أشرنا اليه من كون العوامل و كذا السائمة عنوانا مشيرا الى ما في الخارج من كون الابل مثلا على قسمين: قسم منها سائمة في البرية يرعى ممّا خلقه اللّه من الحشيش و ليس على صاحبه كلفة من هذه الجهة و إنما يستفيد معمولا من درّه و نسله، و قسم منها ساكن في الأمصار و القرى فيعلفه صاحبه و يتحمل لذلك مئونة ثم يستفيد من ظهره بالركوب و الاحمال، فبمقدار الاستفادة منها يتحمل المؤونة عنها.

و بالجملة تلازم السائمة معمولا لعدم العمل و تلازم المعلوفة للعمل، و الشارع حكم بمقتضى الروايات السابقة بثبوت الزكاة في القسم الأول دون الثاني، و قد جعل في أكثرها السائمة قسيما للعوامل كما عرفت.

فلعل المعتبر هو السوم فقط،

فهنا شرط واحد و هو السوم لا شرطان أعني السوم و عدم العمل.

و يؤيد ذلك ان المذكور في المقنعة و النهاية و المراسم ذكر السوم فقط و هي من الكتب الأصلية المعدّة لنقل الأصول المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام.

نعم تعرض الشيخ في عبارته السابقة من الخلاف للسوم و عدم العمل معا و في المبسوط ذكر أولا السوم فقط و لكن يظهر من عبارته الآتية اعتبارهما.

و كيف كان فاجتماع السوم مع العمل نادر جدا فاذا فرض تحققه فالحكم بعدم الزكاة فيه مشكل و ان صرح به في الخلاف.

و بالجملة فالمذكور في أكثر كتب القدماء شرط واحد نعم جعل في الشرائع و الكتب المتأخرة كل من السوم و عدم العمل شرطا مستقلا و تبعهم المصنف. و عليك بالدقة في اخبار المسألة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 231

[لو كانت معلوفة في بعض الحول]

فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تجب فيها و لو كان شهرا بل أسبوعا.

نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفا علفها يوما أو يومين (1).

______________________________

(1) ينبغي هنا البحث عن أمرين:

الأول: هل كونها سائمة شرط او كونها معلوفة مانع؟ ظاهر الأخبار و الفتاوى الأول و يساعده الاعتبار فان رعيها بنفسها بلا مئونة على المالك مع جرّ النفع اليه بالدرّ و النّسل و غيرهما يناسب تعلق حق اللّه و حق الفقراء بها، و امّا اعتبار كليهما فمضافا الى لغوية الجعلين لكفاية جعل واحد ربما يردّ بالامتناع عقلا فان الاجزاء الثلاثة للعلة التامة أعني المقتضي و الشرط و عدم المانع مترتبة بحسب التأثير فعدم

المعلول مستند أولا الى عدم المقتضي و الشرط و عدم المانع مترتبة بحسب التأثير فعدم المعلول مستند أولا الى عدم المقتضي، و في ظرف وجود المقتضي الى عدم الشرط، و في ظرف تحققهما الى وجود المانع فلا يعقل كون أحد الضدين شرطا و الآخر مانعا اذ في ظرف وجود ما هو شرط لا يعقل وجود الآخر حتى يصير مانعا و مزاحما لتأثير المقتضي فتدبر.

الثاني: لا يخفى ان كلا من النصاب و السوم و الحول شرط لتعلق الزكاة في عرض واحد و اما اشتراط أحد الشروط بالشرط الآخر فليس مما يقتضيه طبع الشروط الواردة في عرض واحد فيحتاج الى دليل و لكن الظاهر من الأدلة و الفتاوى اعتبار الحول في الشروط الأخر و منها السوم، ففي الحقيقة الملك بشروطه مشروط بالحول، فيعتبر السوم طول الحول و لعله منصرف روايات الباب فان السوم قبل الحول مما لا دخل له قطعا و ارادة بعض الحول أيضا تحتاج الى قرينة فالاطلاق ينصرف الى السوم في الحول.

هذا مضافا الى دلالة صحيحة زرارة عليه حيث قال: «إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».

و لا يخفى ان الحيوان ليس يشتغل بالرعي طول الحول دائما فانه قد ينام و يسكن و يشرب أيضا و قد يمرض يوما أو يومين فلا يأكل شيئا و ربما اتفق الاعتلاف في الأثناء أيضا و مع ذلك يصدق انه سائمة.

و حينئذ فيقع البحث في أنه هل الاعتبار في ذلك بالغلبة او بغير ذلك؟ ففي المسألة أقوال:

الأول: اعتبار الغلبة، نسب الى أبي علي و اختاره الشيخ في الخلاف و المبسوط.

ففي الخلاف (المسألة 61): «اذا كانت الماشية سائمة دهرها فان فيها الزكاة، و ان كانت

دهرها معلوفة او عاملة لا زكاة فيها، و ان كان البعض و البعض حكم للأغلب و الأكثر و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي اذا كانت سائمة في بعض الحول و معلوفة في بعض الحول سقطت الزكاة».

و في المبسوط: «فان كانت المواشي معلوفة او للعمل في بعض الحول و سائمة في بعضه حكم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 232

..........

______________________________

بالأغلب فان تساويا فالأحوط اخراج الزكاة فان قلنا لا يجب فيهما الزكاة كان قويا».

و استدل له في المعتبر بان اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير، و بأنه لو اعتبر السوم طول الحول لما وجبت الزكاة الّا في الأقل، و بأن الأغلب يعتبر في سقي الغلات فيعتبر في السوم.

و لكن أجاب عنها في المدارك اما عن الأول فبان عدم زوال الاسم بالعلف اليسير لا يقتضي اعتبار الأغلب، و عن الثاني بمنع الملازمة أولا و بمنع بطلان اللازم ثانيا، و عن الثالث ببطلان القياس. و إنما التزمنا بالأغلب في سقي الغلات برواية معاوية بن شريح «1».

الثاني: انقطاع الحول و لو بالعلف يوما، اختاره في السرائر فقال: «فليس في شي ء منها زكاة الّا اذا كانت سائمة طول الحول بكماله و لا يعتبر الأغلب في ذلك» و اختاره المحقق في المعتبر و الشرائع أيضا و نسبه الى الشافعي.

ففي المعتبر: «و قال الشافعي: ينقطع الحول بالعلف و لو يوما اذا نوى العلف و علف لأن السوم شرط كالملك ...، و ما ذهب اليه الشافعي جيد».

و في الشرائع: «و لا بدّ من استمرار السوم جملة الحول فلو علفها بعضا و لو يوما استأنف الحول عند استيناف السوم و لا اعتبار باللحظة عادة».

و في الجواهر حكى الانقطاع و لو بيوم عن القواعد

و محكى نهاية الاحكام و الموجز و كشفه و النافع و التبصرة و التلخيص و الارشاد و إيضاح النافع.

و في الحدائق نسب هذا القول الى ظواهر الأخبار و ظاهره اختياره، نعم ليس فيها و لا في السرائر و جملة من الكتب اسم من اللحظة.

هذا و قال في الحدائق: «اختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم و صرح بعدم اعتبار اللحظة».

و لم أجد هذا في النهاية و أظن انه أخذه من الشرائع و اشتبه عليه الامر.

الثالث: قال الشيخ الأعظم في زكاته: «و لا يسلب عنه صدق هذا المشتق بمجرد يوم او يومين بل أكثر».

و في التذكرة: «قال بعض الشافعية: ان علفها يوما او يومين لم يبطل حكم السوم و ان علفها ثلاثة أيام زال حكم السوم لأن ثلاثة أيام لا تصبر عن العلف و ما دون ذلك تصبر».

الرابع: في الدروس: «و لا عبرة باللحظة، و في اليوم في السنة بل في الشهر تردد أقربه بقاء السوم للعرف». و قوله: «في الشهر» يحتمل عطفه على قوله: «في اليوم» و على قوله: «في السنة» و لكن الثاني أظهر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 233

..........

______________________________

الخامس: في التذكرة و المنتهى: «الأقرب عندي اعتبار الاسم». و نحوه في الحدائق عن التحرير ثم قال: «ظاهره ارجاع ذلك الى العرف و الظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين». ثم استشكل في ذلك «بأن العرف مع كونه لا دليل على الرجوع اليه ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الأحكام الشرعية عليه».

أقول: هذه بعض كلمات الأصحاب في المقام و لا يخفى ان المتبع في تشخيص موضوعات الأحكام ليس هو الدقة العقلية الفلسفية بل الفهم العادي العرفي

و لكن الملاك دقة العرف لا مسامحاته، فلون الدم الباقي في الثوب بعد غسله و ان كان بالدقة العقلية دما لاستحالة انتقال العرض و لكنه بنظر العرف و العادة لا يعدّ دما فلا يجب ازالته، و كذا رائحة النجس. و لكن الصاع و المد و الكر و غيرها من الأوزان الشرعية لو فرض نقص مثقال او مثقالين منها فالعرف يطلق عليها لفظ الصاع و نحوه و لكن بالمسامحة بحيث ان نفسه أيضا يتوجه الى كونه مسامحة.

فالموضوع للحكم الشرعي هو الصاع مثلا بالدقة العرفية لا الاطلاق المسامحي.

فاذا عرفت هذا فنقول: ان كان الشرط المعتبر في المقام هو مفهوم السوم طول الحول بمعناه الحدوثي المصدري كما هو المترائى من تعبيرات أكثر من تعرضنا لكلماتهم فلا محالة يعتبر تحققه في تمام السنة بحيث يضرّ به العلف و لو لحظة. لا نقول: انه يعتبر فيه اشتغال الحيوان في تمام السنة بالرعي، بداهة انه قد ينام و قد يسكن و قد يمنعه المرض من الأكل يوما أو يومين، بل أقول: ان معنى السوم طول الحول كون أكله في تمام الحول بنحو الرعي في المرعى.

فهذا أمر تقتضيه الدقة العرفية في مفهوم السوم و مفهوم الحول، و كذلك ان كان الشرط اتصاف الحيوان بكونه سائما بالمعنى الحدوثي.

و لكن الظاهر من الأخبار اشتراط كونه سائمة بالمعنى الثبوتي الذي لا يشترط في صدقه قيام المبدأ به بالفعل، فان الغنم مثلا اذا سام مدة و بنى صاحبه على أن لا يعلفه عادة عند احتياجه بل يرعيه في البرية صدق عليه حينئذ انه سائم و لو في حال نومه او اعتلافه مرّة للضرورة، فيقال انه سائم اعتلف في هذا اليوم للضرورة، فلا يسلب عنه صدق هذا

المشتق بعلف يوم أو يومين.

فكأن الغنم على قسمين: بدوي يرعى في البرايا، و حضري يعلف في الأمصار و القرى. نظير الانسان، فالانسان البدوي لو فرض نزوله في يوم او يومين في مصر ضيفا على غيره لا يخرج عن وصف البدوية. نعم لو أعرض عن طور حياته البدوية بالمرة و اختار الحياة الحضرية خرج عن كونه بدويا.

فالسائمة وصف ثبوتي تحكي عن ثبوت ملكة و حالة خاصة للحيوان تصدق عليه ما لم يصمم صاحبه على تغيير طور حياته البدوية الى الحياة الحضرية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 234

..........

______________________________

فلو فرض صرف السائمة في آخر يوم من الحول الى العلف بقصد الاعراض بها عن طور الحياة بالرعي الى الحياة بالاعتلاف أمكن القول بعدم وجوب الزكاة لزوال الاسم. و لو فرض علفها في البرية أسبوعا مثلا لعارض كالثلج و نحو بدون أن يقصد تغيير طور حياته صدق عليها السائمة و وجبت الزكاة.

و لنضرب لذلك مثالا فاذا اتخذ أحد لنفسه شغلا رسميا فصار خبازا مثلا لمزاولته للخبز فهذا الاسم الحاكي عن ملكة و وصف ثبوتي يصدق عليه حقيقة- ما لم يعرض عنه- و لو في حال نومه أو سفره او نيابته يوما أو يومين عن بقال في ادارة شغله. نعم لو أعرض عن شغله و اتخذ شغلا آخر لنفسه خرج عن كونه خبازا و صدق عليه اسم آخر. فهكذا عنوان السائمة و المعلوفة في الحيوان بعد حكايتهما عن طورين من الحياة له.

و لا يتفاوت في ما ذكرنا كون السائمة شرطا او كون المعلوفة مانعة، فالمانع أيضا كونها معلوفة بمعناها الثبوتي لا الحدوثي.

و الى ما ذكرنا بطوله أشار الشيخ الأعظم في زكاته حيث قال: «و تحقيقه ان الحكم مرتب على السائمة لا

على السوم».

و قال أيضا بعد بيان المطلب: «فحاصل ما ذكرنا هو اعتبار صدق السائمة طول الحول لا استمرار السوم، و اما الملك فحيث ان عنوانه لا يتحقق الّا بالتلبس فلهذا يقدح انقطاعه لحظة» فراجع و تأمل.

و فيما ذكره أخيرا إشارة الى ردّ من قايس المقام بالملك او النصاب حيث ان ارتفاعهما في السنة و لو لحظة يضرّ بلا اشكال.

و لا يخفى ان مقتضى ما ذكر ان تغيير طور حياة الحيوان من البدوية الى الحضرية بيد المالك و ان لنيته نحو دخالة في ذلك كما أشار الى ذلك الشافعي فيما حكاه عنه في المعتبر حيث قال:

«ينقطع الحول بالعلف و لو يوما اذا نوى العلف و علف».

و بذلك يظهر وجه ما ذكره الشيخ بعد الكلام السابق حيث قال: «و حيث عرفت ان المعيار ان يصدق عليه تمام الحول انها سائمة يظهر انها لا يقدح في ذلك اعتلافها بنفسها من مال المالك او غيره مدّة لو أعلفها المالك سلب عنها عنوان السائمة».

و وجهه ان المالك لو اراد اعتلافها مدّة فكأنه جعلها ذات حياتين فلا تكون سائمة طول الحول و اما اعتلافها بنفسها فلا يوجب كونها ذات حياتين فتأمّل.

هذا و في المستمسك بعد الحكم بامتناع استمرار السوم طول الحول قال: «فالمراد منها اما ان تكون هي السائمة في وقت الأكل، او المعدّة لان تسام لا لأن تعلف، أو ما لم تكن معلوفة مطلقا، او ما لم تكن معلوفة عن اعداد، او ما لم تكن مستمرة العلف». ثم ردّ الاحتمالات الأربعة الأول

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 235

و لا فرق في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار لمنع مانع من السوم من ثلج أو

مطر أو ظالم غاصب أو نحو ذلك (1)، و لا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره بإذنه أولا باذنه (2)، فانها تخرج بذلك كله عن السوم.

و كذا لا فرق بين أن يكون ذلك باطعامها للعلف المجزوز او بارسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك.

[لا يخرج عن صدق السوم باستيجار المرعى او بشرائه]

نعم لا يخرج عن صدق السوم باستيجار المرعى او بشرائه اذا لم يكن مزروعا، كما انها لا يخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة (3).

______________________________

و اختار الأخير و استفاده من قوله- عليه السلام- في صحيحة زرارة: «ليس على ما يعلف شي ء» بتقريب ان ذلك نظير قولهم: «زيد يصوم النهار و يقوم الليل» مما يدل على الاستمرار و لذا ترى ان المفهوم من قوله: «يعلف» غير المفهوم من قوله: «علف».

أقول: ظاهر كلامه «قده» جعل المعلوفية مانعة لا السائمة شرطا و قد عرفت ان ظاهر الأخبار كون السائمة شرطا و الاعتبار أيضا يساعده.

(1) لإطلاق الأدلة.

(2) للإطلاق، خلافا للتذكرة و عن الموجز و غيرهما.

ففي التذكرة: «و لا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره بإذنه أو بغير اذنه من مال المالك.

و لو علفها من ماله فالأقرب إلحاقها بالسائمة لعدم المؤونة حينئذ».

و في المسالك ذكر الفرع بنحو الاشكال ثم قال: «و مثله ما لو علفها الغير من مال المالك بغير اذنه لثبوت الضمان».

و في البيان أيضا ذكر الفرعين بنحو الاحتمال.

أقول: عدم الزكاة على القول به في الفرعين ليس لعدم صدق المعلوفة بل للإلحاقهما بالسائمة حكما و لا دليل عليه بعد كون الموضوع عنوان السائمة، و العلة المستنبطة الظنية ليست ملاكا للحكم الشرعي. فلو فرض تعليف غنم شخص مجانا من قبل أهل الخير فهل يمكن القول بتعلق الزكاة به؟ فالحق ما اختاره

المصنف من الاطلاق.

(3) القدر المتيقن الذي لا شك فيه من أفراد السائمة ما ترعى بنفسها في الصحراء التي ليست ملكا للأشخاص و يكون نبتها بدون الزرع.

و الفرد الشاخص من أفراد المعلوفة ما يعلف بالعلف المزروع المجزوز اذا كان ملكا لمالك النعم و هنا مصاديق مختلفة متشتتة ربما يشتبه الأمر فيها، فهل يؤخذ لفظ السوم الذي هو يرادف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 236

..........

______________________________

الرعي كما قالوا باطلاقه فيشمل صورة كون المرعى او النبت فيه ملكا لمالك النعم و صورة كون النبت مزروعا و صورة كون الرعي مستلزما لخسارة مالية و نحو ذلك أم يختص ببعض ذلك؟

ففي كشف الغطاء: «و الأقوى الحاق المرسل في الزرع حيث يكون بالصحراء بالمعلوف».

و فيه أيضا: «و لو رعت نبات الدار او البستان لم تكن سائمة مع احتمال ذلك خصوصا مع سعتهما». و فيه أيضا: «و لو منع عن السوم الّا ببذل مال فبذله دخل في حكم السوم».

و في مفتاح الكرامة: «لا فرق بين أن يشتري مرعى او يستأجر أرضا للرعي أو يصانع ظالما على الكلأ و ان فرق بينها الشهيد و جماعة فاستظهروا ان شراء المرعى علف و ان الاستيجار و مصانعة الظالم ليسا بعلف، لأن الظاهر ان الرعي في المرعى سوم ملكا كان أو غيره كما هو مقتضى اللغة و العرف و لعدم ظهور الفرق بين شراء المرعى و استيجار الأرض للرعي ...».

و في البيان: «لو مانع رب الماشية ظالم على المرعى بعوض لم يخرج عن السوم ... و لو اشترى مرعى في موضع الجواز فان كان مما يستنبته الناس كالزروع فعلف و ان كان غيره فعندي فيه تردّد نظرا الى الاسم و المعنى».

و في حاشية الاستاذ- مد ظله-

على العروة: «ما يخلّ بالسوم هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع اذا كانت مزروعة على النحو المتعارف المألوف و اما لو فرض تبذير البذور التي هي من جنس كلأ المرعى في المراتع من غير عمل في تربيتها فلا يبعد عدم اخلاله بالسوم».

هذه بعض كلماتهم في المقام. و ملخص الكلام ان الاعتبار كما عرفت ليس بمفهوم السوم بالمعنى الحدثي المصدري الذي مقتضاه التلبس بالمبدإ الحدثي بالفعل بل بمفهوم السائمة الحاكية عن نحو ملكة في الحيوان و هي وصف ثبوتي له يصدق عليه و ان لم يتلبس بالمبدإ بل و ان تلبس بضده موقتا.

ففي الحقيقة الأنعام الثلاثة تنقسم بحسب طور الحياة الى قسمين: منها ما لها حياة بدوية ترسل في مرجها الوسيعة و يستفاد من درّها و نسلها، و منها ما لها حياة حضرية تعلف و يغرم لعلفها المالك و يستفيد منها قهرا بطرق عديدة منها الركوب و العمل. فالسائمة عنوان للقسم الأول، و العوامل عنوان مشير الى القسم الثاني و لذا جعلت العوامل في أخبار المسألة قسيما للسائمة.

و المجانية و عدم الغرامة للنبت و ان كانت ملازمة للقسم الأول غالبا و لعلها الحكمة للحكم بالزكاة فيه و لكن الحكم ليس دائرا مدارها دائما خلافا لما يستفاد من التذكرة و نحوها كما مرّ. فالسائمة فيها الزكاة و ان خسر المالك لعلفها، و المعلوفة لا زكاة فيها و ان كان علفها مجانا.

و بالجملة فالحكم دائر مدار عنوان السائمة الحاكية عن طور الحياة البدوية للحيوان و لا يضرّ بذلك لا مملوكية الأرض و لا مملوكية النبت و لا غرامة المالك لتحصيل المرعى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 237

[الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل]

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل و لو في بعض الحول

بحيث لا يصدق عليها أنها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول و لا يضرّ اعمالها يوما أو يومين في السنة كما مرّ في السوم (1).

______________________________

هذا و لو شك في بعض الموارد فحيث ان الشبهة مفهومية فلو كان لنا اطلاق أو عموم يدل على وجوب الزكاة في جميع الأنعام جاز التمسك به لإثبات الوجوب و لكن الشأن في اثبات عموم او مطلق في مقام البيان، اللهم الّا أن يتمسك بالعموم المدعى في الجمع المضاف في قوله- تعالى-:

«خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و لو لم يثبت عموم او مطلق كذلك كان المرجع في الفرد المشكوك أصالة البراءة فتدبر.

(1) عن جماعة دعوى الاجماع عليه، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه».

أقول: لم يذكر في المقنعة و النهاية و المراسم اشتراط عدم العمل بل السوم فقط، كما ان المقنع و الهداية خاليتان عن كليهما و هذه الكتب معدّة لنقل الأصول المتلقاة عن المعصومين «ع» فخلوّها عن مسألة يحكي عن عدم تحقق اجماع القدماء عليها. نعم ذكر في الخلاف السوم و عدم العمل شرطين و قد تعرض لهما في المسألة الستين و قد مرّت في أول مسألة السوم و فيها: «فان كانت سائمة للانتفاع بظهرها و عملها فلا زكاة فيها، او كانت معلوفة للدرّ و النسل فلا زكاة ...» و مرّت عبارة المبسوط أيضا و فيها: «فان كانت المواشي معلوفة او للعمل ...» فذكر العمل مستقلا.

و بالجملة فثبوت الاجماع في المسألة ان كان المراد به اجماع القدماء الذي هو الكاشف عن تلقي المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- مشكل كما ان الاخبار و ان تعرضت لعدم الزكاة على العوامل و لكنها ذكرت فيها في قبال السائمة ففي صحيحة

الفضلاء: «و ليس على العوامل شي ء إنما ذلك على السائمة الراعية» و نحوها غيرها فراجع أول مسألة اشتراط السوم فيظهر منها بمراجعتها ان المنظور تقسيم الأنعام الى قسمين: قسم منها بدوية ساكنة في البرية و ترعى مما انبته اللّه، و قسم منها حضرية يستعملها مالكها بالركوب و الحمل و يعلفها من ماله فكأن العمل و كونها معلوفة متلازمان غالبا و لعل لفظ العوامل في الأخبار بقرينة ذكرها في قبال السائمة ذكرت ليشار بها الى نوع خاص حضري و اما السائمة العاملة فهي نادرة جدا و لعل الزكاة ثابتة فيها كما يناسبه حكمة اختصاص الزكاة بالسائمة حيث ان المالك يستفيد منها نوعا بلا غرم لعلفها.

و بالجملة فكون السوم و عدم العلم شرطين مستقلين محل تأمّل.

نعم في المستدرك «عن الدعائم عنهم- عليهم السلام- انه لا شي ء في الأوقاص و لا في العوامل من الابل و البقر، و عن الجعفريات عن علي «ع» انه قال: ان اللّه عفا لكم عن صدقة الخيل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 238

[الشرط الرابع: مضيّ الحول عليها]
[مضيّ الحول عليها جامعة للشرائط]

الشرط الرابع: مضيّ الحول عليها (1) جامعة للشرائط (2).

______________________________

المسومة و عن البقر العوامل و عن الابل النواضح» «1» فذكرت العوامل مستقلة، و لكن كونها عنوانا مشيرا الى العوامل الخارجية الملازمة غالبا للمعلوفة غير بعيد فتدبر.

ثم على فرض الاعتبار فالظاهر كون عنوان العاملة بمعناها الثبوتي مانعا لا كون عنوان السكون و الفراغ شرطا كما ربما يوهمه عبارة المصنف.

(1) في الخلاف (المسألة 6): «زكاة الابل و البقر و الغنم و الدراهم و الدنانير لا تجب حتى يحول على المال الحول و به قال جميع الفقهاء و هو المروي عن أمير المؤمنين علي- عليه السلام- و أبي بكر و عمر و ابن

عمر ...، و قال ابن عباس اذا استفاد مالا زكّاه لوقته كالركاز و كان ابن مسعود اذا قبض العطاء زكّاه لوقته ثم استقبل به الحول، دليلنا اجماع الفرقة».

و في المعتبر: «الحول و هو معتبر في الحجرين و الحيوان و عليه فتوى العلماء».

و في المنتهى: «و الحول شرط في الأنعام الثلاث و الذهب و الفضة و هو قول أهل العلم كافة الّا ما حكي عن ابن عباس و ابن مسعود».

و الأخبار الدالة على اعتبار الحول متفرقة في الأبواب المختلفة مستفيضة بل لعلها متواترة كما يقف عليها المتتبع، و منها صحيحة الفضلاء عنهما- عليهما السلام- قالا: و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه فاذا حال عليه الحول وجب عليه «2».

(2) قد مرّ ان الشروط على ما ذكروه أربعة: النصاب و السوم و عدم العمل و الحول. و طبع جعل الشروط لشي ء كوجوب الزكاة في المقام لا يقتضي الّا توقف الوجوب عليها في عرض واحد من دون أن يشترط بعضها ببعض، و لكن المتفاهم من كثير من أخبار الحول اعتباره في النصاب بل صحيحة زرارة صريحة في ذلك و ستأتي آنفا في الحاشية الآتية، و كذا السوم كما دلّ عليه صحيحة زرارة: «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» و قد مرّت في باب اعتبار السوم، و أمّا عدم كونها عاملة فعلى فرض اعتباره لا دليل على اعتبار الحول فيه الّا الاجماع المدعى و ان كان فيه ما فيه او يقال بأن ظاهر ما دلّ على عدم الزكاة في العوامل خروجها موضوعا لا مجرد اشتراط الوجوب به.

و بالجملة الحول معتبر في موضوع الوجوب و العوامل خارجة موضوعا

نظير ما تقدم في عدم الزكاة في مال الصبي.

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 ص 515 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 239

[يكفي الدخول في الشهر الثاني عشر]

و يكفي الدخول في الشهر الثاني عشر (1) فلا يعتبر تمامه، فبالدخول فيه يتحقق الوجوب.

______________________________

(1) قال الشيخ في النهاية: «و اذا استهل الشهر الثاني عشر فقد حال على المال الحول و وجبت عليه فيه الزكاة».

و في السرائر: «و اذا استهل هلال الثاني عشر فقد حال على المال الحول و وجبت الزكاة في المال ليلة الهلال لا باستكمال جميع الشهر الثاني عشر بل بدخول أوّله».

و في المعتبر: «و يتم الحول عند استهلال الثاني عشر و هو مذهب علمائنا».

و في المنتهى: «اذا أهل الثاني عشر فقد حال على المال الحول ذهب اليه علماؤنا».

و في التذكرة: «حولان الحول هو مضي أحد عشر شهرا كاملة على المال فاذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة و ان لم تكمل أيامه بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع».

و في الشرائع: «و حدّه أن يمضي أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر فعند هلاله تجب و لو لم تكمل أيام الحول».

و في الدروس: «الحول و هو مضي أحد عشر شهرا كاملة».

و في اللمعة: «و الحول بمضي أحد عشر شهرا هلالية».

و في الجواهر بعد عبارة الشرائع: «بلا خلاف أجده بل الاجماع بقسميه عليه».

هذه بعض كلماتهم في المقام، و الأصل في المسألة قبل الاجماع المدّعى صحيحة زرارة او حسنته. و هي طويلة ننقلها بطولها من الكافي «1» فروى فيه عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة قال:

قلت لأبي جعفر «ع»: رجل كان عنده مأتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مأتا درهم أ عليه زكاتها؟ قال: لا، حتى يحول عليه الحول و هي مأتا درهم فان كانت مأئة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول قلت: فان كانت عنده مأتا درهم غير درهم فمضى عليها أيام قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أ عليه زكاة؟ قال: نعم و ان لم يمض عليها جميعا الحول فلا شي ء عليه فيها. قال: و قال زرارة و محمد بن مسلم: قال أبو عبد اللّه «ع»: أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فانه يزكّيه قلت له: فان هو وهبه قبل حلّه بشهر او بيوم؟ قال: ليس عليه شي ء أبدا. قال: و قال زرارة عنه «ع» انه قال: إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك ابطال الكفارة التي وجبت عليه. و قال: انه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة و لكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه

______________________________

(1)- فروع الكافي ج 1، كتاب الزكاة ص 148.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

شي ء بمنزلة من خرج ثم أفطر إنما لا يمنع ما حال عليه فاما ما لم يحل فله منعه و لا يحل له منع مال غيره فيما قد حلّ عليه. قال زرارة: و قلت له: رجل كانت له مأتا درهم فوهبها لبعض اخوانه او ولده او

أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال: اذا دخل الشهر الثاني عشر قد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة. قلت له: فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له. قلت: انه فرّ بها من الزكاة؟ قال: ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها فقلت له:

انه يقدر عليها؟ قال: فقال: و ما علمه انه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه. قلت فانه دفعها اليه على شرط؟ فقال: انه اذا سمّاها هبة جازت الهبة و سقط الشرط و ضمن الزكاة. قلت له:

و كيف سقط الشرط و تمضي الهبة و يضمن الزكاة؟ فقال: هذا شرط فاسد و الهبة المضمونة ماضية و الزكاة له لازمة عقوبة له. ثم قال: إنما ذلك له اذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا. ثم قال زرارة: قلت له: ان أباك قال لي: من فرّ بها من الزكاة فعليه ان يؤديها؟ قال: صدق أبي عليه ان يؤدّي ما وجب عليه و ما لم يجب فلا شي ء عليه فيه. ثم قال: أ رأيت لو ان رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أ كان عليه و قد مات أن يؤدّيها؟ قلت: لا الّا أن يكون قد أفاق من يومه.

ثم قال: لو ان رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أ كان يصام عنه؟ قلت: لا قال: فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله الّا ما حال عليه الحول «1».

و الحديث مشتمل على أحكام كثيرة في باب الزكاة منها ما نحن فيه من تعلق الزكاة بالدخول في الشهر الثاني عشر.

و الظاهر ان السند صحيح و قد كثر النقل بهذا السند في الكافي. و ابراهيم

بن هاشم أول من نشر حديث الكوفيين بقم و تلقاه القميون مع شدة احتياطهم بالقبول. فقول الشهيد في المسالك:

«في طريقه كلام» بلا وجه، مع انه بنفسه حكم في مسألة زكاة السخال بصحة الطريق الذي هو فيه و على فرض الضعف يجبر ضعفه بالعمل به.

و بالجملة فلا كلام في الحديث من حيث السند. نعم في متنه جهات من الاغتشاش:

منها سقوط مرجع الاشارة في قوله: «إنما هذا بمنزلة رجل أفطر» فلعل ما رواه زرارة و محمد بن مسلم كان هكذا: «ايّما رجل كان له مال فحال عليه الحول ثم وهبه فانه يزكّيه» او لعله حذف جملة: «ثم وهبه» بقرينة ذكر الهبة في الكلام الذي بعده و المقصود تشبيه الفارّ من الزكاة بعد حلول الحول و قبله بالمسافر في شهر رمضان بعد الافطار و قبله.

ففي أحدهما أريد اسقاط الواجب بعد وجوبه و في الآخر أريد اسقاطه بدفعه قبل تحققه، و الأول غير جائز و الثاني جائز.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و الباب 12 منها، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 241

..........

______________________________

و منها قوله: «و ما علمه انه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه» فيحتمل ان يراد به امكان ان يحصل ما يمنع من الرجوع كالموت و نحوه، و يحتمل ان يراد أنه بعد ما خرج عن ملكه يمتنع عود الأول فلو دخل في ملكه كان مالا جديدا.

و منها قوله: «سقط الشرط و ضمن الزكاة» فلم يسقط الشرط و لم يضمن الزكاة مع كون المفروض وقوع الهبة قبل الحول و قد صرح في الحديث بعدم ضمانها و ان قصد بها الفرار؟! فربما يقال لعل فساد الشرط كان من

جهة ان الهبة بذاتها جائزة فلا تحتاج الى الشرط فهو زائد، و ربما يقال بأن الشرط كان هو الرجوع بعد التصرف و هو غير جائز و حمل ضمان الزكاة على الاستحباب او ان الشارع جعله عقوبة على الشرط الفاسد او يحمل على ما اذا لم يقصد الهبة حقيقة فهي ماضية بحسب الظاهر و مع ذلك يجب عليه الزكاة الى غير ذلك مما قيل في الحديث.

و بالجملة فالحديث لا يخلو عن اغتشاش بحسب المتن. فلو لم يكن الاجماع المدعى في المسألة و فتوى جلّ الأصحاب لا شكل ان يثبت بهذا الحديث مع ما فيه مثل هذا الحكم المخالف للّغة و العرف و المتفاهم من الروايات الكثيرة في باب الزكاة المشتملة على ألفاظ الحول او السنة او العام التي لعلها تقرب من أربعين رواية جلّها في مقام البيان من دون اشعار فيها بكفاية أحد عشر شهرا، و تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح.

و لعل كلمة الثاني عشر في الموضعين كانت مصحفة الثالث عشر، و لعل رسمهما في الخط الكوفي كان متقاربا، أو لعل مبدء الحول اعتبر صباح اليوم الأول من الشهر و قد مضى هلاله فيكون الهلال الثاني عشر هلال الشهر الثالث عشر كما لا يخفى. هذا.

و لكن بعد اللتيا و التي لا يمكن رفع اليد عن الحديث الصحيح الذي أفتى بمضمونه الأصحاب و ادّعي عليه الاجماع بمثل هذه الاشكالات و الاحتمالات و فقهنا ملي ء بتفسير بعض الروايات او تقييده او تخصيصه ببعض آخر مع الفصل الزماني بينهما بحسب الصدور، و لسان هذه الرواية لسان التفسير بالنسبة الى الأخبار المشتملة على الحول بكثرتها، فهي حاكمة عليها و لا يلاحظ في الحكومة كثرة الروايات و عدم كثرتها بعد

كون كلتيهما حجة.

اذا عرفت هذا فنقول: يقع البحث هنا في جهتين:

الأولى: هل الثابت بعد هلال الثاني عشر الوجوب المستقر او المتزلزل او المراعى ببقاء الشروط الى آخر الشهر او صرف حرمة الفرار فقط؟

الثانية: هل الشهر الثاني عشر يحسب من السنة الأولى او الثانية؟

اما الجهة الأولى: فظاهر الحديث و عبارات جلّ الأصحاب ثبوت الوجوب و استقراره بحلول الشهر الثاني عشر سواء بقيت الشروط الى آخره أم لا، و خالف في ذلك الشهيدان و بعض من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 242

..........

______________________________

تأخر منهما.

ففي المسالك ما حاصله: «و لكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر الذي اقتضاه الاجماع و الخبر السالف الأول ... و يحتمل الثاني لأنه الحول لغة و الأصل عدم النقل.

و وجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأول لجواز حمل الوجوب بدخوله على غير المستقر. و الحق ان الخبر السابق ان صحّ فلا عدول عن الأول لكن في طريقه كلام فالعمل على الثاني متعين الى أن يثبت و حينئذ فيكون الثاني عشر جزء من الأول و استقرار الوجوب مشروط بتمامه».

و في الروضة: «و هل يستقر الوجوب بذلك أم يتوقف على تمامه؟ قولان. أجودهما الثاني».

و في الدروس بعد عبارته السابقة: «و احتساب الحول الثاني من آخر الشهر الثاني عشر و يسقط باختلاف بعض الشروط فيه كالمعاوضة و لو كان بالجنس».

أقول: المحتملات بالنظر البدوي أربعة: الأول: ان يقال بعدم تحقق الوجوب عند هلال الثاني عشر أصلا بل يتوقف على انقضاء الحول حقيقة و إنما الثابت حرمة الفرار بالهبة و نحوها تعبدا بعد حلول الثاني عشر و هو الظاهر من الوافي حيث قال: «لعل المراد بوجوب الزكاة و حول الحول

برؤية هلال الثاني عشر الوجوب و الحول لمريد الفرار يعني لا يجوز الفرار حينئذ لا استقرار الزكاة في المال بذلك كيف؟ و الحول معناه معروف و الأخبار باطلاقه مستفيضة و لو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه و إنما يستقيم بوجوه من التكلف».

و في الحدائق بعد نقله: «و هو جيد لو لا اتفاق الأصحاب قديما و حديثا على العمل بمضمونه مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره».

ثم ذكر بنحو التأييد له صحيحة عبد اللّه بن سنان الدالة على أنه لما نزل قوله: خذ من أموالهم صدقة في شهر رمضان أمر رسول اللّه «ص» مناديه ان يبلغ الناس فرض الزكاة ثم لم يتعرض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه أن ينادي بالزكاة ثمّ وجّه عمال الصدقة «1».

أقول: ما ذكره من مخالفة ذلك لاتفاق الأصحاب صحيح. و الصحيحة لا تدلّ على تأييده فانها حكاية عن واقعة خاصة في أول تشريع الزكاة و لعلها تعلقت في أول الشهر الثاني عشر و لكن النبي «ص» لمصلحة أخر المطالبة حتى ينقضي شهر رمضان. كيف و الّا لزمت المطالبة فيه لا بعد انقضائه كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 243

..........

______________________________

و في مصباح الفقيه استشكل على الوافي بأنه ان أراد بما ثبت بالضرورة من الدين اعتبار الحول بمعناه الحقيقي فهو ممنوع. كيف و المشهور بل الاجماع على خلافه، و ان أراد اعتبار الحول اجمالا فغاية الأمر صيرورة ما دلّ عليه كآية او سنّة متواترة

و قد تقرر في محله جواز التصرف في ظاهر الكتاب و السنّة المتواترة بالخبر المعتبر خصوصا اذا كان بمنزلة التفسير له كما في المقام.

هذا بالنسبة الى المحتمل الاول و الظاهر ضعفه و عدم امكان الالتزام به.

الثاني: ان يراد بالحديث و الفتاوى الملكية المستقرة بحيث لا يكون لها حالة منتظرة بعد حلول الشهر الثاني عشر، و هو الظاهر من الحديث و الفتاوى و سنرجع الى ذلك في آخر البحث.

الثالث: ان يراد الملكية المتزلزلة نظير الملكية في زمن الخيار و ملكية الزوجة لجميع المهر قبل الدخول فيصير فقدان بعض الشروط في الشهر الثاني عشر رافعا لها بعد ثبوتها، و هذا هو الظاهر من لفظ التزلزل في كلماتهم و لعله المستفاد من الدروس أيضا حيث قال: «و يسقط باختلاف بعض الشروط فيه» و العجب انه جعل حتى المعاوضة التي هي أمر اختياري موجبا لسقوطه نعم يحتمل أن يعود الضمير في قوله: «فيه» الى الحول لا الشهر الثاني عشر فلا يرد الاشكال.

الرابع: ان يراد الفرد المراعى من الملكية، و توضيحه ان الحول شرط لوجوب الزكاة في عرض سائر الشروط و مع ذلك هو شرط للشرائط الأخر من النصاب و السوم و نحوهما أيضا كما عرفت فيعتبر تحققها طول الحول، فمن الممكن أن يراد بالحول بما هو شرط للوجوب معناه الشرعي و بما هو شرط للنصاب و نحوه معناه اللغوي العرفي فعند حلول الشهر الثاني عشر يتحقق الوجوب على فرض بقاء النصاب و سائر الشرائط الى آخره بنحو الشرط المتأخر، نظير المرأة الصائمة في شهر رمضان حيث يتوقف وجوب صومها على بقاء الطهارة الى المغرب فلو حاضت قبله انكشف عدم الوجوب من أول الفجر و على هذا فليس تحقق الوجوب

في أول الشهر قطعيا بل هو دائر بحسب الواقع مدار بقاء الشروط الى آخره. هذا ما يرتبط اجمالا بالجهة الأولى.

و اما الجهة الثانية ففي المسالك كما عرفت عدّ الشهر الثاني عشر من الحول الأول و مثله في الروضة و كذلك في الدروس كما عرفت، و في البيان: «و يحتسب من الأول».

و لكن في القواعد و التذكرة: «في احتساب الثاني عشر من الحول الأول او الثاني اشكال».

و قال في الايضاح: «و الأصح عندي عدم احتسابه من الأول لقول الباقر «ع»: اذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه الزكاة. و الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأوّل جزء منه يصدق انه حال عليه الحول و حال فعل ماض لا يصدق الّا بتمامه».

و قد يتوهم ان الفرع مبني على كون الوجوب مستقرا او متزلزلا كما يظهر من عبارة المسالك، و لكن الظاهر خلاف ذلك بل هو مبني على كون التصرف في لفظ الحول او في حولانه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 244

..........

______________________________

و تحقيق المقام كما أشير اليه في كلماتهم و فصّله الشيخ الأعظم في زكاته انه بعد ما كان الحول و كذلك العام و السنة بحسب اللغة و العرف عبارة عن اثني عشر شهرا و عليه يحمل ما في الاخبار و الروايات في غير باب الزكاة، فهل يكون التصرف في المقام في لفظ الحول بادعاء كونه حقيقة شرعية في أحد عشر شهرا كما ربما يظهر من المسالك و غيره او باطلاقه عليه مجازا بعلاقة المشارفة او الكل و الجزء او بنحو الحقيقة الادعائية كما اختاره السكاكي في الاستعارات، او يكون التصرف في الحولان لا الحول فيكون لفظ الحول باقيا على معناه و هو اثنا عشر

شهرا؟ فان أريد بالحول في المقام أحد عشر شهرا بأي نحو كان فلازمه احتساب الثاني عشر من الحول الجديد و ان أريد به معناه اللغوي و العرفي كان اللازم احتسابه من الحول الأول.

و الحقّ ان الحول باق بمعناه، كيف و المذكور في باب الزكاة ليس لفظ الحول فقط بل العام و السنة أيضا كما يظهر لك بالتتبع في اخبارها، و ادعاء الحقيقة الشرعية او المجازية فيهما أيضا كما ترى.

و اما حولان الحول فالظاهر منه أيضا و ان كان مضي الحول و انقضاؤه بتمامه كما أشار اليه في الايضاح و لكن يمكن أن يراد به أيضا ما يعمّ الدخول في الشهر الثاني عشر كما يقال عرفا:

«مضى أسبوع» بمجرد الدخول في اليوم السابع و «مضى شهر» بمجرد الدخول في اليوم الأخير منه بل في الأيام الأواخر أيضا، و في الدعاء في العشر الآخر من رمضان «اللهم هذه أيام شهر رمضان قد انقضت و لياليه قد تصرّمت». فحولان الحول أيضا يتحقق بالدخول في الشهر الأخير منه و لا سيما اذا كان الحساب من مبدء الشهر و رؤية الهلال فيصدق حولان الحول على مجرد اهلال الأهلة الا ثنا عشر. و لا يخفى ان المذكور في الصحيحة و كلمات الفقهاء في المقام أيضا لفظ الاستهلال و هذه الاطلاقات و ان كانت مبنية على المسامحة و المسامحة غير معهودة في موضوعات الأحكام الشرعية و لا سيما المقادير الّا ان الصحيحة لما نطقت بأنه: «اذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت الزكاة» و الأصحاب أيضا أفتوا بمضمونها كشفت ذلك عن كون الاطلاقات الكثيرة في أخبار باب الزكاة أريد بها ذلك. فالتصرف لم يقع في ألفاظ الحول او العام او

السنة بل في حولان الحول و الشارع جعل هذا الفرد من الحولان المسامحي موضوعا لوجوب الزكاة كما هو ظاهر عبارة الصحيحة.

فحولان الحول نظير تتابع الشهرين في قوله- تعالى- «شهرين متتابعين» بضميمة الأخبار الحاكمة بحصول التتابع باتصال أول يوم من الشهر الثاني بالشهر الأول. و لا يخفى ان مقتضى ما ذكر بقاء الحول بمعناه اللغوي و العرفي و كون الشهر الثاني عشر أيضا منه و ان قلنا باستقرار الوجوب بالدخول فيه كما هو الظاهر من قوله: «وجبت الزكاة» لظهوره في الوجوب الفعلي القطعي. و اما في المراعى فالوجوب مشكوك فيه فلا يصح الحكم بتحققه و الحكم بتحققه بنحو

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 245

..........

______________________________

القطع متزلزلا بحيث يرتفع بارتفاع بعض الشروط في الثاني عشر يحتاج الى دليل و لم أجد من يصرّح في المقام بمثله و إنما الظاهر من كلمات القائلين بعدم الاستقرار هو الوجوب المراعى كما مثلوا له بصوم الحائض كما عرفت.

فان قلت: قد مرّ في كلامك ان القول بالوجوب المراعى مبني على التفصيل فيتصرف في الحول بما هو شرط للوجوب لا في الحول بما هو شرط لسائر الشروط كالنصاب و نحوه فأي دليل على التصرف فيه او في حولانه في المقامين؟

قلت: ظاهر قوله: «وجبت الزكاة» كما عرفت الوجوب الفعلي، و فعليته بفعلية شروطه و شروط شروطه فالظاهر منه تحقق حولان الحول بما انه شرط للوجوب و بما انه شرط لسائر شرائطه فالحق في المسألة ما اختاره المصنف من استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر و مع ذلك يكون الثاني عشر من الحول الأول اذ التصرف ليس في الحول بل في نسبة الحولان اليه فتدبر جيدا.

هذا و لكن مع ذلك كله الأحوط تأخير الأداء الى انقضاء

الشهر الثاني عشر او الأداء قبله بعنوان القرض لأن رفع اليد عن ظاهر الأخبار الكثيرة المتضمنة للحول او العام او السنة مع كونها في مقام البيان برواية قد عرفت حالها من الاغتشاش في المتن مشكل.

هذا مضافا الى ما يستفاد من بعض الأخبار من اعتبار اثني عشر شهرا.

ففي رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الزكاة فقال: انظر شهرا من السنة فانو ان تؤدّي زكاتك فيه، فاذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نضّ يعني ما حصل في يدك من مالك فزكّه، و اذا حال الحول من الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل بمثل ما صنعت ليس عليك أكثر منه «1».

و في موثقة اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السخل متى تجب فيه الصدقة؟

قال: اذا أجذع «2». فان الجذع و ان اختلف في معناه و لكن المحكى عن حياة الحيوان ان الصحيح عند أصحابنا و أكثر أهل اللغة انه ما مضى عليه سنة و لم يقل أحد باعتبار أحد عشر شهرا في الجذوعة و لعل بعض الأخبار الكثيرة المشتملة على السنة و لا سيما ما جعلت فيه عدلا لستة أشهر كرواية أبي بصير «3» أيضا مما يؤيد المطلب فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 13 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 246

بل الأقوى استقراره أيضا فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول فابتداء الحول الثاني إنما هو بعد تمامه.

[لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول]

[مسألة 9]: لو اختل بعض

الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول كما لو نقصت عن النصاب، أو لم يتمكن من التصرف فيها (1)، او عاوضها بغيرها و ان كان زكويا من جنسها. فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلا و مضى ستة أشهر فعاوضها بمثلها و مضى عليه ستة أشهر أخرى لم تجب عليه الزكاة (2).

______________________________

(1) كما هو مقتضى الشرطية لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه و قد مرّ في الصحيحة السابقة قوله «ع»: فان وهبه قبل حلّه بشهر او بيوم؟ قال: ليس عليه شي ء أبدا ... قلت له: فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له قلت: انه فرّ بها من الزكاة؟ قال: ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها «1».

هذا و في الخلاف (المسألة 117): «النصاب يراعى في أول الحول الى آخره و سواء كان ذلك في الماشية او الأثمان او التجارات، و قال أبو حنيفة: النصاب يراعى في طرفي الحول و ان نقص فيما بينهما جاز في جميع الأشياء: الأثمان و المواشي و به قال الثوري، و قال الشافعي و أصحابه فيه قولان ...».

و لعل أبا حنيفة نظر الى ان الجباة للزكوات لا يرون من مال الرجل الّا ما وجده عند حلول الحول كما هو المتعارف في جباة الماليات العادية فتحسب الماليات بحسب ما يجده الرجل حين مراجعة الجباة.

و كيف كان فهو متروك اذ المستفاد من الأخبار اشتراط وجود النصاب طول الحول فراجع.

(2) في الخلاف (المسألة 63): «من كان معه نصاب فبادل بغيره لا يخلو ان يبادل بجنس مثله، مثل ان بادل إبلا بإبل او بقرا ببقر او غنما بغنم او ذهبا بذهب او فضة بفضة، فانه لا ينقطع الحول و

يبنى، و ان كان بغيره مثل ان بادل إبلا بغنم او ذهبا بفضة او ما أشبه ذلك انقطع حوله و استأنف الحول في البدل الثاني و به قال مالك، و قال الشافعي: يستأنف الحول في جميع ذلك و هو قوي، و قال أبو حنيفة فيما عدا الأثمان بقول الشافعي ...، دليلنا اجماع الفرقة على أنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ... و اما ما اعتبرناه من الذهب و الفضة اذا بادل شيئا منهما بمثله

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

خصّصناه بقوله «ع»: في الرقة ربع العشر، و ما يجري مجراه من الأخبار المتضمنة لوجوب الزكاة في الأجناس و لم يفصل بين ما يكون بدلا من غيره او غير بدل».

و في المبسوط: «اذا بادل جنسا بجنس مخالف مثل ابل ببقر او بقر بغنم او غنم بذهب او ذهب بفضة او فضة بذهب استأنف الحول بالبدل و انقطع حول الأول، و ان فعل ذلك فرارا من الزكاة لزمته الزكاة، و ان بادل بجنسه لزمه الزكاة مثل ذهب بذهب او فضة بفضة او غنم بغنم و ما أشبه ذلك».

و عن فخر المحققين في شرحه على الارشاد: «اذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه مستجمعا للشرائط بغير جنسه و هو زكوي أيضا كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجود الشرائط في الاثنين انقطع الحول و ابتدأ الحول الثاني من حين تملكه، و ان عاوضه بجنسه و قد انعقد عليه الحول أيضا مستجمعا للشرائط لم ينقطع الحول بل بنى على الحول الأول و هو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي- قدس اللّه

روحه- للرواية. و إنما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول لأنه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة اجماعا، و كذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر لم تجب الزكاة اجماعا بل ينبغي أن تكون أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة مدة ستة أشهر، و متى اختل أحد الشروط لم تجب الزكاة اجماعا، و كذا لو عاوض نصابا من الذهب بنصاب منه و كان المأخوذ منه طفلا او مجنونا لم تنعقد الزكاة اجماعا لأنه لم ينعقد عليه حول اجماعا و كذا لو عاوض ببعض النصاب».

أقول: بعض ما ذكره فخر الدين مما لا يظهر له وجه اذ الكلام في ان المعتبر حول الحول على الشخص او على نوعه و لا يعتبر كون العوض قبل انتقاله الى المالك منعقدا عليه الحول او كونه ملكا لمن عليه الزكاة و إنما المعتبر صدق كون المالك في ظرف الحول واجدا للنصاب اجمالا. و اما قوله:

«للرواية» فلعله يتبادر منه وجود رواية خاصة في خصوص المسألة لم تصل إلينا و لكنا نقول:

لو كانت لبانت فالاولى حملها على الروايات العامة بتقريب ان المستفاد من قوله «ع»: «في أربعين شاة شاة» مثلا مالكيته للكلي الطبيعي فيكون الموضوع مالكية الشخص للأربعين شاة طول الحول من دون نظر الى أشخاصها و لا سيما في الأثمان فانها لما لم تكن مقصودة بالذات بل بما هي واسطة في المعاملات فلا تلاحظ نوعا أشخاصها، و ما هي الحكمة في وجوب الزكاة أيضا موجودة في المقام اذ لا يرى العرف فرقا بين من ملك أربعين شاة سائمة بأشخاصها طول الحول و بين من وجدها كذلك و قد تبدلت في البين بما هو مثله فانه

يصدق على هذا الشخص انه واجد طول الحول لأربعين شاة سائمة فيوجد فيه ملاك الزكاة و لا سيما اذا كان التبديل في البعض كشاة واحدة مثلا. و بالجملة فالظاهر ان المراد بالرواية شمول اطلاقات الباب للمقام، و يؤيد ذلك ما مرّ في ذيل عبارة الخلاف من قوله: «خصّصناه بقوله «ع» في الرقة ربع العشر ...» فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 248

..........

______________________________

و لعلّه يدل على قول الشيخ خبر زرارة الآتي من العلل أيضا بتقريب نذكره بعد نقله.

هذا و لكن الظاهر ان الحق مع المشهور اذ الظاهر المتبادر من قوله: «كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه» هو حولان الحول على الشخص الذي هو عند ربّه لا على نوعه. و الاخبار بهذا المضمون كثيرة جدّا في أبواب مختلفة.

هذا مضافا الى ما رواه في الفقيه قال: قال أبو جعفر «ع»: في التسعة الأصناف اذا حوّلتها في السنة فليس عليك فيها شي ء «1». و التحويل يشمل التبديل بالجنس أيضا.

و كذا قوله في صحيحة زرارة السابقة: «فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له قلت: انه فرّ بها من الزكاة؟ قال: ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها» «2». لا طلاق الاحداث أيضا.

و اما التبديل الى غير الجنس فالأخبار فيه كثيرة مثل قوله في هذه الصحيحة أيضا: «ثم قال:

إنما ذلك له اذا اشترى بها دارا او أرضا او متاعا».

و صحيح عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل فرّ بما له من الزكاة فاشترى به أرضا او دارا أ عليه شي ء؟ فقال: لا ...» «3».

و خبر العلل عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر «ع»: رجل كانت عنده دراهم أشهرا

فحوّلها دنانير فحال عليها منذ يوم ملكها دراهم حولا أ يزكّها؟ قال: لا، ثم قال: أ رأيت لو ان رجلا دفع إليك مأئة بعير و أخذ منك مأتي بقرة فلبثت عنده أشهرا و لبثت عندك أشهرا فموّتت عندك ابله و موّتت عنده بقرك أ كنتما تزكّيانها؟ فقلت: لا، قال: كذلك الذهب و الفضة. ثم قال: و ان حوّلت برا او شعيرا ثم قلبته ذهبا او فضة فليس عليك فيه شي ء الّا ان يرجع ذلك الذهب او تلك الفضة بعينها او بعينه فان رجع ذلك فان عليك الزكاة لأنك قد ملكتها حولا، قلت له: فان لم يخرج ذلك الذهب من يدي يوما؟ قال: ان خلط بغيره فيها فلا بأس و لا شي ء فيما رجع إليك منه. ثم قال: ان رجع إليك بأسره بعد اليأس منه فلا شي ء عليك فيه حولا الحديث «4».

هذا و لا يخفى اغتشاش الحديث، و لعل المراد بالجملة الأخيرة صورة فقدان المال او غصبه بحيث لم يتمكن من التصرف فيه، و المراد بالخلط اشتباه المال بغيره او اختلاطه بغيره فيستفاد منه اعتبار بقاء المال ممتازا طول الحول، و المراد بقوله: «الّا ان يرجع ذلك الذهب ...» اما صورة ظهور كون المبادلة بالبر و الشعير فاسدا، او كون المدة قليلة جدا بحيث لا يضرّ بالبقاء طول الحول

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص:

249

[لو عاوضها بقصد الفرار]

بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة و ان كانت بقصد الفرار من الزكاة (1).

______________________________

عرفا فتأمل، أو كون الاستثناء منقطعا فيكون المراد انه لو بادل الذهب مثلا بالبر او الشعير يضرّ و اما لو بادل بمثله فلا يضر بالحول فيراد بقوله: «ذلك الذهب او تلك الفضة بعينها او بعينه» الابدال بالمثل في قبال الابدال بغير الجنس فتصير الرواية دليلا للشيخ كما مرّت الاشارة اليه.

و كيف كان فالأقوى ان الابدال يضر بالحول و ان كان بالجنس خلافا للشيخ و فخر الدين.

و في السرائر بعد نقل كلام الشيخ: «اجماعنا بخلاف ما ذهب اليه في مبسوطه و أصول مذهبنا منافية لذلك لأنهم- عليهم السلام- أوجبوا الزكاة في الأعيان دون غيرها من الذمم بشرط حول الحول على العين من أوله الى آخره فيما يعتبر فيه الحول و من المعلوم ان عين البدل غير عين المبدل و ان إحداهما لم يحل عليه الحول».

(1) مسألة الفرار معنونة في زكاة النقدين أيضا لمن بادلهما او سبكهما او جعلهما حليا بقصد الفرار و لكن ملاك البحث في المسألتين واحد فنتعرض لهما هنا و المسألة مختلف فيها بيننا و كذا بين أهل السنة و الأخبار فيها أيضا مختلفة.

قال في الخلاف (المسألة 64): «يكره للإنسان ان ينقص نصاب ماله قبل حول الحول فرارا من الزكاة فان فعل و حال عليه الحول و هو أقل من النصاب فلا زكاة عليه و به قال أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي، و قال بعض التابعين لا ينفعه الفرار منها فاذا حال عليه الحول و ليس معه نصاب أخذت الزكاة منه و به قال مالك. دليلنا اجماع الفرقة ...».

و قال فيه أيضا (المسألة 65): «اذا كان معه نصاب من

جنس واحد ففرقه في أجناس مختلفة فرارا من الزكاة لزمته الزكاة اذا حال عليه الحول على أشهر الروايات و قد روي ان ما ادخله على نفسه أكثر و قال الفقهاء في هذه المسألة مثل ما قالوه في مسألة النقص سواء».

و فيه أيضا (المسألة 89): «لا زكاة في سبائك الذهب و الفضة و متى اجتمع معه دراهم او دنانير و معه سبائك او نقار اخرج الزكاة من الدراهم او الدنانير اذا بلغا النصاب و لم يضم السبائك و النقار اليهما و قال جميع الفقهاء يضم بعضها الى بعض و عندنا ان ذلك يلزمه اذا قصد به الفرار من الزكاة. دليلنا الأخبار ...».

و لا يخفى ان السبائك عند أهل الخلاف فيه زكاة و كذا الحلي عند بعضهم و لكن عندنا لا زكاة الّا في المسكوك المنقوش كما سيأتي في محله. و الشيخ «قده» كما ترى حكم في النقص بقصد الفرار بعدم الزكاة، و في المبادلة و السبك بقصده بالزكاة.

و في المبسوط: «فاما سبائك الذهب و الفضة فانه لا يجب فيها الزكاة الّا اذا قصد بذلك الفرار فيلزمه حينئذ الزكاة».

و قد مرّ في ضمن عبارته في مسألة مبادلة الجنس بغير الجنس: «و ان فعل ذلك فرارا من الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 250

..........

______________________________

لزمته الزكاة».

و في النهاية: «فاذا كانا سبائك او حليا فلا يجب فيهما الزكاة الّا أن يقصد صاحبهما الفرار به من الزكاة فمتى فعل ذلك قبل حال وجوب الزكاة استحب له ان يخرج عنهما الزكاة و ان جعله كذلك بعد دخول الوقت لزمته الزكاة».

فالشيخ أفتى في الخلاف و المبسوط بالوجوب و في النهاية بالاستحباب و يظهر منه في التهذيب في أوائل الزكاة عدم الوجوب و

في زياداتها الوجوب و في الاستبصار الاستحباب.

و في الانتصار ما حاصله: «و مما انفردت به الامامية القول بأن من فرّ بدراهم او دنانير فسبكها من الزكاة او ابدل جنسا بغيره هربا من وجوب الزكاة فان الزكاة تجب عليه، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و لا يوجبون الزكاة و ان قصد الهرب منها، و روي عن مالك و بعض الشافعيين ان عليه الزكاة. دليلنا على صحة ما ذهبنا اليه الاجماع من الطائفة. فان قيل ان ابن الجنيد لا يوجب الزكاة في المقام. قلنا الاجماع تقدمه و تأخر منه و إنما عوّل هو على اخبار رويت عن أئمتنا «ع» و بازائها ما هو أظهر منها و أقوى و أوضح طريقا فيمكن حمل تلك الأخبار على التقية».

و في فقه الرضا: «و ليس في السبائك زكاة الّا ان تكون فررت به من الزكاة فان فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة». و نحو هذه العبارة في الفقيه و المقنع أيضا. و حيث نسب القول بالوجوب في المقام الى الصدوقين يقوى الظن بصحة ما ذكرنا مرارا من كون فقه الرضا رسالة علي بن بابويه الذي ينقل عنها في الفقيه كثيرا و الفقهاء كانوا يرجعون اليها عند اعواز النصوص و الّا فلا يوجد عندنا رسالته.

هذا و في الغنية و اشارة السبق أيضا وجوب الزكاة في السبائك التي قصد بسبكها الفرار من الزكاة و نحوهما في الوسيلة في من فرّ بغير المنقوش من الزكاة.

و لكن المفيد في المقنعة بعد ما حكم بعدم الزكاة في السبائك قال: «و قد روي انه اذا فرّ بها من الزكاة لزمته زكاتها عقوبة و لا ينفعه فراره بسبكها او صياغتها» فيظهر منه الترديد في المسألة.

هذا و

في مختصر الخرقي الحاوي لفقه الحنابلة: «و من كانت عنده ماشية فباعها قبل الحول بدراهم فرارا من الزكاة لم تسقط الزكاة عنه».

و في المغني شرح هذا المختصر: «و بما ذكرناه قال مالك و الأوزاعي و ابن الماجشون و اسحاق و أبو عبيد، و قال أبو حنيفة و الشافعي تسقط عنه الزكاة».

و اما المتأخرون فالمشهور بينهم بل عن الرياض نسبته الى عامتهم عدم الوجوب و نسب الى القديمين أيضا.

فتلخص مما ذكرنا ان المسألة مختلف فيها بين فقهاء العامة و كذلك بين فقهائنا حتى ان الشيخ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

- خريت فقه الشيعة- أفتى في الخلاف و المبسوط و موضع من التهذيب بالوجوب، و في النهاية و الاستبصار و موضع من التهذيب بعدم الوجوب. فالمسألة ليست اجماعية و ان ادعاه في الانتصار و على فرض وجوده فليس بحجة للعلم بالمدرك او احتماله. نعم المشهور بين القدماء الوجوب و بين المتأخرين عدم الوجوب.

و لا يخفى ان الاختلاف فيها ناشئ من اختلاف الأخبار فانها طائفتان: الطائفة الأولى:

ما دلّت على جواز الفرار و عدم الوجوب. و الثانية: ما دلّت على الوجوب.

و قبل التعرض لهما نقول ان الأصل و القاعدة يقتضيان عدم الوجوب. اما الأول فلأن الشك في التكليف يقتضي البراءة، و اما الثاني فلأن المنقوش مثلا موضوع للوجوب، و السبيكة موضوع لعدمه فهما موضوعان و لكل حكمه كالحاضر و المسافر في باب الصلاة و لا يمكن تصدّي الحكم لتحقيق موضوعه او لحفظه للزوم الدور، فان رتبة الحكم متأخرة عن رتبة الموضوع و رتبة محقق الموضوع او حافظه مقدمة على الموضوع فوجوب ايجاد الموضوع او ابقائه يحتاج الى دليل آخر يتعرض لذلك.

و بالجملة الحكم يتحقق على فرض وجود

الموضوع فلا يمكن أن يتعرض بنفسه لإيجاد الموضوع او ابقائه فالقاعدة تقتضي عدم الوجوب.

و اما الأخبار فما دلّ منها على جواز الفرار و عدم الوجوب كثير مستفيض جدا:

منها صحيحة زرارة السابقة في مسألة الحول اذ يظهر من موارد منها عدم الوجوب، منها قوله:

«قلت له: فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له قلت: انه فرّ بها من الزكاة قال:

ما ادخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها»، و منها قوله: «قال زرارة قلت له: ان أباك قال لي:

من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ فقال: صدق أبي، عليه ان يؤدي ما وجب عليه و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه فيه».

و من الأخبار أيضا صحيحة عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا او دارا أ عليه شي ء؟ فقال: لا و لو جعله حليّا او نقرا فلا شي ء عليه و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حقّ اللّه الذي يكون فيه «1».

و دلالتها على جواز الفرار واضحة و الظاهر منها عدم صدورها تقية اذ التقية ضرورة و الضرورات تتقدر بقدرها فلو كان عن تقية اكتفى الإمام- عليه السلام- بجواب السائل و لم يضف اليه ابتداء قوله: «و لو جعله حليّا ...».

و منها صحيحة هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ان أخي يوسف و لي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

لهؤلاء القوم اعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة و انه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة أ عليه الزكاة؟

قال: ليس على الحليّ زكاة و ما ادخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة «1».

و منها صحيحة علي بن يقطين، عن أبي ابراهيم- عليه السلام- قال: قلت له: انه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة أ نزكّيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء. قال: قلت: و ما الركاز؟ قال:

الصامت المنقوش. ثم قال: اذا أردت ذلك فاسبكه فانه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شي ء من الزكاة «2».

و لا يخفى عدم امكان حمل الصحيحة و نحوها على التقية اذ السبائك عندهم فيها الزكاة.

و منها ما رواه في العلل عن علي بن يقطين، عن أبي ابراهيم «ع» قال: لا تجب الزكاة فيما سبك قلت: فان كان سبكه فرارا من الزكاة؟ قال: أ لا ترى ان المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا يجب عليه الزكاة «3».

و منها ما رواه أيضا عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى «ع» قال: لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا به من الزكاة أ لا ترى ان المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة «4». و الظاهر اتحاد الخبرين.

فهذه أخبار مستفيضة معتبرة تدل على جواز الفرار. نعم بازائها ثلاث روايات دالة على وجوب الزكاة على من قصد الفرار:

فالأولى: موثقة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الحليّ فيه زكاة؟ قال: لا الّا ما فرّ به من الزكاة «5».

و مفاد قوله: «فيه زكاة» الحكم الوضعي الشامل للواجب و المندوب فليس فيه ظهور في الوجوب.

الثانية: موثقة معاوية بن عمار، عن أبي عبد

اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحليّ من مأئة دينار و المأتي دينار و اراني قد قلت ثلاث مأئة فعليه الزكاة؟ قال: ليس فيه زكاة.

قلت له: فانه فرّ به من الزكاة؟ فقال: ان كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة و ان كان إنما فعله

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

ليتجمل به فليس عليه زكاة «1».

الثالثة: موثقة اسحاق بن عمار قال: سألت أبا ابراهيم «ع» عن رجل له مأئة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ فقال: ان كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت: لم يفرّ بها ورث مأئة درهم و عشرة دنانير؟ قال: ليس عليه زكاة. قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: لا «2».

و الضمير المجرور في قوله: «عليه» في الحديثين يحتمل رجوعه الى الشخص و الى المال، و على الأول ظاهر في الوجوب دون الثاني اذ يكون مفاده مفاد قوله: «فيه زكاة» أعني الحكم الوضعي الشامل للواجب و المندوب، و الزكاة المستحبة أمر معروف لديهم.

و الشيخ في الاستبصار حمل أخبار هذه الطائفة على الاستحباب، و في التهذيب على قصد الفرار بعد الحول و استشهد لهذا الحمل بما مرّ في صحيحة زرارة من سؤاله الصادق- عليه السلام- عن

قول أبيه: «من فرّ بها من الزكاة فعليه ان يؤدّيها» و جوابه- عليه السلام- بأن عليه ان يؤدي ما وجب عليه أعني ما حال عليه الحول.

أقول: الحمل على الاستحباب له وجه و اما الحمل على ما بعد الحول فلا يناسب التفصيل الواقع في الروايات و لا سيما موثقة معاوية بن عمار اذ بعد الحول يكون الوجوب ثابتا مستقرا و ان فعله ليتجمل به.

و السيد المرتضى كما عرفت أخذ بهذه الأخبار و قال انها أظهر و أقوى و أوضح طريقا و حمل اخبار جواز الفرار على التقية.

و فيه أولا: ان اخبار جواز الفرار نص في عدم الوجوب و هذه الاخبار ظاهرة في الوجوب بل يمكن منع ظهورها أيضا بناء على ما عرفت من حملها على الحكم الوضعي فلم حكم بأظهرية هذه الأخبار؟

و ثانيا: ان أخبار الجواز أكثر عددا و فيها صحاح فهي الأوضح طريقا.

و ثالثا: ان الحمل على التقية إنما يصح بعد عدم امكان الجمع الدلالي بين الطائفتين كالاستحباب في المقام.

و رابعا: لا مجال للتقية بعد كون المسألة ذات قولين عندهم، فأبو حنيفة و الشافعي جوّزا الفرار، و مالك و أحمد لم يجوزاه كما مرّ.

و خامسا: في اخبار جواز الفرار توجد قرائن على عدم التقية كالحكم بعدم الزكاة في السبائك

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 254

[اذا حال الحول فتلف من النصاب شي ء]

[مسألة 10]: اذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي ء، فان كان لا بتفريط من المالك لم يضمن، و ان كان بتفريط منه و لو بالتأخير مع التمكن من الأداء ضمن

بالنسبة (1).

______________________________

و كذكر الامام- عليه السلام- في صحيحة عمر بن يزيد ما لا ضرورة في بيانه كما عرفت.

فالحق في المسألة ما عليه المشهور من المتأخرين و به أفتى المصنف من جواز الفرار و ان كان الأحوط تركه و يحمل الأخبار الأخيرة على الاستحباب.

فان قلت: ظاهر الأمر و ما في معناه الوجوب، و الاستحباب مجاز فلا يصار اليه الّا بقرينة.

قلت: الأمر لم يوضع للوجوب و ليس الوجوب مفاد اللفظ بل هو موضوع للبعث و التحريك الانشائي في قبال البعث التكويني بوسيلة اليد و نحوها. نعم بعث المولى تمام الموضوع لحكم العقلاء بوجوب الاطاعة و استحقاق العقوبة على فرض المخالفة الّا ان يضم الى البعث الترخيص في الترك فيتحقق الاستحباب، كما انه لو انضمت الى البعث قرائن الشدة حكم بتأكيد الوجوب.

و بالجملة البعث المطلق و البعث المقارن لما يشدّده موضوعان لحكم العقلاء بوجوب الاطاعة دون البعث المقارن للترخيص فالوجوب ليس مفاد اللفظ بل هو من أحكام العقلاء على قسمي البعث و المفروض في مسألتنا وجود اخبار دالة على الترخيص فيكون البعث بنحو الاستحباب و كلمات الأئمة- عليهم السلام- يحمل بعضها على بعض و يكون بعضها قرينة للتصرف في الآخر فانهم نور واحد و بمنزلة متكلم واحد فتدبر.

(1) أقول: الصور المحتملة ثمانية، اذ قد يعزل مقدار الزكاة ثم يعرضها التلف ففي الحقيقة يتلف ما تعين كونه زكاة (بناء على ما يستفاد من أخبار العزل من ان المعزول يتعين كونه زكاة)، و اما ان يعرض التلف لجميع المال بما فيه من الزكاة، و اما ان يتلف البعض بما فيه من الزكاة قبل العزل. فهذه ثلاث صور و الصورة الثالثة على قسمين: اذ الباقي بعد التلف اما ان ينقص عن

النصاب او لا ينقص بان كان المال مشتملا على النصاب و العفو معا فبقي مقدار النصاب بعد تلف البعض فهذه أربع صور و في كل منها اما ان يكون بتفريط من المالك و لو بالتأخير او لا فهذه ثماني صور.

فان كان التالف ما تعين كونه زكاة ففيه طائفتان من الأخبار: الأولى: ما دلّ على عدم الضمان بنحو الاطلاق. الثانية: ما دلّ على التفصيل. و قد تعرض لهما في الوسائل في الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

فمن الأولى صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: اذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو ارسل بها اليهم فضاعت فلا شي ء عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 255

..........

______________________________

و منها موثقته، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: جعلت فداك الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض الى أرض فيقطع عليه الطريق؟ فقال: «قد أجزأته عنه، و لو كنت أنا لأعدتها». و الذيل يدل على استحباب الاعادة.

و منها صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: اذا اخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برئ منها.

و منها حسنة بكير بن أعين او صحيحته قال: سألت أبا جعفر «ع» عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق او تضيّع؟ قال: ليس عليه شي ء.

و اما الطائفة الثانية فمنها صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده، و كذلك الوصي الذي يوصى اليه

يكون ضامنا لما دفع اليه اذا وجد ربه الذي أمر بدفعه اليه فان لم يجد فليس عليه ضمان.

و منها صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث اليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت؟ فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان، قلت: فانه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟ قال: لا و لكن ان (اذا) عرف لها أهلا فعطبت او فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.

هذا و مقتضى الصناعة الفقهية حمل الأخبار المطلقة على الأخبار المفصلة بين التفريط و لو بتأخير الأداء بعد ما وجد لها أهلا و بين غيره. و لعل وجه الاطلاق في الطائفة الأولى من جهة ان الغالب في من يبعث زكاته الى بلد آخر عدم وجود المصرف لها في محله.

و لا يخفى ان عبارة المصنف لا تشمل صورة تلف ما تعين كونه زكاة أعني مورد هذه الأخبار.

و اما اذا تلف جميع المال فمقتضى القاعدة فيه أيضا التفصيل بين صورة التفريط في الأداء او الحفظ و بين غيرها اذ الزكاة تتعلق بالعين فهي بحكم الأمانة في يد المالك فحكمها حكم الأمانة، و قوله: «على اليد ما قبضت حتى تؤديه» يقتضي الضمان خرجت منه اليد الأماني بالإجماع.

هذا مضافا الى وجود الرواية في الصورتين ففي مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يكون له ابل او بقر او غنم او متاع فيحول عليها الحول فتموت الابل و البقر و الغنم و يحترق المتاع؟ قال: ليس عليه شي ء «1».

و في رواية زيد النرسي في أصله، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يكون له الابل و البقر

______________________________

(1)- الوسائل ج 6

الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 256

نعم لو كان أزيد من النصاب و تلف منه شي ء مع بقاء النصاب على حاله لم ينقص من الزكاة شي ء و كان التلف عليه بتمامه مطلقا على اشكال (1).

______________________________

و الغنم او المتاع فيحول عليه الحول فيموت الابل و البقر و يحترق المتاع؟ فقال: ان كان حال عليه الحول و تهاون في اخراج زكاته فهو ضامن للزكاة و عليه زكاة ذلك و ان كان قبل أن يحول عليه الحول فلا شي ء عليه «1». فتحمل الرواية الأولى على صورة عدم التهاون.

فهذه الى هنا أربع صور لم يتعرض لها المصنف.

و اما اذا تلف البعض قبل العزل فاما ان يكون الباقي بمقدار النصاب او لا و في كل منهما فاما ان يكون مع تفريط المالك او لا فهذه أربع صور تعرض لها المصنف.

اما اذا كان المال بقدر النصاب فتلف منه شي ء فقد حكم فيه المصنف بعدم الضمان للزكاة الّا مع التفريط.

و يرد عليه ان هذا صحيح على القول بكون التعلق بنحو الاشاعة و اما على القول بكونه بنحو الكلي في المعين كما يقول به المصنف او حق الجناية في العبد الجاني او حق غرماء الميت في تركته، فمقتضى القاعدة فيه عدم وقوع التلف في حق الفقراء، و كذا اذا كان التعلق بنحو تعلق حق الرهانة بل في الأخير يلزم الضمان و ان تلف جميع المال اذ عليه تكون الزكاة في الذمة و المال رهن عليه و تلف الرهن لا يوجب سقوط الذمة.

و الحاصل ان المصنف القائل بكون التعلق من قبيل الكلي في المعين يجب عليه ان يلتزم بعدم سقوط الزكاة ما دام مقدارها باق كمن باع

صاعا من صبرة معينة فان حق المشتري باق ما دام يبقى مقدار الصاع منها.

اللهم الّا ان يكون هنا اجماع او توهم المصنف شمول صحيحتي زرارة و محمد بن مسلم للمقام، و كلاهما محل اشكال بل منع فتدبر.

(1) قد مرّ في التنبيه الثالث من التنبيهات التي ذكرناها بعد ذكر نصب الأنعام البحث في ان المال المشتمل على النصاب و العفو هل يكون متعلق الزكاة جميع المال او مقدار النصاب منه، و رجحنا القول بكون المتعلق جميع المال و استفدنا ذلك من أخبار الباب. فمعنى العفو عدم وجوب الزائد على ما وجب في النصاب لا عدم كون مقدار العفو متعلقا للزكاة و على هذا فحكمه حكم ما اذا تلف بعض النصاب و الى هذا أشار المصنف بقوله: «على اشكال» فراجع ما حررناه هناك

______________________________

(1)- المستدرك ج 1 الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 257

[اذا ارتد المسلم]

[مسألة 11]: اذا ارتدّ الرجل المسلم فاما أن يكون عن ملّة أو عن فطرة، و على التقديرين إما أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فان كان بعده وجبت الزكاة (1) سواء كان عن فطرة أو ملّة و لكن المتولّي لإخراجها الامام أو نائبه (2)،

______________________________

(1) اذ الارتداد لا يقتضي سقوطها و الإسلام يجبّ ما قبله لا الكفر.

(2) لأنها عبادة لا تصح من الكافر، و لاشتراطها بقصد القربة و لا يتمشى من الكافر، و لأن الامام ولّى الممتنع، و لأنها لا تقبل من الكافر لقوله- تعالى- إنما يتقبل اللّه من المتقين «1».

و لقوله: و ما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم إلا انهم كفروا باللّه و برسوله «2».

هذا مضافا الى ما في الفطري من انتقال المال منه الى الورثة فليس

مالكا للمال حتى يدفع زكاته.

هذا ما قيل في المقام، و لكن يرد على الأول المنع من عدم صحة عبادته لو فرض الاتيان بها واجدة للشرائط.

و على الثاني أولا بكونه أخصّ من المدعى اذ ليس الكافر منحصرا في من ينكر اللّه، فأهل الكتاب بل الخوارج و النواصب كفار يتمشى منهم قصد القربة. و ثانيا بأنه لا يقتضي انتقال القربة منه الى غيره، اذ المقصود بالزكاة جهة اقتصادية و جهة عبادية و المنظور تقرب صاحب المال لا وجود قربة ما من أيّ شخص حصلت. فاذا فرض امتناع تحقق القربة فالأمر يدور بين سقوط أصل الزكاة و بين سقوط شرطها او انتقاله الى الغير. فتعيّن الثالث يتوقف على الدليل.

و لعل الأولى هو الثاني أعني القول بسقوط جهة العبادة و بقاء جهة الاقتصاد و المالية. و اما انتقال جهة العبادة الى غير صاحب المال فبعيد جدا.

و يرد على الثالث أيضا بكونه أخص من المدعى اذ قد لا يمتنع هو بل يؤديها للّه او لإعانة الحكومة او لسدّ الخلّات الاجتماعية ايمانا بذلك.

و على الرابع بأن عدم القبول منه لا يقتضى الانتقال الى الغير و هل تقبل منه اذا أداها الامام؟

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 257

و على الخامس اولا بان انتقال الملك الى الوارث يوجب انتقال الأداء اليه لا الى الامام. و ثانيا بأن الانتقال اليه شرعا لا يوجب الانتقال الخارجي فقد يبقى المال في يد نفس المرتد كما في هذه الأعصار التي لا تجري فيها حدود اللّه.

______________________________

(1)- سورة المائدة، الآية 27.

(2)- سورة التوبة، الآية 54.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 258

و ان كان في أثنائه و كان عن فطرة انقطع الحول و لم تجب الزكاة و استأنف الورثة الحول (1) لأن تركته تنتقل الى ورثته، و ان كان عن ملة لم ينقطع (2) و وجبت بعد حول الحول لكن المتولي الامام «ع» أو نائبه (3) ان لم يتب و ان تاب قبل الاخراج اخرجها بنفسه، و اما لو اخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه (4)

______________________________

فالحق ان يقال ان الأداء على من في يده المال من المرتد او وارثه الّا في صورة الامتناع فيأخذ الحاكم منهما قهرا لكونها حقا للفقراء و أشباههم.

اللهم الّا أن يقال ان المال لما كان للوارث شرعا فلا يجزي أداء المالك السابق و لا أخذ الحاكم منه بدون المراجعة الى الوارث المالك فعلا، او يقال ان القاعدة على القول بالاشاعة وقوع التقسيم برضا جميع الملاك، و الحاكم ولي الفقراء فيتوقف التعيين على دخالته، خرج من ذلك بالأدلة صورة افراز نفس المالك و أدائه بنفسه و ليس المقام منه اذ الملك خرج من ملك المالك، و الوارث و ان ملكه فعلا و لكنه لم يكن مالكا حين التعلق. فالمقام نظير ما اذا امتزج الزكاة بمال الأجنبي حيث ان ولايته على التعيين يحتاج الى دليل.

هذا و لكن الظاهر عدم الاشكال في أداء الوارث لتحقق السيرة على أداء الوارث ديون الميت و زكواته و أخماسه، بل المستفاد من صحيحة البصري اجزاء أداء من انتقل اليه المال و لو بالشراء قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك إبله او شاته عامين فباعها على من اشتراها ان يزكيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع او يؤدي زكاتها البائع «1»

فتأمل.

و لو كان المال في يد نفس المرتد فالحاكم يأخذ منه مع الاستيذان من الوارث على الأحوط.

هذا في الفطري و اما الملي فملكه باق فان أدّاها أخذت منه و الّا أخذت منه قهرا و لا دليل على وجوب كون التعيين بنظر الحاكم لو فرض أداؤه بنفسه.

و يؤيد ذلك تعليل وجوب اعادة بعض المنحرفين كالحرورية و المرجئة و أمثالهم زكواتهم بأنهم وضعوها في غير مواضعها «2»، و من المعلوم كفر النصاب و الخوارج منهم و مع ذلك لم يعلل وجوب الاعادة بعدم الصحة من الكافر او عدم ولايته على التعيين او عدم القبول منهم فتدبر.

(1) يعني من بلغ حصته النصاب و انتقل اليه خارجا بحيث يتمكن من التصرف فيه.

(2) لبقاء ماله على ملكه كسائر الكفار.

(3) مرّ وجهه و الاشكال فيه نعم هو أحوط.

(4) مرّ الاشكال فيه.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 259

الّا اذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدد النية او كان الفقير القابض عالما بالحال (1) فانه يجوز له الاحتساب عليه (2) لأنه مشغول الذمة بها اذا قبضها مع العلم بالحال و اتلفها او تلفت في يده. و اما المرأة فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقا (3).

[لو كان مالكا للنصاب لا أزيد]

[مسألة 12]: لو كان مالكا للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلا فحال عليه أحوال فان أخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت (4) لعدم نقصانه حينئذ عن النصاب و لو أخرجها منه أو لم يخرج أصلا لم تجب الّا زكاة سنة واحدة لنقصانه حينئذ عنه (5).

و لو كان عنده أزيد من النصاب كأن كان عنده خمسون شاة و

حال عليه الأحوال لم يؤدّ زكاتها وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى أن ينقص عن النصاب، فلو مضى عشر سنين في المثال المفروض وجب عشرة و لو مضى أحد عشر سنة وجب أحد عشر شاة، و بعده لا يجب عليه شي ء لنقصانه عن الأربعين.

______________________________

(1) مع جهل الدافع اذ لو كانا معا عالمين فالضمان غير واضح لأنه بنفسه اذهب احترام ماله.

و الحاصل ان الصور المفروضة ثمانية اذ الفقير و الدافع اما عالمان او جاهلان، او الفقير عالم و الدافع جاهل او بالعكس، و في كل منها اما ان تكون العين موجودة او تالفة. و الاحتساب جائز في جميع صور وجود العين واحدى صور التلف أعني علم الفقير و جهل الدافع، و لا يجوز في العالمين لما مرّ، و لا في جهل الفقير بقسميه لأنه مغرور و الضمان على من غرّه.

(2) و لا يحتاج الى الاستيذان من الحاكم كما هو واضح نعم يتوقف على بقاء الفقر.

(3) فطرية كانت او ملّية لبقاء مالها على ملكها، و في حكمها الخنثى المشكل لاستصحاب البقاء.

(4) كما صرّح به غير واحد منهم المحقق في الشرائع. لكن مبدأ الحول الثاني من حين دفع الزكاة او عزلها لأنه زمان ملك النصاب تاما. اما قبله فلا يملك مقدار الزكاة او يملكه ناقصا.

اللهم الّا ان لا يضرّ هذا المقدار من عدم التمامية حيث انه يتمكن ان يتمكن. و التمكن من التمكن كاف في التمكن فتدبر، كما مرّ نظيره في الرهن الذي يتيسر فكّه.

(5) اما في صورة الاخراج فالنقصان واضح، و كذا في صورة عدم الاخراج بناء على الشركة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 260

و لو كان عنده ست و عشرون من الإبل

و مضى عليه سنتان وجب عليه بنت مخاض للسنة الأولى و خمس شياه (1) للثانية و ان مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضا أربع شياه و هكذا الى أن ينقص من خمسة فلا تجب (2).

______________________________

في العين و اما بناء على كون التعلق بنحو الحق فلعدم تمامية الملك. اللهم الّا ان يقال بكفاية التمكن منه كما عرفت.

نعم بناء على القول بتعلقها بالذمة فقط فتمامية الملك محفوظة و لكن المبنى عندنا فاسد كما يأتي.

(1) ان لم تزد قيمة بنت المخاض عن واحدة من النصاب و الّا فالواجب للثانية أربع شياه كما لا يخفى.

(2) ان كانت قيمة بنت المخاض و الخمس شياه معا لا تزيد عن واحدة من النصاب فالواجب في السنة الثالثة أيضا خمس شياه.

و تفصيل الكلام انه قال في الشرائع: «فلو كان عنده ست و عشرون من الابل و مضى عليه حولان وجب عليه بنت مخاض و خمس شياه فان مضى عليه ثلاثة أحوال وجب عليه بنت مخاض و تسع شياه».

و قال في المسالك في ذيل هذه العبارة: «إنما يتم ذلك لو كان النصاب بنت مخاض او مشتملا على بنت المخاض او على ما قيمته بنت مخاض حتى يسلم للحول الثاني خمس و عشرون تامة من غير زيادة، اما لو فرض كونها زائدة عليها في السن و القيمة أمكن ان يفرض خروج بنت المخاض عن الحول الأول من جزء واحد من النصاب و يبقى من المخرج منه خمس شياه فيجب في الحول الثالث بل يمكن ما يساوي عشر شياه و أزيد فيتعدد الخمس أيضا، و لو فرض كون النصاب بأجمعه ناقصا عن بنت المخاض كما لو كانوا ذكرانا ينقص قيمة كل واحد عن بنت المخاض نقص

من الحول الأول عن خمس و عشرين فيجب في الحول الثاني أربع شياه لا غير و ذلك كله مستثنى مما أطلقه».

و ما ذكره جيّد و استجوده في المدارك أيضا و تبعهما كثير من المتأخرين منهم صاحب المصباح و لكنه استشكل بالنسبة الى ما زادت قيمة الفريضة عن كل واحدة منها- كما لو كان الجميع ذكرانا- بامكان ان يدعى القطع بعد التدبر في ادلّة الزكاة بأن الشارع لم يوجب على من ملك ستا و عشرين من الابل بأزيد من واحدة منها بل جعل فريضة هذا النصاب بنت مخاض بملاحظة كونها أدنى الاسنان و أقلها قيمة. ففرض كون قيمة كل من النصاب دون قيمة بنت المخاض فرض نادر و على فرض حصوله فكون الفريضة فيه بنت مخاض مشكل. انتهى محصله.

أقول: فيما ذكره- قدس سره- منع اذ يرجع محصل اطلاق قوله: «في ست و عشرين بنت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 261

[اذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد]
[مبدأ حول النتاج]

[مسألة 13]: اذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد اما بالنتاج و اما بالشراء او الارث أو نحوها (1).

______________________________

مخاض» الى ان هذا النصاب في أي سن و في أي قيمة كانت افراده و سواء وجد فيه بنت المخاض أم لا فالشارع قدر الحصة المفروضة فيه ببنت المخاض. فكما ان الاطلاق يشمل صورة كون جميع الأفراد من السن الأعلى و ذي القيمة الأعلى فكذلك صورة كون الجميع في السن الأدنى و القيمة الأدنى. فالفرق بين المقامين بلا وجه فتدبر.

(1) قبل الورود في المسألة ينبغي البحث عن أمرين مرتبطين بالمسألة:

الأول: هل المبدأ للحول في النتاج النتاج او الاستغناء عن الأمهات او يفصّل بين نتاج السائمة و المعلوفة؟ وجوه بل أقوال. و لم يتعرض المصنف لهذا الفرع

و كان عليه أن يتعرض له.

ففي الشرائع بعد ذكر شرط السوم قال: «فلا تجب الزكاة في المعلوفة و لا في السخال الّا اذا استغنت عن الأمهات بالرعي». و ظاهره عدم ورودها في الحول قبل الاستغناء.

و لا يخفى ان السخال و ان كانت بحسب اللغة بمعنى ولد الشاة و لكن المراد بها في المقام الأعم منها و من الفصلان و العجاجيل.

و في المختلف: «و هل يعتبر الحول من حين الانتاج او من حين السوم؟ الأقرب الثاني و المشهور الأول».

و نسب فيه الأول الى الشيخ و ابن الجنيد أيضا كما نسبوا الثاني الى الكركي و الشهيد الأول و القطيفي و الصيمري أيضا.

و في الخلاف (المسألة 33): «لا زكاة في السخال و الفصلان و العجاجيل حتى يحول عليها الحول، و قد قال الشافعي و أصحابه هذه الأجناس كالكبار من ملك منها نصابا جرت في الحول من حين ملكها ...، و قال أبو حنيفة و محمد بن الحسن لا تجري في الحول حتى تصير ثنايا فاذا صارت ثنايا جرت في حول الزكاة، دليلنا اجماع الفرقة و ما روي عن النبي «ص» من قوله:

لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».

و ظاهره و لا سيما بعد ذكر أبي حنيفة بعنوان المخالف كون مبدأ الحول الملك و ان كان بالنتاج و محطّ نظر فقهاء العامة في هذه المسألة صورة انحصار الملك بالصغار اذ لهم في صورة اختلاطها بالكبار نظر آخر سيأتي.

هذا و ظاهر البيان في المسألة التفصيل حيث قال: «و هل يشترط في ابتدائه سوم السخال؟

اعتبره الفاضلان، و في رواية زرارة عن أحدهما مصرحة بأن مبدأه النتاج و عليها ابن الجنيد و الشيخ و هو الأقرب اذا كان اللبن الذي تشربه

عن السائمة».

هذه بعض الكلمات في المقام. و الأقوى ما في البيان ان ساعدنا الدليل و الّا فما نسب الى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 262

..........

______________________________

المشهور من كون المبدأ من حين الملك و لو كان بالنتاج.

و استدل لكون المبدأ الاستغناء عن الأمّهات مضافا الى انصراف الاطلاقات عن الصغار قبله بما دلّ على تقييد الاطلاقات بالسوم و لذا فرع المحقق المسألة على اعتباره.

و ربما يقال في تقرير ذلك بدوران المسألة مدار كون السوم شرطا او العلف مانعا فعلى الأول يكون المبدأ حين الاستغناء و على الثاني حين النتاج لعدم صدق العلف على اللبن. و حيث قوينا الأول فالمبدأ هو الاستغناء.

و استدل لكون المبدأ الملك و النتاج بوجوه:

الأول: الاطلاقات بعد منع انصرافها عن الصغار.

فان قلت: هي مقيدة بالسوم بحسب الاخبار المقيدة.

قلت: السوم و العلف من قبيل العدم و الملكة فيشترط فيهما الشأنية و الصغار خارجة عنهما.

الثاني: قوله- عليه السلام- في صحيحتي أبي بصير و محمد بن قيس: «و يعدّ صغيرها و كبيرها» «1». و بهما يمنع انصراف الاطلاقات عن الصغار أيضا.

هذا و لكن يرد على الاستدلال بهما مضافا الى عدم الدلالة على مبدأ الحول احتمال صدورهما تقية وفقا لنظر جميع فقهاء العامة من تبعية الصغار للأمهات مع الاختلاط بحسب الحول كما يأتي تفصيله و قد أشار الى ذلك الشيخ في كلماته.

كما يرد على الاستدلال بالاطلاقات بعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، اذ قوله مثلا:

«في أربعين شاة شاة» يكون في مقام بيان الفريضة للأربعين من دون نظر الى شمول الأربعين لكل ما هو مصداق الأربعين. كما ان ما اشتمل منها على لفظ العموم كقوله: «في كل أربعين شاة شاة» يكون المنظور العموم بحسب المالكين لا من

جهة الصغر و الكبر فتأمل.

هذا مضافا الى عدم مقاومة هذين الدليلين للأخبار المقيدة بالسوم. فالعمدة في المسألة هو الوجه الثالث و هي الاخبار الخاصة.

منها صحيحة زرارة او حسنته بابراهيم بن هاشم المروية في الكافي، عن أبي جعفر «ع» قال: ليس في صغار الابل شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج «2».

و منها موثقته قال: سألت أبا جعفر «ع» عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء ... و كل شي ء كان من هذه الأصناف فليس فيه شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج «3».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3 و ذيل الحديث 2 من الباب 6 منها.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 263

..........

______________________________

و منها موثقته الأخرى عن أحد هما «ع» في حديث قال: ما كان من هذه الأصناف الثلاثة:

الابل و البقر و الغنم فليس فيها شي ء حتى يحول عليها الحول منذ يوم ينتج «1».

و نحوها موثقته الثالثة عنهما «ع» «2». و ان كان من المحتمل جدا كونها من كلام الشيخ منضما الى الرواية كما هو الظاهر من لفظ «كتبنا» او «سميناها» فراجع.

و منها موثقة اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السخل متى تجب فيه الصدقة؟

قال: اذا أجذع «3». بناء على كون الجذع ما تمّ له سنة و عدم كون المراد شروعه في الحول من حين الجذوعة بل التعلق حينها.

بل يدل على المقصود جميع روايات الباب الدالة على تعلق الزكاة بالصغار اذا حال عليها الحول. اذ الظاهر منها كون مبدأ الحول حين

ملكها و نتاجها، كما ان المستفاد منها عدم كونها تبعا للأمهات في الحول بل اعتبار الحول في انفسها كما سيأتي.

و بالجملة فالروايات الخاصة و عمدتها صحيحة زرارة و موثقاته دالة على كون المبدأ من حين النتاج، فيجب الأخذ بها. فكلام المحقق و العلامة و غيرهما اجتهاد في مقابل النص. و خبر زرارة بنقل الكليني صحيح او حسن كالصحيح، فرمى العلامة في المختلف إياه بعدم الصحة بلا وجه، مضافا الى حجية الموثقة أيضا.

بقي الكلام في التفصيل الذي ذكره في البيان، و لعل وجهه كما في المصباح: «دعوى ان مغروسية عدم زيادة الفرع عن الأصل في الذهن مانعة عن استفادة ارادة الصغار التي لا تتعلق الزكاة بامهاتها من اطلاقات أدلتها مع ان أخبار الباب باسرها واردة مورد حكم آخر فلا يمكن التمسك باطلاقها لا ثبات الوجوب في نتاج المعلوفة التي لا زكاة في أمهاتها».

و ان شئت قلت: الاخبار الخاصة التي هي العمدة في الدلالة كما عرفت في مقام بيان اعتبار الحول في الانعام التي فيها الزكاة و ان ذكر فيها المبدأ تفضلا فلا تنافي اعتبار السوم في امهاتها أيضا حتى يكون اللبن متحصلا من نبات الصحراء في قبال اللبن الحاصل من العلف المملوك.

و الاعتبار العرفي أيضا يساعد على هذا التفصيل فيسري حكم السوم و العلف الى اللبن الحاصل منهما. و لعل عنوان السائمة أيضا يصدق على النتاج المتولد في الصحراء المتغذى من اللبن المتحصل من نباتها، كما ان ما دلّ على الزكاة في الصغار أيضا تنصرف الى الصغار التي يكون الزكاة ثابتا فيها لو لا الصغر أعني الصغار البدوية العائشة في الصحراء، و السيرة في عصر النبي و الأئمة- عليهم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من

أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، ذيل الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

السلام- أيضا كانت على المراجعة الى ذوي الانعام السائمة بكبارها و صغارها و لم تعهد مطالبة الزكاة من صغار المعلوفات. فما ذكره في البيان من التفصيل لعله أقوى فتدبر.

الأمر الثاني: لا يخفى ان لفقهاء أهل السنة في معنى حول الحول في الأصناف الزكوية- كما يظهر من الخلاف و الفقه على المذاهب الأربعة و غيرهما- مشربا وسيعا بخلافه عندنا.

فمعنى حول الحول عند أصحابنا وجود نصاب الشي ء بشخصه من أول الحول الى آخره بحيث يبقى جميع أفراد النصاب بلا مبادلة عليها و بلا طروّ نقصان في وسط الحول من غير فرق بين الانعام و غيرها و بين السخال و غيرها، فالسخال عندنا لا تتبع الامهات في شي ء من الحيوان بل لكل منها حول نفسه و به قال النخعي و الحسن البصري.

و خالف جميع الفقهاء في ذلك، فعند الشافعي و أبي حنيفة و مالك لو ملك نصابا كأربعين مثلا في أول الحول ثم توالدت في أثناء الحول فاذا حال الحول من حين ملك الأمهات أخذت الزكاة من الكل.

و قال مالك و أبو حنيفة: ان كانت الفائدة من جنس النصاب و ان لم تكن من عينه كان حولها حول الأصل حتى لو كانت عنده خمس من الابل مثلا حولا الّا يوما فملك خمسا من الابل ثم مضى اليوم زكى المالين معا.

و انفرد أبو حنيفة فقال: هذا اذا لم يكن زكّى بدل الفائدة أعني الدراهم التي اشتراها بها.

و قال مالك لو ملك في أول الحول دون النصاب

كعشرين من الغنم فتوالدت حتى صارت في آخر الحول نصابا وجب زكاتها و لم يقل بهذا لا أبو حنيفة و لا الشافعي.

و قال أبو حنيفة لو ملك في أول الحول نصابا و في آخره كذلك وجبت الزكاة و ان نقص المال عن النصاب في اثناء الحول.

و قال الشافعي اذا ملك أربعين شاة فتوالدت أربعين سخلة ثم ماتت الامهات لا ينقطع حولها بل أخذ من السخال واحدة منها بعد انقضاء حول الامهات.

و قال مالك يكلف شراء كبيرة و لا يؤخذ من السخال، الى غير ذلك من الفروع التي ذكروها.

فراجع الخلاف «1».

و هذه الفروع متروكة عند أصحابنا للإجماع و لما روي عن النبي «ص» بطرقهم انه قال:

«لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».

و في التاج: «عن ابن عمر، عن النبي «ص» قال: من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه. رواه الترمذي و أبو داود» «2».

______________________________

(1)- الخلاف كتاب الزكاة، المسألة 18، 19، 23، 24، 33 و 117.

(2)- التاج ج 2 ص 16.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 265

[إن كان بعد تمام الحول السابق قبل الدخول في اللاحق]

فان كان بعد تمام الحول السابق (1) قبل الدخول في اللاحق فلا اشكال في ابتداء الحول للمجموع ان كمل بها النصاب اللاحق (2).

و اما ان كان في أثناء الحول فاما أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو و لم يكن نصابا مستقلا و لا مكملا لنصاب آخر، و اما ان يكون نصابا مستقلا، و اما ان يكون مكملا للنصاب (3).

______________________________

و روي ذلك عن أئمتنا- عليهم السلام- بطرق عديدة كثيرة في الموارد المختلفة من الانعام و النقدين و كذلك في الصغار بنفسها و غير ذلك.

و لا يخفى ان الظاهر منها حول الحول على المال

بشخصه لا على الأعم منه و من بدله.

ثم كيف ينسب حول الامهات الى السخال مع كونها متولدة في الأثناء و لا يصدق ان الحول حال الّا على الامهات؟

فتلخص من ذلك ان السخال لا تتبع الامهات في الحول بل يعتبر الحول فيها بأنفسها.

فاذا عرفت هذين الأمرين فاستعدّ للشروع في أصل المسألة التي عنونها المصنف- قدس سره.

(1) التعبير بالبعدية و القبلية غير مناسب، و الأنسب التعبير بمقارنة الملك الجديد لابتداء الحول الثاني.

(2) كما لو ملك خمسا و عشرين من الابل فملك في اول الحول الثاني اثنين مثلا أو ملك اثنين و ثمانين من الغنم فملك في اول الحول الثاني اربعين او ملك احدى و ثلاثين بقرة فملك في اول الحول الثاني عشرة، الى غير ذلك من الأمثلة.

و لو زاد في أول الحول الثاني ما هو بنفسه نصاب لو لا الاول لم يكن له حكم كما لو زاد على احدى و اربعين شاة اربعون شاة او على الست و العشرين من الابل خمس منها كما لا يخفى وجهه.

(3) الشقوق هنا خمسة ترجع بحسب الحكم الى ثلاثة:

الأول: ان لا يكون الملك الجديد نصابا مستقلا و لا مكملا لنصاب آخر اصلا، كما لو كانت له خمس إبل فولدت أربعا او اربعون شاة فولدت عشرين مثلا.

الثاني: ان لا يكون نصابا مستقلا و لا مكملا على فرض اجتماعه مع غيره و ان كان نصابا مستقلا على فرض انفراده، كما لو كانت له اربعون شاة فولدت اربعين فان الاربعين نصاب مستقل لو كان منفردا و لكن المفروض في المقام اجتماعه مع غيره، كما لو ملك ثمانين ابتداء فان الأربعينين هنا بحكم اربعين واحد.

الثالث: ان يكون الملك الجديد نصابا مستقلا كما لو ملك أحدا

و أربعين بقرة فولدت ثلاثين فان كلا منهما نصاب مستقل في البقر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 266

..........

______________________________

و قد يمثل أيضا بما اذا كانت له خمس من الابل فولدت خمسا بتقريب ان النصاب في الابل خمس الى خمسة نصب.

و لكن يرد عليه ان هذا المعنى و ان كان ربما يستفاد من بعض روايات الباب كقوله في موثقة زرارة مثلا: «ثم في كل خمس شاة حتى تبلغ خمسا و عشرين» و لكن الظاهر من أكثر اخبار الباب كون النصاب الأول خمسا الى تسع، و النصاب الثاني عشرا الى أربعة عشر، و الثالث خمسة عشر و هكذا. و كل نصاب بسيط، و مراتب الاعداد بسيطة، فالعشر مثلا بمجموعه نصاب واحد لا انه مؤلف من نصابين. نعم الخمس مكمّل له.

ففي صحيحة زرارة «فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة، فاذا كانت عشرا ففيها شاتان، فاذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ...». و نحوها صحيحة أبي بصير و صحيحة عبد الرحمن «1».

فهي ظاهرة جدا في كون العشر بمجموعه و بساطته نصابا و كذا خمسة عشر و عشرون.

نعم كل نصاب مأخوذ بعرض عريض و لا بشرط بحسب مراتب العفو الى النصاب اللاحق، و بالنسبة اليه لو حظ بشرط لا. و لأجل ما ذكر تكون الشاة في تسع من الابل مثلا زكاة للتسع لا للخمس الواقعة في ضمنها. و ليس معنى العفو عدم وقوع الزكاة بإزائها بل معناه عدم وجوب الزائد على ما سبقه. و قد عرفت تحقيق ذلك في بعض مباحثنا السابقة.

فتلخص مما ذكرناه ان الخمس بعد الخمس في نصاب الابل ليس نصابا مستقلا بل مكملا فقط للنصاب الآخر فهي مثال للقسم الرابع لا للقسم الثالث.

الرابع: ان يكون

الملك الجديد مكملا للنصاب اللاحق، كما اذا ملك اثنين و ثمانين من الغنم فولدت له اربعين او احدى و ثلاثين من البقر فولدت عشرا او ستا و عشرين من الابل فولدت أحد عشر مثلا بل اذا كان له خمس من الابل فولدت خمسا على ما بيّناه في القسم الثالث.

الخامس: ان يكون الملك الجديد نصابا مستقلا بنفسه و كذا مكملا للنصاب اللاحق، كما اذا كان له ست من الابل ثم حصل له عشرون او بالعكس، بناء على ما ذكروه من كون كل خمس نصابا في الابل الى خمس و عشرين، و لكنا استشكلنا فيه آنفا. فالخمس في الابل عندنا لا يكون نصابا مستقلا مطلقا بل قد يكون كذلك كالخمس الأول و قد يكون مكملا كالخمس الثاني مثلا و قد لا يكون الّا عفوا كالخمس الواقع بعد ست و عشرين مثلا. و كذا العشر مثلا فالعشر الاول مستقل و الواقع بعد الست و العشرين مكمل و الواقع بعد الست و الاربعين عفو كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1، 2 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 267

أمّا في القسم الأول فلا شي ء عليه كما لو كان له هذا المقدار ابتداء، و ذلك كما لو كان عنده من الابل خمسة، فحصل له في أثناء الحول أربعة أخرى، أو كان عنده أربعون شاة ثم حصل له أربعون في أثناء الحول (1).

______________________________

(1) هذان قسمان من الأقسام الخمسة التي أشرنا اليها و حكمهما واحد كما ذكره المصنف.

اما في الأول فواضح. و اما في الثاني فلان الاربعين بعد الاربعين لا حكم له و ليس أولى مما اذا ملك الأربعينين أعني الثمانين من أول السنة.

نعم

في المعتبر: «لو ملك أربعين شاة ثم ملك أخرى في أثناء الحول فعند تمام حول الأولى تجب فيها شاة فاذا تم حول الثانية ففي وجوب الزكاة فيها وجهان: أحد هما: الوجوب لقوله «ع»: في أربعين شاة شاة. و الثاني: لا تجب لأن الثمانين ملك الواحد فلا تجب فيها أكثر من شاة». و حكى ذلك في المنتهى قولا.

و في الدروس: «و في أربعين من الغنم بعد أربعين، و ثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب».

و لا يخفى ان عطف مثال البقر عليه بلا وجه، لوضوح الوجوب فيه.

و كيف كان فقد استدل لهذا الاحتمال بقوله «ع»: «في كل أربعين شاة شاة»، و بأنه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه مع الانفراد فكذا مع الانضمام.

و أورد عليه بأن المراد من الاول النصاب المبتدأ اذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان اجماعا. فالعموم بحسب الملّاك لا بحسب الاملاك لمالك واحد.

و على الثاني بوضوح الفرق بين صورتي الانفراد و الانضمام.

و يدل على ذلك قوله «ع» في صحيحة الفضلاء: «و ليس فيما دون الاربعين شي ء ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مأئة ...».

و في صحيحة محمد بن قيس: «فاذا كانت اربعين ففيها شاة الى عشرين و مأئة ...».

اذ يستفاد منهما ان الاربعين اخذت لا بشرط بحسب مراتب العفو الى ان تبلغ النصاب الثاني، نعم هي بالنسبة الى النصاب الثاني أخذت بشرط لا و لذا لا حكم للأربعين في ضمن احدى و عشرين و مأئة.

و كيف كان فالحكم في القسمين الأولين واضح و هو العفو عما زاد.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 268

[إذا حصل الملك الجديد في الأثناء]

و اما في القسم الثاني فلا يضم الجديد الى السابق (1) بل يعتبر لكل منهما حول

بانفراده كما لو كان عنده خمس من الابل ثم بعد ستة أشهر ملك خمسة أخرى فبعد تمام السنة الأولى يخرج شاة، و بعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضا يخرج شاة و هكذا.

______________________________

(1) هذا هو القسم الثالث مما ذكرناه من الأقسام الخمسة و مثلنا له بما اذا ملك واحدا و اربعين بقرة فولدت ثلاثين. و اما ما مثل به المصنف فقد ناقشناه فراجع.

و استقلال كل من الملكين و اعتبار الحول لكل منهما بانفراده وجهه واضح للإجماع، و لا طلاق الأدلة بالنسبة الى كل منهما.

قال في الخلاف (المسألة 18): «السخال لا تتبع الأمهات في شي ء من الحيوان الذي يجب فيه الزكاة بل لكل شي ء منها حول نفسه و به قال النخعي و الحسن البصري، و خالفت الفقهاء في ذلك على اختلاف بينهم سنذكره، دليلنا اجماع الفرقة ... و أيضا روت عائشة عن النبي «ص» انه قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ...».

و في الانتصار: «و مما يظن انفراد الامامية به القول بأن السخال و الفصال و العجاجيل لا تضم الى امهاتها في الزكاة و ان بلغ عدد الامهات النصاب و سواء كانت هذه السخال متولدة عن هذه الأمهات التي في ملك صاحبها او كانت مستفادة من جهة أخرى ...، و الحجة لمذهبنا الاجماع المتردد».

و في المنتهى: «و لا تجب الزكاة في السخال حتى يحول عليها الحول و ليس حول امّهاتها حولها، و عليه فتوى علمائنا أجمع و به قال الحسن البصري و ابراهيم النخعي».

و في المعتبر: «لو كان معه نصاب من الابل و الغنم فنتجت في أثناء الحول اعتبر لها حول بانفرادها و لا يكون حول امهاتها حولا لها و به قال الحسن و

النخعي خلافا لأبي حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد».

و في الشرائع: «و لا تعد السخال مع الامهات بل لكل منهما حول بانفراده».

و في الجواهر في ذيل عبارة الشرائع: «بلا خلاف أجده بل الاجماع في الخلاف و المنتهى و الانتصار و غيرها عليه».

أقول: قد أشرنا في الأمر الثاني الى فتاوى أهل الخلاف في المقام و ان لهم في السخال و في المال المستفاد في أثناء السنة مشربا وسيعا و لا سيما في السخال بشرط تولدها من الامهات التي في ملكه و بلوغ الامهات نصابا و اشتراكها مع امهاتها في جزء من الحول، فان الجمهور منهم اطبقوا في هذه الصورة على كفاية حول الامهات لسخالها فنظر أصحابنا في عنوان هذه المسألة و ادعاء الاجماعات فيها الى الردّ عليهم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

و يدل على صحة مذهبنا مضافا الى اجماع أصحابنا الكاشف عن تلقي المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- الخبر المروي بطرقهم و طرقنا. و لعله في طرقنا بحدّ التواتر الحاكم بأن كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه و ان ما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن «1». و خصوص ما ورد في الصغار من قوله «ع»: «ليس في صغار الابل شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم ينتج». و قوله «ع»: «ليس في صغار الابل و البقر و الغنم شي ء الّا ما حال عليه الحول عند الرجل». و قول ابن أبي عمير: «كان علي «ع» لا يأخذ من صغار الابل شيئا حتى يحول عليها الحول». الى غير ذلك من الاخبار «2».

و اذا ثبت عدم الزكاة في السخال حتى يحول على أنفسها الحول و انها لا تتبع الأمهات

في الحول فعدم التبعية في المال المستفاد جديدا أولى كما لا يخفى. و المسلّم من التبعية عند أهل السنة انما هي في السخال، اذ في غيرها هم أيضا يختلفون.

و بما ذكرنا يظهر وجوب التاويل بالحمل على التقية او الاستحباب او غيرهما في خبر عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد اللّه «ع» قال في الرجل يكون عنده المال فيحول عليه الحول ثم يصيب مالا آخر قبل أن يحول على المال الأول الحول قال: اذا حال على المال الأول الحول زكاهما جميعا. و خبر الاصبهاني قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: يكون لي على الرجل مال فاقبضه منه متى أزكّيه؟ قال: اذا قبضته فزكّه. قلت: فاني أقبض بعضه منه في صدر السنة و بعضه بعد ذلك؟ قال: فتبسّم ثم قال: ما أحسن ما ادخلت فيها. ثم قال: ما قبضته منه في الستة الأشهر الأولى فزكّه لسنته، و ما قبضته بعد في الستة الأشهر الأخيرة فاستقبل به في السنة المستقبلة، و كذلك اذا استفدت مالا منقطعا في السنة كلها فما استفدت منه في أول السنة الى ستة أشهر فزكّه في عامك ذلك كله، و ما استفدت بعد ذلك فاستقبل به السنة المستقبلة «3».

هذا مضافا الى ان الظاهر من المال- كما مرّ في بعض المباحث- الذهب و الفضة. فشموله للأنعام مشكل. و مضافا الى عدم افتاء أهل الخلاف أيضا بما في الخبر الأخير من التفصيل بين الستة الأشهر الأولى و الأخيرة. فالواجب ردّ علمهما الى أهله.

هذا و لكن في النفس هنا شي ء و هو ان السيرة في زمن النبي «ص» و الخلفاء لعلها استقرت على اعزام السعاة لجمع الزكوات مرّة واحدة في السنة. و التملك للسخال و للأموال

الجديدة كان جاريا لكل أحد في أثناء السنة بل التملك للنصب العليا دفعة واحدة فرض نادر و الغالب حصولها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 16 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 270

[إذا كان الملك الجديد مكملا للنصاب]

و اما في القسم الثالث فيستأنف حولا واحدا بعد انتهاء الحول الأول (1) و ليس على الملك الجديد في بقية الحول الأول شي ء. و ذلك كما اذا كان عنده ثلاثون من البقر فملك في أثناء حولها أحد عشر، أو كان عنده ثمانون من الغنم، فملك في أثناء حولها اثنتين و اربعين.

______________________________

تدريجا في أشهر مختلفة. فما كان عملهم بالنسبة الى الأموال الجديدة و السخال؟ فهل كانوا يؤخرون تزكيتها او يقدّمونها؟ فهذا أمر مشكل يجب تحقيقه. و اللّه العالم.

و لا يخفى ان ظاهر عبارة الشرائع حيث قال: «بل لكل منهما حول بانفراده» بل و كذا ظاهر غيرها مما حكيناها ارادة ما اذا كانت السخال نصابا مستقلا عن الامهات و لم يكن زمان الملك فيها متحدا مع الامهات و لا في رأس الحول لها كما لا يخفى على من دقق النظر.

(1) و فاقا لما يختاره في الجواهر كما يأتي. و قبل الورود في تحقيق المسألة نقدم أمورا:

الأمر الأول: قد عرفت في مطاوي الفروع السابقة ان كل نصاب «بسيط»، مأخوذ «لا بشرط» بحسب مراتب العفو، و «بشرط لا» بالنسبة الى النصاب اللاحق.

و المراد من كونه بسيطا ان كل نصاب مقتض واحد لمقتضى واحد و ليس لكل جزء من النصاب الواحد اقتضاء لجزء من الفريضة بل هو بوحدته اقتضى لمجموع الفريضة.

و

المراد من كونه لا بشرط بحسب مراتب العفو ان الخمس من الابل مثلا الى التسع نصاب واحد فكما ان الخمس تقتضي شاة فالتسع أيضا تقتضي شاة لا ان المقتضي لها الخمس في ضمنها و هو الظاهر من احاديث الباب أيضا. ففي صحيحة زرارة مثلا «فاذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة» و قد مرّ بيان هذا الفرع مفصلا في التنبيه الثالث من التنبيهات التي ذكرناها في ذيل المسألة الأولى من زكاة الانعام.

و ثمرة ذلك انه لو تلف من التسع واحدة بعد تعلق الزكاة بلا تفريط سقط من الفريضة تسعها كما لا يخفى.

و المراد بكون النصاب بشرط لا بالنسبة الى النصاب اللاحق ان الاربعين من شاة مثلا الموجودة في ضمن النصاب الثاني او الثالث لا أثر لها و الّا لوجب في احدى و عشرين و مأئة مثلا ثلاث شياه: شاتان لهذا النصاب و شاة للأربعين في ضمنه و هو بيّن الفساد.

الأمر الثاني: من الواضح ان المال الواحد لا يحسب في عام واحد مرّتين و لا يزكّى مرّتين.

و يدل على ذلك مضافا الى وضوحه و استظهاره من اخبار اعتبار الحول اخبار:

ففي نهاية ابن الأثير في لغة «ثنا»: «فيه (أي في الحديث) لا ثنى في الصدقة. أي لا تؤخذ الزكاة مرتين في السنة».

و في صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل مالا قرضا على من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

زكاته؟ على المقرض او على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها ان كانت موضوعة عنده حولا على المقترض. قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ... «1».

و في الدعائم عن جعفر بن محمد، عن أبيه،

عن آبائه، عن علي «ع» ان رسول اللّه «ص» نهى ان تثنّى عليهم في عام مرّتين و ان لا يؤخذوا بها في كل عام الّا مرّة واحدة «2».

الأمر الثالث: جميع شرائط الوجوب ترجع الى حدود الموضوع للحكم، فكما ان النصاب و كونها سائمة و غير عاملة دخيلة فيه فكذا الحول. فما لم يحل عليه الحول و زانه و زان المعلوفة او ما ليس بنصاب في عدم تحقق الوجوب فيه أصلا.

ففي رواية زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: لا يزكى من الابل و البقر و الغنم الّا ما حال عليه الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن «3».

الأمر الرابع: اصطكاك أحد الدليلين مع الآخر اما بالورود او بالحكومة او بالتعارض او بالتزاحم.

فالأول أن يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر حقيقة، كالخبر الصحيح الوارد في المسألة بالنسبة الى حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان.

و الثاني أن يتعرض أحدهما لما لا يتعرض له الآخر فيتصرف فيه تعبدا كقوله: لا شك لكثير الشك بالنسبة الى قوله: اذا شككت فابن على الأكثر. حيث ان لسان الأول رفع موضوع الثاني تعبدا.

و التعارض ان يتعرض أحد الدليلين لنفس النسبة التي تعرض لها الآخر بما ينافيها فيكون أحدهما مثبتا لها و الآخر نافيا، اما بنحو التباين او العموم من وجه او العموم و الخصوص المطلق.

و قد ذكروا لصورة عدم الجمع العرفي بينهما مرجحات أحصوها في محله.

و التزاحم ان يحرز وجود الملاك في كلا الدليلين و لكن لا يقدر المكلف على امتثالهما معا كالمسلمين الغريقين مع عدم تمكن المكلف من انقاذهما معا فالعقل يحكم بتقديم الأهم ان كان و الّا فالتخيير. و هل يكون التقدم بحسب الزمان مرجحا فيه أم لا

بين الأصحاب فيه كلام.

اذا عرفت هذه المقدمات الأربع فنقول: قال في القواعد: «لو ملك ثلاثين بقرة و عشرا بعد ستة أشهر فعند تمام حول الثلاثين تبيع او تبيعة و عند تمام حول العشر ربع مسنة، فاذا تم حول

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- دعائم الإسلام ج 1 ص 252، و المستدرك ج 1 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام الحديث 2.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 272

..........

______________________________

آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنة، و اذا حال آخر على العشر فعليه ربع مسنة و هكذا، و يحتمل التبيع و ربع المسنة دائما، و ابتداء حول الاربعين عند تمام حول الثلاثين». فهذه ثلاثة احتمالات احتملها في القواعد.

و قال في المنتهى: «لو ملك أربعين شاة ستة أشهر مثلا ثم ملك تمام النصاب الثاني و زيادة واحدة مثلا وجب عليه عند تمام حول الأول شاة. و هل يحصل ابتداء انضمام النصاب الأول الى النصاب الثاني عند ملك الثاني او عند أخذ الزكاة من الأول؟ الأقرب الأول لأنه صدق عليه وقت ابتداء الملك انه ملك مأئة واحدى و عشرين فحينئذ اذا مضت سنة من ابتداء ملك الزيادة وجب عليه شاتان فيجب عليه في سنة و نصف ثلاث شياه ... و لو قيل بسقوط حكم النصاب الأول عند ابتداء ملك تمام النصاب الثاني و صيرورة الجميع نصابا واحدا كان حسنا».

و في الجواهر ذكر أربع احتمالات فقال: «أما اذا لم تكن نصابا مستقلا و لكن كانت مكمّلة للنصاب الآخر للأمهات، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر، أو ثمانون من الغنم

اثنين و أربعين، او ملكها كذلك بغير الولادة ففي سقوط اعتبار الأول و صيرورة الجميع نصابا واحدا، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله، فيخرج عند انتهاء حول الأول تبيع او شاة، و عند مضي سنة من تلك شاتان أو مسنة، أو يجب فريضة الأول عند حوله فاذا جاء حول الزيادة لوحظ ما يخصّها من فريضة نصاب المجموع، فاذا جاء الحول الثاني للأمهات أخرج ما نقص من تلك الفريضة و هكذا، فيخرج في مثال البقر في الحول الأول للأمهات تبيع، و للعشر عند حولها ربع مسنة، فاذا جاء الحول الآخر للأمهات يخرج ثلاثة أرباع مسنة و يبقى هكذا دائما، او عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي الحول الأول ثم استيناف حول واحد للجميع، أوجه، أوجهها الأخير. و فاقا للفخر و الشهيدين و أبي العباس و المقداد و الكركي و الصميري و سيد المدارك و الخراساني و الفاضل البهبهاني و الاستاذ في كشفه و المولى في الرياض و المحدث البحراني على ما حكي عن بعضهم. لوجوب اخراج زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي و هو اندراجه في الأدلة و انتفاء المانع، و متى وجب اخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما الى غيره في ذلك الحول للأصل، و قوله «ص»: «لا ثنى في صدقة»، و قول أبي جعفر «ع»: «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد»، و لظهور أدلة النصاب المتأخر في غير المفروض. و منه يعلم انه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذ فرارا من تثنية الصدقة». انتهى ما في الجواهر نقلناه بطوله لأدائه حق المطلب.

أقول: محصل ما استدل به للوجه الأخير ان الملك الأول بعد حلول الحول عليه جامعا للشرائط يتنجز الوجوب

فيه لوجود المقتضي و انتفاء المانع، و الملك الثاني لم يحل عليه الحول فعلا و عند حلول الحول عليه ليس بحد النصاب. و انضمام الملك الأول اليه و ان صيّره بحد النصاب و لكن يوجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 273

..........

______________________________

ذلك امّا تزكية الملك الأول مرتين في سنة واحدة أو تبعيض النصاب الواحد بحسب الاقتضاء، و قد عرفت ان كل نصاب بسيط لا يتبعض بحسب الاقتضاء.

و بعبارة أخرى الظاهر من أدلة الحول بنفسها- و لو مع قطع النظر عن قوله: «لا ثنى في الصدقة» و نحوه- ان كل مال وجد فيه الشرائط من النصاب و حول الحول و نحوهما ثبت فيه الفريضة في الحول مرة واحدة. فالمقتضي واحد و المقتضى أيضا واحد و لا يحسب المال في حول واحد مرّتين. و لازم ذلك سقوط الأشهر الأولى من الملك الجديد فينضم الى الملك الأول بعد حوله و يتحقق النصاب اللاحق و تثبت فريضته في السنة الثانية كما اختاره المصنف أيضا.

فان قلت: قد قلتم في مقام الاستدلال للوجه الأخير بوجود المقتضي و انتفاء المانع و نحن نقول أولا: لا نسلم انتفاء المانع اذ المفروض تحقق النصاب اللاحق في أثناء الحول، و بمقتضى قوله:

«لا ثنى في الصدقة» و نحوه يصير انطباق النصاب اللاحق مانعا عن تأثير النصاب السابق. نعم لو فرض انطباق النصاب السابق لم يبق محل لانطباق اللاحق و لكن لا دليل على انطباقه، و مجرد السبق الزماني لا دليل على الترجيح به في باب التعارض و ان قيل به في باب التزاحم.

و ثانيا: يمكن منع المقتضي أيضا، اذ بعد تحقق النصاب اللاحق لا يبقى اقتضاء للسابق الموجود في ضمنه لما عرفت في المقدمة الأولى من

أخذ كل نصاب بشرط لا بالنسبة الى النصاب اللاحق.

فالمتجه حينئذ اما الالتزام بسقوط حول الأمهات لعدم بقاء نصابها بشرائط التأثير، و هذا هو الوجه الأول من الوجوه الأربعة المذكورة في الجواهر، أو الالتزام بأنه اذا تمّ حول الأمهات وجبت فريضتها وجوبا مستقرا في نصفها مثلا و مراعى باختلال شي ء من شرائط النصاب الثاني في أثناء حوله في نصفها الآخر، فان اختلّ شي ء منها كشف عن ان الواجب كان فريضة النصاب الأول بتمامها و الّا اندرج في النصف الآخر بحسب النصاب الثاني، فلو ملك أولا ستا و عشرين من الابل مثلا و بعد ستة أشهر أحد عشر أخرى وجب عليه عند حول الأول بنت مخاض نصفها مستقرا و نصفها مراعى فاذا بقى الملك الثاني بشرائطه الى آخر حوله كان عليه حينئذ عند حول الأمهات نصف بنت مخاض و عند حول السخال بنت لبون تامة، و هذا وجه خامس غير الأربعة المذكورة.

قلت: النصاب اللاحق انما يمنع عن تأثير السابق اذا كان مؤثرا في ايجاب فريضته فعلا، و اما اذا لم يكن جامعا لشرائط التأثير التي منها الحول فلا يصلح مانعا عن تأثير السابق الواجد للشرائط.

و كونه مؤثرا بشرط البقاء الى آخر حوله لا يكفي للمانعية و المزاحمة، اذ الوجوب المعدوم لعدم تحقق موضوعه لا يزاحم و لا يعارض الوجوب الفعلي المتحقق موضوعه، و قد عرفت في المقدمة الثالثة ان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 274

[إذا كان الملك الجديد نصابا مستقلا]

و يلحق بهذا القسم على الأقوى ما لو كان الملك الجديد نصابا مستقلا و مكملا للنصاب اللاحق (1) كما لو كان عنده من الابل عشرون فملك في الأثناء ستة أخرى، أو كان عنده خمسة ثم ملك أحدا و عشرين. و يحتمل

إلحاقه بالقسم الثاني.

______________________________

الحول مثل سائر شرائط الوجوب دخيل في موضوعه فيكون ما لم يحل عليه الحول كالمعلوفة و الأقل من النصاب وجوده كالعدم.

فاذا كان عنده ثلاثون بقرة مثلا فولدت بعد ستة أشهر احدى عشرة فعند تمام حول الأمهات يجب تبيع، ثم لا يجب فيها شي ء آخر لا مستقلة و لا منضمة الى السخال حتى يحول عليها حول آخر فيجب فيها حينئذ مسنة لأنها بانضمامها الى السخال صارت اربعين، و اما السخال بنفسها فلا استقلال لها في التأثير. اما قبل حولها فواضح، و اما بعده فلأن احدى عشرة ليست نصابا في البقر. نعم هي مكملة للأربعين فما لم يتم شرط تأثير الاربعين و هو انقضاء الحول على جميع أجزائه التي منها الأمهات بعد حولها الأول امتنع ان يتحقق مسببه أعني وجوب المسنة.

و اما القول بالتوزيع في مقام التأثير فهو ينافي ما لوّحنا اليه من كون كل نصاب بسيطا ذا اقتضاء واحد و مقتضى فارد.

و بالجملة فالحق في الفرع المبحوث فيه ما اختاره في الجواهر و تبعه المصنف فتدبر جيدا.

(1) هذا هو القسم الخامس من الأقسام الخمسة التي ذكرنا. و كون السّت بعد العشرين مستقلا و مكملا معا مبني على ما ذكروه من كون النصاب الأول الى الخامس في الابل هو الخمس و نحن ناقشنا في ذلك و قلنا ان الظاهر من أكثر اخبار الباب ان النصاب الثاني هو العشر، و الثالث خمس عشرة، و الرابع العشرون، و الخامس خمس و عشرون، و كل نصاب بسيط. فالست بعد العشرين ليست مستقلة بل مكملة فقط عندنا.

هذا، و اما الخمس بعد الست و العشرين فليس مكملا و لا مستقلا. و العشر بعده مكملة فقط كما لا يخفى.

و اما حكم

هذا القسم فالمصنف احتمل فيه أمرين: كونه بحكم المكمل فقط و كونه بحكم المستقل فقط.

و في الجواهر احتمل فيه اربعة احتمالات و العجب انه لم يذكر ما اختاره المصنف هنا بنحو الاحتمال أيضا.

قال فيه ما محصله: «لو ملك عشرين من الابل ثم في أثناء الحول ملك سبعة أخرى فيحتمل أن يكون أبدا في العشرين أربع شياه و في الست شاة، و يحتمل أن يسقط حكم العشرين من حين ملك الست فلا يجب الّا بنت مخاض اذا حال حول السبع، و يحتمل أن يكون الواجب أولا في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 275

..........

______________________________

العشرين أربع شياه و في السبع ستة أجزاء من ستة و عشرين جزء من بنت مخاض ثم يجب في المجموع بنت مخاض و لكن بالتوزيع بأن يجب اذا كمل حول العشرين عشرون جزء من بنت مخاض و اذا تم حول الست ستة أجزاء منها، و يحتمل أن يجب اذا تمّ حول العشرين أربع شياه ثمّ اذا تمّ حول الست بنت مخاض الّا ما وقع بازائه من الأربع شياه في الجزء من الحول الأول الذي ملك فيه الثاني ... و لكن الأقوى الأول الذي هو مقتضى اطلاق الأصحاب ان لها حولا بانفرادها اذا كانت نصابا مستقلا».

أقول: تقويته للاحتمال الأول في محله و هو الذي ذكره المصنف أخيرا بنحو الاحتمال. و اما احتمال سقوط حكم النصاب الأول من أول الأمر بعد حولان حوله و عدم حولان حول الثاني فبلا وجه، اذ لا يرفع اليد عن الموضوع المحقق بما لم يتحقق بعد كما مرّ بيانه، كما ان الاحتمالين المبتنيين على توزيع النصاب بحسب الاقتضاء فاسدان أيضا بعد ما بيناه من كون كل نصاب بسيطا ذا اقتضاء

واحد لمقتضى فارد كما هو المستفاد من أدلة النصب.

و في مصباح الفقيه في المقام ما حاصله: «هل يستقل حينئذ كل منهما بحوله او ينعقد للمجموع بعد نصاب الأمهات حول؟ وجهان: من أنه اذا حال الحول على جزء بالغ في حد ذاته حد النصاب فلا يصلح جزئيّته لنصاب آخر لم يحل عليه الحول مانعا عن تأثير هذا الجزء في ايجاب فريضته، و من انه متى اندرج الكل تحت نصاب آخر انحصرت فريضته فيما جعله الشارع فريضة لذلك النصاب و لم يجعل الشارع لأبعاضها فريضة غير فريضة الكل. و هذا هو الأوجه و إنما التزمنا في العام الأول ببقاء حول الأمهات بحاله بدعوى انه يفهم من قول الشارع بعد بيان النصب:

«و كلّما لم يحل عليه الحول فلا شي ء عليه» ان المراد بالأعداد التي وضعت الزكاة عليها هي الأعداد التي قد حال الحول عليها. فالسخال قبل أن يحول الحول عليها حيث جعلها الشارع كأن لم تكن، لا تصلح للمانعية عن تأثير عدد الأمّهات في ايجاب فريضتها عند حول حولها و اما عند تمام حول السخال فقد حال الحول على الجميع، و لكن لم نلتزم بتأثيره كيلا يزكّى المال في عام مرتين. و هذا الدليل لا يقتضي الّا صرف الحكم عن هذا الموضوع حتى يحول عليه حول آخر بعد حول الأمّهات لا التصرف في موضوعه. كيف؟! و لو قلنا بسببية أبعاض كل نصاب عند تمام حولها للزم تنزيل اطلاق قوله «ع»: فاذا كثرت الابل ففي كل خمسين حقة و في كل اربعين بنت لبون، و كذا قوله «ع» في الغنم: فاذا تمت أربعمائة ففي كل مأئة شاة، و كذا ما ورد في سائر نصب الابل على فروض نادرة، و

هي ما لو دخلت الجميع في ملكه دفعة بشرائط النصاب و الّا فلو ملكها تدريجا كما هو الغالب استقل كل بعض بفريضته عند تمام حوله، و هذا مما يقطع بعدم ارادته من اخبار الباب، و بمخالفته لما كان يؤمر باستعماله السعاة و العمال».

أقول: الظاهر بحسب النظر البدوي كون حكم المسألة حكم ما اذا كان الملك الجديد نصابا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 276

[تعلق الزكاة بمهر الزوجة]

[مسألة 14]: لو أصدق زوجته نصابا و حال عليه الحول وجب عليها الزكاة (1).

و لو طلقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه (2) الى الزوج و وجب

______________________________

مستقلا كما اختاره في الجواهر، و هو الذي ذكره المصنف أخيرا بنحو الاحتمال، و لكن المناقشة التي ذكرها في المصباح أخيرا مناقشة جيدة سارية في هذا القسم و فيما اذا كان الملك الجديد نصابا مستقلا فقط كما أشرنا اليه سابقا، اذ المتعارف في عصر النبي «ص» و الخلفاء كان اعزام السعاة في الحول في وقت معين و لم يتعارف الاعزام في جميع فصول السنة و أشهرها، و لو كان الحكم فيمن يحصل له في كل أسبوع او كل شهر نصاب مستقل جعل أحوال متعددة للأملاك الجديدة لزم اما تقديم أداء الزكوات على الحول او تأخيرها و كلاهما مشكل فتدبر و الاحتياط حسن في كل حال.

(1) لو اقبضها إياه و أمكن له التصرف فيها، في الجواهر «بلا خلاف و لا اشكال فيه لا طلاق الأدلة السالم عن المعارض».

و السرّ في ذلك ان المهر بتمامه ينتقل بالعقد الى الزوجة على المشهور بل ادعي عليه الاجماع، و المخالف في ذلك أبو علي بن الجنيد حيث قال بأن العقد يوجب تمليك النصف و النصف الآخر ينتقل بالدخول. و ظاهر

الأدلة يعاضد المشهور، فكما ان الزوج يملك بالعقد بضعها كذلك هي تملك بالعقد مهرها و لها مطالبته به قبل الدخول. نعم بالفسخ قبل الدخول يرجع تمامه و بالطلاق قبله يرجع نصفه من حينهما، و ان كان المرجوع ما وقع عليه العقد او نصفه فتبقى الزيادة و الفائدة في هذه المدة في ملك الزوجة. و تفصيل المسألة في باب المهر من النكاح.

و كيف كان فكون المهر في معرض السقوط او التنصيف لا يقدح في مالكية الزوجة و جواز تصرفها كما في الهبة و نحوها.

(2) أي نصف العين ان لم تؤد زكاتها بعد، او ادّتها من غيرها. و اما ان أدّتها من العين فالأقوى رجوع نصف الباقي و نصف مثل الزكاة او قيمتها اليه كما لا يخفى وجهه.

و المخالف في ذلك الشيخ في المبسوط و المحقق في المعتبر فحكما في هذه الصورة أيضا بوجوب ردّ تمام النصف من البقية.

ففي المبسوط فيما اذا كان الصداق أربعون شاة: «فان كان قد أخرجت من غيرها أخذ الزوج نصف الصداق لأنه أصابه بعينه حين الطلاق، و ان كان أخرجت الزكاة من عينها و بقي تسعة و ثلاثون شاة كان له منها عشرون لأنه نصف ما أعطاها».

و في المعتبر: «اذا قبضت المهر و طلقها قبل الدخول رجع بنصف المهر مما بقي في يدها و كانت الزكاة من نصيبها، و للشافعي قولان: أحدهما ترجع بنصف الموجود و نصف قيمة المخرج لأن

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 277

عليها زكاة المجموع في نصفها (1)، و لو تلف نصفها (2) يجب اخراج الزكاة من النصف الذي رجع الى الزوج (3) و يرجع بعد الاخراج عليها بمقدار الزكاة. هذا ان كان التلف بتفريط منها.

و اما ان

تلف عندها بلا تفريط فيخرج نصف الزكاة من النصف الذي عند الزوج (4) لعدم ضمان الزوجة حينئذ لعدم تفريطها. نعم يرجع الزوج حينئذ أيضا عليها بمقدار ما أخرج.

______________________________

القدر المخرج يجري مجرى التالف ...، لنا انه يمكن الرجوع بنصف المفروض فلا ترجع بالقيمة ...، و لو تلف النصف فله الباقي و عليها الزكاة».

أقول: الراجع الى الزوج بالطلاق النصف المشاع مما وقع عليه العقد، و الاشاعة قبل الافراز سارية في جميع اجزاء المهر بحيث ان كلّ جزء يفرض- و لو في غاية الصغر- يكون مشاعا بينهما، فاذا تلف بعض المهر قبل الطلاق أو أدّى بعنوان الزكاة انتقل المتلف و ما بحكمه الى المثل او القيمة فليس للزوج الزام الزوجة بأداء عوض التالف من الباقي من نفس العين و ان كان الأحوط للزوجة قبول ذلك.

(1) لا إلزام في الأداء من النصف فلها أداؤها من مال آخر.

(2) أي بعد القسمة، و لكن في صحّتها قبل تأدية الزكاة اشكال بناء على كون التعلق بنحو الاشاعة، و الأحوط اخراجها أولا من غير العين او منها مع رضا الزوج ثم رد نصف التمام الى الزوج، و لا ينتقل سهم الزوج في هذه الصورة الى القيمة اذ المفروض بقاء العين و العين مشتملة بنفسها على النصف و على العشر كما في فرائض الميراث و كما لو باع نصفا من الصبرة المعينة من شخص و عشرها من شخص آخر. فالسهام و الكسور تتوارد في عرض واحد على نفس العين و هذا بخلاف ما اذا تلف بعضها قبل الطلاق كما مرّ.

(3) و لا يتعين الاخراج منه بل يجب على الزوجة اخراجها و لو من القيمة، نعم لو امتنعت أخذ الساعي نصفها من النصف الباقي عند

الزوج و نصفها من مال الزوجة ثم يرجع الزوج عليها بقيمة ما أخذ منه. و اما اخذ الساعي الجميع من النصف الباقي فمشكل بناء على كون تعلق الزكاة بنحو الاشاعة، نعم يصحّ على مبنى المصنف القائل بكونه من قبيل الكلي في المعين كما لا يخفى. و كأنه بنى المسألة على هذا المبنى كما هو القاعدة.

(4) ان لم تخرجه الزوجة من مالها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 278

[يسمع قول رب المال]

[مسألة 15]: اذا قال ربّ المال: لم يحل على مالي الحول يسمع منه بلا بيّنة و لا يمين، و كذا لو ادّعى الاخراج أو قال: تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب (1).

[زكاة المال في زمن الخيار]

[مسألة 16]: اذا اشترى نصابا و كان للبائع الخيار فان فسخ قبل تمام الحول فلا شي ء على المشتري، و يكون ابتداء الحول بالنسبة الى البائع من حين الفسخ (2)، و ان فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه

______________________________

(1) يشهد للمسألة مصحّح بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها فقال له: ....، ثم قل لهم: يا عباد اللّه! أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حق اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حق فتؤدّوه الى وليّه؟

فان قال لك قائل: لا، فلا تراجعه ...» و نحوه ما في نهج البلاغة «1»

و في خبر غياث بن ابراهيم، عن جعفر، عن أبيه «ع» قال: كان عليّ- صلوات اللّه عليه- اذا بعث مصدّقه قال له: اذا أتيت على رب المال فقل: تصدّق- رحمك اللّه- مما أعطاك اللّه، فان ولّى عنك فلا تراجعه «2». فيستفاد من هذه الاخبار جميع شقوق المسألة.

هذا مضافا الى ان الزكاة حق متعلق بما في يده و له الولاية على اخراجها و تبديلها بالقيمة و احتسابها على غيره، فليس لأحد معارضته و لا يعرف كل ذلك الّا من قبله.

نعم لو علم كذبه و بقاء الحق في ماله كان على الحاكم الزامه باخراجه من باب الحسبة و رعاية الجهة الاقتصادية، حيث ان في الزكاة جهتين: جهة العبادة، وجهة الاقتصاد الاسلامي.

هذا.

و في الدروس: «و يصدّق المالك بغير يمين في عدم الحول الّا

مع قيام البينة».

و فيه أيضا: «و يصدّق المالك في تلفها بظالم او غيره بيمينه».

قيل: و لعل الفرق لكون الدعوى الأولى على وفق الأصل دون الثانية.

لكن مقتضى ذلك سريان هذا في كل ما كان من هذا القبيل، و قد عرفت ان جميع صور المسألة يستفاد من الاخبار فالتفصيل بلا وجه. اللهم الّا أن يقال ان هذا كان ارفاقا من أمير المؤمنين- عليه السلام- فلا عموم فيه فتأمل.

(2) لأن الفسخ حلّ العقد من حين الفسخ لا من أصله فحين الفسخ زمان الملك الجديد للبائع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 7.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 279

الزكاة (1) و حينئذ فان كان الفسخ بعد الاخراج من العين ضمن للبائع (2) قيمة ما أخرج، و ان أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين، و ان كان قبل الاخراج فللمشتري أن يخرجها من العين (3) و يغرم للبائع ما اخرج، و ان يخرجها من مال آخر و يرجع العين بتمامها الى البائع.

______________________________

(1) قد مرّت المسألة مفصلة في المسألة السادسة من الشرائط العامة فراجع.

و ملخص ما ذكرناه هناك ان الملكية تحصل بنفس العقد و للمشتري التصرف في ما اشتراه بأنواع التصرفات فلا مانع من تعلق الزكاة به.

نعم في الخيار المجعول للبائع المشروط برد الثمن المبتني على بقاء نفس العين و استردادها المعروف ببيع الشرط لا يبعد فيه المنع من التصرفات الناقلة و المتلفة فيشكل فيه وجوب الزكاة لعدم التمكن من التصرف، و لكن الأحوط فيه أيضا اداؤها من القيمة لعدم ثبوت مانعية هذا المقدار من عدم التمكن حيث لم يكن دليل لنا

على مانعية هذا العنوان و إنما الذي ثبت عدم الزكاة في مال الغائب و المال المفقود و نحوهما مما انقطع منه صاحبه بالكلية، فراجع.

(2) لأن المبيع مضمون على المشتري بضمان المعاوضة كالثمن على البائع.

(3) مشكل لأن الزكاة و ان تعلقت سابقا و لكن البائع بعد الفسخ يستحق رد العين ان وجدت و المفروض وجودها بعد و امكان ردّ نفسها بأداء الزكاة من القيمة. فالمقام مقام تزاحم الحقين، و الواجب فيه أداء الحقين معا ان أمكن و الّا فالأهم و الّا فالتخيير فتدبر جيدا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 280

[3- فصل في زكاة النقدين]

اشارة

فصل في زكاة النقدين و هما الذهب و الفضة (1).

[هل تجب الزكاة في الأوراق المالية]

______________________________

(1) قال اللّه- تعالى-: «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ» «1».

و هل تجب الزكاة في الأوراق المالية الحالّة محلهما في هذه الأعصار كالنوت و الدولار و الأوراق المالية المسماة بالدنانير و الدراهم؟ و جهان: من حصر ما فيه الزكاة في الأخبار المستفيضة بل المتواترة في التسعة و ليست منها، و من كونها في الحقيقة حوالة عليهما، او الغاء الخصوصية و استنباط كون الموضوع في الحقيقة النقد الرائج.

قال في الفقه على المذاهب الأربعة: «جمهور الفقهاء يرون وجوب الزكاة في الأوراق المالية لأنها حلّت محل الذهب و الفضة في التعامل و يمكن صرفها بالفضة بلا عسر فليس من المعقول أن يكون لدى الناس ثروة من الأوراق المالية و يمكنهم صرف نصاب الزكاة منها بالفضة و لا يخرجون منها زكاة، و لذا أجمع فقهاء ثلاثة من الأئمة على وجوب الزكاة فيها و خالف الحنابلة فقط».

و في شرح التاج الجامع للأصول حكى عن المالكية و الحنفية وجوب الزكاة فيها و عن الحنابلة و الشافعية عدم الوجوب.

أقول: ملخص ما يستدلّ به للوجوب في المقام أمور:

الأول: ان الاوراق المالية ليست لها موضوعية و لا قيمة بل هي حوالة على النقدين فالمالك لها في الحقيقة مالك لهما.

و فيه ان الأوراق في أعصارنا لها موضوعية و قيمة بحسب الاعتبار العقلائي و ليست حوالة على النقدين و الّا لكانا محفوظين للمحتال فيما اذا تلفت الأوراق أو ضاعت، و لبطلت المعاملات على الأوراق لمن لا يعلم ما بازائها من النقدين و الالتزام بهما مشكل. و وجود النقدين و نحوهما في البنك

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 24.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 281

..........

______________________________

المركزي لرواج الأوراق بمنزلة الحيثية التعليلية لا التقييدية، فهي بأنفسها صارت ذات قيمة اعتبارا.

الثاني: الغاء الخصوصية، بتقريب ان الذهب و الفضة المسكوكتين وجب فيهما الزكاة بما انهما نقد رائج و بهما تقوّم الأشياء و تعتبر ماليتها، فالموضوع في الحقيقة النقد الرائج المتعارف الذي يقوم به سائر الأشياء، و ربما نلتزم بذلك في باب المضاربة أيضا حيث اعتبروا فيها بالإجماع ان يكون رأس المال من النقدين، فلو لم نقل بكون المراد النقد الرائج انتفى موضوع المضاربة في هذه الأعصار.

الثالث: العمومات و الاطلاقات الأولية الحاكمة بثبوت الزكاة في جميع الأموال كالجمع المضاف في قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»، و الموصول في قوله: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»، و قوله: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ».

و التخصيص بالتسعة كان في تلك الأعصار التي راج فيها النقدان لا بحسب جميع الأعصار.

و يؤيد ذلك الروايات المستفيضة الحاكمة بأنه لما نزل قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عمّا سوى ذلك. فوضع الزكاة كان في جميع الأموال و لكن رسول اللّه «ص» بما انه كان حاكما للمسلمين في عصره و كانت عمدة ثروة العرب في تلك الأعصار الأشياء التسعة وضعها فيها و عفا عما سواها. فيكون العفو بحسب تلك الأعصار و الّا فالزكاة لسدّ خلّات المسلمين أعني المصارف الثمانية فيجب ان تتطوّر بحسب تطوّر الأموال في الأمكنة و الأعصار، و لذا أوجب اللّه- تعالى- إياها من دون بيان ما فيه الزكاة. فتعيين ما فيه الزكاة محوّل الى حاكم الإسلام في كل زمان و مكان لاختلاف الأموال و كذا الحاجات بحسبهما.

كيف؟! و تخصيص الزكاة بالتسعة

في هذه الأعصار مخالف لروح الزكاة و حكمة تشريعها، فلاحظ قول الرضا «ع»: «ان اللّه- عزّ و جلّ- جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء، و لو اخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد».

و قول الصادق «ع»: «ان اللّه عزّ- و جلّ- حسب الأموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة و عشرين، و لو لم يكفهم لزادهم».

و في خبر قثم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة و عشرين لم تكن أقل أو أكثر ما وجهها؟ فقال: ان اللّه- عزّ و جلّ- خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و غنيهم و فقيرهم فجعل من كل ألف انسان خمسة و عشرين فقيرا و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم و هو أعلم بهم «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 2 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 282

..........

______________________________

و في صحيح زرارة و محمد بن مسلم: «ان اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا مما فرض اللّه لهم ...» «1». الى غير ذلك من الروايات.

فالفقراء و الحاجات و الخلّات في أعصارنا كثيرة، و الأشياء التسعة بالنسبة الى سائر الأموال أقل قليل فكيف حسب اللّه الفقراء و الأموال؟!

هذا و لكن لقائل ان يقول ان خمس أرباح المكاسب مما لا يوجد له أثر في تاريخ

صدر الإسلام و لا في الأحاديث الواردة عن النبي «ص» و عن الأئمة الأولين و لا يوجد منه اسم في فقه أهل السنة و لو كان مشرعا في تلك الأعصار لبان و ظهر، فمن المحتمل ان الأئمة المتأخرين- عليهم السلام- لمّا رأوا انحراف الزكاة عن مسيرها و صيرورتها في مسير إعاشة الجبارين و تأمين تجملاتهم بها و رأوا من جهة اخرى لزوم انطباق الزكاة التي هي ماليات الإسلام على جميع الأعصار و الأمكنة شرّعوا- بما هم حكام الإسلام بالحق- خمس أرباح المكاسب الشاملة لجميع الأعصار و الأمكنة عوضا عن الزكاة.

ففي الحقيقة هو زكاة و ليس مصرفه مصرف خمس الغنائم بل هو بأجمعه حق وحداني للإمام بما هو امام بنحو التقييد لا التعليل، فبه يسدّ الامام جميع خلّات المسلمين.

و ربما يشهد لذلك أخبار المسألة فراجع.

كيف؟! و لو سلّم شمول الزكاة لجميع الأموال و الأوراق النقدية و نحوها لم تكن أزيد من ربع العشر، و الخمس أزيد منه بمراتب. فهل يمكن جعل ربع العشر لجميع المصارف الثمانية التي منها فقراء غير الهاشميين، و جعل خمس جميع أموال الناس للإمام و فقراء الهاشميين بحيث يكون نصفه بحسب الجعل لهم، مضافا الى شركتهم في زكاة الهاشميين و فيما صرف من الزكاة في سبيل اللّه؟! فهل لا يكون هذا النحو من الجعل ظلما و زورا مع كون فقراء الهاشميين أقل من جميع الفقراء بمراتب؟ فتدبر.

و لو أبيت ما ذكرنا فالأحوط القول بثبوت الزكاة في جميع الأوراق المالية الحالّة محل النقدين.

و لو قيل بثبوتها في الديون التي يسهل أخذها بحيث تكون كالنقد كما احتملناه في محله بحسب دلالة بعض الأخبار صار مقتضاه ثبوت الزكاة كل سنة في الأموال المودعة في البنوك

بالحساب الثابت، فلاحظ و تدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب وجوب الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 283

[شرائط خاصة لزكاة النقدين]

[الأول النصاب]
اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا الى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور: الأول: النصاب (1). ففي الذهب نصابان:

[نصاب الذهب]
[النصاب الأول]

الأول: عشرون دينارا (2) و فيه نصف دينار.

______________________________

(1) بلا خلاف و لا اشكال، بل لا خلاف فيه بين المسلمين و ان اختلفوا في مقداره، بل لعله ضروري الفقه. و تشهد له النصوص الآتية على اختلافها.

(2) فلا تجب فيما دونها بلا اشكال، و تجب الزكاة فيه اذا بلغها على المشهور بين الفريقين، بل عن بعض الاجماع عليه. و الاخبار به مستفيضة بل لعلها متواترة.

قال في الخلاف (المسألة 98): «لا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا ...، و قال عطا و الزهري و الاوزاعي لا نصاب في الذهب و إنما يقوم بالورق، فان كان ذهبا قيمته مأتا درهم ففيه الزكاة ...، و قال الحسن البصري لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا فاذا بلغها ففيه دينار و ذهب اليه قوم من أصحابنا، دليلنا الروايات المجمع عليها عند الطائفة».

و في المعتبر: «لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فاذا بلغ ففيه نصف مثقال و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد ...، و قال الحسن: لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارا و به قال أبو جعفر بن بابويه «ره» و جماعة من أصحاب الحديث منا».

و في المختلف: «المشهور بين علمائنا أجمع ان أول نصاب الذهب عشرون مثقالا و فيه نصف مثقال، و قال الشيخ علي بن بابويه: ليس فيه شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا و فيه مثقال».

و فيه أيضا: «و النصاب الثاني من الذهب أربعة دنانير، ذهب اليه علماؤنا أجمع الّا علي بن بابويه فانه جعله أربعين مثقالا

فقال: و ليس في النيف شي ء حتى يبلغ أربعين».

و في فقه الرضا الذي ظهر لنا بالحدس و الشواهد انه رسالة علي بن بابويه: «و ليس فيما دون عشرين دينارا زكاة ففيها نصف دينار و كلما زاد بعد العشرين الى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فاذا بلغ أربع دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب (الى أن قال بعد ما يقرب من نصف صفحة): و روي انه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ اربعين مثقالا فاذا بلغ اربعين مثقالا ففيه مثقال، و ليس في نيف شي ء حتى يبلغ أربعين».

و العبارة الثانية في المختلف لعلها تشير الى ذيل هذه العبارة و من المحتمل ان يريد بالنيف ما قبل النصاب الأول لا ما بعده و ان كان خلاف الظاهر.

و في المقنع: «اعلم انه ليس على الذهب شي ء حتى يبلغ عشرين مثقالا فاذا بلغ ففيه نصف دينار ... و قد روي انه ليس على الذهب شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا فاذا بلغ ففيه مثقال».

و أنت ترى ان ابني بابويه وافقا المشهور في اختيار عشرين مثقالا و إنما ذكرا الأربعين بعنوان الرواية بنحو يستفاد منهما عدم الاعتماد عليها، فنسبة الخلاف اليهما في المسألة لعلها بلا وجه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 284

..........

______________________________

و كيف كان فجمهور أهل الخلاف جعلوا النصاب الأول عشرين مثقالا و هو المشهور بيننا بل لم نجد من يفتي صريحا بالخلاف.

و اما اخبارنا فهي ثلاث طوائف:

الأولى: ما دلّت على العشرين و هي كثيرة بل لعلها متواترة.

الثانية: ما دلّت على الأربعين و هي روايتان.

الثالثة: ما دلّت على عدم استقلال الذهب بالنصاب بل يقوّم بنصاب الفضة فما قيمة تساوي مأتي درهم ففيه الزكاة.

اما الطائفة الأولى: فمنها صحيحة

الحسين بن يسار (بشّار)، عن أبي الحسن «ع» قال: في الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فان نقص فلا زكاة فيه «1».

و منها موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: و من الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار و ان نقص فليس عليك شي ء «2».

و منها موثقة علي بن عقبة و عدة من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء فاذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال الى أربعة و عشرين فاذا اكملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار الى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة «3».

و منها رواية أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: اذا جازت الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار «4».

و منها موثقة يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: في عشرين دينارا نصف دينار «5».

و منها موثقة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: في الذهب اذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار و ليس فيما دون العشرين شي ء «6».

و منها موثقته الأخرى، عن أحدهما «ع» قال: ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا فاذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال، ثم على حساب ذلك اذا زاد المال في كل أربعين

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

(5)- الوسائل

ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 8.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 285

..........

______________________________

دينارا دينار «1».

و من ذكر الدينار في بعض الأخبار و ذكر المثقال في بعضها و ذكرهما معا في هذا الخبر يعرف اتحادهما كما لا يخفى.

و منها أيضا موثقتا زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» «2». فراجع، و كذا خبر علي بن جعفر، عن أخيه «ع» 3.

و كذلك صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن «ع» عما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ قال: ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا «4». الى غير ذلك من الاخبار.

الطائفة الثانية: ما دلّت على كون أقل النصاب أربعين و هي روايتان:

الأولى: موثقة الفضلاء: محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال و في الورق في كل مأتي درهم خمسة دراهم و ليس في أقل من أربعين مثقالا شي ء ... «5».

قال في التهذيب بعد نقل الخبر ما حاصله: «ان قوله: و ليس في أقل من أربعين مثقالا شي ء يجوز أن يكون اراد به دينارا واحدا لأن قوله: «شي ء» مجمل محتمل للدينار و لما يزيد عليه و ينقص فيحمل على الدينار بقرينة الأخبار الأخر، و اما قوله: «في كل أربعين مثقالا مثقال» فليس فيه تناقض لما قلناه لأن عندنا انه يجب فيه دينار و ان لم يكن أول النصاب».

و في الوسائل احتمل الحمل على التقية لموافقته لما نقلناه عن الحسن البصري و التخصيص

بما دون العشرين لأن ما دون الأربعين عام يشمل العشرين و ما دونه فيخصص باخبار العشرين.

هذا و لا يخفى بعد الجميع، و لنا كلام قد لوّحنا اليه سابقا في نظير الموثقة و هو انه يبعد جدا سماع أربعة أشخاص عن إمامين ألفاظا بعينها ثم نقلها لحريز، فالخبر مشتمل على النقل بالمعنى و المضمون، ففي هذه الأثناء وقع في الخبر تزلزل و اغتشاش فتدبر.

الثانية: صحيحة زرارة المروية بسندين في التهذيب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل عنده مأئة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا أ يزكّيهما؟ فقال: لا ليس عليه شي ء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم أربعون دينارا و الدراهم مأتي درهم الحديث «6».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 10.

(2) (2) و (3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 11، 12 و 15.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 13.

(6)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

و الصحيحة دليل على انه ان نقص كل من النقدين عن النصاب لا يضم أحدهما الى الآخر و هو المفتى به عندنا، و المسألة خلافية عند فقهاء أهل السنة فراجع الخلاف (المسألة 99).

و الشيخ روى الصحيحة في زيادات التهذيب و لم يتعرض لتوجيهها نحو ما تعرض لتوجيه موثقة الفضلاء، فلعل نقلها كان موافقا لسائر الأخبار و إنما حصل التحريف فيها بعد الشيخ. يدل على ذلك

نقل الصدوق لهذه الرواية بنحو يوافق سائر الاخبار.

ففي الوسائل عن الصدوق باسناده، عن زرارة انه قال لأبي عبد اللّه «ع»: رجل عنده مأئة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكّيها؟ فقال: لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم، قال زرارة: و كذلك هو في جميع الأشياء ... «1».

و كيف كان فالجواب عن الخبرين ما أشار اليه المحقق في المعتبر حيث قال: «ما ذكرناه أشهر في النقل و أظهر في العمل فكان المصير اليه أولى».

و في مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في علاج المتعارضين: «ينظر الى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه».

فالعمل على ما اشتهر بين الفريقين و هي أخبار العشرين التي لعلها متواترة.

و اما الجمع بين الاخبار بحمل اخبار العشرين على الاستحباب فيرده مضافا الى عدم القائل به ان الاخبار بظاهرها متعارضة فالمقام مقام الترجيح لا الجمع فتدبر.

الطائفة الثالثة: ما يستفاد منها عدم استقلال الذهب في النصاب و انه يقوم بنصاب الفضة.

فمنها صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن الذهب و الفضة ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال: مأتا درهم و عدلها من الذهب «2».

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الذهب كم فيه من الزكاة؟

قال: اذا بلغ قيمته مأتي درهم فعليه الزكاة «3».

و لا يخفى عدم وجود القائل بمضمون الخبرين من علمائنا، نعم حكاه في الخلاف كما مرّ عن عطا و الزهري و الاوزاعي.

و الجواب عنهما جعل ما فيهما عنوانا

مشيرا الى العشرين دينارا لأن قيمتها في تلك الأعصار كانت مأتي درهم كل دينار بعشرة دراهم، و يشهد لذلك باب الديات و نحوها.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 287

[مقدار الدينار]

و الدينار مثقال شرعي (1) و هو ثلاثة أرباع الصيرفي (2) فعلى هذا النصاب الأول بالمثقال الصيرفي خمسة عشر مثقالا و زكاته ربع مثقال و ثمنه.

______________________________

و اما ما رواه اسحاق بن عمار، عن أبي ابراهيم «ع» قال: قلت له: تسعون و مأئة درهم و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال: اذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة لأن عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب او متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات «1» فمضافا الى دلالته على عدم استقلال الذهب في النصاب يدل على ضم أحدهما الى الآخر فيه كما قال به بعض فقهاء أهل السنة.

و لعل مورد الخبر زكاة مال التجارة اذا فرض كون الذهب في عرض العروض من أرقام التجارة و في نصاب مال التجارة يضم أرقام التجارة بعضها الى بعض في النصاب فتأمل.

و ربما يوجه الخبر بأن المراد بلوغ كل من النقدين المائتين.

و كيف كان فالنصاب الأول للذهب هو ما ذكرناه من عشرين مثقالا.

(1) الاخبار التي مرّت يشتمل بعضها على المثقال و بعضها على الدينار و بعضها على كليهما فيعلم بذلك اتحاد هما، و هذا واضح لا سترة فيه.

(2)

في نهاية ابن الأثير: «المثقال في الأصل مقدار من الوزن أيّ شي ء كان من قليل أو كثير، فمعنى مثقال ذرة: وزن ذرة. و الناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة». و مثله في لسان العرب.

و في مجمع البحرين: «و المثقال الشرعي على ما هو المشهور المعوّل عليه في الحكم عبارة عن عشرين قيراطا ...، فالمثقال الشرعي يكون على هذا الحساب عبارة عن الذهب الصنمي كما صرّح به ابن الأثير حيث قال: المثقال يطلق في العرف على الدينار. و الذهب الصنمي عبارة عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، عرف ذلك بالاعتبار الصحيح و منه يعرف ضبط الدرهم الشرعي فان المشهور ان كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم».

و لا يخفى ان قوله: «و الذهب الصنمي عبارة» من كلام نفسه لا من كلام النهاية و إنما استفاد من كلام النهاية كون المثقال الذهب الصنمي من جهة ان الذهب الصنمي عبارة أخرى عن الدينار المنقوش عليه الصنم. هذا.

و في المستند: «الدينار هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي كما صرّح به جماعة منهم صاحب الوافي، و المحدث المجلسي في رسالته في الأوزان نافيا عنه الشك، و والده في حلية المتقين، و ابن الأثير في نهايته و غيرهم. و يثبته اطلاق الدينار عرفا على هذا الذهب المعمولة في بلاد الروم

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 288

[النصاب الثاني: أربعة دنانير]

و الثاني: أربعة دنانير (1) و هي ثلاثة مثاقيل صيرفية و فيه ربع العشر أي

______________________________

و الإفرنج المسمّاة ب «دوبتي و باج اغلو» و كل منهما ثلاثة أرباع الصيرفي ...، و الظاهر عدم التغير في مسكوكات الروم بل هي ما تحمل منها الآن أيضا و

هو الذهبان المذكوران بل صرّح في النهاية الأثيرية بأن الدينار هو ذلك حيث قال: المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصة و هو الذهب الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي انتهى ...، و بما ذكرنا يعلم ان الدينار هو الذهب الذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي او هذان الذهبان و كل منهما أيضا ثلاثة أرباعه و لا أقل من استعماله في ذلك و الأصل في الاستعمال الحقيقة اذ لم يعلم له في عرف العرب استعمال في غيره أصلا و بضميمة أصالة عدم النقل يثبت ذلك في عرف الشرع أيضا مع انه صرح جماعة منهم العلامة في النهاية و الرافعي في شرح الوجيز ان الدينار لم يختلف في جاهلية و لا اسلام. و قال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بل و غيرهم أيضا ان الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية و لا اسلام. صرح بذلك جماعة من علماء الطرفين». انتهى ما أردنا نقله من المستند و إنما نقلناه بطوله لأدائه حق المطلب.

و لكن ليعلم ان ما حكاه عن نهاية ابن الأثير لم أجده بتمامه فيها فلعله حكى ذلك من مجمع البحرين مخلطا بين كلامه و كلام المجمع فتأمل فيما حكيناه عنهما و قد وقع هذا الخلط في المستمسك أيضا.

و قد تلخص من جميع ذلك ان المراد بالدينار و المثقال الشرعي واحد بمقتضى الروايات و هما ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي حيث ان الدينار الموجود الآن في الروم المنقوش عليه صنم او صنمان ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي و الدينار لم يتغير بحسب الأزمان و لو شك فالأصل عدم النقل، فالدينار في صدر الإسلام أيضا كان كذلك. و في مجمع البحرين

في لغة الدرهم: «و اما الدنانير فكانت تحمل الى العرب من الروم الى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدينار».

(1) في المستمسك: «اجماعا حكاه جماعة كثيرة».

و على أي حال فلا يوجد في النصاب الثاني عندنا مخالف الّا ما نسبه في المختلف الى علي بن بابويه، ففيه: «و النصاب الثاني من الذهب أربعة دنانير ذهب اليه علماؤنا أجمع الّا علي بن بابويه فانه جعله أربعين مثقالا فقال: و ليس في النيف شي ء حتى يبلغ أربعين».

و قد مرّ منا انه عبارة فقه الرضا حيث قال في ذيل ما حكيناه سابقا: «و ليس في نيف شي ء حتى يبلغ أربعين»، فان كان المراد بالنيف ما بعد النصاب كما هو الظاهر فهو مخالف في المسألة.

و اما أهل السنة فالمسألة فيهم خلافية، ففي الخلاف (المسألة 98): «و ما زاد عليه ففي كل أربعة دنانير عشر دينار و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: ما زاد على العشرين فبحسابه».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 289

من أربعين واحد فيكون فيه قيراطان اذ كل دينار عشرون قيراطا (1) ثم اذا زاد أربعة فكذلك و ليس قبل ان يبلغ عشرين دينارا شي ء كما انه ليس بعد العشرين قبل ان يزيد أربعة شي ء و كذلك ليس بعد هذه الأربعة شي ء الّا اذا زاد أربعة أخرى و هكذا.

و الحاصل ان في العشرين دينارا ربع العشر و هو نصف دينار. و كذا في الزائد الى أن يبلغ أربعة و عشرين و فيها ربع عشرة و هو نصف دينار و قيراطان، و كذا في الزائد الى أن يبلغ ثمانية و عشرين و فيها نصف دينار و أربع قيراطات و هكذا، و على هذا فاذا أخرج بعد البلوغ الى

عشرين فما زاد

______________________________

و يظهر من المغني لابن قدامة موافقة مالك و أحمد و محمد و أبي يوسف أيضا للشافعي، فالمشهور بينهم انكار النصاب الثاني في الذهب و كذا في الفضة، فاذا بلغ الذهب عشرين دينارا و الفضة مأتي درهم وجب فيهما ربع العشر كائنا ما كانتا قليلا أو كثيرا فراجع.

و كيف كان فعندنا النصاب الثاني في الذهب أربعة دنانير في جميع المراتب فبين العشرين و أربعة و عشرين عفو و كذا بين أربعة و عشرين و ثمانية و عشرين و هكذا.

و يدل على ذلك بعض الاخبار التي مرّت، ففي موثقة علي بن عقبة و عدة من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» قالا: ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء فاذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال الى أربعة و عشرين فاذا اكملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار الى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة «1».

و في خبر أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: اذا جازت الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار «2».

(1) في المستمسك: «حكي عليه الاتفاق».

و في نهاية ابن الأثير: «القيراط جزء من اجزاء الدينار و هو نصف عشره في أكثر البلاد و أهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة و عشرين».

و في مصباح الفقيه: «في القاموس: القيراط و القرّاط بكسرهما يختلف وزنه بحسب البلاد، فبمكة ربع سدس دينار و بالعراق نصف عشره. فما في المتن و غيره بل الشائع في عرف الفقهاء من التعبير عن نصف دينار بعشرة قراريط و عن عشرة بقيراطين منزّل على ما بالعراق».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث

5.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 290

من كل أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه و في بعض الأوقات (1) زاد على ما عليه بقليل فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.

[نصاب الفضة]

و في الفضة أيضا نصابان: الأول: مأتا درهم الأول: مأتا درهم و فيها خمسة دراهم. الثاني:

أربعون درهما و فيها درهم (2)

______________________________

(1) يعني اذا زاد على النصاب السابق و لم يبلغ النصاب اللاحق.

(2) في الجواهر: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصّا و فتوى بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص يمكن تواترها فيه».

أقول: بل في النصاب الأول اجماع المسلمين. نعم بين أهل الخلاف في النصاب الثاني خلاف كالذهب، فأبو حنيفة يوافقنا في النصاب الثاني و الفقهاء الثلاثة الاخر يقولون بوجوب الزكاة في الفضة اذا بلغت مأتي درهم فما زاد قلّت الزيادة أو كثرت فيجب في الجميع ربع العشر، فلا عفو عندهم بعد المائتين.

و كيف كان فعندنا لا خلاف هنا في النصابين.

و يدل عليه أخبار كثيرة لعلها تبلغ التواتر و قد ذكرها في الوسائل في الباب الثاني.

فمنها صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن الذهب و الفضة ما أقلّ ما تكون فيه الزكاة؟ قال: مأتا درهم و عدلها من الذهب، قال: و سألته عن النيف: الخمسة و العشرة، قال:

ليس عليه شي ء حتى يبلغ اربعين فيعطى من كل أربعين درهما درهما.

و منها صحيحة رفاعة النخّاس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه «ع» فقال: اني رجل صائغ أعمل بيدي و انه يجتمع عندي الخمسة و العشرة ففيها زكاة؟ فقال: اذا اجتمع مأتا درهم فحال عليها الحول فان عليها الزكاة.

و منها صحيحة

الحسين بن بشار (يسار) قال: سألت أبا الحسن «ع» في كم وضع رسول اللّه «ص» الزكاة؟ فقال في كل مأتي درهم خمسة دراهم و ان نقصت فلا زكاة فيها.

و منها موثقة زرارة عن أحد هما «ع» قال: ليس في الفضة زكاة حتى تبلغ مأتي درهم فاذا بلغت مأتي درهم ففيها خمسة دراهم فاذا زادت فعلى حساب ذلك في كل أربعين درهما درهم و ليس في الكسور شي ء «1».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المتعرض بعضها للنصاب الأول و بعضها للنصابين و لا معارض لها في البين فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 2، 3 و 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 291

و الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره (1).

و على هذا فالنصاب الأول مأئة و خمسة مثاقيل صيرفية و الثاني أحد و عشرون مثقالا و ليس فيما قبل النصاب الأول و لا فيما بين النصابين شي ء على ما مرّ، و في الفضة أيضا بعد بلوغ النصاب اذا أخرج من كل أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه و قد يكون زاد خيرا قليلا.

______________________________

(1) هل المعتبر في الدرهم العدد أعني مأتي درهم بأي وزن كانت او الوزن؟ و على الثاني فما هو الوزن المعتبر؟

ففي الخلاف (المسألة 94): «المعتبر في الفضة التي تجب فيها الزكاة الوزن و هو ان يكون كل درهم ستة دوانيق و كل عشرة سبعة مثاقيل. و لا اعتبار بالعدد و لا بالسود البغلية التي في كل درهم درهم و دانقان و لا بالطبرية الخفيفة التي في كل درهم أربعة دوانيق، و به قال جميع الفقهاء. و قال المغربي الاعتبار بالعدد دون الوزن فاذا بلغت مأتي

عدد ففيها الزكاة سواء كانت وافية او من الخفيفة و ان كانت أقل من مأتين عددا فلا زكاة فيها سواء كانت خفيفة أو وافية، دليلنا اجماع الفرقة بل اجماع الأمة، و قول المغربي لا يعتد به و مع ذلك فقد انقرض و انعقد الاجماع على خلافه».

و في الشرائع: «و الدرهم ستة دوانيق و الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير يكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل».

و في المعتبر: «و المعتبر كون الدرهم ستة دوانيق بحيث يكون كل عشرة منها سبعة مثاقيل و هو الوزن المعدّل فانه يقال: ان السود كانت ثمانية دوانيق و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا و جعلا درهمين و ذلك موافق لسنة النبي «ص» و لا عبرة بالعدد. و قال المغربي: يعتبر العدد لكن الاجماع على خلافه فلا عبرة بقوله».

و في القواعد: «و الدرهم ستة دوانيق و الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير و المثاقيل لم تختلف في جاهلية و لا اسلام اما الدراهم فانها مختلفة الأوزان و استقر الأمر في الإسلام على ان وزن الدرهم ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب».

و في المنتهى: «الاعتبار في بلوغ النصاب بالميزان لا بالعدد و هو قول العلماء. و حكي عن أهل الظاهر اعتبار العدد و هو خطأ لمخالفة الاجماع و لما رواه أبو سعيد عن النبي «ص» انه قال: ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة. و الأوقية أربعون درهما لما روت عائشة قالت: كان صداق ازواج النبي «ص» اثنى عشر أوقية و نشّا. أ تدرون ما النشّ؟ هو نصف أوقية عشرون درهما ...».

و فيه أيضا: «الدراهم في بدو الإسلام كانت على صنفين: بغلية و هي السود، و طبرية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 1، ص: 292

..........

______________________________

و كانت السود كل درهم منها ثمانية دوانيق، و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين و وزن كل درهم ستة دوانيق فصار وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب و كل درهم نصف مثقال و خمسه و هو الدرهم الذي قدّر به النبي «ص» المقادير الشرعية في نصاب الزكاة و القطع و مقدار الديات و الجزية». و نحوه في المدارك عن التحرير.

و في الوسائل عن الذكرى: «المعتبر في الدنانير المثقال و هو لم يختلف في الإسلام و لا قبله، و في الدرهم ما استقر عليه في زمن بني أمية باشارة زين العابدين- عليه السلام- بضمّ الدرهم البغلي الى الطبري و قسمتها نصفين فصارت الدرهم ستة دوانيق كل عشرة سبعة مثاقيل و لا عبرة بالعدد في ذلك».

و لم أجده في الذكرى و لكن في البيان مثل ذلك.

و في المغني لا بن قدامة: «و الدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب و كل درهم نصف مثقال و خمسه و هي الدراهم الاسلامية التي تقدر بها نصب الزكاة و مقدار الجزية و الديات و نصاب القطع في السرقة و غير ذلك. و كانت الدراهم في صدر الإسلام صنفين: سودا و طبرية. و كانت السود ثمانية دوانيق، و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين في كل درهم ستة دوانيق فعل ذلك بنو أمية فاجتمعت فيها ثلاثة أوجه: أحدها ان كل عشرة وزن سبعة، و الثاني انه عدّل بين الصغير و الكبير، و الثالث انه موافق لسنّة رسول اللّه «ص» و درهمه الذي قدر به المقادير الشرعية».

و في المستند:

«ثم الدرهم كما به صرحوا جميعا أيضا ستة دوانيق و الدانق ثمانية حبات من أوسط حب الشعير. و يدل عليه بعد الاتفاق المحقق و المحكى مستفيضا اصالة الاستعمال بضميمة اصالة عدم النقل، و يوافق أيضا ما اعتبرناه من تطابق الدينار بالحبّات فان مقتضاه كون الدراهم ثمانية و اربعين حبة تقريبا كما صرحوا به ...، و يعلم ان كل درهم نصف مثقال صيرفي و ربع عشره. و اما ما في بعض الأخبار الضعيفة مما يدل على ان الدرهم ستة دوانيق و الدانق اثني عشر حبة فهو مخالف لتصريح الجميع بل الاعتبار الصحيح فهو بالشذوذ مردود».

و يريد بالخبر، خبر سليمان بن حفص الآتي.

و في المدارك: «لا خفاء في ان الواجب حمل الدرهم الواقع في النصوص الواردة عن أئمة الهدى- صلوات اللّه عليهم- على ما هو المتعارف في زمانهم «ع»، و قد نقل الخاصة و العامة ان قدر الدرهم في ذلك الزمان ستة دوانيق، و نصّ عليه جماعة من أهل اللغة. و اما ان وزن الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير فمقطوع به في كلام الأصحاب و الظاهر ان اخبارهم كاف في ذلك».

و في مفتاح الكرامة في شرح عبارة القواعد السابقة: «اما كون الدرهم ستة دوانيق فقد صرح به في المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و ما تأخر عنها، بل ظاهر الخلاف ان عليه اجماع الأمة،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 293

..........

______________________________

و ظاهر المنتهى في الفطرة الاجماع عليه، و في المدارك انه نقله الخاصة و العامة و نص عليه جماعة من أهل اللغة، و في المفاتيح انه وفاقي عند الخاصة و العامة، و في الرياض انه لم يجد فيه خلافا بين الأصحاب و انه عزاه

جماعة منهم الى الخاصة و العامة و علمائهم مؤذنون بكونه مجمعا عليه عندهم.

و اما كون وزن الدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير فقد صرح به المفيد و جمهور من تأخر عنه، و في المفاتيح انه لا خلاف فيه هنا، و قال العلامة المجلسي على ما حكي عنه في رسالته في تحقيق الأوزان انه متفق عليه بينهم و انه صرح به علماء الفريقين، و مثله صاحب الحدائق، و في المدارك قطع به الأصحاب، و في المنتهى نسبته الى علمائنا. و اما كون كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل فظاهر الخلاف اجماع الأمة عليه، و في رسالة المجلسي انه مما لا شك فيه و مما اتفقت عليه العامة و الخاصة، و قال أيضا ان مما لا شك فيه ان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي فالصيرفي مثقال و ثلث من الشرعي».

و قد نقلنا كثيرا من عبارات الأصحاب بطولها و عبارة المغني لا بن قدامة من علماء الحنابلة لتكون نموذجا لباقي كلماتهم.

و يظهر لك اتفاقهم على اعتبار الوزن في نصاب الفضة لا العدد، و على كون المراد بالدرهم الدرهم المساوي لستة دوانيق المعدّل من البغلي المساوي لثمانية و الطبري المساوي لأربعة، و كان هذا التعديل في زمن عبد الملك بن مروان و صار هذا موضوعا للأحكام الشرعية الموضوعة على الدراهم في الأبواب المختلفة.

أقول: أولا ان الاجماع قائم على كون المراد بالدرهم في الدم المعفو عنه الدرهم البغلي المساوي لثمانية فراجع كلماتهم في ذلك الباب.

و ثانيا ان الدرهم المضروب في زمن عبد الملك صار متداولا في عصر الصادقين- عليهما السلام- فاليه كان ينسبق أذهان السامعين لكلماتهما و عليه تحمل الاخبار الصادرة عنهما في الباب لا محالة.

و لكن كيف يحمل عليه

الاخبار الصادرة عن النبي «ص»؟ مثل ما رواه أهل السنة بطرقهم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي «ص» انه قال: ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب و لا في أقل من مأتي درهم صدقة «1».

و عن معاذ عنه «ص» انه قال «اذا بلغ الورق مأتين ففيه خمسة دراهم ثم لا شي ء فيه حتى يبلغ الى أربعين درهما» «2»

______________________________

(1)- المغني ج 2 ص 599.

(2)- المغني ج 2 ص 601.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 294

..........

______________________________

ثم كيف قدّر النبي «ص» بهذا الدرهم المضروب في زمن عبد الملك المقادير الشرعية في الأبواب المختلفة كما يظهر من المنتهى و المغني فراجع ما نقلناه عنهما فهذا أمر مشكل جدّا.

و لكن في نهاية ابن الأثير في لغة «كيل»: «و درهم أهل مكة ستة دوانيق و دراهم الإسلام المعدّلة كل عشرة سبعة مثاقيل و كان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عند مقدم رسول اللّه «ص» بالعدد فأرشدهم الى وزن مكة».

و في رسالة المرحوم الحاج حبيب اللّه الكاشاني- طاب ثراه- في الأوزان انه قيل: «ان الدرهم عند أهل مكة كان ستة دوانيق و ان النبي «ص» بعد ما هاجر الى المدينة أرشد أهل المدينة اليه».

هذا و لكن الأمر للشيعة العالمين باخبار الصادقين و غيرهما من العترة سهل و إنما يشكل للعامة الآخذين بالاخبار النبوية فقط.

و ثالثا هنا روايتان ربما يظهر منهما خلاف ما ذكره علماء الفريقين في المقام.

فالأولى: مرسلة سليمان بن حفص المروزي قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر «ع»: ...

و الدرهم وزن ستة دوانيق و الدانق وزن ستة حبات و الحبة وزن حبتي الشعير من أوسط الحب لا من صغاره و لا من كباره «1».

فيظهر منه

ان الدانق اثنا عشر حبة من الشعير. و قد رمى الحديث في المستند و غيره بالشذوذ مضافا الى ارساله. و حمله على اختلاف أوساط الشعير في البلاد مشكل. هذا.

و لكن في الحدائق بعد نقل اتفاق الأصحاب على كون الدانق ثماني حبات من أوساط الشعير قال: «الا انا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية و هي الدنانير و الظاهر ان حبات الشعير المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما و أثقل وزنا من الموجود في زماننا».

أقول: لا يخفى معارضة اعتبار صاحب الحدائق لما اعتبره صاحب المستند، فلعل أوساط الشعير تختلف بحسب البلدان كثيرا.

الثانية: ما رواه في الكافي و العلل، ففي الكافي بسنده عن حبيب الخثعمي قال: كتب أبو جعفر المنصور الى محمد بن خالد و كان عامله على المدينة أن يسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت سبعة و لم يكن هذا على عهد رسول اللّه «ص» و أمره أن يسأل في من يسأل عبد اللّه بن الحسن و جعفر بن محمد «ع» قال فسأل أهل المدينة فقالوا أدركنا من كان قبلنا على هذا فبعث الى عبد اللّه بن الحسن و جعفر بن محمد فسأل عبد اللّه بن الحسن فقال كما قال المستفتون

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 295

..........

______________________________

من أهل المدينة قال: فقال ما تقول با أبا عبد اللّه «ع» فقال: ان رسول اللّه «ص» جعل في كل أربعين أوقية أوقية فاذا حسبت ذلك كان على وزن سبعة و قد كانت وزن ستة و كانت الدراهم

خمسة دوانيق. قال حبيب فحسبناه فوجدناه كما قال فأقبل عليه عبد اللّه بن الحسن فقال: من أين أخذت هذا؟ قال: قرأت في كتاب أمّك فاطمة ... «1».

و ظاهر هذا الحديث كما في حاشية الكافي المطبوع قديما ناسبه إياه الى المجلسي ان زكاة الدراهم في عصر النبي «ص» كانت خمسة دراهم و قبل زمان المنصور بقليل و في زمانه كانت سبعة فأشكل عليه ذلك، و ملخص جواب الامام- عليه السلام- ان مقدار ما فيه الزكاة أعني خمسة أواقي من الفضة كانت في عصر النبي بصورة مأتين درهما، فربع عشرها كان خمسة دراهم و قد صار هذا المقدار في عصر المنصور مأتين و ثمانين درهما، فربع عشرها سبعة دراهم. و بينهما أيضا تحولت بمائتين و أربعين و كان ربع عشرها ستة دراهم. هذا.

و لكن في الوسائل عن بعض عكس ما هو ظاهر الحديث، فقال: «ذكر بعض المحققين انه كان في زمان المنصور وزن المائتين موافقة لوزن مأتين و ثمانين في زمان الرسول «ص» فيكون المخرج منها خمسة على وزن سبعة و قبل زمان المنصور كان وزن المائتين موافقا لوزن مأتين و أربعين فيكون المخرج خمسة على وزن ستة و المخرج هو ربع العشر فلا تفاوت و النصاب يعبر بما كان في زمانه». و لا يخفى اغلاق ما نقله فتدبر.

و ينبغي التنبيه على أمرين: الأول: مرّ عن المنتهى رواية أبي سعيد عن النبي «ص» انه قال:

«ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة».

و في نهاية ابن الأثير أيضا: «فيه لا صدقة في أقل من خمس أواق».

فالنصاب الأول خمس أواق، و على هذا يجب أن يحمل قول الصادق «ع» في الحديث الذي مرّ آنفا: «ان رسول اللّه «ص» جعل

في كل أربعين أوقية اوقية» على عدم كونه في مقام بيان النصاب الأول بل في مقام بيان أن الفريضة في الورق هي ربع العشر، فمن كان له أربعون أوقية فزكاتها أوقية.

و لكن ترى في بعض الكتب توهم كون الحديث بصدد بيان النصاب الأول فتوهم ان الأوقية عبارة عن خمسة دراهم.

ثم اعلم انه قال في النهاية: «كانت الاوقية عبارة عن أربعين درهما و هي في غير الحديث نصف سدس الرطل».

و لا يخفى ان الرطل كما ذكروه في باب الكر عراقي و مدني، فالعراقي مأئة و ثلاثون درهما،

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

و المدني مأئة و خمسة و تسعون درهما، فنصف السدس من الرطل على الأول يقرب من أحد عشر، و على الثاني من ستة عشر درهما. فلعل مقدار الأوقية تغير بحسب الأزمنة و الأمكنة فتدبر.

[المقادير مبنية على التحقيق]

التنبيه الثاني: هل المقدار في نصاب النقدين مبني على التحقيق بحيث لا زكاة في الناقص و لو يسيرا كنصف الحبة مثلا أو على التقريب فتجب الزكاة في الناقص يسيرا؟ ثم على الأول فلو كان بقدر النصاب بحسب بعض الموازين دون بعض فهل تجب الزكاة أم لا؟

فهنا مسألتان: و المسألة الأولى، لا خلاف فيها بيننا، اذ المقادير عندنا مبنية على التحقيق دون التقريب المسامحي خلافا لبعض العامة.

و اما المسألة الثانية، فهي مبحوث عنها عندنا أيضا.

قال في الخلاف (المسألة 87): «اذا نقص من المأتي درهم حبة او حبتان في جميع الموازين او بعض الموازين فلا زكاة فيه و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك: ان نقص الحبة و الحبتان في جميع الموازين ففيها الزكاة. هذا هو

المعروف من مذهب مالك. و قال الابهري: ليس هذا مذهب مالك و إنما مذهبه انها ان نقصت في بعض الموازين و هي كاملة في بعضها ففيها الزكاة، دليلنا انه لا خلاف ان في المائتين زكاة و اذا نقص فليس على وجوب الزكاة فيها دليل فوجب نفيه ...». فالشيخ أشار الى المسألتين في هذه المسألة.

و في المعتبر: «لو تساوت الموازين في نقصان النصاب بالحبة لم تجب الزكاة و لو اختلفت بما جرت به العادة وجبت و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد، و قال مالك: تجب الزكاة و ان تساوت الموازين بنقصان الحبة و الحبتين، لنا قوله «ص»: ليس عليك في الذهب شي ء حتى تبلغ عشرين مثقالا».

و في المنتهى: «لو اختلفت الموازين فنقص النصاب في بعضها دون بعض بما جرت العادة به وجبت الزكاة اما لو تساوت الموازين في النقيصة لم تجب لما تقدم».

و في المسالك: «لا فرق بين الكثير و القليل حتى الحبة اذا نقصت في جميع الموازين اما لو نقص في بعضها و كمل في بعض وجب لاغتفار ذلك في المعاملة».

و في البيان في باب الغلّات: «و لو اختلفت الموازين فبلغ في بعضها و تعذر التحقيق فالأقرب الوجوب».

و بالجملة فأصحابنا لا يختلفون في المسألة الأولى بل قالوا بعدم الوجوب لابتناء الأوزان و المقادير على التحقيق و فاقا لأكثر العامة، و المخالف في ذلك مالك على ما نسب اليه، و عن أحمد فيها روايتان.

و اما في المسألة الثانية فاختلف أصحابنا أيضا، فالشيخ في صورة اختلاف الموازين قال بعدم الوجوب خلافا للمعتبر و المنتهى و المسالك و البيان و المستند و الجواهر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 297

[موضوعات الأحكام تؤخذ من العرف بدقته العرفية لا بمسامحته]

______________________________

فلنعقد هنا مسألتين: المسألة الأولى: موضوعات

الأحكام و ان كانت تؤخذ من العرف لا من العقل الدقي و لكنها تؤخذ من العرف بدقته العرفية لا بمسامحته. فالنجاسة كالدم و غيره لو أزيلت و بقيت رائحتها او لونها فالعقل و ان كان يحكم ببقاء الموضوع لاستحالة انتقال العرض و لكن العرف بدقته العرفية يحكم بارتفاع العين و هو المحكّم، و لكن المقدار كالنصاب و الكر و الصاع و نحوها لو نقص منه شي ء يسير فالعرف و ان كان ربما يحكم ببقاء المقدار و لكنه بنحو المسامحة لا الدقة بحيث ان العرف بنفسه أيضا يتوجه الى كونه تجوزا و مسامحة و مثله لا يكون موضوعا للحكم بلا اشكال.

هذا و لكن قال في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان المسامحة العرفية قد تكون في الصدق كإطلاق المثقال او الرطل او المن او غير ذلك من أسماء المقادير على ما نقص عنه بمقدار غير معتد به مسامحة فهذا مما لا اعتداد به في التقديرات الشرعية، و قد تكون في المصداق كإطلاق الذهب على الذهب الردي ء غير الخالص، و اطلاق الحنطة على الحنطة غير النقية عن الاجزاء الارضيّة و شبهها المستهلكة فيها، و كذا اطلاق التراب في التيمم على المشتمل على مثل الشعرة و بعض اجزاء الحشيش الذي قلما ينفك أكثر الأراضي عنه. و هذا النحو من المسامحة موجب لاندراج الموضوعات تحت مسمياتها عرفا فيكون اطلاق العرف أساميها عليها اطلاقا حقيقيا فيترتب عليها أحكامها.

و توهم الفرق بين التراب و الحنطة و نحوها بدعوى غلبة اختلاف الحنطة و نحوها بغير الجنس فلا يتبادر من الاطلاقات الّا الأفراد المتعارفة بخلاف التراب مدفوع أولا بأن اختلاف التراب بغير جنسه أغلب، و ثانيا ان المدار على اطلاق الاسم و عدم انصرافه

عنه لا كونه فردا غالبيا».

أقول: الحق ان الخليط ان كان مستهلكا بحيث يراه العرف معدوما كالمواد المعدنية المستهلكة في الماء او التراب فلا حكم له لما عرفت من أخذ الموضوع من العرف لا من العقل.

و اما في غير هذه الصورة فان غلب الخلط بحيث تنصرف الاطلاقات الشرعية الى ما له خلط لكونه الفرد الموجود المتعارف بين الناس كمثال الذهب مثلا فان قوله: «في عشرين دينارا نصف دينار» ينصرف الى الدنانير الرائجة بين الناس و هي لا تخلو من خليط حيث ان الذهب الخالص لا ينطبع ما لم يدخله شي ء من النحاس، ففي هذه الصورة أيضا يكون موضوع الحكم هذه الأفراد المتعارفة، و قد أشار اليه في المصباح بلفظ التوهم مع انه أمر متين اذ الانصراف كالقرينة المتصلة المبينة لموضوع الحكم. و لعل من هذا القبيل أيضا مثال الحنطة في الزكاة فان الحنطة التي توجد في أيدي الناس و تقع موردا لمعاملاتهم هي الحنطة التي يوجد فيها خليط يسير من المدر و التبن و نحوهما و ليس الخليط مستهلكا بحيث لا يراه العرف و لذا يغربلون الحنطة و يخلّصونها اذا أرادوا طحنها لأنفسهم و لكن الموضوع لمعاملاتهم و معاشراتهم ما له خليط، فالمأمور دفعها في الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 298

..........

______________________________

هو ما في أيديهم و عليها معاملاتهم. لا أقول بكفاية صرف الغلبة بل يجب أن تكون غلبة الخلط بنحو يكون ذو الخلط فردا متعارفا و اليه ينصرف اطلاق كلام الشارع.

و اما اختلاط التراب بمثل التبن و نحوه فالظاهر عدم كونه من هذا القبيل.

و بالجملة اللازم أن يكون الخليط مستهلكا بحيث لا يراه العرف و يراه معدوما أو يكون اطلاق كلام الشارع منصرفا الى ما

له خلط و الّا فيضر الخلط.

و اما قوله: «هذا النحو من المسامحة موجب لاندراج الموضوعات تحت مسمياتها عرفا فيكون اطلاق العرف أساميها عليها اطلاقا حقيقيا».

ففيه ان في هذا الكلام نحو تهافت، اذ مع فرض المسامحة يكون الاطلاق بنحو من المسامحة و التجوز فكيف يكون اطلاقا حقيقيا فتدبر. هذا ما يرتبط بالمسألة الأولى.

المسألة الثانية: بعد ما اتفق أصحابنا و أكثر أهل الخلاف على كون التقديرات الشرعية مبنية على التحقيق لا التقريب فاذا فرض اختلاف الموازين فما هو التكليف؟ و المسألة خلافية فينا أيضا.

فالشيخ في الخلاف قال بعدم الوجوب، و حكم آخرون و منهم صاحب الجواهر بالوجوب.

قال في الجواهر ما حاصله: «لاغتفار ذلك في المعاملة فكذا هنا، و لصدق بلوغ النصاب بذلك ضرورة عدم اعتبار البلوغ بالجميع لعدم امكان تحققه فلا اشكال في الاجتزاء بالبلوغ في البعض مع عدم العلم بخلاف الباقي و ليس الّا لحصول الصدق بذلك، و هذا الملاك يوجد في صورة العلم بخلاف الباقي أيضا. و دعوى الفرق بصحة السلب أيضا في هذه الصورة دون الأول يدفعها منع صحة السلب بنحو الاطلاق بل مقيدا بخلاف الاثبات اذ يكفي فيه فرد ما. و تحقيق ذلك ان التقدير ينصرف الى الأفراد المتوسطة و المدار الصدق العرفي و هو متحقق في أقل أفراد الوسط.

و يمكن تأييده بعد الاحتياط باطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في الذهب، خرج منه الناقص عن العشرين في جميع الموازين و يبقى ما عداه».

أقول: ما ذكره مبني على كون الموضوع الموازين و الصنوج المتعارفة فتحمل على أفرادها المتوسطة مع بداهة بطلان ذلك.

و الحق ما ذكره في مصباح الفقيه و حاصله بتوضيح منا: ان أسماء المقادير و الأوزان أسام لأصول مضبوطة محدودة في الواقع

بحدود غير قابلة للزيادة و النقيصة، فالذراع مثلا أصله ذراع خاص عيّنه المأمون مثلا لتقدير المساحة محفوظ في محل خاص، و المتر أصله محفوظ في خزانة باريس، و كذا الصنوج المتعارفة لكل منها أصل غير قابل للزيادة و النقيصة، و المقادير و الأوزان الموجودة في البلاد و في أيدي الناس امارات لتلك المقادير و الأوزان الواقعية يعتمد عليها من باب أصالة الصحة و السلامة ما لم يعلم نقصها، فلو اختلفت الموازين التي في أيدي الناس و تعارضت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 299

[الشرط الثاني: ان يكونا مسكوكين]
[سكّة المعاملة]

الثاني: ان يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة (1)،

______________________________

سقطت عن الاعتبار، و مع الشك في بلوغ النصاب الأصل يقتضي البراءة كما اختاره الشيخ.

و قول صاحب الجواهر تبعا للمسالك: «لاغتفار ذلك في المعاملة» ففيه ان الاغتفار مبني على المسامحة، و لذا يتسامحون لدى اختلاف الموازين في غير النقدين بما لا يتسامحون فيهما، و يتسامحون في الفضة بما لا يتسامحون في الذهب. و قوله: «و لصدق بلوغ النصاب بذلك» ففيه ان موضوع الحكم كونه بحد ذاته بالغا حد النصاب سواء وجد في العالم ميزان أم لا و لا موضوعية للموازين المتعارفة حتى يكتفى بصدقها بل هي امارات و طرق و لا حجية لها مع التعارض بل تصير الأصول حينئذ مرجعا حتى عند العرف و العقلاء فتدبر.

(1) بلا خلاف فيه عندنا بل في الانتصار و الغنية و المدارك الاجماع عليه.

قال في الانتصار: «و مما انفردت به الامامية نفي الزكاة عن الذهب و الفضة على اختلاف أحوالهما الّا أن يكون درهما او دينارا مضروبا او منقوشا. و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و يوجبون الزكاة في جميع الأموال الّا الشافعي فانه لا يوجب الزكاة في الحلي و

الحلل المباح على أظهر قوليه، دليلنا على ما ذهبنا اليه بعد اجماع الطائفة ما قدمنا ذكره أيضا من أن الأصل براءة الذمة».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 299

و في الخلاف (المسألة 89): «لا زكاة في سبائك الذهب و الفضة، و متى اجتمع معه دراهم او دنانير و معه سبائك او نقار اخرج الزكاة من الدراهم و الدنانير اذا بلغا النصاب و لم يضم السبائك و النقار اليهما. و قال جميع الفقهاء يضم بعضها الى بعض. و عندنا ان ذلك يلزمه اذا قصد به الفرار من الزكاة، دليلنا الاخبار ...».

و في الشرائع: «و من شرط وجوب الزكاة فيهما كونهما مضروبين دنانير و دراهم منقوشين بسكة المعاملة او ما كان يتعامل بهما».

و لا يخفى ان قولهم «دنانير و دراهم» و ان كان ظاهره الخصوصية و لكن الظاهر عدم الخصوصية لهما، بل الملاك سكة المعاملة على الذهب و الفضة و ان سمّيا بأسماء أخر كالليرة و الدولار و الأشرفي و نحوها.

و بالجملة فالذهب و الفضة على اختلاف حالاتهما من السبائك و الحلي و الظروف و المسكوك و الذرات المخلوطة بالتراب عند أهل السنة متعلقتان للزكاة الّا في الحلي المباح عند بعضهم. و اما عندنا فلا تجب الزكاة الّا في المسكوك منهما بسكة المعاملة، و بها سميتا نقدين، و بهما كانت تقدر مالية الأشياء.

و يدل على ما ذكرناه مضافا الى الاجماع الاخبار المستفيضة:

منها صحيحة علي بن يقطين، عن أبي ابراهيم «ع» قال: قلت له: انه يجتمع عندي الشي ء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

(الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة

أ نزكّيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء. قال: قلت: و ما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش. ثم قال: اذا أردت ذلك فاسبكه فانه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شي ء من الزكاة «1».

و الظاهر ان المراد بالركاز ما كان يركز معمولا و يجعل بصورة الكنز للاقتناء أعني النقود المتعارفة نظير قوله- عليه السلام- في موثقة زرارة و بكير: «الّا ان يصير مالا يباع بذهب أو فضة تكنزه» «2».

فالمراد بالمنقوش أيضا المنقوش للمعاملة لا مطلق المنقوش و الّا لشمل كثيرا من الحلي و السبائك فالصامت المنقوش في الصحيحة عبارة أخرى عن الدنانير و الدراهم المذكورتين في أكثر اخبار الباب. و حيث ان وضعهما للمعاملات و التوليدات فحبسهما سنة كأنه أمر مرغوب عنه و كأن الزكاة وضعت عليهما حينئذ غرامة، ليتجنب الناس عن حبسهما.

و منها صحيحته الأخرى قال: سألت أبا الحسن «ع» عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب، قال: تلزمه الزكاة في كل سنة الّا ان يسبك «3».

و فيها اشارة الى ما لوّحنا اليه من أن وضع النقدين للقلب و العمل و الزكاة جزاء من حبسهما عن ذلك.

و منها مرسلة جميل، عن بعض أصحابنا انه قال: ليس في التبر زكاة إنما هي على الدنانير و الدراهم «4».

و هل يرجع الضمير الى البعض او الامام المعصوم؟ كلاهما محتمل.

و مثله خبر جميل، عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن- عليهما السلام- «5».

و من المحتمل اتحاد الخبرين و سقوط لفظ «بعض أصحابنا» عن الثاني فيصير أيضا مرسلا، مضافا الى مجهولية جعفر بن محمد بن حكيم في سنده و ان قوّى

المامقاني كونه اماميا ممدوحا.

و مقابلة الدينار و الدرهم بالتبر لعله يظهر منه ان الموضوع مطلق المسكوك في مقابل غيره فلا خصوصية لعنوان الدينار و الدرهم فيشمل مثل الدولار و الأشرفي و غيرهما من مسكوكات

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 301

[سكة الإسلام أو الكفر]

سواء كان بسكة الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها (1) بقيت سكتها أو صارا ممسوحين بالعارض (2).

______________________________

النقدين.

و منها صحيحة زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» قال: ليس في نقر الفضة زكاة «1». الى غير ذلك من الأحاديث الدالة على عدم الزكاة في الحلي و السبائك فراجع «2».

(1) لا طلاق الأدلة و عدم ظهور الخلاف في ذلك، مضافا الى ورود النص بالزكاة فيهما في لسان النبي «ص» و الأئمة الطاهرين، و المتداول في عصر النبي «ص» كانت النقود الرومية و الكسروية، و في عصر الأئمة «ع» النقود التي ضربها عبد الملك فيشمل الحكم لسكة الإسلام و الكفر.

هذا و في كشف الغطاء: «الشرط الثاني ان يكون مسكوكا بسكة المعاملة قديمة او جديدة، اسلامية او غيرها، باق أثرها مع بقاء المعاملة فيها او لا، صافية او مغشوشة، ألغيت سكته أولا، عمت الأماكن أولا، اتخذت للمعاملة او لزينة الحيوانات او النساء او لغير ذلك». و سيظهر لك وجه التعميم فيما ذكره.

(2) اما

مع مسح بعض النقش فلا اشكال، لغلبة ذلك في النقود الرائجة و عدم اضراره بصدق الدينار و الدرهم. و اما مع مسح الجميع فان بقيت المعاملة معه فكذلك على الأقوى و لا سيما مع صدق الدينار و الدرهم لما عرفت من عدم الخصوصية لعنوان الدينار و الدرهم بل الملاك كونه نقدا رائجا و واسطة في المعاملات، و لذا قطعنا بوجوب الزكاة في الدولار و الأشرفي و نحو هما.

و قد أشير الى ذلك في خبر علي بن يقطين الوارد في نفي الزكاة فيما سبك حيث قال: «ألا ترى ان المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا يجب عليه الزكاة». اذ يفهم منه ان موضوع الزكاة ما يترتب عليه منفعة التوليد و المعاملة.

لا يقال: هذا ينافي جعل الموضوع للزكاة في صحيحة علي بن يقطين «الصامت المنقوش».

فانه يقال: القيد محمول على الغالب او يكون عنوانا مشيرا الى المنقوشات الخارجية.

هذا و لكن في الروضة «فلا زكاة في السبائك و الممسوح و ان تعومل به».

اللهم الّا أن يحمل على الممسوح بالاصالة و ان كان خلاف ظاهر لفظ المسح.

و اما مع عدم بقاء المعاملة بالممسوح بالعرض فيشكل الوجوب فيه اذ المنفعة قد ذهبت منه كما

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 و 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 302

[اذا كانا ممسوحين بالأصالة]

و اما اذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما (1) الّا اذا تعومل بهما فتجب على الأحوط (2)، كما ان الأحوط ذلك أيضا اذا ضربت للمعاملة و لم يتعامل بهما أو تعومل بهما لكنه لم يصل رواجهما الى حد يكون دراهم او دنانير (3).

______________________________

في

الخبر. و استصحاب الوجوب تعليقي لتعليقه على الملكية و النصاب و الحول كما لا يخفى و في حجية الاستصحاب التعليقي كلام.

اللهم الّا ان يتمسك للوجوب فيه باطلاق الزكاة في الذهب و الفضة، و الخارج منه باليقين غير المقام.

(1) المراد بذلك ما لم ينقش عليه أصلا و ان كان التعبير بالمسح حينئذ خلاف الظاهر. و عدم الوجوب لما مرّ من كون الموضوع للوجوب الصامت المنقوش و الدنانير و الدراهم و عدم الوجوب في التبر و السبائك.

(2) اذ مضافا الى صدق الدينار و الدرهم قد عرفت ان الظاهر من الاخبار كون الموضوع النقد الرائج منهما، و قد استفدنا ذلك من خبر علي بن يقطين.

هذا مضافا الى اطلاق الزكاة في الذهب و الفضة و الخارج منه باليقين غير المقام، و المنقوش في الصحيحة محمول على الغالب فلا يقيد به.

هذا و لكن في المدارك: «و لو جرت المعاملة بالسبائك بغير نقش فقد قطع الأصحاب بأنه لا زكاة فيها و هو حسن». و نحوه عن الذخيرة. فان كان اجماعا و الّا فممنوع.

و في كشف الغطاء: «و لو فرض وقوع المعاملة بغير المسكوك فلا شي ء فيه و الأحوط إلحاقه بالمسكوك حينئذ». و لا يترك الاحتياط لما مرّ.

(3) لعله لصدق الصامت المنقوش، و لا طلاق الزكاة في الذهب و الفضة كما مرّ.

هذا و لو هجرت المعاملة بهما بعد الرواج فيظهر من الشرائع الوجوب حيث قال: «او ما كان يتعامل بهما».

و في الجواهر: «يكفي حصول المعاملة بها سابقا و ان هجرت بعد ذلك كما صرّح به جماعة منهم المصنف، بل لم أر فيه خلافا كما اعترف به في محكي الرياض للاستصحاب و الاطلاق و غير هما».

أقول: الاستصحاب تعليقي كما مرّ، و مراده بالاطلاق

اما اطلاق الدنانير و الدراهم او اطلاق الزكاة في الذهب و الفضة، و الأول يمكن ادعاء انصرافه الى صورة التعامل بهما، فيبقى الاطلاق الثاني و عدم الخلاف المحكي. و مقتضى قوله «ع» في خبر علي بن يقطين: «ألا ترى ان المنفعة قد ذهبت منه، فلذلك لا تجب عليه الزكاة» عدم الوجوب هنا أيضا و لكن الاحتياط حسن على كل حال.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 303

[لو اتخذ الدراهم او الدينار للزينة]

و لو اتخذ الدراهم او الدينار للزينة فان خرج عن رواج المعاملة (1) لم تجب فيه الزكاة و الّا وجبت (2).

______________________________

(1) بتغيير فيه بالزيادة او النقيصة لا بصرف هجر المعاملة بها.

ثم انه يشكل الفرق بين هذه الصورة و بين صورة هجر المعاملة بها، و قد مرّ آنفا التزامهم بالوجوب فيها. و مجرد كون عدم المعاملة مستندا الى تغيير الصورة لا يوجب الفرق ما دام يصدق الدينار و الدرهم.

اللهم الّا أن يكون التغيير بحيث يمنع عن الصدق فلا تجب حينئذ.

(2) في الروضة: «و لو اتخذ المضروب بالسكة آلة للزينة و غيرها لم يتغير الحكم و ان زاده او نقصه ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة».

و الظاهر منها ارادة الزيادة او النقيصة في نفس العين بثقبها او ايجاد العلاقة لها لا صرف الزيادة و النقيصة في القيمة.

و لكن في الجواهر: «و لو اتخذ المضروب بالسكة للزينة كالحلي و غيرها ففي الروضة و شرحها للأصبهاني لم يتغير الحكم، زاده الاتخاذ او نقصه في القيمة ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة لا طلاق الأدلة و الاستصحاب الذي به يرجح الاطلاق المزبور على ما دلّ على نفيها عن الحلّي و ان كان التعارض بينهما من وجه بل يحكم عليه لأن الخاص و

ان كان استصحابا يحكم على العام و ان كان كتابا».

أقول: الاستصحاب هنا مضافا الى كونه تعليقيا و حجيته محل اشكال لا يصلح لترجيح أحد الاطلاقين او الحكومة على الآخر، اذ لا مجال للأصل مع الدليل. اللهم الّا أن يراد صيرورته مرجعا بعد تساقط الدليلين في مورد التعارض.

هذا و في مصباح الفقيه بعد نقل ما في الجواهر قال ما حاصله بتوضيح منّا: «و فيه نظر، اذ لا مقتضي لتحكيم اطلاق وجوب الزكاة في النقدين على عموم ما دلّ على نفيها عن الحلي بل العكس أولى خصوصا بالنسبة الى بعض الروايات النافية فيه المشتملة على التعليل المشعر باختصاص شرع الزكاة بالمال الذي من شأنه الصرف في النفقة و الصدقة و نحوها لا مثل الحلي الذي وضع للبقاء، كما في خبر يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الحلي أ يزكّى؟

فقال اذا لا يبقى منه شي ء. و نحوه خبر علي بن جعفر «1». الى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي لها قوة ظهور في العموم مع اشعار جملة منها بأن لعنوان كونه حليّا مدخلية في وضع الزكاة عنه و ان زكاته اعارته، فكأن عنوان الذهب او الفضة مقتض للزكاة و عنوان الحلي مانع و في تعارض

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 304

..........

______________________________

المقتضي و المانع يقدم ظهور المانع.

و ملخص الكلام ان الروايات الواردة في عدم الزكاة في الحلي في غاية الظهور و قوة الدلالة على شمولها لمثل القلادة المعلق بها الدنانير و شبهها، و لا يصلح لمعارضتها شي ء من العمومات. اما العمومات الدالة على ثبوت الزكاة في مطلق الذهب و

الفضة فهذه الروايات أخص مطلقا منها، و اما ما دلّ على ثبوتها في الدينار و الدرهم فيمكن المناقشة في دلالتها على العموم الأحوالي بحيث تتناول الدرهم و الدينار المجعولين حليّا لا مكان الخدشة في اطلاقها من هذه الجهة. فصحيحة علي بن يقطين و كذا مرسل جميل في مقام بيان ان الزكاة اجمالا في الدينار و الدرهم لا التبر و السبائك، و اخبار النصاب في مقام بيان النصاب و الفريضة فيه فليس لها اطلاق احوالي.

و لو سلّم فليس تخصيص عمومات اخبار الحلي بأهون من تقييد الدراهم و الدنانير بما اذا لم تتخذا حليا بل التقييد أهون.

لا يقال: الاخبار المطلقة الدالة على ثبوت الزكاة في الذهب و الفضة تحمل على اخبار الدراهم و الدنانير، و النسبة بين هذه و بين اخبار الحلي العموم من وجه.

فانه يقال: النسبة بين الاخبار المتنافية تلاحظ قبل تخصيص العمومات بشي ء من الاخبار المخصصة، فكما يجب تقييد المطلقات بما دلّ على نفي الزكاة عما عدا النقدين كذلك يجب تقييدها بما دلّ على نفيها عن الحلي في عرض واحد. فاطلاق الاخبار النافية عن الحلي حاكم على اطلاق المطلقات و ليس لاخبار الحصر في الدينار و الدرهم اطلاق احوالي.

و لو سلّم فالتقييد أهون من تخصيص اخبار الحلي. فالقول بنفي الزكاة عند صيرورتهما حليا هو الأشبه.

أقول: هذه غاية ما يمكن أن يذكر لتقديم اطلاق اخبار الحلي، و لكن الكلام في ان ما دلّ على نفي الزكاة عن الحلي هل هي قضية حقيقية ليستفاد منها كون عنوان الحلي مانعا عن الزكاة مطلقا او انها قضية خارجية و يكون عنوان الحلي فيها عنوانا مشيرا الى أنواع الحلي المتعارفة في عصر صدور هذه الاخبار؟ و حينئذ فعلينا اثبات تعارف

هذا النحو من الحلي المصنوع من الدراهم و الدنانير في تلك الأعصار و ان كان لا يبعد ادعاء ذلك حيث ان تعارفه في القبائل و العشائر لعله يدل على قدمته و تعارفه في تلك الأعصار أيضا.

و ربما يدعى ورود بعض أخبار عدم الزكاة في الحلي في خصوص مورد البحث.

فمنها موثقة معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحلي من مأئة دينار و المأتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال: ليس فيه زكاة «1».

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 305

[الثالث: مضيّ الحول]

الثالث: مضيّ الحول (1)

______________________________

بناء على كون المراد استعمال نفس الدنانير للحلي، و لكن للمنع مجال اذ من المحتمل كون المراد اشتراء الحلي بها او ذوبها و صرفها فيه، كيف؟ و استعمال عين ثلاثمائة في الحلي لشخص واحد بعيد لثقلها و كثرة وزنها.

و منها صحيحة عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا او دارا أ عليه شي ء؟ فقال: لا و لو جعله حليا او نقرا فلا شي ء عليه و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق اللّه الذي يكون فيه «1».

و لعل التعبير بالجعل في مقابل الاشتراء المذكور قبله ظاهر في جعل عينها حليا لا اشتراء الحلي بها. اللهم الّا ان يراد به ذوبها و جعلها بصورة الحلي المتعارف.

و منها خبر هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ان أخي يوسف ولّى لهؤلاء القوم اعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة و انه جعل ذلك المال حليا أراد أن

يفرّ به من الزكاة أ عليه الزكاة؟ قال: ليس على الحلي زكاة ... «2».

و يرد على الجميع مضافا الى ما ذكر من اشتراء الحلي بها او ذوبها له انه من الممكن جعلها حليا بتغيير صورتها بحيث تخرج عن كونها دنانير او دراهم. فالقول بعدم الوجوب مع عدم التغيير مشكل، بل الوجوب هنا مع رواج المعاملة بها أوضح مما هجرت المعاملة بها، و قد عرفت التزامهم بالوجوب هناك.

هذا و في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- قدس سره- بعد ذكر المعارضة بين ما دلّ على الوجوب في الدنانير و الدراهم و عدم الوجوب في الحلي بنحو العموم من وجه قال: «ففي مادة الاجتماع ينفى الوجوب بالأصل، بل و يجري استصحاب عدم جعل الحكم الوضعي فيها».

أقول: لأحد أن يقول: ان في مورد الاجتماع و تعارض الدليلين يرجع الى اطلاق وجوب الزكاة في الذهب و الفضة بعد عدم الدليل على خروج المورد منه و مع وجود الاطلاق لا مجال للأصل و الاستصحاب.

(1) في الشرائع: «و حول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع».

و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه».

أقول: بل اعتبار الحول اجمالا اجماعي عند المسلمين، غاية الأمر اختلاف بعضهم في بعض الخصوصيات. فالشيخ منا مثلا يقول بأن تبديل المال بجنسه في أثناء الحول لا يضرّ بالحول، و أبو حنيفة و صاحباه يقولون بأنه اذا كان النصاب موجودا في طرفي الحول لم يضر نقصان بعضه في

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 306

بالدخول في الشهر الثاني عشر (1) جامعا

للشرائط التي منها النصاب، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب، و كذا لو تبدل بغيره من جنسه (2)

______________________________

وسطه و إنما ينقطع بذهاب كله، و المالكية قالوا بأنه لو ملك في أول الحول أقل من النصاب فاتّجر به فصار الى آخر الحول بقدر النصاب وجبت الزكاة، و المشهور بين أصحابنا اعتبار الحول في شخص النصاب فيضر به التبديل و لو بالجنس أيضا.

و كيف كان فاعتبار الحول في الجملة اجماعي، و يدل عليه مضافا الى ذلك اخبار كثيرة.

فمنها صحيحة علي بن يقطين الماضية، عن أبي ابراهيم- عليه السلام- قال: قلت له: انه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة أ نزكّيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة الحديث «1».

و منها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر «ع»: رجل كان عنده مأتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر و كملت عنده مأتا درهم أ عليه زكاتها؟

قال: لا حتى يحول عليها الحول و هي مأتا درهم، فان كانت مأئة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد ان مضى شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له: فان كانت عنده مأتا درهم غير درهم فمضى عليها أيام قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أ عليه زكاة؟ قال: نعم، و ان لم يمض عليها جميعا الحول فلا شي ء عليه الحديث «2».

و منها ما رواه الصدوق قال: قال أبو جعفر «ع» في التسعة الأصناف اذا حوّلتها في السنة فليس عليك فيها شي ء «3». الى غير ذلك من الاخبار المذكورة في الابواب المتفرقة.

و فيما رواه

الصدوق اشكال ناشئ من عدم اعتبار الحول في الغلات الأربع. اللهم الّا أن يراد ان المالك لو حوّلها قبل زمان التعلق لم يكن عليه شي ء.

و الظاهر من الحديث و من غيره اعتبار الحول في شخص النصاب فلا يكفي بقاء نوعه و هو المشهور عندنا، خلافا للشيخ حيث قال بأن التبديل بالجنس في أثناء الحول لا يضرّ و قد مرّ مفصلا في باب الأنعام.

(1) كما تقدم في الأنعام فراجع.

(2) خلافا للشيخ في الخلاف و المبسوط حيث حكم بأن التبديل بالجنس في أثناء الحول لا يضرّ، و قد تقدم التفصيل في الانعام (المسألة 9) فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 307

أو غيره، و كذا لو غير بالسبك سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أولا على الأقوى (1) و ان كان الأحوط الاخراج على الاول.

و لو سبك الدراهم او الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة (2) و وجب الاخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير (3) اذا فرض نقص القيمة بالسبك.

[لا تجب الزكاة في الحليّ]

[مسألة 1]: لا تجب الزكاة في الحليّ (4).

______________________________

(1) خلافا لجمع من الأصحاب حيث حكموا بالوجوب مع قصد الفرار، و قد تقدم التفصيل في الأنعام (المسألة 9) فلا نعيد.

(2) اجماعا لاستقرار الوجوب بانقضاء الحول، و ما دلّ على عدم الزكاة في السبائك فانما يراد به عدم الجعل فيها لا السقوط بعد الثبوت.

(3) لأنها الفريضة الواجبة فيضمن النقص الوارد بفعله، و لو زادت القيمة بالسبك فالظاهر شركة الفقراء

فيها بناء على الاشاعة، و الأحوط التصالح.

(4) في الخلاف (المسألة 101 ملخصة): «الحلي على ضربين: مباح و غير مباح، فغير المباح مثل ان يتخذ الرجل لنفسه حلي النساء و المرأة حلي الرجال، فهذا عندنا لا زكاة فيه. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا فيه زكاة. و اما المباح فلا زكاة فيه عندنا، و للشافعي فيه قولان: قال في القديم و البويطي و أحد قوليه في الأمّ لا زكاة فيه و به قال في الصحابة ابن عمر و جابر ... و في الفقهاء مالك و اسحاق و أحمد، و القول الآخر فيه الزكاة أومأ اليه في الأمّ و به قال في الصحابة عمر بن الخطاب ... و في الفقهاء المزني و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه، دليلنا اجماع الفرقة».

و في الشرائع: «و لا تجب الزكاة في الحلي محللا كان كالسوار للمرأة و حلية السيف للرجل او محرما كالخلخال للرجل و المنطقة للمرأة و كالأواني المتخذة من الذهب و الفضة و آلات اللهو لو عملت منهما، و قيل: يستحب فيه الزكاة».

و أشار بالقيل الى خلاف الشيخ في الجمل و العقود حيث قال في ذكر ما يستحب فيه الزكاة:

«و رابعها سبائك الذهب و الفضة، و خامسها الحلي المحرم لبسه مثل حلي النساء للرجال و حلي الرجال للنساء».

و وجه ما ذكره غير واضح، فان أراد الآيات و اخبار الانفاق و الصدقة فهذه تشمل المحلل و المحرم.

هذا و في المدارك: «اما سقوط الزكاة في الحلي المحلل فقال العلامة في التذكرة انه قول علمائنا أجمع و أكثر أهل العلم، و امّا المحرم فقال في التذكرة أيضا انه لا زكاة فيه عند علمائنا لعموم قوله لا زكاة في الحلي

و أطبق الجمهور كافة على ايجاب الزكاة فيه لأن المحظور شرعا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 308

و لا في أواني الذهب و الفضة (1) و ان بلغت ما بلغت بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم و الدينار اذا اتخذا للزينة و خرجا عن رواج المعاملة بهما، نعم في جملة من الاخبار: ان زكاتها اعارتها (2).

______________________________

كالمعدوم حسّا، و لا حجة فيه لأن عدم الصنعة غير مقتض لإيجاب الزكاة فان المناط كونهما مضروبين بسكة المعاملة. و هو جيّد».

و في الجواهر في ذيل عبارة الشرائع: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا اذا لم يكن بقصد الفرار بل الاجماع بقسميه عليه» و يدل على المسألة مضافا الى الاجماع عندنا و الى اشتراط كونهما منقوشين بسكة المعاملة و فقدان هذا الشرط في أنواع الحلي بقسميه الاخبار المستفيضة المذكورة في الباب 9 و 11 من الوسائل:

فمنها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الحلي أ يزكّى؟ فقال: اذا لا يبقى منه شي ء.

و في التعليل اشارة الى ما أشرنا اليه من ان الزكاة وضعت في الذهب و الفضة المسكوكتين من جهة انهما وضعتا لتكونا وسائط في المعاملات و التوليدات فمن جعلهما ركازا او كنزا فقد عمل بهما على خلاف طبعهما فجعل الزكاة رادعة عن ابقائهما و كنزهما و كأنها جزاء لهذا العمل المرغوب عنه شرعا و اما الحلي فطبعه البقاء و التزين به ما دام العمر فلا يناسبه الزكاة.

و منها صحيحة هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس على الحلي زكاة.

و منها صحيحة محمد الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الحلي فيه زكاة؟ قال: لا.

و منها صحيحة رفاعة قال:

سمعت أبا عبد اللّه «ع» و سأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة؟ فقال لا و لو بلغ مأئة ألف «1» الى غير ذلك من الاخبار فراجع.

(1) كما يقتضيه ما دلّ على حصر الزكاة في الصامت المنقوش و في الدينار و الدرهم.

هذا و في المستمسك عن بعض أصحابنا وجوب الزكاة في المحرم من الأواني و الحلي قال:

«و دليله غير ظاهر الّا دعوى استفادة ان سقوط الزكاة في الحلي للإرفاق غير الشامل للمحرم لكنه كما ترى».

أقول: لم أجد من أصحابنا من يوجبه، نعم مرّ عن الشيخ في الجمل استحبابها في الحلي المحرم و في السبائك.

(2) التعبير بلفظ الجملة يقتضي كثرة الاخبار و لكن لم أجد عاجلا الّا مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: زكاة الحلي عاريته «2». نعم في فقه الرضا الذي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1، 2، 3 و 4.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 309

[لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد و الرديّ]

[مسألة 2]: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منها و الرديّ (1) بل تجب اذا كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديا.

و يجوز الاخراج من الرديّ (2) و ان كان تمام النصاب من الجيد لكن الأحوط خلافه بل يخرج الجيد من الجيد و يبعض بالنسبة مع التبعض و ان أخرج الجيد عن الجميع فهو أحسن.

______________________________

قوّينا كونه رسالة علي بن بابويه: «و ليس على الحلي زكاة و لكن تعيره مؤمنا اذا استعاره منك فهو زكاته».

و في المقنع: «اعلم ان زكاة الحلي ان تعيره مؤمنا اذا استعاره منك فهذه زكاته».

و في

الفقيه: «و ليس على الحلي زكاة و ان بلغ مأئة ألف و لكن تعيره مؤمنا اذا استعاره منك فهذه زكاته».

و لا يخفى اقتباس الصدوق في كتابيه من كتاب أبيه و لا يتوهم وجوب اعارته فان طبع العارية الاستحباب مضافا الى ما مرّ في الاخبار الكثيرة من عدم الزكاة في الحلي مع كونها في مقام البيان، و الى استفادة عدم الوجوب من اطلاق خبر أبي بصير انه قال لأبي عبد اللّه «ع»: ان لنا جيرانا اذا أعرناهم متاعا كسروه و أفسدوه فعلينا جناح ان نمنعهم؟ فقال: لا ليس عليكم جناح ان تمنعهم «1». اذ لو كانت واجبة لم يكن لهم المنع فتدبر.

(1) لا طلاق الأدلة و كذا فيما بعده.

(2) في المسألة قولان أشار اليهما المصنف فأفتى بالأول و جعل الثاني أحوط و لا يترك كما يظهر وجهه.

قال في المبسوط: «اذا كان معه دراهم جيدة الثمن مثل الرومية و الراضية و دراهم دونها في القيمة و مثلها في العيار ضم بعضها الى بعض و اخرج منها الزكاة. و الأفضل ان يخرج من كل جنس ما يخصه و ان اقتصر على الاخراج من جنس واحد لم يكن به بأس لأنه «ص» قال: في كل مأتين خمسة دراهم و لم يفرق و كذلك حكم الدنانير سواء».

و محصل دليل الشيخ انه كما قلنا باطلاق المائتين و شموله للجيد و الردي ء و الملتئم منهما فكذلك قوله: «خمسة دراهم» له اطلاق و مقتضاه جواز دفع الردي ء عن الجيد أيضا. و عن العلامة في التحرير أيضا موافقته و اختاره أيضا في الجواهر و مصباح الفقيه و تبعهم المصنف.

و لكن المحقق في الشرائع أفتى بالثاني فقال: «لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي

______________________________

(1)- الوسائل

ج 6 الباب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

الجوهرين بل يضم بعضها الى بعض، و في الاخراج ان تطوع بالأرغب و الّا كان له الاخراج من كل جنس بقسطه».

و تبعه العلامة في القواعد فقال: «يكمل جيد النقرة برديّها كالناعم و الخشن ثم يخرج من كل جنس بقدره». و نحوه في التذكرة.

و لكنه قال في القواعد أيضا «لو تساوى العيار و اختلفت القيمة كالرضوية و الراضية استحب التقسيط و أجزأ التخيير».

فلعله أراد بالأول ما اذا كان أحدهما جيدا و الآخر رديا و بالثاني ما اذا اتفقا في الجودة مثلا و كان أحدهما أجود.

و كيف كان ففي المسألة قولان: الأول التخيير و الثاني التقسيط.

و استدل للأول باطلاق الفريضة كما سمعت من الشيخ، و قوّاه في الجواهر فقال ما حاصله بتوضيح منا: «ان الزكاة و ان كانت في نفس العين بنحو الاشاعة و لكن الشارع الذي هو ولي الفقراء قد قدّر و قوّم الحصة المشاعة في البين بخمسة دراهم مثلا باطلاقها فيجزيه كل فرد اذا لم يكن الوسط الذي ينصرف اليه الاطلاق و اما التقسيط فلا أثر له في النصوص بل ظاهرها خلافه، و دعوى ظهور تلك الاطلاقات في ارادة بيان نسبة الفريضة الى النصاب و بيان كميتها فقط لا اجزاء المسمّى كائنا ما كان واضحة البطلان بل ان لم نقل بظهورها في العكس فلا ريب في افادتها الأمرين».

أقول: يرد عليه أولا انه بعد الالتزام بالشركة و الاشاعة فأي دليل في المقام على تقدير الحصة المشاعة بخمسة دراهم مثلا باطلاقها؟ و إنما التزمنا بذلك في باب الأنعام من جهة ان الشاة في قوله: «في خمس من الابل شاة» لم

توجد في النصاب أصلا و الشاة في قوله: «في أربعين شاة شاة» بعد تقييدها بالجذع و الثني امكن ان لا توجد في النصاب، و كذلك بنت المخاض في قوله:

«في ست و عشرين من الابل بنت مخاض»، و التبيع في قوله: «في ثلاثين بقرة تبيع حولي» من الممكن كثيرا ان لا توجدا في النصاب أصلا فبذلك حكمنا باطلاق الفريضة و لم نقيدها بكونها من النصاب و جمعنا بين ذلك و بين القول بالاشاعة بان الشارع قدر الحصة المشاعة بالفريضة لا بمعنى صيرورة الفريضة في الذمة بل بمعنى ان الشركة و الاشاعة ثابتة ما لم يصر بصدد الأداء فاذا صار بصدده فأداء الفريضة المذكورة يوجب فراغ العين من حق الفقراء و كأنه يقع تبادل قهري بين الحصة المشاعة و الفريضة المذكورة المؤداة و اما في المقام فلا الزام بالنسبة الى ذلك اذ الفريضة توجد في النصاب دائما فكأن الشارع أراد بقوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم و في عشرين دينارا نصف دينار» وجوب أداء ربع العشر من النصاب كما يشعر بذلك بعض اخبار الباب الواردة من طرق الفريقين كقوله «ص»: «في الرقة ربع العشر» بل يتعين ذلك في الدينار بناء على عدم كون

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 311

نعم لا يجوز دفع الجيد عن الردي بالتقويم بأن يدفع نصف دينار جيد يسوّى دينارا رديّا عن دينار (1)

______________________________

النصف منه مسكوكا مستقلا في تلك الأعصار فيجب حساب ربع العشر من النصاب و أدائه من نفس العين او من قيمته.

و على هذا فيكون أداء الدرهم و الدينار من خارج النصاب بعنوان القيمة لا بعنوان نفس الفريضة و مقتضى ذلك وجوب التقسيط في النصاب الملتئم من الجيد و الردي ء او

من الجيد و الأجود كما أفتى به جمع منا.

و ثانيا: لو سلم اطلاق الفريضة في المقام كما في باب الأنعام فلم لا يحمل على الفرد الوسط كما اختاره في الجواهر هناك و ادّعى انصراف الاطلاق اليه و تبعه المصنف أيضا.

كيف و التقدير الشرعي يجب ان يكون بما لا يقبل الزيادة و النقصان الّا قليلا فيجب أن يكون بالأعلى فقط او الوسط فقط و صاحب الجواهر تعرض للوسط هنا أيضا بنحو من الترديد و لكن المصنف لم يتعرض له.

و اما القول الثاني أعني وجوب التقسيط فيستدل عليه بأصالة الاشتغال، و بقوله- تعالى-:

«و لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون»، و بان التقسيط مقتضى الاشاعة و الشركة. و مورد نزول الآية و ان كان زكاة التمر كما يظهر من الروايات الواردة في تفسيرها «1»، و لكن المورد غير مخصص كما هو ظاهر. هذا.

و لكن لازم القول بوجوب التقسيط كما في المستمسك ان يكون اعطاء الأرغب اعطاء لأكثر من الحق الواجب و ان يجوز اعطاء نصف درهم من الجيد مثلا اذا كان يساوي قيمة خمسة و ان يجب التقسيط في النصاب الملتئم من الجيّد و الأجود أيضا و لنا ان نلتزم باللوازم الثلاث.

اللهم الّا ان يقال بأنه ليس المراد من ربع العشر ربع العشر بحسب القيمة فقط بل بحسب العدد و القيمة معا.

و لكن هذا اذا أدّى من نفس العين و اما لو أدّى من الخارج فهو من باب القيمة فقط فلا تجب ملاحظة العدد قطعا فتدبر. و يأتي في الحاشية التالية ما يفيد المقام.

(1) قال في التذكرة: «و لو نقص قدرا مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيد احتمل الاجزاء اعتبارا بالقيمة و عدمه لأن النبي «ص»

نصّ على نصف دينار فلم يجز النقص منه».

و في الحدائق بعد نسبة عدم الجواز في المسألة الى المشهور و ذكر احتمال التذكرة قال: «أقول:

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 312

الّا اذا صالح الفقير بقيمة في ذمته (1) ثم احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة فانه لا مانع منه كما لا مانع من دفع الدينار الردي عن نصف دينار جيد (2) اذا كان فرضه ذلك.

______________________________

لا ريب ان عدم الاجزاء في هذه الصورة كما هو المشهور إنما يتم بناء على المشهور من وجوب الأخذ بالنسبة ان لم يتطوع المالك بالأرغب و الّا فعلى مذهب الشيخ من جواز اخراج الأدون الظاهر انه لا اشكال في ذلك لأنه متى كان الواجب عليه دينارا و اختار دفع الأدون و أراد دفع قيمته فدفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمته حينئذ لا أنه الفريضة الواجبة حتى يقال ان الواجب دينار فلا يجزي ما دونه».

أقول: كان على صاحب الحدائق أن يعكس الأمر اذ مقتضى القول بالتقسيط و الأخذ بالنسبة كما عرفت وجوب ربع العشر من النصاب و ظاهره ربع عشره بحسب القيمة فيجزي ثلث دينار جيد مثلا عن نصف دينار اذا كان هذا الثلث يساوي ربع عشر النصاب و لا سيما اذا أعطى من خارج النصاب فانه يكون من باب القيمة جزما دون ما اذا كان من العين فانه افراز و قيمة معا افراز باعتبار سنخه و قيمة باعتبار الجودة.

و اما على رأي الشيخ فالفريضة في أربعين دينارا مثلا دينار واحد سواء دفع من النصاب او من الخارج و سواء أعطى من الجيد او الأردى او المتوسط و لا

يتشخص أحدها بحيث يكون مصداقا للفريضة بمجرد الاختيار و إنما يتشخص بدفعه بعنوان الفريضة او بدفع قيمته من غير جنس الفريضة فلا يجزي دفع الأقل و حيث قوّينا نظر المشهور فالظاهر في المسألة الجواز.

اللهم الّا ان يقال بأن الطاهر من ربع العشر ربع العشر بحسب العين و القيمة معا فيجب التقسيط او دفع الأرغب تطوعا.

و لكن هذا يجري فيما اذا أراد الدفع من العين و اما اذا أراد الدفع من الخارج فحيث انه يكون على نظر المشهور من باب القيمة و لو كان من جنس النصاب فاللازم الحكم بالجواز في المسألة فتدبر.

(1) مثل أن يصالحه عن نصف الدينار الجيد الذي يدفعه اليه بثوب مثلا في ذمة الفقير ثم يحتسب الثوب الذي يسوّى دينارا رديّا للزكاة بعنوان القيمة. و الظاهر جواز ذلك بلا اشكال كما في الجواهر للفرق الواضح بينه و بين ما سبق.

(2) في الجواهر اطراد الاشكال السابق في هذا الفرض أيضا اذا كان بعنوان القيمة ثم قال: «لكن الظاهر اجزاؤه باعتبار كونه الفريضة و زيادة و قصد المكلف انه قيمة عن الأعلى لا يقدح في الاجزاء و ان لم يتم له ما قصده».

و يظهر من المستمسك قدح هذا القصد و لكن الظاهر صحة ما في الجواهر اذ اللازم دفع الفريضة بقصد الزكاة و قد حصل و قصد كونه قيمة لا يضر بعد تحقق قصد الزكاة و قصد القربة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 313

[تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة اذا بلغ خالصهما النصاب]

[مسألة 3]: تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة اذا بلغ خالصهما النصاب (1)

______________________________

و ليس قصد العين او القيمة منوعا مثل قصد الظهرية و العصرية مثلا.

ثم ان كلام المصنف و كذا صاحب الجواهر مبني على الأخذ بالاطلاق و كفاية الردي ء

عن الجيد و لكن نحن ناقشنا في ذلك و الأحوط التقسيط مطلقا كما مرّ.

(1) الذهب و الفضة الخالصتان على ما يقال لا تنطبعان بل تتوقفان في الانطباع الى خليط ما و ليس الخليط بنحو يستهلك بحيث لا يلتفت اليه العرف و لكن لما كان هذا المقدار من الخليط متعارفا بل ضروريا فاطلاقات ثبوت الزكاة في عشرين دنانير و مأتي درهم لا محالة تنصرف الى هذه الدنانير و الدراهم المتعارفة الرائجة بخليطها كما ان اطلاقات وجوب الزكاة في خمسة أوسق من الحنطة و الشعير أيضا تنصرف الى أفرادهما المتعارفة غير الخالية عن خليط ما من ذرّات التبن و المدر و نحوهما.

و كيف كان فهذا المقدار المتعارف الضروري لا يوجب صدق المغشوش على الذهب و الفضة بل يوجب قلته و كثرته و نوع جنسه صدق الجودة و الرداءة عليهما و اما الزائد على هذا المقدار فيوجب صدق المغشوش عليهما و حينئذ فهل تجب الزكاة في المغشوش منهما أم لا؟ و المسألة كانت مبحوثا عنها في عصر الصادقين- عليهما السلام- و كان أصل ثبوت الزكاة في المغشوش مسلما عند فقهاء العامة و لكن اختلفوا في كيفية حساب المال.

ففي الخلاف (المسألة 88): «اذا كان عنده دراهم محمول عليها لا زكاة فيها حتى يبلغ ما فيها من الفضة مأتي درهم سواء كان الغش النصف أو أقل أو أكثر و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: ان كان الغش النصف أو أكثر مثل ما قلناه و ان كان الغش دون النصف سقط حكم الغش و كانت كالفضة الخالصة التي لا غش فيها».

و في التذكرة: «لا تجب الزكاة في المغشوشة حتى يبلغ الصافي نصابا و كذا المختلط بغيره عند علمائنا و

به قال الشافعي و أحمد». ثم حكى عن أبي حنيفة نحو ما في الخلاف.

و بالجملة أصل ثبوت الزكاة في المغشوش ثابت عند العامة و به أفتى الشيخ في الخلاف و المبسوط و حكى عن كثير من كتب أصحابنا و به أفتى في الشرائع و القواعد بل عرفت عن التذكرة نسبته الى علمائنا.

و في الجواهر: «عدم الخلاف فيه بل نسبه غير واحد الى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه».

و استدل عليه بوجوه ثلاثة: الأول: عدم الخلاف المشعر بالإجماع.

الثاني: ما في الجواهر و حاصله انه المتحصل مما دلّ على ثبوت الزكاة في الدراهم مثلا الشامل لهذه الأفراد و مما دلّ على انه لا زكاة في غير الفضة و الذهب من الفلزات فيتحصل منها ان الفضة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

مثلا اذا كانت مسكوكة و لو في ضمن الغش تجب فيها الزكاة بشرط بلوغ خالصها النصاب و غيره من الشروط.

الثالث: خبر زيد الصائغ المنجبر بعمل الأصحاب كما في الجواهر قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: اني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها: بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مسّا و ثلث رصاصا، و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها، قال:

فقال أبو عبد اللّه «ع»: لا بأس بذلك اذا كان تجوز عندهم، فقلت: أ رأيت ان حال عليه الحول و هي عندي و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة ازكّيها؟ قال: نعم إنما هو مالك قلت: فان أخرجتها الى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكّيها؟ قال: ان كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة

الخالصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث. قلت: و ان كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة الّا اني اعلم ان فيها ما تجب فيه الزكاة؟ قال: فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة «1».

و المراد بالسنة الواحدة السنة التي حالت عليها و هي دراهم و التقييد بها لعدم الوجوب بعد سبكها. و يستفاد من الرواية أمور:

منها وجوب الزكاة في المغشوش.

و منها لزوم بلوغ الخالص النصاب.

و منها وجوب التصفية مع العلم بالنصاب و الشك في الأكثر.

و لكنها ساكتة عن وجوب التصفية مع الشك في أصل النصاب بل لعل المفهوم من قوله: «ان كنت تعرف ...» عدم الوجوب حينئذ، و سيأتي البحث عن ذلك.

فهذه ثلاثة وجوه للقول بوجوب الزكاة في المغشوش.

و لكن يرد على الأول اني لم أجد المسألة معنونة في الكتب الأولية المعدّة لنقل الأصول و المسائل المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام- كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و الغنية و المراسم و الانتصار و الناصريات، نعم ذكرها الشيخ في خلافه و مبسوطه بحسب وضعهما للمسائل الخلافية و التفريعية و ليس الاجماع في هذا السنخ من المسائل التفريعية كاشفا عن قول المعصومين «ع» و ليس الاجماع عندنا حجة الّا لكشفه عن قولهم «ع» فلا اعتداد بالإجماع و لا عدم الخلاف في المسائل التفريعية المستنبطة.

و يرد على الثاني ما قيل من ان الزكاة تجب في الذهب و الفضة المسكوكين دراهم و دنانير

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 315

و لو شك في بلوغه (1)

______________________________

و المركب من كل منهما و من غيره

خارج عن الاسم و كأنه طبيعة ثالثة اسما بل قد يمنع صدق اسم الدراهم و الدنانير أيضا على غير الخالص فتأمل.

و يرد على الثالث ضعف الخبر و كون زيد الصائغ مجهولا لم يذكر في كتب الرجال بل لم يذكر له خبر غير هذا الخبر فراجع جامع الرواة للأردبيلي و عمل المتأخرين به غير جابر مضافا الى عدم احراز كون مدرك المفتين هذا الخبر. فالمسألة من أصلها لا تخلو عن شوب اشكال. هذا.

و لكن الانصاف ان منع صدق الدرهم و الدينار على المغشوش مجازفة. و قد أطلق الدرهم عليه في الخبر أيضا كما ان صدق الذهب و الفضة على ما فيه من الجنسين بلا اشكال كما لا اشكال في كونهما مسكوكين و ان كانا مع الغير و موضوع الحكم الذهب و الفضة المسكوكان.

فما ذكره صاحب الجواهر في مقام الاستدلال قوي و الخبر يؤيده و فهم الأصحاب أيضا يسدّده، فالأقوى وجوب الزكاة فيه اذا بلغ خالصه النصاب كما في المتن فتدبر.

[حكم البراءة في الشبهات الموضوعية]

(1) قبل البحث عن حكم الشك في المقام نبحث اجمالا عن البراءة في الشبهات الموضوعية و عن وجوب الفحص و عدمه فيها.

فنقول: نبحث هنا عن أمرين: الأمر الأول: الظاهر جريان البراءة الشرعية المستفادة من حديث الرفع في الشبهات الموضوعية أيضا اذ المرفوع و لو كان عبارة عن الحكم الشرعي يعمّ الحكم الكلي و الجزئي معا و إنما الاشكال في جريان البراءة العقلية المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان في الشبهات الموضوعية فحكم الشيخ و كثير من الأساطين بجريانها فيها بتقريب ان مجرد العلم بالكبريات المجعولة في الأحكام الشرعية التي لها تعلق بالموضوعات الخارجية لا يكفي في التنجز و صحة العقوبة على المخالفة ما

لم يعلم بتحقق الصغريات و الموضوعات خارجا و الموضوع فيها بمنزلة الشرط للحكم و كما لا يتحقق الحكم ما لم يتحقق الشرط و الموضوع لا يتنجز ما لم يحرزا و إنما يتنجز باحراز الموضوع و الحكم معا.

و خالف في ذلك سيدنا الأستاذ المرحوم آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- و ملخص ما أفاده ان مورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان ما اذا لم يصدر بيان من الشارع او صدر و لم يصل إلينا و ما هو الوظيفة للشارع إنما هو بيان الكبريات و المفروض في المقام بيانها و العلم بها و ليس تعيين المصاديق وظيفة له، نعم لا يكون صرف العلم بالكبرى حجة و دليلا على حكم الصغرى اذ العلم بالحكم الجزئي يتوقف على احراز الصغرى و الكبرى معا و لكن البحث ليس في الحجة بمعنى الوسط لا ثبات الحكم الجزئي و إنما الكلام في الحجة بمعنى ما يصح أن يحتج به المولى في العقوبة و العبد في الاعتذار و المفروض ان المولى عمل بكل ما هو وظيفته من بيان الحكم و ايصاله الى العبد فعلى العبد أن يمتثل بنحو يحصل غرض المولى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

فان قلت: بعد تعلق الحكم بالموضوع الكلي ينحل الى تكاليف عديدة بعدد أفراد الموضوع فيرجع الشك في الموضوع الى الشك في تكليف زائد و المرجع في الشك في التكليف هو البراءة.

قلت: لا نسلم كون مطلق الشك في التكليف موردا للبراءة العقلية اذ وظيفة الشارع ليست الّا بيان الأحكام الكلية دون أفراد الموضوع.

فان قلت: كيف يصير صرف احتمال التكليف منجزا موجبا لاستحقاق العقوبة على المخالفة.

قلت: لا مانع من منجزية صرف الاحتمال كما في احتمال صدق مدّعى النبوة و كالاحتمال

في الشبهات الحكمية قبل الفحص.

فان قلت: فالواجب في المقام أيضا التفصيل بين ما قبل الفحص و ما بعده لا انكار البراءة العقلية مطلقا.

قلت: فرق بين الشبهات الحكمية و الموضوعية اذ في الأولى يصير صرف الاحتمال منجزا للواقع ما لم يتفحص في مظان وجود الحكم و اما بعده فالعقل يحكم بقبح العقوبة حيث عمل العبد بكل ما هو وظيفته فيكون القصور من ناحية المولى و اما في المقام فخطاب المولى معلوم و قد فرض تعلقه بجميع الأفراد الواقعية النفس الامرية فقد تمّ كل ما هو وظيفة المولى فلا يحكم العقل بقبح العقوبة من قبله فيجب على العبد ترتيب الأثر على الاحتمال سواء كان قبل الفحص أو بعده.

هذه خلاصة ما كان- رحمه اللّه تعالى- يصرّ عليه.

أقول: احتمال التكليف لا يصير باعثا و محركا عقلا الّا على الفحص و امّا بعد الفحص و عدم احراز الموضوع فيصير عقاب المولى على هذا الفرد المشكوك فيه عملا جزافيا و عقابا بلا حجة حيث ان العبد لا يكون مقصرا فانه كان بصدد اطاعة المولى و أفرغ وسعه في الفحص فهو حينئذ قاصر لا مقصر و عقاب القاصر قبيح و لو كان المولى لا يرضى بالمخالفة حتى بالنسبة الى الأفراد المشكوكة كان عليه ايجاب الاحتياط حتى يصير بيانا بالنسبة اليها.

و بالجملة فالتنجز في الأفراد المشكوكة بعد الفحص يحتاج الى متمم الجعل و لا يكفي الجعل الأولي لتنجيزها و لذا نلتزم بوجوب الاحتياط في الأمور المهمة اذ باهتمام الشارع بالنسبة اليها يكشف ايجاب الاحتياط فيها و اما اذا لم تحرز هذه المرتبة من الاهتمام فلا نسلم كون صرف الاحتمال بعد الفحص مصححا للعقوبة عقلا بحيث يحكم العقل بنفسه بلزوم الاحتياط في الموارد المشكوكة

بل يعدّ العقلاء عقاب المولى حينئذ مجازفة من قبل المولى و لعل ما أوقعه- قدس سره- في هذا المجال التعبير بقبح العقاب بلا بيان فيتوهم انه لا يجري الّا فيما بيانه وظيفة للشارع و نحن نعبّر بقبح العقاب بلا حجة و بلا جهة فالأقوى ما اختاره الشيخ و تلامذته من جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية أيضا و لكن العقل لا يحكم بها الّا بعد الفحص و عدم الظفر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 317

[في وجوب الفحص في الشبهات الحكمية]

______________________________

الأمر الثاني: لا اشكال في وجوب الفحص في الشبهات الحكمية و عدم جواز اجراء البراءة قبله.

و يدلّ على الوجوب فيها الأدلة الأربعة: الاجماع القطعي على عدم جواز العمل بالأصل قبل استفراغ الوسع في الأدلة، و الآيات الدالة على وجوب النفر و السؤال، و الاخبار الدالة على لزوم التعلم و مؤاخذة الجهال بتركه، و العقل الحاكم بلزوم المراجعة الى الكتب و الطوامير المقررة من قبل المولى اذا كان بناؤه على اعلام الأحكام و القوانين بهذا الطريق و ذمّ تارك المراجعة اليها مضافا الى حكمه بالاحتياط او الفحص في اطراف العلم الإجمالي بوجود الأحكام اجمالا من قبل المولى، فهذه في الجملة مما لا شك فيها إنما الاشكال في انه هل يجب الفحص في الشبهات الموضوعية أيضا او يجوز اجراء البراءة فيها قبله.

ففي الرسائل ما حاصله: «ان كانت الشبهة في التحريم فلا اشكال و لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص، و يدل عليه اطلاق اخبار اصالة الحل و ان كانت الشبهة وجوبية فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا و هو مقتضى حكم العقلاء في مثل قوله: «أكرم العلماء أو المؤمنين» الّا انه قد يتراءى ان بناء

العقلاء في بعض الموارد على الفحص و الاحتياط كما اذا أمر المولى باحضار علماء البلد او اطبائها او اعطاء كل واحد منهم درهما ... و في القوانين ان الواجبات المشروطة بوجود شي ء انما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده فبالنسبة الى العلم مطلق لا مشروط فمن شك في كون ماله بمقدار استطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول اني لا اعلم اني مستطيع و لا يجب عليّ شي ء بل يجب عليه محاسبة ماله ... ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص انه اذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو اهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثم العمل بالبراءة كبعض الأمثلة المتقدمة». انتهى ما أردنا نقله من الرسائل.

أقول: الفرق بين قوله: «أكرم العلماء» و بين قوله: «أكرم علماء البلد أو أحضرهم» لعله من جهة ان سعة الموضوع في الأول و عدم التمكن من استيعاب أفراده غالبا قرينة على عدم ارادة الاستيعاب بل ذكرهم بعنوان المصرف بخلاف الثاني فان المراد منه ما هو ظاهره من الاستيعاب.

ثم أقول: لو كان الشك في الموضوع مما يرتفع بمثل النظر أو المراجعة الى الدفتر بلا صعوبة فالظاهر انصراف أدلة الحلية و البراءة عن مثله، فلو شك في ان ما في الوعاء ماء أو خمر و كان يرتفع شكه بصرف التوجه و النظر أو شك في ان طلب زيد منه مأئة أو مائتان و يرتفع بصرف النظر في دفتر محاسباته فهل يجري في مثله حديث الرفع و نحوه؟ الظاهر من الحديث و لا سيما بقرينة سائر فقراته

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1،

ص: 318

..........

______________________________

التسهيل على الأمة و الامتنان عليهم برفع موارد الكلفة و المشقة و ظاهر انه لا كلفة و لا مشقة في صرف النظر و نحوه. و بالجملة فمن علمه في كيسه و دفتره لا يسمى جاهلا محتاجا الى الارفاق و التسهيل فموارد البراءة و الحلية الشك المستقر الموجب للتحير و الاحتياج الى تعيين الوظيفة.

نعم في خصوص باب الطهارة و النجاسة لا يجب النظر أيضا كما يدلّ عليه قوله في صحيحة زرارة: «قلت: فهل عليّ ان شككت انه اصابه شي ء ان أنظر فيه؟ قال: لا، الحديث» «1». بل لعله اجماعي.

و اما في سائر الموارد فالظاهر وجوب هذا المقدار من النظر و الأدلة منصرفة عن الشك الذي يرتفع بمثله.

و اما الفحص أكثر من ذلك فقد ظهر من الرسائل أدلة ثلاثة على وجوبه:

الأول: بناء العقلاء على وجوبه في الأمثلة التي ذكرها.

الثاني: ما حكاه عن القوانين.

الثالث: بناء العقلاء على الفحص في موارد يوجب اهماله الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا بل الأول و الثالث يرجعان الى أمر واحد و هو بناء العقلاء على وجوبه في تلك الموارد.

اذا عرفت هذا فنقول: اما ما ذكره في القوانين من توقف الواجب المشروط على وجود الشرط لا على العلم به ففيه انه مسلّم و لكنه لا يجدي في ايجاب الفحص لأن الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيجري الأصل، كيف؟ و مورد الأصل صورة كون الشرط نفس الاستطاعة مثلا و الشك فيها و لو كان الشرط هو العلم بها قطعنا بعدم الوجوب في صورة الشك و لم نحتج الى الأصل و لو كان صرف تعلق التكليف بالموضوع الواقعي موجبا للفحص عنه لبقاء فعليته في صورة الشك أيضا لكان موجبا للاحتياط أيضا بعده.

و

اما ما ذكره الشيخ من بناء العقلاء على الفحص في الأمثلة التي ذكرها ففيه انه يكفي لعدم اجراء البراءة العقلية الّا بعد الفحص و اما بالنسبة الى البراءة الشرعية فلا، اذ لو قال المولى:

«احضر علماء قم» ثم قال بعده: «رفع ما لا يعلمون» فلا نسلم كون بناء العقلاء بعد التوجه الى الجملة الثانية على الفحص في موارد الشك، اللهم الّا اذا ارتفع الشك بصرف النظر و التوجه مما قربنا انصراف حديث الرفع و نحوه عن مثله.

و بالجملة بعد ما رخص نفس الشارع للشاك في التكليف لا نسلم الزام العقلاء على الفحص و التفتيش.

و اما ما ذكره من بنائهم على الفحص في موارد يوجب اهماله الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا

______________________________

(1)- الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 319

و لا طريق للعلم بذلك و لو للضرر (1) لم تجب (2)

[هل يجب تصفية المغشوش للاختبار؟]

و في وجوب التصفية و نحوها للاختبار اشكال (3) أحوطه ذلك و ان كان عدمه لا يخلو عن قوة.

______________________________

ففيه انه ان كان المراد ان المكلف يحصل له العلم اجمالا بوقوع نفسه في خلاف الواقع في بعض الموارد دار الأمر مدار حصول هذا العلم للمكلف و لا يجوز الحكم بنحو الكلية و نسلّم حينئذ وجوب الفحص او الاحتياط بناء على وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي و لو كانت تدريجية و الاحتياط هنا بحكم العقل من جهة ان الاشتغال اليقيني يلزم البراءة اليقينية، و ان كان المراد حصول العلم الإجمالي بوقوع المخالفة للواقع في بعض الأصول التي تجري في الموضوعات بالنسبة الى جميع المكلفين لا في الأصول التي يجريها هذا الشخص بنفسه ففيه انه لا يصير مانعا من اجراء

كل مكلف أصل البراءة بالنسبة الى نفسه فيما يبتلى به من الموارد.

و قد تلخص مما ذكرنا ان البراءة العقلية لعلها لا تجري قبل الفحص و اما الشرعية فان كان الشك يرتفع بأدنى نظر فالظاهر انصراف أدلتها عن مثله و الّا فعموم قوله: «رفع ما لا يعلمون» محكم و ليس بناء العقلاء مع التوجه الى ترخيص الشارع على الفحص، و لكن الأحوط مع ذلك الفحص بالمقدار المتعارف فتدبر.

(1) وجوب الاختبار و الفحص على القول به ليس وجوبا نفسيا مولويا بل طريقي مرجعه الى وجوب الاحتياط و مثله لا يسقط بمجرد عدم امكان الفحص او لزوم الضرر منه بل يتعين حينئذ الاحتياط و عدم اجراء البراءة نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية.

(2) لأصالة عدم تعلقها بالمال و الشك شك في أصل التكليف فتجري البراءة.

(3) من عدم الدليل على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية كما مرّ و من ان البناء على ذلك يوجب الوقوع في المخالفة الكثيرة بحيث يعلم من مذاق الشارع عدم رضايته بها بنحو يستكشف منه ايجاب الفحص او الاحتياط و قد مرّ الاشكال في ذلك و ان كان الأحوط ذلك لما يستفاد من رواية زيد الصائغ كما يأتي بيانه و لأن في تركه اضاعة كثير من أموال الفقراء مما ينافي مع حساب اللّه- سبحانه- للفقراء و جعل ما يكفيهم في أموال الأغنياء، و للسيرة المستمرة على الفحص في أمثال المقام من باب الزكاة و الخمس و الاستطاعة للحج و نحوها و ان أمكن الاشكال في الأخير بعدم احراز اتصالها بعصر المعصومين- عليهم السلام- فتدبر.

و المبحوث عنه هنا مسألتان: الأولى: ما اذا شك في بلوغ الخالص في البين نصابا.

الثانية: ما اذا علم بكونه بمقدار النصاب اجمالا

و شك في كونه بمقدار النصاب الأول او الثاني مثلا و لا يخفى ان الأصل في الأولى البراءة و ان الثانية من موارد الأقل و الأكثر الاستقلاليين و حكمه أيضا البراءة في الزائد على المتيقن فالمسألتان من باب واحد فكلاهما من باب الشك في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 320

..........

______________________________

التكليف و حكمه البراءة. و الفحص ان لزم في الشبهات الموضوعية يلزم في كلتيهما و ان لم يلزم لم يلزم في واحد منهما فلا وجه للتفكيك بينهما في الحكم.

و لكن المعروف من الأصحاب عدم وجوب التصفية للاختبار في المسألة الأولى بل في المسالك: «لا قائل بوجوب التصفية مع الشك في النصاب».

نعم في الجواهر: «مال بعض المحققين هنا الى وجوب التعرف بالتصفية او غيرها و هو قويّ جدّا ان لم يكن اجماع على خلافه».

و اما في المسألة الثانية فقد صرّح جماعة بوجوب التصفية بل في الجواهر: «نسب الى الأكثر بل عن الأردبيلي الاجماع عليه».

و لكن استوجه المحقق في المعتبر و العلامة في بعض كتبه و صاحبا المسالك و المدارك الاكتفاء بالمتيقن و طرح المشكوك فيه عملا باصالة البراءة.

و الحق اتحاد المسألتين بحسب المبنى و الحكم كما عرفت و الأحوط الفحص في كلتيهما فلنذكر بعض عبارات الأصحاب في المقام.

قال في المبسوط: «الثالثة قال لا أعرف مبلغها و لا استظهر قيل له: عليك تصفيتها حتى تعرف مبلغها خالصة فحينئذ يخرج الزكاة على ذلك».

و في الشرائع: «و ان ماكس الزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب» و ظاهرهما كون مورد كلامهما المسألة الثانية.

و في التذكرة: «لو علم ان فيه غشا و شك هل بلغ الصافي نصابا أو لا لم يؤمر بالسبك و لا الاخراج منها و لا من غيرها لأن بلوغ

النصاب شرط و لم يعلم حصوله فاصالة البراءة لم يعارضها شي ء و قال أحمد يلزمه أحدهما».

و فيها أيضا: «لو عرف ان فيه نصابا خالصا و جهل الزيادة عليه قال الشيخ يؤمر بسبكها ان لم يتبرع بالاحتياط في الاخراج و به قال الشافعي و أحمد لأن الذمة مشغولة و لا يحصل يقين البراءة الّا بالسبك او الاحتياط في الاخراج، و الوجه أخذ ما تيقن وجوبه و يطرح المشكوك فيه عملا باصالة براءة الذمة و لأن الزيادة كالأصل فكما لو شك هل بلغ الصافي نصابا يسقط كذا لو شك هل بلغت الزيادة نصابا آخر».

و في المعتبر تعرض للمسألتين أيضا و قال: في الأولى: «لم يؤمر بسبكها» و في الثانية حكى كلام الشيخ في المبسوط ثم قال: «و عندي في ذلك توقف».

و عليك بمراجعة المسالك و المدارك أيضا في المقام.

و في الرسائل في مسألة الفحص في الشبهات الموضوعية أشار الى المسألتين و قال: «الفرق بين المسألتين مفقود الّا ما ربما يتوهم من ان العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب بخلاف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 321

..........

______________________________

ما لم يعلم به. و فيه ان العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدر المتيقن و دوران الأمر بين الأقل و الأكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلا ا لا ترى انه لو علم بالدين و شك في قدره لم يوجب ذلك الاحتياط و الفحص مع انه لو كان هذا المقدار يمنع من اجراء البراءة قبل الفحص لمنع منها بعده اذ العلم الإجمالي لا يجوز معه الرجوع الى البراءة و لو بعد الفحص».

و الاشكال الأخير من الشيخ قوي كما لا يخفى.

هذا و لكن في الجواهر بعد الاعتراف بكون المقام

من قبيل الأقل و الأكثر الاستقلاليين و جريان البراءة في الزائد المشكوك فيه قال ما حاصله: «لكن قد يقال: ان أصل البراءة لا يجري في حق الغير المعلوم ثبوته في المال و لا أصل يشخص كونه مقتضى النصاب الأول أو الثاني.

و دعوى ان المائتين و أربعين نصابان و الثمانين ثلاثة و هكذا واضحة الضعف بل الظاهر ان المائتين و أربعين نصاب واحد كالمائتين فحينئذ مع العلم بحصول سبب شركة الفقير و لا أصل يشخّصه لا يجدي أصل براءة ذمة المالك من دفع الزائد بل ما نحن فيه كالمال الذي خلط أجنبي معه مال شخص آخر و يمكن علم المقدار».

و كأن مراده- قدس سره- ان مراتب النصب بسيطة و ان الترديد بين النصابين كالترديد بين المتباينين و ان كانا أقل و أكثر بحسب الصورة نظير الترديد بين القصر و الاتمام.

و فيه ان المال كان ماله و الفريضة الواجبة المجعولة مرددة بين الأقل و الأكثر و ليس الأكثر بنحو الارتباط و لذا يفرغ ذمته باعطاء الأقل بمقداره و لو كان الواجب بحسب الواقع هو الأكثر فاجراء البراءة بالنسبة الى المقدار المشكوك فيه بلا اشكال.

و كيف كان فمدرك القائل بوجوب التصفية في المسألة الثانية اما العلم الإجمالي بوجوب الزكاة و هو يقتضي اليقين بالفراغ و قد عرفت الجواب عنه و ان العلم ينحل الى المتيقن و المشكوك فيه و اما السيرة المستمرة على الفحص في أمثال المقام من باب الزكاة و الخمس و الحج كما عرفت و عرفت ما فيها، و اما رواية زيد الصائغ و قد مرّت و فيها: قلت: و ان كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة الّا اني أعلم ان فيها ما يجب

فيه الزكاة؟ قال فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكي ما خلص من الفضة بسنة واحدة «1» بناء على انجبار ضعفها بالشهرة و ان مر الاشكال في ذلك و الظاهر منها كون مورد السؤال صورة العلم بتعلق الزكاة و الشك في الزائد أعني المسألة الثانية و ان كان يحتمل كون المورد صورة الشك في أصل التعلق بان يراد بقوله: «الّا اني أعلم ان فيها ما يجب فيه الزكاة» العلم بأصل وجود الفضة لا العلم بوجود النصاب و على هذا فيفهم من الرواية وجوب التصفية في المسألة الأولى و كذا في الثانية بالأولوية بل على فرض كون

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 322

[حكم اخراج المغشوش عن الجيد]

[مسألة 4]: اذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش (1) الّا اذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص، و ان كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه (2) الّا اذا دفعه بعنوان القيمة اذا كان للخليط قيمة (3).

______________________________

المورد المسألة الثانية أيضا يمكن ان يقال ان المسألتين لما كانتا من واد واحد و كلتاهما من باب الشك في التكليف فاذا دلّت الرواية على وجوب التصفية و الفحص في الثانية يفهم منها وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بنحو الاطلاق و ان البراءة لا تجري الّا بعده.

و كيف كان فالأحوط الفحص في المسألتين، و المصنف لم يتعرض الّا للأولى كما هو ظاهر عبارته فتدبر.

و في الجواهر امكان التعرف بميزان الماء و كيفيته ان يوضع مقدار معين من الذهب الخالص في ماء و يعلم على موضع ارتفاع الماء منه ثم يخرج و يوضع

مثله من الفضة و يعلم على موضع ارتفاعه أيضا و تكون هذه العلامة فوق الأولى لا محالة لأن الذهب أشد كثافة ثم يوضع فيه المخلوط و ينظر الى ارتفاع الماء و يلاحظ النسبة.

(1) بلا خلاف و لا اشكال كما في الجواهر لاستصحاب بقاء الزكاة في المال الى أن يعلم دفعها.

و في التذكرة: «لا يجوز ان يخرج عن مأتي درهم خالصة خمسة مغشوشة و به قال الشافعي لأنه من ردي ء المال فلا يجزي عن الجيّد و قال أبو حنيفة يجوز».

(2) لما مرّ في شرح المسألة الثانية من ان مبنى المصنف وفاقا لصاحب الجواهر هو ان الفريضة في قوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم» لها اطلاق فتشمل الجيد و الردي ء و المتوسط و سواء كانت من النصاب أو من الخارج فيجب أن يكون الخالص من الفضة في ضمن المغشوش بمقدار خمسة دراهم و يكون بعنوان الفريضة لا القيمة.

نعم بناء على ما ذكرناه من تفاوت المقام لباب الأنعام و ان الظاهر من قوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم» وجوب ربع العشر من النصاب يكون المدفوع من خارج النصاب من باب القيمة و ان كان من جنسه فيجزي دفع المغشوش اذا كان يساوي ما عليه بحسب القيمة و ان لم يكن قيمة الخليط بمقدار قيمة الفضة.

(3) و كان قيمة الخليط بمقدار قيمة الجيد اذ على مبنى المصنف يكون المدفوع في الفرض خالصه بعنوان نفس الفريضة و خليطه بعنوان القيمة، نعم لا يعتبر هذا على ما ذكرناه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 323

[اذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش]

[مسألة 5]: و كذا اذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش الّا مع العلم على النحو المذكور (1).

[لو شك في أنه خالص أو مغشوش]

[مسألة 6]: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب و شك في أنه خالص أو مغشوش، فالأقوى عدم وجوب الزكاة و ان كان أحوط (2).

[لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضة]

[مسألة 7]: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضة لم يجب عليه شي ء (3) الّا اذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب فيجب في البالغ منهما أو فيهما فان علم الحال فهو، و الّا وجبت التصفية (4).

______________________________

(1) لما سبق في المسألة الرابعة.

(2) في التذكرة: «لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غش أم لا وجبت الزكاة لأصالة الصحة و السلامة».

و لكن في مصباح الفقيه ما حاصله: «هذا إنما يتجه فيما اذا كان الغش الذي يحتمله عيبا في الدنانير بحيث لو ظهر لم يقع به المعاملة الّا على سبيل المسامحة و اما اذا كانت من الدنانير الرائجة في البلد فليس كونها مركبة من جنسين أو أزيد منافيا لصحتها و سلامتها فلا مسرح للأصلين حينئذ بل المرجع في مثله أصالة البراءة».

و ما ذكره جيّد و نضيف اليه عدم كون أصل السلامة أصلا عقلائيا جاريا في الذوات الخارجية المشكوكة مبينا لحالها بحيث يترتب عليها آثار الصحة، نعم تقع المعاملات الواقعة على الذوات مبنية على الصحة و لذا يثبت فيها خيار العيب، كما ان الأعمال الصادرة عن المسلم تحمل على الصحة عند العقلاء. و اما الحكم بصحة الأعيان و الذوات مع قطع النظر عن وقوع المعاملة عليها أو تحققها بفعل الغير فغير مسلم و لا سيرة من العقلاء تثبته. فالحق في المسألة البراءة لكونها من الشك في التكليف، نعم بناء على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية يجب الفحص هنا أيضا و هو الأحوط كما مرّ.

(3) اذ

لا يضمّ الأجناس الزكوية بعضها الى بعض في تكميل النصاب و سيأتي البحث عنه في المسألة العاشرة.

(4) لعله لخبر زيد الصائغ و الّا فقد عرفت من المصنف عدم وجوب التصفية فيما اذا شك في أصل التعلق، و الاحتياط حسن على كل حال.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 324

و لو علم أكثرية أحدهما مرددا و لم يمكن العلم وجب اخراج الأكثر من كل منهما (1) فاذا كان عنده ألف و تردّد بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة و الذهب ستمائة و بين العكس اخرج عن ستمائة ذهبا و ستمائة فضة، و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة (2) ستمائة عن الذهب و أربعمائة عن الفضة بقصد ما في الواقع.

[لو كان عنده ثلاث مأئة درهم مغشوشة و علم ان الغش ثلثها]

[مسألة 8]: لو كان عنده ثلاث مأئة درهم مغشوشة و علم ان الغش ثلثها مثلا- على التساوي في أفرادها- يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص، و أن يخرج سبعة و نصفا من المغشوش.

______________________________

(1) عملا بالعلم الإجمالي و كذا لو احتمل أكثرية أحدهما للعلم بالشغل فيلزم العلم بالفراغ.

قال في التذكرة: «لو كان الغش مما تجب فيه الزكاة وجبت عنهما على ما تقدم فان اشكل الأكثر منهما و لم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر من جنس الأكثر قيمة فلو كان أحد النقدين ستمائة و الآخر أربعمائة أخرج زكاة ستمائة ذهبا و أربعمائة فضة ان كان الذهب أكثر قيمة و الا فالعكس».

ففي المثال القدر المتيقن مما يجب فيه زكاة الذهب أربعمائة و زكاة الفضة كذلك فيبقى مائتان من هذا المجموع مرددة بين كونها ذهبا او فضة و على أي التقديرين هي مال علم بتعلق الزكاة به فعليه الاحتياط باخراج زكاته ذهبا مرة و فضة أخرى ان

أراد الاخراج من العين أو باخراج قيمة يقطع بكونها مجزية عن الفريضة الواجبة في البين أو باخراج الأعلى قيمة منهما بقصد الزكاة مرددا بين كونه فريضة أو قيمة. و كذا لو احتمل كون أحدهما أكثر اذ تعلق الزكاة به معلوم اجمالا فيلزم القطع بالفراغ و ليست القيمة بنفسها أولا و بالذات متعلقة للتكليف كي يكون ترددها بين الأقل و الأكثر مصححا للرجوع الى البراءة بالنسبة الى الأكثر كما هو ظاهر.

و من هنا يظهر الحال فيما اذا كان مجموع الألف مرددا بين كونه ذهبا مسكوكا أو فضة مسكوكة فيجب الاحتياط بخلاف ما اذا تردّد بين كونه من أحد النقدين أو من غيرهما من المعادن.

(2) بل بعنوان الزكاة مرددة بين كونها نفس الفريضة أو قيمتها كما أشار اليه أخيرا بقوله:

«بقصد ما في الواقع».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 325

و اما اذا كان الغش بعد العلم بكونه ثلثا في المجموع- لا على التساوي فيها- فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة اما باخراج الخالص و اما بوجه آخر (1).

[اذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب]

[مسألة 9]: اذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب و بقي الى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه الّا اذا كان متمكنا من التصرف فيه طول الحول مع كونه غائبا (2).

______________________________

(1) كالتصفية أو الاختبار بالماء أو اعطاء القيمة، و اما السبعة و نصف فلا تجزي لاحتمال أن تكون أكثر غشا من غيرها فلا تساوي خمسة دراهم خالصة.

(2) في النهاية: «فاذا خلف الرجل دراهم او دنانير نفقة لعياله لسنة او سنتين أو أكثر من ذلك مقدار ما يجب فيه الزكاة و كان الرجل غائبا لم تجب فيها زكاة فان كان حاضرا وجبت عليه الزكاة».

و في الشرائع: «السادسة

اذا ترك نفقة لأهله فهي معرضة للإتلاف تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك و يجب لو كان حاضرا و قيل تجب فيها على التقديرين و الأول مروي».

و في التذكرة ذكر التفصيل بين الحاضر و الغائب و حكم في الغائب بعدم الزكاة اما على أهله فلعدم الملك في حقهم و اما عليه فلأنها في معرض الاتلاف.

و في الجواهر نسب التفصيل بين الحاضر و الغائب الى المشهور شهرة عظيمة.

و الأصل في المسألة موثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن الماضي «ع» قال: قلت له: رجل خلف عند أهله نفقة الفين لسنتين عليها زكاة؟ قال: ان كان شاهدا فعليه زكاة و ان كان غائبا فليس عليه زكاة.

و مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا التي هي بحكم المسند، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول قال: ان كان مقيما زكاه و ان كان غائبا لم يزك.

و خبر أبي بصير الذي لا يبعد كونه موثوقا به، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: الرجل يخلف لأهله ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة؟ قال: ان كان شاهدا فعليها زكاة و ان كان غائبا فليس فيها شي ء «1».

و قد مرّ في أوائل الزكاة في باب الشرائط العامة اعتبار التمكن من التصرف و كون المال عنده و بيده بمعنى استيلائه عليه و كون قبضه و بسطه بيده و ذكروا من أمثلته المال المفقود و المغصوب و مال الغائب و نحوها.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

و لكن يظهر من الأصحاب عدم كون المسألة من مصاديق تلك المسألة فانهم تعرضوا لتلك المسألة

في جملة الشرائط العامة و لكن تعرضوا لمسألتنا هذه في باب زكاة النقدين و يظهر منهم التفصيل هنا بين الحاضر و الغائب مطلقا سواء تحقق في البين التمكن من التصرف أم لا اعتمادا على ظاهر الاخبار في المسألة.

و لكن ابن ادريس في السرائر بعد نقل المسألة عن الشيخ في نهايته قال: «و هذا غير واضح بل حكمه حكم المال الغائب ان قدر على أخذه متى أراده بحيث متى رامه أخذه فانه يجب عليه فيه الزكاة سواء كان نفقة او مودعا او كنزه في كنز فانه ليس بكونه نفقة خرج من ملكه، و لا فرق بينه و بين المال الذي في يد وكيله او مودعه و خزانته و إنما أورده في نهايته ايرادا لا اعتقادا فانه خبر من اخبار الآحاد لا يلتفت اليه».

و أجاب عنه في الجواهر بما حاصله مع توضيح منا: «ان الواجب الخروج عنه بهذه النصوص و كون التعارض بين ما دلّ على وجوب الزكاة فيما تمكن منه و بين هذه النصوص الدالة على عدم الوجوب في النفقة اذا كان غائبا العموم من وجه لا ينافي ظهور هذه النصوص في الفرد الذي هو محل النزاع فيتجه التخصيص بها بل قد يجول في الذهن ان مبنى هذه النصوص على خروج هذا الفرد عن تلك العمومات تخصصا لا تخصيصا باعتبار تعريضه للتلف بالانفاق و الاعراض عنه لهذه الجهة الخاصة، فكأنه أخرجه عن ملكه خصوصا مع عدم علمه بسبب غيبته عنه كيف صنع به عياله، و يمكن ان يكون بدلوه بمال آخر او اشتروا به ما يحتاجونه.

و بالجملة لا يخفى على من له ذوق بالفقه و معرفة بخطاباتهم ان المراد من هذا التفصيل انه لا يصدق على

هذا المال انه حال الحول عليه و هو عنده خصوصا و ليس في هذه النصوص اشارة الى التخصيص و ربما كان في قول المصنف «معرضة للإتلاف» اشارة الى بعض ذلك».

انتهى ما في الجواهر.

أقول: بعد اللتيا و التي الظاهر ان الحق في المسألة مع ابن ادريس و تبعه المصنف أيضا كما تراه اذ الشهرة في المسألة بنحو تكون حجة غير ثابتة. و الاخبار و ان وقع فيها التفصيل بين الشاهد و الغائب و لكن يظهر بالدقة في الاخبار التي مرّت في باب عدم التمكن من التصرف ان لفظ الغيبة ذكرت كناية عن عدم كون المال في يده بحيث يقلبه كيف يشاء و انقطاعه عنه بالكلية، فالملاك كل الملاك كون المال تحت سلطنته بحيث يقبله كيف يشاء بنفسه او بوكيله غائبا كان او حاضرا و ليس لمسألة نفقة الزوجة خصوصية.

و الفرق بين الغيبة و الشهود في الاخبار من جهة ان الغيبة عن المال في عصر الأئمة- عليهم السلام- كانت غالبا موجبة للانقطاع عن المال بالكلية اذ لم توجد في تلك الأعصار وسائل المخابرات الدارجة في عصرنا من التليفون و التلغراف و نحوهما فلو فرض كون قبض المال و بسطه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 327

[اذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة]

[مسألة 10]: اذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة و كان كلها أو بعضها أقل من النصاب فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر، مثلا اذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مأئة و تسعون درهما لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم و لا العكس (1).

______________________________

مع غيبته بيده و تحت سلطنته بحيث يصدر منه الدستور دائما في أنحاء صرفه وجب فيه الزكاة.

و لو صار منقطعا عنه بالكلية مع حضوره كصيرورته محبوسا او

ممنوعا من التصرف و لو من قبل أهل بيته ظلما لم تجب الزكاة.

و المعرضية للتلف المذكورة في الشرائع و التذكرة بعنوان الدليل لا تفيد شيئا و الّا لمنعت عن الوجوب مع الحضور أيضا.

كيف؟ و قد حكمنا بوجوب الزكاة في مهر الزوجة بعد حلول الحول عليه و ان كان في معرض التلف بالطلاق قبل الدخول او الفسخ او نحوهما.

(1) لا اشكال عند فقهاء الامامية في انه لا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر و هو الظاهر من اخبارنا فان الظاهر منها ان كلا منهما موضوع مستقل يشترط فيه النصاب. و عند فقهاء العامة يكمل نصاب أحدهما بمال التجارة. و اختلفوا في تكميل أحدهما بالآخر.

ففي المعتبر: «لا يضمّ عروض التجارة الى الفضة و لا الى الذهب، و أطبق الجمهور على ضمها».

و في مختصر أبي القاسم الخرقي، المؤلّف على فقه الحنابلة «و لا زكاة فيما دون المائتين الّا ان يكون في ملكه ذهب أو عروض التجارة فيتم به».

و في المغني لابن قدامة في شرحه: «فان عروض التجارة تضم الى كل واحد من الذهب و الفضة و يكمل به نصابه لا نعلم فيه اختلافا. قال الخطابي: و لا أعلم عامّتهم اختلفوا فيه ...،

و لو كان له ذهب و فضة و عروض وجب ضمّ الجميع بعضه الى بعض في تكميل النصاب». ثم تعرض للقولين في ضمّ أحد النقدين الى الآخر.

و في الخلاف (المسألة 99): «اذا كان معه ذهب و فضة ينقص كل واحد منهما عن النصاب لم يضمّ أحدهما الى الآخر، مثل ان يكون معه مأئة درهم و عشرة دنانير لا بالقيمة و لا بالاجزاء و به قال الشافعي و أكثر أهل الكوفة: ابن أبي ليلى و شريك و الحسن بن

صالح بن حي و أحمد بن حنبل و أبو عبيد القاسم بن سلام، و ذهبت طائفة الى انهما متى قصرا عن نصاب ضممنا أحدهما الى الآخر و أخذنا الزكاة منهما ذهب اليه مالك و الاوزاعي و ابو حنيفة و أبو يوسف و محمد ...، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون فيه».

هذا و يدلّ على ما اختاره أصحابنا مضافا الى ظهور اخبار زكاة النقدين و نصابهما في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

استقلال كل منهما صحيحة زرارة انه قال لأبي عبد اللّه «ع»: «رجل عنده مأئة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكّيها؟ فقال: لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم». و في نقل الشيخ: «حتى يتم اربعون دينارا و الدراهم مأتي درهم» «1».

و للصحيحة ذيل يدل على عدم تكميل النصاب في أحد الأنعام الثلاثة أيضا بالآخرين و قد مرّ في أول باب الأنعام.

و يدل على المسألة أيضا موثقة اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا ابراهيم «ع» عن رجل له مأئة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ فقال: ان كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت: لم يفرّ بها، ورث مأئة درهم و عشرة دنانير، قال: ليس عليه زكاة. قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: لا «2».

نعم يعارضهما على الظاهر موثقته الأخرى عنه «ع» قال: قلت له: تسعون و مأئة درهم و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال: اذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة لأن عين المال الدراهم و كل ما خلا الدراهم من ذهب او متاع فهو عرض مردود

ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات «3».

و الشيخ احتمل في التهذيب ان يكون المشار اليه في قوله: «فبلغ ذلك» الفضة خاصة او كل منهما. و لا يخفى كونهما خلاف الظاهر.

و يحتمل كون مورد الرواية زكاة مال التجارة اذا فرض كون مال التجارة عبارة عن النقدين و الأمتعة معا. و يحتمل التقية أيضا.

و كيف كان فظاهر الرواية غير معمول به عندنا متروك فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1. و الباب 1 منها، الحديث 14.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 329

[4- فصل في زكاة الغلّات الأربع]

[الغلّات الأربع]

فصل في زكاة الغلّات الأربع و هي- كما عرفت- الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و في إلحاق السلت- الذي هو كالشعير في طبعه و برودته و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- اشكال (1) فلا يترك الاحتياط فيه. كالإشكال في العلس- الذي هو كالحنطة- بل قيل: انه نوع منها، في كل قشر حبّتان و هو طعام أهل صنعاء فلا يترك الاحتياط فيه أيضا.

______________________________

(1) قد مرّ منّا مفصلا في البحث عما يجب فيه الزكاة ان المشهور بين أصحابنا عدم وجوب الزكاة فيما تنبت من الأرض الّا في الغلات الأربع و به قال بعض العامة أيضا و نطق بذلك كثير من اخبارنا و قال أكثر العامة بوجوبها في جميع الحبوب و به قال ابن الجنيد و يونس بن عبد الرحمن منا و يدلّ عليه أيضا اخبار كثيرة حملها المفيد و الشيخ و من تابعهما على الاستحباب و السيد المرتضى و

صاحب الحدائق على التقية فان قيل بالوجوب في جميع الحبوب فلا محالة تجب في السلت و العلس أيضا.

و اما على المشهور من عدم وجوبها في غير الغلات الأربع فهل تجب فيهما لكونهما من أصناف الحنطة و الشعير أو لا لكونهما نوعين مستقلين أو لانصراف لفظ الحنطة و الشعير عنهما و لو اتحدا معهما ماهية و حقيقة؟ في المسألة خلاف بيننا.

ففي الخلاف و المبسوط و عن العلامة في بعض كتبه و ابن ادريس و الشهيدين و المحقق الثاني و الميسى الوجوب.

و في الشرائع و المختلف عدم الوجوب بل عن كشف الالتباس و المفاتيح انه المشهور بل عن الغنية الاجماع عليه و ان لم أتحقق النسبة اذ الاجماع في الغنية على عدم الوجوب فيما عدا التسعة لا على عدم الوجوب في خصوص السلت و العلس فراجع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

و كيف كان فيظهر من كثير من كلمات اللغويين و الفقهاء ان السلت صنف من الشعير و العلس صنف من الحنطة و يظهر من بعض الكلمات كونهما نوعين مستقلين و يظهر من الجواهر و المصباح تفريع الوجوب و عدمه على ما ذكر فتجب الزكاة فيهما ان كانا منهما و لا تجب ان كانا نوعين مستقلين.

و لكن لأحد أن يقول: انه لو فرض عدم كونهما نوعين مستقلين و اتحادهما مع الحبتين الدارجتين المسمّيتين بالحنطة و الشعير بحسب الماهية و الحقيقة و لكن من المحتمل كون لفظى الحنطة و الشعير المذكورين في عداد التسعة اسمين لخصوص الصنفين الدارجين المعمولين لا للماهيتين باطلاقهما و لا أقل من انصرافهما الى خصوص هذين الصنفين فلا يشملان للصنفين المسلمين بالسلت و العلس و وضع اللفظ لخصوص الصنف من النوع او انصرافه اليه

بلا اشكال و لذا ذكر لفظ السلت في صحيحة محمد بن مسلم و موثقة زرارة في قبال الشعير منفصلا عنه فيبعد كونه من قبيل ذكر الخاص بعد العام فراجع الوسائل الباب التاسع من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

و بالجملة فصرف اثبات الاتحاد بحسب الماهية و الحقيقة لا يكفي لا ثبات الوجوب بل يتوقف مضافا الى ذلك على اثبات كون لفظي الحنطة و الشعير موضوعين للماهيّتين باطلاقهما و كونهما المراد بحسب الاستعمال أيضا من دون انصراف في البين. و على أي حال فلنذكر بعض كلمات الفقهاء و اللغويين في المقام.

ففي الخلاف (المسألة 76): «الحنطة و الشعير جنسان لا يضم أحدهما الى صاحبه ... و اما السلت فهو نوع من الشعير يقال انه بلون الحنطة و طعمه طعم الشعير بارد مثله، فاذا كان كذلك ضم اليه و حكم فيه بحكمه».

و في المبسوط: «لا زكاة في شي ء من الحبوب غير الحنطة و الشعير و السلت و هو شعير فيه مثل ما فيه».

و فيه أيضا: «و العلس نوع من الحنطة يقال اذا ديس بقى كل حبتين في كمام، ثم لا يذهب ذلك حتى يدقّ او يطرح في رحى خفيفة و لا يبقى بقاء الحنطة و بقائها في كمامها و يزعم أهلها انها اذا هرست او طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف».

و في نهاية ابن الأثير: «و فيه انه سئل عن بيع البيضاء بالسلت فكرهه. السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له و قيل هو نوع من الحنطة، و الأول أصحّ لأن البيضاء الحنطة».

و لم يظهر لي وجه التعليل الأخير لأن بيع الجنس بالجنس أقرب الى الكراهة لشبهة الربا.

و في الصحاح: «السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له

قشر كأنه الحنطة».

و فيه أيضا: «و العلس أيضا ضرب من الحنطة يكون حبتان في قشر و هو طعام أهل صنعاء».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 331

..........

______________________________

و في المقاييس: «السلت ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر و العرب تسميه العريان».

و في مجمع البحرين: «في الحديث سئل عن بيع البيضاء أعني الحنطة بالسلت فكرهه، السلت بالضم فالسكون ضرب من الشعير لا قشر فيه كأنه الحنطة تكون في الحجاز، و عن الازهري انه قال: هو كالحنطة في ملاسته و كالشعير في طبعه و برودته».

و فيه أيضا: «في الحديث ذكر السلت و العلس هو بالتحريك نوع من الحنطة يكون حبتان في قشر و هو طعام أهل صنعاء قاله الجوهري، و قال غيره: هو ضرب من الحنطة يكون في القشر منه حبتان و قد تكون واحدة و ثلاث، و قال بعضهم هو حبة سوداء تؤكل في الجدب، و قيل: هو مثل البر الّا انه عسر الاستنقاء، و قيل هو العدس قاله في المصباح».

و في القاموس: «و السلت بالضم الشعير او ضرب منه الحامض منه».

و فيه أيضا: «العلس محركة القراد و ضرب من البر يكون حبتان في قشر و هو طعام صنعاء و العدس و ضرب من النمل».

و في لسان العرب: «السلت بالضم ضرب من الشعير، و قيل هو الشعير بعينه، و قيل هو الشعير الحامض، و قال الليث: السلت شعير لا قشر له أجرد ...».

و فيه أيضا: «و العلس حب يؤكل و قيل هو ضرب من الحنطة و قال أبو حنيفة: العلس ضرب من البر جيّد غير انه عسر الاستنقاء و قيل: هو ضرب من القمح يكون في الكمام منه حبتان يكون بناحية اليمن و هو طعام أهل

صنعاء. ابن الأعرابي: العدس يقال العلس».

و في الجواهر: «عن العين: السلت شعير لا قشر عليه بالحجاز و الغور يتبردون بالسويق منه في الصيف و نحوه عن المحيط، و عن أدب الكاتب: السلت ضرب من الشعير دقيق القشر صغير الحب و نحوه عن المجمل و ديوان الأدب، و عن المغرب: شعير لا قشر له يكون بالغور و الحجاز».

فهذه كلمات يستفاد من أكثرها كون السلت صنفا من الشعير و العلس صنفا من الحنطة و هنا كلمات لعله يستفاد منها كونهما نوعين مستقلين.

ففي الجواهر: «عن ابن دريد: السلت حب يشبه الشعير او هو بعينه و العلس حبة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ. و عن المغرب: العلس بفتحتين عن الثوري و الجوهري: حبة سوداء اذا أجدب الناس طحنوها و أكلوها و قيل هو مثل البر الّا انه عسر الاستنقاء تكون في الكمامة حبتان و هو طعام أهل صنعاء. و عن المحيط: العلس شجرة كالبر الّا انه مقترن الحب حبتين حبتين.

و عن الفائق: السلت حب بين الحنطة و الشعير لا قشر له».

هذا و في المختلف: «قال الشيخ: العلس نوع من الحنطة ... و أوجب الزكاة في المجتمع من العلس و الحنطة و جعل السلت نوعا من الشعير و أوجب الزكاة فيها أيضا، و الأقرب انهما نوعان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 332

[لا تجب الزكاة في غير الأربع]

و لا تجب الزكاة في غيرها (1) و ان كان يستحب اخراجها من كل ما تنبت الأرض (2) مما يكال أو يوزن من الحبوب كالماش و الذرة و الأرزّ و الدخن و نحوها الّا الخضر و البقول.

______________________________

متغايران للحنطة و الشعير فلا زكاة فيهما».

و في الشرائع بعد ذكر السلت و العلس مما يستحب فيه الزكاة قال: «و

قيل: السلت كالشعير و العلس كالحنطة في الوجوب و الأول أشبه».

و في القواعد: «العلس حنطة حبتان منه في كمام واحد على رأي و السلت يضم الى الشعير لصورته و يحتمل الى الحنطة لاتفاقهما طبعا و عدم الانضمام».

و لا يخفى ان كلامه في السلت مباين لكلام الشيخ في الخلاف و قد أطلنا الكلام في نقل الكلمات و قد رأيت ان الأكثر على كون السلت صنفا من ماهية الشعير و العلس صنفا من ماهية الحنطة.

و لكن قد عرفت ان هذا لا يكفي في وجوب الزكاة فيهما لاحتمال كون لفظي الحنطة و الشعير الواردين في الأخبار موضوعين لخصوص الصنفين الدارجين المعروفين من تلك الماهيتين و لا أقل من انصرافهما اليهما بحسب الاستعمال كما ان لفظي السلت و العلس موضوعان للصنفين غير الدارجين و صرف الاحتمال موجب للشك في التكليف بالنسبة اليهما و الأصل يقتضي البراءة.

و لعل هذا مراد صاحب الجواهر حيث قال: «لا يخفى عليك ان المدار على الاسم الذي لا مدخلية له في الصورة و الطبيعة، و تناوله له على وجه الحقيقة المساوية للفرد الآخر في الفهم عند الاطلاق في زمن صدور الاخبار محل نظر او منع فالأصل حينئذ بحاله».

هذا و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا بالنسبة الى السلت الذي قد يعبر عنه في العرف بشعير النبي.

و في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان الاعتماد على قول اللغويين في مثل المقام لا يخلو من اشكال فانه إنما يرجع الى اللغة في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق ماهيتها و ليس الاشكال هاهنا في تفسير مفهوم السلت و العلس و لا مفهوم الحنطة و الشعير اذ لا شبهة في ان الحنطة موضوعة لجنس هذا الذي يخبز و يؤكل

و كذا الشعير فليس الاشكال هاهنا في شرح الاسم الذي بيانه وظيفة أهل اللغة بل الاشكال في ان الماهيتين المسميتين بذلك الاسمين في العرف هل هما متحدتان بالنوع مع ما يسمّى في العرف حنطة أو شعيرا أم مغايرتان لهما بالذات و ان تشابهتا في الصورة و بعض الخواص». انتهى و هو جيّد كما لا يخفى.

(1) على المشهور خلافا لابن الجنيد و يونس و قد مرّ تفصيل المسألة في مقام البحث عما تجب فيه الزكاة و مرّ ان الأحوط تزكيتها.

(2) بناء على حمل الاخبار الدالة على ثبوت الزكاة فيها على الاستحباب كما صنعه المفيد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 333

[حكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه في قدر النصاب]

و حكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه في قدر النصاب و كمية ما يخرج منه و غير ذلك (1).

[يعتبر في وجوب الزكاة في الغلّات أمران]

[الأوّل النصاب]
[دليل بلوغ النصاب]

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلّات أمران: الأول: بلوغ النصاب (2).

______________________________

و الشيخ و متابعوهما و اما السيد المرتضى و صاحب الحدائق فحملاها على التقية. فالاستحباب عندهما غير ثابت فراجع ما حررناه في مقام البحث عما تجب فيه الزكاة.

(1) بالإجماع المحقق و المحكى مستفيضا كما في المستند و ان لا يخلو من اشكال، و للإطلاق المقامي في الاخبار المحمولة على الاستحباب فان الظاهر منها كون مواردها بحسب الشرائط و ما يخرج منها مثل ما تجب فيها من الغلات الاربع، نظير ما ذكروه في باب الصلاة من ان اطلاق النوافل يحمل على كونها بحسب الاجزاء و الشرائط مثل الفرائض الّا ما ثبت بالدليل، و للأخبار المتعرضة لذلك كمرسل تحف العقول، عن الرضا «ع» في كتابه الى المأمون قال: و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و كل ما يخرج من الأرض من الحبوب اذا بلغت خمسة أوسق ففيها العشر ان كان يسقى سيحا و ان كان يسقى بالدوالي ففيها نصف العشر ... «1».

و صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ...

و موثقته قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: في الذرة شي ء؟ فقال لي: الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة.

و صحيحة محمد بن اسماعيل، عن أبي الحسن «ع» و فيها: و اما الارز فما سقت السماء العشر و ما سقي بالدلو فنصف

العشر من كل ما كلت بالصاع «2». الى غير ذلك من الاخبار فراجع.

(2) في الجواهر: «لا اشكال و لا خلاف في اعتبار بلوغ النصاب في الوجوب بل الاجماع بقسميه عليه كما ان النصوص متواترة فيه بل هو ضروري».

و لكن أبو حنيفة مخالف في ذلك ففي الخلاف (المسألة 68): «لا زكاة في شي ء من الغلات حتى تبلغ خمسة أوسق و الوسق ستون صاعا يكون ثلاثمائة صاع كل صاع أربعة أمداد يكون ألفا و مأتي مدّ. و المد رطلان و ربع بالعراقي يكون ألفين و سبعمائة رطل فان نقص من ذلك فلا زكاة فيه و به قال الشافعي الّا انه خالف في وزن المد و الصاع فجعل وزن كل مدّ رطلا و ثلثا يكون على مذهبه ألفا و ستمائة رطل بالبغدادي و به قال ابن عمر و جابر و مالك و الليث بن سعد و الاوزاعي

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 9.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6، 10 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 334

..........

______________________________

و الثوري و أبو يوسف و محمد. و قال أبو حنيفة: لا يعتبر فيه النصاب بل تجب في قليله و كثيره حتى لو حملت النخلة رطبة واحدة كان فيها عشرها، دليلنا اجماع الطائفة ... و روى أبو سعيد الخدري ان النبي «ص» قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة و روى أبو الزبير عن جابر ان النبي «ص» قال: لا زكاة في شي ء من الحرث حتى يبلغ خمسة أوسق فاذا بلغ خمسة أوسق ففيه الصدقة و الوسق ستون صاعا».

و كيف كان فالظاهر ان على أصل اعتبار

النصاب في الغلات و كذا كونه خمسة أوسق اجماع المسلمين غير أبي حنيفة حتى ان تلميذيه أبي يوسف و محمد بن الحسن أيضا خالفاه، و الاخبار على المسألتين واردة من طرق الفريقين بل لعلها متواترة كما في الجواهر.

نعم اخبارنا على أربع طوائف: فكثير منها تدل على خمسة أوسق و لعلها متواترة، و خبران على وسق، و خبران على وسقين، و خبر على عدم اعتبار النصاب اصلا.

اما الأولى فمنها صحيحة سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن «ع» عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب فقال: خمسة أوساق بوسق النبي «ص» فقلت: كم الوسق؟ قال: ستون صاعا، قلت: و هل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه اذا صيّره زبيبا؟

قال: نعم اذا خرصه أخرج زكاته «1».

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن التمر و الزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: خمسة أوسق و يترك معا فارة و أم جعرور لا يزكيان و ان كثرا ... «2».

و منها صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء، و ليس فيما انبتت الأرض شي ء الّا في هذه الأربعة أشياء «3».

و منها موثقة زرارة و بكير، عن أبي جعفر «ع» قال: و اما ما انبتت الأرض من شي ء من

الأشياء فليس فيه زكاة الّا في أربعة أشياء: البر و الشعير و التمر و الزبيب و ليس في شي ء من هذه الأربعة الأشياء شي ء حتى تبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا و هو ثلاثمائة صاع بصاع النبي «ص» فان كان من كل صنف خمسة أوساق غير شي ء و ان قلّ فليس فيه شي ء و ان نقص

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

البر و الشعير و التمر و الزبيب او نقص من خمسة أوساق صاع او بعض صاع فليس فيه شي ء ... «1». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

و اما ما دلّ على الوسق فمنها موثقة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر؟ قال: في ستين صاعا «2».

و منها مرسلة ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟ فقال: في وسق «3».

و اما ما دلّ على الوسقين فروايتان عن أبي بصير لعلهما ترجعان الى واحدة، ففي الأولى قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: لا تجب الصدقة الّا في وسقتين، و الوسق ستون صاعا و في الثانية عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ و سقين، و الوسق ستون صاعا «4».

و اما ما دلّ على عدم اعتبار النصاب فموثقة اسحاق بن عمار، عن أبي ابراهيم «ع»

قال: سألته عن الحنطة و التمر عن زكاتهما، فقال: العشر و نصف العشر، العشر مما سقت السماء و نصف العشر مما سقي بالسواني، فقلت: ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عمّا خرج منه قليلا كان أو كثيرا له حدّ يزكّى ما خرج منه؟ فقال: زك ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشرة واحدا و من كل عشرة نصف واحد قلت: فالحنطة و التمر سواء؟ قال: نعم «5».

و الشيخ على عادته من الاصرار على جمع الاخبار المتنافية حمل خبر اسحاق بن عمار على ما زاد على الخمسة أوساق و اخبار الوسق و الوسقين على الاستحباب و مراتب الفضل و قال: المراد بالوجوب فيها تأكيد الندب.

و في الحدائق: «الأظهر الحمل على التقية و ان لم يكن بذلك مصرّح من العامة مع ان أبا حنيفة لا يعتبر النصاب بل يوجب الزكاة في كل ما خرج قليلا كان او كثيرا».

و على أي حال فأصحابنا متفقون على اعتبار النصاب و انه خمسة أوسق كما انهما المشهوران أيضا عن غير أبي حنيفة، فالأخذ بذلك متعين و اللّه العالم.

[مقدار النصاب]

تنبيه: لا اشكال و لا خلاف بين الفريقين بل الاجماع بقسميه على ان الوسق ستون صاعا فالنصاب ثلاثمائة صاع، كما لا خلاف في ان الصاع أربعة أمداد. نعم في مقدار المدّ خلاف

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 8.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 10.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 4.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1 و 3.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

بيننا و بين أهل السنة فلنذكر بعض كلمات الأصحاب.

ففي الشرائع: «و الوسق ستون صاعا و الصاع تسعة ارطال بالعراقي و ستة بالمدني و هو اربعة امداد و المد رطلان و ربع فيكون النصاب ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي».

و في الخلاف (المسألة 69): «الصاع اربعة امداد و المد رطلان و ربع بالعراقي، و قال أبو حنيفة: المد رطلان، و قال الشافعي رطل و ثلث، دليلنا اجماع الفرقة».

و في المعتبر: «و الصاع اربعة امداد باتفاق العلماء الّا في رواية شاذّة لنا. و اختلف الفقهاء في المد، و المرويّ عن أهل البيت «ع» انه رطلان و ربع فيكون الصاع تسعة ارطال بالعراقي، و قال ابن أبي نصر منا: رطل و ربع بالعراقي، و قال الشافعي و أحمد: رطل و ثلث فيكون الصاع خمسة أرطال و ثلث، و قال أبو حنيفة: المد رطلان فيكون الصاع ثمانية أرطال».

و مراده بالرواية الشاذة روايتا سليمان بن حفص و سماعة الآتيتان الدالتان على ان الصاع خمسة امداد و لم يفت بهما أحد.

و لعل مستند ابن أبي نصر في مقدار المد رواية سماعة اذ فيها ان المد رطل و ثلاث أواق و معلوم ان الرطل اثنتا عشرة أوقية. هذا.

و في المنتهى: «و الوسق ستون صاعا بصاع النبي «ص» و يكون مقدار النصاب ثلاثمائة صاع، و الصاع أربعة امداد. و هذان الحكمان مجمع عليهما ...».

و في الغنية: «و الوسق ستون صاعا و الصاع عندنا أربعة أمداد بالعراقي، و المد رطلان و ربع بالعراقي بدليل الاجماع المشار اليه».

و في مختصر الخرقي من فقه الحنابلة: «و الوسق ستون صاعا و الصاع خمسة أرطال و ثلث بالعراقي».

و كيف كان فيدل على كون الصاع

أربعة أمداد مضافا الى الاجماع و عدم الخلاف فيه قول الصادق- عليه السلام- في صحيحتي الحلبي و عبد اللّه بن سنان في باب الفطرة: «و الصاع أربعة أمداد» «1».

و كذا قول الرضا «ع» في خبر الفضل بن شاذان: «صاع و هو أربعة امداد» «2».

و ما رواه في تحف العقول عنه «ع» في كتابه الى المأمون: «و الوسق ستون صاعا و الصاع تسعة أرطال و هو أربعة امداد و المد رطلان و ربع بالرطل العراقي». قال و قال الصادق «ع»: هو تسعة

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 12.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 18.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

ارطال بالعراقي و ستة بالمدني «1».

و كذلك صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: كان رسول اللّه يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع و المد رطل و نصف و الصاع ستة ارطال». قال الشيخ يعني ارطال المدينة و يكون تسعة ارطال بالعراقي «2». اذ يستفاد منها أيضا ان الصاع أربعة امداد. نعم يستفاد من خبر سليمان و سماعة انه خمسة امداد و سيأتي البحث عنهما.

و اما مقدار الصاع و كذا المدّ بحسب الأرطال فيدل عليه مضافا الى ما مرّ اخبار:

منها خبر جعفر بن ابراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت الى أبي الحسن «ع» على يدي أبي:

جعلت فداك ان أصحابنا اختلفوا في الصاع: بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني و بعضهم يقول: بصاع العراقي، قال: فكتب إليّ: الصاع بستة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي.

قال: و أخبرني انه يكون بالوزن ألفا و مأئة و سبعين وزنة (سبعين درهما- عيون الاخبار-) «3».

و المراد بأبي الحسن أبو الحسن الثالث الهادي- عليه

السلام- و ابراهيم بن محمد من وكلائه «ع» و جعفر ابنه أيضا ممدوح و حيث ثبت بالاخبار السابقة نسبة الصاع و المدّ يستفاد من هذا الخبر و كذا ما بعده نسبة المد و الأرطال أيضا كما لا يخفى.

و منها خبر ابراهيم بن محمد الهمداني أيضا ان أبا الحسن صاحب العسكر كتب اليه (في حديث): الفطرة عليك و على الناس كلهم ... تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة و الرطل مأئة و خمسة و تسعون درهما يكون الفطرة ألفا و مأئة و سبعين درهما «4».

و منها خبر علي بن بلال قال: كتبت الى الرجل «ع» أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟ قال:

فكتب- عليه السلام-: ستة أرطال من تمر بالمدني و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي «5».

فتحصل من جميع هذه الاخبار ان الصاع بحسب المد أربعة أمداد و بحسب الأرطال ستة بالمدني و تسعة بالعراقي و بحسب الدرهم ألف و مأئة و سبعون درهما فيكون المدّ مأتين و اثنين و تسعين درهما و نصفا و الرطل المدني مأئة و خمسة و تسعون درهما و العراقي مأئة و ثلاثون درهما و على جميع ذلك استقرت فتاوى الأصحاب.

نعم هنا خلافان يجب ان ينبه عليهما: الأول: روايتا سليمان و سماعة حيث يستفاد منهما ان الصاع خمسة أمداد فروى سليمان بن حفص المروزي قال: قال أبو الحسن، موسى بن

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 9 و 10.

(2)- الوسائل ج 1 الباب 5 من أبواب الوضوء، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(4)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

(5)- الوسائل ج 6 الباب 7 من أبواب

زكاة الفطرة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 338

..........

______________________________

جعفر «ع»: الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمد من ماء، و صاع النبي «ص» خمسة امداد، و المدّ وزن مأتين و ثمانين درهما و الدرهم وزن ستة دوانيق، و الدانق وزن ستة حبّات، و الحبّة وزن حبتي الشعير من أوسط الحب لا من صغاره و لا من كباره «1».

و الخبر مرسل و هو من مشكلات الاخبار لاشتماله على مخالفات لما أفتى به الأصحاب و وردت به الاخبار منها تقدير الصاع بخمسة أمداد و منها تقدير المد بمائتين و ثمانين درهما اذ لازمه كون الصاع ألفا و أربعمائة درهم و قد مرّ انه ألف و مأئة و سبعون درهما و منها تقدير الدانق باثنتي عشرة شعيرة و قد مرّ في تقدير الدرهم ان الدانق ثمان شعيرات.

هذا و روى سماعة قال: سألته عن الذي يجزي من الماء للغسل فقال: اغتسل رسول اللّه «ص» بصاع و توضأ بمدّ و كان الصاع على عهده خمسة أمداد و كان المد قدر رطل و ثلث أواق «2».

فمقتضى الخبرين كون الصاع خمسة أمداد و قد تسالم الاخبار و فتاوى الفريقين في جميع الأعصار على كونه أربعة أمداد.

و أجيب عن الخبرين بوجوه: الأول: انه من المحتمل مغايرة الصاع الذي كان على عهد النبي «ص» للصاع المتعارف في عصر الأئمة- عليهم السلام.

و فيه أولا ان المتدبر في الاخبار الواردة في تحديد الصاع بأربعة أمداد لا يكاد يرتاب في ان المراد بالصاع فيها هو صاع النبي الذي جرت عليه الأحكام و منها الفطرة كما وقع التعبير بذلك في بعض اخبار الفطرة فراجع. و ثانيا قد صرحت صحيحة زرارة التي مرّت بأن رسول اللّه «ص» كان

يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع و المدّ رطل و نصف و الصاع ستة أرطال. و مقتضاها كون الصاع أربعة أمداد.

الثاني: ما في الاستبصار فانه بعد ما حكم بكون قوله: «خمسة أمداد» و هما من الراوي قال:

«و يجوز ان يكون ذلك اخبارا عما كان يفعله النبي «ص» اذا شارك في الاغتسال بعض ازواجه»، ثم استشهد لذلك بما دلّت من الاخبار على أنه «ص» كان يغتسل مع بعض ازواجه بخمسة أمداد من الماء.

الثالث: ما في البحار و حاصله: «انه يظهر من الصدوق في الفقيه انه حمل خبر المروزي على صاع الغسل و خبر الهمداني على صاع الفطرة حيث ذكر الاول في باب الغسل و الثاني في باب الفطرة و قد صرح بذلك في معاني الاخبار حيث قال: باب معنى الصاع و المدّ و الفرق بين صاع

______________________________

(1)- الوسائل ج 1 الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 1 الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 339

..........

______________________________

الماء و مدّه و بين صاع الطعام و مدّه. بل نقول الاعتبار و النظر يقتضي الاختلاف اذ معلوم ان الرطل و المدّ و الصاع كانت في الأصل مكائيل معينة فقدّرت بوزن الدراهم و شبهها صونا عن التغيير و معلوم ان الاجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة الى كيل معين فلا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة و الشعير فلذا كان الصاع و المد و الرطل المعتبر في الوضوء و الغسل أثقل مما ورد في الفطرة و النصاب لكون الماء أثقل من تلك الحبوب مع تساوي الحجم فظهر ان هذا أوجه الوجوه في الجمع بين الاخبار».

و قد تعرض لهذا الجمع في الحدائق أيضا

و جعله الأظهر في الجواب.

أقول: أولا لم يظهر لي مما حققه في البحار محصل اذ لو كان الاختلاف في الصاعين فقط أمكن ان يقال ان مكيالا واحدا لو فرض اشتماله على أربعة أمداد من الشعير مثلا فهو بعينه يشتمل على خمسة أمداد من الماء لثقل الماء و في الحقيقة يكون الصاع مكيالا واحدا و لكنه يختلف بحسب أمداد ما يكال به و لكن يظهر من عبارة المعاني ان الاختلاف في البابين يكون بين الصاع و كذا بين المدّ و حينئذ فكيف نصلح أمر الأربعة أمداد و الخمسة أمداد.

و ثانيا انه يظهر من صحيحة زرارة السابقة ان صاع الماء أيضا في عهد النبي «ص» كان أربعة أمداد لا خمسة أمداد فلا يصح القول باختلاف صاع الماء و صاع الفطرة.

هذا مضافا الى كثرة الاشكالات كما مرّ في مرسلة المروزي فحلّ احديها لا يكفي في رفع الاشكال منها فالأولى كما في مصباح الفقيه ردّ علم الخبرين المزبورين الى أهله مع مخالفتهما لسائر الاخبار و فتاوى الأصحاب بل فتاوى جميع المسلمين حيث عرفت الاجماع على كون الصاع أربعة أمداد و ان اختلفوا في مقدار المدّ بحسب الارطال.

و اما الخلاف الثاني: فهو ان المستفاد من خبر الهمداني و كذا خبر ابنه، جعفر كما عرفت كون الرطل البغدادي مأئة و ثلاثين درهما.

و لكن في الحدائق انه: «ذكر العلامة في التحرير و موضع من المنتهى ان وزنه مأئة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم». ثم قال: «و الظاهر انه سهو من قلمه و انه تبع فيه بعض العامة».

أقول: في المغني لابن قدامة «و الرطل العراقي مأئة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم».

و في حاشية الحدائق: «في

المجموع، شرح المهذب بعد تقديره بذلك قال: و قيل: مأئة و ثلاثون درهما و به قطع الغزالي و الرافعي». فيظهر منه كون المسألة مختلفا فيها بين العامة.

و في مجمع البحرين عن المصباح: «و الرطل تسعون مثقالا و هي مأئة و ثمانية و عشرون درهما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

و أربعة أسباع درهم».

قال في مصباح الفقيه بعد نقل هذا: «لا يجوز ردّ شهادة جلّ الفقهاء لأجل تصريح بعض اللغويين بذلك خصوصا فيما لا اختصاص للّغوي بمعرفته مع امكان صيرورته في زمان ذلك اللغوي الذي فسره بذلك كذلك».

أقول: و ما ذكره جيد لأن شأن اللغوي بيان مفاهيم الألفاظ لا تقدير الأوزان و المقادير.

و كيف كان فالحق المجمع عليه بيننا الّا من شذّ كون النصاب ثلاثمائة صاع و الصاع تسعة أرطال بالعراقي و الرطل وزن مأئة و ثلاثين درهما فالنصاب كله/ 351000 درهم.

[الوسق و الصاع و المدّ مكائيل]

تتمة: يمكن ان يقال: ان الوسق و الصاع و المدّ كلها مكائيل لا أوزان كما يدل على ذلك كلمات أهل اللغة.

ففي الصحاح: «و الوسق بالكسر ستون صاعا و قال الخليل: الوسق هو حمل البعير».

و في النهاية: «و الوسق بالفتح ستون صاعا ... و الأصل في الوسق الحمل و كل شي ء و سقته فقد حملته».

و في الصحاح: «و الصاع الذي يكال به و هو أربعة أمداد ... و الصواع لغة في الصاع».

و في النهاية: «قد تكرر ذكر الصاع في الحديث و هو مكيال يسع أربعة أمداد».

و في الصحاح: «و المدّ مكيال و هو رطل و ثلث عند أهل الحجاز و رطلان عند أهل العراق».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب

الزكاة (للمنتظري)؛ ج 1، ص: 340

و في النهاية: «المدّ في الأصل ربع الصاع ... و قيل: ان أصل المدّ مقدر بأن يمدّ الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما».

و بالجملة الأمور المذكورة كلها مكائيل و اعتبار الأشياء في الأعصار السابقة و لا سيما في القرى كان بالمكاييل بالأصالة لا بعنوان الامارية للأوزان و إنما تعارفت الأوزان بعد رقاء البشر في التمدن فالاعتبار في باب النصاب بل و في الفطرة و الكفارات و غيرها بالكيل لا بالوزن.

فان قلت: مقتضى ذلك ان يكون نصاب الشعير مثلا مغايرا لنصاب الحنطة بحسب الوزن اذ الشعير أخف من الحنطة.

قلت: لا نضايق من ذلك بعد كون الملاك الكيل لا الوزن.

فان قلت: الكيل غير مضبوط بالدقة.

قلت: لا يضر ذلك بعد كونه مضبوطا عرفا و معتبرا عندهم في معاملاتهم.

و الحاصل ان مقتضى التدبر في الروايات و كلمات أهل اللغة كون النصاب معتبرا بالكيل لا بالوزن، و حيث ان المكاييل المعتبرة للشارع غير معلومة عندنا فالأصل بالنسبة الى ما شك في بلوغه هذا الحد هو البراءة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

قال في التذكرة: «النصاب يعتبر بالكيل لأن الأوساق مكيلة و إنما نقلت الى الوزن لتضبط و تحفظ».

فظاهر كلامه يؤيد ما ذكرناه و لم يعلم منه زمان النقل الى الوزن و لا الناقل.

و لعله أخذ ما ذكر مما ذكره ابن قدامة في المغني ففيه: «فصل و النصاب معتبر بالكيل فان الأوساق مكيلة و إنما نقلت الى الوزن لتضبط و تحفظ ... و قال بعض أهل العلم: أجمع أهل الحرمين على ان مدّ النبي «ص» رطل و ثلث قمحا من أوسط القمح فمتى بلغ القمح ألفا و ستمائة رطل ففيه الزكاة و هذا يدل على انهم قدروا الصاع

بالثقيل فاما الخفيف فتجب الزكاة فيه اذا قارب هذا و ان لم يبلغه و متى شك في وجوب الزكاة فيه و لم يوجد مكيال يقدّر به فالاحتياط الاخراج و ان لم يخرج فلا حرج لأن الأصل عدم وجوب الزكاة فلا تجب بالشك».

هذا و لكن ما ذكر من عدم تعارف الوزن في تلك الأعصار يخالف نص القرآن حيث يقول:

«الَّذِينَ إِذَا اكْتٰالُوا عَلَى النّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ» «1»، و في آيات الحكمة في سورة الاسراء: «وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذٰا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ الْمُسْتَقِيمِ» «2»، و في سورة الميزان «وَ لٰا تُخْسِرُوا الْمِيزٰانَ» «3»، و في سورة الأعراف عن قول شعيب: «فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزٰانَ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ» «4». الى غير ذلك من الآيات الكريمة المستفاد منها تعارف الميزان في تلك الأعصار البعيدة أيضا.

و الظاهر ان الكيل كان في الأصل امارة على الوزن و كان الوزن هو الأصل في الاعتبار. و قد عرفت في روايتي الهمداني و جعفر ابنه ارجاع الصاع بالاخرة الى الدرهم و الدرهم كان وزنا عندهم و أفتى فقهاؤنا في جميع الأعصار أيضا على وفق ذلك فيعرف بذلك ان الأصل كان هو الوزن و إنما اعتبرت المكاييل امارات عليه تسهيلا للأمر على الفئات التي لا يوجد في دورهم الموازين، نظير الأشبار في باب الكر فان الظاهر ان الاعتبار فيه أيضا بالوزن أعني ألفا و مأتي رطل، و حيث ان وزن الماء غير ميسّر للجميع جعل الشارع الأشبار امارة عليه، و لا يشترط في الامارة عدم الزيادة و إنما يعتبر فيها دوام المطابقة بأن يوجد ذو الامارة قطعا عند وجودها. و حينئذ فلو علم بالوزن من طريق آخر لم

نحتج الى الامارة و لا يضر تخلفها قهرا.

و على هذا بنى العلامة المسألة في منتهاه حيث قال: «النصب تعتبر في الكيل بالأصواع و اعتبر

______________________________

(1)- سورة المطففين، الآية 2.

(2)- سورة الاسراء، الآية 35.

(3)- سورة الميزان (الرحمن)، الآية 9.

(4)- سورة الأعراف، الآية 85.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 342

[النصاب بالاوزان المختلفة]

و هو بالمنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا- مأئة و أربعة و أربعون منّا الّا خمسة و أربعين مثقالا (1) و بالمن التبريزي- الذي هو ألف مثقال- مأئة و أربعة و ثمانون منّا و ربع منّ و خمسة و عشرون مثقالا، و بحقة النجف في زماننا (سنة 1326)- و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفيا و ثلث مثقال- ثمان وزنات (2) و خمس حقق و نصف الّا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال. و بعيار الاسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة و عشر حقق و خمسة و ثلاثون مثقالا.

______________________________

الوزن للضبط و الحفظ فلو بلغ النصاب بالكيل و الوزن معا وجبت الزكاة قطعا و لو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك و لو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير فانه أخف من الحنطة مثلا لم تجب الزكاة على الأقوى و قال بعض الجمهور تجب و ليس بالوجه».

فان قلت: لو كان الوزن هو الأصل في النصاب فكيف يجعل الصيعان امارة على وزن واحد في كل من الحنطة و الشعير مع اختلاف الصيعان فيهما وزنا و كذا الاشكال في التمر و الزبيب.

قلت: لا بأس بذلك مع كون الاختلاف يسيرا متسامحا فيه و كون الشارع بصدد تسهيل الأمر على المكلفين و الامارة حجة معتبرة ما لم يحرز تخلفها فتدبر.

(1) قد

عرفت ان النصاب خمسة أوسق، و الوسق ستون صاعا، و الصاع تسعة أرطال بالعراقي، و الرطل العراقي مأئة و ثلاثون درهما فالنصاب ألفان و سبعمائة رطل بالعراقي فيكون ثلاثمائة و واحدا و خمسين ألف درهم (351000).

و حيث ان كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية كما عرفت في أوائل زكاة النقدين فيقسم هذا العدد على عشرة ثم تضرب النتيجة في سبعة فيصير النصاب مأتين و خمسا و اربعين ألفا و سبعمائة مثقال شرعي (245700).

و حيث ان المثقال الشرعي ثلاثة ارباع الصيرفي فيضرب هذا العدد في ثلاث ثم يقسم الحاصل على اربع فيصير النصاب مأئة و اربعا و ثمانين ألفا و مأتين و خمسا و سبعين مثقالا صيرفيا (184275) فيقسم هذا العدد على عدد المثاقيل الصيرفية من الأوزان التي ذكرها المصنف يحصل المقصود.

و في المستمسك انا حسبناه مقسما على ما ذكره المصنف فكان الحساب كما ذكر في المتن و حيث ان المثقال الصيرفي يساوي اربع غرامات و ستة اعشار الغرام (6/ 4) كما قيل فالنصاب يساوي ثمانمائة و سبعا و اربعين كيلوغرام و ستمائة و اثنين و ستين غراما (662/ 847) فتدبر.

(2) في المستمسك: الوزنة أربعة و عشرون حقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 343

و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيرا (1) كما انها تجب في الزائد عليه يسيرا كان او كثيرا (2).

[الثاني: التملك بالزراعة]
[التملك بغير الزراعة]

الثاني: التملك بالزراعة (3) فيما يزرع.

______________________________

(1) لما في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» من قوله: «و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء».

و في موثقة زرارة و بكير عنه «ع»: «فان كان من كل صنف خمسة أوساق غير شي ء و ان قلّ فليس فيه شي ء و ان نقص البر و الشعير

و التمر و الزبيب او نقص من خمسة أوساق صاع او بعض صاع فليس فيه شي ء» «1».

هذا و في المنتهى: «هذا التقدير تحقيق لا تقريب و لو نقص النصاب عن خمسة أوسق و لو قليلا سقطت الزكاة خلافا لبعض الشافعية ... احتج المخالف بأن الوسق في اللغة الحمل و هو يزيد و ينقص».

و يرد عليه ان الوسق و ان كان كذلك و لكن الحكم لم يعلق على مطلقه بل على ما كان منه ستين صاعا كما نطق به اخبار الفريقين و حدّد الصاع بالارطال، و الأرطال بالدراهم كما مرّ.

فموضوع الحكم مبني على التحقيق لا التقريب، نعم لا عبرة بما جرت العادة به من ممازجة النصاب بغيره كالتراب اليسير و التبن اليسير لا من جهة أخذ الموضوعات من العرف المسامحي بل من جهة انصراف الاطلاقات الى الأفراد المتعارفة، نظير انصراف الدرهم و الدينار الى الأفراد المتعارفة التي لا تخلو من الغيار خارجا. و قد مرّ تحقيق هذه المسألة في باب النقدين فراجع.

(2) في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه».

و في المنتهى: «بلا خلاف بين العلماء في ذلك».

و يدل عليه اطلاق بعض الاخبار كقوله في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»: «ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، الحديث». لوضوح ان الخمسة أوساق أخذت لا بشرط من الزيادة فبحصولها و لو في ضمن الأكثر يجب العشر او نصف العشر في الغلة الموجودة.

و بالجملة فليس في الغلات الّا نصاب واحد و لا عفو فيما بعده فتدبر.

(3) قال في الشرائع: «و لا تجب الزكاة في الغلات الّا اذا ملكت بالزراعة لا بغيرها من

الأسباب كالابتياع و الهبة».

و لا يخفى انه ليس المراد اشتراط كون المالك زارعا بنفسه بل المراد تكونها في ملكه بأن يكون

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5 و 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 344

..........

______________________________

حاصل زرعه او ثمرة أشجاره او الحصة المقررة له بازاء عمله كما في عامل المزارعة و المساقاة في قبال من يشتريها من السوق مثلا.

قال في المدارك بعد كلام الشرائع: «لا يخفى ما في عنوان هذا الشرط من القصور و ايهام خلاف المقصود اذ مقتضاه عدم وجوب الزكاة فيما يملك بالابتياع و الهبة مطلقا و هو غير مراد قطعا لأنه مخالف لإجماع المسلمين كما اعترف به المصنف و غيره و لما سيجي ء من كلام المصنف من التصريح بوجوب الزكاة في جميع ما ينتقل الى الملك قبل تعلق الوجوب به».

هذا و في المعتبر: «لا تجب الزكاة في الغلات الّا اذا نمت في الملك لا ما يبتاع ثمرا و لا ما يستوهب، و عليه اتفاق العلماء».

و في المنتهى: «لا تجب الزكاة في الغلات الأربع الّا اذا نمت على ملكه فلو ابتاع غلة او استوهب أو ورث مالا بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة، و هو قول العلماء كافة».

و عن النافع و إيضاحه و التحرير و التذكرة أيضا التعبير بنمو الغلة و الثمرة في ملكه.

قال في المدارك بعد الكلام السابق: «و جعل المصنف في النافع و المعتبر و العلامة في جملة من كتبه موضع هذا الشرط نموّ الغلة و الثمرة في الملك و هو غير جيد أيضا، اما على ما ذهب اليه المصنف من عدم وجوب الزكاة في الغلات الّا بعد تسميتها حنطة او شعيرا او تمرا او زبيبا

فظاهر لأن تملكها قبل ذلك كاف في تعلق الزكاة بالتملك كما سيصرح به المصنف و ان لم ينم في ملكه، و اما على القول بتعلق الوجوب بها ببدوّ الصلاح فلان الثمرة اذا انتقلت بعد ذلك تكون زكاتها على الناقل قطعا و ان نمت في ملك المنتقل اليه، و كان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة وقت بلوغها الحد الذي يتعلق به الزكاة كما اقتضاه صريح كلام الفريقين».

و في المستمسك بعد نقل كلام المدارك قال: «و ما ذكره في محله». ثم قال ما حاصله: «ان الأولى الغاء هذا الشرط بالمرة اذ لو أريد اشتراطه في أصل التعلق يغني عنه ما تقدم من اعتبار الملك في عداد الشرائط العامة، و ان أريد بيان اعتبار كون الملك حال التعلق فلا خصوصية له من بين الشرائط العامة اذ يعتبر في جميعها ذلك».

أقول: يظهر من ذكرهم شرطا في خصوص باب الغلات و التعبير عنه بالملك بالزراعة او النمو في الملك انه يعتبر فيها شرط زائد و راء الشرط العام المعتبر في الغلات و غيرها من الملكية وقت التعلق و هو بالاجمال عبارة عن مالكيته لها ثابتة على أصولها فلو اشترى من السوق عنبا أو بسرا و جففهما فصارا خمسة أوسق زبيبا او تمرا فلا يظن بأحد الالتزام بوجوب الزكاة عليه و لا سيما اذا اشتراهما ممن لا يتعلق به الزكاة كالصغير و كأشخاص لم يبلغ نصيب كل منهم النصاب مع ان مقتضى كلام المستمسك تعلق الزكاة به لحصول الملكية قبل وقت التعلق و لا سيما على نظر المحقق من اعتبار صدق التمرية و الزبيبية في التعلق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 345

..........

______________________________

و منشأ اعتبار هذا الشرط مضافا الى الاجماع ظهور ما

دلّ على وجوب الزكاة في الغلات في ايجابها على من ملكها ثابتة على أصولها و يرشد الى ذلك التفصيل في الاخبار و الفتاوى بين السقي سيحا و السقي بالدوالي اذ يفهم منها كون الخطاب و الحكم متوجها الى ملّاك الأشجار و الزراعات. فكأن الناس على ثلاثة أقسام: الزراع بالمعنى الأعم الشامل لمربي الأشجار، و أرباب المواشي، و التجار فوجب على الصنف الأول زكاة الغلات، و على الثاني زكاة الأنعام، و على الثالث زكاة النقدين و مال التجارة.

و بالجملة فاعتبار شرط زائد في خصوص الغلات أمر مفروغ عنه و يتردد بين أمور:

الأول: ان يكون مالكا للغلة و الثمرة من بدو تكوّنها الى آخر مراحلها بأن يكون مالكا للبذر او الشجر فتتكون و تتطوّر الغلة او الثمرة و تسير مراحلها في ملكه الى وقت التعلق، فكما ان الملكية طول الحول تعتبر في الأنعام و النقدين فكذلك هنا تعتبر الملكية في جميع مراحل الوجود الى وقت الاشتداد.

الثاني: ان يكون مالكا للغلة او الثمرة كائنة على أصولها بمقدار يحصل لهما النماء في ملكه قبل وقت التعلق و ان لم تكونا من أول التكون ملكا له فيكفي شراؤهما على أصولهما و نموّهما اجمالا في ملكه قبل التعلق.

الثالث: ان يملكهما على أصولهما بمقدار تتغذيان من الأصول و ان لم يكن نموّ كما بين الرطبية و التمرية.

الرابع: ان يملكهما على أصولهما قبل التعلق و ان لم يحصل نماء و لا تغذي.

هذا و لعل المستفاد من التفصيل في الاخبار و الفتاوى بين ما سقي سيحا و ما سقي بالدوالي و الدلاء و ايجاب العشر في الأول و نصف العشر في الثاني هو الاحتمال الأول أعني كونها بجميع مراحلها او عمدة مراحلها في ملكه،

اذ المستفاد من التفصيل المذكور كونه بلحاظ الارفاق بالنسبة الى المتصدي لزرعها و سقيها و مشتري الثمرة او الغلة بعد حصول عمدة نمائها في ملك البائع لا يتفاوت بحاله كونها مسقية بالسيح او بالدلاء بل لعلها لا تحتاج بعد الشراء الى السقي اصلا.

فلو لم يثبت الاجماع على وجوب الزكاة على المشتري قبل التعلق كما قد يدعى كان لازم هذا الوجه عدم وجوب الزكاة في صورة البيع قبل التعلق لا على البائع و لا على المشتري، نظير بيع الأنعام في الشهر الحادي عشر من حولها مثلا. بل لو أغمضنا عن دلالة هذا التفصيل على هذا الوجه أمكن أن يقال ان صرف الاحتمال و الشك كاف في الشك في التكليف. و اجراء البراءة ان لم يكن لنا في باب الزكاة اطلاق يرجع اليه عند الشك.

هذا و سنعود الى المسألة في الحاشية التالية فانتظر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 346

او انتقال الزرع الى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة و كذا في الثمرة كون الشجر ملكا له الى وقت التعلق، او انتقالها الى ملكه منفردة او مع الشجر قبل وقته (1).

[في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف]

[قول المشهور]

[مسألة 1]: في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف فالمشهور على أنه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما و في ثمر النخل حين اصفراره او احمراره و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما. و ذهب جماعة الى ان المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة و الشعير و التمر و صدق اسم العنب في الزبيب و هذا القول لا يخلو عن قوة و ان كان القول الأول أحوط (2).

______________________________

(1) في الشرائع: «اذا ملك نخلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة على المشتري و كذا اذا اشترى ثمرة على الوجه

الذي يصح».

و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص جميعها متناولة له».

أقول: كون المسألة اجماعية محل تأمل لتوقفه على كونها معنونة في كلمات القدماء من الأصحاب كما ان تناول النصوص أيضا لمن اشترى الغلات على أصولها محل اشكال لما عرفت آنفا من ان التفصيل بين السقي سيحا و السقي بالدلاء لعله يستفاد منه ان المخاطب بهذه الزكاة الزرّاع و مالكو الأشجار المتصدون لزرعها و سقيها فان المشتري للغلة او الثمرة قبل وقت التعلق لا يتفاوت بحاله كيفية سقيها بل لعلها لا تحتاج الى السقي بعد الشراء أصلا فحال المشتري هنا حال من اشترى الأنعام في الشهر الحادي عشر مثلا حيث لا زكاة فيه لا على البائع و لا على المشتري، فالعمدة في المسألة الاجماع لو ثبت فتتبع.

(2) في المسألة قولان نسب أحدهما الى المشهور منا و الجمهور، و الثاني الى ابن الجنيد و المحقق.

ففي مفتاح الكرامة بالنسبة الى القول الأول: «هذا هو المشهور كما في المختلف و الايضاح و جامع المقاصد و تعليق النافع و فوائد الشرائع و الروضة و المسالك و إيضاح النافع و المصابيح و الحدائق و الرياض، و مذهب الأكثر كما في التنقيح و مجمع البرهان و المدارك، و الأشهر كما في الميسية، و أكثر الجمهور كما في المنتهى بل في التنقيح لم نعلم قائلا بمذهب المحقق قبله».

و فيه بالنسبة الى القول الثاني: «و قد يفوح ذلك أعني مذهب المحقق من المقنع و الهداية و كتاب الاشراف و المقنعة و الغنية و الاشارة و غيرها لمكان حصرهم الزكاة في التسعة التي منها التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير فيكون المعتبر عندهم صدق تلك الأسامي».

و في المبسوط:

«و وقت وجوب الزكاة في الغلات اذا كانت حبوبا اذا اشتدت و في الثمار اذا

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 347

..........

______________________________

بدا صلاحها».

و في المعتبر: «و تتعلق الزكاة بهذا اذا صار الزرع حنطة و شعيرا و بالثمر اذا صار تمرا و زبيبا و قال الشيخ في المبسوط في الحبوب اذا اشتد و في الثمار اذا بدا صلاحها و به قال الجمهور».

و في الشرائع: «و الحد الذي يتعلق به الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا او تمرا او زبيبا، و قيل: بل اذا احمرّ ثمرة النخل او اصفرّ او انعقد الحصرم و الأول أشبه».

و في النافع: «و يتعلق به الزكاة عند التسمية حنطة أو شعيرا او زبيبا او تمرا و قيل اذا احمرّ ثمر النخل او اصفرّ او انعقد الحصرم».

و في المنتهى: «قال الشيخ: و يتعلق الوجوب بالحبوب اذا اشتدت و بالثمار اذا بدا صلاحها و هو قول أكثر الجمهور و قال بعض أصحابنا: إنما يتعلق الوجوب بها اذا صار الزرع حنطة او شعيرا و الثمار تمرا او زبيبا و كان والدي- رحمه اللّه- يذهب الى هذا، و الوجه عندي الأول».

و في المختلف: «المشهور ان الزكاة تجب في الغلات اذا كانت ثمرة عند اصفرارها و احمرارها و ان كانت غلّة فعند اشتداد حبّها و لا يجب الاخراج الّا عند الحصاد و الجذاذ اجماعا و قال بعض علمائنا: إنما تجب الزكاة عند ما يسمى تمرا و زبيبا و حنطة و شعيرا و هو بلوغها حدّ اليبس و اختاره ابن الجنيد».

و في القواعد: «الثاني بدوّ الصلاح و هو اشتداد الحب و احمرار الثمرة او اصفرارها و انعقاد الحصرم على رأي». هذا.

و قال الشافعي في الأم: «و

الخرص اذا حلّ البيع و ذلك حين يرى في الحائط الحمرة و الصفرة و كذلك حين يتموه العنب و يوجد فيه ما يؤكل منه».

و في الفقه على المذاهب الأربعة عن الشافعية: «و متى ظهر لون العنب او الرطب او لان جلده و صلح للأكل او اشتد الحب و الزرع فقد بدا صلاحه و حينئذ يحرم على المالك التصرف فيه قبل اخراج الزكاة و لو بالصدقة».

و فيه عن المالكية: «و يتعلق الوجوب بها من وقت الطيب و هو بلوغ الزرع او الثمر حد الأكل منه قال مالك: اذا أزهى النخل و طاب الكرم و اسودّ الزيتون او قارب منه و افرك الزرع و استغنى عن الماء وجبت فيه الزكاة».

أقول: أزهى البسر أي تلوّن، و أفرك السنبل أي صار فريكا أي مدلوكا.

و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية: «و اما وقت الوجوب فوقت الوجوب وقت خروج الزرع و ظهور الثمر عند أبي حنيفة، و عند أبي يوسف وقت الادراك، و عند محمد وقت التنقية و الجذاذ».

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و وقت وجوب الزكاة في الحب اذا اشتد و في الثمرة اذا بدا صلاحها و قال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

فقد ظهر لك مما نقلناها ان المشهور عندنا و عند أهل السنة ان وقت التعلق في الحبوب عند اشتدادها و في الثمار بدوّ صلاحها او تلوّنها او طيبها و اما كفاية انعقاد الحصرم في العنب فلم أره في ما رأيت من الكلمات الّا في الشرائع و النافع و القواعد و لعله استفيد من بدوّ الصلاح، فانه بعد انعقاد الحصرم خلص من الآفات المحتملة فتدبر.

و اما عند

ابن الجنيد و المحقق فوقت الوجوب و التعلق في الأربعة صدق الأسامي من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

و لعله المستفاد من كلمات القدماء أيضا حيث حصروا الزكاة في التسعة و عدّوا منها الأربعة.

بل لعله المستفاد من الشيخ في النهاية أيضا حيث قال: «باب الوقت الذي يجب فيه الزكاة:

لا زكاة في الذهب و الفضة حتى يحول عليهما الحول ... و اما الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد و الجذاذ و الصرام».

اذ يظهر من عنوان الباب و من السياق كونه بصدد بيان وقت الوجوب لا وقت الأداء و ان حمله في كشف الرموز على وقت الأداء.

و كيف كان فما ذكره المحقق في كتبه الثلاثة و ما حكاه في المختلف عن ابن الجنيد و كذا المذكور في كلمات القدماء لفظ الزبيب لا العنب، فما في البيان حيث قال: «و قال ابن الجنيد و المحقق: يشترط التسمية عنبا و تمرا»، لا يخفى ما فيه و ان ظهر من بعض اختياره منهم المصنف هنا كما ترى.

ثم لا يخفى ان الظاهر تقارب القولين في الحنطة و الشعير لتلازم اشتداد الحب و صدق الاسمين بل لعل صدقهما أقدم زمانا بقليل و اما في التمر و الزبيب فيتأخر صدق الاسمين عن بدو الصلاح بمدّة معتنى بها.

و يترتب على القولين ثمرات مهمة:

منها ان المالك لو نقل الثمرة في هذه المدة الى غيره فعلى المشهور استقرار الزكاة على الناقل و على قول المحقق على المنتقل اليه.

و منها لو مات المالك في هذه المدة فعلى المشهور الزكاة تعلقت بالمورث فتؤخذ من تركته و على قول المحقق تجب على الورثة اذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب

و الّا فعلى من بلغ نصيبه النصاب.

و منها جواز تصرف المالك في الثمرة بانحاء التصرفات و لو بالاتلاف في هذه المدة على قول المحقق دون المشهور.

و منها ما اذا بلغ الصبي المالك او عقل المجنون في هذه المدة فعلى المشهور لا تتعلق بهما الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 349

..........

______________________________

و على قول المحقق تتعلق، الى غير ذلك من الثمرات.

اذا عرفت هذا فنقول: مقتضى القاعدة و كذا الأصل صحة قول المحقق، و غيره يحتاج الى دليل صارف.

اما الأول فلان حكم الزكاة في الاخبار الكثيرة الواردة بطرق الفريقين و كذا الفتاوى قد رتب على الأسامي أعني الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و متى رتّب حكم على عنوان فالظاهر منه ان الموضوع ما هو بالفعل متصف بهذا العنوان و يكون مصداقا له بالفعل دون ما بالاقتضاء و بالقوة، فمقتضى حصر الزكاة في التسعة عدم تعلق الزكاة بالحصرم و البسر و الرطب و غيرها مما لا يصدق عليها التمر و الزبيب بالفعل و ان سلمنا جواز اطلاقهما عليها مجازا بعلاقة الأول و المشارفة.

و اما الثاني: فلان الحادث المشكوك تقدمه و تأخره يستصحب عدمه الى الزمان المتأخر و يسمى هذا في محله باستصحاب تأخر الحادث ففي المقام تكليف الزكاة يعلم بتحققه و يشك في تقدمه و تأخره فيستصحب عدمه الى الزمان المتأخر.

و بالجملة فمقتضى الاخبار الأولية و كذا الأصل صحة كلام المحقق الّا ان يقام على غيره دليل مقنع.

[دليل المشهور]

فنقول: استدل للمشهور بوجوه:

الأول: اجماع المنتهى ففيه: «لا تجب الزكاة في الغلات الأربع الّا اذا نمت على ملكه فلو ابتاع غلة او استوهب أو ورث بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة و هو قول العلماء كافة».

و فيه ان

الاجماع على اعتبار النمو في الملك لا على بدوّ الصلاح المذكور تبعا كما لا يخفى على من تأمل.

الثاني: الاجماع المركب بتقريب ان اسمي الحنطة و الشعير يصدقان باشتداد الحبين فيتعلق بهما الزكاة بالعمومات على القولين فيثبت الحكم في البسر و الحصرم بالإجماع المركب اذ القائل بكفاية اشتداد الحبين قائل بثبوت الحكم في البسر و الحصرم أيضا.

و فيه منع ذلك اذ كما عرفت القولان متقاربان في الحنطة و الشعير و كأنه لا خلاف فيهما و إنما الخلاف في التمر و الزبيب، أ لا ترى ان المحقق في الشرائع و النافع تعرض للخلاف فيهما فقط فراجع. ثم ان صدق الاسمين و الاشتداد و ان تلازما في الحبين و لكن المحقق يجعل الحكم للاسمين لا لعنوان الاشتداد.

الثالث: الشهرة المدعاة في كلام كثير من الأصحاب كما عرفت من مفتاح الكرامة.

و فيه ان البحث عن وقت التعلق و ذكر عنوان الاشتداد و بدوّ الصلاح لا يوجد في كتب القدماء المعدّة لنقل المسائل الأصلية المأثورة و إنما هو أمر تعرض له العامة و تعرض له الشيخ في

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

مبسوطه المعدّ لبيان المسائل التفريعية المستنبطة ثم تعرض له المتأخرون، بل عرفت من مفتاح الكرامة انه قد يفوح مذهب المحقق من كتب القدماء حيث حصروا فيها الزكاة في التسعة التي منها الأربعة فيكون المعتبر عندهم صدق تلك الأسامي. و الشهرة على فرض حجيتها فانما يراد بها شهرة القدماء في تلك الكتب حيث تكشف الشهرة فيها عن تلقي المسألة من الأئمة- عليهم السلام- و اما الشهرة في المسائل التفريعية و لا سيما من المتأخرين فلا تفيد شيئا اللهم الّا لنحو من التأييد.

الرابع: ما ذكره العلامة في المختلف و المنتهى

من كون البسر و الرطب تمرا بحسب اللغة.

قال في المختلف: «لنا ان البسر يسمى تمرا لغة فيتعلق به الوجوب، احتجّوا بأنه يسمى بسرا لا تمرا في العرف. و الجواب الاعتبار بتسمية اللغة لا بالعرف».

و في المنتهى: «أهل اللغة نصّوا على أن البسر نوع من التمر و كذا نصوا على ان الرطب نوع من التمر».

أقول: و ربما أيد ذلك بان الطبيب اذا منع المريض من التمر حكم أهل العرف باندراج البسر و الرطب فيه أيضا و كذا اذا حلف على عدم أكله.

و فيه أولا نص بعض أهل اللغة على خلاف ذلك.

ففي الصحاح: «البسر أوله طلح ثم بلح ثم خلال ثم بسر ثم رطب ثم تمر».

و في مجمع البحرين: «التمر: اليابس من ثمر النخل كالزبيب و العنب».

و في الحدائق عن المصباح المنير: «التمر: ثمر النخل كالزبيب من العنب و هو اليابس باجماع أهل اللغة لأنه يترك على النخل بعد ارطابه حتى يجف او يقارب و يترك في الشمس حتى ييبس».

و في القاموس: «التتمير: التيبيس».

و في الصحاح: «تتمير اللحم و التمر تجفيفهما».

فيعلم من ذلك أخذ اليبس و الجفاف في المادة فاطلاقه على الرطب و البسر مجاز بعلاقة المشارفة.

و ثانيا: لا نسلم تقدم اللغة على العرف بل الألفاظ الشرعية تحمل على المعاني العرفية.

و ثالثا: سلمنا و لكن الزبيب لا يطلق على العنب و الحصرم لغة، اللهم الّا ان يتمسك فيه بعدم القول بالفصل.

و اما ما ذكر من التأييد ففيه ان التعميم فيه للقرائن و الّا كان ممنوعا، هذا.

و في مصباح الفقيه في مقام الجواب عن هذا الوجه: «و فيه بعد تسليم صدق اسم الحنطة و الشعير على الحب بمجرد اشتداده و كذا اسم التمر على البسر و الرطب فلا

شبهة في انصراف اطلاق

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 351

..........

______________________________

أساميها في المحاورات العرفية و معاملاتهم و وقوع شي ء منها في حيز التكليف بصرفه الى الغير الى اليابس منها فلا يتبادر من الأمر بالتصدق بشي ء من هذه الأجناس الّا ارادة يابسها».

أقول: يمكن ان يقال: ان كلامنا ليس في تعيين وقت الأداء حتى يقال بانصرافها في هذا المقام الى يابسها بل في تعيين وقت التعلق و حصول الشركة للفقراء فادعاء الانصراف بلا وجه.

الوجه الخامس: انه لو كانت الزكاة مقصورة على التمر و الزبيب لأدى ذلك الى ضياع الزكاة لأنهم كانوا يحتالون ببيع العنب و الرطب او بجعلهما دبسا او خلّا.

و فيه ان الحيل المذكورة لا تقوى على افناء التمر و العنب لكثرتهما مضافا الى ان جعلهما كذلك ربما يكون بضرر المالكين و ابقائهما و أداء الزكاة ربما يكون انفع لهم، على ان هذه الاستحسانات ليست ملاكا للأحكام الشرعية.

الوجه السادس: التمسك بالعمومات ففي زكاة الشيخ الأعظم: «مضافا الى ان مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقته السماء، و أدلّة تعلق الزكاة بالحنطة و التمر مثلا لا تنهض لتقييدها لأن المتبادر منها ارادة الأجناس الأربعة في مقابل الاجناس الأخر».

و فيه أولا: عدم ارادة العموم بالموصول لتفسيره في الاخبار الكثيرة بالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب بل في صحيحة زرارة ذكر الأربعة ثم قال: «ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء ...».

و ثانيا: ان هذا العموم ورد لبيان مقدار الفريضة من العشر و نصف العشر لا لبيان ما فيه الزكاة.

و ثالثا: ما عرفت من ان الظاهر من تعليق الحكم على عنوان كون الموضوع ما هو المتصف بهذا العنوان بالفعل فحمل

الأربعة على الأعم مما بالفعل و بالقوة مجاز لا يصار اليه الّا بدليل.

الوجه السابع: اخبار خاصة يستدل بها للمشهور: منها صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا «1».

و محل الاستشهاد من الحديث موردان:

الأول: قوله: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق» بتقريب ان التعبير بالنخل لإرادة ثمرة مطلقا لأنه أقرب المجازات و لو أريد خصوص التمر لم يكن وجه للعدول عنه الى التعبير بالنخل نعم يعلم من قوله: «خمسة أوساق» ان المعيار في النصاب التمرية فان الوسق حمل البعير و ما كان يحمل عليه خصوص التمر دون البسر و الرطب.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 352

..........

______________________________

الثاني: قوله: «و العنب مثل ذلك ...». اذ يعلم منه ان الموضوع للزكاة العنب لا الزبيب، نعم في مقام الحساب يقدّر زبيبا لمعرفة النصاب كما قلنا في ثمر النخل.

أقول: و في كلا التقريبين نظر: اما الأول، فلأن التعبير بالنخل لا التمر لعلّه لإفادة الشرط السابق اذ الزكاة تتعلق بالتمر على الشجر لا مطلق التمر و لو ما اشترى منه في السوق كما عرفت بيانه.

و اما الثاني فعن الذخيرة ان لمفهوم الصحيحة احتمالين: أحدهما اناطة الوجوب بحالة ثبت له البلوغ فيها خمسة أوسق زبيبا بالفعل. ثانيهما اناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف. و الاستدلال بها إنما يتم على ظهور الثاني و هو في موضع المنع بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأول اذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر.

و ردّه في مفتاح الكرامة «بان حاصل الوجه الأول انها تجب في العنب اذا

كان زبيبا و من المعلوم زوال وصف العنبية عند كونه زبيبا، كما تقول: تجب صلاة الفريضة على الصغير اذا كان كبيرا و أنت خبير بسقوط هذا التعبير عن درجة الاعتبار فلا بدّ من المصير الى التقدير اذا ورد مثله في الاخبار».

أقول: الحق كما في مصباح الفقيه ان العبارة المذكورة في الرواية قابلة للمعنيين كما عن الذخيرة، و لعل ارادة الفعلية أوفق بظاهر اللفظ. و يحسّن هذا الاستعمال كون وصفي العنبية و الزبيبية حالتين متعاقبتين لشي ء واحد و ليس هذا التعبير ساقطا عند العرف و لا سيما في الكلام المنفي كما في المقام اذ قوله: «و العنب مثل ذلك ...» مآله الى انه ليس في العنب صدقة حتى يكون خمسة أوساق زبيبا، و هكذا في المثال الذي ذكره في مفتاح الكرامة اذ لا مانع من ان يقال: لا تجب صلاة الفريضة على الصغير الّا اذا كان كبيرا أي صار كذلك. و استعمال الكون بمعنى الصيرورة أمر شائع.

و بالجملة فاذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال فالاستدلال بالصحيحة لتعلق الزكاة بالعنب مشكل، و لو سلم فالتعدي عنه الى الحصرم أشكل و لم يتحقق القول بعدم الفصل بينهما بل عرفت ان الحصرم غير مذكور في كلام كثير من الأصحاب و إنما رأيناه في كلمات المحقق و العلامة و كذا الكلام في ثمر النخل.

و يقرب من هذه الصحيحة المرسل: «ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيبا، و الوسق ستون صاعا» «1».

و خبر أبي بصير: «عن أبي عبد اللّه «ع» قال: لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة

الغلات، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 353

..........

______________________________

زكاة حتى تبلغ و سقين، و الوسق ستون صاعا» «1».

و من الاخبار أيضا صحيحة سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن «ع» عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب، فقال: خمسة أوساق بوسق النبي «ص» فقلت: كم الوسق؟ قال: ستون صاعا، قلت: و هل على العنب زكاة او انما تجب عليه اذا صيره زبيبا؟ قال: نعم اذا خرصه اخرج زكاته «2».

فقد يقال: «ان الصحيحة صريحة في تعلقها بالعنب و ظاهرها ثبوت الوجوب من حين الخرص و قد صرح الأصحاب بأن زمان الخرص من حين بدوّ الصلاح».

و لكن قد يقال: ان قوله: «نعم» يحتمل فيه ان يكون تصديقا للجملة الثانية أعني قوله:

«انما تجب عليه اذا صيره زبيبا» فيصير مجملا، و حيث ان الخرص في الصحيحة لم يسند الى عمّال الصدقات بل الى نفس صاحب العنب و الجزاء المترتب عليه أيضا اخراج الزكاة لا التعلق فمن المحتمل جدّا كون الخرص مصحف الحرص بالمهملة من قولهم: «حرص المرعى» اذا لم يترك فيه شيئا فيكون المراد بيان وقت الأداء.

هذا و لكن الظاهر من السؤال ان السائل كان يعلم بتعلق الزكاة بالزبيب و إنما اشكل عليه تعلقها بالعنب أيضا كما هو مورد بحثنا، فمحط نظره في السؤال هو حكم العنب فقوله- عليه السلام- في الجواب: «نعم» ظاهر في ارتباطه بما وقع السؤال عنه.

و بالجملة فالصحيحة ظاهرة في ثبوت الزكاة في العنب فيصير قوله: «خرصه» كناية عن احرازه كونه بمقدار النصاب اذ طريق الاحراز في العنب هو الخرص و ليس الخرص مختصا بالعمّال و لا صراحة في قوله: «اخرج زكاته» في وجوب الاخراج حين الخرص

فيحمل على الاخراج في وقته، مضافا الى عدم الدليل على جواز التأخير لمن يريد اقتطافه عنبا و صرفه كذلك.

فالانصاف ظهور الصحيحة في وجوب الزكاة في العنب.

نعم التعدي عنه الى الحصرم يحتاج الى دليل مفقود و كذا الى الرطب و البسر و القول بعدم الفصل كما عرفت غير محرز فتأمل.

و منها أيضا صحيحة أخرى لسعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا «ع» قال: سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: اذا ما صرم و اذا ما خرص «3»، بتقريب ان وقت الخرص حين كون الثمر على الشجر حصرما او عنبا.

و فيه أولا انه لا معنى لجعل الوقت الصرام و الخرص بالمعجمة لاختلافهما زمانا فلعله يتعين فيها

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(2)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(3)- الوسائل ج 6 الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

القراءة بالحاء المهملة ليتحد الوقتان. و ثانيا لا نسلم كون وقت الخرص حالة العنبية و الحصرمية بل لما كان الموضوع في الاخبار و منها نفس هذه الصحيحة التمر و الزبيب، فالمراد بالخرص فيها الخرص في حال التمرية و الزبيبية، و لعل المتعارف في ثمرة النخل و الكرم اذا أريد جفافهما كان ابقاؤها على الشجر لتجف عليه اذ بعد الاقتطاف ربما كان يفسد أكثرها او يحمض او يتدود الّا بالتعليق فلم يكن داع الى اقتطافها اذا أريد صيرورتها تمرا او زبيبا و إنما لا يتعارف ذلك في البلاد الباردة كبلادنا.

و يظهر من المحقق في الشرائع أيضا في بيان وقت الاخراج ان حالة الزبيبية

و التمرية كانت تحصل للثمر على الشجر حيث قال: «و وقت الاخراج في الغلة اذا صفت و في التمر بعد اخترافه و في الزبيب بعد اقتطافه». فنسب الاختراف و الاقتطاف الى التمر و الزبيب.

و على هذا فيكون المراد بالصحيحة ان الثمر بعد ما صار تمرا او زبيبا على الشجر و حان وقت صرمه فان صرمه أدّى زكاته و ان أخّر صرمه لجهة من الجهات فيجب عليه خرصه و أداء زكاته.

و صرف الاحتمال كاف في عدم امكان الاستدلال.

فهذه خمسة اخبار خاصة استدل بها للمشهور، و قد عرفت ظهور خبر سعد الأول و لكن لا يثبت به الّا حكم العنب دون الحصرم و البسر و الرطب.

الوجه الثامن: ما يظهر من اخبار الفريقين و كلمات الأصحاب من ان رسول اللّه «ص» كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمرتها ليتميز بذلك مقدار الصدقة المفروضة و كان «ص» يأمر عامله بأن يترك للحارس العذق و العذقين و ان لا يخرص أم جعرور و معافارة «1». فلو لم يكن حق الفقير متعلقا بها من حين بدوّ صلاحها الذي هو وقت الخرص لم تكن فائدة في الخرص بل كان تعديا و تضييقا على المالك اذ قد لا يحب ان يطلع على ماله أحد أو يريد ان ينفق جميعه قبل التمرية و الزبيبية.

و الحاصل ان جواز الخرص عند الفريقين اجمالا من أقوى الأدلة على قول المشهور.

و فيه أولا: ان المستفاد من بعض الاخبار انه- صلى اللّه عليه و آله- كان يبعث عبد اللّه بن رواحة الى خيبر للخرص و خيبر صارت بالفتح للمسلمين ثم خارجهم رسول اللّه «ص» على النصف او الثلث فخرص ابن رواحة لعله كان لتعيين الخراج لا الصدقات.

و ثانيا:

ما أشرنا اليه من ان الخرص لعله كان بعد التمرية و الزبيبية اذ قلنا ان المتعارف كان ابقاء الثمر على الشجر حتى يجف.

هذا و لكن المستفاد من المعتبر ان بعثه «ص» للخرص كان للصدقات و انه كان حين

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 355

بل الأحوط (1) مراعاة الاحتياط مطلقا. اذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط (2).

______________________________

الرطبية او البسرية.

قال في المعتبر: «يجوز الخرص على ارباب النخيل و الكروم و تضمينهم حصة الفقراء و به قال الشافعي و مالك و أحمد، و قال أبو حنيفة: لا يجوز الخرص لأنه تخمين لا يجوز العمل به ... وقت الخرص حين يبدو صلاح الثمرة لأنه وقت الّا من على الثمرة من الجائحة غالبا و لما روي ان النبي «ص» كان يبعث عبد اللّه خارصا للنخيل حين تطيب ... صفة الخرص ان يقدر الثمرة لو صارت تمرا و العنب لو صار زبيبا فان بلغ الأوساق وجبت الزكاة ثم خيّرهم بين تركه امانة في يدهم و بين تضمينهم حق الفقراء او يضمن لهم حقهم فان اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاءوا و ان أبوا جعله امانة و لم يجز لهم التصرف بالأكل و البيع و الهبة لأن فيها حق المساكين».

فكلامه- قدس سره- في الخرص و وقته يضادّ ما اختاره في كتبه الثلاثة من كون وقت التعلق حين التمرية و الزبيبية فتدبر.

و من المناسب ذكر عبارة الخلاف في الخرص أيضا ففيه (المسألة 72): «يجوز الخرص على ارباب الغلات و تضمينهم حصة المساكين و به قال الشافعي و عطا و الزهري و مالك و أبو ثور و ذكروا انه اجماع الصحابة، و

قال الثوري و أبو حنيفة: لا يجوز الخرص في الشرع و هو من الرجم بالغيب ...، دليلنا اجماع الفرقة و فعل النبي «ص» بأهل خيبر و كان يبعث في كل سنة عبد اللّه بن رواحة حتى يخرص عليهم، و روت عائشة قالت: كان رسول اللّه يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصا الى خيبر فاخبرت عن دوام فعله، و روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن غياث ان النبي «ص» قال في الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدّى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا».

و كيف كان فهذه وجوه ثمانية استدل بها لما نسب الى المشهور، و قد عرفت ان اكثرها مخدوش و ان القاعدة و الاصل مع المحقق و من تبعه و لكن لا يترك الاحتياط و لا سيما في الرطب و العنب فتدبر.

هذا و المذكور في كلام المبسوط و من تبعه اشتداد الحب و المصنف عبّر بانعقاد الحب و وجهه غير ظاهر.

(1) لا يترك.

(2) كما لو بلغ مالكه او عقل بعد بدوّ الصلاح و قبل صدق الأسامي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 356

[المناط في النصاب هو اليابس منها]

[مسألة 2]: وقت تعلق الزكاة و ان كان ما ذكر، على الخلاف السالف الّا ان المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس فلا زكاة (1).

______________________________

(1) قال في المبسوط: «و المراعى في النصاب مجففا مشمسا».

و في المعتبر: «و يعتبر بلوغ الأوساق عند الجفاف فلو صار رطبا او الكرم عنبا و بلغ النصاب لم يكن به اعتبار و اعتبر النصاب عند جفافه و عليه اتفاق العلماء».

و في المنتهى: «إنما يعتبر الأوساق عند الجفاف فلو بلغ الرطب النصاب او

العنب لم يعتبر ذلك و اعتبر النصاب عند جفافه تمرا او زبيبا و هو اجماع».

و في التذكرة: «و النصاب المعتبر و هي خمسة أوسق انما يعتبر وقت جفاف الثمرة و يبس العنب و الغلة فلو كان الرطب خمسة أوسق او العنب او الغلة و لو جفت تمرا او زبيبا او حنطة او شعيرا نقص فلا زكاة اجماعا و ان كان وقت تعلق الوجوب نصابا».

أقول: بناء على ما اختاره المحقق و من تبعه من كون وقت التعلق صدق اسامي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب فالظاهر ان المسألة واضحة اذ الظاهر ان الأسامي الأربعة اسام لليابس من المذكورات.

و اما على المشهور فيمكن ان يستدل للمسألة بوجوه:

الأول: الاجماع المدعى في الكلمات و ان كان الاتكال عليه لا يخلو من اشكال لعدم كون المسألة معنونة في كتب القدماء المعدّة لنقل الأصول المتلقاة عن الأئمة- عليهم السلام- و بذلك يظهر الاشكال في الاجماعات المدعاة في المسائل غير المعنونة في كتب القدماء ككثير من مسائل التقليد مثلا.

الثاني: لفظ الوسق المذكور في الروايات فانه اسم لحمل البعير و لم يعهد الحمل عليه الّا في اليابس من المذكورات.

الثالث: قوله في صحيحة سليمان بن خالد السابقة: «و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا» فانه صريح في كون الاعتبار في نصاب العنب بحالة الزبيبية.

الرابع: كون الأسامي المذكورة أعني الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب هي المذكورة في الاخبار الكثيرة و النصاب مذكور لها فيكون معتبرا بحسبها.

ففي صحيحة زرارة مثلا: ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق ... «1».

الخامس: الأصل فان مقتضاه عدم الوجوب فيما لم يبلغ يابسه حدّ النصاب. و كيف كان

فالظاهر ان المسألة واضحة.

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 357

[في الذي يؤكل رطبا]

[مسألة 3]: في مثل البربن و شبهه من الدقل الذي يؤكل رطبا و اذا لم يؤكل الى ان يجف يقل تمره أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضا المدار فيه على تقديره يابسا، و يتعلق به الزكاة اذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه (1).

[لو اراد التصرف فيها قبل يبسها]

[مسألة 4]: اذا أراد المالك التصرف في المذكورات بسرا أو رطبا أو حصرما أو عنبا، بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن (2) وجب عليه ضمان حصة الفقير (3) كما انه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه

______________________________

(1) المحتملات في المسألة ثلاثة: الأول: عدم وجوب الزكاة في هذا القسم مطلقا.

لانصراف الأدلة الى ما تعارف ابقاؤه ليصير تمرا و لنهي النبي «ص» عن خرص أمثال هذه التمور كأمّ جعرور و المعافارة.

الثاني: الوجوب مطلقا اذ المترائى من الأدلة وجوب الزكاة في ثمر النخل و ان تعارف صرفه رطبا و النهي عن خرص بعض الأصناف كان ارفاقا لهم و لاستحيائهم من ان يأتوا بهذه الأصناف في مقام أداء الزكاة كما هو المستفاد من اخبار الباب «1».

قال في التذكرة: «اما ما لا يجف مثله و انما يؤكل رطبا كالهلتاة و البرني و شبههما من الدقل الرقيق التمرة فانه يجب فيه الزكاة أيضا لقوله: فيما سقت السماء العشر و إنما تجب فيه اذا بلغ خمسة أوسق تمرا و هل يعتبر بنفسه او بغيره من جنسه؟ الأقرب الأول و ان كان تمره يقل كغيره و للشافعي و جهان هذا أحدهما و الثاني يعتبر بغيره».

و يظهر منها عدم الخلاف في اصل الوجوب و انما الخلاف في اعتبار نصابه بيابس نفسه او يابس غيره.

الثالث: التفصيل قال في المدارك: «و لو لم يصدق على اليابس من ذلك

النوع اسم التمر او الزبيب اتجه سقوط الزكاة فيه مطلقا».

و ما ذكره جيّد لأن المذكور في اخبار الغلّات عنوان التمر و ان كان لا يبعد صدقه على مطلق يابس ثمر النخل فتدبر.

(2) بناء على استثناء المؤن و سيأتي البحث عنه في المسألة 16.

(3) بناء على ما يأتي من المصنف من كون التعلق بنحو الكلي في المعين يجوز التصرف في العين مع بقاء مقدار الزكاة و لا احتياج الى الضمان، نعم بناء على الاشاعة او ارادة التصرف في

______________________________

(1)- الوسائل ج 6 الباب 19 من أبواب زكاة الغلات

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 1، ص: 358

أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب (1).

[حكم اخراج الزكاة قبل يبسها]

[مسألة 5]: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول (2). بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا فانه يجب على الساعي القبول (3).

______________________________

جميع العين يحتاج الى الضمان و يجب ان يكون باذن الحاكم لعدم الدليل على صحته بدونه.

نعم يجوز العزل كما يأتي في محله للأخبار الخاصة.

ثم الحكم في هذه المسألة مبتنية على ما نسب الى المشهور في وقت التعلق لا على ما اختاره المصنف بنفسه، و كان عليه بيان المسألة على وفق مبناه و قد عرفت ان من فوائد الخلاف في تلك المسألة جواز تصرف المالك في الثمرة بانحاء التصرفات و لو بالاتلاف بعد بدوّ الصلاح و قبل صدق الأسامي على قول المحقق دون المشهور.

(1) قال في الجواهر: «ضرورة معلومية كون التأخير ارفاقا بالمالك الذي يريد الانتظار بالثمرة الى نهايتها فتأمل».

و ما دلّ على جواز التأخير الى زمان التصفية و الجفاف منصرف عن هذه الصورة التي يريد صرفها

قبل يبسها كما لا يخفى.

(2) لما يأتي في المسألة الآتية من تأخر وقت الاخراج و انه عند التصفية و الجفاف.

(3) كما في الجواهر قيل: «لأن ما دلّ على تأخر وقت الإخراج يستفاد منه كونه للإرفاق بالمالك، و بالجملة ظاهره قصر سلطنة الفقير على المطالبة لا قصر سلطنة المالك عن تفريغ ماله أو ذمته».

أقول: الزكاة وضعت لسدّ خلة الفقراء و إدارة المصالح العامة المشار اليها في الآية فلا يجوز تضييعها و الاضرار بهم و من أين ثبت لكم ان التأخير للإرفاق بالمالك فقط.

هذا مضافا الى كونه مناقضا لما اختاره المصنف من عدم التعلق الّا بعد صدق الأسامي.

نعم بناء على ما نسب الى المشهور لو أراد المالك صرفها قبل التصفية و الجفاف و لم يكن تضييعا و اضرارا فلا تشمله أدلة التأخير كما مرّ في المسألة السابقة فتدبر. و لعل بعض ما في المسألة الآتية يفيد في المقام.

و الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين.

تم المجلد الأول من كتاب الزكاة و يتلوه ان شاء اللّه المجلد الثاني، 15 شعبان المعظم 1403.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

الجزء الثاني

[مقدمة المؤلف]

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين و اللعن على أعدائهم أجمعين.

و بعد فيقول العبد المفتقر الى ربه الهادي، حسين علي المنتظري النجف آبادي- غفر اللّه له و لوالديه-: هذه دروس فقهية ألقيت الى الاخوان في مسائل الزكاة و كنت أقيد ما ألقيه بالكتابة و كنّا نراعي في بحثنا ترتيب كتاب العروة الوثقى و نورد ما نذكره شرحا لها فاستدعى بعض

الأصدقاء نشرها. و حيث ان المرء لا يخلو من الخطأ و النسيان و كفى في نبله ان تعدّ معايبه، فالمرجو ممن نظر فيها أن ينظر بنظر الانصاف و الاغماض و من اللّه- تعالى- أستمدّ و عليه التكلان.

قال المصنف:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 11

[4- تتمة فصل زكاة الغلات]

وقت اخراج الزكاة في الغلات

[المشهور هو عند التصفية]

[مسألة 6]: وقت الاخراج الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخّرها عنه ضمن عند تصفية الغلّة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب.

فوقت الأداء غير وقت التعلّق (1).

______________________________

(1) كون وقت الاداء حينئذ غير وقت التعلق على قول المشهور واضح و كذا على غيره في الحنطة و الشعير، لصدق الاسم قبل التصفية. و اما في التمر و الزبيب فالغالب كون الاجتذاذ و الاقتطاف قبل التمرية و الزبيبية، كما لا يخفى.

و كيف كان ففي الشرائع: «و وقت الاخراج في الغلة اذا صفت، و في التمر بعد اخترافه، و في الزبيب بعد اقتطافه» «1».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه» «2».

و في الحدائق: «الاتفاق على ان وجوب الاخراج انما هو بعد التصفية» «3».

و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب» «4».

و في المنتهى: «اتفق العلماء على انه لا يجب الاخراج في الحبوب الّا بعد التصفية، و في

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 153.

(2)- الجواهر 15/ 220.

(3)- الحدائق 12/ 116.

(4)- المدارك/ 304.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

التمر الّا بعد التشميس و الجفاف». «1»

و في التذكرة: «و اما الاخراج منها فلا يجب حتى تجذّ الثمرة و تشمس و تجفف، و تحصد الغلة و تصفي من التبن و القشر بلا خلاف». «2»

و في المسالك و المدارك: «و في جعل ذلك وقت الاخراج تجوّز. و انما وقته عند يبس الثمرة و صيرورتها تمرا او زبيبا» «3».

و لعلهما

اراد بذلك ما ذكرناه من كون الغالب في التمر و الزبيب كون الاجتذاذ قبل يبس الثمرة و صيرورتها تمرا او زبيبا.

و في المدارك «4»: «و الظاهر ان المراد بوقت الاخراج الوقت الذي اذا أخّرت الزكاة عنه مع التّمكن من اخراجها تصير مضمونة، او الوقت الذي يسوغ للساعي فيه مطالبة المالك بالاخراج، لا الوقت الذي لا يجوز تقديم الزكاة عليه، لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي المالك الثمرة قبل الجذاذ و اجزاء دفع الواجب على رءوس الاشجار. و يدل على الجواز مضافا الى العمومات خصوص قوله «ع» في صحيحة سعد بن سعد الاشعري: اذا خرصه اخرج زكاته». «5» هذه بعض كلمات الاصحاب في المقام.

[دليل المشهور]

و استدل على كون وقت الاخراج ما ذكر بوجوه:

الاول: الاجماع و عدم الخلاف المدعى في كلماتهم، كما مرّ.

الثاني: استصحاب عدم وجوب الاخراج قبل ذلك.

الثالث: ما في مصباح الفقيه، قال: «اذ المنساق من الامر بصرف العشر او الخمس من حاصل زرعه او ثمرة بستانه في هذه السنة الى زيد مثلا انما هو ارادة ايصال الحصة

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 499.

(2)- التذكرة 1/ 237.

(3)- المسالك 1/ 56.

(4)- المدارك/ 304.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

المقررة له اليه بعد تصفية الحاصل و صرم البستان على حسب ما جرت العادة في تقسيم حاصل الزراعات و ثمرة الاشجار بين شركائهم. فليس للفقير اولويّة مطالبة المالك بالحصّة المقرّرة له قبل استكمال الحاصل، او بلوغ أوان قسمتها بين مستحقيها في العرف و العادة» «1».

الرابع: بعض الأخبار الواردة كرواية ابي مريم، عن ابي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عز و جل- «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: تعطي المسكين يوم حصادك

الضغث، ثم اذا وقع في البيدر، ثم اذا وقع في الصاع العشر و نصف العشر «2». اذ يستفاد من آخرها ان اخراج الزكاة بعد التصفية.

و كصحيحة سعد بن سعد الاشعري، عن أبي الحسن الرضا «ع» قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال:

متى حلّت أخرجها، و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟

قال: إذا ما صرم و إذا ما خرص «3».

إذ المسؤول عنه في قوله: «متى تجب على صاحبها؟» هو وجوب اخراجها، بقرينة قوله قبل ذلك: «متى حلّت اخرجها». فكأنّ صدر الحديث كما قيل مربوط بما يعتبر فيه الحول، و ذيله بالغلات و السؤال في كليهما عن زمان الاخراج. فيستفاد منه كون الصرم وقتا للإخراج و ان جاز قبله أيضا حين الخرص، كما هو المستفاد من قوله في صحيحة أخرى لسعد: «إذا خرصه اخرج زكاته». فيكون الصرم وقت تعين الاخراج. و لا ينافي جوازه قبل ذلك، فتدبر.

و في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- قدّس سرّه- ما حاصله: «قلت: ظاهرهم الاتفاق على تأخّر وقت الاخراج عن وقت التعلّق، و ذلك يتصوّر على انحاء:

الأوّل: انّ معنى التعلّق ثبوت الزكاة بما لها من الوضع، فيتأخر التكليف بادائها عن زمانها مشروطا بوقت الاخراج. و يشكل بان مقتضى اطلاق جملة «آتُوا الزَّكٰاةَ» ثبوت

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 62.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 14

..........

______________________________

الحكم بثبوت موضوعه. و التفكيك يحتاج الى دليل.

الثاني: انّ معناه ثبوت الوجوب من حين التعلق بنحو تقييد

الواجب بوقت الاخراج.

و يشكل باستحالة الواجب المعلّق.

الثالث: انّ معناه الايجاب الموسّع من وقت التعلّق الى وقت الاخراج، فيتضيّق حينئذ. و يشكل أولا بتصريحهم بعدم الوجوب قبل وقت الاخراج، و ثانيا بلزوم فورية الأداء عنده. و لعلّ الظاهر عدم الفورية.

الرابع: انّ معناه هو الايجاب الموسّع من وقت التعلّق و انّ التصفية و الاقتطاف من مقدمات الواجب. و يشكل بما تقدّم من تصريحهم بعدم الوجوب قبل ذلك، و بان لازم ذلك وجوب تحصيل هذه المقدمات. و لم يعهد القول به من أحد.

الخامس: انّ معناه هو الايجاب الموسّع من وقت التعلّق، و ان وقت الاخراج يراد به وقت معرفة مقدار الزكاة، أعني معرفة العشر و نصف العشر. و يشكل بما تقدّم من تصريحهم بعدم الوجوب قبل وقت الاخراج.

هذا و لو كنّا و الروايات و لم يصدّنا الاجماع عن الأخذ بظاهرها لقلنا بعدم اختلاف وقت التعلّق و الاخراج، اذ الحكم لا يتخلّف عن موضوعه، و لكن في خصوص الغلات نلتزم بالاختلاف بمقتضى صحيحة سعد بن سعد. فان ظاهرها ان الوجوب مشروط بالصرم. و ان ابيت عن ذلك فلا بدّ من المصير الى وجوب الزكاة موسعا» «1».

أقول: يرد على ما ذكره أولا انّ ما ذكرناه من الأدلّة الأربعة دليل على التفكيك. و على ما ذكره ثانيا انّا لا نسلّم استحالة الواجب المعلّق. الا ترى ان وجوب الحجّ يصير فعليا بوجود الاستطاعة. و لذا لا يجوز اعدامها مع كون الواجب استقباليا بحسب وقته المعين، و الوجوب خفيف المؤونة، فيمكن ايجاده قبل وقت العمل ليصير داعيا للشخص على التهيؤ و ايجاد المقدمات الوجودية. هذا، مضافا الى انّه يرد عليه و على من حذا حذوه انّ التّفكيك بين الوضع و التكليف في المقام

و البحث عن كون الوجوب مشروطا أو كون الواجب معلّقا أو

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 1/ 313.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 15

..........

______________________________

موسّعا مع تعيّن وقت التعلّق يستلزم القول بجعلين مستقلّين: جعل حكم وضعي و جعل حكم تكليفيّ، و الشيخ الانصاري- قدّس سرّه- الذي هو خرّيت هذا الفن ينكر ذلك، بل المجعول عنده هو الحكم التكليفي فقط ثم الوضعي ينتزع منه. قال في مسألة زكاة المنذور التصدّق به: «و لذا استفيد خروج الزكاة و الخمس عن ملك المالك الى ملك الفقراء من الأمر بدفع بعض النصاب اليهم، و إلّا فلم يرد في أدلّة تشريع الزكاة حكم وضعيّ في تملك الفقراء لحصّتهم من النصاب. و ما ورد من انّ اللّه شرّك بين الاغنياء و الفقراء في أموالهم، و جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم فليس إلّا مأخوذا عن الحكم التكليفي الصادر في اوّل التّشريع، لا انّه ملّك الفقراء أوّلا ثمّ أمر الأغنياء بدفع ملكهم اليهم على حدّ التكليف باداء الامانة، بل الظاهر العكس و استفادة التملك من الأمر بالدفع» «1».

و على هذا فالوجوب مجعول في وقت التعلّق على القولين فيه. فينتفى احتمال كونه مشروطا بالتصفية و الجذاذ و يبقى احتمال كونه معلقا أو موسّعا. و حيث انّه يجوز قطعا أداء الزكاة قبل التصفية أيضا بقصد الزكاة الواجبة مع فرض صدق الاسم فلا محالة ينتفى احتمال التعليق أيضا. فلعلّه يكون الوجوب موسّعا و يصير بالتصفية و الجذاذ مضيّقا، حيث انّ الوقت المتعارف لتقسيم المحصول كما مرّ زمان التصفية و الجذاذ، فالتأخير الى هذا الوقت متعارف لا يوجب الضمان و بعد ذلك يكون التأخير موجبا له، كما صرّح بذلك في المدارك و تبعه المصنف.

و هاهنا

نكتة يجب أن ينبّه عليها. و هي انّ المذكور في الشرائع: «وقت الاخراج في الغلة اذا صفت ...» «2». فليس في عبارته كلمة الوجوب. فمراده تعيين وقت الامتثال، لا وقت الوجوب. و المقصود انّ الوقت المتعارف لامتثال التكليف بالزكاة زمان التصفية و الجذاذ.

و فائدة تعيين ذلك مع جواز الامتثال قبل ذلك ما ذكره في المدارك و تبعه المصنّف من جواز مطالبة الساعي حينئذ و ثبوت الضمان مع التأخير عنه. و من عبّر بالوجوب كالتذكرة

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 467.

(2)- الشرائع 1/ 152.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 16

[يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي]

[مسألة 7]: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي (1) مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

[يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر]

[مسألة 8]: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ منه أو من قيمته (2).

______________________________

و المنتهى و المصنف و غير هما لعله أراد به وجوب الامتثال، لا ثبوت التكليف. فيصير محصل ذلك كلّه انّ الزكاة تجب في وقت التعلق، و لكن زمان امتثاله المتعارف الذي يجوز التأخير اليه و لا يجوز التأخير عنه هو زمان التصفية و الجذاذ، فتدبر.

ثمّ الظاهر انصراف الأدلّة و كلام الأصحاب عن صورة تأخير التصفية و الجذاذ عن وقتهما المتعارف عمدا و بلا جهة، كما لا يخفى.

(1) إذ الولاية لهما و بينهما. نعم، يجب على الساعي رعاية مصلحة الفقراء و بيت المال، كما لا يخفى.

(2) بعد زمان التعلق على القولين فيه، و امّا قبله فلا يجوز إلّا بعنوان القرض مع قبول الحاكم أو الفقيه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 17

جواز دفع القيمة

[مسألة 9]: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين من أيّ جنس كان، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلا. و تسليمها بتسليم العين الى الفقير (3).

______________________________

(3) مرّ البحث عن المسألة في المسألة الخامسة من زكاة الأنعام بالتفصيل. و أصل جواز دفع القيمة في الزكاة اجمالا اجماعي. و يدلّ عليه روايات مذكورة في الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة من الوسائل.

ففي الخلاف (المسألة 58): «يجوز اخراج القيمة في الزكوات كلّها، و في الفطرة أي شي ء كانت القيمة ... دليلنا اجماع الفرقة، فانّهم لا يختلفون في ذلك» «1».

نعم، وقع الاختلاف في المسألة في ثلاثة فروع:

الأول: جواز القيمة في الأنعام. فقد ناقش فيه المفيد و بعض آخر.

الثاني: جواز دفع القيمة من غير النقدين.

الثالث: كون القيمة من المنافع كسكنى الدار و نحوها. و قد قرّبنا في تلك المسألة

بالتفصيل الجواز، و لو في الانعام و من غير النقدين. و قد استفدنا ذلك من رواية البرقي، و من رواية يونس بن يعقوب «2» و ممّا دلّ من الأخبار على جواز احتساب الدين من الزكاة،

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 289.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

و جواز احجاج الغير بها، و جواز تكفين الميت و تجهيزه منها، و ما دلّ على جواز تولّى المالك لصرفها في المصارف الثمانية. و من المعلوم انّ هذا لا يمكن غالبا إلّا بتقويم الزكاة و صرف قيمتها فيها، فراجع ما فصّلناه هناك «1».

و امّا جواز كونها من المنافع ففي المنتهى: «هل يجوز اخراج المنافع كسكنى الدار؟

الأقرب عندي الجواز، خلافا للجمهور. لنا انّه حقّ ماليّ فجاز اخراجه قيمة كالأعيان» «2».

و في البيان: «لو اخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار فالأقرب الصحة.

و تسليمها بتسليم العين. و يحتمل المنع هنا، لأنّها تحصل تدريجا» «3».

و في المدارك: «امّا جواز احتساب المنفعة فمشكل» «4».

أقول: و لعلّ وجه اشكاله ما أشار إليه الشهيد من انّها تحصل تدريجا. فكأنّه لا يصدق الأداء و الدفع حينئذ، أو لأنّ الدفع من المنافع ممّا لم يتعرض له واحدة من الروايات، فانّ المذكور في رواية يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما، و أرى انّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال: لا بأس».

فالرواية و إن كان يستفاد منها جواز دفع القيمة و لو من غير النقدين و لكن لا عموم لها بالنسبة الى المنافع. اللهم إلّا ان يقال: انّه يستفاد من الرواية جواز صرف

الزكاة في كلّ ما يكون خيرا لمصارفها. فاذا فرض انّ الفقير يحتاج شديدا الى مسكن و لا يمكن الشراء له فتسليم الدار اليه ليسكن فيها سنة أو سنتين يكون خيرا له، بل المستفاد من مجموع روايات الزكاة انّ من مصارفها سدّ خلّة الفقراء و رفع احتياجاتهم بالكلية، و من أشدّ الاحتياجات تأمين المسكن و لو بنحو تملك المنفعة أو الانتفاع، بل لعلّه يستفاد من روايات الاحجاج بالزكاة و تجهيز الميت أيضا جواز دفع المنفعة. فان الحاج قد يفتقر الى راحلة من دابّة أو سيارة أو طائرة. فتسلم العين اليه بقصد الانتفاع بها في سفره، و كذلك تجهيز الميت قد يتوقّف على

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 212.

(2)- المنتهى 1/ 504.

(3)- البيان/ 186.

(4)- المدارك/ 298.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 19

[لا تتكرر زكاة الغلات بتكرر السنين اذا بقيت]

[مسألة 10]: لا تتكرر زكاة الغلات (1) بتكرر السنين اذا بقيت أحوالا. فاذا زكّى الحنطة، ثمّ احتكرها سنين لم يجب عليه شي ء.

و كذا التمر و غيره.

______________________________

الاستفادة من السيارة أو محل الغسل أو نحو ذلك.

و بالجملة فيستفاد من مجموع الروايات كفاية دفع المنفعة أيضا. و هذا واضح لمن له شمّ الفقاهة.

(1) اجماعا. حكاه جماعة، ففي الخلاف (المسألة 80): «اذا أخذ العشر من الثمار و الحبوب مرة لم يتكرر وجوبه فيما بعد ذلك و لو حال عليه أحوال. و به قال جميع الفقهاء.

و قال (الحسن) البصري: كلّما حال عليه الحول و عنده نصاب منه ففيه العشر. دليلنا اجماع الفرقة» «1».

و في المعتبر: «و لا يتكرر الزكاة فيها (الغلّات). و على ذلك اتفاق العلماء أيضا عدا الحسن البصري. و لا عبرة بانفراده» «2».

و يدلّ على المسألة- مضافا الى الاجماع، و عدم الخلاف، و كون وقت التعلّق في الغلات قبل

التصفية و الجذاذ و هو لا يقبل التكرّر- صحيحة زرارة و عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي ء و ان حال عليه الحول عنده إلّا ان يحوّل مالا، فان فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه، و إلّا فلا شي ء عليه. و ان ثبت ذلك ألف عام اذا كان بعينه، فانّما عليه فيها صدقة العشر، فاذا أدّاها مرّة واحدة فلا شي ء عليه فيها حتى يحوّله مالا و يحول عليه الحول و هو عنده «3».

و عن الجعفريات باسناده عن عليّ- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه «ص»: ليس في التمر زكاة إلّا مرة واحدة «4».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 298.

(2)- المعتبر/ 269.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 11 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(4)- المستدرك، ج 1، كتاب الزكاة، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 20

مقدار الزكاة في الغلات

[مقدار الزكاة فيما سقى بالماء الجاري هو العشر و فيما سقى بالدلو نصف العشر]
اشارة

[مسألة 11]: مقدار الزكاة الواجب اخراجه في الغلات، هو العشر فيما سقى بالماء الجاري أو بماء السماء أو بمصّ عروقه من الأرض كالنخل و الشجر، بل الزّرع أيضا في بعض الأمكنة، و نصف العشر فيما سقى بالدلو و الرشاء، و النواضح، و الدوالى و نحوها من العلاجات (1).

______________________________

(1) في الشرائع: «كل ما سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر. و ما سقي بالدوالى و النواضح فيه نصف العشر» «1».

و في المعتبر: «على ذلك اتفاق فقهاء الإسلام» «2».

و في المنتهى: «عليه فقهاء الإسلام» «3».

و عن التذكرة: «لا خلاف فيه (في ذلك خ. ل) بين العلماء «4».

و في الجواهر: «بلا خلاف أجده ... بل الاجماع بقسميه عليه» «5».

و يدلّ على ذلك

الأخبار المستفيضة من طرق الفريقين، ففي صحيحة زرارة و بكير، عن

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 154.

(2)- المعتبر/ 270.

(3)- المنتهى 1/ 498.

(4)- التذكرة 1/ 219.

(5)- الجواهر 15/ 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

أبي جعفر «ع» قال: في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدوالى و النضح ففيه نصف العشر.

و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا «1».

و في موثقتهما، عنه «ع»: ... فاذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر. و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّا «2».

و في صحيحة زرارة، عنه «ع»: ... و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالى و النواضح ففيه نصف العشر. و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا «3».

و في صحيحة الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار اذا كانت سيحا أو كان بعلا العشر. و ما سقت السوانى و الدوالى أو سقي بالغرب فنصف العشر «4»، الى غير ذلك.

و عن البخاري، عن النبي «ص»: «فيما سقت السماء و العيون أو كان عثريّا العشر. و ما سقي بالنضح نصف العشر» «5». و نحو ذلك عن مسلم و غيره.

و المراد بالسيح الجريان، و بالبعل ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء، و بالعذي بكسر العين المهملة و سكون الذال المعجمة ما سقته السماء، و نحوه عثريّ بفتحتين و الياء المشدّدة. و الدوالى جمع دالية، و هي الناعورة التي يديرها البقر. و لعلّها مأخوذة من الدلو لترقيتها له. و النواضح جمع ناضح، و هو البعير يستقى عليه. و السوانى

جمع السانية، و هي الناعورة. و كذا البعير يستقى عليه. و الغرب بالغين المعجمة على وزن فلس الدلو العظيم. هذا.

و في المعتبر: «و ضابط ذلك ان ما تسقى بآلة ترفع الماء اليه كان فيه نصف العشر كالدالية و السانية و الدولاب» «6».

و في الجواهر ما حاصله: «انّ الظاهر من النصوص و الفتاوى انّ المدار احتياج ترقية

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 8.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(5)- صحيح البخاري 2/ 133، كتاب الزكاة، باب العشر فيما يسقى من ماء السماء و من ماء الجاري.

(6)- المعتبر/ 270.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 22

..........

______________________________

الماء الى الأرض الى آلة من دولاب و نحوه و عدمه، و انّه لا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار و السواقي و ان كثرت مئونتها، لعدم اعتبار الشارع إيّاه» «1».

و في مصباح الفقيه: «و التعبير بالترقية للجري مجرى الغالب، و إلّا فربّما يكون الماء في مكان عال، و لكن يحتاج ايصاله الى الزرع الى نقله من ذلك المكان بآلة من دلو و شبهه.

و لذا جعل بعض المعيار في ذلك احتياج أصل ايصال الماء الى الزرع الى العلاج و استغنائه عنه، بل عن المناهل ان ظاهرهم الاتفاق على هذا الضابط» «2».

و في المنتهى «فاذا بلغت الغلات النصاب وجبت فيها العشر ان لم يفتقر سقيها الى مئونة كالسقي سيحا أو بعلا أو عذيا. و ان افتقر سقيها الى مئونة كالدوالى و النواضح وجب فيها نصف العشر. و عليه فقهاء الإسلام»

«3».

و لا يخفى لزوم ارجاع المؤونة في كلامه الى مثل العلاجات، كما يشهد بذلك أمثلته، و إلّا فربّما يستلزم اجراء ماء النهر على الزرع أيضا الى مئونة كاستيجار الأشخاص لسقيه.

و الميزان كون وصول الماء من مقره الى الزرع بطبعه بعد جعله معدّا للجري و لو بحفر القناة أو اصلاح المجرى أو ايجاد المخزن أو السدّ أو نحو ذلك من ايجاد الشرائط و رفع الموانع، أو كون وصوله اليه بنقله اليه بآلة من دولاب أو بعير أو نحوهما. ففي الأول يجب العشر و ان استلزم المؤونة، و في الثاني يجب نصف العشر.

و هل المكائن المستحدثة الماصة للماء في عصرنا ملحقة بالأول أو الثاني، أو يفصل بين ما يستلزم المؤونة في كلّ يوم للاستفادة منها و بين غيره، فلو فرض مكينة محكمة تمصّ الماء و تجريه بعد ما نصبت في الأرض و لا استهلاك لها و لا مئونة كان تتحرك بحرارة الشمس مثلا فهي بمنزلة قناة أو نهر ثابت، و امّا ما يحتاج في كلّ يوم الى محرك و زيت و كهرباء و نحو ذلك فهو بمنزلة الدالية و السانية؟ وجوه. و لعلّ الأقوى التفصيل. و على تقدير الشك فالمرجع اصالة البراءة عمّا زاد على نصف العشر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 237.

(2)- مصباح الفقيه/ 69.

(3)- المنتهى 1/ 498.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 23

فروع
[لو سقى بالأمرين و صدق الاشتراك]

و لو سقى بالأمرين فمع صدق الاشتراك، في نصفه العشر، و في نصفه الآخر نصف العشر. و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (1).

______________________________

(1) في الخلاف (المسألة 78): «إذا سقى الأرض سيحا و غير سيح معا فان كانا نصفين أخذ نصفين، و ان كانا متفاضلين غلب الأكثر. و للشافعي فيه قولان: أحدهما

مثل ما قلناه، و الآخر بحسابه. دليلنا اجماع الفرقة» «1».

و في المعتبر: «فان اجتمع السقيان و كان أحدهما أغلب حكم للأكثر. و به قال أبو حنيفة و احمد. و قال الشافعي في أحد قوليه: يقسّط على السقيات، لأنّ كلّ سقي لو انفرد كان له حكم فعند الاجتماع كذلك، كما لو تساويا» «2».

و في التذكرة: «لو سقى بعض المدة بالسيح و بعضها بالآلة فان تساويا أخذت الزكاة بحساب ذلك، فأخذ للسيح نصف العشر، و للدوالى ربع العشر ... و لا نعلم فيه خلافا ...-

و ان تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا» «3».

و في نهاية الشيخ: «و إن كان ممّا قد سقى سيحا و غير سيح اعتبر الأغلب في سقيه ... فان

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 297.

(2)- المعتبر/ 270.

(3)- التذكرة 1/ 219.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 24

..........

______________________________

استويا في ذلك يؤخذ منه من نصفه بحساب العشر، و من النصف الآخر بحساب نصف العشر» «1».

و في الغنية: «و إن كان السقي بالأمرين معا كان الاعتبار بالأغلب من المرتين، فان تساويا زكّى النصف بالعشر و النصف بنصف العشر ... بدليل الاجماع الماضي ذكره» «2».

و في الشرائع: «و ان اجتمع (فيه خ. ل) الأمران كان الحكم للأكثر. فان تساويا أخذ من نصفه العشر و من نصفه نصف العشر» «3».

و بالجملة المذكور في كلمات الأصحاب عنوان التساوي و الأكثرية، و الحكم مرتب عليهما. و ادعي في بعض الكلمات الاجماع و عدم الخلاف فيهما.

و قبل التعرّض لحسنة معاوية بن شريح الآتية و ما يستفاد منها نبحث عمّا تقتضيه القاعدة بلحاظ الاخبار السابقة المفصلة بين نحوي السقيين.

فنقول المحتملات ثلاثة: الأول: ان يقال: انّ كلا منهما يقتضي مقتضاه مع استقلاله، فاذا اجتمعا في زرع واحد

فلا زكاة فيه أصلا.

الثاني: أن يقال: انّ كلا منهما سبب بنحو الاطلاق، فمع اجتماعهما يصدق سقيه بماء السماء، و كذا بالعلاج. فيجب العشر و نصف العشر معا في جميع الزرع.

الثالث:- و هو الصحيح- أن يقال: ان العلتين اذا اجتمعتا على محل فالأثر يقسط عليهما بنسبة تأثيرهما، بالنصف، أو الثلث و الثلثين، أو الربع و ثلاثة أرباع، و هكذا.

و إن شئت قلت: ان المستفاد من اخبار الباب انّ نصف العشر واجب على كلّ حال.

انّما الكلام في النصف الآخر، فيثبت مع السيح، و ينتفي مع الدالية. فاذا ثبت السيح في بعض المدة أثّر بمقدار ثبوته و لو كان بنسبة واحد في خمسين مثلا فالقاعدة تقتضي ما اختاره شافعي.

و في الجواهر: «علّله بعض الأصحاب بان دوام كلّ من الأمرين في جميع السنة يوجب

______________________________

(1)- النهاية/ 178.

(2)- الجوامع الفقهية/ 567.

(3)- الشرائع 1/ 154.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 25

..........

______________________________

مقتضاه، فاذا وجد في نصفه أوجب في نصفه» «1».

نعم، لو غلب أحدهما بنحو يكون الآخر نادرا كالمعدوم فالحكم تابع للغالب، لأنّه الصادق دون غيره، و لأنّه لا يوجد السقي بالدالية و نحوها في الأغلب إلّا و يصادف مطرا أو مطرين، فيعلم بذلك عدم العبرة بمثل ذلك.

هذا ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن حسنة معاوية، و امّا الحسنة فهي ما رواه معاوية بن شريح، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: فيما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا فالعشر. فامّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر، فقلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالى ثمّ يزيد الماء و تسقى سيحا؟ فقال: ان ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت:

نعم. قال: النصف و النصف، نصف بصنف العشر، و نصف بالعشر، فقلت: الأرض تسقى بالدوالى

ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا، قال: و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة أو اربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة اشهر، سبعة أشهر. قال: نصف العشر «2». و السند لا بأس به. و الظاهر انّ المراد بمعاوية ابن شريح معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي، فنسب الى جده.

و قوله: «النصف و النصف ...» يحتمل فيه أمران: الأول: ان يراد به نصف بالعشر، و نصف بنصف العشر. فيكون ما بعده بيانا له. الثاني: أن يكون «النصف و النصف» مبتدأ و ما بعده خبرا له. فيكون المراد ان السقيين ان كانا بالمناصفة كانت الزكاة بالعشر و نصف العشر. و الظاهر المتبادر الأول، اذ لا يتوجه ذهن السامع الى الثاني إلّا بعد التنبيه عليه. مضافا الى أنّه على الثاني لا يكون الجواب مستوعبا لجميع الشقوق و يبقى غير صورة المناصفة بلا جواب. و امّا على الأوّل فالجواب مستوعب، حيث ان السائل سأل عن صورة تحقق السقيين معا و لم يفصل بين كونها بالمناصفة أو بنحو التفاوت، و الامام- عليه السلام- أجاب بكون الوظيفة الأخذ بنصفين من غير استفصال. و ترك الاستفصال دليل العموم،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 239.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

و تنزيل اطلاق الجواب على صورة التساوي عددا أو زمانا أو نفعا، تنزيل على فرد نادر الحصول أو نادر الاطلاع عليه.

و على هذا فالحكم ليس دائرا مدار عنوان التساوي، بل صدق السقيين معا و ان كان بنحو التفاوت في الزمان أو العدد. و هو الذي اصرّ عليه صاحب الجواهر، و اختاره المصنف أيضا، حيث عبّر

بالاشتراك و الاشتراك أعمّ من التساوي.

اللّهم إلّا أن يحمل التساوي في كلمات الأصحاب أيضا على التساوي في الصدق، لا في المدة و العدد. و لكنه خلاف الظاهر، بل لا يجرى هذا التوجيه في عبارة الخلاف حيث قال: «فان كانا نصفين أخذ نصفين».

و بالجملة الظاهر من الاحتمالين هو الأول، فيكون الحكم دائرا مدار صدق السقيين معا، أو صدق أحدهما بأن يكون الآخر نادرا كالمعدوم. ففي الأول يؤخذ بنصفين و ان تفاوت السقيان بحسب الزمان و العدد، و في الثاني يؤخذ بما غلب. و هو اختيار الجواهر و تبعه المصنف. فيكون المراد من قوله: «غلبة الصدق لأحد الأمرين» عدم الاشتراك في الصدق، بل صيرورة الغالب صادقا دون الآخر.

و امّا المستفاد من ذيل الحديث سؤالا و جوابا فهو ان التفاوت بين السقيين اذا كان بنسبة الواحد الى الست أو السبع فالحكم تابع للأكثر. و لعلّ هذا المقدار من التفاوت موجود غالبا في ما يسقى بالعلاج، حيث يصادف غالبا لمطر أو مطرين. و هل يكون هذا المقدار من التفاوت موجبا لصدق أحدهما فقط و صيرورة الآخر كالمعدوم، أو لا يكون بهذا الحد؟ فيه اشكال.

و كيف كان فهذا المقدار من التفاوت يوجب كون الحكم تابعا للأكثر، بمقتضى ذيل الحديث. فبه يفسّر الصدر، أو يخصص على فرض عمومه لهذا المقدار من التفاوت أيضا.

و كيف كان فلم نجد على كون الملاك و الموضوع في المسألة عنوان التساوي و الأكثرية دليلا و ان ذكرهما الأصحاب، كما عرفت. و كون الاجماع المدعى بنحو يكشف عن تلقّي العنوانين عن الأئمة- عليهم السلام- مشكل، اذ لعلّ دليلهم حسنة معاوية، فعلينا الدقّة في مفادها. و سنشير في آخر المسألة الى حكم السك فيها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص:

27

..........

______________________________

و استدل في التذكرة على اعتبار الأكثرية بان «اعتبار مقدار السقي و عدد مرّاته و قدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ و يتعذّر، فجعل الحكم للغالب كالطاعة اذا كانت أغلب على الانسان كان عادلا و إن ندرت منه المعصية» «1». و منه يظهر اعتبار كون الأكثرية بحيث يندر خلافها.

ثمّ هل الاعتبار في الأكثرية بالاكثرية عددا، أو زمانا، أو نموّا و نفعا؟ وجوه، بل أقوال. حكي الأول عن المدارك و مجمع البرهان و الرياض. و في المسالك استوجه الثاني.

و عن القواعد و التذكرة و الايضاح و الدروس و الموجز و كشف الالتباس و تعليق النافع و جامع المقاصد اعتبار النفع و النموّ، لأنّ السقية بالسيح قد تساوي عشرا بالناضح. و اختاره في الجواهر و مصباح الفقيه أيضا.

و استدلّ للقول الأوّل بانّ المؤونة تكثر بكثرة العدد، و هي الحكمة في اختلاف الواجب.

فان قلت: الظاهر من الحسنة اعتبار الزمان، حيث استفسر الامام في آخرها عن زمان السقي و السقيتين.

قلت: لعلّ الزمان طريق الى العدد، حيث ان ضبط السقيات بالعدد يعسر غالبا، فتضبط بالزمان، فتأمّل.

و استدلّ لاعتبار الزّمان بالحسنة. و الدلالة واضحة.

و استدلّ لاعتبار النفع و النمو أيضا بالحسنة، بتقريب انّ السائل حيث سأل عن الأرض تسقى بالدوالى ثم تسقى سيحا أجاب الامام- عليه السلام- بالنصف و النصف من دون استفسار عن عدد السقيين و لا عن زمانهما. فيعمل بذلك ان الامام «ع» فهم من كلام الراوي ان الحصول و النموّ السقيين كان على نمط واحد من الاعتداد به، فهو المعتبر.

و في مصباح الفقيه: «اذ لا اعتداد بعدد السقيات من حيث هو، و لا بطول مدتها من حيث هو فيما ينسبق الى الذهن من اطلاق قول

القائل ما سقي بالسيح ففيه كذا، و ما سقي بالدوالى ففيه كذا، بل المنساق منه ارادة السقي الذي يتقوم به تعيّش الزرع و حياته، و إلّا

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 219.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 28

[لو سقى بالأمرين و شك في صدق الاشتراك]

و لو شك في صدق الاشتراك، أو غلبة صدق احدهما، فيكفي الأقل (1). و الأحوط الأكثر.

______________________________

فربّ سقي لا فائدة فيه للزرع، بل قد يكون مضرا، كما انّه قد لا يحتاج الزرع في أوقات برودة الهواء الى السقي مدة شهر أو شهرين. فالعبرة بالسقي المفيد للزرع في أوقات حاجته اليه في تعيشه و حياته» «1».

أقول: ما يوجد في المصباح، و كذا في الجواهر من النقض بالسقيات غير النافعة أو المضرّة لا يخلو من نحو مغالطة. اذ الظاهر انّ القائلين باعتبار الكثرة عددا أو زمانا لا يريدون حساب السقيات المضرّة أو الواقعة لغوا كالسقي في الشتاء مثلا، و انّما المقسم السقيات الواقعة في محلّها و وقتها بحيث يحتاج اليها الزرع و الشجر. فالملحوظ هذه السقيات فقط. فهذه السقيات اذا وقعت على نحوين فالدقّة في انّ أيّا منهما انفع و أنمى للزرع أمر يعسر الاطلاع عليه. و كذا حساب عدد السقيات ممّا يعسر غالبا، فلا محالة تضبط بالزمان. فالأقرب اعتبار الزمان على فرض اعتبار مطلق الأكثرية.

ثمّ على فرض اعتبار الأكثرية فهل المراد بها الأكثرية الحقيقية الحاصلة بزيادة واحدة أو يوم مثلا، أم الأكثرية العرفية، بان كان التفاوت بمقدار يعتدّ به عرفا، أم الأكثرية الملحقة للآخر بالنادر المعدوم عرفا بحيث لا يتحقق الصدق إلّا للعنوان الأكثر؟ وجوه.

و اختار في الجواهر الأخير. و قد عرفت الاشكال فيه، حيث انّ المستفاد من ذيل الحسنة كفاية كون النسبة نسبة الستّ الى الواحد. و ليس السدس ممّا

يعدّ نادرا معدوما عرفا.

فلعلّ الثاني هو الأقوى.

نعم، المستفاد من صدر الحسنة كما عرفت ما اختاره في الجواهر. اذ يستفاد من ترك الاستفصال فيه انّه اذا صدق انّه يسقى بهما معا فالحكم المناصفة، سواء تساويا عددا أو زمانا أو نفعا أم تفاوتا، و لكن الذيل يفسر الصدر أو يخصصه، فتدبّر.

(1) لأنّه من موارد الأقل و الأكثر الاستقلاليين، فيجرى البراءة عن الأكثر بلا اشكال.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 69.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 29

..........

______________________________

و في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- قدّس سرّه- الاشكال على البراءة هنا بأنّها تفيد على فرض كون تعلّق الزكاة بنحو التكليف فقط أو الحقّ، و امّا على الاشاعة و الملكيّة فكما يستصحب عدم ملكية الفقراء بالنسبة الى المقدار الزائد على المتيقّن يستصحب عدم ملكية صاحب المال بالنسبة اليه أيضا، سواء كانت الشبهة حكمية كما في المقام، أو موضوعية كما اذا ورث الزرع أو الشجر و شك في انّ مورثه سقاهما بالنهر أو بالدالية «1».

أقول: الظاهر عدم ورود الاشكال، اذ الزرع و الشجر كانا باجمعهما و بثمرهما لصاحب المال، و بايجاب الزكاة يخرج بعضهما عن ملكه. فاستصحاب الملكيّة بالنسبة الى المقدار المشكوك فيه بلا اشكال، فتدبّر.

و هاهنا سؤال مشهور، و هو انّ الزكاة اذا كانت لا تجب إلّا بعد اخراج المؤن فأيّ فارق بين ما كثرت مئونته أو قلّت حتى وجب في احدهما العشر و في الآخر نصفه.

و عن المحقق في «المسائل الطبرية» الجواب عن ذلك بأنّ الأحكام الشرعية متلقاة عن الشارع و كثير من علل الشرع غير معلوم لنا فتكون علة الفرق نفس النص، و بانّ استعمال الاجراء على السقي و الحفظة و اشباه ذلك كلفة متعلّقة بالمالك زائدة على الاجرة، فناسبها التخفيف عن

المالك «2».

و قد يؤيّد ذلك بان الغالب فيما يسقى بالعلاج ان يتصدّى الزارع بنفسه لكثير من الامور، و كذا ولده و عياله. و شي ء من ذلك لا تحسب له اجرة، و لا يستثنى بعنوان المؤونة، كما يأتي في محله.

و قد يجاب أيضا بأن تقديم المؤونة من الكلفة، و بقلّة الحاصل فيما يسقى بالعلاج.

و في البيان: «يحتمل ان يسقط مئونة السقي لأجل نصف العشر و يعتبر ما عداها إلّا انّا لا نعلم به قائلا» «3» هذا.

و سنعود الى بيان الاشكال دليلا لمن أنكر استثناء المؤونة، فانتظر.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 6.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 96.

(3)- البيان/ 180.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 30

[لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج الى السقي بالدوالى و مع ذلك سقى بها]

[مسألة 12]: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج الى السقي بالدوالى و مع ذلك سقى بها من غير أن يؤثر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العشر. و كذا لو كان سقيه بالدوالى و سقى بالنهر و نحوه من غير أن يؤثر فيه، فالواجب نصف العشر (1).

[الأمطار العادية لا تخرج ما يسقى بالدوالى عن حكمه]

[مسألة 13]: الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالى عن حكمه (2)، إلّا اذا كانت بحيث لا حاجة معها الى الدوالى أصلا، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة، فحينئذ يتبعهما الحكم.

[لو أخرج شخص الماء بالدوالى عن أرض مباحة فزرعه آخر]

[مسألة 14]: لو أخرج شخص الماء بالدوالى عن أرض مباحة مثلا، عبثا أو لغرض آخر، فزرعه آخر و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر. و كذا اذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه (3).

______________________________

(1) في كشف الغطاء: «و لو سقى البعل أو العذى بالدوالى عفوا من غير تأثير لزم العشر، و بالعكس بالعكس» «1».

و وجه ذلك ما قدمناه من ظهور السقي في خصوص السقي الذي يحتاج اليه الزرع. نعم، لو كان يسقى سيحا مثلا فعرض مانع فسقى بالدوالى أو بهما فالحكم تابع للسقي الفعلي، لا التقديري.

(2) لما مرّ من أنّه قلّما يسقى بالدوالى و لا يصادفه مطر أو مطران و الحكم تابع للغالب.

نعم، لو كثر المطر بحيث استند السقي اليهما معا فالحكم تابع لهما.

(3) في كشف الغطاء: «و لو سقى الزرع بالدوالى مثلا، فجرى الزائد على زرع آخر من

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 31

بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي (1). و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد و جرى على أرض اخرى (2).

______________________________

دون علاج احتمل فيه الوجهان. و لعلّ نصف العشر أقوى. و لو أخرج الماء بالدوالى مثلا على أرض ثم زرعت فكان الزرع بعلا احتملا أيضا. و الأقوى نصف العشر» «1».

و لا يخفى ان الموضوع لنصف العشر السقي بالدوالى. و الحكمة فيه الكلفة الزائدة. و في المسألة بشقوقها يوجد الموضوع بالوجدان، و

لكن الكلفة لم تتحمل لهذا الزرع. فالأمر يدور بين كون الملاك موضوع الحكم أو حكمته. و الأقوى الأول. اللهم إلّا ان يدعى انصراف الأدلة الى صورة كون اخراج الماء لأجل الزرع، فيفصل في الفروع الأربعة التي تعرض لها المصنف بين الأولين و الأخيرين، كما لا يخفى.

(1) فسقى به غيره.

(2) فانّه بحكم الفرع الذي قبله. اذ في كليهما اخرج الماء بقصد الزرع، بخلاف الأولين. و القصد الى خصوصية الزراعة و كميّتها غير معتبر قطعا. فلو أخرج الماء و تخيّل انّه يسقى به عشرة جربان مثلا ثم تبين انّه يكفي لعشرين جريبا فالكلّ محكوم بحكم واحد بلا اشكال.

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 32

الزكاة بعد اخراج حق المقاسمة و الخراج

[الزكاة بعد اخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة]

[مسألة 15]: انّما تجب الزكاة بعد اخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة (1).

______________________________

(1) هاهنا أربع مسائل اصلية يبحث عنها في هذه المسألة و المسألة الآتية:

الاولى: هل في الأراضي الخراجية زكاة- مضافا الى خراجها- أم لا؟ فعندنا و عند أكثر العامة تجب فيها الزكاة. و قال أبو حنيفة ليس فيها زكاة.

الثانية: هل الزكاة بعد حق المقاسمة، أو في جميع الغلة؟ الظاهر الاتفاق على انّه بعده.

اذ حقّ المقاسمة ثابت بنحو الاشاعة و الشركة، فلا يجب على العامل زكاة إلّا في حصة نفسه. و يدلّ على ذلك اخبار نتعرض لها.

الثالثة: لو كان الخراج ثابتا بنحو الاجارة، لا بنحو المزارعة و المقاسمة فهل الزكاة قبله أو بعده؟ و بعبارة اخرى: هل الخراج يخرج من الوسط ثم يزكى الباقي، أو يزكى جميع الغلة؟

الرابعة: هل الزكاة بعد المؤونة، أم لا تخرج المؤونة؟ فهنا أربع مسائل اصلية. و هنا فروع اخر ينبه عليها أيضا.

إذا عرفت هذا فنقول: قال في الخلاف (المسألة 79): «كلّ أرض فتحت عنوة بالسيف

فهي أرض لجميع المسلمين: المقاتلة و غيرهم. و للإمام الناظر فيها تقبيلها ممن يراه بما يراه من نصف أو ثلث. و على المتقبل بعد اخراج حق القبالة العشر أو نصف العشر فيما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 33

..........

______________________________

يفضل في يده و بلغ خمسة أوسق. و قال الشافعي: الخراج و العشر يجتمعان في أرض واحدة يكون الخراج في رقبتها و العشر في غلّتها ... و به قال الزهري و ربيعة و مالك و الاوزاعي و الليث بن سعد و احمد و اسحاق. و قال أبو حنيفة و أصحابه: العشر و الخراج لا يجتمعان، بل يسقط العشر و يثبت الخراج ... دليلنا اجماع الفرقة و الاخبار ...» «1». ثمّ تعرّض للأخبار الدالة على كون أرض السواد لجميع المسلمين.

فالشيخ في هذه المسألة تعرض لثلاث مسائل: كون الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين، و ثبوت الزكاة فيها خلافا للحنفية، و كون الزكاة بعد حقّ المقاسمة. فهل الاجماع الذي ادعاه يرتبط بالجميع أو بالبعض؟ ربّما ينقدح في الذهن ان تعرّضه أولا للمسألة الاولى ثمّ تعرّضه بعد الاجماع لأخبارها دون اخبار الزكاة و كونها بعد حقّ المقاسمة يوجب ترديدا في ارادة الثلاثة، ان لم يوجب الظنّ بعدم ارادتها. فلا يثبت لنا ادعاء اجماعه في مسألتي الزكاة، هذا.

و في الشرائع: «و لا تجب الزكاة إلّا بعد اخراج حصة السلطان و المؤن كلّها على الأظهر» «2».

و لعلّ قوله: «على الأظهر» يرجع الى خصوص اخراج المؤن، و إلّا فاخراج حصة السلطان اذا اريد بها حقّ المقاسمة كما هو الظاهر من لفظ الحصّة بلا اشكال، كما عرفت.

و في الجواهر بعد ذكر اخراج حصة السلطان قال: «بلا خلاف أجده كما عن جماعة الاعتراف به أيضا، بل

عن الخلاف الاجماع عليه» «3». و قد مرّ منّا الاشكال في رجوع اجماع الخلاف الى مسألتي الزكاة.

و في المعتبر: «خراج الأرض يخرج وسطا، و تؤدى زكاة ما بقى اذا بلغ نصابا لمسلم.

و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام. و قال أبو حنيفة: لا عشر في الأرض الخراجية،

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 297.

(2)- الشرائع 1/ 153.

(3)- الجواهر 15/ 223.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 34

..........

______________________________

لقوله «ع»: لا يجتمع عشر و خراج في أرض واحدة، و لأنّ العراق فتح عنوة و لم ينقل أخذ العشر عن امام عادل و لا جائر، و لأنّهما حقان للّه- تعالى- فلا يجتمعان في المال الواحد كزكاة السائمة و التجارة. لنا قوله- عليه السلام-: فيما سقت السماء العشر، و لأنّهما حقّان مختلفان لمستحقين متغايرين فلم يسقط أحدهما بالآخر؟» «1».

فهو- قدّس سرّه- ادّعى أمرين: اخراج الخراج وسطا و ثبوت الزكاة في أرض الخراج.

فهل يرجع قوله: «و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام» إليهما معا أو الى خصوص الثاني؟

لا يخفى ان ذكر فتوى أبي حنيفة بعده، ثمّ بيان أدلّته، ثمّ بيان أدلّة نفس المحقق أخيرا، يشهد بان النظر في المسألة الى المسألة الثانية، أعني ثبوت الزكاة في الأرض الخراجية، و امّا كون الزكاة بعد الخراج فهو أمر ادّعاه أوّلا من دون أن يتصدّى لإثباته. فنسبة ادّعاء الاجماع اليه في مسألة اخراج الخراج قبل الزكاة بلا وجه. نعم، هو فتواه. و ظاهره ارادة الأعم من المقاسمة، كما لا يخفى.

و في الحدائق: «لا خلاف بين الأصحاب في استثناء حصة السلطان. و المراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم و يسمّى خراجا، أو حصّة من الحاصل و يسمّى مقاسمة. و انّما اختلفوا في غيرها من المؤن هل

يجب استثناؤها كالخراج أم لا؟» «2».

و لا يخفى انّ ما ادّعى أولا عدم الخلاف فيه هو اخراج حصّة السلطان. و حصّة السلطان ظاهرة في خصوص المقاسمة التي تقتضي القاعدة و الاخبار اخراجها قبل الزكاة. و امّا بيانه للمراد من الحصة فأمر تبرّع به نفسه. و لا نسلّم عدم الخلاف فيه، و لا ادّعى هو أيضا عدم الخلاف فيه.

و في المسالك: «المراد بحصة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج أو الأجرة و لو بالمقاسمة، سواء في ذلك العادل و الجائر» «3».

______________________________

(1)- المعتبر/ 270.

(2)- الحدائق 12/ 123.

(3)- المسالك 1/ 44.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 35

..........

______________________________

و في جامع المقاصد: «المراد به (حصة السلطان) الخراج أو قسمتها و لو كان السلطان جائرا» «1».

و لا يخفى ان اطالتنا للبحث لغرض الردّ على من زعم تحقق الاجماع على اخراج الخراج قبل الزكاة. فمعقد الاجماع في الخلاف كون أرض الخراج للمسلمين. و معقده في المعتبر وجوب الزكاة في حاصل الأرض الخراجية. و معقده في الحدائق كون الزكاة بعد حصّة السلطان الظاهرة في السهم المشاع، يعني حقّ المقاسمة. و كذا معقد عدم الخلاف المدعى في الجواهر. نعم، فسّرها في الحدائق و المسالك و جامع المقاصد بالأعمّ.

و لكن نظرهم ليس اجماعا في المسألة. و لذا ترى العلامة مع استثنائه حصة السلطان في القواعد و التذكرة قال في التذكرة: «تذنيب: لو ضرب الامام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع لأنّه كالدين» «2».

و بالجملة ادعاء الاجماع في استثناء الخراج بلا وجه. نعم، ادّعاؤه في استثناء حصّة السلطان، أعني حقّ المقاسمة لا يخلو من وجه، لعدم الخلاف فيه. و الشيخ أيضا في النهاية استثنى مقاسمة السلطان، كما تأتي عبارته.

و

كيف كان فاستثناء حقّ المقاسمة بلا اشكال، فانّه مطابق للقاعدة. حيث انّ الحاصل و الثمرة حين انعقاد الحبّ و بدوّ الصلاح بنحو الشركة، فلا يجب على العامل زكاة حصة السلطان.

و كذلك وجوب الزكاة في حاصل الأرض الخراجية أيضا على القاعدة، لتعدّد موضوع الخراج و الزكاة. فموضوع الخراج الأرض الخراجية، و موضوع الزكاة الغلات الأربعة. و كلّ موضوع يقتضي حكم نفسه و يجلبه. فالمسألتان على وفق القاعدة، و الاخبار أيضا تدلّ عليهما.

فمنها صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم جميعا، عن أبي جعفر «ع» انّهما قالا له: هذه

______________________________

(1)- جامع المقاصد 1/ 149.

(2)- التذكرة 1/ 220.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه. و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، انّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «1»: و دلالتها على المسألتين واضحة.

و قد يتوهّم انّ السؤال و إن كان عن صورة المزارعة و لكن الجواب عام لكل ما قاطع السلطان عليه، فيشمل الخراج أيضا و السؤال غير مخصّص.

و لكن يرد عليه انّه في آخر الجواب أيضا صرح بالمقاسمة. و الاطمينان بارادة العموم مع خصوصية الصدر و الذيل لا يحصل قطعا.

هذا مضافا الى انّ الخراج بنفسه ليس فيما اخرج اللّه، بل في ذمة المزارع. اللهم إلّا ان يراد بقوله: «الذي قاطعك عليه» الأعمّ منه و ممّا يعاد له و لكنّه بعيد.

و منها خبر علي بن احمد بن اشيم، عن صفوان و البزنطي، قالا ذكرنا له (أي الرضا «ع») الكوفة و ما وضع عليها من الخراج (الى أن قال): و

ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام، يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر. و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم «2».

و منها صحيحة البزنطي، قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا- عليه السلام- الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام، يقبّله بالذي يرى. و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر. و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر «3».

و الروايتان مفصلتان، متعرضتان لحكم الأراضي. و ذكرهما بتمامهما في الوسائل في الباب 72 من كتاب الجهاد؛ و مضمونهما متقارب. و كلاهما عن الرضا- عليه السلام- و الراوي عنه في إحداهما صفوان و البزنطي، و في الاخرى البزنطي. و سند الثانية صحيح.

و في الاولى علي بن احمد بن اشيم و هو مجهول. فربّما يقرب الى الذهن بسبب وحدة المضمون و الراوي و المروي عنه وحدة الروايتين و سقوط ابن اشيم عن الثانية، فتسقط عن الاعتبار.

و لكن قد يمنع ذلك أولا بان الراوي عن ابن اشيم هو احمد بن محمد بن عيسى و هو على

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 37

..........

______________________________

ما قيل أخرج احمد بن محمد بن خالد من قم بروايته عن الضعفاء، فكيف يروي هو بنفسه عنهم؟ فيثبت بذلك وثاقة ابن اشيم. هذا، مضافا الى نقل الصدوق أيضا عنه. و ثانيا بان احمد بن محمد بن عيسى من الطبقة السابعة، و صفوان و البزنطي من السادسة، فيجوز نقله عنهما بلا واسطة.

فلعلّه سمع الحديث من البزنطي تارة بواسطة ابن اشيم، و تارة بلا واسطة.

و الأصل عدم النقيصة في السند و المتن.

و كيف كان فالروايتان تدلان على ثبوت الزكاة في أرض الخراج و كونها بعد حقّ المقاسمة كما هو واضح.

و ربّما يتوهم دلالة الروايتين و لا سيّما الاولى منهما على استثناء الخراج أيضا و كون الزكاة بعده، بتقريب انّ السؤال في ابتدائهما عن الخراج بنحو الاطلاق و قبالة الارض أيضا أعمّ من الخراج و المقاسمة.

و يرد عليه أولا ان لفظ الحصص ظاهر في السهم المشاع، فيراد بها الباقي بعد حقّ المقاسمة. و ثانيا انّ قوله: «سوى قبالة الأرض» لا يراد به استثناء قبالة الأرض و كون الزكاة في غيرها، بل يراد به وجوب الزكاة مضافا الى الخراج. كيف؟ و لو أريد به الاستثناء لزم أن يقال: «في سوى قبالة الأرض» و يراد بها الأعمّ من حقّ المقاسمة و ممّا يعادل الخراج من الغلة. اذ المستثنى على القول به ليس نفس الخراج؛ بل ما يعادله من الغلة، و لا يخفى تكلّف ذلك، فتدبّر.

و قد يتوهّم انّ الحصص في الروايتين ليست في قبال حصّة السلطان؛ بل يراد بها حصص المتقبلين بعضها في قبال بعض بان اشتركوا في الزرع، فيجب أن يبلغ حصّة كلّ منهم النصاب.

و فيه- مضافا الى كونه خلاف الظاهر- ان مقتضى ذلك عدم دلالة الروايتين لا على استثناء الخراج و لا على استثناء حقّ المقاسمة، لما عرفت من عدم دلالة قوله: «سوى قبالة الأرض» على الاستثناء و كون الزكاة في سواها.

و بالجملة فالروايات الثلاث في الباب السابع من الوسائل تدلّ على المسألتين، و لا دلالة لها على استثناء الخراج أصلا.

و تعارض هذه الروايات روايات اخر ربّما يستفاد

منها عدم وجوب الزكاة في أرض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

الخراج، كما أفتى به أبو حنيفة و أتباعه.

فمنها ما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا، عن أحدهما- عليهما السلام- قال: في زكاة الأرض اذا قبلها النبي «ص» أو الامام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه، و ليس على المتقبّل زكاة إلّا أن يشترط صاحب الأرض ان الزكاة على المتقبل. فان اشترط فان الزكاة عليهم و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلّا على من كان في يده شي ء ممّا أقطعه الرسول «ص» «1».

و قد حملها الشيخ، و كذا غيرها من الأخبار الآتية على عدم وجوب الزكاة في جميع ما خرج من الأرض و إن كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة. و استشهد لذلك بما في صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم السّابقة من قوله- عليه السلام-: «و ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر. و انّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». هذا.

و امّا قوله: «و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة» فلعلّه كان من جهة اجزاء ما يأخذه سلطان الجور منهم بعنوان الزكاة، أو اجزاء ما يأخذه بعنوان الخراج ظلما.

و لعلّهم كانوا لا يأخذون ممّا أقطعه الرسول شيئا، فلذلك استثناه.

و يمكن أيضا حملها المرسلة و كذا الاخبار الآتية على التقية، كما اختاره في الحدائق.

و يمكن أيضا حملها على كون المأخوذ باسم الخراج عبارة عن الخراج و الزكاة معا. اذا الظاهر انّهم كانوا يحسبون المجموع و يأخذونه دفعة واحدة. فوزان هذه الأخبار وزان الأخبار المستفيضة الحاكمة بكفاية ما يأخذونه بعنوان الزكاة و عدم وجوب اعادتها، فراجع الباب العشرين من أبواب المستحقين من الوسائل.

و ما

يستفاد منه لزوم الاعادة يحمل على الاستحباب، أو على صورة الأداء الى الجائرين بالاختيار. هذا.

و لو لم يكن في البين اجماع و كانت المرسلة معتبرة أمكن أن تجعل شاهدة للجمع بين الاخبار السابقة الحاكمة بوجوب الزكاة في أرض الخراج، و الاخبار الآتية الحاكمة بعدم

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 39

..........

______________________________

وجوبها فيها، فيحكم بالوجوب مع الاشتراط و عدمه مع عدمه، و يحمل قوله: «و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة» على فرض عدم الاشتراط، و استثناء ما اقطعه الرسول على فرض الاشتراط.

و لكن مرّ ان وجوب الزكاة في أرض الخراج اجماع منّا. و به قال أكثر أهل السنة.

و القاعدة أيضا تقتضي ذلك، لتعدّد الموضوع. فيجب طرح الاخبار المعارضة، أو تأويلها.

و منها أيضا صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النّصف هل عليه في حصّته زكاة؟ قال: لا. قال: و سألته عن المزارعة و بيع السنين. قال: لا بأس «1».

و يجاب عنها أيضا بأحد الأجوبة الثلاثة الّتي مرّت. و احتمال ارجاع الضمير في قوله:

«في حصته» الى السلطان قريب جدا، كما لا يخفى.

و منها أيضا خبر سهل بن اليسع، انّه حيث انشأ سهل آباد و سأل أبا الحسن موسى- عليه السلام- عمّا يخرج منها ما عليه؟ فقال: إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء و ان لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك اخراج عشر ما يكون فيها «2». و يجري فيه الأجوبة الثلاثة.

و لا يخفى ان إنشائه سهل آباد يستفاد منه كونه مواتا قبل إنشائه. فلم يكن من أرض الخراج. فيقرب جدا كون الخراج المأخوذ منه بعنوان الزكاة، فلا يجب

اعادتها بمقتضى الاخبار المستفيضة المشار إليها.

و منها أيضا صحيحة رفاعة بسند الشيخ، و خبره بنقل الكليني، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها الى السلطان هل عليه فيها عشر؟ قال: لا «3». و الجواب الجواب.

و لعلّ الارث و الاشتراء يستفاد منهما عدم كون الأرض أرض خراج، فانّها ملك

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 40

[الزكاة بعد إخراج الخراج و ما يؤخذ ظلما]

بل ما يأخذه باسم الخراج أيضا (1)، بل ما يأخذه العمّال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما اذا لم يتمكّن من الامتناع جهرا و سرّا (2).

______________________________

للمسلمين و لا تورث و لاتباع. فالخراج في الحديث أيضا يراد به الزكاة، فلا تجب اعادتها.

و منها أيضا خبر أبي كهمس، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه «1». و الجواب الجواب.

فتلخص ممّا ذكرنا بطوله ثبوت الزكاة في أرض الخراج أوّلا، و كونها بعد حقّ المقاسمة ثانيا، و امّا استثناء الخراج بالمعنى الأخص فلم نجد به نصا. اللهم إلّا عبارة فقه الرضا الآتية.

(1) هذه هي المسألة الثالثة من المسائل الأربع التي أشرنا إليها. و قد يتوهّم ان استثناء الخراج من المسائل المسلّمة عند الأصحاب و لو لم نقل باستثناء المؤونة، بل قد يتوهم كونه اجماعيا. و استدل عليه مضافا الى ذلك بالاخبار الثلاثة الّتي استدل بها على استثناء حق المقاسمة بتقريب مرّ.

أقول: قد عرفت مفصلا ان معقد اجماع الخلاف كون أرض الخراج للمسلمين. و معقد اجماع المعتبر

وجوب الزكاة في أرض الخراج في قبال أبي حنيفة. و معقد عدم الخلاف في الحدائق و الجواهر استثناء حصّة السلطان و هي المذكورة في أكثر كتب الأصحاب و منها الشرائع. و الحصة ظاهرة في السهم المشاع أعني حق المقاسمة. نعم، صرّح في المسالك و جامع المقاصد و الحدائق بكونها أعمّ و لكن ليس هذا اجماعا. و الاخبار الثلاثة أيضا لم نستفد منها سوى استثناء حقّ المقاسمة كما مرّ، فراجع. فلا دليل على استثناء خصوص الخراج بعنوانه. و لذا صرح في التّذكرة بعدم استثنائه مع تصريحه فيها و في القواعد باستثناء حصّة السلطان. و قد عرفت ان القاعدة أيضا تقتضي استثناء حقّ المقاسمة بخلاف الخراج. فما في الجواهر في ردّ العلامة: «و هو كما ترى محجوج بالنصّ و الفتوى» هو كما ترى.

نعم، لو أخذ من العين قهرا جاز اخراجه. كما انّه لو قلنا باستثناء المؤونة فالخراج أيضا من أفرادها. و في عبارة فقه الرضا الآتية التصريح باستثنائهما معا، فانتظر.

(2) في المسالك: «و المراد بحصّة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج أو

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 41

..........

______________________________

الاجرة و لو بالمقاسمة، سواء في ذلك العادل و الجائر إلّا ان يأخذ الجائر ما يزيد على ما يصلح كونه اجرة عادة، فلا يستثنى الزائد إلّا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكّن المالك من منعه منه سرّا أو جهرا، فلا يضمن حصّة الفقراء من الزائد» «1». هذا.

و لكن شمول حصة السلطان و عنوان الخراج له محلّ تأمل، بل منع. نعم، لو أخذ الزائد من عين الغلّة و لم يتمكن المالك من منعه كان من قبيل غصب

العين الزكوية الذي لا ضمان فيه للزكاة، سواء كان الظلم عاما أو خاصا. و ان أخذ من غير العين دار الأمر مدار عدّة عرفا من مئونة الزرع و الثمرة. و لعله يفرق عندهم بين صورة العموم و الخصوص، فعلى الأول يعدّ عرفا من مئونتهما دون الثاني، فتدبر.

و قد يستدل لاستثناء المأخوذ زائدا برواية سعيد الكندي، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: انّي آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم؟ قال: اعطهم فضل ما بينهما.

قلت: أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم؟ قال: انّما زادوا على أرضك «2». بتقريب ان الزائد يجب اعطاؤه كالخراج. و انه من مئونة الأرض مثله، فتأمّل.

تنبيه: هل الخراج على فرض استثنائه يختصّ بما يأخذه السلطان العادل، أو الأعم منه و من الجائر من السّنة، أو الأعم منهما و من الجائر من الشيعة؟ ثم هل يراد به ما يؤخذ من الأراضي المفتوحة عنوة، أو الأعم منها و من الانفال كأرض الموات و المفتوحة صلحا و نحوهما؟

ففي مصباح الفقيه ما ملخصه: «ثم لا يخفى عليك ان ليس المراد بالسلطان خصوص السلطان العادل، بل أعم منه و من المخالفين الذين كانوا يدّعون الخلافة، كما هو الشأن بالنسبة الى الموجودين حال صدور الاخبار. و هل يعمّ سلاطين الشيعة؟ الظاهر ذلك، اذ المنساق منه كلّ متغلب مستول على جباية الخراج و الصدقات، كما يؤيد ذلك ما جرى عليه سيرة المسلمين في عصر الرضا من المعاملة مع المأمون معاملة غيره».

______________________________

(1)- المسالك 1/ 44.

(2)- الوسائل، ج 13، الباب 16 من أبواب أحكام المزارعة و المساقات، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 42

فلا يضمن حينئذ حصّة الفقراء من الزائد.

و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلّة أو

من غيرها اذا كان الظلم عاما، و امّا اذا كان شخصيّا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها، بل الأحوط الضمان فيه مطلقا و إن كان الظلم عاما، و امّا اذا أخذ من نفس الغلّة قهرا فلا ضمان اذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.

______________________________

و فيه أيضا: «و هل يلحق بحصة السلطان ما يأخذه الجائر من الأراضي الغير الخراجية كالموات و أرض الصلح و الانفال؟ الظاهر ذلك، لجريان السيرة من صدر الإسلام على المعاملة مع الجائر معاملة السلطان العادل في ترتيب أثر الخراج على ما يأخذه بهذا العنوان و لو من غير الأرض الخراجية. و لو منعنا هذه السيرة أو صحتها أي كشفها عن امضاء المعصوم فهو من المؤونة التي سيأتي الكلام فيها، و ان كان الغالب على الظنّ انّ مراد الأصحاب بحصة السلطان في فتاويهم و معاقد اجماعاتهم المحكية ما يعمّه» «1».

أقول: الظاهر صحّة ما ادّعاه من السيرة في المسألتين. و الحكمة التي لاحظها الأئمة- عليهم السلام- في تنفيذ اعمال الجائرين، أعني تسهيل الأمر على الشيعة جارية في جميع الشقوق. و امّا ما ادّعاه من كون المأمون من سلاطين الشيعة فالظاهر عدم صحّته، فان معاملاته السياسية مع الرضا- عليه السلام- لا تدلّ على تشيعه، اذ السياسات الباطلة في معزل عن الدين و المذهب، بل قتله له- عليه السلام- يبطل تشيعه.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 64.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 43

هل الزكاة بعد اخراج المؤن؟

[الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها]

[مسألة 16]: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها (1)، من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق و اللاحقة.

______________________________

(1) هذه هي المسألة الرابعة من المسائل الأربع. و لا يخفى ان أصل البراءة يقتضي استثناء المؤن مطلقا، للشك في تعلّق الزكاة بما يعادلها و الأصل البراءة. و

القاعدة تقتضي استثناء المؤن اللاحقة دون السابقة على التعلق، بناء على القول بالشركة. اذ قبل التعلق لا شركة بين المالك و الفقير، بل المال ممحض للمالك، فعليه مئونته. و امّا بعده فمقتضى شركة المال بينهما و كون تصرفات المالك جائزة و كون سهم الفقراء امانة في يده الى زمان الأداء هو كون المؤونة عليهما بالنسبة، اذ من له الغنم فعليه الغرم.

و جمهور أهل الخلاف على عدم استثناء المؤن. و المشهور بين فقهائنا و لا سيّما القدماء منهم استثناؤها مطلقا، خلافا للشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط.

ففي الخلاف (المسألة 77): «كلّ مئونة تلحق الغلات الى وقت اخراج الزكاة على ربّ المال. و به قال جميع الفقهاء إلّا عطا، فانّه قال: المؤونة على ربّ المال و المساكين بالحصّة. دليلنا قوله «ع»: فيما سقت السماء العشر أو نصف العشر. فلو ألزمناه المؤونة لبقى أقل من العشر أو نصف العشر» «1».

و لا يخفى ان ما ادعاه هو اجماع فقهاء السنة لا فقهائنا.

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 296.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 44

..........

______________________________

و في موضع من المبسوط: «و كلّ مئونة تلحق الغلات الى وقت اخراج الزكاة على ربّ المال دون المساكين» «1».

نعم، في عبارة منه قبل ذلك: «فالنصاب ما بلغ خمسة أو ساق بعد اخراج حقّ السلطان و المؤن كلّها» «2».

و ربّما يحتمل الجمع بينهما بكون المراد بالعبارة الاولى المؤن اللاحقة على وقت التعلق، أو ان الواجب على ربّ المال أداء المؤن كلّها و ان جاز له استثناؤها من المال.

و بالجملة فظاهر الشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط عدم استثناء المؤن. و حكى ذلك عن يحيى بن سعيد في الجامع أيضا.

ففي المدارك عنه: «و المؤونة على ربّ المال دون

المساكين اجماعا إلّا عطاء، فانّه جعلها بينه و بين المساكين». ثمّ قال: «و يزكى ما خرج من النصاب بعد حق السلطان و لا يندر البذر، لعموم الآية و الخبر، و لان أحدا لا يندر ثمن الغراس و آلة السقي كالدولاب و الناضح و أجرته، و لا فارق بين الثمرة و الغلة. و بذلك قطع جدّي في فوائد القواعد، فانّه اعترف بانّه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة، و قال: ان اثبات الحكم بشي ء بمجرد الشهرة مجازفة» «3».

و في مفتاح الكرامة: «والى ما في الخلاف مال جماعة كالشهيد الثاني في فوائد القواعد و صاحب المدارك و صاحب المفاتيح. و قد تؤذن به عبارة اللمعة و الروضة و الميسية و المسالك.

و لم يتعرض له صاحب الوسيلة، و لا الشيخ في الجمل» «4».

و استظهر عدم استثناء المؤونة في الحدائق أيضا. و قواه الشيخ الأعظم في زكاته. و في المستمسك جعله أقرب.

و لكن المشهور منّا ذهبوا الى استثنائها. ففي فقه الرضا الذي قرّبنا كونه رسالة علي ابن

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 217.

(2)- المبسوط 1/ 214.

(3)- المدارك/ 304.

(4)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 99.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 45

..........

______________________________

بابويه: «و ليس في الحنطة و الشعير شي ء الى ان يبلغ خمسة أوسق. و الوسق ستون صاعا.

و الصاع أربعة امداد. و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف. فاذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر ان كان سقي بماء المطر ...» «1».

و مثل هذه العبارة في الفقيه و المقنع و الهداية إلّا انّه قال «بعد خراج السلطان و مئونة القرية» «2».

و الظاهر انّ المراد بالعمارة عمارة الأرض و انهارها،

كما انّ المراد بمؤونة القرية مئونة الزرع و الأشجار، فانها محلهما.

نعم، من المحتمل انّ المتعارف في تلك الأعصار انّه كانت عمارة الأراضي و الأنهار من قبل عمال الحكومة ثمّ أخذ مقدار ما يصرف في العمارة و في ادارة شئون القرية و رفع احتياجاتها العمومية، و كذا نفس الخراج من عين الغلات، لقلة الأثمان في تلك الأعصار.

فوزانها وزان ما يؤخذ قهرا من نفس العين ظلما، فلا يضمنه المالك. و على هذا لا ترتبط عبارة فقه الرضا و ما ذكره الصدوق بالمئونة المصطلحة، فتدبر.

و في المقنعة: «و كذلك لا زكاة على غلّة حتى تبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص و الجذاذ و الحصاد و خروج مئونتها منها و خراج السلطان» «3».

و في النهاية: «و ليس في شي ء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان و اخراج المؤن عنها» «4». و قد مرّت عبارة المبسوط.

و في المراسم: «و فيه العشر بعد اخراج المؤن» «5».

و في الغنية: «هذا اذا بلغ بعد اخراج المؤن و حقّ الزرّاع النصاب على ما قدّمناه، و هو خمسة أوسق. و الوسق ستون صاعا. بدليل الاجماع الماضي» «6».

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 22.

(2)- الجوامع الفقهية/ 13 و 54 و من لا يحضره الفقيه 2/ 18.

(3)- المقنعة/ 93.

(4)- النهاية/ 179.

(5)- الجوامع الفقهية/ 643.

(6)- الجوامع الفقهية/ 567.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 46

..........

______________________________

و في اشارة السبق: «و حصول النصاب. و هو بعد المؤن و حق السلطان، خمسة أوسق» «1».

و في السرائر: «اذا بلغ كلّ صنف منها بانفراده خمسة أوسق ... بعد المؤن التي تنمى الغلة بها و تزيد و لها فيها صلاح إمّا من حفاظ أو زيادة ريع فيها، و بعد حق

المزارع و خراج السلطان ان كانت الأرض خراجية».

و فيها أيضا: «بعد اخراج المؤن المقدم ذكرها أولا و مقاسمة السلطان ان كانت الأرض خراجية» «2».

و في الشرائع: «و لا تجب الزكاة إلّا بعد اخراج حصّة السلطان و المؤن كلها على الأظهر» «3».

و بهذا أفتى أيضا في النافع و المعتبر و القواعد و الارشاد و المختلف و التذكرة و المنتهى و نهاية الإحكام و التحرير و التبصرة و البيان و الدروس و جامع المقاصد و الموجز و كشف الالتباس و مجمع البرهان و المصابيح و الرياض و غيرها على ما حكى عن بعضها.

قال في المنتهى: «زكاة الزرع و الثمار بعد المؤونة كأجرة السقي و العمارة و الحصاد و الجذاذ و الحافظة ... و الأقرب الأوّل. لنا انّه مال مشترك بين المالك و الفقراء، فلا يختص احدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة، و لأنّ المؤونة سبب في الزيادة فتكون على الجميع، و لأنّ الزام المالك بالمئونة كلها حيف عليه و اضرار به و هو منفي، و لأنّ الزكاة مساواة فلا يتعقب الضرر، و لأنّها في الغلّات تجب في النماء و اسقاط حقّ الفقراء من المؤونة مناف» «4».

[يستدل على استثناء المؤن بوجوه]

و كيف كان فيستدل على استثناء المؤونة بوجوه:

الأول: الأصل، للشك في تعلق الزكاة بما يعادل المؤونة، و الأصل البراءة.

و فيه: انّه لا يقاوم الدليل، فالاستدلال به يتوقّف على عدم صحة ما يستدل به صاحب

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 83.

(2)- السرائر/ 100 و 103.

(3)- الشرائع 1/ 153.

(4)- المنتهى 1/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 47

..........

______________________________

المدارك و غيره على عدم الاستثناء.

الثاني: الاجماع المدعى في الغنية، كما مرّ، و كذا في مفتاح الكرامة حيث قال: «بل لو ادّعى مدّع الاجماع لكان في محلّه».

و

فيه منع الاجماع، لوجود الخلاف حتى من الشيخ في المبسوط و الخلاف.

الثالث: الشهرة المحقّقة و لا سيّما من قدماء الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين- كالهداية و المقنع و المقنعة و النهاية و المراسم و الغنية، فان مسائل فقهنا على قسمين.

قسم منها مسائل أصلية تلقاها الأصحاب يدا بيد، و أودعوها في كتبهم المعدّة لنقلها، و حافظوا حتى على ألفاظها.

و قسم منها مسائل تفريعية اجتهادية استنبطوها من الاصول الأوّلية و القواعد المأثورة، و دوّنوها في الكتب المعدّة لذلك.

و كان بناء الأصحاب على التفكيك بين القسمين، حتى ان الشيخ وضع النهاية للقسم الأول و المبسوط للقسم الثاني. و بقى هذا السبك الى زمان المحقق، فهو أيضا في شرائعه يذكر القسم الأول في كلّ باب، ثم يتبعه بالقسم الثاني بعنوان الفروع و المسائل. فالشهرة في القسم الأول تكشف عن تلقّي المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- دون القسم الثاني، بل الاجماع فيه أيضا لا يفيد، فانّه نظير الاجماع في المسائل العقلية الفلسفية. و إن شئت مزيد اطلاع على هذا التقسيم فراجع ما ذكره الشيخ في أول المبسوط.

اذا عرفت هذا فنقول: إنّ تعرّض القدماء من أصحابنا لمسألة استثناء المؤونة و الخراج في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة، و اشتهاره بينهم- مع اتفاق فقهاء السنة على عدم الاستثناء، و مع كون أصحابنا أهل النصّ و عدم اعتمادهم على الاستحسانات الظنيّة و القياس- ربّما يورث الاطمينان بتلقيهم المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- أو ورود نصّ منهم يدلّ على ذلك.

قال في ديباجة الفقيه: «و لم أقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه؛ بل قصدت الى ايراد ما أفتى به و احكم بصحته و

اعتقد فيه انّه حجة فيما بيني و بين ربّي. و جميع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 48

..........

______________________________

ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل و اليها المرجع» «1».

و في أول المقنع: «و سميته كتاب المقنع لقنوع من يقرأه بما فيه، و حذفت الاسانيد منه لئلا يثقل حمله و لا يصعب حفظه و لا يملّه قاريه اذ كان ما أبيّنه فيه في الكتب الأصولية موجودا مبيّنا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات «ره» «2».

قال في مصباح الفقيه بعد الاستشكال في ادلّة الاستثناء ما ملخصه: «و لكن هاهنا شي ء، و هو انّ هذه المسألة من الفروع العامة البلوى، فيمتنع عادة غفلة أصحاب الأئمة- عليهم السلام- عن ذلك و عدم الفحص عن حكمها، مع شدة حاجتهم الى معرفته. كما انّه يستحيل عادة ان يشتهر لديهم استثناء المؤونة مع مخالفته لما هو المشهور بين العامة من غير وصوله اليهم من أئمتهم، لقضاء العادة باستحالة صدور مثل هذا الحكم المخالف لما عليه العامة عن اجتهاد و رأي من غير مراجعة الامام. و الحاصل انّه يصحّ ان يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الامام- عليه السلام- بطريق الحدس من رأي اتباعه. فالانصاف انّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم من فتوى الأصحاب في شي ء من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه» «3». هذا.

و لكن يرد على ذلك ان استثناء المؤونة لو كان من المسائل المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام- لما خالف فيه الشيخ في خلافه و مبسوطه. كيف؟ و هو المتعرض في أول مبسوطه لتقسيم المسائل الى قسمين، كما عرفت. و لا اعتبار لبقعة لا يؤمن بها متوليها. و مسألة الزكاة و المؤونة من المسائل التي تعمّ بها البلوى. و فتوى جميع فقهاء

السنة على عدم استثناء المؤونة.

فلو كانت فتوى أئمة أهل البيت على الاستثناء لأظهروها و أعلنوا بها في مجالس عديدة و بمناسبات مختلفة. كما يرى منهم ذلك في مسألتي العول و التعصيب في المواريث و حرمة الجماعة في النافلة ممّا خالفوا فيها فقهاء السنة. فعدم تعرضهم- عليهم السلام- للمسألة مع كثرة روايات باب الزكاة و بيان النصاب في الغلات مما يوجب و هن الشهرة المذكورة.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه 1/ 3.

(2)- الجوامع الفقهية/ 2.

(3)- مصباح الفقيه/ 67.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

و بالجملة لو كانت فتواهم في هذه المسألة على الخلاف لبانت و ظهرت بحيث لم يبق فيها شك. اللهم إلّا ان يقال بتفاوت المسألة عن مسألتي العول و التعصيب و نحوهما، اذ الزكاة كانت من الضرائب التي تأخذها الحكومات، فابداء الخلاف فيها كان كفاحا لهم، و الأئمة- عليهم السلام- و ان لم يخافوا منهم و لكن لم يحبّوا مواجهة شيعتهم و أصحابهم لعمال الحكومة، فتدبّر.

الرابع: قوله- تعالى-: خُذِ الْعَفْوَ «1»، و قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ، قُلِ الْعَفْوَ «2» بناء على انّ المراد من العفو ما يفضل عن النفقة. ففي الصحاح: «عفو المال ما يفضل عن النفقة» «3».

و فيه ان محل البحث استثناء مئونة الزرع، لا مئونة المالك و نفقته، كما هو ظاهر الآيتين، مع انّ ظاهرهما أخذ تمام الزائد و انفاقه، لا عشره أو نصف عشره. اللهم إلّا أن يقال ان العفو كما قال الراغب ما يسهل انفاقه، و اعطاء العشر مما يعادل المؤونة مما يعسر انفاقه طبعا، فتدبّر.

الخامس: ما في الجواهر من الاستدلال بفحوى ما دلّ على كون خمس الضيعة بعد مئونتها و خراج السلطان، قال: «اذ هو زكاة في المعنى،

كما أومأت إليه النصوص، بل لعلّ زيادته على العشر لاعتبار اخراج مئونة المستفيد في الأرباح تمام السنة بخلاف الزكاة» «4».

و فيه ما فيه، كما ترى.

السادس: ما مرّ من المنتهى من انّه مال مشترك بين المالك و الفقراء، فلا يختصّ احدهم بالخسارة كغيره من الأموال المشتركة. و من له الغنم فعليه الغرم.

و فيه- مضافا الى عدم ثبوت كون التعلّق بنحو الشركة، كما يأتي بحثه- انّه يفيد بالنسبة الى المؤن اللاحقة على زمان التعلّق، دون السابقة. اذ المال قبل التعلق ممحض للمالك.

______________________________

(1)- سورة الأعراف، الآية 198

(2)- سورة البقرة، الآية 217.

(3)- الصحاح 6/ 2432.

(4)- الجواهر 15/ 229.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 50

..........

______________________________

اللهم إلّا ان يتمّم الاستدلال بادّعاء عدم الفصل. و يرد عليه انّ الّذي يفيد هو القول بعدم الفصل، لا عدم القول بالفصل. و القول بعدم الفصل فرع عنوان الفصل في كلمات الطرفين و اجماعهم على العدم بحيث يستكشف به قول المعصوم- عليه السلام-.

السابع: ما مرّ من المنتهى أيضا من انّ الزام المالك بالمئونة كلّها حيف عليه و اضرار به، و هو منفي كنفي العسر و الحرج.

و فيه ان بناء التكاليف و لا سيّما المالية كلّها على الضرر. و لا يصلح قوله: «لا ضرر» لنفيها، و إلّا لسقطت التكاليف كلّها. و ثبوت العسر و الحرج ممنوع. و لو سلّم اقتصر على موردهما.

الثامن: ما مرّ من المنتهى أيضا من انّها في الغلّات تجب في النماء.

و فيه انّه أول الكلام، فانّه عين المدعى. و أيّ ميزة بين الغلّات و بين غيرها؟ و انت ترى ان الأنعام يكثر ثمنها و مئونة حفظها و رعيها، و مع ذلك لا تستثنى مؤنتها، بل تزكى في كلّ حول حتى تنقص عن النصاب.

التاسع: انّ

عدم استثناء المؤونة يوجب تنفير الناس عن القيام بأمر الزرع و الغرس، أو حملهم على المعصية بمخالفة الأمر بما يشقّ، و هو خلاف اللطف الواجب. و قد اشير الى ذلك بقوله- تعالى-: «وَ لٰا يَسْئَلْكُمْ أَمْوٰالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوهٰا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغٰانَكُمْ» «1».

و فيه انّ مطالبة العشر أو نصف العشر لا تبلغ الى هذا الحد الموجب للتنفير، كما ترى نظيره في الأنعام الثلاثة.

العاشر: لزوم التكرار في زكاة الغلات لو اخرجت من الجميع مع تزكية البذر سابقا.

و فيه انّ عين البذر قد تلفت و لم تبق حتى تتكرر زكاتها.

الحادي عشر: ما مرّ من عبارة فقه الرضا.

و فيه عدم ثبوت كونها رواية، بل الظاهر كما مرّ مرارا انّها رسالة علي بن بابويه.

و جبرها بالشهرة رجوع الى الشهرة. و قد عرفت حالها.

______________________________

(1)- سورة محمد، الآية 38 و 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 51

..........

______________________________

الثاني عشر: ما مرّ من صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» انّهما قالا له: هذه الأرض الّتي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما اخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر. انّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «1».

فقد استدلّ بالصحيحة للقولين. أمّا الاستدلال بها لعدم استثناء المؤونة فظاهر و سيأتي تقريبه.

و امّا الاستدلال بها للمشهور فبتقريبين:

الأوّل: ان المنساق من قوله: «فيما يحصل في يدك» ما يستفيده من عمله بعد اخراج مئونته، و لا سيما على تقدير كون المتن بلفظ «فتاجرته» بدل قوله: «فما حرثته»، كما في التهذيب المطبوع سابقا. فانّه لا يقال عرفا قد حصل في يده من

زراعته أو تجارته أو صناعته كذا و كذا إلّا في الفائدة التي استفادها من عمله بعد اخراج ما صرفه.

الثاني: انّ المقاسمة بحسب العادة كانت بعد اخراج المؤونة من الوسط و من أصل المال، فالصحيحة تحمل على ما كان متعارفا في تلك الاعصار.

و يرد على الأوّل ان ما ذكره في غير مثل المقام الّذي قيده بما بعد مقاسمته، فانه اذا قيل لأحد الشريكين في زراعة: «الذي حصل في يده مما اخرجه اللّه من الأرض بعد مقاسمته مع شريكه كذا» لا يتبادر منه إلّا جميع حصّته من الزراعة، لا الباقي بعد اخراج المؤونة.

و يرد على الثاني انّ ما يتعارف و يظنّ انّه كان متعارفا في تلك الاعصار أيضا انّ المؤونة كانت تصرف من مال الزارع أو في ذمته. كيف؟ و المنصوبون لمباشرة القسمة من قبل السلاطين كانوا كسلاطينهم غالبا على رأي فقهاء مذهب السنة القائلين بعدم استثناء المؤونة، فكيف يدّعى تعارف اخراج المؤونة من الوسط؟! ثم لفظة: «بعد» ليست للبعدية الزمانية، بل الرتبية. نظير قوله- تعالى- في آيات الارث: «من بعد وصية يوصى بها أو دين». فوزانها وزان قوله: «في حصصهم» في صحيحة البزنطي و في خبره، بداهة ان

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 52

..........

______________________________

العشر يجب و يتعلّق قبل تحقق المقاسمة خارجا، فتدبر.

الثالث عشر: قول الصادق- عليه السلام- في صحيحة محمد بن مسلم: «يترك للحارس العذق و العذقان، و الحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله».

و قول أبي جعفر «ع» في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير: «لا يترك للحارس اجرا معلوما، و يترك من النخل معافارة و أمّ جعرور، و

يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إيّاه» «1». هكذا في الوسائل.

و لكن في الكافي المطبوع: «و يعطى الحارس اجرا معلوما» «2».

و في التهذيب: «و يترك للحارس اجرا معلوما» «3».

و في المستدرك عن العياشي في تفسيره عنهم، عن أبي جعفر «ع»: «و يترك للخارص اجرا معلوما» «4».

و كيف كان فيستفاد من الروايتين استثناء شي ء للحارس. و بالتعليل بالحفظ و عدم خصوصيته و عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس و غيره يعمّم الحكم لجميع المؤن اللاحقة. و بعدم الفصل بينها و بين المؤن السابقة يتمّ المطلوب.

و فيه أوّلا: عدم دلالة الروايتين على كون ما يترك للحارس قبل تقدير العشر.

و ثانيا: احتمال كون الاستثناء هنا حكما استحبابيا اخلاقيا، و إلّا فكيف ذكر من جميع المؤن السابقة و اللاحقة اجر الحارس فقط؟ فلعلّ الحارس لكونه حاضرا ناظرا للثمر حسن اخلاقا ترك شي ء لنفسه و عياله المراودين له.

و ثالثا: لا يكفي عدم القول بالفصل، كما مرّ. و انّما المفيد القول بعدم الفصل، ليصير اجماعا مركبا و هو غير ثابت، بل قد عرفت انّ القاعدة تقتضي استثناء المؤن اللاحقة دون السابقة، لاقتضاء الاشاعة و الشركة ذلك بناء على كون التعلق من باب الاشاعة، و لعلّ

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3 و 4.

(2)- الكافي 3/ 565، باب الحصاد و الجذاذ.

(3)- التهذيب 4/ 106، باب الزيادات في الزكاة.

(4)- المستدرك، ج 1، الباب 5 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

الروايتين لا تدلّان إلّا على ما يقرب الى الذهن من عدم استثناء المؤن إلّا ما تعارف اعطاؤه من نفس العين من المؤن اللاحقة، فتدبر.

الرابع عشر: مرسلة يونس

أو غيره عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له:

جعلت فداك بلغني انّك كنت تفعل في غلّة عين زياد شيئا و أنا أحبّ ان اسمعه منك.

قال: فقال لي: نعم، كنت آمر اذا أدركت الثمرة ان يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كلّ يوم ان يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة، كلّما أكل عشرة جاء عشرة اخرى يلقى لكل نفس منهم مدّ من رطب، و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدران يجي ء فيأكل منها لكلّ انسان منهم مدّا، فاذا كان الجذاذ اوفيت القوّام و الوكلاء و الرجال اجرتهم و احمل الباقي الى المدينة، ففرقت في أهل البيوتات و المستحقين الراحلتين و الثلاثة و الأقل و الأكثر على قدر استحقاقهم، و حصل لى بعد ذلك أربعمائة دينار، و كان غلتها أربعة آلاف دينار «1».

اذ الظاهر ان ما فرّقه في أهل البيوتات و المستحقين كان بعنوان الزكاة، و كان هذا بعد ايفاء القوام و الوكلاء اجرتهم، فاخرجت المؤونة من الوسط قبل اعطاء الزكاة، بل ربّما يستفاد من هذه المرسلة و من غيرها مما ورد في الانفاق من البساتين و من نصوص المارّة و الحفنة و الضغث و غيرها استثناء كلّ ما جرت به السيرة و الطريقة من الأكل و الاعطاء من البساتين و المزارع للأضياف و المتردّدين و الفقراء و السائلين، بل لعلّ الجميع يعد من مؤنها لتعارف اخراجه منها، فتدبر.

فهذه اربعة عشر وجها ذكرناها لاستثناء المؤن. و لا يخفى ان أكثرها وجوه تبرعية، و عمدتها الأصل و الاجماع المنقول و الشهرة المحققة و الصحيحان.

و قد

عرفت منّا الاشكال في الجميع. و انّما المستفاد من الصحيحين اخراج ما تعارف اعطاؤه من نفس العين من المؤن اللاحقة. فالتعدّي من ذلك مشكل و الأحوط عدمه.

.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 54

[ما يستدل به لعدم استثناء المؤن]

______________________________

ما يستدل به لعدم استثناء المؤن و استدل لعدم استثناء المؤن أيضا بوجوه:

الأول: ما ذكره في الخلاف من قوله: «فيما سقت السماء العشر أو نصف العشر». قال:

«فلو ألزمناه المؤونة لبقى أقلّ من العشر أو نصف العشر».

و فيه عدم كونه في مقام البيان من كلّ جهة. و انّما المراد منه بيان مقدار الزكاة الواجبة في الغلات اجمالا.

الثاني: اطلاق ما ورد في بيان النصاب و مقدار الصدقة معا. ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع» قال: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة اوساق. و الوسق ستون صاعا. فذلك ثلاثة مأئة صاع، ففيه العشر ...» «1».

و في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق. و العنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيبا» «2».

و في مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا، ع أحد هما «ع»: «قال: في زكاة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ليس فيما دون الخمسة أو ساق زكاة، فاذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة ...» «3».

و في خبر تحف العقول عن الرضا- عليه السلام- في كتابه الى المأمون: «و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و كلّ ما يخرج من الأرض من الحبوب اذا بلغت خمسة أوسق ففيها العشر ...» «4». الى غير ذلك من الاخبار المتعرضة

للنصاب و مقدار الصدقة معا، فانّها ظاهرة في انّ بلوغ خمسة أوسق سبب تام لوجوب العشر أو نصفه، فان بيان النصاب مع عدم التعرض لاستثناء المؤن سكوت في مقام البيان.

قال الشيخ الأعظم في زكاته بعد الاشارة الى هذه الاخبار: «و منه يظهر انّ الجواب

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 54

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 12.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 55

..........

______________________________

عن الاطلاقات بورودها في مقام حكم آخر انّما يحسن في اطلاقات العشر و نصف العشر، لا في اطلاقات بيان النصاب، كما لا يخفى».

و قال أيضا: «و حاصل الكلام انّ حمل أخبار بلوغ خمسة أوسق على بلوغ فائدة الزرع و ربحه الحاصل للزارع بعد اخراج جميع المؤن دونه خرط القتاد، إلّا ان يستأنس له مما ثبت من حال الشارع من التخفيف على مالك النصاب ...» «1».

و الانصاف- كما ذكره الشيخ و غيره- ثبوت الإطلاق في هذه الروايات و كفايتها لنفي استثناء المؤونة إلّا ان يثبت الاستثناء بدليل قطعي غير الأصل فانّه لا يقاوم الاطلاقات، كما هو واضح.

الثالث: صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم السابقة، عن أبي جعفر «ع» انّهما قالا له:

هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كلّ ارض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه. و

ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر.

انّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «2».

قال في المدارك: «و هذه الرواية كالصريحة في عدم استثناء شي ء مما يخرج من الأرض سوى المقاسمة» «3».

أقول: و لكن يمكن أن يخدش بان محط النظر في هذه الصحيحة هو بيان عقد النفي، لا عقد الاثبات. فالمقصود بيان انّ مقدار حق المقاسمة لا يجب على الزارع زكاته، لا بيان ان كلّ ما بقى بعد حقّ المقاسمة تجب زكاته، حتى تكون صريحة أو ظاهرة في نفي استثناء المؤونة، فتدبر.

الرابع: رواية ابن شجاع النيسابوري انّه سأل أبا الحسن الثالث «ع» عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كر ما يزكي، فأخذ منه العشر عشرة اكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا و بقى في يده ستون كرا. ما الّذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 492.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(3)- المدارك/ 305.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 56

..........

______________________________

لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع: لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «1».

فانها صريحة في أخذ العشر من جميع ما حصل من الضيعة، و انّ المؤونة أخرجت بعد ذلك، و الامام- عليه السلام- قرّر السائل على ذلك. و تقرير المعصوم حجة.

و فيه انّ الاستدلال موقوف على كون الآخذ نفس السائل، و هو خلاف الظاهر، اذ الظاهر كون لفظ «اخذ» بالبناء للمفعول، و كون الآخذ عامل السلطان. و بناؤهم كما عرفت لم يكن على استثناء المؤونة، فليس عدم تعرض المعصوم- عليه السلام- لاستثناء المؤونة تقريرا و امضاء. و يشهد لكون البناء للمفعول سؤاله ثانيا عن وجوب شي ء لأصحابه، لدلالة

دلك عن ان المأخوذ منه لم يصل الى أهله، فسأل عن وجوب اعادة الزكاة. و سكوت الامام- عليه السلام- يدلّ على الإجزاء و عدم وجوب الاعادة، كما دلّ على ذلك اخبار مستفيضة ذكرها في الوسائل في الباب العشرين من أبواب المستحقين، فراجع.

الخامس: ان تعرض النصوص لاستثناء معافارة و أم جعرور، و استثناء العذق و العذقين للناطور، و عدم التعرض لاستثناء غير ذلك من المؤن اللازمة غالبا ظاهر في عدم استثنائها، اذ لو وجب استثناؤها من البدو الى الختم لم يكن وجه لاستثناء خصوص العذق و العذقين للناطور. فيعلم من ذلك كونه حكما ندبيا اخلاقيا، لا من جهة كونه مئونة.

و فيه انّه من الممكن أن يقال انّ هذه النصوص بصدد بيان الخرص و كيفيته، لا بيان أحكام الزكاة و ما تتعلّق به و ما تستثنى منه.

السادس: ما ذكره الشيخ في زكاته من ان جعل العشر فيما سقي سيحا، و نصف العشر فيما سقته الدوالى ليس إلّا من جهة كثرة المؤونة في الثاني دون الأول. و لو بنى على احتساب المؤونة و استثنائها لم يكن فرق بين الأمرين. و كيف يحتسب مئونة السقي الموجبة لإسقاط نصف العشر من جملة المؤونة و يخرج نصف العشر بعد اخراجها و لذا احتمل في البيان كما مرّ اسقاط مئونة السقى فيما فيه نصف العشر و احتساب سائر المؤن.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 5 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 57

..........

______________________________

و بالجملة فالمؤونة مما احتسبها الشارع في أصل جعله العشر و نصف العشر، فلا وجه لاستثنائها من قبل المالك.

و فيه أولا: ما ذكره المحقق في المسائل الطبرية من كون أحكام الشرع توقيفية تعبدية.

و ثانيا: انّ استعمال الاجراء

و الحفظة من قبل المالك كلفة زائدة، فناسب التخفيف، فان عمل نفس المالك لا يحتسب من المؤونة.

و ثالثا: ان تقديم المؤونة بنفسه كلفة زائدة.

و رابعا: انّ الغالب علاج الزرّاع عمل السقي بأنفسهم. و عملهم لا يحتسب من المؤونة، فناسب التخفيف.

و خامسا: انّ المحصول يقلّ غالبا فيما يسقى بالدوالى. الى غير ذلك مما ذكروه في المقام.

و لكن الانصاف ان ما ذكره الشيخ شاهد قوي على عدم استثناء المؤونة. و التعبد فرع الدليل القوي على الاستثناء. و قد مرّ الاشكال في أكثر ما ذكروه دليلا لذلك. و عمدتها شهرة المسألة بين القدماء من أصحابنا و عبارة فقه الرضا. و قد عرفت ان خلاف الشيخ في الخلاف و المبسوط مما يوهن الشهرة. و عبارة فقه الرضا يحتمل فيها أن لا يراد منها المؤونة المصطلحة التي هي محل البحث، بل لعلّه كان متعارفا في تلك الاعصار عمارة الأراضي و الأنهار من قبل الحكومة، ثمّ أخذ مقدار ما يصرف فيها و في ادارة شئون القرية و حاجاتها من نفس الغلات، لقلة الاثمان في تلك الاعصار. فوزانها وزان ما يؤخذ قهرا من نفس الغلات، حيث لا يضمنه المالك. نعم، قد عرفت ان الأصل يقتضي عدم وجوب الزكاة فيما يقابل المؤونة، و لكن الأصل محكوم باطلاقات اخبار النصاب، فيشكل رفع اليد عنها إلّا فيما تعارف أخذه من نفس العين من المؤن اللاحقة كالعذق و العذقين للحارس و نحو ذلك، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 58

هل النصاب يعتبر بعد المؤن او قبلها؟
[الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروج المؤن]

كما انّ الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروجها (1)، و إن كان الأحوط اعتباره قبله.

______________________________

(1) بناء على استثناء المؤونة فهل يعتبر النصاب بعدها فلا زكاة فيما اذا نقص باستثنائها عن النصاب، أم قبلها، فيزكى الباقي و

ان قلّ اذا كان المجموع نصابا، أم يفصّل بين ما سبق على التعلق، فيعتبر النصاب بعده و بين ما تأخّر عنه فيعتبر قبله؟ وجوه، بل أقوال. أشهرها، بل المشهور كما في الجواهر الأول. و في التذكرة، و عن المدارك و الذخيرة موافقتها الثاني. و في المسالك و عن الروضة و جامع المقاصد و الايضاح و غيرها الثالث.

قال في التذكرة: «الأقرب انّ المؤونة لا تؤثر في نقصان النصاب و ان أثرت في نقصان الفرض. فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤونة و اذا سقطت المؤونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة، لكن لا في المؤونة، بل في الباقي» «1».

و لكن في المنتهى: «المؤونة تخرج وسطا من المالك و الفقراء. فما فضل و بلغ نصابا أخذ منه العشر و نصفه» «2».

فهو في المنتهى وافق المشهور، و في التذكرة خالفهم.

و أقوى الأقوال الثلاثة أوّلها، فانّه مقتضى أكثر ما استدلّ به على استثناء المؤونة، اذ

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 220.

(2)- المنتهى 1/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 59

..........

______________________________

مقتضى أصل البراءة و أدلّة نفي الضرر و العسر و الحرج و ظاهر عبارة فقه الرضا و الهداية و المقنع و الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و الغنية و اشارة السبق و السرائر اعتبار النصاب بعد المؤونة، بل و كذا ما دلّ على انّه يترك للحارس العذق و العذقان و الثلاثة.

نعم، مقتضى قاعدة الشركة بضميمة عدم القول بالفصل اعتباره قبلها، كما لا يخفى.

ففي فقه الرضا بعد ذكر النصاب: «فاذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية اخرج منه العشر ...» «1».

و في كتب الصدوق: «بعد خراج السلطان و مئونة القرية».

و الظاهر تعلق الظرف بالفعل الذي

قبله، أعني قوله: «بلغ ذلك و حصل»، لا بما بعده، أعني قوله: «أخرج منه العشر». فيستفاد منها كون النصاب بعد المؤونة. و كذا سائر الكتب المشار اليها.

و بالجملة عمدة الدليل على استثناء المؤونة الأصل، و الشهرة، و عبارة فقه الرضا، و روايات استثناء العذق و العذقين. و مفادها كما ترى اعتبار النصاب بعد المؤونة.

و استدلّ الشيخ الأعظم في زكاته «2» على هذا القول بان ظاهر أدلّة اعتبار النصاب ثبوت العشر في مجموع النصاب. فما دلّ على استثناء المؤن لا بدّ ان يجعل مقيّدا لأدلّة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن، ليحفظ اطلاق وجوب العشر في النصاب و ظهوره في كون العشر في جميعه.

توضيح ذلك انّ قوله- عليه السلام- مثلا في صحيحة زرارة: «ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر ...» «3»، بعد تقييده بما بعد المؤونة يحتمل أن يراد به ما بلغ هذا المقدار بعد وضع المؤن كلّها ففيه العشر. فالقيد رجع الى الموضوع و بقى الحكم، أعني قوله: «ففيه العشر» على اطلاقه، و يكون المراد ثبوت عشر في مجموع النصاب مطلقا. كما يحتمل ان

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 22.

(2)- زكاة الشيخ/ 493.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 60

..........

______________________________

يرجع القيد الى الحكم، و يكون المراد ان ما بلغ خمسة أوساق مطلقا ففيه العشر بعد وضع المؤن، أعني عشر ما بقى بعد وضعها.

و حيث ان الاحتمال الثاني مستلزم إمّا لتخصيص الحكم ان فرض استيعاب المؤونة للنصاب، أو للاستخدام، أعني رجوع الضمير في قوله: «ففيه العشر» الى بعض النصاب، أعني

ما زاد منه على المؤونة، و كلاهما خلاف الظاهر، فان الظاهر رجوع الضمير الى مجموع النصاب و ثبوت العشر في مجموعه مطلقا فلا محالة يرجع القيد الى الموضوع. و مقتضاه بلوغ النصاب بعد المؤونة. و قد ذكر الشيخ نحو ذلك في خمس المعدن و الكنز أيضا، فقال انّ ظاهر الحديث المتعرض للنصاب فيهما وجوب الخمس في مجموع العشرين دينارا، فيكون وضع المؤونة فيهما قبل النصاب «1».

و أورد عليه في مصباح الفقيه بما حاصله «انّ ارجاع القيد الى الموضوع ليس باولى من العكس، لاحتمال ارجاعه الى الحكم ابقاء لإطلاق الموضوع، حيث انّ ظاهر الحديث بلوغ مجموع ما انبتت الأرض خمسة أوسق، لا الباقي منه بعد المؤونة. فليس ارتكاب أحد التقييدين بأهون من الآخر، بل الاحتمالان متكافئان. و المرجع بعد تساقطهما اصالة براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص عن خمسة أوسق بعد اخراج المؤونة عنه. فالنتيجة نفس ما أراده الشيخ، و لكن من ناحية الأصل، لا من ناحية اطلاق الحكم.

لا يقال: انّ مقتضى عمومات ثبوت الزكاة في الغلات من مثل قوله: «فيما سقته السماء العشر»، ثبوت الزكاة في مطلق ما انبتت الأرض، قليلا كان أو كثيرا، و قد تخصص ذلك بما دلّ على اعتبار النصاب و لكن لم يعلم انّ المراد اعتباره قبل المؤونة أو بعدها، فيكون من قبيل المخصص المجمل المردد بين الأقل و الأكثر. و مقتضى القاعدة في مثل المقام الاقتصار في رفع اليد عن العموم على القدر المتيقّن. فالمرجع في المقام اصالة العموم و الاطلاق، لا اصالة البراءة، فتكون النتيجة ثبوت الزكاة في مورد الشك و لازمه اعتبار النصاب قبل المؤونة.

لأنّا نقول: ليس المقام من قبيل التخصيص بالمجمل المردد بين الأقل و الأكثر،

فان

______________________________

(1)- خمس الشيخ/ 526 و 527.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 61

..........

______________________________

ما دلّ على استثناء المؤونة بنفسه مخصص لتلك العمومات، سواء كان هناك دليل آخر يدلّ على اعتبار النصاب فيما يجب فيه الزكاة، أم لا. و بعد ورود دليل اشتراط النصاب لم يعلم انّه هل اعتبر هذا الشرط في نفس ما فيه العشر، أي ما بقى بعد المؤونة، أو بانضمامه الى ما قابل المؤونة، اذ المفروض كون لفظ الدليل محتملا للأمرين. فلا بدّ في مورد الاجمال من الرجوع الى الاصول العملية، لا العموم الذي علم اجمالا بعدم ارادة ظاهره منه. فالفرق بين ما نحن فيه و بين العام المخصص بالمجمل المردد بين الأقل و الأكثر هو انّ العام له ظهور في ارادة كلّ فرد فرد، فلا يرفع اليد عن ظاهره بالنسبة الى المشكوك، للشك في أصل التخصيص بالنسبة اليه. و أمّا فيما نحن فيه فقد علم في مورد الشك أيضا بعدم كون العام باقيا على ظاهره من الاطلاق، أي عدم كون الوجوب المتعلّق به وجوبا مطلقا بل مشروطا بشرط غير معلوم التحقق، فلا مسرح للرجوع الى اصالة العموم أو الاطلاق بعد العلم بعدم كون العموم أو الاطلاق مرادا بالنسبة الى فاقد هذا الشرط الذي لم يعلم بتحققه» «1».

أقول: هذا محصل ما أفاده في مصباح الفقيه بطوله.

أمّا ما ذكره في جواب الشيخ «ره» من تكافؤ الاطلاقين و تعارضهما فهو صحيح.

و امّا ما ذكره في الاشكال من عموم قوله: «فيما سقته السماء العشر»، ففيه ما سبق من عدم كونه في مقام البيان من كلّ جهة، حتّى يتمسك باطلاقه. فانّه ليس إلّا في مقام بيان مقدار الزكاة من العشر أو نصفه، و ليس في مقام بيان ما

فيه الزكاة. نعم، يكون في باب الخمس عموم قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ ...»، محكّما في موارد الشك، فيكون في باب الكنز و المعدن اعتبار النصاب قبل المؤونة، كما حرّرناه في محلّه «2».

و امّا ما ذكره في جواب الاشكال فلم يظهر لي مراده- قدس سرّه- اذ لو فرض العموم أو الاطلاق في الفوق، ثمّ خصص بمنفصل و شك فيه بحسب القلة و الكثرة ففي غير القدر المتيقن

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 67.

(2)- كتاب الخمس/ 53.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 62

..........

______________________________

يكون رفع اليد عن العموم بلا وجه، و من قبيل رفع اليد عن الحجة بغير الحجة، من غير فرق بين كون منشأ الشك اجمال المخصص كما اذا قال: «أكرم العلماء»، ثمّ قال: «لا تكرم الفسّاق من العلماء» و شك في كون المراد منهم مرتكبي الكبيرة فقط أو الأعم منهم و من مرتكبي الصغيرة، أو كون منشأه الشك في تقيد أحد القيدين بالآخر بعد العلم بتقيد العام بهما كما في المقام، حيث انّ عموم الفوق قيد تارة بما بعد المؤونة و اخرى بالنصاب و لم يعلم تقيد النصاب أيضا بكونه بعد المؤونة، فان اختلاف منشأ الشك لا يكون فارقا بعد كون الشك في كليهما بحسب القلة و الكثرة و كون الشبهة حكمية.

و ما قال اخيرا من عدم كون الوجوب في المقام مطلقا بل مشروطا بشرط غير معلوم التحقق فيرد عليه تحقق ذلك في الأول أيضا. فان موضوع وجوب الاكرام فيه ليس هو العالم باطلاقه، بل يكون مشروطا بعدم الفسق الذي لا يعلم بتحققه في مرتكب الصغيرة.

و كما لا يوجب هذا في هذا المثال سقوط العام عن الحجية بالنسبة الى المشكوك فيه

بعد انعقاد ظهوره فكذا في المقام.

و بالجملة فالفرق بين المقامين مشكل. فالعمدة في المقام ما مرّ من عدم العموم أو الاطلاق في الفوق. فيكون المرجع بعد تكافؤ اطلاق الموضوع و الحكم اصالة البراءة، لا اطلاق الفوق و عمومه، فتدبّر.

و في المستمسك استشكل على تكافؤ الاطلاقين بما محصله «ان اطلاق الحكم مترتب على اطلاق الموضوع، فاذا سقط اطلاق الموضوع عن الحجية لم يبق مجال لإطلاق الحكم. فاذا دار الأمر بين تقييد أحد الاطلاقين فقد علم تفصيلا بعدم حجية اطلاق الحكم إمّا للتخصيص أو للتخصص، فيبقى اصالة اطلاق الموضوع بلا معارض» «1».

و أجاب عن هذا الاشكال المرحوم آية اللّه الميلاني في زكاته «2» بما محصله بتوضيح منّا: انّ جريان الاطلاق في الموضوع و حجيته ممّا يلزم من وجوده عدمه، حيث انّه يرتفع بسببه

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 160.

(2)- كتاب الزكاة، لآية اللّه الميلاني 1/ 346.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

التقيد بالتبع في ناحية الحكم، فلا يكون تقيد الحكم معلوما بالتفصيل، فلا ينحل العلم الإجمالي، فلا تكون الشبهة في الموضوع بدوية حتى يجري فيه الاطلاق بلا معارض.

و بعبارة اخرى: يلزم من اطلاق الموضوع عدم اطلاقه، و من انحلال العلم الإجمالي عدم انحلاله. نظير ما ذكره في الكفاية في باب الأقلّ و الأكثر الارتباطين من الاشكال في الانحلال. و السرّ في ذلك ان الانحلال انّما يصحّ فيما اذا حصل العلم التفصيلي في احد الطرفين بنحو الاطلاق، و لم يتوقف المعلوم فيه على هذا الفرد المشكوك فيه أصلا. هذا.

و لا يخفى انّ جميع ما ذكرناه بطوله انّما هو على فرض اجمال القيد و تردّده بين الرجوع الى الموضوع أو الحكم.

و لكن قد عرفت انّ عمدة الدليل على استثناء المؤونة عبارة

فقه الرضا، و الشهرة المحقّقة، و ما دلّ على استثناء العذق و العذقين مضافا الى اصالة البراءة. و مقتضى الجميع رجوع القيد الى الموضوع، فيكون اعتبار النصاب بعد المؤونة، كما اختاره المصنف. و مع قطع النظر عن ذلك و بقاء الشك فان فرض اطلاق في الفوق فهو، و إلّا كان المرجع الأصل، و نتيجة الأول وجوب الزكاة في مورد الشك، و نتيجة الثاني عدم وجوبها، فتدبر.

هذا كلّه فيما يرتبط بالقول الأول.

و استدل للقول الثاني، أعني اعتبار النصاب قبل المؤونة، بظهور أدلّة النصاب في كون البلوغ الى النصاب علّة تامة و تمام الموضوع لوجوب الزكاة في جميع النصاب، و قد علم بما دلّ على استثناء المؤونة عدم وجوبها فيما يقابل المؤونة منه، فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة الى ما يقابل المؤونة و يعمل في الباقي على حسب ما يقتضيه.

و بعبارة اخرى: قد دلّت الأدلّة الأوّلية على وجوب الزكاة في جميع الغلات و قد ورد عليها تقييدان: الاوّل: التقييد بما بعد المؤونة. الثاني: التقييد بالنصاب. و اذا ورد على مطلق تقييدان فكلاهما واردان على المطلق في عرض واحد، و لا دليل على تقييد أحد القيدين بالآخر، فلا يتقيد النصاب بما بعد المؤونة. و مقتضى ذلك وجوب الزكاة اذا بلغت الغلة نصابا مطلقا، غاية الأمر عدم وجوبها فيما يقابل المؤونة، فتجب في الباقي.

و يرد على ذلك توقفه على ثبوت الاطلاقات الأوّلية، و إلّا فاصل البراءة يقتضي عدم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 64

..........

______________________________

الوجوب في مورد الشك. و اطلاق الموضوع، أعني النصاب معارض باطلاق الحكم، كما مرّ تفصيله.

و استدل للقول الثالث، أعني التفصيل بين المؤن السابقة و اللاحقة، أمّا بالنسبة الى المؤن السابقة فبما ذكره الشيخ من

انّ الظاهر من الأحاديث ثبوت العشر في جميع النصاب.

و لازمه ارجاع القيد الى الموضوع، و اعتبار النصاب بعد المؤونة. و أمّا بالنسبة الى المؤن اللاحقة فلان اخراجه من الوسط لا يكون منافيا لاعتبار النصاب قبله، لأنّه من مقتضيات قاعدة الشركة.

و يرد عليه أولا: انّ ما ذكره من اطلاق الحكم، أعني ثبوت العشر في جميع النصاب يقتضي اعتباره بعد المؤن مطلقا من غير فرق بين السابقة و اللّاحقة.

و ثانيا: انّ اطلاق الحكم معارض باطلاق الموضوع، كما مرّ تفصيله.

و ثالثا: انّ الشركة تقتضي استثناء المؤونة وسطا و كونها عليهما بالنسبة، لا كون اعتبار النصاب قبلها أو بعدها.

و رابعا: ان كون تعلق الزكاة بنحو الشركة غير ثابت و لا يلتزمون بلوازمها في المقام.

فالحق بناء على استثناء المؤونة كون اعتبار النصاب بعدها مطلقا، كما هو مختار المصنف، لان ذلك مقتضى عمدة ما استندوا اليه لاستثنائها، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 65

ما هو المراد بالمؤن؟
[المؤن اللاحقة ليست من المؤونة]

بل الأحوط عدم اخراج المؤن (1) خصوصا اللاحقة (2). و المراد بالمئونة كلّ ما يحتاج اليه الزرع و الشجر (3) من اجرة الفلاح و الحارث

______________________________

(1) لما عرفت من الاشكال في أدلّة استثنائها بكثرتها، فراجع «1».

(2) لا خصوصية للّاحقة، بل ان كانت فللسّابقة.

(3) في المسالك: «و المراد بالمؤن ما يغرمه المالك على الغلّة ممّا يتكرر كلّ سنة عادة و ان كان قبل عامه كأجرة الفلاحة و الحرث و السقي و الحفظ، و اجرة الأرض و ان كانت غصبا و لم ينو اعطاء مالكها أجرها، و مئونة الاجير و ما نقص بسببه من الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها. و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع. و عين البذر ان كان من ماله

المزكى. و لو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه و عينه. و كذا مئونة العامل المثلية، أمّا القيمية فقيمتها يوم التلف، و لو عمل معه متبرّع لم يحتسب اجرته، اذ لا تعدّ المنّة مئونة عرفا.

و لو وزع مع الزكوي غيره قسّط ذلك عليهما. و لو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي بالعرض لم يحتسب الزائد. و لو كانا مقصودين ابتداء وزّع عليهما ما يقصد لهما، و اختص أحدهما بما يقصد له. و لو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد تمام العمل لم يحتسب من المؤن. و لو اشترى الزرع احتسب ثمنه و ما يغرم بعد ذلك دون ما سبق على ملكه. و حصة السلطان من المؤن اللاحقة لبدو الصلاح فاعتبار النصاب قبلها» «2».

______________________________

(1)- ص 46 الى 53.

(2)- المسالك 1/ 44.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

و في الروضة: «و المراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلة من ابتداء العمل لأجلها و ان تقدّم على عامها الى تمام التصفية و يبس الثمرة، و منها البذر. و لو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة ... و لو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المؤونة. و لو اشتراها مع الأصل وزّع الثمن عليهما، كما يوزّع المؤونة على الزكوي و غيره لو جمعهما. و يعتبر ما غرمه بعده و يسقط ما قبله، كما يسقط اعتبار المتبرع و ان كان غلامه أو ولده» «1».

و عن فوائد الشرائع: «كلّ ما يحتاج اليه الزرع عادة فهو من المؤن، سواء تقدم على الزرع كالحرث و الحفر و عمل الناضح و نحو ذلك، أو قاربه كالسقي و الحصاد و الجذاذ و تنقية مواضع الماء ممّا يحتاج اليه في كلّ سنة،

لا اعيان الدولاب و الآلات و نحو ذلك. نعم، يحسب نقصها لو نقصت. و البذر من المؤونة، فيستثنى لكن اذا كان مزكّى سابقا أو لم تتعلّق به الزكاة سابقا. و لو اشتراه لم يبعد ان يقال: يجب (يحسب ظ) أكثر الأمرين من ثمنه و قدر قيمته» «2».

و عن الموجز و كشفه: «و الضّابط كلّ ما يتكرر كلّ سنة بسبب الثمرة ... و ليس له اخراج اجرة عمله بيده من المؤونة، و لا اجرة العوامل كالثيران التي يسقى عليها و يحرث عليها، و لا اجرة سهم الدالية و هو الجذع المركب على العين، و لا اجرة الأرض المملوكة أو المستعارة.

و لو استأجر جميع ذلك أو غصب الأرض احتسب الاجرة» «3». الى غير ذلك من كلماتهم في المقام.

أقول: قد اختلفت كلماتهم في مبدأ اشتقاق كلمة «المؤونة». و تفسّر بالقوت، و بالثقل و الشدة. و يقال: «ما مأنت له» أي ما تهيأت له. و «مأن الشي ء»: هيّأه.

و يقرب الى الذهن ان المراد بالمئونة ما يهيأ الشخص أو الشي ء لفعله و نشاطه، أو ما يهيّأ للشي ء أو الشخص لرفع حوائجه. و المقصود بها هنا الخسارة المالية، أو مطلق ما يغرمه المالك للثمرة أو الزرع.

______________________________

(1)- الروضة البهية 2/ 36.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 101.

(3)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 102.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

قال في مصباح الفقيه بعد نقل عبارة المسالك ما محصّله: «و الاولى ايكالها الى العرف.

فما يعدّ عرفا من مصارف هذه الزراعة بحيث لو سئل عن مقدار ما صرفه في تحصيلها لأجاب بكذا و كذا فهو مئونتها. و ما في صدر العبارة من تقييد موضوع المؤونة بما يتكرر في كلّ سنة لعله للاحتراز

عن مثل حفر الآبار و كري الأنهار و نحوها مما يعدّ عرفا من أسباب عمارة الأرض. فهي كثمن الأرض التي يشتريها لا يعدّ عرفا من مئونة اشخاص الزراعات الحاصلة فيها. فما في كلمات بعض من بسط مثل هذه المؤن على السنين المتكررة لا يخلو من مناقشة. نعم، لو دعاه الى حفر بئر أو قناة خصوص زراعة لعدّت عرفا من مئونتها، كما لو اشترى أرضا لذلك أيضا.

و كيف كان فقد عرفت انّه لم يرد في شي ء من النصوص الواصلة إلينا التصريح باستثناء المؤونة عدا عبارة فقه الرضا من التعبير بلفظ المؤونة من غير اضافتها الى الزرع أو الغلة، كما هو المدّعى، بل الى القرية.

و انّما التزمنا باستثنائها بدعوى استكشافه من الشهرة المعتضدة بالإجماعات المحكية، فان استكشفنا بهذا الدليل كون لفظ المؤونة بمنزلة كونها واردة في نصّ معتبر في وجوب الرجوع الى العرف في تشخيص مفهومها فنقول انّ هذه الكلمة لا تخلو من اجمال. و القدر المتيقن من ذلك ما ينفقه على نفس هذه الزراعة من مثل البذر و اجرة الحرث أو اجارة الأرض في تلك المدة و تسطيح الأرض و تنقية النهر، ممّا لا يبقى له بازائه مال بعد استيفاء الحاصل. و امّا مثل ثمن الأرض، أو العوامل التي يشتريها للزراعة، أو الآلات الّتي يستعملها فيها ممّا تبقى عينها في ملكه بعد استيفاء الحاصل فهي خارجة عن ذلك، بل لا يعدّ شي ء من مثل ذلك نفقة الزراعة، بل الزراعة تعدّ من فوائدها» «1».

و قد اجاد فيما أفاد، حيث فرّق بين ما يعدّ مئونة للزرع و الثمر و بين ما يعدّ مقوّما لإحياء الأرض من حفر البئر و القناة و احداث الجدران و نحوها.

فما في الجواهر من

عدّ استنباط المستقى و بناء الجدران للبستان و حفر النهر الذي هو

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الزكاة/ 68.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 68

و الساقي، و اجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و اجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و اجرة الحفظ و الحصاد و الجذاذ و تجفيف الثمرة.

و اصلاح موضع التشميس و حفر النهر (1). و غير ذلك كتفاوت نقص الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها.

و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع عليهما بالنسبة.

[قيمة البذر من المؤن]

[مسألة 17]: قيمة البذر اذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن (2).

______________________________

العمود مما يبقى سنوات من المؤن، و تقوية خروجها أجمع من الثمرة في سنة أو سنتين ممنوع أشدّ المنع.

نعم لو فرض أن شراء الأرض أو العوامل كان لزرع خاص أو ثمرة خاصة فالظاهر عدّهما نفقة و مئونة له. و سيأتي لذلك توضيح في المسألة التاسعة عشر، فانتظر.

و لو شك في كون شي ء من مؤن الزرع أو الثمرة إمّا لإجمال مفهوم المؤونة كما ادعاه في المصباح، أو لأنّ الدليل على الاستثناء، أعني الشهرة و الاجماع المدّعى دليل لبّي و لم يثبت كون معقدهما لفظ المؤونة فالمرجع عموم ما دلّ على وجوب العشر فيما بلغ خمسة أوسق أو اطلاقه. و مقتضى ذلك عدم استثنائه. و لو أبيت العموم أو الاطلاق فالمرجع اصالة البراءة، و مقتضاها استثناؤه. و سيأتي لذلك و لسائر الفروع مزيد توضيح في المسائل التالية.

(1) لا يخلو اطلاقه من نظر، فان حفر النهر الاصلي الدخيل في احياء الأرض معدود من مقدمات الاحياء، لا من مؤمن الزرع. نعم، حفر النهر الموقت لزرع خاص أو تنقيته له يعدّ من المؤونة عرفا.

(2)

بل هو من المؤن مطلقا، فيستثنى مطلقا. و كأنّ المصنّف أراد انّه اذا كان من ماله الذي تعلّق به الزكاة و لم يؤدّها فلا فرق بين استثنائه و عدمه، لوجوب الزكاة فيه في الحالين.

و لكن فيه كما في المستمسك افتراق الحالتين بوجهين: الأول: ان مقدار البذر اذا كان متمما للنصاب فاستثناؤه يوجب نقص النصاب و انتفاء وجوب الزكاة بالمرّة في غير البذر،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 69

و المناط قيمته يوم تلفه (1) و هو وقت الزرع.

______________________________

بناء على كون اعتبار النصاب بعد المؤونة.

الثاني: انّه اذا اختلف البذر و المحصول الفعلي في كيفيّة السقي فسقي أحدهما بالمطر و الآخر بالدلو مثلا فان مقدار الزكاة يختلف فيهما و ان وجبت في كليهما، فيعتبر البذر مستثنى مطلقا و يترتب آثار استثنائه ثمّ يحكم على كلّ من البذر و المحصول الفعلي حكمه.

و هنا أمر آخر و هو انّ البذر لو كان من ماله الذي تعلّق به الزكاة و لم يزك و قلنا بانّ التعلّق بنحو الشركة في العين كان المحصول الفعلي مشتركا بين المالك و الفقراء بنسبة سهمهما في البذر ثمّ يتعلّق الزكاة ثانيا بسهم المالك ان كان بنفسه بمقدار النصاب، فتدبّر.

(1) قال في البيان: «لو اشترى بذرا فالأقرب انّ المخرج أكثر الأمرين من الثمن و القدر. و يحتمل اخراج القدر خاصّة، لأنّه مثليّ. أمّا لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت و لم يكن قد عاوض عليه فان المثل معتبر قطعا» «1».

و في المسالك: «و لو اشتراه (البذر) تخيّر بين استثناء ثمنه و عينه» «2».

و في الروضة: «و منها البذر و لو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة» «3».

و عن فوائد الشرائع: «و البذر من المؤونة ... و لو

اشتراه لم يبعد أن يقال: يجب (يحسب. ظ) أكثر الأمرين من ثمنه و قدر قيمته» «4».

و في الجواهر الاشكال في التخيير فقال: «الّذي يعدّ انّه من مؤن الزرع و صار هو سببا لإتلافه عين البذر لا ثمنه. و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر. و بالجملة التخيير المزبور لا يخلو من نظر أو منع» «5».

و لكن في المستمسك توجيهه بما حاصله: «انّه كما يحتاج الزرع الى البذر يحتاج الى ثمنه الذي يشترى به أيضا. غاية الأمر انّ احدهما مقدمة للآخر. فكلّ منهما مئونة، لا في عرض

______________________________

(1)- البيان/ 180.

(2)- المسالك 1/ 46.

(3)- الروضة البهية 2/ 36.

(4)- مفتاح الكرامة، ج 3 كتاب الزكاة/ 102.

(5)- الجواهر 15/ 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 70

[اجرة العامل من المؤن]

[مسألة 18]: اجرة العامل من المؤن. و لا يحسب للمالك اجرة (1) اذا

______________________________

واحد، بل أحدهما في طول الآخر. و استثناؤهما معا غير ممكن. و استثناء أحدهما بعينه ترجيح بلا مرجح، فيلزم التخيير. و هكذا الحال في جميع المقدمات الطولية. اللهم إلّا أن يقال: ليس المراد من المؤونة مطلق ما يحتاج اليه الزرع، بل خصوص الخسارة المالية له، أعني ما صرف له فعلا و هو نفس البذر التالف بنثره في الأرض» «1».

أقول: الاولى احالة المسألة الى حكم العرف. فلو ملك البذر بالارث أو الهبة أو نحوهما فما غرمه و صرفه في الزرع عين البذر فله أخذ مثله، إلّا اذا قوّمه على نفسه عند النثر في الأرض فقيمته المتعارفة يوم النثر. و كذلك اذا اشتراه لا للبذر ثمّ بدا له جعله بذرا. و أمّا اذا اشتراه للبذر فما يعدّ مئونة الثمن المسمّى و إن كان أكثر من قيمته اذا اضطرّ الى

اشترائه كذلك، و إلّا فقيمته المتعارفة.

و لعلّه لذا قال الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي في حاشيته عند قول المصنف:

«قيمة البذر» قال: «بل مثله. نعم، اذا كان اشتراه للزرع فالمعتبر ثمنه المسمّى، لا مثله و لا قيمته».

و كذا الكلام في اجرة العامل و العوامل اذا جعلها من الغلّات، فتدبر جيدا.

(1) في المستمسك: «لما عرفت من انّ المراد منها الخسارة المالية. و عمل العامل (المالك ظ.) ليس منها. و كذا عمل المتبرّع، من ولده أو زوجته أو أجنبي. و كذا اجرة الأرض و العوامل، فان ذلك من قبيل فوات منفعة، لا خسارة مالية» «2».

أقول: عدم حساب الاجرة للمالك و ولده و زوجته و المتبرّع و كذا املاكه من الأرض و العوامل قطعي لا ريب فيه، اذ لم يعهد حساب ذلك في عصر من الأعصار، بل لعلّ حسابها يوجب عدم وجوب الزكاة إلّا فيما قلّ و ندر، لكون الخرج على هذا أكثر من الفائدة غالبا.

و لكنّ الاولى جعل هذا المعنى دليلا على عدم اخراج المؤونة، لا عدم كونها من المؤونة.

ألا ترى انّه لو أراد بيع زرعه لغيره أو تشريك غيره فيه أو تقسيمه مع شريكه فقيل له احسب جميع ما خسرته و صرفته لهذا الزرع و خذ ثمنه أو ثمن نصفه مثلا. فالمعهود حساب عمل نفسه

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 162.

(2)- المستمسك 9/ 163.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 71

كان هو العامل. و كذا اذا عمل ولده أو زوجته بلا أجرة. و كذا اذا تبرّع به أجنبي. و كذا لا يحسب اجرة الأرض التي يكون مالكا لها، و لا اجرة العوامل اذا كانت مملوكة له.

[لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة]

[مسألة 19]: لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة (1). و كذا لو ضمن النخل

و الشجر. بخلاف ما اذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر (2). كما انّه لا يكون ثمن العوامل اذا اشتراها منها.

[لو كان مع الزكوي غيره فالمؤونة موزعة]

[مسألة 20]: لو كان مع الزكوي غيره فالمؤونة موزعة عليهما اذا كانا

______________________________

و عوامله أيضا، كما هو المعهود في نقل سهم الزرّاع الى المالكين أيضا ان أرادوا فسخ المزارعة، و كذلك اذا أراد بيع داره أو تشريك غيره فيها بما صرفه و خسره في عمرانها، فتدبّر.

(1) بعد اخراج قيمة التبن منه.

(2) في المستمسك: «فان ذلك ليس معدودا من مئونة الزرع، بل من مئونة ملك الأرض. و كذا ثمن العوامل، فان ما يعدّ مئونة عملها، لا نفسها، و لا ثمنها. فالمال المبذول بازاء العمل من المؤونة، و المال المبذول بازاء العين ليس منها» «1».

أقول: لو كان اشتراء الأرض أو الأشجار أو العوامل لزرع خاصّ أو ثمرة خاصّة في سنة أو سنتين مثلا فكون ثمنها من مئونتهما عرفا واضح.

هذا، مضافا الى ما في المستمسك من عدم وضوح الفرق بين المؤونة في المقام و بين مئونة السنة التي تستثنى في الخمس. فاذا بنى على استثناء العين الّتي يحتاج اليها هناك كالدار و المركب و نحوهما كان اللازم البناء عليه هنا أيضا. و عدم كون استثنائها في المقام معهودا في عصر من الاعصار، بل كونه موجبا لعدم وجوب الزكاة إلّا فيما قلّ و ندر ممّا يؤيّد عدم جواز استثناء المؤونة، لا عدم كونها من أفراد المؤونة، كما مرّ في المسألة السابقة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 163.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 72

مقصودين و اذا كان المقصود بالذات غير الزكوي، ثمّ عرض قصد الزكوي بعد اتمام العمل لم يحسب من المؤن، و اذا كان بالعكس حسب منها (1).

______________________________

(1) قد مرّ مضمون

هذه المسألة من المسالك، فراجع.

و يمكن أن يناقش بانّ مئونة الشي ء ما صرف فيه خارجا، قصد أم لم يقصد، فضلا عمّا تبدل القصد فيه. فلو ألقى السماد في الأرض بقصد الذرة مثلا ثم بدا له فزرع الحنطة معتمدا على السماد الملقى فكون السماد ممّا صرف في تحصيل الحنطة أمر واضح، فيعدّ من مئونته عرفا، فتأمّل.

تنبيه: في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- ما حاصله: «ان ما يصرف في الغلات على ضربين:

أحدهما ما تختص به الغلة كأجرة حراستها بعد حصولها و اجرة الجذاذ و الاقتطاف و نحوها. و هذا لا اشكال في استثناء ما يعادله من نفس الغلات.

ثانيهما ما يصرف في نبات الزرع كأجرة الحرث و الفلاحة و السقي و العوامل و آلات الزراعة و نحو ذلك. و حينئذ فان وفت قيمة التبن لذلك فهل يقال هذه بهذه و ما خسره في الزرع قد استوفاه و لا يستثنى شي ء منها من نفس الغلة فانّها من عوائد الزرع و قد استوفى الخسارة المالية التي تحملها للزرع بالتبن، أو تقسم المؤونة عليهما بالنسبة، أو يقال انّها صرفت لأجل تحصيل الغلة و هي المقصود الأصلي فيستثنى منها فقط؟ وجوه.

الظاهر انّ الأخير لا وجه له، فانّ المصروف فيه في الخارج هو نبات الزرع. و كون الداعي هو الغلة لا يغير الخارج عن حقيقته. و المسامحة العرفية في عدها مئونة الغلة لا وجه للاعتماد عليها. نعم، المؤونة مصروفة فيها بالتبع و في الرتبة المتأخرة، و لكن مع استيفائها و تداركها في الرتبة المتقدمة تخرج عن كونها مئونة الغلة.

و التوزيع أيضا لا وجه له، لأنّ الغلة من عوائد الزرع، و المؤونة صرفت في الزرع لا في الغلة، فلم تحصل من قبل

هذه العائدة خسارة مالية مع وفاء قيمة التبن بالمئونة. فتعين المصير الى الوجه الأوّل. نعم، لو نقصت قيمة التبن عنها يستثنى الباقي من نفس الغلة، فانّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 73

[الخراج الذي يأخذه السلطان يوزّع على الزكوي و غيره]

[مسألة 21]: الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزّع على الزكوي و غيره (1).

[اذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة]

[مسألة 22]: اذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة (2) لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى، و إن كان الأحوط التوزيع (3) على السنين.

[اذا شك في كون شي ء من المؤن أو لا]

[مسألة 23]: اذا شك في كون شي ء من المؤن أولا لم يحسب منها (4).

______________________________

التدارك اذا لم يحصل في الرتبة المتقدمة تصل النوبة الى ما هو بالتبع» «1».

أقول: ما ذكره نحو دقّة عقيلة يشكل مساعدة العرف عليه بعد كون المقصود الأصلي نفس الغلة.

(1) ان كان موضوعا عليهما، أو على الأرض. و أمّا اذا وضع على الزكوي فقط فلا وجه للتوزيع.

(2) يجب أن يكون محل الكلام ما يعمل بقصد الزرع أو الثمر سنة أو سنتين أو سنين معدودة كحرث الأرض أو تسميدها لزرع سنتين مثلا لا ما يعمل بقصد أصل الاحياء للأرض و تملكها كحفر القنوات و احداث الأنهار الكبيرة مثلا، كما مرّ تفصيل ذلك.

(3) في كونه أحوط اشكال، لإمكان أن يصير المحصول في الثانية انقص من النصاب على فرض التوزيع، فلا تكون فيها زكاة. و لو استثنى المؤونة من السنة الاولى ثبت في الثانية الزكاة. و الظاهر هو التوزيع على فرض العمل بقصد الجميع، و الاخراج من الاولى اذا كان بقصدها فقط، فتأمل. و الأحوط عدم احتساب ما زاد على حصة السنة الاولى أصلا.

(4) اذا كانت الشبهة حكمية بان يقال: ثبت بالإجماع و الشهرة اجمالا استثناء بعض الأشياء و لم ينعقدا على عنوان المؤونة فشك في مورد، أو يقال: انعقدا على خصوص عنوان

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 1/ 340.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 74

..........

______________________________

المؤونة و لكن اشتبهت مفهوما، فالمرجع حينئذ اطلاق دليل النصاب، أعني قوله: «ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر». اللهم إلّا ان ينكر الاطلاق

فيكون المرجع اصالة البراءة. و امّا اذا كانت الشبهة موضوعية و لم يمكن الفحص فالأصل البراءة، لعدم جواز التمسّك بالعام فيها، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 75

حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة و النخل الذى يثمر في السنة مرتين

[حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد]

[مسألة 24]: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد. فيضمّ الثمار بعضها الى بعض و إن تفاوتت في الادراك، بعد ان كانت الثمرتان لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

و على هذا فاذا بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه، ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر.

و إن كان الذي أدرك أولا أقلّ من النصاب، ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع.

و كذا اذا كان نخل يطلع في عام مرتين يضمّ الثاني الى الأول، لأنّهما ثمرة سنة واحدة. لكن لا يخلو عن اشكال، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين، كما قيل (1).

______________________________

(1) هنا مسألتان، جمع بينهما المصنف في هذه المسألة: الاولى: انّ الفصل المكاني أو الزماني لا يوجب تعدد الموضوع و الحكم في النخيل و الزروع، فتضم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة بعضها الى بعض و ان تفاوتت ادراكا اذا كانت لعام واحد.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

الثانية: انّه اذا كان هنا نخل يثمر في السنة مرتين فهل تضمّ الثانية الى الاولى، أو تكونان في حكم ثمرة عامين؟

و قد تعنون المسألة الثانية في كلماتهم بنحو آخر أيضا و هو انّه اذا كان نخيل يثمر في السنة مرة، و آخر يثمر مرتين، فالمرة الاولى منهما تضمّ الى الآخر. و هل تضمّ الثانية أم لا؟.

و بعضهم كالشيخ في المبسوط جمع بين العنوانين. و مرجعهما واحد. فهنا مسألتان:

و الأولى اجماعية بين

المسلمين. و الثانية مختلف فيها.

فلنذكر بعض الكلمات: فالشيخ في المبسوط تعرض للمسألة الاولى بنحو التفصيل و حكم بضمّ الثمار المختلفة بحسب المكان و الزمان، سواء اتّفقت اطلاعا و ادراكا، أو اختلفت فيهما، أو اتّفقت اطلاعا و اختلفت ادراكا، أو بالعكس، ثمّ تعرض للمسألة الثانية بالعنوانين، فقال: «و ان كان له ثمرة بتهامة و ثمرة بنجد، فادركت التهامية و جذّت، ثمّ اطلعت النجدية، ثمّ اطلعت التهامية مرة اخرى لا تضمّ النجدية الى التهامية الثانية، و انّما تضمّ الى الاولى، لأنّها لسنة واحدة. و التهامية الثانية لا تضمّ الى الاولى و لا الى النجدية، لأنّها في حكم سنة اخرى ... و النخل اذا حمل في سنة واحدة دفعتين كان لكلّ حمل حكم نفسه لا يضمّ بعضه الى بعض، لأنّها في حكم سنتين» «1».

و في الوسيلة لابن حمزة: «و التمر ضربان امّا اختلف زمان ادراكها في السنة أو حمل شجرها كلّ سنة مرتين فالأوّل يضمّ بعضها الى بعض، و الثاني لا يضمّ. فيكون لكلّ حمل حكم نفسه» «2».

و في التذكرة: «مسألة: تضمّ الزروع المتباعدة و الثمار المتفرقة في الحكم، سواء اتّفقت في الايناع أو اختلفت، و سواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت اذا كانت لعام واحد ... فانّه يضمّ بعضها الى بعض، لتعذّر ادراك الثمرة في وقت واحد و إن كانت في نخلة واحدة.

فلو اعتبر اتحاد وقت الادراك لم تجب الزكاة غالبا و قد اجمع المسلمون على ضمّ ما يدرك الى

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 215.

(2)- الجوامع الفقهية/ 680.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

ما تأخّر ... و لو كان له نخل يطلع في السنة مرتين قال الشيخ: لا يضمّ الثاني الى الأوّل، لأنّه في حكم ثمرة سنتين. و

به قال الشافعي. و قيل: تضمّ، لأنّها ثمرة عام واحد. و هو الأقوى» «1».

و في المنتهى: «لو كان له نخل يتفاوت ادراكه بالسّرعة و البطء بأن يكون في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر فيدرك الثمرة في الأسخن قبل ادراكها في الآخر فانّه تضمّ الثمرتان اذا كان لعامّ واحد و ان كان بينهما شهر أو شهر ان أو أكثر، لأنّ اشتراك ادراك الثمار في الوقت الواحد متعذر و ذلك يقتضي اسقاط الزكاة غالبا. و لا نعرف في هذا خلافا» «2»

و في المنتهى أيضا: «لو كان له نخيل يطلع في السنة مرتين قال الشيخ: لا تضمّ إحداهما الى الاخرى، لأنّها في حكم ثمرة سنتين. و ليس بالوجه. و الأقرب الضمّ، لأنّهما ثمرة عام واحد» «3».

و في الشرائع: «الثانية اذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ضممنا الجميع و كان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد. و ما ادرك و بلغ نصابا أخذ منه ثمّ يؤخذ من الباقي، قلّ أو كثر. و ان سبق ما لا يبلغ نصابا تربّصنا في وجوب الزكاة ادراك ما يكمل نصابا، سواء اطلع الجميع دفعة أو ادرك دفعة أو اختلف الأمران» «4».

و فيه أيضا: «الثالثة: اذا كان له نخيل يطلع مرة و آخر يطلع مرتين قيل: لا يضم الثاني الى الأوّل، لأنّه في حكم ثمرة سنتين. و قيل: يضمّ. و هو أشبه» «5».

و في المغني لابن قدامة في فقه الحنابلة: «و تضم ثمرة العام الواحد بعضها الى بعض، سواء اتّفق وقت اطلاعها و ادراكها أو اختلف ... فان كان له نخيل يحمل في السنة حملين ضمّ أحدهما الى الآخر. و قال القاضي: لا يضمّ. و هو

قول الشافعي» «6».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 220.

(2)- المنتهى 1/ 499.

(3)- المنتهى 1/ 499.

(4)- الشرائع 1/ 154.

(5)- الشرائع 1/ 154.

(6)- المغني 2/ 558.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

فهذه بعض الكلمات في المسألتين.

أقول: امّا المسألة الاولى فقد عرفت عن التذكرة اجماع المسلمين عليها، و عن المنتهى عدم معرفة الخلاف فيها. و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين» «1». و في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه، لإطلاق الأدلة و عمومها» «2» و لا دليل على اعتبار وحدة البلد أو الزمان، و انّما يعتبر الملكيّة و التمكن من التصرّف و النصاب. و المفروض حصولها بأجمعها.

و قد عرفت من التذكرة و المنتهى التعليل أيضا بتعذر ادراك الثمرة في وقت واحد. فالحكم بحمد اللّه واضح.

و امّا المسألة الثانية فقد عرفت كونها خلافية بيننا و بين مذهب السنة أيضا. و استدل عليها في الجواهر باطلاق الأدلّة، و بكونه باعتبار اتحاد العام كالبستانين المختلف إدراك ثمرتهما أو طلوعها، و في المغني التعليل بانّهما ثمرة عام واحد، فيضمّ بعضها الى بعض، و بانّ الحمل الثاني يضمّ الى الحمل المنفرد لو لم يكن حمل أوّل فكذا اذا كان، فان وجود الحمل الاوّل لا يصلح أن يكون مانعا.

و لكن في الجواهر: «لكنّ الانصاف عدم خلوّ المسألة عن اشكال، ضرورة عدم تعليق الحكم في شي ء من النصوص على اتحاد المال بمجرد كونه في عام واحد و أهل العرف لا يشكّون في صدق التعدّد عليهما، خصوصا اذا حصل فصل بين الثمرتين بزمان معتدّ به» «3».

و ردّ ذلك في مصباح الفقيه بما حاصله: «لا مدخلية لصدق وحدة المال أو تعدده عرفا في هذا الباب، و إلّا فصدق التعدد على ثمرة نخلين أحدهما بالعراق و الآخر بالحجاز خصوصا مع

اختلاف صنفيهما أوضح من صدقه على ثمرة نخلة واحدة حاصلة في زمانين. فالمدار على صدق بلوغ ما انبتت الأرض خمسة أوسق و هو حاصل» «4».

و كيف كان فالحقّ ما اختاره المصنّف أوّلا. اذ المعتبر كما عرفت الملكيّة و التمكّن

______________________________

(1)- المدارك/ 306.

(2)- الجواهر 15/ 243.

(3)- الجواهر 15/ 243.

(4)- مصباح الفقيه/ 71.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

و النصاب، و هي حاصلة. و لا دليل على اعتبار وحدة الملكية مكانا أو زمانا، بل المقطوع عدمه، كما يظهر بالتأمّل فيما مرّ.

نعم، لا يضمّ محصول عامّ الى عامّ آخر، لدلالة الاخبار و السيرة العملية على كون الزكاة، بل و سائر الماليات الاسلاميّة سنوية، فتدبّر جيّدا.

بقى هنا شي ء و هو انّ صاحب الجواهر بعد نقل عبارة الشرائع في المسألة الاولى قال:

«نعم، يعتبر بقاء الناقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزكاة من الملكيّة و نحوها الى أن يدرك ما يكمله كذلك، كما هو واضح» «1».

و استشكل عليه في مصباح الفقيه بما حاصله: «أقول: استفادة اعتبار بقاء الناقص في ملكه و عدم اتلافه الى أن يدرك ما يكمل به النصاب في وجوب الزكاة من النصوص و الفتاوى لا يخلو من خفاء، بل قد يقال انّ مقتضى اطلاقهما انّه متى بلغ نماء زروعه و ثمرة نخيله و كرومه بعد المؤونة خمسة أوسق فما زاد يجب فيها الزكاة، سواء أدرك الجميع دفعة أو تدريجا، و سواء بقى ما أدرك تدريجا في ملكه حتّى يكمل النصاب أو باعه أو أكله أو غير ذلك من التصرّفات الاختيارية، لصدق انّه بلغ ما حصل في يده في هذه السنة خمسة أوسق.

و دعوى انسباق ارادة المجتمع في الملكيّة الى الذهن من اطلاق قوله «ع» ما أنبتت الأرض من

الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر ممنوعة. نظير ما لو نذر ان يتصدق بعشر ما يحصل له من ثمرة الأشجار المملوكة له في هذه السنة على تقدير بلوغها الى هذا الحد، فانّ مفادها عرفا ليس إلّا بلوغ مجموع ثمرتها من اوّل حصولها الى آخره الى هذا الحد لا بوصف الاجتماع. و قضية ذلك التربّص في الحكم بوجوب العشر من حين الأخذ في الادراك الى أن يكمل النصاب. فاذا كمل وجب التصدق بعشره مع بقاء عينه.

و على تقدير الاتلاف بمثله أو قيمته. و اشتراط التمكن من التصرّف في وجوب الزكاة ليس منافيا لذلك اذ المقصود بذلك الاحتراز عن مثل المغصوب و الغائب الذي لا يدله عليه، لا مثل المقام الذي جرت يده عليه و تصرّف فيه باختياره، فانّه بحكم الباقي عنده في كونه

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 243.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 80

..........

______________________________

مشمولا لأدلّة الزكاة، فان التصرف الاختياري مؤكّد للتمكن لا مناف له.

و كيف كان فالقول بعدم اعتبار اجتماع مجموع النصاب في ملكه مع انّه أحوط أوفق بظواهر النصوص و الفتاوى. و على تقدير الالتزام باعتباره فالمتجه عدم الفرق- بالنسبة الى ما أدرك أخيرا بعد اخراج السابق عن ملكه في نفي تعلّق الزكاة به- بين كون ما ادرك سابقا و اتلفه نصابا أو أقلّ، اذ الزكاة وضعت على ما بلغ خمسة أوسق، فهذا الاخيران لوحظ بنفسه فهو أقلّ من النصاب، و ان لوحظ مضافا الى السابق فالمفروض عدم بقائه. و كون السابق نصابا لا يكفي لهذه الملاحظة، فانّه موجب لوجوب عشره لا عشر ما لم يوجد بعد» «1». هذه خلاصة ما ذكره في المصباح.

و ردّه المرحوم آية اللّه الميلاني-

قدّس سرّه- في زكاته بما حاصله: «القضية الشرطية ليست في مالكية المكلّف، اذ لم يرد: اذا ملك خمسة أوسق فعليه الزكاة، حتّى يعمّ اطلاقه التملك الدفعي و التدريجي، بل تلك القضية في نفس الغلة اذا بلغت كذا ... نظير قوله «ع» في الغنم: فاذا بلغت عشرين و مأئة. و في الذهب: فاذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار. و الشرط عنوان لموضوع الحكم، و الوصف يحتاج الى الموصوف بالفعل. فالثلاثة أوسق المدركة سابقا اذا بقيت و ضمّ اليها الوسقان لا حقا يتّصف المجموع في هذا الحين بانّه بالغ خمسة أوسق. و لا معنى لان يقال: يتّصف تدريجا، بل الغلة تزيد تدريجا و لكنّه تتّصف بكذا دفعة. و بالجملة الازدياد في الكمية تدريجي، و امّا الاتصاف بالبلوغ الى هذا الحد فدفعي، و الاتّصاف لا بدّ له من المتّصف بالفعل.

و الحاصل ان الخمسة أوسق كيل خاص- نظير الكر- فكما لا يصحّ الاطلاق في قوله:

الماء اذا بلغ قدر كرّ لم ينجسه شي ء بالاضافة الى ما وجد و تلف تدريجا فكذلك في المقام.

و امّا مثال النذر فان كان قد نذر انّه اذا بلغ ما يملكه بالفعل مجتمعا الى حدّ كذا فلا يشمل التدريجي. و إن كان قد نذر بنحو التعليق بمعنى انّه اذا ملك تدريجا ما لو بقى المتدرج كان كلّه كذا، كان نذره منعقدا، ثمّ انّه لو شك في وجوب الزكاة في المقام فالأصل البراءة» «2».

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 70.

(2)- كتاب الزكاة، لآية اللّه الميلاني 2/ 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 81

..........

______________________________

أقول: بعد غلبة اختلاف الزروع و الثمار في الادراك و الايناع بحسب الزمان اذا قيل:

ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ

خمسة أوساق ففيه العشر لا يتبادر الى الذهن إلّا كون مجموع محصوله و استفادته في هذه السنة بهذا المقدار و ان اينع تدريجا و أكل أو بيع. و لو قيل لأحد الى كم بلغ ثمرة بستانك في هذه السنة يحسب المجموع من أوّل وقت الايناع و الادراك الى آخر ما حصل له في هذه السنة و ان لم يجتمع الجميع في آن واحد.

فهذا أمر عرفي يعرفه كلّ من راود الزرّاع في محاسباتهم. و على هذا الأساس أيضا محاسبة سهم الملّاك في المزارعة و المساقاة و سهم الشريك في الشركة و الضرائب المقررة من قبل الحكومات العرفية. فالتعبير بالبلوغ رائج في هذه المقامات و ان تدرجت الثمرة في الادراك و الصرف فلم تجتمع في آن واحد.

و لزوم الاجتماع في باب الانعام و النقدين انّما هو لاشتراط الحول فيها، بخلاف باب الغلات. و لزومه في باب الكرّ بالقرينة الواضحة، حيث انّ العاصمية من آثار الماء المجتمع، فلا يقاس عليه المقام. كيف؟ و لو اشترط الاجتماع صحّ ما ذكره في المصباح أخيرا من لزوم عدم ضمّ ما أدرك أخيرا الى ما سبقه مع عدم بقائه و ان بلغ السابق النصاب، و الالتزام بذلك مشكل.

فالأقوى عدم لزوم الاجتماع في زمان واحد، كما أفتى به في المصباح.

و العجب من المصنّف و من المحشّين حيث لم يتعرّضوا لهذا الفرع مع كثرة الابتلاء به.

نعم، تعرّض له الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي حيث علّق على قول المصنّف:

«ينتظر به حتى يدرك الآخر»، فقال: «ان احتمل عدم بلوغ المجموع حد النصاب بعد الادراك، و الإجازة، بل وجب اخراج زكاة ما ادرك منها و بلغ وقت الأداء». و ان اشكل الالتزام بما أفتى به أيضا.

و حاصل

الكلام هنا ان المحتملات في قول المصنّف: «ينتظر به»، و قول المحقّق:

«تربّصنا في وجوب الزكاة» ثلاثة:

الأول: انّ الحكم بالوجوب يتوقّف على بقاء ما أدرك أولا الى أن يحصل النصاب مجتمعا بالفعل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

الثاني: انّ الحكم بالوجوب يتوقّف على أن يدرك المكمّل للنصاب خارجا و ان لم يبق السابق. فلا يلزم الاجتماع، و لكنّ الوجوب لا يتحقّق ما لم يدرك المكمل خارجا، فاذا أدرك يزكّى السابق أيضا و ان لم يبق.

الثالث: انّ وجوب التربّص يكون طريقيا. فاذا علم بلوغ النصاب في ظرفه تحقّق الوجوب من أوّل الأمر، فيكون اشتراط النصاب بنحو الشرط المتأخر. و هذا هو الّذي اختاره الاستاذ- طاب ثراه- و لعلّه خلاف الظاهر، فالالتزام به مشكل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 83

فروع

[مسألة 25]: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على انّه فرضه (1)، و إن كان بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من

______________________________

(1) كأنّ المصنّف في هذه المسألة تعرّض لمسألتين:

الاولى: هل يجزي اعطاء الثمرة الرطبة عن اليابسة و بالعكس أم لا؟

الثانية: هل الواجب اعطاء الفريضة من النصاب أو يجوز اعطاء مثلها من الخارج أيضا بعنوان الأصل لا بعنوان القيمة.

و كيف كان فليست المسألة من المسائل الأصلية المتلقاة، و لم تذكر في الكتب الموضوعة لنقل هذا القبيل من المسائل، بل من المسائل التفريعية المستنبطة.

قال الشيخ في المبسوط: «متى أخذ الساعي الرطب قبل أن يصير تمرا وجب عليه ردّه على صاحبه، فان هلك كان عليه قيمته. فاذا ردّه أو قيمته أخذ الزكاة في وقتها. فان لم يردّه و شمّس عنده فصار تمرا نظر، فان كان بقدر حقّه فقد استوفاه، و ان كان دونه

وفّى، و إن كان فوقه وجب عليه ردّه» «1».

و في الشرائع: «الرابعة: لا يجزي أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبيب.

و لو أخذه الساعي و جفّ ثمّ نقص رجع بالنقصان» «2».

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 217.

(2)- الشرائع 1/ 155.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

و في القواعد: «و لا يجزي أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبيب. و لو أخذه الساعي رجع بما نقص عند الجفاف» «1».

أقول: لا تخلو هذه الكلمات و لا سيّما كلام المبسوط من الاشكال، اذ يظهر منها عدم صحّة ما أخذه الساعي أوّلا و عدم وقوعه زكاة، فلا يجوز للساعى حسابه زكاة بعد الجفاف، لبقائه على ملك مالكه، و الزكاة أمر عبادي يتقوّم بالقصد، فيجب تجديد النيّة.

اللهم إلّا أن يقال ان مرادهم اجزاء الرطب أيضا، و لكن لا بحساب الرطبية، بل بحساب التمرية، فيجزي ما جفّ منه و يجبر النقص. و لكن ظاهر عبارة المبسوط يأبى هذا التوجيه.

هذا.

و في المنتهى: «لو دفع المالك الرطب عن التمر لم يجزه و لو كان عند الجفاف بقدر الواجب إلّا بالقيمة السوقية، لأنّه غير الواجب. و عندي فيه اشكال من حيث تسمية الرطب تمرا لغة، فاذا أخرج ما لو جفّ كان بقدر الواجب فالأقرب الإجزاء» «2».

و يرد عليه أوّلا: منع صدق التمر على الرطب حقيقة. و ثانيا: انّه لو سلّم هذا لزم منه الاجتزاء به و ان لم يبلغ مقدار الفريضة مع الجفاف، كما لا يخفى.

و اذا عرفت هذا فنقول: المشهور بين من عنون المسألة عدم اجزاء الثمرة الرطبة عن اليابسة، و بالعكس، اذا كان بنيّة الأصل و الاجزاء بعنوان القيمة.

و لا يخفى انّه ان بنى على كون زمان التعلّق التسمية تمرا أو

زبيبا فلا مجال لتوهّم الاجزاء، لانتفاء الاسم في العنب و الرطب؛ و ان بنى على كون زمان التعلّق بدوّ الصلاح و وجوب الزكاة في الرطب و العنب فان كان النصاب من الرطب مثلا اجزأ الرطب عنه اذا كان من النصاب، و لكن بحساب الجفاف و التمرية، كما يجزي الرطب و التمر معا عن النصاب الملتئم منهما بحسب النسبة. و أمّا اجزاء الرطب عن التمر و بالعكس فيبتنى على كون تعلّق الزكاة بنحو الاشاعة، أو الكلّي في المعين، أو بنحو الحقّ.

______________________________

(1)- القواعد/ 55.

(2)- المنتهى 1/ 502.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 85

التمر. و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به.

نعم، يجوز دفعه على وجه القيمة. و كذا اذا كان عنده زبيب لا يجزي عنه دفع العنب إلّا على وجه القيمة. و كذا العكس فيهما.

نعم، لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة. و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة.

و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر و الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة اولا؟ لا يبعد الجواز، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضا، لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده.

و كذا الحال في الحنطة و الشعير اذا أراد أن يعطى من حنطة اخرى أو شعير آخر (1).

______________________________

فعلى الأوّل، لا يجزى أحدهما عن الآخر و لا عن المختلط منهما، بل يجب الأداء من العين و ان كانت مختلطة فبالنسبة. اللهم إلّا أن يكون بعنوان القيمة.

و على الثاني، يجزي من العين مطلقا و لا يجب رعاية الخصوصيات، فيجزى في المختلط من الصنفين من أيّهما أراد، و لكن يحسب مقداره بعد الجفاف و التمرية أو الزبيبية في النصاب و الفريضة

معا، لما مرّ من انّ الرطب و العنب و ان قيل بتعلّق الزكاة بهما و لكن بحساب التمرية و الزبيبيّة.

و على الثالث، يكون الثابت في ذمّته الكلّي المنطبق على العين و غيرها، غاية الأمر كون العين بمنزلة الرهن له، فيجوز الدفع من غير العين أيضا بنيّة الأصل.

و البحث عن كيفية التعلّق يأتي في المسألة 31 إن شاء اللّه- تعالى-.

(1) هذه هي المسألة الثانية و هو انّه هل يجب كون الفريضة من عين النصاب أو يكفي دفعها من المماثل له؟ و الملاك فيها ما ذكرناه في المسألة الاولى. فان كان التعلّق بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعين تعين الدفع من العين، و ان كان بنحو الحقّ اجزأ المماثل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 86

[اذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة]

[مسألة 26]: اذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الربا بل هو من باب الوفاء (1).

______________________________

قال في التذكرة: «و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصته، لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد و عن الفقراء بأخذ الرديّ. و هو قول عامة أهل العلم. و قال مالك و الشافعي: اذا تعدّد الأنواع أخذ من الوسط. و الاولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء» «1».

و العجب من المصنّف، فانّه مع اختياره كون التعلّق بنحو الكلّي في المعين- كما يأتي- و مع تصريحه هنا بكون الوجوب متعلّقا بما عنده كيف لم يستبعد الجواز؟ نعم، في باب الانعام الثلاثة- حيث انّ الفريضة قد لا تكون من جنس النصاب، كما في قوله: «في خمس من الابل شاة»، و قد تكون أخصّ منه، كما في قوله: «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض»، حيث انّ الابل قد لا

تكون بنت مخاض، و كما في قوله: «في أربعين شاة شاة»، حيث انّ الفريضة يجب أن تكون ثنيّة أو جذعة و النصاب أعمّ- فلا محالة لا تكون الفريضة مقيدة بكونها من عين النصاب. و على القول بالاشاعة يجب أن نلتزم بان الشارع قدّر بنفسه الحصّة المشاعة بما جعله فريضة.

و امّا في المقام فلا الزام بهذا الالتزام. فالأحوط، بل الأقوى دفع المماثل بعنوان القيمة لا بنيّة الأصل، فتدبر.

(1) في الجواهر: «و لا ربا في متحد الجنس بعد ان لم يكن ذلك من المعاوضة، بل هو من قبيل امتثال التكليف. و لذا لم يعتبر التراضي في دفع القيمة» «2».

أقول: الظاهر صحة ذلك، إذ الربا انّما يجري في القرض أو المعاوضة. و المعطى للقيمة في زكاة المال أو الفطرة لا يقصد المعاوضة، بل يقصد الزكاة و ينوى القربة بنفس اعطاء القيمة. فالقيمة بنفسها زكاة، لا انّها عوض عن الزكاة. فكأنّ الواجب اعطاء مالية

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 221.

(2)- الجواهر 15/ 246.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 87

..........

______________________________

الشي ء المتحقق باعطاء نفسه أو قيمته. نعم، لو ثبت بالدليل انّ الواجب أوّلا هو العين و انّ القيمة من باب المعاوضة فاجازة الشارع الذي هو وليّ مصارف الزكاة كافية، و لا يحتاج الى التراضي بعد اجازته. و لكن المستفاد من الدليل كون القيمة بنفسها زكاة. و لذا يشترط في أدائها القربة، كما في العين.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 88

هل تسقط الزكاة بموت المالك أم لا؟

[لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب]

[مسألة 27]: لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب (1).

امّا لو مات قبله و انتقل الى الوارث فان بلغ نصيب كل منهم النصاب وجب على كلّ زكاة نصيبه، و ان بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على

من بلغ نصيبه، و ان لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم (2).

______________________________

(1) في المعتبر: «السادس: لا تسقط الزكاة بموت المالك. و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: تسقط و لا تجب إلّا أن يوصى بها، لأنّها عبادة فتسقط بالموت كالصلاة و الصوم.

لنا ان الزكاة حقّ للآدمي فلا تسقط بالموت كالدين، و لأنّه دين للّه فيجب قضاؤه، لقوله «ع»: دين اللّه أحقّ أن يقضى» «1».

و الظاهر وضوح المسألة، كما ذكره المحقّق لأنّ الزكاة ليست عبادة محضة، بل هي حقّ مالي شرّعها اللّه لسدّ خلات المسلمين. و لعلّ ذلك يستفاد من خلال الأخبار المختلفة أيضا فتتبع.

(2) لما مرّ في المسألة الثالثة من زكاة الانعام من عدم الاعتبار بالخلطة عندنا، خلافا لأكثر فقهاء السنة، فراجع.

______________________________

(1)- المعتبر/ 271.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 89

[لو مات الزارع و كان عليه دين]
[صور المسألة]

[مسألة 28]: لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين فامّا أن يكون الدين مستغرقا أو لا. ثمّ امّا أن يكون الموت بعد تعلّق الوجوب أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا (1).

______________________________

نعم، يبقى هنا اشكال أشرنا اليه في أوائل زكاة الغلات و هو ان التفصيل بين ما سقي سيحا و ما سقى بالدلاء لعلّه يستفاد منه انّ المخاطب بالزكاة هنا المتصدّون للزرع و سقى الأشجار. و من انتقل اليه الزرع أو الثمرة قبل وقت التعلّق لا يتفاوت بحاله كيفية سقيها، بل لعلّها لا تحتاج الى السقي بعد الانتقال اصلا. فحال الزراعة هنا حال الأنعام المشتراة في الشهر الحادي عشر، حيث لا زكاة فيها لا على البائع و لا على المشتري، فتدبر.

هل يكون مقدار الدين أو الوصية باقيا على ملك الميت اولا؟

(1) شقوق المسألة كما ترى ستة. و قبل تحقيقها ينبغي بيان مسألة اخرى مناسبة للمقام. و هي انّ مقدار الدّين أو الوصية من تركة الميّت هل يكون باقيا على ملك الميّت أو ينتقل الى الورثة و يكون بمنزلة الرهن للدين و الوصيّة، أو ليس ملكا له و لا لهم، بل هو موقوف بلا مالك الى أن يصرف فيهما. و قد تعرض للمسألة صاحب الجواهر في كتاب الحجر «1».

و محصّل ما ذكره في طرح المسألة و بيان الأقوال فيها: «ان الإجماع بقسميه على تعلّق الدّيون بالتركة في الجملة و على عدم انتقالها الى الديّان. كما انّ الاجماع بقسميه أيضا على انتقالها الى الوارث مع عدم الدّين و الوصيّة، بل حكاه بعضهم أيضا على انتقال الفاضل عن الدين و الثلث الموصى به إليهم. إنّما الكلام في انتقال المقابل لهما. فخيرة الحلّي و المحقّق و العلّامة في الارشاد و

الشهيد و محكى المقنع و النهاية و المبسوط و الخلاف و جماعة اخرى البقاء على ملك الميّت، و في المسالك و المفاتيح نسبته الى الأكثر.

و في وصايا السرائر: «اذا كان على الميّت دين يحيط بالتركة فانّها بلا خلاف بيننا لا تدخل في ملك الغرماء و لا ملك الورثة، و الميّت قد انقطع ملكه و زال، فينبغي أن تكون

______________________________

(1)- الجواهر 26/ 84.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 90

..........

______________________________

موقوفة على انقضاء الدّين».

خلافا لقواعد الفاضل و جامع المقاصد و التحرير و التذكرة و جماعة اخرى، فاختاروا الانتقال الى الورثة، بل ربّما استظهر من بعضهم انّه المشهور. و من التذكرة الاجماع عليه حيث قال: «الحق عندنا انّ التركة تنتقل الى الوارث، لمعلومية عدم بقاء المال بلا مالك، كمعلومية عدم كونه في المقام للغرماء للإجماع بقسميه و غيره، بل و الميت، ضرورة كون الملك صفة وجودية لا تقوّم بالمعدوم، كالمملوكية. و لذا لم يدخل في ملكه جديدا، اذ لا فرق بين الابتداء و الاستدامة. و قضاء الدّين من ديته و مما يقع في شبكته بعد موته أعمّ من ملكيّته لذلك. فتعين كونه للوارث، و لأنّها لو لم تنتقل اليهم لما شارك ابن الابن مثلا عمّه لو مات أبوه بعد جده و حصل الابراء من الدّين، و التالي باطل اجماعا، و لأنّ الحالف مع الشاهد انّما هو الوارث المخاصم في مال الميت، فلولا الانتقال لساوى الغريم في عدم الثبات ما الغير بيمينه؛ و تعلّق الحقّ لو سلّم لا يسوغ ذلك، و لأنّه لا خلاف في انّ الورثة احقّ باعيان التركة من غيرهم، بل الاجماع بقسميه عليه. و من هنا حكى عن بعضهم انّ النزاع في القيمة، لا في نفس الأعيان».

انتهى

كلام التذكرة. و به انتهى ما حكيناه عن الجواهر ملخصا.

أقول: فالأقوال في المسألة على ما حكاه ثلاثة. و ما حكاه من الاجماع على انتقال الفاضل عن مقدار الدّين و الوصية يأتي ما فيه، اذ الظاهر من البعض عدم انتقال الفاضل عنهما أيضا ما لم يؤدّيا.

و ما في التذكرة من عدّ الميت معدوما فيه أولا، عدم كونه معدوما عندنا.

و ثانيا، الملكيّة أمر اعتباريّ يمكن ان تعتبر حتّى للجمادات أيضا كالمسجد و الحسينيّة و نحوهما. فلا اشكال في اعتبارها للموجود اعتبارا أيضا.

و في قوله بعدم حصول الملك للميت جديدا نحو مصادرة، فانّ الدية و كذا الصيد الواقع في شبكته بعد موته تصيران ملكا له. و لذا تقضى منهما ديونه و تنفذ منهما وصاياه. و القول بتعين صرفهما فيهما مع كونهما للوارث خلاف الأصل و الظاهر. و نحو ذلك دية الجنايات الواقعة على جنازة الميت، حيث انّها ليست لورثته، بل يحجّ بها عنه أو يتصدّق بها أو تصرف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 91

..........

______________________________

في سبل الخير، كما في الحديث.

و مشاركة ابن الابن عمّه، و كذا سائر الشواهد المذكورة يأتي توجيهها حتى مع القول بعدم الانتقال الى الوارث.

و كيف كان فالأقوى في النظر عاجلا البقاء على ملك الميّت. و يشهد لذلك أمور:

الأول: ما ورد في آيات الارث من كونه بعد الدين و الوصيّة. و الاستدلال به يتوقّف على بيان المحتملات فيه. و لعلّها خمسة:

الأول: ان يراد به مقدار الدّين و الوصيّة حين الموت. و لازمه انتقال البقيّة الى الوارث من حينه. و مقتضاه انّه لو تلف بعض التركة قبل أدائهما لا عن تفريط يقع النقص عليهما و على الورثة بالنسبة. و الالتزام بذلك بعيد، بل نقطع بفساده.

الثاني: ان

يراد به بعد أدائهما خارجا، بعدية زمانية. و لازمه انّه لو أوصى بدرهم أو كان مديونا بدرهم و لم يؤدّ بقى المال و ان كان آلاف آلاف درهم في ملك الميّت أو بلا مالك الى الأبد، و ان لا يتعلّق به الزكاة و الخمس أيضا، لعدم تعلّقهما بمال الميّت، كما تعرّض لذلك في مفتاح الكرامة، فانّه بعد ما حكى عن التحرير و المنتهى و الموجز و كذا الشرائع عدم الزكاة على الوارث و لو فضل النصاب عن الدين قال: «قلت: و على هذا لو مات المالك و عليه درهم واحد و خلّف نخيلا فظهرت ثمرتها ألف وسق لم يكن فيها زكاة، قضى الدين أولا. و لو لم يقض الدين أبدا لم يكن في نخيله زكاة أبدا، لأنّها على حكم مال الميّت. و هذا لا أظنّ أحدا يقول به» «1».

الثالث: أن يراد به بعد ما هو مصرفهما من التركة في نفس الأمر، أي ما يجب صرفه فيهما خارجا، بعديّة رتبيّة، لا زمانية. فلو فرض الابراء من الدين أو اداء الغير له انتقل مقداره الى الورثة. و لو تلف بعض التركة لم يرد النقص على الدين و الوصيّة، بل على الوارث. فالمراد من الآية كون الارث متأخرا بحسب الرتبة عمّا يجب ان يصرف من التركة خارجا في الدين و الوصيّة بنحو الشرط المتأخّر، فما زاد عليهما ينتقل من أول الأمر الى الورثة.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 92

..........

______________________________

و الحاصل انّ المراد ليس هو الترتيب الزماني، بل الترتيب بمعنى الترجيح و الأهميّة.

و لا محالة يختص بصورة التزاحم، فينتقل الزائد عن الدين و الوصية الى الوارث قهرا، لعدم التزاحم فيه. فتأمّل حتى

تميّز البعدية الرتبيّة عن البعدية الزمانية و لا تخلط بينهما.

الرابع: ان يراد به كما في الجواهر تعيين مخرج السهام فقط، دفعا لتخيّل كون الثلث أو الربع مثلا من أصل المال، كما هو ظاهر قوله مثلا: «و لهنّ الربع ممّا تركتم» «1»، حيث أضيف الربع الى جميع التركة. فعلى هذا لا تعرض في الآية لمالك ما يقابل الدين أو الوصيّة، و انّه الميّت أو الوارث. فنحكم بكونه للوارث، بمقتضى عموم قوله: «من ترك مالا فلورثته» «2».

أقول: يرد عليه- مضافا الى كونه خلاف الظاهر، اذ الظاهر من الآية عدم كون مقدار الدين و الوصيّة ميراثا- انّ كونه ميراثا إن كان بنحو التسهيم الجاري في الزائد عليهما فليس مخرج الكسور المقدار الزائد، بل جميع المال. و ان كان بنحو التساوي بين الوراث فهو ممّا لا يظنّ التزام أحد به، حتى صاحب الجواهر نفسه.

الخامس: ان يراد به تعليق جواز التصرّف و استقرار الملك، لا أصل الملكية. و بعبارة اخرى: الملك المجدي للوارث هو المقدار الزائد على الدين و الوصيّة، فلا ينافي ثبوت أصل الملكية في الجميع.

و يرد عليه انّ الظاهر من الآية، و كذا الاخبار الآتية تعليق أصل الملكية و تأخّرها، لا استقرارها.

اذا عرفت هذا فنقول: قد ظهر لك من بيان المحتملات الخمسة و لوازمها كون الأصحّ هو الثالث منها، أعني الترتيب بحسب الأهميّة فتتأخّر الميراث عن الدين و الوصيّة رتبة، لا زمانا.

فلا توارث في مقدارهما الذي يصرف أو يجب أن يصرف فيهما خارجا من التركة، و ينتقل الزائد عليهما الى الورثة من اوّل الأمر. و النقص الوارد على التركة يقع قهرا على الميراث. كما

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 15.

(2)- الوسائل، ج 13، الباب 3 من أبواب أحكام الضمان،

الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 93

..........

______________________________

انّ الزيادة و الفضل أيضا يقع للوارث و ينكشف المقدار المنتقل اليهم بعد تحقق وفاء الدين و الوصيّة خارجا، فتدبّر.

الثاني: الأخبار المساوقة لمضمون الآية كرواية السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

اوّل شي ء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدّين، ثمّ الوصيّة، ثمّ الميراث.

و صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع» قال: قال أمير المؤمنين «ع»: انّ الدين قبل الوصيّة، ثمّ الوصيّة على أثر الدين، ثمّ الميراث بعد الوصيّة، فانّ أولى القضاء كتاب اللّه «1».

و رواية عباد بن صهيب أو موثقته، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل فرّط في اخراج زكاته في حياته، فلمّا حضرته الوفاة حسب جميع ما فرّط فيه ممّا لزمه من الزكاة، ثمّ أوصى ان يخرج ذلك، فيدفع الى من يجب له. قال: فقال: جائز، يخرج ذلك من جميع المال. انّما هو بمنزلة الدين لو كان عليه ليس للورثة شي ء حتّى يؤدّى ما أوصى به من الزكاة ... «2».

و صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قضى عليّ «ع» في دية المقتول انّه يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم اذا لم يكن على المقتول دين ... «3». الى غير ذلك من الروايات. و الكلام فيها الكلام في الآية حرفا بحرف.

الثالث: السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء الدين، و هي مستلزمة لبقائها على حكم مال الميّت.

و يؤيّدها قضاء الدين و انفاذ الوصايا من ديته، كما تدلّ عليه الأخبار «4» و كذا ممّا يقع في شبكته بعد موته، بل و كذا صرف دية الجناية الواردة على جنازته في الحجّ و الخيرات له، كما في الحديث «5»، اذ يستفاد من

جميع ذلك قابلية الميّت للمالكية الجديدة. و بقاء الملكيّة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 28 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1 و 2.

(2)- الوسائل، ج 13، الباب 4 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 13، الباب 31 من أبواب أحكام الوصايا.

(5)- الوسائل، ج 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 94

..........

______________________________

السابقة أخفّ مئونة من ذلك، بل لا بدّ من التزام ذلك في الوصيّة بالثلث للعبادات و نحوها.

و شاع بين الموصين التعبير بان ثلث مالي لنفسي و في خبر أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يموت ماله من ماله؟ فقال: له ثلث ماله، و للمرأة أيضا «1».

و يبعد جدّا في هذه الموارد التزام كون المال للورثة و تعيّن صرفه في تلك المصارف.

فالأقوى كما عرفت بقاء مقدار الدين و الوصيّة على حكم مال الميّت. و عموم قوله: «من ترك مالا فلورثته»، يخصّص بظاهر الآية و الروايات و السيرة المذكورة. و لو نوقش في السيرة بمنعها أو منع حجيتها لعدم احراز استمرارها الى عصر المعصومين- عليهم السلام- كفت الآية و الروايات.

و استدلّ القائل بانتقال مقدارهما أيضا الى الورثة بعموم هذا الحديث.

و بأنّ الورثة أحقّ بأعيان التركة من غيرهم بالإجماع بقسميه، كما مرّ من التذكرة.

و بأنّه لو وقعت المخاصمة في مال الميت فالحالف مع الشاهد هو الوارث المخاصم.

فلولا انتقاله اليه لم يكن فرق بينه و بين مخاصمه الأجنبي.

و بأنّه لو لم ينتقل الى الورثة لما شارك ابن الابن عمّه لو مات أبوه بعد جدّه ثمّ حصل الابراء من الدين.

و بأنّ الملكية صفة وجوديّة، فلا تقوم بالمعدوم، أعني

الميت. و لا يبقى المال بلا مالك و ثبت الاجماع بقسميه على عدم انتقاله الى الغرماء، فتعين انتقاله الى الورثة.

أقول: يرد على ما ذكر ان عموم الحديث قد خصّص، كما عرفت. و الأحقيّة أعمّ من ملكية الرقبة. و مرجعها الى كون الباقي على ملك الميّت بنحو الكلّي في المعيّن، فتكون التعيّنات و التشخّصات للورثة. نظير بيع الصاع من الصبرة، أو جعل مقدار عشرين دينارا من ماله لزيد بالعهد و اليمين و نحوهما من دون اعتبار شي ء من المشخّصات.

و تكفي الأحقيّة في جواز المخاصمة و الحلف أيضا و لا نسلّم عدم جواز الحلف في جميع الحقوق.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 10 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 95

..........

______________________________

و مشاركة ابن الابن عمّه إمّا لثبوت الحق من أوّل الأمر حين موت الجدّ، أو لما مرّ منّا من انّ المقدار الذي لا يجب أن يصرف واقعا و خارجا في الدين ينتقل من اوّل الأمر الى الورثة. فبالإبراء انكشف انتقال المال بعد فوت الجد بلا فصل الى ابنيه.

و الميّت ليس معدوما عندنا، مضافا الى كون الملكيّة صفة اعتبارية، و يكفي للوصف الاعتباري الموصوف الاعتباري.

ثمّ انّ القائل بانتقال المال الى الورثة يلتزم بتعلّق حقّ الوصيّة و الغرماء به.

و هل يكون تعلّق حقّ الغرماء من قبيل حقّ الرهانة و يكون مانعا من التصرفات، أو من قبيل حقّ الجناية الثابت في العبد الجاني لورثة المقتول الملازم له و ان انتقل الى الغير، أو يكون قسما ثالثا و نتبع في جواز التصرّف و عدمه ما اقتضته الأدلّة؟ وجوه. و لعلّ الأظهر هو الثالث.

و يستفاد من بعض الأخبار عدم جواز التصرّف اذا استوعب الدين، و جوازه اذا لم يستوعب.

ففي صحيحة البزنطي باسناده انّه سأل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و ان لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال.

و في خبر عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن- عليه السلام- مثله، إلّا انّه قال: ان كان يستيقن انّ الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق، و ان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1». و البزنطي من أصحاب الاجماع، و يبعد جدا روايته عن غير الامام- عليه السلام- فلا بأس بالأخذ بالخبرين. و لعلّ المستفاد منهما كون الانفاق بنحو لا يضر بالدين.

و يستفاد منهما انتقال الزائد على الدين الى الورثة و جواز التصرف فيه أيضا بنحو لا يزاحم الدين. فلعلّ الباقي على ملك الميّت- كما أشرنا اليه- يكون بنحو الكلّي في المعين كالصاع المبيع من الصبرة، لا بنحو الاشاعة. و لو فرض الاشاعة فللشارع الوليّ على الجميع اجازة التصرّف تسهيلا فيما يبتلى به أكثر الناس.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 29 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 96

لو مات مالك النصاب و عليه دين

______________________________

اذا عرفت هذه المسألة بنحو الاجمال فلنعد الى مسألتنا في باب الزكاة. و قد رأيت ان شقوقها كما في المتن ستة، اذ التعلّق امّا قبل الموت أو بعده، و على الثاني فامّا ان يكون ظهور الثمر أيضا بعد الموت أو يكون قبله، و على الشقوق الثلاثة فامّا ان يكون الدين مستوعبا أم لا.

قال في الخلاف (المسألة 81): «اذا كان له نخيل و عليه بقيمتها دين ثمّ مات قبل قضاء الدين لم ينتقل النخيل الى الورثة، بل تكون

باقية على حكم ملكه حتى يقضى دينه.

و متى بدا صلاح الثمرة في حياته فقد وجب في هذه الثمرة حقّ الزكاة و حقّ الديّان. و ان بدا صلاحها بعد موته لا يتعلّق به حقّ الزكاة، لان الوجوب قد سقط عن الميّت بموته و لم يحصل بعد للورثة فتجب فيه الزكاة عليهم. و به قال أبو سعيد الاصطخري من أصحاب الشافعي.

و قال الباقون من أصحابه: انّ النخيل تنتقل الى ملك الورثة و يتعلّق الدين بها كما يتعلّق بالرهن. و قالوا ان بدا صلاحها قبل موته فقد تعلّق به حقّ الدين و الزكاة. و ان بدا صلاحها بعد موته كانت الثمرة للورثة و وجب عليهم فيه الزكاة و لا يتعلّق به الدين» «1».

ثم استدلّ الشيخ لما ذكره من بقاء التركة على ملك الميّت بالآية الدّالة على كون الفرائض بعد الدين و الوصيّة.

و في المبسوط: «اذا كان له نخيل و عليه دين بقيمتها و مات لم ينتقل النخيل الى الورثة حتى يقضى الدين. فاذا ثبت ذلك فان اطلعت بعد وفاته أو قبل وفاته كانت الثمرة مع النخيل، يتعلّق بها الدين، فاذا قضى الدين و فضل شي ء كان للورثة. فاذا بلغت الثمرة النصاب الذي تجب فيه الزكاة لم تجب فيها الزكاة، لأنّ مالكها ليس بحيّ و لم يحصل بعد للورثة و لا تجب في هذا المال الزكاة. و متى بدا صلاح الثمرة قبل موت صاحبه وجب فيه الزكاة و لم تسقط الزكاة بحصول الدين، لأنّ الدين في الذمة، و الزكاة تستحق في الأعيان

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 299.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 97

..........

______________________________

و يجتمع الدين و الزكاة في هذه الثمرة و يخرجان معا و ليس أحدهما بالتقديم أولى من صاحبه.

فان

لم يسع المال الزكاة و الدين كان بحساب ذلك» «1».

أقول: قوله: «فان اطلعت بعد وفاته أو قبل وفاته»، أراد به عدم الفرق بين كون ظهور الثمر قبل وفاته أو بعد وفاته. و هو صحيح على مبناه من بقاء الملك على حكم مال الميت.

و امّا على ما اختاره بعض الشافعية و بعض منّا من انتقاله الى الورثة فبينهما نحو فرق، اذ لو ظهر الثمر قبل وفاته صار تابعا لأصله في تعلّق حقّ الغرماء به، و امّا لو ظهر بعده فيمكن القول بكونه ملكا طلقا للوارث من دون تعلّق حقّ الغرماء به، كما حكاه في الخلاف عن الشافعية.

و في قوله: «فاذا قضى الدين و فضل شي ء» مع كون مفروضه الدين المستوعب يمكن ان يكون الفضل لظهور الثمر، أو لترقّي قيمة النخيل، أو لأداء الدين أو بعضه من الخارج.

و يظهر من كلامه و غيره تسلّم عدم تعلّق الزكاة بمال الميّت. و لا يخفى ان أدلّتها و ان انصرفت عنه و لكن لأحد أن يقول ان الزكاة ضريبة اسلامية، و الضرائب انّما تتعلّق عادة بكلّ ما يستفيد من امكانات الحكومة و خدماتها، كما هو المعمول في الضرائب الدارجة في الدول، و لا ريب ان املاك الموتى و بساتينهم أيضا تستفيد منها، كما لا يخفى.

و قوله: «انّ الدين في الذمّة، و الزكاة تستحق في الأعيان»، أمر صحيح و هو العمدة في تقديم الزكاة على الدين مع التزاحم و عدم سعة المال، سواء كان التعلق بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعيّن أو الحق. امّا على الأوّلين، فواضح، لأنّ حق الغرماء انّما يتعلّق بمال الميّت لا بمال الفقراء. و امّا على الثالث، فلأنّ حقّ الزكاة يتعلّق بالمال في حياة المالك، و حقّ

الغرماء يتعلّق بالمال بعد موته، فلا يمكن ان يزاحم الحقّ الثابت من قبله. نعم، لو تلف المال بالتفريط في حياة المالك فانتقلت الزكاة الى ذمّته، أو قلنا بان الزكاة لا تتعلق بالعين أصلا بل بالذّمّة فقط ثبت التحاصّ بالنسبة بين الزكاة و سائر الديون.

و بما ذكرنا يظهر الاشكال فيما ذكره أخيرا من قوله: «كان بحساب ذلك»، ان أراد به

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 218.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 98

..........

______________________________

التحاصّ بالنسبة. نعم، يحتمل بعيدا ان يريد به ما ذكره قبله من عدم سقوط الزكاة بحصول الدين مع ما علّله به، فتدبّر.

و كيف كان فمفروض المسألة في الخلاف و المبسوط الدين المستوعب، و كذا في المعتبر، حيث قال: «الخامس: لو مات و عليه دين و له نخيل بقيمته فهي باقية على حكم مال الميت ...» «1».

و في التذكرة «لو مات و معه نخيل و عليه دين مستوعب ...» «2». و كذا في القواعد.

و لكن في الشرائع: «الخامسة: اذا مات المالك و عليه دين فظهرت الثمرة و بلغت نصابا لم يجب على الوارث زكاتها. و لو قضى الدين و فضل منها النصاب لم تجب الزكاة، لأنّها على حكم مال الميت. و لو صارت تمرا و المالك حيّ ثمّ مات وجبت الزكاة و لو كان دينه يستغرق تركته. و لو ضاقت التركة عن الدين قيل يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة و الديان. و قيل: تقدم الزكاة لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدين بها. و هو الأقوى» «3».

و نحو ذلك في المنتهى أيضا. فأطلق الدين فيهما بحيث يشمل غير المستوعب أيضا.

و كذلك عن التحرير و الموجز، كما في مفتاح الكرامة معقبا ذلك بقوله: «قلت: و على هذا لو مات المالك و

عليه درهم واحد و خلف نخيلا فظهرت ثمرتها ألف وسق لم يكن فيها زكاة، قضى الدين أولا. و لو لم يقض الدين أبدا لم يكن في نخيله زكاة أبدا، لأنّها على حكم مال الميّت. و هذا لا أظنّ أحدا يقول به» «4».

و حيث لا يظنّ بأحد الالتزام بذلك حمل جماعة عبارة الشرائع على ارادة الدين المستوعب و نزّلوا قوله: «و فضل منها النصاب»، على حصول الفضل بزيادة القيمة السوقية.

قال في المدارك: «الظاهر حمله على المستوعب، كما ذكره في المعتبر، لأنّ الدين اذا لم يستوعب التركة ينتقل الى الوارث ما فضل منها عن الدين عند المصنّف، بل و غيره أيضا

______________________________

(1)- المعتبر/ 271.

(2)- التذكرة 1/ 220.

(3)- الشرائع 1/ 155.

(4)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 99

[إن كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب اخراجها]

فان كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب اخراجها، سواء كان الدين مستغرقا أم لا، فلا يجب التحاصّ مع الغرماء (1)، لأنّ الزكاة متعلقة بالعين.

______________________________

ممّن وصل إلينا كلامه من الأصحاب. و على هذا فتجب زكاته على الوارث مع اجتماع شرائط الوجوب، خصوصا ان قلنا انّ الوارث انّما يمنع عن التصرّف فيما قابل الدين من التركة خاصّة، كما اختاره الشارح و جمع من الأصحاب. و قوله: «و لو قضى الدين و فضل منها النصاب لم تجب الزكاة» تنبيه على الفرد الأخفى. و المراد انّه لو اتّفق زيادة قيمة أعيان التركة بحيث قضى منها الدين و فضل للوارث نصاب بعد ان كان الدين محيطا بها وقت بلوغها الحد الذي تتعلّق به الزكاة لم تجب على الوارث، لأنّ التركة كانت وقت تعلّق الوجوب بها على حكم مال الميت، و اذا انتفى وجوب الزكاة مع قضاء الدين و بلوغ

الفاضل النصاب وجب انتفاؤه بدون ذلك بطريق أولى» «1».

و قد عرفت منّا انّ مفاد الآية و الروايات البعدية الرتبيّة و الترجيح و الأهميّة، لا البعديّة الزمانيّة. فيكون الفاضل عن مقدار الدين و الوصية خارجا منتقلا الى الورثة من اوّل الأمر، فتدبّر.

(1) كما نسب الى المشهور. خلافا لما يظهر من ذيل عبارة المبسوط الّتي حكيناها، حيث يظهر منه التحاصّ. و هو في محله لو قيل بتعلّق الزكاة من أوّل الأمر بالذمة و عدم تعلّقه بالعين أصلا، أو فرض تلف العين في حياته بالتفريط فانتقلت الى الذمة، كما مرّ.

و امّا على ما اختاره أصحابنا من تعلّقها بالعين فلا وجه للتحاصّ مع الغرماء، سواء قيل بالاشاعة أو الكلّي في المعيّن أو بنحو حقّ الرهانة و نحوها. امّا على الأولين فواضح، لعدم كون مقدار الزكاة مملوكا للميت حتّى يتعلّق به حقّ الغرماء. و امّا على الثالث فلان تعلّق حقّ الزكاة بالعين في حياته يمنع من تعلّق حقّهم بها بعد وفاته، لقاعدة السلطنة على الحقوق.

______________________________

(1)- المدارك/ 306.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 100

نعم، لو تلفت في حياته بالتفريط (1) و صار في الذمة، وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة و بين الغرماء كسائر الديون.

[إن كان الموت قبل التعلّق و بعد الظهور]

و إن كان الموت قبل التعلّق و بعد الظهور فان كان الورثة قد أدّوا الدّين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب (2) و عدمه. و إن لم يؤدّوا الى وقت التعلّق ففي الوجوب و عدمه اشكال. و الأحوط الاخراج مع الغرامة للديان أو استرضائهم (3).

______________________________

و بالجملة مرجع حقّ الغرماء الى تضييق سلطنة الوارث في غير الوفاء، فاذا كانت قاصرة من قبل تبعا لقصور سلطنة المورّث في حياته لم يبق مورد لحقّ

الغرماء. نظير ما اذا نذر في حياته صرف المال المعين في مورد خاصّ ثمّ مات، حيث انّ حقّ الغرماء لا يتعلّق بمورد النذر.

نعم، لو قيل بكون التعلّق من قبيل حقّ الجناية بنحو لا يمنع من التصرّف و لكنّه يسري مع العين اينما سرت أمكن تعلّق حقّ استيفاء الدّين به، و لكنّ الزكاة لا تسقط، فيجوز استيفاؤها حتّى من الدائن الّذي استوفى حقّه من العين.

و بالجملة على القول بتعلّق الزكاة بالعين بانحائه تكون الزكاة مقدمة على الدين و لا وجه للتحاصّ أصلا.

(1) اذ مع عدم التفريط لا ضمان على المالك و لا تشتغل بها ذمّته.

(2) لانتقال التركة اليهم قبل التعلّق فيلاحظ بلوغ حصّة كلّ واحد منهم النصاب لبطلان الخلطة عندنا.

نعم لو لم يحتج بعد الانتقال الى السقي فالتعلّق لا يخلو من شوب اشكال كما مرّ.

(3) ظاهر المصنّف هنا و فيما بعده اطلاق الحكم لصورة استغراق الدين للتركة و عدمه. و لا يخفى انّه مع الاستغراق لا وجه لتعلّق الزكاة و وجوبها على الوارث، سواء قلنا ببقائها على ملك الميّت، أو اخترنا انتقالها الى الوارث و تعلّق حقّ الغرماء بها. امّا على الأول فواضح، لعدم الملكيّة. و امّا على الثاني فلعدم جواز تصرّف الورثة فيها إلّا باداء جميع قيمتها، كما دلّ عليه صحيحتا البزنطي و عبد الرحمن بن الحجاج السابقتان. و لا تجب الزكاة في مال

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

لا يجوز لمالكه التصرّف فيه إلّا بأداء جميع قيمته، لما مرّ من اشتراط تماميّة الملك و التمكّن من التصرّف في تعلّق الزكاة. و أي نقص في الملكية أعظم من ان لا يجوز لمالكه التصرّف فيه إلّا بأداء قيمته؟ فهذا النحو من الملك يساوق ملك الغير

و يساويه.

و بذلك يظهر الحكم فيما قابل الدين من غير المستغرق أيضا. و امّا فيما فضل عنه فالظاهر تعلّق الزكاة بالنسبة الى من بلغت حصّته النصاب، لما مرّ من انّ الزائد على الدين ينتقل الى الورثة من أوّل الأمر، من غير فرق بين ان نقول بجواز التصرّف فيه، كما اخترناه و دلّت عليه الصحيحتان، أو نقول بعدمه، كما تقتضيه القاعدة على القول بالاشاعة بينهم و بين الميّت.

اذ على القول بالحجر أيضا- حيث انّه يقدر على ازالته بوفاء الدين من التركة أو من مال آخر- تصدق فيه التماميّة بالنسبة الى المقدار الفاضل. فهو ملك طلق يتمكّن الوارث ان يتصرّف فيه بأنواع التصرّفات. فليس مثل هذا الحجر مانعا عن تعلّق الزكاة به و لا عن تنجّز سائر التكاليف الشرعية أو العرفية الثابتة للشخص المليّ كوجوب الحجّ و وفاء الدين و الانفاق على واجب النفقة. و قد صرّح بذلك في مصباح الفقيه، و مرّ منّا أيضا تقوية تعلّق الزكاة بالعين المرهونة التي يمكن فكّها بسهولة، فراجع.

فان قلت: كون ما يفضل عن الدين ملكا طلقا للوارث على اجماله لا يكفي في ايجاب الزكاة عليه اذا كان نصابا و لو على القول بجواز تصرّفه فيه، اذ لو بنينا على انّ الميّت أحقّ بتركته في مقدار الدين من غير فرق بين عين التركة و نمائها كما قوّيناه فما يقابل الدين على اجماله بحكم مال الميّت، و الفاضل عنه و ان انتقل الى الوارث و لكنّه لا يتشخّص ما لم يتميّز حق الميّت بصرفه في دينه، حيث انّ ما يستحقه الميّت من هذا المال أمر كلّي يمكن أن ينطبق على كلّ جزء. فالنّصاب لا يتمحّض للوارث إلّا بوفاء الدين من غيره، اذ

من الممكن صرف النصاب أيضا في الدين. فلا يصير شي ء من النماء و التركة بخصوصه ملكا للوارث إلّا بعد وفاء الدين من غيره. نعم، لو فرض كون النصاب بعينه ممّا يفضل عن الدّين على أيّ تقدير- كما لو كان الدين يسيرا جدّا بحيث لو و في جميعه من النماء أيضا لزاد عليه مقدار النصاب- صحّ القول بتعلّق الزكاة به قبل الوفاء.

قلت: الاجمال و الابهام انّما هو فيما يستحقه الميّت، لا فيما يملكه الوارث. فانّ التركة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 102

..........

______________________________

تنتقل بأجمعها الى الوارث عدا ما يقابل الدين على اجماله، حتّى انّ ولاية التعيين أيضا للوارث. فحال الوارث بالنسبة الى التركة حال من باع صاعا من صبرته، أو جعل لزيد في أمواله الكثيرة بعهد أو يمين ما يعادل عشرين دينارا مثلا من غير اعتبار شي ء من العوارض المشخصة. ففي مثل هذه الموارد تكون التشخصات بأجمعها للناقل و لا يؤثّر ما يستحقّه الغير نقصا في ملكيّته بحيث يمنعه عن التصرّف فيه.

و بالجملة كون الباقي في ملك الميّت بنحو الكلّي في المعين يوجب بقاء التشخّصات في ملك الوارث و جواز تصرّفه في غير مقدار الدين، و لا يوجب نقصا في ملكيته بالنسبة الى الفاضل عن الدين أصلا.

هذه خلاصة ما حقّقه هنا في مصباح الفقيه «1». و بهذا البيان يوجّه جواز تصرّف الوارث في التركة في صورة عدم استيعاب الدين، كما قوّيناه و دلّت عليه الصحيحتان. و كذلك مسألة كون الورثة احقّ بأعيان التركة، كما مرّت من التذكرة، و مسألة كون التلف قبل وفاء التلف واردا على الوارث لا على حقّ الغرماء، كما هو الحقّ المصرّح به في كلماتهم. فهذه الأحكام تصير كلّها على طبق القاعدة.

و لكن

ذكر الأستاذ- مدّ ظلّه- في حاشيته انّ: «مقدار الدين من التركة أصلا و نماء بحكم مال الميّت، بنحو الاشاعة بينه و بين مال الورثة، و لا تجب فيما يقابله، و يحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل و الثمرة، فان زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع و بلغت النصاب تجب عليه الزكاة. و لو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّي منه الدين و عدم كونه بحكم مال الميّت و كان ما له فيما سوى التالف واقعا» «2».

و كأنّه يرى في ما ذكره نحو تهافت، اذ الاشاعة تقتضي كون التلف عليهما، لا على الورثة فقط. كما انّ مقتضاها كون أعيان التركة لهما و عدم جواز التصرّف في غير المستوعب أيضا.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 73.

(2)- العروة الوثقى 2/ 297.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 103

[إن كان الموت قبل الظهور]

و امّا إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة، بناء على انتقال التركة الى الوارث و عدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه (1)، و انّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به.

______________________________

اللهم إلّا ان يقال: انّ الكلّي في المعين، كما يأتي تفصيله لا خارجية له. فالشركة في العين لا تتصور إلّا بنحو الاشاعة. و احقيّة الورثة بأعيان التركة من قبيل الحقّ. و لا مانع من اعتباره من قبل الشرع ارفاقا بهم. كما انّ جواز التصرّف أيضا مجهول لهم تسهيلا. و كون التلف عليهم، لا على الميّت من جهة طولية الملك و ترتيبه، كما أشار اليه و مرّ تحقيقه.

فالأقوى توزيع الدين على الأصل و الثمرة معا، و توقف وجوب الزكاة على بلوغ سهم كلّ واحد من الورثة من فاضل النماء بحد النصاب.

(1)

مرّ انّ الأقوى بقاء مقدار الدين و الوصيّة بحكم مال الميّت، فيتبعه النماء أيضا.

و لعلّ جريان السيرة على صرف النماء أيضا فيهما شاهد على ذلك.

و امّا على القول بانتقال التركة جميعا الى الوارث فالنماء الحادث بعد الموت يصير ملكا طلقا له، و لا دليل على تعلّق حقّ الغرماء به. و مقتضاه انّه لو صار ظهور النماء موجبا لسقوط الأصل عن الماليّة كما في الزرع سقط حقّ الغرماء بالكلية. و الالتزام بذلك مشكل جدّا.

فهذا أيضا يكشف عن بقاء مقدار الدين بحكم مال الميّت و عدم انتقاله الى الوارث. و اللّه العالم بحقيقة الحال.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 104

لو ملك النخل او الزرع قبل تعلق الزكاة

[مسألة 29]: إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها (1) قبل تعلّق الزكاة فالزكاة عليه بعد التعلّق (2) مع اجتماع الشرائط. و كذا اذا انتقل اليه بغير الشراء.

______________________________

(1) و كذا اذا اشترى نفس الثمرة في مورد الجواز، كما اذا اشتراها مع الضميمة، أو اشترى ثمرة سنتين أو أكثر.

قال في الشرائع: «اذا ملك نخلا قبل ان يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه. و كذا لو اشترى الثمرة على الوجه الذي يصحّ. فان ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المالك. و الأولى الاعتبار بكونه تمرا لتعلّق الزكاة بما يسمّى تمرا لا بما يسمّى بسرا» «1».

و في الجواهر بعد الفرع الأوّل قال: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص جميعا متناولة له» «2».

(2) في حاشية الاستاذ- مدّ ظلّه-: «فيما اذا نمت في ملكه فالزكاة عليه على الأقوى، و في غيره على الأحوط» «3».

أقول: قد مرّ في أوائل زكاة الغلات ان المستفاد من التفصيل في الاخبار و الفتاوى بين

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 155.

(2)- الجواهر 15/

252.

(3)- العروة الوثقى 2/ 298.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 105

..........

______________________________

ما سقى سيحا و ما سقى بالدلاء مثلا و ايجاب العشر في الأوّل و نصف العشر في الثاني اعتبار كون الغلة بجميع مراحلها أو عمدة مراحلها من أوّل تكونها الى وقت ايناعها في ملك الانسان. فكما يعتبر الحول في الأنعام و النقدين فكذلك يعتبر في الغلات أيضا هذا الأمر.

و كأنّه نحو حول لها، اذ المشتري للغلّة بعد حصول عمدة نمائها في ملك البائع لا يتفاوت بحاله كونها مسقية سيحا أو بالدلاء، بل لعلّها بعد الشراء لا تحتاج الى السقي أصلا. فيكون وزان الغلة المشتراة في هذه الصورة وزان الأنعام أو النقدين اذا انتقلت الى الغير في أواخر الشهر الحادي عشر مثلا، حيث لا تجب الزكاة حينئذ لا على البائع و لا على المشتري.

و بالجملة فالتفصيل بين نحوي السقي يوجب التشكيك في وجوب الزكاة فيما اذا انتقلت الغلة بالشراء أو الارث أو نحوهما قبل التعلّق و بعد استغنائها عن السقي.

و لعلّ هذا منشأ ترديد الاستاذ- مدّ ظلّه- و ان كان الأشبه التعبير بالاحتياج الى السقي و عدمه، لا بالنمو و عدمه.

و يمكن أن يكون منشأ ترديده أيضا الاتفاق المذكور في المعتبر و المنتهى.

ففي المعتبر: «لا تجب الزكاة في الغلات إلّا اذا نمت في الملك، لا ما يبتاع ثمرا، و لا ما يستوهب و عليه اتفاق العلماء» «1». و نحو ذلك أيضا في المنتهى.

و لكن الظاهر انّ مرادهما اشتراط التملك بالزراعة في قبال ما يتملك بعد التعلّق، فراجع ما حرّرناه في أوائل بحث الغلات «2».

ثمّ انّ مقتضى تعلّق الزكاة بمن انتقل المال اليه قبل التعلّق وجوب الزكاة على الساقي و كذا عامل المزارعة و ان كان البذر

للمالك اذا بلغ نصيبهما النصاب لكون الساقي أو العامل شريكا في الغلة و الثمرة قبل تعلق الزكاة بهما.

قال في آخر المساقاة من المبسوط: «فامّا في المساقاة في الناس من قال انّه كالقراض و أصحّهما عندهم ان الزكاة عليهما و الثمرة اذا ظهرت كان بينهما، و الّذي نقوله: انّ الثمرة

______________________________

(1)- المعتبر/ 269.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 344.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 106

..........

______________________________

الزكاة فيها عليهما اذا بلغ نصيب كلّ واحد منهما نصابا ...» «1».

و لكن في مساقاة الغنية: «فامّا الزكاة فانّها تجب على مالك البذر و النخل، فان كان ذلك لمالك الأرض فالزكاة عليه، لأنّ المستفاد من ملكه نماء أصله و ما يأخذه المزارع أو المساقي كالأجرة عن عمله، و لا خلاف انّ الأجرة لا يجب فيه الزكاة. و كذا ان كان البذر للمزارع، لأنّ ما يأخذه مالك الأرض كالأجرة عن أرضه، فان كان البذر منهما فالزكاة على كلّ واحد منهما اذا بلغ مقدار سهمه النصاب» «2».

قال في الجواهر: «و لقد سبقه الاجماع و لحقه» «3».

و في مزارعة السرائر بعد نقل كلام الغنية، و انّه شاهد ابن زهرة و كاتبه و اعترض عليه ذلك، فاعتذر باعذار غير صحيحة قال: «و من جملة معاذيره و معارضاته لي في جوابه ان المزارع مثل الغاصب للحب اذا زرعه، فان الزكاة تجب على ربّ الحبّ دون الغاصب، و هذا من أقبح المعارضات و أعجب التشبيهات ...» «4».

أقول: و يمكن ان يستدل لابن زهرة بصحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصّته زكاة؟ قال:

لا ...». و كذا مرسلة ابن بكير «5».

و لكن- مضافا الى عدم دلالتهما على ما اختاره من

كون الزكاة على صاحب البذر- يعارضهما صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم و صحيحة البزنطي و كذا خبره من هذا الباب، فراجع.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 106

و قد تقرّر في محله انّ المحصول بين المالك و الزارع، و كذا بينه و بين الساقي بنحو الاشاعة و الشركة، فكما تصحّ الشركة في رأس المال شرعا فيكون الربح لهما تصح الشركة في رأس

______________________________

(1)- المبسوط 3/ 220.

(2)- الجوامع الفقهية/ 602.

(3)- الجواهر 15/ 252.

(4)- السرائر/ 265.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

المال و العمل أيضا، كما في المضاربة و المزارعة و المساقاة. فالربح حيث انّه حاصل رأس المال و العمل معا صحّت الشركة فيهما.

بل ربّما ينقدح في الذهن الغاء الخصوصية من العقود الثلاثة فتصحّح الشركة بين صاحب السيارة و سائقها، أو المكائن و عمّالها أيضا. و كذا امثالها من الشركات الّتي يساعد عليها العرف. و للبحث في هذه المسائل محل آخر، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 108

لو شك المشتري في ان البائع، ادى الزكاة أم لا؟

[إذا كان ذلك بعد وقت التعلّق]

و إذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع فان علم بأدائه أو شكّ في ذلك ليس عليه شي ء (1).

______________________________

(1) قد يشكل ذلك في صورة الشك، لأصالة عدم أداء الزكاة و بقائها في المال. و لذا قال المصنّف في المسألة الخامسة من ختام الزكاة فيما اذا علم الوارث انّ مورثه كان مكلّفا باخراج الزكاة و شك في أدائها: «نعم، لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال: الأصل بقاء الزكاة فيه» «1».

و كذلك الكلام في باب الخمس.

و قد يجاب عن الأصل المذكور بوجهين: الأوّل: قاعدة الصحة الجارية في المعاملة و نحوها. الثاني: قاعدة اليد، حيث انّها امارة على الملكيّة.

و لكن في المستمسك استشكل على الأوّل: بأن قاعدة الصحة تختصّ بالشك الحادث بعد المعاملة، بل قد قيل باختصاصها بخصوص صورة احتمال التفاته حين المعاملة و علمه بوجوب الأداء، فلا تجري في غير تلك الصورة فضلا عمّا اذا كان الانتقال بالموت و نحوه من الأسباب التي لا تتّصف بالصحة و الفساد «2».

أقول: لعلّ في كلامه- قدس سرّه- نحو خلط بين اصالة الصحة الجارية في عمل

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 338.

(2)- المستمسك 9/ 171.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 109

..........

______________________________

النفس، و اصالة الصحة الجارية في عمل الغير. اذا الاولى لا تجري إلّا بعد الفراغ من العمل، بل بعد الدخول في الغير أيضا على الأحوط، كما هو المستفاد من بعض أخبار المسألة كقوله في موثقة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: اذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء ... «1» كما انّ الأحوط لو لم يكن أقوى اختصاصها بصورة احتمال التفاته حين العمل و علمه بوجوب الأداء، كما يستفاد من قوله- عليه السلام- في موثقة بكير: «... هو حين يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ» «2»، و في صحيحة محمد ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع»: «... و كان حين انصرف أقرب الى الحقّ منه بعد ذلك» «3».

بحث في اصالة الصحة

و امّا اصالة الصحّة الجارية في عمل الغير فلا تختصّ بما بعد العمل، بل تجري في حينه أيضا. فانّ بناء الناس على اختلاف مذاهبهم على حمل أعمال الناس في عقودهم و ايقاعاتهم

و نكاحهم و طلاقهم على وقوعها بنحو تصحّ عندهم. و يحمل أعمال المسلم على الصحيح عند المسلمين و لا تختص بما بعد العمل.

ألا ترى انّه يحمل عمل المتصدّي لتجهيز الميّت المشتغل به على الصحة، فيكتفى به، و عقد الوكيل و ايقاعه على الصحّة فيعتنى بهما، و ايجاب الموجب على الصحّة فيعقب بالقبول، و صلاة الامام على الصحة فيقتدى به. الى غير ذلك من الأمثلة.

نعم، لهم في اصالة الصحّة الجارية في معاملات الناس كلام. و محصّله انّ الشكّ امّا أن يكون في أركان العقد و ما هو من مقوّماته عند العرف، كما اذا احتمل وقوع البيع بلا ثمن أو بثمن لا ماليّة له، و امّا ان يكون في شرائطه الشرعيّة بعد العلم بحصول أركانه و مقوّماته العرفيّة. و على الثاني فامّا أن يكون الشكّ في شرائط نفس العقد كالماضويّة مثلا،

______________________________

(1)- الوسائل، ج 1، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 1، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.

(3)- الوسائل، ج 5، الباب 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 110

..........

______________________________

أو في شرائط المتعاقدين كالبلوغ، أو في شرائط العوضين كاعتباره بالكيل أو الوزن أو العدد.

ففي الفرائد، عن جامع المقاصد: «انّ الأصل في العقود الصحّة بعد استكمال أركانها ليتحقّق وجود العقد، امّا قبله فلا وجود له» «1».

و السيد الاستاذ- مدّ ظلّه- أيضا نفى الاشكال في عدم جريان الأصل في هذه الصورة، بتقريب انّ الصحّة و اللّاصحة في الرتبة المتأخّرة عن وجود العمل، و مع الشك في تحقّقه لا معنى لإجراء اصالة الصحة «2».

و قد يظهر من بعض التفصيل بين ما كان الشك في شرائط أصل العقد و بين ما

يرجع الى شرائط العوضين أو المتعاملين، فيجرى الأصل في الأوّل دون الثاني، بتقريب انّ الدليل على اصالة الصحّة هو الاجماع، و المتيقّن من مورده ذلك.

أقول: أصالة الصحة أصل عقلائي، و دليلها بناء العقلاء و سيرتهم. و موردها عمل الغير بما انّه عمل له، سواء كان عقدا أو ايقاعا أو عملا آخر. و محصّلها انّهم يحملون العمل الصادر عن العاقل المختار على صدوره على طبق الموازين العقلائية للأهداف العقلائية، و العمل الصادر عن المقيّد بشرع خاصّ على صدوره على طبق الموازين العقلائية و الشرعية للأهداف العقلائيّة المشروعة. فلا يختلف في ذلك بين أنحاء الشكّ في الشي ء حتّى الشكّ في أركانه. اذ لو كان المجرى صحّة العقد بما انّه عقد صحّ ما قالوه من انّ الشكّ في الصّحة و الفساد يرجع الى الشكّ في وصف الشي ء و الهليّة المركبة، فلا يشمل الشكّ في الأركان، لرجوعه الى الشكّ في أصل الوجود و الهليّة البسيطة.

و لكن المجرى ليس صحّة العقد بما هو عقد، بل صحّة العمل الصادر عن العاقل المقيّد بشرع خاص، فيحمل عمله على صدوره على طبق الموازين العقلائية المشروعة للأهداف المشروعة لهذا العمل. فحيث انّه كان في عمله هذا بصدد ايجاد العقد فلا محالة صدر عنه

______________________________

(1)- فرائد الأصول/ 417.

(2)- الرسائل 1/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

على طبق الموازين، فوجد جامعا للأركان و الشرائط معا.

و يدلّ على ما ذكرنا وجود السيرة على جراء اصل الصحّة في معاملات المسلمين و ان احتمل فقدانها لبعض الأركان، فضلا عمّا اذا رجع الشكّ الى شرط المتعاقدين أو العوضين.

و الحاصل انّ مجرى اصالة الصحّة اعمال الناس بما هي اعمال صادرة عن العاقل المختار. فيحمل كلّ عمل على صدوره على طبق

الموازين للأهداف المتوقعة منه. و من مصاديق الأعمال الصادرة عنهم عقودهم و ايقاعاتهم. فعليك بالتفكيك بين العناوين و الحيثيّات.

و هذا نظير ما قلنا في باب المفاهيم من انّ دلالة القيد على الدخالة و المفهوم ليس من قبيل دلالة اللفظ بما هو لفظ حتى يسأل عن كونها من أيّ قسم من الدلالات الثلاث، بل هي من قبيل دلالة الفعل الصادر عن العاقل المختار على صدوره عنه عن التفات للهدف العقلائي و الغاية الطبيعية له. و الغاية الطبيعية للقيد هو الدخالة في الموضوع. و لازمه الانتفاء عند الانتفاء، فتدبّر.

و كيف كان فأصل الصحّة يجري في عقد الغير و لو كان الشكّ راجعا الى شرط العوضين، كما في المقام، حيث يشكّ في وجود الزكاة أو الخمس فيما ينقله.

فان قلت: الشكّ في المقام ليس في صحّة عقد الغير، بل في صحّة العقد الجاري بينه و بين نفس الشاكّ.

قلت: قد عرفت انّ المجرى ليس صحة العقد، بل صحّة عمل الغير. و العمل الصادر عنه هنا هو الايجاب. و العاقل المختار المتشرع لا يوجد الايجاب بحسب الغلبة إلّا بنحو يترتّب عليه الأثر بعد لحوق القبول و انضمامه اليه. و هذا هو معنى الصحة فيه. فلا محالة وجد في المحل القابل للنقل، فافهم. هذا ما أردنا ذكره في قاعدة الصحة في المقام.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 112

بحث في قاعدة اليد

______________________________

و امّا قاعدة اليد المتمسّك بها في المقام ففي المستمسك: «ظاهر المشهور عدم حجية اليد اذا كانت مسبوقة بكونها أمانة أو عادية، لاستصحاب كونها كذلك» «1».

أقول: الشهرة المفيدة هي الشهرة القدمائية الكاشفة عن تلقّي المسألة عن المعصومين- عليهم السلام- كما نقّحناه كرارا، لا الشهرة الحاصلة بين الأصوليين المتأخّرين في أمثال هذه المسائل الاستنباطية.

و الظاهر

انّ نظره- قدّس سرّه- الى ما ذكره المحقق النائيني في أصوله. و محصّله: «انّ اليد امارة على الملكيّة اذا لم يعلم كيف حدثت، و احتمل ان يكون حدوثها من اوّل الأمر بنحو الملكية. و امّا اذا علم حالها و ان حدوثها كان على وجه الغصب أو الأمانة أو الاجارة مثلا ثمّ احتمل انتقال المال بعده الى صاحب اليد فلا ينبغي الاشكال في سقوط اليد و وجوب العمل على ما يقتضيه استصحاب حال اليد، فانّ اليد امارة على الملك اذا كانت مجهولة الحال غير معنونة بعنوان الاجارة أو الغصب. و استصحاب حال اليد يوجب تعنونها بأحدهما، فلا تكون كاشفة عن الملكية. فلا ينبغي الاشكال في حكومة الاستصحاب على اليد اذا استصحب حالها. و على ذلك يبتنى قبول السجلات و أوراق الاجارة و ينتزع المال عن يد مدّعي الملكيّة اذا كان في يد الطرف ورقة الاجارة و نحوها، كما عليه عمل العلماء في سالف الزمان» «2».

و أجاب في المستمسك عن ذلك بما محصّله بتوضيح منّا: «انّه لو كان موضوع الحكم مقيّدا بقيد كقوله أكرم العالم العادل مثلا، و كان للقيد في مورد حالة سابقة وجودا أو عدما جاز احرازه بالاستصحاب بلا اشكال. و لكنّ الموضوع للحجية في المقام ليست هي اليد مقيّدة بعدم كونها امانيّة أو عادية حتّى يكون استصحابهما رافعا لموضوع الحجيّة. كيف؟ و اليد

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 171.

(2)- فوائد الأصول 4/ 225.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

حجّة مطلقا و لو احتمل كونها يد أمانة أو عدوان. غاية الأمر انّه في صورة العلم بكونها إحداهما قد علم بعدم الملكيّة. فلا مجال لجعل الحجيّة، لأنّ مورد الامارة هو الشكّ، لا انّ موضوع الحجيّة اليد التي ليست

يد أمانة أو عدوان.

اذ فيه أولا: انّ هذا غير معقول، اذ أمر اليد واقعا دائرة بين كونها يد ملك أو أمانة أو عدوان. فمع عدم الأخيرتين تكون الاولى مقطوعة. فلا مجال للحكم الظاهري.

و بعبارة اخرى: عدم الأخيرتين من لوازم اليد و الاستيلاء الملكيّ الواقعي، لا من قيود اليد الظاهريّة الّتي جعلت امارة.

و ثانيا: انّ مقتضى تقيّد الموضوع بذلك عدم جواز التمسّك باليد على الملكيّة، لأنّ الشكّ في الملكيّة ملازم للشكّ في الأمانة و العدوان و مع الشكّ في عنوان العامّ لا يجوز التمسّك بالعام.

نعم، يمكن أن يقال: انّ حجيّة اليد عند العقلاء مختصّة بما اذا لم تكن مسبوقة بالأمانة و العدوان، و لا تشمل المسبوقة بذلك. و عليه يشكل التمسّك بالقاعدة في الموارد التي تعارف فيها القبض بالسوم قبل الشراء، و في الأعيان الّتي تكون بأيدي الدلالين اذا علم حدوث أيديهم بالوكالة ثم جهل الحال بعد ذلك» «1».

أقول: لعلّ المحقق النائيني أيضا لا يقول بكون الموضوع للحجية اليد التي ليست يد أمانة و عدوان حتى يرد عليه ما ذكر، بل يريدان موضوع الحجية اليد التي لم يحرز حالها. و المسبوقة بالأمانة و العدوان يحرز حالها بالاستصحاب، فتخرج عن موضوع الحجية. و لعلّ ما استدركه المستمسك أخيرا بقوله: «نعم»، أيضا يراد به هذا. اذ عدم حكم العقلاء بالحجية في اليد المسبوقة لا يكون إلّا بلحاظ الحالة السابقة و لا معنى للاستصحاب إلّا ذلك.

و لكن يرد على ذلك أولا: انّه لم يؤخذ الجهل و عدم الاحراز قيدا في موضوع الحجية العقلائية. فان قاعدة اليد من الامارات، و ليس الشك و عدم الاحراز مأخوذا في موضوع الامارات و إن كان موردها ذلك. نعم، موضوع الأصول العملية هو الشك،

كما لا يخفى.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 171.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 114

..........

______________________________

و ثانيا: انّ الاستصحاب حكم شرعي تعبّدي، و ليس حكم العقلاء معلقا على عدم جريان الحكم الشرعي.

و قال السيد الأستاذ، الامام- مدّ ظلّه- في جواب المحقق النائيني ما حاصله: «انّ تحكيم الاستصحاب على بعض الأدلة بتنقيح أو رفع انّما هو في الأدلة اللفظية، لا في مثل بناء العقلاء. فانّه ان ثبت بناؤهم في مورد مسبوقية اليد بالاجارة و نحوها فلا تأثير للاستصحاب. و ان لم يثبت سقطت عن الحجية، كان هنا استصحاب شرعي، أولا.

و تعليق بنائهم على عدم قيام حجة شرعية كما ترى» «1».

و الاولى أن يقال: انّ اليد امارة عقلائية امضاها الشارع. و قوله: «من استولى على شي ء منه فهو له»، أيضا ليس إلّا ارشادا الى ذلك. و مبنى حكم العقلاء غلبة كون اليد و الاستيلاء الكامل بنحو الملكيّة، و حيث انّ هذه الغلبة لا توجد في اليد المسبوقة بالأمانة أو العدوان، بل تكون بالعكس فلا تكون امارة في هذه الصورة قهرا و لا بناء لهم. و لا أقلّ من الشّكّ، فلا تثبت الحجية. نعم، لو قيل بكونها امارة تأسيسية من قبل الشارع، أو أصلا عمليا اعتمادا على الأحاديث الواردة فيمكن أن يقال: انّ عموم قوله: «من استولى على شي ء فهو له» محكّم. و لكن الظاهر كما عرفت كونها امارة عقلائية. فالمتبع بناؤهم و سيرتهم، فتدبّر.

ثمّ اعلم ان الاستاذ- مدّ ظلّه- قال في المقام ما حاصله: «اذا علم حال اليد و انها حدثت على وجه الغصب أو الأمانة فتارة لا يكون في مقابل ذي اليد مدّع، و تارة يكون و لم يرفع أمره الى الحاكم، و ثالثة رفع اليه.

امّا في الصورة الاولى: فتارة

يدّعى ذو اليد الملكيّة و الانتقال اليه، و تارة لا يدّعى. فان ادّعاها فلا يبعد ان يترتّب على ما في يده آثار الملكيّة في غير الغاصب. و امّا فيه فالظاهر عدمه. و هل يكون ترتيب الآثار من جهة انّه مدّع بلا معارض، أو من جهة قبول دعوى ذي اليد، أو من جهة اليد المقارنة للدّعوى؟ الظاهر انّه من جهة احدى الأخيرتين. و لهذا

______________________________

(1)- الرسائل 1/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

لو عارضه غير المالك الأوّل يعدّ مدّعيا و تطالب منه البيّنة. و امّا مع عدم دعوى الملكيّة أو عمل يظهر منه دعواها فلا يحكم بالملكيّة. كلّ ذلك من جهة بناء العقلاء و سيرتهم».

ثمّ تعرّض لكلام النائيني- قدّس سرّه- و أجاب عنه بما مرّ ثمّ قال:

و امّا في الصورة الثانية: فان كان المعارض غير المالك فلا تسقط يده عن الاعتبار في غير الغاصب. و ان كان المالك يسقط اعتبارها لدى العقلاء لعدم بنائهم على ترتيب آثارها على ما في يده.

و امّا في الصورة الثالثة: أي صورة رفع الأمر الى الحاكم و مقام تشخيص المدعى من المنكر فان كان في مقابله المالك الأول تسقط يده عن الاعتبار و يقدّم استصحاب حال اليد على قاعدة اليد، لأنّه أصل موضوعي حاكم عليها» «1».

أقول: امّا مع ادّعاء الملكيّة و عدم المعارض فترتيب آثار الملكيّة بلا اشكال. و يدلّ عليه مضافا الى سيرة العقلاء خبر منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي. فلمن هو؟ قال: للذي ادّعاه «2». و لكن لا دخالة

لليد في ذلك، بل يكفي نفس الادّعاء مع عدم المعارض، كما في مثال الكيس. نعم، لو عارضه غير المالك السابق و قلنا بتقدّمه كان هذا بسبب اليد و لكن المسألة لا تخلو من اشكال.

ثمّ انّه- مدّ ظلّه- حكم في الصورة الثالثة بجريان الاستصحاب و حكومته على القاعدة.

مع انّه ذكر في ردّ المحقق النائيني ان تحكيمه عليها انّما هو في الأدلّة اللفظيّة، و امّا بناء العقلاء فأمره دائر بين النفي و الثبوت، فان ثبت في مورد اليد المسبوقة فلا مجال للاستصحاب، و ان لم يثبت سقطت اليد عن الحجيّة، كان هنا استصحاب، أم لا. فهل لا يكون بين كلاميه- مدّ ظلّه- تهافت بيّن؟! فتدبّر.

و قد تحصل ممّا ذكرناه انّه في صورة الشك في المسألة و ان كان مقتضى اصالة عدم

______________________________

(1)- الرسائل 1/ 281.

(2)- الوسائل، ج 18، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

أداء الزكاة بقاءها في المال، و لكن مقتضى اصالة الصحّة صحّة المعاملة و عدم وجوب الزكاة. و امّا قاعدة اليد فجريانها في المقام محل اشكال إلّا ان يصدر منه ادّعاء المالكيّة.

و كيف كان فالأقوى ما ذكره الماتن.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 117

فروع [بيع مال الزكوي]

و إن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة الى مقدار الزكاة فضولي (1) فان اجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن (2) بالنسبة الى مقدار الزكاة. و إن دفعه الى البائع رجع- بعد الدفع الى الحاكم- عليه.

______________________________

(1) بناء على كون التعلّق بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعيّن أو حقّ الرهانة. و امّا ان كان بنحو حقّ الجناية فالمعاملة صحيحة و ان كان للحاكم تتبع العين ان لم يؤد البائع الزكاة. و سيأتي في

محلّه.

قال في المدارك: «ثمّ ان كان التمليك بعد الضمان نفذ في الجميع، و ان كان قبله نفذ في نصيبه. و في قدر الواجب يبنى على ما سلف، فعلى الشركة يبطل البيع فيه و كذا على الرهن، و على الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة، فان اداها نفذ البيع، و إلّا تتبع الساعي العين» «1».

أقول: مشروعيّة الضمان و كفايته في نفوذ المعاملة في الجميع تحتاج الى دليل. و حكمه ببطلان البيع على الشركة أيضا محلّ منع إلّا أن يريد بذلك توقّفه على الاجازة، لا البطلان المحض.

(2) أى المشتري ان لم يجز اقباضه الى البائع أو لم يقبضه اياه، و الّا طالبه البائع. ثمّ

______________________________

(1)- المدارك/ 307.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 118

و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع (1).

و إن أدّى البائع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة الى الاجازة من الحاكم اشكال (2).

______________________________

لو أخذه من المشتري رجع به على البائع مع الاداء اليه، و له خيار تبعض الصفقة مع الجهل.

فلا يلزم بقبول اجازة الحاكم.

ثمّ انّ هذا كلّه على القول بالاشاعة أو الكلّي في المعيّن. و امّا على الرهن فلا وجه للمطالبة بالثمن بل تشكل الاجازة ما لم يأخذ الزكاة، كما هو واضح.

(1) و ليس للمشتري دفع القيمة، فانّ المتيقّن ممّا دلّ على جواز دفعها هو المالك.

اللهم إلّا ان يرضى بها الحاكم.

و هل للحاكم الرجوع على البائع مع وجود العين عند المشتري؟ قيل: لا، و استظهر ذلك من صحيحة عبد الرحمن «1» الآتية. و لكن القاعدة تقتضي الجواز، بمقتضى قاعدة تعاقب الأيدي الغاصبة، فيطالبه ببدل الحيلولة و لو لم يمكن الأخذ من المشتري فجواز المطالبة البائع بلا اشكال، لتفويته

الزكاة.

(2) لا وجه للتوقّف على اجازة الحاكم، اذ بعد دفع البائع للزكاة يسقط التكليف بها، فلا وجه للرجوع الى الحاكم. و لعلّ العبارة: «من البائع»، بدل: «من الحاكم».

و بيان المسألة يتوقّف على اشارة اجمالية الى مسألة «من باع ثمّ ملك»، فان المقام من مصاديقها بالنسبة الى مقدار الزكاة.

فنقول: على القول بصحّة الفضولي بالاجازة اللاحقة فالقدر المتيقّن منه صورة كون المجيز جائز التصرّف عند العقد. غاية الأمر تأخّر اجازته عنه. فلو لم يجز تصرّفه حال العقد، لعدم كونه مالكا أو لكونه محجورا أو لتعلّق حقّ الغير، ثمّ صار مالكا أو زال الحجر أو سقط الحقّ، ففي الأخير الأقوى الصحّة بلا احتياج الى الاجازة. كما لو كان المال رهنا فباعه الراهن ثمّ فكّ رهنه، اذ المقتضى للنقل و هو العقد مع شرائطه قد وجد أوّلا و بالفكّ ارتفع

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 119

..........

______________________________

المانع، فيؤثّر. بل و كذا في الثاني ان كان الحجر للإفلاس.

و امّا في الأول، كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه أو ورثه مثلا فهل يبطل البيع مطلقا، كما عن التّذكرة و تعليق الإرشاد و اختاره في المقابس، أو يصحّ قهرا بلا احتياج الى اجازة لا حقة، كما قواه فخر الإسلام في الايضاح، أو يصح مع تعقّب الاجازة، كما عن الدروس و الصيمري و اختاره الشيخ في المكاسب و أوضحه، أو يفصل فعلى النقل يصحّ مع الاجازة و على الكشف لا يصحّ؟ في المسألة وجوه.

و بالجملة فهل تكون المسألة أسوأ حالا من مسألة الفضولي، أو أحسن حالا منها، أو تكون مثلها، بل من مصاديقها؟

فعن التذكرة: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملّكها

و يمضي ليشتريها و يسلّمها. و به قال الشافعي و احمد. و لا نعلم فيه خلافا» «1».

و وجّه البطلان في المقابس «2» بسبعة وجوه حكاها الشيخ في المكاسب و أجاب عنها، فراجع «3».

و وجه القول بالصحّة قهرا و عدم الاحتياج الى الاجازة اللاحقة هو ان العقد وجد مع رضاية العاقد، و انّما لم يؤثر لعدم الملكيّة. فبحصولها يتمّ المؤثّر للنقل.

و الأقوى كما اختاره الشيخ الصحّة مع تعقّب الاجازة، للعمومات بعد ما أثبتنا بأدلّة صحّة الفضولي عدم اشتراط اقتران الرضى بالعقد. و المعتبر رضاء من هو المالك حال الرضا، اذ لا تقتضي قاعدة سلطنة الناس على أموالهم و عدم حلّية مال الغير إلّا بطيب نفسه أكثر من ذلك. و امّا كونه مالكا حين العقد فلا دليل على اعتباره، و الأصل عدمه. و لا يكفي في المقام رضاه حين العقد، فان التزامه حين العقد بكون المال لغيره ليس إلّا التزاما بكون مال غيره له. فمقتضى قاعدة السلطنة و اعتبار طيب نفس المالك اعتبار الاجازة بعد ما ملكه. و بالجملة فلا فرق بين المسألة و مسألة الفضولي. فملاكهما و دليلهما واحد.

______________________________

(1)- مقابس الأنوار/ 134، الموضع الخامس من بيع الفضولي.

(2)- مقابس الأنوار/ 134، الموضع الخامس من بيع الفضولي.

(3)- المكاسب للشيخ الأنصاري/ 137.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 120

..........

______________________________

و امّا التفصيل بين القول بالنقل و الكشف فمبناه عدم امكان القول بالكشف هنا كما في المقابس، اذ يلزم عليه خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه.

و أجاب عنه الشيخ بمنع كون الاجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد، بل مقدار كشف الاجازة تابع لصحّة البيع. فهي في المقام كاشفة عن خروجه عن ملكه من أوّل

أزمنة قابليّته و هو زمان انتقال الملك الى البائع، فتدبّر.

اذا عرفت الأقوال و القول المختار في مسألة «من باع ثمّ ملك» اجمالا، فلنرجع الى مسألتنا، فنقول:

قال في باب زكاة الغنم من المبسوط: «من كان عنده نصاب من مال، فحال عليه الحول و وجبت فيه الزكاة، فباع ربّ المال النصاب كلّه فقد باع ما يملك و ما لا يملك من حقّ المساكين، لأنّا قد بيّنا انّ الحقّ يتعلّق بالعين، لا بالذمة، فيكون العقد ماضيا فيما يملكه و فاسدا فيما لا يملكه. فان أقام عوضا للمساكين من غيره مضى البيع صحيحا، لأنّ له أن يقيم حقّ المساكين من غير ذلك المال» «1».

و فيه أيضا: «اذا وجبت الزكاة في ماله فرهن المال قبل اخراج الزكاة منه لم يصح الرهن في قدر الزكاة، و يصحّ فيما عداه. و كذلك الحكم لو باعه صحّ فيما عدا مال المساكين، و لا يصحّ في مالهم. ثمّ ينظر فان كان للراهن مال غيره و اخرج حقّ المساكين منه سلم الرهن جميعه. و كذلك البيع» «2».

و قال في المعتبر: «لو باع النصاب قبل اخراج الزكاة أو رهنه صحّ فيما عدا الزكاة، فان اغترم حصّة الفقراء قال الشيخ: صحّ الرهن في الجميع و كذا البيع. و فيه اشكال، لأنّ العين غير مملوكة له، و اذا ادّى العوض ملكها ملكا مستأنفا و افتقر بيعها الى اجازة مستأنفة.

كمن باع مال غيره ثم اشتراه» «3».

و في المدارك بعد نقل كلام المعتبر قال: «و هو جيّد. و على هذا فلا ينفذ البيع في نصيب

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 207.

(2)- المبسوط 1/ 208.

(3)- المعتبر/ 276.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 121

..........

______________________________

الزكاة و الحال هذه إلّا مع اجازة المالك بعد الاخراج» «1».

و

في الجواهر: «و لو ادّى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحّة، ضرورة عدم الملك حال البيع. اللهم إلّا أن يجعل الشرط الملك و لو متأخّرا عنه. و فيه بحث أو منع» «2».

و محصّل الكلام ان تعلّق الزكاة ان كان بنحو الحقّ كحقّ الرهانة فالظّاهر عدم الاحتياج الى الاجازة بعد أداء الزكاة، نظير ما مرّ في فك الرهن. و امّا ان قلنا بانّه بنحو الملكيّة فالمسألة كما ذكره المحقّق من مصاديق من باع ثمّ ملك، فيحتاج الى الاجازة اللاحقة. و قد يتوّهم ان أخذ القيمة من البائع بمنزلة اجازة العقد.

و فيه مضافا الى اختصاصه بأخذ الامام أو نائبه دون الفقير لعدم الولاية له ان مقتضى الاجازة الرجوع الى الثمن بالنسبة. اللهم إلّا ان يكون معاوضة بين الثمن و القيمة، و هو كما ترى. هذا كلّه مع قطع النظر عن صحيحة عبد الرحمن الواردة في المسألة، فقد روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزكّ ابله أو شاته عامين فباعها. على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع» «3».

أقول: ربّما تتوهّم دلالة الصحيحة على صحّة المعاملة بعد أداء البائع للزكاة و عدم الاحتياج الى الاجازة، بل دلالتها على ذلك في مسألة من باع ثمّ ملك مطلقا.

و لكن لأحد منع ذلك أوّلا: بأن المسؤول عنه خصوص مسألة الزكاة، لا صحّة المعاملة و فسادها. فالصحيحة ساكتة عن صحّة المعاملة و انّها تحتاج الى الاجازة أم لا، فيعمل فيها على القاعدة.

و ثانيا: يحتمل أن يكون تعلّق الزكاة من قبيل الحق، فلا يستفاد منها عدم الاحتياج الى

الاجازة في مسألة من باع ثمّ ملك. فما ذكره المصنّف من الاشكال في استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة الى الاجازة في محلّه. و اللّه العالم.

______________________________

(1)- المدارك/ 307.

(2)- الجواهر 15/ 142.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 122

لو تعدّد انواع التمر اخذ من كل نوع بحصته

[مسألة 30]: إذا تعدّد أنواع التمر مثلا و كان بعضها جيدا أو أجود، و بعضها الآخر ردئ أو أردى فالأحوط الأخذ من كلّ نوع بحصته (1).

و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيد (2) و إن كان مشتملا على

______________________________

(1) كما هو مقتضى القول بكون التعلّق بنحو الاشاعة و الشركة. قال في التذكرة:

«و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصّته لينتفى الضرر عن المالك بأخذ الجيد و عن الفقراء بأخذ الرديّ. و هو قول عامة أهل العلم. و قال مالك و الشافعي: اذا تعدّد الأنواع أخذ من الوسط. و الاولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء» «1».

(2) بناء على ما يختاره المصنّف من كون التعلّق بنحو الكلّي في المعيّن. و كذا على القول بكونه من قبيل الحقّ، لصدق الفريضة على الجيّد و لو فرض وجود الأجود.

و لأنّ المنهي عنه في الآية و الروايات كما يأتي دفع الخبيث و الرديّ فقط. فلو لزم الدفع من كلّ نوع بحصّته وجب بيانه في مقام الحاجة. و لعل السيرة في جميع الأعصار أيضا استقرّت على عدم المطالبة من الأنواع المختلفة مع تعدّدها غالبا في البساتين و المزارع.

و لأنّ الفرد الوسط يكفي في الانعام، لما مرّ من اطلاق الفريضة و عدم تقيّدها بكونها من النصاب. بل قد مرّ ان تقويم الحصّة المشاعة في البين بفرد من الجنس أو غيره يقتضى حمله

______________________________

(1)-

التذكرة 1/ 221.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 123

الأجود. و لا يجوز دفع الردي عن الجيد و الأجود على الأحوط (1).

______________________________

على الوسط، لئلّا يحتمل الزيادة و النقصان، فيحمل على الانعام غيرها، اذ الظاهر كون الجميع على وزان واحد.

و لكن مع ذلك كلّه يشكل الأمر فيما اذا كان تفاوت القيمة و الرغبة فاحشا. و حمل العشر على العشر بحسب الوزن فقط دون القيمة و الرغبة مشكل. فالأحوط الأخذ من كلّ نوع بحصته. و الأفضل إعطاء الأجود مطلقا، لقوله- تعالى-: «لَنْ تَنٰالُوا الْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا مِمّٰا تُحِبُّونَ» «1».

(1) بل على الأقوى، لقوله- تعالى-: «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» «2».

و لما ورد في الاخبار المستفيضة من النهي عن دفع الأنواع الرديّة كرواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ». قال: كان رسول اللّه «ص» اذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردإ التمر، يؤدّونه من زكاتهم تمرا يقال له: الجعرور و المعافارة، قليلة اللحا، عظيمة النوى. و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه «ص»: لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشي ء. و في ذلك نزل: و لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون و لستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه. و الاغماض ان يأخذ هاتين التمرتين. و نحوها غيرها من الروايات، فراجع «3».

و لعلّ احتمال كون الآية و الرواية في مقام التنزيه، أو كون النهي فيهما عن الخبيث و الأردإ دون مطلق الرديّ

أوجب جعل المصنف الحكم بنحو الأحوط دون الأقوى، فتدبّر.

______________________________

(1)- سورة آل عمران، الآية 93.

(2)- سورة البقرة، الآية 267.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 124

كيفية تعلق الزكاة

[الأقوى انّ الزكاة متعلّقة بالعين]

[مسألة 31]: الأقوى انّ الزكاة متعلّقة بالعين (1).

______________________________

(1) قد حرّرنا المسألة سابقا في المسألة (75) من كتاب الخمس، و نعيدها هنا،

[المحتملات في المسألة]
اشارة

فنقول: قبل نقل الأقوال و كلمات الأصحاب في كيفية التعلّق و بيان ما هو الحقّ منها نتعرّض للمحتملات في المسألة. و الظاهر انّها تسعة:

الأوّل: ان يكون المجعول حكما تكليفيّا محضا من دون ان يستعقب حكما وضعيا. فوزان الزكاة وزان سائر الواجبات المالية كالكفارات و كالإنفاق على الوالدين مثلا من دون ان يثبت للفقراء ملك و لا حقّ، غاية الأمر ثبوت استحقاق العقوبة على مخالفته. نظير سائر الواجبات التكليفيّة. فالمال باق على ملك مالكه و تصحّ المعاملات الواقعة عليه.

الثاني: أن يكون المجعول ثبوت مال في ذمّة المالك كسائر الديون من دون ان ينتقل شي ء من النصاب الى الفقراء أو يتعلّق به حقّ لهم. و مقتضاه بقاء الذمة و ان تلف جميع النصاب بلا تفريط، و تكرّر الوجوب بتكرّر الحول على النصاب الأوّل و غير ذلك.

الثالث: ان يثبت الملك بنحو الشركة و الاشاعة. و لازمها طبعا عدم جواز تصرّف المالك في النصاب إلّا باذن الحاكم مثلا، و كون التقسيم برضاية الطرفين، و كون المعاملة بدون اذن الطرف فضولية، و تعيّن دفع الزكاة من العين أو التبديل بالتراضي، و وقوع التلف بلا تفريط عليهما بالنسبة، و كون النماء لهما كذلك و نحو ذلك.

و في تصوير الاشاعة ثبوتا بحث. فهل تكون هنا اضافة ملكيّة واحدة لاثنين بملك واحد كحبل واحد اتّصل أحد طرفيه بوتد و الآخر بوتدين، أو اضافتان لاثنين بجميع الملك،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 125

..........

______________________________

فيكون كلّ واحد منهما مالكا للجميع بملكيّة ضعيفة بحسب مراتب الاشاعة و نسبها، أو يكون كلّ منهما مالكا مستقلا لبعض الملك

كالنصف أو الثلث أو غيرهما؟.

لا يخفى صحّة الاخير، كما يساعده اعتبار العقلاء. فكلّ منهما يجد نفسه مالكا للنصف مثلا بملكية تامّة، لا الجميع بملكيّة ناقصة. و ليس هنا ملكيّة واحدة، بل ملكيّتان و مالكان و مملوكان.

ثمّ انّ المحقّق الاصفهاني- قدّس سرّه- قال في حاشية المكاسب ما حاصله: «ان الشي ء القابل للقسمة في نفسه موجود واحد، و وجوده بالفعل وجود الأقسام بالقوّة.

فالأقسام موجودات خارجيّة، لكنّها قبل الافراز وجودها على حدّ الامور الانتزاعيّة. فمنشأ الانتزاع موجود بالفعل و الأقسام موجودة بالقوّة بنحو وجود المقبول بوجود القابل، فهي خارجيّة بخارجيّة القابل، أعني الجسم القابل للقسمة» «1».

أقول: وجود الكسر كالنصف مثلا انّما يكون قبل الافراز، فانّه مضاف الى الكلّ.

و بعد الافراز لا يبقى الكلّ حتّى يكون له نصفان، اذ بالتقسيم يصير الشي ء شيئين مستقلين. سلّمنا و لكنّ الموجود بعد الافراز لا يبقى على الاشاعة. فالنصف المشاع فعليّته و خارجيّته قبل الافراز و في ضمن الكلّ فقط، و المفروض ان الموجود في الخارج واحد حقيقة، فانّ الوجود مساوق للوحدة.

و يمكن أن يقال: انّ الكسر المشاع أمر اعتباري يعتبره العقلاء في الموجود الوحداني و ان كان المتّصف بهذا الأمر الاعتباري أمرا خارجيّا، نظير نفس الملكيّة الاعتباريّة الّتي توصف بها الشي ء الخارجي. و بالجملة فالكسر المشاع كالملكيّة القائمة به كلاهما أمران اعتباريان اتّصف أحدهما بالآخر. و لكن لأحد ان يقول: ان الاعتبارات العقلائية ليست بلا منشأ تكويني، فلعلّ منشأ اعتبار الكسر المشاع وجود قوّة الانقسام الخارجيّ في الجسم، فافهم.

و لتحقيق المسألة مقام آخر، فراجع.

الرابع: أن يكون الملك بنحو الكلّي في المعيّن كمن باع صاعا من صبرة معيّنة. فتكون

______________________________

(1)- حاشية الكمباني على المكاسب 1/ 202.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 126

..........

______________________________

التشخّصات و

العوارض المشخّصة بأجمعها للمالك و بعهدته تطبيق الكلّي على الفرد المؤدّي، و تعيينه باختياره. و يجب طبعا أن يكون الاداء من العين، و تلف بعض الصبرة يقع على المالك قهرا، كما في خبر بريد الوارد في من اشترى عشرة آلاف طنّ من القصب من انبار فيه ثلاثون ألف طن، فاحترق القصب و بقى منه بمقدار المبيع. حيث حكم الامام- عليه السلام- بكون الباقي للمشتري «1».

و اعلم انّ في باب الزكاة أمورا ثبتت لنا بحسب الأدلّة: كجواز الاداء من القيمة، و كون اختيار التقسيم بيد المالك، و كون التّلف بلا تفريط منهما معا لا من المالك فقط و غير ذلك. و القول بكون التعلّق بنحو الكلّي في المعيّن لا يلائم بعض هذه الفروع و ان لائم بعضها.

ثمّ انّ الظاهر من كلماتهم في هذا الباب و في باب بيع الصاع من الصبرة كون الكلّي في المعيّن أمرا خارجيّا، و كونه مع خارجيّته كليّا قابل الصدق على كثيرين. و يترتب على خارجيّته كون النماء لهما، و جواز تصرّف المالك إلّا في مقدار الزكاة أو المبيع، و كون المعاملة بالنسبة اليه فضوليّة.

و لا يخلو ذلك من اشكال، اذ ما في الخارج ليس إلّا المتشخّصات. و الشي ء ما لم يتشخّص لم يوجد. و ليس في الخارج أمر يقبل الصدق على كثيرين، و انّما الصدق خاصّية المفاهيم. و الكلّي المقيّد و ان صارت دائرته أضيق من المطلق و لكنّه لا يخرج بذلك عن الكليّة و لو انضمّ اليه ألف قيد، بل و ان انحصر في فرد. و خارجية القيد لا توجب خارجية المقيد. فصاع من حنطة قم مثلا كلّي و ان كانت بلدة قم موجودا خارجيّا.

فالصاع من الصبرة الخارجيّة ان اريد

به الصاع الكلّي في ذمّة البائع مثلا بشرط ان يؤدّى من هذه الصبرة فهو صاع كلّي ذمّي. غاية الأمر انّ اشتراطه بشرط يوجب تخلفه الخيار. و ان أريد به الصاع الموجود خارجا، فالموجود في الخارج هي الافراد و ليس للكلّي وجود وراء وجودها. و ان أريد به الكلّي غير المنطبق فعلا على شي ء في الخارج و انّما

______________________________

(1)- الوسائل، ج 12، الباب 19 من أبواب عقد البيع، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 127

..........

______________________________

خارجيّته بخارجيّة الصبرة فهو باق بعد بنعت الكليّة، مثل الكلّي الذميّ، غاية الأمر كون ظرف الكلّي في الأوّل الصبرة و في الثاني ذمة الشخص. و ان شئت قلت: ان ظرف الأوّل ذمّة الصبرة في مقابل ذمّة الشخص، نظير اشتغال ذمّة تركة الميّت بدين الغرماء. و بالجملة فلم يحصل للصاع تعيّن إلّا تعيّن الاضافة الى الصبرة الخارجيّة و لزوم اخراجه منها هذا.

و لكن يمكن ان يقال ان العرف يحكم في مثله بان له نحو خارجيّة، نظير ما مرّ في خارجيّة السهم المشاع، و يترتّب عليها قهرا آثار الخارجيّة من الشركة في النماء و الربح و عدم جواز تصرّف المالك في الجميع. فلو باع صاعا من صبرة ثمّ باع الصبرة بأجمعها لآخر يحكمون بكون المعاملة الثانية بالنسبة الى مقدار الصاع فضوليّة واقعة على ملك الغير.

و السرّ في ذلك انّ اعتبار الكلّي مالا باعتبار سهولة أدائه و وجود معتمد عقلائي له.

فالكلّي الذمّي لا يعتبر مالا إلّا بكون صاحب الذمّة فردا معتبرا معتمدا عليه. و الكلّي المضاف الى صبرة خارجيّة يكون اعتباره و كونه ذا قيمة باعتبار الصبرة و قيمتها. فهو أمر متقوّم معتبر بالاضافة الى الصبرة، و يكون خارجيّا بخارجيّته. و اعتباره و الاعتماد

عليه أقوى من اعتبار الكلّي الذمّي، فتدبّر.

ثمّ انّه يرد على من جعل تعلّق الزكاة من قبيل الكلّي في المعيّن كالمصنّف أمران:

الأوّل: انّ الكلّي كالصاع مثلا مقيّد بالصبرة الخارجيّة، فيجب أن يخرج منها و لا يلزم ذلك في باب الزكاة، لجواز أدائها من مال آخر.

الثاني: انّه لو تلف بعض الصبرة لا يقع التلف على مشتري الصاع و ليس كذلك باب الزكاة، فان التلف بغير تفريط يقع عليهما بالنسبة، فتدبّر.

الخامس: أن يكون التعلّق بنحو الحقّ كحقّ الرهانة. و مقتضاه ثبوت الزكاة في الذمّة و كون النصاب رهنا لها، فيكون الثابت أمران. و لا يجوز التصرّف في العين ما لم يؤدّ الزكاة، فان العين بما انّها ملك لها الشخص صارت رهنا لما في الذمّة، فلا يجوز اخراجها عن ملكه ما دام تكون متعلّقة لحقّ الغير. اللهم إلّا ان يقال ان العين ليست بتمامها رهنا، بل بمقدار الزكاة منها، اذ المتعارف ان يكون الرهن بمقدار الدين، فيجوز التصرّف في الزائد منها.

السادس: ان يكون من قبيل حقّ الجناية الثابتة في العبد الجاني، فانّ العبد ان قتل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 128

..........

______________________________

الحرّ عمدا كان الخيار لورثة المقتول. فان شاءوا قتلوه و ان شاءوا استرقّوه. و ان قتله خطأ كان الخيار لمولاه. فان شاء ادّى الدية و ان شاء دفعه الى الورثة ليسترقّوه. و في كلتا الصورتين لم يخرج العبد عن ملك مولاه، بل تصحّ معاملته عليه، و لكنّه متعلّق لحقّ الورثة لا بما انّه ملك لهذا الشخص، بل بذاته و ان انتقل الى غيره. فاينما وجدوه استرقوه.

و بالجملة فليس العبد ملكا فعليّا للورثة، بل يملكون استرقاقه و تملّكه. و لعلّ المقام من قبيل الجاني خطأ، فانّ المالك في المقام

يجوز له دفع الزكاة من القيمة، كما لمولى العبد ان يفتدى العبد. ففي الحقيقة يكون حقّ أولياء المقتول هو الجامع بين نفس العبد و قيمته، فلا يقوم الحقّ بشخص العين، بل بماليّتها الجامعة بين العين و القيمة، كما في المقام.

و في زكاة المرحوم، آية اللّه الميلاني جعل المقام من قبيل الجاني عمدا. و لعلّه من جهة انّ ملكيّة الاسترقاق فعلا انّما تكون في العمد لا في الخطأ، فافهم.

و الحاصل ان الثابت على هذا الفرض استحقاق التملّك، لا فعليّته. فالفقراء ملكوا ان يملكوا مقدار الزكاة.

السابع: ان يكون من قبيل حقّ الغرماء المتعلّق بتركة الميّت، فليست ذمّة الشخص مشغولة، بل العين بنفسها مورد للحقّ. ففي الحقيقة ذمّة العين مشغولة بمقدار الزكاة، كما انّ ذمّة التركة مشغولة بالدين، و الدين أمر كلّي ظرفه ذمّة العين، فيمكن ابراؤها بما يقع مصداقا لهذا الكلّي و لو من مال آخر.

و قد عرفت منّا انّ الكلّي في المعيّن أيضا ليس أمرا خارجيّا، بل مرجعه الى اشتغال ذمّة النصاب بالفريضة، و لكن بينهما فرق من جهة تقيّد الصاع الكلّي مثلا بالصبرة هناك دون المقام، لجواز الدفع من مال آخر. نعم، يشتركان معا في انّ الحقّ قائم بالمجموع.

فلو تلف بعض الصبرة أو التركة وجب أداء الحقّ بأجمعه من الباقي. و لا نظنّ أحدا يلتزم بكون باب الزكاة من هذا القبيل، اذ لو تلف بعض النصاب بغير تفريط يقع التلف عليهما بالنسبة، لا من المالك فقط. فهذا اشكال يرد على من جعل تعلّق الزكاة من قبيل الكلّي في المعيّن، أو من قبيل حقّ الغرماء.

الثامن: ان يكون من قبيل حقّ الزوجة في الاشجار و الأبنية، حيث قالوا بتعلّقه بماليّتها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 129

..........

______________________________

لا

بعينها. و ماليّة الشي ء و قيمته كمملوكيّته أمر اعتباري يعتبره العقلاء عرضا له. ففي المقام أيضا يكون الثابت للفقراء مالية بعض النصاب، لا عينه. و انّما يجزي اداء العين أيضا بما انّه اداء للماليّة. و يشترك المالك مع الفقراء في ماليّة النصاب، كما تشترك الزوجة مع الورثة في ماليّة الأبنية. و العرف يرى اداء كل من العين و القيمة اداء لمالية الشي ء، فيكون اداء القيمة أيضا اداء لنفس الزكاة، لا اداء للبدل. هذا.

و لكن لو فرض اعتبار العرف ماليّة الشي ء و قيمته عرضا له فهو عرض قائم بنفس هذا الشي ء، و لا يكون اداؤه إلّا باداء نفس المعروض، أعني العين. فكيف يجعل أداء القيمة من الخارج أداء لنفس ماليّة هذا الشي ء؟ و الظاهر ان اعتبار الاشتراك في الماليّة لا في العين أيضا ليس ممّا يساعد عليه العقلاء، و انّما هو أمر حدث في المدرسة، و الزوجة انّما تشارك الورثة في نفى الأبنية، غاية الأمران المالك الحقيقي اجاز للورثة اداء القيمة تسهيلا و ارفاقا من جهة دفع ضرر تزوّج الزوجة و الاتيان بزوجها الجديد في محيط حياة الورثة.

نعم، لو سلّمنا اعتبار العقلاء لذلك أمكن الاستيناس له في المقام بقوله: «في خمس من الإبل شاة»، حيث ان الثابت في الآبال ليست نفس الشاة، بل ماليّتها. و لكن صاحب الجواهر كما عرفت في محلّه حمل ذلك على التقويم الشرعي، فقال ان الشارع قوّم الحصة المشاعة من الآبال بالشاة.

ثمّ انّ الشركة في الماليّة على فرض اعتبارها يمكن أن تفرض بنحو الاشاعة، و يمكن ان تفرض بنحو الكلّي في المعيّن، كما لا يخفى. و المعتبر في باب أرث الزوجة و في المقام يكون بنحو الاشاعة، و لذا يقع التلف بغير

تفريط من الطرفين، فتدبّر.

التاسع: ان يكون من قبيل ما نذر التصدّق به. بناء على ان حكم الشارع بوجوب الوفاء بهذا النذر يستعقب ثبوت حكم وضعيّ، أعني ثبوت حقّ للفقراء متعلّق بهذه العين، و هو ملكهم لان يملكوه بدفعه اليهم.

[البحث عن ماهيّة النذر]

أقول: قد مرّ منّا في مبحث اشتراط التمكّن من التصرّف، البحث عن ماهيّة النذر، و ان المحتملات فيه أربعة:

الأوّل: أن يكون اعتباره تمليك العمل المنذور للّه- تعالى- فتكون اللام للملك،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 130

..........

______________________________

و الظرف مستقرّا. فان كان العمل هو التصدّق فالعمل ملك للّه و المتصدّق به متعلّق لحقّه- تعالى-.

الثاني: ان يكون اعتباره التعجيز. فمن يقدر على انحاء التصرّف في مال خاصّ يعجز نفسه عن جميعها إلّا التصدّق به مثلا.

الثالث: ان يكون معاهدة مع اللّه- تعالى- نظير المعاهدات المتعارفة بين الناس.

الرابع: ان يكون عبارة عن ايجاب الانسان عملا على نفسه، نظير ايجابه على غيره.

فيكون حقيقة النذر هو قوله: «عليّ كذا».

و كيف كان فالشارع الزم الانسان بالوفاء بما نذر و بترتيب الاثر عليه. فعلى الاحتمال الأوّل- و هو الأقوى- يصير متعلّق العمل و هو المال متعلّقا لحقّ اللّه. و امّا على المحتملات الاخر فلا يستتبع النذر ملكا للغير و لا حقّا له. نعم، وجوب الوفاء بالنذر يستتبع وجوب حفظ المال ليتصدّق به. و مخالفته تستتبع استحقاق العقوبة.

و كيف كان فليس سوى وجوب الوفاء الذي هو حكم تكليفيّ ملك للفقراء أو حقّ لهم، فان الحقّ أيضا مرتبة ضعيفة من الملكيّة، و اعتباره اعتبار سلطنة لذي الحقّ على موضوعه، و هذا اعتبار عقلائيّ أو شرعيّ زائد على الحكم التكليفيّ يتوقّف على الثبوت و الاثبات، و الأصل عدمه.

و على الاحتمال الأول و ان سلّمنا الحقّ و لكنّه للّه-

تعالى- لا للفقراء، فراجع ما ذكرناه في تلك المسألة تجده وافيا بالمقصود.

و العجب من الشيخ الأعظم، حيث أراد استفادة التمليك و الملكيّة في باب النذر، و كذا الزكاة و الخمس من صرف الحكم التكليفيّ الثابت فيها. قال في مبحث اعتبار التمكّن من التصرّف من زكاته ما ملخّصه: «انّ النذر ان تعلق بالتصدّق بمعنى التمليك بقصد القربة فلا يحصل الملك بصرف النذر، بل بالعمل به. و ان تعلّق بالتصدّق بمعنى الدفع الى المستحقّ فيكون مأمورا بالدفع الى المستحق. و اطلاق الأمر بالدفع من المالك الحقيقيّ يدلّ على خروج ما أمر بدفعه عن ملكيّة الناذر. و لذا استفيد خروج الزكاة و الخمس عن ملك المالك الى ملك الفقراء من الأمر بدفع بعض النصاب اليهم، و إلّا فلم يرد في أدلّة تشريع الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

حكم وضعيّ في تملّك الفقراء لحصّتهم. و ما ورد من ان اللّه- تعالى- شرّك بين الأغنياء و الفقراء في أموالهم فليس إلّا مأخوذا عن الحكم التكليفيّ، لا انّه ملّك الفقراء أوّلا، ثمّ أمر الأغنياء بدفع ملكهم اليهم على حدّ التكليف باداء الأمانة، بل الظاهر العكس و استفادة التملّك من الأمر بالدفع» «1».

هذه هي الأنحاء التسعة المتصوّرة لتعلّق الزكاة.

[فروع مسلّمة عند أصحابنا]

و ليعلم انّ هنا فروعا مسلّمة عند أصحابنا لا تلائم بعض هذه الأنحاء، فلنسردها اجمالا، فنقول: لو وجبت الزكاة في الذمّة لتكرّرت في النصاب الواحد بتكرّر الحول، و وجب التحاصّ مع الغرماء اذا قصرت التركة عن الدين مع بقاء عين النصاب، و لم يجز للساعي تتبع العين لو باعها المالك، و لم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط. و هذه اللوازم باطلة اتفاقا، كما في المدارك، و عن المفاتيح و المصابيح

أيضا.

و يدلّ على تتبّع الساعي للعين صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك ابله أو شاته عامين فباعها. على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟

قال: نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع «2».

و يدلّ على السقوط بتلف النصاب مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يكون له ابل أو بقر أو غنم أو متاع فيحول عليها الحول فتموت الابل و البقر و الغنم و يحترق المتاع. قال: ليس عليه شي ء «3». و كذلك سائر الأخبار الدالّة على عدم ضمان المالك، فراجع الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة من الوسائل. فيستفاد من ذلك عدم كون الزكاة في الذمّة.

و كذلك يستفاد من السقوط بتلف النصاب بطلان القول بكونها من قبيل حق الرهانة أيضا، اذ المفروض فيه اشتغال الذمّة أيضا، كما مرّ. نعم، لا يترتب عليه اللوازم الاخر، اذ بتعلق الحقّ بالعين يخرج الملك عن التماميّة، و يقدّم حقّ الزكاة على حق الغرماء، و يجوز

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 467.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 132

..........

______________________________

للساعي تتبّع العين. فهذا ما يرد على احتمال الذمّة و على احتمال حقّ الرهانة.

و يرد على الاشاعة انّ مقتضاها عدم جواز الاداء من مال آخر، و لزوم كون التصرّف و التقسيم برضاية الطرفين، و لزوم الشركة في النماءات كالصوف و اللبن و النتاج و نحوها.

و اللوازم باطلة و لم يعهد من السعاة في وقت مطالبة النماءات، و ليس في صحيحة عبد

الرحمن أيضا اشعار بمطالبة الساعي بها.

و يرد على الكلّي في المعيّن انّ مقتضاه تعيّن الاداء من العين، و وقوع تلف البعض من المالك فقط كمن باع صاعا من صبرة و لا يلتزمون بهما في باب الزكاة.

و يرد على كونه من قبيل حقّ الغرماء ان تعلّقه بالمجموع لا الجميع بنحو التوزيع. و لذا يقع التلف على الورثة فقط و ليس باب الزكاة كذلك.

و يرد على كونه من قبيل منذور التصدّق به ان مقتضاه تعيّن الاداء من العين، كما في المنذور. و يردّ احتمال التكليف المحض ما دلّ على كونها بمنزلة الدين، يخرج من جميع المال كخبر عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه «ع» «1». و الظاهر افتاؤهم به.

و بالجملة فهنا فروع يلتزم بها الأصحاب، و يستفاد أكثرها من الروايات. و لا تلائم هذه الفروع ما ذكرناه من الأنحاء الستّة إلّا بتوجيه و تأويل. فيبقى احتمال الحكم التكليفيّ المحض، و كون التعلّق من قبيل حقّ الجناية أو ميراث الزوجة، فتدبّر.

و كيف كان فلنذكر بعض كلمات الأصحاب و الفقهاء في المسألة. ففي الخلاف (المسألة 28): «اذا حال على المال الحول فالزكاة تجب في عين المال. و لربّ المال أن يعيّن ذلك في أيّ جزء شاء. و له أن يعطي من غير ذلك أيضا مخيّر فيه ... و به قال الشافعي في الجديد و هو أصحّ القولين عند أصحابه. و به قال أبو حنيفة. و القول الثاني: تجب في ذمة ربّ المال و العين مرتهنة بما في الذمة، فكان جميع المال رهنا بما في الذمّة. دليلنا اجماع الفرقة ...» «2». ثمّ استدل ببعض الأخبار الظاهرة في كون النصاب ظرفا للفريضة.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 21 من أبواب المستحقّين

للزكاة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 1/ 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

و في المبسوط: «و الزكاة تجب في الأعيان التي تجب فيها الزكاة، لا في الذمّة، لما روي عنهم «ع»: الغنم اذا بلغت أربعين ففيها شاة ...، و لأنّه لا خلاف انّه لو تلف المال كلّه بعد الحول لم يلزمه شي ء. فدلّ على انّ الفرض يتعلّق بالأعيان، لا بالذمّة» «1».

و في الانتصار في مقام الردّ على وجوب الزكاة في مال التجارة قال: «و أيضا فانّ أصول الشريعة تقتضي انّ الزكاة انّما تجب في الأعيان، لا في الأثمان. و عروض التجارة عندهم انّما تجب في أثمانها، لا أعيانها و ذلك مخالف لأصول الشريعة» «2». فكأنه- قدّس سرّه- يرى المسألة من ضروريات الإسلام.

و في الشرائع في ذيل زكاة الأنعام: «و امّا اللواحق فهي ان الزكاة تجب في العين، لا في الذمّة» «3».

و في المنتهى: «الزكاة تجب في العين، لا في الذمة. ذهب اليه علماؤنا أجمع، سواء كان المال حيوانا، أو غلّة، أو اثمانا. و به قال أكثر أهل العلم. و للشافعي قولان. و عن احمد روايتان» «4».

و في التذكرة: «الزكاة تجب في العين، لا في الذمّة عند علمائنا. و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي في الجديد و أحمد في أظهر الروايتين ... و قال الشافعي في القديم: انّها تتعلّق بالذمم، و العين مرتهنة بذلك».

و فيها أيضا: «الزكاة تتعلّق بالعين عندنا و عند أبي حنيفة، إلّا ان أبا حنيفة قال:

لا يستحق بها جزء منها، و انّما تتعلّق بها كتعلّق الجناية بالعبد الجاني» «5».

و فيها أيضا: «قد بيّنا ان الزكاة متعلّق بالعين، لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل امكان الأداء، و لقوله: في أربعين شاة شاة.

و هل يصير أهل السهمين بقدر الزكاة شركاء

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 201.

(2)- الجوامع الفقهية/ 111.

(3)- الشرائع 1/ 148.

(4)- المنتهى 1/ 505.

(5)- التذكرة 1/ 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

لربّ المال؟ الأقرب المنع. و هو أحد قولي الشافعي، و إلّا لما جاز للمالك الاخراج عن غيره.

و يحتمل ضعيفا الشركة. و به قال مالك و الشافعي في الآخر ... فعلى عدم الشركة لا خلاف في انّ الزكاة متعلّق بالمال. فيحتمل تعلّق الدين بالرهن، اذ لو امتنع المالك من الأداء و لم يشتمل المال على الواجب باع الامام بعض النصاب فيه، كما يباع المرهون في الدين.

و تعلّق الأرش برقبة الجاني لأنّها تسقط بهلاك النصاب، كما يسقط الأرش بهلاك الجاني.

و الأخير مرويّ عن أبي حنيفة و احمد» «1».

و فيها أيضا: «الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة بالبيع و الهبة و أنواع التصرّفات. و ليس للساعي فسخ البيع و لا شي ء من ذلك، لأنّه مالك فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه. و تعلّق الزكاة به ليس بمانع، سواء قلنا الزكاة تجب في العين أولا، لأنّ تعلقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرّف في جزء من النصاب، فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية» «2».

و فيها أيضا: «لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصّته، لينتفى الضرر عن المالك بأخذ الجيّد و عن الفقراء بأخذ الرّديّ. و هو قول عامّة أهل العلم. و قال مالك و الشافعي اذا تعدّد الأنواع أخذ من الوسط. و الاولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء» «3».

و لا يخفى التهافت بين كلامه الأخير و ما قبله. اللهم إلّا ان لا يريد بالأخير كونهم شركاء حقيقة.

و في القواعد: «الزكاة تجب في

العين، لا الذمّة» «4».

و فيها أيضا: «و في تعلّق الزكاة بالعين احتمال الشركة، لأخذ الامام منها قهرا لو امتنع، و عدمها لجواز اخراج القيمة ...» «5».

و في الايضاح: «الزكاة تتعلّق بالعين باجماع الاماميّة، بمعنى ملك الفقير بالفعل، لقول النبي «ص»: في أربعين شاة شاة» «6».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 226.

(2)- التذكرة 1/ 224.

(3)- التذكرة 1/ 221.

(4)- القواعد 1/ 55.

(5)- القواعد 1/ 60.

(6)- الايضاح 1/ 207.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 135

..........

______________________________

و فيه أيضا في مبحث إجزاء بنت المخاض عن خمس شياة: «و يعضده اختيار الأصحاب، و هو تعلّق الزكاة بالعين تعلّق الشركة» «1».

و في مفتاح الكرامة: «مقتضى الأدلّة الدّالّة على وجوب الزكاة في العين و كلام القائلين بذلك ما عدا المصنّف في التذكرة في غاية الظهور في الشركة؛ بل لا يحتمل غيرها» «2».

و في زكاة الشيخ الأعظم: «الظاهر انّه لا خلاف بين الاماميّة في تعلّق الزكاة بالعين.

و صرّح في الايضاح باجماع الاماميّة على ذلك. و حكى دعوى الوفاق عن غير واحد» «3».

و في البيان: «السادسة: وجوب الزكاة في العين. و نقل ابن حمزة عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمّة. و الفائدة في تكرّرها بتكرّر الحول، و في سقوطها بتلف النصاب بغير تفريط بعد الحول» «4».

أقول: لم أجد ما ذكره في الوسيلة. نعم، فيها في مقام بيان زكاة مال التجارة: «و قال قوم من أصحابنا تجب في قيمته الزكاة» «5». و عدم ارتباطه بالمقام واضح. هذا.

و في الأمّ للشافعي (باب المال يحول عليه أحوال في يدي صاحبه): «اذا كانت لرجل خمس من الإبل فحال عليها أحوال و هي في يده لم يؤدّ زكاتها فعليه فيها زكاة عام واحد، لأنّ الزكاة في أعيانها» «6».

و فيه أيضا (باب رهن الماشية):

«و ان كان المرتهن باع الراهن على ان يرهنه هذه الماشية التي وجبت فيها الزكاة كان له فسخ البيع، لأنّه رهنه شيئا قد وجب لغيره بعضه، فكان كمن رهن شيئا له و شيئا ليس له» «7».

______________________________

(1)- الايضاح 1/ 177.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 111.

(3)- زكاة الشيخ/ 487.

(4)- البيان/ 186.

(5)- الجوامع الفقهية/ 679.

(6)- الامّ 2/ 45.

(7)- الامّ 2/ 21.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

أقول: عبارته الاولى صريحة في تعلّقها بالعين. و الثانية ظاهرة فيه. و قد مرّ من الخلاف و التذكرة ان قوله الآخر التعلّق بالذمّة مع كون العين مرتهنة بها. فليس هو قائلا بالذمّة المحضة و ان أوهم ذلك بعض النقول عنه.

و في الشرح الكبير لابن قدامة الحنبلي: «الزكاة تجب في عين المال اذا تمّ الحول، في احدى الروايتين عن احمد و أحد قولي الشافعي. و هذه الرواية هي الظاهرة عند أكثر الأصحاب ... و الرواية الثانية انّها تجب في الذمّة. و هو القول الثاني للشافعي، و اختيار الحزقي» «1».

و في المحلى لابن حزم (المسألة 664): «مسألة: و الزكاة واجبة في ذمّة صاحب المال، لا في عين المال» «2».

أقول: فليس في الخاصّة من يقول باشتغال الذمّة، و لكن العامة يختلفون في المسألة.

و استدل القائلون منهم بكونها في العين بالاخبار الّتي يستفاد منها كون النصاب ظرفا للفريضة، و القائلون بكونها في الذمّة بأنّها لو كانت في العين لم يجز اخراجها من غير النصاب، و لم يجز للمالك التصرّف في العين، و لتمكّن المستحقون من إلزام المالك بدفعها من العين، و لسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط كسقوط أرش الجناية.

هذه بعض الكلمات في المقام. و قد طال البحث في الانحاء المحتملة و نقل

الكلمات.

فلنرجع الى البحث عن أصل المسألة.

فنقول: قد يستدلّ على كون الزكاة في العين بالإجماع. و قد مرّ من الخلاف نسبته الى اجماع الفرقة، و من الانتصار الى اصول الشريعة، و من المنتهى الى علمائنا أجمع، و في التذكرة الى علمائنا، و ادّعى فيها عدم الخلاف أيضا، و في الايضاح اجماع الامامية، و في زكاة الشيخ عدم الخلاف بينهم، بل في الايضاح ان اختيار الأصحاب كون التعلّق بنحو الشركة.

و لكن ليعلم ان المسألة ليست من المسائل الأصليّة المأثورة حتى يكون الاجماع أو الشهرة

______________________________

(1)- ذيل المغني 2/ 463.

(2)- المحلى، ج 3، الجزء الخامس/ 262.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 137

[تعلق الزكاة على وجه الكلّي في المعيّن]

لكن لا على وجه الاشاعة (1)، بل على وجه الكلّي في المعيّن.

______________________________

فيها كاشفا عن تلقيها عن المعصومين «ع»، بل هي من المسائل التفريعية الاستنباطية. و لذا لم تذكر في الكتب المعدّة لنقل المسائل الأصليّة المأثورة كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و المراسم و نحوها. و لكن ذكرها الشيخ في خلافه، و كذا في مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي. و لا يفيد الاتفاق في الفتوى في هذا السنخ من المسائل شيئا، اذ الاجماع ليس عندنا حجّة بما هو اجماع و اتّفاق، بل بما هو كاشف عن فتوى الأئمة «ع» و تلقي المسألة منهم.

و في الشرائع أيضا ذكرها في اللواحق، لا في عداد المسائل الأصليّة.

فاثبات هذا العنوان، أعني كون الزكاة في العين بالإجماع مشكل. نعم، يمكن دعوى الاجماع على فروع فقهية ربّما أنتجب عند بعض كون الزكاة في العين. و لأحد منع انتاجها ذلك، فافهم.

(1) بعد ما عرفت الانحاء المحتملة في كيفية تعلّق الزكاة، و بعض العبارات و الكلمات في المسألة فاعلم ان المشهور بيننا كون

الزكاة في العين. و لعلّ المشهور كونها بنحو الشركة في الملك أيضا. و قد مرّ من الايضاح نسبتها الى اختيار الأصحاب، مشعرا باجماعهم على ذلك. و مر من مفتاح الكرامة ان مقتضى الأدلّة و كلام القائلين بكونها في العين ما عدا التذكرة الظهور في الشركة.

و لا يخفى ان مرادهم بالشركة في الملك كان هي الاشاعة، فانّ الكلّي في المعين أمر حدث أخيرا في المدرسة. و قد عرفت منّا المناقشة في خارجيّة الكلّي في المعيّن و ان وجّهناه بوجه، فراجع.

فعلى فرض تصوير الكلّي في المعيّن و خارجيّته يمكن أن يقال انّ بعض ما استدلّ به على الاشاعة ممّا يمكن تطبيقه على الكلّي في المعيّن أيضا.

[استدلّ به على الشركة بأمور]

و على أيّ حال فما استدلّ به على الشركة أمور:

الأول: خبر أبي المعزا، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: انّ اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم «1». و ظهوره في الشركة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 138

..........

______________________________

في الملكيّة، بل و كونها بنحو الاشاعة واضح. نعم، يمكن ان يطلق على صرف الحقّ أو التكليف المحض أيضا لفظ الشركة بنحو من العناية و لكنّه خلاف الظاهر.

الثاني: صحيحة بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه! انطلق ... ثمّ قل لهم:

يا عباد اللّه! أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم ... فاذا اتيت ماله فلا تدخله إلّا باذنه، فانّ أكثره له ... فاصدع المال صدعين، ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما

اختار فلا تعرّض له، ثمّ اصدع الباقي صدعين ثم خيّره، فايّهما اختار فلا تعرّض له، و لا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله ...». و نحو ذلك ما عن نهج البلاغة «1».

و ظهور قوله «فان أكثره له» في عدم كون الجميع له و كون الأقل لغيره واضح. و الأمر بصدع المصدّق للمال صدعين ظاهر في الاشاعة، اذ لو كان بنحو الكلّي في المعيّن كان تعيين الواجب باختيار المالك كمن باع صاعا من صبرة. و لا ينافي الاشاعة تخيير المالك في الاختيار، فانّه أمر اخلاقي اريد به الإرفاق بالمالكين.

و قد يجاب عن الاستدلال بالصحيحة بما في صدرها و ذيلها من التعبير بحق اللّه، بتقريب ان اضافة الحقّ اليه- تعالى- تدلّ على انّ الزكاة واجب مالي قد فرض اللّه أدائها. و لو كانت ملكا لأربابها لعبّر «ع» بأخذ حقّهم و بالوفاء لحقّهم. و يراد بحقّه- تعالى- المال الذي أوجب التصدّق به، لا المال الذي أخرجه عن ملك مالكه و أدخله في ملك نفسه.

أقول: كما يصحّ اطلاق حقّ اللّه على ما أوجب اللّه ايتاءه و التصدّق به يصحّ اطلاقه على ما جعله اللّه- تعالى- بتشريعه ملكا للفقراء، ثمّ أمر المالكين بايتائها. و كونه حقّا للفقراء لا ينافي اطلاق حقّ اللّه عليه أيضا من جهة ثبوته بجعله و تشريعه. و بالجملة فليس في لفظ:

«حق اللّه» ظهور ينقض الاستدلال. و حمل قوله: «فان أكثره له» على ارادة السلطنة التامّة، لا أصل الملكيّة خلاف الظاهر جدّا، لا يصار اليه إلّا بدليل.

الثالث: مرسلة علي بن أبي حمزة الثمالي، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام،

الحديث 1 و 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 139

..........

______________________________

الزكاة تجب عليّ في مواضع لا تمكنني ان أؤدّيها؟ قال: اعزلها. فان اتّجرت بها فانت لها ضامن و لها الربح. و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء. فان لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها «1».

و ظهور ذيل الحديث في الشركة في الملكيّة واضح، فانّ من آثار الشركة في العين كون النماء و الربح بين الشركاء بالنسبة. و لا ينافي ذلك كون المعاملة فضولية، لاحتمال امضاء الشارع الذي هو وليّ الجميع و الفقراء لذلك، كما ورد نظيره في الأخبار المستفيضة الواردة في التجارة بمال اليتيم و قد مرّت في أوائل الزكاة. و يحتمل ان يراد أيضا صورة اجازة الحاكم للمعاملة، فانّ له الردّ أيضا و أخذ الزكاة من نفس العين، كما يدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن الآتية. و لا يجوز له الاجازة إلّا مع الربح دون الوضيعة، لعدم الغبطة.

نعم، عمدة الاشكال ضعف الحديث بالارسال، و جهل بعض الرواة. فالاعتماد عليه مشكل. اللهم إلّا يقال ان نقل الكليني له مع تضمينه في ديباجة الكافي صحة ما ينقله لا يقلّ عن تصحيح النجاشي و غيره من علماء الرجال.

ثمّ انّ الحديث يلائم كلا من الاشاعة و الكلّي في المعيّن على فرض تصويره، فان الشركة في النماء و الربح من آثار الشركة في العين الخارجية مطلقا، كما لا يخفى.

الرابع: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزكّ ابله أو شاته عامين فباعها. على من اشتراها ان يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم، تؤخذ منه زكاتها و

يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع «2». بتقريب ان الزكاة لو لم تكن في العين لم تؤخذ من المشتري، بل كان المصدّق يرجع الى البائع ابتداء و يطالبه بالزكاة.

و أورد عليها بان قوله: «أو يؤدّي زكاتها البائع»، يفيد ان ما يؤدّيه البائع بنفسه زكاة، و انّه يوجب صحّة المعاملة على مقدار الزكاة، و هذا ينافي الشركة بقسميها، اذ مقتضى الشركة وقوع المعاملة بالنسبة الى مقدار الزكاة فضوليّة. فلعلّ التعلّق كان بنحو الحقّ،

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 140

..........

______________________________

و يسقط قهرا باداء الزكاة من الخارج.

أقول: ما قيل أو يمكن أن يقال في الصحيحة أمور:

الأول: ان البائع بعد اداء الزكاة من الخارج يصير مالكا لمقدار الزكاة. فيصير ممّن باع ثمّ ملك. و قد مرّ من الايضاح صحة المعاملة قهرا و عدم الاحتياج الى اجازة لا حقة، لأنّ العقد وقع منه برضاه فاذا لحقه الملكيّة تمّ بأركانه و شرائطه.

الثاني: ان يقال انّ محط نظر السائل هو حكم زكاة هذا المال، و جواب الامام أيضا ناظر الى ذلك. و امّا حكم المعاملة الواقعة من جهة الصحّة قهرا أو الاحتياج الى اجازة لا حقة فمسكوت عنه. فلعلّها تحتاج الى اجازة البائع بعد ما ملك مقدار الزكاة، كما هو الأقوى في مسألة من باع ثمّ ملك، كما مرّ.

الثالث: ان أخذ الزكاة من البائع من مال آخر كأنّه اجازة للمعاملة الواقعة على مقدار الزكاة. و بالجملة فالأخذ من المشتري ردّ للمعاملة، و الأخذ من البائع اجازة لها.

لا يقال: مقتضى الاجازة الأخذ من الثمن لا من مال آخر.

فانه يقال: لعلّه

أخذ بدلا من الثمن برضاهما، فتأمّل. اذ الآخذ للزكاة لا يتعيّن ان يكون هو الامام أو نائبه. و كون الفقير الخاص وليّا في اجازة المعاملة الواقعة على ملك عنوان الفقراء محلّ منع.

الرابع: ان يكون التعلّق بنحو الحقّ. فاذا سقط باداء البائع للزكاة تصحّ المعاملة قهرا.

كما اذا باع العين المرهونة، ثمّ فكّ الرهن. حيث لا يحتاج في مثله الى اجازة لا حقة.

فالمحتملات أربعة. و على الثلاثة. الأول تثبت الملكيّة. و على الأخير يثبت الحقّ فقط. و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. فالاستدلال بالحديث للشركة بلا وجه.

الخامس: صحيحة ابن مسكان و غير واحد جميعا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ان اللّه- عزّ و جلّ- جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم. و لو لا ذلك لزادهم. و انّما يؤتون من منع من منعهم «1». بتقريب انّ «اللام» للتمليك، و «في» للظرفية. فيكون الجعل جعلا للملكيّة،

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

و الزكاة ملكا للفقراء، و ظرف الملك أموال الأغنياء، فتكون بالشركة، إمّا بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعيّن.

و يمكن أن يورد على ذلك بانّ اللام لمطلق الاختصاص، فيشمل الحقّ و مطلق النفع.

و الظرفية أعمّ من ظرف الملك و موضوع الحقّ و موضوع الحكم التكليفي، حيث انّ الموضوع ظرف للحكم، و الجعل أعمّ من الوضعيّ و التكليفيّ. و مع الاحتمال لا يصحّ الاستدلال، مضافا الى ما ورد في الروايات المستفيضة من: «ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم»، و «ان اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به»، و «ان اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا

يحمدون إلّا بادائها و هي الزكاة» «1»، و الفرض تكليف لا يتعلّق بالعين، بل بالعمل و هو الأداء. فهذه الروايات و أمثالها قرينة على كون الجعل في الحديث المذكور أيضا بنحو التكليف، فلا يستفاد منه الملكيّة و لا الحقّ.

السادس: ظواهر النصوص الكثيرة المشتملة على لفظة «في»، الظاهرة في ظرفيّة النصاب لنفس الواجب كقوله في الغلات: «ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالى و النواضح ففيه نصف العشر. و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر»، و في الذهب: «في كلّ عشرين دينارا نصف دينار»، و في الفضّة: «في كلّ مأتين خمسة دراهم»، و في الشاة:

«في كلّ أربعين شاة شاة» «2» الى غير ذلك من الاخبار. فيستفاد منها انّ الزكاة كائنة في عين النصاب، إمّا بنحو الاشاعة، أو بنحو الكلّي في المعيّن و ان كان ظهور لفظ العشر و نصف العشر في الاشاعة أقوى، كما انّ ظهور لفظ الشاة في الشاة الكاملة، أعني الكلّي في المعيّن أقوى.

و اجيب عن ذلك أوّلا، باحتمال كون كلمة «في» للسببيّة، لا الظرفيّة، كما في قوله:

«انّ امرأة دخلت النار في هرّة حبستها ...» «3»، و قولهم: «في القتل خطأ الدية، و في العين نصف الدية».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2 و 3 و 10.

(2)- الوسائل، ج 6، ص 120، 93، 97 و 78.

(3)- مسند احمد، ج 2/ 507.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

و يؤيّد ذلك عدم تعقّل الظرفية الحقيقيّة في مثل قوله: «في خمس من الابل شاة».

و حمله على ارادة الحصّة المشاعة في المجموع المساوية لقيمة شاة يوجب كون الشاة بدلا عن الفريضة لا نفسها و هو خلاف الظاهر.

و

ثانيا، بانه يظهر من كثير من النصوص كون الظرف لغوا، و كون كلمة: «في» متعلّقة بفعل ظاهر أو مقدّر مثل يجب أو فرض أو نحو ذلك. فيكون مدخولها ظرفا لذلك الفعل، لا مستقرّا متعلّقا بكائن، كما قد يتوهّم في بادئ النظر حتى يكون مدخول: «في» ظرفا لنفس الواجب.

ففي صحيح زرارة: «جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كلّ شي ء انبتت الأرض إلّا ما كان ...» «1».

و في صحيحة الفضلاء: «فرض اللّه- عزّ و جلّ- الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه «ص» في تسعة أشياء» «2».

و فيها أيضا: «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه. فاذا حال عليه الحول وجب عليه» «3».

و في خبر ابن الطيار، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عمّا تجب فيه الزكاة، فقال: في تسعة أشياء» «4».

و في خبر اسحاق بن عمّار: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السخل متى تجب فيه الصدقة؟

قال: اذا اجذع» «5».

و في خبر المفضّل: «قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» فسأله رجل في كم تجب الزكاة من المال؟ فقال له: ... ففي كلّ ألف خمسة و عشرون درهما» «6».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 143

..........

______________________________

و

في خبر زرارة: «ليس في النّيف شي ء حتّى يبلغ ما يجب فيه واحد» «1».

و في خبر الحسين بن يسار «قال: سألت أبا الحسن «ع» في كم وضع رسول اللّه «ص» الزكاة؟ فقال: في كلّ مأتي درهم خمسة دراهم» «2». الى غير ذلك ممّا ذكر فيه متعلّق الظرف من أفعال الجعل و الوضع و الوجوب و الفرض، بل لعلّ قوله: «في القتل خطأ الدية»، أيضا من هذا القبيل، اذ حمل: «في» على السببيّة خلاف الظاهر.

و ممّا يشهد لعدم كون المراد الظرفيّة لنفس الزكاة ما في كثير من النصوص من الجمع بين: «على» و «في»، كما مرّ في صحيحة الفضلاء من قوله: «فلا شي ء عليه فيه»، و كما في موثقة سماعة في الدين من قوله: «ليس عليه فيه زكاة حتّى يقبضه. فاذا قبضه فعليه الزكاة» «3». اذ مع كون الزكاة في نفس المال لا معنى ظاهر لقوله: «عليه». و كذا ما في كثير من النصوص من التعبير بحرف الاستعلاء بدل الظرفية، كما في رواية ابن شاذان:

«و الزكاة على تسعة أشياء»، و في رواية الحضرمي: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء» «4»، و في صحيح الفضلاء: «انّما الصدقات على السائمة الراعية» «5». الى غير ذلك. حيث انّ الظاهر من النصوص الأخيرة كون الزكاة شيئا موضوعا على المال خارجا عنه كالضرائب المتعارف جعلها على الأملاك في هذه الأزمنة. حيث لا يريدون جعل جزء من الملك ملكا للحكومة.

و يؤيد ذلك بعض النصوص المشتملة على التعبيرين معا، كما في صحيح زرارة:

«ليس على ما يعلف شي ء، انّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل. فامّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء» «6».

و بالجملة فالجمع بين النصوص

يقتضي حمل الظرفيّة على كونها «لغوا» متعلّقا بالأفعال

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2 و 5.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 144

..........

______________________________

المذكورة، ظاهرة أو مقدّرة. فلا يستفاد منها إلّا الحكم التكليفي بوجوب الأداء أو مرتبة من الحقّ فقط.

هذا بعض ما قيل في بيان الظرفيّة في المقام.

أقول: الاستدلال بالظرفية المذكورة لكون الزكاة في العين، لا في الذمّة مذكور في الخلاف، كما أشرنا اليه. و كذا في كلمات كثير من أصحابنا، و كثير من فقهاء السنة.

فينبغي البحث عنها من وجهين:

الأول: لا يخفى انّ لفظة «في» للظرفية مطلقا، سواء أريد بها ظرفيّة النصاب حقيقة للفريضة فكان ظرفا مستقرّا لها، أو اريد بها السببيّة، أو جعلت ظرفا لغوا. اذ على الثاني أيضا يعتبر السبب ظرفا للمسبّب، لتولده منه. و على الثالث يعتبر الموضوع ظرفا للحكم أو الحقّ، كما هو واضح.

و الظاهر انّه في كلّ من المحتملات الثلاثة يحتمل كلّ من الملك، و الحقّ، و الحكم التكليفيّ.

اذ مفاد الأوّل كما في المستمسك: «انّ الزكاة شاة كائنة في النصاب» «1». و هذا أعمّ من ان تكون الشاة الكائنة في النصاب ملكا لأرباب الزكاة، أو حقا لهم، أو ممّا يجب أداؤه إليهم.

و على الاحتمال الثاني يكون النصاب سببا امّا لملكية الفريضة

للفقراء، أو لحقيّتها، أو لوجوبها التكليفيّ المحض.

و على الثالث، يجب أداء الفريضة، إمّا لكونها ملكا لأرباب الزكاة، أو لكونها حقّا لهم، أو تكون تكليفا محضا.

و بالجملة الظرفية على المحتملات الثلاثة أعمّ من الملكيّة و الحقيّة و التكليف المحض.

نعم، مقتضى الظرفيّة مطلقا كون الزكاة في العين، لا الذمّة. و الظاهر انّ نظر الشيخ في الخلاف و كذا علماء الفريقين في الاستدلال بالظرفيّة أيضا ليس إلّا نفي الذمّة الّتي قال بها

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 178.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 145

..........

______________________________

بعض. و امّا كونها في العين بنحو الملكيّة فلعلّه لم يكن محطّ نظر المستدلّين، فتدبّر.

الوجه الثاني: على فرض كون الظرف مستقرّا و دلالتها على الملكيّة فهل تحمل على الاشاعة أو الكلّي في المعيّن؟ ظاهر العشر و نصف العشر الاشاعة. و ظاهر الشاة في قوله:

«في أربعين شاة شاة»، الكلّي في المعيّن. اذ الظاهر منها شاة واحدة، لا أربعون جزء من أربعين شاة. و كذلك الدراهم في قوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم».

و لكن يرد عليه ما مرّ في زكاة الأنعام من اطلاق الفريضة، و عدم تقيّدها بالنصاب، اذ الفريضة يجب أن تكون ثنية أو جذعة، و لعلّ النصاب لا يشتمل عليهما. و كذلك في قوله:

«في ست و عشرين من الابل بنت مخاض»، لعلّ النصاب لا يشتمل على بنت المخاض.

و المصنف أيضا اختار جواز الأداء من غير النصاب. و ظاهره كونه نفس الفريضة، لا بدلا عنها. فعلى هذا لا يلائم هذه الجملات الكلّي في المعيّن.

و امّا قوله: «في خمس من الابل شاة» فلا يلائم الكلّي، و لا الاشاعة أصلا. و صاحب الجواهر حمل هذه الجملات على الاشاعة، بتقريب انّ الزكاة حصّة مشاعة من العين، سارية فيها، قدّرها الشارع بالفريضة

المعيّنة. و لا يخفى كونه مخالفا للظاهر لا يصار اليه إلّا بدليل يحوجنا اليه.

ثمّ انّ ظهور لفظ العشر و نصف العشر في الاشاعة لعلّه أقوى من ظهور الشاة أو الدرهم في الكلّي، اذ حملهما على الاشاعة أيضا ممكن. و لعلّ العرف يساعد عليه. و قد مرّ انّ لفظ الإشراك في خبر أبي المعزا أيضا في الاشاعة أظهر، بل قد عرفت انّ الشركة في العين كانت عند الأصحاب منحصرة في الاشاعة، و الكلّي في المعيّن أمر حدث في المدرسة، و قد ناقشنا في أصل خارجيّته، فراجع.

هذا، مضافا الى انّ مقتضى الكلّي في المعيّن وقوع تلف بعض النصاب على المالك فقط و ان كان بغير تفريط، و يشكل التزام المصنّف و أمثاله به، بل مرّ من المصنّف في المسألة العاشرة من زكاة الأنعام عدم ضمان المالك اذا تلف البعض و كون التلف عليهما، فراجع.

فالى هنا تكون الاشاعة أظهر من الكلّي في المعيّن. فلا نرى وجها لترجيح المصنّف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 146

..........

______________________________

إيّاه. و التفصيل بين الموارد و القول بالاشاعة في الغلات و الكلّي في المعيّن في الأنعام واضح البطلان بعد ظهور اخبار التسعة في كونها على وزان واحد، فراجع الاخبار المتعرضة لوضع رسول اللّه «ص» الزكاة في التسعة «1».

السابع: ممّا يستدلّ به على الملكيّة و الشركة في العين خبر الوشاء، عن أبي الحسن الرضا «ع» قال: قيل لأبي عبد اللّه «ع»: لأيّ شي ء جعل اللّه الزكاة خمسة و عشرين في كلّ ألف و لم يجعلها ثلاثين؟ فقال: ان اللّه- عزّ و جلّ- جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفى به الفقراء. و لو اخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد «2».

و

مورد الاستدلال أمران: الأول: قوله: «اخرج من أموال الأغنياء ...»، اذ الظاهر منه ان اللّه- تعالى- بتشريعه الزكاة اخرج مقدارها من ملك الاغنياء و ملّكها للفقراء.

و الحاصل ان الاخراج ليس خارجيّا، بل تشريعيّا، و يراد به الاخراج من الملكيّة.

الثاني: قوله: «و لو اخرج الناس زكاة أموالهم»، اذ يستفاد منه انّ الزكاة بوصف الزكاتية داخلة في أموال الناس، فتخرج منها اخراج المظروف من الظرف. و هذا يناسب الملكيّة، اذ على التكليف المحض يصير المال بالأداء زكاة فلا يناسب التعبير بالاخراج.

و بهذا يعلم امكان الاستدلال بجميع روايات الاخراج و العزل، فراجع الباب 52 و 53 من أبواب المستحقين للزكاة من الوسائل. فقوله «ع» في رواية يونس بن يعقوب مثلا: «اذا حال الحول فاخرجها من مالك» ظاهر جدّا في كون الزكاة غير ماله داخلة فيه فامر باخراجها منه، فتأمّل.

و لو منع دلالة امثال ذلك على الملكيّة فدلالتها على كون الزكاة في العين و عدم كونها في الذمّة واضحة غير قابلة للإنكار.

و قد تلخّص ممّا ذكرنا انّ ظاهر بعض الاخبار تحقّق الملكيّة بنحو الاشاعة، فيفسّر به جميع اخبار الباب الساكتة عن كيفيّة التعلّق.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 147

[يرد على القول بالملكيّة أمور]

______________________________

نعم، يرد على القول بالملكيّة أمور بعضها سهل الجواب، و بعضها ممّا يعسر الجواب عنه. و بعض هذه الأمور يرد على القول بالحقّ أيضا:

الأوّل: قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»، حيث يظهر منه انّ المأخوذ ليس مالا للفقير، بل من أموال المأخوذ منه.

الثاني: تسمية الزكاة في هذه الآية و سائر الآيات و الروايات صدقة، فانّ الصدقة

قبل الأداء ملك للمتصدّق يؤدّيها قربة الى اللّه- تعالى- و بالاعطاء تصير ملكا للمتصدّق عليه.

الثالث: عدم تصوير الملكيّة في الزكوات المستحبة مع وحدة سياق الروايات المتعرضة للزكوات الواجبة و المستحبة و ظهور الجميع في تعلّقها بالعين، بل اشتمال بعضها على كليهما، كالروايات المتعرضة لثبوت الزكاة في الغلات بأجمعها من الأربعة و غيرها، فراجع. و الجامع بين الجميع مطلوبيّة اعطائها للمصارف الثمانية، فلا ملك و لا حقّ قبل الاعطاء.

الرابع: اتفاقهم على اشتراط القربة في الزكاة و كذا الخمس، و عدم وقوع المدفوع زكاة اذا لم يقصد القربة. و لو كان ملكا أو حقّا للمصرف لم يعقل بقاؤه مع أدائه و وصوله الى مصرفه.

الخامس: ظهور النصّ و الفتوى في جواز اخراج الزكاة من غير النصاب، و كونه زكاة لا بدلا منها، بل الفريضة في بعضها من غير جنس النصاب كالشاة من الابل. و قد مرّ في صحيحة عبد الرحمن قوله: «أو يؤدّي زكاتها البائع» «1». فسمّى ما أداه البائع من غير العين زكاة.

و في صحيحة منصور بن حازم الواردة في زكاة القرض: «ان كان الذي أقرضه يؤدّى زكاته فلا زكاة عليه» «2».

و في صحيحتي الحلبي و ابن سنان انّ الباقر «ع» باع أرضه و اشترط على المشتري ان يزكّي الثمن «3».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 148

..........

______________________________

و في اخبار كثيرة جواز تعجيل الزكاة بان يؤدّي المال قرضا ثمّ يحتسب زكاة. و في بعض الاخبار جواز دفع القيمة. و

ظاهرها كونها بنفسها زكاة، لا وقوع معاملة في البين.

و بالجملة فجميع هذه و أمثالها تدلّ على عدم الملكيّة، و عدم كون الزكاة متمحّضة في العين.

السادس: انّ مقتضى الاشاعة كون التقسيم برضا الطرفين، و كون المعاملة على العين قبل اداء الزكاة فضوليّة، و على فرض اجازة الحاكم وقوع مقدارها من الثمن زكاة. و هذا خلاف صحيحة عبد الرحمن السابقة الحاكمة بكفاية أداء البائع للزكاة.

السابع: انّ الشركة تقتضي تبعيّة النماء للعين، بل و ضمان المالك له مع التأخير و ان لم يستوفه. مع انّ ظاهر النصّ و الفتوى و السيرة العملية في جميع الأعصار خلافه. فمورد السؤال في صحيحة عبد الرحمن رجل لم يزك ابله أو شاته عامين. و الابل و الشاة لا تخلو ان من الولد و الصوف و اللبن. و لم يتعرّض الحديث لضمانها. و في بعض الأخبار جواز تأخير الزكاة شهرين أو أكثر من غير تعرض لنمائها «1». و لم ينقل مطالبة السعاة لنماء الأنعام مع اختلافها في حلول الحول، و كون وصول السعاة الى محالّها بتقديم و تأخير، كما لا يخفى. و قد افتى الفقهاء بانّه لو مضى على النصاب أحوال متعدّدة لم يلزمه إلّا زكاة واحدة و لم يتعرّضوا لحكم النماء أصلا. فهذه أمور سبعة نوقشت بها الاشاعة.

و لكن يمكن ان يجاب عن الأوّل: بان اطلاق أموالهم باعتبار كونها سابقا لهم أو باعتبار كون الأكثر لهم و الأقلّ شايعا ساريا فيه.

و عن الثاني: بانّه يكفى في اطلاق الصدقة على مقدار الزكاة سبق ملكه له، و كونه في اختياره و وجوب أدائه في سبيل اللّه قربة اليه.

و عن الثالث: بمنع اقتضاء السياق الشركة في جميع الخصوصيات، بل يكفي فيه اشتراكها في المطلوبية و

كونها صدقة في سبيل اللّه و اتّحادها في المصرف.

و عن الرابع: بانّ مقتضى الاشاعة كون التقسيم و تعيّن المؤدّى زكاة برضا الطرفين، أو

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 149

..........

______________________________

باجازة الشارع الذي هو وليّ المصارف. و بالإجماع على اشتراط القربة يستكشف لزومها و عدم تعيّن المؤدّى لكونه زكاة و سهما للمصارف الثمانية إلّا مع القربة. و بعبارة اخرى:

الشارع و ان اجاز للمالك التقسيم و التعيين و لكنّه قيد الاجازة بما اذا كان التعيين و الافراز بقصد القربة، فتأمّل. اذ لو فرض اداء جميع المال أيضا لا يكفي بدون القربة.

و عن الخامس: بانّه لا مانع من ثبوت الاشاعة مطلقا، و لكنّ الشارع قدّر الحصّة المشاعة في البعض بما جعله فريضة او اجاز الأداء من الخارج، تسهيلا للمالكين. و هو ولّى المصارف الثمانية. و الزكاة اسم لكلّ ما يؤدّى بهذا العنوان قربة الى اللّه- تعالى- سواء كان من العين أو من الخارج.

و عن السادس: بانّ الشارع و كلّ الملّاك في التقسيم و الافراز، كما أجاز لهم الاداء من الخارج. و نسلّم كون المعاملة قبل اداء الزكاة فضوليّة. و قد مرّ ان المحتملات في صحيحة عبد الرحمن أربعة: منها صيرورة المعاملة بعد اداء البائع للزكاة صحيحة قهرا، بناء على عدم الاحتياج الى الاجازة اللاحقة في من باع ثمّ ملك. و منها انّ محطّ النظر في الصحيحة سؤالا و جوابا مسألة الزكاة. فهي ساكتة عن حكم صحة المعاملة. فلعلّها لا تصحّ إلّا مع الاجازة اللاحقة من البائع.

و عن السابع: بأنّ عدم تعرّض النصوص المشار اليها لحكم النماء لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة لا تدلّ على عدم تبعيّة

النماء، بل المستفاد من رواية أبي حمزة الحاكمة بثبوت قسطها من الربح لها تبعية النماء أيضا. و عدم مطالبة السعاة للنماء لعلّه كان للإرفاق أو لحسابه في قبال مصارف الرعى و الحفظ و نحو ذلك و هو أمر عرفي.

تتمة للبحث

قد عرفت انّ الانحاء المحتملة في كيفيّة تعلّق الزكاة تسعة: 1- التكليف المحض. 2- الذمّة محضا. 3- الاشاعة. 4- الكلّي في المعيّن. 5- انه من قبيل حقّ الرهانة. 6- من قبيل حقّ الجناية في العبد الجاني خطأ. 7- من قبيل حقّ غرماء الميّت. 8- من قبيل ميراث الزوجة من الأبنية. 9- من قبيل منذور التصدّق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 150

..........

______________________________

و ادعى عدة منّا الاجماع على انّ الزكاة تتعلّق بالعين. و به قال أكثر فقهاء السنة أيضا.

و قال بعضهم انّها في الذمة. و لكن المسالة ليست من المسائل الأصليّة المأثورة، بل من المسائل التفريعية، فلا يفيد فيها الاجماع. و مقتضى ثبوتها في الذمّة عدم سقوطها بتلف العين بلا تفريط و هو خلاف الأخبار و الفتاوى. فبطل احتمال الذمّة محضا و الذمّة مع كون العين رهنا لها. و الكلّي في المعيّن مع الاشكال في خارجيّته و مع عدم احتماله في مثل قوله: «في خمس من الابل شاة» يقتضي تعيّن كون الفريضة من العين و كون تلف البعض من المالك فقط. و لا يلتزم بذلك المصنّف أيضا. كما ان مقتضى كونه من قبيل حقّ الغرماء أيضا وقوع التلف من المالك فقط. و كونه من قبيل منذور التصدّق يقتضي تعيّن الأداء من العين و لا نقول به.

و قد سردنا سبعة أدلّة للدلالة على الملكيّة. و الظاهر من أكثرها الاشاعة. و سردنا سبعة وجوه لنقض ذلك، لكن وجّهناها.

فالأحوط ان لم

يكن أقوى ترتيب آثار الاشاعة من عدم جواز التصرّف ما لم يخرج الزكاة، و كون المعاملة عليها فضوليّة، و شركتهما في النماء.

نعم، يستقلّ المالك بالتقسيم. كما انّه يجوز له الدفع من الخارج لما ثبت بالدليل.

و الى هذا أيضا يرجع ما تراه من كثير من المعلّقين على العروة، حيث قالوا بالشركة في الماليّة، كما في أرث الزوجة من الاشجار و الأبنية، فانّ الحقّ فيه أيضا انّ الزوجة شريكة في التركة، كما يقتضيه عموم الآية. و لذا لا يجوز التصرّف فيها قبل اداء حقّها إلّا باذنها. إلّا انّ الشارع اجاز للورثة اداء القيمة ارفاقا بهم من جهة احتمال مزاوجتها للأجنبي و الإتيان به في حيطانهم.

و القوم قالوا انّها لا ترث من ذات الابنية، بل من ماليتها. و بعبارة اخرى: ترث منها بما انّها تسوّى كذا درهما مثلا. فيجزى دفع العين و القيمة لصدق دفع المالية في كليهما.

و فيه انّ الماليّة وصف اعتباريّ لهذا الشي ء قائمة به، و لا يمكن اداء الصفة إلّا باداء الموصوف، فاداء القيمة ليس اداء لمالية هذا الشي ء، بل اداء لما يسوّى ماليّته.

و الحاصل ان ما ترثه الزوجة ليس هو الماليّة المطلقة، بل ماليّة هذا الشي ء، و هي قائمة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 151

[على الإشاعة لو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب]

و حينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ (1) اذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده. بخلاف ما اذا باع الكلّ، فانّه بالنسبة الى مقدار

______________________________

به. فما يؤدّى من الخارج بدل عنها، لا عينها.

فالحق ما ذكرناه من شركتها في العين مع اختيار الورثة في اداء العين و القيمة، كما في باب الزكاة على ما قوّيناه. و تلف البعض بلا تفريط يقع على الطرفين، كما في المقام أيضا.

و لعلّ

القوم أيضا لا يريدون إلّا هذا، فسمّوه بحسب الصناعة شركة في الماليّة. و نحن لا نقيد أنفسنا بالأسامي، بل نوضح المراد، فسمّه ما شئت.

و لو تنزّلنا عن ذلك فالظاهر انّ التعلّق من قبيل حقّ الجناية في العبد الجاني خطأ، حيث يكون الملك باقيا بملك المالك و لكن ورثة المقتول يستحقون ان يملكوا العين أو القيمة.

و لا يمنع هذا الحقّ من التصرّفات الناقلة، اذ الحق لم يتعلّق بالعين بما هو ملك لهذا المالك، كما في حقّ الرهانة، بل بما هو جان لهذه الجناية، فيجوز انتقاله الى الغير، و الحقّ قائم به اينما وجد. نعم، للمشتري الخيار مع الجهل.

و امّا اذا منعنا الملك و الحقّ معا و قلنا بكون التعلّق بنحو التكليف المحض بالأداء من دون أن يستعقب الوضع فلازمه عدم جواز أخذ الساعي من الممتنع قهرا عليه. نعم، يجوز للحاكم الشرعي إلزامه على الأداء حسبة، كما في جميع الواجبات و المحرمات. و مقتضى صحيحة عبد الرحمن السابقة جواز الأخذ من المشتري قهرا، فالظاهر ثبوت نحو من الحقّ، فتدبّر.

(1) و امّا على الاشاعة فيكون فضوليّا. ثمّ انّ صحّة بيع البعض كما تترتّب على الكلّي في المعيّن تترتّب على كونه بنحو حقّ الجناية أيضا، بل عليه يصحّ بيع الكلّ أيضا، اذ الحق تعلّق بالعين بذاتها، لا بما انّها ملك لهذا الشخص. فالحقّ يدور معها أينما دارت. بل على فرض كونه بنحو حقّ الرهانة أيضا يمكن القول بصحّة بيع الزائد على مقدار الزكاة، اذ لا دليل على كون جميع المال رهنا لما في الذمّة. و المتعارف كون الرهن بمقدار الدين.

ثمّ انّه على فرض كونه متعلّقا بجميع المال فلا يجوز بيع البعض و لو مشاعا. و امّا على الاشاعة فيجوز

ذلك، كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 152

الزكاة يكون فضوليّا محتاجا الى اجازة الحاكم (1) على ما مرّ.

و لا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط (2).

______________________________

(1) فان اجاز صارت حصّة من الثمن زكاة. و امّا بناء على كونه بنحو حقّ الرهانة فالاجازة توجب فكّ العين و بقاء الزكاة في الذمّة فقط. و امّا بناء على كونه بنحو حقّ الجناية فلا يحتاج الى الاجازة، بل المعاملة وقعت صحيحة فان ادّى المالك الزكاة فهي، و إلّا أخذت من العين أينما وجدت، و للمشتري خيار الفسخ مع الجهل بذلك.

(2) اذ لا دليل على كفاية العزم أو التعهّد من المالك في فكّ العين، بل يجب الأداء أو العزل. و كون اختيار الافراز بيد المالك شرعا و جواز الأداء من غير العين أيضا لا يدلّ على كفاية العزم و التعهّد منه. اللهم إلّا ان يستدل لذلك بذيل موثقة يونس بن يعقوب الدالّة على كفاية العزل، حيث قال: قلت: فان أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال: نعم، لا يضرّك «1». حيث يستفاد منها كفاية الضبط و التضمين في جواز التصرّف في المال، فراجع. و لو أدّاها بعد البيع من مال آخر فالأحوط اجازته للمعاملة السابقة، لأنّه يصير من قبيل من باع شيئا ثمّ ملكه. و الأقوى فيه الاحتياج الى الاجازة اللاحقة. و صحيحة عبد الرحمن لا يستفاد منها صحة البيع بصرف أداء الزكاة، اذ محطّ النظر فيها سؤالا و جوابا هو الزكاة. فهي ساكتة عن حكم البيع الواقع. نعم، لو منعنا الملكية و قلنا بكون التعلّق بنحو الحقّ فاداء الزكاة يوجب فك الملك، فيصير البيع صحيحا بلا احتياج الى الاجازة.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6،

الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 153

حكم خرص الثمر و الزرع

[يجوز للساعي خرص ثمر النخل و الكرم]

[مسألة 32]: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم (1).

______________________________

(1) بلا خلاف أجده بيننا، بل في الخلاف و المعتبر و غيرهما الاجماع عليه. كذا في الجواهر.

أقول: هل يجوز من قبل الساعي خرص غلّات الناس، أو انّه تصرّف في مال الغير و لعلّهم لا يريدون أن يطلع على أموالهم أحد، و أمر الزكاة محوّل الى أنفسهم؟

ثم هل يكون الخرص لتخويف العمّال و الأكرة فقط، لئلّا يسرقوا من الثمرة أو يلزمه حكم شرعا؟

و على الثاني فهل يكون امارة على الوزن و الكيل فقط ما لم ينكشف الخلاف، أو يكون معاملة شرعية لازمة الوفاء، انكشف الخلاف أم لا؟

ثمّ هل يختصّ بالثمرة أو يجري في الزرع أيضا؟

فهذه أمّهات جهات البحث في المسألة.

قال في الخلاف (المسألة 72): «يجوز الخرص على أرباب الغلات و تضمينهم حصّة المساكين.

و به قال الشافعي و عطا و الزهري و مالك و أبو ثور، و ذكروا انّه اجماع الصحابة. و قال الثوري و أبو حنيفة لا يجوز الخرص في الشرع، و هو من الرجم بالغيب، و تخمين لا يسوغ العمل به، و لا تضمين الزكاة ... دليلنا اجماع الفرقة، و فعل النبيّ «ص» بأهل خيبر. و كان يبعث

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 154

..........

______________________________

في كل سنة عبد اللّه بن رواحة حتّى يخرص عليهم. و روت عائشة، قالت: كان رسول اللّه «ص» يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصا الى خيبر. فاخبرت عن دوام فعله. و روى الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن غياث انّ النبيّ «ص» قال في الكرم يخرص كما يخرص النخل، ثمّ تؤدّي زكاته زبيبا كما

تؤدّي زكاة النخل تمرا». «1»

فاطلاق كلام الشيخ و الاجماع الذي أدّعاه يشملان الزرع أيضا. كما انّ الظاهر ادّعاء الاجماع على التضمين أيضا، و ظاهره المعاملة لا صرف كونه امارة متّبعة ما لم ينكشف الخلاف.

و في الخلاف المطبوع، و كذا المعتبر لفظ: «غياث»، و الظاهر انّه غلط و الصحيح:

«عتّاب» بالعين المهملة و التاء المثنّاة من فوق المشدّدة و الباء الموحّدة.

ففي سنن أبي داود (باب خرص العنب) باسناده عن عتاب بن اسيد، قال: امر رسول اللّه «ص» ان يخرص العنب كما يخرص النخل، و تؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا.

و امّا حديث خرص عبد اللّه بن رواحة لنخل خيبر فهو و ان دلّ على جواز الخرص اجمالا و لكنّ الظاهر انّ خرص خيبر كان لتشخيص سهم رسول اللّه «ص»: عن سهم اليهود، حيث خارجهم «ص» على النصف، و امّا كونه لأخذ الزكاة فلا يستفاد منه.

و في المعتبر: «يجوز الخرص على أرباب النخيل و الكروم و تضمينهم حصّة الفقراء. و به قال الشافعي و مالك و احمد. و قال أبو حنيفة: لا يجوز الخرص، لأنّه تخمين و خرص لا يجوز العمل به. و من أصحابه من أنكره عنه، و زعم انّه يجوّز، لكن لا يلزم. لنا ما روي انّ النبي «ص» بعث عبد اللّه بن رواحة يخرص على يهود نخلهم حين يطيب الثمار، و ما رواه غياث بن اسيد (عتّاب بن اسيد) انّ النّبيّ «ص» كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم. و ما احتجّوا به ضعيف، لأنّه تخمين مشروع، فكان كقيم المتلفات» «2».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 294.

(2)- المعتبر/ 268.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

و في التذكرة: «يجوز الخرص على أرباب الغلات و

الثمار بان يبعث الإمام ساعيا اذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحبّ ليخرصها و يعرف قدر الزكاة و يعرّف المالك ذلك. و به قال الحسن و عطا و الزهري و مالك و الشافعي و احمد و ابو عبيد و ابو ثور و أكثر العلماء، لأنّ النّبيّ «ص» كان يبعث الى الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم. و قال الشعبي:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 155

الخرص بدعة. و قال أصحاب الرأي: انّه ظنّ و تخمين لا يلزم به حكم، و انّما كان الخرص تخويفا للأكرة لئلّا يخونوا. فامّا ان يلزم به حكم فلا» «1».

و ظاهره أيضا جواز الخرص في الزرع أيضا و ان لم تشمله الرواية المنقولة.

و كيف كان فجواز الخرص و مشروعيته في الثمار اجمالا اجماعيّ عندنا. و يدلّ عليه- مضافا الى الاجماع المدّعى، و ما مرّ من الاخبار- خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»، قال: كان رسول اللّه «ص» اذا أمر بالنخل ان يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردإ التمر، يؤدّونه من زكاتهم تمرا، يقال له: الجعرور و المعافارة، قليلة اللحاء، عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه «ص» لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل:

«وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»، و

الاغماض ان يأخذ هاتين التمرتين «2».

و عن العيّاشي، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه. «إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»، فقال: ان رسول اللّه «ص» بعث عبد اللّه بن رواحة فقال: لا تخرصوا أم جعرور و لا معافارة.

و كان اناس يجيئون بتمر سوء، فانزل اللّه: «وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ». و ذكر انّ عبد اللّه خرص عليهم تمر سوء فقال رسول اللّه «ص»: يا عبد اللّه لا تخرص جعرورا و لا معافارة. و نحوه خبر اسحاق بن عمار «3».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 221.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1، 4 و 5.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1، 4 و 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 156

[يجوز خرص الزرع على المالك]

بل و الزرع على المالك (1).

______________________________

فيستفاد من هذه الأخبار اجمالا مشروعية الخرص في ثمر النخل، و وقوعه بأمر النبي «ص».

و في صحيحة سعد الأشعري، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن العنب هل عليه زكاة، أو انّما تجب عليه اذا صيّره زبيبا؟ قال: نعم، اذا خرصه اخرج زكاته «1». فيستفاد منها مشروعية الخرص في العنب أيضا، بناء على كون: «خرصه»، بالخاء المعجمة. فيكون الخرص كناية عن بلوغ النصاب. فالمراد انّه اذا خرصه و ثبت بذلك كونه نصابا وجب اخراج زكاته اجمالا في وقت الاخراج. و امّا بناء على كونه بالمهملة من قبيل: «حرص المرعى» اذا لم يترك منه شيئا فلا يفيد في المقام.

(1) قد مرّ انّ ظاهر الخلاف و التذكرة جواز الخرص فيه أيضا، و يشمله اجماع الخلاف. و عن التلخيص انّه المشهور. و لكن في المعتبر: «الثامن: ظاهر كلام الشيخ جواز الخرص في الزرع، كما

هو في النخل و الكرم. و انكر ذلك احمد و مالك و خصّه بالنخل و الكرم اقتصارا على ما فعله سعاة النبي «ص». و لعلّ ما ذكره مالك أشبه بالمذهب. و به قال ابن الجنيد منّا» «2».

و في المنتهى: «الأقرب اختصاص الخرص بالنخل و الكرم. و به قال مالك و احمد و اختاره ابن الجنيد» «3».

و استدلّ المانعون بأنّ الخرص ظنّ و تخمين، فالعمل به خلاف القاعدة. و النّصّ لا يشمله. و حمله على النخل و الكرم قياس. و بأنّ الزرع منه مستتر، و ثمر النخل و الكرم ظاهر، فالخرص فيه أقرب الى اصابة الحقّ دون الزرع. و بأنّ اصحاب النخل و الكرم قد يحتاجون الى تناوله رطبا قبل جذاذه، و ليس الزرع كذلك، لقلّة الاحتياج الى الفريك.

اقول: في صحيحة سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا «ع» قال سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: اذا ما صرم و اذا

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(2)- المعتبر/ 269.

(3)- المنتهى 1/ 501.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 157

..........

______________________________

ما خرص «1». فلو كان قوله: «خرص»، بالخاء المعجمة و قيل برجوعه الى جميع المذكورات دلّت الصحيحة على ثبوت الخرص في الزرع أيضا، و يراد بالجملتين ان من أراد الصرم اخرج زكاته حين الصرم، و من لم يرده، بل اراد ابقاء المحصول فعلا فعليه اخراجها حين الخرص، أو يراد التخيير مطلقا. و امّا اذا قرء بالمهملة من قوله: «حرص المرعى» اذا لم يترك فيه شيئا فلا تفيدنا هنا. و عليه يمكن ان يرجع الصرم الى التمر و الحرص الى الحنطة و الشعير. هذا.

حكم تقبيل احد الشريكين حصّته

و

لكن يمكن الاستعانة لهذا الباب و بعض فروعه ببعض اخبار التقبيل، اذ المقام أيضا بناء على الاشاعة من مصاديقه. و تقبيل احد الشريكين حصته من الثمر، أو الزرع الى شريكه بعد تشخيص الحصة بالخرص جائز و ان أبطلنا بيع المزابنة و المحاقلة. و لعلّه عقد برأسه غير البيع و الصلح. و لذا يقع بلفظ التقبيل و ما يفيد معناه، و لا يضره احتمال الربا.

و يدلّ على صحّته اخبار مستفيضة، بعضها واردة في الاشجار، و بعضها في الزرع. ففي صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا ان تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّى و تعطيني نصف هذا الكيل امّا زاد أو نقص، و امّا ان آخذه انا بذلك. قال: نعم، لا بأس به.

و في صحيحة الحلبي قال: اخبرني أبو عبد اللّه «ع» انّ أباه حدّثه انّ رسول اللّه «ص» أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها. فلمّا ادركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليه قيمة و قال لهم: إمّا ان تأخذوه و تعطوني نصف الثمر (الثمن خ. ل)، و إمّا اعطيكم نصف الثمر. فقالوا بهذا قامت السّماوات و الأرض. و نحوها صحيحتا أبي الصباح و يعقوب بن شعيب الاخرى.

و في مرسل محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه، قال: قلت لأبي الحسن «ع»: انّ لنا اكرة فنزارعهم فيجيئون فيقولون انّا قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا فاعطوناه و نحن نضمن لكم ان نعطيكم حصّتكم على هذا الحزر. قال: و قد بلغ؟ قلت: نعم. قال: لا بأس بهذا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 2، ص: 158

..........

______________________________

قلت: انّه يجي ء بعد ذلك فيقول: انّ الحزر لم يجئ كما حزرت و قد نقص؟ قال: فاذا زاد يردّ عليكم؟ قلت: لا. قال: فلكم ان تأخذوه بتمام الحزر. كما انّه ان زاد كان له كذلك اذا نقص كان عليه «1».

و الحزر بالحاء المهملة و الزاء المعجمة بعدها الراء المهملة: الحدس و التخمين. و لا يخفى انّ مورد المرسل الزرع، و مورد صحيحة الحلبي خيبر: ارضها و نخلها. و المراد بارضها الزرع.

و لذا استدلّ أئمتنا- عليهم السلام- على بعض أهل الخلاف المنكرين لصحة المزارعة بما صنعه النبي «ص» في خيبر، حيث قبل أرضها و نخلها «2».

و فقهاؤنا أفتوا بصحة التقبيل في الثمار و الزرع معا. فكأنّه استثناء من المزابنة و المحاقلة المحرّمتين.

ففي الشرائع في باب بيع الثمار: «اذا كان بين اثنين نخل أو شجر فتقبّل احدهما بحصة صاحبه بشي ء معلوم كان جائزا» «3».

و في التذكرة: «يجوز ان يتقبّل أحد الشريكين بحصّة صاحبه من الثمرة بشي ء معلوم منها لا على سبيل البيع» «4».

و في الدروس: «و يجوز تقبيل الشريك بحصّة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم و ان كان منها. و هو نوع من الصلح، لا بيع. و قراره مشروط بالسلامة» «5».

و في مزارعة الشرائع: «يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع. و الزارع بالخيار في القبول و الردّ. فان قبل كان استقرار ذلك مشروطا بالسلامة، فلو تلف الزرع بآفة سماوية أو أرضية لم يكن عليه شي ء» «6».

و قد وقع البحث بينهم بعد الاتفاق على صحّة التقبيل في جهات:

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 10 من أبواب بيع الثمار.

(2)- الوسائل، ج 11، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ.

(3)- الشرائع 2/ 55.

(4)- التذكرة 1/ 510.

(5)- الدروس/ 351.

(6)-

الشرائع 2/ 153.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 159

..........

______________________________

الاولى: هل هو بيع، أو صلح، أو عقد برأسه؟ و لعلّ الأقوى هو الأخير.

الثانية: الظاهر من الاخبار و الفتاوى لزوم العقد. و هو الأقوى. نعم، يظهر من بعضهم الترديد في ذلك.

الثالثة: ظاهر الأخبار و الفتاوى انّه لو ظهر النقص كان على المتقبّل، كما انّ الزيادة له، فانّه مقتضى المعاملة الواقعة. و لكن يظهر من بعض الكلمات الترديد في ذلك.

الرابعة: المشهور بينهم كما مرّ من الدروس و الشرائع أيضا كون القرار مشروطا بالسلامة، و انّه لو تلف الثمر أو الزرع بآفة لم يكن على المتقبّل شي ء. و تردّد فيه في التذكرة و جامع المقاصد و المسالك.

ففي المسالك: «المعلوم من الرواية انّه معاملة على الثمرة و انّه لازم، بحيث يملك المتقبّل الزائد و يلزمه لو نقص. و يلزم ذلك أن يكون مضمونا في يده، و لعموم على اليد ما أخذت، و لأنّه لم يدفعه مجانا بل بعوض. و لو قلنا بانّ المقبوض بالسّوم مضمون فهذا أولى. و في الدروس انّ قراره مشروط بالسلامة، حتّى لو هلكت الثمرة بأجمعها فلا شي ء على المتقبّل.

و دليله غير واضح. و ربّما وجّه بان العوض اذا كان من المعوّض و رضى به المقبّل فقد رضى بكون حقّه في العين لا في الذمّة. فاذا تلف بغير تفريط احتاج ثبوت بدله في الذمّة الى دليل. و فيه نظر» «1».

أقول: المقدار المخروص الذي يجعل عوضا عن الحصّة إمّا ان يجعل في ذمّة المتقبّل، أو في العين الخارجية بنحو الكلّي في المعيّن، أو بنحو الاشاعة. فمقتضى الأوّل كونه بعهدة المتقبّل و ان تلفت العين. و مقتضى الثاني كون تلف البعض على المتقبّل ما دام يبقى مقدار العوض لكن

لا ضمان عليه لو تلف الجميع، لكونه بحكم الامانة في ضمن الكلّ. و على الثالث يكون تلف البعض و كذا الجميع عليهما بالنسبة.

و بالجملة بناء على كون العوض من نفس العين لا وجه لاشتغال ذمّة المتقبّل ببدله، فانه امانة عنده في ضمن الكلّ لا يضمنه إلّا بالتفريط. نعم، لو جعل العوض من الجنس

______________________________

(1)- المسالك 1/ 207.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 160

..........

______________________________

أعم من العين و غيرها أو من غيرها فقط يشكل عدم الضمان إلّا أن يؤخذ بقاء العين سالما بنحو الشرط المتأخّر شرطا في المعاوضة. و أكثر اشكالا من ذلك ما اذا جعل العوض من غير الجنس، فتأمّل.

اذا عرفت بعض فروع التقبيل ملخّصا فنقول: مسألتنا هذه في باب الزكاة تقرب من مسألة التقبيل، أو تكون من مصاديقه بناء على الاشاعة.

فبملاحظتها يظهر. أوّلا، ثبوت الخرص في الزرع أيضا كما في التقبيل.

و ثانيا، يكون الخرص مقدّمة للمعاملة بين المالك و الساعي. و هو المراد ظاهرا من التضمين الوارد في كلماتهم.

و به قال في الجواهر، حيث قال: «و لا يشترط في الخرص صيغة، بل هو معاملة خاصّة يكتفى فيها بعمل الخرص و بيانه. و لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى. و هو معاملة غريبة، لأنّها تتضمّن وحدة العوض و المعوّض و ضمان العين. ثمّ ان زاد ما في يد المالك كانت الزيادة له و ان قيل انّه يستحب له بذل الزيادة، و ان نقص فعليه تحقيقا لفائدة الخرص» «1».

و تبعه المصنّف أيضا و ان كان في التعبير نحو مسامحة، فان الخرص بمعنى التخمين ليس بنفسه معاملة، بل يكون مقدّمة للتقبيل الذي هو المعاملة.

و لكن يظهر من بعض، منهم الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه عدم تحقق المعاملة، بل

يكون الخرص امارة لتشخيص مقدار الزكاة. قال- قدّس سرّه- في ضمن كلام طويل في مناقشة كلام المحقّق ما حاصله: «ان التعويل على الخرص انّما يصحّ لدى عدم انكشاف مخالفته للواقع. أمّا بعد الانكشاف فالحكم يدور مدار واقعه، كما في سائر الطرق الظنية.

اللهم إلّا ان يلتزم باعتبار الخرص على جهة الموضوعيّة و السببيّة، لانقلاب التكليف الى ما أدّى اليه نظر الخارص، أو يقال بانّ مرجع تضمينهم حصّة الفقراء بما أدّى اليه نظره الى المصالحة معهم. فيتّجه على هذا ما حكى عن مالك. من القول بانّه لو تلفت الثمرة بآفة سماوية بغير تفريط لم يسقط ضمانه. و شي ء منهما مما لا يساعد عليه دليل، اذ لم يعلم ممّا دلّ

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 258.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 161

..........

______________________________

على انّ النبيّ «ص» كان يبعث من يخرص عليهم كرومهم و نخيلهم، و لا من غيره ممّا دلّ على شرعية الخرص في باب الزكاة أزيد من ارادة معرفة حقّ الفقير بطريق التخمين، و جواز التعويل على هذا الطريق ما لم ينكشف الخلاف. فما في كلماتهم من التعبير بتضمينهم حصّة الفقراء يراد منه الزامهم بالعمل بمقتضى خرصه على جهة الطريقيّة، أي التعويل عليه ما لم يتبيّن خلافه» «1».

و فيه ما مرّ من انّ المقام من قبيل التقبيل المذكور في كلماتهم في باب بيع الثمار و المزارعة، و هو المراد من التضمين ظاهرا.

و ثالثا، مقتضى المعاملة و لزومها كون الزيادة للمتقبّل و النقص عليه، كما مرّ من الجواهر و يأتي من المصنّف. فلا وجه لتردّد المحقّق في المعتبر في ذلك.

و رابعا، لو تلف البعض أو الكلّ بآفة سماوية أو ظلم ظالم فالظاهر عدم الضمان، لكونها امانة، بل الظاهر انّ الأمر هنا

أوضح، لأنّ وقت الاخراج كما مرّ في المسألة السادسة حين الاقتطاف و الحصاد. فقرارها بالبقاء الى وقت الاخراج، فلا ضمان قبله. اللهم إلّا مع التفريط، فراجع ما حرّرناه في تلك المسألة.

و في التذكرة: «و لو تلفت بجائحة من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص و الضمان عن المتعهّد اجماعا، لأنها تلفت قبل استقرار الزكاة» «2». هذا.

فروع [في الخرص]

و المناسب هنا نقل بعض الفروع التي تعرض لها في المعتبر. قال بعد عنوان المسألة كما مرّت عبارته:

«فروع: الأول: وقت الخرص حين يبد و صلاح الثمرة، لأنّه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا، و لما روى انّ النّبيّ «ص» كان يبعث عبد اللّه خارصا للنخيل حين يطيب.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 75.

(2)- التذكرة 1/ 221.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

الثاني: يجزى خارص واحد، لأنّ الأمانة معتبرة فيه، فلا يتطرّق اليه التّهمة، و لأنّ النّبيّ «ص» اقتصر على الواحد.

الثالث: صفة الخرص ان يقدّر الثمرة لو صارت تمرا، و العنب لو صار، زبيبا. فان بلغ الأوساق وجبت الزكاة، ثمّ خيّرهم بين تركه امانة في يدهم، و بين تضمينهم حقّ الفقراء، أو يضمن لهم حقّهم فان اختاروا الضمان كان لهم التصرّف كيف شاءوا و ان أبوا جعله امانة. و لم يجز لهم التصرّف بالأكل و البيع و الهبة، لأنّ فيها حقّ المساكين.

الرابع: لو تلفت الثمرة بغير تفريط منهم مثل عروض الآفات السماوية و الأرضية أو ظلم ظالم سقط ضمان الحصّة، لأنّها امانة فلا تضمن بالخرص. و قال مالك: يضمن ما قال الخارص، لأنّ الحكم انتقل الى ما قال. و ليس بوجه. و لو تلف بعضها لزمه زكاة الموجود حسب.

الخامس: لو ادّعى المالك غلط الخارص فان كان قوله محتملا اعيد الخرص، و ان

لم يكن محتملا سقطت دعواه.

السادس: لو زاد الخرص كان للمالك. و يستحب بذل الزيادة. و به قال ابن الجنيد.

و لو نقص فعليه، تحقيقا لفائدة الخرص. و فيه تردّد، لأنّ الحصة في يده أمانة، و لا يستقرّ ضمان الأمانة كالوديعة.

السابع: لا يستقصى الخارص، بل يخفّف ما يكون به المالك مستظهرا و ما يجعل للمارّة.

و قال جماعة من الجمهور منهم احمد بن حنبل يترك الثلث أو الربع، لما روى سهل بن أبي خيثمة ان رسول اللّه «ص» كان يقول: اذا خرصتم فخذوا و دعوا الثلث، فان لم تدعوا الثلث فدعوا الربع. لنا ما رواه أبو عبيدة باسناده ان النبي «ص» كان اذا بعث الخراص قال: خفّفوا على الناس، فانّ في المال العرية و الواطئة و الآكلة ....

الثامن: ظاهر كلام الشيخ جواز الخرص في الزرع ...» «1».

قلت: البحث عن الفرع الأول يأتي عن قريب.

______________________________

(1)- المعتبر/ 269.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 163

..........

______________________________

و يرد عليه كما في الحدائق و غيره صحّة ذلك على القول بكون وقت تعلّق الزكاة بدوّ الصلاح، كما نسب الى المشهور. و لكنّ المحقّق ذهب في كتبه الثلاثة الى كون وقت التعلّق صدق الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. فكيف يصحّ ما ذكره في هذا الفرع و سائر الفروع؟

اللهم إلّا ان يكون على وجه التنزّل عن مبناه.

و امّا ما ذكره في الفرع الثاني من كفاية الواحد فهو الأقوى، لعمل النبيّ «ص» و السيرة، بل الظاهر كفايته في جميع الامور الاجتهادية التخصّصية كالمقلد و الطبيب و العالم الفلكي و اللغوي و نحو ذلك مع الوثوق و الامانة، لاستقرار السيرة عليه، بل لا يترك الاحتياط في موارد شهادة الثقة العدل أيضا، لاحتمال اختصاص البيّنة بباب المرافعات و

القضاء، فتأمل فان موثقة مسعدة موردها أعمّ.

و ظاهر التضمين في الفرع الثالث هو التقبيل، كما عرفت. و هو نحو معاملة. و يأتي البحث عن حكم التصرّف بدونه.

و ما ذكره في الفرع الرابع من عدم الضمان مع التلف هو الأقوى، كما مرّ. بل عرفت انّ الأمر في باب الزكاة أوضح من باب التقبيل. و لعلّ قول مالك مبنيّ على الذمّة. و نحن نمنعها، فانّ العوض في العين. و امّا حكمه بكون تلف البعض عليهما فيكون مبنيّا على جعل العوض بنحو الاشاعة، لا الكلّي في المعيّن، كما لا يخفى و قد مرّ بيانه.

و امّا ما ذكره في الفرع السادس من التردّد و التعليل له ففيه انّ المفروض التضمين المستلزم لتبديل الحصّة بالعوض، لا جعل الحصّة امانة. و بالجملة فالأمانة عبارة عن العوض، لا المعوض. و لعلّه- قدّس سرّه- ينكر كون التضمين معاملة. و يردّ عليه- مضافا الى ما مرّ منّا من كون المقام من مصاديق التقبيل و هو نوع من المعاملة- انّه لو لم يكن معاملة فأيّ فرق بينه و بين تركه امانة، المجعول قسيما له في الفرع الثالث؟

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 164

فائدة الخرص

و فائدته جواز التصرّف للمالك (1)

______________________________

(1) أي بعد التضمين، كما مرّ في الفرع الثالث من المعتبر، حيث انّه بعد ذكر التخيير بين جعله امانة عند المالك، أو تضمينه حقّهم، أو تضمين حقّه قال: «فان اختاروا الضمان كان لهم التصرّف كيف شاءوا. و ان أبوا جعله امانة و لم يجز لهم التصرّف بالأكل و البيع و الهبة، لأنّ فيها حقّ المساكين» «1».

و في المبسوط بعد ذكر التخيير بين الثلاثة قال: «فمتى كان امانة لم يجز لهم التصرّف فيها بالأكل و البيع و الهبة،

لأنّ فيها حقّ المساكين. و ان كان ضمانا جاز لهم ان يفعلوا ما شاءوا» «2» و نحو ذلك في التذكرة و في المنتهى.

و في المنتهى أيضا: «لو أكل المالك رطبا فان كان بعد الخرص و التضمين جاز اجماعا، لأن فائدة الخرص اباحة التناول «3»».

و بالجملة ظاهر كثير من الكلمات عدم جواز التصرّف قبل التضمين و جوازه بعده، و ظاهر التضمين كما عرفت هو المعاملة، فيجوز التصرّف بعد وقوع المعاملة و لا يجوز قبلها.

و الظاهر انّهم كانوا يقولون بالإشاعة، اذ لو كان بنحو الكلّي في المعيّن كان مقتضاه جواز التصرّف ما بقى مقدار الزكاة. و لو منع كون الخرص و التضمين معاملة دار جواز التصرّف

______________________________

(1)- المعتبر/ 269.

(2)- المبسوط/ 216.

(3)- المنتهى 1/ 502.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 165

بشرط قبوله (1) كيف شاء.

______________________________

قبله و بعده مدار الخلاف في كيفية التعلّق، كما مرّ في المسألة السابقة.

ثمّ انّ ما ذكره المصنّف هنا لا يلائم ما مرّ منه من كون التعلّق بنحو الكلّي في المعيّن، اذ مقتضاه جواز التصرّف في الزائد على مقدار الزكاة و ان لم يكن خرص و لا معاملة. اللهم إلّا ان يريد هنا التصرّف في الجميع.

(1) فانّه مقتضى كون الخرص معاملة. قال في الجواهر: «و فائدة الخرص انّ للمالك مع قبوله التصرّف كيف شاء، بخلاف ما ذا لم يقبل، فانّه لا يجوز له التصرف فيه على ما نصّ عليه جماعة. لكن قد يقوى جوازه مع الضبط» «1».

أقول: صاحب الجواهر قائل بالإشاعة. و مقتضاها عدم جواز التصرّف ما لم يفرز حقّ الفقير. و صرف الضبط لا يكفي في الجواز و كون الافراز محوّلا الى المالك لا يدلّ على جواز التصرّفات المتلفة أو الناقلة.

و اعلم انّ المستفاد

من ظواهر الأخبار انّ النّبيّ بمقتضى حكومته و ولايته على حقّ الفقراء كان يرسل عبد اللّه بن رواحة أو غيره للخرص. و بعد الخرص كما مرّ كانوا يخيّرون بين الثلاثة، و ليس في شي ء من الآثار اسم من القبول و عدمه. فلعلّ هذه المعاملة كانت الزاميّة، حفظا لأموال الفقراء من التلف و الضياع و لم يكن للمالكين عدم القبول، فتدبّر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 256.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 166

وقت الخرص و كيفيّته

و وقته بعد بدوّ الصلاح و تعلّق الوجوب (1)، بل الأقوى جوازه من

______________________________

(1) اذ الخرص كان لتعيين الزكاة. و قبل بدوّ الصلاح لم تتعلّق بعد. و قد تقدّم في صحيحة سعد: «اذا خرصه أخرج زكاته». هذا، مضافا الى السيرة المتعارفة في وقته. و سرّ ذلك انّه قبل بدوّ الصلاح لا يحصل الأمن غالبا من الحادثة و التلف. فلو أراد الناس بيع ثمارهم أو تقبيلها يخرصونها و يعاملون عليها بعد ما بدا صلاحها.

و في سنن أبي داود عن عائشة انّها قالت و هي تذكر شأن خيبر: «كان النبي «ص» يبعث عبد اللّه بن رواحة الى يهود فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه» «1».

و في مصباح الفقيه: «وقت الخرص حين بدوّ الصلاح على ما صرّح به غير واحد، بل عن المحقّق البهبهاني في شرح المفاتيح دعوى ظهور الاجماع عليه ... و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف في انّ وقت الخرص هو بدوّ الصلاح» «2». هذا.

و لكنّ الظاهر عدم كون المسألة من المسائل الأصليّة المعنونة بين قدماء أصحابنا حتّى يحصل فيها الاجماع المفيد. فالعمدة ما ذكرناه من السيرة. نعم، يمكن أن يقال انّه لم تكن الثمار غالبا بنحو يبدو صلاح الجميع في وقت واحد، لاختلافها بحسب وقت

الادراك، و الصبر الى ان يبدو صلاح الجميع يوجب فساد ما أدرك أوّلا، و كان المعمول خرص ثمار

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 110، كتاب الزكاة، باب متى يخرص التمر، الحديث 1606.

(2)- مصباح الفقيه/ 74.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 167

المالك بنفسه (1) إذا كان من أهل الخبرة.

أو بغيره من عدل أو عدلين (2) و إن كان الأحوط الرجوع الى الحاكم

______________________________

بستان واحد في وقت واحد. فلعلّ بدوّ صلاح الأغلب يكفي لخرص الجميع حتّى النادر الذي لم يبد بعد صلاحه.

و هنا اشكال مرّ الاشارة اليه، و هو ان مثل المحقق و المصنّف و غيرهما ممّن بقول انّ وقت التعلّق صدق الاسم كيف يجعلون وقت الخرص بدوّ الصلاح مع عدم تعلّق الزكاة بعد؟ و لعلّ المالك يريد صرف الثمار أو بيعها قبل صدق الاسم، فأيّ مجوّز لخرص ثماره و تضمينه الزكاة؟

(1) كما قوّاه في الجواهر، و حكى عن الفاضلين و الشهيد و المقداد و الصيمري النصّ عليه و على جواز اخراجه عدلا يخرصه له. قال: و لعلّه لمعلوميّة عدم خصوصيّة خرص الساعي، و اطلاق قوله- عليه السلام- في صحيح سعد: «اذا خرصه أخرج زكاته»، و قوله:

«اذا ما صرم و اذا ما خرص» «1».

و فيه ان هذا لا يلائم جعل الخرص معاملة بين المالك و الساعي. اللهم إلّا أن يعتمد الساعي على خرص المالك، فتقع المعاملة بين الطرفين. و ولاية عدول المؤمنين انّما هي عند الضرورة الموجبة لتعطيل الزكاة و ضياع الحقوق. و ليس عدم خرص الساعي موجبا للتعطيل، اذ من الممكن للمالك أن يزكّي كلّما أراد صرفه أو بيعه. و الاطلاق في الخبرين ممنوع، لكونهما في مقام بيان وقت الاخراج فقط. فلعلّ الخرص من المالك كان بإذن

الساعي.

و الحاصل انّ الخرص مقدمة لوقوع التقبيل، فيجب أن يكون من قبل الساعي أو باذنه.

فلا أثر لخرص المالك بنفسه أو بغيره بلا رجوع الى الساعي. اللهم إلّا أن لا يراد المعاملة و لا التصرّف قبل أداء الزكاة، بل كان لتشخيص مقدارها حتّى تؤدّى. و حيث انّ المأمور بالأداء هو المالك فله تعيين المقدار بالخرص بدل الكيل أو الوزن، كما انّ له التقسيم و افراز مقدار الزكاة.

(2) مرّ انّ الأقرب كفاية العدل الواحد في الأمور الاستنباطية التخصصية اذا كان

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 168

أو وكيله مع التمكّن.

و لا يشترط فيه الصيغة (1)، فانّه معاملة خاصّة و إن كان لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى (2).

ثمّ ان زاد ما في يد المالك كان له، و إن نقص كان عليه (3).

و يجوز لكلّ من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش (4).

و لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا جاز (5). و يجوز للحاكم أو

______________________________

أمينا و حصل الوثوق من قوله، لاستقرار السيرة على ذلك، و النّبيّ «ص» كان يبعث عبد اللّه بن رواحة للخرص و هو واحد.

(1) اللام كأنّها للعهد. فالمراد صيغة البيع أو الصلح، و إلّا فكونه معاملة خاصّة لا يقتضى عدم اشتراط الصيغة أصلا. و المعاطاة على القول بكفايتها لا فرق فيها بين البيع و الصلح و غيرهما. ثمّ انّك عرفت انّ الظاهر كون المقام من مصاديق التقبيل المذكور في باب بيع الثمار و في المزارعة.

(2) قد مرّ عن الدروس قوله في التقبيل: «و هو نوع من الصلح لا بيع». و لكنّ الظاهر كونه عقدا برأسه.

(3) لما مرّ من كون المقام من مصاديق التقبيل.

و قد دلّت صحيحة يعقوب بن شعيب، و كذا مرسل محمد بن عيسى على كون الزيادة للمتقبل و النقيصة عليه، فراجع «1».

و امّا على ما اختاره في مصباح الفقيه من عدم كون الخرص معاملة، بل هو امارة محضة لتشخيص مقدار الزكاة فمقتضاه حجيّته ما لم ينكشف الخلاف. فاذا انكشفت الزيادة أو النقص كان الحكم دائرا مدار الواقع المنكشف.

(4) لما ذكروه في محلّه من ثبوت خيار الغبن في جميع المعاملات. و قد استدلّوا له بحديث لا ضرر و هو عامّ. و لو أنكرنا كون الخرص معاملة كان الحكم دائرا مدار الواقع المنكشف.

(5) لأنّ الحقّ بينهما. و لكن يبتنى هذا على كون وقت التعلّق بدوّ الصلاح، لا صدق

______________________________

(1)- ص 160.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 169

وكيله بيع نصيب الفقراء (1) من المالك أو من غيره.

______________________________

اسم الزبيب و التمر. و المصنّف قوّى الأخير. و نحن حكمنا بمراعاة الاحتياط.

(1) لعموم ولاية الحاكم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 170

حكم الاتجار بالمال قبل اداء الزكاة

[مسألة 33]: اذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها، يكون الربح للفقراء بالنسبة (1). و إن خسر يكون خسرانها عليه.

______________________________

(1) أقول: التجارة قد تقع بعين ما فيه الزكاة، بأن يبيعها بشخصها أو يجعل شخصها ثمنا في المعاملة، و قد تقع بثمن كلّي في الذمّة مقارنة لقصد افراغها بهذا المشخص، و قد تقع بثمن كلّي و يصادف بعد ذلك افراغ الذمّة بهذا المشخص.

ففي الصورة الاولى تصدق التجارة بهذا المشخص. و يلحق بها على الأحوط الصورة الثانية أيضا، اذ لعلّ القصد المقارن يوجب كون الثمن مشخصا، لا كلّيّا. و العرف أيضا يحكم في هذه الصورة بوقوع التجارة بهذا المال. و قد مرّ تفصيل المسألة في مسألة التجارة بمال اليتيم في أوائل

الزكاة.

و امّا في الصّورة الثالثة فالتجارة وقعت بتمامها للمالك، و الربح له. غاية الأمر عدم فراغ ذمّته باداء هذه العين، كما لا يخفى.

ثمّ انّ التجارة قد تقع بتمام هذا المال، و قد تقع ببعضه. فعلى الاشاعة لا فرق بين الصورتين. و امّا على ما اختاره المصنّف من الكلّي في المعيّن كالصاع من الصبرة فمقتضاه جواز التجارة بالبعض و التصرّف فيه ما دام مقدار الزكاة باقيا، و يكون الربح للمالك.

فلعلّ المصنّف أراد صورة وقوع التجارة بجميع المال. ثمّ انّه حكم في ذيل المسألة «31» بكون المعاملة بالنسبة الى مقدار الزكاة فضولية محتاجة الى اجازة الحاكم، و حكم هنا بنحو

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 171

..........

______________________________

الاطلاق بكون الربح للفقراء. فبينهما تهافت. اللهم إلّا ان يريد هنا صورة اجازة الحاكم، و لم يتعرّض لها لوضوحها. و على الاشاعة يحتاج الى الاجازة، سواء باع الكلّ أو البعض.

ثمّ انّ اطلاق العبارة يشمل ما اذا أوقع المعاملة بقصد نفسه أو بقصد الشركة بالنسبة.

و الأقوى في الفضولي صحّتها بالاجازة اللاحقة، سواء قصد الفضولي بيعه لنفسه أو للمالك، كما يدلّ على ذلك أكثر أدلّة الصحّة، بل لعلّ الظاهر كون مورد صحيحة محمد بن قيس الواردة في من باع وليدة أبيه «1» صورة قصد البائع نفسه. و لا أقلّ من ترك الاستفصال المفيد للعموم. فلا وجه لما في حاشية الاستاذ الإمام- مدّ ظلّه- من الاشكال في هذه الصورة.

هذا كلّه اذا اريد البحث عن المسألة وفق القاعدة، و لكن ورد فيها مرسلة أبي حمزة.

و لعلّ المصنّف اعتمد عليها.

ففي الوسائل، عن الكافي، عن عليّ بن محمّد، عمّن حدّثه، عن يعلي (معلّى) بن عبيد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال:

سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني ان أؤدّيها؟ قال: اعزلها. فان اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح. و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء. فان لم تعزلها، فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها «2». و المراد بأبي حمزة هو الثمالي، لا البطائني الواقفي.

و يدلّ على المسألة صدر الخبر، و ذيله أيضا. و ظاهره عدم الاحتياج الى الاجازة. فكأنّ الشارع بما انّه وليّ الأولياء اجاز هذا السنخ من المعاملة بنحو العموم. نظير ما مرّ في التجارة بمال اليتيم من ورود اخبار مستفيضة بكون الربح لليتيم و الضمان على التاجر. أو يقال:

إنّه مع فرض الربح تثبت الاجازة قهرا إمّا عن الوليّ أو الحاكم أو عدول المؤمنين، لعدم جواز الاستنكاف عنها مع المصلحة. و اطلاق الرواية يشمل ما اذا قصد التاجر وقوع المعاملة لنفسه أو للشركة بالنسبة. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 14، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 172

..........

______________________________

و لكن الرواية مرسلة. و يعلى أو معلّى لم يذكر في كتب الرجال اصلا. و لم أر في كتب القدماء من أفتى بمضمون الرواية، حتّى يجبر بذلك ضعفها. اللهم إلّا أن يقال: انّ ما في ديباجة الكافي من قوله: «بالآثار الصحيحة عن الصادقين- عليهم السلام- و السنن القائمة التي عليها العمل»، يستفاد منه اعتماد الكليني على ما جمع في الكافي، و هو لا يقلّ عن تصحيح مثل الكشّي و النجاشي و الشيخ. فالأحوط الأخذ بمضمون الرواية بلا احتياج الى الاجازة

اللاحقة، و من غير فرق بين أن يوقع المعاملة بقصد نفسه أو لمصلحة الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 173

جواز عزل الزكاة و فائدته

[مسألة 34]: يجوز للمالك عزل الزكاة (1) و افرازها،

______________________________

(1) هل العزل يفيد، و به تنعزل الزكاة كما هو المشهور، أم لا؟ و على الأوّل فهل يجب، كما هو ظاهر المقنعة و النهاية، أو يستحب، كما هو المصرّح به في التذكرة و المنتهى و هو الظاهر من الشرائع، أو الثابت هو الجواز فقط، كما في المتن و موضع من المنتهى؟

ثمّ هل يفيد مطلقا، أو مع عدم المستحق فقط؟

ثمّ هل يتعين كونه من العين، أو يكفي من مال آخر أيضا؟ فهذه جهات من البحث.

و لا يخفى انّه على الإشاعة- كما لعلّها المشهور- فالقاعدة تقتضي عدم كفاية العزل، اذ مقتضاها وقوع التقسيم برضاية الطرفين. نعم، ثبت إذن الشارع للمالك في مباشرة الأداء.

فبه يحصل التقسيم قهرا، و لكن كفاية صرف العزل في تمحّض المعزول للزكاة، و خروجه عن ملك المالك يحتاج الى دليل آخر. و نظير ذلك الدّين. حيث انّ صرف تعيين المديون شيئا لأداء الدين لا يوجب تمحّضه للدين و وقوعه ملكا للدائن ما لم يقبضه.

نعم، هنا أخبار في زكاة المال و زكاة الفطرة يظهر منها تمحّض المعزول بقصد الزكاة في وقوعه زكاة. فلنذكر بعض الكلمات و نعقّبها بذكر اخبار المسألة.

ففي المقنعة: «و ان جاء الوقت فعدم صاحب المال عنده مستحقّ الزكاة عزلها من جملة ماله الى ان يجد من يستحقّها من أهل الفقر و الايمان» «1».

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 174

..........

______________________________

و في النهاية: «و متى لم يجد من تجب عليه الزكاة مستحقّا لها عزلها من ماله و انتظر بها مستحقّها» «1».

و في الشرائع: «اذا

لم يجد المالك لها مستحقا فالأفضل له عزلها» «2».

و في التذكرة: «يستحب له حال حول الحول عزل الزكاة عن ماله، لأنّه نوع اخراج و شروع في الدفع ...» «3».

و في المنتهى: «لو لم يجد المستحقّ استحبّ له عزلها، لأنّه مال لغيره فلا يتصرّف فيه» «4».

و فيه أيضا: «يجوز للمالك عزل الزكاة بنفسه و تعيينها و أفرادها من دون اذن الساعي، لأنّ له ولاية الاخراج بنفسه، فيكون له ولاية التعيين قطعا، و لأنّ الساعي يخير المالك في اخراج أيّ فرد شاء من أفراد الواجب، و لأنّه أمين على حفظها، اذ الزكاة تجب في العين فيكون أمينا على تعيينها و أفرادها، و لأنّ له دفع القيمة و تملّك العين فله أفرادها، و لأنّ منعه من أفرادها يقتضي منعه من التصرّف في النصاب و ذلك ضرر عظيم، و لأنّ له دفع أيّ قيمة شاء فيتخيّر في الأصل.» «5».

و لا يخفى انّ موضوع الحكم في المقنعة و النهاية و الشرائع و موضع من المنتهى عدم المستحقّ، و في موضع منه و في التذكرة مطلق. و ما ذكره في المنتهى من الأدلّة بعضها قابل للخدشة. فالعمدة أخبار الباب:

فمنها موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: زكاتي تحلّ عليّ في شهر.

أ يصلح لي أن احبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال: اذا حال الحول فاخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ اعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و اثبتّها يستقيم لي؟ قال: نعم، لا يضرّك «6».

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- الشرائع 1/ 166.

(3)- التذكرة 1/ 238.

(4)- المنتهى 1/ 529.

(5)- المنتهى 1/ 511.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 175

..........

______________________________

و الظاهر انّ مورد السؤال صورة وجود المستحق، و لكنّه يريد ان يحبس شيئا منها لمستحقّ خاصّ، بل قلّ مورد لا يوجد المستحقّ و لو من سائر الأصناف كسبل الخير و الرقاب و نحوها. و لو ابيت فترك الاستفصال يقتضي العموم. فالموثقة دليل على العزل، سواء وجد المستحقّ أم لا.

و ظاهر الأمر بالإخراج و ان كان هو الوجوب و لكن حيث انّ الانعزال بالعزل و جواز التأخير خلاف القاعدة و الأصل فكأنّ الأمر في مقام توهّم الحظر. فلا يستفاد منه الوجوب و لا الندب، بل صرف الجواز، هذا، مضافا الى ما قيل من ظهور الأمر في الارشاد الى ما يترتّب على العزل من عدم الضمان بالتلف لا في وجوبه تعبّدا، و الى انّ الظاهر من ذيل الحديث عدم تعين العزل، و كفاية الكتابة و الضبط. فيكون الحديث دليلا على كفاية تضمين المالك أيضا في جواز تصرّفه في المال و ان كان مقتضى الاشاعة عدم الجواز. اللهم إلّا ان يقال انّ المقصود بالذيل كتابة المعزول و اثباته، لا الزكاة المشاعة، فتأمّل.

ثمّ انّ قوله: «فاخرجها من مالك» يشمل بإطلاقه الإخراج من العين أو من مال آخر.

و سيأتي بيانه.

و من الاخبار أيضا خبر أبي حمزة، الذي مرّ في المسألة السابقة، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني ان أؤدّيها. قال: أعزلها. فان اتّجرت بها فانت لها ضامن و لها الربح. و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء. فان لم تعزلها، فاتّجرت بها في جملة مالك، فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها «1».

و مورد السؤال

صورة عدم المستحقّ، و لكنّه لا يقيّد به اطلاق الموثقة، لأنّه في كلام السائل لا كلام الامام. و ظاهر قوله: «اعزلها» الوجوب، و لكن عرفت انّ كونه في مقام توهّم الحظر يرفع الظهور، فلا يستفاد منه إلّا الجواز. و قد يقال انّ قوله في الذيل: «فان لم تعزلها» أيضا يستفاد منه عدم تعيّن العزل. و فيه منع ذلك، لاحتمال وقوعه عن عصيان.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 176

من العين أو من مال آخر (1) مع عدم المستحق، بل مع وجوده أيضا على الأقوى (2).

______________________________

ثمّ انّ الظاهر من الحديث تعيّن المعزول، لكونه زكاة بحسب الوضع بمعنى صيرورته ملكا للمستحقّ، لحكمه بكون ربحه له. هذا. و لكن الرواية ضعيفة، كما مرّ.

و منها أيضا صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» انّه قال في الرجل يخرج زكاته، فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس بها (لها خ. ل) المواضع، فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر. قال: لا بأس «1».

و منها صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» قال: اذا اخرج الرجل الزكاة من ماله، ثمّ سمّاها لقوم، فضاعت، أو أرسل بها اليهم فضاعت فلا شي ء عليه.

و منها صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» انّه قال: اذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برأ منها «2» الى غير ذلك من الاخبار.

و لا يخفى ظهور الأخيرتين أيضا في تعين المعزول وضعا لكونه زكاة و صيرورته بالعزل ملكا للمستحقّ، و إلّا فلا وجه لعدم ضمان المالك بتلفه و ضياعه.

(1) أقول: بعد ما ثبت بالأخبار المستفيضة جواز أداء الزكاة من مال آخر،

سواء كان بعنوان الفريضة، كما في الأنعام الثلاثة، أو بعنوان القيمة فلا محالة يشمل إطلاق أخبار العزل- و لا سيّما قوله في الموثقة: «فاخرجها من مالك»- الإخراج من غير العين أيضا.

و قد عبّر عن القيمة أيضا بلفظ الزكاة كقوله في صحيحة عبد الرحمن السابقة: «أو يؤدّى زكاتها البائع» «3»، و في زكاة القرض: «ان كان الذي أقرضه يؤدّى زكاته فلا زكاة عليه» «4».

و الحاصل انه لا وجه لرفع اليد عن اطلاق المال في قوله: «فاخرجها من مالك» بعد ما ثبت بالأدلة عدم تعين الأداء من العين.

(2) قد مرّ في شرح موثقة يونس بيان ظهورها في العموم لصورة وجود المستحقّ أيضا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 53 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 و 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 177

و فائدته صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين قهرا (1)، حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف، و يكون أمانة في يده. و حينئذ لا يضمنه إلّا مع التفريط (2) أو التأخير مع وجود المستحق (3). و هل يجوز للمالك

______________________________

فلا وجه للتخصيص بصورة العدم و ان وقع في كلام الأكثر. نعم، عبارة التذكرة و المنتهى مطلقة، كما عرفت.

(1) كما هو ظاهر الفتاوى و النصوص. فليس تعيّن المعزول بحسب التكليف فقط، بأن يجب اداؤه فقط زكاة، بل بحسب الوضع و الملكيّة. فصار بالعزل خارجا عن ملك المالك و داخلا في ملك المستحقين. و لذا يتبعه الربح، كما في خبر عليّ بن أبي حمزة، و يكون تلفه

من ملك المستحقّ، كما في صحيحتي أبي بصير و عبيد و غيرهما، فراجع «1».

(2) كما يدلّ عليه خبر أبي حمزة. و عليه مدار الأمانات.

(3) كما هو المشهور. و عن المنتهى و المدارك الاجماع عليه.

و يدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها. و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان ...».

و في صحيح زرارة: «... قلت: فانّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال:

لا، و لكن ان عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» «2». و على التفصيل فيهما يحمل اطلاق صحيحتي أبي بصير و عبيد بن زرارة السابقتين الحاكمتين بعدم الضامن بنحو الاطلاق. و قد مرّ تفصيل المسألة في المسألة العاشرة من زكاة الانعام، فراجع.

و لا ينافي ذلك جواز التأخير المستفاد من موثقة يونس و صحيحة ابن سنان السابقتين، اذ لا مانع من إجازة التأخير بنحو المتعارف مع الحكم بالضمان لو تلف. و الضمان في

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 و الباب 39 منها، الحديث 3 و 4.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 178

ابدالها بعد عزلها؟ اشكال و إن كان الأظهر عدم الجواز (1). ثمّ بعد العزل يكون نمائها للمستحقّين (2)، متّصلا كان أو منفصلا.

______________________________

الصحيحتين مترتّب على وجدان المستحقّ بنحو الاطلاق، لا خصوص المستحقّ الذي قصده المالك و أخّر الزكاة بقصده. و

بالجملة لا منافاة بين جواز التأخير تكليفا و التضمين لو تلف، فتدبّر.

(1) اذ بعد خروجها عن ملكه و صيرورتها زكاة لا دليل على ولايته على التبديل، و الأصل يقتضي العدم. و كون اختيار التعيين و التبديل بالقيمة أوّلا بيده لا يدلّ على جواز التبديل بعد تعيّنه زكاة.

(2) لما عرفت انّها بالعزل صارت ملكا للمستحقّين، و النماء تابع للأصل. و يدلّ عليه خبر أبي حمزة، حيث حكم بكون الربح لها، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 179

[5 فصل ما يستحب فيه الزكاة]

اشارة

ما يستحب فيه الزكاة و هو على ما أشير إليه سابقا امور:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 181

1- زكاة مال التجارة

اشارة

الأوّل مال التجارة (1)

______________________________

(1) اقول: المشهور بين اهل السنة وجوب الزكاة في مال التجارة و المشهور بين اصحابنا استحبابها. و يظهر من بعضهم الوجوب. و يظهر من الوافي و الحدائق حمل اخبار المسألة على التقية و انكار الاستحباب أيضا. فلنحك بعض الكلمات، ثمّ نتعرّض لاخبار المسألة.

[كلمات الأصحاب]

ففي الخلاف (المسألة 105): «لا زكاة في مال التجارة عند المحصّلين من اصحابنا، و اذا باع استأنف به الحول. و منهم من قال: فيه الزكاة اذا طلب برأس المال أو بالربح. و منهم من قال: اذا باعه زكاة لسنة واحدة. و وافقنا ابن عباس في انّه لا زكاة فيه. و به قال اهل الظاهر كداود و اصحابه. و قال الشافعي هو القياس. و ذهب قوم الى انّه ما دامت عروضا و سلعا لا زكاة فيه، فاذا قبض ثمنها زكاه لحول واحد. و به قال عطاء و مالك. و ذهب قوم الى انّ الزكاة تجب فيه يقوّم كلّ حول و يؤخذ منه الزكاة. و به قال الشافعي في الجديد و القديم. و اليه ذهب الأوزاعي و الثوري و ابو حنيفة و اصحابه. دليلنا الأخبار ...» «1»

و ظاهر كلامه عدم الزكاة فيها اصلا. اللّهم إلّا ان يحمل كلامه على نفي الوجوب.

و لعلّ مراده بالمحصّلين المجتهدون، في قبال المحدّثين المفتين على طبق ظواهر الأخبار بلا توجه الى المعارضات. و قوله: «استأنف الحول»، ردّ على العامة حيث يكملون حول مال التجارة بالنقدين و بالعكس.

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 307.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 182

..........

______________________________

و في المختلف: «قال ابن ابى عقيل: اختلف الشيعة في زكاة التجارة، فقال طائفة منهم بالوجوب، و قال آخرون بعدمه، و هو الحقّ عندي» «1».

و في المغني لابن قدامة، المؤلّف على

فقه الحنابلة: «تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة في قول اكثر اهل العلم. قال ابن المنذر: اجمع اهل العلم على انّ في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة اذا حال عليها الحول ... و حكى عن مالك و داود انّه لا زكاة فيها، لأنّ النّبيّ «ص» قال: عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق. و لنا ما روى ابو داود باسناده عن سمرة بن جندب، قال: كان رسول اللّه «ص» يأمرنا ان نخرج الزكاة ممّا نعدّه للبيع» «2».

اقول: هذا الخبر عمدة دليلهم على الوجوب. و سمرة حاله عندنا معلوم. ففي صحيحة زرارة، عن ابي جعفر «ع» ما حاصله انّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار، و كان منزل الانصاري بباب البستان، فكلّمه الانصاري ان يستأذن اذا جاء، فابي فجاء الانصاري الى رسول اللّه «ص» فشكا اليه، فطلب منه رسول اللّه «ص» ان يستأذن، فابى، فساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء اللّه، فابى ان يبيع، فقال: لك بها عذق في الجنّة، فابى ان يقبل، فقال رسول اللّه للأنصاري اذهب فاقلعها و ارم بها اليه، فانّه لا ضرر و لا ضرار «3». و نحوها غيرها.

و في شرح نهج البلاغة ما محصّله «انّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مأئة الف درهم ليروى انّه نزلت هذه الآية: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ يُشْهِدُ اللّٰهَ عَلىٰ مٰا فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصٰامِ» في امير المؤمنين، و قوله: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ» في ابن ملجم، فابى ان يقبل، فبذل له مأتى الف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة الف درهم فلم يقبل، فبذل

له أربعمائة الف درهم فقبل و روى ذلك» «4».

______________________________

(1)- المختلف 1/ 179.

(2)- المغني 2/ 622.

(3)- الوسائل، ج 17، الباب 12 من ابواب احياء الموات، الحديث 3.

(4)- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 4/ 73.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

و في تنقيح المقال عن تاريخ الطبرى في أحداث سنة الخمسين انّ زيادا استخلف سمرة على البصرة، فقتل بها ثمانية آلاف من الناس في ستة اشهر. فهذا بعض ما ذكروه في الرجل. و التفصيل يطلب من محلّه.

و في الفقيه: «و اذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي لك بذلك الفضل فعليك زكاته اذا حال عليه الحول. و ان لم يطلب منك المتاع برأس مالك فليس عليك زكاته» «1».

و نحو هذه العبارة في المقنع. و كذا في فقه الرضا الذي احتملنا كونه رسالة عليّ بن بابويه «2». و ظاهرها الوجوب.

و في المقنع أيضا: «اعلم انّه ليس على مال اليتيم زكاة الّا ان يتّجر به، فان اتجر به فعليه الزكاة». و لكن في اوّل زكاة المقنع: «باب ما يجب الزكاة عليه: اعلم انّ الزكاة على تسعة اشياء ... و عفا رسول اللّه «ص» عمّا سوى ذلك» «3». فالجمع بين كلماته يقتضى حمل الأوليين على السنة المؤكّدة، لا الوجوب.

و في المقنعة: «و كلّ متاع في التجارة طلب من مالكه بربح او برأس ماله فلم يبعه طالبا للفضل فيه، فحال عليه الحول ففيه الزكاة بحساب قيمته اذا بلغت ما يجب في مثله من المال الصامت الزكاة، سنة مؤكّدة على المأثور عن الصادقين «ع». و متى طلب بأقلّ من رأس ماله، فلم يبعه فلا زكاة عليه و ان حال عليه حول و احوال،

و قد روى انّه اذا باعه زكاه لسنة واحدة. و ذلك هو الاحتياط».

و في المقنعة أيضا: «لا زكاة عند آل الرسول في صامت اموال الأطفال و المجانين من الدراهم و الدنانير الّا ان يتجرّ الوليّ لهم او القيّم عليهم بها، فان اتّجر بها و تركها وجب عليه اخراج الزكاة منها» «4».

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه 2/ 11.

(2)- فقه الرضا/ 23.

(3)- الجوامع الفقهية/ 13.

(4)- المقنعة/ 40 و 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 184

..........

______________________________

و لا يخفى عدم وجود القائل بالوجوب في مال اليتيم و المجنون، و عدم الوجوب في غيرهما.

فبقرينة العبارة الاولى يجب ان يحمل الوجوب على كونه بمعنى الثبوت.

و في النّهاية: «فان كان معه مال يديره في التجارة استحبّ له اخراج الزكاة منه اذا دخل وقتها و كان رأس المال حاصلا او يكون معه الربح، فان كان قد نقص ماله او كان ما اشتراه طلب بأقل من رأس المال فليس عليه فيه شي ء، فان بقي عنده على هذا الوجه احوالا ثمّ باعه اخرج منه الزكاة لسنة واحدة».

و فيها أيضا في اموال الأطفال و المجانين: «فان اتّجر متّجر باموالهم نظرا لهم يستحبّ له ان يخرج من اموالهم الزكاة» «1».

و في الانتصار: «و ممّا ظنّ انفراد الاماميّة به نفي الزكاة عن عروض التجارة.

و قد وافقهم في ذلك داود بن علىّ. و هو قول ابن عباس بما يروونه عنه. و ابو حنيفة و اصحابه يوجبون في عروض التجارة الزكاة اذا بلغت قيمتها النصاب. و هو قول الثوري و الأوزاعي و ابن حيّ و الشافعي» «2».

و في الغنية: «فزكاة الاموال تجب في تسعة اشياء ... و لا تجب فيما عدا ما ذكرناه، بدليل الاجماع».

و فيها أيضا: «و امّا المسنون

من الزكاة ففي اموال التجارة اذا طلبت برأس المال او الربح ... بدليل الاجماع» «3».

و حيث عرفت بعض الكلمات فلنذكر اخبار المسألة.

و اعلم انّهم ذكروا للوجوب أو الاستحباب في المقام شروطا. فالواجب الالتفات اليها حتّى تظهر لنا دلالة الأخبار عليها أم لا:

الاوّل: النصاب، و انّه نصاب النقدين.

الثاني: الحول.

______________________________

(1)- النهاية/ 176 و 174.

(2)- الجوامع الفقهية/ 111.

(3)- الجوامع الفقهية/ 566 و 569.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

الثالث: ان يطلب في جميع الحول برأس المال أو بزيادة. فلو طلب في بعضه و لو في يوم بنقيصة فلا زكاة. نعم، لو باعه حينئذ زكّاه لسنة واحدة.

الرابع: ان يكون ملكه بالمعاوضة عليه بقصد الاسترباح فلو ملكه بالهبة أو الإرث أو نحوهما فلا زكاة و ان اعدّه للتجارة و الاسترباح، ذكره المشهور و ان استشكل فيه بعض كما يأتي.

[اخبار المسألة]

و كيف كان فمن اخبار المسألة ما رواه الكليني بسند صحيح، عن اسماعيل بن عبد الخالق، قال: سأله سعيد الاعرج و أنا اسمع، فقال: انا نكبس الزيت و السمن، نطلب به التجارة فرّبما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال: ان كنت تربح فيه شيئا او تجد رأس مالك فعليك زكاته، و ان كنت انّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة حتّى يصير ذهبا أو فضّة، فاذا صار ذهبا أو فضّة فزكّه للسنة الّتي اتّجرت فيها.

و رواه في قرب الاسناد، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن اسماعيل بن عبد الخالق، قال سأل سعيد الاعرج السّمان ابا عبد اللّه «ع» و ذكر مثله إلّا انّه قال: السنتين و السنين ان كنت تربح منه او يجي ء منه رأس ماله فعليك زكاته. و قال في آخره: فزكّه للسنة

التي يخرج فيها. «1»

و يظهر من قرب الاسناد ان المسؤول في نقل الكليني ابو عبد اللّه «ع». و الكبس بمعنى الضغط و العصر. و يظهر من ذكر السنة في الحديث اعتبارها، و انّ الزكاة امر سنوي، و لكن النصاب لا يستفاد منه.

و لا يستفاد من قوله: «تربح فيه شيئا او تجد رأس مالك» اعتبار كونه في تمام الحول كذلك، بل يظهر من مقابله، اعني قوله: «و ان كنت انّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة»، كفاية الربح و لو في بعض السنة. فانّ نقيض السلب الكلّى الايجاب الجزئي، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 186

..........

______________________________

و قوله في آخر الرواية: «فزكّه للسنة التي اتّجرت فيها»، يحتمل فيه امران: الأوّل: ان يراد ما ذكروه من استحباب الزكاة لسنة واحدة في فرض النقيصة بعد ما باعه. الثاني: ان يراد زكاة النقدين الواجبة. فيكون المراد بعد مضي الحول على النقد. و لم يذكره لعدم كونه في مقام بيان شرائط زكاة النقدين من الحول و النصاب و السكّة و نحوها.

و قوله: «تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك»، لعلّه كما قيل يستفاد منه كون ملكه بالمعاوضة عليه، لعدم صدق الربح و رأس المال إلّا في هذه الصورة، فتدبّر.

و من اخبار المسألة أيضا صحيحة محمد بن مسلم، قال سألت ابا عبد اللّه «ع» عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد زكّى ماله قبل ان يشترى المتاع متى يزكّيه؟ فقال:

ان امسك متاعه يبتغى به رأس ماله فليس عليه زكاة، و ان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما

امسكه بعد رأس المال. قال: و سألته عن الرجل توضع عنده الاموال يعمل بها، فقال: اذا حال عليه الحول فليزكّها «1».

و مورد السؤال صورة الاشتراء، و لكنّ المورد غير مخصّص.

و لكن يمكن ان يقال: انّ رأس المال لا يصدق إلّا في صورة كون ملكه بالمعاوضة المالية عليه.

و لا تدلّ هذه الصحيحة أيضا على اعتبار وجدان رأس المال أو الربح في تمام السنة، كما لا يخفى.

و يمكن ان يراد بذيل الصحيحة ما اذا وضع المال عنده ليعمل به و لكنّه صادف عدم العمل به. فيكون المراد زكاة النقدين.

و منها أيضا روايته الاخرى انّه قال: كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول. قال يونس: تفسيره انه كلّ ما عمل للتجارة من حيوان و غيره فعليه فيه الزكاة «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 187

..........

______________________________

و لعلّ الرواية أيضا صحيحة، و الترديد في اسماعيل بن مرّار. نعم، الرواية مقطوعة.

و لعلّها فتوى محمد بن مسلم. اللّهم الّا ان يقال انّه لا يفتى الّا بما سمعه من الامام «ع».

و لا يخفى انّ موضوع الحكم في الرواية اعم من ان يكون ملك بالمعاوضة او بغيرها.

و منها موثقة سماعة، قال: سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين و اكثر من ذلك، قال: ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلّا ان يكون اعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل. فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة. و ان لم يكن اعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتّى

يبيعه، و ان حبسه ما حبسه، فاذا هو باعه فانّما عليه زكاة سنة واحدة «1».

و الكلام فيه هو الكلام في صحيحتى اسماعيل بن عبد الخالق و محمد بن مسلم. الى غير ذلك من الأخبار، المذكورة في الباب 13 و 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، و الأخبار المستفيضة الواردة في التجارة بمال الطفل او المجنون، الحاكمة بتزكيته ان اتجر به، فراجع «2».

و اظهرها في الوجوب رواية محمد بن الفضيل، قال: «سألت ابا الحسن الرضا- عليه السلام- عن صبية صغار، لهم مال بيد ابيهم او اخيهم هل يجب على ما لهم زكاة؟ فقال:

لا يجب في ما لهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة، فامّا اذا كان موقوفا فلا زكاة عليه».

اللّهم إلّا ان يفسّر الوجوب بالثبوت لا الوجوب الاصطلاحي. و احتمال وجوب الزكاة في مال التجارة للطفل و المجنون و عدم وجوبها في مال غيرهما ممّا لم يقل به احد فيما اعلم. و يقرب ان يكون الزكاة في خبر ابي بصير «3» و بعض اخبار الباب الرابع عشر من ابواب المستحقّين أيضا من باب زكاة التجارة. و لذا يأمر بصرفها في التوسعة على العيال، فراجع، هذا.

و لكن في قبال هذه الاخبار المستفيضة، بل المتواترة اجمالا الدالّة على الوجوب روايات

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 و 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

مستفيضة تكون نصّا في عدم الوجوب، بل لعلّ الظاهر من بعضها عدم الاستحباب أيضا:

فمنها صحيحة زرارة، قال: كنت قاعدا عند ابي

جعفر «ع» و ليس عنده غير ابنه جعفر «ع» فقال: يا زرارة انّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه (ص) فقال عثمان:

كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول، فقال ابو ذر: امّا ما يتّجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة، انّما الزكاة فيه اذا كان ركازا أو كنزا موضوعا، فاذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك الى رسول اللّه (ص)، قال: فقال: القول ما قال ابو ذر. فقال ابو عبد اللّه «ع» لأبيه ما تريد إلّا ان يخرج مثل هذا فيكف الناس ان يعطوا فقرائهم و مساكينهم، فقال ابوه: إليك عنّي لا اجد منها بدّا «1».

و ظاهر الصحيحة عدم ثبوت الزكاة في مال التجارة اصلا، لا بنحو الوجوب، و لا بنحو الاستحباب.

و منها صحيحة سليمان بن خالد، قال: سئل ابو عبد اللّه «ع» عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه، فقال: هذا متاع موضوع، فاذا احببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي و افضل منه هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟ قال: لا، حتّى يبيعه قال: فهل يؤدّي عنه ان باعه لما مضى اذا كان متاعا؟ قال: لا «2»

و منها صحيحة زرارة الاخرى، عن ابي جعفر «ع» انّه قال: الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه «3».

و منها موثقة اسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام: الرجل يشتري الوصيفة، يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة؟ قال: لا، حتى يبيعها. قلت:

فان باعها أ يزكّي ثمنها؟ قال: لا، حتّى يحول عليها الحول

و هو في يده «4».

و منها خبر ابن بكير و عبيد و جماعة من اصحابنا، قالوا: قال أبو عبد اللّه «ع»: ليس في المال المضطرب به زكاة. فقال له اسماعيل ابنه: يا ابه جعلت فداك اهلكت فقراء اصحابك، فقال: اي بنيّ حقّ اراد اللّه ان يخرجه فخرج «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 189

[الجمع بين الأخبار]

______________________________

و استدلّ على عدم الوجوب أيضا مضافا الى هذه الأخبار بالأخبار الكثيرة، الحاصرة لما فيه الزكاة بالتسعة، الحاكمة بأن رسول اللّه «ص» وضع الزكاة عليها و عفا عمّا سواها، و بما مرّ من الغنية من الاجماع، و من الانتصار من ظن انفراد الاماميّة.

و الشيخ على ما هو من عادته جمع في التهذيبين بين الأخبار بحمل الأخبار الاولة على الاستحباب. و تقدّمه على ذلك استاذه المفيد في المقنعة. و تبعهما من تأخّر عنهما من اصحابنا:

و لكن ناقش في ذلك في الوافي، فقال: «في هذه الأخبار ما يشعر بأنّ الأخبار الأولة انّما وردت للتقية، إلّا ان صاحب التهذيبين و جماعة من الاصحاب حملوها على الاستحباب» «1».

و تبعه على ذلك صاحب الحدائق، فقال في ضمن كلام له: «الاستحباب حكم شرعي يتوقّف على الدليل الواضح. و مجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك، كما لا يخفى على المنصف. و مع

ذلك فانّه لا ينحصر الجمع بين الاخبار فيما ذكروه، بل لا يبعد حمل الروايات المتقدّمة على التقيّة، حيث انّ الوجوب مذهب ابي حنيفة و الشافعي و احمد على ما نقله في المعتبر و في صحيحة زرارة و موثقة ابن بكير و عبيد و جماعة من اصحابنا ما يشير الى ذلك».

و قد مرّ من صاحب الحدائق نظير ذلك في الاخبار الدالّة على ثبوت الزكاة في الغلّات غير الأربع.

و محصّل كلامه بتوضيح منّا انّ صرف الجمع التبرعيّ لا يكون ملاكا للفتوى بشي ء.

و الاستحباب أيضا مثل الوجوب حكم شرعي يحتاج الى الدليل، و الجمع المعتبر هو الجمع الذي يساعد عليه العرف، كما هو الحال بين العامّ و الخاص و المطلق و المقيد و كالأمر بشي ء ثمّ الترخيص في تركه، حيث يحمل الأمر حينئذ على الاستحباب. و ليس المقام كذلك، بل مفاد احد الدليلين ثبوت الزكاة بنحو الوضع و مفاد الآخر نفيها من غير اشعار فيه بثبوتها بنحو الاستحباب: فالدليلان متناقضان متباينان، فيجب الأخذ بما خالفهم «2».

______________________________

(1)- الوافي، ج 2، م 6/ 16.

(2)- الحدائق 12/ 108.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

و اجاب عن ذلك في الجواهر ما حاصله: «انّه لا تنافي بين التقية و بين الندب على ان تكون التقية بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتمادا على قرينة خارجيّة و جمعا بين التقيّة و الواقع. و دعوى انّ المراد بالامر حينئذ الوجوب تقيّة فلا دليل على الندب يدفعها اصالة حجيّة قول المعصوم، و انّه في مقام بيان حكم شرعي واقعي. و كما انّ التقيّة في مقام العمل تقتصر فيها على أقلّ ما تندفع به كذلك المستعمل فيها من قول المعصوم. و من ذلك ما نحن فيه، ضرورة

امكان كون التقيّة في ذلك التعبير الذي ذكرناه، فيبقى الندب بعد معلومية عدم ارادة الوجوب» «1».

و محصّل كلامه انّ مفاد الامر ينحلّ الى الطلب، و خصوصيّة الوجوب. و التقيّة تندفع برفع اليد عن خصوصيّة الوجوب، فيبقى اصل الطلب مرادا، اذ الضرورات تتقدّر بقدرها.

اقول: مبنى كلامه استعمال الامر في الوجوب، و كونه مركبا من اصل الطلب و المنع من الترك كما اشتهر. و كلاهما فاسدان، اذ الوجوب و الاستحباب ليسا مفادا للّفظ بحيث يستعمل فيهما، بل الصيغة وضعت للبعث و الترحيم القولي في قبال التحريك العملي. و ان شئت قلت: وضعت للطلب و هو امر بسيط.

نعم، البعث و الطلب من قبل المولى موضوع لحكم العقل بلزوم الاطاعة و استحقاق العقاب على المخالفة، إلّا ان يرخّص المولى بنفسه في الترك. فما وضع له اللّفظ و استعمل فيه هو البعث، و الوجوب حكم العقل يحكم به على الطلب المجرّد عن الترخيص. كما انّ الاستحباب ينتزع عن الطلب المقارن للترخيص.

و لو سلم تركب الوجوب فهو تركيب عقليّ تحليلي، فلا تسري التقيّة في بعض اجزائه دون الآخر ..

نعم، لو كان هنا لفظان و دار الامر بين حمل احدهما على التقيّة أو كليهما صحّ ما ذكره من ان الضرورات تتقدّر بقدرها، فيحفظ اصالة الجهة في احدهما، فتأمّل.

و الحاصل انّ اشكال صاحب الحدائق قويّ، و لا يندفع بما في الجواهر، و لا يلزم ان تكون

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 74.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

التقيّة من الفقهاء و المفتين، و لا بلحاظ حفظ الائمة عليهم السلام بل بلحاظ حفظ شيعتهم من شرّ السلاطين و الحكّام الجباة للزكوات بعنف و شدّة، فإنّها كانت اساس اقتصادهم.

فلعلّ الأئمة- عليهم السلام- ارادوا تقيّد الشيعة عملا باداء

الزكاة ممّا تعارف مطالبتها منه، دفعا لشرّ السلاطين و تخلّصا من مكائدهم. فانّ وظيفة القائد لقوم ملاحظة محيطهم و ما يكون دخيلا في حفظهم من كيد الاعداء.

نعم، هنا شي ء و هو انّ فقهاء السنة يوجبون الزكاة في مطلق مال التجارة، سواء طلب برأس المال، أم لا، و لم أر في كلماتهم اشتراطها بهذا الشرط.

و في المعتبر: «وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة و استحبابها. فلو نقص رأس المال و لو قيراطا في الحول كلّه أو في بعضه لم تجب الزكاة و ان كان ثمنه اضعاف النصاب. و عند بلوغ رأس المال يستأنف الحول. و على ذلك فقهاؤنا اجمع. و خالف الجمهور» «1».

فيظهر منه عدم اشتراط احدهم لهذا الشرط. و قد عرفت انّ عمدة دليلهم على الوجوب خبر سمرة. و ليس فيه أيضا اشعار باشتراطه، و لكن اخبارنا يستفاد من اكثرها اجمالا اشتراط ان يطلب برأس المال أو بزيادة. و لو صدرت تقيّة، لوجب ان تكون بنحو توافق فتاواهم و عملهم. فيظهر من ذلك عدم كونها للتقيّة.

و امّا ما في مصباح الفقيه من انّ صدور هذه الاخبار المتكاثرة لإظهار خلاف الواقع من غير سبق سؤال ملجئ لذلك في غاية البعد «2».

ففيه انّ اكثر الأخبار المذكورة هنا في الباب 13 مسبوقة بالسؤال. ثمّ انّ التقيّة لحفظ الشيعة لا تتوقف على وجود السؤال، بل عليه «ع» ايجاب الزكاة عليهم ابتداء بداعي حفظهم، كما عرفت.

و يمكن ان يوجّه الاستحباب في المقام بالآيات و الروايات الظاهرة في مطلوبية الانفاق

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

(2)- مصباح الفقيه/ 21.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 192

..........

______________________________

من كلّ شي ء.

كقوله تعالى: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»* «1» و قوله: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا

أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» 2 حيث ان الموصول للعموم، و قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «3» حيث انّ الجمع المضاف للعموم و تطهير النفوس و تزكيتها يترتب على كل انفاق. و عموم التعليل يقتضي عموم الحكم.

و ورد في اخبار مستفيضة انّ رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة و عفا عمّا سواها «4» و العفو لا يكون إلّا مع وجود المصلحة و المقتضي، فيظهر من ذلك وجود المصلحة في تزكية كلّ شي ء، فيثبت الاستحباب لوجود الملاك و انّما رفع الالزام تسهيلا. الى غير ذلك من الآيات و الروايات.

و قال الشيخ في النهاية: «و كلّ ما يملكه الانسان ممّا عدا التسعة الاشياء التي ذكرناها فانّه يستحبّ له ان يخرج منه الزكاة» «5».

و بالجملة فالزكاة ليست إلّا عبارة عن الانفاق في سبيل اللّه، و هي مطلوبة في كلّ الاشياء و منها مال التجارة، و لكن مقتضى هذا البيان عدم اعتبار النصاب، و لا الحول، و لا أن يطلب برأس المال و زيادة. اللهم إلّا ان يحكم بكون الاستحباب ذا مراتب و يعتبر الشروط في بعض مراتبه، فتأمّل.

و كيف كان فالقول بالاستحباب لا يخلو عن قوّة. و الاحسان حسن على كلّ حال.

______________________________

(1) (1، 2)- سورة البقرة، الآية 3 و 267.

(3)- سورة التوبة، الآية 103.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

(5)- النهاية/ 176.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 193

تعريف مال التجارة
[هو المال الذي أعدّه للتجارة و الاكتساب به]

و هو المال الذي تملّكه الشخص و أعدّه للتجارة و الاكتساب به، سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة أو بمثل الهبة أو الصلح المجاني أو الارث على الأقوى. و اعتبر بعضهم كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة، و سواء كان قصد الاكتساب

به من حين الانتقال إليه أو بعده و ان اعتبر بعضهم الأول (1). فالأقوى انّه مطلق المال الذي أعدّ للتجارة، فمن حين قصد

______________________________

(1) اقول: التجارة اخص من الكسب، فانّ الكسب عبارة عن الحرفة و الشغل الذي يتّخذه الانسان لجلب المال و تحصيله و ان لم يكن له رأس مال. فيصدق على انحاء الصناعات و الحرف و الاعمال اليدويّة.

و امّا التجارة فانّما تصدق على المعاوضة الواقعة بين المالين بقصد الاسترباح. فكأنّها تتقوّم بمعاوضتين: إحداهما بالفعل و الأخرى بالقصد، فيعطى رأس ماله و يعاوضه بالفعل بمال آخر بقصد ان يعاوضه في مكان آخر أو زمان آخر، فيرجع اليه رأس ماله بالربح.

و في قوله- تعالى: «تجارة عن تراض»، دلالة على اخذ المعاوضة في مفهومها، اذ التراضي من باب التفاعل، فيكون قائما باثنين فلا تصدق على ما لا معاوضة فيه كالهبة و الصدقة أو لم تكن بين مالين كالصداق و عوض الخلع. كما انّ الظاهر عدم صدقها على المعاوضة بقصد القنية كمن اشترى دارا لسكناه.

و هل يشترط في صدقها كون العوضين عينين أو تصدق أيضا على ما اذا كان المعوض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

من الحقوق المالية كمن بادل رأس ماله بمثل حقّ التحجير و نحوه بقصد ان يعاوضه باكثر منه فيربح؟ وجهان.

[لو اعدّ ما تملكه بغير المعاوضة للتجارة و الاسترباح]

و لو اعدّ ما تملكه بغير المعاوضة للتجارة و الاسترباح فهل يصدق عليه بصرف هذا الاعداد و النيّة عنوان مال التجارة أم لا؟ فيه كلام بين الاعلام. يظهر من المعتبر صدق ذلك و تبعه الشهيدان و بعض المتأخرين منهم المصنّف، و لكن المشهور بين الفريقين خلاف ذلك. فلنذكر بعض الكلمات في المسألة.

ففي الشرائع في تعريف مال التجارة: «هو المال الذي ملك بعقد معاوضة و

قصد به الاكتساب عند التملّك. فلو انتقل اليه بميراث أو هبة لم يزكّه. و كذا لو ملكه للقنية. و كذا لو اشتراه للتجارة ثمّ نوى به القنية» «1».

و ظاهر كلامه انّ مال التجارة اسم للمعوض الذي ملكه فعلا، و لكن الظاهر من الاخبار انّ موضوع الزكاة المال الذي حرّكه و اضطرب فصار بصورة المعوض بقصد الاسترباح في مقابل المال الصامت غير المتحرك. فكأنّ المال اسم للنقدين، اذ بهما تقدر مالية الاشياء. و المال قد يكون ثابتا، و قد يصير متحركا. ففي الأوّل تجب الزكاة، و في الثاني تستحب. فمن اعطى الدينار و اشترى به الحنطة بقصد الاسترباح فصورة الحنطة غير ملحوظة لديه، و اما ينظر اليها بما انّها حافظة لما له و مربحة له. ففي بعض الاخبار: «اذا حرّكته فعليك زكاته»، و في بعضها «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة»، و في التجارة بمال الطفل:

«لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة». الى غير ذلك من الاخبار.

قال في مصباح الفقيه: «فالأولى تفسير مال التجارة بانّه المال الذي عووض بمال آخر و قصد به الاكتساب عند المعاوضة»، اي المال المتّجر به، لأنّ هذا هو الذي اخذ موضوعا للحكم في الاخبار دون المال الذي وقع عوضا. فتفسيره بالمال الذي ملك بعقد معاوضة كما في المتن و غيره لا يخلو من مسامحة» «2».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 156.

(2)- مصباح الفقيه/ 75.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 195

..........

______________________________

و كيف كان ففي الشرائع اعتبر وقوع المعاوضة فعلا و مقارنة قصد الاكتساب له. و نحوه في القواعد و غيره.

و في زكاة الشيخ الأنصاري «ره»: «المراد بمال التجارة على ما ذكره جماعة ما ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب

به عند التملك. قيل ان هذا اصطلاح فقهي: و فيه نظر، فانّ الظاهر انّه معنى عرفي مستفاد من الأخبار الدالة على رجحان الزكاة في المال اذا اتّجر فيه، فانّ الظّاهر من التجارة بالمال المعاوضة عليه بقصد الاسترباح» «1»، هذا.

و في الخلاف (المسألة 116): «اذا ملك سلعة للقنية ثمّ نواها للتجارة لم تصر للتجارة بمجرد النيّة. و به قال الشافعي و ابو حنيفة و مالك. و قال الحسين الكرابيسي من اصحاب الشافعي تصير للتجارة بمجرد النيّة. و به قال احمد و اسحاق» «2».

و في المبسوط: «اذا كانت معه سلعة للتجارة فنوى بها القنية سقطت زكاته. و ان كانت عنده للقنية فنوى بها التجارة لا تصير تجارة حتّى يتصرّف فيها للتجارة» «3».

و في المعتبر: «مسألة: يشترط في وجوب الزكاة نيّة الاكتساب بها عند تملّكها. و هو اتّفاق العلماء، و ان يكون اكتسابها بفعله كالابتياع و الاكتسابات المحلّلة. و هل يشترط ان يكون تملّكها بعوض؟ فيه تردّد. اشبهه انّه شرط. فلو ملكه بهبة أو احتطاب أو احتشاش لم يجب، لما روى محمد بن مسلم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان امسك متاعه يبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة، و ان حبسه و هو يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما امسكه بعد رأس ماله، و ما رواه ابو الربيع الشامي، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان امسكه التماس الفضل على رأس ماله فعليه الزكاة. و هذا يدلّ على اعتبار رأس المال فيه ... فرع: قال الشيخ لو نوى بمال القنية التجارة لم يدر في حول التجارة بالنيّة. و به قال الشافعي و ابو حنيفة و مالك، لأنّ التجارة عمل فلا يصير كذلك بالنيّة، كما لو نوى

سوم المعاملة و لم يسمها. و قال اسحاق:

يدور في الحول بالنيّة. و به رواية عن احمد، لما رواه عن سمرة، قال: امرنا رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 494.

(2)- الخلاف 1/ 311.

(3)- المبسوط 1/ 222.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

ان نخرج الصدقة ممّا نعدّه للبيع، و بالنيّة يصير كذلك. و هذا عندي قويّ، لأنّ التجارة هو ان يطلب به زيادة على رأس ماله و ينوي بها البيع كذلك. فيجب الزكاة بظاهر الروايتين اللّتين سبقتا و قولهم: التجارة عمل. قلنا لا نسلّم انّ الزكاة تتعلّق بالفعل الذي هو البيع، بل لم لا يكفي اعداد السلعة لطلب الربح؟ و ذلك يتحقّق بالنيّة، و لأنّه لو نوى القنية بأمتعة التجارة صحّ بالنيّة اتفاقا، فكذا لو نوى الاكتساب» «1».

و في المدارك بعد نقل ما قواه في المعتبر قال: «و الى هذا القول ذهب الشهيد في الدروس و الشارح في جملة من كتبه. و لا باس به» «2».

و في الجواهر بعد ذكر مقارنة قصد التكسّب لحال التملّك قال ما حاصله: «ظاهر المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما ذلك، بل في المدارك: «ذهب علماؤنا و اكثر العامّة الى اعتبارها». و عن المعتبر: «انّه موضع وفاق». لكنّ الذي يقوي في النظر عدمه، لإطلاق الأدلّة، و لصدق التجارة عليه عرفا بذلك، و لأنّه كما يقدح نيّة القنية في التجارة فكذا يقدح نيّة التجارة في القنية، و لأنّ المؤثّر حال التملّك نيّة التجارة فلا فرق».

ثم حكى كلام المعتبر، ثم قال: «بل ان لم ينعقد اجماع على اعتبار الملك بعقد معاوضة لأمكن المناقشة فيه، بصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبة، بل بارث مع نيّة التجارة به اذا كان هو كذلك عند المنتقل

منه. و رأس المال الموجود في النصوص لا يعتبر فيه كونه من مالك العين، اذ المراد به ثمن المتاع في نفسه و ان كان من الواهب و المورّث. و ظهور بعض النصوص في ذلك مع انّه مبنيّ على الغالب ليس هو على جهة الشرطية كي ينافي ما دلّ على العموم» «3». ثمّ ذكر روايات محمّد بن مسلم، و الكرخي، و شعيب الآتية دليلا للعموم.

اقول: لا يخفى ان المسألة ليست من المسائل الاصليّة المعنونة في الكتب الاصليّة حتى تفيد فيها دعوى الاجماع أو الاتّفاق. فلا ترى في المقنع و الهداية و المقنعة و النهاية تعريف مال التجارة و لا مسألة كفاية النيّة فيها، نعم، تعرّض لها الشيخ في مبسوطه و خلافه، حيث

______________________________

(1)- المعتبر/ 272.

(2)- المدارك/ 308.

(3)- الجواهر 15/ 290.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 197

..........

______________________________

كانت معنونة عند فقهاء السنة كما عرفت. و الاصل الأوّلي يقتضي عدم الزكاة إلّا فيما ثبت بالدليل. و ثبوت اطلاق الادلّة أو العموم فيها محل تأمّل، كما يأتي.

و عنوان مال التجارة و ان امكن اطلاقه على ما اعدّ للتجارة بعلاقة الأول و المشارفة أو لأنّه في الاضافة يكفي ادنى ملابسة و لكنّ اطلاقه ينصرف الى المال المستعمل فعلا في عمل التجارة، لا مطلق ما اعدّ لها، كما يظهر من ملاحظة النظائر كمال الاجارة و المضاربة و نحوهما.

و لو سلّم فليس هذا العنوان موضوعا للحكم في اخبار المسألة، بل هي بين ما هو ظاهر في اعتبار العمل و الاتجار بالفعل و بين ما يكون مورده ذلك.

امّا الروايات المستفيضة الواردة في مال اليتيم و المجنون ففي صحيحة محمّد بن مسلم منها:

«هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: لا، إلّا ان يتّجر به أو تعمل

به». و في خبر السمان:

«ليس في مال اليتيم زكاة إلّا ان يتّجر به». و في خبر ابي العطارد: اذا حرّكته فعليك زكاته»، و في خبر محمّد بن الفضيل: «لا يجب في ما لهم زكاة حتى يعمل به فاذا عمل به وجبت الزكاة، فامّا اذا كان موقوفا فلا زكاة فيه». و في صحيحة زرارة و بكير: «ليس على مال اليتيم زكاة إلّا ان يتّجر به، فان اتّجر به ففيه الزكاة». و في صحيحة عبد الرحمن: «ان كان عمل به فعليها زكاة، و ان لم يعمل به فلا». و في خبر موسى بن بكر: «ان كان اخوها يتجر به فعليه زكاة» «1».

فالموضوع في الجميع هو الاتجار أو العمل و الظاهر منها تحقّق العمل و الاتّجار خارجا.

و امّا اخبار استحباب الزكاة في مال التجارة «2» فقوله في صحيحة اسماعيل: «نطلب به التجارة» و ان كان يوهم كفاية الاعداد و النيّة و لكن قوله بعد ذلك: «ان كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته ...»، يستفاد منه وقوع المعاوضة عليه فعلا بقصد الاسترباح، لشهادة الربح و الوضيعة و رأس المال بذلك.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 2 و 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 198

..........

______________________________

و حمل رأس المال على ثمن المتاع في نفسه و ان كان من الواهب أو المورث كما في الجواهر خلاف الظاهر جدّا، و لا سيما مع اضافته الى كاف الخطاب.

و يأتي هذا البيان في اكثر اخبار الباب، مضافا الى كون المورد في بعضها صورة الاشتراء و الكساد، فراجع اخبار الباب. فانّ المستفاد من رأس المال و

الربح و الفضل و الوضيعة و النقصان و البوار و الكساد المذكور فيها تحقّق المعاوضة فعلا بقصد الاسترباح.

فلا يستفاد منها صورة الاعداد فقط. هذا.

و قد تمسك في الجواهر «1» للعموم كما عرفت بخبر محمّد بن مسلم انّه قال: كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول. قال يونس: تفسيره انّه كلّ ما عمل للتجارة من حيوان و غيره فعليه فيه الزكاة. و بخبر خالد بن حجاج الكرخي، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة فقال: ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلا على فضلك فزكّه، و ما كانت من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي ء آخر «2» و بخبر شعيب، قال: قال ابو عبد اللّه «ع»: كلّ شي ء جرّ عليك المال فزكه، و كلّ شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به «3».

اقول: امّا الأوّل فمضافا الى كونه مقطوعا و احتمال كونه من فتاوي محمّد بن مسلم يرد عليه انّه على الخلاف ادلّ، اذ الظاهر منه المال الذي وقع العمل عليه خارجا، و المراد من العمل المعاوضة كما يظهر بالتدبّر في موارد استعماله. و كذا الكلام في تفسير يونس.

كما انّ الظاهر من لفظ التجارة في خبر الكرخي التجارة الفعليّة، و من لفظ الفضل فيه الزيادة على رأس ماله الذي عاوض عليه.

و امّا خبر شعيب ففيه أولا: انّ الظاهر منه وقوع جرّ المال للربح خارجا، فيراد منه المال الذي عووض بمال آخر بقصد الاسترباح، ثمّ وقعت معاملة ثانية على العوض فحصّل الربح فعلا. فهو اخصّ من المال الذي وقعت التجارة عليه. فيراد من الخبر انّ المال الذي جرّ

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 291.

(2)- الوسائل، ج

6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8 و 5.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 199

..........

______________________________

الربح فعلا يزكّى و ان لم يبق المال الأوّل بشخصه طول السنة، و امّا المال الذي ورثته أو وهب لك فلا تتعلّق الزكاة به إلّا اذا بقي بشخصه طول السنة، اعني زكاة النقدين. هذا على فرض نصب المال.

و ثانيا: ان المحتمل كما يظهر من عنوان الوسائل أيضا رفع المال فاعلا و تقدّم المفعول.

فيكون المراد عدم اعتبار الحول في الربح زائدا على اصل المال، بل يكون في الحول تابعا للأصل. كما افتى به بعض السنة و سيجي ء البحث عنه. فمفاد الخبر انّ الربح لا يعتبر فيه الحول بخلاف الهبة و الارث. و لعلّ هذا الاحتمال اظهر، فتدبّر.

و بالجملة الاخبار الثلاثة لا شهادة فيها لما في الجواهر.

نعم، يمكن الاستدلال للتعميم بموثقة سماعة عن ابي عبد اللّه «ع» قال: «ليس على الرقيق زكاة إلّا رقيق يبتغي به التجارة، فانّه من المال الذي يزكّى» «1»، حيث انّ الظاهر منها كفاية الابتغاء و الطلب فتشمل الارث و الهبة و القنية اذا اعدّت لأن يتّجر بها. و يؤيّد ذلك بما رواه ابو داود بسنده عن سمرة بن جندب، قال: «امّا بعد فانّ رسول اللّه «ص» كان يأمرنا ان نخرج الصدقة من الذي نعدّه للبيع» «2» و قد مرّ ان هذا الخبر عمدة ما استدل به الجمهور على وجوب الزكاة في مال التجارة. و استدلّ به احمد على كفاية الاعداد و النيّة.

و الحقّ معه في محيط فقههم. و لا يخفى ان في نقل الجواهر هذا الخبر عن المعتبر اشتباها بينا، حيث

اضاف الى ذيله كلمة: «بالنيّة»، فراجع الجواهر «3» و ما حكيناه عن المعتبر في المسألة.

و يمكن ان يقرّب التعميم أيضا بادّعاء الغاء الخصوصية و العلم بعدم دخالة سبب التملّك و كونه معاوضة و كذا مقارنة قصد التكسّب له. بل بالدقّة في الاخبار يمكن ان يستفاد انّ الملاك كلّ الملاك هو حبس المال بقصد ازدياد الفضل. فمن له الغنم فعليه الغرم. نظير ما قلنا في زكاة النقدين من انّهما وضعا للدوران و الانتاج. فمن حبسهما سنة فجزاؤه ان يزكّيهما. و بالجملة لا يرى وجه لدخالة خصوصيّة المعاوضة أو مقارنة القصد، بل المؤثر هو نيّة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- سنن ابي داود 2/ 95، كتاب الزكاة، باب العروض اذا كانت للتجارة، الحديث 1562.

(3)- الجواهر 15/ 290.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 200

الاعداد يدخل في هذا العنوان، و لو كان قصده حين التملّك- بالمعاوضة أو بغيرها- الاقتناء و الأخذ للقنية.

[لا فرق فيه بين أن يكون ممّا يتعلّق به الزكاة و بين غيره]

و لا فرق فيه بين أن يكون ممّا يتعلّق به الزكاة المالية- وجوبا أو استحبابا- و بين غيره كالتجارة بالخضروات مثلا (1)، و لا بين أن يكون من

______________________________

الاتّجار و الاسترباح. و لعلّه اشار الى هذه النكتة في الجواهر حيث قال كما مرّ: «و لأنّ المؤثّر حال التملّك نيّة التجارة فلا فرق» «1».

و الحاصل انّ الاصل يقتضي عدم التعميم. و عمدة اخبار المسألة أيضا تختص ظهورا أو موردا بصورة وقوع المعاوضة فعلا، و لكن موثقة سماعة ظاهرة في كفاية الاعداد و النيّة.

و يؤيّدها خبر سمرة، و تقرّب بهذا التقريب الاعتباري. هذا.

و قد يجاب عن الموثقة كما في مصباح الفقيه اوّلا، بأنّ المنساق منها ارادة العبد المقصود بتملّكه الاتّجار، لا

الخدمة. مثل ما يشتريه النخاس الذي عمله الاتّجار بالرقيق. و ثانيا.

بانّ سوق الرواية يشهد بكون اطلاقها مسوقا لبيان العقد السلبيّ، فلا ظهور لها في ارادة الاطلاق بالنسبة الى العقد الاثباتي اعني المستثنى «2».

اقول: ظاهر الموثقة كون تمام الموضوع نفس الابتغاء. و الانصراف يمكن منعه، فيجب الأخذ بالاطلاق. و لا نسلم عدم كونها في مقام البيان بالنسبة الى العقد الاثباتي، فان تعقيب المستثنى بقوله: «فانّه من المال الذي يزكّى»، يوجب الظهور في كونها في مقام بيان العقدين معا، فتدبّر.

(1) كما صرّح به في المسالك «3» و يقتضيه اطلاق النصوص. و ليس النظر هنا الى صورة تحقّق شرائط الزكاتين و تزاحمهما، فانّ البحث عنها يأتي في المسألة الاولى الآتية، بل المراد كون جنس مال التجارة من الاجناس التسعة أو من غيرها، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 290.

(2)- مصباح الفقيه/ 76.

(3)- المسالك 1/ 57.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 201

الأعيان أو المنافع (1) كما لو استأجر دارا بنية التجارة.

______________________________

(1) في البيان: «و لو استأجر دارا بنيّة التجارة أو آجر امتعة التجارة فهي تجارة» «1».

و في المسالك: «و يدخل فيه العين و المنفعة و ان كان في تسمية المنفعة مالا خفاء.

فلو استأجر عقارا للتكسّب تحقّقت التجارة» «2».

اقول: لا خفاء في كون المنفعة مالا، فانّ المراد بالمال ماله قيمة و يبذل بازائه المال، و انما الخفاء في كون التكسب بها تجارة، لما عرفت من ان الكسب اعم من التجارة و ظاهر التجارة المعاوضة على العين بقصد الاسترباح و شمول قوله في خبر محمّد بن مسلم: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة» للمنافع كما في المستمسك ممنوع، اذ الظاهر من العمل التجارة كما يظهر من موارد استعماله في الاخبار.

قال في

الجواهر بعد نقل ما في البيان و المسالك: «قلت: قد يناقش في استفادة ذلك من الادلّة، ضرورة ظهورها في الامتعة و نحوها، كما نصّ على ذلك بعض مشايخنا، بل هو الظاهر من المقنعة و غيرها. و حينئذ فما يأتي من مسألة العقار المتّخذ للنماء قسم مستقلّ لا يندرج في مال التجارة» «3».

نعم يمكن الاستدلال للاستحباب في المنافع بعموم قوله- تعالى-: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ». و لكن كونه من افراد مال التجارة ممنوع، فتدبّر.

______________________________

(1)- البيان/ 188.

(2)- المسالك 1/ 57.

(3)- الجواهر 15/ 263.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 202

شروط الزكاة في مال التجارة
اشارة

و يشترط فيه امور:

1 الأول: النصاب

الأول: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين (1)، فلا زكاة فيما لا يبلغه.

______________________________

(1) في الشرائع: «الاول: النصاب، و يعتبر وجوده في الحول كله، فلو نقص في اثناء الحول و لو يوما سقط الاستحباب» «1».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة و غيرها الإجماع عليه، بل عن صريح نهاية الاحكام ذلك، بل في المعتبر و محكى المنتهى و كشف الالتباس و غيرها انه قول علماء الإسلام» «2».

و في الحدائق: «احدها بلوغ النصاب، و هو نصاب النقدين ... و هو مجمع عليه من الخاصة و العامة». ثم قال: «و المسألة لا تخلو من اشكال، فان ظاهر الروايات الإطلاق» «3».

و الإشكال ناش من طريقته بالخدشة في اصل حجية الإجماع. هذا.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 156.

(2)- الجواهر 15/ 265.

(3)- الحدائق 12/ 146.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

و في المعتبر: «مسألة: بلوغ القيمة نصابا شرط في الوجوب. و عليه علماء الإسلام.

فلو ملك ما ينقص عن النصاب ثمّ تمّ في اثناء الحول استأنف الحول من حين بلوغه. و هو قول الشافعي، و ابي حنيفة، و احمد، و مالك؛ ثم اختلفوا. و الذي يختار الاصحاب اعتبار وجود النصاب من اول الحول الى آخره ... و به قال الشافعي، و احمد. و قال مالك: ينعقد الحول على ما دون النصاب، فاذا تم الحول و قد كمل نصابا وجبت الزكاة. و قال ابو حنيفة:

يعتبر النصاب في اول الحول و آخره لا في وسطه» «1».

و في المنتهى: «و يشترط في ثبوت الزكاة بلوغ النصاب، و هو قول علماء الإسلام.

فلو ملك دون النصاب و حال عليه الحول لم يثبت الزكاة اجماعا» «2».

و كيف كان فاخبار زكاة مال التجارة بكثرتها خالية

عن ذكر النصاب. و ما قيل او يمكن ان يقال في مقام الاستدلال عليه امور:

الأوّل: اصالة عدم الثبوت فيما قلّ عن النصاب.

و فيه عدم المجال للأصل بعد اطلاق الاخبار.

الثاني: اجماع علماء الإسلام كما مرّ في كلماتهم، و هو العمدة و ان استشكل فيه صاحب الحدائق كما مرّ.

الثالث: ان الظاهر من اخبار الباب هو ان هذه الزكاة بعينها زكاة المال و لكن المتحرك منه، فكأن المال المتبلور في النقدين منقسم الى قسمين: ثابت صامت، و متحرك دائر. ففي الاول تجب الزكاة و في الثاني تستحبّ. فقوله: «ليس في مال اليتيم زكاة إلّا ان يتجر به»، و قوله: «اذا حرّكته فعليك زكاته»، و قوله: «لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة، فامّا اذا كان موقوفا فلا زكاة عليه» «3»، و قوله: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة» «4»، و قوله: «كل شي ء جرّ عليك المال فزكه، و كل شي ء

______________________________

(1)- المعتبر/ 272.

(2)- المنتهى 1/ 507.

(3)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 204

..........

______________________________

ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «1»، الى غير ذلك من الاخبار. يستفاد من ذلك كلّه ان زكاة التجارة هي زكاة نفس المال الأوّل المتحرك في التجارة المحفوظة ماليته ضمن ابداله، فهي في الحقيقة زكاة النقدين فيثبت فيها ما ثبت فيهما و من جملة ذلك النصاب.

الرابع: ان خلوّ النصوص مع كثرتها و كونها في مقام البيان عن بيان النصاب دال على الاعتماد في ذلك على نصاب النقدين.

و فيه انه لو ذكر النصاب فيها اجمالا امكن

الاعتماد في مقداره على نصابهما، و لكن السكوت المطلق عنه يمكن ان يكون لعدم اعتبار النصاب اصلا.

الخامس: ان الاخبار المستفيضة الدالّة على عدم الزكاة في الذهب حتى تبلغ عشرين دينارا، و في الفضّة حتى تبلغ مأتي درهم تشمل باطلاقها الاحوالي للزكاة المستحبة أيضا فيما اذا صارتا مال تجارة، فيتمّ في غيرهما بعدم الفصل.

و فيه عدم حجية ذلك إلّا ان يرجع الى القول بعدم الفصل، و على فرض ذلك فلا يزيد هذا الاجماع المركب عن الاجماع البسيط الذي مرّ.

السادس: موثقة اسحاق بن عمّار، عن أبي ابراهيم- عليه السلام- قال: قلت له:

تسعون و مأئة درهم و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال: اذا اجتمع الذهب و الفضّة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة لأن عين المال الدراهم، و كلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات «2».

و لا يخفى ان نصاب الغلات بالاوساق، و الانعام بالعدد، فالعرض المردود في الزكاة الى الدراهم ينحصر في مال التجارة. فذيل الرواية دال على المقصود. و لعل الذيل يشهد بكون المورد في الصدر أيضا صورة كون النقدين مال التجارة، و إلّا فمن الواضح الثابت بالاخبار و الفتاوى عندنا عدم تتميم نصاب احد النقدين بالآخر. و قد مرّ في محلّه في المسألة العاشرة من زكاة النقدين.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 205

و الظاهر انّه كالنقدين في النصاب الثاني أيضا (1).

______________________________

و على ما احتملناه من كون الذهب مال التجارة أيضا يمكن ان يحمل صحيحة

محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: اذا بلغ قيمته مأتي درهم فعليه الزكاة «1». و إلّا فالذهب له نصاب مستقل.

و كيف كان فاعتبار النصاب في مال التجارة و كونه عين نصاب النقدين واضح بعد ما ذكرنا و ان توسوس فيه بعض المتأخرين كما في الجواهر.

(1) كما عن غير واحد التصريح به، و كأنه مفروغ عنه عندنا. نعم، عن الشهيد الثاني التأمل فيه. قال سبطه في المدارك: «ما ذكره جدّي في حواشي القواعد من انه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا و ان العامّة صرحوا باعتبار الاول خاصة غير جيد، لان الدليل على اعتبار الاول هو بعينه الدليل على اعتبار الثاني، و الجمهور انما لم يعتبروا الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين كما ذكره في التذكرة» «2».

أقول: و لقد اجاد فيما افاد. و قد مرّ في زكاة النقدين ان ابا حنيفة منهم قائل بالنصاب الثاني فيهما، و انكره الباقون، فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- المدارك/ 308.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 206

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 206

2: الحول

الثاني: مضيّ الحول عليه (1).

______________________________

(1) في المعتبر: «اما اشتراط الحول فعليه اتفاق علماء الإسلام. و يؤيده قوله «ص»:

لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» «1».

و في المنتهى: «الحول شرط في زكاة التجارة، سواء قلنا بالوجوب أو الاستحباب: و هو قول علماء الإسلام» «2».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه»

«3».

و استدل عليه مضافا الى ذلك بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ...

و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها. فقال: اذا حال عليه الحول فليزكّها «4».

و لا يخفى ان قوله: «يعمل بها» لا صراحة له في وقوع العمل بالفعل، لاحتمال ان يكون معناه ان الوضع عنده كان للعمل. و حينئذ فيكون المقصود حلول الحول على نفس المال الموضوع عنده قبل ان يعمل به. فالزكاة زكاة النقدين الواجبة لا زكاة مال التجارة.

و استدل أيضا بخبر محمّد بن مسلم انّه قال: كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول «5».

______________________________

(1)- المعتبر/ 271.

(2)- المنتهى 1/ 507

(3)- الجواهر 15/ 270.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 207

من حين قصد التكسب (1).

______________________________

و ظهوره في مال التجارة واضح، و لكن الخبر مقطوع. و يحتمل كونه فتوى محمّد بن مسلم اخذها من الصحيحة.

و استدل أيضا بصحيحة علي بن يقطين، عن ابي ابراهيم «ع» قال: قلت له: انّه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة أ نزكّيه؟ فقال: لا، كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء «1» ...

و يمكن ان يقال ان كون ذيل الحديث مرتبطا بزكاة النقدين يمكن ان يصير قرينة على كون المراد بالشي ء المسؤول عنه احد النقدين، فلا عموم في الجواب. هذا.

و في سنن ابي داود، عن عليّ «ع» عن النبي «ص»: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» «2».

و

في التاج، عن ابن عمر، عن النبي «ص»: «من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه. رواه الترمذي و ابو داود» «3».

و كيف كان فالمسألة واضحة اجمالا. و انما الاشكال في ان اللازم بقاء عين السلعة حولا، أو بقاء رأس المال و ان تبدل بابدال مختلفة؟ و سيأتي بيانه في الشرط الرابع.

(1) بناء على كفاية القصد و النية، كما قواه المصنف. و لو اعتبر وقوع المعاوضة عليه فعلا بهذا القصد فالابتداء من حين وقوعها.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- سنن ابي داود، ج 2، باب زكاة السائمة، الحديث 1573.

(3)- التاج، ج 2، الباب 3 من ابواب الزكاة، الحديث الاخير.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 208

3: بقاء قصد الاكتساب

الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحلول، فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم (1)،

______________________________

(1) في المبسوط: «اذا كانت معه سلعة للتجارة فنوى بها القنية سقطت زكاته» «1».

و في الشرائع: «فلو نقص رأس ماله، أو نوى به القنية انقطع الحول» «2».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه» «3».

و في المعتبر في الاستدلال على كفاية النيّة قال: «و لأنه لو نوى القنية بأمتعة التجارة صح بالنيّة اتفاقا، فكذا لو نوى الاكتساب» «4». و بالجملة ادعى على المسألة الاتفاق و عدم الخلاف، و لكن استكشاف قول المعصوم بذلك مع عدم كون المسألة معنونة بين القدماء في الكتب الاصلية مشكل.

و في المستمسك: «و يقتضيه ما دل على اعتبار الحول، فان الظاهر منه حولان الحول على المال بماله من الخصوصيات المعتبرة فيه التي منها قصد الاسترباح» «5».

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 222.

(2)- الشرائع 1/ 157.

(3)- الجواهر 15/ 270.

(4)- المعتبر/ 272.

(5)-

المستمسك 9/ 202.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 209

و إن عاد الى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه (1).

______________________________

أقول: لأحد ان يقول: ان اشتراط حكم بشروط لا يستلزم اشتراط الشروط بعضها ببعض، فالحول شرط في عرض سائر الشروط. و من المحتمل ان يكون عنوان التجارة بحدوثها كاف في تحقق الحكم و بقائه. و يقتضيه الاستصحاب أيضا. هذا.

و لكن الظاهر من قوله في خبر محمد بن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» رجوع الضمير المجرور بعلى الى المال مع وصف كونه معمولا به، فتأمّل.

(1) بناء على كفاية القصد، و إلّا اعتبر وقوع المعاوضة عليه ثانيا و الابتداء منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 210

4. بقاء رأس المال طول الحول

الرابع: بقاء رأس المال بعينه (1) طول الحول.

______________________________

(1) في العبارة احتمالان: الاول: ان يراد اشتراط بقاء عين السلعة المعاوض عليها بقصد الاسترباح أو المقصود بها ذلك في قبال كفاية بقاء المالية و ان تبدلت العين.

الثاني: ان يراد اشتراط بقاء رأس المال و لو بابداله طول الحول، في قبال فتوى ابي حنيفة القائل بكفاية وجود النصاب في اوّل الحول و آخره و ان نقص في الوسط.

و الظاهر ارادة المصنف الأوّل بقرينة ما يأتي منه في المسألة الثانية من القول بسقوط زكاة التجارة أيضا بالمعاوضة في اثناء الحول.

و كيف كان فظاهر المفيد و المحقق و المدارك اشتراط بقاء عين السلعة طول الحول و جعله في الحدائق اظهر القولين، و لعله ظاهر الصدوق أيضا.

و صريح العلامة و ولده و الشهيدين كفاية بقاء المالية و ان تبدلت العين، بل في التذكرة و الايضاح الاجماع و الاتفاق على ذلك، و اختاره في الجواهر و مصباح الفقيه و الشيخ الاعظم في

زكاته، و يظهر من الفقه على المذاهب الاربعة اختيار الشافعية أيضا لذلك، و هو الاقوى.

فالاولى نقل بعض الكلمات و يظهر في ضمن الكلام حكم المسألة الثانية الآتية أيضا.

ففي المقنعة: «و كل متاع في التجارة طلب من مالكه بربح أو برأس ماله فلم يبعه طالبا للفضل فيه فحال عليه الحول ففيه الزكاة ...» «1». فظاهر هذه العبارة حول الحول على

______________________________

(1)- المقنعة/ 40.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 211

..........

______________________________

عين المتاع.

و في المقنع: «اذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته اذا حال عليه الحول» «1». و نحو ذلك في الفقيه و فقه الرضا، كما مرّ. فان رجع الضمير المجرور الى المتاع كان مفاده مثل ما في المقنعة، و لكن من المحتمل رجوعه الى المال، فيكفي بقاء المالية.

و في المعتبر في مسألتي اشتراء مال التجارة بالنقدين و بيعه بهما حكم باستيناف الحول.

قال: «لأن الحول معتبر في السلعة، و اذا نض الثمن كان غيرا لها، فلا يكون حول احدهما حولا للآخر» «2». و ظاهره اعتبار الحول في شخص السلعة.

و في الشرائع: «لو عاوض اربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية و التجارة و استأنف الحول فيهما. و قيل بل يثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة، لان اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك و الاول اشبه» «3».

و الظاهر منه بقرينة التعبير بالسقوط كون الأربعين الاولى أيضا للتجارة، فيظهر منه اشتراط بقاء العين في التجارة و عدم كفاية بقاء المالية فقط.

و لكن في المسالك احتمل تعلق الجارّ، اعني قوله: «للتجارة» بالأربعين الثانية فقط، و حمل الأولى على القنية، و حمل سقوط

التجارة على الارتفاع الاصلي و هو انتفاؤها. قال:

«و غايته ان يكون مجازا، و هو اولى من اختلال المعنى مع الحقيقة، أو يقدّر لوجوب التجارة عامل محذوف غير السقوط» «4».

أقول: ما احتمله هو و غيره توجيهات غير ظاهرة لا داعي للالتزام بها.

و ما حكاه الشرائع من القول لعله ناظر الى كلام الشيخ في المبسوط. قال فيه: «اذا كان عنده اربعون شاة سائمة للتجارة ستة أشهر فاشترى بها أربعين شاة سائمة للتجارة كان

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 14.

(2)- المعتبر/ 272.

(3)- الشرائع 1/ 158.

(4)- المسالك 1/ 58.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 212

..........

______________________________

حول الاصل حولها في اخراج زكاة مال التجارة، و لا يلزمه زكاة العين، لأنه لم يحل على كل واحد منهما الحول. و على ما قلناه انه يتعلق الزكاة بالعين ينبغي ان نقول انه يؤخذ زكاة العين، لأنه بادل بما هو من جنسه، و الزكاة تتعلق بالعين و قد حال عليه الحول» «1».

و انت ترى ان الشيخ أيضا ممن لا يعتبر بقاء العين في زكاة التجارة، و اما في زكاة المالية فأفتى أوّلا باعتبار بقائها حولا ثمّ ناقش في ذلك، و اذا فرض وجوب المالية سقطت زكاة التجارة، لا لانقطاع الحول، بل لما يأتي من عدم وجوبهما معا و تقدم المالية على التجارة.

هذا.

و يظهر ذلك مما في التذكرة. قال: «لو اشترى اربعين سائمة للتجارة فعاوض بها في اثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضا فان شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت و ثبتت زكاة التجارة لعدم المانع، و إلّا أوجبنا زكاة المال» «2».

و في التذكرة أيضا: «لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول اجماعا، بل قيمتها و بلوغ القيمة النصاب» «3».

و في القواعد: «و لو عاوض اربعين سائمة

بمثلها للتجارة استأنف حول المالية على رأي» «4».

قال: في الايضاح في شرح العبارة: «و اعلم ان قوله: استأنف حول المالية، لا يريد به ابطال حول التجارة، فان الفريقين اتّفقا على ان حول التجارة باق» «5».

و فيه أيضا: «اذا كانت الاولى للتجارة و المسألة بحالها ثم عاوضها بمثلها للتجارة أيضا فلا خلاف بين الكل في بناء حول التجارة على حول الاولى، و انما النزاع في بناء حول القنية» «6».

و بالجملة في المسألة قولان. و استدل للقول الاول بظهور ما دل على اعتبار الحول.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 223.

(2)- التذكرة 1/ 229.

(3)- التذكرة 1/ 229.

(4)- القواعد 1/ 56.

(5)- الايضاح 1/ 187.

(6)- الايضاح 1/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 213

..........

______________________________

فقوله: «كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة»، يشمل باطلاقه المالية و التجارة معا، و ظاهره حول الحول على الشخص.

و استدل عليه أيضا- كما في المدارك- بان مورد النصوص المتضمنة لثبوت هذه الزكاة السلعة الباقية طول الحول.

ففي صحيحة اسماعيل بن عبد الخالق: «انا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة، فربما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال: ان كنت تربح فيه شيئا، أو تجد رأس مالك فعليك زكاته، و ان كنت انما تربص به لأنك لا تجد الا وضيعة فليس عليك زكاة» «1».

و في صحيحة محمد بن مسلم: «قال: سألت ابا عبد اللّه عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد زكى ما له قبل ان يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال: ان كان امسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة و ان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة» «2».

و في موثقة سماعة: «سألته عن الرجل يكون عنده المتاع

موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين و اكثر من ذلك ...» «3» الى غير ذلك من اخبار الباب: (الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة). هذا.

و لكن الاقوى- كما عرفت- هو القول الثاني، اذ الموضوع للحكم في هذه الزكاة ليس نفس السلعة التي ملكت بالمعاوضة حتى يعتبر بقاؤها بشخصها و ان اوهم ذلك ما مرّ منهم من تعريف مال التجارة بما ملك بعقد المعاوضة بقصد الاكتساب به عند التملك، بل الموضوع المال الذي يقع عليه العمل و الاتجار و يسمى برأس المال. فكأنّ المال المتبلور في النقدين على قسمين: ثابت و متحرك، فتجب الزكاة في الاول و تستحب في الثاني. و ليس المراد بما يعمل و يتجر به شخصه قطعا، لان التاجر يدفعه الى صاحب المتاع الذي يشتري.

فبقاؤه حولا و ثبوت الزكاة فيه لا بد ان يكون بلحاظه عاريا عن خصوصياته، فيراد به ماليته السارية في اعواضه و ابداله.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 214

..........

______________________________

و السرّ في ذلك ان التاجر لا نظر له الى المتاع بشخصه، بل الى ماليته الباقية مع التبدل أيضا، و حينئذ فلا يبقى فرق بين تبدل واحد و تبدلات.

و يشهد لذلك قوله «ع» في خبر محمّد بن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1»، و الاخبار المستفيضة الواردة في مال اليتيم و المجنون الحاكمة بعدم الزكاة فيه إلّا ان يتجر به أو يعمل به:

ففي خبر

محمد بن الفضيل: «لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة» «2».

و في خبر ابي العطارد: «قلت لأبي عبد اللّه «ع» مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به، فقال: اذا حركته فعليك زكاته. قال: قلت: فاني أحرّكه ثمانية اشهر و أدعه اربعة اشهر؟

قال: عليك زكاته» «3»، الى غير ذلك من اخبار البابين: (الباب 2 و 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة). و لا تخفى صراحة خبر أبي العطارد في المسألة و إن ضعف سندا بجهل أبي العطارد.

و يشهد له أيضا موثقة سماعة، قال: سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة، هل عليه في ذلك المال زكاة اذا كان يتّجر به؟ فقال: ينبغي له ان يقول لأصحاب المال زكّوه، فان قالوا: انا نزكّيه فليس عليه غير ذلك، و ان هم امروه بان يزكّيه فليفعل. قلت: أ رأيت لو قالوا: انا نزكّيه و الرجل يعلم انهم لا يزكّونه؟ فقال: اذا هم اقّروا بانهم يزكّونه فليس عليه غير ذلك، و ان هم قالوا: انا لا نزكّيه فلا ينبغي له ان يقبل ذلك المال و لا يعمل به حتى يزكّيه (يزكّوه) «4». فظاهر قوله: «اذا كان يتّجر به» وقوع التجارة مستمرة و متكررة على المال و مع ذلك تضاف التزكية الى هذا المال.

بل يشهد لهذا القول أيضا النصوص التي حملها الأصحاب على نفي الوجوب جمعا بينها

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 15 من ابواب ما

تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 215

..........

______________________________

و بين ما دل على الوجوب، كقول الصادق- عليه السلام-: «ليس في المال المضطرب به زكاة» «1»، و قول ابي جعفر «ع»: «يا زرارة: ان ابا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه «ص» فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار به و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول. فقال ابو ذر: اما ما يتّجر به، أو دير و عمل به فليس فيه زكاة.

انما الزكاة فيه اذا كان ركازا أو كنزا موضوعا ...» «2».

فدلالة هذه النصوص على كون موضوع البحث في زكاة التجارة المال الذي تقع عليه المعاوضات و المبادلات واضحة. و هو موضوع الندب عندنا. بل الغالب في مال التجارة التقلب و الدوران، فحمل الاخبار على الأمتعة الباقية باشخاصها طول السنة حمل على افراد نادرة.

و اما ما مرّ من النصوص الظاهرة في كون المورد في الاسئلة السلعة الباقية طول الحول، ففيه ان المورد غير مخصّص، فلا ترفع اليد بهذه النصوص عن الاطلاقات. و لعل وجه السؤال يخيل السائل سقوط الزكاة بالمكث سنة أو سنتين لابتناء مال التجارة على التقلب و التبدل، فاجيب بثبوتها مع عدم الوضيعة و النقصان.

و كيف كان فقد تلخص ممّا ذكرنا ان الحول يعتبر هنا بحسب المالية أو النصاب، دون شخص السلعة و المتاع، فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 216

5: ان يطلب برأس المال او بزيادة

الخامس: ان يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول (1)، فلو كان

______________________________

(1) الظاهر عدم وجود

خصوصية للطلب و ان عبّر به في المقنعة و المقنع و الشرائع و نحوها، و انّما أخذ طريقا. فالمراد ان لا تنقص قيمته السوقية عن رأس ماله، و إلّا فقد لا يوجد راغب بالفعل في يوم أو يومين، أو يوجد من يطلبه بأقلّ و لكن القيمة السوقية لم تتنزل، بحيث لو وجد المشتري اشتراه عادة برأس المال فما زاد، و لا يستفاد من الروايات أكثر من ذلك.

و كيف كان ففي المعتبر: «وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة و استحبابها، فلو نقص رأس المال و لو قيراطا في الحول كلّه أو في بعضه لم تجب الزكاة و إن كان ثمنه اضعاف النصاب، و عند بلوغ رأس المال يستأنف الحول. و على ذلك فقهاؤنا أجمع، و خالف الجمهور» «1».

و في التذكرة: «يشترط وجود رأس المال من أوّل الحول الى آخره، فلو نقص رأس المال و لو حبة في اثناء الحول أو بعضه لم تتعلق الزكاة به، و ان عادت القيمة استقبل الحول من حين العود عند علمائنا اجمع، خلافا للجمهور كافة» «2». و نحو ذلك في المنتهى أيضا «3».

و استدلوا لذلك- مضافا الى الإجماع- باخبار الباب. قال في الجواهر: «للنصوص

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

(2)- التذكرة 1/ 227.

(3)- المنتهى 1/ 507.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 217

..........

______________________________

السابقة التي منها موثق سماعة، فانه كالصريح في كون الشرط على الوجه الذي ذكرها الاصحاب» «1».

أقول: بالرجوع الى كلمات المتأخرين من اصحابنا يظهر تسالمهم على اعتبار هذا الشرط، و على دلالة اخبار الباب عليه، حيث اعتبروا الطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول، و استدلوا عليه بالإجماع و الأخبار. و لم أر من محشّي العروة أيضا من يناقش في ذلك سوى

السيد الاستاذ- مدّ ظله العالي- و لكني كلّما تأملت أخبار الباب و كلمات القدماء من الأصحاب لم يظهر لي إلّا دلالتها على اعتبار هذا الشرط اجمالا و بنحو الاهمال لا تحققه طول الحول، بل الظاهر من الأخبار كفايته اجمالا. نعم، يشترط بقاء النصاب عندنا طول الحول، وفاقا للشافعي و احمد، و خلافا لأبي حنيفة و مالك، كما مرّ تفصيله.

ففي المقنعة: «و كل متاع في التجارة طلب من مالكه بربح أو برأس ماله فلم يبعه طالبا للفضل فيه فحال عليه الحول ففيه الزكاة ...، و متى طلب بأقل من رأس ماله فلم يبعه فلا زكاة عليه و ان حال عليه حول و احوال» «2».

و في النهاية: «فان كان معه مال يديره في التجارة استحب له اخراج الزكاة منه اذا دخل وقتها و كان رأس المال حاصلا أو يكون معه الربح، فان كان قد نقص ما له أو كان ما اشتراه طلب بأقل من رأس المال فليس عليه فيه شي ء ...» «3».

و في المقنع و الفقيه وفقه الرضا: «اذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته اذا حال عليه الحول، فان لم يطلب منك المتاع برأس مالك فليس عليك زكاته» «4».

و في الخلاف (المسألة 105): «و فيهم (أي: في اصحابنا) من قال فيه الزكاة اذا طلب

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 268.

(2)- المقنعة/ 40.

(3)- النهاية/ 176.

(4)- الجوامع الفقهية/ 14، الفقيه 2/ 11 و فقه الرضا/ 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 218

..........

______________________________

برأس المال أو بالربح» «1».

و في المبسوط: «اذا طلب بربح أو برأس المال، فأما اذا طلب بنقصان فلا خلاف بينهم انه ليس فيه الزكاة» «2».

بل في الشرائع

أيضا: «الثاني: ان يطلب برأس المال أو بزيادة، فلو كان رأس ماله مأئة فطلب بنقيصة و لو حبّة لم يستحب» «3».

نعم، قال بعد ذلك: «و لا بدّ من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول الى آخره» «4».

و الغرض من نقل هذه الكلمات ان المستفاد من كلماتهم في الكتب المعدّة للمسائل المتلقاة و غيرها اعتبار وجود رأس المال و زيادة، في مقابل ما اذا لم يطلب إلّا بنقيصة، و اما اعتبار وجود رأس المال طول الحول فلا يستفاد. و بالجملة مفادها مفاد القضيّة المهملة، كما هو مفاد الأخبار أيضا. فقوله «ع» في صحيحة اسماعيل بن عبد الخالق: «ان كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته، و ان كنت انما تربّص به لأنك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة» «5»، يظهر من الجملة الاولى منه بقرينة المقابلة ان تحقق الربح أو رأس المال في وقت ما يكفي لتعلق الزكاة، و انما المانع عنه تحقق الوضيعة في جميع المدّة.

و كذلك الكلام في سائر أخبار الباب (الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة)، حتى موثق سماعة المذكور في الجواهر. ففيه: «ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلّا ان يكون اعطى به رأس ما له فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، و ان لم يكن اعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه، و ان حبسه ما حبسه ...» «6».

و بالجملة الظاهر من فتاوى قدماء الأصحاب، و من أخبار المسألة انّه ان لم يجد إلّا وضيعة و لم يكن اعطى به رأس ماله أصلا بنحو السلب الكلّي فليس عليه زكاة، و نقيض

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 307.

(2)- المبسوط

1/ 220.

(3)- الشرائع 1/ 157.

(4)- الشرائع 1/ 157.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 219

رأس ماله مأئة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة- و لو حبّة من قيراط- يوما منها سقطت الزكاة.

و المراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع (1).

______________________________

السلب الكلّي هو الايجاب الجزئي. فوجود الربح أو رأس المال بنحو الاهمال يكفي في التعلق.

و كل من الحول و وجود رأس المال شرط مستقل للتعلق، و اشتراط شي ء بشروط في عرض واحد لا يدل على اشتراط بعض الشروط ببعض، اللهم إلّا اذا ثبت بدليل آخر، كما التزمنا باشتراط النصاب بالحول، كما مرّ.

و بما ذكرنا يوهن الإجماع المدعى في المعتبر و غيره، فانه نقل لفتاوى الأصحاب، و المفروض عدم دلالة كلمات الأصحاب المأخوذة من الروايات على اعتبار ذلك في طول الحول، اللّهمّ إلّا ان يرجع الإجماع الى اعتبار اصل وجود رأس المال في قبال العامة الساكتين عنه دون وجوده طول الحول، فانه ممّا استظهره المحقق و العلامة بأنفسهما، و نظير ذلك كثير في عباراتهم، بل المحقق في المعتبر بعد ادعاء اجماع فقهائنا قال: «لنا ان الزكاة شرعت ارفاقا للمساكين، فلا تكون سببا لا ضرار المالك، فلا تجب مع الخسران» «1». فنفس هذا الدليل التبرعي أيضا شاهد على ان المانع من التعلق وجود النقيصة في تمام السنة، فان الإضرار المذكور لا يتحقق إلّا في هذا المورد. و الحاصل ان وجود رأس المال أو الزيادة معتبر اجمالا و راء النصاب، و امّا اعتبار تحقّقه طول الحول. فلا دليل عليه. و اطلاق الأخبار ينفي

ذلك، فالأخذ بالإطلاق لازم، فتدبّر.

(1) أو قيمة المتاع حين ما قصد الاكتساب به بناء على ما تقدم منه من تعميم الموضوع.

فروع

الأوّل: الثمن في المعاوضة ان كان من النقدين و الاثمان المتعارفة فهو الملاك اذ به يقدر مالية الاشياء و الربح و الخسران، و ان كان من العروض كما اذا اشترى حنطة

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 220

..........

______________________________

بالأرز مثلا بقصد التجارة فهل يكون الاعتبار في الربح و الخسران بالارز، كما هو ظاهر المتن لأنه الثمن في المعاملة، أو بقيمته من الأثمان؟ يمكن ان يقال انه في التجارات لا نظر الى العروض بما هي هي، بل بحساب ماليتها المعتبرة بالنقد الرائج. اللهم إلّا اذا فرض في محل عدم الالتفات الى القيم و الأثمان اصلا، و تعارف بينهم مبادلة الأجناس بعضها ببعض. و بالجملة فالاعتبار بما يعدّه العرف ملاكا لتشخيص الربح و الخسران، فتدبر.

الثاني: هل يراد برأس المال خصوص الثمن المقابل للمتاع في المعاوضة- كما هو ظاهر المصنّف- أو جميع ما يغرمه الانسان في التجارة للاسترباح فيشمل مئونة النقل، و الحفظ، و الثبت في الديوان، و الماليات المرسومة المأخوذة، و اجرة المقوم، و الدلال و نحو ذلك؟ الظاهر الثاني. فانّه الظاهر من الروايات المفصلة بين أن يربح فيه شيئا أو يجد رأس ماله و بين غيره. و التجار في مقام حساب الربح و الخسران يحسبون جميع ذلك، كما لا يخفى.

الثالث: في الجواهر ما حاصله: «ان الأمتعة التي اشتريت صفقة واحدة و اريد بيعها بتفرقة فرأس المال في كل منها ما خصه من الثمن. نعم، قد يقوى جبر خسران احدها بربح الآخر خصوصا مع ارادة البيع صفقة لكون الجميع تجارة واحدة، اما اذا كانا تجارتين

فالظاهر عدم الجبر، فلا يكفي في ثبوت الزكاة في ما طلب به بنقيصة طلب الآخر بربح يجبر تلك النقيصة، بل تتعلق الزكاة باحدهما دون الآخر و ان بيعا صفقة واحدة. و جبر احدى التجارتين بالاخرى في باب الخمس على تقدير التسليم لا يستلزمه هنا بعد ظهور نصوص المقام في خلافه» «1».

أقول: ان قلنا ان زكاة التجارة تتعلق بخصوص السلعة الباقية بشخصها طول الحول- كما استظهر من عبارة المقنعة، و افتى به بعض- فتشخيص الموضوع سهل للتاجر كما لا يخفى، و اما اذا قلنا ان الموضوع لهذه الزكاة المال المتحرك و ان تبدل بابدال مختلفة- كما قويناه و قواه صاحب الجواهر أيضا و ادعى عليه الاجماع العلامة و ولده، كما مرّ- فالسنة حيث لا يعتبرون وجود رأس المال أو الربح فتشخيص الموضوع أيضا سهل لهم، و امّا على ما اخترناه من اعتبار وجود رأس المال أو الربح فاذا فرض ان احدا يتّجر بماله في شعب

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 269.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 221

..........

______________________________

مختلفة و اجناس متفرقة كما هو المتداول كثيرا، فالبزاز يوجد في دكانه أقمشة مختلفة و كل يوم يشتري نوعا منها و يبيع في كل يوم من انواع مختلفة، و رب تاجر يوجد في متجره خمسون نوعا من الأجناس و كل يوم يشتري انواعا و يبيع انواعا فهل يمكن لهذا الشخص ضبط رأس المال، اعني الثمن المقابل للمتاع لكل من الأجناس المشتراة بتبدلاته الطارية عليه الى آخر السنة، و حساب الربح و الخسران في كل واحد من هذه المسلسلات؟ و هل لا يقتضي ذلك استخدام كتّاب كثيرين؟ و هل الشارع يكلف ذلك و لو ندبا؟.

فلعل المراد برأس المال مجموع المال الذي اعدّه للتجارة

في متجره و دكانه و ان اشترى به اجناسا مختلفة في اوقات مختلفة، فالجميع بحكم تجارة واحدة، و يحسب الربح و الخسران في آخر السنة بلحاظ الجميع. و مقتضى ذلك جبر الخسران في بعضها بالربح في الاخرى كما قوينا ذلك في باب الخمس أيضا، فيكون المراد برأس المال الجنس الشامل للمتحرك في الشعب المختلفة.

نعم، لو فرض جعل التاجر كل شعبة مستقلة بحسب الحساب و الكتاب و الدخل و الخرج امكن القول حينئذ بما في الجواهر من عدم الجبر، و ان منعنا هذا أيضا في باب الخمس بتقريب ان الموضوع للخمس ربح السنة و غنيمتها فيجبر النقصان في إحداهما بالربح في الاخرى.

و الحاصل ان الذي لا يشترط بقاء عين السلعة، بل يحكم بالزكاة في المال المتحرك طول السنة و ان تعاقب عليه تبدلات و معاملات كثيرة كيف يحكم بحساب كل تجارة مستقلا مع ان وقت التعلق آخر الحول؟ و هل يمكن ذلك عادة و يمكن التكليف به و لو ندبا؟! هذا.

و امّا جبر تلف البعض بربح البعض الآخر أو بالنتاج في تجارة واحدة فسيأتي البحث عنه في المسألة الثالثة.

الرابع: لو كانت قيمة الجنس في السوق أقلّ من رأس المال و لكن اشترى منه بمقدار الثمن، أو اكثر للضرورة أو لملاحظة شخص البائع ففي المسألة احتمالان. و كون الملاك الاشتراء الفعلي اقوى، لصدق وجود رأس المال أو الربح، فيصدق قوله «ع»: «ان كنت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 222

و قدر الزكاة فيه ربع العشر كما في النقدين (1).

______________________________

تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته» «1».

الخامس: لو كان الربح أو رأس المال موجودا و هو لم يطلع عليه بل كان يظن الوضيعة فهل الاعتبار بالواقع

أو بعلمه؟ وجهان. و لعل المستفاد من قوله «ع» في موثق سماعة:

«إلّا ان يكون اعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة» «2»، و في خبر ابي الربيع: «ان كان امسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» «3» كون الاعتبار بعلم التاجر و اطلاعه، فتأمّل.

(1) و ان كان مما فيه العشر أو غيره كالغلات و الانعام الثلاثة اذا صارت مال التجارة. و الظاهر اتفاق الفريقين في المسألة و وضوحها عندهم. و وجه ذلك ما مرّ في اعتبار النصاب فيه و ان نصابه نصاب النقدين. و محصله ان موضوع الزكاة هنا أيضا كأنه النقدان. غاية الامر ان الموضوع هناك المال الثابت، و هنا المال المتحرك الدائر، فراجع ما حررناه هناك.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 223

زكاة مال التجارة تتعلق بالعين

و الأقوى تعلّقها بالعين كما في الزكاة الواجبة (1).

______________________________

(1) في الخلاف (المسألة 108): «على مذهب من اوجب الزكاة في التجارة تتعلق الزكاة بالقيمة و تجب فيها. و به قال الشافعي. و قال ابو حنيفة تتعلق بالسلعة و تجب فيها لا بالقيمة، فان اخرج العرض فقد اخرج اصل الواجب» «1».

و في المنتهى: «قال الشيخ: زكاة التجارة تتعلق بالقيمة و تجب فيها. و هو قول احمد و الشافعي في احد قوليه. و قال في الاخرى: هو مخير بين الإخراج من العين و من القيمة. و به قال ابو حنيفة. و قال أبو يوسف و

محمّد الواجب الإخراج من العين» «2».

و في الشرائع: «زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه» «3».

و في الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المفاتيح نسبته الى اصحابنا» «4». هذا.

و لكن في المعتبر بعد ما حكى عن ابي حنيفة تعلقها بالعين قال: «ما قاله ابو حنيفة انسب بالمذهب» «5».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 309.

(2)- المنتهى 1/ 508.

(3)- الشرائع 1/ 157.

(4)- الجواهر 15/ 272.

(5)- المعتبر/ 273.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

و في التذكرة: «لا بأس بهذا القول» «1». و في المدارك: «هو حسن» «2». و عن المفاتيح:

«انه اصحّ».

و استدلوا للتعلق بالقيمة بوجوه: الاول: الشهرة العظيمة، كما في الجواهر.

الثاني: استصحاب خلوّ العين عن الحق و عدم تعلقه بها.

الثالث: اصالة عدم التعلق بخصوص العين لأنه قيد زائد.

الرابع: ان الاستحباب مناف لملك العين.

الخامس: ان موضوع هذه الزكاة مالية الشي ء لا عينه، كما مرّ.

السادس: انّ النصاب هنا يعتبر بالقيمة، كما مرّ.

السابع: ما في الجواهر من إشعار اعتبار البيع في زكاة سنة واحدة في صورة الوضيعة و النقصان، كما في موثق سماعة و غيره بذلك، اذ الظاهر عدم الفرق في كيفية التعلق في الجميع و ان اختلف في السنة الواحدة و الأزيد.

الثامن: قوله- عليه السلام- في خبر اسحاق بن عمّار، عن ابي ابراهيم- عليه السلام:

«لان عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات» «3». و في الخلاف (المسألة 108): «روى اسحاق بن عمّار في حديث الزكاة اوردناه في تهذيب الأحكام عن ابي عبد اللّه «ع» انه قال: كل عرض فهو مردود الى الدراهم و الدنانير». و الظاهر انه عين سابقه و وقع الوهم في الإمام

المروي عنه، و في اضافة الدنانير في آخره. هذا.

و يرد على الوجه الاول ان المسألة ليست من المسائل الأصلية المعنونة في الكتب المعدّة لذلك، كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و نحوها، حتى تكشف الشهرة فيها عن تلقيها عن الأئمة- عليهم السلام- بل هي من المسائل التفريعية الاستنباطية، و في مثلها لا يكون الإجماع حجة فضلا عن الشهرة.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 228.

(2)- المدارك/ 309.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 225

..........

______________________________

و يرد على الثاني- مضافا الى معارضته باستصحاب عدم التعلق بالقيمة- انه محكوم بظاهر الأخبار، كما يأتي. و بذلك يجاب عن الثالث أيضا.

و يرد على الرابع ان التعلق بالعين لا ينحصر في الملكية، لاحتمال كونه بنحو الحق أو بنحو التكليف بالاداء منها، و الحق مقول بالتشكيك يتصور في المستحب أيضا. مضافا الى عدم ورود ذلك على القول بالوجوب، كما فرضه في الخلاف.

و يرد على الخامس ان هذا لا يقتضي التعلق بالقيمة بنحو الذمة بل بمالية هذا الشي ء التي هي وصف قائم به. اللّهم إلّا ان يراد بالقيمة في كلماتهم. هذا. و سيأتي توضيحه في آخر المسألة.

و يرد على السادس عدم الملازمة بين اعتبار النصاب بالقيمة و بين كونها هي المتعلق للزكاة. و بعبارة اخرى الدليل اعم من المدّعي.

و يرد على السابع ان الاستحباب في صورة الوضيعة مقيد بالبيع، بخلاف المقام. فلا يقاس احدهما بالآخر.

و يرد على الثامن- مضافا الى ما قيل من عدم كون صدر الخبر معمولا به إلّا مع تأويله بكون النقدين مال التجارة له، كما في الصيارفة- انه لا يخلو من اجمال، لاحتمال ان يكون المراد رد العرض الى الدرهم لمعرفة

النصاب لا لكونه المتعلق للزكاة.

و استدلوا للتعلق بالعين أيضا بوجوه: الأوّل: ظواهر أخبار الباب المشرعة لها، اذ مساقها مساق اخبار الزكاة الواجبة. كقوله «ع» في موثق سماعة: «إلّا ان يكون اعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة» «1» و في خبر محمّد بن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة» «2» اذ الظاهر منهما ظرفية نفس المال للزكاة. و في موثق سماعة الآخر الوارد في المضاربة: «و ان هم قالوا انا لا نزكّيه فلا ينبغي له ان يقبل ذلك المال و لا يعمل به حتى يزكّيه (يزكوه)» «3». بناء على كون المراد به زكاة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 15 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

التجارة. فعدم قبول المال ليس إلّا لكون الزكاة فيه و إلّا فلا وجه لعدم قبوله.

الثاني: ان زكاة التجارة كما مرّ هي زكاة المال أيضا و لكن المال المتحرك، فكما ان زكاة المال تتعلق بالعين فكذلك زكاة التجارة.

الثالث: ان الشارع اذا اوجب صنفا من طبيعة، كالصلاة أو الصوم أو الحج أو الزكاة و نحوها، ثم ندب الى صنف آخر من هذه الطبيعة يتبادر عرفا ان المندوب اليه بحسب الأجزاء و الكيفيات و الشرائط و الموانع مماثل للواجب إلّا ما ثبت خلافه. و على هذا فالزكاة المندوبة مسانخة للواجب بحسب المتعلق و المصرف و الشرائط و غيرها. هذا.

و في الجواهر اجاب عن الوجه الاول بالفرق بين المقام و

بين أخبار الزكاة الواجبة، ضرورة صراحة تلك الأدلة في العين، خصوصا ما جاء منها بلفظ العشر و نصفه و ربع العشر.

و من لحظ الأدلة مع التأمّل يجد الفرق بين المقامين، حتى لفظ «في» في المقام. فانه ليس بذلك الظهور في ارادة العينية، بل الخبر المشتمل عليها قد اشتمل على لفظ «عليه» و نحوه مما يقتضي خلافه. و موثق سماعة مع انه بلفظ «ينبغي» محتمل لإرادة المال الذي يراد به المضاربة لا مال التجارة، الى آخر ما ذكره في الجواهر «1».

هذا ما استدلوا به لطرفي المسألة. و قالوا ان فائدة الخلاف يظهر على الوجوب في جواز التصرف في العين قبل اداء الزكاة من دون ضمان، و فيما لو ارتفعت القيمة بعد الحول، و في التحاص مع الغرماء و عدمه مع قصور التركة.

قال في الدروس: «و تتعلق بالقيمة لا بالعين، فلو باع العين صحّت. و لو ارتفعت قيمتها بعد الحول اخرج ربع عشر القيمة عند الحول» «2».

اقول: التحقيق في المسألة ما في مصباح الفقيه. «3» و حاصله بتوضيح منا و تقريب: ان القائلين بتعلقها بالقيمة ان ارادوا بذلك تعلقها بمفهوم كلي متصادق مع النقد المساوي لمالية المتاع متعلق بذمة المكلف- كما هو مقتضى بعض كلماتهم- ففيه ان هذا خلاف

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 273.

(2)- الدروس/ 61.

(3)- المصباح/ 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

المنساق من ادلّتها، فان الظاهر من اخبار الباب كما عرفت تعلق الزكاة بنفس الأعيان الخارجية المستعملة في التجارة و تحقق الزكاة فيها كما هو المستفاد من لفظة: «في»، و لا ينافي ذلك لفظة: «على» لجواز استعمالها في كل مكلّف و في كل موضوع، اذا لحكم ثابت على المكلف و على الموضوع و له نحو علوّ

بالنسبة اليهما.

و ان ارادوا بذلك ان الزكاة و ان تعلقت بالأعيان الخارجية و لكن لا بما انّها أنواع خاصة، كما في زكاة التسعة، بل من حيث ماليتها. و لذا تبقى و ان تبدلت الخصوصيات. فالملحوظ جهة ماليتها لا ذواتها. و الثابت فيها ربع العشر بملاحظة ماليتها بخلاف التسعة، فان الملحوظ ذواتها موضوعا و فريضة، فهو حقّ صريح كما مرّ بيانه في الشرط الرابع و لكن لا يجدي هذا في تفريع الفروع الثلاثة التي مرّت، اذ مالية هذا المال وصف اعتباري قائم بهذا المال، و لا يمكن اداء الوصف إلّا باداء الموصوف. و ليست القيمة الخارجية عينها بل بدلها.

و يجري هذا البيان في ميراث الزوجة أيضا لو سلم شركة الزوجة في مالية البناء و الاشجار و نحوهما، و لذا يمكن الاشكال في جواز التصرف فيها بدون رضاها، و في حرمانها من ارتفاع قيمتها ما لم يؤدّ حقها.

بل الامر في المقام آكد إشكالا من باب ميراث الزوجة، اذ المذكور في أخبار ارثها ان لها قيمة البناء و نحوه، فيمكن ان تمنع شركتها في العين و يقال باستقرار القيمة في ذمّة الوارث، و لكن المذكور في المقام كون الزكاة في هذا المال، فيمكن على القول بالوجوب منع التصرف في العين قبل أداء الزكاة و القول بالشركة في ارتفاع القيمة، و منع القول بالتحاص. و لازم ذلك عدم ضمان انخفاض القيمة بعد الحول ان لم يكن فرّط، و امّا على القول باشتغال الذمّة بالقيمة عند الحول فهي ثابتة مطلقا ارتفعت بعد ذلك أو انخفضت.

هذا على الوجوب. و اما على الاستحباب فيكون التعلق بالعين بنحو الحق الضعيف أو بنحو التكليف المحض، اذ لا يفرض الندب مع الملكية. و بهذا أيضا

تفترق الزكاة المندوبة عن الواجبة.

فاتضح بما ذكرناه ان الزكاة في المقام أيضا تتعلق بالعين، كما في المتن و لكن لا بحسب ذاتها بل بلحاظ ماليتها القائمة بها، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 228

لو بلغ النصاب باحد النقدين دون الآخر

و اذا كان المتاع عروضا فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر (1).

______________________________

(1) قد مرّ ان نصاب مال التجارة نصاب احد النقدين، و هما يتلازمان بناء على مساواة الدينار الواحد لعشرة دراهم، كما كان في عصر صدور الروايات، و اما اذا وقع الاختلاف كما تراه في اعصارنا من صيرورة الفضّة ارخص فهل يكون الاعتبار بالأدنى، أو الأعلى، أو بما اشترى به المتاع، أو بنقد البلد، أو بالدرهم مطلقا، أو يفصل؟ في المسألة وجوه.

قال في الشرائع: «تفريع: اذا كانت السلعة تبلغ النصاب باحد النقدين دون الآخر تعلقت بها الزكاة لحصول ما يسمى نصابا» «1».

و في الخلاف (المسألة 113): «اذا اشترى سلعة للتجارة بنصاب من جنس الاثمان، مثلا اشتريها بمأتي درهم أو بعشرين دينارا ثم حال الحول قوّمت السلعة بما اشتريها به، و لا يعتبر نقد البلد ...، و وافقنا ابو يوسف في انه يقوّم بالنقد الذي اشتراها به، و قال محمّد:

يقوّم بغالب نقد البلد. و به قال ابن الحدّاد. و قال ابو حنيفة: يقوّم بما هو احوط للمساكين» «2».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 157.

(2)- الخلاف 1/ 310.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 229

..........

______________________________

و في المعتبر: «الثاني: اذا حال الحول قومت بالثمن الذي اشتريت به، سواء كان نصابا أو أقل، و لا يقوّم بنقد البلد. و فرق الشافعي. و قال ابو حنيفة يقوّم بالأحوط للمساكين».

و في المعتبر أيضا: «لو بلغت السلعة باحد النقدين نصابا و قصرت بالآخر وجبت الزكاة، لأنه بلغ نصابا بأحد

النقدين فتجب فيه الزكاة» «1».

اذا عرفت هذا فنقول: يحتمل في المسألة وجوه: الاوّل: ما في الشرائع و المعتبر من كون الاعتبار بالأدنى قيمة، لما مرّ من ان النصاب في مال التجارة يعتبر بأحد النقدين، و المفروض تحقق هذه الطبيعة.

و فيه انه لم يرد هذا العنوان في آية او رواية حتى يقال بان الكلي الطبيعي يوجد بوجود فرد مّا من افراده، بل أخبار المسألة بكثرتها ساكتة عن ذكر النصاب، و انما ثبت بالإجماع اعتباره اجمالا. و لم ينعقد على لفظ خاص حتى يؤخذ باطلاقه. فلا مجال للأخذ بما يسمى نصابا.

الثاني: ان يكون الاعتبار بالأعلى قيمة، لاستصحاب عدم جعل الزكاة فيما بلغ النصاب بالأدنى.

و فيه ما يأتي من تقدّم العمومات على الاستصحاب.

الثالث: ان يكون الاعتبار بالدرهم مطلقا، و لعله الأدنى غالبا لموثقة اسحاق بن عمّار السابقة و فيها: «لأن عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات» «2».

و فيه ان صدر الخبر مشتمل على تكميل كل من النقدين بالآخر في تحصيل النصاب، و هو خلاف الاجماع عندنا، و لو سلم حمله على زكاة مال التجارة و كون النقدين منه فإجماعنا قائم على استقلال كل من الذهب و الفضة في زكاة مال التجارة و في الديات أيضا. فالخبر غير معمول به.

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

الرابع: ان يعتبر ما اشترى المتاع به من الذهب أو الفضة، بتقريب ان المعتبر في الباب عندنا وجود رأس المال أو الربح، كما في الروايات، و لا يمكن ان يعرف رأس المال إلّا

ان يقوم بما اشتراه به، كما في الخلاف.

و فيه أولا ان اعتبار رأس المال و بقاؤه امر، و اعتبار النصاب امر آخر. فلعل المقياس في احدهما غير ما هو المقياس في الآخر.

و ثانيا يمكن ان يقال ان كلا من النقدين ان كان نقدا متعارفا للبلد و معيارا للمالية عندهم- كما كان في تلك الأعصار- صحّ ما ذكر. و اما اذا فرض رواج احدهما و تعارفه، و هجر الآخر و صيرورته كأحد الأمتعة، فلا نسلم كونه مما يعرف به رأس المال. فكما ان الثمن للمعاملة لو كان من العروض- كما اذا اشترى الحنطة بالأرز للتجارة- فالمقياس في تشخيص الربح و رأس المال قيمة هذا العرض حين المعاوضة لا عينه، لما مرّ من ان المعيار لمالية الأشياء النقد الرائج، و في التجارة لا يلحظ إلّا المالية فكذلك اذا صار احد النقدين من قبيل أمتعة التجارة، و خرج عن كونه نقدا رائجا تعتبر به مالية الاشياء.

الخامس: ما في الدروس. قال: «و العبرة في التقويم بالنقد الذي اشتريت به لا بنقد البلد. فلو اشترى بدراهم و باعها بعد الحول بدنانير قومت السلعة بدراهم. و لو باعها قبل الحول قوّمت الدنانير دراهم عند الحول. و قيل لو بلغت بأحد النقدين النصاب استحبّت و هو حسن ان كان رأس المال عرضا» «1».

و ملخص كلامه انه ان اشترى باحد النقدين فبما اشترى به، و ان اشترى باحد العروض فبأدنى النقدين.

و يرد عليه ما ورد على الوجه الاول و الرابع.

السادس: انه ان اشترى المتاع باحد النقدين فبما اشترى به، و ان اشترى بعرض فبالنقد الغالب ان كان و إلّا تخيّر بين النقدين. هذا.

و الحق ان يقال: ان صح تفسير رأس المال بما اشترى

به المتاع فهو، و إلّا

______________________________

(1)- الدروس/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 231

..........

______________________________

فالاستصحاب يقتضي عدم تشريع الزكاة في مورد الشك. اللّهمّ إلّا ان يقال ان النصاب لم يذكر في اخبار الباب و انما ثبت بالإجماع و هو دليل لبيّ، فعموم الاخبار و اطلاقها يقتضي ثبوت الزكاة في مورد الشك لجواز التمسك بالعمومات في الشبهة المصداقية للمخصص، حينئذ و لا مجال للاستصحاب مع الدليل.

و ناقش في ذلك في مصباح الفقيه بان العمومات الواردة في هذا الباب بظاهرها مسوقة لبيان اصل المشروعية، فليس لها اطلاق احوالي بالنسبة الى مصاديقها. و لذا لم يقع التعرض فيها لشرطية النصاب و غيره، فليتأمّل.

أقول: هذه المناقشة تجري في المطلقات و لا تجري في مثل قوله في خبر محمّد بن مسلم:

«كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1» لان عموم قوله: «كل مال» يشمل مورد النزاع قطعا، اذ عموم لفظ كل بالوضع، فلا يحتاج الى مقدمات الحكمة.

و لعله لذا امر بالتأمّل. نعم، الخبر مقطوع غير مسند الى المعصوم- عليه السلام- فيمكن الترديد في حجيته. و كيف كان فما في المتن ان لم يكن اقوى. فلا ريب في انه احوط.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 232

لو تاجر بنصاب زكوى فهل تجتمع زكاتان؟

[مسألة 1]: إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين دينارا، أو نحو ذلك فان اجتمعت شرائط كلتيهما وجب اخراج الواجبة و سقطت زكاة التجارة (1)،

______________________________

(1) اذا اجتمعت شرائط زكاة العين و زكاة التجارة في مال واحد فهل تجتمعان معا، أو تسقط إحداهما؟ و على الثاني فايهما تسقط؟.

ففي الخلاف

(المسألة 119): «اذا ملك مالا فتوالى عليه الزكاتان: زكاة العين، و زكاة التجارة ... فلا خلاف انه لا تجب فيه الزكاتان معا و انما الخلاف في ايّهما تجب؟ فعندنا انه تجب زكاة العين دون زكاة التجارة. و به قال الشافعي في الجديد. و قال في القديم تجب زكاة التجارة و تسقط زكاة العين. و به قال اهل العراق» «1». فصريح الخلاف عدم الخلاف في سقوط إحداهما، و ظاهره اتفاق الشيعة على كون الساقط زكاة التجارة و ان قلنا بوجوبها.

و في المعتبر: «مسألة: لا تجمع زكاة التجارة و العين في المال الواحد اتفاقا، و لقوله «ص»:

«لا ثنا في الصدقة». فلو ملك اربعين شاة للتجارة و حال الحول و قيمتها نصاب فان قلنا باستحباب التجارة سقطت هنا لان الواجب مقدم على الندب، و ان قلنا بالوجوب قال

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 312.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

الشيخ في الخلاف و المبسوط: تجب زكاة العين دون التجارة. و به قال الشافعي في الجديد، لان وجوبها متفق عليه، و لان وجوبها مختص بالعين. و في القديم: تجب زكاة التجارة. و به قال ابو حنيفة و احمد، لأنها احظّ للمساكين، و الحجتان ضعيفتان ...» «1».

و في التذكرة: «لا تجتمع زكاة التجارة و المالية في مال واحد اتفاقا» «2».

و في المنتهى: «لا تجمع زكاة العين و التجارة في مال واحد اجماعا» «3».

و في الشرائع: «الثانية: اذا ملك احد النصب الزكوية للتجارة، مثل اربعين شاة، أو ثلاثين بقرة سقطت زكاة التجارة و وجبت زكاة المال و لا تجتمع الزكاتان. و يشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة. و قيل يجتمع الزكاتان هذه وجوبا و هذه استحبابا» «4».

و في المدارك في شرح العبارة:

«هذا القول مجهول القائل، و قد نقل المصنف في المعتبر الاجماع على خلافه» «5».

و في الجواهر في شرحها: «بلا خلاف كما في الخلاف، بل في الدروس و محكى التذكرة و المعتبر و المنتهى الاجماع عليه، و في المسالك: ذكر جماعة ان لا قائل بثبوتهما» «6». فهذه بعض كلماتهم في المقام.

و استدل على عدم اجتماع الزكاتين بما مرّ من حكاية عدم الخلاف، و الاجماع، و الاتفاق، و بما رواه الجمهور من قوله «ص»: «لاثنا في الصدقة».

ففي نهاية ابن الاثير في لغة «ثنا»: فيه (اي: في الحديث): «لاثنا في الصدقة، اي لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة».

و في الدعائم: «عن جعفر بن محمّد، عن ابيه، عن آبائه، عن علي- عليه السلام- ان رسول اللّه «ص» نهى ان تثني عليهم في عام مرّتين، و ان لا يؤخذوا بها في كل عام إلّا مرّة

______________________________

(1)- المعتبر/ 272.

(2)- التذكرة 1/ 229.

(3)- المنتهى 1/ 509.

(4)- الشرائع 1/ 157.

(5)- المدارك/ 309.

(6)- الجواهر 15/ 279.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 234

..........

______________________________

واحدة» «1»، و بصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل مالا قرضا، على من زكاته: على المقرض أو على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض. قال: قلت فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكى المال من وجهين في عام واحد» «2».

أقول: اما الاجماع ففيه مضافا الى احتمال استناد المجمعين الى ما ذكر من الاخبار ان المسألة ليست من المسائل الاصلية المأثورة، بل من المسائل التفريعية الاستنباطية و لذا لم تذكر في مثل المقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و نحوها. و الاجماع في مثلها على فرض الثبوت لا يكشف عن قول

المعصوم- عليه السلام- كما مرّ منّا مرارا.

و اما الخبر فمضافا الى عدم ثبوته عندنا يمكن ان يقال ان مفاده النهي عن تكرار الزكاة في عام واحد بالنسبة الى موضوع واحد، فلا يفيد في المقام، لتعدد الموضوع و الحكم هنا حيث ان الموضوع لإحداهما العين بذاتها، و للأخرى ماليتها المتبدلة، كما ان الفريضة في إحداهما مصداق من الذات، و في الاخرى ربع العشر بحسب المالية.

نعم، التمسك بالصحيحة بلا اشكال، حيث صرح فيها بعدم تزكية مال واحد من وجهين كما في المقام، و ظاهر النفي نفي الحقيقة الشامل باطلاقه للواجب و المندوب. فاحتمال كون المراد من الخبر و معاقد الإجماعات خصوص الواجبتين فاسد، كما لا يخفى.

فما حكاه في الشرائع من القول باجتماع الزكاتين- مضافا الى كونه مجهول القائل- مردود بالصحيحة، و بعمل الاصحاب، و الاجماعات المحكية. و لو لا ذلك لكان اشبه بالقواعد، كما في مصباح الفقيه. فان مقتضى عموم مثل قوله «ع»: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «3»، ثبوت ربع العشر في مالية هذا المال بما انه مال معمول به، و مقتضى اطلاق قوله «ع»: «في اربعين شاة شاة» مثلا وجوب شاة فيها بعد حول الحول. و لا معارضة بين الدليلين و لا تنافي بينهما لو لا قوله: «لا يزكى المال من وجهين

______________________________

(1)- دعائم الإسلام، ج 1، ص 252، و المستدرك ج 1 الباب 12 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 235

..........

______________________________

في عام واحد»، لاختلافهما موضوعا و حكما،

اذا لموضوع في احدهما ذوات الاربعين شاة، و في الاخرى ماليتها بما انها تسوّى عشرين دينارا، و الفريضة في إحداهما شاة و في الاخرى ربع العشر.

و بذلك يظهر عدم كون المسألة من قبيل مسألة تداخل الأسباب التي اختلفوا في ان الاصل فيها التداخل أو عدمه- نظير قوله: «اذا بلت فتوضأ»، و قوله: «اذا نمت فتوضأ»- بل هي من قبيل المسبّبين المختلفين اللذين قد يمكن تصادقهما، نظير قوله: «اكرم عالما»، و قوله:

«اضف هاشميا». و في المقام أيضا يمكن تصادق الفريضتين، كما لو وجد شاة تكون قيمتها ربع عشر النصاب: و لعل اطلاق الدليلين يقتضي الإجزاء في هذه الصورة في مقام الامتثال، اذ المتعلق في كل منهما مطلق غير مقيد بعدم اجتماعه مع الآخر. و كيف كان فإطلاق أدلة الزكاتين يقتضي اجتماعهما لو لا التعبد المذكور.

ثم انه بعد الحكم بعدم اجتماعهما يظهر من الاصحاب- منهم المصنف- تعيّن سقوط زكاة التجارة. و علّلوه بان الواجب مقدم على الندب.

و اورد عليه في الجواهر بما حاصله بتوضيح و تعقيب منا ان ذلك على فرض التزاحم في الاداء بعد معلومية وجوب الواجب و ندبيّة المندوب، لا في المقام الذي اقتضى اطلاق الدليلين ثبوتهما بلا تعارض بينهما بالذات و لكن علمنا بدليل خارجي عدم مشروعية احدهما المعين في الواقع المبهم عندنا. اذ لا بد حينئذ من دليل معتبر يعين الساقط منهما، و لا يكفي الظن الناشي من اعتبارات و نحوها. و بالجملة فالمقام مقام تعارض الدليلين و لكن بالعرض بلحاظ الصحيحة و الخبر. و المتّجه حينئذ- ان لم يثبت اجماع- التوقف في الحكم بسقوط احدهما على التعيين، كما انّ المتجه الرجوع في العمل الى اصل البراءة، لاحتمال كون الساقط هو الوجوب. كما

انه على القول بالوجوب أيضا يشكل تعيين الساقط منهما.

فيتجه التوقف في الحكم و العمل بالاحتياط، لمعلومية انقطاع البراءة بتعين الشغل، فيؤدّي زكاة واحدة غيرنا و خصوص احدهما، مقتصرا على اقلهما قدرا، لنفي الزائد بالأصل.

فان قلت: العلم بسقوط احد الحكمين في مرتبة الفعلية لا ينافي حجية كلا الاطلاقين في الكشف عن المصلحة و الاقتضاء، و حيث ان المصلحة في الواجب شديدة، و في الندب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 236

..........

______________________________

ضعيفة، فلا محالة يتعين الندب للسقوط.

قلت: ليس الاختلاف بين الوجوب و الندب دائما ناشئا من اختلاف المصلحة بالشدة و الضعف، بل ربما يكون ناشئا من الاختلاف في وجود مقتضى الترخيص و عدمه، فان وجد مقتضى الترخيص صار الطلب ندبيا و ان كانت المصلحة قوية، و ان لم يوجد المقتضى للترخيص صار الطلب وجوبيا و ان لم تبلغ المصلحة هذه القوة.

هذا، مضافا الى ان المصلحة قد تكون في الجعل لا في المجعول، و قد يكون مقتضى الاباحة اقوى من مقتضى الوجوب أو الحرمة فكيف بمقتضى الاستحباب «1». هذا.

و في المصباح ما حاصله ان كلام صاحب الجواهر انما يصح اذا كان مفاد الصحيحة و الخبر نفي تشريع احدى الزكاتين في مقام الجعل. و لا نسلم ذلك، بل لعلّ مفادهما نفي مشروعية تكرير الصدقة في مقام الامتثال، لإمكان ان يكون من باب تداخل المسببات من جهة عدم صلاحية المطلوب للتكرر خارجا. فيكون المقصود بالأصالة من تشريع كل من الزكاتين ايصال شي ء من هذا المال المفروض اربعين شاة الى الفقير باي وجه من الوجهين، فاذا دفع ربع عشره بقصد زكاة التجارة، أو شاة منه بقصد زكاة العين فقد حصل الغرض من الامرين و اجزأ عنهما، فيكون حال تزكية المال حال

تطهير الثوب و البدن عن القذارات الشرعية التي تجب ازالة بعضها و تندب ازالة البعض، كبول الانسان و الدواب في كون الغسل المزيل لأحدهما مزيلا للآخر قهرا، أو كحال الاغسال المتداخلة المجتمعة من الواجبة و المندوبة، حيث انه يجزيه غسل واحد من غير ان يستلزم ذلك ارتكاب تخصيص أو تقييد في شي ء من ادلتها.

و الحاصل انه لا يستفاد من الصحيحة و غيرها ورود تخصيص أو تقييد على اطلاق دليلي الزكاتين و عمومهما، اذ لا مانع من ارادة العموم من كل منهما و كون تصادق العنوانين على مورد موجبا لتأكد مطلوبية الزكاة فيه، كتأكد مطلوبية غسل الثوب الذي اصابه بول انسان و بول حمار. و لكن كما ان التطهير لا يتكرر خارجا- اذ المطهّر لا يطهّر- فتزكية المال

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 279.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 237

و إن اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها (1).

دون الاخرى.

______________________________

التي هي نحو تطهير له أيضا لا تتكرر خارجا في مقام الامتثال. فهذا هو مفاد الصحيحة.

فالتشريعان باقيان باطلاقهما. فما ذكره صاحب الجواهر من ان المتجه بناء على الندب الرجوع في مقام العمل الى اصالة البراءة لا يخلو من نظر، فليتأمّل.

و كيف كان فالأحوط اتيان مصداق الواجب بقصده بناء على الندب، و على الوجوب يمكن القول بالتخيير بينهما، كما يمكن القول بتقدم زكاة العين، لما قيل من ان وجوبها متفق عليه.

هذا كله فيما اذا اتحد حول الزكاتين، و اما اذا اشتركتا في بعض الحول، كما لو لم نعتبر في زكاة التجارة بقاء العين و كان مبدؤها أوّل المحرم ثم بدل العين بعد ستة اشهر باربعين شاة سائمة للتجارة، فعند انقضاء حول التجارة يتنجز في حقه زكاة التجارة، و بعد

ستة اشهر ينقضي حول العين. و بالعكس: لو ملك اربعين شاة للقنية و بعد ستة اشهر نوى بها التجارة بناء على كفاية النية فحينئذ ينقضي حول العين قبل التجارة فاذا اخرج الزكاة الاولى فعند حول الحول الثاني هل تثبت زكاة اخرى لاختلاف الحولين، أولا لاشتراكهما في بعض الحول؟ وجهان بل قولان، كما في الجواهر. و الاقرب كما في المصباح الثاني فان اختلاف العامين في البداية و النهاية فقط لا يجعلهما عامين مستقلين «1»، بداهة ان العام اسم لاثنى عشر شهرا و ظاهر الصحيحة ان الزكاة أمر سنوي.- نظير سائر الماليات المرسومة من قبل الدول- و لازم ذلك تباين العامين و عدم اشتراكهما اصلا، فتدبر.

نعم، لو لم تكن احدى الزكاتين مما يعتبر فيها الحول كالغلات اذا انتقلت اليه للتجارة قبل تعلق الزكاة بها. فالاستدلال لعدم التكرار فيها بالصحيحة مشكل. نعم، يمكن الاستدلال فيها بقوله: «لا ثنا في الصدقة» اذا اغمضنا عن سنده.

(1) لإطلاق دليلها.

______________________________

(1)- المصباح/ 80 و 81.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 238

[إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة]

[مسألة 2]: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة، سقط كلتا الزكاتين (1) بمعنى انّه قطع حول كلتيهما، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول فلا بدّ أن يبتدئ الحول من حين تملك الثانية.

[إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال على ربّ المال]
اشارة

[مسألة 3]: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع بلوغه النصاب- على ربّ المال (2).

______________________________

(1) مرّ شرح المسألة في ضمن بيان الشرط الرابع، و مرّ ان المعتبر في زكاة التجارة بقاء المالية أو النصاب لا بقاء عين السلعة، فراجع «1».

(2) بلا خلاف و لا اشكال كما في الجواهر لأنّ رأس المال ملك للمالك فتكون زكاته عليه، و يستفاد هذا من اخبار مختلفة أيضا.

ثم ان الأنسب قبل شرح المسألة تقديم امرين:

حكم زيادة مال التجارة في اثناء الحول

الأمر الأوّل: لو زاد على مال التجارة في اثناء الحول باشتراء سلعة اخرى للتجارة، أو بالنتاج، أو بزيادة متصلة كالسمن أو اعتبارية كزيادة القيمة فهل للزيادة حول مستقل، أو تكون في الحول تابعة للأصل، أو يفصّل بين اقسام الزيادة؟.

ففي الشرائع: «و لو مضى عليه مدّة يطلب فيها برأس المال ثم زاد كان حول الاصل من حين الابتياع و حول الزيادة من حين ظهورها» «2». و ظاهره ارادة زيادة القيمة و اذا كان لمثلها حول مستقل فلغيرها بطريق اولى، كما لا يخفى.

و في الجواهر: «و لا يبني حول الربح على حول الاصل بلا خلاف اجده بين من تعرض له منّا لمنافاته لما دل على اعتبار الحول، ضرورة ان الزيادة مال مستقل يشمله ما دل على

______________________________

(1)- ص 213.

(2)- الشرائع 1/ 156.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 239

..........

______________________________

اعتبار الحول. و الغاء ما مضى من حول الاصل و استينافه للجميع من حين ظهور الربح مناف لحق الفقراء. و تكرار الزكاة للأصل من تمام حوله و عند تمام حول الزيادة مناف لمراعاة حق المالك و لما دل على ان المال لا يزكى في الحول مرّتين، فلم يبق إلّا مراعاة الحول لكل منهما كما سمعت نحوه

في السخال» «1».

و في الخلاف (المسألة 106): «على قول من قال من اصحابنا ان مال التجارة فيه الزكاة اذا اشترى مثلا سلعة بمائتين ثم ظهر فيها الربح ففيها ثلاث مسائل: أوليها: اشترى سلعة بمائتين فبقيت عنده حولا فباعها مع الحول بألف لا يلزمه أكثر من زكاة المائتين لأنّ الربح لم يحل عليه الحول. و قال الشافعي حول الفائدة حول الأصل قولا واحدا ... الثالثة:

اشترى سلعة بمائتين فلما كان بعد ستة أشهر باعها بثلاثمائة فنضت الفائدة منها مأئة، فحول الفائدة من حين نضت و لا تضم الى الأصل. و به قال الشافعي ...» «2».

و في المعتبر: «لو كان عنده ما قيمته نصاب فزاد في اثناء الحول وجبت الزكاة عند تمام الحول في الاصل و لم تجب في الزيادة. و قال أبو حنيفة و الشافعي و احمد يزكي الجميع، لان حول الفائدة حول الاصل. لنا ان الفائدة لم يحل عليها الحول، فلا يجب فيها الزكاة. و قولهم:

حول الفائدة حول الاصل دعوى مجرّدة عن حجة. و لو قاس على النتاج منعنا الاصل كما نمنع الفرع ...» «3».

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و اذا كان في ملكه نصاب للزكاة فاتجر فيه فنمى ادّى زكاة الاصل مع النماء اذا حال الحول» «4».

و في المغني في شرح هذه العبارة: «و جملته ان حول النماء مبنى على حول الاصل، لأنه تابع له في الملك فتبعه في الحول. كالسخال و النتاج. و بهذا قال مالك و اسحاق و ابو يوسف:

و اما ابو حنيفة فانه بنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماء كان أو غيره. و قال

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 266.

(2)- الخلاف 1/ 308.

(3)- المعتبر/ 271.

(4)- راجع المغني 2/ 632.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 2، ص: 240

..........

______________________________

الشافعي: ان نضّت الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب و استأنف حولا، لقوله «ص»: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، و لأنها فائدة تامة لم تتولد مما عنده فلم يبن على حوله، كما لو استفاد من غير الربح. و ان اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فانه يضمّ الفائدة و يزكّي عن الجميع» «1».

و في المغني أيضا: «و اذا ملك نصبا للتجارة في أوقات متفرّقة لم يضم بعضها الى بعض لما بينا من ان المستفاد لا يضم الى ما عنده في الحول ...» «2».

و الشيخ في الخلاف تعرض لملكية السلع في اوقات متفرقة في المسألة «110» و حكم بان لكل منها حولا. «3»

و بالجملة المشهور بين فقهاء السنة في النصب المتملكة في أوقات متفرقة عدم ضم بعضها الى بعض، و في النتاج و النماء و زيادة القيمة الضم و كون حول الزيادة حول الاصل.

و قد عرفت من الجواهر عدم الخلاف منا في عدم الضم في زيادة القيمة و لازمه العدم في غيرها بطريق أولى.

و اما ما في البيان من قوله: «و نتاج مال التجارة منها على الاقرب، لأنه جزء منها.

و وجه العدم انه ليس باسترباح. فلو نقصت الأمّ ففي جبرها به نظر من حيث انه كمال آخر، و من تولده منها. و يمكن القول بان الجبر متفرع على احتسابه من مال التجارة، فان قلنا به جبر و إلّا فلا» «4».

فالظاهر انه لا يريد بذلك تبعية النتاج للأصل في الحول، بل يريد بذلك ان نتاج مال التجارة أيضا يعدّ جزء من مال التجارة و من فوائد رأس المال عرفا بحيث لو سئل التاجر عمّا صار

اليه رأس ماله عدّ النتاج و الفوائد المنفصلة أيضا في عرض زيادة القيمة من فوائد تجارته، كما لا يخفى. فيتعلق بها الزكاة أيضا كما يتعلق بالربح. و السرّ في ذلك ان الموضوع للزكاة هنا ليس نفس

______________________________

(1)- المغني 2/ 632.

(2)- المغني 2/ 625.

(3)- الخلاف 1/ 309.

(4)- البيان/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

السلعة، بل المال المتحرك الذي وقعت المعاوضة عليه بقصد الاسترباح و الانتفاع. فهو الذي تبدّل في الحقيقة الى السلعة بربحها و نتاجها و فوائدها.

و بعبارة اخرى: فوائد مال التجارة أيضا تتلون بلون التجارة عرفا، و كما ان الخسران و النقص في مال التجارة يجبر بالربح يجبر بالنتاج و نحوه أيضا. فهذا ما اراده الشهيد، لا انه يريد التبعية في الحول أيضا.

و الشاهد على ذلك انه قال في الدروس: «و نتاج مال التجارة منها و يجبر منه نقصان الولادة» «1»: و مع ذلك قال في الدروس أيضا: «و لو زاد اعتبر له حول من حين الزيادة» «2».

و كيف كان فظاهر اصحابنا ان الزيادة لها حول مستقل. و لكن ليعلم ان المسألة ليست من المسائل الأصلية المتلقاة حتى تصير الشهرة أو الإجماع حجة فيها، بل هي من المسائل التفريعية الاستنباطية. و لذا لا تجدها في مثل المقنعة و النهاية و كتب الصدوق و نحوها.

و المحتملات في المسألة خمسة:

الأوّل: ان لا يكون للزيادة حول و لا فيها زكاة بتقريب ان الموضوع للزكاة هنا ما ملك بعقد المعاوضة أو المال الذي عووض بمال آخر للاسترباح، و الربح المتجدد ليس واحدا منهما.

الثاني: ان يكون لكل من الأصل و الزيادة حول مستقل، و اذا تعددت الزيادات في ازمنة متفرقة فلكل منها حول برأسه.

الثالث: ان تكون الزيادة تابعة للأصل في حوله.

الرابع: ان

يلغى ما مضى من حول الأصل و يستأنف الحول للأصل و الزيادة من حين ظهور الربح.

الخامس: ان يزكى الاصل عند حوله و يزكى الاصل و الزيادة معا عند حول الزيادة.

و قد ذكرت الاحتمالات الأربعة الأخيرة في عبارة الجواهر التي مرّت.

______________________________

(1)- الدروس/ 61.

(2)- الدروس/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 242

..........

______________________________

و يرد على الأوّل ان المراد بمال التجارة كما عرفت ليس هو المتاع الموجود، بل المال الذي وقعت المعاملة عليه بقصد الاسترباح و الزيادة و يكون محفوظا بحفظ ماليته في التبدلات المختلفة. و المتاع بماله من القيمة بدل عنه و يزكّى لذلك. فالزكاة تتعلق بجميع المتاع جملة واحدة فيكون الربح منضما الى الاصل في الزكاة و الحول معا. و هو المستفاد من الاخبار أيضا. و سيأتي توضيح ذلك.

و يرد على الثاني انه لو شرطنا في زكاة التجارة بقاء عين المتاع حولا- كما هو ظاهر الشرائع و غيره، كما مرّ- انحصرت هذه الزكاة في موارد خاصّة، فامكن ضبطها و ضبط ارباحها.

و اما اذا قلنا بان المعتبر بقاء المالية فقط و ان وقع على المال تبدلات كما اخترنا ذلك فالضبط مشكل جدّا.

فلو فرض ان تاجرا جعل رأس ماله في تجارة البزّ مثلا فاشترى خمسين صنفا من الأقمشة كما هو المتعارف بين البزازين فانت ترى انّ شراء جميع الأقمشة و بيعها و ارتفاع قيمتها لا يقع في يوم واحد ليسهل ضبطها، بل يقع كل من الشراء و البيع و ارتفاع القيمة في كل منها تدريجا و يوما فيوما بل ساعة فساعة، و قد يقع على رأس المال من اول الحول الى آخره تبدلات كثيرة في معاملات متفرقة، و قد يقع في بعضها خسران و في بعضها ربح. و لا

يخفى ان ضبط جميع ذلك و جعل الحول لكل واحد من الأصناف و لكل زيادة مما يعسر بل يمتنع عادة. و ربما يحتاج الى كتّاب كثيرين و دفاتر كثيرة. و هكذا في سائر أنواع التجارات و اصنافها.

و كأن المفتين بجعل الحول لكل معاملة و لكل زيادة حكمية لم يلتفتوا الى ما هو واقع عمل التجار و الكسبة.

فالظاهر ان التاجر كالبزاز الذي جعل مأئة الف درهم مثلا في تجارة البّز، يعدّ رأس ماله واحدا، و تجارته تجارة واحدة و ان تبدلت المعاملات و تدرجت الزيادات. و يشمله قوله «ع»: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1». فيكون للمجموع حول واحد، لا انه لكل معاملة جزئية و لكل ارتفاع قيمة حول مستقل. و لا محالة يجبر

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 243

..........

______________________________

الخسران في بعضها، بالربح في الآخر أيضا.

نعم، لو كان له ثلاثمائة الف درهم مثلا فجعلها في ثلاث شعب من التجارة و جعل لكل منها حسابا و كتابا مستقلا امكن القول باختلاف الحول فيها و بعدم جبر بعضها ببعض، كما قد يقال هذا في خمس الأرباح أيضا و ان منعناه و اخترنا الجبر و لو في الشعب المختلفة، بتقريب ان المدار في خمس الأرباح ربح السنة و غنيمتها. نظير ما هو المعمول و المتداول في الماليات و الضرائب السنوية المجعولة من قبل الحكومات العرفية في جميع الاعصار و الامصار.

و يرد على الاحتمال الرابع- مضافا الى كونه منافيا لحق الفقراء، كما في الجواهر- كونه مخالفا لإطلاق ما دل على ثبوت الزكاة في المال اذا حال عليه الحول.

و يرد على

الخامس ما مرّ من دلالة الصحيحة على عدم تكرر الزكاة في عام واحد و انها ضريبة سنوية.

فالحق هو الاحتمال الثالث، اعني تبعية النماء للأصل في الزكاة و في الحول معا. و لعله المستفاد من الأخبار الدالة على ثبوت الزكاة في المال المطلوب به برأس المال أو بالربح في قبال ما لا يطلب به إلّا بنقيصة، حيث ان الظاهر منها ثبوت زكاة واحدة في المال بربحه اذا حال الحول عليه، لا ان كلا من المال و الربح ملحوظ مستقلا و له حول مستقل.

فقوله «ع» في رواية الكرخي: «ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلا على فضلك فزكّه» «1»، ظاهر في لحاظ الأصل و الفضل موضوعا واحدا و لا محالة له حول واحد بعد ما دل الدليل على اعتباره.

و بهذا صرّح في الجواهر أيضا حيث انه بعد نقل كلام الاصحاب قال: «هذا كله مما شاة للأصحاب، و إلّا فقد يتوقف في اصل الحكم باعتبار ظهور النصوص في زكاة المال المطلوب برأس المال أو بالربح الشامل للزيادة، فلا تحتاج الى حول مستقل» «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الجواهر 15/ 267.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

ثم استدل بخصوص خبري شعيب، و عبد الحميد بن عواض. ففي الأوّل قال: قال:

ابو عبد اللّه «ع»: «كل شي ء جرّ عليك المال فزكّه، و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «1» و الظاهر منه بقرينة المعاملة ان الربح لا يعتبر فيه الحول و لكن الارث و الهبة يعتبر فيها الحول، و لا محالة تكون زكاتهما زكاة النقدين. و في الثاني عن ابي عبد اللّه

«ع» قال في الرجل يكون عنده المال فيحول عليه الحول ثم يصيب مالا آخر قبل ان يحول على المال الأوّل الحول، قال: اذا حال على المال الأوّل الحول زكّاهما جميعا «2». و اطلاق الخبر و ان شمل زكاة الأنعام و النقدين و لا نقول بذلك فيهما كما مرّ و لكن نقول بمضمونه في التجارة اذا عدّ عرفا تجارة واحدة و شعبة واحدة منها. و كذا في مثل النتاج في المقام بناء على عدّه من فوائد التجارة و ارباحها، كما مرّ. بخلاف النتاج في زكاة الانعام، لاستقلاله، كما مرّ في محله.

و في الدروس بعد ذكر الخبرين قال: «و فيهما دلالة على ان حول الاصل يستتبع حول الزائد في التجارة و غيرها إلّا السخال، ففي رواية زرارة عنه- عليه السلام- حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج» «3».

اقول: الظاهر ان حساب السخال في زكاة العين غير حسابها في زكاة التجارة، اذ الموضوع في الاول الشخص و في الثاني المال و ان تبدل و زاد. و كما يحسب الربح متحدا معه تحسب السخال من فوائده و توابعه أيضا.

و في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان الزيادة الحاصلة في أثناء الحول ان عدّت عرفا مالا مستقلا اجنبيا عن ماله الاصلي الذي تقلب في التجارة- كما قد يتوهم في مثل الثمرة و النتاج دون الزيادة القيمية التي هي كسمن الدابة- فلا دليل على تعلق الزكاة بها ما لم تكن بنفسها من الاجناس الزكوية، لأنها مال ملكه لا بعقد معاوضة بل بالنماء و الولادة. و ان عدّت تابعة لما انتقل اليه بعقد معاوضة كما هو الحق، فلو سئل عن مال اليتيم يقال انه استعمله في

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من

ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(3)- الدروس/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 245

..........

______________________________

التجارة حتى بلغ كذا و كذا مبلغا، فيعدّ مجموع ما ملكه اليتيم باستعماله في التجارة من الابدال و ثمراتها هو الذي دار اليه ماله، فمقتضاه عدم استقلال ابعاضه بالحول و دوران تعلق الزكاة بالمجموع مدار حول المال الذي دار اليه» «1».

فمن كلامه يظهر اختياره التبعية في مثل النتاج و الثمر. ففي الزيادة المتصلة و الحكمية التبعية اوضح، فتكون تابعة في الزكاة و الحول معا. و لعله اقوى كما مرّ، بل تعدّ جميع المعاملات المتدرجة المتشعبة على مال واحد تجارة واحدة إلّا اذا جعل لكل من الشعب حسابا و كتابا مستقلا، فتدبر.

كيفية المضاربة و ربحه

الامر الثاني من الامرين انه لا بد هنا من بيان نكت تتعلق بالمضاربة اجمالا و التفصيل في محله:

الاولى: المتيقن من المضاربة ان يدفع انسان ماله الى غيره ليتجر به و يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها. و لعلها مأخوذة من الضرب في الارض، لضرب العامل فيها للتجارة، و المالك سبب لضربه، فكأن الضرب تحقق منهما.

و اما لو دفع رأس ماله اليه ليصرفه في الزراعة أو الصناعة، أو دفع اليه سيّارته ليكريها أو شبكته ليصيد بها و يكون المستفاد بينهما فهل يكون من المضاربة أولا؟ و على الثاني فهل يصح و ان لم يطلق عليه المضاربة اولا؟.

يمكن أن يقال بصحته، لشيوع هذه المعاملات بين العقلاء، فيشملها عموم قوله- تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و حمله على العقود المتعارفة حين نزول القرآن بلا وجه بعد ظهوره في ان العقد، اعني العهد الواقع بين اثنين، بطبعه يقتضي الوفاء. فهو قضية حقيقية لا خارجية

و لذا نستدل به على صحة عقد التأمين مع كونه حادثا. مضافا الى امكان تعارف بعض هذه العقود في تلك

______________________________

(1)- المصباح/ 77.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 246

..........

______________________________

الاعصار أيضا.

و يمكن ان يستأنس للصحة أيضا بالغاء الخصوصية، فان المضاربة و المزارعة و المساقاة كلها من واد واحد و من قبيل الشركة في رأس المال و العمل، فبالغاء الخصوصية نستفيد ان كون رأس المال و الوسيلة لأحد و العمل لآخر مما امضاه الشارع. و حكمته ان الفائدة نتيجة كليهما، و الناس في ادامة حياتهم يحتاجون الى هذا القبيل من الشركة، كما يحتاجون الى الشركة في رأس المال فقط، فتأمّل.

الثانية: المشهور صحة عقد المضاربة و استحقاق العامل الحصة المتفق عليها من الربح.

و اخبارنا متظافرة بذلك. و بها قال فقهاء السنة أيضا.

و لكن يظهر من المقنعة و النهاية و تبعهما جماعة ان الربح كله للمالك و يستحق العامل اجرة المثل لان النماء تابع للمال، و لجهالة الحصة.

و فيه مضافا الى النقض بالمزارعة و المساقاة انه اجتهاد في مقابل النص.

الثالثة: اتفقوا على انها جائزة من الطرفين و انّه لو اشترط فيها الاجل لم يلزم. و التفصيل موكول الى مجله.

الرابعة: في الشرائع: «و العامل يملك حصته من الربح بظهوره و لا يتوقف على وجوده ناضّا» «1».

و قال في المسالك: هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل لا يكاد يتحقق فيه مخالف و لا نقل في كتب الخلاف عن احد من اصحابنا ما يخالفه» «2».

و حكى في الايضاح «3» عن والده العلامة اربعة اقوال في المسألة:

الاول: انه يملك بمجرد الظهور. قال: و هو الأصحّ. الثاني: انّه يملك بالانضاض.

الثالث: انّه يملك مستقرا بالقسمة. الرابع: ان القسمة كاشفة عن ملك العامل.

و استدل للأول بانه

مقتضى الشرط في العقد. و بانه مملوك لا بدّ له من مالك و ليس هو

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 141.

(2)- المسالك 1/ 286.

(3)- الايضاح 2/ 322.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 247

و يضمّ إليه حصّته من الربح (1). و يستحب زكاته أيضا اذا بلغ

______________________________

ربّ المال فيكون للعامل. و لأنه لو لم يملك بالظهور لم يملك المطالبة بالقسمة لكن التالي باطل اجماعا. و لأنه لو لم يملك لم ينعتق عليه ابوه لو اشتراه و ظهر الربح و قد دلت الصحيحة على انعتاقه، ففي صحيحة محمد بن قيس قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل الف درهم مضاربة فاشترى اباه و هو لا يعلم؟ فقال: يقوّم فاذا زاد درهما واحدا اعتق و استسعى في مال الرجل «1». هذا.

و لكن نوقش هذا القول بان الربح قبل الانضاض مقدّر موهوم، و المملوك يجب ان يكون موجودا خارجا و بانه لو صار ملكا للعامل لم يكن وقاية لرأس المال اذا اتفق الخسران بعد ذلك مع انه وقاية اتفاقا ما دامت المضاربة باقية. و بانه لو صار ملكا له اختص بربح الربح، فلو كان رأس المال عشرة فربح في المعاملة الاولى عشرين، و في الثانية ثلاثين، و اتفقا على النصف لزم ان يكون له ثلاثون من الربح، و يبقى للمالك عشرون من الربح، مع ان الربحين بينهما بالتناصف، فيكون لكل منهما خمس و عشرون.

و الجواب عن المناقشة الاولى ان الزيادة الحكمية مما يعتبره العقلاء، و الملكية امر اعتباري يكفي في متعلقها ذلك. و عن الاخيرتين بان الملكية و ان ثبتت بمجرد الظهور و لكنها متزلزلة، فان مقتضى الشرط في العقد كون الربح وقاية و كون مجموع الارباح بينهما و

لا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه. و بعبارة اخرى: ماهية المضاربة يقتضي هذين الامرين:

حكم زكاة مال المضاربة و ربحه

اذا عرفت ما قدمناه من الامرين في المسألة فلنشرع في اصل المسألة، اعني مسألة الزكاة في ربح المضاربة، و هي معنونة بين العامة أيضا. و الشيخ تعرض لها في الخلاف في الزكاة (المسألة 122) و في المضاربة (المسألة 11)، فراجع «2».

(1) قد مرّ ان زكاة رأس المال على المالك، لأنه ملكه. و اما الربح فحصة المالك

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 8 من ابواب المضاربة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 1/ 313؛ 2/ 196.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 248

النصاب و تمّ حوله، بل لا يبعد كفاية مضيّ حول الأصل. و ليس في حصة العامل من الربح زكاة إلّا اذا بلغ النصاب مع اجتماع الشرائط (1)،

______________________________

تنضم الى اصلها. و قد مرّت الاحتمالات في زكاة الربح و النماء، و المناقشة في صدق مال التجارة عليه، و لكن قربنا تبعية النماء للأصل في الزكاة و الحول معا بمقتضى الاخبار العامة و خصوص خبر شعيب و عبد الحميد، فراجع.

و على فرض ثبوت الزكاة و عدم التبعية في الحول فهل يعتبر في كل منهما النصاب الاول، او يكفي في النماء بلوغه النصاب الثاني أو الثالث؟ وجهان. و كيف كان فلو لم يكن الأصل نصابا كمّل بالربح، و لا محالة تعتبر اول الحول من حين ظهور الربح على ما اخترناه من اعتبار النصاب في جميع الحول، خلافا لبعض اهل الخلاف.

(1) لو قلنا ببطلان المضاربة و كون جميع الربح للمالك فزكاة الجميع عليه و اجرة العامل عليه، كالدين. و هو لا ينفي الزكاة، كما يأتي في المسألة لآتية.

و ان قلنا بصحة المضاربة كما هو المختار فان قلنا بعدم ملك

العالم قبل الانضاض أو القسمة فهل تثبت على المالك زكاة حصة العامل اولا؟ وجهان: من انها ملك له فعلا، و من عدم استقرارها له قطعا، لأنها اما ان تصير جابرة لرأس المال، أو تصير ملكا للعامل.

و اما على المشهور من ملكه بمجرد الظهور فالمشهور ان زكاتها على العامل مع اجتماع الشرائط.

قال في الشرائع: «اذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الاصل على رب المال لانفراده بملكه، و زكاة الربح بينهما. تضم حصة المالك الى ماله، و يخرج منه الزكاة (قلت أو كثرت) لان رأس المال نصاب. و لا يستحب في حصة الساعي الزكاة إلّا ان تكون نصابا» «1». و هو اختيار المصنف أيضا.

و لكن في جامع المقاصد ان المتّجه عدم الزكاة في حصة العامل «2». و قواه في الايضاح «3».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 158.

(2)- جامع المقاصد 1/ 150.

(3)- الايضاح 1/ 189.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 249

..........

______________________________

و استظهره في المدارك أيضا «1». و مال اليه بعض آخر.

و جميع ما ذكروه لعدم الزكاة في حصته امور:

الاول: عدم ملكه لها قبل الانضاض أو القسمة.

و فيه ما عرفت من انه يملك بمجرد الظهور. و يدلّ عليه الصحيحة. و به أفتى الأصحاب و كونها وقاية و عدم الاختصاص بربح الربح لا ينافيان ذلك، كما مرّ.

الثاني: عدم تمامية الملك لاحتمال طروّ الخسران المتدارك بالربح. فهو وقاية لرأس المال. و اصالة عدم طروّ الخسران لا يرفع التزلزل بالوجدان. فوزانه وزان العين المرهونة.

و فيه ما عرفت من كون المضاربة من العقود الجائزة، فلكل منهما فسخها مهما اراد.

فالعامل حين ما ظهر الربح يقدر على الفسخ و المطالبة بالتقسيم. و قد مرّ منّا ان القدرة على التمكن من التصرف كافية. و لذا ناقشنا في مانعية الرهن مع القدرة على فكه.

الثالث: عدم

امكان التصرف قبل القسمة للشركة.

و فيه ان صرف الشركة لا تمنع من تعلق الزكاة لتعلقها بالمال المشترك اذا بلغ نصيب كل من الشركاء نصابا. و هذا واضح.

الرابع: ما في مصباح الفقيه من انه و ان صدق على حصة العامل انها مال ملكه بالتجارة و لكنه لا يصدق عليها انها مال ملك بعقد المعاوضة بقصد الاسترباح، بل هي بنفسها ربح التجارة المتعلقة بمال الغير، و قد ملكه العامل بعقد المضاربة لا بعقد المعاوضة.

مثل ما ملكه الاجير «2».

و ان شئت قلت: انه لا يصدق عليه انه مال اتجر به، أو عمل به. و حصة المالك و ان كانت كذلك و لكنك عرفت فيما سبق ان الأشبه عدم ملحوظية النماء مستقلا و تبعيته للأصل في الزكاة و الحول، و إلّا فهو بنفسه غير مندرج في عناوين الأدلة.

و اجيب عن ذلك بما مرّ من المصنف من ان مال التجارة اعم من الأعيان و المنافع،

______________________________

(1)- المدارك/ 310.

(2)- المصباح/ 83.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

و عمل العامل من قبيل الثاني.

و يمكن ان يستدل أيضا للتعميم هنا بالغاء الخصوصية، بل بالأولوية. فان ربح التاجر مع جعل رأس ما له في معرض الخطر و الخسران- اذا ثبت- فيه الزكاة، فربح العامل بطريق أولى. و الزكاة ضريبة اسلامية جعلت على عوائد الناس و منافعهم، فتأمّل.

الخامس: و هو العمدة موثقة سماعة، قال: سألته عن الرجل يربح في السنة خمسمائة و ستمائة و سبعمائة، هي نفقته، و اصل المال مضاربة. قال: ليس عليه في الربح زكاة «1».

و اجيب اولا بان الرواية تنفي زكاة الربح مطلقا حتى من المالك و لا نقول به. و قوله:

«اصل المال مضاربة» لا دلالة فيه على كون المراد ربح العامل.

و ثانيا

ان ظاهر قوله: «هي نفقته» انه لا يحول عليها الحول، فلا يثبت المدعي.

اقول: الموثقة مذكورة في الكافي في ذيل الموثقة الاخرى لسماعة: «قال: سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة» «2» فلعل الصدر قرينة على كون المراد في السؤال ربح العامل، لا مطلق الربح. اللّهمّ إلّا ان يقال: ذكرهما معا في الكافي لا يدلّ على صدورهما عن الامام «ع» في مجلس واحد. هذا.

و اما الجواب الثاني فلا يخلو عن اشكال، اذ ظاهر جواب الامام- عليه السلام- ان كونه ربحا يوجب نفي الزكاة. و حمل اللام على العهد الذكري- مشيرا بها الى ما هي نفقته- ثم حمل النفقة على عدم بقاء شي ء منها طول الحول خلاف الظاهر جدّا. فظاهر الموثقة عدم زكاة الربح على العامل و ان بقي حولا، و اما المالك فمقتضى قوله «ع»: في خبر شعيب:

«كل شي ء جرّ عليك المال فزكّه» ثبوت الزكاة في حصّته، فتدبر.

تنبيه:

لا يخفى انّه يختلج في الذهن نكتة ينبغي ان ينبّه عليها. و هي انّه لو قلنا باختصاص زكاة التجارة بالسلعة الباقية بعينها طول الحول فلا كلام. و اما اذا قلنا بأن

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 15 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 251

[ليس له التأدية من العين إلّا بإذن المالك]

لكن ليس له التأدية من العين (1) إلّا بإذن المالك أو بعد القسمة.

______________________________

المال المتحرك في التجارة تتعلق به الزكاة و ان وردت عليه معاملات و تبدلات فزكاة التجارة تتعلق باكثر اموال التجارة، و اكثر التجار و الكسبة. فالحول يعتبر في اصل المالية، لا في خصوص العين و انت ترى ان المعمول المتداول بين التجار و الكسبة ادارة مؤنهم اليومية و حوائجهم التدريجية من ناحية الأرباح التدريجية يوما فيوما، من غير حساب لجزئياتها، و ضبط ما يصرف منها في المؤن التدريجية، و انما يحسبون في آخر السنة ما حصل لهم زائدا على المؤونة، فيقايسونه مع ما كان لهم في اول السنة من رأس المال، فيحكمون حينئذ بكون تجارتهم في هذه السنة رابحة أو خاسرة. و لازم ذلك كون مئونة السنة مستثناة في زكاة التجارات، كما هو المعمول و المقرر في خمس ارباح المكاسب و الزام الناس بعدم الاستثناء و حساب ما يصرف من الأرباح في المؤونة يوما فيوما الزام بامر غير متعارف شاقّ، و لم يتعارف ذلك حتّى عند فقهاء السنة القائلين بوجوب زكاة التجارات.

و لا يخفى ان الزكاة ضريبة اسلامية، و المتعارف في الضرائب المجعولة من قبل الحكومات العاديّة أيضا لحاظ ما حصل لأبناء شعبهم في آخر السنة بعد استثناء مؤنهم

اليومية، فيجعلون الضرائب على الزائد عن مئونة السنة. و لكن الى الآن لم اجد من افتى باستثناء مئونة السنة في زكاة التجارة، فتتبع.

ثم لا يخفى أيضا ان زكاة التجارة لو قلنا بتكررها كل سنة، كما في النقدين و الانعام- كما لا يبعد- فمقدارها و ان قلّ بالنسبة الى خمس الأرباح و لكن الخمس لا يتكرر. فالزكاة بتكررها لعلها تبلغ الخمس، أو تزيد عليه.

و لعل القول بوجوب الخمس و الزكاة معا في مال واحد في آخر السنة مما يبعد الالتزام به. فلعل خمس الأرباح جعل من قبل ائمتنا- عليهم السلام- بما انهم حكّام من قبل اللّه، و هم ساسة العباد، بعنوان ضريبة اسلامية، قابلة الانطباق على جميع الاعصار و الامصار، و على جميع عوائد الناس و مناشئ ثرواتهم، و هو يجبر نقص جميع الضرائب الأخر. و عليك بمراجعة ما حررناه في باب خمس الارباح من كتاب الخمس.

(1) اقول: في المبسوط: «فاما العامل فلا يجوز له اخراجه بنفسه إلّا بعد القسمة لان ربحه وقاية لما لعلّه يكون من الخسران. و لو قلنا ان ذلك له كان احوط، لأن المساكين

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 252

..........

______________________________

يملكون من ذلك المال جزءا، و اذا ملكوه خرج من ان يكون وقاية للخسران بعرض» «1».

و الظاهر ان ذلك على القول بالوجوب و التعلق بالعين أو بماليتها الخاصة.

و في الشرائع: «و هل يخرج قبل ان ينضّ المال؟ قيل: لا، لأنه وقاية لرأس المال. و قيل:

نعم، لان استحقاق الفقراء له اخرجه عن كونه وقاية، و هو اشبه» «2». يريد بذلك انه اشبه بالقواعد بناء على الوجوب و التعلق بالعين، اذ مقتضاه الخروج عن ملك العامل و الدخول في ملك الفقراء، فتبطل الوقاية ضرورة

كونها في ملك العامل أو من بحكمه كالوارث، لا في مال الفقير. و استصحابها مع تغير الموضوع غير متّجه.

و لكن في مصباح الفقيه ما حاصله: «و هو لا يخلو عن نظر لان خروجه عن كونه وقاية مناف لما تقتضيه المضاربة، فان مقتضاها كون ملكية العامل للحصة مراعاة بعدم ورود خسارة على رأس المال، فكيف يصح ان يملك الفقير ازيد مما يملكه العامل؟ مع ان ملكية الفقير متفرعة على ملكية العامل. فالفقير يستحق جزءا مما يملكه العامل على النهج الذي يملكه، فيكون حق الفقير أيضا مراعي بسلامة رأس المال الى الانضاض و القسمة» «3».

و بالجملة محصل البحث تنافي حق الفقير و حق المالك و تزاحمهما.

و لكن العلامة في القواعد اراد رفع التنافي فقال: «و الأقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق و الوقاية، فيضمن العامل الزكاة لو تمّ بها المال» «4».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 252

و في الايضاح في شرح العبارة: «لان الوقاية له الآن بالامكان و يمكن ان لا يحصل لعدم الخسران. و سبب استحقاق الفقراء موجود بالفعل الآن و لا مانع إلّا حقّ المالك، و هو يندفع بضمان العامل اياه. كالمهر اذا حال عليه الحول قبل الدخول. و انما ضمنه العامل لحصول الثواب له. و التحقيق ان النزاع في تعجيل الإخراج بغير اذن المالك بعد تسليم ثبوت الزكاة ليس بمتوجه، لان امكان ضرر المالك بامكان الخسران باعساره لا يعارض استحقاق

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 224.

(2)- الشرائع 1/ 158.

(3)- المصباح/ 83.

(4)- القواعد 1/ 56.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 253

..........

______________________________

الفقراء بالفعل، لان امكان احد المتنافيين لو نفى ثبوت

الآخر فعلا لما تحقق شي ء من الممكنات» «1».

و ردّ عليه آية اللّه الميلاني في زكاته بقوله: «و فيه ان حق الشرط من المالك مقدم على حق الزكاة، فلا تخرج الزكاة قبل الانضاض» «2». هذا.

و في الجواهر: «نعم، قد يتوقف في تأديتها من خصوص مال المضاربة من غير اذن المالك، باعتبار كونه مشتركا و لا يجوز التصرف فيه من غير اذن الشريك مع احتماله حينئذ باعتبار كون الزكاة حينئذ من المؤن التي تلزم المال، كأجرة الدلال و الوزّان و ارش جناية العبد و فطرته. لكن قد يدفعه موثق سماعة المشتمل على امره اهل المال بالتزكية، و اجتنابه ان لم يفعلوا. بل يدفعه أيضا وضوح الفرق بين المقامين» «3». و ما ذكره واضح. و لعله اليه نظر المصنف فالحاصل ان لإثبات هذا الفرع طريقين، و الطريق الاخير اوثق و اوضح.

______________________________

(1)- الايضاح 1/ 189.

(2)- كتاب الزكاة لآية الميلاني 2/ 60.

(3)- الجواهر 15/ 287.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 254

تقدم الزكاة الواجبة على الدين
[الزكاة الواجبة مقدمة على الدين]

[مسألة 4]: الزكاة الواجبة مقدمة على الدين (1) سواء كان مطالبا به أو لا ما دامت عينها موجودة.

______________________________

(1) في الشرائع: «الدين لا يمنع من زكاة التجارة، و لو لم يكن للمالك وفاء إلّا منه.

و كذا القول في زكاة المال لأنها تتعلق بالعين» «1».

و في الخلاف (المسألة 124): «اذا ملك نصابا من الأموال الزكاتية: الذهب أو الفضة أو الابل أو البقر أو الغنم أو الثمار أو الحرث أو التجارة، و عليه دين يحيط به فان كان له مال غير هذا بقدر الدين كان الدين في مقابلة ما عدا مال الزكاة، سواء كان ذلك عقارا أو عرضا أو اثاثا أو اي شي ء كان، و عليه الزكاة في النصاب. و ان لم

يكن له مال غير النصاب الذي فيه الزكاة فعندنا ان الدين لا يمنع من وجوب الزكاة. و اختلف الناس فيه على اربعة مذاهب» «2».

ثم حكى عن جماعة منهم الشافعي في الجديد و الأمّ ان الدين لا يمنع وجوب الزكاة، و عن جماعة منهم احمد و اسحاق و الشافعي في القديم انه يمنع، و عن مالك و الاوزاعي المنع في الأثمان و مال التجارة و العدم في غيرهما، و عن ابي حنيفة و اصحابه المنع في غير الحرث

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 158.

(2)- الخلاف 1/ 314.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 255

..........

______________________________

و الثمار فكأنه يقول: الدين يمنع الزكاة و لكن العشر خراج لا زكاة.

و كيف كان فيظهر من الخلاف اجماع اصحابنا على عدم المنع مطلقا.

و في التذكرة: «الدين لا يمنع الزكاة عند علمائنا اجمع» «1».

و في المنتهى: «الدين لا يمنع الزكاة، سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن، و سواء استوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه، و سواء كانت اموال الزكاة ظاهرة كالنعم و الحبوب أو باطنة كالذهب و الفضة. و عليه علماؤنا اجمع» «2». ثم حكى اقوال العامة.

و بالجملة فالمسألة مجمع عليها بين اصحابنا و ان اختلف فيها غيرنا.

و يستدل لها مضافا الى الإجماع بان الزكاة تتعلق بالعين كما مرّ حتى زكاة التجارة لما مرّ من تعلقها بمالية هذه العين لا بالمالية المطلقة حتى تكون في الذمة، فلا منافاة بين الزكاة و بين اشتغال ذمة المالك بأضعاف أضعاف النصاب من الدين.

و اطلاقات أدلة الزكاة في الموارد المختلفة مع كونها في مقام البيان من غير اشارة فيها الى استثناء الدين أيضا تقتضى عدم استثنائه.

و في المنتهى أيضا: «ان سعاة النبي «ص» كانوا يأخذون الصدقات من

غير مسألة عن الدين، و لو كان مانعا لسألوا عنه» «3». هذا.

مضافا الى صحيحة زرارة، عن ابي جعفر و ضريس، عن ابي عبد اللّه- عليهما السلام- انهما قالا: ايما رجل كان له مال موضوع حتّى يحول عليه الحول فانه يزكيه، و ان كان عليه من الدين مثله و اكثر منه فليزكّ ما في يده «4».

نعم، الظاهر ان المال الموضوع في مقابل المال المتحرك، فلا تشمل الصحيحة مال التجارة، بل الظاهر من المال الموضوع خصوص النقدين. و لعلّ الصحيحة لردّ مثل مالك القائل باستثناء الدين في الأثمان، و اما الحرث و الأنعام فهو أيضا قائل فيهما بعدم

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 202.

(2)- المنتهى 1/ 506.

(3)- المنتهى 1/ 506.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 256

..........

______________________________

الاستثناء، فتدبر.

و يدل على عدم استثناء الدين أيضا الاخبار المستفيضة الحاكمة بكون زكاة القرض على المقترض مع كونه مديونا للمقرض. «1»

ففي صحيحة زرارة: قلت لأبي عبد اللّه «ع» رجل دفع الى رجل مالا قرضا على من زكاته؟ على المقرض أو على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها ان كانت موضوعة عنده حولا على المقترض.

و في موثقة عبد الرحمن، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل عليه دين و في يده مال لغيره هل عليه زكاة؟ فقال: اذا كان قرضا فحال عليه الحول فزكّه «2» الى غير ذلك من اخبار الباب (الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة).

نعم، في مرسلة ابان، عمن اخبره قال: سألت احدهما- عليهما السلام- عن رجل عليه دين، و في يده مال و في بدينه، و المال لغيره هل عليه زكاة؟ فقال: اذا استقرض فحال عليه

الحول فزكاته عليه اذا كان فيه فضل «3». فالظاهر منها ثبوت الزكاة فيما فضل عن الدين.

و احتمال كون المراد مال التجارة، و كون اشتراط الفضل باعتبار انه يشترط في زكاته وجود رأس المال أو الزيادة خلاف الظاهر، اذ لا يشترط في زكاته خصوص الفضل. و يحتمل الحمل على التقية. مضافا الى كون الخبر مرسلا، اللّهمّ إلّا ان يقال ان ابان من اصحاب الإجماع. و بالجملة فعمدة الدليل على عدم منع الدين عن الزكاة بنحو الإطلاق- مضافا الى اجماع اصحابنا- اطلاقات الأدلة في الأبواب المختلفة.

و لكن هنا اخبار ضعاف تدل على الخلاف. منها ما في الجعفريات باسناده عن أمير المؤمنين «ع»، قال: من كان له مال و عليه مال فليحسب ماله و ما عليه، فان كان ماله فضل على مأتي درهم فليعط خمسة دراهم، و ان لم يكن فضل على مأتي درهم فليس عليه شي ء «4». و في متن الرواية اغتشاش، و لكن نقلها الشهيد في البيان كما يأتي بنحو آخر، و لعله

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(4)- المستدرك، ج 1، الباب 8 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

اصح و لا اغتشاش فيه.

و منها ما رواه الكيدري في شرح نهج البلاغة في ذيل الخطبة الشقشقية قال: قال صاحب المعارج: و وجدت في الكتب القديمة ان الكتاب الذي دفعه اليه رجل من اهل السواد كان فيه مسائل ...، و منها: رجل عليه من الدين

الف درهم، و له في كيسه الف درهم، فضمنه ضامن له الف درهم، فحال عليهما الحول فالزكاة على ايّ مالين تجب؟

فقال: ان ضمن الضامن باجازة من عليه الدين فلا زكاة عليه، و ان ضمنه من غير اذنه فالزكاة مفروضة في ماله «1». وجه الدلالة انه ان ضمن باجازة صار المضمون عنه مديونا للضامن فلا زكاة عليه و ان ضمن بلا اجازة فدينه السابق ارتفع و لم يصر مديونا للضامن فتثبت الزكاة.

و في المغنى لابن قدامة عند قول المصنف: «و اذا كان معه مأتا درهم و عليه دين فلا زكاة عليه»: روى بسند عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه «ص»: «اذا كان لرجل الف درهم و عليه الف درهم فلا زكاة عليه».

و لكن الأخبار لضعفها لا يمكن الاعتماد عليها.

و يمكن حملها على زكاة مال التجارة و القول بعدم استحبابها أو عدم تاكد استحبابها مع الدين، و لا سيما اذا كان رأس المال بنفسه دينا، لبعد استحبابها على من كان اصل رأس ماله للناس.

و يؤيده مفهوم قوله في صحيحة زرارة و ضريس «ايما رجل كان له مال موضوع». اذ الظاهر ان المال الموضوع كما مرّ في مقابل المال المتحرّك في التجارة.

و قد اشار الى هذا الحمل الشهيد في بيانه فقال: «و الدين لا يمنع من زكاة التجارة كما مرّ في العينية و ان لم يمكن الوفاء من غيره لأنّها و ان تعلقت بالقيمة فالأعيان مرادة ...

نعم، يمكن ان يقال: لا يتأكد إخراج زكاة التجارة للمديون لأنه نفل يضر بالفرض. و في الجعفريات، عن امير المؤمنين «ع»: من كان له مال و عليه مال فليحسب ماله و ما عليه،

______________________________

(1)- المستدرك، ج 1، الباب 9 من ابواب من

تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 258

..........

______________________________

فان كان له فضل مأتي درهم فليعط خمسة. و هذا نصّ في منع الدين الزكاة. و الشيخ ما تمسّك على عدم منع الدين إلّا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة» «1».

و لكن ناقشه في المدارك فقال بعد نقل كلامه: «هذا كلامه. و نحن قد بينا وجود النص الدال على ذلك صريحا. و ما نقله عن الجعفريات مجهول الاسناد، مع اعراض الاصحاب عنه و اطباقهم على ترك العمل به» «2».

و في مصباح الفقيه بعد نقل كلام الشهيد قال: «و كأنّ غرضه من الاستشهاد بالرواية الاستدلال لنفي تأكد الاستحباب في خصوص محل الكلام، اي زكاة التجارة، كما لعله هو المنساق من ألفاظها، لا مانعية الدين عن الزكاة مطلقا حتى في زكاة المال، كما فهمه في المدارك ... و قد اشرنا الى ان خبر الجعفريات بحسب الظاهر وارد في مال التجارة، لا خصوص النقد الموضوع الذي حال عليه الحول كما هو مورد خبر زرارة و ضريس فلا معارضة بينهما» «3» و لا بأس بما ذكره.

ثم ان ما ذكرناه من عدم استثناء الدين و عدم مزاحمته للزكاة انما هو على فرض تعلقها بالعين ملكا أو حقا، و اما بناء على تعلقها بذمة المالك مطلقا أو في خصوص زكاة التجارة فتصير في عرض سائر الديون، و قد تحقق المزاحمة في صورة قصور المال عن الوفاء بالجميع لدى موت المالك او حجره بالإفلاس فيكون مستحق الزكاة كأحد الدائنين في المحاصّة، و لكن المبنى فاسد عندنا.

تتمة

في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- ما حاصله: «انه اذا اجتمع الدين و الزكاة فاما ان يكون الدين مطالبا به أولا، و على الاول فاما ان

يمكنه الجمع بين اداء الدين و ايتاء الزكاة اولا فهذه ثلاثة اقسام. و على التقادير فاما ان تكون الزكاة واجبة أو

______________________________

(1)- البيان/ 191.

(2)- المدارك/ 311.

(3)- المصباح/ 84.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 259

..........

______________________________

مندوبة فالاقسام ستة. فان كان الدين غير مطالب به أو استطاع الجمع بين ادائه و ايتاء الزكاة فمن الواضح عدم معارضة الدين للزكاة- وجبت الزكاة أو استحبت- فهذه اربعة شقوق.

و اما اذا وجبت الزكاة و الدين مطالب به و لم يستطع الجمع بينهما فيختلف الحكم على الأقوال في كيفية تعلق الزكاة، فان قيل بتعلقها بالعين بنحو الملكية فمن البديهي عدم منع الدين عن الزكاة لأن الكسر المشاع من العين ملك لأرباب الزكاة فلا معنى لصرفه في الدين. و كذا على القول بكون الزكاة حقا ماليا.

و ان قيل بتعلقها بالذمة فقد ذهب الأصحاب الى ان القاعدة تقتضي التقسيط لأنه من موارد التزاحم، و حكم المتزاحمين في الامور المالية التقسيط بالحصة، و في الافعال التخيير.

و هذا صحيح لو كانت القدرة شرطا عقليا في كليهما، في حين ان المستفاد من قوله- تعالى: «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» ان القدرة على الوفاء مأخوذة في موضوع اداء الدين، و قد قلنا في مبحث الترتب انه لو اخذت القدرة في موضوع احد المتزاحمين فما لم تؤخذ القدرة فيه يقدم عليه، و النتيجة هنا تقدم الزكاة على الدين.

و السرّ في ذلك انه لو اخذت القدرة في الموضوع شرعا فالقدرة متقدمة على الحكم في الرتبة و دخيلة في الملاك، في حين ان القدرة العقلية متأخرة عن التكليف و لا دخالة لها في الملاك و ان كان انعدامها يمنع عن فعلية التكليف. و لمّا كان وجود القدرة منوطا

بعدم فعلية المزاحم (لأنه لو اصبح فعليا كان تعجيزا مولويا) فلا يبقى موضوع لذلك التكليف فيسقط و يتقدم ما ليست القدرة مأخوذة فيه.

و اما اذا كانت الزكاة مستحبة و الدين مطالبا به و لا يفي المال بكليهما فالقاعدة تقتضي تقدم الدين لأنه واجب و يتوقف على اعطاء هذا المال، فيجب مقدمة. و مع هذا الوجوب المقدمي لا استحباب» «1».

اقول: ما ذكره- قدّس سرّه- مع اشتماله على تحقيق لا يخلو من انظار.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الميلاني 2/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

الأوّل: ان ما ذكره من عدم منع الدين عن الزكاة على فرض كون التعلق بنحو الملكية أو الحق انما يصح على فرض ثبوت الاطلاق في دليل الزكاة لمفروض البحث، فكان عليه- قدّس سرّه- مضافا الى التشقيق لمقام الثبوت اثبات كون الأدلة الواردة في الموارد المختلفة في مقام البيان من هذه الجهة حتى يثبت اطلاقها لصورة مزاحمة الدين.

الثاني: ان القدرة إذا اخذت في موضوع الحكم فهي تنصرف الى القدرة العرفية التكوينية، و صرف الأمر بالمزاحم لا يوجب سلب القدرة تكوينا. و ما اشتهر بينهم من ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا لا دليل عليه. فالاستطاعة في باب الحج مثلا تنصرف الى الاستطاعة التكوينية، اعني المالية و البدنية و السربية، و اما المزاحمة بواجب أو محرم آخر فلا توجب سلب الاستطاعة عرفا حتى يكون دليله واردا على دليل الحج و رافعا لموضوعه، بل الظاهر ان باب المزاحمة انما يجري بين وجوب الحج و الواجب أو المحرم الآخر، فتأمّل.

الثالث: ان ما ذكره من ان انعدام القدرة العقلية يمنع عن فعلية التكليف ممنوع، فان القدرة العقلية كالعلم من شرائط التنجز لا الفعلية اذ التنجز من احكام العقل و

هو مشروط عنده بالعلم و القدرة لاستحالة انبعاث الجاهل و العاجز، و اما في ناحية المولى فالحكم تام فعلي بتحقّق موضوعه، و ليس للشارع تقييد الموضوع بما لا دخل له في الملاك فانه جزاف، كما انه ليس للعقل تقييد الموضوع اذ لا معنى لأن يتصرف حاكم في موضوع حكم غيره كيف و لو كانت القدرة العقلية دخيلة في فعلية الحكم جاز إجراء البراءة مع الشك في القدرة بل جاز سلب القدرة اختيارا كما يجوز جعل المسافر حاضرا و بالعكس و لا يلتزم بذلك احد.

لا يقال: اذا تعذر الانبعاث تعذر البعث أيضا لأنهما متضائفان، و المتضائفان متكافئان قوة و فعلا.

فانه يقال: هذا في البعث الشخصي بنحو القضية الشخصية، و اما الأحكام الكلية القانونية فلا تتضمن بعثا شخصيا و إرادة شخصية بالنسبة الى كل فرد فرد، و ليس في ناحية المولى و لا سيما مولى الموالى حالة تجدد البعث و الارادة و قبضهما و بسطهما بتطور حالات العبيد بالعلم و الجهل و القدرة و العجز، و انما التطور و التجدد في حكم العقل بالتنجز و صحة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 261

بل لا يصحّ وفاؤه بها بدفع تمام النصاب (1). نعم، مع تلفها و صيرورتها في الذمّة حالها حال ساير الديون (2).

[زكاة التجارة الدين المطالب به مقدّم عليها]

و امّا زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدّم عليها حيث انّها مستحبة سواء قلنا بتعلّقها بالعين أو بالقيمة.

و امّا مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضا، بل مع المطالبة أيضا

______________________________

العقوبة و عدمهما من دون ان تمس كرامة الحكم، و يكفي في جعل الحكم الكلي و حسن الخطاب به امكان انبعاث البعض. كيف؟! و إلا لزم عدم تحقق التكليف بالنسبة الى الكفار و العصاة

لعدم تحقق الانبعاث منهم.

و يترتب على ما ذكرنا فعلية الحكمين في صورة التزاحم و عدم وجود قصور في الحكم من ناحية المولى، بل يتنجزان أيضا لقدرة العبد على كل واحد منهما. نعم، مع صرف القدرة في الأهمّ يرتفع تنجّز المهم، و في المتكافئين يرتفع التنجز في المتروك منهما اذا صرف القدرة في الآخر. هذا و للتفصيل في المسألة محل آخر.

الرابع: ان ما ذكره اخيرا من نفي الاستحباب فيما اذا تزاحم الواجب و المستحب ممنوع جدا، فمن ترك الحج الواجب و صرف وقته في زيارة الحسين- عليه السلام- فالزيارة المأتى بها مستحبة قطعا و واجدة لملاك الاستحباب و ان عصى بترك الواجب. و المقدمة واجبة بالوجوب العقلي لا الشرعي. و لو سلم فيصير من قبيل مسألة الاجتماع، و لا مانع من كون الشي ء واجبا بالوجوب المقدمي لوجوب اداء الدين و مستحبا بملاك الاستحباب الكائن فيه لاختلاف العنوان، فتدبر.

(1) لما مرّ من عدم جواز التصرف في النصاب قبل اداء الزكاة. اللّهمّ إلّا ان يستفاد من قوله «ع» في موثقة يونس بن يعقوب: «فان انا كتبتها و اثبتها يستقيم لي؟ قال: نعم لا يضرك» «1» جواز التصرف مع الضمان.

(2) اللّهمّ إلّا ان يقال بتقديمها على الدين لاشتمالها على حق الناس و حق اللّه معا و لكنه مشكل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 262

اذا أدّاها صحّت و أجزأت (1) و إن كان آثما من حيث ترك الواجب.

______________________________

(1) لبقاء الاستحباب بفعليتها اذ المقام من باب التزاحم لا التعارض، كما لا يخفى.

و قد مرّ آنفا بيانه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 263

فروع
[إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية]

[مسألة 5]: إذا كان مال التجارة أحد النصب

المالية و اختلف مبدأ حولهما فان تقدّم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة (1)، و إن انعكس

______________________________

(1) المسألة من لواحق المسألة الاولى. و الفرق بينهما ان مفروض البحث في المسألة الأولى اتفاق مبدأ الحولين و في المقام اختلاف مبدئهما، و الظاهر شمول قوله «ص»:

«لاثنا في الصدقة»، و قوله: «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد» لهذه المسألة أيضا لما مر في تك المسألة من ان العام اسم لاثنى عشر شهرا و الزكاة ضريبة سنوية، فظاهر الحديثين ان كل زكاة تقتضي سنة مستقلة، و لازمه اشتراط تباين الحولين و لا يكفي الاختلاف في المبدأ فقط، فاحدى الزكاتين تسقط قطعا.

و الظاهر ان مفروض المسألة عند المصنف صورة كون المال أحد النقدين و كون النصاب النصاب الاول بحيث لو أدّى احدى الزكاتين نقص المال عن النصاب فلا يبقى موضوع للأخرى اصلا و لا يحتاج الى الاستدلال بالحديثين.

و الفرق بين زكاة المالية و زكاة التجارة ان مقدار الزكاة في الأولى ينتقل بصرف التعلق الى الفقراء فاذا تقدمت لا يبقى النصاب للتجارة في ملكه، و اما زكاة التجارة فلا تخرج- بناء على الاستحباب- عن ملك المالك ما لم يخرجها، فلو تقدمت فان اعطاها لم يبق النصاب للمالية، و إلّا تعلقت المالية أيضا بعد حلول حولها، فتقدم المالية قهرا لتقدم الوجوب على الاستحباب، فافهم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 264

فان أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت، و إلّا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط مال التجارة.

[لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول]

[مسألة 6]: لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول، استأنف الحول عند بلوغه (1).

[إذا كان له تجارتان]

[مسألة 7]: إذا كان له تجارتان، و لكلّ منهما رأس مال، فلكلّ منهما شروطه و حكمه (2)، فان حصلت في إحداهما دون الاخرى استحبت فيها فقط و لا يجبر خسران إحداهما بربح الاخرى.

______________________________

(1) النصاب عندنا يراعى من اول الحول الى آخره في الماشية و الأثمان و التجارات.

و عند ابي حنيفة يراعى في طرفي الحول و ان نقص فيما بينهما مطلقا و اصحاب الشافعي على قولين: فعند بعضهم يراعي في جميع الحول مطلقا، و عند بعضهم يراعى في جميع الحول إلّا في التجارات فيراعي آخر الحول، فراجع الخلاف (المسألة 117). و ظاهر اخبار الحول في الأنعام اعتبار وجود النصاب في جميع الحول، فراجع «1». و صريح صحيح زرارة في الدراهم أيضا ذلك، فراجع «2». و قد مرّ ان نصاب مال التجارة نصاب النقدين، بل عرفت انّه ليس إلّا المال المتحرك. فالمال الساكن تجب فيه الزكاة، و المتحرك تستحب فيه. فالنصاب فيه أيضا يعتبر في جميع الحول كالنقدين. و على اي حال فالمسألة مما لا خلاف فيها عندنا.

(2) قد مرّ منا في المسألة الثالثة انه اذا قلنا في زكاة التجارة بان المعتبر بقاء المالية و ان وقع على المال تبدلات، كما هو المختار. ففي مثل البزّاز الذي يشتري برأس ماله خمسين صنفا من الاقمشة مثلا و في كل يوم بل كل ساعة يبيع بعضا منها و يشتري بعضا آخر يكون ضبط كل صنف و ربحه و حوله بالاستقلال مشكلا جدّا.

و المتعارف في مثله جعل حول واحد للجميع و جبر خسران البعض بربح الآخر بل

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6،

الباب 8 و 9 من ابواب زكاة الانعام.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 6 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 265

..........

______________________________

اخراج مئونة السنة أيضا من الجميع تدريجا فيعد الجميع تجارة واحدة و رأس مال واحد.

نعم، لو كان له ثلاثمائة الف درهم مثلا فجعلها في ثلاث شعب مختلفة مستقلة بالحساب و الكتاب كان لكل من الشعب الثلاث حكمها، و لا يجبر الخسران في بعضها بالربح في الآخر، بل يصير كل منها مشمولا لقوله: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1»، فراجع ما حررناه هناك.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 266

2- زكاة كل ما يكال او يوزن مما ينبت من الارض

الثاني ممّا يستحبّ فيه الزكاة: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض (1)، عدا الغلات الأربع فانّها واجبة فيها، وعدا الخضر كالبقل و الفواكه و الباذنجان و الخيار و البطّيخ و نحوها ففي صحيحة زرارة: «عفا رسول اللّه «ص» عن الخضر. قلت: و ما الخضر؟ قال: كلّ شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك مما يكون سريع الفساد».

و حكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحبّ فيه الزكاة حكم الغلات الأربع في قدر النصاب و قدر ما يخرج منها و في السقي و الزرع و نحو ذلك (2).

______________________________

(1) قد مرّ البحث عن المسألة مفصلا في فصل الأجناس التي تتعلق بها الزكاة، و تبين ان المشهور عند فقهاء السنة الوجوب في جميع الحبوب، و المشهور عندنا الاستحباب في غير الاربع. و عن يونس و ابن الجنيد الوجوب. و السيد المرتضى و صاحب الحدائق و صاحب الوافي حملوا

اخبار المسألة على التقية، فلا وجوب عندهم و لا استحباب. و منشأ الاختلاف اختلاف الاخبار، فراجع ما حرزناه هناك «1».

(2) قد مرّ بيان ذلك في اوائل فصل زكاة الغلات، فراجع «2».

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 147، 169.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 333.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 267

3- زكاة الخيل الاناث

الثالث: الخيل الاناث بشرط أن تكون سائمة و يحول عليها الحول (1).

______________________________

(1) في الخلاف (المسألة 62): «لا زكاة في شي ء من الحيوان إلّا في الا بل و البقر و الغنم وجوبا. و قد روى اصحابنا ان في الخيل العتاق على كل فرس دينارين، و في غير العتاق دينارا على وجه الاستحباب. و قال الشافعي: لا زكاة في شي ء من الحيوان إلّا في الثلاثة الأجناس. و به قال مالك و الاوزاعي و الليث بن سعد و الثوري و ابو يوسف و محمد.

و قال ابو حنيفة: ان كانت الخيل ذكورا فلا زكاة فيها و ان كانت اناثا ففيه روايتان، اصحهما فيها الزكاة و ان كانت ذكورا و اناثا ففيها الزكاة لا تختلف الرواية عنه و لا يعتبر فيها النصاب ... دليلنا اجماع الفرقة فان ما فصلناه مجمع عليه عندهم. و روى ابو يوسف عن غورك السعدي، عن جعفر بن محمد، عن ابيه، عن جابر بن عبد اللّه ان النبي «ص» قال:

في كل فرس دينار اذا كانت راعية» «1».

و في المغني نقل الخبر الأخير هكذا: «في الخيل السائمة في كل فرس دينار»، و ذكر اعتماد ابي حنيفة عليه ثم رده بان غورك السعدي ضعيف. و استدل على عدم الزكاة في الخيل بما رواه ان النبي «ص» قال: «ليس على المسلم في فرسه و غلامه صدقة». و قال أيضا: «عفوت لكم عن صدقة

الخيل و الرقيق» «2».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 291.

(2)- المغنى 2/ 491.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 268

..........

______________________________

و كيف كان فالشيخ في الخلاف ادّعى اجماع الفرقة على التفصيل الذي ذكره.

و في الغنية: «و اما المسنون من الزكاة ... و في الإناث من الخيل في كلّ رأس من العتاق ديناران، و من البراذين دينار واحد. و شرائط الاستحباب مثل شرائط الوجوب.

و يسقط في الخيل اعتبار النصاب ... و ذلك كله بدليل الاجماع الماضي ذكره» «1».

و في التذكرة: «لا تجب الزكاة في الخيل باجماع اكثر العلماء» «2». و غرضه عدم الوجوب إلّا عند ابي حنيفة.

و في التذكرة أيضا: «اجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة:

السوم و الأنوثة و الحول» 3.

و في المنتهى ما حاصله: «و يستحب الزكاة في الخيل. و لها شروط اربعة: الملك و السوم و الحول و الأنوثة» و الثلاثة الاول مجمع عليه بين القائلين بالوجوب أو الاستحباب، و اما الرابع فهو اجماع علمائنا» «4».

و في المقنعة: «و تزكى الخيل العتاق الإناث السائمة و البراذين الإناث السائمة سنة غير فريضة» «5».

و في النهاية: «و اما الخيل ففيها الزكاة مستحبة اذا كانت إناثا سائمة، فان كانت معلوفة فليس فيها شي ء» «6».

و في الشرائع: «الخيل اذا كانت اناثا سائمة و حال عليها الحول ففي العتاق عن كل فرس ديناران، و في البراذين عن كل فرس دينار استحبابا» «7».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه» «8».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 569.

(2) (2- 3)- التذكرة 1/ 230.

(4)- المنتهى 1/ 510.

(5)- المقنعة/ 40.

(6)- النهاية/ 177.

(7)- الشرائع 1/ 159.

(8)- الجواهر 15/ 292.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

و قد تلخص من جميع ما ذكر اجماع اصحابنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة:

السوم و الحول و الانوثة.

و امّا فقهاء السنّة فالمشهور بينهم عدم الزكاة فيها: و قال أبو حنيفة بوجوب الزكاة فيها بشرط السوم و الحول دون الأنوثة، لقوله بالزكاة في ما اذا كانت ذكرانا و اناثا. فهو يخالفنا في جهات: الاول انه قائل بالوجوب. الثاني انه لا يشترط الانوثة. الثالث انه لا يفصل في المقدار، بل يقول بدينار واحد مطلقا. و نحن نفصل بين العتاق و البراذين.

و اعلم اني الى الآن لم اجد في كلمات اهل السنة بحثا عن الزكاة الاستحبابية، بل اما يوجبون الزكاة أو ينفونها، فراجع. فهذه هي أقوال المسألة.

و اما الاخبار فمنها صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عنهما- عليهما السلام- قالا: وضع امير المؤمنين- عليه السلام- على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا. و رواه المفيد مرسلا إلّا انه قال: و جعل على البراذين السائمة الإناث في كل عام دينارا «1».

و لا يخفى ان مفاد الصحيحة حكاية فعل امير المؤمنين «ع» اجمالا من غير دلالة على ان وضعه- عليه السلام- كان لزمانه أو لجميع الأعصار، بنحو الوجوب أو بنحو الاستحباب، بعنوان الزكاة أو بعنوان الجزية مثلا، كما احتمل انه كان في خيل المجوس جزية أو عوضا عن انتفاعهم بمراتع المسلمين. فالاستدلال بالصحيحة للاستحباب الشرعي الثابت في جميع الأعصار مشكل.

ثم لا يخفى ان الصحيحة من الشواهد لما سمعته منا كرارا بنحو الاحتمال من كون اصل ايجاب الزكاة حكما الهيا شرعيا، و اما ما فيه الزكاة فتشخيصه محوّل الى الحاكم الحق، لتبدل اموال الناس و منابع ثروتهم و اختلاف حوائج الناس و الحكومات باختلاف الأعصار و الأمصار.

و يؤيد ذلك أيضا التعبير الوارد في بعض الاخبار.

منها صحيحة الفضلاء و فيها:

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

«فرض اللّه الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنّها رسول «ص» في تسعة اشياء، و عفا عما سواهن» «1». و في بعضها: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة اشياء ... و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «2»» فكأنه «ص» بما انه كان حاكما للمسلمين في عصره لحظ ما هي عمدة ثروة العرب في عصره، فوضع الزكاة عليها، و عفا عما سوى ذلك مع وجود الاقتضاء فيه. فهذا احتمال ربما ينقدح في الذهن، و لكن الاعتماد عليه مشكل، فتدبّر.

و من أخبار المسألة أيضا صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل في البغال شي ء؟ فقال: لا. فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال: لان البغال لا تلقح و الخيل الاناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء. قال: قلت: فما في الحمير؟

قال: ليس فيها شي ء. قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟

فقال: لا، ليس على ما يعلف شي ء. انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فاما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء.

و نحوه عن المفيد في المقنعة إلّا إنه قال: و ليس على الخيل الذكور اذا انفردت في الملك و ان كانت سائمة شي ء «3».

و هل ما نقله المفيد في الموضعين نقل بالمعنى لما رواه الكليني، أو انه روى من الأصول و الجوامع الأولية بالفاظها؟ كلاهما محتمل.

و التعبير بالصدقة في الصحيحة تدل على ان الشي ء المسؤول عن ثبوته كان هو الزكاة.

فهي دالة اجمالا على

ان ثبوت الزكاة في الخيل في عصر الإمام الصادق- عليه السلام- كان أمرا واضحا مفروغا عنه. فتصير قرينة على انّ ما وضعه أمير المؤمنين «ع» أيضا كان هو الزكاة و كان لجميع الأعصار، فتأمّل.

و يستفاد من الصحيحة أيضا اعتبار السوم و الحول و الأنوثة.

انما الإشكال في استفادة الاستحباب. و لعل لكلمة «على» في الصحيحتين ظهورا ما

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 271

و لا بأس بكونها عوامل (1)، ففي العتاق منها- و هي التي تولدت من عربيين- كلّ سنة ديناران، هما مثقال و نصف صيرفي. و في البراذين من كلّ سنة دينار: ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي. و الظاهر ثبوتها حتى مع الاشتراك، فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.

______________________________

في الوجوب و ان لم يكن بحدّ الظهور الثابت فيما اذا دخلت على المكلف و الشخص. فربما يستدلّ للاستحباب بالإجماعات المنقولة التي مرّت، و بالأخبار المستفيضة بل المتواترة الحاكمة بان الزكاة في تسعة، و انه ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف، يعني الابل و البقر و الغنم، و بما رواه الرضا- عليه السلام- عن النبي «ص» قال: «عفوت لكم عن زكاة (صدقة) الخيل و الرقيق»، فراجع الوسائل «1» و قد مرّ نقل الخبر الأخير عن المغني أيضا.

فان قلت: الأخبار الدالة على كون الزكاة في تسعة و انه ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير الثلاثة عام، و اخبار زكاة الخيل خاص فيخصص العام

به فيحكم بالوجوب في الخيل أيضا.

قلت: انما يقدم الخاص على العام لأظهريته في مفاده، و إلّا فلم يرد بذلك آية أو رواية. و في المقام ليس الخاص أظهر في مفاده من العام، بل الأخبار المشار اليها في نفي الوجوب عن غير التسعة و الثلاثة أظهر لما عرفت من ضعف ظهور اخبار الخيل في الوجوب، فتدبّر.

(1) قد مرّ اشتراط الاستحباب في الخيل بالسوم و الأنوثة و الحول.

و هل يشترط مع ذلك عدم كونها عوامل، و عدم الاشتراك في واحد، و عدم كون المالك صغيرا أو مجنونا؟ وجهان: من اطلاق الدليل، و من استيناس الاشتراط من الاشتراط في الأنعام الثلاثة.

قال في البيان: «و في اشتراط الانفراد و منع استعمالها عندي نظر. و اشتراطهما قريب

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 و 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 272

..........

______________________________

و خصوصا الانفراد، فلو ملك اثنان فرسا فلا زكاة» «1».

و في الدروس: «و الاقرب انه لا زكاة في المشترك حتى يكون لكل واحد فرس. و في اشتراط كونها غير عاملة نظر. اقربه نعم، لرواية زرارة» «2».

و في المسالك: «يشترط مع ذلك ان لا تكون عوامل و ان يكمل للمالك الواحد فرس كاملة و ان كانت بالشركة كنصف اثنتين» «3». و نحو ذلك عن جامع المقاصد و غيره.

أقول: ان كان مراد الدروس برواية زرارة روايته عن احدهما «ع» قال: «ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و كل شي ء من هذه الاصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء» «4» كما لعله يظهر من الجواهر «5».

ففيه- مضافا الى عدم ارتباطها بالخيل- أن المنفى فيها الوجوب، فلا تفيد

في المقام.

و ان اراد بها قوله في الصحيحة السابقة: «قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للجرل يركبهما شي ء؟ قال: لا»! «6».

ففيه ان تعقيب ذلك بقوله: «ليس على ما يعلف شي ء، انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها» يدل على ان المانع العلف، لا العمل.

نعم، هنا شي ء و هو انك قد عرفت منا الإشكال في مانعية العمل في الأنعام الثلاثة أيضا، فلو فرض سائمة عاملة يشكل القول بعدم الزكاة فيها، فراجع ما حررناه هناك. هذا.

و ملخص الكلام في المقام أن صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و ان كان ظاهرها الإطلاق و العموم و لكنها كما عرفت في مقام نقل فعل امير المؤمنين: «ع»، فلا يعلم انه لزمانه أو لجميع الاعصار، و انه زكاة أو جزية، و انه كان بنحو الوجوب أو الندب. و بالجملة الفعل لا لسان له.

______________________________

(1)- البيان/ 192.

(2)- الدروس/ 61.

(3)- المسالك 1/ 59.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 6.

(5)- الجواهر 15/ 294.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

و اما صحيحة زرارة فلا إطلاق فيها أصلا اذ المسؤول عنه هي زكاة البغال. نعم، يستفاد منه اجمالا مفروغية زكاة الخيل. فالقدر المتيقن صورة التكليف و الانفراد في الملكية و عدم العمل، مضافا إلى ان اشتراطها في الزكاة الواجبة يستأنس منه كما عرفت اشتراطها في المندوب أيضا، كما مرّ ان المتبادر من الأدلة في باب الصلاة و الصوم و الحج و غيرها كون المندوب بحسب الماهية و الشرائط مثل الواجب إلّا ما ثبت بالدليل خلافه.

هذا، مضافا الى ان الظاهر من الأخبار و الفتاوى ان الموضوع الفرس، لا

نصف الفرس، و المكلف الشخص الواحد، فان مجموع الشخصين امر اعتباري لا يتعلق به تكليف وجوبي و لا استحبابي. فلو كان فرس لشخصين فلا زكاة، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 274

4- زكاة حاصل العقار و المساكن

اشارة

الرابع: حاصل العقار المتخذ للنماء من البساتين و الدكاكين و المساكن و الحمامات و الخانات و نحوها (1).

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) في الجواهر: «لا خلاف اجده ... و ان كان لم يذكره في الجمل و الوسيلة و الغنية و الإشارة و السرائر» «1».

و لم يذكر في المقنع و الهداية و المقنعة أيضا. نعم، ذكره الشيخ و المحقق و العلامة و الشهيدان و آخرون. فلنذكر بعض العبارات.

ففي النهاية: «و كل ما يملكه الإنسان مما عدا التسعة الأشياء التي ذكرناها فانه يستحب له ان يخرج منه الزكاة ... و ليس على الانسان زكاة فيما يملكه من خادم يخدمه أو دار يسكنها إلّا ان تكون دار غلّة، فان كان كذلك يستحب ان يخرج منها الزكاة» «2».

و هل يعود الضمير الى الدار أو الغلة؟ كلاهما محتمل. و لعل الدار من باب المثال، فيكون المراد كلّ ما له غلّة.

و في المبسوط: «العقار و الدكاكين و الدور و المنازل إلّا ما كانت للغلة فانه يستحب ان يخرج منه الزكاة. و رحل البيت و القماش و الفرش و الآنية من الصفر و النحاس و الحديد

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 291.

(2)- النهاية/ 176.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 275

..........

______________________________

و الزيبق، و في الماشية البغال و الحمير كل هذا لا زكاة فيه بلا خلاف» «1».

و في الشرائع: «العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله .. و لو بلغ نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة. و لا تستحب في المساكن و لا في الثياب و الآلات و الأمتعة المتخذة للقنية» «2».

و في التذكرة: «مسألة: العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله. و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب، للعموم. بل يخرج مما يحصل منه ربع العشر.

فان بلغ نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة لوجود المقتضى. و لا تستحب الزكاة في شي ء غير ذلك من الأثاث و الأمتعة و الأقمشة المتخذة للقنية بإجماع العلماء» «3».

و في البيان: «العقار المتخذ للنماء كالدكان و الخان و الدّار. و يستحب الزكاة في حاصله» «4».

و في الدروس: «و العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله ... و لا زكاة في الفرش و الآنية و الأقمشة للقنية» «5».

و في المسالك: «العقار المتخذ للنماء كالدكان و الخان و الحمام ملحق بالتجارة، غير ان مال التجارة معدّ للانتقال و التبدل و ان لم يتبدل، و هذا قارّ» «6». و ظاهره كون الزكاة في عين العقار لا في حاصله.

و في المدارك: «العقار لغة الأرض، و المراد هنا ما يعمّ البساتين و الخانات و الحمامات و نحو ذلك على ما صرّح به الأصحاب. و استحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم.

و لم أقف له على مستند و قد ذكره العلامة في التذكرة و المنتهى مجردا عن الدليل» «7»

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 227.

(2)- الشرائع 1/ 158.

(3)- التذكرة 1/ 230.

(4)- البيان/ 192.

(5)- الدروس/ 61.

(6)- المسالك 1/ 59.

(7)- المدارك/ 311.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 276

[ما استدل به على استحباب الزكاة في المقام]

______________________________

اقول: و استدل على استحباب الزكاة في المقام بوجوه:

الأوّل: الاجماع أو الشهرة

و فيه مضافا الى منع تحققهما مع عدم تعرّض كثير من الأصحاب للمسألة عدم كونهما بنحو يوثق بفتوى المعصوم- عليه السلام-.

الثاني: ما في الجواهر و يظهر من المسالك أيضا من إلحاقه بمال التجارة و كونه في الحقيقة قسما منه. قال في الجواهر: «قلت: قد يقوى في الذهن انه من مال التجارة بمعنى التكسب عرفا، اذ هي فيه اعم من التكسب بنقل العين و استنمائها،

فان الاسترباح له طريقان عرفا: احدهما بنقل الاعيان، و الثاني باستنمائها مع بقائها. و لذا تعلق فيه الخمس كغيره من افراد الاسترباح. و من ذلك يتجه اعتبار الشرائط السابقة فيه» «1».

و فيه انه ان اراد جعل نفس العقار المتخذ للنماء من مال التجارة فله وجه اذا كان ملكه بالمعاوضة عليه بهذا القصد، و لكن مقتضاه كون الزكاة في نفس العقار لا في حاصله، و ان اراد جعل الحاصل من مال التجارة ففساد ذلك ظاهر، فلا يشمله اخبار الزكاة في مال التجارة.

ثم ان التجارة، كما مرّ في محله اخص من التكسب، فيمكن منع صدق التجارة اذا كان المقصود الاستفادة بالنماء لا بالربح، فتأمّل.

الثالث: خبر شعيب، قال: قال ابو عبد اللّه «ع»: كل شي ء جرّ عليك المال فزكه، و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به «2». بناء على رفع المال ليكون فاعلا.

و أورد عليه كما في المصباح «3» بأن في الخبرين احتمالين: رفع المال، و نصبه، و على الثاني لا يفيد في المقام. هذا، مضافا الى عدم افتاء الأصحاب بثبوت الزكاة في مطلق الأرباح و النماءات. هذا.

و لكن الأظهر في الخبر الرفع ليصير قوله: «كل شي ء» مفعولا. يشهد بذلك سياق قوله:

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 291.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(3)- المصباح/ 84.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

«و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به».

الرابع: الآيات و الأخبار العامة. مثل قوله- تعالى: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»* «1»، و قوله:

«أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» «2»، و قول ابي عبد اللّه «ع» في خبر ابي المعزا: «ان اللّه- تبارك و تعالى- اشرك بين

الأغنياء و الفقراء في الاموال، فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم» «3».

أقول: اما قوله: أشرك ... فاشارة الى الموضوعات التي شرّع فيها الزكاة. و لا يراد به الاشراك في جميع الأموال. و المقصود بالخبر مفاد ذيله، فيراد به ان الفقراء في موارد الزكاة شركاء، فلا يجوز ان يصرف حقهم في غير المصرف.

و اما آيات الإنفاق و رواياته فمفادها غير الزكاة، اذا المراد بالزكاة- واجبة كانت أو مندوبة- المقدار المعين من قبل الشارع من العشر أو نصف العشر أو ربعه و نحو ذلك. إلا ترى ان الحق المعلوم و حق الحصاد و الجذاذ مع دلالة الآيات و الروايات الكثيرة عليهما و الإفتاء باستحبابهما لم يعدّا من الزكاة المندوبة، بل في موثقة سماعة: «و لكن اللّه- عز و جل- فرض في اموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة» «4».

و قد مرّ عن النهاية و المبسوط و الشرائع و التذكرة و الدروس نفي الزكاة في أشياء مع استحباب الإنفاق فيها قطعا. فالاستدلال بآيات الإنفاق و التصدق و رواياتهما للمقام مشكل.

الخامس: احاديث من بلغ كقوله «ع» في صحيحة هشام بن سالم قال: «من سمع شيئا من الثواب على شي ء فصنعه، كان له، و ان لم يكن على ما بلغه» «5». بناء على شموله للفتوى الصادر من العلماء، اذ الإخبار بالحكم إخبار بالثواب بالملازمة.

و فيه ان الحكم بالاستحباب الشرعي بمثل ذلك مشكل، اذ الفتوى بالاستحباب مثل

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 3 و 267.

(2)- سورة البقرة، الآية 3 و 267.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(5)- الكافي 2/ 87.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 278

[اشتراط النصاب و الحول]

و الظاهر اشتراط النصاب و الحول. و القدر المخرج ربع العشر مثل النقدين (1).

______________________________

الفتوى بالوجوب تحتاج الى دليل شرعي يدل عليه، و مفاد اخبار من بلغ ليس إلّا ان العامل بما بلغه لما كان عمله كاشفا عن حالة انقياده و خضوعه للمولى فلا محالة لا يحرمه المولى، بل يثيبه بانقياده. و هذا لا يستلزم صيرورة العمل مستحبا شرعيا. و بالجملة اقامة الدليل على الاستحباب في المسألة مشكلة و ان مرّ تقريب دلالة خبر شعيب عليه، فتدبر.

(1) ليس في النهاية و المبسوط و الشرائع ذكر للنصاب و الحول و المقدار، و مرّ من التذكرة قوله: «و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب للعموم بل يخرج مما يحصل منه ربع العشر» «1». و لا يعلم مراده بالعموم هل هو عموم الفتاوى أو عموم خبر شعيب أو آيات الإنفاق و رواياته؟.

ثم انه يمكن ان يورد على المصنف بانه ان كان ملحقا بمال التجارة لزم ثبوت الحول و النصاب و المقدار فيه، و ان لم يكن ملحقا به فما الدليل على ربع العشر.

و في الدروس: «قيل و لا يشترط فيه النصاب و لا الحول. و المخرج ربع العشر» «2».

و في المسالك بعد الحكم بكون المقام ملحقا بمال التجارة في الاستحباب قال: «و في إلحاقه به في اعتبار الحول و النصاب قولان. و عدم اشتراطهما متوجه. و هو خيرة التذكرة» «3».

و لكن في البيان: «و الظاهر انه يشترط فيه الحول و النصاب عملا بالعموم. و يحتمل عدم اشتراط الحول اجراء له مجرى الغلات» «4». و لا يعلم مراده بالعموم. اللّهمّ إلّا ان يريد مثل قوله: «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه».

و قد ورد مثل هذا المضمون عن النبي «ص» في أخبار السنة.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 230.

(2)- الدروس/ 61.

(3)- المسالك 1/ 59.

(4)- البيان/ 192.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 279

..........

______________________________

و في المدارك: «قال في التذكرة: و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب للعموم. و استقرب الشهيد في البيان اعتبارهما. و لا بأس به اقتصارا فيما خالف الاصل على موضع الوفاق ان تمّ» «1».

و عن المصابيح: «ان عدم تعرضهم لذكر قدر هذه الزكاة و وقت الإخراج و كيفيته اصلا قرينة على كونها كزكاة التجارة. و كون القدر ايّ قدر يكون و ان الوقت دائما في جميع أوقات السنة لعله مقطوع بفساده، بل كون النماء اي قدر يكون لعله كذلك».

قال في مفتاح الكرامة بعد نقل ذلك: «قلت: قد تعرضوا لذكر قدر هذه الزكاة، ففي التذكرة و الدروس و الموجز الحاوى و كشف الالتباس و فوائد الشرائع و مجمع البرهان و غيرها ان المخرج ربع العشر. و صرح في التذكرة و الموجز و شرحه و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و المسالك بعدم اعتبار الحول و النصاب و نسبه في مجمع البرهان الى الاكثر» «2».

و في الجواهر في ردّ ذلك ان مراد المصابيح عدم التعرض في جملة من كتب الاصحاب كالكتاب و غيره «3» فهذه كلماتهم في المقام.

اقول: لو كان الدليل للزكاة في المسألة الالحاق بمال التجارة، كما يظهر من المسالك، أو كونه قسما منه كما في الجواهر لزم اعتبار النصاب و الحول و كون المقدار ربع العشر، و ان كان الدليل لها الآيات و الاخبار العامة أو خبر شعيب أو اخبار من بلغ لم يكن دليل على اعتبارهما و لا على المقدار المخرج. اللّهمّ إلّا ان يقال بالاقتصار

على القدر المتيقن في ما خالف الاصل هذا.

و لكن ظاهر خبر شعيب بمقتضى المقابلة لما ورثه أو وهب له عدم اعتبار الحول.

و كيف كان فيرد على التذكرة ان نفيه للنصاب و الحول يقتضي عدم إلحاقه بمال التجارة، فمن اين حكم بكون المقدار المخرج ربع العشر؟.

______________________________

(1)- المدارك/ 311.

(2)- مفتاح الكرامة (كتاب الزكاة) 3/ 129.

(3)- الجواهر 15/ 291.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 280

..........

______________________________

و يرد على المسالك ان حكمه بكونه ملحقا بمال التجارة يقتضي اعتبار النصاب و الحول فلم نفاهما؟.

ثم على فرض اعتبار الحول و النصاب في الحاصل لو كان الحاصل من النقدين اللذين ثبتت زكاتهما فلا مجال للزكاة المندوبة، اذ لاثنا في الصدقة. فتنحصر الزكاة المندوبة فيما اذا كان الحاصل من العروض. اللّهمّ إلّا ان يحمل الخبر و كذا صحيحة زرارة على نفي الثنا في الزكاة الواجبة، فلا يكون مانع من اجتماع الواجب و المندوب، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 281

5- زكاة الحليّ

الخامس: الحليّ و زكاته اعارته لمؤمن (1).

______________________________

(1) ففي مرسل ابن ابي عمير الذي هو بحكم المسند عند اصحابنا عن ابي عبد اللّه «ع» قال: زكاة الحلي عاريته «1».

و في فقه الرضا: «و ليس على الحلي زكاة و لكن تعيره مؤمنا اذا استعار منك. فهو زكاته» «2». و لعله الدليل على التقييد بالمؤمن في المتن. و المرسل لا اطلاق له من هذه الجهة كما لا يخفى، و إلّا فلو كان له اطلاق من حيث المصرف لم يحمل المطلق على المقيد، اذ الحمل انما يكون مع احراز وحدة الحكم، فلا يجري في المستحبات لاحتمال تعدد المطلوب و اختلاف مراتب الاستحباب، كما ذكر في محله.

ثم ان الظاهر ان التعبير بالزكاة في المقام بنحو من التشبيه و المسامحة.

______________________________

(1)-

الوسائل، ج 6، الباب 10 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- فقه الرضا/ 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 282

6 زكاة المال الغائب أو المدفون

السادس: المال الغائب أو المدفون الذي لا يتمكّن من التصرّف فيه اذا حال عليه حولان أو أحوال فيستحبّ زكاته لسنة واحدة بعد التمكّن (1).

[7 السابع: اذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار]

السابع: اذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة فانّه يستحبّ اخراج زكاته بعد الحول (2).

______________________________

(1) مرّ البحث عنه في المسألة الرابعة عشرة من الشرائط العامة للزكاة، و مرّ الاشكال في الاستحباب فيه، فراجع «1».

(2) و كذا اذا جعل النقدين حليّا أو سبائك في اثناء الحول بقصد الفرار. و الدليل عليه اخبار تدل على ثبوت الزكاة فيه المحمولة على الاستحباب، جمعا بينها و بين ما تدل على عدم الوجوب، فراجع ما حررناه في المسألة التاسعة من زكاة الانعام «2».

[8- الغلات الأربع من غير البالغ]

الثامن من موارد الاستحباب: الغلات الأربع من غير البالغ. و قد مر في المسألة الأولى من الشرائط العامة، و مرّ ان الأقوال في غلاته ثلاثة: الوجوب و الاستحباب و عدم الوجوب و لا الاستحباب، فراجع «3».

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 122 و 123.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 246 و 254.

(3)- كتاب الزكاة 1/ 59 و 81.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 283

[9- مال التجارة اذا لم تطلب برأس المال]

______________________________

التاسع: مال التجارة اذا لم تطلب برأس المال أو بزيادة بل طلبت بنقيصة. ففي النهاية:

«فان بقى عنده على هذا الوجه أحوالا ثمّ باعه اخرج منه الزكاة لسنة واحدة» «1». و نحوه في المقنعة و الشرائع «2» مسندا الى الرواية.

و يستفاد ذلك من كثير من اخبار زكاة التجارة. فراجع الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة من الوسائل. ففي ذيل موثق سماعة: «و ان لم يكن أعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه و ان حبسه ما حبسه. فاذا هو باعه فانما عليه زكاة سنة واحدة». و في ذيل صحيحة اسماعيل: «و ان كنت انّما تربص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فاذا صار ذهبا أو فضة فزكّه للسنة اتجرت فيها».

أقول: يأتي في هذه الأخبار الاحتمالان الآتيان في الأخبار الحاكمة بزكاة سنة واحدة في المال المفقود بعد وجدانه: احدهما: استحباب زكاته في آخر السّنة فورا، كما فهمه القوم.

الثاني: وجوب زكاة سنة واحدة بعد استجماع الشرائط التي منها الحول. فالمقصود انّه بعد البيع لا تثبت زكاة الأحوال، السابقة بل زكاة سنة البيع فقط. و هذا لا ينافي اشتراط الحول. كما لا ينافي اشتراط النصاب. و الزكاة زكاة النقدين الواجبة، فراجع ما حرّرناه بالنسبة الى المال المدفون

في المسألة الرابعة عشرة من الشرائط العامة. و بالجملة فالاستحباب في هذا الفرع أيضا لا يخلو من اشكال.

[10- زكاة الإبل العوامل و معلوفها]

العاشر: زكاة الإبل العوامل و معلوفها لخبر اسحاق بن عمّار، قال: سألت ابا ابراهيم «ع» عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال: نعم، عليها زكاة. و خبره الآخر قال:

سألته عن الابل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال: نعم «3». و ظاهرهما و ان كان هو الوجوب و لكن يحملان على الندب جمعا بينهما و بين ما دلّ على عدم الزكاة في العامل و المعلوف.

[11- استحباب الزكاة في الرقيق]

الحادي عشر: استحباب الزكاة في الرقيق في كل حول بصاع من تمر، لصحيحة زرارة

______________________________

(1)- النهاية/ 176.

(2)- المقنعة/ 40 و الشرائع 1/ 157.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 8 و 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 284

..........

______________________________

و محمد بن مسلم، عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه «ع» انهما سألا عما في الرقيق فقالا: ليس في الرأس شي ء أكثر من صاع من تمر اذا حال عليه الحول. و ليس في ثمنه شي ء حتى يحول عليه الحول «1».

و ظاهرها و ان كان هو الوجوب، و لكن تحمل على الاستحب اب جمعا بينها و بين موثقة سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ليس على الرقيق زكاة إلّا رقيق يبتغى به التجارة، فانه من المال الذي يزكّى «2».

و ظاهرها بقرينة الاستثناء نفي الندب أيضا، و لكن تحمل بقرينة الصحيحة على نفي التأكد. و احتمال حمل الصحيحة على زكاة الفطرة ينافيه اعتبار الحول فيها. اللّهمّ إلّا ان يقال انها زكاة سنوية أيضا غاية الامر كون حلولها ليلة الفطر، فتأمّل.

[12- الحلي المحرم لبسه]

الثاني عشر: قال الشيخ في الجمل في عداد ما يستحب فيه الزكاة: «خامسها: الحلي المحرم لبسه، مثل حلي النساء للرجال و حلي الرجال للنساء ما لم يفر به من الزكاة، فان قصد الفرار به من الزكاة وجبت فيه الزكاة» «3».

و قال في الحدائق: «الخامس: الحلي المحرم كالخلخال للرجل. ذكره الشيخ و تبعه الجماعة. و لم نقف له على دليل مع ورود الأخبار بانه لا زكاة في الحلي. و هي مطلقة شاملة للمحلل و المحرم» «4».

فهذه ما وقفنا عليه من موارد استحباب الزكاة. و لو نفينا العاشر بعدم العمل بالخبرين، و الحادي عشر بالحمل على زكاة

الفطرة، و الثاني عشر بعدم الدليل يبقى تسعة. فتجب الزكاة في تسعة، و تستحب في تسعة. فهذا آخر ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب.

و الحمد للّه. و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين. 7 شعبان 1404 حسين علي المنتظري.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- راجع الرسائل العشر للشيخ/ 205.

(4)- الحدائق 12/ 153.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 287

[6- فصل في أصناف المستحقّين للزكاة]

اشارة

فصل في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها ثمانية (1):

______________________________

(1) بجعل الفقراء و المساكين صنفين، كما هو ظاهر الآية و اقتضته النصوص و الفتاوى و الاجماعات المنقولة. ففي التذكرة: «اصناف المستحقين للزكاة ثمانية باجماع العلماء» «1».

و في المنتهى: «مستحق الزكاة ثمانية اصناف بالنص و الاجماع ... و لا خلاف بين المسلمين في ذلك» «2».

و في الغنية: «فالفقراء هم الذين لهم دون كفايتهم، و المساكين هم الذين لا شي ء لهم بدليل الاجماع المشار اليه» «3».

و في النهاية: «الذي يستحق الزكاة هم الثمانية الاصناف الذين ذكرهم اللّه- تعالى- في القرآن» «4».

و بالجملة التعبير بالثمانية يوجد في اكثر كتب الفتاوى، حتى المعتبر و المختصر النافع للمحقق.

نعم، في الشرائع: «اصناف المستحقين للزكاة سبعة: الفقراء و المساكين، و هم الذين

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 230.

(2)- المنتهى 1/ 517.

(3)- الجوامع الفقهية/ 568.

(4)- النهاية/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 288

..........

______________________________

تقصر اموالهم عن مئونة سنتهم. و قيل من يقصر ماله عن احد النصب الزكوية. ثم من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد. و منهم من فرق بينهما في الآية. و الاول أشبه» «1». فجعل الفقراء و المساكين صنفا واحدا لترادفهما أو تلازمهما مصداقا.

و ظاهره الاول.

و في مجمع البيان: «و اختلف في الفرق بين الفقير و المسكين على قولين: احدهما انهما صنف واحد و انّما ذكر الصنفان تأكيدا للأمر. و هو قول أبي علي الجبائي. و اليه ذهب أبو يوسف و محمد، فقالا في من قال: ثلث مالي للفقراء و المساكين و فلان، ان لفلان نصف الثلث و نصفه الآخر للفقراء و المساكين لأنّهما صنف واحد. و الآخر و هو قول الأكثرين انّهما صنفان. و هو قول الشافعي و أبي حنيفة.» «2».

و يدل على كون المصارف ثمانية- مضافا الى ما ادعى من الاجماع و عدم الخلاف و الى ظاهر الآية، اذ التأكيد خلاف الأصل- الأخبار الآتية الدالة على اختلاف اللفظين بحسب المعنى، و خصوص مرسلة حماد الطويلة. ففيها بعد ذكر العشر و نصف العشر قوله: «فاخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية اسهم: للفقراء و المساكين ... و لا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطى اهل كل سهم ثمنا، و لكن يقسمها على قدر من يحضره من اصناف الثمانية» «3» و لا ثمرة مهمّة لهذا الفرع إلّا على القول بلزوم البسط على الاصناف.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 159.

(2)- مجمع البيان 5/ 41.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 289

1 و 2- الفقير و المسكين

اشارة

الأول و الثاني: الفقير و المسكين (1).

[معنى المسكين و الفقير]

______________________________

(1) قال اللّه- تعالى- في سورة التوبة: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ». أي هو عليم بخلات المسلمين و حوائجهم و يكون تشريعه على طبق الحاجة و المصلحة. فاللّه- تعالى- حكيم بالحكمة العلمية و العملية معا. و حيث كان بعض من لا حاجة له ينتظر من الصدقات و يلمز النبي «ص» فيها حصرها اللّه- تعالى- في المصارف الثمانية. و اللام للملك أو الاستحقاق.

و حيث ان الاربعة الأول يعطون من الصدقات تمليكا اتي فيها باللام، بخلاف الرقاب و سبيل اللّه، فانهما بنحو المصرف. و لعل الغارمين أيضا كذلك، اذ لا يتعين دفع الزكاة الى الغارم بل يجوز اداء دينه بها و يحتمل عطفه على الفقراء أيضا، كما هو المحتمل في ابن السبيل أيضا فانه ممن يملّك. و لكن يبعّد الاحتمال الفصل بمدخول في.

و في المجمع عن الزجاج ان «فَرِيضَةً» منصوب على التوكيد، لان قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لهؤلاء» كقولك: «فرض اللّه الصدقات لهؤلاء» «1».

و يمكن ان يقال ان قوله: «فَرِيضَةً» ليس مصدرا ليكون تأكيدا، بل هو صفة بمعنى مفروضة، فيكون النصب على الحالية.

______________________________

(1)- مجمع البيان 5/ 41.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 290

..........

______________________________

قيل و الترتيب في الثمانية لبيان الأحق فالأحق، على قاعدة فصحاء العرب من تقديم الأهم فالأهم. و اما معنى الفقير و المسكين ففي المفردات للراغب: «اصل الفقير هو المكسور الفقار.

يقال: فقرته فاقرة، اي داهية تكسر الفقار ... و قيل هو من الفقرة، اي الحفرة ... و فقرت الخرز ثقبته، و افقرت البعير ثقبت خطمه»

«1».

و فيه أيضا: «المسكين قيل: هو الذي لا شي ء له. و هو ابلغ من الفقير. و قوله- تعالى: اما السفينة فكانت لمساكين فانه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة، أو لأن سفينتهم غير معتد بها في جنب ما كان لهم من المسكنة» «2».

و في لسان العرب: «الفقر و الفقر ضد الغنى مثل الضعف و الضعف ... و الفقر: الحاجة و فعله الافتقار و النعت فقير» «3».

و فيه أيضا: المسكين و المسكين ... الذي لا شي ء له و قيل: الذي لا شي ء له يكفي عياله. قال أبو اسحاق: المسكين الذي اسكنه الفقر، أي قلّل حركته ...، و اصل المسكين في اللغة: الخاضع. و اصل الفقير: المحتاج ... الاصل في المسكين انه من المسكنة. و هو الخضوع و الذل ... قال ابن الاثير: و قد تكرر ذكر المسكين و المساكين و المسكنة و التمسكن. قال:

و كلها يدور معناها على الخضوع و الذلة و قلة المال و الحال السيئة» «4».

و المستفاد من مجموع الكلمات و الاستعمالات ان الفقر بمعنى الحاجة في مقابل الغنى حاجة وجودية أو علمية أو اخلاقية أو مالية أو غيرها و لكن كثر استعماله في الحاجة المالية.

و كأنه مأخوذ من الفقرة بمعنى الحفرة، اذ الفقير كأنه وجد في حياته و عيشته حفرة و خلّة.

و المسكين من اصابه الزمانة و انقطع بذلك من الحركة. فهو مبالغة من السكون كالمنطيق، ثم كثر استعماله في من اصابه الزمانة. بفقد المال، و الغالب في امثال هؤلاء الخضوع و السؤال لتحصيل المال، فلذا قد يفسر باهل الزمانة، و قد يفسر بالخضوع، و قد يفسر باهل السؤال. و ذكر اللفظ و ارادة اللازم رائج في استعمالات العرب.

______________________________

(1)- المفردات/ 397.

(2)- المفردات/ 243.

(3)- لسان

العرب 5/ 60.

(4)- لسان العرب 13/ 214.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 291

الفرق بين الفقير و المسكين
اشارة

و الثاني أسوأ حالا من الأول (1).

[دليل القول بكون الفقير أسوأ حالا]

______________________________

(1) هل الفقير و المسكين مترادفان، أو متغايران مفهوما مع التساوي، أو التباين المطلق أو من وجه، أو العموم و الخصوص المطلق؟.

قد مرّ نفي الترادف، بل التلازم و قلنا انهما صنفان و الظاهر عدم القول بالتباين بقسميه.

فيبقى الأخير، فيكون أحدهما اسما للأسوأ حالا منهما. و هل الفقير أسوأ حالا أو المسكين؟

قولان. فالشيخ ذهب في النهاية الى كون المسكين أسوأ حالا، و في الخلاف و المبسوط و الجمل الى العكس.

ففي الخلاف (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 10): «الفقير أسوأ حالا من المسكين لان الفقير هو الذي لا شي ء له، أو معه شي ء يسير لا يعتد به. و المسكين الذي له شي ء فوق ذلك غير انه لا يكفيه لحاجته و مئونته. و بما قلناه قال الشافعي و جماعة من اهل اللغة. و قال ابو حنيفة و اصحابه: المسكين أسوأ حالا من الفقير. فالمسكين عنده على صفة الفقير عندنا، و الفقير على صفة المسكين. و بهذا قال الفراء و جماعة من اهل اللغة» «1».

و في المبسوط: «قال قوم- و هو الصحيح- ان الفقير هو الذي لا شي ء له و لا معه، و المسكين هو الذي له بلغة من العيش لا يكفيه. و فيهم من قال بالعكس من ذلك. و الأوّل أولى» «2».

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 349.

(2)- المبسوط 1/ 246.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 292

..........

______________________________

و في الجمل: مستحق الزكاة ثمانية اصناف: الفقراء و هم الذين لا شي ء لهم، و المساكين و هم الذين لهم بلغة من العيش لا تكفيهم» «1».

و لكن في النهاية: «فاما الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. و المسكين الذي لا شي ء معه» «2».

و في المقنعة: «الفقراء و هم

الذين لا كفاية لهم مع الاقتصاد. و المساكين و هم المحتاجون السائلون لشدة ضرورتهم» «3».

و في المراسم: «الفقراء و هم المحتاجون الذين لا يسألون و المساكين المحتاجون السائلون» «4».

و في الغنية: «فالفقراء و هم الذين لهم دون كفايتهم، و المساكين هم الذين لا شي ء لهم بدليل الاجماع المشار اليه» «5».

و في التذكرة نسب الى الشيخ و الشافعي و الاصمعي كون الفقير أسوأ حالا، و الى ابي حنيفة و الفراء و تغلب و ابن قتيبة و ابي اسحاق كون المسكين أسوأ «6».

و نسب الأخير في المنتهى الى يونس و ابي زيد و ابي عبيدة و ابن دريد أيضا، ثم قال:

«و قول هؤلاء حجة» «7».

و ان شئت تفصيل القائلين باحد القولين و ادلة الطرفين فراجع لسان العرب. و نقول اجمالا انه استدل لكون الفقير أسوأ، بانّه- تعالى- بدأ به، و الابتداء يدل على شدة الاهتمام في لغة العرب، و بقوله- تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» «8» فسماهم مساكين مع انهم كانوا يملكون سفينة بحرية، و لان الفقير مشتق من كسر الفقار و ذلك

______________________________

(1)- راجع الرسائل العشر للشيخ/ 206.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- المقنعة/ 39.

(4)- الجوامع الفقهية/ 643.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568.

(6)- التذكرة 1/ 230.

(7)- المنتهى 1/ 517.

(8)- سورة الكهف، الآية 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

مهلك، و لان النبي «ص» استعاذ من الفقر و قال: «اللّهمّ احيني مسكينا و امتني مسكينا و احشرني في زمرة المساكين» «1»، و لأنه «ص» قال: «ليس المسكين الذي يردّه الأكلة و الأكلتان و التمرة و التمرتان و لكن المسكين الذي لا يجد غنيا فيغنيه و لا يسأل الناس شيئا و لا يفطن به فيتصدق عليه» «2».

[دليل القول بكون المسكين أسوأ حالا]

و استدل للقول

الآخر بقوله- تعالى: «أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ» «3». و هو المطروح على التراب لشدة حاجته، و لأنه يؤكد به الفقير فيقال: «فلان فقير مسكين»، و لقول الشاعر:

«اما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال و لم يترك له سبد»

. و قال يونس: «قلت لأعرابي أ فقير انت، فقال لا و اللّه بل مسكين». الى غير ذلك مما سرده الطرفان.

[دليل المشور هو الروايات]

و المشهور بين اصحابنا و المروي عن اهل البيت- عليهم السلام- كون المسكين اجهد.

ففي صحيحة محمد بن مسلم، عن احدهما- عليهما السلام- انه سأله عن الفقير و المسكين، فقال: الفقير الذي لا يسأل. و المسكين الذي هو اجهد منه الذي يسأل «4».

و في صحيحة ابي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: قول اللّه- عزّ و جل: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ؟ قال: الفقير الذي لا يسأل الناس. و المسكين اجهد منه. و البائس اجهدهم «5». و دعوى اختصاص تفسيرهما بباب الزكاة ممنوعة، اذ لا دليل على الاختصاص في الاولى و الثانية و ان كان موردها آية الزكاة، و لكن ذكر البائس قرينة على عدم الاختصاص.

و روى الشيخ، عن علي بن ابراهيم في تفسيره قال: فسّر العالم- عليه السلام- فقال:

الفقراء هم الذين لا يسألون و عليهم مئونات من عيالهم. و الدليل على انهم هم الذين لا يسألون قول اللّه- تعالى: «لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 230 و لسان العرب 13/ 216.

(2)- مجمع البيان، 5/ 41، ذيل آية الصدقة من سورة التوبة.

(3)- سورة البلد، الآية 16.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- الوسائل،

ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 294

..........

______________________________

و المساكين هم اهل الزمانات و قد دخل فيهم الرجال و النساء و الصبيان «1» ...

و في تفسير علي بن ابراهيم: «و المساكين هم اهل الزمانة من العميان و العرجان و المجذومين و جميع اصناف الزمنى: الرجال و النساء و الصبيان» «2».

فالمسألة واضحة على طريقتنا من حجية اخبار اهل البيت. و الاخبار الّتي استدل بها للقول الآخر كلها قابلة للتأويل و التفسير. و لا يترتب على تحقيق ان الفقراء و المساكين صنفان أو صنف واحد، و ان الاسوأ ايّهما، ثمرة في باب الزكاة بعد عدم وجوب البسط على الأصناف.

و لعل الظاهر من الأخبار و الفتاوى التي حكيناها كون اللفظين متباينين، و لكن الظاهر ارادة كون احدهما اخصّ من الآخر. و بهذا صرح الشيخ الانصاري في زكاته، فجعل المسكين اخص من الفقير «3».

و قال في مصباح الفقيه ما حاصله: «الاظهر الاشهر، بل المشهور نصا و فتوى ان المسكين أسوأ حالا لا بمعنى ان بين مفهوميهما المباينة بحيث يصير كل منهما صنفا مغايرا للآخر، بل الفقر الذي هو في الاصل بمعنى الحاجة و يطلق عرفا في الحاجة الخاصة قد يشتدّ الى ان يوقعه في مذلّة السؤال و شبهه، فيقال له المسكين من المسكنة بمعنى الذلة. و لا يطلق في العرف على كل ذليل بل على الذليل من فقره. فالمسكين اخصّ موردا في العرف من الفقير، اذ لا يطلق على الفقير المتعفف، و لا على الفقير الذي يتكفل غيره نفقته بعزّ لفظ المسكين» «4».

ثم تعرض للأخبار ثم قال ما حاصله: «و لا يخفى عليك ان المقصود بالأخبار و كلمات الاصحاب بيان المائز بين

اللفظين بأخصيّة المسكين من الفقير الموجبة لإرادة مورد الافتراق من الاخير لدى اجتماعه مع الاول في اللفظ. و لذا قالوا اذا اجتمعا افترقا، و إلّا فمن

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- تفسير علي بن ابراهيم (القمي) 1/ 298.

(3)- زكاة الشيخ/ 497.

(4)- المصباح/ 85.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 295

..........

______________________________

الواضح عدم صحة سلب اسم الفقير عمن لا يملك شيئا اصلا و التجأ الى تحمل ذلك السؤال» «1».

و الظاهر صحّة ما ذكره. و محصله ان الفقير بمعنى المحتاج، و المسكين عبارة عن المحتاج الذي اوقعه الاحتياج في الذلة، فيكون اخص منه. و لذا يؤكد به، فيقال فقير مسكين.

فيكون ذكر المسكين في الآية الشريفة بعد الفقير من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام.

[الافتراق بين اللفظين انما هو مع اجتماعهما]

و كيف كان فقد اشتهر بينهم ان الافتراق بين اللفظين بحسب المعنى انما هو مع اجتماعهما، كما في آية الزكاة. و اما اذا ذكر احدهما فيدخل فيه الآخر. و بعبارة أخصر: اذا اجتمعا افترقا، و اذا افترقا اجتمعا.

قال في المبسوط: «الفقير اذا أطلق دخل فيه المسكين. و كذلك لفظة المسكين اذا أطلق دخل فيه الفقير، لأنهما متقاربان في المعنى. فاما اذا جمع بينهما كآية الصدقة و غيرها ففيه خلاف بين العلماء» «2».

و في وصايا المبسوط: «فان اوصى لصنف واحد، مثل ان يقول ثلثي يفرق في الفقراء، أو اصرفوا في المساكين فلا خلاف انه يجوز صرفه الى الصنفين معا» «3».

و في المسالك: «اعلم ان الفقراء و المساكين متى ذكر احدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف. نصّ على ذلك جماعة، منهم الشيخ و العلّامة، كما في آية الكفارة المخصوصة بالمسكين، فيدخل فيه الفقير. و انما الخلاف فيما لو جمعا،

كما في آية الزكاة لا غير. و الأصحّ انهما حينئذ متغايران، لنصّ اهل اللغة، و صحيحة ابي بصير، عن ابي عبد اللّه «ع»، قال:

الفقير الذي لا يسأل الناس. و المسكين اجهد منه. و لا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك، للاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكرا، و دخول احدهما تحت الآخر حيث يذكر احدهما.

و انما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو اوصى لأسوئهما حالا، فان الآخر لا يدخل فيه

______________________________

(1)- المصباح/ 85.

(2)- المبسوط 1/ 246.

(3)- المبسوط 4/ 34.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 296

..........

______________________________

بخلاف العكس» «1».

و في الروضة: «الاجماع على ارادة كل منهما من الآخر حيث يفرد» «2».

و في الحدائق: «ظاهر الاصحاب انه متى ذكر احدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف، كما في آية الكفارة المخصوصة بالمسكين، فيدخل فيه الفقير» «3». هذا.

و لكن استشكل فيما ذكر جماعة، منهم صاحب الحدائق بانه متى ثبت تغاير اللفظين بحسب المفهوم كما هو المشهور فدخول احدهما في الآخر مجاز لا يصار اليه إلّا بالقرينة.

و قد ذكرنا ان مقتضى الاخبار و كلماتهم كون احدهما اعم من الآخر، فاذا ذكر الاعم دخل فيه الاخص و لا عكس.

و ما ادعوه من الاجماع و عدم الخلاف يمكن منع تحققهما بنحو يكشف بهما حكم الشارع. و لذا قال في كفارات القواعد: «و هل يجزي الفقراء؟ اشكال إلّا ان قلنا بانهم أسوأ حالا» «4».

و في وصايا القواعد: «و لو اوصى للفقراء دخل فيهم المساكين، و بالعكس على اشكال» «5».

و في الايضاح: «و الاولى عدم الدخول لأنه مشكوك فيه، فيقتصر على المعنى المطابقي» «6».

و في وصايا الدروس: «و لو اوصى للفقراء بربع و للمساكين بخمس وجب التمييز. و لو أطلق احد اللفظين

ففي دخول الآخر خلاف سبق» «7».

و في البيان: «قال الشيخ و الراوندي و الفاضل يدخل كل منهما في اطلاق لفظ الآخر.

فان ارادوا به حقيقة ففيه منع» «8».

______________________________

(1)- المسالك 1/ 59.

(2)- الروضة 2/ 42.

(3)- الحدائق 12/ 155.

(4)- القواعد 2/ 148.

(5)- القواعد 1/ 294.

(6)- الايضاح 2/ 497.

(7)- الدروس/ 244.

(8)- البيان/ 193.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 297

..........

______________________________

و في المدارك بعد نقل ما مرّ من المسالك قال: «قوله: ان الفقراء و المساكين متى ذكر احدهما خاصّة دخل فيه الآخر بغير خلاف مشكل جدّا بعد ثبوت التغاير، لان اطلاق لفظ احدهما و ارادة الآخر مجاز لا يصار اليه إلّا مع القرينة، و مع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته ... و ما ذكره من عدم تحقق الخلاف في ذلك لا يكفي في اثبات هذا الحكم، لان عدم العلم بالخلاف لا يقتضي العلم بانتفاء الخلاف» «1».

و لكن في الجواهر و المصباح تصديا لرفع الاشكال. قال في المصباح ما حاصله: «و الذي ينبغي ان يقال في حل هذا الاشكال ان اطلاق لفظ المسكين أو الفقير على الأسوإ حالا ليس لكون هذه الخصوصية مأخوذة في مفهوم لفظه، بل هما وصفان كليان أخذ أحدهما من الفقر بمعنى الحاجة و الآخر من المسكنة بمعنى الذلة، و هما وصفان متلازمان. فاطلاق المسكين في العرف على من يسأل بملاحظة ظهور وصف المسكنة و الالتجاء الى الغير فيه، لا كون السؤال مأخوذا في مفهومه. فالفقير المتعفف أيضا هو في نفسه مسكين و ان لم يظهر عليه اثره، اذ الفقر و الحاجة في نفسه من اقوى أسباب الذلة. فكل من يحتاج في نفقته الى غيره فهو في نفسه مسكين و ان انصرف عنه اطلاق لفظه في المحاورات العرفية

ما لم يظهر عليه اثره. و لكن هذا الانصراف العرفي فيما اذا لم يكن المقام مناسبا لإرادة الاعم، كما في موارد الامر بالتصدق على المساكين. حيث ان المناسبة مقتضية لأن يكون نفس الفقر و الحاجة بنفسها هي الملحوظة بهذا التكليف، لا خصوصية وصف المسكنة. فمتى اجتمع اللفظان في كلام واحد لا يتبادر من لفظ المساكين إلّا ارادة اهل السؤال و نحوهم ممن ظهر عليه آثار المذلة، بخلاف ما اذا انفردت المساكين بالذكر كما في آية الخمس و الكفارة. فان المتبادر من اطلاقه في هذه الموارد ليس إلّا ما يتبادر من اطلاق الفقير» «2».

أقول: بعد ما أشار هنا و صرح قبله من كون المسكين أخصّ موردا في العرف، و انّه لا يطلق عرفا على الفقير المتعفف و لا على الفقير الذي يتكفل الغير نفقته بعزّ وجب حمل كلام

______________________________

(1)- المدارك/ 311.

(2)- المصباح/ 85.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 298

..........

______________________________

الشارع على ما هو المتفاهم من اللفظ عرفا، لا على الموضوع له بحسب اللغة.

و احتمال كون الموضوع للكفارة خصوص الأسوإ حالا قريب جدّا، لقلة مقدار الكفارة و احوجيّة المسكين و تعفف غيره منها غالبا. فما ذكره من ان المناسبة مقتضية لان يكون نفس الفقر و الحاجة بنفسها هي الملحوظة في هذا التكليف قابل للمنع.

نعم، لما كان الخمس عوضا عن الزكاة ناسب كون المسكين في آية الخمس يراد به الاعم، و إلا لزم كون الفقير الهاشمي محروما من الخمس و الزكاة معا. و هو مقطوع الفساد، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 299

معنى الفقر و الغنى الشرعى
[القول الأول الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله]

و الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله، و الغني الشرعي بخلافه (1).

______________________________

(1) الحد المسوّغ لأخذ الزكاة في الفقراء و المساكين عدم الغنى

الشامل لهما. و الظاهر ان بين الفقر و الغنى تقابل العدم و الملكة. فالغني من لا خلّة مالية في معيشته و تكون معيشته مليئة. و الفقير من وجد في معيشته حفرة و خلّة مالية. فكأنّ الغنى امر وجودي و الفقر عدمي مع الملكة.

و قد يقال انهما متضادان. و لعله اريد التضاد بالمعنى الاعم الشامل للملكة و العدم.

و كيف كان فلا اشكال في عدم استحقاق الغني لهذين السهمين، كما دل عليه مضافا الى وضوحه الاخبار المستفيضة. منها صحيحة زرارة، عن ابي جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ». فراجع الباب الثامن من أبواب المستحقين من الوسائل.

انما الاشكال في المراد من الغنى و الفقر شرعا. فالمشهور مطلقا أو بين المتأخرين من الاصحاب ما ذكره المصنف، اعني كون الفقير من لا يملك مئونة السنة لنفسه و لعياله، و الغني بخلافه. و قد ينسب هذا القول أيضا الى محققي المذهب، أو الى عامة الاصحاب عدا النادر منهم.

و الظاهر ان مرادهم الاعم من الملكية بالفعل أو بالقوة القريبة منه، كمن تفي حرفته،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 300

..........

______________________________

أو نماء ضيعته، أو ربح تجارته بمؤونته. كما ان المراد كون المملوك المال الذي من شأنه ان يصرف في المؤونة، لا مثل الدار و العقار و رأس المال و نحوها مما تعارف بقاؤها و الاستفادة من منافعها أو نمائها أو ربحها. كما سيأتي بيان ذلك.

[القول الثاني: ان الفقير من لا يملك احد النصب الزكوية]

القول الثاني: ان الفقير من لا يملك احد النصب الزكوية، و الغني من يملكه.

و حكي عن المفاتيح انه اختار قولا ثالثا حاكيا اياه عن المبسوط. و هو ان الفقير من لم يقدر على

كفايته و كفاية عياله على الدوام. و لكن سيأتي توجيه كلام المبسوط و ارجاعه الى القول الاول.

و في البيان: «الاتفاق واقع على انه يشترط فيهما ان يقصر مالهما عن مئونة السنة لهما و لعيالهما، أو عن نصاب، أو قيمته على اختلاف القولين. و الاول اقوى» «1». فيظهر منه كون المسألة ذات قولين فقط بالاتفاق.

و كيف كان ففي الخلاف (المسألة 24 من كتاب قسمة الصدقات): «حد الغني الذي يحرم معه الزكاة عليه ان يكون له كسب يعود عليه بقدر كفايته لنفقته و نفقة من تلزمه النفقة عليه، اوله عقار يعود عليه ذلك القدر، أو مال يكتسب به ذلك القدر.

و في اصحابنا من احلّه لصاحب السبعمائة و حرّمه على صاحب الخمسين بالشرط الذي قلناه و ذلك على حسب حاله. و به قال الشافعي إلّا انه قال: ان كان في بعض معايشه يحتاج ان يكون معه الف دينار أو الفان دينار متى نقص عنه لم يكفه لاكتساب نفقته جاز له ان يأخذ الصدقة. و قال قوم من ملك خمسين درهما حرمت عليه الصدقة. و روي ذلك عن علي «ع» و عمر و سعد بن ابي وقاص. و هو قول الثوري و احمد. و ذهب ابو حنيفة الى ان حدّ الغني الذي يحرم به الصدقة ان يملك نصابا تجب فيه الصدقة، اما مأتي درهم، أو عشرين دينارا، أو غير ذلك من الاجناس التي تجب فيها الزكاة ... و ذهب قوم من اصحابنا الى ان من ملك النصاب حرمت عليه الزكاة» «2».

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- الخلاف 2/ 353.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 301

..........

______________________________

و هل المراد بلزوم النفقة في كلامه و كلام غيره اللزوم الشرعي او العرفي، فيشمل من لا يجب

نفقته من العيال العرفي كالضيف و الاخوة و الاخوات الصغار اذا عدّوا من عائلته؟

وجهان. و لعل الثاني اظهر.

و في قسمة الصدقات من المبسوط: «و الغني الذي يحرم معه أخذ الصدقة ان يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزمه كفايته على الدوام. فان كان مكتفيا بصنعة و كانت صنعته ترد عليه كفايته و كفاية من تلزمه نفقته حرمت عليه. و ان كانت لا ترد عليه حلّ له ذلك. و هكذا حكم العقار. و ان كان من أهل الصنائع (ظ: البضائع) احتاج أن يكون معه بضاعة ترد عليه قدر كفايته. فان نقصت عن ذلك حلّت له الصدقة. و يختلف ذلك على حسب اختلاف حاله، حتى ان كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج الى بضاعة قدرها الف دينار أو الفا دينار فنقص عن ذلك قليلا حلّ له اخذ الصدقة. هذا عند الشافعي. و الذي رواه اصحابنا انها تحل لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين. و ذلك على قدر حاجته الى ما يتعيش به. و لم يرووا اكثر من ذلك. و في اصحابنا من قال: ان من ملك نصابا تجب عليه فيه الزكاة كان غنيا و تحرم عليه الصدقة. و ذلك قول أبي حنيفة» «1».

قال في المختلف: «الظاهر ان مراده بالدوام هنا مئونة السنة» «2».

أقول: و فيما ذكره بعد. و يحتمل ان يراد الدوام في مثل العقار و رأس المال المكتفي بنائهما، حيث يتعارف في مثلهما ملاحظة الدوام. و يحتمل أيضا ان يتعلق قوله: «على الدوام» بقوله «تلزمه» لا بالكفاية، فيراد من تلزم نفقته على الدوام، في قبال مثل الضيف و الاجير المشترط نفقته يوما ما مثلا.

و في السرائر: «اختلف اصحابنا في من يكون معه مقدار من

المال و يحرم عليه بملك ذلك المال اخذ الزكاة. فقال بعضهم: اذا ملك نصابا من الذهب و هو عشرون دينارا فانه يحرم عليه اخذ الزكاة. و قال بعضهم: لا تحرم على من يملك سبعين دينارا. و قال بعضهم: لا

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 256.

(2)- المختلف 1/ 183.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 302

..........

______________________________

اقدره بقدر، بل اذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمئونته طول سنة على الاقتصار فانه يحرم عليه اخذ الزكاة. سواء كان نصابا، أو أقلّ من نصاب، أو اكثر من النصاب. فان لم يكن بقدر كفايته سنة فلا يحرم عليه اخذ الزكاة. و هذا هو الصحيح. و اليه ذهب شيخنا ابو جعفر في مسائل خلافه» «1».

و في التذكرة: «مسألة قد وقع الاجماع على ان الغني لا يأخذ من الزكاة من نصيب الفقراء. للآية، و لقوله «ع»: لا تحل الصدقة لغنيّ. لكن اختلفوا في الغني المانع من الاخذ.

فللشيخ قولان: احدهما حصول الكفاية حولا له و لعياله. و به قال الشافعي و مالك. و هو الوجه عندي ... و القول الثاني للشيخ ان الضابط من يملك نصابا من الاثمان، أو قيمته فاضلا عن مسكنه و خادمه. و به قال ابو حنيفة ... و قال احمد ان ملك خمسين درهما لم يجز له ان يأخذ. لقوله «ع»: من سأل و له ما يغنيه جاء يوم القيامة و في وجهه خدوش. قيل يا رسول اللّه! ما الغنى؟ قال: خمسون درهما. و قال الحسن البصري و ابو عبيد: الغني من يملك اربعين درهما. لما روى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه «ص»: من سأل و له قيمة اوقية فقد الحف. و الاوقية اربعون درهما. و لا دلالة

فيه ...» «2».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 302

أقول: ليس في كلام الشيخ في الخلاف و لا في المبسوط اسم الحول و السنة. بل في المبسوط ذكر الدوام، كما مرّ. و لكن في السرائر و التذكرة نسبا اليه- كما ترى- الحول و السنة. و لعل اطلاق الكفاية عندهما منصرف الى السنة، لان المعتاد و المتعارف تقدير المعيشة بالسنة.

و لا نعلم في ايّ كتاب وجد العلامة القول الثاني من الشيخ؟!. و في مفتاح الكرامة:

«نظرت «الخلاف» مرة بعد اولى، و كرة بعد اخرى فلم اجد فيه تصريحا بشي ء من النقلين إلّا قوله في باب الفطرة: تجب زكاة الفطرة على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة، أو قيمة نصاب. و به قال أبو حنيفة و أصحابه «3». و على هامش المبسوط كما سمعت انّ القائل به هو

______________________________

(1)- السرائر/ 107.

(2)- التذكرة 1/ 231.

(3)- الخلاف 1/ 331، كتاب زكاة الفطرة، المسألة 28.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 303

..........

______________________________

المفيد و السيد. فان صحّت النسبة فلعله في غير ما حضرني من كتبهما» «1».

فيظهر من مفتاح الكرامة انه لم يجد القائل بالقول الثاني منّا اصلا. و كلام الشيخ في الفطرة لا يدل على كونه تفسيرا للغنى، اذ لم يصرّح بكون الموضوع المفطرة عنده عنوان الغنى.

ثم ان الظاهر من الخلاف و المبسوط كون الملاك في القول الثاني مالكية احد النصب الزكوية. و هذا يخالف ما حكاه في التذكرة و كذا البيان من مالكية النصاب أو قيمته فاضلا عن مسكنه و خادمه. اللّهمّ إلّا ان يوجّه- كما في المصباح- بانه ليس لخصوصية تعلق الزكاة بالفعل

و تحقق شرائطه مدخلية في صدق الغنى قطعا. فيكشف ذلك عن ان من ملك هذا المقدار من المال فاضلا عن مسكنه و خادمه المحتاج اليهما من اي جنس يكون هو غني عند الشارع و ان لم يجب الزكاة عليه بالفعل، فتدبر.

و كيف كان ففي المسألة قولان على ما قالوا.

[الدليل على القول الأوّل]

و استدل للقول الاول المشهور- مضافا الى ان الكفاية في العرف منصرف الى كفاية السنة، اذ المتعارف بين الناس تقدير المعيشة و الدخل و الخرج بالسنة، فعليها تحمل الأخبار المطلقة- باخبار خاصة:

فمنها صحيحة ابي بصير، قال سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة اذا لم يجد غيره. قلت: فان صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة. قال: زكاته صدقة على عياله. و لا يأخذها إلّا ان يكون اذا اعتمد على السبعمائة انفذها في أقلّ من سنة. فهذا يأخذها. و لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ الزكاة «2».

و منها ما رواه في العلل بسند صحيح، عن علي بن اسماعيل الدغشي، قال: سألت ابا الحسن «ع» عن السائل و عنده قوت يوم أ يحل له ان يسأل؟ و ان اعطي شيئا من قبل ان يسأل يحل له ان يقبله؟ قال: يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنها انما هي من سنة الى سنة «3». هكذا في الوسائل. و لكن في العلل المطبوع سابقا: «قال: يأخذه و عنده قوت شهر و ما يكفيه لستة اشهر من الزكاة. لأنها انما هي من سنة الى سنة». و علي بن

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 132.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)-

الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 304

..........

______________________________

اسماعيل الدغشي مجهول، لم يذكر بمدح و لا قدح. و لكن السند الى صفوان صحيح و هو من اصحاب الاجماع.

و منها ما في المقنعة، مرسلا عن يونس بن عمّار، قال: سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول:

تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة. و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة «1» ...

و المنساق من القوت في هذه الموارد مطلق المؤونة، لا خصوص المأكول. فيفهم من الحديث و ما قبله حلية الزكاة لمن لم يكن عنده قوت السنة.

لا يقال: لا اعتداد بمفهوم الوصف.

فانه يقال لما كان في مقام التحديد ناسب ارادة الانتفاء عند الانتفاء.

فالمستفاد من هذه الروايات ان الملحوظ مئونة السنة. فمن وجدها لنفسه و عياله كان غنيا شرعا و تحرم عليه الزكاة و من لم يجد مئونة السنة بل يكون ما عنده بحيث يصرف في أقلّ من سنة كان له اخذ الزكاة.

و يشهد لذلك أيضا قوله في مرسلة حماد الطويلة بعد ذكر الزكاة و المصارف الثمانية:

«يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير» «2».

بل يمكن حمل المطلقات أيضا على كفاية السنة. حيث ان المعمول و المتعارف بين الناس لحاظ مئونة السنة و تأمينها.

و الى هذا يرجع التعليل الوارد في ذيل خبر علي بن اسماعيل. حيث ان التعليل يقع بامر مركوز عند العقلاء. فمن ملك مئونة سنته لا يعد فقيرا عندهم، بخلاف من وجد أقلّ منها، و ان كان لا يخلو هذا من اشكال.

و في مصباح الفقيه: «لو لا دلالة النصوص و الفتاوى على اندراج من يقصر ماله عن مئونة سنته لأشكل الجزم

بذلك بالنسبة الى من كان بالفعل مالكا لمقدار معتدّ به من المال، و اف بمؤونة ستة اشهر أو سبعة مثلا» «3».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- المصباح/ 86.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 305

..........

______________________________

و التحقيق ان يقال: ان الفقر بمعنى الحاجة، و كذا الغنى عند العرف مقول بالتشكيك، و هما نسبيان بحسب الأزمة و الأمكنة. فالفقير الكامل من لم يجد حتى قوت يومه و احتاج في الآن الى ما يقوته و ينجيه من الموت. و من وجد قوت يومه فليس فقيرا مطلقا، بل فقير بالنسبة الى ما بعد اليوم. و على هذا فمن وجد قوت السنة أيضا فقير بالنسبة الى ما بعد السنة و لا سيما بالنسبة الى من يظن بقاؤه بعد السنة و تكثر عائلته يوما فيوما. فمن هنا نحتاج الى تحديد شرعي للفقر و الغنى في باب اخذ الزكاة. و لذا عبر المصنف و غيره بالفقير الشرعي و الغني الشرعي. و قد دلت الأخبار التي مرّت على ان الملاك عند الشارع وجدان مئونة السنة لنفسه و عياله. هذا.

[الدليل على القول الثاني]

و اما القول بان الفقير من لم يملك احد النصب الزكوية أو قيمته فاستدل له أيضا بوجوه:

الاول: ما رواه ابن عباس ان النبي «ص» بعث معاذا الى اليمن، فقال: انك تأتي قوما اهل كتاب فادعهم الى شهادة ان لا إله إلّا اللّه، و اني رسول اللّه. فان هم اطاعوا لذلك فأعلمهم ان اللّه افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة. فان هم اطاعوا لذلك فأعلمهم ان اللّه افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من اغنيائهم فتردّ

في فقرائهم. فان هم اطاعوا لذلك فاياك و كرائم أموالهم «1». اذ المستفاد منه ان من تؤخذ منه الزكاة غني، و باطلاقه يشمل من لم يجد مئونة سنته. و قد ورد بهذا المضمون في رواياتنا أيضا مستفيضا.

كقوله: «ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم». فراجع الباب الأوّل من زكاة الوسائل. و حيث انّه يقطع بعدم خصوصية للأجناس التسعة الزكوية، و لا الوجوب الفعلي للزكاة في صدق مفهوم الغنى فيثبت بذلك صدق الغنى على من وجد أحد النصب الزكوية، أو قيمته و لو من الأجناس الاخر.

و اجيب عن الرواية أولا: بضعف السند.

و ثانيا: بالحمل على الغلبة. فان الغالب تعلق الزكاة بالأغنياء الواجدين لمئونة سنتهم.

______________________________

(1)- سنن ابن ماجه 1/ 568، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 306

..........

______________________________

و ثالثا: كما في المدارك- ان الغنى الموجب للزكاة غير المانع من اخذها. و اطلاق اللفظ عليهما بالاشتراك اللفظي.

أقول: ضعف السند لا يجري فيما اشرنا اليه من الروايات الواردة بطرقنا. و الاشتراك اللفظي بعيد جدّا. فكان الأولى ان يقول بالاشتراك المعنوي، لما عرفت من كون الفقر و الغنى مقولين بالتشكيك. و هما نسبيّان بحسب الأزمنة و الأزمنة و الأمكنة. فلعل الموجب للزكاة مرتبة من الغنى، و المانع من اخذها مرتبة اخرى منه. و الاحسن ما ذكر من الحمل على الغلبة و الاكثرية.

الوجه الثاني: المنافاة بين جواز اخذ الزكاة و وجوب دفعها.

و فيه منع التنافي. كيف؟! و ربما يكون الشخص واجدا للنصاب بقرض و يكون مديونا بأضعافه. و قد عرفت ان الدين لا يمنع القرض. فلو فرض انه استقرض عشرين دينارا و حال عليها الحول عنده، أو اشترى مقدار النصاب من احدى الغلات قبل بدوّ صلاحها

بثمن في ذمته ثمّ بدا صلاحها و لم يكن له شي ء يفي به دينه، أو يصرف في نفقته فهل يمكن القول بكونه غنيّا عند الشارع؟.

الثالث: موثقة زرارة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: لا تحل لمن كانت عنده اربعون درهما يحول عليها الحول عنده ان يأخذها، و ان اخذها اخذها حراما «1».

و فيه- مضافا الى عدم الدلالة، اذ المدعي ملكية النصاب الاول لا الثاني- انه يمكن ان يقال ان المراد بالرواية من كان له كفاية السنة و زاد عليها اربعون درهما. فهو غنيّ بالمعنى الاول قطعا.

الرابع: ذيل صحيحة ابي بصير السابقة، اعني قوله: «و لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ الزكاة» «2».

و فيه ان الموضوع فيه مركب من الاحتراف و مالكية النصاب. و لعل المانع من الاخذ

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 307

[من كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش تقوم بكفايته]

فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك، تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة، لا يجوز له أخذ الزكاة (1). و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤونته، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله و إن كان لسنة واحدة.

[إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته]

و امّا إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها. و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية و نقص عنه- بعد صرف بعضه في أثناء السنة- يجوز له الأخذ. و لا يلزم أن يصبر الى آخر السنة حتى يتم ما

______________________________

احترافه، و مالكية النصاب ذكرت مؤكدة لذلك.

و كيف كان فهذا القول ضعيف. و مثله القول بكون الغني من وجد كفايته على الدوام، كما مرّ عن المفاتيح و ظاهر المبسوط، بتقريب ان المستفاد من الأخبار انّ الغني من وجد كفايته بنحو الاطلاق. و يظهر ضعف ذلك بما مرّ من اخبار السنة، و حمل المطلقات أيضا عليها، و ادعاء البيان الاتفاق على القولين، و كون عبارة المبسوط ذات احتمالين.

(1) المقصود صورة كفاية نمائها و حاصلها مع بقاء اصلها. و لا اشكال في الحكم.

و يدل عليه مضافا الى ما مرّ موثقة سماعة، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: نعم، إلّا ان تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. فان لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقد حلّت له الزكاة. فان كانت غلّتها تكفيهم فلا «1». اذ المنساق من الكفاية الكفاية طول السنة، لما عرفت من انصراف المطلقات هنا الى

كفاية السنة.

فان المتعارف تنظيم المعيشة سنة فسنة. حيث ان العمدة في الاستفادات كانت هي المحصولات الزراعية. و هي تحصل سنة فسنة غالبا. و سيأتي البحث عن صورة عدم كفاية النماء أو الربح لمئونة السنة في المسألة الاولى، فانتظر.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 308

عنده (1)، ففي كلّ وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ.

______________________________

(1) كل ذلك لما مرّ من الأخبار الدالة على جواز الأخذ لمن لم يكن عنده قوت السنة.

و لا يتعين مبدأ خاص للسنة بل في كل وقت رأى ان ما عنده يكون بحيث لو صرف ينفذ في أقلّ من سنة فله ان يتممها بالزكاة، كما دلت عليه صحيحة ابي بصير السابقة. فلو اخذ في اول رمضان مقدار مئونة سنته فبعد انقضاء شهرين لا يوجد عنده إلّا ما يكفي لعشرة اشهر، فيجوز له اخذ المتمّم.

اللّهمّ إلّا ان يقال- كما اشرنا اليه- ان اعتبار السنة في تنظيم المعيشة و تقسيم الزكاة كان من جهة ان عمدة المحصولات الزراعية كانت تحصل سنوية. فمبدأ السنة مبدأ حصول المحصولات الزراعية، و هو المبدأ عند الناس في ادّخار قوت سنتهم. و يشهد لذلك أيضا ما دلّ من أخذ رسول اللّه «ص» الصدقات و تقسيمها بين أهل البوادي و أهل الحضر بقدر ما يستغنون في سنتهم. فانه كان في وقت حصول المحصولات الزراعية، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 309

حكم من كان ذا صنعة او كسب

و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصل منهما مقدار مئونته (1).

______________________________

(1) هنا مسائل ثلاث: الاولى: من يكون ذا صنعة و حرفة مشتغلا بها و يحصل منها مقدار مئونته تدريجا.

الثانية: من يكون ذا حرفة

أو صنعة و لكنه لا يشتغل بها تكاسلا.

الثالثة: من لا يجيد صنعة و لكنه يقدر ان يتعلّمها.

و يشترك الثلاثة في ان احدا منهم لا يكون بالفعل واجدا لمئونة السنة و لكنه واجد لها بالقوة القريبة أو البعيدة. و المصنف تعرض للأوليين هنا، و للثالثة في المسألة السادسة.

اما المسألة الاولى: ففي الخلاف (المسألة 11 من كتاب قسمة الصدقات): «الاستغناء بالكسب يقوم مقام الاستغناء بالمال في حرمان الصدقة. فاذا كان رجل جلد مكتسب يكسب ما يحتاج اليه لنفقته و نفقة عياله حرمت عليه الصدقة. و به قال الشافعي، و في الصحابة عبد اللّه بن عمر و بن العاص، و في الفقهاء ابو ثور و اسحاق. و قال ابو حنيفة و أصحابه: الصدقة لا تحرم على المكتسب، و انّما تحرم على من يملك نصابا من المال الذي تجب فيه الزكاة، أو قدر النصاب من المال الذي لا تجب فيه الزكاة. و قال محمّد: أكره دفع الصدقة الى المكتسب إلّا انّه يجزى. و به قال قوم من أصحابنا. دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

فظاهره ان بعضا من اصحابنا افتى بجواز دفع الزكاة الى المكتسب الذي يكسب فعلا بمقدار مئونته. و لكنه لم يعلم القائل به، و هو أيضا بلا فصل ادعى اجماع الفرقة على خلافه.

فلعله اراد بالإجماع الشهرة، أو اجماع اهل عصره فانه ممن يقول بحجية اجماع عصر واحد من باب اللطف. أو يريد الاجماع على القاعدة، فان مقتضى عقائد الشيعة حجية قول المعصومين «ع»، و المفروض هنا وجود اخبار تدلّ على خلاف هذا القول.

و كيف كان فيدل على حرمة الزكاة على من له حرفة او صنعة فعلية وافية بمؤونته- مضافا الى الاجماع المدعى

و الشهرة المحققة- خبر محمّد بن مسلم، أو غيره، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: تحلّ الزكاة لمن له سبعمائة درهم اذا لم يكن له حرفة. و يخرج زكاتها منها و يشتري منها بالبعض قوتا لعياله و يعطى البقية اصحابه. و لا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوت بها عياله «1».

و نحوها موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما. فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال: اذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله. و امّا صاحب الخمسين فانّه يحرم عليه اذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه ان شاء اللّه «2».

و يدل عليه أيضا الاخبار الآتية في الفرع التالي. مضافا الى ان من كان له حرفة لائقة بحاله وافية بمؤونته على سبيل الاستمرار لا يعدّ في العرف فقيرا حتى يشمله الآية، بل هو لدى العرف أغنى من غير المحترف المالك لمئونة سنة أو سنتين فقط من غير أن يكون له ممرّ عيشة مستمرة.

و لعل القائل بجواز اخذه للزكاة يستدل بانه غير مالك فعلا، لا للنصاب و لا لمئونة سنته، فيكون فقيرا على القولين السابقين في تعريف الفقير.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 311

[الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا]

و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا (1).

______________________________

و يمكن ان يستدل أيضا بذيل صحيحة ابي بصير السابقة، اعني قوله: «و لا تحل

الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ الزكاة». بتقريب ان المستفاد منه عدم كفاية مجرد الاحتراف في حرمانه من الزكاة ما لم يكن مالكا للنصاب.

أقول: قد مرّ ان المراد بالملك لمئونة السنة اعم من الملك فعلا او شأنا، و لا سيما الشأنية القريبة من الفعلية. و الفقير مأخوذ من الفقر بمعنى الحاجة. و الكاسب و المحترف الذي يكسب مقدار مئونته لا يكون محتاجا عرفا. هذا مضافا الى كون هذا اجتهادا في مقابل النصوص التي مرّت و تأتي. و بهذا يظهر الجواب عن ذيل صحيحة ابي بصير أيضا.

(1) هذه هي المسألة الثانية من المسائل الثلاث التي أشرنا إليها. فمن كان بناء أو معمارا أو خياطا أو حائكا أو نحو ذلك و يقدر على العمل بنحو يفي بمؤونته و يليق بشأنه أيضا و لكنه تركه تكاسلا فهل يحل له اخذ الزكاة، أم لا؟.

ظاهر الاخبار و الفتاوى عدم الحلّية. و قد نسب الى المشهور. و لكن صاحب الجواهر «1» استظهر من المقنعة و الغنية و السرائر و غيرها المنع، و من النهاية و التحرير و الدروس و البيان الحلية، و قواها و وجّهها بوجوه تأتي. و الاولى نقل بعض الكلمات.

قال في المقنعة: «و لا تجوز الزكاة في اختصاص الصنفين إلّا لمن حصلت له حقيقة الوصفين، و هو ان يكون مفتقرا اليها بزمانة تمنعه من الاكتساب أو عدم معيشة تغنيه عنها، فيلتجئ اليها للحاجة و الاضطرار» «2».

و في المبسوط: «تحرم الصدقة على من يقدر على التكسب الذي يقوم بأوده و أود عياله» «3».

و في الغنية: «و ان لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الاجماع المتكرر و طريقة الاحتياط» «4».

______________________________

(1)- الجواهر 15/

312 و 313.

(2)- المقنعة/ 39.

(3)- المبسوط 1/ 247.

(4)- الجوامع الفقهية/ 568.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 312

..........

______________________________

و في السرائر: «و ان لا يقدر على الاكتساب الحلال بقدر ما يقوم بأوده و سدّ خلّته و أود من يجب عليه نفقته» «1».

و في القواعد: «و يمنع القادر على تكسب المؤونة بصنعة أو غيرها» «2».

قال في مفتاح الكرامة في شرحه: «هذا مما لا خلاف فيه كما في تخليص التلخيص، إلّا ما حكاه في الخلاف. و هو مع معروفيته نادر، في الخلاف و الناصرية الاجماع على خلافه، كما في الرياض و الغنية الاجماع عليه» «3».

و في الشرائع: «و من يقدر على اكتساب ما يمون نفسه و عياله لا يحلّ له، لأنه كالغنى.

و كذا ذو الصنعة. و لو قصرت عن كفايته جاز ان يتناولها» «4».

قال في المدارك: «هذا هو المشهور بين الاصحاب» «5».

و في الجواهر: «بلا خلاف معتدّ به أجده في الأخير. بل يمكن تحصيل الاجماع عليه. بل و الأوّل اذا كان محترفا فعلا» «6». فهذه العبارات- سوى ما في الجواهر- ربّما يظهر منها المنع في المسألة.

و لكن في نهاية الشيخ: «و لا يجوز ان يعطى الزكاة لمحترف يقدر على الاكتساب ما يقوم بأوده و أود عياله. فان كانت حرفته لا تقوم به جاز له ان يأخذ ما يتسع به على اهله» «7».

فالمحترف في كلامه ظاهر في المشتغل فعلا. اللّهمّ إلّا ان يحمل على الملكة، فيشمل غير المشتغل بحرفته أيضا.

و في الناصريات: «عندنا ان من كان مكتسبا محترفا لقدر كفايته و قادرا لصحّته و قوته على الاكتساب فهو كالغني في ان الصدقة لا تحل له ... دليلنا الاجماع المتقدم

______________________________

(1)- السرائر/ 106.

(2)- القواعد 1/ 57.

(3)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب

الزكاة/ 135.

(4)- الشرائع 1/ 159.

(5)- المدارك/ 312.

(6)- الجواهر 15/ 312.

(7)- النهاية/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 313

..........

______________________________

ذكره» «1». و ظهوره في المشتغل اقوى.

و في التحرير: «لو كان ذا كسب يكفيه حرم عليه اخذها. «2»

و فيه أيضا: «لو كان له كفاية باكتساب او صناعة لم يجز له اخذ الزكاة» «3».

و في الدروس: «و يمنع من يكتفي بكسبه و لو ملك خمسين، كما لا يمنع من لا يكتفي به و لو ملك سبعمائة درهم. و كذا ذو الصنعة و الضيعة» «4».

و في البيان: «و يعطى صاحب الخادم و الدابة مع الحاجة اليهما، و ذو الحرفة و الصنعة اذا قصر اعن حاجته أو شغلاه عن طلب العلم على الاقرب» «5».

و كيف كان فاكثر العبارات تشمل ذا الحرفة غير المشتغل فعلا. و بعضها ظاهر في المشتغل.

و الاقوى في المسألة المنع و ان اصرّ صاحب الجواهر على الجواز. و المصنف جعل المنع احوط.

و يدل على الحكم الاخبار المستفيضة الواردة بطرق الفريقين. و لنجعلها ثلاث طوائف:

اما الطائفة الاولى: فمنها ما رواه الكليني بسند صحيح، عن زرارة، عن ابي جعفر «ع» قال: سمعته يقول: ان الصدقة لا تحل لمحترف، و لا لذي مرّة سويّ قويّ. فتنزهوا عنها «6».

قال في النهاية: «فيه: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ. المرّة: القوة و الشدة.

و السويّ: الصحيح الأعضاء». و ليس في قوله: «فتنزهوا» ظهور في الكراهة. و لو سلم فظهور قوله: «لا تحلّ» في الحرمة اقوى.

و منها أيضا ما عن معاني الاخبار بسند صحيح، عن زرارة، عن ابي جعفر «ع» قال:

قال رسول اللّه «ص»: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ.

قلنا: ما معنى هذا؟

قال: لا يحلّ له ان يأخذها و هو يقدر على ان يكف نفسه عنها «7».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 206 (المسألة 124).

(2)- التحرير 1/ 68.

(3)- التحرير 1/ 68.

(4)- الدروس/ 62.

(5)- البيان/ 193.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(7)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

و قد ذكر الامام- عليه السلام- في ذيل الحديث ما هو الملاك و الجامع لعدم الحلّية.

حيث انّ الحرفة و القوة لا موضوعية لهما. اذ من الممكن كونه مشتغلا قويا و لكن لا يفي كسبه بمؤونته. و ربّما لا يكون مشتغلا و لكنه يقدر أن يشتغل فيكفّ نفسه عنها. فالملاك كلّ الملاك قدرته ان يكفّ نفسه عنها و ان لم يكن مشتغلا فعلا و لا واجدا لمئونته أو للنصاب.

و منها أيضا خبر ابي البختري، عن جعفر، عن ابيه، عن علي «ع» انه كان يقول: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ «1».

و في سنن ابي داود بسنده عن النبي «ص» في حديث: «لا حظّ فيها لغني، و لا لقوي مكتسب». و بسنده عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبي «ص» قال: «لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرة سويّ». قال أبو داود: «و رواه شعبة، عن سعد. قال: لذي مرّة قوي. و الأحاديث الأخر عن النبي «ص» بعضها: لذي مرّة قويّ، و بعضها: لذي مرة سويّ. و قال عطاء بن زهير انه لقى عبد اللّه بن عمر و فقال: ان الصدقة لا تحل لقوي، و لا لذي مرة سوي» «2».

و في سنن ابن ماجة بسند، عن ابي هريرة قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحل الصدقة

لغني، و لا لذي مرّة سويّ» «3». فهذا المضمون مرويّ بطرق الفريقين.

و اما الطائفة الثانية: فمنها ما رواه الكليني صحيحا، عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: يروون عن النبي «ص» ان الصدقة لا تحلّ لغنيّ، و لا لذي مرّة سويّ.

فقال ابو عبد اللّه «ع»: لا تصلح لغني «4».

و منها ما رواه الشيخ في الموثق، عن هارون بن حمزة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

يروى عن النبي «ص» انه قال: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ؟ فقال: لا تصلح لغنيّ «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(2)- سنن ابي داود 2/ 118، باب من يعطى الصدقة و حد الغنى.

(3)- سنن ابن ماجة 1/ 588، باب من سأل عن ظهر غنى.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 315

..........

______________________________

أقول: في جواب الامام- عليه السلام- في الخبرين احتمالات:

منها: حصر قول النبي في ذلك و انه لم يقل إلّا ذلك.

و منها: اناطة الحكم بالغني، و انه لم يقصد بقوله: «و لا لذي مرة سوى» امرا مغايرا له.

حيث ان القوي ان قدر على مئونة نفسه و عياله فهو من مصاديق الغني أيضا و إلّا جاز له اخذ الزكاة. فاراد الامام- عليه السلام- بيان ان الملاك مطلقا هو الغني.

و منها: رعاية جهة التقية مع بيان الحكم الواقعي أيضا. فلعله كان في محضره- عليه السلام- بعض من اصحاب ابي حنيفة القائل بان الملاك في منع الزكاة مالكية النصاب، و ان المحترف و ذو المرة يجوز له اخذ الزكاة.

و كيف كان

فلا يتعين في جواب الامام الاحتمال الاوّل حتى يعارض الروايات السابقة و ينفيها.

و اما الطائفة الثالثة: فمنها مرسلة الفقيه: قيل للصادق- عليه السلام-: ان الناس يروون عن رسول اللّه «ص» انه قال: ان الصدقة لا تحل لغنيّ و لا لذي مرّة سويّ؟ فقال:

قد قال: لغني و لم يقل: لذي مرة سويّ «1».

و منها مرسلة المعاني، عن الصادق- عليه السلام- انه قال: قد قال رسول للّه «ص»: ان الصدقة لا تحل لغني و لم يقل: و لا لذي مرّة سويّ «2».

قال في المصباح: «لا وثوق بهذا الحديث المرسل، بل الغالب على الظن كما اعترف به في الجواهر، كونه اشارة الى صحيحة معاوية بن وهب، و رواية هارون بن حمزة» «3».

و قد عرفت عدم دلالتهما على نفي صدور ذلك الكلام من رسول اللّه «ص»، بل لعله اراد بيان كون الملاك مطلقا هو الغني. فصحيحة زرارة المروية في الكافي و المعاني المؤيدة بغيرها مما رواه الفريقان حجة بيننا و بين اللّه. و يستفاد منها- و لا سيما مع التفسير الذي في رواية المعاني- ان من يقدر على ان يكف نفسه عن الزكاة لا يحلّ له اخذها. فالحكم في المسألة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 9

(3)- المصباح/ 88.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 316

..........

______________________________

واضح. و قد عرفت ظهور اكثر عبارات الاصحاب أيضا في ذلك. و غيرهم أيضا لم يفتوا بالجواز فيه و لم يصرحوا به. و عرفت اجماع الغنية و ادعاء الشهرة من المدارك، و عدم الخلاف من مفتاح الكرامة أيضا.

و لكن خالف في المسألة صاحب الجواهر، و قويّ جواز اخذ غير

المشتغل فعلا للزكاة و ان كان قادرا على الاكتساب «1».

و ما قيل للجواز امور: الاول: ما مرّ من ان الغني من يملك مئونة السنة، أو احد النصب الزكوية على القولين في حدّه و المفروض في المقام عدمهما.

الثاني: ان الظاهر من مرسلة الصدوق المشتملة على انكاره «ع» ان رسول اللّه «ص» قال ذلك جواز تناولها لذي القوة.

الثالث: ما ربما يظهر من بعضهم من الاجماع على جواز اعطاء ذي الصنعة اذا أعرض عنها و ترك التكسب بها.

الرابع: اطلاق ما دل على جواز الأخذ لمن لا يملك قوت سنته و ترك الاستفصال فيه عن انه يقدر على التكسب، أم لا.

الخامس: السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على اعطائها للأقوياء القادرين على الاكتساب.

السادس: صدق اسم الفقير عليه بمجرد عدم ملكه لما يمون نفسه و عياله، و عدم تلبسه بما يقوم بذلك.

أقول: يرد على الاول ما مر من ان الملكية لمئونة السنة اعم من الفعلية و القوة القريبة.

و لذا افتى هو أيضا بالمنع في المحترف فعلا و ان لم يملك فعلا. مضافا الى ان هذا اجتهاد في مقابل النصوص التي مرّت.

و يرد على الثاني- مضافا الى ان المرسل لا حجية فيه و لا يقاوم النصوص التي مرت- ما مرّ من جريان الاحتمالات الثلاثة فيه.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 312.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 317

..........

______________________________

و يرد على الثالث منع الاجماع. بل ظاهر عبارات الاصحاب المنع كما مرّ.

و يرد على الرابع ان الاطلاق يقيد بالنصوص في المقام، فيعلم بها كفاية الملكية بالقوة أيضا و يرد على الخامس منع حجية السيرة إلّا مع احراز اتصالها الى عصر المعصومين- عليهم السلام- و عدم ردعهم عنها. و الاتصال لم يثبت. و لعل النصوص في المقام

أيضا كافية في الردع. مضافا الى ان السيرة لعلها كانت في صورة حاجتهم الفعلية و ان كانت بسبب ترك التكسب المقدور في وقته.

و يرد على السادس المنع عن صدق الفقير عليه شرعا بما مرّ من النصوص و ان سلّم صدقه عرفا. بل هو أيضا ممنوع، فتدبر. هذا.

و في مصباح الفقيه بعد تقويته قول المشهور قال: «و لكن قد يشكل ذلك بان مجرد القدرة على ذلك ما لم يتلبس بحرفة أو كسب لائق بحاله واف بمؤونته لا يجعله غنيا، بل لا يخرجه عرفا عن موضوع الفقير ... اللّهمّ إلّا ان يقال ان هذا انما هو بالنظر الى حال احتياجه و عدم قدرته على ان يكف نفسه عنها، و لا كلام في جواز تناوله منها. و انما الكلام في اباحتها له حال قدرته على تحصيل مقدار حاجته بكسبه، و هو في هذا الحال بحكم الغني في العرف و لا يعدّ فقيرا. و لكن جعل شيخنا المرتضى محل الاشكال حال عجزه عن الاكتساب، فقال ما لفظه: و لو ترك المحترف الحرفة فاحتاج في زمان لا يقدر عليها- كما لو ترك العمل نهارا فاحتاج ليلا، و كما لو ترك البنّاء عمل البناء في الصيف و احتاج في الشّتاء مع عدم حصول ذلك العمل له- فيه اشكال: من صدق الفقير و انه لا يقدر في الحال على ما يكف به نفسه عن الزكاة، فيعمّه ادلة جواز الاخذ. و من صدق المحترف و ذي المرّة السويّ عليه، فيشمله ادلة المنع. و هو الأقوى، لعدم معلومية صدق الفقير عليه، و إلّا لصدق على المحبوس الغني، و لم يجعل ابن السبيل قسيما للفقير في الكتاب و السنة. نعم، لا بأس بالصرف اليه من

سهم سبيل اللّه. لكن الانصاف انه لو لم ينعقد الاجماع على الخلاف قوى القول بجواز الدفع الى كل محتاج في آن حاجته و ان كان عرض له في زمان يسير و لو بسوء اختياره» «1».

______________________________

(1)- المصباح/ 88.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 318

..........

______________________________

أقول: لا يخفى صحة ما ذكره اخيرا، و كونه انصافا. و لم ينعقد الاجماع و لا الشهرة على خلافه. اذ محط نظر الاصحاب في كلماتهم التي مرّ بعضها صورة قدرة ذي المرة على تحصيل حاجته. و ليس الملاك في المنع عنوان المحترف و ذي المرة، بل عنوان الغني و القدرة على كف نفسه عن الزكاة. كما دلّ على ذلك صحيحتا زرارة، و معاوية بن وهب، و غيرهما. و الملاك في الاستحقاق الفقر و المسكنة، كما في الآية. و قد عرفت ان الفقر بمعنى الحاجة، أو من الفقرة بمعنى الخلة و الحفرة. فالمحتاج في حال احتياجه و اضطراره مشمول للآية و ان تحقق ذلك بسوء اختياره. و المتبادر من قوله: «ذي مرّة» من امكن له إعمال مرّته و قدرته. نعم، في صورة القدرة لا تحلّ له، كما قوّيناه. فلا يجوز دفعها الى البطالين، و اهل السؤال القادرين على كثير من الصنائع و الحرف اللائقة بحالهم في حال قدرتهم و تهيؤ الأسباب لهم.

بل يشكل دفعها الى من امكن له تعلم الصنعة و الحرفة بلا مشقة و حرج. و هي المسألة الثالثة من المسائل الثلاث التي ذكرناها في صدر البحث، و يتعرض لها المصنف في المسألة السادسة، فانتظر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 319

هل تعطى الزكاة لمن كان له رأس مال أو ضيعة؟
اشارة

[مسألة 1]: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤونته، لكن عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها في مئونته بل يجوز

له ابقاؤه للاتجار به و أخذ البقية من الزكاة. و كذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤونته، و لكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها و صرف العوض في المؤونة بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقية المؤونة (1).

______________________________

(1) قد مرّ ان الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله، و الغني الشرعي بخلافه. و استدللنا لذلك بصحيحة ابي بصير، و خبر علي بن اسماعيل، و مرسلة يونس بن عمّار. مضافا الى استيناس ذلك من العرف أيضا.

و لكن ناقش في هذا التحديد صاحب المدارك و الحدائق. ففي المدارك: «لكن لا يخفى ان هذا الاطلاق مناف لما صرح به الأصحاب، كالشيخ و المصنف في النافع و العلامة و غيرهم من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة يستغلّها اذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية. اذ مقتضاه ان من كان كذلك كان فقيرا و ان كان بحيث لو انفق رأس المال المملوك له لكفاه طول سنته.

و المعتمد ان من كان له مال يتجر به، أو ضيعة يستغلّها فان كفاه الربح أو الغلة له و لعياله لم يجز له اخذ الزكاة، و ان لم يكفه جاز له ذلك و لا يكلف الانفاق من رأس المال و لا من ثمن الضيعة. و من لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور امواله عن مئونة السنة له

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 320

..........

______________________________

و لعياله» «1». و نحو ذلك في الحدائق «2» أيضا.

أقول: قد مرّ ان مرادهم بالمملوك في الحدين المال الذي من شأنه أن يصرف في المؤونة، لا المال الذي يتوقّف تعيشه عادتا على حفظه

و التعيش بنمائه، كرأس المال و الضيعة و آلات الكسب.

و المحكى عن المحقق الأردبيلي انه نسب الى الاصحاب جواز التناول اذا لم يكف الربح و ان كان رأس المال يكفيه. و قد مرّ من الخلاف و المبسوط ان الملاك في رأس المال و العقار كفاية الربح و النماء. و يدل على ذلك اخبار مستفيضة.

اما العقار فيدل عليه موثقة سماعة. قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: نعم، إلّا ان تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. فان لم يكن الغلة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقد حلّت له الزكاة. فان كانت غلتها تكفيهم فلا «3». و لا خصوصية للدار. فتشمل كل ملك ثابت له نماء أو اجرة. و اطلاقها يقتضي جواز اخذ الزكاة لصاحب الدار التي لا تفي غلّتها بالمئونة، سواء كانت عينها على فرض البيع وافية بها أم لا.

و يدل على حكم آلات الكسب خبر اسماعيل بن عبد العزيز، عن ابيه قال: دخلت انا و ابو بصير على ابي عبد اللّه «ع» فقال له ابو بصير ان لنا صديقا و هو رجل صدوق يدين اللّه بما ندين به فقال: من هذا يا با محمد! الذي تزكيه؟ فقال: العباس بن الوليد بن صبيح.

فقال: رحم اللّه الوليد بن صبيح. ماله يا با محمد؟ قال: جعلت فداك دار تسوّي اربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين الى الاربعة سوى علف الجمل، و له عيال. أله ان يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم. قال: و له

هذه العروض؟! فقال يا ابا محمد! فتأمرني ان آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع خادمه الذي يقيه الحرّ و البرد و يصون وجهه و وجه عياله، أو آمره ان يبيع غلامه و جمله و هي

______________________________

(1)- المدارك/ 312.

(2)- الحدائق 12/ 157.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 321

..........

______________________________

معيشته و قوته؟ بل يأخذ الزكاة و هي له حلال. و لا يبيع داره، و لا غلامه، و لا جمله «1».

و اطلاقه أيضا يشمل كون قيمة الجمل و الغلام على فرض البيع وافيا بمؤونة السنة أم لا.

و يدل على حكم رأس المال صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها. أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال: لا، بل ينظر الى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها «2».

و موثقة هارون بن حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: يروى عن النبي «ص» انه قال:

لا تحل الصدقة لغنيّ، و لا لذي مرّة سويّ. فقال: لا تصلح لغنيّ. قال فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال، فان اقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها.

قال: فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله «3».

و الظاهر ان التعبير في الروايتين تعبير عرفي لا يراد به التفكيك بين مصارف الربح و مصارف الزكاة التي

يأخذها و يراعي لكل منهما حساب مستقلّ.

و صحيحة ابي بصير قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن رجل له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفّاف و له عيال كثير. أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: يا ابا محمّد! أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم. قال: كم يفضل؟ قال: لا ادري. قال: ان كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و ان كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة. قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى. قال: قلت: كيف يصنع؟

قال: يوسّع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم، و يبقى منها شيئا يناوله غيرهم. و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس «4».

و حيث ان ماله مما يدار و يتّجر به فلعل زكاته كانت زكاة التجارة غير الواجبة. و لذا امر بصرفها في التوسعة على العيال. أو لعل التوسعة عليه مما تجوز مطلقا، كما تدل عليه

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 322

..........

______________________________

اخبار. و زيادة نصف القوت أيضا لعلها كانت للتوسعة عليهم، أو لسائر المصارف غير القوت من اللباس و الدواء و غيرهما. فكأن المتعارف فيها كان مقدار نصف القوت، أو لعلّها كانت ذخيرة للمصارف الاتفاقية التي تحدث قهرا في طول السنة.

و كيف كان فدلالة الأخبار الثلاثة على كون الاعتبار في مالكية مئونة السنة بالربح لا باصل رأس

المال واضحة.

و الظاهر ان اطلاقها يشمل صورة كون رأس المال بانفراده بمقدار مئونة السنة أو اكثر.

و لا يعارض ذلك قوله «ع» في صحيحة ابي بصير السابقة: «و لا يأخذها إلّا ان يكون اذا اعتمد على السبعمائة انفذها في أقلّ من سنة» «1» اذ ليس فيها كون السبعمائة رأس المال الذي يتجر به، بل الظاهر منها خلافه. هذا.

و لكن في المستمسك بعد رواية هارون بن حمزة: «لكن الظاهر منه صورة كفاية رأس المال بضميمة الربح، لان موضوع السؤال الدراهم المشغولة بضاعة، فلا يشمل صورة كفاية رأس المال وحده في مئونة السنة. و الظاهر ان مثله صحيح معاوية بن وهب ... و اما خبر ابي بصير فظاهره مخالف للإجماع» «2».

أقول: امّا اوّلا فقوله: «الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة» مطلق يشمل كونها بمقدار مئونة السنة أو أكثر أو أقل. و ترك الاستفصال يفيد العموم. و قوله: «اكلها عياله» لا يدلّ على أكلها مع ربحها في سنة، بل هذا التعبير عرفي يراد به ان الربح اذا لم يف بمؤونته فلا محالة يجبر النقص من رأس المال فينفد رأس المال بالأخرة.

و ثانيا اذا فرض كفاية رأس المال بضميمة الربح لمئونة السنة و مع ذلك جاز له اخذ الزكاة فليس ذلك إلّا لأن المعتبر و الملحوظ هو الربح فقط دون رأس المال. و على هذا فلا فرق بين هذه الصورة و بين كفاية رأس المال فقط. اذ الملاك هو عدم كفاية الربح و كون رأس المال مما يبقى و لا يصرف عادة، فتأمّل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المستمسك 9/ 216.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 323

فروع
[الاول: فيما لو باع رأس المال كفى في نفقته]

______________________________

الاول: يظهر من قوله «ع» في

خبر اسماعيل بن عبد العزيز: «أو آمره ان يبيع غلامه و جمله و هي معيشته و قوته؟» ان آلات الكسب، أو الارض، أو رأس المال اذا لم تكن مؤثرة في معيشته و قوته- بان كانت الآلات كثيرة، أو رأس المال كثيرا و اتفق لجهات قلة نمائها و ربحها بحيث لا يفي بمؤونته و لكن يمكن بيع بعضها بقيم كثيرة و تأمين المعيشة منها ما دام العمر أو السنين من دون نقص فاحش في الربح أو النماء- لم يجز له اخذ الزكاة. بل لا يطلق على مثل هذا الشخص عنوان الفقير. و كذا اذا فرض ان نماء ارضه أو غلة داره لا تفي بمؤونته و لكن كانت قيمة ارضه أو داره نظرا الى موقعها كثيرة، بحيث يمكن له تبديلها بأضعاف منها بحسب الاصل و النماء، بحيث لا يحتاج اصلا الى اخذ الزكاة.

و قد تعرض لهذا الفرع في الجواهر، و في زكاة الشيخ «1»، فراجع.

[الثاني: اعتبار الاستنماء الفعلي من الأرض]

الثاني: ان الظاهر من الاخبار و الفتاوى هو اعتبار الاستنماء الفعلي من الأرض أو الآلات أو رأس المال في كونها مستثناة، لا مجرد القابلية و ان لم يعمل بها و لم يستفد منها للعجز أو التكاسل. فلو فرض عدم الاسترباح و الاستنماء منها و كونها متروكة و تكفي قيمتها لمئونة سنته يشكل له اخذ الزكاة ما دامت هي موجودة و امكنه بيعها و صرفها.

[الثالث: لو فرض في منطقة من الارض كون الاشجار مثمرة في سنة دون اخرى]

الثالث: لو فرض في منطقة من الارض كون الاشجار مثمرة في سنة دون اخرى، و الارض مزروعة سنة و متروكة اخرى فتعارف ان الناس يدّخرون قوتهم لسنتين- بحيث يعسر للشخص تأمين المعيشة في رأس كل سنة- فهل يكون الملاك في الغنى و الفقر في مثل هذه البلاد أيضا من سنة الى سنة، أو ان ذكر السنة كان من جهة الغلبة و التعارف، فاذا تعارف رعاية السنتين في مكان فالغنى و الفقر أيضا يلحظان كذلك؟ فقوله: في مرسلة حماد: «يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير» «2» كان من

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 320؛ زكاة الشيخ/ 498.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 324

..........

______________________________

جهة انه في رأس السنة كان يوجد الحاصل الجديد، و إلّا فالوالي يقسم بينهم على نحو ما تعارف من ادخار الناس لمئونتهم.

لا يبعد الثاني. و يمكن اسراء هذا الامر الى باب الخمس بالنسبة الى استثناء المؤونة أيضا، فتدبر.

[الرابع: الظاهر التعميم الى من يعدّ من عائلته عرفا]

الرابع: قد يظهر من تعبير الخلاف و المبسوط و غيرهما عن العيال ب «من تلزمه نفقته» انحصاره في واجب النفقة شرعا. و لكن الظاهر التعميم الى من يعدّ من عائلته عرفا بحيث يلزمه في العادة ادارة معيشته، كالضيوف، و الإخوة الصغار اذا مات ابوهم و لم يكن لهم كفاية، و غير ذلك. فانه المتبادر من لفظ العيال المذكور في الأخبار السابقة و غيرها.

[الخامس: هل المراد بالسنة هنا القمرية، أو الشمسية؟]

الخامس: هل المراد بالسنة هنا القمرية، أو الشمسية؟ وجهان: من تعارف القمرية في لسان الشرع، و من ان تأمين مئونة السنة كان من جهة ان المحصولات الزراعية الغذائية كانت سنوية، و من المعلوم كونها شمسية. و يمكن الارجاع الى المتعارف في كل بلد و صقع، فيختلف باختلافها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 325

قدر ما يعطى الفقير من الزكاة
[يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة]

[مسألة 2]: يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة (1).

______________________________

(1) قد مرّ ان مصارف الزكاة ثمانية و منها الفقراء فلا يجوز اعطاء هذا السهم للغني.

و الظاهر ان التقابل بينهما بنحو العدم و الملكة. و الغنى عرفا من له التمكن المالي. و له عندهم مراتب كثيرة. و له اصطلاح شرعي أيضا.

و قد مرّ ان اصحابنا في معنى الغنى الشرعي على قولين: فالمشهور انه من يملك مئونة السنة لنفسه و عياله. و استدل له بأخبار ابي بصير، و علي بن اسماعيل، و يونس بن عمّار، فراجع الوسائل «1». و نسب الى قوم من اصحابنا انه من يملك احد النصب الزكوية. و قد مرّ البحث عن ذلك.

و اما فقهاء السنة فمنهم من عرفه بمن يملك الكفاف. و منهم من عرفه بمن يملك اربعين درهما. و منهم من عرفه بمن يملك خمسين درهما. و منهم من عرفه بمن يملك احد النصب الزكوية. و استندوا في هذه الاقوال الى روايات.

اذا عرفت هذا فنقول: هنا مسألتان تعرض لهما الاصحاب في كلماتهم معا، اعني أقلّ ما يعطى الفقير و اكثره. فناسب لنا أيضا التعرض لهما معا. و المصنف أيضا تعرض لهما في

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1، 7 و 10.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 2، ص: 326

..........

______________________________

المسألة الثامنة عشرة من فصل بقية احكام الزكاة، و لكن هنا تعرض للثانية فقط.

و الجمهور لم يتعرضوا للمسألة الاولى. و اقوالهم في المسألة الثانية ثلاثة:

الاول: انه يعطى دون حد الغنى. و هو احد الروايتين عن احمد.

الثاني و هو المشهور بينهم: انه يعطى الى حد الغنى.

الثالث: انه يجوز ان يعطى فوق حد الغنى. و به قال اصحاب الرأي.

و اما اصحابنا فقالوا انه لا حدّ لأكثره. و قد يعبرون بانه يعطى ما يغنيه و ما يزيد على غناه.

بل في السرائر: «و ليس لأكثر ما يعطى الفقير حد محدود، بل اذا اعطاه دفعة واحدة فجائز له ما اراد و لو كان الف قنطار» «1». و ظاهر اكثر كلماتهم كون المراد بالغنى هنا العرفي منه لا الشرعي.

و اما في طرف الاقل فالمشهور بين اصحابنا انه لا يعطى أقلّ مما يجب في النصاب الاول إما في جميع الاجناس، أو في خصوص النقدين.

و قد يقال بجواز ان يعطى ما يجب في النصاب الثاني من النقدين.

و قد يقال بانه لا يحد في طرف القلة أيضا بحدّ. و به قال ابن ادريس «2» و حكاه عن السيد المرتضى أيضا في جمل العلم و العمل.

فلنذكر بعض العبارات. قال في المقنعة: «و أقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة المفروضة خمسة دراهم فصاعدا، لأنها أقلّ ما يجب في الحد الاول من الزكاة. و ليس لأكثره حدّ مخصوص، لتفاوت الناس في كفاياتهم، و جواز اخراج غنى الفقير اليه من الزكاة» «3».

و في النهاية: «و أقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة خمسة دراهم، أو نصف دينار. و هو اول ما يجب في النصاب الاول. و ليس لأكثره حدّ. و لا بأس ان يعطى الرجل

زكاته لواحد يغنيه بذلك» «4».

______________________________

(1)- السرائر/ 107.

(2)- السرائر/ 107.

(3)- المقنعة/ 40.

(4)- الناية/ 189.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 327

..........

______________________________

و في المقنع: «و لا يجزى في الزكاة ان يعطى أقلّ من نصف دينار» «1». و مثله في الفقيه «2» عن رسالة ابيه.

و في فقه الرضا: «و لا يجوز في الزكاة ان يعطى أقلّ من نصف دينار» «3».

و قد استظهرنا كون فقه الرضا رسالة ابيه، كما مرّ منا مرارا.

و في الانتصار: «مسألة: و مما انفردت به الامامية القول بانه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقلّ من خمسة دارهم. و روى ان الاقل درهم واحد. و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و يجيزون اعطاء القليل و الكثير من غير تحديد. و حجتنا على ما ذهبنا اليه اجماع الطائفة، و طريقة الاحتياط، و براءة الذمة أيضا» «4».

و في الغنية: «و اما مقدار المعطى منها فاقله للفقير الواحد ما يجب في النصاب الاول، فان كان من الدنانير فنصف دينار، و ان كان من الدراهم فخمسة دراهم. و كذا في الأصناف الباقية بدليل الاجماع. و طريقة الاحتياط ... و يجوز ان يدفع اليه منها الكثير و ان كان فيه غناه بدليل الاجماع المذكور» «5».

فالسيدان ادعيا في المسألة الاجماع على خمسة دراهم. و مورده في الغنية جميع الأصناف التسعة.

نعم، في المختلف، عن السيد المرتضى في المسائل المصرية: «أقلّ ما يجزى من الزكاة درهم، للاحتياط، و اجماع الفرقة المحقة» «6».

و عنه في الجمل: «و يجوز ان يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل و الكثير.

و قد روى انه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقلّ من خمسة دراهم. و قد روى ان الاقل درهم واحد» «7».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 14.

(2)- الفقيه

2/ 10.

(3)- فقه الرضا/ 22.

(4)- الجوامع الفقهية/ 112.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568.

(6)- المختلف 1/ 186.

(7)- المختلف 1/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 328

..........

______________________________

و في المراسم: «أقلّ ما يجزى اخراجه من الزكاة ... اقله ما يجب في نصاب. فمن اصحابنا من قال: اقله نصف دينار، أو خمسة دراهم. و منهم من قال: اقله قيراطان، أو درهم. فالأولون قالوا بوجوب النصاب الاول، و الآخرون قالوا بالثاني. و الأثبت الاول.

و كذلك في سائر ما تجب فيه الزكاة. فاما اكثر ما يعطى فلا حدّ له. و يجوز ان يعطى الفقير غناه و يزاد على ذلك إلّا انه يعطى ضربة واحدة، لأنه اذا استغنى لم يجز صرف الزكاة الواجبة اليه» «1».

و في الوسيلة لابن حمزة: «و لا يجوز ان يعطى من زكاتهما (النقدين و المواشي) المستحق باقل من نصاب. و يجوز ان يعطى قدر غناه» «2».

و في الشرائع: «السادسة: أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الاول: عشرة قراريط، أو خمسة دراهم. و قيل ما يجب في النصاب الثاني، و هو قيراطان، أو درهم. و الأول أكثر. و لا حدّ للأكثر اذا كان دفعة. و لو تعاقب العطية فبلغت مئونة السنة حرم عليه الزائد» «3».

و في المنتهى: «و أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الاول و هو خمسة دراهم، و نصف دينار. قاله الشيخان، و ابنا بابويه، و اكثر علمائنا. و قال سلّار يجوز الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني، و هو درهم، أو قيراطان. و به قال ابن الجنيد. و لم يقدر علم الهدى، و لا الجمهور. و الأشهر في الروايات ما ذكره الشيخان» «4». و نحو ذلك في المعتبر.

و في المنتهى أيضا: «يجوز ان

يعطى الفقير ما يغنيه، و ما يزيد على غناه. و هو قول علمائنا اجمع. و به قال اصحاب الرأى. و قال الثوري. و مالك، و الشافعي و ابو ثور يعطى قدر ما يغنيه من غير زيادة. و به قال احمد في احدى الروايتين. و في الأخرى: لا يجوز ان يدفع اليه قدر غناه بل دونه» «5». و قريب من ذلك ما في المعتبر «6».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 643.

(2)- الجوامع الفقهية/ 681.

(3)- الشرائع 1/ 166.

(4)- المنتهى 1/ 530

(5)- المنتهى 1/ 528

(6)- المعتبر/ 284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 329

..........

______________________________

و لا يخفى ان احمد ممن فسّر الغنى بان يملك خمسين درهما، و ابا حنيفة فسره، بمن يملك حدّ النصاب، اعنى مأتين. فمقتضى الرواية الثانية عن احمد انه لا يجوز ان يعطى فقير واحد خمسون درهما. و المروي عن اصحاب الرأي و امامهم ابي حنيفة انه يجوز ان يعطى الفا و اكثر اذا كان محتاجا، فشرط الاحتياج في ذلك.

و في المعتبر و المنتهى «1» و كذا في التذكرة عن سلّار ان الاعتبار في الاقل بالنصاب الثاني.

مع انك عرفت من المراسم انه قال: «و الأثبت الأول». فلعله ذكر ما حكوه في كتاب آخر لا نعرفه.

و أيضا في الكتب الثلاثة ان علم الهدى لم يقدره بقدر كالجمهور. مع انك عرفت انه في الانتصار اختار الاعتبار بالنصاب الاول، و ادعى عليه الاجماع. و في المسائل المصرية اختار الاعتبار بالدرهم، و ادعى عليه الاجماع. نعم، في الجمل اختار عدم التقدير.

ثم ان ظاهر كلمات اكثر الاصحاب كون التقدير بنحو الوجوب و التعين. بل صرح في المراسم بالوجوب. و صرح بعضهم بانه لا يجزى الاقل، أو لا يجوز، كما مرّ. حتى ان الظاهر من العلامة

في منتهاه أيضا ذلك.

و لكنه قال في التذكرة: «و لا حدّ للإعطاء، إلّا انه يستحب ان لا يعطى الفقير أقلّ مما يجب في النصاب الاول، و هو خمسة دراهم، أو عشرة قراريط. قاله الشيخان، و ابنا بابويه، و اكثر علمائنا. لقول الصادق «ع» لا يعطى احد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم. و قال سلار: أقلّ ما يجب في النصاب الثاني، و هو درهم، أو قيراطان، و به قال ابن الجنيد.

و لم يقدره علم الهدى، و لا الجمهور بقدر. و ما قلناه على الاستحباب، لا الوجوب اجماعا ...

و اما الاكثر فلا حدّ له. فيجوز اعطاء الفقير غناه دفعة و دفعات بلا خلاف، لان المقتضى الحاجة، و ما دون الغنى حاجة، فجاز الصرف فيها، و لقول النبي «ص»: خير الصدقة ما ابقت غنى ...» «2».

______________________________

(1)- المعتبر/ 284 و المنتهى 1/ 530.

(2)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 330

..........

______________________________

أقول: هذه بعض كلماتهم في المسألتين. و الاصل فيهما الأخبار الواردة. فلنتعرض لهما، و لأخبارهما.

أقلّ ما يعطى الفقير
اشارة

اما المسألة الاولى، اعنى التحديد في ناحية الاقل فاخبارها طائفتان:

الاولى: ما دلت على خمسة دراهم. كصحيحة ابي ولّاد الحناط، عن ابي عبد اللّه «ع» قال:

سمعته يقول: لا يعطى احد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم. و هو أقلّ ما فرض اللّه- عز و جل- من الزكاة في اموال المسلمين. فلا تعطوا احدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا «1».

و خبر معاوية بن عمّار، و عبد اللّه بن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه «ع» قال: لا يجوز ان يدفع من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فانها أقلّ الزكاة «2» و ظهورهما- و لا سيما الثاني- في كون الحكم بنحو الالزام و

عدم جواز الاقل واضح.

و مفاد التعليل في الخبرين هو ان الخمسة دراهم هي أقلّ مصداق الزكاة المفروضة، و الاقل منها ليس زكاة، فلا يجزى دفعه الى المستحق. اذ الواجب دفع ما يكون زكاة. هذا.

و في قبال هذين الخبرين صحيحة محمد بن ابي الصهبان، قال: «كتبت الى الصادق- عليه السلام: هل يجوز لي يا سيدي ان اعطى الرجل من اخواني من الزكاة الدرهمين، و الثلاثة الدراهم. فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب: ذلك جائز.

و في الفقيه عن محمد بن عبد الجبار ان بعض اصحابنا كتب على يدي احمد بن اسحاق الى علي بن محمد العسكري- عليه السلام: اعطى الرجل من اخواني من الزكاة الدرهمين، و الثلاثة؟ فكتب: افعل ان شاء اللّه- تعالى «3».

و اعلم ان ابا الصهبان كنية عبد الجبار. فمحمد بن ابي الصهبان هو بعينه محمد بن عبد الجبار. فاحتمال بعض الأعلام ان يكون المراد ببعض اصحابنا في المكاتبة الثانية محمد بن ابي الصهبان لترجع المكاتبتان بذلك الى واحدة واضح البطلان. و الرجل من

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 331

..........

______________________________

الطبقة السابعة المعاصرة للإمام الهادي- عليه السلام- فلعله عبر عنه «ع» بالصادق تقية. اذ لا يمكن نقله عن الامام الصادق- عليه السلام- بلا واسطة. و يحتمل كون كلمة: «كتبت» مصحف «كتب» مجهولا. فبذلك ترجع المكاتبتان الى واحدة.

و كيف كان فصراحة المكاتبتين في اجزاء الاقل من خمسة دراهم واضحة. ففي التهذيب حمل المكاتبة على النصاب الذي يلي النصاب الاول. قال: «لان النصاب

الثاني و الثالث و ما فوق ذلك ربما كان الدرهمين و الثلاثة حسب تزايد الأموال، فلا بأس باعطاء ذلك لواحد. فاما النصاب الاول فلا يجوز ذلك فيه» «1». و نحوه ما في الاستبصار «2». و مراده لا محالة صورة كون وقت التعلق للنصاب الثاني متأخرا عن وقت النصاب الاول، كما لا يخفى.

و في المعتبر رجح الطائفة الاولى بانها مشافهة و اقوى سندا. ثم احتمل ما ذكره الشيخ، ثم قال: «و اما قول علم الهدى فلم اجد به حديثا يستند اليه. و الاعراض عن النقل المشهور مع عدم المعارض اقتراح» «3».

و في الوسائل حمل المكاتبة على الجواز، و الطائفة الاولى على الكراهة «4». و به قال كثير من المتأخرين. و لكن لا يخفى ان حمل قوله: «لا يجوز» على الكراهة مشكل جدّا و الجمع بين الخبرين يجب ان يكون بنحو يساعد عليه العرف. و العرف يرى التنافي بين الجواز و عدم الجواز.

و قد يحتمل حمل المكاتبتين على التقية، لما عرفت من اتفاق اهل الخلاف على عدم التقدير في ناحية الاقل. و يؤيد ذلك قوله- عليه السلام- في المكاتبة الثانية: «ان شاء اللّه- تعالى». فانه يدل على وجود نحو تزلزل في الحكم.

أقول: قد رأيت ان القدماء من اصحابنا قد تعرضوا للمسألة في كتبهم المعدّة لنقل الاصول المتلقاة عن المعصومين، كالمقنع و المقنعة و النهاية و المراسم و الغنية و غيرها، و اعتبروا التقدير بخمسة دراهم. و ادعى في الغنية و الانتصار عليه الاجماع. و ظاهرهم كون الحكم

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 63.

(2)- الاستبصار 2/ 38.

(3)- المعتبر/ 284.

(4)- الوسائل، ج، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

بنحو الالزام. و هو الظاهر من التهذيب و

المعتبر و المنتهى أيضا. و لذا صاروا بصدد التأويل للمكاتبة. و جعل في المعتبر الإعراض عن النقل المشهور اقتراحا. فرفع اليد عن ظاهر صحيحة ابي ولّاد، و خبر معاوية بن عمّار، و هذه الفتاوى المذكورة في هذه الكتب المؤيدة بالإجماع المنقول في الكتابين بالمكاتبتين المحتمل فيهما التقية غير المعتنى بهما عند القدماء في مقام العمل مشكل جدّا. و قاعدة الشغل أيضا تقتضي رعاية الاحتياط. فلا يترك الاحتياط إلّا اذا كان الواجب عليه أقلّ من خمسة، كما اذا حال الحول على النصاب الثاني بعد ما ادى فريضة النصاب الاول. هذا.

و في الجواهر «1»- بعد استظهار تعيّن الخمسة دراهم من عبارات الاصحاب و معقد اجماعي الانتصار و الغنية، و نقل اجماع التذكرة على الندب، و الاشكال عليه بكونه خلاف ظاهرهم جميعا بل صريح بعضهم كسلّار و ابن حمزة- جعل التحقيق الندب. وفاقا للمرتضى في جمله، و ابن ادريس، و الفاضل في جملة من كتبه، للأصل، و اطلاق الادلة، و اجماع التذكرة، و المكاتبتين، و قوله في حسن عبد الكريم بن عتبة، عن الصادق- عليه السلام- «ليس عليه في ذلك شي ء موقت موظف» «2»، و في مرسل حماد: «ليس في ذلك شي ء موقوت و لا مسمى و لا مؤلف. انّما يصنع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم» «3»، و في حسن الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت: له: ما يعطى المصدق؟ قال: ما يرى الامام و لا يقدر له شي ء «4».

أقول: الاصل مقطوع بالدليل. مضافا الى ما مرّ من ان الاصل هنا الاشتغال. كما ان الاطلاق على فرض وجوده يقيد بالدليل. و ما في الجواهر من قصور

الخبرين عن معارضة الاصل و الاطلاق عجيب. اللهم إلّا ان يراد سقوط الخبرين بمعارضة المكاتبتين، فيرجع الى الاصل و الاطلاق.

و اما اجماع التذكرة، فمضافا الى معارضته بظاهر اجماعي الانتصار و الغنية يرد عليه كونه

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 448 و 449.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 333

..........

______________________________

خلاف ظاهر الاصحاب، بل خلاف تصريح بعضهم، كما مرّ. و قد مرّ حمل المكاتبتين على التقية.

و مورد حسن الحلبي هو المصدق، لا الفقير. و كلام الاصحاب في الفقير. مضافا الى ان المصدق من العاملين، و حقوقهم اكثر من خمسة دراهم اضعافا مضاعفة. كما لا يخفى.

و كلامه- عليه السلام- في حسن عبد الكريم في مقام نفى القول بوجوب البسط على الأصناف الثمانية بالتساوى، على ما ادعاه عمر و بن عبيد. و كذا في مرسل حماد، فراجع.

اللّهمّ إلّا ان يقال كما في الجواهر ان الحكم كلي، و المورد غير مخصص. و لكن الاطمينان بالشمول لمورد البحث مشكل، فتدبر. هذا بالنسبة الى القول الاول.

و اما التقدير بدرهم كما عن الاسكافي، و المرتضى في المصريات، بل نسب الى سلار أيضا كما مرّ فلم اجد له دليلا، كما في الجواهر «1».

تنبيهات
اشارة

و ينبغي التنبيه على امور:

[الاول: هل تعين الخمسة دراهم بنحو الوجوب]

الاول: قد عرفت ان الظاهر من الخبرين و الفتاوى تعين الخمسة دراهم، و كون الحكم بنحو الوجوب. و هو المصرح به في بعض الفتاوى. و لكن في التذكرة «2» ادعى الاجماع على الندب، و نسبه في المسالك «3» الى الشهرة. و لم نر في كلمات القدماء من يصرح به. نعم، ظاهر كلام ابن البراج الندب، حيث قال كما في المختلف:

«أقلّ ما ينبغي دفعه من الزكاة الى مستحقها هو ما يجب في نصاب واحد» «4». بناء على ظهور «ينبغي» في الاستحباب.

[الثاني: هل خمسة دراهم تساوي بنصف دينار]

الثاني: المذكور في اكثر كلمات الأصحاب و في الخبرين التعبير بخمسة دراهم. و في بعض الكلمات التعبير بنصف دينار تعيينا، أو تخييرا بينه و بين خمسة دراهم. و لعله

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 448.

(2)- التذكرة 1/ 244.

(3)- المسالك 1/ 62.

(4)- المختلف 1/ 186.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 334

..........

______________________________

لتساويهما قيمة في تلك الاعصار. كما يظهر من الابواب المختلفة، و منها تقدير الدية. و لكن الظاهر كون الاعتبار بخمسة دراهم، فانها المذكورة في الدليل.

[الثالث: خمسة دراهم و نصف دينار يؤذن بان ذلك مختص بزكاة النقدين]

الثالث: قال في المسالك: «و التقدير بخمسة دراهم و نصف دينار يؤذن بان ذلك مختص بزكاة النقدين، فلا يتعدى الحكم الى غيرها و ان فرض فيه نصاب اول و ثان، و إلا لزم اخراج القيمة أو استحبابه و لا يقولون به. و قيل: يتعدى. فلا يدفع للفقير أقلّ مما في النصاب الاول أو الثاني على حسبه. و يحتمل تقدير أقلّ ما يعطى بقدر زكاة النقدين، عملا بظاهر الخبر، فيعتبر قيمة المخرج ان لم يكن من النقدين باحدهما. و هذا هو الاجود ...

و لو لم يكن للمال الانصاب واحد كالغلّات ففي اعتبار المخرج بقيمة النقدين كما مرّ الوجهان» «1».

أقول: فالاقوال في المسألة ثلاثة. اختار الاول بعض المتأخرين فقال: «التحقيق في المقام ان يقال بعدم التحديد في ما عدى النقدين، لعدم ورود الرواية في ذلك. فيؤخذ باطلاق وجوب ايتاء الزكاة» «2».

و ظاهر بعض العبارات هو القول الثاني. اي الاعتبار بالنصاب الاول من كل شي ء بحسبه. ففي اشارة السبق: «و أقلّ ما يعطى مستحقها ما يجب في اول نصاب من انصبتها» «3».

و هو الظاهر مما مرّ من ابن البراج أيضا و مال اليه في الجواهر أيضا.

و اما ما في الغنية حيث قال: «و كذا في الاصناف

الباقية» «4»، و ما في المراسم: «و كذلك في سائر ما تجب فيه الزكاة» «5» فمحتمل لذلك و للقول الثالث، كما لا يخفى.

و يمكن ان يستدل لهذا القول بالتعليل الواقع في الخبرين، بتقريب كون مفاده أقلّ ما يجب دفعه الى الفقير هو الاقل فرضا في كل شي ء. اذا الاقل منه ليس زكاة، و الواجب دفعه يجب ان يكون مصداقا للزكاة المفروضة. فالخمسة دراهم في الخبرين ذكرت من باب المثال.

و اما القول الثالث الذي جعله في المسالك اجود فهو الظاهر عندي من الخبرين. اذ

______________________________

(1)- المسالك 1/ 62.

(2)- راجع كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 188.

(3)- الجوامع الفقهية/ 83.

(4)- الجوامع الفقهية/ 568.

(5)- الجوامع الفقهية/ 643.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

الزكاة في قوله: «لا يعطى احد من الزكاة» و نحوه مطلق يعم زكاة النقدين و غيرهما. و ليس قوله: «خمسة دراهم» قرينة على اختصاص الحكم بزكاة النقدين. فان التقدير في جميع الاشياء قد تعارف بالدنانير و الدراهم، كما هو المتعارف في اعصارنا أيضا حيث يقدرون الاشياء كلها بالأثمان المتعارفة. و ليس مقتضى ذلك وجوب اخراج القيمة أو استحبابه على ما في المسالك. اذ المراد بخمسة دراهم مقدارها، و قد اخذت لا بشرط. فمن اعطى شاة فقد اعطى مقدار خمسة دراهم قطعا، حيث ان الشاة في تلك الاعصار كانت تساوى عشرة دراهم. و هكذا التبيع، و الابل، و نصف الوسق من الغلّات. فخمسة دراهم أقلّ المقدرات المفروضة بعنوان الزكاة. فالمقصود من الخبرين تعيّن إعطاء مقدار خمسة دراهم عينا أو قيمة و لا يجزى الاقل، فانها أقلّ ما فرضه اللّه بعنوان الزكاة. و قد اختار هذا الاحتمال الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه في حاشيته على العروة

حيث قال: لا يترك بعدم النقصان عن خمسة دراهم مطلقا عينا أو قيمة»، فتدبر.

[لو فرض ان ما عنده أقلّ من خمسة دراهم]

الرابع: لو فرض ان ما عنده أقلّ من خمسة دراهم، كما اذا حال الحول على النصاب الثاني من النقدين بعد ما ادى فريضة النصاب الاول، أو وجب عليه شاة لا تساوي خمسة دراهم، اكتفى بدفع ما عنده من غير كراهة و لا تحريم. و وجهه واضح.

اكثر ما يعطى الفقير

فاما المسألة الثانية، اعني التحديد في ناحية الاكثر فقد عرفت ان الاقوال فيها عند فقهاء السنة ثلاثة:

الأوّل: تعين الاعطاء دون حد الغنى. و هو احدى الروايتين عن احمد.

الثاني: جواز الاعطاء بمقدار الغني. و به قال أكثرهم.

الثالث: جواز الاعطاء فوق حد الغنى كالألف و الاكثر اذا كان محتاجا اليه. و به قال اصحاب الرأي كما في المغني «1» و لا يخفى ان حد الغنى عند احمد هو ان يملك خمسين درهما،

______________________________

(1)- المغني 2/ 524.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 336

..........

______________________________

و عند اصحاب الرأي ان يملك مأتي درهم.

و اما اصحابنا فالمشهور عندهم انه لا حدّ للأكثر. فيجوز ان يغنيه بالغنى العرفي مطلقا.

و هو مقول بالتشكيك، فيشمل ما فوق الكفاية أضعافا مضاعفة.

و قد مرّ عن ابن ادريس جواز ان يعطى الف قنطار، و عن المراسم: «يجوز ان يعطى الفقير غناه و يزاد على ذلك» «1»، و عن التذكرة: «جواز ان يعطى اكثر من غناه دفعة» «2»، و عن المنتهى: «ما يغنيه و ما يزيد على غناه و هو قول علمائنا اجمع» «3».

و لم يفرق المشهور في كلماتهم بين المتكسب و غيره، و لا بين واجد الشي ء و فاقده، و هو المختار للمصنف أيضا. و اختار بعض المتأخرين عدم جواز الزيادة عن مئونة السنة مطلقا.

و هو الأحوط. فيحمل الغنى في الاخبار و بعض الفتاوى على الغنى الشرعي، أعني ملك مئونة السنة.

و هنا قول

ثالث فصل بين المتكسب و غيره: ففي البيان: «و يأخذ الفقير و المسكين غناهما دفعة، و ذو التكسب القاصر على خلاف. و قيل يأخذ التتمة. و هو حسن. و ما ورد في الحديث من الاغناء بالصدقة محمول على غير المتكسب» «4».

و في المنتهى: «لو كان معه ما يقصر عن مئونته و قوته و قوت عياله حولا جاز له اخذ الزكاة، لأنه محتاج و لا يتقدر بقدر. و قيل انه لا يؤخذ زائدا عن تتمة المؤونة حولا. و ليس بالوجه» «5». فلعل هذا القول المحكى في المنتهى بضميمة ما مرّ منه من الاجماع يكون تفصيلا بين واجد الشي ء و فاقده.

و كيف كان فاستدل للقول المشهور- مضافا الى الاجماع المحكى في المنتهى و غيره، و اطلاق ادلة ايتاء الزكاة- باخبار كثيرة مستفيضة: كصحيحة سعيد بن غزوان، عن ابي

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 643.

(2)- التذكرة 1/ 244.

(3)- المنتهى 1/ 528.

(4)- البيان/ 193.

(5)- المنتهى 1/ 518.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 337

..........

______________________________

عبد اللّه «ع» قال: سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ قال: «اعطه من الزكاة حتى تغنيه» «1».

و صحيحته الأخرى، عنه «ع» قال: «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه» «2». و المظنون اتحادهما.

و موثقة اسحاق بن عمّار، عن ابي الحسن موسى «ع» قال: قلت له: اعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال: نعم و زده. قلت: اعطيه مأئة؟ قال: نعم و اغنه ان قدرت ان تغنيه «3».

و خبر اسحاق بن عمّار، قال: قلت: لأبي عبد اللّه «ع»: اعطى الرجل من الزكاة مأئة درهم؟ قال: نعم. قلت: مأتين؟ قال: نعم. قلت: ثلاثمائة؟ قال: نعم. قلت: أربعمائة؟

قال: نعم. قلت: خمسمائة؟ قال: نعم حتى تغنيه «4».

و موثقة عمّار بن موسى، عن ابي عبد

اللّه «ع» انه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟

قال: قال ابو جعفر «ع»: اذا اعطيت فاغنه «5».

و عن المقنعة عن ابي جعفر «ع»: انه قال: اذا اعطيت الفقير فاغنه «6».

و خبر زياد بن مروان، عن ابي الحسن موسى «ع» قال: اعطه الف درهم «7».

و مرسلة بشر بن بشار، قال: قلت للرجل، يعني ابا الحسن «ع»: ما حدّ المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف. ثم قال: أو عشرة آلاف. و يعطى الفاجر بقدر. لان المؤمن ينفقها في طاعة اللّه، و الفاجر في معصية اللّه «8».

و «بشر» من اصحاب ابي الحسن الهادي- عليه السلام- و حاله مجهول.

و تقريب الاستدلال بهذه الاخبار ان الظاهر من الغني فيها هو المعنى اللغوي و العرفي منه. و هي حقيقة ذات مراتب. و اطلاقه يشمل جميعها. مضافا الى ان اطلاق المقادير المذكورة في الروايات يشمل كونها بقدر مئونة السنة، أو ازيد. بل الظاهر في مثل ثلاثة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(7)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(8)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 338

..........

______________________________

آلاف، أو عشرة آلاف كونها ازيد منها. كما ان اطلاقها و اطلاق كلمات الاصحاب يشمل المتكسب و غيره،

و واجد شي ء و فاقده.

و قد تؤيد هذه الروايات بصحيحة ابي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» ان شيخا من اصحابنا يقال له عمر سأل عيسى بن اعين و هو محتاج، فقال له عيسى بن اعين: اما ان عندي من الزكاة و لكن لا اعطيك منها، فقال له: و لم؟ فقال: لأني رأيتك اشتريت لحما و تمرا، فقال: انما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما و بدانقين تمرا، ثم رجعت بدانقين لحاجة. قال: فوضع ابو عبد اللّه «ع» يده على جبهته ساعة، ثم رفع رأسه، ثم قال: ان اللّه نظر في اموال الاغنياء، ثم نظر في الفقراء فجعل في اموال الاغنياء ما يكتفون به. و لو لم يكفهم لزادهم. بلى، فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج «1». اذ ليس فيها اسم للسنة. فتدل باطلاقها على جواز اعطاء مقدار الاكتفاء لسنين متعددة و ان ظهر منها عدم جواز الاعطاء لما فوق الكفاف.

و في المستمسك انها غير ظاهرة في سهم الفقراء. و فيه ان ذكر الفقراء في قبال الاغنياء في الرواية ربما يستفاد منه كون المعطى من سهم الفقراء.

و توهم عدم جواز اعطاء مقدار الحج و التصدق من سهم الفقراء مدفوع بان الفقير يعطى مقدار مئونته العرفية بحيث يعيش كسائر الناس. و الحج و التصدق المتعارفان يعدّان من المؤونة عرفا. ألا ترى استثناء هما من غنائم السنة و ارباحها بقوله: الخمس بعد المؤونة، فتأمّل. هذا.

و في قبال هذه الروايات اخبار يستفاد منها عدم جواز الاعطاء إلّا لمئونة السنة.

منها صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم و له عيال،

و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، و يأخذ الزكاة؟ قال: لا. بل ينظر الى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 41 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 339

..........

______________________________

و نحوها موثق سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» و فيه: «اذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله» «1» و موثق هارون بن حمزة، عنه «ع» فيمن له بضاعة لا يكفيه ربحها قال «ع»: «فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله» «2».

اذ الظاهر من هذه الاخبار هو الرخصة في اخذ البقية خاصة من الزكاة.

نعم، موردها المحترف و من له بضاعة ما. و من المحتمل الفرق بين ذلك، و بين من لم يجد شيئا، كما مرّ من البيان و ما حكاه في المنتهى مضافا الى ما في المستمسك من ان الامر باعفاء نفسه، أو نفسه و بعض عياله فيها محمول على الاستحباب اجماعا. اذ لا كلام في جواز تناوله من الزكاة لنفسه أيضا. و يشير الى ذلك التعبير بالعفة في موثقة سماعة.

فاستفادة المحدودية في طرف الكثرة من هذه الاخبار لا يخلو من اشكال.

و منها ما دلت على كون المعطى مقدار مئونة السنة. كقول الصادق «ع» في خبر عبد الرحمن بن الحجاج: «فان الناس انما يعطون من السنة الى السنة، فللرجل ان يأخذ ما يكفيه و

يكفي عياله من السنة الى السنة» «3».

و خبر علي بن اسماعيل الدغشي، قال: سألت ابا الحسن «ع» عن السائل و عنده قوت يوم أ يحلّ له ان يسأل، و ان اعطى شيئا من قبل ان يسأل يحل له ان يقبله؟ قال: يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنها انما هي من سنة الى سنة «4».

و في مرسلة حماد بن عيسى الطويلة، عن العبد الصالح «ع» في تقسيم الوالي للزكاة:

«يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فان فضل من ذلك شي ء ردّ الى الوالي ... و كان رسول اللّه «ص» يقسم ... و لكن يقسمها على قدر من يحضره من اصناف الثمانية على قدر ما يقيم (يغنى) كل صنف منهم بقدر سنته» «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 340

..........

______________________________

و منها الاخبار المستفيضة الدالة على ان اللّه فرض للفقراء في اموال الاغنياء ما يسعهم، و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم «1».

اذ يستفاد منها انه- تعالى- لم يجعل لهم ازيد من مقدار حاجتهم. و لو فرض جواز اعطاء الف قنطار مثلا لفقير واحد و عدم المحدودية في جانب الكثرة اصلا لم يكن المجعول بحسب التشريع بنحو يسع جميع الفقراء.

و الانصاف ان دلالة مجموع هذه الاخبار الكثيرة على وجود محدوديّة

ما في جانب الكثرة، بل عدم جواز الاعطاء ازيد من مئونة السنة واضحة غير قابلة للمنع. فيجب حمل الغنى في الطائفة الاولى من الاخبار على الغنى الشرعي المفسر بمؤونة السنة، لا العرفي المقول بالتشكيك بمراتبه حتى يشمل الف قنطار من الذهب مثلا، كما مرّ من السرائر.

و لو سلم فيحمل على الغنى بمعنى الاكتفاء، لا بمعنى اليسار الذي له مراتب فوق حدّ الاحصاء.

و بالجملة ليس ظهور الطائفة الاولى في الغنى بمعنى اليسار بمراتبه بأقوى من ظهور الطائفة الثانية في اعتبار مئونة السنة، بل الثانية اظهر أو صريحة، فيفسّر بها الاولى.

فما في المصباح بعد ذكر الطائفة الثانية من الاخبار من قوله: «و يتوجه على جميع ما ذكر انه لا ينبغي الالتفات الى شي ء من مثل هذه الاشعارات الغير البالغة مرتبة الدلالة في مقابل المعتبرة المستفيضة المتقدمة. و لو سلمت دلالتها على المدعي فغايتها الظهور الغير الناهض لمكافئة تلك الاخبار التي كادت تكون صريحة في جواز دفع الزائد عن مئونته» «2» واضح المنع.

فكيف سمّى «قده» الدلالات الواضحة بالاشعارات؟! و كيف حكم بصراحة الطائفة الاولى؟! مع جعل الملاك في استحقاق الزكاة و عدم استحقاقه في اخبار ابي بصير، و الدغشي، و يونس بن عمّار عدم وجدان مئونة السنة و وجدانه. و هما الملاك في الفقر

______________________________

(1)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب ما تجب فيه الزكاة (باب وجوبها).

(2)- المصباح/ 90.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

و الغنى الشرعيين، كما مرّ شرح ذلك عند تعرض المصنف لهما فراجع.

و الغنى في كلمات القدماء من اصحابنا أيضا يمكن ان يحمل على الغنى الشرعي أو على الكفاية، لا اليسار بمراتبه حتى يشمل مثل الف قنطار.

و قولهم: «ليس لأكثره حدّ» لعلّه بقرينة

المقابلة لحدّ القلة، اعنى خمسة دراهم. يراد به عدم تحديد الكثرة بمقدار خاص و عدد مخصوص كأربعين أو خمسين أو مأتي درهم مما فسر بها الغنى في كلمات فقهاء السنة. و لا يراد به جواز اعطاء آلاف ألوف مثلا لفقير واحد.

و يشهد بذلك قول الصادق «ع» في خبر محمد بن مسلم، أو غيره: «تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم اذا لم يكن له حرفة ... و لا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوت بها عياله» «1».

و بالجملة حيث ان المشهور بين فقهاء السنة كان جواز الاعطاء بقدر الغنى مع تفسيره باربعين أو خمسين أو مأتي درهم اراد الائمة- عليهم السلام- و كذا الفقهاء ردّ هذا المعنى و انه في طرف الكثرة لا يوجد حدّ و لا مقدار مخصوص كما في طرف القلة، بل الملاك حصول الغنى فيحمل على معناه الشرعي أو اللغوي بمعنى الكفاية.

نعم، من ذكر منهم الغنى و ما يزيد عليه، أو فرّق بين الاعطاء دفعة أو دفعات فهو لا محالة يحمل الغنى في الاخبار. على المعنى العرفي منه لا الشرعي.

و كيف كان فالجمع بين الاخبار يقتضي الاقتصار على اعطاء مئونة السنة لا ازيد من دون فرق بين المكتسب القاصر و غيره، و بين واجد شي ء و فاقده، لإطلاق الاخبار و كلمات الاصحاب، كما مرّ. و امّا اجماع المنتهى و غيره على جواز الاعطاء للزياة فمع احتمال كون مدركه ما استظهره بنفسه من الكلمات و الاخبار من ارادة الغنى العرفي بمراتبه يسقط عن الاعتبار قهرا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 342

[الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤونة سنته]

و كذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه

بمؤونة سنته، أو صاحب الضيعة التي لا تفي حاصلها، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤونة سنته.

و لا يلزم الاقتصار على اعطاء التتمّة (1) بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل

______________________________

(1) قد مرّ عن البيان التفصيل بين المتكسب و غيره، فقال: «و ما ورد في الحديث من الاغناء بالصدقة محمول على غير المتكسب» «1».

و في المدارك: «هذا الحمل ممكن إلّا انه يتوقف على وجود المعارض، و لم نقف على نص يقتضيه. نعم، ربما اشعر به مفهوم قوله «ع» في صحيحة معاوية بن وهب: و يأخذ البقية من الزكاة. لكنها غير صريحة في المنع من الزائد» «2».

أقول: مرّ ان اخبار الاغناء، و كذا ما دل على انها من سنة الى سنة و انهم يعطون ما يستغنون به في سنتهم، و كذا كلمات الاصحاب كلها مطلقة لم يفرق فيها بين المكتسب القاصر و بين غيره و ان الجمع بين الاخبار يقتضي الاقتصار على مئونة السنة مطلقا، فراجع.

و في زكاة الشيخ الاعظم بعد تقوية اعطاء التتمة فقط للمكتسب قال ما حاصله:

«لكن الانصاف انه لو قلنا بجواز اعطاء غير المكتسب زائدا على مئونة السنة لم يكن فرق بينه و بين المكتسب، إلّا ان يفرق بينهما بان اغناء غير المكتسب باعطائه مئونة سنتين أو ثلاث سنين لا ينافي كون الزكاة موضوعة لقوت الفقراء، اذ لا فرق في نظر الشارع بين اعطائه مئونة السنة الثانية في السنة الاولى أو في نفس السنة الثانية، بخلاف المكتسب فان فتح باب اعطائه الزائد يوجب جواز ان يأخذ ما يغنيه عن كسبه فلا يجبر على التكسب في بقية السنة الثانية، فانحصر منعه عن التصرف في قوت الفقراء بازيد من مقدار فقره في منعه عن

ازيد من تتمة سنة واحدة حتى يشتغل في كل سنة لبعضها و يؤخذ الزكاة للباقي» «3».

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- المدارك/ 313.

(3)- زكاة الشيخ/ 499.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 343

يجوز جعله غنيا عرفا و إن كان الأحوط الاقتصار (1). نعم، لو أعطاه دفعات لا يجوز- بعد ان حصل عنده مئونة السنة- ان يعطى شيئا و لو قليلا ما دام كذلك (2).

______________________________

(1) لا يترك الاحتياط بالاقتصار على مئونة السنة مطلقا من غير فرق بين المكتسب و غيره. و قد مرّ وجهه.

(2) لصيرورته بذلك غنيا شرعيا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 344

مسائل حول ما يعطى الفقير
[الأمور المحتاج اليها بحسب حاله لا يمنع من اعطاء الزكاة و أخذها]

[مسألة 3]: دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج اليها بحسب حاله- و لو لعزّه و شرفه- لا يمنع من اعطاء الزكاة و أخذها (1)، بل و لو كانت

______________________________

(1) في التذكرة: «لا نعلم فيه خلافا» «1». و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه» «2».

و يدل على ذلك اخبار مستفيضة مذكورة في الباب التاسع من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

ففي موثقة سماعة «قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: نعم، إلّا ان تكون داره دار غلة، فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. فان لم يكن الغلة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقد حلّت له الزكاة. فان كانت غلتها تكفيهم فلا».

و لا يخفى كون الدار و الخادم من باب المثال. فالمراد كل ما يحتاج اليه من مرافق الحياة و التعيش. و لا محالة تختلف ذلك باختلاف الاشخاص و الاعصار و الامكنة.

و في صحيح ابن اذينة، عن غير واحد، عن ابي جعفر و

ابي عبد اللّه «ع» «انهما سئلا عن

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- الجواهر 15/ 318.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 345

متعددة مع الحاجة اليها. و كذا الثياب و الألبسة الصيفية و الشتوية، السفرية و الحضرية و لو كانت للتجمل، و أثاث البيت، من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج اليه، فلا يجب بيعها في المؤونة.

بل لو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها. و كذا يجوز اخذها لشراء الدار و الخادم و فرس الركوب و الكتب العلمية و نحوها مع الحاجة

______________________________

الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل الزكاة؟ قالا: نعم، ان الدار و الخادم ليسا بمال».

و كأن المراد بالمال ما كان يقع عليه التبادل و التعامل و كان يبذل بازائه المال و الدار و الخادم من جهة الاحتياج الى عينهما ليسا مما يتعامل عليهما و يشتري بهما لوازم التعيش حتى يصير الانسان بهما غنيا. و التعليل يسري الى كل ما يحتاج الانسان الى بقاء عينه من لوازم التعيش و الحياة.

و في خبر سعيد بن يسار «قال سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول: تحل الزكاة لصاحب الدار و الخادم. لان ابا عبد اللّه «ع» لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا». و الظاهر ان التعليل من الراوي.

و في خبر على بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر «ع» «قال: سألته عن الزكاة أ يعطاها من له الدابة (المائة- بحار)؟ قال: نعم، و من له الدار و العبد، فان الدار ليس نعدّها مالا».

و في خبر اسماعيل بن عبد العزيز، عن ابيه، قال: «دخلت انا و ابو بصير على ابي عبد اللّه «ع» فقال له ابو بصير ان لنا صديقا (الى ان قال:) و

له دار تسوى اربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقى على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين الى الاربعة سوى علف الجمل، و له عيال أله ان يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم. قال: و له هذه العروض؟

فقال: يا با محمد! فتأمرني ان آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع خادمه الذي يقيه الحر و البرد و يصون وجهه و وجه عياله، أو آمره ان يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته؟ بل يأخذ الزكاة، فهي له حلال. و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله». و بالجملة المسألة واضحة نصا و فتوى.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 346

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 346

اليها (1). نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته- بحسب حاله- وجب صرفه في المؤونة (2)، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه (3).

______________________________

(1) لأنها من النفقة و المؤونة.

(2) اي لا يجوز له اخذ الزكاة مع وجوده و كفايته. و كذا صاحب الدار الزائدة. و اما وجوب صرف الزائد، أو وجوب بيعه فلا وجه له إلّا اذا توقف عليه حفظ النفس او الانفاق الواجب عليه.

(3) الزيادة إما ان تكون منفردة مستقلة، و إما ان تكون جزء من مقدار الحاجة، كما اذا اشتملت الدار على اربعة بيوت مثلا و كفاه ثلاثة، و إما ان تكون الزيادة بحسب القيمة فقط. لا اشكال في عدم جواز اخذ الزكاة في

الصورة الاولى مع كفاية الزيادة و انما الاشكال في الاخيرتين.

قال في التذكرة: «أ: لو كانت دار السكنى تزيد عنه و في بعضها كفاية له ففي بيعه بسبب الزيادة اذا كانت قيمتها تكفيه حولا اشكال. ب: لو كانت حاجته تندفع باقل منها قيمة لم يكلف بيعها و شراء الادون. و كذا في العبد و الفرس» «1».

و في المدارك: «و لو كانت دار السكنى تزيد عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة حولا و امكنه بيعها منفردة فالاظهر خروجه بذلك عن حدّ الفقر. اما لو كانت حاجته تندفع باقل منها قيمة فالاظهر انه لا يكلف بيعها و شراء الادون، لإطلاق النص، و لما في التكليف بذلك من العسر و المشقة. و به قطع في التذكرة. قال و كذا الكلام في العبد و الفرس» «2».

أقول: قد عرفت ان الصور ثلاث. ففي الاولى، اعنى ما اذا كان الزائد مستقلا منفردا و لو مثل البناء العالي و السافل المستقلين- كما في اعصارنا- لا اشكال في الحكم.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- المدارك/ 313.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 347

بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة، فالأحوط بيعها (1) و شراء الأدون. و كذا في العبد، و الجارية، و الفرس.

[إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه]

[مسألة 4]: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه، كما لو كان قادرا على الاحتطاب و الاحتشاش غير اللائقين بحاله، يجوز له أخذ الزكاة (2). و كذا إذا كان عسرا و مشقّة من جهة كبر أو مرض أو ضعف

______________________________

و اما في الاخيرتين- و لا سيما الاخيرة- فوجوب افراز الزائد، أو تبديل اصل العين غير واضح، بل الظاهر عدم الوجوب إلّا اذا خرجت الزيادة العينية، أو زيادة القيمة عن المتعارف بحيث

يعدّ الإبقاء اسرافا و يخطّئه العقلاء في عمله. فلو فرض ان داره أوسع من دار جاره، أو كانت في وسط البلد و قريبة من مرافقها فتكون ازيد قيمة فهل يجوز لنا ان نحكم عليه بتبديلها بدار بعيدة أو كانت له امة جميلة، أو فاضلة فهل يحكم عليه بوجوب تبديلها بالأدون منها؟ نعم، لو فرض الاحتياج الى داره لبناء معمل تجاري مثلا و صارت قيمتها ازيد من دار مثلها قريبة منها بأضعاف مضاعفة بحيث يخطئه العقلاء في عدم التبديل ففي مثله لا يصدق على هذا الشخص انه فقير محتاج.

(1) قد مرّ آنفا عدم الوجوب إلّا في ما اذا عدّ عدم التبديل اسرافا منه. ثم الاولى التعبير بعدم جواز اخذ الزكاة لا وجوب البيع، اذ لا وجه له كما مرّ إلّا مع توقف حفظ النفس أو الانفاق الواجب عليه.

(2) قال في المصباح: «و اما القدرة على الكسب و الصنعة الغير اللائقين بحاله فليست مانعة عن تناولها جزما، فلا يكلف الرفيع ببيع الحطب و الحرث و الكنس و خدمة من دونه في الشرف و اشباه ذلك مما فيه مذلة في العرف و العادة، فان ذلك اصعب من بيع خادمه و داره الذي قد سمعت في خبر اسماعيل المتقدم التصريح بعدم لزومه مع ما فيه من الحرج المنفي بادلتها» «1».

أقول: ما ذكره صحيح في الجملة.

______________________________

(1)- المصباح/ 88.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 348

فلا يجب عليه التّكسب حينئذ (1).

[إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها]

[مسألة 5]: إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات، أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة (2).

______________________________

و لكن ليعلم ان كثيرا من الشئون من الامور الموهومة، التي يخطّؤها العقل و العقلاء.

و قد

توهّمها ضعفة النفوس و جعلوها اغلالا على انفسهم! أ لم يكن النبي «ص» و امير المؤمنين و الائمة- عليهم السلام- من الشرفاء؟ و قد ورد ان امير المؤمنين- عليه السلام- اعتق الف مملوك من كدّ يده، و ان ابا الحسن، موسى بن جعفر «ع» كان يعمل في ارض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقيل له اين الرجال؟ فقال: قد عمل باليد من هو خير مني و من ابي في ارضه. فقلت: و من هو؟ فقال: رسول اللّه «ص» و امير المؤمنين «ع» و آبائي كلهم كانوا قد عملوا بايديهم، و هو من عمل النبيين و المرسلين و الاوصياء و الصالحين.

و في رواية الشيباني، قال: رأيت ابا عبد اللّه «ع» و بيده مسحاة و عليه إزار غليظ يعمل في حائط له، و العرق يتصابّ عن ظهره، فقلت جعلت فداك: أعطني أكفك فقال: اني احبّ ان يتأذّى الرجل بحرّ الشمس في طلب المعيشة.

و في صحيحة هشام بن سالم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: كان امير المؤمنين «ع» يحتطب و يستقي و يكنس، و كانت فاطمة تطحن و تعجن و تخبز. الى غير ذلك من الأخبار، فراجع «1».

(1) وجهه واضح بعد فرض كونه عسرا و مشقة. و ليس المراد بالقدرة في قوله «ع»:

«لا يحل له ان يأخذها و هو يقدر على ان يكف نفسه عنها» «2» القدرة العقلية، بل العادية العرفية. كيف؟ و صاحب الدار و الخادم و الغلام و الجمل يقدر عقلا على ان يكف نفسه عنها و مع ذلك جاز له ان يأخذ الزكاة، كما مرّ.

(2) لصدق الفقير عليه. و مع فقد الآلات جاز اخذها لكل من الآلة أو المؤونة إلّا اذا كان احدهما

انفع لبيت المال و أقلّ ضررا له، فالاحوط تقديمه حينئذ.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 12، الباب 9 و ما بعده من أبواب مقدمات التجارة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 349

[إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة]

[مسألة 6]: إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة، ففي وجوب التعلّم (1) و حرمة أخذ الزكاة بتركه اشكال (2)؛ و الأحوط التعلّم و ترك الأخذ بعده.

نعم ما دام مشتغلا بالتعلّم لا مانع من أخذها (3).

[من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلّا في يوم]

[مسألة 7]: من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلّا في يوم أو

______________________________

(1) لا دليل على وجوب التعلم إلّا اذا توقف عليه الواجب من حفظ النفس أو الانفاق الواجب، كما مرّ نظيره.

(2) قد مرّ ان الفقير الشرعي في مقابل الغنى الشرعي، و ان الغني الشرعي من يملك مئونة سنته إما بالفعل أو بالقوة، و ان للقوة ثلاث مراتب: قريبة و متوسطة و بعيدة. فالقريبة هو المحترف الشاغل بالفعل، و المتوسط هو العالم بالحرفة غير الشاغل تكاسلا، و البعيدة الجاهل بها مع التمكن من تعلمها بمراتبه. و قلنا ان المحترف الشاغل بالشغل الكافي لا يجوز له الاخذ بلا اشكال و ان اختار ابو حنيفة الجواز اذا لم يملك فعلا مقدار النصاب.

و استظهرنا في المحترف التارك تكاسلا أيضا عدم الجواز، و قد نسب الى المشهور أيضا، و جعله المصنف احوط. و خالف فيه صاحب الجواهر و ذكرنا ادلة الطرفين بالتفصيل. فعلى قوله يجوز الاخذ في المقام أيضا، بل بطريق اولى. فهو على مبناه في سعة في هذه المسألة و المسألتين التاليتين.

و اما على ما قلناه من جعل الملاك قوله- عليه السلام- في صحيحة زرارة: «لا يحل له ان يأخذها و هو يقدر ان يكف نفسه عنها» «1»، ففي المقام أيضا يشكل الاخذ، بل لا يبعد عدم الجواز اذا سهل التعلم و قلّ زمانه، لتحقق القدرة عرفا.

(3) لو صدق عرفا انه يقدر ان يكف نفسه عنها و

لو بالاستدانة بلا منّة لسهولة الوفاء بعد التعلم مع قرب المدة فجواز الاخذ مشكل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 350

اسبوع مثلا (1) و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة، فتركه و بقى طول السنة لا يقدر على الاكتساب، لا يبعد جواز أخذه (2) و إن قلنا انّه عاص (3) بالترك في ذلك اليوم أو الاسبوع، لصدق الفقير عليه حينئذ.

______________________________

(1) كمن شغله التطويف في ايام الحج مثلا أو الصيد في شهر خاص من السنة.

(2) يشكل الاخذ لمن كان بناؤه على ذلك. نعم، لو اتفق له ذلك صدقة جاز له الأخذ.

(3) العصيان فرع الوجوب. و قد مرّ الاشكال فيه إلّا اذا توقف الواجب كحفظ النفس مثلا عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 351

هل يجوز لطالب العلم اخذ الزكاة؟

[مسألة 8]: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة إذا كان ممّا يجب تعلمه عينا أو كفاية، و كذا إذا كان ممّا يستحب تعلمه كالتفقّه في الدين اجتهادا أو تقليدا (1).

______________________________

(1) هل يجوز له اخذ الزكاة مطلقا، كما هو الاقوى و سيأتي بيانه، أو لا يجوز مطلقا، أو يفصل بين العلم الواجب و غيره، أو بين الواجب عينا و غيره، أو بين الواجب أو المستحب و بين غيرهما؟ وجوه، بل لعلها اقوال:

قال في المنتهى: «و لو كان التكسب يمنعه من التفقه فالوجه عندي جواز اخذها، لأنه مأمور بالتفقه في الدين اذا كان من اهله» «1». و قوله: «مأمور به» و ان كان ظاهرا في الوجوب و لكن يمكن حمله على الاعم منه و من الندب، اذ ليس التفقه واجبا على كل من

يقدر.

و في التحرير: «لو كان كسبه يمنعه عن التفقه في الدين فالاقرب عندي جواز اخذها» «2».

و في الدروس: «و لو اشتغل بالفقه و محصّلاته عن التكسب جاز الأخذ» «3».

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 519.

(2)- التحرير 1/ 68.

(3)- الدروس/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 352

..........

______________________________

و في البيان في بيان من يعطى من الزكاة: «و ذو الحرفة و الصنعة اذا قصرا عن حاجته أو شغلاه عن طلب العلم على الاقرب» «1».

و في الروضة: «و لو اشتغل عن الكسب بطلب علم ديني جاز له تناولها و ان قدر عليه لو ترك». «2»

و الظاهر من الجميع عدم الفرق بين العلم الواجب و المستحب. نعم، ظاهرهم الاقتصار على الفقه و العلوم الدينية فقط، مع ان غيرها كالطّب و غيره أيضا قد يجب و لو كفاية.

و عن نهاية الإحكام: «لو كان لا يتأتى له تحصيل العلوم لبلادته لم تحلّ له الزكاة مع القدرة على التكسب. و كذا لو اشتغل بنوافل العبادة ...» «3».

و المصنف اخذ هذه المسألة عن المستند، و تبعه في تقسيم العلم الى ثلاثة اقسام و التفصيل بين الواجب أو المستحب و بين غيرهما. ففي المستند بعد الحكم بجواز الاخذ لمن اشتغل بالعلم الواجب، و عدم الجواز لمن اشتغل بما لا يجب و لا يستحب قال: «و ان كان يستحب كالتفقه في الدين تقليدا أو اجتهادا فظاهر الذخيرة عدم جواز الاخذ. و هو ظاهر حواشي القواعد للشهيد الثاني. و عن التحرير و المنتهى و الدروس و البيان و الروضة و المسالك و حواشي النافع للشهيد الثاني و المهذب جوازه. و هو الاقرب، للأمر به و لو استحبابا المستلزم لطلب ترك الحرفة المستلزم لجواز اخذ الزكاة. و كذا مقدمات علم التفقه»

«4».

و ردّ عليه الشيخ الاعظم في زكاته. و الاولى نقل كلامه بطوله. قال: «لاشكال في حرمة الاخذ حال القدرة على التكسب إلّا اذا ترك التكسب للاشتغال بامر واجب و لو كفاية كتحصيل علم. و يحتمل تعين الواجب الكفائي على من لا يحتاج الى الكسب، لان المحتاج اليه مشغول الذمة بواجب عيني. و لو كان طلب العلم مما يستحب في حق الطالب فالظاهر انه لا يسوغ ترك التكسب كما في سائر المستحبات، لصدق الغني و المحترف

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- الروضة 2/ 45.

(3)- مفتاح الكرامة 3/ 135 (كتاب الزكاة).

(4)- المستند 2/ 45.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 353

..........

______________________________

و القادر على ما يكف نفسه عن الزكاة. و الإذن في طلب العلم، بل الامر الاستحبابي به لا يوجب الاذن في ترك التكسب. بل طلب تركه المستلزم لجواز اخذ الزكاة- كما عن بعض مشايخنا المعاصرين- لا وجه له. اذ بعد عمومات تحريم الزكاة على القادر على التكسب يصير واجبا لأجل حفظ نفسه و عياله. فلا يزاحمه استحباب ذلك، لان المستحب لا يزاحم الواجب اجماعا. و دعوى ان تسليم حرمة الاخذ المستلزم لوجوب التكسب مبنى على تقدم ادلّتها على ادلة استحباب ذلك المستحب، لم لا يجوز العكس؟ مدفوعة اجمالا بان المقرر في محله ان استحباب المستحب لعموم دليله لا يزاحم عموم وجوب الواجبات ...» «1».

أقول: الاقوى كما يظهر من المصباح أيضا جواز اخذ المشتغل بالعلم النافع غير المحرم، و ان فرض عدم وجوبه و لا استحبابه، و حصر العلم النافع في العلوم الدينية بعيد ممن توجّه الى احتياجات البشر، و لا سيما في العصر الحاضر.

و قد حرّر المسألة في المصباح و بيّنها بوضوح، فلنذكر حاصل ما ذكره بتوضيح و تعقيب منّا.

قال «قده» بعد نقل كلام الشيخ الاعظم ما محصله: «لا يخفى عليك ان حفظ النفس لا يتوقف على خصوص الاكتساب، فضلا عن كونه بمقدار يخرجه عن حدّ الفقر، فانه يكفي في حفظ النفس تحصيل قوت يسدّ به رمقه. سواء كان بالاكتساب، أو الاستدانة، أو الاستعطاء من الاصدقاء و الاقارب، أو الالتقاط من حشيش الارض، أو ببيع داره و غيرها. فلا يتنجز عليه التكليف بخصوص الاكتساب مقدمة لحفظ نفسه إلّا اذا علم بكون الاخلال به موجبا لتلفها. و متى احرز ذلك لم يجز له الاشتغال بالواجبات العينية أيضا فضلا عن الكفائية. و اما من لم يحرز ذلك و كان عنده مقدار ما يسدّ به رمقه فيجوز له ترك التكسب و الاشتغال بالاعمال المباحة، فضلا عن المستحبة و لا سيما تحصيل العلوم الدينية. و ليس يختص وجوب التفقه أو استحبابه بالاغنياء و الفقراء العجزة فقط. فاذا ترك القادر على الاكتساب كسبه، و قنع باقل القوت، و صبر على الفاقة، و اشتغل بتحصيل العلوم و تهذيب الاخلاق و العمل بالآداب الشرعية فقد زهد في دنياه و فاز في آخرته. فهذا

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 499.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

مما لا مجال للارتياب في رجحانه.

و لكن لا ملازمة بينه و بين جواز اخذ الزكاة، اذ لا ينفي ذلك قدرته على الاكتساب كي يحل له اخذ الصدقة. فيصير حاله كحال كثير من الفقراء المشتغلين بالعلم الذين لا يعطيهم احد شيئا من الزكاة و مع ذلك لا يموتون من الجوع. هذا.

و لكن لمانع ان يمنع اطلاق مانعية القدرة على التكسب عن اخذ الزكاة على وجه يتناول المقام، إذ لا يراد بالقدرة في قوله: «و هو يقدر ان يكف نفسه عنها»

القدرة العقلية، و إلّا لم يجز اخذها لصاحب الدار و الغلام و الجارية و الجمل. بل المراد كونه بالفعل مع الوضع العقلائي الذي انتخبه لنفسه من الاشغال الإنتاجية أو العلمية المتعارفة عند العقلاء متمكنا من القيام بنفقته و نفقة من يعوله بحيث يراه العرف غنيّا أو بحكمه.

فمثل طلبة العلم الذين جعلوا شغلهم التحصيل للعلوم النافعة غير المحرمة شرعا اذا قصر ما لهم عن مئونتهم غير مندرجين في هذا الموضوع.

و قدرتهم على ان يكفّوا انفسهم عن الزكاة باشتغالهم بالكسب بعد ما اتخذوا تحصيل العلم حرفة لأنفسهم كقدرة ارباب الحرف التي يقصر ربحهم على تغيير الكسب و اتخاذ حرفة اخرى، غير ملحوظة لدى العرف في اعتبار الغنى و الفقر» «1».

و اما القادر على الكسب التارك له تكاسلا بلا عذر عقلائي و اشتغال علمي فيعدّ قادرا عرفا على ان يكف نفسه عن الزكاة.

فالموضوع للمنع، القدرة العرفية للشخص مع وضعه الفعلي العقلائي المستحسن عندهم.

و نظير طالب العلم من جعل نفسه وقفا لخدمة المساجد و المعابد و الخدمات الاجتماعية و الرفاهية و نحو ذلك. فانهم مع كون أشغالهم أشغالا مستحسنة محترمة لدى العقلاء لو احتاجوا مع الوضع الفعلي في معيشتهم جاز لهم اخذ الزكاة و الخمس قطعا.

و بالجملة الفقر و الغنى يعتبران بلحاظ الوضع المشروع العقلائي الفعلي الذي انتخبه الانسان لنفسه بحسب ذوقه و سليقته.

______________________________

(1)- المصباح/ 89.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 355

و إن كان ممّا لا يجب و لا يستحب كالفلسفة و النجوم و الرياضيّات و العروض و العلوم الأدبية (1) لمن لا يريد التفقّه في الدين (2) فلا يجوز أخذه.

______________________________

هذا كله على فرض كون الاداء بلحاظ الفقر. و اما اعطاؤه من سهم سبيل اللّه فلا اشكال فيه اذا

كان العلم راجحا شرعا، بناء على كون المراد به كل قربة. كما انه لا اشكال في المسألة على مبنى صاحب الجواهر من جواز الاعطاء لتارك الشغل و لو تكاسلا، كما مرّ منه، فتدبر.

و في المستمسك فصّل بين وجوب الاشتغال بالعلم عليه عينا و بين غيره. قال ما حاصله: «لان الوجوب كذلك يوجب صدق كونه غير قادر على ان يكف نفسه عنها، اذ المراد من القدرة ما يعم القدرة الشرعية. و لذا يجوز اخذها لمن لا يقدر على المال الحلال و ان كان يقدر على المال الحرام. و مجرد الاستحباب فضلا عن الاباحة غير كاف في سلب القدرة» «1». و قد ظهر مما ذكرنا الجواب عما ذكره.

و اما القول بالمنع مطلقا فوجهه إما حمل القدرة على التكوينية فقط و المفروض وجودها لطالب العلم و اما لكون حفظ النفس اهم، فيقدّم على العلم الواجب أيضا، فيثبت قهرا القدرة على الكسب تكوينا و شرعا.

و كيف كان فالمشتغل بالعلوم و لا سيما الدينية منها يجوز له اخذ الزكاة قطعا ما دام مشتغلا بها مع الاحتياج. و اللّه العالم.

(1) في اكثر الامثلة مناقشة. فانها علوم نافعة للبشر، بل كثير منها مبتلي بها في تحكيم المعارف الاسلامية، و كذا في نظام الحياة الاجتماعية، فعدم الاعتناء و الاهتمام بها بعيد، و لا سيما من صاحب المستند الذي كان هو بنفسه اهلا لها و مستفيدا منها. و المصنف اخذ العبارة و الامثلة من المستند «2».

(2) يظهر منه حصر وجوب المقدمة أو استحبابها فيما اذا اتى بها بقصد الايصال، لا مطلقا.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 227.

(2)- المستند 2/ 45.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 356

هل يجوز لمن شك في كفاية ما بيده اخذ الزكاة؟

[مسألة 9]: لو شك في انّ ما بيده كاف لمئونة سنته

أم لا (1) فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ، و مع سبق العدم و حدوث ما يشك في كفايته (2) يجوز، عملا بالأصل في الصورتين.

______________________________

(1) للشك في بقاء ماله كما كان، أو تلف بعضه، أو احتمال الغلاء في لوازم الحياة فيما يأتي الى آخر السنة، أو كثرة العائلة و الاضياف فيما يأتي، أو غير ذلك. و الاستصحاب حجة مطلقا و لو بالنسبة الى الآتية، و لو رجع في بعض الصور الى الشك في المقتضى.

(2) كاحتمال كفاية ما ملكه جديدا بضميمة ما عنده و كموت بعض العائلة، أو خروجه عن عيلولته، أو احتمال سقوط القيمة في لوازم الحياة، أو موت بعض الأرحام و الوراثة منه فيما يأتي الى آخر السنة، أو غير ذلك.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 357

هل يقبل قول من ادعى الفقر؟
اشارة

[مسألة 10]: المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، و إن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين، و مع سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء (1) إلّا مع الظنّ بالصدق خصوصا في الصورة الاولى.

[كلمات الأصحاب في المسألة]

______________________________

(1) في الشرائع: «و لو ادعى الفقر فان عرف صدقه أو كذبه عومل بما عرف منه.

و ان جهل الامران اعطى من غير يمين، سواء كان قويا أو ضعيفا. و كذا لو كان له اصل مال. و قيل بل يحلف على تلفه» «1».

و في المدارك- في شرح قوله: «و ان جهل الامران»-: «هو المعروف من مذهب الاصحاب، بل ظاهر المعتبر و العلامة في جملة كتبه الثلاثة انه موضع وفاق» «2».

و في الجواهر: بلا خلاف معتدّ به اجده فيه» «3».

و في الحدائق: «و ان جهل حاله فالمشهور، بل ظاهرهم الاتفاق عليه انه يصدق في دعواه و لا يكلف يمينا و لا بيّنة» «4».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 160.

(2)- المدارك/ 313.

(3)- الجواهر 15/ 320.

(4)- الحدائق 12/ 163.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

أقول: الظاهر ان المسألة ليست من المسائل الاصلية المأثورة عن الائمة- عليهم السلام- بل من المسائل التفريعية الاستنباطية. و لذا لا تجدها في الكتب الموضوعة لنقل المسائل المأثورة كالنهاية و المقنعة و الهداية و المقنع و المراسم و الغنية و نحوها. و انما تعرض لها الشيخ في خلافه و في مبسوطه الموضوع للتفريعات على ما صرح به في اول المبسوط. و قد ذكرنا غير مرة عدم حجيّة الإجماع و الاتفاق في هذا السنخ من المسائل المستنبطة من القواعد و الاصول باعمال النظر، نظير المسائل العقلية النظرية. فاتمام المسألة من طريق الاجماع و الاتفاق فضلا عن الشهرة

مشكل.

و العجب من صاحب الحدائق مع انكاره لحجية الاجماع من رأس ذكر من ادلة المسألة هنا اتفاق الاصحاب على الحكم، فراجع.

و كيف كان ففي الخلاف (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 12): «اذا طالب من ظاهره القوة و الفقر، و لا يعلم انه قادر على التكسب اعطى من الزكاة بلا يمين. و للشافعي فيه قولان: احدهما مثل ما قلناه، و الثاني انه يطالب بالبينة على ذلك. دليلنا ما قلناه في المسألة الاولى سواء» «1».

و في المسألة 11 قال: «دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم» 2. و لكن لا ربط لتلك المسألة بمسألتنا.

و المعتاد من الشيخ ارجاع احدى المسألتين الى الاخرى اذا كانتا متناسبتين، و كأنهما شقا مسألة واحدة. فمن المحتمل سقوط مسألة هنا، فقد كان قبل مسألتنا هذه مسألة مطالبة الشخص الذي ظاهره الضعف، ثم عنون هنا مطالبة من ظاهره القوة.

و في المبسوط: «فالفقراء و المساكين اذا ادعى انسان انه منهم و طلب ان يعطى من الصدقة فان لم يكن عرف له مال فالقول قوله و يعطى من غير بينة و لا استحلاف، لان الاصل عدم المال. و ان عرف له مال و ادّعى ذهابه و تلفه لم يقبل قوله إلّا ببينة، لان الاصل بقاء المال» «3».

______________________________

(1) (1- 2)- الخلاف 2/ 350.

(3)- المبسوط 1/ 253.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 359

..........

______________________________

و فيه أيضا: «اذا جاء رجل الى الامام أو الساعي و ذكر انه لا مال له و لا كسب و سأله ان يعطيه شيئا من الزكاة فان عرف الامام صدقه اعطاه. و ان عرف كذبه لم يعطه.

و ان جهل حاله نظر، فان كان جلدا في الظاهر اعطاه. و قيل انه يحلف لأنه يدعي امرا يخالف الظاهر. و قيل

انه لا يحلف و هو الاقوى. و اما اذا كان ضعيفا في الظاهر فانه يعطيه من الصدقة و لا يحلفه، لان الظاهر موافق لما يدعيه. فان ادعى هذا السائل انه يحتاج الى الصدقة لأجل عياله فهل يقبل قوله؟ قيل فيه قولان: احدهما يقبل قوله بلا بينة. و الثاني لا يقبل إلّا ببينة، لأنه لا يتعذر. و هذا هو الاحوط. هذا فيمن لا يعرف له اصل مال، فاذا عرف له اصل مال فادعى انه تلف و انه محتاج لا يقبل قوله إلّا ببينة، لان الاصل بقاء المال» «1».

و قد تعرض للمسألة في المعتبر و التذكرة و المنتهى و المختلف بالتفصيل، فراجع «2».

و مما في المنتهى قوله: «و لو ادعى المريض أو الشيخ أو الشاب الذي هو ضعيف البنية للعجز عن الحركة و الاكتساب قبل قوله اجماعا، لأنه يدعى ما يشهد له الظاهر بصدقه».

و ظاهره كون المراد بالإجماع اجماع المسلمين. و كأنه يظهر من الكلمات التسالم على قبول الدعوى اجمالا في الضعيف بالنسبة الى نفسه مع عدم سبق المال، و كأنهم متفقون في هذه الصورة.

و انما الخلاف فيمن سبق له المال، و في القويّ، و فيمن طالب الصدقة لعياله. هذا.

و في المقنع لابن قدامة: «ان ادعى الفقر من عرف بالغنى لم يقبل قوله إلّا ببينة، و ان ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله، لان الاصل عدم الغنى «3».

[استدلوا لقبول الدعوى بوجوه]

فاذا عرفت بعض الكلمات في المقام فنقول استدلوا لقبول الدعوى بوجوه كثيرة.

الاول: اصالة عدم المال، كما في المبسوط و المنتهى.

و فيه اولا: عدم الاطّراد، لعدم جريانه فيمن كان له مال فادعى تلفه.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 247.

(2)- المعتبر/ 278؛ التذكرة 1/ 231؛ المنتهى 1/ 526؛ المختلف 1/ 185.

(3)- المغني

2/ 706.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

و ثانيا: ان عدم المال و ان كان له حالة سابقة في الازل و لكنه انتقض غالبا، اذ يبعد جدّا عدم تموّل الشخص بمال الى حين ادعائه. و لعل اول مال تموّله كان بحد الغنى.

و ثالثا: ان الموضوع للحكم ليس هو المال و عدمه بل الفقر و الغنى. و اللازم كون مصبّ الاصل ما هو موضوع الحكم. فالأولى تبديله باصالة عدم الغنى.

و رابعا: انه مثبت، فان الفقر ليس صرف عدم المال أو عدم الغنى بالسلب المحصل بل بنحو المعدولة، اذ التقابل بين الغنى و الفقر بالملكة و عدمها عمن من شأنه ان يكون كذلك.

فالغنى من له مال فعلا أو قوة، و الفقير من عدم ذلك مع شأنيته. و من المحتمل أيضا ان يكون الامر بالعكس، فالفقير من في معيشته خلّة، و الغنى بخلافه. و كيف كان فاثبات الفقر باصالة العدم مشكل. نعم، لا يرد هذا الإشكال على من يجعل الاستصحاب امارة، كالقدماء من اصحابنا.

الثاني: اصالة العدالة في المسلم، كما في المعتبر و المنتهى.

و فيه ان العدالة عبارة عن ملكة وجودية محتاجة الى الاثبات، و استصحاب عدم العصيان لا يثبتها. اللّهمّ إلّا ان يمنع ذلك، و تجعل عبارة عن حسن الظاهر، أو يجعل حسن الظاهر امارة لها. و لكن هذا أيضا اخص من المدعى، اذ المدّعى قبول قول المدعى و ان لم يتصف بحسن الظاهر، فتدبر.

الثالث: اصالة الصحة في دعوى المسلم و اخباره. و مرجعه الى اصالة الصحة في عمل المسلم، فان القول من الاعمال أيضا. و استدل بها في التذكرة في رد الشيخ القائل بالاحتياج الى البينة فيمن كان له مال فادعى تلفه.

و فيه ان عمل المسلم لو

كان موضوعا لحكم شرعي لنا فباصالة الصحة في عمله نرتب الاثر الشرعي. كما لو شككنا في صحة عقده و فساده حملناه على الصحة. و لو شككنا في صحة صلاته جاز الاقتداء به.

بل لا تختص الصحة بعمل المسلم، اذ العقلاء يرتّبون على العقود و المعاملات الواقعة بين الناس من ايّ ملّة كانوا آثار الصحة، كما يشهد به سيرتهم في تجاراتهم و معاشراتهم.

و لكن الموضوع للحكم في المقام ليس هو قول المدعى و عمله، بل الفقير، فيجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 361

..........

______________________________

احرازه. ثم ليس صدق المدعى و كذبه صحة و فسادا لدعواه، كما لا يخفى.

الرابع: ان مطالبة المؤمن بالبينة أو اليمين اذلال له، و هو منهى عنه.

و فيه انه لا الزام لنا بمطالبته البينة أو اليمين، بل لا نعطيه إلّا اذا ثبت قهرا استحقاقه و فقره.

الخامس: انه مسلم ادعى ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه، كما في المعتبر و التذكرة.

و بعبارة أخرى: هو مدّع بلا معارض، فيسمع دعواه، كما دل على ذلك خبر منصور بن حازم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه الف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟

قال: للذي ادعاه «1».

و فيه ان الكيس في مفروض الحديث ليس لأحد عليه يد، و ليس في ضمان احد بخلاف المقام، فان الزكاة امانة في يد المالك و هو مأمور بايصاله الى اهله، فيجب عليه احرازه. و قد يقال: ان الكيس في يد الجميع، و منهم المدعى، فاذا سقط ايدي غيره بانكار الملكية حكم بملكية المدعى بمقتضى يده. و لكن الأظهر في الجواب ما قلناه.

السادس: ان

الفقر و الغنى من الحالات التي يتعذر إقامة البينة عليها غالبا، و لا تعرف عادة إلّا من قبل نفس الشخص، نظير دعوى المرأة كونها خلية من الزوج أو الحيض، أو محللة بالزواج بعد التطليق ثلاثا، أو دعوى الانسان اخراج زكاة ماله أو خمسه، أو ابدال النصاب أو بعضه في اثناء الحول، أو كون المال انقص من مقدار الخرص، أو كونه مديونا لزيد مثلا و لم يكذبه غريمه، أو الكتابة و لم يكذبه السيّد، و نحو ذلك فيكون قول الشخص و دعواه حجة في هذه الموارد.

قال في الحدائق: «و قد انهى شيخنا الشهيد الثاني جملة منها تزيد على عشرين موضعا، ثم قال: و ضبطها بعضهم بان كل ما كان بين العبد و بين اللّه و لا يعلم إلّا منه و لا ضرر فيه على الغير، أو ما تعلق به الحدّ أو التعزير» «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 18، الباب 17 من ابواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2)- الحدائق 12/ 167.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 362

..........

______________________________

أقول: ففي خبر ميسر «قال: قلت: لأبي عبد اللّه «ع»: القى المرأة بالفلاة التي ليس فيها احد فاقول لها لك زوج؟ فتقول: لا، فاتزوجها؟ قال: نعم، هي المصدقة على نفسها» «1».

و في خبر الاشعري «قال: قلت للرضا «ع»: الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه ان لها زوجا؟ فقال: و ما عليه؟ أ رأيت لو سألها البينة كان يحد من يشهد ان ليس لها زوج؟» «2».

و في صحيحة بريد بن معاوية ان امير المؤمنين- عليه السلام- امر مصدقه ان يقول لصاحب الاموال: هل للّه في اموالكم من حقّ فتؤدّوه الى وليّه؟ فان قال لك قائل: لا، فلا تراجعه «3» ...

و في صحيحة حمّاد، عن ابي

عبد اللّه «ع» في رجل طلّق امرأته ثلاثا فبانت منه فاراد مراجعتها، فقال لها: اني اريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري، فقالت له قد تزوجت زوجا غيرك و حلّلت لك نفسي، أ يصدق قولها و يراجعها؟ و كيف يصنع؟ قال: اذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها «4». هذا و لكن اشترط قبول الدعوى في هذه الرواية بكونها ثقة. و لعله لاستصحاب عدم التحلّل.

و في الحدائق: «قال بعض مشايخنا «رض»: المراد بكونها ثقة اي موثوق باخبارها غير متهمة، لا الثقة بالمعنى المصطلح. و هو كذلك» «5». اقول: لم يظهر لي مرادهما و هل الثقة بالمعنى المصطلح غير ما ذكره من المعنى؟.

و كيف كان فالظاهر ان هذا الدليل بضميمة السيرة المتصلة الى عصر المعصومين- عليهم السلام- اقوى الأدلة في المسألة. و سنعود اليه في آخرها.

السابع: استمرار السيرة خلفا عن سلف على صرف الصدقات فيمن يدعى الاستحقاق بلا مطالبة بالبينة أو اليمين.

و هذا في الجملة واضح، و لكن جريانها فيمن ظاهره القوة و لا سيما مع سبق الغنى مشكل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 14، الباب 10 من ابواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 14، الباب 10 من ابواب المتعة، الحديث 5.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 15، الباب 11 من ابواب اقسام الطلاق، الحديث 1.

(5)- الحدائق 12/ 166.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 363

..........

______________________________

الثامن: استلزام العسر و الحرج على الفقير لو كلف باقامة البينة.

التاسع: ما رواه في الفقيه، قال: و قال النبي «ص»: المؤمن وحده حجة، و المؤمن وحده جماعة «1» و هذا التعبير من الصدوق يدل على وثوقه بصدور الخبر و الا لقال: «روى عنه».

أقول: ليس مفاد الخبر حجية قول المؤمن

و وجوب ترتيب الاثر عليه، بل لعل المراد ان وجود المؤمن في قرية أو منطقة حجة على اهلها، بحيث لا يمكنهم مع وجوده ادعاء القصور و عدم اطلاعهم على الأحكام الشرعية.

العاشر: ما جعله في الحدائق أمتن الأدلة و اظهرها. و محصله ان مورد البينة و اليمين الدعاوى الجارية بين اثنين، و في الاخبار الكثيرة: البينة على المدعى و اليمين على من انكر.

و لا دلالة في الأخبار على تكليف من ادعى شيئا و ليس له من يقابله و ينكر دعواه بالبينة أو اليمين. قال في المسالك بعد نقل خبر منصور بن حازم الوارد في حكم الكيس: و لأنه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعى منه، و لا لطلب البينة منه، و لا لإحلافه، اذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك «2».

أقول: يرد عليه اولا ان حجيّة البينة في باب الترافع و المخاصمات لا تنافي حجيتها في غيرها أيضا. و بناء الفقهاء في الابواب المختلفة، كإحراز العدالة و الطهارة و النجاسة و غيرها، على الاعتماد عليها. و تدل على حجيتها مطلقا موثقة مسعدة بن صدقة الحاكمة بحلّية ما شك في حرمته، و فيها: «و الاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» «3».

و ثانيا ان البحث في حجية دعوى الفقر و الدين و الكتابة و غيرها، لا في حجية البينة و اليمين. فلو فرض عدم حجيتهما فهذا لا يدل على حجية نفس الدعوى، اذ لأحد نفي حجيّة الجميع. و حيث ان موضوع الحكم هو الفقير و نحوه بوجوده الواقعي فلا محالة يجب احرازه بالعلم أو الوثوق المتاخم له.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 5، الباب 4 من ابواب صلاة الجماعة، الحديث 5.

(2)- الحدائق

12/ 165.

(3)- الكافي، ج 5، باب النوادر من كتاب المعيشة، الحديث 40.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

الحادي عشر: قوله- تعالى: «قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» «1» بضميمة ما ورد في تفسيره من الخبرين. ففي احدهما، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: «اني اردت ان استبضع بضاعة الى اليمن، فاتيت ابا جعفر «ع» فقلت له: اني اريد ان استبضع فلانا، فقال لي: اما علمت انه شرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين انهم يقولون ذلك، فقال لي:

صدقهم، فان اللّه يقول: يؤمن باللّه و يؤمن للمؤمنين» «2».

و في الآخر ان ابا عبد اللّه «ع» قال لابنه اسماعيل: يا بنيّ ان اللّه- عز و جل- يقول في كتابه: يؤمن باللّه و يؤمن للمؤمنين. يقول يصدق اللّه و يصدق للمؤمنين، فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» «3».

و فيه ان المورد مما يقتضي الاحتياط فيه ترتيب الاثر على قول القائل، و لعل بناء العقلاء أيضا على الاحتياط فيمن يريدون تسليطه على اموالهم. و لكن الاحتياط في المقام بالعكس، كما لا يخفى فتأمّل.

الثاني عشر: الاخبار الواردة في حكم من نذر جارية للكعبة، فراجع الوسائل ج 9 الباب 22 من ابواب مقدمات الطواف.

منها ما عن علي بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر «ع» قال: سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة؟ فقال: مر مناديا يقوم على الحجر فينادي الا من قصرت به نفقته، أو قطع به، أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و مره ان يعطي اولا فاولا حتى ينفد ثمن الجارية».

اذ يستفاد من هذه الاخبار قبول دعوى المدّعى من دون احتياج الى مثبت من يمين أو بينة.

و فيه اولا: انه جاء في خبر منها: «قم

على الحجر فناد هل من منقطع به، و هل من محتاج من زوارها؟ فاذا أتوك فسل عنهم و اعطهم و اقسم فيهم ثمنها». و هذا تقييد لبقية الاخبار.

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 61.

(2)- نور الثقلين، 2/ 237، الحديث 218.

(3)- نور الثقلين، 2/ 237، الحديث 219.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

و القول بأن السؤال عنهم لتشخيص كونهم من الزوّار في قبال اهل مكة، لا لتشخيص احتياجهم دعوى بلا دليل.

و ثانيا: انه يحتمل الخصوصية للمورد، فلا يتعدى منه الى باب الزكاة، اذ لعل الحجاج وافدون الى الكعبة، فلهم مطلقا نحو انتساب اليها، فيجوز اعطاؤهم مما نذر لها، نظير الإطعامات المتعارفة في المشاهد المشرفة. فيكون الاحتياج و الفقر فيها بنحو الداعي، لا التقييد. و هذا بخلاف المقام المقيد بالفقر و نحوه من الموضوعات الواقعية التي يجب احرازها.

الثالث عشر: الأخبار الحاكية لعمل النبي «ص» و الائمة- عليهم السلام- حيث كانوا يقسمون الصدقات و يعطونها لمن ادعى الفقر، أو الغرم بلا مطالبة باليمين أو البينة:

ففي خبر عامر بن جذاعة، قال: جاء رجل الى ابي عبد اللّه «ع» فقال له: يا ابا عبد اللّه «ع» قرض الى ميسرة، فقال له ابو عبد اللّه «ع»: الى غله تدرك؟ فقال الرجل: لا و اللّه. قال:

فالى تجارة تؤب؟ قال: لا و اللّه. قال: فالى عقدة تباع؟ فقال: لا و اللّه، فقال ابو عبد اللّه «ع»: فأنت ممّن جعل اللّه له في اموالنا حقّا، ثم دعا بكيس فيه دراهم فادخل يده فيه فناوله منه قبضة، ثم قال له: اتق اللّه و لا تسرف و لا تقتّر و لكن بين ذلك قواما، ان التبذير من الإسراف. قال اللّه- عزّ و جلّ: و لا تبذّر تبذيرا «1».

و

لا يخفى انه قضية في واقعة خاصة. فلعله كان في البين قرينة دالة على صدق الرجل، و الامام- عليه السلام- وثق بقوله. و «الحق» لا يتعين في الزكاة، فان اللّه فرض في اموال الاغنياء حقوقا غير الزكاة، كما في موثق سماعة «2». و ذلك مثل حق الحصاد و الجذاذ و الحق المعلوم، كما مرّ في اوائل الزكاة. هذا.

و في مرسلة العزرمي، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: جاء رجل الى الحسن و الحسين- عليهما السلام- و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا: ان الصدقة لا تحل إلّا في دين موجع، او غرم مفظع، أو فقر مدقع «3» ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فاعطياه. و قد كان الرجل سأل

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- المدقع: المذلّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 366

..........

______________________________

عبد اللّه بن عمر و عبد الرحمن بن ابي بكر فاعطياه و لم يسألاه عن شي ء فرجع اليهما فقال لهما:

ما لكما لم تسألاني عما سألني عنه الحسن و الحسين «ع»، و اخبرهما بما قالا فقالا: انهما غذيا بالعلم غذاء «1».

و هل المراد بالصدقة في الخبر الزكاة أو الاعم؟ كلّ محتمل.

و استشكل في الذخيرة عليها بضعف السند، و عدم موافقة الحصر المفهوم منها لما ثبت بالادلة.

و اجاب في الحدائق عن الاول بانا لا نرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث، و بانه مجبور بالشهرة بل الاتفاق، و عن الثاني بان المراد الحصر بالنسبة الى هذا السائل لا مطلقا «2». هذا.

و في سنن ابي داود عن عبيد اللّه بن عدي بن خيار، قال: اخبرني رجلان انهما

اتيا النبي «ص» في حجة الوداع و هو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر و خفضه، فرآنا جلدين فقال: ان شئتما اعطيتكما، و لا حظّ فيها لغني و لا لقوي مكتسب «3». و لعل الظاهر من الخبر اعطاؤه «ص» اياهما بلا تصريح بذلك.

و لكن في التذكرة روى هذا المضمون ثم قال: «و دفع اليهما و لم يحلفهما» «4». الى غير ذلك من الاخبار الحاكية لصدقات النبي «ص» و الأئمة- عليهم السلام- الخالية عن مطالبتهم اليمين أو البينة، فيعلم بذلك قبول دعوى الفقر و نحوه بلا احتياج اليهما فتأمّل.

الرابع عشر: ما في الحدائق، و محصله «انه لو كانت البيّنة أو اليمين شرطا لخرج عنهم- عليهم السلام- فيه خبر دالّ على ذلك و لنقل لكثرة الابتلاء به و ليس، فليس. و هذا يرجع الى الاستدلال بالبراءة الاصلية على ما قدمناه في غير موضع. و محصله ان المحدث الماهر اذا تتبع الأخبار الواردة في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها و لم يظفر بذلك يحصل له العلم أو الظن المتاخم له بعدم ذلك الحكم» «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الحدائق 12/ 164.

(3)- سنن ابي داود 2/ 118 كتاب الزكاة باب من يعطى من الصدقة.

(4)- التذكرة 1/ 231.

(5)- الحدائق 12/ 164.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 367

..........

______________________________

أقول: صدر كلامه لا بأس به، و اما ارجاعه الى البراءة الاصلية فواضح البطلان. اذ الاصل في المقام هو الاشتغال لا البراءة، اذ ليس المجعول في باب الزكاة شركة الفقير فقط من دون تكليف على صاحب المال، بل هو مأمور بايصال الزكاة الى اهلها و هي في يده امانة لا

يخرج عن عهدتها ما لم يعمل بوظيفته فيها.

و العجب من صاحب الجواهر حيث قال ما محصله: «الثابت من التكليف ايتاء الزكاة، لا ايتاؤها للفقير مثلا، و قوله تعالى: انما الصدقات الى آخره لا يفيد إلّا كونها لهم في الواقع، لا ان المكلف يجب عليه احراز الصفات في الدفع. فهي في الحقيقة كالمال المطروح الذي لا يد لا حد عليه» «1».

و بطلانه ظاهر، كما لا يخفى.

فهذه اربعة عشر دليلا ذكروها لقبول دعوى الفقر و نحوه بلا احتياج الى يمين أو بينة.

و اكثرها و ان كان قابلا للخدشة كما مرّ و لكن الفقيه الذي خلا ذهنه من الوسوسة ربما يطمئن بالتأمل في مجموعها بصحة المدعى، و لا سيما مع فرض حصول الظن من مشاهدة حال المدعى، لكثرة الابتلاء بهذا الموضوع و تعذر اقامة البينة أو تعسّرها غالبا، فيجرى دليل الانسداد الصغير بمقدماته، بل لا نحتاج الى الظن أيضا اذ الزكاة شرعت لسدّ الخلات بحيث لو اعطى الناس زكواتهم لم يبق فقير و لا غارم، كما نطقت به الاخبار، و لا تترتب هذه المصلحة العامة اذا فرض التضييق في مقام الاعطاء و التقسيم، اذ يبقى الأعفّاء محتاجين و محرومين كما لا يخفى.

نعم، يشكل الامر مع الظن بالخلاف و لا سيما مع سبق غنى المدّعى و قوّته.

و قال في مصباح الفقيه: «و عمدة ما يصح الاعتماد عليه في اثبات المدعى هي ان إخبار الشخص بفقره أو غناه كإخباره بسائر حالاته من الصحة و المرض معتبر عرفا و شرعا، و إلّا فلا طريق لتعرّف حاجة المحتاجين في الغالب سوى اخبارهم، فلو لم يقبل دعوى الفقر من اهله لتعذر عليه غالبا اقامة البينة عليه أو اثباته بطريق آخر غيرها اذ الاطلاع

على فقر

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 323.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 368

..........

______________________________

الغير و عدم كونه مالكا لما يفي بمؤونته من غير استكشافه من ظاهر حال مدّعيه أو مقاله في الغالب من قبيل علم الغيب الذي لا يعلمه إلّا اللّه، فلو بنى على الاقتصار في صرف الزكاة و سائر الحقوق التي جعلها اللّه للفقراء على من ثبت فقره بطريق علمي أو ما قام مقامه من بينة و شبهها لبقى جلّ الفقراء و المساكين الذين شرّع لهم الزكاة محرومين عن حقوقهم، و هو مناف لما هو المقصود من شرعها بل لا ينسبق عرفا من الامر بصرف المال الى الفقراء في باب الاوقاف و النذور و نظائرها الا ارادة صرفه فيمن يظهر من حاله او مقاله دعوى الفقر، كأرباب السؤال و نظائرهم ... و لذا استقرت السيرة خلفا عن سلف على صرف الصدقات فيمن يدعى الاستحقاق من غير مطالبة بالبينة ...» «1». و قد ادّى «قده» في عبارته هذه حق المسألة فتدبر.

ثم انه قد مرّ من الشرائع قوله: «و كذا لو كان له اصل مال، و قيل بل يحلف على تلفه» «2». و ظاهره وجود القائل بالحلف منّا، و قد ينسب الى الشيخ أيضا. و لكن المذكور في المبسوط كما عرفت لزوم البينة في الفرض، لا اليمين «3».

نعم، في التذكرة و المنتهى عن الشافعي لزوم الاحلاف في المدعى القوى البنية «4».

و قد يستدل على حجية اليمين في المقام بما دل على وجوب الرضا باليمين، كخبر ابي ايوب الخزّاز، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: من حلف باللّه فليصدق، و من لم يصدق فليس من اللّه في شي ء، و من حلف له باللّه فليرض، و من لم يرض فليس

من اللّه. و نحوه غيره فراجع الوسائل ج 16 الباب 6 من كتاب الأيمان.

و لكن يرد عليه كما في زكاة الشيخ الاعظم ان هذا لا يتم و إلّا لثبت كثير مما يتأمّل في ثبوته بقول مخبر مدع أو غير مدع بمجرد حلفه، و هذا يفتح بابا عظيما كأنه معروف الانسداد عند الفقهاء «5».

______________________________

(1)- المصباح/ 91.

(2)- الشرائع 1/ 160.

(3)- المبسوط 1/ 253.

(4)- التذكرة 1/ 231 و المنتهى 1/ 526.

(5)- زكاة الشيخ/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

فالظاهر ان المراد بالحلف في هذه الروايات الحلف في الموارد المقررة له، فيختص بمقام المخاصمة فتأمّل.

و قد اطلنا البحث في المسألة، و لعله أوجب الملال للقرّاء، و لكن المسألة مورد للابتلاء جدّا في باب مصارف الزكاة و الخمس و الوصايا و الاوقاف و النذور و نحوها، فهي جديرة بالبسط و الاهتمام بجوانبها المختلفة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 370

جواز احتساب الدين زكاة
اشارة

[مسألة 11]: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حيّا أو ميّتا (1).

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) المسألة بباب سهم الغارمين انسب. و المصنف ذكرها هنا و اعادها في ذيل سهم الغارمين في المسائل 24 و 25 و 26. و لعل غرضه من تعرضها هنا جواز الاحتساب من سهم الفقراء أيضا بناء على وجوب التقسيط بين الاصناف الثمانية.

و لا يخفى ان الغارمين في الآية الشريفة ذكروا بعد قوله: «وَ فِي الرِّقٰابِ»، فالظاهر كونهم بعنوان المصرف و لا يلزم التمليك لهم.

و يحتمل بعيدا كونه عطفا على الفقراء فيدخل عليه لام الملك.

فعلى الاول لا يقع الاشكال في اداء دين الغارم حيا و ميتا بلا اذن منه.

و اما على الثاني فيمكن الاشكال بان الملكية تقتضي تمليك الغارم ليؤدي بنفسه دينه.

و كيف كان ففي المقنع: «فان احببت ان تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج بها عن مؤمن فاجعله دينا عليه، فاذا حلت عليك الزكاة فاحسبها زكاة فتحسب لك من زكاة مالك» «1».

و في المقنعة: «و لا بأس ان يقضى بالزكاة عن المؤمن في حياته و بعد موته الديون» «2».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 14.

(2)- المقنعة/ 42.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

فظاهر المقنع صورة كون الدين لمن عليه الزكاة، فيحسب نفس الدين زكاة من باب القيمة. و ظاهر المقنعة صورة كون الدين لغير من عليه الزكاة، فتصرف نفس الزكاة في اداء دينه.

و الشيخ في النهاية تعرض لجميع الصور فقال: «و اذا كان لك على انسان دين و لا يقدر على قضائه و هو مستحق له جاز لك ان تقاصّه من الزكاة. و كذلك ان كان الدين على ميت جاز لك ان تقاصّه منها. و ان كان على اخيك المؤمن دين

و قد مات جاز لك ان تقضيه عنه من الزكاة. و كذلك ان كان دين على والدك أو ولدك أو والدتك جاز لك ان تقضيه عنه من الزكاة» «1». فلم يفرق بين كون الدين لمن عليه الزكاة أو لغيره، و بين واجب النفقة و غيره.

و الظاهر من المقاصّة ان يعيّن بعضا مما فيه الزكاة للزكاة و يجعلها للمدين ثم يأخذها مقاصّة عمّاله عليه، كما في المسالك «2». و هذا بخلاف الاحتساب، اذ المراد به جعل نفس الدين زكاة من باب القيمة.

و في المدارك فسّر المقاصة بالقصد الى اسقاط ما في ذمة الفقير للمزكي من الدين على وجه الزكاة، ثم حكى تفسير الشهيد و استبعده «3».

أقول: ظاهر المقاصة ما ذكره الشهيد، و الاستبعاد بلا وجه مع قيام الدليل. هذا.

و في الشرائع: «و كذا لو كان للمالك دين على الفقير جاز ان يقاصّه. و كذا لو كان الغارم ميتا جاز ان يقضي عنه و ان يقاصّ. و كذا لو كان الدين على من تجب نفقته جاز ان يقضي عنه حيّا و ميتا، و ان يقاصّ» «4».

و قال في المدارك: «و هذا الحكم، اعنى جواز مقاصة المديون بما عليه من الزكاة مقطوع به في كلام الاصحاب، بل ظاهر المصنف في المعتبر، و العلامة في التذكرة و المنتهى انه لا

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

(2)- المسالك 1/ 60.

(3)- المدرك/ 317.

(4)- الشرائع 1/ 161.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

خلاف فيه بين العلماء» «1».

و لعله اراد بالعلماء العلماء من اصحابنا، و إلّا فبعض فقهاء السنة يخالف بالنسبة الى الميت.

قال في المعتبر: «و يجوز ان يقضي الدين عن الحي، و ان يقاص بما عليه للمزكى.

و يقضي الدين عمن تجب نفقته مع عجزه عنه

لدخوله تحت العموم و لان القضاء هو مصرف النصيب لا تمليك المدين. و كذا لو كان الدين على ميت قضى عنه. و قال احمد و جماعة من الجمهور: لا يقضي، لان الغارم هو الميت و لا يمكن الدفع اليه، و الغريم ليس بغارم فلا يدفع اليه» «2».

أقول: يظهر منه انه جعل الغارمين في الآية معطوفا على قوله: «فِي الرِّقٰابِ»، فيكون الغارم مصرفا. و كان احمد جعله معطوفا على الفقراء فادخل عليه لام الملك. و يظهر من تعبيره أيضا انه اراد بالمقاصة ما ذكره في المدارك كما لا يخفى.

و كيف كان فالظاهر انه لا اشكال عندنا في اصل المسألة، بل في الجواهر بالنسبة الى الميت: «بلا خلاف اجده في ذلك بل الاجماع بقسميه عليه» «3».

[الاخبار الواردة]
اشارة

و العمدة هي الاخبار الواردة، و هي على طوائف: الاولى: ما وردت بالنسبة الى الحي.

الثانية: ما وردت بالنسبة الى واجب النفقة.

[الاولى: ما وردت بالنسبة الى الحي]

اما الاولى: فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت ابا الحسن الاول- عليه السلام- عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي ان ادعه فاحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم» «4».

و منها موثقة سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد ان يعطيه من الزكاة. فقال: ان كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين،

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- المعتبر/ 280.

(3)- الجواهر 15/ 365.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 373

..........

______________________________

من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجوان يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، فان لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فيعطيه من زكاته و لا يقاصّه بشي ء من الزكاة» «1».

و ما في هذه الرواية من التفصيل- كالأمر بالاعطاء من زكاته لخصوص هذا الشخص- محمول على الاستحباب جزما. و قد خيّر فيها بين المقاصة و الاحتساب، و قد عرفت الفرق بينهما.

و لو لا هذه الرواية امكن الاشكال في المقاصة، فان الزكاة ما لم تصر ملكا للغارم لم يصدق التقاص منه. و ولاية الشخص على تمليك الزكاة للغارم، ثم الاخذ منه مقاصة بلا اذن منه و لا امتناع من قبله لأداء الدين خلاف الاصل.

و الاولى اختيار

الاحتساب، لان الدين من اموال من عليه الزكاة و هو مقبوض للغارم، و قد مرّ عدم تعين اداء الزكاة من العين و جواز الاداء من القيمة و بتمليكه زكاة يسقط الدين قهرا. و المصنف أيضا عبّر بالاحتساب، كالمقنع. و لكن الشيخ و المحقق عبّرا بالمقاصة، كما مرّ.

و من الروايات أيضا خبر عقبة بن خالد قال: دخلت انا و المعلى و عثمان بن عمران على ابي عبد اللّه «ع» فلما رآنا قال: مرحبا مرحبا بكم. وجوه تحبّنا و نحبّها. جعلكم اللّه معنا في الدنيا و الآخرة، فقال له عثمان جعلت فداك، قال ابو عبد اللّه «ع»: نعم مه؟ قال: اني رجل موسر، فقال له: بارك اللّه لك في يسارك. قال: و يجئ الرجل فيسألني الشي ء و ليس هو ابان زكاتي؟ فقال له ابو عبد اللّه «ع»: القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة.

و ما ذا عليك اذا كنت- كما تقول- موسرا اعطيته، فاذا كان ابان زكاتك احتسبت بها من الزكاة. يا عثمان! لا تردّه، فان ردّه عند اللّه عظيم الحديث «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 374

..........

______________________________

و منها أيضا مرسل الصدوق قال: و قال الصادق «ع» نعم الشي ء القرض، ان أيسر قضاك، و ان أعسر حسبته من الزكاة «1».

[الثانية: ما وردت بالنسبة الى واجب النفقة]

و امّا الطائفة الثانية: فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن رجل عارف فاضل توفّى، و ترك عليه دينا قد ابتلى به، لم يكن بمفسد و لا بمسرف، و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟

قال: نعم «2».

و منها خبر ابراهيم بن السندي، عن يونس بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول:

قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر «خير»، ان أيسر قضاك، و ان مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة «3».

و منها خبر ابراهيم بن السندي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، ان أيسر ادّى، و ان مات احتسب من زكاته «4». و الظاهر اتحاد الخبرين و سقوط يونس من سند الثاني، كما لا يخفى.

و منها خبر هيثم الصيرفي و غيره، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: القرض الواحد بثمانية عشر، و ان مات احتسب بها من الزكاة «5».

و منها خبر موسى بن بكر، عن ابي الحسن «ع» في حديث قال: من طلب الرزق فغلب عليه فليستدن على اللّه- عزّ و جل- و على رسوله ما يقوت به عياله، فان مات و لم يقض كان على الامام قضاؤه، فان لم يقضه كان عليه وزره، ان اللّه يقول: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْغٰارِمِينَ، فهو فقير مسكين مغرم «6».

و كيف كان فالمسألة واضحة بعد ما مرّ من الاخبار، فيجوز قضاء دين الغارم و الاحتساب عليه حيّا و ميّتا. و تدل عليه الآية الشريفة أيضا بعد ما مرّ من عطف الغارمين على الرقاب و كونهم بعنوان المصرف، فلا يجب تمليكهم و تملكهم حتى يشكل الأمر

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 16.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل، ج 6،

الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 375

لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه (1) و إلّا لا يجوز.

______________________________

بالنسبة الى الاموات أو الاحياء بلا اذن منهم، فتدبر.

[الثالثة من الاخبار ما وردت بالنسبة إلى واجب النفقة]

و امّا الطائفة الثالثة من الاخبار: فتأتي في الحاشية التالية.

(1) كما عن المبسوط و الوسيلة و التذكرة و التحرير و الدروس و البيان و المدارك التصريح به، خلافا لصريح المختلف و ظاهر المنتهى و نهاية الشيخ و ابن ادريس و الشرائع و اللمعة، فجوزوا الوفاء مطلقا كما قيل.

ففي المبسوط بعد ما حكم بدخول قضاء الدين عن الحي و الميت في سبيل اللّه قال:

«و سواء كان الميت الذي يقضي عنه اذا لم يخلف شيئا كان ممن يجب عليه نفقته في حياته أو لم يكن» «1».

و فيه أيضا فيما اذا استسلف الوالي بعيرا لزميلين، قال: «و ان ماتا قبل الحول و قبل الوجوب فان الزكاة لا تقع موقعها إلّا ان يكون لم يخلفا شيئا فعندنا يجوز ان يحتسب به من الزكاة» «2».

و في التحرير: «و الظاهر ان جواز المقاصة انما هو مع قصور التركة» «3».

و في الدروس: «و يجوز مقاصة غريم المستحق حيا و ميتا اذا لم يترك ما يصرف في دينه» «4».

و لكن قال في المختلف: «قال ابن الجنيد: و لا بأس أيضا ان يحتسب المزكي بما كان اقرضه الميت من ماله من الزكاة اذا عجز الميت عن اداء ذلك. و الأقرب عندي عدم الاشتراط. لنا عموم الامر بجواز احتساب الدين على الميت من الزكاة، و لأنه بموته انتقلت التركة الى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا» «5». و

الظاهر مما حكاه عن ابن الجنيد عجز تركة الميت لا عجزه بنفسه عند حياته.

و كيف كان ففي المسألة قولان: الاول: ما ذكره المصنف تبعا للشيخ و غيره من

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 252.

(2)- المبسوط 1/ 229.

(3)- التحرير 1/ 69.

(4)- الدروس/ 62.

(5)- المختلف 1/ 183.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 376

..........

______________________________

الاشتراط، و هو الاقوى.

و يدل عليه صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل حلّت عليه الزكاة و مات ابوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين ابيه و للابن مال كثير؟ فقال: ان كان ابوه اورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته، و ان لم يكن اورثه مالا لم يكن احد احقّ بزكاته من دين ابيه، فاذا ادّاها في دين ابيه على هذه الحال اجزأت عنه «1».

هذا مضافا الى ان الظاهر من الآية الشريفة و المنساق منها كون المراد بالغارم الغارم الذي ليس له بازاء دينه ما يوفّى به، فلا يشمل الغارم المتمكن من اداء دينه بلا تعب و مشقة. و حيث ان مفاد آيات الميراث كون رتبة الارث بعد الدين و الوصية فتركة المتوفي اذا كانت وافية بدينه فلا محالة تقع بازائه، من غير فرق بين كونها من مستثنيات الدين و غيرها، و بين احتياج الورثة و غيره. فان المستثنيات انما هي بالنسبة الى الأحياء المحتاجين، و لا تجري بالنسبة الى الميت. و احتياج الورثة لا يوجب انتقال الارث اليهم قبل الدين و الوصية، فيجب صرف التركة في الدين و تأمين الورثة من بيت المال.

هذا.

و كون مورد الصحيحة واجب النفقة لا يوجب الاختصاص به. و استثناء واجب النفقة من

مصرف الزكاة انما هو بالنسبة الى سهم الفقراء و المساكين دون الغارمين، اذ ليس اداء الدين من النفقة الواجبة على القريب، كما يدل على ذلك موثقة اسحاق بن عمّار أيضا قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن رجل على ابيه دين و لأبيه مئونة أ يعطى اباه من زكاته يقضي دينه؟ قال نعم، و من احقّ من ابيه؟ «2».

و اما القول الثاني فهو مختار العلامة في المختلف، و يقتضيه اطلاق الفتاوى في النهاية و الشرائع و اللمعة و غيرها و ان لم يصرحوا بالاطلاق. و قد مرّ استدلال العلامة عليه بوجهين:

الاول: عموم اخبار الاحتساب، بتقريب انها في مقام البيان، فلو كان عدم التركة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 377

نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة أو غيرهم- فالظاهر الجواز (1).

______________________________

شرطا له لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. بل قلّ ما لا يوجد شي ء ما للميت، فحمل الأخبار على صورة عدم التركة، حمل على فرد نادر.

الثاني: ما ذكره على مبناه من انتقال جميع التركة الى الوارث، فيكون الميت عاجزا.

و يرد على الاول منع كون اخبار الاحتساب في مقام البيان من كل جهة. و لو سلّم فالاطلاق فيها يقيد بصحيحة زرارة. و بناء الفقه في جميع الابواب على تخصيص العمومات، و تقييد المطلقات و ان كان العام و المطلق في لسان النبي «ص» مثلا، و الخاص و المقيد في لسان العسكري «ع».

و يرد على الثاني منع انتقال مقدار الدين و الوصية الى الوارث، بل هو يبقى على ملك الميت.

و قد حققناه فيما سبق. و لو سلم فلا يكون مقدارهما ملكا طلقا للوارث، بل يجب اخراج الدين و الوصية منه قطعا بمقتضى آيات الارث، و يكون رهنا عليهما. فلا تفاوت بين القولين من هذه الجهة. هذا.

و مقتضى اطلاق كلام المختلف جواز الاداء و ان كانت تركة الميت آلاف ألوف، و كان الورثة متمكنين جدا و باذلين غير مستنكفين. و الالتزام بذلك مشكل جدّا، بل يبعد جدا التزام العلامة أيضا بذلك.

(1) في البيان: «نعم لو اتلف الوارث المال و تعذر الاقتضاء لم يبعد جواز الاحتساب و القضاء» «1».

و في المسالك: «نعم لو لم يعلم الوارث بالدين و لم يمكن للمدين اثباته شرعا، أو اتلف الوارث التركة و تعذر الاقتضاء منه جاز الاحتساب على الميت قضاء و مقاصة» «2». و نحو ذلك في الروضة. و نفى عنه البعد في الجواهر اقتصارا في تقييد المطلق على محل اليقين.

______________________________

(1)- البيان/ 195.

(2)- المسالك 1/ 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 378

..........

______________________________

و اورد عليه في المستمسك «بان التقييد لم يكن بدليل لبي ليقتصر فيه على محل اليقين، بل انما كان بدليل لفظي فيجب الاخذ باطلاقه، و هو شامل للفرض، إلّا ان يكون المراد دعوى الانصراف الى صورة اقدام الورثة على الوفاء» «1».

أقول: و الانصراف ظاهر، اذ المال الذي لا يستفاد منه استفادة مالية يكون وجوده كالعدم. و لو فرض كون الحي مالكا لآلاف ألوف و لكن تسلط عليها الظالم و حجبه عنها و لم يمكن له انقاذها فهل لا يجوز اعطاؤه من الزكاة لمئونته، أو دينه؟ و اذا فرضنا الجواز في الحي ففي الميت اولى، اذ الحي له قدرة ما على احقاق حقّه و اعلان الظلم الواقع عليه، و الميّت

عاجز عن ذلك، فلو منعنا الجواز في الميت لزم كونه أسوأ حالا من الحيّ، و هو كما ترى.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 232.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 379

هل يجب اعلام الفقير أنّ ما أعطاه زكاة؟
اشارة

[مسألة 12]: لا يجب اعلام الفقير أنّ المدفوع اليه زكاة (1)، بل لو كان ممّن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحق، يستحب دفعها اليه على وجه الصلة ظاهرا، و الزكاة واقعا.

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) كما عن جمع كثير التصريح به، بل عن غير واحد الاجماع عليه. كذا في المستمسك «1».

و قال في النهاية: «فان عرفت من يستحق الزكاة، و هو يستحي من التعرض لذلك، و لا يؤثر ان تعرفه جاز لك ان تعطيه الزكاة و ان لم تعرفه انه منها، و قد اجزأت عنك» «2».

أقول: و يدل على عدم وجوب الإعلام مضافا الى اطلاق الادلة صحيحة ابي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام: الرجل من اصحابنا يستحيي ان يأخذ من الزكاة فاعطيه من الزكاة و لا اسمى له انها من الزكاة؟ فقال: اعطه و لا تسمّ له، و لا تذلّ المؤمن «3».

و سند الكليني فيه سهل، و لكن الامر فيه سهل. و سند الصدوق صحيح.

و دعوى ضعفه باشتراك ابي بصير بين الثقة و غيره يردها- مضافا الى منع ذلك، كما

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 232.

(2)- النهاية/ 188.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 58 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 380

..........

______________________________

قيل- ان الراوي عنه هنا عاصم بن حميد، فيتعين بذلك ارادة ليث المرادي منه، و هو ثقة قطعا.

و كيف كان فاصل عدم وجوب الإعلام مما لا اشكال فيه. و يدل عليه اطلاق الادلة و صحيحة ابي بصير، و لا يعارضها في ذلك شي ء.

نعم في المستمسك بعد نقل الصحيحة قال: «نعم يعارضه مصحح ابن مسلم: قلت لأبي جعفر «ع» الرجل يكون محتاجا فيبعث اليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك

ذمام و استحياء و انقباض، فيعطيها اياه على غير ذلك الوجه و هي منا صدقة؟ فقال: لا اذا كانت زكاة فله ان يقبلها، و ان لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها اياه، و ما ينبغي له ان يستحيي ممّا فرض اللّه، انما هي فريضة اللّه له فلا يستحيي منها «1».

لكن اعراض الاصحاب عنه مانع عن صلاحيته للمعارضة، مع ان الاول نص في الجواز، فلا يقوى الثاني على صرفه و ان كان ظاهرا في المنع كما لا يخفى» «2».

اقول: لا ادري اي معارضة بين الصحيحتين حتى يحمل الظاهر على النص؟ فان الشرط في التعارض كون مصبّ الاثبات و النفي امرا واحدا و ليس الامر هنا كذلك. اذ المرخص فيه في الاولى عدم الإعلام، و الممنوع عنه في الثانية الإعطاء على غير وجه الزكاة، كالصلة و نحوها. و المنع عن ذلك لا يلازم وجوب الإعلام.

نعم ربما يقتضي اطلاق الاولى جواز الاعطاء على غير وجه الزكاة أيضا، و لكنه صرف اطلاق بدويّ، تعارضه صراحة الثانية في المنع.

و اجاب في الحدائق عن صحيح محمّد بن مسلم بما حاصله: «انه غير معمول به على ظاهره و لا قائل به، بل الاخبار و كلام الاصحاب على خلافه، و لا يعول عليه و ان صح سنده، مع مخالفته للأخبار و كلام الاصحاب بل اتفاقهم. و الصحة في التحقيق، انما هي باعتبار المتون و مطابقتها للقواعد الشرعية و الاخبار المروية و اتفاق الاصحاب، فلا بد من

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 58 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- المستمسك 9/ 233.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 381

..........

______________________________

ارتكاب التأويل في الخبر المذكور. و الأظهر حمل قوله في الجواب: «لا» على الاضراب عن الكلام

السابق، لا على نفى اعطائها اياه على غير ذلك الوجه، و يكون ما بعد «لا» بيان ما هو الاولى، فبين انها اذا كانت زكاة فله ان يقبلها و لا ينبغي له ان يستحيي، فان لم يقبلها على هذا الوجه فلا تلزمه بها و تعطيها اياه على وجه الزكاة. و يفهم منه جواز الاعطاء لا على الوجه المذكور» «1».

و في المدارك حمل الصحيحة على الكراهة «2» و حملها في الوسائل على احتمال كون الامتناع لعدم الاحتياج و انتفاء الاستحقاق «3».

و عن الوافي: «انه انما نهى عن اعطائها اياه لأنه ان كان مضطرا اليها فقد وجب عليه اخذها، و ان لم يأخذها فهو عاص، و هو كمانع الزكاة و قد وجبت عليه، و ان لم يضطر اليها و لم يقبلها فلا وجه لإعطائها اياه» «4».

أقول: الحمل على الكراهة خلاف الظاهر لا يصار اليه إلّا بدليل. و ما في الوسائل خلاف ما فرضه الراوي من كون الرجل محتاجا.

و يرد على ما في الوافي ان الاحتياج أعم من الاضطرار الموجب للأخذ بحيث يكون تركه عصيانا كما لا يخفى.

و اما ما في الحدائق ففيه انه لو ثبت الإعراض عن الصحيحة فهو، و اما مخالفتها للأخبار و اتفاق الاصحاب بحيث تسقط بذلك عن الحجية فغير واضحة، اذ صحيحة ابي بصير كما مرّ لم يذكر فيها الّا عدم وجوب التسمية و الاعلام، و لم تتعرض لجواز الإعطاء بغير وجه الزكاة.

كما ان الاصحاب أيضا في كتبهم الموضوعة لنقل المسائل المأثورة لم يتعرضوا لجواز ذلك، فقد رأيت ان الشيخ في نهايته لم يتعرض الّا لعدم وجوب الإعلام.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 172.

(2)- المدارك/ 213.

(3)- الوسائل 6/ 219.

(4)- الوافي 2 (م 6)/ 31.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص:

382

..........

______________________________

نعم قال في مبسوطه الذي وضعه لبيان المسائل التفريعية: «و يجور ان يعطي الزكاة لمن كان فقيرا و يستحيي من اخذه على وجه الصلة و ان لم يعلم انه من الزكاة المفروضة» «1».

و في الشرائع: «و لا يجب اعلام الفقير ان المدفوع اليه زكاة، فلو كان ممن يترفع عنها و هو مستحق جاز صرفها اليه على وجه الصلة» «2».

و في التذكرة: «و لا يجب إعلام المدفوع اليه انها زكاة، فلو استحيى الفقير من اخذها علانية استحب ايصالها اليه على وجه الهدية و لا يعلم انها زكاة لما في الإعلام من اذلال المؤمن و الاحتقار به، و لان أبا بصير ... و لا نعلم في ذلك خلافا» «3»

و لا يخفى ان دليله، و كذا خبر ابي بصير لا يستفاد منهما إلّا عدم وجوب الإعلام. فمن المحتمل رجوع عدم الخلاف أيضا الى ذلك، لا الى استحباب الايصال على وجه الهدية.

و كيف كان فجواز الإعطاء على وجه الصلة و الهدية أو استحبابه ممّا لم نجد فيه خبرا و لا فتوى من القدماء في الكتب المعدّة لنقل المسائل المأثورة حتى يثبت فيه الإجماع أو الاتفاق المفيد.

و قد عرفت منا مرارا عدم حجية الاجماع و الاتفاق في المسائل التفريعية، مضافا الى عدم احرازهما في المقام.

و العجب من الحدائق، فانه لا يعتنى بالإجماعات المتحققة في المسائل الاصلية المأثورة، و يدعى عدم حجيتها- كما فصل ذلك في مبحث صلاة الجمعة- فكيف اعتنى هنا بما سماه اتفاق الاصحاب، و ترك العمل بصحيحة محمد بن مسلم الصريحة في عدم جواز الاعطاء على غير وجه الزكاة كالصلة و الهدية و نحوهما «4».

و لا ادري باي دليل افتى العلامة في التذكرة، و المصنف في المقام

بالاستحباب؟! مع ان الاستحباب كالوجوب حكم شرعي يحتاج الى دليل معتبر يدل عليه، و صحيحة ابي

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 247.

(2)- الشرائع 2/ 160.

(3)- التذكرة 1/ 237.

(4)- الحدائق 12/ 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 383

..........

______________________________

بصير لم تدل إلّا على عدم وجوب التسمية فقط.

[تتمة: شقوق المسألة في كلام السيد الميلاني]

تتمة: اعلم ان المرحوم، آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- انهى شقوق المسألة الى اثنى عشر قسما، قال: لان الدافع اما ان يعطى بعنوان الزكاة و يسميها، أو لا يسمّى الزكاة و لكنه يقصدها، أو يعطى بعنوان الصلة و يقصد الزكاة، أو يعطى بعنوان الصلة. فهذه اربعة اقسام. و الآخذ اما ان يترفع عن الزكاة سميت أو لم تسم، أو لا يترفع عنها و ان سميت، أو يترفع عن التسمية و لكنه يقبل الزكاة. فهذه ثلاثة، تضرب في الاربعة «1».

و الشيخ الاعظم في زكاته ذكر خمسة شقوق ترجع الى ستة، فقال ما حاصله: «حاصل صور المسألة خمس: احدها: ان يدفعها على وجه الزكاة على وجه الإعلام، و يأخذ القابض كذلك. و لا اشكال فيه.

الثانية: ان يدفعها بقصد الزكاة من غير إعلام بانها زكاة، و يأخذها القابض عالما بانها زكاة. و لا اشكال فيها أيضا.

الثالثة: ان يدفعها بقصد الزكاة بعنوان الصلة و الهدية، و يأخذها القابض على وجه الزكاة. و لا اشكال فيها، و لا في استحبابها من جهة استحياء الفقير.

الرابعة: الصورة بحالها و لكن يأخذها القابض بالعنوان الذي دفع اليه، فان كان ممّن لا يمتنع عنها اذا اطلع على كونها زكاة فمقتضى العمومات الجواز، بناء على ان قبض الزكاة ليس كالقبول الفعلي للعقود يعتبر فيه المطابقة للإيجاب، بل المقصود قبول تملكه على اي نحو كان. و ان امتنع اذا اطلع على كونها زكاة

فهذا هو الذي دلت الحسنة على النهي عن اعطائه، فان اخذنا بظاهرها و لم نحملها على الكراهة أشكل الامر في هذا القسم، بل القسم الاول منها، لاشتراك القسمين في وقوع القبول على غير وجه الصدقة و إن امكن الفرق بينهما بان القابض في القسم الاول قبض المدفوع اليه على وجه مطلق التمليك و التملك المطلق، بخلاف القسم الثاني فانه يقصد التملك الخاص المقابل لوجه الزكاة.

الخامسة: ان يدسّها في مال الفقير من غير اطلاعه. و مقتضى بعض ما يستفاد منه ان

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 96.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 384

..........

______________________________

المقصود الوصول الى المستحق، و ما دل على انها بمنزلة الدين هو الجواز، إلّا انه يشكل من جهة عدم تملك الفقير له، فهو مال المالك» «1».

أقول: لا اشكال في صحة الأوليين، لما مرّ من دلالة الاطلاقات و صحيحة ابي بصير على عدم وجوب التسمية و الاعلام.

و كذا في اصل صحة الثالثة، لقصد كليهما وجه الزكاة. نعم في جواز اظهار عنوان الصلة قولا أو عملا مع كونه كذبا محرما بصرف استحياء الآخذ- فضلا عن استحبابه- كلام بل منع. اذ ارتكاب المحرم لا يجوز إلّا مع تحقق مصلحة ملزمة اقوى أو مساوية لمفسدة المحرم، و الاستحباب يحتاج الى دليل شرعي كما مرّ، و لكن لا يضر ذلك بصحة الزكاة كما لا يخفى.

و اما الرابعة فان فرض صيرورة عنوان الصلة داعيا لقبول الآخذ و تملكه المطلق بلا تقييد فالظاهر الصحة، لعدم الدليل على وجوب قصد الآخذ خصوص الزكاة. و اما اذا فرض قبوله بنحو التقييد بعدم كونه زكاة فيصير وزانه وزان الصورة الخامسة في عدم تحقق التمليك و التملك. المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم

المنع من الإعطاء على غير وجه الزكاة، و مقتضاه اعتبار قصد القابض للزكاة و لو اجمالا، بحيث ينافيه قصد العنوان المباين لها.

اللّهمّ ان يقال باعراض الاصحاب عن الصحيحة، و اننا لا نحتاج في باب الزكاة و كذا الخمس و المظالم و نحوها الى التمليك و التملك اصلا، بل يكفي صرفها في المصارف المعينة، و لا سيما بملاحظة شيوع استعمال الصدقة في الاوقاف العامة و الخاصة و الكفارات الحاصلة بالاشباع. فمفاد الصدقة التي منها الزكاة تتحقق بصرف المال في كل وجه خيري، سواء كان بنحو التمليك، أو الصرف بنفسه، أو بمنافعه. و لذا جاز الاحتساب على الحي و الميت كما مرّ. و اللام في الآية ليست للتمليك بل لبيان المصرف فقط، و لذا لا يجب التوزيع على الاصناف أيضا. فيكفي أيضا الدس في مال الفقير و ان لم يتوجه اليه اصلا. هذا.

و لكن رفع اليد عن ظاهر الصحيحة مشكل، و قد عرفت عدم منافاتها لمفهوم صحيحة ابي بصير.

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 501.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 385

[لو اقتضت المصلحة التصريح بعدم كونها زكاة]

بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز (1) إذا لم يقصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة بل قصد مجرد التملك (2).

______________________________

و قد يستدل لكفاية صرف الوصول الى المستحق باي عنوان كان- كما اشار اليه الشيخ- بموثقة سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: اذا اخذ الرجل الزكاة فهي كما له، يصنع بها ما يشاء. قال: و قال: انّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها، و هي الزكاة فاذا هي وصلت الى الفقير فهي بمنزلة ماله، يصنع بها ما يشاء. فقلت:

يتزوج بها و يحجّ منها؟ قال: نعم، هي ماله ... «1».

و لا يخفى

ضعف الاستدلال، اذ الموثقة في مقام بيان عدم محدودية الفقير في الصرف، لا في كفاية صرف الوصول بأيّ نحو كان فتدبّر.

(1) قد مرّ عدم كفاية كل مصلحة لتسويغ الكذب الذي هو احد الكبائر. اللّهمّ إلّا ان تكون مصلحة ملزمة.

(2) يظهر من المصنف الاعتماد على صحيحة محمد بن مسلم، حيث شرط عدم قصد القابض لعنوان آخر، و هو الاحوط. و لكن منع كثير من المحشين دخالة قصد القابض و كون قصد عنوان آخر مضرا، فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 41 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 386

لو دفعها باعتقاد الفقر فبان كونه غنيا
اشارة

[مسألة 13]: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا، فان كانت العين باقية ارتجعها (1)، و كذا مع تلفها إذا كان القابض عالما

[وظيفة الآخذ]

______________________________

(1) وجوبا اذا تعين كون المدفوع زكاة بالعزل و نحوه، أو توقف عليه اداء الزكاة لانحصار ماله فيه، و جوازا في غيرهما.

و كيف كان فلا وجه لعدم جواز الارتجاع مع بقائها و عدم انتقالها الى الآخذ و ذلك لنيّة الدافع الزكاة و عدم كونه مصرفا لها، سواء صرفها اليه بعنوان الصلة، أو اجمل وجهها، أو صرح بكونها زكاة. و اظهار خلاف وجهها الواقعي يجعله معذورا في التصرف، لا منتقلا اليه الملك حقيقة.

و لكن في المبسوط: «فان شرط حالة الدفع انها صدقة واجبة استرجعها، سواء كانت باقية أو تالفة ... و اما ان دفعها مطلقا و لم يشرط انها صدقة واجبة فليس له الاسترجاع، لان دفعه محتمل للوجوب و التطوع، فما لم يشرط لم يكن له الرجوع» «1». و نحو ذلك في المنتهى أيضا «2».

و في المعتبر: «فان عرفه انها زكاة ارتجعت ... و ان دفعها مطلقا لم ترتجع، لان الظاهر انها صدقة» «3».

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 261.

(2)- المنتهى 1/ 527.

(3)- المعتبر/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 387

بكونها زكاة (1).

و إن كان جاهلا بحرمتها للغني (2)، بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها

______________________________

و لكن يرد على ذلك انّ التعويل على الظاهر فضلا عن الاحتمال انّما هو في مرحلة الظاهر، و الكلام انّما هو في وظيفة الدافع وجوبا أو جوازا بحسب الواقع.

نعم لو وقع التخاصم بينهما فادّعى القابض انها كانت صدقة مندوبة، أو هبة لازمة بمقتضى الظاهر أو اصالة الصحة، و ادعى الدافع كونها زكاة امكن القول بتقديم قول الآخذ، اخذا بالظاهر أو

اصل الصحة. كما يمكن القول بتقديم قول الدافع، لأنّه أبصر بنيّته، و لا تعرف إلّا من قبله.

و لكن البحث في المقام انما هو في حكم الواقعة بنفسها، لا في مرحلة التخاصم.

و لعلّ نظر الشيخ و العلامة و المحقق فيما ذكروه الى مرحلة التخاصم.

و يؤيد ذلك ان الشيخ في المبسوط ذكر التفصيل المذكور فيما اذا كان الدافع هو المالك، و قال فيما اذا كان الدافع هو الامام: «فان كانت الصدقة باقية استرجعت، سواء كان الامام شرط حال الدفع انها صدقة واجبة، أو لم يشرط» «1». حيث ان التخاصم و الترافع يقع مع المالك دون الامام، فانه هو الحاكم المحكّم.

و كيف كان ففي صورة بقاء العين ترتجع وجوبا أو جوازا بلا اشكال، من غير فرق بين شقوقه: سواء كان دفعها بعنوان الصلة، أو الزكاة، أو بنحو الاجمال، و سواء علما بحرمتها للغني، أو جهلا ذلك، أو جهل احدهما، أو اشتبه لهما أو لأحدهما مفهوم الغني، فتدبّر.

(1) لقاعدة الإتلاف لو اتلف، و لعموم قوله: «على اليد ما اخذت حتى تؤدي» المسلّم عند الفريقين، و ان لم يوجد بطرقنا. نعم رواه سمرة عنه «ص» كما في كتاب البيوع من ابي داود و الترمذي، و كتاب الصدقات من ابن ماجة. و يؤيده كون مضمونه مرتكزا عند العرف و العقلاء، كما لا يخفى.

(2) اذا الجهل بالحكم الشرعي لا يمنع من عموم دليل الضمان و ان منع عن الإثم بالقبض اذا كان عن قصور. و مثله لو كان جاهلا بكونه غنيا للشبهة الحكمية، أو الموضوعية

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 260.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 388

زكاة فانّه لا ضمان عليه (1). و لو تعذّر الارتجاع، أو تلفت بلا ضمان أو معه و لم

يتمكّن الدافع من أخذ العوض كان ضامنا، فعليه الزكاة مرة اخرى (2).

______________________________

كما في المستمسك «1».

(1) مقتضى عموم قاعدة الإتلاف و قاعدة اليد الضمان هنا أيضا، غاية الامر انه لو كان مغرورا من قبل الدافع كما اذا اعطاها بعنوان الصلة استقر الضمان على الغارّ.

و كذا لو كان مغرورا من قبل الثالث. و لا يخفى عدم صدق الغرور في بعض موارد الجهل، كما اذا دفعها و لم يسم كونها زكاة أو صلة.

[وظيفة الدافع]

(2) أقول: الكلام في المسألة تارة في حكم الآخذ و وظيفة الدافع بالنسبة اليه، و تارة في حكم الدافع نفسه و انه يضمن الزكاة أم لا. اما الاول فقد مرّ.

و اما الثاني فنقول: الدافع قد يكون هو الامام أو نائبه، و قد يكون هو المالك. و يظهر منهم عدم الاختلاف في الاول، و انه لا ضمان و سيجي ء.

و اختلفوا في الثاني على اقوال ثلاثة: فاختار المفيد و الحلبي الضمان مطلقا. و الشيخ و المحقق في الشرائع عدمه مطلقا، و في الجواهر: «قيل انه المشهور» «2». و في المعتبر و المنتهى التفصيل بين صورة الاجتهاد و غيرها، و في الجواهر: «لعله المشهور بين المتأخرين» «3». فلنذكر بعض العبارات.

ففي المقنعة: «و من اعطى موسرا شيئا من الزكاة و هو يرى انه معسر ثم تبين بعد ذلك يساره فعليه الإعادة، و لم يجزه ما سلف في الزكاة. و من اعطى زكاته رجلا من اهل الخلاف لم يجزه، و كان عليه الاعادة، إلّا ان يكون اجتهد في الطلب فاعطاها على ظاهر الايمان ثم علم بعد ذلك بالخلاف، فلا شي ء عليه» «4».

و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «فان اخرجها الى من يظن به تكامل صفات

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 236.

(2)- الجواهر

15/ 329.

(3)- الجواهر 15/ 331.

(4)- المقنعة/ 42.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

مستحقها ثم انكشف له كونه مختل الشروط رجع عليه بها، فان تعذر ذلك فكان المنكشف هو الغني وجب اعادتها ثانية، و ان كان غير ذلك فهي مجزية» «1». و يظهر منهما- رحمهما اللّه- الاعتماد و الاخذ بمرسلة حسين بن عثمان الآتية كما لا يخفى.

و قال في الخلاف كتاب قسمة الصدقات (المسالة 28): «اذا دفع صاحب المال الصدقة الى من ظاهره الفقر ثم بان انه كان غنيا في الباطن لا ضمان عليه. و به قال ابو حنيفة. و للشافعي فيه قولان منصوصان: احدهما: لا ضمان عليه كالإمام، و الثاني:

عليه الضمان. دليلنا ان ايجاب ذلك يحتاج الى دليل، و الاصل براءة الذمة».

و (المسألة 29): «اذا دفعها الى من ظاهره الإسلام ثم بان انه كان كافرا، أو الى من ظاهره الحرّية فبان انه كان عبدا، أو دفعها الى من ظاهره انه ليس من آل النبي «ص» ثم بان انه كان من آله لم يكن عليه ضمان، سواء كان المعطي الامام، أو رب المال. و قال ابو حنيفة: عليه الضمان في جميع ذلك. و للشافعي فيه قولان ... دليلنا ما قلناه في المسألة الاولى سواء. و انما قلنا ذلك لان المأخوذ عليه ان لا يعطى الصدقة إلّا لمن ظاهره الفقر و الإسلام و الحرّية. و البواطن لا طريق اليها، فاذا دفعها الى من ظاهره كذلك فقد امتثل المأمور به. و ايجاب الضمان عليه بعد ذلك يحتاج الى دليل، و الاصل براءة الذمة» «2».

أقول: و لم يعنون فيه مسألة دفع الامام الى من ظاهره الفقر ثم ثبت غناه، فيظهر من ذلك عدم الخلاف فيها بين جميع المسلمين فضلا

عن عدم الخلاف فيها بيننا، كما سيأتي.

ثم ان التمسك بالبراءة في المقام مع كون الانسان مكلفا بايتاء الزكاة و ايصالها الى اهلها و المفروض عدم تحققه مشكل. و المأخوذ على المكلف اعطاؤها لواجد الشرائط واقعا لا لواجدها ظاهرا و انما العلم و الامارات طرق الى الواقع و ليست مأخوذة جزءا للموضوع أو تمام الموضوع.

______________________________

(1)- الكافي/ 173.

(2)- الخلاف 2/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 390

..........

______________________________

نعم يمكن القول بالإجزاء في الاصول الشرعية و الامارات المجعولة شرعا الواردة في اجزاء الموضوعات الشرعية و شرائطها و موانعها و كيفياتها، لاستظهار الاجزاء من ادلة جعلها و حجيتها في مقام الاثبات، فيكون لسانها لسان توسعة الموضوعات مثل الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و نحوها، و تكون حاكمة على الادلة الاولية المتعرضة للاجزاء و الشرائط كما قربنا ذلك في كتاب نهاية الاصول «1».

و لكن لا يجري هذا البيان في العلم و لا في الامارات العقلائية التي لا جعل فيها شرعا، فالقول بالإجزاء فيها بلا وجه، و عدم التقصير و القصور لا يوجب الإجزاء مع كشف الخلاف كما في سائر موارد تخلف الطرق عن الواقع، مثل ما لو كان عليه دين لزيد فشهدت البينة بان هذا زيد فدفع المال اليه ثم انكشف خلافه.

و بالجملة فاستدلال الشيخ لعدم الضمان مخدوش و ان اخذ به كثير من اتباعه أيضا.

و قال في المبسوط: «و اذا تولّى الرجل اخراج صدقته بنفسه فدفعها الى من ظاهره الفقر ثم بان انه غنيّ فلا ضمان عليه أيضا، لأنه لا دليل عليه» «2».

و في الشرائع: «و لو دفعها على انه فقير فبان غنيا ارتجعت مع التمكن. و ان تعذر كانت ثابتة في ذمة الآخذ و لم يلزم الدافع

ضمانها، سواء كان الدافع المالك أو الامام أو الساعي» «3».

و في المنتهى: «لو كان الدافع هو المالك قال الشيخ في المبسوط: لا ضمان. و به قال الحسن البصري و ابو حنيفة. و قال ابو يوسف: لا يجزيه. و به قال الثوري و الحسن بن صالح بن حيّ و ابو المنذر. و للشافعي قولان. و عن احمد روايتان. و الاقرب سقوط الضمان مع الاجتهاد، و ثبوته مع عدمه. لنا انه امين، في يده مال لغيره، فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها الى مالكها» «4». و نحو ذلك في المعتبر أيضا «5».

______________________________

(1)- نهاية الاصول/ 129.

(2)- المبسوط 1/ 261.

(3)- الشرائع 1/ 160.

(4)- المنتهى 1/ 527.

(5)- المعتبر/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 391

..........

______________________________

قال في المدارك: «ان اريد بالاجتهاد القدر المسوّغ لجواز الدفع و لو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلّا ان مثل ذلك لا يسمّى اجتهادا، و مع ذلك فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار الى ما اطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا، و ان اريد به البحث عن حال المستحق زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب اجماعا على ما نقله جماعة» «1».

و في الجواهر: «قد يقال: لا منافاة بين عدم وجوبه و ترتب الضمان على عدمه» «2».

أقول: ما في الجواهر صحيح في حد نفسه. و نظيره عدم وجوب الاستظهار على من يريد الصوم مع الشك في بقاء الليل و مع ذلك لا يجب القضاء مع الاستظهار، و يجب بدونه.

و لكنك ترى ان ظاهر المنتهى و كذلك المعتبر وجوب الاجتهاد و الاستظهار، فلا يكون كلامهما تفصيلا في المسألة، اذ البحث فيمن ادّى وظيفته بحسب الظاهر و لم يقصّر.

و كيف

كان فالمسألة ذات قولين، أو ثلاثة، و اختلف فيها السنة أيضا.

و استدل القائل بعدم الضمان بما مرّ من الخلاف من ان المأخوذ عليه ان لا يعطى الصدقة إلّا لمن ظاهره الفقر و الإسلام و الحرية. و البواطن لا طريق اليها، فاذا دفعها الى من ظاهره كذلك فقد امتثل المأمور به.

و قد مرّ الجواب عن ذلك بان الإجزاء على القول به انّما يجري فيما اذا كان هنا حكم ظاهري مجعول، كما في الاصول العملية و الامارات المجعولة شرعا، فلا يجري في العلم و الامارات العقلائية اذا انكشف الخلاف.

و لكن قد يقال كما في المصباح: «ان المنساق من الامر بصرف الزكاة الى اهل الولاية أو العدالة أو الفقراء أو غير ذلك من المتصفين باوصاف لا طريق غالبا الى العلم بواقعها ارادة الموصوفين بها في الظاهر، لا بأن يكون للظاهر موضوعية و لو مع العلم بمخالفته للواقع، بل من باب الطريقية للواقع. فالظاهر بما انه طريق اخذ موضوعا، حيث ان انحصار الطريق

______________________________

(1)- المدارك/ 314.

(2)- الجواهر 15/ 331.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 392

..........

______________________________

لدى العرف و العقلاء و تعذر التكليف بالمتّصفين بالصفات في الواقع أوجب صرف أدلة التكاليف الى ارادة الموصوفين بها في الظاهر، و لذا ينسبق من الامر باحضار الفقراء أو المؤمنين أو العدول مثلا، أو الامر باكرامهم أو صرف ثلث ماله فيهم ارادة من كان في الظاهر مندرجا تحت هذه العناوين بالطرق الظاهرية. و لا ينافي ذلك ما تقرر في محله من ان الامر الظاهري لا يقتضي الإجزاء مع انكشاف الخلاف، لان هذا فيما اذا كان هناك امر واقعي وراء ما تحققت اطاعته، و المفروض هنا ان المنساق من الادلة كون الموضوع للأمر الواقعي هو المتصف

بهذه الصفات بحسب الظاهر أصاب أم أخطأ، و قد أتى بما كلف به فيكون مجزيا قطعا. و لا ينافي ذلك الالتزام بوجوب ارتجاع العين مع الامكان، لان ذلك بحكم العقل بعد الالتفات الى تخلف الطريق عن الواقع و كونه قادرا على تداركه بارتجاع الحق و ايصاله الى مستحقه» «1»

أقول: اثبات ذلك مشكل، فانه خلاف ظاهر الأدلة حيث ان الظاهر منها كون الاحكام ثابتة للموضوعات الواقعية بواقعيتها و الطرق العقلائية طرق محضة.

و لو سلم فلا تجري في جميع الصفات، بل في الصفات الخفية التي يتعذر الاطلاع على واقعها غالبا، فلا يجري في مثل كونه من غير واجبي النفقة مثلا فتدبر.

ثم ان ما ذكره في الذيل من قوله: «و لا ينافي ذلك ...» يهدم ما اسّسه، اذ لو فرض ان الظاهر بما انه طريق اخذ موضوعا يكون هذا حكما واقعيا، فكما لا ضمان مع التخلف لا يجوز الارتجاع أيضا معه و بالجملة فعدم المنافاة ممنوع.

[دليل القائل بالضمان مطلقا]

و استدل القائل بالضمان مطلقا كما في زكاة الشيخ الاعظم «2» و غيره باصالة اشتغال الذمة، و بعموم ما دل على كون الزكاة كالدين فلا تسقط ما لم تصل الى مستحقها، و بمقتضى قاعدة الشركة في العين، و بان الموضوع في غير موضعه بمنزلة العدم، و بما دل من الروايات المستفيضة على وجوب اعادة المخالف زكاته، معللا بانه وضعها في غير موضعها «3».

______________________________

(1)- المصباح/ 94.

(2)- زكاة الشيخ/ 502.

(3)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 3 من ابواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 393

..........

______________________________

و بمرسلة الحسين بن عثمان، عمن ذكره، عن ابي عبد اللّه «ع» في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى انه معسر فوجده موسرا؟ قال: لا يجزي عنه

«1». و الراوي عن ابن عثمان هو ابن ابي عمير، و الظاهر انه المرسل، و مراسيله كالمسانيد عند الاصحاب، و قد رأيت اعتماد المفيد و الحلبي في المقنعة و الكافي على هذه المرسلة.

و يؤيد ذلك أيضا موثقة ابي المعزا، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الاغنياء و الفقراء في الاموال، فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم «2».

أقول: اكثر ما ذكر كما قيل قابل للخدشة، اما اشتغال الذمة فان اريد به اشتغالها بالاداء فهو فرع بقاء موضوعه و هو الزكاة، و ان اريد اشتغالها بالعين فهو مبني على كونها في الذمة لا في العين الخارجية.

و اما كونها كالدين مطلقا فممنوع، و انما دلّ النص على كونها بمنزلة الدين في الاخراج من اصل التركة اذا انتقلت الى ذمة المالك باتلافها. ففي خبر عباد بن صهيب، عن ابي عبد اللّه «ع» في رجل فرّط في اخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرّط فيه مما لزمه من الزكاة ثم أوصى به ان يخرج ذلك فيدفع الى من تجب له؟ قال: جائز.

يخرج ذلك من جميع المال. انما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شي ء حتّى يؤدّوا ما اوصى به من الزكاة «3».

و اما قاعدة الشركة فانما تقتضي المنع من التصرف في المشترك بدون اذن الشريك، و المفروض في المقام جواز ذلك للمالك، فانه المأمور بدفع الزكاة، غاية الامر خطأه في الدفع قصورا. و اقتضاء ذلك للضمان أوّل الكلام.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 393

و كون الموضوع

في غير محله بمنزلة العدم المحض مطلقا ممنوع، لاحتمال الإجزاء مع امتثال التكليف الظاهري.

نعم تبقى المرسلة بضميمة عموم التعليل في اخبار اعادة المخالف زكاته.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 21 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 394

..........

______________________________

و يؤيد ذلك ما عن الجعفريات باسناده عن جعفر بن محمّد عن ابيه ان عليّا- عليه السلام- كان يقول: الزكاة مضمونة حتى توضع مواضعها «1».

و ما عن الدعائم، عن جعفر بن محمّد «ع» انه قال: الزكاة مضمونة حتى يضعها من وجبت عليه موضعها «2».

مضافا الى ان الزكاة بعد تعلقها و كونها في العين أو في الذمة فسقوطها بالاداء لغير المستحق يحتاج الى دليل قويّ، فاستصحاب بقاء التكليف محكّم.

نعم يقع البحث فيما اذا كانت معزولة، و سيأتي الكلام فيه.

[دليل القائل بالتفضيل]

و استدلوا للتفصيل بين ما اذا اجتهد في الطلب و اخطأ، و بين غيره، بصحيحة عبيد بن زرارة، عن ابي عبد اللّه «ع» (في حديث) قال: قلت له: رجل عارف ادّى زكاته الى غير اهلها زمانا، هل عليه ان يؤدّيها ثانية الى اهلها اذا علمهم؟ قال: نعم. قال: قلت: فان لم يعرف لها أهلا فلم يؤدّها، أو لم يعلم انها عليه فعلم بعد ذلك؟ قال: يؤديها الى أهلها لما مضى. قال: قلت له: فانه لم يعلم اهلها فدفعها الى من ليس هو لها بأهل، و قد كان طلب و اجتهد، ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: ليس عليه ان يؤديها مرّة اخرى. و عن زرارة مثله غير انه قال: ان اجتهد فقد برئ،

فان قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا «3».

أقول: المحتملات في صدر الحديث بحسب النظر البدوي ثلاثة:

الاول: ان يكون ادّى زكاته الى غير اهلها عن علم.

الثاني: ان يكون اداها عن اشتباه و جهل بالشبهة الموضوعية.

الثالث: ان يكون ادّاها لشبهة حكمية.

و لعل الأوّل خلاف الظاهر، اذ لا يعطي الانسان زكاته لمن يعلم بعدم كونه اهلا لها، فيدور الامر بين الاخيرين. و الظاهر هو الثالث، بقرينة قوله: «اذا علمهم». اذ الانسب في الشبهة الموضوعية ان يقال: «اذا عرفهم». و الظاهر من قوله: «رجل عارف» انه ادّى

______________________________

(1)- المستدرك، ج 1، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة.

(2)- دعائم الإسلام، 1/ 251. و المستدرك، ج 1، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 395

..........

______________________________

زكاته الى غير العارف، فيكون السؤال عن العارف الذي ادّى زكاته الى غير العارف جهلا بالمسألة.

و المحتملات في الذيل أيضا ثلاثة ترجع الى ستة.

الأوّل: ان يراد انه حيث لم يعرف و لم يجد لها اهلا ادّاها الى غير الاهل مع العلم بكونه غير الاهل، كمن اجتهد في طلب من يعرف فلما لم يجد من يعرف ادّاها الى غيره بتخيل جوازه.

الثاني: انه ادّاها الى غير الاهل اشتباها بالشبهة الموضوعية، بان تخيل كونه ممن يعرف ثم بان خلافه.

الثالث: انه ادّاها الى غير الاهل اشتباها بالشبهة الحكمية، بان لم يعلم ان مصرفها من يعرف فاداها الى غير من يعرف ثم بان له الحكم.

و في كل من الثلاثة اما ان يراد بالاهل و غير الاهل مطلقهما فيشمل الفقير و الغني أيضا، و اما ان يراد بقرينة السياق خصوص من يعرف و من لا يعرف.

و

الاستدلال بالحديث لمسألتنا، اعني من اعطى بظن الفقر فبان غنيا، يتوقف على ترجيح الاحتمال الثاني و حمل الاهل و غير الاهل على مطلقهما، فيكون الحديث دليلا على التفصيل بين من اجتهد و غيره.

و لكن يرد عليه أولا: عدم الدليل على ترجيح الاحتمال الثاني.

و ثانيا: انه لو سلم فالظاهر من السياق ارادة خصوص من يعرف و من لا يعرف، لا مطلق الشروط. و بعبارة اخرى: النظر في الحديث صدرا و ذيلا الى شرط الايمان فقط، و قد رأيت ان المفيد في المقنعة أيضا حمل الحديث على الشبهة الموضوعية بالنسبة الى شرط الايمان، فلا يعارض الحديث للمرسلة لاختلاف موردهما.

و ثالثا: لو سلم الاطلاق فالنسبة بين الحديث و المرسلة عموم من وجه. و في مادة اجتماعهما و هو الاشتباه في الاهلية من حيث الفقر مع الاجتهاد تقدم المرسلة، لأظهريتها، و على فرض التكافؤ تتساقطان، فيرجع الى اصالة الاشتغال، و عموم التعليل بانه وضعها في غير موضعها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 396

..........

______________________________

و بالجملة فالاستدلال بالحديث ساقط.

و قد يتوهم حمل الحديث على الاحتمال الاول و استفادة المقام منه بالفحوى و الاولوية بتقريب انه اذا اجزأ الاداء الى غير الاهل مع العلم بكونه غيره فمع الاشتباه اولى.

و فيه انه من الممكن إجزاء الاداء الى غير المؤمن مع فقد المؤمن واقعا، بخلاف صورة اشتباه الفقر فانه لا يجزي مع كشف الخلاف، فتأمّل.

ثم ان الظاهر من الاحتمالات في الحديث هو الاحتمال الثالث، و كون المورد خصوص شرط الايمان. اذ قوله: «فانه لم يعلم اهلها» ظاهر في الجهل بالحكم، و إلّا قال: «فانه لم يعرف اهلها». و السياق شاهد على كون المورد شرط الايمان فقط، فيرجع ذيل الحديث الى صدره، و يكون تفصيلا

فيه بين من اجتهد في الحكم ثم بان خلافه، و بين من لم يجتهد.

نعم يمكن ان يقال كما اختاره الشيخ بعدم التفرقة بين الشبهتين، فاذا قلنا بالاجزاء في الشبهة الحكمية مع الاجتهاد و كشف الخلاف قلنا به في الشبهة الموضوعية أيضا، بل هي اولى بالمعذورية. اذ الجهل بالحكم الشرعي لا يخلو عن تقصير ما و ان اجتهد، و لكن مع ذلك لا يرتبط الحديث بمسألة الفقر و الغني فتدبر.

تتميم: قد ظهر ان مقتضى مرسلة حسين بن عثمان، و عموم التعليل في اخبار اعادة المخالف زكاته- مضافا الى اصالة الاشتغال- هو الضمان مطلقا.

نعم يمكن ان يقال بانه لو اعتمد على اصل شرعي أو امارة مجعولة شرعا كان الظاهر من دليل حجيته هو الإجزاء و عدم الضمان كما بين في محله. و لا يجري هذا فيما لا جعل فيه كالعلم و الامارات العقلائية. و قوله في المرسلة: «و هو يرى انه معسر» لعل الظاهر منه هو العلم، فلا يشمل الاصول الشرعية و الامارات المجعولة. و قد اختار هذا التفصيل الاستاذ- مدّ ظله .. في حاشيته على المتن، فراجع.

و في المستمسك بعد تقريب العمل بالمرسل قال ما حاصله: «نعم لو كانت الزكاة معزولة فضمانها بالدفع المذكور الذي لا تفريط فيه لكونه جريا على القواعد الشرعية الظاهرية غير ظاهر و مثله دعوى الضمان بالإتلاف، اذ لا اتلاف بالدفع المذكور و المتحصل انه لو كانت الزكاة متعينة فلو دفعها الى غير المستحق اعتمادا على حجة فالاصل البراءة من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 397

[لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه]

نعم، لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه لا ضمان عليه (1) و لا على المالك الدافع إليه.

______________________________

ضمانها، و لو كانت غير متعينة بل

كانت في ذمته أو في النصاب فدفعها الى غير المستحق فالاصل يقتضي عدم حصول التخليص بذلك. و ظاهر المرسل الضمان في جميع الصور» «1».

و ما ذكره من التفصيل بين الزكاة المعزولة و غيرها تفصيل آخر.

و يرد عليه اجمالا صحة الدعوى التي اشار اليها من الضمان بالاتلاف أو الحيلولة و ان كانت الزكاة معزولة، نظير ما اذا كان كتاب زيد عنده امانة فادّاه الى عمر و اشتباها و لو بحجة شرعية ثم بان الاشتباه، فان الظاهر ثبوت الضمان لو تلف الكتاب أو لم يمكن ارجاعه.

و استثناء اليد الأمينة مع عدم التعدي و التفريط انما هو في ضمان اليد الثابت بالتلف في يده، لا في ضمان الإتلاف كما لا يخفى. هذا.

و لكن يمكن ان يستأنس لعدم الضمان بالاخبار المستفيضة الدالة على عدم الضمان فيما اذا بعث زكاة. ماله لتقسم فضاعت، و قد دل بعضها على عدم الضمان مطلقا، و بعضها على عدمه ان لم يجد عنده من يدفعها اليه و لا سيما تعليل عدم الضمان في صحيحة محمّد بن مسلم بقوله: «لأنها قد خرجت من يده». فراجع الوسائل ج 6 الباب 39 من ابواب المستحقين.

و اطلاقها يشمل المعزولة و غيرها. اللّهمّ إلّا ان يقال بتحقق العزل بذلك قهرا فتدبّر.

(1) قال في المبسوط: «اذا دفع الامام الصدقة الواجبة الى من ظاهره الفقر ثم بان انه كان غنيا في تلك الحال فلا ضمان عليه، لأنه امين و ما تعدى، و لا طريق له الى الباطن» «2».

و في المنتهى: «و لو دفع الامام أو نائبه الى من يظنه فقيرا فبان غنيا لم يضمن الدافع و لا المالك بلا خلاف. اما المالك فلانه ادّى الواجب و هو الدفع الى الامام فيخرج

عن

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 238.

(2)- المبسوط 1/ 260.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 398

..........

______________________________

العهدة، و اما الدافع فلانه نائب عن الفقراء و امين لهم لم يوجد منه تفريط من جهة فلا يضمن، و لأنه فعل المامور به لان الواجب الدفع الى من يظهر منه الفقر اذ الاطلاع على الباطن متعذر فيخرج عن العهدة. و لا نعلم فيه خلافا» «1»

و في زكاة الشيخ الاعظم: «ان كان الدافع هو الامام أو نائبه الخاص أو العام أو وكيلهم فالظاهر عدم الضمان، لأصالة البراءة، و كونهم مأذونين من المالك الحقيقي و من طرف الفقراء في هذا الدفع الخاص، و لا يترتب على التلف الحاصل من دون تفريط منهم ضمان، مع ان الضمان لو كان ففي بيت مال المسلمين فيكون الغرامة أيضا في مال الفقراء ... و الاجود الاعتماد على الاجماع كما يظهر من العلامة. هذا كله بالنسبة الى الدافع، و اما المالك فلا اشكال في براءة ذمته من الزكاة، لإيصالها الى يد وكيلهم فبرئت ذمته» «2».

و في المصباح: «لان يده يد امانة و احسان فلا يتعقبه ضمان ما لم يكن هناك تعدّ أو و تفريط، و قد رخص شرعا في دفعها الى من ثبت لديه فقره بطريق ظاهري، و قد عمل على وفق تكليفه» «3».

أقول: الظاهر عدم الخلاف في المسألة بيننا كما في المنتهى، بل بين عامة المسلمين كما يظهر من عدم عنونتها في الخلاف مع عنونة الفرع السابق فيه. و لكن الادلة المذكورة في كلماتهم قابلة للخدشة كما يظهر من الشيخ أيضا، اذ المقام مقام اصالة الاشتغال لا اصالة البراءة. و عدم ضمان اليد الامينة انما هو في ضمان اليد لا في الاتلاف أو الحيلولة. و مثله قاعدة

الاحسان المستفادة من قوله- تعالى: «مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ». فلو قبل زيد امانة من عمرو لحفظها فادّاها الى بكر بزعم انه عمرو بحجة شرعية و لم يمكن استرجاعها، أو اتلفها في حال النوم مثلا فهل يمكن الالتزام بعدم ضمان زيد بتقريب انه امين و محسن؟

و قد بيّنا ان الدفع الى من يظهر منه الفقر بعنوان الطريقية لا الموضوعية، فلا اجزاء مع

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 527.

(2)- زكاة الشيخ/ 501.

(3)- المصباح/ 93.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 399

..........

______________________________

كشف الخلاف. اللّهمّ إلّا في الاصل الشرعي و الامارة الشرعية كما مرّ بيانه.

نعم، يمكن ان يقال- كما اشار اليه الشيخ- ان الزكاة و كذا الخمس من بيت المال و اموال الحكومة الاسلامية، و الامام ولي امر المسلمين، و كذا الفقيه في عصر الغيبة و هو المتصدي لأخذ أموال الحكومة و تقسيمها، و كأنه صاحبها و مالكها، و الفقراء و نحوهم مصارف لها. فالمالك اذا ادّى الزكاة الى الامام أو نائبه فكأنه أدّاها الى مالكها و ولي امرها فبرئت ذمته. و ولي امرها اذا صرفها بلا تفريط فكأنه صرف مال نفسه فانه ولي امرها فلا مالك غيره حتى يضمن له.

نعم، لو اداها المالك الى المجتهد لا بما انه ولي امرها، بل وكّله في ايصالها الى الفقراء و ساير المصارف من قبل المالك، فحينئذ حكمه حكمه، كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 400

فرع لو دفع الزكاة الى غني جاهلا بحرمتها عليه

[مسألة 14]: لو دفع الزكاة الى غني جاهلا بحرمتها عليه أو متعمدا استرجعها مع البقاء (1)، أو عوضها مع التلف (2) و علم القابض، و مع عدم الامكان يكون عليه مرّة اخرى (3). و لا فرق في ذلك بين المعزولة و غيرها. و كذا في المسألة

السابقة (4). و كذا الحال لو بان انّ المدفوع إليه كافر، أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة، أو ممن تجب نفقته عليه، أو هاشمي اذا كان الدافع من غير قبيله (5).

______________________________

(1) وجوبا أو جوازا بلا اشكال لعدم ملكه لها بالقبض.

(2) أو الإتلاف لقاعدة اليد، و لقاعدة الإتلاف. و كذا مع احتمال القابض لكونها زكاة. نعم لو دفعها بعنوان الصلة مثلا فلا ضمان على الآخذ لصدق الغرور. و بالجملة الضمان ثابت مطلقا إلّا مع صدق الغرور.

(3) مرّ تفصيل ذلك في المسألة السابقة، و ان الجهل بالحكم الشرعي لا يمنع من عموم دليل الضمان و ان منع عن ثبوت الاثم مع القصور.

(4) و قد مرّ عن المستمسك التفصيل بين المعزولة و غيرها «1»، و مرّ الاشكال عليه فراجع.

(5) الظاهر وحدة الملاك و الحكم في جميع الشرائط. فكل ما مرّ في مسألة الفقر

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 238.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 401

..........

______________________________

و الغنى يجري في هذه الشروط أيضا. و الشيخ أيضا في الخلاف «1» و كذا في المبسوط ساوى بين الجميع، و حكم في الجميع بعدم الضمان فراجع ما مرّ من المسألتي 28 و 29 من الخلاف.

و في المبسوط بعد ذكر مسألة الفقر و الغنى قال: «و اذا دفعها الى من ظاهره الإسلام ثم بان انّه كان كافرا، أو الى من ظاهره الحرية فبان انه عبد، او الى من ظاهره العدالة ثم بان انّه كان فاسقا، أو بان انه من ذوي القربى كان الحكم فيه مثل ما قلناه في المسألة الاولى» «2».

و في الشرائع أيضا بعد ما حكم بعدم الضمان في مسألة الفقر و الغنى قال: «و كذا لو بان ان المدفوع اليه كافر، أو فاسق، أو

ممن تجب نفقته، أو هاشمي و كان المدفوع اليه من غير قبيله» «3».

و لكن يظهر من العلامة في المختلف كون الاولى مختلفا فيها، و كون هذه اجماعية. قال في مقام الاستدلال على عدم الضمان فيمن ظهر غناه: «و لأنّ القول بعدم الإجزاء هنا مع القول بالإجزاء في باقي الشرائط مما لا يجتمعان، و الثاني ثابت بالإجماع فينتفي الاول» «4».

و يظهر من كثير من المتأخرين الاعتماد على هذا الاجماع.

و لكن لا يخفى- مضافا الى منع تحقق الاجماع، لعدم كون المسألة معنونة في كثير من الكتب- ان المسألة ليست من المسائل الاصلية المأثورة حتى يفيد فيها الاجماع أو الشهرة، بل من المسائل التفريعية التي أرادوا اثباتها بالقواعد من اجزاء الامتثال الظاهري، أو كون الظاهر موضوعا للحكم الواقعي، أو قاعدة الاحسان، أو نحو ذلك. و قد مرّ الاشكال في جميعها. و قد يستدل للاجزاء فيما اذا ظهر عدم الايمان بصحيحتي زرارة و عبيد السابقتين، و يلحق به غيره بالإجماع المركب، أو الاولوية، كما في زكاة الشيخ «5». و لكن فيه اولا ما مرّ

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 354.

(2)- المبسوط 1/ 261.

(3)- الشرائع 1/ 160.

(4)- المختلف 1/ 20.

(5)- زكاة الشيخ/ 502.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 402

[إذا دفع الزكاة باعتقاد انه عادل فبان فقيرا فاسقا]

[مسألة 15]: إذا دفع الزكاة باعتقاد انه عادل فبان فقيرا فاسقا: أو باعتقاد انّه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمروا، أو نحو ذلك، صحّ و اجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد بل كان من باب الاشتباه في التطبيق (1)، و لا يجوز استرجاعه حينئذ و إن كانت العين باقية (2). و امّا

______________________________

من احتمال كون المراد بهما اعطاء الزكاة لغير المؤمن لعدم وجدانه للمؤمن، فلا ترتبطان بصورة الاشتباه. و لو سلّم فالظاهر

كون المراد بهما الشبهة الحكمية، لا الموضوعية. اللّهمّ إلّا ان يقطع باتحاد حكم الشبهتين، بل كون الموضوعية اولى بالمعذورية، كما مرّ.

و ثانيا بمنع الاجماع المركّب بنحو يفيد، اعني القول بعدم الفصل، اذ لا يفيد صرف عدم القول بالفصل كما ان الاولوية أيضا ممنوعة،

و كيف كان فالظاهر كون المسألة كسابقتها حكما و ملاكا، فتدبر.

(1) الظاهر ان الصور أربع:

الاول: ان يقصد الدفع لهذا الشخص الخاص الخارجي و كان اعتقاد الوصف المتوهم اعتقادا مقارنا فقط من دون كونه داعيا أو قيدا.

الثاني: ان يقصد ذلك و لكن كان الوصف المتوهم داعيا بوجوده العلمي من دون دخالة في الموضوع.

الثالث: ان يقصد الدفع للمتصف بالوصف فيكون معتبرا قيدا و لكن بنحو تعدد المطلوب، فينحل قصده الى قصدين: قصد اعطاء الزكاة مطلقا، و قصد اعطائه للمقيد ليكون افضل مثلا.

الرابع: ان يكون كذلك بنحو وحدة المطلوب بحيث لا يريد الامتثال إلّا مقيدا و بنحو التبعيض في الامتثال، و يرجع الى عدم قصد اعطاء الزكاة لفاقد الوصف بل قصد عدمه.

لا اشكال في الصحة في الاوليين، بل الثالثة أيضا. اذ الواجب وقوع الاعطاء بالنية مع القربة و كون الآخذ اهلا لها شرعا، و المفروض تحقق ذلك و اما في الرابعة فالظاهر عدم الصحة، لاعتبار النية و القصد، و المفروض ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

(2) لخروجها عن ملكه و وصولها الى المصرف فخرجت عن اختياره

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 403

إذا كان على وجه التقييد (1) فيجوز، كما يجوز نيتها مجددا مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامنا، بان كان عالما (2) باشتباه الدافع و تقييده.

______________________________

(1) بنحو وحدة المطلوب بحيث يرجع الى عدم قصد الامتثال مع فقد الوصف.

(2) بل

و ان كان محتملا لذلك. و بالجملة الضمان ثابت إلّا مع صدق الغرور، كما مرّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 404

3- العاملون

اشارة

الثالث: العاملون عليها، و هم المنصوبون من قبل الامام (1)، أو نائبه الخاص، أو العام (2) لأخذ الزكوات و ضبطها و حسابها و ايصالها إليه أو إلى الفقراء على حسب اذنه (3)، فان العامل يستحق منها سهما في مقابل

[كلمات الأصحاب في العاملين]

______________________________

(1) بلا خلاف و لا اشكال. و يشهد به سيرة الرسول «ص» و الأئمة «ع» و الروايات التي يأتي بعضها.

(2) لعدم سقوط هذا السهم في عصر الغيبة كما يأتي من المصنف و يأتي شرحه.

(3) في المقنعة: «وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و هم السعاة في جبايتها» «1».

و في النهاية: «هم الذين يسعون في جباية الصدقات» «2». و نحو ذلك في المبسوط و الغنية و المراسم و نحوها من كتب القدماء.

و لكن في البيان: «و هم السعادة في جبايتها بولاية و كتابة و قسمة و حساب و عرافة و حفظ» «3».

و في اللمعة و شرحها: «و هم السعاة في تحصيلها و تحصينها بجباية و ولاية و كتابة و حفظ

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- البيان/ 194.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 405

عمله و إن كان غنيّا (1).

______________________________

و حساب و قسمة و غيرها» «1».

فقد فصّلا و ذكر المصاديق و منها القسمة. و نحو ذلك كتب المتأخرين.

و الظاهر من القسمة انها القسمة بين الفقراء و غيرهم من المصارف، و ان احتمل بعيدا ارادة القسمة مع المالك.

و في الجواهر عن شرح الفاضل: «و القسمة مما لها مدخلية في ذلك، لأنها تحصيل الزكاة لمستحقيها و تحصين لها عن غيره و عن استبداد البعض بجميعها» «2».

و كيف كان فالظاهر صدق لفظ العمل على جميع من ذكر. و التعدية ب «على» من جهة ان الموضوع لجميع هذه الاعمال هو الزكاة. و بالجملة فعموم اللفظ في

الآية و الاخبار و الفتاوى يشمل جميع ذلك حتى القسمة.

و في الجواهر ان قوله- عليه السلام- في خبر علي بن ابراهيم المروي عن تفسيره:

«وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا هم السعاة و الجباة في اخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها الى من يقسمها» «3» ظاهره خروج القسمة عن العمل «4». و لكن الظاهر حمل ما في الخبر على المثال، اذ لا وجه للتخصيص بعد اطلاق لفظ العمل. و لعل التقسيم و التوزيع في تلك الاعصار كان بتصدي نفس النبي «ص» و الائمة لقلة الزكوات الواصلة اليهم فلم يحتاجوا الى المقسم، بل في خبر محمّد بن خالد قال له ابو عبد اللّه «ع»: مر مصدقك ... فاذا اخرجها فليقسّمها فيمن يريد «5». فيعلم منه ان التقسيم أيضا ربما كان من أعمال نفس المصدق.

(1) هنا مسألتان متعانقتان تعرض لهما المصنف:

الاولى: ان ما يأخذه العامل صدقة و زكاة استحقها بجعل الشارع له، لا اجرة للعمل.

الثانية: عدم اشتراط الفقر فيه.

______________________________

(1)- الروضة البهية 2/ 45.

(2)- الجواهر 15/ 333.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- الجواهر 15/ 333.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 406

..........

______________________________

فالاولى، مختار اصحابنا و اكثر فقهاء السنة. و خالف فيها ابو حنيفة.

و الثانية، كأنها اجماعية لا خلاف فيها.

قال في الخلاف (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 23): «خمسة اصناف من اهل الصدقات لا يعطون إلّا مع الفقر بلا خلاف، و هم الفقراء، و المساكين، و الرقاب، و الغارم في مصلحة نفسه، و ابن السبيل المنشئ لسفره. و اما العامل يعطى مع الفقر و الغنى بلا خلاف. و عندنا انه يأخذ الصدقات صدقة دون الاجرة. و به

قال الشافعي. و قال ابو حنيفة: يأخذه اجرة ... دليلنا اجماع الفرقة و عموم الآية ... و اما الدليل على ان سهم العامل صدقة دون الاجرة انه لا خلاف ان آل الرسول لا يجوز ان يتولوا الصدقة، و لو كان ذلك اجرة لجاز لهم ان يتولوها كسائر الاجارات».

و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية: «ما يستحقه العامل انما يستحقه بطريق العمالة، لا بطريق الزكاة. بدليل انه يعطى و ان كان غنيا بالإجماع. و لو كان ذلك صدقة لما حلّت للغنى. و بدليل انه لو حمل زكاته بنفسه الى الامام لا يستحق العامل منها شيئا» «1».

اقول: لا يخفى الخدشة في دليليه. اذ المحرم للغنى هو سهم الفقير و المسكين لا مطلقا، و لذا لا يشترط الفقر في سبيل اللّه و ابن السبيل أيضا. و الموضوع هو العامل، و مع انتفاء العمل ينتفي الموضوع قهرا.

و استدل في المعتبر على كونها صدقة بالآية الشريفة، قال: «فمقتضى النص التسوية بين الفقراء و العاملين في الاستحقاق. و لأنها لو كانت اجرة لافتقر الى تقدير العمل أو المدة أو تعيين الاجرة، و كل ذلك منفي بعمل النبي «ص» و الأئمة «ع» بعده. و لأنه لو كان اجرة لما منع منها آل الرسول» «2».

و كيف كان فظاهر الآية و الروايات و فتاوى الاصحاب ان سهم العامل كسهم الفقير صدقة و زكاة استحقها بجعل اللّه- تعالى. و كونه في قبال عمله لم يخرجه عن عنوان الصدقة

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 2/ 44.

(2)- المعتبر/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 407

..........

______________________________

و لونها. بل ما ذكره ابو حنيفة اجتهاد في مقابل النص، فتدبّر.

[عدم اشتراط الفقر في العامل]

و اما المسألة الثانية، اعني عدم اشتراط الفقر في العامل فالظاهر كما عرفت

كونها اتفاقية بين الفريقين.

و يدل عليه مضافا الى ذلك عموم الآية. اذ ظاهر العطف المغايرة، و لو اشترط الفقر كان من قبيل عطف الخاص على العام و هو خلاف الظاهر.

و يدل عليه أيضا خبر الدعائم، عن جعفر بن محمّد، عن ابيه، عن آبائه عن رسول اللّه «ص» انه قال: لا تحل الصدقة لغني إلّا لخمسة: عامل عليها، أو غارم و هو الذي عليه الدين، أو تحمل الحمالة، أو رجل اشتراها بماله، أو رجل اهديت اليه «1». هذا.

و لكن يمكن ان يتوهم اشتراط الفقر فيه و يستدل له بوجوه:

الأوّل: الاخبار الناطقة بان اللّه- تعالى- أشرك بين الاغنياء و الفقراء، و انه جعل الزكاة خمسة و عشرين في كل الف اخرج من اموال الاغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء، و انه حسب الاموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كل الف خمسة و عشرين «2».

الثاني: الخبر المروي بطرق الفريقين مستفيضا من قوله: «ان الصدقة لا تحل لغني» «3».

الثالث: قول الحسنين «ع» لمن سألهما: «ان الصدقة لا تحل إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع» «4».

الرابع: قاعدة الشغل. لدوران الامر بين التعيين و التخيير، و الاصل فيه الاشتغال.

و يرد على الاول، ان صدور هذه الاخبار من جهة كون الفقراء عمدة المصارف و اهمها، و الا لوقع النقض بابن السبيل و في سبيل اللّه أيضا.

و بذلك يظهر الجواب عن الثاني أيضا.

و عن الثالث، ان الحصر غير حاصر قطعا. و لعله كان بلحاظ حال السائل، حيث انه

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 261، و المستدرك، ج 1، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 3 من ابواب زكاة الذهب و الفضة.

(3)- راجع الوسائل، ج

6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 408

[لا يلزم استيجاره من الأول]

و لا يلزم استيجاره من الأول أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة، بل يجوز أيضا ان لا يعين له و يعطيه بعد ذلك ما يراه (1).

______________________________

لم يحتمل في حقه إلّا العناوين الثلاث المذكورة.

و عن الرابع، ان الاصل لا يقاوم الدليل من عموم الآية و نحوها.

فتلخص مما ذكرنا كون ما يأخذه العامل صدقة، و انه لا يشترط فيه الفقر. و لا يريد المصنف من قوله: «في مقابل عمله» خروجه عن كونه صدقة و وقوعه اجرة محضة، و ان أو همت عبارته ذلك. بل المراد كون السهم للعامل و لا يسمى عاملا حتى يقع منه العمل.

مضافا الى ان الإعطاء اجرة لا ينافي عنوان الصدقة، كما يأتي.

(1) ليست المسألة من المسائل الاصلية المعنونة في الكتب المعدّة لنقل المسائل الاصلية المأثورة، و انما عنونوها في الكتب المعدّة لذكر التفريعات الاستنباطية.

ففي المبسوط: «فالامام في العامل بالخيار ان شاء استأجره مدّة معلومة و ان شاء عقد معه عقد جعالة، و اذا و فى العمل دفع اليه العوض الذي شرط له» «1».

و في الشرائع: «و الامام مخير بين ان يقدر لهم جعالة مقدرة أو اجرة عن مدّة مقدرة» «2».

و في المدارك «3» بعد نقله: «لا ريب في جواز كل من الامرين مع ثالث و هو عدم التعيين و اعطائهم ما يراه الامام كباقي الاصناف، لما رواه الكليني في الحسن عن ابي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ما يعطي المصدق؟ قال: ما يرى الامام و لا يقدر له شي ء» «4».

اقول: و يقرب من الرواية ما رواه في

الدعائم، عن جعفر بن محمّد «ع» انه قال في قول اللّه- عزّ و جل: وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، قال: هم السعاة عليها، يعطيهم الامام من الصدقة بقدر ما يراه، ليس في ذلك توقيت عليه «5». هذا.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 248.

(2)- الشرائع 1/ 161.

(3)- المدارك/ 315.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(5)- المستدرك، ج 1، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 409

..........

______________________________

و قد مرّ عن المعتبر في ردّ ابي حنيفة قوله: «و لأنها لو كانت اجرة لافتقر الى تقدير العمل أو المدة أو تعيين الاجرة، و كل ذلك منفي بعمل النبي «ع» و الأئمة بعده».

و المصنف أيضا كما ترى خيّر بين الاستيجار و الجعالة و عدم التعيين. و هو الاقوى، بل مما لا ريب فيه كما في المدارك. هذا.

و لكن يظهر من الجواهر التنافي بين ما ذكرناه سابقا من كون سهم العامل صدقة و بين التعيين بنحو الأجرة، قال: «حيث تقدر للعامل اجرة يخرج عن كونه مصرفا للزكاة، ضرورة ملكه لها بعقد الاجارة، و لذا وجب الإتمام من بيت المال. بل لو لم يأت بشي ء، أو ذهب ما جاء به اخذ من الامام «ع» ما يستحقه. و من المعلوم ان المراد من الآية اعطاء العامل من الصدقات على وجه الصدقة، و هو الذي لم يقدر له شي» «1».

و توهّم هذا التنافي و اوضحه و فصّله في المستمسك بما حاصله: «ان مقتضى الآية الشريفة- و لا سيما بقرينة السياق- كون استحقاق العامل منها بجعل الشارع فيعطى مجانا، لا بجعل الامام بعنوان المعاوضة. و حينئذ فلو جعل الامام للعامل شيئا بطريق الجعالة أو الاجارة لم يكن ذلك مما هو مجعول

بالآية الشريفة، بل كان تصرفا منه نافذا حسب ولايته، نظير اجرة المكان و قيمة العلف. و حينئذ يشكل ما ذكره الاصحاب من التخيير بين الاجارة و الجعالة، و لا سيما بملاحظة ما في صحيح الحلبي ... و العمل في الآية يراد منه الولاية الخاصة المجانية، كما يقتضيه سياقها و اجماع الاصحاب على اعتبار شروط خاصة فيه، و إلّا فلا ينبغي التأمّل في جواز استيجار من يفقد جميع هذه الشروط. و الولاية هنا كسائر الموارد نظارة على العمل، لا نفس العمل الذي يبذل بازائه الاجر و الجعل. و يشهد له تعديته ب «على». فهذه الولاية من شئون ولاية الامام ليست ملحوظة مالا ليبذل بازائها المال، و إلّا كان حال العامل حال السائس و الراعي و البيطار و نحوهم ممن اجرة عمله كأجرة المكان و اجرة النقل من المصارف التي لا يعطى مالكها بقصد التصدق عليه بل بقصد أداء حقه» «2».

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 338.

(2)- المستمسك 9/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 410

..........

______________________________

أقول: ما ذكراه من التنافي ممنوع فان الزكوات و الاخماس و غيرهما من الماليات الاسلامية و ان جعلت و شرّعت لها مصارف خاصة من قبل اللّه- تعالى- و لكن كلها ضرائب للحكومة الاسلامية، و جعل وليّ امر المسلمين وليّا عليها، و اليه فوّض كيفية صرفها في مصارفها حسب ما يراه من المصلحة. كما تدل عليه الاخبار، كصحيحة الحلبي و خبر الدعائم المتقدمتين و غيرهما. و لذا وجب في عصر النبي «ص» و الأئمة «ع» تحويلها اليهم و لم يجز للمالكين الاستبداد بصرفها إلّا باذنهم.

و على هذا فيجوز للإمام ان يستأجر العامل، و ان يجعل له جعلا، و ان يعطيه صلة و هدية بعد ما عمل

تبرعا و نحوه الفقيه في عصر الغيبة، فان الحكومة الاسلامية لا تتعطل و يجب تشكيلها و ادارتها في كل عصر و مكان، و يصدق على جميع انحاء الصرف أنها صرف هذه الضريبة الخاصة. فلو فوّض الى احد ادارة مؤسسة، أو حوزة علمية، أو جامعة علمية، و جعل لذلك ميزانية وسيعة، و جعلت تحت اختياره فهو يصرفها فيها على حسب ما يراه مصلحة، فقد يستأجر الصنّاع أو الاساتذة أو الأمكنة، و قد يجعل لهم جعالة، و قد يهدي الى عظمائهم منها بعد ما عملوا امرا مهما. و كل ذلك يصدق عليه انه صرف لهذه الميزانية.

و كأننا لتعودنا على عدم البرنامج و النظم في امورنا، نتوهم ان ادارة الحكومات و المؤسسات و صرف ميزانياتها يجب ان تكون بلا نظم و ترتيب و حساب، و ان التعيين و التقدير لمدّة الاعمال أو الاجور ينافي طبع الميزانيات المعينة و صرفها في مصارفها الخاصة.

مع ان نطاق الحكومة اذا اتسعت فلا مجال لترك البرنامج و النظم فيها.

و لا يراد بصحيحة الحلبي ان الإمام يجب ان يعطى اجر المصدق بلا تعيين، بل المراد ان الشارع لم يقدر له مقدارا خاصا لا يزيد و لا ينقص.

و لعل النظر في هذه الصحيحة و رواية الدعائم و نحوهما الى ردّ ما افتى به الزهري و غيره و تبعهم الشافعي من تعين الثمن للعامل و انّه يجب البسط على الاصناف الثمانية على السواء.

و بالجملة التنافي بين كون ما يعطى للعامل زكاة و بين كونها بنحو الأجرة أو الجعل ممنوع، فان التعيين يعود الى وليّ امر الزكاة، و الاصناف الثمانية مصارف للزكاة لا ملّاك لها. و لو سلّم فمالكيتهم نظير مالكية الصغار حيث ان اختيار اموالهم بيد

القيم لهم، يصرفها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 411

..........

______________________________

فيهم بنحو ما يراه مصلحة.

و ما في المستمسك من جعل العمل ولاية خاصة و حصره في الأمين العام و الناظر المتصدّي للأمر و النهي فقط ممنوع، بل يشمل جميع الاعمال المرتبطة بالزكاة الواقعة عليها من نظارة و جباية و حساب و وزن و حفظ و حمل و قسمة و نحوها، كما مرّ. و في الجميع يصدق الاستعلاء، فان موضوع جميع هذه الاعمال هي الزكاة، و الاعمال واقعة عليها. و اعتبار الشروط في العمال يأتي البحث عنه. و الاجماع فيها ممنوع كما يأتي.

و لو استأجر الامام على الزكاة، أو جعل لأحد جعلا ثم تلفت الزكاة وجب اداء الأجرة، أو الجعل من بيت المال. و هذا لا يدل على عدم صدق الزكاة لو فرض ادائهما من نفس الزكاة كما لا يخفى، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 412

شروط العاملين
اشارة

و يشترط فيهم التكليف بالبلوغ و العقل و الايمان، بل العدالة و الحرية أيضا على الأحوط (1).

[كلمات الأصحاب حول المسألة]

______________________________

(1) في المبسوط: «و اذا اراد الامام ان يولّي رجلا على الصدقات احتاج ان يجمع ست شرائط: البلوغ و العقل و الحرية و الإسلام و الامانة و الفقه، فان اخلّ بشي ء منها لم يجز ان يولّيه» «1».

و في الشرائع: «و العاملون، و هم عمّال الصدقات. و يجب ان يستكمل فيهم اربع صفات: التكليف و الايمان و العدالة و الفقه. و لو اقتصر على ما يحتاج فيه جاز. و ان لا يكون هاشميا. و في اعتبار الحرية تردّد» «2».

و لا يخفى ان الشيخ لم يذكر الايمان و العدالة، و انما ذكر بدلهما الإسلام و الامانة.

قال في المدارك في شرح عبارة الشرائع: «لا ريب في اعتبار استجماع العامل لهذه الصفات، لان العمالة تتضمن الاستيمان على مال الغير، و لا امانة لغير العدل. و لقول امير المؤمنين- عليه السلام- في الخبر المتقدم: «فاذا قبضته فلا توكل به إلّا ناصحا شفيقا امينا حفيظا. و انما يعتبر الفقه فيمن يتولى ما يفتقر اليه. و المراد منه معرفته بما يحتاج اليه من

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 248.

(2)- الشرائع 1/ 160.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 413

..........

______________________________

قدر الواجب و صفته و مصرفه. و يختلف ذلك باختلاف حال العامل بالنسبة الى ما يتولاه من الأعمال. و يظهر من المعتبر الميل الى عدم اعتبار الفقه في العامل و الاكتفاء فيه بسؤال العلماء، و استحسنه في البيان. و لا بأس به». انتهى ما في المدارك «1».

و مراده بقول امير المؤمنين «ع» ما في صحيحة بريد، قال: سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول:

بعث امير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى

باديتها فقال له: يا عبد اللّه انطلق ... و كن حافظا لما ايتمنتك عليه، راعيا لحق اللّه فيه، حتى تأتي نادي بني فلان ... حتى تأخذ حق اللّه في ماله فاذا قبضته «2» ...

و في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه، رافقا بمال المسلمين، حتى يوصله الى وليهم فيقسمه بينهم. و لا توكل بها إلّا ناصحا شفيقا و امينا حفيظا غير معنف و لا مجحف ...» «3».

و لا يخفى عدم دلالة الصحيحة على اعتبار التكليف و لا العدالة المصطلحة، بل على اعتبار الأمانة و كون الشخص حفيظا للمال. نعم قوله «ع» في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه» لعله يدل على اعتبار العدالة بالمعنى الاخص الذي يعتبر فيه الايمان أيضا، مضافا الى الإسلام.

و في الجواهر بالنسبة الى اعتبار التكليف قال: «بلا خلاف اجده فيه و لا اشكال. فلا يجوز عمالة الصبي و المجنون و لو باذن وليهما، لأنها نيابة عن الإمام في الولاية على قبض مال الفقراء و حفظه لهم، و هما قاصران عن ذلك».

و بالنسبة الى اعتبار الإيمان قال: «لعدم جواز هذه الولاية لغيره، اذ هي غصن من شجرة العهد الذي لا يناله الظالمون، مضافا الى عموم ما دل على عدم جواز اعطائهم الصدقات و الى عدم عدالتهم» «4».

______________________________

(1)- المدارك/ 315.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 7.

(4)- الجواهر 15/ 334.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 414

..........

______________________________

و حكى عن الروضة و المفاتيح ادعاء الاجماع على اعتبار العدالة في العاملين.

و في مصباح الفقيه ما حاصله: «قد يظهر من كلماتهم التسالم على اعتبار

هذه الشرائط، فان تم الاجماع فهو، و إلّا فالأظهر إناطته بنظر الوالي، فان كان الامام الاصل فهو اعرف بوظيفته، و ان كان غيره كالفقيه في زمان الغيبة فاذا رأى صبيا، أو فاسقا بصيرا بالامور حاذقا بامر السياسة و الرئاسة و جزم بكونه ناصحا شفيقا امينا حفيظا و ان كان فاسقا غير متحرز عن جملة من المعاصي فلا مانع من نصبه لجباية الصدقات و ضبطها و كتابتها و غير ذلك اذ رأى المصلحة في ذلك» «1».

أقول: هذه عمدة كلماتهم في المقام بنحو يظهر منها مشربهم و ادلّتهم.

و لكن يجب ان يلتفت الى امرين:

الأوّل: ان هذه الشرائط للعمّال لم تذكر في الكتب المعدّة لنقل المسائل المأثورة الاصلية كالمقنعة و المقنع و النهاية و نحوها، و انما تعرض لها اولا الشيخ في مبسوطه الذي وضع للمسائل التفريعية الاستنباطية، و تبعه المتأخرون له في التعرض لها.

و قد عرفت منا مرارا ان الإجماع الكاشف عن تلقي المسألة عن المعصومين- سلام اللّه عليهم- انما يتحقق في المسائل المأثورة، فيكون حجة فيها، بل يعتمد فيها على الشهرة أيضا.

و اما المسائل التفريعية التي اعمل فيها الاجتهاد و الاستنباط فوزانها وزان المسائل العقلية، فلا يفيد فيها الاجماع و لا الشهرة. فالتمسك بالإجماع في المقام بلا وجه.

الثاني: ان العامل في المقام لا ينحصر في الذي جعله الإمام امينا عاما للزكوات و الأخماس، نظير وزير الماليات في الحكومات الدارجة، و ان كان يوهم ذلك بعض كلماتهم التي مرّت و مرّ من المستمسك أيضا، بل المراد بالعامل كل من له عمل واقع على الزكاة من حينما تؤخذ من المالك الى ان تصل الى المستحقين. فيشمل الأمين العام، و الجابي، و الحاسب، و الكاتب، و الوزّان، و المحافظ،

و القسام، و نحو ذلك. فلو فرض كون الأوّل غصنا من شجرة العهد و الولاية فلا يصدق على من بعده عنوان الولاية حتى لا يجوز

______________________________

(1)- المصباح/ 94.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 415

..........

______________________________

للمولّى عليه أو لغير المؤمن تصديها.

اذا عرفت هذا فلنرجع الى بيان الشرائط التي تعرض لها المصنف، و الاستدلال عليها.

فنقول:

[ما استدل به على اعتبار التكليف]

اما التكليف فاستدل على اعتباره، أولا: بالإجماع. و ثانيا: بان العمالة ولاية، فلا يتصدى لها من يكون محجورا مولّى عليه. و ثالثا: بعدم كونه حفيظا، و قد اشترط في صحيحة بريد و عبارة نهج البلاغة.

أقول: قد مرّ الاشكال في الاجماع، و في كون جميع اقسام العمل من قبيل الولاية.

و عدم الحفظ في المراهق، بل و بعض أقسام المجانين ممنوع.

[ما استدل به على اعتبار الايمان]

و اما الايمان، فاستدل عليه اولا بالإجماع. و ثانيا بان العمالة نيابة عن الامام و غصن من شجرة الولاية التي لا ينالها الظالمون. و ثالثا بعدم العدالة. و رابعا بالأخبار المستفيضة الدالة على اشتراط الايمان، و المنع عن وضع الزكاة فيمن لا يعرف.

أقول: قد مرّ الجواب عن الاولين. و يرد على الثالث توقفه على اشتراط العدالة بالمعنى الاخص. و سيأتي البحث عنها و على الرابع ظهور الأخبار في كون محطّ النظر فيها سهم الفقراء و المساكين، فلا تشمل العمّال عليها، فراجع الوسائل ج 6 الباب الخامس من ابواب المستحقين.

نعم، ربما يستفاد من صحيحة زرارة، و محمّد بن مسلم اعتباره في العمال أيضا، فانهما قالا لأبي عبد اللّه- عليه السلام: أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى: انّما الصدقات ...

أكل هؤلاء يعطى و ان كان لا يعرف؟ فقال: ان الامام يعطى هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة. قال زرارة: قلت فان كانوا لا يعرفون؟ فقال: يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و انما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فاما اليوم فلا تعطها انت و اصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فاعطه دون الناس، ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم و سهم

الرقاب عام، و الباقي خاص ... «1»

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 416

..........

______________________________

يظهر من الصحيحة ان الامام يعطى من لا يعرف من سهم المؤلفة و ان سهم غير المؤلفة و الرقاب خاصّ بخصوص من يعرف فسهم العاملين أيضا يختص بمن يعرف. و احتمال كون المراد العموم و الخصوص بحسب الإسلام و الكفر خلاف ظاهر السياق فتدبر.

[ما استدل به على اعتبار العدالة]

و اما العدالة، فاستدل عليها تارة بما حكى من الاجماع، و اخرى بعدم كون الفاسق امينا مع وضوح اشتراط الأمانة، و اشتراطها صريحا في صحيحة بريد و عبارة نهج البلاغة.

أقول: قد مرّ الكلام في الإجماع. و استلزام الامانة للعدالة ممنوع، اذ قد يفرض كون الشخص امينا موثوقا به مع ارتكابه لبعض المعاصي غير المرتبطة بعمله.

نعم، يمكن دلالة قوله «ع» في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه» على اعتبار العدالة بالمعنى المصطلح، بل على اعتبار الايمان أيضا. فالاحوط اعتبارهما.

و لكن يمكن ان يقال ان المستفاد من العبارة اعتبار العدالة و الايمان فيمن يستأمن على المال، و يجعل زمام اختياره بيده، فلا تشمل العمال الذين لا مساس لهم مستقيما بنفس المال و لا يتمكنون من سرقتها و الخيانة فيها، فتدبر.

[ما استدل به على اعتبار الحرّية]

و اما الحرّية، فقد مرّ عن المبسوط اعتبارها، و عن الشرائع التردد فيه. و في المعتبر:

«و عندي في اشتراط الحرية و الفقه تردّد، اذ الغرض يحصل باذن المولى و سؤال العلماء. لا يقال: العامل يستحق نصيبا، و العبد لا يملك، و مولاه لم يعمل. لأنا نقول: عمل العبد كعمل المولى» «1».

و في المختلف: «شرط الشيخ في المبسوط كون العامل حرّا، و الاقوى عدم الاشتراط. لنا انه نوع اجارة، و العبد من اهلها، فجاز من العامل ان يكون عبدا» «2».

أقول: ما يمكن ان يستدل به على اعتبار الحرية امور:

الأوّل: ما مرّ في نظيرها من ان العمالة ولاية فلا تناسب الرقية، مع كون الرق بنفسه مولّى عليه.

______________________________

(1)- المعتبر/ 279.

(2)- المختلف 1/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 417

نعم لا بأس بالمكاتب (1).

[يشترط معرفة المسائل المتعلقة بعملهم]

و يشترط أيضا معرفة المسائل المتعلقة بعملهم

______________________________

و فيه عدم كونها بمراتبها من الولاية، كما مرّ. مضافا الى منع عدم تناسب الرقية للولاية.

الثاني: ان العبد لا يملك، فكيف يملك سهم العاملين؟ و قد ذكر هذا الدليل في عبارة المعتبر كما مرّ.

و فيه اولا: منع ذلك، بل نفس الاخبار المستفيضة الحاكمة بعدم الزكاة في مال العبد تدلّ على مالكيته «1» نعم مالكيته في طول مالكية المولى، فهو بنفسه يملك ماله، و مولاه يملك نفسه و يملك ماله من طريق ملك نفسه. نظير مالكيته- تعالى- لنا و لما نملكه تكوينا بفعلنا.

و ثانيا: لا يجب كون اعطاء الزكاة بنحو التمليك، بل يجوز بنحو الصرف فيه. و الأصناف الثمانية مصارف للزكاة.

و ثالثا: ما اشار اليه المعتبر و المختلف، و هو ان سهم العامل في مقابل العمل. فكل من يملك العمل يملك هذا السهم، و حيث ان عمل العبد ملك لمولاه

فيصير المولى مالكا لهذا السهم.

الثالث: موثقة اسحاق بن عمّار، عن ابي عبد اللّه «ع» و فيها: «و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا» «2» و في خبر علي بن جعفر، عن اخيه قال: سألته عن المملوك يعطى من الزكاة؟ فقال: لا «3».

و فيه كما في المصباح «4» ان المنساق من الخبرين الاعطاء مجانا من حيث الفقر، كما يؤمى اليه قوله- عليه السلام- في صحيحة ابن سنان: «و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا» «5».

و كيف كان فالإفتاء باشتراط الحرية مشكل، و ان افتى به في المبسوط كما مرّ. و لعل الاقوى كما في المختلف عدم الاشتراط.

(1) في الجواهر: «اما هو فلا ريب في جواز عمالته، لأنه صالح للملك

______________________________

(1)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 4 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 44 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 44 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- المصباح/ 95.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 44 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2 و الباب 4 من ابواب من تجب عليه الزكاة الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 418

اجتهادا أو تقليدا (1)،

[يشترط ان لا يكونوا من بني هاشم]

و ان لا يكونوا من بني هاشم (2).

______________________________

و التكسب» «1».

(1) مرّ عن المبسوط و الشرائع اعتبار الفقه في العامل، و عن الشرائع جواز الاقتصار على ما يحتاج فيه، و عن المعتبر التردد في اعتباره لحصول الغرض بسؤال العلماء، و قال في المدارك: «استحسنه في البيان، و لا بأس به» «2».

و كيف كان فاللازم العلم بما يتوقف عليه العمل الصحيح اجتهادا أو تقليدا و لو بالسؤال حين العمل. و اما اعتبار كونه فقيها فلا دليل عليه و لا سيما

اذا اريد به كونه مجتهدا، بل يبعد جدّا اعتباره مع سعة العمل و كونه ذا مراتب كما مرّ.

(2) بلا خلاف اجده كما في الجواهر «3». و في المبسوط: «فان كان من اهل ذوي القربى، فانه لا يجوز ان يتولى العمالة، لأنه لا يجوز له ان يأخذ الصدقة. و قال قوم: يجوز ذلك، لأنه يأخذ على وجه العوض، فهو كسائر الاجارات. و الاول اولى، لان الفضل بن عباس، و المطلب بن ربيعة سألا النبي «ص» ان يولّيهما العمالة فقال لهما: الصدقة انما هي اوساخ الناس، و انها لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد» «4».

قال في المختلف: «الظاهر ان القوم الذين نقل الشيخ عنهم من الجمهور. اذ لا اعرف قولا لعلمائنا في ذلك، و اكثرهم منع من اعطاء بني هاشم مطلقا» «5» و الخبر الذي رواه الشيخ مرويّ في كتاب الزكاة من صحيحي مسلم و النسائي، و فيهما: «عبد المطلب بن ربيعة»، فراجع.

و كيف كان فيدل على اعتبار عدم كون العاملين من بني هاشم- مضافا الى عدم الخلاف فيه بيننا، و ما مرّ من قصة الفضل و عبد المطلب- خصوص صحيحة عيص بن القاسم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان اناسا من بني هاشم اتوا رسول اللّه «ص» فسألوه ان

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 336.

(2)- المدارك/ 315.

(3)- الجواهر 15/ 335.

(4)- المبسوط 1/ 248.

(5)- المختلف 1/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 419

..........

______________________________

يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه- عزّ و جل- للعاملين عليها، فنحن اولى به، فقال رسول اللّه «ص»: يا بني عبد المطلب (هاشم)! ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم، و لكني قد وعدت الشفاعة (الى ان قال):

أ تروني مؤثرا عليكم غير كم «1»؟.

هذا، مضافا الى الأخبار المطلقة المستفيضة، بل المتواترة اجمالا، المروية بطرق الفريقين، الحاكمة بعدم حلية الصدقة على بني هاشم أو آل محمّد، المعمول بها عند الفريقين. فان اطلاقها يشمل العاملين أيضا.

و النسبة بينها و بين كل واحد من الاصناف كالعاملين مثلا و ان كانت بنحو العموم من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع اعني العامل الهاشمي مثلا و مقتضى القاعدة سقوطهما.

و لكن يمكن ان يجاب عن ذلك اولا بان الاصل بعد التساقط هنا الاشتغال.

و ثانيا بان الظاهر ملاحظة النسبة بين هذه الأخبار و بين مجموع الاصناف الثمانية و لحاظها موضوعا موحدا، فيصير موضوع هذه الاخبار خاصا بالنسبة اليها، و الا لزم طرح هذه الاخبار و عدم بقاء مورد لها. نظير ما ذكروه في ملاحظة النسبة بين ادلة نفي العسر و الحرج و الضرر، و بين الادلة الاولية على فرض انكار حكومتها عليها. و قد يعبر عن ذلك بالتوفيق العرفي بين الدليلين، أو تقديم ظهور الخاص على العام.

و لعله الى ما ذكرنا اشار في الجواهر حيث قال: «و التعارض بينه و بين الآية و ان كان من وجه لكن يرجح عليه من وجوه» «2».

و يحتمل ان يكون مراده كون الآية عامة بالنسبة الى الهاشمي و غيره، و خاصة بالصدقة الواجبة، و الأخبار عامة بالنسبة الى الواجبة و المندوبة، و خاصة بالنسبة الى الهاشمي، فيقع التعارض في الصدقة الواجبة بالنسبة الى الهاشمي.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الجواهر 15/ 335.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 420

نعم يجوز استيجارهم من بيت المال أو غيره (1)، كما يجوز عملهم

______________________________

و لكن فيه منع كون الآية خاصة بالصدقة الواجبة فقط،

اذ المورد غير مخصص.

ثم انه يظهر من صحيحة عيص، بعد تطبيقه «ص» قوله: «ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم» على العاملين ان هذه العبارة الواردة في اكثر أخبار الباب لا تختص بالفقراء، بل تكون عامة. و مقتضاه حرمة سائر السهام أيضا على الهاشمي. نعم يشكل الالتزام بذلك في سهم سبيل اللّه، فلو فرض بناء مسجد، أو مستشفى، أو عمارة طريق من الزكاة فهل يمكن الالتزام بعدم جواز استفادة الهاشمي منه؟ و هل يمكن الالتزام بعدم جواز استيجار البناء الهاشمي له من الزكاة؟ اللّهمّ إلّا ان يفرق بين صورة الإعطاء و التمليك، و بين صرف الزكاة في المصرف. و لا تمليك في سبيل اللّه، بل هو مصرف محض. و هذا بخلاف العامل و ابن السبيل مثلا. و لعلنا نعود الى المسألة عند بيان شرائط المستحقين، فانتظر.

(1) يعني من غير الزكاة لما مرّ في إعطاء الزكاة للعامل من عدم الفرق بين انحاء الإعطاء من التعيين بنحو الاستيجار، أو الجعالة، أو الإعطاء بعد العمل مجانا. و لكن في الجواهر في ذيل البحث عن اعتبار الحرية ما لفظه: «كما انه ينبغي ان يعلم ان المراد في المقام و نظائره صيرورته عاملا مندرجا في آية الزكاة، لا انه غير قابل لأصل العمل في الزكاة، فانه لا اشكال في صحة استيجاره من بيت المال، و تبرّعه لو اذن له سيّده بلا عوض، بل قد يقال بجواز اجارته من الزكاة، بل من الزكاة التي يستأجر للعمل فيها، لعدم كونه من العاملين الذين هم بعض مصارف الزكاة. و كذا الكلام في الهاشمي. ضرورة عدم كون ذلك اخذا من الزكاة على وجه التصدق بها عليهم، بل هي اجرة على عمل قد وقعت

ممن له الولاية على الفقراء. و هو واضح بادنى تامّل، كوضوح عدم البأس في العبد و غيره حتى الصبيان اذا كانوا من توابع العمل و ليسوا بعمّال نوّاب من الامام «ع» أو نائبه بحيث يندرجون في مصارف الزكاة» «1».

أقول: قد مرّ منا ان العامل لا ينحصر في الولي و الامين العام المنصوب مستقيما من قبل الامام بل له مراتب كثيرة، فكل من صدر عنه ادنى عمل على الزكاة من حين تؤخذ من المالك الى ان

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 336.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 421

تبرعا (1).

______________________________

تصل الى مصرفها يصدق عليه عنوان العامل، فكأن الشارع اراد بجعل السهم للعاملين ان لا تكون الزكاة محتاجة الى مئونة خارجة عن ذاتها بل تكون كافية بنفسها لنفسها، نظير ما يراعي في الموقوفات أيضا. و يصدق على الأنحاء الثلاثة من الإعطاء كون الزكاة مصروفة فيها، كسائر الميزانيات التي تعين لمصارف خاصة كما مرّ شرح ذلك فراجع.

(1) اذ المحرم أخذهم من الزكاة لا نفس العمل، بل هو راجح شرعا اذا وقع تبرعا بقصد الخدمة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 422

عدم سقوط سهم العاملين في زمان الغيبة

و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة (1) مع بسط يد نائب الامام «ع» في بعض الاقطار.

______________________________

(1) قال الشيخ في النهاية: «و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم الجهاد، لان هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الامام. لان المؤلفة قلوبهم انما يتألفهم الامام ليجاهدوا معه، و السعاة أيضا انما يكونون من قبله في جمع الزكوات، و الجهاد أيضا انما يكون به أو من نصبه الامام فاذا لم يكن هو ظاهرا و لا من نصبه فرّق في من عداهم» «1».

و في المبسوط: «و سهمهم (المؤلفة) مع سهم

العامل ساقط اليوم» «2».

اقول: اطلاق العاملين يشمل المنصوب من قبل النائب العام أيضا بعد تسليم نيابته.

و التخصيص بحال الظهور بلا وجه بعد الالتزام بولاية الفقيه في عصر الغيبة، و عدم تعطل الحكومة الاسلامية و احكامها و ميزانياتها التي منها الزكاة بحسب اصل الشرع. و التعبير بالامام في بعض النصوص و الكلمات اما باعتبار كونه الولي الاصلي، أو باعتبار معناه اللغوي الشامل للحاكم بالحق مطلقا، كما لا يبعد ارادة ذلك في كثير من ابواب الفقه. بل

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

(2)- المبسوط 1/ 249.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 423

..........

______________________________

لو لم يوجد الفقيه و تصدى عدول المؤمنين لإدارة شئون الحكومة و تنظيم المجتمع بقدر الامكان- بناء على وجوب ذلك حسبة، كما لا يبعد- جاز لهم تعيين العمال لجمع الزكوات و ايصالها الى مصارفها التي منها بعض مصارف الحكومة، بل قد يجب ذلك اذا توقف حفظ نفوس الفقراء، أو الدفاع عن بيضة الإسلام مثلا على ذلك، و لا محالة يعطون اجر العمّال من الزكاة. بل لو لم يتصدوا لإدارة شئون الحكومة و لم يقدروا عليها و لكن قدروا على جمع الزكوات في منطقة خاصة و صرفها في مصارفها امكن القول بوجوب ذلك حسبة، اذ ليس تأمين الفقراء مثلا باهون عند الشارع من سائر الامور الحسبية الجزئية.

و لقد اجاد في المستند في المقام فقال ما ملخصه: «و اما زمان الغيبة فعلى القول بوجوب دفع الزكاة الى النائب العام يجوز له نصب العامل و تشريكه للفقراء، بل قد يجب. و كذا على القول باستحبابه. و امّا على غير ذلك فان علم النائب بتقصير في اداء الزكاة، أو في تقسيمها جاز له نصب العامل من باب الامر بالمعروف و الاعانة على البر،

بل قد يجب و يجعل له نصيبا من الزكاة. بل يجوز ذلك، أو يجب لآحاد المؤمنين أيضا. بل يجوز لشخص علم ذلك عمله بنفسه و اخذ اجرة عمله من الزكاة. و اما بدون العلم بذلك ففيه اشكال، و لا يبعد جوازه للنائب العام، أو عدول المؤمنين سيما اذا كان فيه نوع مصلحة للأصل و تشريكه للإطلاق» «1».

أقول: و يمكن الاستدلال على جواز ما ذكره بشقوقه- مضافا الى ما ذكره من ادلة الامر بالمعروف، و آية التعاون- بالخبر الصحيح عن رسول اللّه «ص»: «كل معروف صدقة» «2».

و لكن يجب ان يلتفت الى ان اعمال ما ذكر كثيرا ما يستلزم الهرج و سوء استفادة بعض العناصر غير الصالحة و تسلطهم على اموال الناس باسم اخذ الزكوات و الاخماس. فهذا وجه آخر من وجهي الموضوع و المسألة. فتشخيص موارد الجواز التي لا يترتب عليها مفسدة اهم، يحتاج الى مزيد دقّة و إعمال كياسة، فتدبر.

______________________________

(1)- المستند 2/ 46.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 41 من ابواب الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 424

نعم يسقط بالنسبة الى من تصدّى بنفسه (1) لإخراج زكاته و ايصالها الى نائب الامام- عليه السلام- أو الى الفقراء بنفسه.

______________________________

(1) اذ يجب عليه بنفسه ايصال الزكاة الى مصرفها، فلا عمل له غير ايتاء الزكاة الواجب بنفسه. هذا، مضافا الى انصراف العاملين عن مثله. اللّهمّ إلّا يعمّم الحكم له بالملاك.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين- 5 ربيع الثاني 1405- تم المجلد الثاني من كتاب الزكاة و يتلوه إن شاء اللّه المجلد الثالث.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 425

مراجع التحقيق

لما كانت أكثر مصادر بحثنا ذات طبعات مختلفة مما قد يتعب القارئ في

الرجوع الى المصادر، رأينا ادراج المصادر في آخر الكتاب مع ذكر طبعاتها و خصوصيّاتها.

الاستبصار للشيخ الطوسي، في اربع مجلدات، طبع ايران دار الكتب الاسلاميّة، الطبعة الثالثة 1390 ه. ق.

الايضاح «إيضاح الفوائد في شرح القواعد» لفخر المحققين، في اربع مجلدات، طبع قم مطبعة العلمية، الطبعة الاولى 1388- 1389 ه. ق.

الام للشافعي، سبعة اجزاء في اربع مجلدات، «و بهامشه مختصر ابي اسماعيل بن يحيى المزني الشافعي» طبع القاهرة دار الشعب 1388 ه. ق.

بدائع الصنائع لابن مسعود الكاساني الحنفي، في سبع مجلدات، طبع بيروت دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1394 ه. ق.

البيان للشهيد الاول، طبع قم مجمع الذخائر الاسلامية «بخط محمد حسن الگلپايگاني 1322 ه. ق.»

التاج الجامع للأصول في احاديث الرسول للشيخ منصور علي ناصف، في خمس مجلدات، طبع بيروت دار احياء التراث العربي.

التحرير «تحرير الاحكام» للعلامة الحلي، طبع ايران مؤسسة آل البيت «بخط محمد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 426

حسن بن محمد علي الگلپايگاني 1314 ه. ق».

التذكرة «تذكرة الفقهاء» للعلامة الحلي، في مجلدين، طبع ايران المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

تفسير القمي «تفسير علي بن ابراهيم»، في مجلدين، طبع النجف منشورات مكتبة الهدى.

التهذيب «تهذيب الاحكام» للشيخ الطوسي، في عشر مجلدات، طبع ايران دار الكتب الاسلامية، الطبعة الثالثة 1390 ه. ق.

جامع المقاصد للمحقق الكركي، في مجلدين، طبع طهران انتشارات جهان «من طبعة سنة 1395 ه. ق».

الجوامع الفقهية لعدة من الفقهاء المتقدمين، طبع طهران انتشارات جهان «بخط محمد رضا الخوانساري و ابنه محمد علي 1276 ه. ق.»

الجواهر «جواهر الكلام» للشيخ محمد حسن النجفي المشهور بصاحب الجواهر، في اثنين و اربعين مجلدا، طبع ايران دار الكتب الاسلامية 1392- 1400 ه. ق.

حاشية الكمپاني على المكاسب للشيخ محمد حسين الغروي

الاصفهاني، في جزءين، طبع ايران «بخط محمد علي بن الحاج ميرزا محمود التبريزي الغروي 1363- 1364 ه. ق».

الحدائق «الحدائق الناضرة» للشيخ يوسف البحراني، خرج منه حتى الآن اثنان و عشرون مجلدا من اوّل كتاب الطهارة الى آخر كتاب الوصايا، سنة 1376- 1405 ه. ق.

خمس الشيخ «كتاب الخمس» للشيخ الانصاري، المطبوع في اواخر كتاب الطهارة، طبع ايران «بخط احمد الطباطبائي الاردستاني 1299 ه. ق».

كتاب الخمس للمؤلف، طبع قم مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الاولى.

الخلاف للشيخ الطوسي، في ثلاث مجلدات، طبع ايران.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 427

الدروس للشهيد الاول، طبع قم انتشارات صادقي، تصحيح و تعليق السيد مهدي اللازوردي الحسيني «بخط ابو القاسم محمد صادق الحسيني 1269 ه. ق».

دعائم الإسلام للقاضي ابي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، في مجلدين، طبع القاهرة دار المعارف.

الرسائل للإمام الخميني «مدّ ظلّه»، في جزءين، طبع قم، الطبعة الاولى 1384 ه. ق.

الرسائل العشر للشيخ الطوسي، طبع قم مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

الروضة البهية «الروضة» للشهيد الثاني، في عشر مجلدات، طبع منشورات جامعة النجف الدينية، باشراف من السيد محمد كلانتر، الطبعة الثانية 1395- 1396 ه. ق.

زكاة الشيخ «كتاب الزكاة» للشيخ الانصاري، المطبوع في اواخر كتاب الطهارة، طبع ايران «بخط احمد الطباطبائي الاردستاني 1298 ه. ق».

كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني، في مجلدين، طبع ايران، الطبعة الاولى 1396 ه. ق.

كتاب الزكاة للمؤلف، المجلد الاول، طبع قم مكتب الاعلام الاسلامي، الطبعة الاولى 1404 ه. ق.

السرائر لابن ادريس الحلي، طبع ايران انتشارات المعارف الاسلاميّة، الطبعة الثانية 1390 «بخط السيد حسن الموسوي 1270 ه. ق».

سنن ابن ماجة، في مجلدين، طبع بيروت دار احياء التراث العربي 1395 «تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي».

سنن ابي داود، في

اربع مجلدات، طبع دار احياء السنة النبوية «تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد».

الشرائع للمحقق الحلي، اربعة اجزاء في مجلدين، طبع مطبعة الآداب في النجف الاشرف، الطبعة المحققة الاولى 1389 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 428

شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد، في عشرين مجلدا، طبع القاهرة دار احياء الكتب العربية، الطبعة الاولى 1378- 1383 ه. ق.

الصحاح للجوهري، في ست مجلدات، طبع بيروت دار العلم للملايين «تحقيق احمد عبد الغفور عطّار»، الطبعة الثانية 1399 ه. ق.

صحيح البخاري، ثمانية اجزاء في اربع مجلدات، طبع دار الفكر «مصور من طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول 1315 ه. ق».

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، في مجلدين، «و بهامشها تعليقات اعلام العصر و مراجع الشيعة الامامية» طبع ايران المكتبة العلمية الاسلامية 1399 ه. ق.

فرائد الاصول للشيخ الانصاري، طبع ايران مكتبة المصطفوي 1376 ه. ق. «بخط مصطفى النجم آبادي 1326 ه. ق».

فقه الرضا، طبع ايران دار الطباعة 1274 ه. ق.

فوائد الاصول للشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، اربعة اجزاء في مجلدين، طبع ايران من منشورات مكتبة المصطفوي، بخط احمد الزنجاني 1352 ه. ق.

القواعد «قواعد الاحكام» للعلامة الحلي، جزء ان في مجلد واحد، طبع قم منشورات الرضي «الجزء الاول بخط الميرزا السيد حسن بن الحاج الميرزا علي نقي المدرس الحسني اليزدي سنة 1330 و الجزء الثاني بخط محمد بن الميرزا عبد العلي سنة 1315 ه. ق.

الكافي للكليني، في ثماني مجلدات الاصول و الفروع و الروضة، طبع ايران دار الكتب الاسلامية «تصحيح و تعليق علي اكبر الغفاري».

كشف الغطاء للشيخ كاشف الغطاء، طبع اصفهان منشورات المهدوي.

لسان العرب لابن منظور، مع الملحقات في ستة عشر مجلدا، طبع قم نشر ادب الحوزة 1405 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 2، ص: 429

المبسوط للشيخ الطوسي، ثمانية اجزاء، طبع ايران المكتبة المرتضوية، الطبعة الثانية 1387- 1393 ه. ق.

مجمع البيان للشيخ الطبرسي، في خمس مجلدات، طبع قم «مصور من طبعة صيدا في مطبعة العرفان 1356 ه. ق».

المحلى لابن حزم الاندلسي، احدى عشر جزءا في ثماني مجلدات، طبع بيروت دار الفكر.

المختلف «مختلف الشيعة في احكام الشريعة» للعلامة الحلي، جزء ان في مجلد واحد، طبع ايران بتصدي الشيخ احمد الشيرازي 1323- 1324 ه. ق.

المدارك للسيد محمد بن السيد علي الطباطبائي المشهور بصاحب المدارك، طبع ايران «بخط السيد حسين بن محمد الحسيني الخوانساري 1322 ه. ق. مع تصحيح رقم صفحاته».

المسالك «مسالك الافهام في شرح شرايع الإسلام» للشهيد الثاني، في مجلدين، طبع ايران «بخط كلب علي بن عباس الشرندي القزويني 1313 ه. ق».

المستدرك «مستدرك الوسائل» للحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي المشهور بالمحدث النوري، في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الاسلاميّة بطهران و المكتبة العلمية بالنجف، طبع مصور في مطبعة الاسلامية سنة 1382 ه. ق. «بخط محمد صادق بن محمد رضا التويسركاني 1318 ه. ق».

المستمسك «مستمسك العروة الوثقى» لآية اللّه الحكيم، في اربعة عشر مجلدا، طبع قم دار الكتب العلمية «مصور من طبعة النجف بمطبعة الآداب».

المستند «مستند الشيعة» للمولى احمد النراقي، في مجلدين، طبع ايران منشورات المكتبة المرتضوية 1325 ه. ق.

مسند احمد بن حنبل «و بهامشه منتخب كنز العمال» في ست مجلدات، طبع بيروت المكتب الاسلامي، الطبعة الثانية 1398 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 430

المصباح «مصباح الفقيه» للفقيه الهمداني، كتاب الزكاة، طبع قم مكتبة المصطفوي «بخط طاهر بن عبد الرحمن، خوشنويس، 1364 ه. ق».

المعتبر في شرح المختصر للمحقق الحلي، طبع ايران منشورات مجمع الذخائر الاسلاميّة، مصور من طبعة سنة 1318

ه. ق.

المغني لابن قدامة على مختصر ابي القاسم الخرقي و يليه الشرح الكبير على متن المقنع، في اثنى عشر مجلدا، طبع بيروت دار الكتاب العربي 1392 ه. ق».

مفتاح الكرمة للسيد محمد جواد الحسيني العاملي، في عشر مجلدات، طبع منه ثمان مجلدات في مصر و اثنان آخران في ايران 1324- 1376 ه. ق.

المفردات للراغب الاصفهاني، طبع طهران المكتبة المرتضوية.

مقابس الأنوار للشيخ اسد اللّه الدزفولي الكاظمي، طبع ايران مؤسسة آل البيت «مصورة من طبعة سنة 1322 ه. ق. بخط ميرزا عبد اللّه الحائري الطهراني».

المقنعة للشيخ المفيد، طبع قم منشورات مكتبة الداوري «مصورة من طبعة سنة 1274 ه. ق. في دار الطباعة الآقا محمد تقي التبريزي بخط احمد بن علي الخوانساري».

المكاسب للشيخ الانصاري، طبع التبريز مطبعة الاطلاعات، الطبعة الثانية «بخط طاهر ابن عبد الرحمن، خوشنويس، 1376 ه. ق».

المنتهى «منتهى المطلب» للعلامة الحلي، في مجلدين، طبع ايران سنة 1333 ه. ق.

من لا يحضره الفقيه «الفقيه» للشيخ الصدوق، في اربع مجلدات، طبع طهران دار الكتب الاسلاميّة، الطبعة الخامسة 1390 ه. ق.

نور الثقلين للشيخ عبد علي الحويزي، في خمس مجلدات، طبع قم دار الكتب العلمية، «تصحيح و تعليق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي».

نهاية الاصول للمؤلف، طبع قم مطبعة الحكمة 1375 ه. ق.

النهاية «النهاية في مجرد الفقه و الفتاوى» للشيخ الطوسي، طبع بيروت دار الكتاب العربية

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 431

1390 ه. ق.

الوافي للفيض الكاشاني، في ثلاث مجلدات، طبع طهران المكتبة الاسلاميّة «بخط محمد حسن بن محمد علي الاصفهاني 1323 ه. ق».

الوسائل «وسائل الشيعة» للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، في عشرين مجلدا، طبع طهران المكتبة الاسلاميّة 1383- 1389 ه. ق.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز

جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

الجزء الثالث

[مقدمة المؤلف]

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

أمّا بعد، فيقول العبد المفتقر إلى رحمة ربّه الهادي، حسينعلى المنتظري النجف آبادي- غفر اللّه له و لوالديه-: لما وصل بحثنا في مصارف الزكاة إلى الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و ظهر من كلام الشيخ- قدّس سرّه- في النهاية و المبسوط «1» سقوط سهمهم في عصر الغيبة لعدم ظهور الإمام عليه السلام، ألجأنا هذا، إلى البحث في ولاية الفقيه الواجد للشرائط و سعة ولايته في عصر الغيبة، بحيث يجوز له مطالبة الزكوات و غيرها من الضرائب الإسلامية، و لا محالة ربما يحتاج إلى الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا أيضا، و بالجملة إثبات أنّ الإمام في هذا السنخ من المسائل السياسية و الاقتصادية يراد به سائس المسلمين الواجد لشرائطها في كل عصر و زمان، لا خصوص الإمام المعصوم.

و قد طال هذا البحث الطارئ حتّى قرب من أربع سنوات. و قد انتشر- بحمد اللّه تعالى و منّته- أبحاثنا فيها باسم «دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية.»

فالآن نرجع إلى اصل البحث الأول، فنقول: قال المصنف- رحمه اللّه- في متن العروة:

______________________________

(1)- راجع النهاية/ 185؛ و المبسوط 1/ 249.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 11

[6- تتمة فصل أصناف المستحقين]

4- المؤلفة قلوبهم

اشارة

الرابع: المؤلّفة قلوبهم (1) من الكفّار الذين يراد من إعطائهم ألفتهم و ميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفّار أو الدفاع. و من المؤلّفة قلوبهم: الضعفاء العقول من المسلمين، لتقوية اعتقادهم أو لإمالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع.

______________________________

(1) أقول: أصل الحكم إجمالا مما لا إشكال فيه و لا خلاف. و يدلّ عليه نصّ الكتاب العزيز و السنّة القاطعة و إجماع

المسلمين.

و جعل السهم للعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم يرشدنا إلى كون الزكاة ضريبة إسلامية عامة تصرف تحت نظارة الدولة الإسلامية، لا عبادة فردية و احسانا شخصيا فقط، فإن العاملين منصوبون من قبل الحاكم و التأليف شأن من شئون رئيس الدولة و نوابه.

و كيف كان فهنا أمران يجب أن يبحث فيهما:
اشارة

الأول: ما هو المقصود من هذا العنوان و أنه هل يراد به الكفار الذين يستمالون إلى الإسلام أو إلى قتال أهل الشرك فقط كما يظهر من الخلاف و المبسوط و غيرهما بل ربما استظهر من المشهور، أو ضعفاء المسلمين في الأعمال و الاعتقادات فقط كما عن الإسكافي و غيره و اختاره صاحب الحدائق كما سيأتي، أو أنهم ضربان: مسلمون و كافرون كما عن المفيد و جماعة؟ في المسألة أقوال ثلاثة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 12

..........

______________________________

الثاني: هل الحكم باق في أعصارنا أيضا أو سقط بموت النبي «ص» أو في أعصار الغيبة؟

أمّا الأمر الأول [ما المراد بهذا العنوان]
اشارة

فنقول:

[كلمات الفقهاء]

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسالة 16): «سهم المؤلفة كان على عهد رسول اللّه «ص»، و هم كانوا قوما من المشركين يتألفهم النبي «ص» ليقاتلوا معه. و سقط بعد النبي «ص». و لا نعرف مؤلفة الإسلام. و قال أبو حنيفة و مالك: سهم المؤلفة يسقط بعد النبي «ص». و قال الشافعي: المؤلفة على ضربين:

مؤلفة الشرك و مؤلفة الإسلام. و مؤلفة الشرك على ضربين، و مؤلفة الإسلام على أربعة أضرب. و هل يسقطون أم لا؟ على قولين: أحدهما يسقطون و الآخر لا يسقطون. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا فإنّ إثبات ما قاله يحتاج إلى دليل.» «1»

أقول: الظاهر رجوع الضمير فيما قاله إلى الشافعي، و كون معقد الإجماع المدّعى ما اختاره الشيخ من اختصاص الحكم بالمشركين. و يظهر مما يأتي من عبارة المبسوط أيضا ادعاء الإجماع على ذلك.

2- و قال في كتاب قسمة الزكاة و الأخماس من المبسوط: «و المؤلفة قلوبهم عندنا هم الكفار الذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام، و يتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك، و لا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام.

و للمؤلفة سهم من الصدقات كان ثابتا في عهد النبي «ص». و كل من قام مقامه عليه جاز له أن يتألّفهم لمثل ذلك و يعطيهم السهم الذي سمّاه اللّه- تعالى- لهم.

و لا يجوز لغير الإمام القائم مقام النبي «ص» ذلك، و سهمهم مع سهم العامل

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 13

..........

______________________________

ساقط اليوم.

و قال الشافعي: المؤلفة قلوبهم ضربان: مسلمون و مشركون:

فالمشركون ضربان: أحدهما: قوم لهم شرف و طاعة في الناس و حسن نيّة في الإسلام، يعطون استمالة لقلوبهم و ترغيبا لهم في الإسلام،

مثل صفوان بن أمية و غيره. و الثاني: قوم من المشركين لهم قوة و شوكة و طاعة إذا أعطاهم الإمام كفّوا شرّهم عن المسلمين و إذا لم يعطوا تألّبوا عليه و قاتلوه، فهؤلاء كان النبي «ص» يعطيهم استكفافا لشرّهم. و بعد النبي «ص» هل لمن قام مقامه أن يعطيهم ذلك؟ فيه قولان. و من أين يعطيهم: من سهم المصالح أو من سهم الصدقات؟ فيه قولان.

و أمّا مؤلفة الإسلام فعلى أربعة أضرب: أحدها: قوم لهم شرف و سداد لهم نظراء إذا أعطوا هؤلاء نظر إليهم نظراؤهم فرغبوا في الإسلام، فهؤلاء أعطاهم النبي «ص» مثل الزبرقان بن بدر و عديّ بن حاتم و غيرهما. و الضرب الثاني: قوم لهم شرف و طاعة أسلموا و في نيّاتهم ضعف، أعطاهم النبي «ص» ليقوى نيّاتهم مثل أبي سفيان بن حرب، أعطاه النبي «ص» مأئة من الإبل، و أعطى صفوان مأئة، و أعطى الأقرع بن حابس مأئة، و أعطى عتبة بن الحصين مأئة، و أعطى العباس بن مرداس أقل من مأئة فاستعتب فتمم المائة. و لمن قام مقام النبي «ص» أن يعطي هذين؟ فيه قولان. و من أين يعطيه؟ فيه قولان. الضرب الثالث: هم قوم من الأعراب في طرف من بلاد الإسلام، و بإزائهم قوم من المشركين إن أعطاهم قاتلوا عن المسلمين، و إن لم يعطوا لم يقاتلوا، و احتاج الامام إلى مئونة في تجهيز الجيوش إليهم، فهؤلاء يعطون و يتألفون ليقاتلوا المشركين و يدفعوهم. و الضرب الرابع: قوم من الأعراب في طرف من بلد الإسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات و حملوها إلى الإمام، و إن لم يعطهم لم يجبوها و احتاج الإمام في إنفاذ

من يجبيها إلى مئونة كثيرة فيجوز أن يعطيهم لأن فيه مصلحة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 14

..........

______________________________

و من أين يعطيهم أعني هذين الفريقين؟ فيه أربعة أقوال: أحدها: من سهم المصالح.

الثاني: من سهم المؤلفة من الصدقات. الثالث: يعطون من سهم سبيل اللّه لأنه في معنى الجهاد. الرابع: يعطون من سهم المؤلفة و من سهم سبيل اللّه. و هذا التفصيل لم يذكره أصحابنا، غير أنه لا يمنع أن نقول إن للإمام أن يتألف هؤلاء القوم و يعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة، و إن شاء من سهم المصالح، لأن هذا من فرائض الإمام، و فعله حجة، و ليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم، فإن هذا قد سقط على ما بيّنا و فرضنا تجويز ذلك و الشك فيه و لا يقطع على أحد الأمرين.» «1»

أقول: و قد تعرض لتقسيم المؤلفة إلى المشركين و المسلمين و الأضرب السّتة ابن قدامة الحنبلي أيضا في الشرح الكبير من غير نسبة إلى الشافعي، فراجع. «2»

و راجع في هذا التفصيل المنتهى أيضا، «3» و المغني لابن قدامة. «4»

و في كتاب قسم الصدقات من أمّ الشافعي كلام ينافي ما حكاه عنه الشيخ في الخلاف و المبسوط، و سيأتي كلامه. و لا محالة حكى الشيخ ما حكاه عنه من محل آخر.

و المستفاد من التواريخ أن صفوان بن أمية و أبا سفيان و أمثالهما أعطاهم النبي «ص» من غنائم حنين، و لم أعثر أنا على خبر يدل على إعطاء هؤلاء من الزكوات، فتتبع.

و لعل قول الشيخ: «لا نعرف مؤلفة الإسلام»، أو «لا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام» ناظر إلى منع إسلام أبي سفيان و أمثاله حقيقة و إن كانوا أظهروا

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 249.

(2)- ذيل

«المغني» 2/ 697.

(3)- المنتهى 1/ 519.

(4)- المغني 7/ 320.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 15

..........

______________________________

الإسلام باللسان تقية. و لم يظهر عنده إعطاء النبي «ص» لمسلم من سهم المؤلفة من الزكوات، فلذا خصّه بالمشركين. و بالجملة، فالقضية كأنها خارجية. و حكمه بسقوط سهم المؤلفة سيأتي بيانه في الأمر الثاني.

3- و قال الشيخ في الاقتصاد: «و المؤلفة قلوبهم قوم كفّار لهم ميل في الإسلام يستعان بهم على قتال أهل الحرب و يعطون سهما من الصدقة.» «1»

4- و قال ابن حمزة في الوسيلة: «و المؤلفة قلوبهم: الذين يستمالون من الكفار استعانة بهم على قتال غيرهم من أمثالهم فيتألفون، و سقط سهمهم أيضا اليوم.» «2»

5- و في الشرائع: «و هم الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد، و لا يعرف مؤلفة غيرهم.» «3»

6- و في الإرشاد: «و هم الكفار الذين يستمالون للجهاد.» «4»

7- و في الدروس: «هم كفار يستمالون بها إلى الجهاد. و قال ابن الجنيد: هم المنافقون. و في مؤلفة الإسلام قولان: أقربهما أنهم يأخذون من سهم سبيل اللّه.» «5»

8- و في اللمعة: «هم كفار يستمالون إلى الجهاد، قيل: و مسلمون أيضا.» «6»

فهذه بعض العبارات الظاهرة في اختصاص المؤلفة بالكفار.

و في قبالها كلمات أخر تدلّ بإطلاقها على الأعم من الكافر و المسلم بل صرّح بعضهم بالتعميم:

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 282.

(2)- الوسيلة/ 128.

(3)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(4)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 158.

(5)- الدروس/ 62.

(6)- اللمعة (مع شرحها) 2/ 45.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 16

..........

______________________________

1- ففي المقنعة: «و المؤلفة قلوبهم، و هم الذين يستمالون و يتألفون للجهاد و نصرة الإسلام.» «1»

2- و في النهاية: «و أما المؤلفة فهم الذين يتألفون و يستمالون إلى الجهاد.» «2»

3- و في الجمل: «هم

الذين يستمالون للجهاد.» «3» و نحوه في المهذب لابن البراج. «4»

4- و في المراسم: «هم الذين يستمالون لنصرة الدين.» «5»

5- و في الغنية: «هم الذين يستمالون إلى الجهاد بلا خلاف.» «6»

6- و في إشارة السبق: «هم المستعان بهم في الجهاد و إن كانوا كفارا.» «7»

7- و في المختصر النافع: «هم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإسهام في الصدقة و إن كانوا كفارا.» «8»

8- و مثله في المعتبر، ثم حكى كلام الشيخ في المبسوط، ثم قال: «و قال المفيد:

المؤلفة ضربان: مسلمون و مشركون. و به قال الشافعي. و قال: المشركون ضربان ...

و المسلمون أربعة ... و لست أرى بهذا التفصيل بأسا.» «9»

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- راجع الرسائل العشر للشيخ/ 206.

(4)- المهذب 1/ 169.

(5)- الجوامع الفقهية/ 643 (- طبعة أخرى/ 581).

(6)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(7)- الجوامع الفقهية/ 83 (- طبعة أخرى/ 125).

(8)- المختصر النافع/ 59.

(9)- المعتبر/ 279.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 17

..........

______________________________

9- و مثل ما في المختصر بعينه عبارة التذكرة، و زاد: «و حكمهم باق عند علمائنا.» «1»

10- و في القواعد: «و هم قسمان: كفار يستمالون إلى الجهاد أو إلى الإسلام، و مسلمون ...» «2» و في المختلف أنه الأقرب. «3»

11- و في السرائر: «و أمّا المؤلفة قلوبهم فهم الذين يتألفون و يستمالون إلى الجهاد، فإنهم يعطون سهما من الصدقات مع الغنى و الفقر و الكفر و الإسلام و الفسق، لأنهم على ضربين: مؤلفة الكفر. و الأول مذهب شيخنا المفيد و هو الصحيح، لأنه يعضده ظاهر التنزيل و عموم الآية، فمن خصّصها يحتاج إلى دليل.» «4»

12- و في المقنع لابن قدّامة في فقه الحنابلة: «و هم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه

أو يخشى شرّه أو يرجى بعطيّته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين. و عنه أن حكمهم انقطع.» «5»

أقول: و قد شرح العبارة في الشرح الكبير بما أشرنا إليه من بيان الأضرب السّتة. و ما ذكره أخيرا عن أحمد من انقطاع حكمه سيأتي بيانه.

و هنا كلمات من فقهاء الفريقين يستفاد منها اعتبار كون المؤلفة من المسلمين، فلا يجوز إعطاء سهمهم للكفار:

1- قال العلامة في المختلف: «قال ابن الجنيد: المؤلفة قلوبهم من أظهر الدين

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 232.

(2)- القواعد 1/ 57.

(3)- المختلف/ 181.

(4)- السرائر/ 106.

(5)- ذيل «المغني» 2/ 696.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 18

..........

______________________________

بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم بيده و كان معهم إلّا قلبه. فخصّهم بالمنافقين.» «1»

2- و في زكاة الجواهر عن كتاب الأشراف للمفيد: «هم الداخلون في الايمان على وجه يخاف عليهم معه مفارقته، فيتألّفهم الإمام بقسط من الزكاة لتطيب نفوسهم بما صاروا إليه و يقيموا عليه فيألفوه و يزول عنهم بذلك دواعي الارتياب.» «2»

3- و فيه أيضا عن حواشي الشهيد الأول على القواعد: «لا ريب أن التأليف متحقق في الجميع، إلا أن المؤلفة قلوبهم زمن النبي «ص» الذين كان يعطيهم من الزكاة و غيرها زيادة على غيرهم ما كانوا كفارا ظاهرا، بل مسلمين ضعيفي العقائد أشرافا في قومهم كأبي سفيان و الأقرع بن حابس و عيينة بن حصين و نظائرهم، و هم معلومون مضبوطون بالعدد بين العلماء. و قد أحسن ابن الجنيد، حيث عرفهم بأنهم من أظهر الدين بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم بيده و كان معهم إلّا قلبه.» «3»

4- و في أمّ الشافعي: «و المؤلفة قلوبهم من دخل في الإسلام، و لا

يعطى من الصدقة مشرك يتألف على الإسلام. فإن قال قائل: أعطى النبي «ص» عام حنين بعض المشركين من المؤلفة؟ فتلك العطايا من الفي ء و من مال النبي «ص» خاصة لا من مال الصدقة، و مباح له أن يعطي من ماله، و قد خوّل اللّه- تعالى- المسلمين أموال المشركين لا المشركين أموالهم، و جعل صدقات المسلمين مردودة فيهم كما سمّي لا على من خالف دينهم.» «4»

5- و في كتاب قسم الصدقات من منهاج النووي في فقه الشافعية: «و المؤلفة

______________________________

(1)- المختلف/ 181.

(2)- الجواهر 15/ 339.

(3)- الجواهر 15/ 39.

(4)- الأمّ 2/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 19

..........

______________________________

من أسلم و نيّته ضعيفة أوله شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره، و المذهب أنهم يعطون من الزكاة.» «1»

6- و في مغني المحتاج في شرح العبارة قال: «و خرج بقوله من أسلم، مؤلفة الكفّار. و هم من يرجى إسلامهم و من يخشى شرّهم، فلا يعطون من الزكاة قطعا للإجماع، و لا من غيرها على الأظهر، لأن اللّه- تعالى- أعزّ الإسلام و أهله و أغنى عن التأليف.» «2»

7- و في الأحكام السلطانية للماوردى قال: «و السهم الرابع: سهم المؤلفة قلوبهم، و هم أربعة أصناف: صنف يتألفهم لمعونة المسلمين، و صنف يتألفهم للكفّ عن المسلمين، و صنف يتألفهم لرغبتهم في الإسلام، و صنف لترغيب قومهم و عشائرهم في الإسلام. فمن كان من هذه الأصناف الأربعة مسلما جاز أن يعطى من سهم المؤلفة من الزكاة. و من كان منهم مشركا عدل به عن مال الزكاة إلى سهم المصالح من الفي ء و الغنائم.» «3»

8- و في الأحكام السلطانية لأبي يعلى ذكر هذه الأصناف الأربعة ثم قال:

«فيجوز أن يعطى كلّ واحد من هذه الأصناف من سهم

المؤلفة مسلما كان أو مشركا. و فيه رواية أخرى: يعطى المسلم منهم، فأما المشرك فيعطى من سهم المصالح من الفي ء و الغنيمة.» «4»

و لا يخفى أن الماوردى من أعاظم الشافعية و أبا يعلى من علماء الحنابلة. هذا.

و قد طال نقل الأقوال، و ظهر لك بذلك أولا أن ما ادعاه الشيخ في الخلاف

______________________________

(1)- المنهاج (المطبوع مع شرحه السّراج الوهاج)/ 355.

(2)- مغني المحتاج 3/ 109.

(3)- الأحكام السلطانية/ 123.

(4)- الأحكام السلطانية/ 132.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 20

..........

______________________________

و يظهر من المبسوط أيضا من إجماع الفرقة على اختصاص سهم المؤلفة من الزكاة بالمشركين ممنوع، لوجود الخلاف كثيرا. حتى إن كلام الشيخ في النهاية و الجمل أيضا ظاهره الإطلاق كما مرّ. و ثانيا أن الشافعية على ما ترى قائلون باشتراط الإسلام في المقام، فليحمل ما حكاه الشيخ عنه في الخلاف و المبسوط على نقله من فتاواه القديمة. هذا.

و اطلاق الآية الشريفة و ما حذا حذوها يقتضي القول بالاطلاق، فتعم المشرك و المسلم و سواء كان الغرض من التأليف استمالته إلى الإسلام أو إلى الجهاد و الدفاع أو تقوية إيمان المسلم.

اللّهم إلّا أن تحمل اللام على العهد للإشارة إلى من ألفه النبي «ص»، فيجب على هذا أن يتفحص عن حالهم من الشرك أو الإسلام حتى يقاس عليهم من يشابههم بإلغاء الخصوصية.

و لكن هذا الاحتمال مخالف للظاهر جدّا، فإن الظاهر أن اللام للجنس أو للاستغراق و القضية حقيقية و الحكم عامّ، فتدبّر.

[الروايات]

نعم هنا روايات مستفيضة ربما يستفاد منها الاختصاص بالمسلم لتقوية إيمانه، كما استدل بها في الحدائق مصرّا عليه. و تبعه المستند و المستمسك.

و قد عقد الكليني في أصول الكافي بابا بعنوان المؤلفة قلوبهم، ذكر فيه الروايات:

1- صحيحة زرارة أو

حسنته، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ»، قال: «هم قوم وحّدوا اللّه- عزّ و جلّ- و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، و شهدوا أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه، و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد «ص»، فأمر الله- عزّ و جلّ- نبيه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكى يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 21

..........

______________________________

دخلوا فيه و أقروا به. و إن رسول الله «ص» يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش و سائر مضر منهم أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس، فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة، فانطلق بهم إلى رسول اللّه «ص» بالجعرانة، فقال: يا رسول اللّه، أ تأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم.

فقال: إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله اللّه رضينا، و إن كان غير ذلك لم نرض. قال زرارة: و سمعت أبا جعفر «ع» يقول: فقال رسول اللّه «ص»: يا معشر الأنصار، أ كلّكم على قول سيدكم سعد؟ فقالوا:

سيّدنا اللّه و رسوله. ثم قالوا: في الثالثة: نحن على مثل قوله و رأيه. قال زرارة:

فسمعت أبا جعفر «ع» يقول: فحطّ اللّه نورهم و فرض اللّه للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن.» «1»

2- خبر موسى بن بكر و يونس، عن رجل، جميعا عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة (من يعبد) من دون اللّه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول اللّه. و

كان رسول اللّه «ص» يتألفهم و يعرّفهم لكيما يعرفوا و يعلّمهم.» «2»

3- خبر يونس عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم.» «3»

أقول: قال في الحدائق في معنى الخبر: «لعل معناه- و اللّه سبحانه و قائله أعلم- أنّ ضعفة الدين المحتاجين إلى التأليف لأجل البقاء عليه و رسوخه في قلوبهم ليسوا مخصوصين بوقته «ص» بل هم أكثر كثير في هذه الأوقات، و لعل ذلك

______________________________

(1)- الكافي 2/ 411، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 2.

(2)- الكافي 2/ 410، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 1.

(3)- الكافي 2/ 411، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 22

..........

______________________________

باعتبار عدم الإقرار بإمامتهم و الاعتقاد بها التي هي أعظم ما جاء به النبي «ص»، فإن الشكّاك في إمامتهم- و هم القسم الثالث المتوسط بين النّصاب و المؤمنين، و يعبّر عنهم في الأخبار تارة بالشكّاك و تارة بالضّلال و تارة بالمستضعفين- أكثر الناس في زمانهم «ع»، كما دلت عليه الأخبار.» «1»

4- و في خبر موسى بن بكر عن رجل، قال: قال أبو جعفر «ع»: «ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم. و هم قوم وحّدوا اللّه و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمد رسول اللّه «ص» قلوبهم و ما جاء به، فتألفهم رسول اللّه «ص» و تألفهم المؤمنون بعد رسول اللّه «ص» لكيما يعرفوا.» «2»

و لعل المراد بالرجل في السند زرارة، بقرينة الرواية الثانية.

و في الحدائق: «لعل المراد بالمؤمنين في قوله: «و تألفهم المؤمنون» هم الأئمة.» «3»

أقول: التخصيص بهم «ع» بلا وجه، نعم هم «ع» من أظهر

المصاديق.

5- خبر إسحاق بن غالب، قال: قال أبو عبد اللّه «ع» يا اسحاق، كم ترى أهل هذه الآية: «فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ»؟ قال: ثم قال:

«هم أكثر من ثلثي الناس.» «4»

أقول: ليس في هذا الخبر ذكر المؤلفة، و إنما ذكرناه لمناسبته لما سبق و ذكر الكليني و غيره إياه في هذا الباب.

6- ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم في تفسيره في تفصيل الأصناف

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 177.

(2)- الكافي 2/ 412، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 5.

(3)- الحدائق 12/ 178.

(4)- الكافي 2/ 412، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 4. و الآية من سورة التوبة (9)، رقمها: 58.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 23

..........

______________________________

الثمانية، فقال: «فسرهم العالم «ع» فقال: الفقراء ... و المؤلفة قلوبهم، قال: هم قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول اللّه «ص»، فكان رسول اللّه «ص» يتألفهم و يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا.» «1»

و لعل المراد بالعالم «ع» هو أبو جعفر الباقر «ع».

قال في الحدائق بعد نقل هذه الأخبار: «و هذه الأخبار كلّها كما ترى ظاهرة في أن المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام و دخلوا فيه، لكنه لم يستقر في قلوبهم و لم يثبت ثبوتا راسخا، فأمر اللّه- تعالى- نبيّه بتألفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم و تشتدّ قلوبهم على البقاء على هذا الدين. فالتأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه، لا لما زعموه- رضوان اللّه عليهم- من الجهاد كفارا كانوا أو مسلمين و أنهم يتألفون

بهذا السهم لأجل الجهاد.» «2»

[الدليل على التعميم للكفار]

و لكن أنكر عليه ذلك صاحب الجواهر فقال: «و التحقيق بعد التأمّل التام في كلمات الأصحاب و الأخبار المزبورة و معقد الإجماع و نفي الخلاف أن المؤلفة قلوبهم عام للكافرين الذين يراد ألفتهم للجهاد أو الإسلام، و المسلمين الضعفاء العقائد، لا أنهم خاصّون بأحد القسمين و إن أطنب في الحدائق في الإنكار على من أدرج الكافرين عملا بظاهر النصوص المزبورة.» «3»

ثم استدلّ للتعميم أولا بإطلاق الآية. و ثانيا بمعقد الإجماع و نفي الخلاف. و ثالثا بظهور بعض النصوص المزبورة في غير المسلم. و لعل نظره في ذلك إلى ما في صحيحة زرارة من تأليف رسول اللّه «ص» رؤساء العرب من قريش

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 49، باب أصناف أهل الزكاة، الحديث 3؛ و الوسائل 6/ 145.

(2)- الحدائق 12/ 177.

(3)- الجواهر 15/ 341.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 24

..........

______________________________

و مضر يوم حنين و لم يثبت إسلام الجميع حينئذ.

و رابعا بالمرسل الذي رواه ولد الكركي في حاشية الإرشاد: «إنهم قوم كفار.»

و خامسا بإطلاق ما أرسله في الدعائم عن أبي جعفر «ع» أنه قال في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» قال: «قوم يتألفون على الإسلام من رؤساء القبائل، كان رسول اللّه «ص» يعطيهم ليتألفهم. و يكون ذلك في كل زمان؛ إذا احتاج إلى ذلك الإمام فعله.» «1»

و سادسا بصحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد اللّه «ع»:

أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...» أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: «إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة.» قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا

زرارة، لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» ثم قال: «سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص. الحديث.» «2»

ثم قال في الجواهر ما حاصله: أنه يستفاد من مرسل الدعائم و بعض الفتاوى أن المراد بالمؤلفة من كان له ميل إلى الإسلام أو إلى الجهاد فيعطى لتحصيل كمال الألفة و الدخول في الإسلام، بل لعلّ ذلك ظاهر الآية، و أما الإعطاء للكفّار الذين لم يظهر منهم ميل لاحتمال حصول الألفة فلا يخلو من إشكال.

أقول: و يمكن أن يجاب عما ذكره أولا كما في المستمسك بأن النصوص المزبورة حاكمة على إطلاق الآية و مفسرة لها، و احتمال الإعراض عنها

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 260، ذكر دفع الصدقات؛ و عنه المستدرك 1/ 521.

(2)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 25

..........

______________________________

بلا وجه بعد تحقق القائل قديما و حديثا.

و عما ذكره ثانيا بمنع الإجماع و عدم الخلاف، لوجود الخلاف و تعدّد الأقوال، كما مرّ. مضافا إلى أن مقتضى الإجماع المذكور هو الاختصاص بالكفار لا التعميم.

و عما ذكره ثالثا بظهور صدر صحيحة زرارة في الاختصاص بالمسلم، كما هو ظاهر الفصل بضمير الفصل، و ليس في الذيل ما يدلّ على الخلاف بعد احتمال كون الذين أعطاهم النبي «ص» ممن أظهر الإسلام.

و عن مرسل ولد كركي بمنع حجية المرسل و عدم مقاومته للأخبار المستفيضة و فيها الصحيح.

و بذلك يظهر الجواب عن مرسل الدعائم، مضافا

إلى أن إطلاقه على فرض تحققه يقيد بسبب تلك الأخبار، و إلى أن الظاهر أنه قطعة من صحيحة زرارة نقلت بالمعنى، و المفروض اختصاص الصحيحة بالمسلم. و الظاهر أن ذيله ليس من تتمة الرواية، بل من كلام صاحب الدعائم، كما لا يخفى.

و عما ذكره سادسا أن الظاهر من فقرات الصحيحة هو الاختصاص بالمسلم و المراد بمن لا يعرف في اصطلاح أخبارنا هو المسلم الذي لا يعرف إمامة أئمتنا «ع»، لا الأعم منه و من الكافر. و على هذا فيكون المراد بالعموم في الحديث أيضا العموم بالنسبة إلى المسلم غير العارف لا الكفار أيضا. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: لما كان أكثر فقهاء السنة كمالك و أبي حنيفة بل و أحمد و الشافعي في أحد القولين المنسوب إليهما كانوا يقولون بسقوط سهم المؤلفة بموت النبي «ص»، و كانوا يعلّلون ذلك بانتشار الإسلام و قوته بحيث لا يحتاج إلى معاونة الكفار، و أن أبا بكر و عمر ما أعطيا للمؤلفة شيئا من الصدقات و لم ينكر عليهما الصحابة كما يأتي، يحتمل أن يكون محطّ نظر أئمتنا «ع» في هذه الأخبار المستفيضة إلى ردّ آرائهم، بتقريب أن سهم المؤلفة لا يختصّ بالكفار حتى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 26

..........

______________________________

يقال بعدم الاحتياج إليهم، بل المؤلفة عمدتهم المسلمون الضعفاء في الاعتقاد بل هم اكثر من ثلثي الناس. و بالجملة فليس محطّ النظر في هذه الأخبار بيان الاختصاص بالمسلمين بل نفي الاختصاص بالكفار حتى يقال بانقطاع سهمهم بانتشار الإسلام في البلاد.

و على هذا فيشكل رفع اليد عن إطلاق الآية الشريفة و ما حذا حذوها بسبب هذه الأخبار مع كونها بمرأى و مسمع الشيخ و أمثاله و مع ذلك لم يفتوا

بالاختصاص بالمسلمين بل أفتوا بالتعميم أو الاختصاص بالكفار كما عرفت.

و القول بأن جميع من تألفه النبي «ص» من مشركي قريش و مضر كان ذلك بعد إظهارهم الإسلام مما يشكل إثباته بحسب التواريخ، بل رأيت الشيخ (ره) قال:

«لا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام.» «1»

بل قيل: إن صفوان بن أمية و أمثاله أعطاهم النبي «ص» من غنائم حنين قبل أن يسلموا، فلو ثبت ذلك كان مقتضى ذيل صحيحة زرارة السابقة أن فرض السهم للمؤلفة في القرآن كان لأمثال هؤلاء الذين أعطاهم النبي «ص» فيثبت جواز إعطائه للكفار، فتدبر.

و في السيرة الحلبية: «و في كلام بعضهم: كانت المؤلفة ثلاثة أصناف: صنف يتألفهم رسول اللّه «ص» ليسلموا كصفوان بن أمية، و صنف ليثبت إسلامهم كأبى سفيان بن حرب، و صنف لدفع شرّهم كعيينة بن حصين ... و أعطى صفوان بن أمية ما تقدم ذكره و هو جميع ما في الشعب من غنم و إبل و بقر و كان مملوء و كان ذلك سببا لإسلامه.» «2»

و في تفسير العياشي: «عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 249.

(2)- السيرة الحلبية 3/ 120.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 27

..........

______________________________

و أبي عبد اللّه «ع»: «و المؤلفة قلوبهم»، قال: قوم تألفهم رسول اللّه «ص» و قسم فيهم الشي ء. قال زرارة: قال أبو جعفر «ع»: فلما كان في قابل جاؤوا بضعف الذين أخذوا و أسلم ناس كثير. قال: فقام رسول اللّه «ص» خطيبا فقال: هذا خير أم الذي قلتم؟ قد جاؤوا من الإبل بكذا و كذا، ضعف ما أعطيتهم و قد أسلم للّه عالم و ناس كثير. و الذي نفسي (نفس محمد خ. ل) بيده لوددت أن عندي

ما أعطي كل إنسان ديته على أن يسلم للّه ربّ العالمين. عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» نحوه.» «1»

و راجع تفسير البرهان أيضا. «2» و المستدرك. «3»

و في مسند أحمد بسنده عن أنس أن رسول اللّه «ص» لم يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه. قال: فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة. قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا «ص» يعطي عطاء ما يخشى الفاقة. «4»

و الظاهر أن مقصوده إعطاؤه بداعي أن يسلم لا إعطاؤه بعد ما أسلم.

و في كتاب الزكاة للمرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- بعد نقل ما مرّ من الجواهر من التعميم، قال: «و لا يبعد كلامه من قوة. و الروايات و إن كانت تفيد الحصر لمكان الضمير بين المبتدأ و الخبر لكن تقابلها الشهرة بين القدماء التي يبدو أنهم تلقوا هذا الحكم من الأئمة «ع»، فيكون الحاصل أنه مطلق الألفة لجهة الإسلام.» «5»

أقول: لمنع الكشف هنا عن قول المعصوم مجال واسع بعد ما مرّ من كون الأقوال

______________________________

(1)- تفسير العياشي 2/ 92، الحديث 71.

(2)- تفسير البرهان 2/ 137، الحديث 12 و 13.

(3)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- مسند أحمد 3/ 108.

(5)- كتاب الزكاة لآية الله الميلاني 2/ 108.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 28

..........

______________________________

في المسألة ثلاثة. هذا.

و الذي يسهّل الخطب أن موارد الشك يمكن إدراجها في سبيل اللّه و إن منعنا دخولها في المؤلفة، فتدبر.

تنبيه:

لا يخفى ما في عبارة المصنف من قوله: «ضعفاء العقول» من ضعف، و الصحيح أن يقال: ضعفاء الاعتقاد الذين دخلوا في الإسلام و لم يثبت بعد في قلوبهم، بحيث يخاف عودهم

إلى الكفر فيتألفون ليثبت الإسلام في قلوبهم.

هذا كله فيما يتعلق بالأمر الأول من الأمرين.

الأمر الثاني: هل سهم المؤلفة باق في أعصارنا أيضا
اشارة

كما هو الأقوى، أو سقط بموت النبي «ص» كما عن أكثر فقهاء السنة، أو في عصر الغيبة فقط كما يظهر من الشيخ في المبسوط و من غيره؟:

1- قد مرّ عن الخلاف قوله: «و سقط بعد النبي «ص».» «1» و نقل ذلك عن مالك و أبي حنيفة أيضا كما مرّ.

2- و مرّ عن المبسوط قوله: «و للمؤلفة سهم من الصدقات كان ثابتا في عهد النبي «ص»، و كل من قام مقامه عليه جاز له أن يتألفهم لمثل ذلك ... و لا يجوز لغير الإمام القائم مقام النبي «ص» ذلك، و سهمهم مع سهم العامل ساقط اليوم.» «2»

3- و قال في النهاية: «و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351 (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 16).

(2)- المبسوط 1/ 249.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 29

..........

______________________________

الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام.» «1»

4- و في الفقيه: «و سهم المؤلفة قلوبهم ساقط بعد رسول اللّه «ص».» «2»

5- و مرّ عن ابن حمزة قوله: «و سقط سهمهم أيضا اليوم.» «3»

6- و في الشرائع: «و إذا كان الإمام مفقودا سقط نصيب الجهاد ... و كذا يسقط سهم السعاة و سهم المؤلفة.» «4»

7- و في المعتبر: «و هل سقط هذا القسم بعد النبي «ص»؟ قال الشيخ في الخلاف: نعم، و به قال أبو حنيفة و الشافعي، لأن اللّه- سبحانه- أعزّ الدين، فلا يحتاج إلى التألف ... و الظاهر بقاء حكم المؤلفة و أنه لم يسقط، لأن النبي «ص» كان يعتمده إلى حين وفاته و لا نسخ بعده.» «5»

8- و في التذكرة:

«و حكمهم باق عند علمائنا، و به قال الحسن البصري و الزهري و أحمد ... و قال الشعبي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي: انقطع سهم المؤلفة بعد رسول اللّه «ص»، لأن اللّه- تعالى- أعزّ الإسلام و أغناه أن يتألف عليه رجال، فلا يعطى مشرك تألّفا بحال. و روي هذا عن عمر، و هو مدفوع بالآية و بعمل النبي «ص» إلى أن مات، و لا يجوز ترك الكتاب و السنة إلّا بنسخ، و النسخ لا يثبت بعد موته ...» «6»

9- و في المنتهى: «قال الشيخ: يسقط سهم المؤلفة الآن، لأن الذي يتألفهم إنما يتألفهم للجهاد، و أمر الجهاد موكول إلى الإمام و هو غائب ... و نحن نقول: إنه

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

(2)- الفقيه 2/ 3 (- طبعة أخرى 2/ 6)، الباب 1 من أبواب الزكاة، بعد الحديث 4.

(3)- الوسيلة 4/ 128.

(4)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 123).

(5)- المعتبر/ 279.

(6)- التذكرة 1/ 232.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 30

..........

______________________________

يجب الجهاد في حال غيبة الإمام «ع» بأن يدهم المسلمين- و العياذ باللّه- عدوّ يخاف منه عليهم فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى لا للدعاء إلى الإسلام، فإن احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلفة.» «1»

10- و في المدارك بعد نقل عبارتي المعتبر و المنتهى قال: «و لا ريب في قوة هذا القول تمسكا بظاهر التنزيل السالم من المعارض.» «2»

11- و قد مرّ عن المقنع لابن قدامة قوله: «و عنه أن حكمهم انقطع» «3» يعني عن أحمد.

12- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية: «و اختلف في سهامهم بعد وفاة رسول اللّه «ص»: قال عامّة العلماء: أنه انتسخ سهمهم و ذهب، و لم

يعطوا شيئا بعد النّبيّ «ص» و لا يعطى الآن لمثل حالهم، و هو أحد قولي الشافعي. و قال بعضهم و هو أحد قولي الشافعي: إن حقهم بقي ... لأن المعنى الذي له كان يعطى النبي «ص» أولئك موجود في هؤلاء. و الصحيح قول العامة، لإجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر و عمر ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا من الصدقات و لم ينكر عليهما أحد من الصحابة، فإنه روي أنه لما قبض رسول اللّه «ص» جاؤوا إلى أبي بكر و استبدلوا الخطّ منه لسهامهم فبدل لهم الخطّ، ثم جاؤوا إلى عمر و أخبروه بذلك فأخذ الخطّ من أيديهم و مزّقه و قال: إن رسول اللّه «ص» كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعزّ اللّه دينه، فإن ثبّتّم على الإسلام و إلّا فليس بيننا و بينكم إلّا السيف، فانصرفوا إلى أبي بكر فأخبروه بما صنع عمر و قالوا: أنت الخليفة أم هو؟ فقال: إن شاء اللّه هو، و لم ينكر أبو بكر قوله و فعله

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 520.

(2)- المدارك/ 315.

(3)- ذيل «المغنى» 2/ 696.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

و بلغ ذلك الصحابة فلم ينكروا، فيكون إجماعا منهم على ذلك، و لأنه ثبت باتفاق الأمّة أن النبي «ص» إنما كان يعطيهم ليتألفهم على الإسلام و لهذا سمّاهم اللّه المؤلفة قلوبهم، و الإسلام يومئذ في ضعف و أهله في قلّة و أولئك كثير ذو قوة و عدد، و اليوم- بحمد اللّه- عزّ الإسلام و كثر أهله و اشتدت دعائمه و رسخ بنيانه و صار أهل الشرك أذلّاء.» «1»

أقول: مؤلّف بدائع الصنائع من أعاظم الأحناف. و الظاهر أن مراده من عامّة العلماء علماء الحنفية أو

أكثرية فقهاء السنة. و قد مرّ احتمال أن يكون قوله «ع»:

«المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم» «2» و نحو ذلك ناظرا إلى ردّ مثل هذه الآراء، فتدبّر.

و كيف كان فالظاهر أن الشيخ و أمثاله إنما حكموا بسقوط سهم المؤلفة في عصر الغيبة لما كان ارتكز في أذهانهم من اختصاص الحكم الإسلامي و الجهاد الابتدائي بالإمام المعصوم، كما يظهر من مطاوي كلماتهم.

و نحن قد استوفينا البحث في أن الحكومة الاسلامية لا يجوز تعطيلها و أنها داخلة في نسج الإسلام و نظامه، فيبقى حكمها ببقاء الإسلام.

و بيّنا أن الإمام في هذا السنخ من المسائل يراد به المعنى العام الشامل للفقيه الجامع للشرائط المتصدي لإدارة شئون المسلمين في عصر الغيبة أيضا.

و الجهاد لا يختصّ بالإمام المعصوم و لا سيما الدفاعي منه. و انتشار الإسلام في البلاد و قوّته لا ينافيان الاحتياج إلى تأليف قلوب الكفار أو بعض الضعفاء من المسلمين في بعض الأحيان، فلا وجه لسقوط حكم المؤلفة حينئذ بعد عموم الأدلّة و إطلاقها و منها الآية الشريفة، و بقاء الملاك و المصلحة

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 2/ 45.

(2)- الكافي 2/ 411، كتاب الإيمان و الكفر، باب المؤلفة قلوبهم، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 32

..........

______________________________

و وجود المتصدي للمطالبة و الأخذ و الصرف.

و أما قول أبي عبد اللّه «ع» لزرارة: «فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس» «1» فإنما يرتبط بالأعصار التي كانت الحكومة و أموالها بيد أهل الخلاف و صار الشيعة محرومين، لا بعصر فرض فيه تشكّل الحكومة الإسلامية بشرائطها و قويت حكومة الحق، فتدبر.

تنبيه:

قال في الحدائق بعد نقل ما مرّ من

المنتهى: «لا يخفى عليك بعد الوقوف على ما قدمناه من أخبارهم «ع» أن هذا الخلاف و البحث في هذا المقام نفخ في غير ضرام، فإن كلامهم أولا و آخرا يدور كله على أن المراد بالمؤلفة في الآية الشريفة هو التأليف لأجل الجهاد، مع أنهم لم ينقلوا بذلك خبرا و لا أوردوا عليه دليلا.

و الأخبار الواردة في تفسيرها كلّها كما عرفت قد اتفقت على أن التأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه لمن دخل فيه دخولا متزلزلا غير مستقر، فأمر اللّه- تعالى- رسوله بدفع هذا السهم لهؤلاء لكي يرغبوا في الدين و يستقر في قلوبهم، و بالجملة فإن هذا من أعجب العجائب من الأصحاب.» «2»

أقول: قد مرّ منّا في توجيه الأخبار ما يدلك على بقاء الآية الشريفة و ما حذا حذوها على عمومها، فلا مانع من شمولها للتأليف على الجهاد أيضا و على هذا كان عمل النبي «ص» في غزوة حنين. و الثبات على الدين يستلزم العمل بوظائفه و أحكامه، و من أهمّها الجهاد في سبيل اللّه، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الحدائق 12/ 178.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 33

5- الرقاب

اشارة

الخامس: الرقاب (1)، و هم ثلاثة أصناف:

[هم ثلاثة أصناف]

______________________________

(1) أقول: لما كان موضوع سهم الرقاب منتفيا في أعصارنا بالكليه اقتصرنا في شرحه و بيان فروعه بأقل قليل، فمن شاء التفصيل فليراجع الكتب المفصّلة.

و كان الأولى التعبير بما في الكتاب العزيز، أعني قوله: «فِي الرِّقٰابِ»، كما في النهاية و الشرائع.

و لعل السرّ في تغيير الأسلوب في الأصناف الأربعة الأخيرة أن الأصناف الأربعة الأولى يصرف إليهم المال بنحو التمليك بخلاف الأربعة الأخيرة، فإنه يصرف في جهات حاجاتهم فيخلص به الرقاب من الأسر و الرقّ و يقضى به الدين و كذا في سبيل اللّه و ابن السبيل.

و في الكشاف: «فإن قلت: لم عدل عن اللام إلى «في» في الأربعة الأخيرة؟

قلت: للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره، لأن «في» للوعاء فنبّه على أنهم أحقّاء بأن توضع فيه الصدقات و يجعلوا مظنّة لها و مصبّا.» «1»

إلى آخر ما ذكره.

______________________________

(1)- تفسير الكشاف 2/ 283 (- طبعة أخرى 2/ 198).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 34

[الأوّل المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة]

الأوّل المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة (1)، مطلقا كان أو مشروطا، (2) و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم (3).

______________________________

(1) في الشرائع: «و هم ثلاثة: المكاتبون، و العبيد الذين تحت الشدة، و العبد يشترى و يعتق و إن لم يكن في شدة و لكن بشرط عدم المستحق.» «1»

و في الجواهر: «لا خلاف أجده في الأول بيننا و بين العامة، بل الإجماع بقسميه عليه.» «2»

و يدل عليه مضافا إلى ذلك خبر أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، عن الصادق «ع»، قال: سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها؟ قال: يؤدّى عنه من مال الصدقة، إن اللّه- تعالى- يقول في كتابه: «وَ فِي الرِّقٰابِ.» «3»

أقول: و يدل عليه إطلاق

الآية الشريفة أيضا كما لا يخفى.

و المذكور في الحديث الأداء عنه لا الأداء إليه، فلا ينافيه ما ورد من قوله «ع»:

«لا يعطى العبد من الزكاة شيئا.» «4»

و قيد العجز مذكور في السؤال لا في الجواب، فلا يدل الحديث على دخله في الحكم. نعم، يمكن القول بدخله من جهة المناسبة المغروسة في الأذهان من أن شرع الزكاة و نحوها كان لسدّ الخلات و دفع الحاجات، فإذا قدر العبد بنفسه على أداء مال الكتابة بلا مشقّة لم يجز صرف الزكاة فيه.

(2) لإطلاق الأدلة.

(3) لانتقاء الحاجة قبله فلا يصدق العجز، اللهم إلّا أن يكون النجم قريبا و يعلم بعدم الوجدان بعد حلوله.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(2)- الجواهر 15/ 344.

(3)- التهذيب 8/ 275، باب المكاتب، الحديث 35، و الوسائل 6/ 204.

(4)- الوسائل 6/ 204، الباب 44 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 35

ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال. و يتخيّر بين الدفع إلى كلّ من المولى و العبد (1)، لكن إن دفع إلى المولى و اتّفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرقّ يسترجع منه (2)، كما أنّه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه- بإبراء أو تبرّع أجنبيّ- يسترجع منه. نعم يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيرا (3). و لو ادّعى العبد أنّه مكاتب أو أنّه

______________________________

(1) مقتضى الجمود على ظاهر المرسل المتقدم تعيّن الصرف عن العبد لا الصرف إليه، اللهم إلّا أن يوكل في الأداء عن نفسه من قبل صاحب المال و كان بأذن مولاه، و لا ينافي ذلك الخبران الآتيان لانصرافهما إلى سهم الفقراء و المساكين.

(2) إذ

الدفع إلى المولى لم يكن تمليكا مطلقا له حتى يبقى، بل وقع بقصد الفكّ و في طريقه، فإذا ظهر عدمه بقي المال على أصله. نظير المقدمة غير الموصلة، حيث قالوا بعدم وجوبها بل عدم مقدميتها أيضا، فتدبر. و بذلك يظهر الحال في الدفع إلى العبد أيضا إذا لم يصرف في الفك و يأتي تفصيل المسألة في المسألة الحادية و العشرين فانتظر.

(3) لا إشكال في ذلك إذا كان بعد فكّه، و أما قبله فلا يخلو من إشكال لما في موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا يعطى العبد من الزكاة شيئا.» «1» و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»: «و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شي ء.» «2» اللهم إلّا إذا فرض تلف المال و صار على عهدته، لانصراف الروايتين عنه حينئذ، فإن عدم إعطائه من الزكاة يكون من جهة كون مصارفه على مولاه و أنه لا يملك في قباله بل يملك مولاه ما يعطى له، و أما أداء

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 61، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6؛ و الوسائل 6/ 204.

(2)- الوسائل 6/ 60، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 36

عاجز فإن علم صدقه أو أقام بيّنة قبل قوله و إلّا ففي قبول قوله إشكال (1).

______________________________

ديونه فليس على عهدة المولى، فلا مانع من احتسابه عليه من سهم الفقراء أو الغارمين، فتدبّر.

(1) قال في الشرائع: «و لو ادّعى أنه كوتب، قيل: يقبل، و قيل: لا إلّا بالبينة أو بحلف. و الأول أشبه، و لو صدّقه مولاه قبل.» «1»

و في المدارك نسب الحكم الأول

إلى قطع الأكثر و الثاني إلى قطع الأصحاب. «2»

و في الجواهر قال في ذيل الثاني: «بلا خلاف بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب.» «3»

و قال في التذكرة: «إذا ادعى المكاتب الكتابة فإن صدقه مولاه قبل لأن الحق في العبد له، فإذا أقرّ بالكتابة قبل، و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني لا يقبل لإمكان التواطؤ. و ليس بجيّد لأصالة العدالة. و إن كذّبه السيد لم يقبل قوله إلّا بالبيّنة. و إن تجرّد عنهما إما لبعده أو لغير ذلك احتمل قبول قوله لأنه مسلم أخبر عن أمر ممكن فقبل قوله كالفقير، و العدم لإمكان إقامة البينة عليه و به قال الشافعي.» «4»

أقول: قوله: «لأن الحق في العبد له» ناظر إلى إدراج المسألة في مسألة من ملك شيئا ملك الإقرار به.

و يمكن أن يجاب عن ذلك بأن إقرار المالك حجة و مأخوذ به في الجهة التي عليه لا في كل جهة، فلا يثبت به جواز صرف الزكاة في مورده. و لا دليل على

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(2)- المدارك/ 316.

(3)- الجواهر 15/ 355.

(4)- التذكرة 1/ 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 37

و الأحوط عدم القبول سواء صدّقه المولى أو كذّبه، كما أنّ في قبول قول المولى مع عدم العلم و البيّنة أيضا كذلك، سواء صدّقه العبد أو كذّبه. و يجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء (1) إذا كان عاجزا عن التكسب للأداء، و لا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر (2).

[الثاني: العبد تحت الشدّة]

الثاني: العبد تحت الشدّة (3)،

______________________________

أصالة العدالة، بل العدالة ملكة و الأصل عدمها، فالظاهر عدم قبول قوله إلا مع الوثوق بقوله، بل و

الظن من ظاهر حاله على احتمال، كما عرفت نظير ذلك في مسألة ادعاء الفقر، و قد مرّت بنحو التفصيل، فراجع. «1»

(1) مشكل لما مرّ من روايتي اسحاق بن عمار و عبد اللّه بن سنان، اللّهم إلا أن يقال بانصرافهما عما إذا وقع الأداء بداعي الصرف في فكّ رقبته و عدّ فكّ الرقبة من ضرورياته و حاجاته.

و لا ثمرة مهمة في ذلك بعد عدم وجوب البسط على الأصناف.

نعم، ربما يقال بظهور الثمرة فيما إذا كان الأداء بداعي الفكّ فلم يصرف فيه، إذ لو كان من باب الرقاب استرجع منه، و إن كان من باب الفقر لم يرتجع لأن الداعي لا يصير قيدا و مقوما بعد تحقق الفقر و بقائه.

(2) بناء على جواز الأداء لنفسه من باب الرقاب أو الفقر، و قد مرّ الإشكال فيهما.

(3) في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 17): «سهم الرقاب يدخل فيه المكاتبون و العبيد إذا كانوا في شدّة يشترون من مال الصدقة و يعتقون. و قال الشافعي: الرقاب هم المكاتبون إذا كانوا جيران الصدقات فقط ... دليلنا إجماع

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 357 من الكتاب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 38

و المرجع في صدق الشدّة العرف (1)، فيشترى و يعتق، خصوصا إذا كان مؤمنا في يد غير المؤمن.

______________________________

الفرقة، و أيضا قوله- تعالى-: «وَ فِي الرِّقٰابِ» و ذلك عامّ في الجميع.» «1»

و في الجواهر: «و أما الثاني فالعمدة في إدراجه في هذا القسم الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا مستفيضا المعتضد بالتتبع.» «2»

و استدل لذلك بصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمس مأئة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟

فقال: «اذا يظلم

قوما آخرين حقوقهم.» ثم مكث مليّا ثم قال: «إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه.» «3»

و استشكل في ذلك بعدم دلالة الصحيحة على كونه من باب الرقاب، لاحتمال كونه من باب الفقر أو من سبيل اللّه. إلا أن يقال: إنه بناء على عموم سبيل اللّه للعتق لا يختص ذلك بصورة كون العبد في شدّة، فالتخصيص بذلك يدل على أنه ليس من هذا الباب. نعم، يبقى احتمال كونه من باب الفقر. هذا.

و لكن بعد ذكر الرقاب في الآية الشريفة و أنس الأذهان بها ربما ينسبق إلى الذهن أن السؤال في الصحيح كان عن سهم الرقاب، و الإمام «ع» قرّره على ذلك، فتدبر.

و المذكور في الصحيح العبد المسلم، فالتعدي عنه إلى غيره مشكل و كان على المصنف التقييد بذلك، اللهم إلا أن يؤخذ بإطلاق الآية و يقال إن الرواية كانت في مقام بيان أظهر الأفراد.

(1) كما في سائر مفاهيم الألفاظ التي ذكرت في الكتاب و السنة. و المذكور

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

(2)- الجواهر 15/ 344.

(3)- الوسائل 6/ 202، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 39

[الثالث: مطلق عتق العبد]

الثالث: مطلق عتق العبد مع عدم وجود المستحقّ للزكاة (1).

______________________________

في الحديث و إن كان لفظ الضرورة كما مرّ، و لكن الظاهر مساوقتها للشدّة التي عبّر بها الأصحاب كما لا يخفى.

و ربما قيل: أقلها أن يمنعوا من الصلاة أول الوقت. و فيه منع صدق الضرورة و الشدّة في مثله. كما أن عدّ ما في المتن من كون المؤمن في يد غير المؤمن شدّة بنحو الإطلاق محل منع. اللهم إلّا إذا أوجب التدافع و التنازع المستمرّ فإنه مظنّة له، و لعلّه أخذ هذا من

خبر أيوب بن الحرّ الآتي.

(1) قال الشيخ في النهاية: «فإذا لم تجد مستحقا للزكاة و وجدت مملوكا يباع جاز لك أن تشتريه من الزكاة و تعتقه.» «1»

و قال في المعتبر: «و لو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة و عتقه و إن لم يكن في ضرّ، و عليه فقهاء الأصحاب.» «2»

و استدل لذلك بموثقة عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟

قال: نعم، لا بأس بذلك. قلت: فإنه لما أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف فأصاب مالا (كثيرا) ثم مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة، لأنه إنما اشتري بمالهم. «3»

و أورد عليه أيضا بعدم الدلالة على كونه من باب الرقاب، لاحتمال كونه من باب سبيل اللّه و لذا لم يقيد بصورة الضرورة. اللهم إلا أن يقال نحو ما مرّ في القسم السابق من أن أنس ذهن الرجل بالرقاب في الآية بعثه على صرف الزكاة في

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

(2)- المعتبر/ 280.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 40

[نيّة الزكاة عند دفع الثمن إلى البائع]

و نيّة الزكاة في هذا و السابق عند دفع الثمن إلى البائع (1)، و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.

______________________________

العتق و قرّره الإمام «ع» على ذلك.

ثم لا يخفى أن المورد في هذه الموثقة صورة عدم وجود المستحق، و الحكم فيه مطلق يعم الضرورة و عدمها. و أما الصحيحة السابقة

فالحكم بالجواز فيها يختص بصورة وجود الضرورة، فليحمل المورد فيها على صورة وجود المستحق كما يشعر بذلك قوله «ع»: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم.» فالروايتان تختلفان موردا، فلا تعارض بينهما. هذا.

و في الباب رواية أخرى و هي رواية أيوب بن الحرّ، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، أشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال: فقال: اشتره و أعتقه. قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال:

ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري بسهمهم. قال: و في حديث آخر: بمالهم. «1»

و الرواية مطلقة موردا و حكما، فهل يؤخذ بإطلاقها و مقتضاه طرح قيد الصحيحة و كذا الموثقة و يحمل قوله: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» على الإرشاد و الاستحباب، أو يحمل إطلاق الرواية على صورة وجود الضرورة أو عدم المستحق، أو يحمل ما في الرواية على كونه من باب سبيل اللّه؟ وجوه.

و لا يخفى بعد الاحتمال الأول و إن استفيد من بعض الحواشي اختياره.

و الأظهر حمل الرواية على صورة وجود الضرورة، إذ الظاهر أن سيد العبد كان من غير أهل الولاية، و الغالب فيه وجود الضرورة للعبد، إذا كان من أهل الولاية.

(1) هل وقت نية الزكاة في القسمين الأخيرين وقت دفع الثمن إلى البائع كما في مصباح الفقيه «2»، أو وقت العتق كما عن المسالك و حواشي النافع

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- مصباح الفقيه/ 96.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 41

..........

______________________________

و قواه في الجواهر «1»، أو يتخير بينهما كما هو ظاهر الروضة، حيث قال: «و نية الزكاة مقارنة لدفع الثمن إلى البائع أو للعتق» «2»؟ في المسألة وجوه:

و استدل للأوّل بأنه وقت صرف الزكاة،

كما ربما يشهد له قول الصادق «ع» في موثقة عبيد: «لأنّه إنما اشتري بمالهم.» و في خبر أيوب: «لأنه اشتري بسهمهم.» «3»

إذ ظاهرهما تعين المدفوع زكاة و وقوع الشراء في ملك أرباب الزكاة.

و استدل للثاني كما في الجواهر: «4» بأن دفع الثمن- خصوصا إذا كان بعد إجراء الصيغة- لكونه مقتضى البيع، و من هنا ينتقل العبد إلى أهل الصدقة و كان لهم و لاؤه، فيكون إيصاله إلى الفقراء بعتقه عنهم.

و يمكن أن يوجّه التخيير بأن الظاهر أن لصاحب المال أن يعزل ما يعطيه ثمنا للعبد بقصد الزكاة فيتعين كونه زكاة بالعزل كما مرّ في محله، و لازمه تعيّن عتق العبد المشترى و عدم جواز أخذه لنفسه. و له أيضا أن يشتري العبد بقصد نفسه ثم يعتقه بقصد الزكاة و لا يتعين حينئذ كونه زكاة إلا بالعتق. و لعل مورد الروايتين الصورة الأولى و إن اتحدت الصورتان في كون الولاء لأرباب الزكاة.

قال في المستمسك بعد نقل كلام الجواهر: «و ما ذكره «قده» في محله، لأن الشراء بالزكاة- سواء كان بعد العزل و التعيين كما هو ظاهر مورد النصّ، أم بالذمة بعنوان الولاية- يستوجب تبديل الزكاة بالعبد. و مقتضى البدلية صيرورة العبد زكاة، و ليس ذلك دفعا للزكاة و لا أداء لها، كما لو بدل الزكاة بعين أخرى لا يكون ذلك أداء لها، بل الأداء إنما يكون بإخراجها عن يده، و ذلك إنما يكون بالعتق في

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 345.

(2)- الروضة 2/ 47.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الجواهر 15/ 345.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 42

..........

______________________________

المقام فهو مورد النية لا أداء الثمن إلى البائع، إذ بمجرد المعاملة تكون العين ملكا

للبائع فأداؤها أداء لمال البائع إليه.» «1»

أقول: بناء على تعيّن الزكاة بالعزل كما هو الأقوى كما مر «2» يكون العزل مع النية لا محالة، و يترتب عليه سقوط الزكاة و عدم ضمانه لها إن تلف المعزول بغير تفريط، و يكون إيصال المعزول حينئذ إلى أهله من قبيل إيصال مال الأمانة إلى صاحبه، و لا دليل على احتياجه حينئذ إلى نية أخرى. ففي المقام أيضا لو فرض العزل بنية الزكاة ثم الاشتراء به كان العتق بعد ذلك من قبيل إيصال الأمانة. و إن كان العتق بما هو عتق يحتاج إلى النية. و لو فرض موت العبد بعد اشترائه حينئذ برئت ذمّته. هذا.

و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط بالنية أولا و استمرارها إلى حين الإعتاق كما في المتن، فتدبر.

تتمة:

قال في النهاية: «وَ فِي الرِّقٰابِ، و هم المكاتبون و المماليك الذين يكونون تحت الشدّة العظيمة. و قد روي أن من وجبت عليه كفارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطأ و غير ذلك و لا يكون عنده، يشترى عنه و يعتق.» «3»

فهو- قدس سرّه- لم يذكر القسم الثالث هنا و لكن نسب قسما آخر إلى الرواية. و صنع نحو ذلك في المبسوط أيضا.

ثم قال: «و الأحوط عندى أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 254.

(2)- راجع ج 2 ص 173 و ما بعدها من الكتاب، المسألة 34 من فصل زكاة الغلّات.

(3)- النهاية/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 43

..........

______________________________

و يعتق عن نفسه.» «1»

و في الشرائع بعد ذكر الأقسام الثلاثة السابقة قال: «و روي رابع، و هو من وجبت عليه كفارة و لم يجد فإنه يعتق عنه، و فيه تردّد.» «2»

و قال في

المدارك في شرح العبارة: «هذه الرواية أوردها علي بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم «ع»، قال: «وَ فِي الرِّقٰابِ قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم، و ليس عندهم ما يكفرون به و هم مؤمنون، فجعل اللّه- تعالى- لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم.»

و مقتضى الرواية جواز إخراج الكفارة من الزكاة و إن لم يكن عتقا لكنها غير واضحة الإسناد، لأن علي بن إبراهيم أوردها مرسلة، و من ثم تردّد المصنف في العمل بها و هو في محلّه.» «3»

أقول: و الرواية قطعة من رواية مفصلة رواها في الوسائل عن التهذيب و تفسير القمي، فراجع. «4» و مفادها كما ذكر في المدارك لا يختصّ بعتق الرقبة و إن فهم منها الشيخ و المحقق خصوص العتق.

قال في مصباح الفقيه بعد نقل كلام المدارك: «فعلى هذا التفسير يكون المراد بالرقاب فكّ رقبة الأشخاص الذين لزمتهم الكفارات عن الكفارات اللازمة عليهم، سواء حصل الفكّ بتحرير رقبة أو غيره. و لكن الذي يظهر من كلمات الأصحاب أنهم فهموا من هذه الرواية إرادة صرف الزكاة في تحرير الرقاب عمن لزمتهم

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 250.

(2)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 121).

(3)- المدارك/ 316.

(4)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6؛ و التهذيب 4/ 50؛ و تفسير القمي 1/ 299

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 44

..........

______________________________

الكفارات. و كيف كان فيشكل إثبات مثل هذا المصرف للزكاة بمثل هذه الرواية مع ما فيها من الإرسال، و لذا قال المصنف «ره»: و فيه تردّد. نعم، يجوز دفع الزكاة لمن لزمته كفارة و ليس عنده ما يكفر به من

باب فقره، و عن المصنف في المعتبر أنه جوّز إعطاءه من سهم الغارمين أيضا ...» «1»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 96.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 45

6- الغارمون

اشارة

السادس: الغارمون، و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها (1).

[معنى الغارمون]

______________________________

(1) في تفسير الرازي: «قال الزجّاج: أصل الغرم في اللغة لزوم ما يشقّ.

و الغرام: العذاب اللازم. و سمّي العشق غراما لكونه أمرا شاقّا و لازما، و منه فلان مغرم بالنساء إذا كان مولعا بهن، و سمي الدين غرما لكونه شاقا على الإنسان و لازما له. فالمراد بالغارمين: المديونون.» «1»

و في نهاية الشيخ: «و الغارمون هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية و لا فساد.» «2»

و في الشرائع: «و الغارمون، و هم الذين علتهم (عليهم خ. ل) الديون في غير معصية.» «3»

و الظاهر أن غرضهما بيان موضوع الحكم في المقام بقيوده لا بيان مفهوم اللفظ بإطلاقه، إذ لا فرق في مفهومه بين الصرف في الطاعة أو المعصية، و ليس هنا وضع و اصطلاح خاص.

و في الجواهر في ذيل عبارة الشرائع قال: «بلا خلاف أجده فيه، كما لا أجده

______________________________

(1)- تفسير الرازي 16/ 112 (- طبعة أخرى 3/ 478).

(2)- النهاية/ 184.

(3)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 46

..........

______________________________

في استحقاقهم في الجملة هذا السهم من الزكاة كما اعترف به في المعتبر على ما قيل. بل الكتاب و السنة و الإجماع بقسميه دالة على ذلك.» «1»

أقول: و الروايات في هذا المجال كثيرة يأتي جملة منها في الفروع الآتية، و منها خبر محمد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد، قال:

سأل الرضا «ع» رجل و أنا أسمع فقال له: جعلت فداك إن اللّه- جلّ و عزّ- يقول:

«وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ»، أخبرني عن هذه النظرة التي ذكر اللّه- عز و جلّ- في كتابه لها حدّ يعرف

إذا صار هذا المعسر إليه لا بدّ له من أن ينتظر، و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله، و ليس له غلّة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محلّه و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: «نعم ينتظر بقدر ما ينتهى خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عزّ و جلّ-، فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام.»

قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه؛ في طاعة اللّه أم في معصيته؟ قال: «يسعى له فيما له فيردّه عليه و هو صاغر.» «2»

و الظاهر أن مورد السؤال و الجواب في الذيل صورة انكشاف كون الإنفاق في المعصية بعد ما لم يكن يعلم. و سيأتي توضيحه.

و منها خبر موسى بن بكر، قال: قال لي أبو الحسن «ع»: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله «ع» ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره، إن اللّه- عز و جل- يقول:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» إلى قوله: «وَ الْغٰارِمِينَ»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 355.

(2)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 47

..........

______________________________

فهو فقير مسكين مغرم.» «1»

و يظهر من ذيل الخبر تداخل السهام، كما لا يخفى.

و منها خبر صباح بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيما مؤمن

أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقتضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» الآية، فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.» «2»

إلى غير ذلك من أخبار المسألة. و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم.

و إطلاق و عموم الآية الشريفة و ما حذا حذوها يقتضي جواز إعطاء الغارم من الزكاة، سواء كان الدين لمعيشته أو للضمانات من دية أو غرامة إتلاف و نحو ذلك أو لإصلاح ذات البين و نحوه، و سواء كان الغارم حيا أو ميتا، و سواء كان مالكا لقوت سنته فعلا أو قوة أم لا، و سواء وقت تركة الميت بدينه أم لا، و سواء صرف في الطاعة أو المعصية تاب عنها أو لم يتب، و سواء كان الغارم ممن تجب نفقته أم لا، و مسلما كان أو كافرا.

فإطلاق الآية يعم جميع ذلك، و لكن هنا نصوص مقيدة و فروع وقع البحث فيها، فلنبحث في أمور:

[هنا أمور]
الأمر الأول: اشتراط كونه عاجزا عن قضاء دينه

أنه قد صرّح في بعض الكلمات باشتراط كونه عاجزا عن قضاء دينه، و في بعضها باشتراط الفقر و ادّعى بعضهم الإجماع على ذلك و أنه لا يعطى الغني

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 48

..........

______________________________

المتمكن من أداء دينه من هذا السهم و لا من سائر السهام:

1- قال في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 19): «الغارم الذي عليه الدين و أنفقه في

طاعة أو مباح لا يعطى من الصدقة مع الغنى. و للشافعي فيه و جهان: أحدهما يعطى، و الآخر لا يعطى. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا جواز إعطائه مع الفقر مجمع عليه، و لا دليل على جواز إعطائه مع الغنى.» «1»

2- و فيه أيضا (المسألة 23): «خمسة أصناف من أهل الصدقات لا يعطون إلّا مع الفقر بلا خلاف: و هم الفقراء، و المساكين، و الرقاب، و الغارم في مصلحة نفسه، و ابن السبيل المنشئ لسفره ... و الغارم لمصلحة ذات البين و الغازي لا يعطى إلّا مع الحاجة عند أبي حنيفة. و عند الشافعي يعطى مع الغنى، و هو الصحيح.

و ابن السبيل المجتاز يعطى مع الغنى في بلده بلا خلاف. دليلنا إجماع الفرقة ...» «2»

3- و في النهاية: «و إذا كان على إنسان دين و لا يقدر على قضائه و هو مستحق جاز لك أن تقاصّه من الزكاة.» «3»

4- و في المبسوط: «فأما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم و معروف في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه، فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف.» «4»

5- و في الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و العدالة و أن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الإجماع المتكرر.» «5»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

(2)- الخلاف 2/ 352.

(3)- النهاية/ 188.

(4)- المبسوط 1/ 251.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 49

..........

______________________________

6- و في المعتبر في مسألة الغارمين: «و لا يعطى مع الغنى، و للشافعي قولان:

لنا قوله «ع»: «لا تحلّ الصدقة لغني»، و قوله «ع»: تردّ في فقرائهم.» «1»

7- و في

التذكرة: «الغارمون صنفان: أحدهما من استدان في مصلحته و نفقته في غير معصية، و عجز عن أدائه و كان فقيرا، فإنه يأخذ من سهم الغارمين إجماعا ليؤدي ذلك. و إن كان غنيا لم يجز أن يعطى عندنا و هو أحد قولي الشافعي.» «2»

8- و في أمّ الشافعي: «و الغارمون صنفان: صنف ادّانوا في مصلحتهم أو معروف و غير معصية، ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض و النقد، فيعطون في غرمهم لعجزهم. فإن كان لهم عروض أو نقد يقضون منه ديونهم فهم أغنياء لا يعطين منها شيئا و يقضون من عروضهم أو من نقودهم ديونهم ...» «3»

9- و في الأحكام السلطانية للماوردي: «و السهم السادس للغارمين و هم صنفان: صنف منهم استدانوا في مصالح أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر دون الغنى ما يقضون به ديونهم، و صنف منهم استدانوا في مصالح المسلمين فيدفع إليهم مع الفقر و الغنى قدر ديونهم من غير فضل.» «4»

أقول: فالشيخ- قدّس سرّه- تارة عبّر بالعجز عن الأداء و تارة بالفقر، و في الغنية عبّر بأن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب، و المحقق اعتبر عدم الغنى، و العلامة جمع بين العجز و الفقر، و هل أراد بالفقر شرطا آخر أو أنه تفسير للعجز؟ فيه احتمالان.

و الشيخ و العلامة جعلا مورد الاشتراط من استدان لمصلحة نفسه و لم يشرطا الفقر فيمن استدان لإصلاح ذات البين و سيتعرض المصنف للقسم الثاني في

______________________________

(1)- المعتبر/ 280.

(2)- التذكرة 1/ 233.

(3)- الأمّ 2/ 61.

(4)- الأحكام السلطانية/ 123.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 50

..........

______________________________

المسألة التاسعة و العشرين، فانتظر. و قد رأيت أن الشافعي أيضا اعتبر في القسم الأول الفقر. هذا.

و استدلّوا لاشتراط الفقر و العجز: أولا بالإجماعات

المنقولة.

و ثانيا بأن المستفاد أو المصرّح به في أخبار كثيرة أن الزكاة شرّعت لسدّ الخلّات و دفع الحاجات و أنها لا تحلّ لغنيّ، و أن اللّه- تعالى- شرّك بين الأغنياء و الفقراء، فيتحصل من جميع ذلك اعتبار الفقر و عدم التمكن إجمالا.

و ثالثا بصحيحة زرارة أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال:

«إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.» «1»

بناء على إرادة الأداء من سهم الغارمين، كما هو الظاهر.

و يمكن أن يستدل لذلك بأخبار أخر أيضا:

1- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحل الصدقة لغنيّ و لا لذي مرّة سوّي و لا لمحترف و لا لقويّ.» قلنا: ما معنى هذا؟ قال:

«لا تحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «2»

إذ الحديث بإطلاقه يعمّ سهم الغارمين أيضا.

2- ما عن الكافي بسنده عن يونس بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر (خير خ. ل) إن أيسر قضاك، و إن مات

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 51

..........

______________________________

قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.» «1» و روى

الصدوق نحوه مرسلا. «2»

و نحوه خبر إبراهيم بن السندي، عن أبي عبد اللّه «ع» يم «3» بل الظاهر اتحادهما و سقوط يونس بن عمار من سند الخبر الثاني.

3- ما في الفقيه، قال: و قد روي عن الصادق «ع» أنه قال: «نعم الشي ء القرض؛ إن أيسر قضاك و إن أعسر حسبته من الزكاة.» «4»

و في المقنع: «و قد روي عن العالم «ع» أنه قال: «نعم الشي ء.» و ذكر مثله. «5»

و في فقه الرضا: و قد أروى عن العالم «ع» أنه قال. و ذكر نحو ذلك. «6»

4- و في فقه الرضا أيضا: «و إن كان لك على رجل مال و لم يتهيأ لك قضاؤه فاحسبه من الزكاة إن شئت.» «7»

و قد ذكر نحو هذه العبارة بنحو الإفتاء الصدوق أيضا في الفقيه، و المقنع، فراجع. «8»

و لا يخفى أنه لم يذكر في هذه الأخبار عنوان الفقر، بل المستفاد منها اعتبار العسر و العجز عن الأداء.

و يظهر من الحدائق «9» الاستدلال لذلك أيضا بخبر محمد بن سليمان و نحوه مما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الفقيه 2/ 32 (- طبعة أخرى 2/ 58)، باب ثواب القرض، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 209، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الفقيه 2/ 10 (- طبعة أخرى 2/ 18)، الباب 5 من أبواب الزكاة، الحديث 5؛ و الوسائل 6/ 211.

(5)- الجوامع الفقهية/ 14.

(6)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 198).

(7)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 198).

(8)- راجع الفقيه 2/ 10 (- طبعة أخرى 2/ 19) الباب 5 من أبواب الزكاة بعد الحديث 6؛ و الجوامع الفقهية/ 14.

(9)- الحدائق 12/ 190.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3،

ص: 52

..........

______________________________

يكون مورد السؤال فيه وجود الفقر.

و يرد عليه أن المستفاد من هذه الأخبار جواز الأداء عند الفقر و الحاجة، لا الحصر و عدم الجواز عند عدمهما لأن المورد لا يخصّص و ليس التقييد في كلام الإمام «ع» حتى يؤخذ بظاهره. هذا.

فإن قلت: روى في المستدرك عن الدعائم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلا لخمسة: عامل عليها، أو غارم و هو الذي عليه الدين، أو تحمّل بالحمالة، أو رجل اشتراها بماله، أو رجل أهديت إليه.» «1»

و روى البيهقي في السنن بسنده عن عطاء بن يسار أن رسول اللّه «ص» قال:

لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل اللّه، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو رجل له جاز مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني.» و بسنده أيضا عنه، عن أبي سعيد الخدري، عنه «ص» نحوه «2»، فما تقول في هذين الخبرين، حيث يظهر منهما عدم اشتراط الفقر في الغارم؟

قلت: هذان الخبران على فرض صحتهما لا يقاومان الأدلة و الأخبار الماضية، فيحتمل حملهما على أن من ملك مئونة السنة لنفسه و لعياله و لكن عليه دين لا يقدر على قضائه جاز قضاؤه من سهم الغارمين و إن لم يطلقوا عليه الفقير اصطلاحا كما سيأتي بحثه.

هذا مضافا إلى أنه يمكن في خبر السنن أن يقال: إن محطّ النظر فيه بيان عقد النفي أعني المستثنى منه لا المستثنيات، فلا إطلاق لها، فيمكن أن يحمل الغارم فيه

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.

(2)- سنن البيهقي 7/ 15، كتاب قسم الصدقات، باب العامل على الصدقة يأخذ منها

بقدر عمله ....

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 53

..........

______________________________

على الغارم الذي استدان لإصلاح ذات البين لا لمصلحة نفسه، و على فرض الإطلاق أيضا يقيد بما مرّ من الأدلة بعد حملها على خصوص المستدين لمصلحة نفسه، كما لعله الظاهر منها.

و من المحتمل اتحاد الخبرين و سقوط الغازي من خبر الدعائم، و عدم كون تفسير الغارم فيه من الرواية بل من كلام المصنف، فيجري فيه أيضا ما مرّ، فتدبر.

و كيف كان فأصل الاشتراط إجمالا مما لا إشكال فيه. و إنما الإشكال في المراد بالفقر هنا عند من اعتبره، حيث إنهم فسّروا الغنى في مبحث سهم الفقراء بمن يملك مئونة السنة لنفسه و لعياله فعلا أو قوة، و الفقير بمن لا يملك ذلك.

فهل يراد بالفقير هنا ذلك أو يراد به هنا بمناسبة الحكم و الموضوع من يعجز عن قضاء دينه؛ ملك مئونة سنته أم لا؟

و مقتضى الأول كون النسبة بين الفقير و العاجز عموما من وجه، إذ ربّ شخص له مال أو كسب يفي بمؤونته و لكن عليه ديون كثيرة أو أروش جنايات و ديات و كفارات يعجز عن قضائها، و قد يكون الأمر بالعكس كمن لا يملك بمقدار مئونة السنة و لكن له مال فعلا يفي بدينه أو يقضي عنه متبرع بلا منّة و ذلة و قد يكون الشخص عاجزا عن المؤونة و الدين معا.

و حيث إن الظاهر عدم الخلاف و الإشكال في أن من يعجز عن أداء دينه لكثرته يجوز قضاؤه من سهم الغارمين و إن كان له مال أو كسب جزئي يفي بمؤونته فلعله يكشف هذا عن أن من اعتبر الفقر هنا أراد به لا محالة العجز عن أداء الدين فيتساوى و يترادف التعبيران:

ففي المدارك

بعد نقل ما مر من المعتبر من أن الغارم لا يعطى مع الغنى قال:

«الظاهر أن المراد بالغنى انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغنى الذي هو ملك قوت السنة، إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى به الدين إذا كان

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 54

..........

______________________________

غير متمكن من قضائه.» «1»

و في الجواهر عن شرح اللمعة للأصبهاني: «يمكن أن لا يكون المراد بالفقير هنا ما عرفته في الفقراء و المساكين من عدم مئونة السنة فعلا أو قوة، بل عدم التمكن من قضاء الدين، بدليل أن جماعة منهم الشارح عبّروا بذلك و نحوه مما يفيد مفاده.» «2» هذا.

و قد يقال ما محصله: أن ذكر قوت السنة في تعريف الفقير و الغني في كلمات الأصحاب و في أخبار مبحث الفقراء كخبري الدغشي و يونس بن عمار «3» يكون من باب المثال و من باب ذكر أوضح الحاجات، و إلا فالملاك في الغنى مالكية الإنسان لجميع ما يحتاج إليه في معاشه و معاده فعلا أو قوة، فكما يعتبر فيه مالكية القوت يعتبر أيضا مالكية اللباس و المركب و محل السكونة و الكتب اللازمة و مئونة النكاح و نحو ذلك قطعا.

و على هذا فيمكن أن يعدّ من المؤونة السنوية أيضا أداء الديون اللازمة و الغرامات الواجبة، و يعتبر في صدق الغنى القدرة على أدائها فعلا أو قوة، فمن يعجز عن أدائها يصدق عليه الفقير و إن ملك قوته و لباسه مثلا فيجوز إعطاؤه من سهم الفقراء، و لذا قال الشيخ في المبسوط في باب سهم الرقاب: «و روى أصحابنا أن من وجبت عليه عتق رقبة في كفارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه.

و

الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو و يعتق عن نفسه.» «4»

و على هذا فيكون الغارم أخصّ مطلقا من الفقير و يكون مقابلة الغارمين للفقراء باعتبار خصوصية جهة التصرف و الاهتمام بها و أنه قد يكون الغارم ميتا و قد يقضى عنه بغير إذنه و اطلاعه.

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- الجواهر 15/ 356.

(3)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7 و 10.

(4)- المبسوط 1/ 250.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 55

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 55

..........

______________________________

قال في الجواهر: «فيمكن أن ينقدح من ذلك اعتبار القدرة على قضاء الدين مع مئونة السنة في الغني، فمن عجز عنهما أو أحدهما فهو فقير، و من ملك ما يقابلهما معا كان غنيا كما صرّح به الاستاذ في كشفه في تعريف الفقر و الغنى، ضرورة أن الحاجة إلى وفاء الدين أشدّ من الحاجة إلى غيرها من المؤن، مضافا إلى صدق الفقير على من ملك قوت سنته و كان عليه أضعافها دينا، و خصوصا إذا كان قد اشتراها به و لذا يعطى في الخمس و غيره مما يشترط فيه الفقر. و دعوى أن مثله غني كما ترى، فحينئذ اشتراط الفقر ممن عرفت في محله، إذ متى كان عاجزا عن وفاء الدين كلا أو بعضا كان فقيرا و إن ملك قوت سنته، و هو المراد من اشتراط عدم التمكن من القضاء ....» «1»

أقول: و ما ذكره جيّد يساعده العرف و الاعتبار، و على هذا فيرجع التعبيران إلى أمر واحد.

و يجوز أن يستدل لاشتراط العجز في المقام بما

روي من قوله «ص»: «لا تحلّ الصدقة لغني.» «2»

و مرّ في خبر موسى بن بكر قوله «ع»: «فهو فقير مسكين مغرم.» «3» حيث يستفاد منه تداخل السهام، فتدبر. هذا.

و ذكر الشيخ الأعظم في زكاته «4» كلمات من الأصحاب يظهر منها تفكيكهم بين الفقير و الغارم المحتاج و أن الواجد لقوت السنة يعدّ عندهم غنيا و إن كان عليه دين يعجز عن أدائه. و يظهر الجواب عنها مما ذكرنا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 356.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

(4)- زكاة الشيخ/ 504 (- طبعة أخرى/ 442).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 56

و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم (1).

______________________________

(1) قد مرّ آنفا وجه ذلك و هو أن الملاك في الغنى و الفقر مالكية الإنسان جميع حاجاته السنوية فعلا أو قوة و منها ما يقابل ديونه، فلا يكفي في صدق الغنى مالكية قوت السنة فقط.

و أما إذا قلنا بأن الملاك في الغنى ذلك و أن النسبة بين الفقير و الغارم عموم من وجه فمقتضى ذلك أن من ملك مقدار مئونة سنته فعلا و كان عليه دين يتمكن من أدائه من هذا المال فما لم يصرفه في أداء دينه لم يجز له أخذ الزكاة لا من سهم الفقراء لعدم كونه فقيرا على الفرض و لا من سهم الغارمين لما مرّ من اشتراط الفقر و العجز. و قد حكي هذا القول عن الحلّي و إن لم أجد في كلامه تصريحا بذلك.

و ربما يستشهد لذلك بما رواه الحلّي في مستطرفات السرائر عن مشيخة الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة، قال: سألت أبا عبد

اللّه «ع» عن الرجل منّا يكون عنده الشي ء يتبلغ (يتبايع- السرائر) به و عليه دين أ يطعمه عياله حتى يأتيه اللّه- تعالى- بميسرة فيقضي دينه، أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان و شدّة المكاسب، أو يقضي بما عنده دينه و يقبل الصدقة؟ قال: يقضي بما عنده و يقبل الصدقة. الحديث. «1»

و الجواب عن ذلك أن الرواية كما يظهر من سياقها و ذيلها ليس بصدد بيان أن سهم الغارم يجوز أن يعطى له قبل صرف ما عنده أم لا، بل بصدد بيان الاهتمام بحقوق الناس و أن من يجد ما يقابل الدين يجب عليه صرفه فيه و لا يكون هذا نظير قوت اليوم و الليلة في كونه مستثنى، و بعد صرفه جاز له لا محالة أن يقبل الصدقة لفقره و إعوازه. هذا.

و في المدارك قال: «استقرب العلامة في النهاية جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 207، الباب 47 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1؛ عن السرائر/ 480.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 57

و يشترط أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية (1).

و إلّا لم يقض من هذا السهم.

______________________________

يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر.»

قال في المدارك: «و مقتضى كلامه أن الأخذ و الحال هذه يكون من سهم الغارمين و هو غير بعيد لإطلاق الآية لعدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا بذلك.» «1»

أقول: لو كان العلامة ممن يقول باشتراط الفقر في المقام و يريد به عدم الوجدان لقوت السنة فقط ففي تعليله إشكال، و لكن الظاهر كما عرفت كون هذا الشخص من أول الأمر مصداقا

للفقير، لكون أداء الدين من أشدّ الحاجات السنوية، فيجوز أن يعطى من كل من سهمي الفقراء و الغارمين من أول الأمر. و كان الأولى للعلامة أن يعلّل الحكم بذلك، فتدبر.

الأمر الثاني: أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية

(1) قد مرّ عن النهاية قوله: «و الغارمون هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية و لا فساد.» «2»

2- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 20): «إذا أنفقه في معصية ثم تاب منها لا يجب أن يقضى عنه من سهم الصدقة. و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. و الثاني يقضى عنه. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و هي عامّة في أنه لا يقضى عنه إذا أنفقه في معصية و لم يفصلوا حال التوبة من غيرها.» «3»

أقول ظاهر عبارة الخلاف أن أصل عدم جواز الأداء إذا كان في معصية، أمر مفروغ عنه متفق عليه و إنما الخلاف فيما بعد التوبة. و قوله: «لا يجب» مساوق لعدم الجواز، إذ لو جاز أداء دينه وجب على الإمام ذلك كما هو مفاد الروايات.

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- الخلاف 2/ 352.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 58

..........

______________________________

3- و في الشرائع: «فلو كان في معصية لم يقض عنه.» «1»

4- و في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا، بل عن الخلاف و المنتهى و التذكرة الإجماع على منع الإعطاء من سهم الغارمين في الدين المنفق في معصية.» «2»

5- و في التذكرة: «و لو استدان في معصية لم يقض عند علمائنا أجمع، و به قال علي بن أبي هريرة من الشافعية.» «3»

6- و في المنتهى: «و لو أنفقه في المعصية لم يقض و هو مذهب علمائنا أجمع، و للشافعي قولان.» «4»

و ظاهر التذكرة و المنتهى كون أصل المسألة مختلفا فيها بين

فقهاء السنة، بخلاف ما مرّ من الخلاف.

7- و قد مرّت عبارة الشافعي في الأمّ: «و الغارمون صنفان: صنف ادّانوا في مصلحتهم أو معروف و غير معصية ثم عجز عن أداء ذلك ...» «5» و ظاهره تسليم أصل الاشتراط.

8- و في المغني لابن قدامة: «لكن إن غرم في معصية مثل أن يشتري خمرا أو يصرفه في زناء أو قمار أو غناء و نحوه لم يدفع إليه قبل التوبة شي ء لأنه إعانة على المعصية.» «6»

و بالجملة، فأصل الحكم إجمالا مما لا خلاف فيه عندنا و ادعوا عليه الإجماع.

و يدل عليه- مضافا إلى ذلك، و إلى أن الزكاة معونة و إرفاق على وجه القربة

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(2)- الجواهر 15/ 357.

(3)- التذكرة 1/ 233.

(4)- المنتهى 1/ 521.

(5)- الأمّ 2/ 61.

(6)- المغني 7/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 59

..........

______________________________

فلا تناسب المعصية بل يكون وفاؤه منها إغراء بالقبيح- أخبار مستفيضة:

1- ما رواه الشيخ، عن علي بن إبراهيم في تفسيره، عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات.» «1»

2- ما مرّ من خبر محمد بن سليمان، عن الرضا «ع». و فيه: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عزّ و جلّ-، فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام. الحديث.» «2»

3- ما مرّ من خبر صباح بن سيّابة، عن أبى عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيما مؤمن أو مسلم مات و

ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك. إن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» الآية. فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه.» «3»

4- خبر قرب الإسناد، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه أن عليا «ع» كان يقول: «يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كل ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف. الحديث.» «4»

5- ما في أصول الكافي بسنده عن رجل من طبرستان يقال له محمد، قال:

سمعت علي بن موسى «ع» يقول: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق- الوهم من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

(4)- الوسائل 6/ 180، الباب 24 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 60

..........

______________________________

معاوية- أجّل سنة؛ فإن اتسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «1»

بناء على إرادة سهم الغارمين كما هو الظاهر. و التأجيل سنة إنما يكون في صورة مظنة الاتساع و احتماله و إلّا فلا يلزم.

6- بل يشعر بذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال:

سألت أبا الحسن «ع» عن رجل فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟

قال: «نعم.» «2».

إذ يظهر من السؤال أن أصل عدم جواز أداء دين المفسد و

المسرف كان أمرا مركوزا مفروغا عنه.

و كيف كان فأصل الحكم إجمالا واضح لا إشكال فيه. و ضعف الأخبار منجبر بالإجماع و العمل و حكم العقل بأن الوفاء حينئذ إغراء بالقبيح و معاونة عليه، فإشكال صاحب المدارك فيه في غير محله.

الأمر الثالث: إذا تاب الغارم

لا يخفى أن إطلاق الروايات يشمل ما إذا تاب الغارم أيضا. و لا يعارضه إطلاق الغارمين في الآية الشريفة و ما حذا حذوها، لأن إطلاق الخاص يقدم على إطلاق العام عرفا لأنه بمنزلة المفسّر له. و قد مرّت عبارة الخلاف في هذا المجال.

و لكن في المعتبر: «و جاز مع توبته أن يعطى من سهم الفقراء إن كان بصفتهم و لو أعطي من سهم الغارمين لم أمنع منه.» «3»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 179، الباب 24 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- المعتبر/ 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 61

..........

______________________________

و في المدارك: «إعانة المستدين في المعصية إنما يقبح مع عدم التوبة لا مطلقا ...

و من ثم ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمين، و هو حسن.» «1»

و في الحدائق بعد نقل ذلك قال: «إنا لا نعتمد على هذه التعليلات الواهية، و إنما العلة هي النصوص المذكورة، و التوبة لا مدخل لها في ذلك، لأن الظاهر أن إيجاب الشارع القضاء عليه من غير أن يعطى من هذا السهم ما يقضي به عن نفسه إنما وقع عقوبة له فيما فعل من صرف ما استدانه في المعصية كما ينادي به قول الرضا «ع» في الرواية الأولى: يسعى له فيما له و يرده عليه و هو صاغر.» «2»

أقول: مراده بالرواية الأولى

رواية محمد بن سليمان التي مضت.

و العمدة كما مرّ إطلاق الروايات لصورة التوبة أيضا، اللّهم إلّا أن يحكم بمناسبة الحكم و الموضوع بانصرافها عن هذه الصورة، إذ التائب من الذنب يصير كمن لا ذنب له و أداء الدين واجب لا محالة. و سنشير ثانيا إلى هذا البحث في الأمر الرابع.

و في المغني لابن قدامة: «و إن تاب فقال القاضي: يدفع إليه، و اختاره ابن عقيل، لأن إيفاء الدين الذي في الذمة ليس من المعصية بل يجب تفريغها، و الإعانة على الواجب قربة لا معصية فأشبه من أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر، فإنه يدفع إليه من سهم الفقراء.

و فيه وجه آخر: لا يدفع إليه لأنه استدانة للمعصية فلم يدفع إليه كما لو لم يتب، و لأنه لا يؤمن أن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بأن دينه يقضى، بخلاف من أتلف ماله في المعاصي فإنه يعطى لفقره لا لمعصية.» «3»

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- الحدائق 12/ 192.

(3)- المغني 7/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 62

و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء (1)، سواء تاب عن المعصية أو لم يتب، بناء على عدم اشتراط العدالة في الفقير. و كونه مالكا لقوت

الأمر الرابع: [هل يعطى الغارم الذي صرف الدين في المعصية من سهم الفقراء أو من سهم سبيل اللّه]

______________________________

(1) هل يعطى الغارم الذي صرف الدين في المعصية من سهم الفقراء أو من سهم سبيل اللّه لقضاء دينه إما مطلقا أو بعد التوبة أم لا؟

1- قال في المبسوط: «و إن كان فقيرا نظر، فإن كان مقيما على المعصية لم يعطه لأنه إعانة على المعصية، و إن تاب فإنه يجوز أن يعطى من سهم الفقراء و لا يعطى من سهم الغارمين.» «1»

و ظاهره الأداء و لو لقضاء الدين.

2- و مرّ عن المعتبر قوله: «و جاز مع

توبته أن يعطى من سهم الفقراء إن كان بصفتهم. و لو أعطي من سهم الغارمين لم أمنع منه.» «2»

3- و في الشرائع: «نعم، لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء و جاز أن يقضي هو.» «3»

4- و في الجواهر: «و اعتبار التوبة في الإعطاء من سهم الفقراء مبني على ما تعرف إن شاء اللّه من اعتبار العدالة أو اجتناب الكبائر، أمّا على القول بعدمه يعطى و ان لم يتب، بل قيل و كذا الإعطاء من سهم سبيل اللّه بناء على تعميمه لكل قربة كما نصّ عليه في المسالك، و لعله لأنه بدونها لا قربة فيه لما فيه من الإغراء بالقبيح.» «4» هذا.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 251.

(2)- المعتبر/ 280.

(3)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(4)- الجواهر 15/ 359.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 63

سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدّين الذي لا يفي كسبه أو ما عنده به.

______________________________

5- و لكن استشكل في المسالك في أصل المسألة فقال: «و في المسألة إشكال و هو أنه مع صرف المال في المعصية إن لم يجز وفاؤه من سهم الغارمين لم يجز من سهم الفقراء و إن تاب لأن الدين لا يدخل في سهم الفقراء و إلّا لم يكن الغرم قسيما للفقر بل قسما منه. بل إما أن يكون التوبة مسوّغة للدفع إليه من سهم الغارمين أو سهم سبيل اللّه و إما أن لا يجوز الدفع إليه لوفاء دين المعصية مطلقا.

و قد لزم من ذلك احتمالات: عدم الجواز مطلقا اعتبارا بالمعصية المانعة، ذكره العلّامة حكاية. و الجواز مع التوبة من سهم الفقراء، و هو الذي اختاره الشيخ و تبعه عليه جماعة. و الجواز معها من سهم الغارمين، و اختاره المصنّف

في بعض فتاويه.

و الجواز معها من سهم سبيل اللّه، و هو متوجه.

و يمكن حلّ الإشكال بأن الفقير و إن لم يعط بسبب الفقر إلّا قوت السنة لكن إذا دفع إليه ذلك ملكه و جاز له صرفه حيث شاء فيجوز له صرفه في الدين، مع أن إعطائه قوت السنة إنما هو مع الدفع تدريجا أما دفعة فلا. نعم لو لم يكن فقيرا بأن كان مالكا لقوت سنة لم يتوجه على ذلك إعطاؤه من سهم الفقراء لعدم الفقر و لا من سهم الغارمين لإنفاقه في المعصية، فيجب أن يقيد كلام المصنف في جواز إعطائه من سهم الفقراء بكونه فقيرا.» «1»

و اعترض عليه في الجواهر بما مرّ في ملاك الفقر و الغنى. و محصله: «أن الملاك فيهما ليس هو قوت السنة فقط، بل الملاك مطلق الحاجات في إدامة الحياة، و الغرم من أشدّ الحاجات، فلا حاجة إلى تقييد كلام المصنف بكونه فقيرا، فيعطى المالك لقوت سنته من حيث الفقر بسبب ما عليه من الدين. و دين المعصية و إن كان لا يقضى من سهم الغارمين و لكنه يعطى من جهة الفقر و لكن بشرط التوبة

______________________________

(1)- المسالك 1/ 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 64

و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (1).

و لو شكّ في أنّه صرفه في المعصية أم لا فالأقوى جواز إعطائه

______________________________

لما عرفت من اعتبار العدالة أو اجتناب الكبائر.» «1»

أقول: ما ذكره في ملاك الفقر و الغنى و إن كان صحيحا عندنا على ما مرّ و اختاره المصنف أيضا في المتن، و لكن يبعد جدّا حمل الأخبار و الفتاوى المانعة على الحكم الحيثي و المنع من حيث الغرم لا من حيث الفقر بعد وضوح ملاك

الحكم و عدم انفكاك الغرم عن الفقر لكون الغارم اخصّ كما هو المدّعى. و ليس البحث في الاسم و العنوان فقط، بل الغرض حرمان من صرف الدين في المعصية عن الزكاة عقوبة عليه، فإما أن يقال بعدم جواز الإعطاء مطلقا و إن تاب عقوبة له على عصيانه، و ربما يشهد له إطلاق قوله «ع» في خبر محمد بن سليمان: «فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام.» «2» و إما أن يقال بجواز الإعطاء بعد التوبة و لو من سهم الغارمين لانصراف الأخبار و الفتاوى عن هذه الصورة و تكون هذه خلّة من خلّات المسلمين فيجب على الإمام سدّها و رفعها.

اللّهم إلا أن يقال: إن الفرق بينهما هو أن الغارم يؤدى عنه دينه و الفقير يعطى تمليكا، فلا مانع من منع الأول مطلقا لكونه بالمباشرة صرفا للزكاة في دين المعصية بخلاف الثاني فإنه تمليك لمن صار أهلا له لفقره و توبته، و التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فتدبر.

(1) على فرض انطباقه عليه و لكنه في غاية الإشكال و إن فرض توبته، إذ أداء الدين الذي صرف في الفحشاء و الفساد كيف يعدّ من سبل الخير؟ و التوبة لا توجب انقلاب ماهية الدين. اللّهم إلّا أن ينطبق على تخليص المديون من ديونه أحد المصالح العامة الاجتماعية بحيث يصدق عليه سبيل الخير.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 360.

(2)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 65

من هذا السهم (2)، و إن كان الأحوط خلافه.

الأمر الخامس: [لو شك في أنه أنفقه في الطاعة أو في المعصية]
اشارة

______________________________

(2) لو شك في أنه أنفقه في الطاعة أو في المعصية فهل يقضى عنه أم لا؟

1- قال الشيخ

في كتاب الديون من النهاية: «فيقضي (الإمام) دينه عنه من سهم الغارمين إذا كان قد استدانه و أنفقه في طاعة. و إن كان لا يعلم فيما ذا أنفقه أو علم أنه أنفقه في معصية لم يجب عليه القضاء عنه، بل إذا وسّع اللّه عليه قضى عن نفسه.» «1»

و عدم الوجوب هنا مساوق لعدم الجواز كما مرّ.

2- و قال في الشرائع: «و لو جهل فيما ذا أنفقه قيل: يمنع. و قيل: لا، و هو الأشبه.» «2»

3- و في الدروس: «و لو جهل الحال فالمروي المنع.» «3»

4- و في اللمعة: «و المروي أنه لا يعطى مجهول الحال.» «4»

5- و في التذكرة: «لو لم يعلم فيما ذا أنفقه، قال الشيخ: يمنع، لأن رجلا من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد سأل الرضا «ع»: قلت: فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أو معصية؟ قال: يسعى في ماله فيردّه عليه و هو صاغر. و لأن الشرط و هو الإنفاق في الطاعة غير معلوم. و قال أكثر علمائنا: يعطى، بناء على أن ظاهر تصرفات المسلم إنما هو على الوجه المشروع دون المحرم، و لأن تتبع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره. و في سند الرواية ضعف.» «5»

______________________________

(1)- النهاية/ 306.

(2)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(3)- الدروس/ 62.

(4)- اللمعة (مع شرحها) 2/ 47.

(5)- التذكرة 1/ 233.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 66

..........

______________________________

أقول: الظاهر أن المسألة مبتنية على أن الصرف في الطاعة أو المباح شرط، أو أن الصرف في المعصية مانع و لا مجال للجمع بينهما كما حقق في محلّه.

فعلى الأول يجب احراز الشرط. و استصحاب عدمه يستلزم عدم جواز الأداء.

و على الثاني يستصحب عدم المانع.

و مفاد الأخبار

في هذا المجال متفاوت: فالمستفاد من خبر علي بن إبراهيم في تفسيره و خبر محمد بن سليمان و كذا خبر محمد عن علي بن موسى الرضا «ع» اشتراط الإنفاق في طاعة اللّه و الحق. و المستفاد من خبري صباح بن سيابة و الحسين بن علوان أن الصرف في الفساد و الإسراف مانع، و هو المترائى من السؤال في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أيضا. و الظاهر بدوا من ذيل خبر محمد بن سليمان عدم جواز الأداء مع الشك، حيث قال: «قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّه أم في معصية؟» قال: «يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر.» «1»

و صارت هذه الرواية منشأ لتعرض الأصحاب للمسألة بنحو مبسوط. هذا.

و لكن لا يخفى أن الظاهر من طاعة اللّه كون العمل عباديا قربيا، و لا يعتبر هذا في المقام قطعا، فلا محالة يراد بها ما يعمّ الأعمال المباحة بل المكروهة أيضا، فيكون الشرط صلوح العمل لأن يؤتى به طاعة على ما قيل و هو عبارة أخرى عن عدم المعصية أو كون العمل موردا لرضا اللّه- تعالى- في مقابل كونه موردا لكراهته و مقتضى ذلك كون الصرف في المعصية أو فيما يكرهه اللّه مانعا يحرز عدمه بالأصل.

ثم إن ظاهر تصرفات المسلم كونها على الوجه المشروع، فلو فرض كون الطاعة

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 67

..........

______________________________

بالمعنى الأعم شرطا أيضا أحرز ذلك بأصالة الصحة في فعل المسلم، و على ذلك استقرّ بناء المسلمين في المعاملات و العبادات الصادرة من الغير. و يعسر جدّا تتبع مصارف الديون و

التفتيش فيها و إقامة البينة عليها و لا سيما بالنسبة إلى ديون الأموات التي وردت الروايات و الفتاوى بأدائها من سهم الغارمين كما سيأتي، فالقول بالمنع يستلزم حرمان أكثر الغارمين.

و أما خبر محمد بن سليمان فهو مع ضعفه يشكل الاعتماد عليه في الحكم المخالف للأصول، مضافا إلى أنه لم يقع فيه السؤال عن محل البحث، أعني تكليف الدافع للزكاة عند جهله بالحال، بل عن حق صاحب الدين عند جهله، حيث إنه بعد ما سمع الراوي منه «ع» أن المديون لو أنفقه في المعصية لا شي ء له على الإمام تحيّر في حق صاحب الدين الذي لم يصدر عنه ما يوجب حرمانه عن حقه، إذ لا يعلم هو غالبا أن المديون فيما أنفق أو ينفق الدين، فبعد وضوح ذلك له كيف يصل إلى حقه مع أن المديون حسب الفرض ليس له غلة ينتظر إدراكها و لا دين ينتظر محلّه و لا مال غائب ينتظر قدومه، فلا ربط للرواية بما هو محل البحث في المقام.

كيف و لو كان السؤال عن جهل الدافع بحال المنفق كان المناسب في جوابه أمر الدافع بالتحقيق و التفتيش لا الحكم جزما بالسعي و هو صاغر، فإن هذا الجواب إنما يناسب من علم بصرفه في المعصية لا من جهل حاله، فتدبر.

و إلى بعض ما ذكرنا أشار في الحدائق و في مصباح الفقيه.

قال صاحب الحدائق في المقام ما محصله: «أن الخبر لا دلالة فيه على ما ذكروه، إذ المرجع في كون الإنفاق طاعة أو معصية هو المنفق، و اطلاع الناس على ذلك أمر نادر غالبا سيما إذا كان مستور الظاهر، و حينئذ فيرجع الحكم إليه فإن أنفقه في طاعة جاز له الأخذ و إن أنفقه

في معصية حرم عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

و أما الحكم بالنسبة إلى الإمام فإنه إن اطلع على أحد الأمرين عامله به، و إن لم يطلع و لا سيما مع كونه مستور الظاهر غير معروف بالفسق فإنه يدفع إليه بناء على ظاهر الحال و لكنه يحرم عليه فيما بينه و بين اللّه إن كان أنفقه في معصية.

و الرواية لا تنافي ذلك، إذ الإمام «ع» لما ذكر القسمين رجع الراوي و قال:

إن صاحب الدين لا علم له بكونه أنفقه في طاعة أو في معصية فأجابه الإمام «ع» بما معناه أن صاحب الدين لا مدخلية له في ذلك و إنما المرجع فيه إلى المستدين فإن كان قد أنفق ما استدانه في معصية وجب عليه أن يسعى له فيه و يردّه عليه و هو صاغر، فجهل الإنفاق هنا إنما نسب إلى صاحب الدين لا إلى الإمام حتى يتم ما توهموه من الخبر من أنه متى جهل الإمام وجه الإنفاق لم يدفع له من هذا السهم.» «1» هذا.

و محصّل الكلام في المسألة: أن الظاهر من الروايات بعد جمعها و إرجاع بعضها إلى بعض بقرينة مقابلة الطاعة فيها بالمعصية و بمناسبة الحكم و الموضوع أن الصرف في المعصية قبيح و مانع، فإذا شك في ذلك فالأصل يقتضي عدمه.

و لو منعنا ذلك و شككنا في أن الصرف في الطاعة شرط أو أن الصرف في المعصية مانع فمقتضى أصالة الصحة في عمل المسلم جواز الإعطاء لمن جهل حاله و لا سيما إذا كان بحسب ظاهر حاله متعبدا بحيث يحصل الظن بعدم صرفه في المعصية. و أما من كان متهما بالفسق و المعاصى فإجراء أصالة الصحة فيه لا يخلو من إشكال، إذ

هي أصل عقلائي يعتبره العقلاء في أمورهم في غير من كان بناء أعماله على الخلاف و الفساد، فتدبر.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 193. و راجع مصباح الفقيه/ 99.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 69

و هنا فروع:
الأول: لو شككنا في أصل المسألة بنحو الشبهة الحكمية

______________________________

و أنه هل يجوز شرعا الإعطاء لمجهول الحال أم لا، بحيث احتملنا أن يكون للشارع هنا حكمان:

الأول عدم جواز الإعطاء لمن صرف الدين في المعصية. الثاني عدم جواز الإعطاء لمجهول الحال، فالظاهر حينئذ جواز التمسك بعموم الغارمين في الآية و ما حذا حذوها، إذ الأمر حينئذ يدور بين تخصيص واحد و تخصيصين، كما لا يخفى.

الثاني: لو شك في أن الدين صرف في الطاعة أو في المعصية

فهل يجوز التمسك فيه بعموم الآية أم لا؟ فنقول: إن كان الاعتماد في التخصيص على الروايات أشكل التمسك بالعموم، لكون الشبهة مصداقية للمخصص. و أما إن قلنا بضعف الروايات و طرحها و اعتمدنا في التخصيص على الإجماع و حكم العقل فقد قالوا في محلّه أن حكم العقل إن كان حكما كليّا واضحا كالقرينة المتصلة بحيث يعتمد عليه المولى كان كالمخصص المتصل مانعا من انعقاد الظهور للعام، و أما إن لم يصل في الوضوح و الظهور إلى هذا الحدّ جاز التمسك بالعام في الأفراد المشكوكة، اذ المخصص اللبي يقتصر فيه على المصاديق المعلومة.

و يظهر من المستمسك في المقام اختيار هذا، حيث قال: «بل العمدة في المسألة الإجماع، و المتقين منه اعتبار عدم المعصية. و لأجل أن المخصص لبيّ، فالمرجع في الشبهة الموضوعية العموم.» «1»

أقول: ما ذكره قابل للمنع، إذ الروايات في المقام قد استقاضت بحد يحصل

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 258.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 70

نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان صرفه في المعصية (1). و لو كان

______________________________

العلم أو الوثوق بصدور بعضها لا محالة، مضافا إلى أن فتوى الأصحاب جابرة لضعفها، بل من المحتمل جدّا كونها مدركا للمجمعين أيضا فلا حجية للإجماع، و قد مرّ منا أن المتحصل من الروايات بعد إرجاع بعضها إلى بعض بمناسبة الحكم و الموضوع و

مقابلة الطاعة فيها بالمعصية في خبر محمد بن سليمان أن الصرف في المعصية قبيح و مانع.

و جواز التمسك بالعموم فيما إذا كان المخصص لبيا أول الكلام. مضافا إلى أن حكم العقل في المقام حكم بيّن ظاهر يمكن أن يكون المولى قد اعتمد عليه فيكون كالمخصص المتصل.

الثالث: لو شككنا في أن الصرف في الطاعة أخذ شرطا أو أن الصرف في المعصية أخذ مانعا،

فهل للتمسك بالعموم مجال؟

في كتاب الزكاة للمرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه-: «و لو شككنا فالمقيد مجمل، و إطلاق الغارمين محكّم، و القدر المتيقن ما لم يكن صرفا في المعصية.» «1»

أقول: في إجمال المخصص و المقيد إنما يتمسك بالعام فيما إذا تردّد أمره بين الأقل و الأكثر، بحيث يؤول الأمر إلى كثرة التخصيص و قلّته، كما إذا دار الفاسق بين مرتكب الكبيرة فقط أو مرتكب الذنب مطلقا و لو كان صغيرا. و ليس الأمر في المقام كذلك، إذ الطاعة بالمعنى الأعم و عدم المعصية متلازمان خارجا. و إنما يظهر الثمرة فقط في كيفية إجراء الأصل في موارد الشك. و أصالة العموم لا تصلح لأن تبين هذا و تثبته. اللّهم إلّا أن يريد ما ذكرناه في الفرع الأول من احتمال أن يكون هنا من قبل الشرع حكمان فيدور الأمر بين تخصيص واحد و تخصيصين، فتدبر.

(1) إذ المستفاد من أخبار الباب أن هذا السهم جعل للغارم في غير المعصية،

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الله الميلاني 2/ 118.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 71

معذورا في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس باعطائه (1)، و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون. و لا فرق في الجاهل بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم (2).

______________________________

و جهل الدافع لا يحلّل له المال، نظير ما إذا

اعتقد الدافع فقر الآخذ و كان هو غنيا بحسب الواقع.

الأمر السادس: هل المانع هو العصيان الفعلي أو كون الشي ء منهيا عنه

(1) هل المانع هو العصيان الفعلي أو كون الشي ء منهيا عنه و لو لم يكن فعليا في حقه؟ وجهان: من أن الظاهر من العصيان هو الفعلي منه، و هو الذي يحكم العقل بقبح إعطائه لكونه إغراء بالقبيح. و من أن الحكم في بعض الأخبار علّق على عدم الإفساد و الإسراف، و العنوان المجعول تحت الحكم يحمل على واقعه بلا دخل للعلم و الجهل و غير هما في ذلك.

لا يخفى أن المستفاد من الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو الأول، فالملاك وقوع العمل معصية أو طاعة بالمعنى الأعم الشامل لجميع المباحات و لو بالعناوين الثانوية. و لا أقل من كون العصيان الفعلي هو القدر المتيقن و المنصرف إليه من النصوص و الإجماعات، فيرجع في غيره إلى عموم الآية.

(2) كان على المصنف تقييد الجهل بالحكم بما إذا كان عن قصور، إذ مع التقصير لا يكون معذورا و يحصل العصيان الفعلي، كما هو واضح.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 72

[لا فرق بين أقسام الدين]

[المسألة 16]: لا فرق بين أقسام الدين: من قرض، أو ثمن مبيع، أو ضمان مال (1)، أو عوض صلح، أو نحو ذلك، كما لو كان من باب غرامة إتلاف (2). فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا

______________________________

(1) مع كون المضمون عنه ممتنعا عن الأداء، أو غير متمكن منه، أو وقع الضمان تبرعا.

(2) قال في الجواهر: «و الظاهر أن المراد من الغرم هنا كل ما اشتغلت به الذمة و لو بإتلاف لا خصوص الاستدانات.» «1»

أقول: و الظاهر عدم الإشكال في ذلك لصدق الغرم و الدين في جميع ما ذكر، فيشملها عموم الآية و إطلاق بعض الأخبار. و عدم شمول البعض الآخر للبعض لا يضرّ، فإنه من قبيل مفهوم اللقب

و لا سيما إذا كانت الخصوصية في كلام السائل لا في كلام الإمام «ع».

فمن الروايات المطلقة خبر صباح بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه. الحديث.» «2»

و منها خبر على بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له:

جعلت فداك رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ و عليه دين و ليس له مال و أراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل؟ قال: «إن وهبوا دمه ضمنوا ديته.» فقلت: إن هم أرادوا قتله؟ قال: «إن قتل عمدا قتل قاتله و أدّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين. الحديث.» «3»

و منها المرسل عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء.» «4» إلى غير ذلك من الأخبار.

و استثناء مهور النساء في المرسل إما لأن على اللّه- تعالى- أداءها كما ضمن

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 361.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

(3)- الوسائل 19/ 92، الباب 59 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(4)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 73

و لم يتمكّن من أداء العوض جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان (1).

______________________________

كتابه على ما في مرآة العقول «1»، أو لعدم فوريتها و عدم مطالبتها غالبا حتى يجب على الإمام أداؤها من بيت المال، أو لأن الغالب فيها الإسراف و التجاوز عن الحدّ، أو لغير ذلك.

(1) لأنه من قبيل

الدين في المعصية، إلّا أن يقال كما في المستمسك: «الظاهر من الدين في المعصية الدين في سبيل المعصية، لا الدين المسبب عن المعصية فإنه معصية في الدين، فيكون المقام من قبيل ثمن البيع وقت النداء إذا كان ثمن المبيع دينا.» «2» هذا.

و لكن الظاهر أن الملاك في المسألتين واحد، بل المقام أولى بعدم الجواز، إذ في الأول كانت الاستدانة مشروعة غاية الأمر أن الدين بعد تحصيله صرف في المعاصي.

و أما في المقام فنفس العصيان أوجب اشتغال الذمة فوقع محرما. و النقض بثمن البيع وقت النداء غير وارد، إذ البيع بما أنه معاملة و مبادلة مال بمال ليس محرما و لا يقع اشتغال الذمة به محرما، و إنما المحرم الاشتغال بعمل يوجب ترك الجمعة. و الحرمة عرضية، و المكلف به الأصلي هو السعي إلى ذكر اللّه، كما لا يخفى.

قال في مصباح الفقيه: «و لا فرق على الظاهر بين كون الدين مصروفا في المعصية بأن صرفه في الملاهي و شرب الخمور مثلا كما هو المنساق من الروايات المزبورة، و بين كونه حاصلا بنفس المعصية كأكل أموال الناس ظلما و عدوانا الموجب لاستقرار مثله أو قيمته في ذمته لهم، أو إثبات جنايات عمدية موجبة

______________________________

(1)- مرأة العقول 19/ 45.

(2)- المستمسك 9/ 259.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 74

[إذا كان دينه مؤجّلا فالأحوط عدم الإعطاء]

[المسألة 17]: إذا كان دينه مؤجّلا فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله، و إن كان الأقوى الجواز (1).

______________________________

لثبوت دينها عليهم، فإن هذا القسم من الدين أولى بعدم جواز صرف الزكاة فيه من القسم الأول.

و يدل عليه أيضا مضافا إلى ذلك ما عن ابن إدريس في مستطرفات السرائر، نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب في الصحيح

عن عبد الرحمن بن الحجاج أن محمد بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقات، فقال:

اقسمها فيمن قال اللّه- عزّ و جلّ-، و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا. قلت: و ما نداء الجاهلية؟ قال: هو الرجل يقول: يا بني فلان، فيقع بينهما القتل و الدماء، فلا يؤدوا ذلك من سهم الغارمين، و لا الذين يغرمون من مهور النساء، و لا أعلمه إلّا قال: و لا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال الناس.» «1»

و روي الرواية العياشي أيضا في تفسيره، ثم روى رواية أخرى عن محمد القسري، عن أبي عبد اللّه «ع» و ذكر نحو الرواية الأولى. «2»

و الظاهر اتحاد الروايتين و كون المراد بمحمد القسري محمد بن خالد بن عبد اللّه القسري والى المدينة و حاله غير معلوم.

و رواهما عنه في المستدرك، فراجع. «3»

(1) في الجواهر: «و في اعتبار الحلول وجهان، و لكن مقتضى إطلاق النص

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 99. و الخبر في الوسائل 6/ 207، الباب 48 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1؛ عن السرائر/ 485.

(2)- تفسير العياشي 2/ 94، الحديث 79 و 80.

(3)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 75

[لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج]

[المسألة 18]: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان الدّيان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم (1)،

______________________________

و الفتوى عدمه.» «1»

أقول: وجه جواز الأداء صدق الدين و الغرم، فيشمله عموم الآية و إطلاق الأخبار. و وجه العدم أن الزكاة شرّعت لسدّ الخلات و الحاجات و حيث لا يجوز المطالبة فعلا فلا حاجة و يكون وجود الدين كعدمه، فينصرف عنه الإطلاقات،

و لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا. بل لو كان يرجى التمكن من الأداء عند حلول الدين لم يصدق العجز الذي مرّ اعتباره.

و من ذلك يظهر الإشكال فيما إذا كان الدين حالا غير مطالب به و يرجى التمكن بعد حين.

و قد مرّ في صحيحة زرارة قوله «ع»: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «2»

و مرّ عن الكافي خبر علي بن موسى «ع» يقول: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق- الوهم من معاوية- أجّل سنة فإن اتسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «3»

يظهر من الحديث أنه إن أمكن بتأجيل الدين عدم صرف الزكاة فيه وجب التأجيل و لم يقض عنه الإمام من بيت المال.

و بالجملة فالأحوط عدم الأخذ إلّا أن تكون المدة قريبة و هو يقطع بالعجز إلى حلول الأجل و عدم التمكن بعد ذلك من الزكاة. فالملاك كل الملاك صدق العجز عرفا، فتدبّر.

(1) مشكل مع إمكان الاستمهال أو الاستدانة من غيره ثم أدائه من كسبه،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 361.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 76

و إن لم يكن مطالبا فالأحوط عدم إعطائه (1).

______________________________

و سيأتي تفصيل المسألة.

(1) قد مرّ عن الغنية قوله: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، الإيمان و العدالة و أن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الإجماع المتكرر.» «1»

و في الجواهر: «لو لم يملك شيئا إلّا أنه كسوب يتمكن من قضاء دينه

من كسبه فعن نهاية الإحكام احتمال الإعطاء بخلاف الفقير و المسكين، لأن حاجتهما تتحقق يوما فيوما، و الكسوب يحصّل في كل يوم ما يكفيه، و حاجة الغارم حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته، و إنما يقدر على اكتساب ما يقضي به الدين بالتدريج. و احتمال المنع تنزيلا للقدرة على الكسب منزلة القدرة على المال.» «2»

أقول: ينبغي البحث هنا في أمرين:

الأول: في تكليف الدائن، و هو أنه مع عدم قدرة المديون فعلا ليس له المطالبة، لقوله- تعالى-: «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ.» «3» و للحاكم الشرعي منعه من ذلك. نعم لو أمكن له الاستدانة من غيره ثم أدائه من كسبه لم تصدق العسرة و عدم القدرة حينئذ.

و لو فرض للدائن حاجة شديدة إلى ماله و لم يمكن للمديون الاستدانة و لكن وجد هنا باذل للزكاة فهل له المطالبة حينئذ و جاز أداء الدين من سهم الغارمين أو ليس له ذلك بل يعطى هو من سهم الفقراء؟ فيه وجهان. و لعلّ الأوجه التخيير.

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(2)- الجواهر 15/ 357.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية: 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 77

[إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية]

[المسألة 19]: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه (1)، إلّا إذا كان فقيرا فإنّه يجوز احتسابه عليه

______________________________

الثاني: فيما يرتبط بالمديون، و أنه مع المطالبة أو بدونها هل يجوز أداء دينه من سهم الغارمين لحلول الدين بأجمعه و عدم التمكن فعلا من أدائه، أو لا يجوز لوجود التمكن قوة بالكسب كما في سهم الفقراء و المساكين؟

الأقوى في المسألة التفصيل، فإن كانت المدة التي يتمكن فيها من الأداء طويلة جدّا، بحيث لا يصدق التمكن

من الأداء عرفا كما إذا فرض الدين مثلا ألف دينار و كان لا يقدر على أدائه إلا في طول عشرين سنة مثلا بحيث يعدّ التمكن الكذائي كالعدم و تضييعا لمال الدائن أو كان الدائن مطالبا مصرّا عليها بحيث لا يمكن الاستمهال و لم يمكن الاستدانة من الغير أيضا لأدائه، جاز حينئذ الإعطاء من سهم الغارمين. و إلّا فلا يجوز، لعدم صدق العجز حينئذ، فإن العجز عن تعجيل الأداء غير العجز عن أصله.

و الملاك عدّ الشخص عاجزا عن أداء دينه أو متمكنا منه، و بعبارة أخرى قادرا على أن يكف نفسه عن الصدقة أم لا، على ما هو المستفاد من ذيل صحيحة زرارة السابقة، «1» و مرّ في خبر علي بن موسى «ع» قوله: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق- الوهم من معاوية- أجّل سنة، فإن اتسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «2» حيث يستفاد منه أنه إن وجد مظنة الاتساع و أداء الدين في الآجل لم يجز أداؤه من بيت المال.

(1) وجوبا إن تعين المدفوع زكاة بالعزل أو توقف عليه إعادة الزكاة لانحصار المال فيه، و جوازا في غيرهما. و وجهه أن الزكاة أمانة في يد المالك أو الحاكم، و الواجب عليهما إيصالها إلى مصرفها. فإذا ظهر الخلاف جاز أو وجب إرجاعها

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 78

من سهم الفقراء (1)، و كذا إذا تبيّن أنّه غير مديون، و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين (2).

[لو ادّعى أنّه مديون]

[المسألة 20]: لو ادّعى

أنّه مديون فإن أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا فالأحوط عدم تصديقه (3). و إن صدّقه الغريم، فضلا عمّا لو كذّبه أو لم يصدّقه.

______________________________

و وجب صرفها في محلّها، نظير ما إذا كان المال وقفا على العلماء فأعطاه المتولي لشخص بتوهم كونه عالما فبان خلافه.

نعم، يشكل الأمر فيما إذا لم يعين الجهة للآخذ، فتوهم كونها صلة و أتلفها، فحينئذ يشكل تضمينه لأنه مغرور و الضمان يستقر على من غرّه. و قد فصلنا المسألة بفروعها في المسألة الثالثة عشرة من هذا الفصل، أعني مسألة ما لو دفع الزكاة باعتقاد أنه فقير فبان غنيا، فراجع إياها و المسألة التي بعدها. «1»

(1) قد مرّ أن الظاهر من الأدلة حرمان من صرف الدين في المعصية عقوبة عليه مطلقا لا من جهة الغرم فقط، اذ الظاهر كونها في مقام بيان الحكم الفعلي لا الحيثي. نعم لو قيل بانصرافها عن صورة التوبة صحّ حينئذ احتسابها حتى من سهم الغارمين أيضا، فراجع ما مرّ في الأمر الرابع من المسألة الخامسة عشرة. «2»

(2) أو قبله و لم يعلم به الغارم.

(3) في الشرائع: «و لو ادّعى أن عليه دينا قبل منه إذا صدّقه الغريم، و كذا لو تجرّدت دعواه عن التصديق و الإنكار. و قيل: لا يقبل، و الأول أشبه.» «3»

و قال في المدارك في شرح العبارة: «الكلام في هذه المسألة كما تقدم في دعوى الفقر، و ربما كان عدم القبول هنا أولى لأن الغرم مما يمكن إقامة البينة عليه ... و موضع

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 386 و ص 400 و ما بعدهما من الكتاب.

(2)- راجع ص 62.

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 79

..........

______________________________

الخلاف الغارم لمصلحة

نفسه، أما الغارم لمصلحة ذات البين فلا يقبل دعواه إلّا بالبينة قولا واحدا.» «1»

و في التذكرة: «لو ادّعى الغارم الغرم فإن كان لإصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر فإذا علمه الإمام دفع إليه، و إن كان لخاص نفسه قبل قوله إن صدقه المالك و هو أحد وجهي الشافعي لأنه مسلم أخبر عن أمر ممكن. و في الآخر: لا يقبل لجواز التواطؤ. و لو كذبه لم يقبل قوله لظن كذبه. و إن تجرد عن الأمرين قبل لما تقدم. و قال الشافعي: لا يقبل إلّا بالبينة لأنه مدّع فلا يقبل إلا بالبينة.» «2»

أقول: فرّق العلامة بين ما كان لمصلحة ذات البين و ما كان لمصلحة نفسه بأن الأول أمر ظاهر فلا يقبل إلّا مع العلم، و لا محالة أراد بذلك العلم و ما يحكمه من البينة و نحوها. و يظهر منه أن الثاني أمر خفيّ لا يعرف إلا من قبل المدّعي، فيقبل قوله فيه كسائر ما لا يعرف إلّا من قبل الشخص و منها الفقر أيضا كما مرّ في محله.

و لكن لأحد منع ذلك إذ لا فرق بين نوعي الغرم في إمكان إقامة البينة عليهما، كما أشار إلى ذلك صاحب المدارك. و لم يظهر لي وجه الاعتناء بتصديق المالك أو تكذيبه، اللّهم إلّا أن يكون موثوقا به فيعتنى به من باب حجية خبر الثقة.

و فرّق في مصباح الفقيه أيضا بين صورة تصديق المالك و صورة التجرد عن الأمرين و اختار في الأول قبوله قوله، قال: «فإنه لو لم يقبل قوله و لو مع تصديق الغريم لأدّى ذلك إلى حرمان جلّ أهل الاستحقاق من هذا السهم و هو مناف لما يقتضي شرعيته، فهذا مما لا ينبغي الاستشكال فيه.»

«3»

أقول: يمكن نقض ذلك بأنه لو فرض قبوله مطلقا مع تصديق الغريم لأدّى ذلك

______________________________

(1)- المدارك/ 318.

(2)- التذكرة 1/ 236.

(3)- مصباح الفقيه/ 101.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

إلى تضييع حقوق أهل الاستحقاق بالتواطؤ و هو مناف لغرض الشارع، فيجب أن يعتبر الوثوق و لا أقل من الظن الحاصل من ظاهر حاله. هذا.

و الأصل يقتضي عدم حجية قول المدّعي إلّا مع الوثوق أو البينة.

نعم قد مرّ في مسألة ادعاء الفقر- المسألة العاشرة من هذا الفصل- «1» ادعاء عدم الخلاف في قبوله، و أقيم عليه أدلة كثيرة يجري أكثرها في المقام. و قد اخترنا نحن قبوله مع الظن بالصدق الحاصل من ظاهر حاله، و لا يبعد إلحاق المقام به، و إن كان الأحوط هنا الاقتصار على الوثوق و الاطمئنان، لتفاوت ما بين المسألتين، حيث إن الفقر من الأمور الخفية غالبا التي لا تعرف إلّا من قبل الشخص بخلاف الغرم إذ يمكن إقامة البينة عليه كما مرّ، فتدبر.

و يظهر من حاشية بعض الأساتذة قبول قوله مطلقا، لعموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم.

أقول: إقرار العقلاء إنما ينفذ في الجهة التي عليهم، لا مطلقا بحيث يترتب عليه جميع آثار المديون بلا فحص مع احتمال التواطؤ جدا.

و قد حكى صاحب الجواهر في المقام كلاما عجيبا بنحو يظهر منه ارتضاؤه، و قد مر نظيره منه في باب الفقر أيضا. قال هنا ما هذا لفظه: «و قد يقال في دفع الإشكال في المقامات الثلاثة: إن الحاصل من الكتاب و السنة وجوب دفع الزكاة لا وجوب دفعها للفقير أو للغارم أو للمكاتب. و قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ» إلى آخره إنما يدل على كون الصدقات لهم لا أن التكليف دفعها إليهم. و فرق واضح

بين المقامين. نعم ورد: «لا تحلّ الصدقة لغني» و نحوه مما يقضي بعدم جواز دفعها لغير الأصناف الثمانية، و هو كذلك في المعلوم أنه ليس منهم، أما غير المعلوم فيتحقق

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 357 من الكتاب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 81

..........

______________________________

امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع إليه لكونه أحد أفراد الإطلاق، و لم يعلم كونه من أفراد النهى، بل أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه يقتضي خروجه عنها. و بالجملة الغنى مانع لا أن الفقر شرط، و لو سلّم كونه شرطا فهو محلّ لتناول الزكاة لا لدفعها ممن وجبت عليه لعدم الدليل بل مقتضى الإطلاق خلافه. و على هذا يتجه ما ذكره الأصحاب من قبول دعوى الفقر و الكتابة و الغرم، و لذا قال المصنف:

و الأول أشبه.» «1» انتهى.

و محصّل كلامه- قدّس سرّه- أن المالك أمر بإيتاء الزكاة مطلقا لا بدفعها إلى الفقير و الغارم و نحوهما. نعم ورد النهي عن دفعها إلى الغني و إلى من صرف الدين في المعصية و نحوهما، أما غير المعلوم فيتحقق امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع إليه لكونه أحد أفراد الإطلاق و لم يعلم كونه من أفراد النهي بل يجري فيه أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه، نعم ليس لغير المستحق واقعا أخذها، و هذا غير تكليف المالك. و ليس الفقر مثلا شرطا بل الغنى مانع، و لو فرض كونه شرطا فهو شرط لتناول الزكاة لا لدفعها إليه.

أقول: فكأنه- قدّس سرّه- يجيز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، أو يكون المال المخرج زكاة عنده بمنزلة المال المطروح الذي يأخذه من يستحقه و يصدّق قول المدعي فيه بلا بينة و يمين إذ لا معارض له. و لا يخفى فساد ما

ذكره، إذ ليس المجعول في باب الزكاة مجرد شركة الفقراء فقط من دون تكليف على صاحب المال، بل هو مأمور بإيصال الزكاة إلى أهلها و تكون أمانة في يده لا يخرج عن عهدتها ما لم يعمل بوظيفته فيها. بل المجعول عند بعض هو الحكم التكليفي فقط و الحكم الوضعي ينتزع منه، و الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 367.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 82

[إذا أخذ ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره]

[المسألة 21]: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره ارتجع منه (1).

______________________________

اليقينية، و لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص إذا كان المخصص لفظيا أو لبّيا بيّنا يكون كالقرينة المتصلة، و مقتضى الآية الشريفة كون الفقر و المسكنة و الغرم و أمثالها شروطا، لا كون الغنى مانعا، و الشرط يجب إحرازه، و ليس البحث في حرمة الدفع إلى المشكوك فيه حتى يتمسك فيه بالبراءة بل في سقوط التكليف المقطوع به، و العقل يحكم فيه بالاشتغال، فتدبر جيدا.

(1) 1- في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 9): «إذا أعطى الصدقة الغارمين و المكاتبين لا اعتراض عليهم فيما يفعلون به. و قال الشافعي: يراعى ذلك فإن صرفوه في قضاء الدين و مال الكتابة و إلا استرجعت منهم. دليلنا أن استحقاقهم ثابت بالآية، و إذا سلّم إليهم فقد أخذوا ما استحقوه بالآية، و جواز استرجاع ذلك منهم يحتاج إلى دليل.» «1»

2- و في المبسوط قال في المكاتب: «و إن صرفه في غير ذلك استرجع منه عند الفقهاء. و يقوى عندي أنه لا يسترجع، لأنه لا دليل عليه.» «2»

3- و قال في الغارم: «و إن لم يقضه بأن أبرأ منه أو تطوع غيره بالقضاء عنه فإنه

يسترجع منه كالمكاتب. و الذي يقوى في نفسي أنه لا يسترجع، لأنه لا دليل عليه.» «3»

أقول: و حكي هذا الفتوى عن الشيخ في الجمل أيضا و لكن لم أعثر عليه، فراجع.

4- و لكن في الشرائع: «و لو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع منه.» «4»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 349.

(2)- المبسوط 1/ 250.

(3)- المبسوط 1/ 251.

(4)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 83

..........

______________________________

5- و علّل هذا في مصباح الفقيه بقوله: «لأن للمالك الولاية على صرفه في الأصناف و قد عيّنه للصرف في قضاء دينه و لم يفعل، و لم يجعله ملكا طلقا له كي يجوز له التصرف فيه كيفما يشاء.» «1»

أقول: إعطاء الزكاة للغارمين يتصور على وجوه:

الأوّل: أن يعطى للدائن بإزاء دينه، و لا كلام فيه.

الثاني: أن يعطى للمديون لا بعنوان التمليك له بل بأن يوكّله في أداء دينه.

و الظاهر عدم الإشكال حينئذ في كونها أمانة في يده، و لو صرفها في غير الدين ضمنها، و لعل نظر المحقق في الشرائع إلى هذا القسم.

الثالث: أن يملّكها المديون تمليكا مطلقا و لكن بداعي أداء دينه. و الظاهر أنه مع استحقاقه للزكاة حينئذ تصير ملكا له، و الداعي لا يقيد الملكية المنشأة، كما في سائر التمليكات الواقعة بدواع خاصة. إذ القيد في رتبة المقيد، و الداعي علة للفعل و مقدم عليه رتبة. و لعل نظر الشيخ إلى هذا القسم.

و يمكن أن يستدلّ له بموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما يشاء.» قال: و قال: «إن اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها و هي

الزكاة، فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء.» فقلت: يتزوج بها و يحج منها؟ قال: «نعم هي ماله. الحديث.» «2»

اللّهم إلّا أن يقال: إن مورد الموثقة هو الأداء من سهم الفقراء، و مقتضاه التمليك المطلق بخلاف المقام إذ يمكن أن لا يسمح للمالك التمليك المطلق من سهم الغارمين، فتدبر. هذا.

و على فرض القول بجواز هذا في سهم الغارمين أيضا فجوازه في سهم الرقاب

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 101.

(2)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 84

..........

______________________________

بالنسبة إلى العبد المكاتب على ما يظهر من الشيخ محل إشكال، كما لعله المستفاد من خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا يعطي العبد من الزكاة شيئا.» «1» بل من خبر عبد اللّه بن سنان عنه «ع» أيضا في المملوك، قال: «و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا.» «2»

الرابع: أن يملّكها للمديون بشرط أن يصرفها في دينه، نظير سائر الشروط في ضمن العقود. و مقتضاه حصول الملك له و لكنه يجب عليه الوفاء بالشرط، و لو تخلف كان للمالك ارتجاعها.

الخامس: أن يملّكها له ملكية مقيدة فينشئ حصّة خاصة منها و هي الواقعة في طريق أداء الدين فقط.

و هل يعتبر هذا النحو من الملكية عند العقلاء و يتعارف عندهم اعتبارها و إنشاؤها أم لا؟ و جهان؛ من أنها أمر اعتباري و الاعتبار خفيف المؤونة فيمكن اعتبارها حسب الحاجة اليها، و من عدم أنس الأذهان بهذا النحو من الملكية. ثم أيّ دليل على أن للمالك أن ينشئ هذا النحو من الملكية المقيدة بل و المشروطة أيضا في مال الزكاة؟ نعم يستفاد من بعض الأدلة

إجمالا أن للمالك الخيرة في تعيين المصارف و أنه يجب ترتيب الأثر عليه: ففي خبر عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحلّ له الصدقة. قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره.» قال: «و لا يجوز أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 204، الباب 44 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 204، الباب 44 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 85

[المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة]

[المسألة 22]: المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة (1)، لا القصد من حين الاستدانة. فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم. و في العكس بالعكس.

______________________________

و كيف كان فمقتضى هذا الوجه أيضا على فرض صحته و اعتباره جواز الارتجاع أيضا كما هو واضح. هذا.

و اعلم أن صاحب الجواهر بعد ما اختار في المسألة جواز الارتجاع خلافا للشيخ قال: «نعم الظاهر الاجتزاء عن الزكاة لحصول الامتثال بالدفع إليه، و لكن إذا تمكن من الارتجاع ارتجعه حسبة، كما تقدم تحقيق ذلك في المكاتب في نحو الفرض.» «1»

أقول: الزكاة أمانة في يد المالك فإن تلفت بغير تفريط منه لم يضمن، و إن تلفت بتفريط ضمن، و كذا إذا أتلفها. و إن دفعها إلى غير أهلها جهلا ففيه شقوق مختلفة يثبت في بعضها الضمان. و قد مرّ تفصيل المسألة في المسألة الثالثة عشرة من هذا الفصل، فراجع. «2» و كيف كان ففي صورة وجوب الارتجاع إن سامح في ارتجاعه صار هذا

أيضا موجبا للضمان، لأنه نحو تفريط منه، فتدبر.

(1) كما يقتضيه ظاهر النصوص و الفتاوى؛ ففي خبر محمد بن سليمان، عن الرضا «ع»: «فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عزّ و جلّ- فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عزّ و جلّ- فلا شي ء له على الإمام.» «3»

و في خبر القمي عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 367.

(2)- راجع ج 2 ص 386 من الكتاب.

(3)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 86

[إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا]

[المسألة 23]: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها، أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال، و إن كان الأقوى عدم الجواز (1) مع عدم المطالبة من الدائن، أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محلّ آخر ثمّ قضائه بعد التمكّن.

______________________________

في طاعة اللّه من غير إسراف. الحديث.» «1»

(1) يظهر حكم المسألة مما مرّ في المسألة الثامنة عشرة، حيث قلنا إن الملاك عدّ الشخص عاجزا عن أداء دينه عرفا، فإن كانت المدّة التي يتمكن فيها من الأداء طويلة عرفا بالنسبة إلى الدين بحيث يعدّ التمكن فيها كالعدم و إن لم يكن الدائن مطالبا، أو كان الدائن مصرّا على المطالبة و لا يمكن الاستمهال و لا الاستدانة من الغير لأدائه جاز الإعطاء، و إلّا فلا.

و يدل على ذلك قوله «ع» في ذيل صحيحة زرارة السابقة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «2»

و الملاك القدرة

العرفية بحسب شرائط الحياة لا القدرة العقلية، كما ربما يشهد بذلك موثقة سماعة «3» الآتية في المسألة التالية، فلو كان يقدر على الأداء ببيع داره المسكونة أو متاع داره المحتاج إليه أو بالتصدي للأعمال الصعبة غير المناسبة لحاله أو شأنه جاز إعطاؤه حينئذ.

و بالجملة، فالملاك قدرة الأداء بنحو لا ينهدم به أساس حياته و إعاشته، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 87

[لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة]
اشارة

[المسألة 24]: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة. بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدّين و يأخذها مقاصّة (1) و إن لم يقبضها المديون و لم يوكّل في قبضها، و لا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصّة.

[بيان جواز احتساب الدين من سهم الفقراء]

______________________________

(1) قد تعرض المصنف للمسألة في المسألة الحادية عشرة من هذا الفصل و أعادها هنا ثانيا. و الأنسب ذكرها هنا.

و لعل غرضه من ذكرها هناك بيان جواز احتساب الدين من سهم الفقراء أيضا بتمليكه لما في ذمّة نفسه لما مرّ من كون الغرم من أشدّ الحاجات، و إن كان في اعتبار التمليك بالنسبة إلى الميت المديون نوع خفاء، و إنما المعتبر فيه عرفا هو الإبراء أو أداء دينه.

و الظاهر كون الغارمين في الآية الشريفة معطوفا على الرقاب، فلوحظ فيه المصرفية لا التمليك بخلاف الفقراء و المساكين المذكورين مع لام الملك. و احتمال عطف الغارمين على الفقراء بعيد.

بل يمكن أن يقال: إن كون الزكاة ملكا لعنوان الفقراء و المساكين لا يستلزم التمليك للفرد في مقام الأداء بل يكفي الصرف فيهما أيضا كما في الغارمين. هذا.

[الاحتساب و المقاصة]

و المصنف ذكر هنا الاحتساب و الوفاء و المقاصة، و ظاهره اتحاد الوفاء و المقاصّة.

و الظاهر أن المراد باحتساب الدين زكاة جعل ما في ذمّته، المديون زكاة من باب القيمة و ملكا للمديون و يترتب على ذلك قهرا براءة ذمّته، و قد ثبت في محلّه جواز أداء القيمة.

و الظاهر من الوفاء أن المزكّي يعطي الزكاة للدائن وفاء لدين المديون، ففي المقام كأنه يعطي الزكاة لنفسه و يأخذها وفاء لماله على المديون كما قد يعطيها لغيره وفاء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 88

..........

______________________________

لماله على مديونه، و يدل على صحته الآية الشريفة و الأخبار المستفيضة الآتية.

و المراد بالمقاصّة على ما يظهر من المسالك: أن يعين الدائن بعض ماله للزكاة و يجعلها ملكا للمديون ثم يأخذها منه لنفسه عوضا عما له عليه. قال فيه: «و لو كانت الزكاة على صاحب الدين قاصّ بها

المديون بأن يحتسبها عليه و يأخذها مقاصّة من دينه.» «1»

و على هذا فالمقاصّة غير الاحتساب و غير الوفاء، و يظهر من المصنف تحقق المقاصة بعد الوفاء مع أنه لا معنى لها حينئذ. و في إطلاق المقاصة على نفس الوفاء مسامحة واضحة.

و في المدارك فسّر المقاصّة بما ينطبق على ما ذكرناه في معنى الاحتساب، قال:

«المراد بالمقاصّة هنا القصد إلى إسقاط ما في ذمّة الفقير للمزكّي من الدين على وجه الزكاة.» «2» ثم ذكر كلام الشهيد في المسالك و استبعده. و لعلّ وجه استبعاده الإشكال في صحّته لعدم قبول المديون و عدم قبضه و عدم ثبوت ولاية للدائن عليه في ذلك. ثم المقاصّة لا تجوز إلّا مع استنكاف المديون و عدم إمكان إجباره.

و في المستمسك «3» أجاب عن الاستبعاد المزبور بأنه لا مجال لذلك بعد ورود النص المعتبر به و اتفاق الأصحاب ظاهرا عليه. و مراده بالنص المعتبر موثقة سماعة الآتية.

أقول: يمكن أن يردّ هذا بوقوع الترديد في الموثقة مع احتمال كونه من الراوي، و عدم إحراز إرادة الأصحاب بالمقاصة هنا ذلك، بل لعلهم أرادوا بها ما مرّ في معنى الاحتساب كما في المدارك و هو المذكور في أكثر أخبار الباب، و لعله

______________________________

(1)- المسالك 1/ 60.

(2)- المدارك/ 317.

(3)- المستمسك 9/ 263.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 89

..........

______________________________

الظاهر من عبارة المحقق في المعتبر أيضا، حيث قال: «و يجوز أن يقضى الدين عن الحيّ و أن يقاصّ بما عليه للمزكّي.» «1»

و لعلّ إطلاق المقاصة على الاحتساب يكون بملاحظة أن الزكاة للفقراء و المساكين و الغارمين، و شخص الغارم حيث يكون منهم فكأن الزكاة له فصاحب الدين يستخلص منه دينه بسبب الزكاة التي شرّعت له. هذا.

[المذكور في أكثر الأخبار الاحتساب، و في أكثر كلمات الأصحاب المقاصّة]

و المذكور في

أكثر أخبار المسألة الاحتساب، و في أكثر كلمات الأصحاب المقاصّة:

1- قال الصدوق في الفقيه: «فإن أحببت أن تقدّم من زكاة مالك شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه، فإذا حلّت عليك فاحسبها له زكاة ليحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض ... و إن كان لك على رجل مال و لم يتهيأ لك قضاؤه فاحسبه من الزكاة إن شئت.» «2»

و ذكر نحو ذلك في المقنع أيضا. «3» و ذكر نحوه في فقه الرضا أيضا. «4»

و المظنون أخذ الفقيه و المقنع من فقه الرضا، و قد قوينا كونه رسالة أبيه على ما مرّ منا مرارا.

2- و قال الشيخ في النهاية: «و إذا كان على إنسان دين و لا يقدر على قضائه و هو مستحق لها، جاز لك أن تقاصّه من الزكاة، و كذلك إن كان الدين على ميت جاز لك أن تقاصّه منها.» «5»

______________________________

(1)- المعتبر/ 280.

(2)- الفقيه 2/ 10 (- طبعة أخرى 2/ 18 و 19)، الباب 5 من أبواب الزكاة، بعد الحديث 4 و 6.

(3)- الجوامع الفقهية/ 14.

(4)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 198).

(5)- النهاية/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 90

..........

______________________________

3- و في الشرائع: «و لو كان للمالك دين على الفقير جاز أن يقاصّه، و كذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه و أن يقاصّ. و كذا لو كان الدين على من يجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيّا أو ميتا و أن يقاصّ.» «1»

4- قال في المدارك: «و هذا الحكم أعني جواز مقاصّة المديون بما عليه من الزكاة مقطوع به في كلام الأصحاب، بل ظاهر المصنف في المعتبر و العلامة في التذكرة و المنتهى أنه لا

خلاف فيه بين العلماء.» «2»

أقول: إن أراد بالعلماء علماء السنة فالظاهر أن المسألة عندهم خلافية، كما سيظهر لك في آخر المسألة.

فالصدوق ذكر الاحتساب و الشيخ و المحقق ذكرا المقاصة. و قد عرفت من المدارك تفسير المقاصة بالاحتساب.

و أما الأخبار فعمدتها وردت في الاحتساب:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الأول «ع» عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به من الزكاة؟ قال: نعم. «3»

2- خبر عقبة بن خالد، قال: دخلت أنا و المعلّى و عثمان بن عمران على أبي عبد اللّه «ع»، فلما رآنا قال: «مرحبا مرحبا بكم، وجوه تحبّنا و نحبّها، جعلكم اللّه معنا في الدنيا و الآخرة.» فقال له عثمان: جعلت فداك. فقال له أبو عبد اللّه «ع»: نعم، مه؟ قال: إني رجل موسر. فقال له: بارك اللّه لك في يسارك.

قال: و يجي ء الرجل فيسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي؟ فقال له

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(2)- المدارك/ 317.

(3)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 91

..........

______________________________

ابو عبد اللّه «ع»: القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة؟ يا عثمان، لا تردّه فإن ردّه عند اللّه عظيم. الحديث.» «1»

3- مرسلة الصدوق، قال: و قال الصادق «ع»: «نعم الشي ء القرض، إن أيسر قضاك و إن أعسر حسبته من الزكاة.» «2»

4- خبر إبراهيم بن السندي عن يونس بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «قرض

المؤمن غنيمة و تعجيل أجر (خير خ. ل)، إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.» «3»

5- خبر ابراهيم بن السندي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر أدّى و إن مات احتسب من زكاته.» «4»

و من المحتمل اتحاد الخبرين و سقوط يونس من سند الثاني.

6- خبر هيثم الصيرفي و غيره عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «القرض الواحد بثمانية عشر، و إن مات احتسب بها من الزكاة.» «5»

و الأخبار الثلاثة الأول في المديون الحي و الثلاثة الأخيرة في المديون الميت.

و أما ما يمكن أن يستدل به للمقاصّة بالمعنى الذي اخترناه تبعا للمسالك فهو موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة. فقال: «إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه

______________________________

(1)- الكافي 4/ 34، كتاب الزكاة، باب القرض، الحديث 4؛ و الوسائل 6/ 209.

(2)- الوسائل 6/ 211، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 16.

(3)- الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 209، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 92

..........

______________________________

من دين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها. فإن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فيعطيه من زكاته و

لا يقاصّه بشي ء من الزكاة.» «1»

و التفصيل المذكور في الحديث حملوه على الاستحباب، و إن كان قابلا للمناقشة إذ ذمّة الشخص الفاقد لكل شي ء لا اعتبار له و لا قيمة له عند العقلاء حتى تحسب زكاة، اللّهم إلّا أن ينقض ذلك بذمة الميت مع جواز احتسابها زكاة بلا إشكال كما مرّ. هذا.

و قالوا في المقام: ظاهر الرواية جواز أن يجعل ما عنده من الزكاة ملكا للفقير ثم يؤخذ مقاصة عن الدين، و على هذا فلا وقع لما أورد على ذلك من عدم قبول المديون و عدم قبضه و عدم ثبوت ولاية للدائن عليه في ذلك.

و لكن هنا أمر و هو أن الترديد بين المقاصّة و الاحتساب لو كان من الراوي أشكل الاستدلال حينئذ، إذ لعلّ اللفظ الصادر عن الإمام «ع» هو قوله: «أو يحتسب بها»، و يراد به احتساب الدين الذي في ذمّة الغارم بعنوان الزكاة، و تكون الباء في «بها» للسبب. اللّهم إلّا أن يقال: أولا أن كون الترديد هنا من الراوي بعيد جدّا، و ثانيا يمكن أن يكون المراد بقوله: «يحتسب بها» أيضا احتساب الزكاة التي عنده عوضا عن الدين، فيصير عبارة أخرى عن المقاصة بالمعنى الذي ذكرناه، فتدبر. هذا.

و لكن الأحوط احتساب الدين زكاة من باب القيمة أو احتساب ما عنده من الزكاة وفاء للدين، كما إذا كان الدين للغير، إذ لا يعتبر في وفاء الدين إذن المديون.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

و يشكل المقاصّة إلا أن يوكّله الغارم في أخذ الزكاة و قبضها عنه، فيجوز له حينئذ أخذها مقاصة إن امتنع الغارم من أداء الدين و استنكف و لم

يمكن إجباره.

[لا إشكال عندنا في جواز الاحتساب]

و كيف كان فلا إشكال عندنا في جواز الاحتساب، و يدل عليه إطلاق الآية الشريفة و الأخبار المستفيضة التي مرّت.

و لكن يظهر من بعض فقهاء السنة الإشكال في ذلك:

ففي شرح المقنع لابن قدامة: «و كذلك يجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه لأنه من جملة الغارمين، فإن ردّه إليه الغارم فله أخذه. نصّ عليه أحمد في رواية مهنّا، لأن الغريم قد ملكه بالأخذ، أشبه ما لو وفاه من مال آخر. و إن أسقط الدين عن الغريم و حسبه زكاة لم تسقط عنه الزكاة، لأنه مأمور بأدائها و هذا إسقاط.

قال مهنّا: سألت أبا عبد اللّه عن رجل له على رجل دين برهن و ليس عنده قضاؤه و لهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع إليه رهنه و يقول له: الدين الذي عليك هو لك، يحسبه من زكاة ماله؟ قال: لا يجزئه ذلك. فقلت له:

فيدفع إليه زكاته فإن ردّه إليه قضاء من ماله له أخذه؟ قال: نعم. و قال في موضع آخر: و قيل له: فإن أعطاه ثم رده إليه؟ قال: إذا كان بحيلة فلا يعجبني. قيل له: فإن استقرض الذي عليه الدين دراهم فقضاه إياها ثم ردّها عليه و حسبها من الزكاة؟

قال: إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز. فحصل من كلامه أن دفع الزكاة الى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع ما استوفاه إليه، إلا أنه متى قصد بالدفع إحياء ماله و استيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة لحقّ اللّه- تعالى- فلا يجوز صرفها إلى نفعه.» «1»

أقول: و راجع المسألة في التذكرة. «2»

______________________________

(1)- ذيل «المغني» 2/ 709.

(2)- التذكرة 1/ 242.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 94

[لو كان الدين لغير من عليه الزكاة]

[المسألة 25]: لو

كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها و لو بدون اطّلاع الغارم (1).

______________________________

(1) قد تطابقت نصوصنا و فتاوى أصحابنا على ذلك و لا فرق بين أن يكون المديون حيا أو ميتا:

1- قال في النهاية: «و إن كان على أخيك المؤمن دين و قد مات جاز لك أن تقضي عنه من الزكاة.» «1»

2- و مرّ عن الشرائع قوله: «و كذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه و أن يقاصّ. و كذا لو كان الدين على من يجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيا أو ميتا و أن يقاصّ.» «2»

و الأخبار الواردة بعضها يعم الحيّ و الميت، و لكن أكثرها وردت في الميت:

فمن الأول:

1- مرسل القميّ عن العالم «ع»، قال: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات.» «3»

2- و مرّ في خبر محمد بن سليمان عن الرضا «ع» في حدّ إنظار المعسر قوله:

«نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضى عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين. الحديث.» «4»

3- و في المرسل عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء.» «5»

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

(2)- الشرائع 1/ 161 (- طبعة أخرى/ 122).

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

(5)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 95

..........

______________________________

نعم المذكور في هذه الأخبار قضاء الإمام لا قضاء المالك، و لكن

الظاهر عدم الفرق بينهما بعد إجازة القضاء للمالك. و مفاد الآية الشريفة صرف الزكاة في الغارمين لا الأداء إليهم، فيعمّ القضاء عنهم أيضا.

و مما ورد في القضاء عن الميت:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: نعم. «1»

2- و صحيحة زرارة أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال:

«إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته. و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه. فإذا أدّاها في دين أبيه على هذا الحال أجزأت عنه.» «2»

3- و في رواية صباح بن سيّابة عن رسول اللّه «ص»: «أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه. الحديث.» «3»

4- و في رواية موسى بن بكر: «فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه.

الحديث.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

و يظهر من بعض فقهاء السنة الترديد في جواز القضاء عنه حيّا أو ميّتا:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 205، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية

...، الحديث 7.

(4)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 96

..........

______________________________

قال في المغني: «و إذا أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلّمها إليه ليدفعها إلى غريمه، و إن أحبّ أن يدفعها إلى غريمه قضاء عن دينه فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما يجوز ذلك ... و الثانية لا يجوز دفعها إلى الغريم. قال أحمد: أحبّ إليّ أن يدفعه إليه حتى يقضي هو عن نفسه. قيل: هو محتاج يخاف أن يدفعه إليه فيأكله و لا يقضي دينه؟ قال: فقل له: يوكّله حتى يقضيه ...

و يحتمل أن يحمل هذا على الاستحباب و يكون قضاؤه عنه جائزا. و إن كان دافع الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله، لأن للإمام ولاية عليه في إيفاء الدين.» «1»

و قال الدكتور يوسف القرضاوي في فقه الزكاة: «بقي هنا سؤال: هل يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة كما يقضى دين الحيّ؟ ذكر الإمام النووي في ذلك وجهين في مذهب الشافعي: أحدهما: لا يجوز، قال: و هو قول الصيمري و مذهب النخعي و أبي حنيفة و أحمد. و الثاني يجوز لعموم الآية و لأنه يصحّ التبرع بقضاء دينه كالحيّ، و به قال أبو ثور. و كذلك روي عن أحمد أنّه لا يجوز دفع الزكاة في قضاء دين الميت لأن الغارم هو الميت، و لا يمكن الدفع إليه. و إن دفعها إلى غريمه و هو الدائن صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم. و القول الثانى يجوز لعموم الآية و هي تشمل كل غارم حيا كان أو ميتا، و لأنه يصحّ التبرع بقضاء دينه كالحيّ، و به قال مالك

و أبو ثور ...» «2»

أقول: قد مرّ أن الغارمين في الآية الشريفة معطوف على الرقاب فيدخل عليه «في» و لوحظ مصرفا، و احتمال عطفه على الفقراء بعيد. و أخبارنا الواردة عن العترة الطاهرة بحمد اللّه وافية بالمقصود، إذ يظهر منها جواز القضاء عن الغارم حيا و ميتا كما مرّ. و إطلاقها يدلّ على عدم وجوب إعلام الغارم و لا الاستيذان منه

______________________________

(1)- المغني 7/ 325.

(2)- فقه الزكاة 2/ 632.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 97

[لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة]

[المسألة 26]: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه (1)، و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته.

______________________________

و لا سيما بعد عدم تصورهما بالنسبة إلى الميت.

ثم إن دين الميّت إنما يقضى من الزكاة إذا لم تكن له تركة تفي بدينه و إلّا فلا.

و يدل على ذلك مضافا إلى وضوحه صحيحة زرارة التي مضت آنفا. و قد مرّ منا تفصيل المسألة في المسألة الحادية عشرة من هذا الفصل فراجع. «1»

(1) في النهاية: «و كذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك جاز لك أن تقضيه عنهم من الزكاة.» «2»

و مرّ عن الشرائع قوله: «و كذا لو كان الدين على من يجب نفقته جاز أن يقضي عنه حيّا أو ميتا و أن يقاصّ.» «3»

و في الجواهر: «بلا خلاف بل و لا إشكال، ضرورة كونه كالأجنبي بالنسبة إلى وفاء الدين فتشمله الأدلة، بل لعل ظاهر المعتبر و التذكرة و المنتهى أنه موضع وفاق.» «4»

أقول: و يدل على ذلك مضافا إلى ذلك ما مرّ من صحيحة زرارة في رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين. و كذلك موثقة إسحاق بن

عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة، أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟

قال: نعم، و من أحق من أبيه.» «5»

و احتمال اختصاص الحكم بالأب ضعيف بعد اشتراكه مع غيره في وجوب الإنفاق عليه.

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 370 من الكتاب.

(2)- النهاية/ 188.

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

(4)- الجواهر 15/ 366.

(5)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 98

[إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة]

[المسألة 27]: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم (1)، ثمّ يحسب عليه. بل يجوز له أن يحسب ما على الديّان وفاء عمّا في ذمّة الغارم (2)، و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة.

______________________________

و لا ينافي ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له.» «1»

و المرفوعة عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنه يجبر على النفقة عليهم.» «2» و غيرهما مما وردت في هذا المجال.

إذا المقصود عدم إعطائهم للنفقة الواجبة، بقرينة التعليل الوارد في ذيل الخبرين، و لا يجب أداء دين واجب النفقة اتفاقا.

(1) يعني جاز للديان إحالة من عليه الزكاة على الغارم ثم يحسب من عليه الزكاة على الغارم، حيث إن الغارم بعد الحوالة عليه يصير مديونا لمن عليه الزكاة. و الوجه في ذلك إطلاقات أدلة الحوالة و إطلاق روايات الاحتساب التي مرّت.

(2) في الجواهر عن كشف الغطاء: «و

لو كان له على الديان دين جاز له الاحتساب من الزكاة و إسقاط ما على المدين.» ثم قال صاحب الجواهر: «و هو كذلك إذا كان قد حوّله به أو أذن له في احتسابه على جهة الوفاء له عما عليه، بل له احتساب ما على الديان وفاء له عمّا له في ذمة الفقير.» «3»

أقول: فالشقوق المتصورة ثلاثة:

الأول: أن يحيل الديان من عليه الزكاة على الغارم، فيصير ما في ذمة الغارم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الجواهر 15/ 364- 365.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 99

[لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا لمصلحة]

[المسألة 28]: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا لمصلحة مقتضية لذلك (1) مع عدم تمكّنه من الأداء و إن كان قادرا على قوت سنته يجوز الإعطاء من هذا السهم، و إن كان المضمون عنه غنيّا (2).

______________________________

لمن عليه الزكاة فيجعله زكاة للغارم فتبرأ ذمة المحيل بالإحالة و ذمة المحال و المحال عليه بقصد الزكاة.

الثاني: أن يأذن الديان لمن عليه الزكاة في احتساب ما في ذمة الغارم زكاة عوضا عما في ذمة الديان لمن عليه الزكاة.

الثالث: أن يحتسب من عليه الزكاة ما له في ذمة الديان زكاة و يجعله وفاء لما في ذمة الفقير للديان.

و الظاهر صحة الشقوق الثلاثة بعد جواز أداء الزكاة بالقيمة و لو بما في الذمة و جعل الاحتساب بمنزلة الأداء و الوفاء على ما هو المستفاد من أخبار الاحتساب، فتدبّر.

(1) يكفي أن لا يكون الضمان لما صرف في المعصية و أن لا يعدّ سرفا.

(2) إذا ضمن مالا عن غيره فلا يخلو إما أن يكون الضامن و المضمون عنه موسرين، أو

معسرين أو أحدهما موسرا و الأخر معسرا، و الضمان إما أن يقع بالإذن أو يقع تبرعا فالصور ثمان:

1- فإن كانا معا موسرين فلا يجوز إعطاء سهم الغارم لا للضامن و لا للمضمون عنه، سواء كان الضمان بالإذن أو وقع تبرعا، أما مع الإذن فواضح لرجوع الضامن إلي المضمون عنه و هو متمكن.

و أما مع عدم الإذن فلتمكن الضامن من الأداء و كون الضمان لمصلحة خاصة لا يوجب قياسه بالاستدانة لإصلاح ذات البين، إذ المصلحة هنا جزئية، اللهم إلا أن يكون المورد من الموارد العامة الاجتماعية، فيصير من مصاديق المسألة الآتية.

2- و إن كانا معا معسرين جاز الإعطاء لكل واحد منهما أما للضامن فمطلقا لكونه غارما عاجزا عن الأداء، و جواز الرجوع في صورة الإذن إنما يكون مع يسار

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 100

[لو استدان لإصلاح ذات البين]

[المسألة 29]: لو استدان لإصلاح ذات البين، كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله و كاد أن تقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم. و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامّة. و أمّا لو تمكّن من الأداء فمشكل (1).

______________________________

المضمون عنه لا مع إعساره.

و أما للمضمون عنه فيجوز في صورة الإذن، لصدق الغارم المعسر عليه.

اللّهم إلا أن يناقش في صدق الغارم عليه فعلا، لعدم جواز الرجوع إليه إلّا بعد الدفع إلى المضمون له.

و أما في صورة التبرع فلا يجوز من هذا السهم، لعدم كونه مديونا لا للدائن لانتقال الدين بالضمان و لا للضامن لكونه تبرعا.

3- و إن كان الضامن معسرا دون المضمون عنه فلا يجوز الإعطاء للمضمون عنه بلا إشكال.

و أما للضامن فإن كان الضمان بالإذن لم يجز

الإعطاء لرجوعه إلى المضمون عنه و هو متمكن، و إن كان تبرعا جاز لعدم جواز الرجوع فيه.

و احتمال العدم كما عن التحرير لعود النفع إلى المضمون عنه ضعيف كما في الجواهر. «1»

4- و إن كان المضمون عنه معسرا دون الضامن فمع عدم الإذن فيه لا يجوز الدفع لا إلى الضامن و لا إلى المضمون عنه. أما الأول فلعدم فقره، و أما الثاني فلعدم غرمه. و مع الإذن يجوز الدفع إلى المضمون عنه لإعساره لا إلى الضامن لتمكنه و لرجوعه إلى المضمون عنه، فتأمّل.

(1) 1- في الخلاف (المسألة 23 من كتاب قسمة الصدقات): «خمسة أصناف

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 362.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

من أهل الصدقات لا يعطون إلا مع الفقر بلا خلاف، و هم الفقراء و المساكين و الرقاب و الغارم في مصلحة نفسه ... و الغارم لمصلحة ذات البين و الغازي لا يعطى إلّا مع الحاجة عند أبي حنيفة. و عند الشافعي يعطى مع الفقر و الغنى، و هو الصحيح، و ابن السبيل المجتاز يعطى مع الغنى في بلده بلا خلاف. دليلنا إجماع الفرقة. و عموم الآية يتناول أن يستحقوا مع الغنى و الفقر، و إنما أخرجنا بعضهم بدليل.» «1»

2- و في المبسوط: «و أما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم و معروف في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه، فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف. و قد ألحق بهذا قوم ادّانوا مالا في دم، بأن وجد قتيل لا يدرى من قتله و كاد أن تقع بسببه فتنة، فتحمل رجل ديته لأهل القتيل فهؤلاء أيضا يعطون، أغنياء كانوا أو فقراء، لقوله «ص»: «لا تحل الصدقة لغني إلّا لخمس: غاز في سبيل اللّه

أو عامل عليها أو غارم.»

و ألحق به أيضا قوم تحملوا في ضمان مال بأن يتلف مال الرجل و لا يدرى من (أين) أتلفه و كاد أن يقع بسببه فتنة فتحمل رجل قيمته و أطفأ الفتنة.» «2»

3- و في التذكرة: «الغارمون صنفان: أحدهما: من استدان في مصلحته و نفقته ...

الثاني: من تحمل حمالة لإطفاء الفتنة و سكون نائرة الحرب بين المتقاتلين و إصلاح ذات البين. و هو قسمان:

أحدهما أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما فيتحمل رجل ديته لإصلاح ذات البين، فهذا يدفع اليه من الصدقة ليؤدي ذلك لقوله- تعالى-:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 101

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 251.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 102

..........

______________________________

«و الغارمين». و لا فرق بين أن يكون غنيا أو فقيرا، لقوله «ع»: «لا تحلّ الصدقة لغني إلا لخمس: غاز في سبيل اللّه أو عامل عليها أو غارم.» و لأنه إنما يقبل ضمانه و تحمله إذا كان غنيا فيه حاجة إلى ذلك مع الغناء فإن أدى ذلك من ماله فليس له أن يأخذ لأنه قد سقط عنه الغرم، و إن كان قد استدان و أدّاها جاز أن يعطى من الصدقة و يؤدي الدين لبقاء الغرم و المطالبة.

الثاني أن يكون سبب الفتنة إتلاف مال و لا يعلم من أتلفه و خشي من الفتنة، فتحمل ذلك المال حتى سكنت النائرة فإنه يدفع إليه من سهم الغارمين لصدق اسم الغرم عليه و للحاجة إلى إصلاح ذات البين و هو أصحّ وجهي الشافعية ...» «1»

4- و قال الشهيد في البيان:

«الثامنة: يجوز الدفع إلى الغارم في إصلاح ذات البين و إن كان غنيا، و كذا يجوز صرفها في إصلاح ذات البين ابتداء و لا يراعى إذن الحاكم.» «2»

أقول: و الظاهر إرادة الصرف ابتداء من سبيل الله.

5- و في أمّ الشافعي: «و الغارمون صنفان: صنف ادّانوا في مصلحتهم أو معروف و غير معصية، ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض و النقد فيعطون في غرمهم لعجزهم ...

قال: و صنف ادّانوا في حمالات و إصلاح ذات بين و معروف و لهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها إن بيعت أضر ذلك بهم و إن لم يفتقروا، فيعطى هؤلاء ما يوفر عروضهم كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا غرمهم.

أخبرنا سفيان بن عيينة، عن هارون بن رئاب، عن كنانة بن نعيم، عن

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 233.

(2)- البيان/ 198.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 103

..........

______________________________

قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحمّلت بحمالة فأتيت رسول اللّه «ص» فسألته فقال: «نؤديها أو نخرجها عنك غدا إذا قدم نعم الصدقة. يا قبيصة، المسألة حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك. و رجل أصابته فاقة أو حاجة حتى شهد له أو تكلم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن به حاجة أو فاقة، فحلّت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك. و رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله (فحلّت له المسألة- مسلم) حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك. و ما سوى ذلك من المسألة فهو سحت.» قال الشافعي: و بهذا نأخذ و هو معنى ما قلت في الغارمين ...» «1»

أقول: رواية قبيصة رواها مسلم بتفاوت ما في

المتن، فراجع. «2». و كذا أبو داود. «3»

قال في النهاية: «الحمالة بالفتح: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة، مثل أن يقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل يتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين.» «4»

و فيه أيضا: «الآفة التي تهلك الثمار و الأموال و تستأصلها و كل مصيبة عظيمة و فتنة مبيرة، جائحة.» «5»

6- و في المغني لا بن قدامه: «و من الغارمين صنف يعطون مع الغنى، و هو غرم لإصلاح ذات البين، و هو أن يقع بين الحيين و أهل القريتين عداوة و ضغائن يتلف فيها نفس أو مال و يتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك فيسعى إنسان في

______________________________

(1)- الأمّ 2/ 61 و 62.

(2)- صحيح مسلم 2/ 722، كتاب الزكاة، باب من تحلّ له المسألة، الحديث 1044.

(3)- سنن أبي داود 2/ 120 (- طبعة أخرى 1/ 381)، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة.

(4)- النهاية لابن الأثير 1/ 442.

(5)- النهاية لابن الأثير 1/ 311.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 104

..........

______________________________

الإصلاح بينهم و يتحمل الدماء التي بينهم و الأموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء. و كانت العرب تعرف ذلك، و كان الرجل منهم يتحمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤدّيها، فورد الشرع بإباحة المسألة فيها و جعل له نصيبا من الصدقة، فروى قبيصة بن المخارق ... أخرجه مسلم. و روى أبو سعيد الخدري أن النبي «ص» قال: «لا تحلّ الصدقة لغني إلا لخمسة.» ذكر منها الغارم. و لأنه إنما يقبل ضمانه و تحمله إذا كان مليّا و به حاجة إلى ذلك مع الغنى، و إن أدى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ لأنه قد سقط

الغرم، و إن استدان و أدّاها جاز له الأخذ لأن الغرم باق و المطالبة قائمة. و الفرق بين هذا الغرم لمصلحة نفسه أن هذا الغرم يأخذ لحاجتنا إليه لإطفاء الثائرة و إخماد الفتنة فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي و المؤلف و العامل، و الغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه فاعتبرت حاجته و عجزه كالفقير و المسكين.» «1»

أقول: رواية أبي سعيد الخدري قد مرّت منا في بحث اشتراط الفقر و العجز في الغارمين، رواها البيهقي عن أبي سعيد و عن عطاء بن يسار. «2» و روى مضمونها في الدعائم أيضا، كما مرّ هناك «3».

و قد ظهر لك أن الشيخ- قدس سره- أفتى في الخلاف و المبسوط، و كذا العلامة في التذكرة و الشهيد في البيان و الشافعي في الأم و ابن قدامة في المغني بأنّ الغارم لإصلاح ذات البين يعطى و إن كان غنيا. و لم نجد بهذا المضمون رواية من طرقنا، و لكن يشهد بذلك إطلاق الآية الشريفة و عمومها بعد ادّعاء انصراف ما دلّ على اعتبار الفقر و العجز من الأخبار و الإجماعات المنقولة إلى خصوص من

______________________________

(1)- المغني 7/ 324.

(2)- راجع سنن البيهقي 7/ 15، كتاب قسم الصدقات، باب العامل على الصدقة يأخذ منها بقدر عمله ...

(3)- راجع ص 52.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 105

..........

______________________________

استدان لمصلحة نفسه.

كيف؟ و أصل الإجماع في المسألة كما مرّ هو الشيخ و العلامة، و هما قد أفتيا في المقام بعدم اعتبار الفقر.

هذا مضافا إلى خبر أبي سعيد و إطلاق خبر قبيصة، فإن إطلاق الحمالة في خبر قبيصة و ترك النبي «ص» لاستفصاله يقتضيان العموم لصورة كون المتحمل غنيا أيضا.

و الحمالة كأنها صدقة عامّة و معروف اجتماعي

يتحمله الشخص الذي له شوكة اجتماعية بحسب العادة حسبة من قبل المجتمع و على عهدة بيت المال، لا من قبل نفسه و على عهدة شخصة، فتكون على عهدة المجتمع و بيت المال.

و هذا أمر عاديّ دائر في جميع المجتمعات، و استقرت السّيرة عليه في جميع الأعصار و في جميع البلدان، بل ربما يجب ذلك كفاية على من له قدرة عليه، و لو لا ذلك لبقيت المخاصمات و المنازعات في المجتمعات. و لو جعلت على عهدة الشخص نفسه لم يتحمل أحد حمالة إلا أقل قليل. فالمصلحة تقتضي كون ثقل الحمالة على عهدة المجتمع و بيت مالهم. فوزانها وزان كون جناية الصغير و المجنون على عهدة العاقلة. و كذا دية قتل الخطأ.

و قد عقد في الوسائل بابا بعنوان «أنه إذا وجد قتيل في زحام و نحوه لا يدرى قتله فديته من بيت المال» و ذكر فيه خمس روايات فيها نحو شهادة على ما ذكرناه، فراجع. «1»

و ما ذكره العلامة و كذا ابن قدامة من أنه لو أدّى ذلك من ماله فليس له أن يأخذ يمكن منع إطلاقه، إذ من الممكن أداؤه من ماله لا بقصد التبرّع بل بعنوان

______________________________

(1)- راجع الوسائل 19/ 109- 110.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 106

..........

______________________________

الدين على المجتمع و بيت المال فيجوز له حينئذ مطالبته.

اللّهم إلا أن يناقش في صدق عنوان الغارم عليه. هذا.

و لكن في مصباح الفقيه ما ملخصه: «أما جواز صرفها ابتداء في اصلاح ذات البين من سهم سبيل اللّه بناء على شموله لمطلق القربات فمما لا إشكال فيه. و أما جواز صرفها إلي الغني الذي تحمّل دية أو مالا تألفا لإصلاح ذات البين ففي غاية الإشكال، اللهم إلّا أن يكون

تولّيه لهذا الفعل بقصد استيفاء المال من وجوه الصدقات و قلنا بأن له الولاية على ذلك من باب الحسبة كما ليس بالبعيد فيجوز حينئذ استيفاؤه من سهم سبيل اللّه.

و أما لو كان غرضه من أول الأمر الأداء من ماله تبرعا فالتزم بذلك فلم يؤدّها بعد أو استدان فأدّاها أشكل إدراجه في الأصناف المستحقين للزكاة.

و الاستدلال له بعموم الآية الشريفة مدفوع بما تقدمت الإشارة اليه من أن المتعين صرف إطلاقه لو لم نقل بانصرافه في حدّ ذاته إلى المحتاجين في أداء دينهم إلى تناول الصدقات. و أما الرواية المزبورة (رواية أبي سعيد الخدري) فهي غير ثابتة من طرقنا، و الذي ورد من طرقنا أنه لا تحل الصدقة لغني و لا لمحترف سويّ، من غير استثناء فلاحظ.» «1»

أقول: فهو- قدّس سرّه- صحّح في مورد البحث الاستيفاء من سهم سبيل اللّه، و ظاهره المنع من سهم الغارمين، مع أنه لو تحمل أو استدان لا بقصد نفسه بل بقصد المجتمع حسبة و قلنا بأن له الولاية على ذلك كما هو محل البحث فلم لا يجوز من سهم الغارمين مع تحقق الغرم؟! و كونه غنيا لا يقتضي تحمّله خسارات المجتمع.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 100.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 107

نعم لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه و إن كان لا يخلو عن إشكال أيضا (1)، إلّا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك.

______________________________

و أما ما ذكره من المنع في صورة كون الغرض من أول الأمر الأداء من ماله تبرعا فالظاهر صحته و ليس هذا محلا للبحث.

(1) قال في المستمسك: «و الذي يظهر بالتأمّل في كلام الشيخ و أتباعه: أن بناءهم على الجواز من باب سهم سبيل اللّه، و إن

كان المذكور في عباراتهم الغارم.» «1»

أقول: لا أدري من أين ظهر له ذلك مع تصريحهم بأن الغارم صنفان و بحثهم كان في سهم الغارمين.

و كيف كان فلا مانع من الإعطاء من سهم سبيل اللّه أيضا إن قلنا بعمومه لكل قربة و لم يقصد المستدين أداءه من ماله تبرعا بل استدان على الصدقات، و لا سيما إذا استدان على هذا السهم لولايته على ذلك بما أنه إمام أو نائب عنه أو بما أنه من عدول المؤمنين يتصدى لذلك حسبة.

و هذا ما أشار إليه المصنف في ذيل كلامه. فما قد يقال من أن تحمل الأمر القربي و الاستدانة له لا يوجب كون أداء دينه أيضا قربيا لأنه أداء لدين الشخص، مدفوع بأن المفروض استدانة الشخص لا على نفسه بل على المجتمع و على سهم سبيل اللّه. فكما يجوز صرف هذا السهم ابتداء في إصلاح ذات البين كذلك يجوز أداء ما استدين عليه أيضا منه، فتدبر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 266.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 108

7- سبيل اللّه

اشارة

السابع: سبيل اللّه، و هو جميع سبل الخير (1) كبناء القناطر و المدارس و الخانات و المساجد و تعميرها، و تخليص المؤمنين من يد الظالمين و نحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين، و رفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين. و كذا إعانة الحجّاج و الزائرين، و إكرام العلماء و المشتغلين.

______________________________

(1) أصل الحكم إجمالا مما لا إشكال فيه. و يدل عليه نصّ الكتاب العزيز و السنة القطعية و إجماع المسلمين.

و إنما الخلاف في المقصود من سبيل اللّه: فالمشهور بين فقهاء السنة أن المراد به الجهاد، و به قال بعض أصحابنا أيضا. و لكن الأكثر منّا بل المشهور فسّروه بمطلق سبل الخير، و

ادّعى في الخلاف و الانتصار و الغنية عليه الإجماع: و هنا احتمال ثالث يأتي بيانه، و هو أن يكون المراد به المصالح العامّة الواقعة في طريق تشييد مباني الدين.

[كلمات الأصحاب في معنى سبيل اللّه]

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 21): «سبيل اللّه يدخل فيه الغزاة في الجهاد و الحاج و قضاء الديون عن الأموات و بناء القناطر

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 109

..........

______________________________

و جميع المصالح. و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك: إنه يختص المجاهدين.

و قال أحمد: سبيل اللّه هو الحج، فيصرف ثمن الصدقة في الحج. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا قوله- تعالى-: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» فإنه يدخل فيه جميع ذلك لأن المصالح من سبيل اللّه.» «1»

أقول: ظاهر كلامه أن أحمد حصر سبيل اللّه في الحج و ليس كذلك، بل هو في رواية عنه أجاز الصرف في الحج أيضا كما يأتي.

2- و قال في المبسوط: «و أما سبيل اللّه فإنه يدخل فيه الغزاة في سبيل اللّه المطوّعة الذين ليسوا بمرابطين، لأن المرابطين و أصحاب الديوان لهم سهم من الغنائم و الفي ء دون الصدقات، و لو حمل على الكل لعموم الآية كان قويا. و يدخل في سبيل اللّه معونة الحاج و قضاء الديون عن الحي و الميت و جميع سبل الخير و المصالح ... و يدخل فيه معونة الزوار و الحجيج و عمارة المساجد و المشاهد و إصلاح القناطر و غير ذلك من المصالح.» «2»

3- و قال في الاقتصاد: «و في سبيل اللّه هو الجهاد، و يدخل فيه جميع مصالح المسلمين.» «3»

4- و قال علم الهدى في الانتصار: «و مما انفردت به الإمامية القول بأن الزكاة يجوز أن يكفن منها الموتى و يقضى

بها الدين عن الميت، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك كله. و الحجة لأصحابنا مضافا إلى إجماعهم قوله- تعالى-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ...» و معنى في سبيل اللّه الطريق إلى ثوابه و الوصلة إلى التقرب إليه ... و قد روى مخالفونا عن ابن عمر أن رجلا أوصى بماله

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- الاقتصاد/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

في سبيل اللّه، فقال ابن عمر: إن الحج من سبيل اللّه فاجعلوه فيه. و روي عن النبي «ص» أنه قال: الحج و العمرة من سبيل اللّه.» «1»

5- و في المهذب لابن البراج: و أما سبيل اللّه فهو الجهاد و ما فيه صلاح للمسلمين مثل عمارة الجسور و القناطر و ما جرى مجرى ذلك.» «2»

6- و في الغنية: «و أما سبيل اللّه فالجهاد بلا خلاف، و عندنا أنه يجوز صرفها فيما عدا ذلك مما فيه مصلحة للمسلمين كعمارة الجسور و السيل و في الحج و العمرة و تكفين أموات المؤمنين و قضاء ديونهم، للإجماع المشار إليه، و لاقتضاء ظاهر الآية لأن سبيل اللّه هو الطريق إلى ثوابه و ما أفاد التقرب إليه.» «3»

7- و في المجمع: «و هو الجهاد بلا خلاف، و يدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين، و هو قول ابن عمر و عطاء و هو اختيار البلخي و جعفر بن مبشّر، قالوا يبنى منه المساجد و القناطر و غير ذلك.» «4»

أقول: ظاهره أيضا إجماع أصحابنا على ذلك.

8- و في الشرائع: «و في سبيل اللّه، و هو الجهاد خاصة. و قيل: يدخل فيه المصالح كبناء القناطر و الحج و مساعدة الزائرين و بناء المساجد، و هو الأشبه.» «5»

9- و في المختصر النافع: «و

في سبيل اللّه، و هو كل ما كان قربة أو مصلحة كالحج و الجهاد و بناء القناطر. و قيل: يختصّ بالجهاد.» «6»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 113 (- طبعة أخرى/ 155).

(2)- المهذّب 1/ 169.

(3)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(4)- مجمع البيان 3/ 42 (الجزء 5).

(5)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

(6)- المختصر النافع/ 59.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 111

..........

______________________________

10- و في الوسيلة: «و سبيل اللّه الجهاد و الرباط و المصالح و سبيل الخير.» «1»

11- و في القواعد: «في سبيل اللّه، و هو كل مصلحة كبناء القناطر و عمارة المساجد و إعانة الزائرين و الحاج و مساعدة المجاهدين. و قيل: يختصّ الأخير.» «2»

12- و في الدروس: «و في سبيل اللّه، و هو الجهاد، سواء كان الغازي متطوعا أو مرتزقا مع قصور الرزق. و الأقرب إلحاق القرب به كعمارة المسجد و الربط و معونة الحاج و الزائرين.» «3»

13- و في متن اللمعة: «و في سبيل اللّه، و هو القرب كلها.» «4» هذا.

14- و لكن في نهاية الشيخ: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و هو الجهاد.» «5» و مثله في المقنعة، «6» و المراسم «7»

15- و في الجمل: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و هو الجهاد و ما جرى مجراه.» «8»

و لعل مراده بما جرى مجراه مقدمات الجهاد كرباط الخيل و إعداد القوى و الأسلحة، و أما احتمال إرادة مطلق القرب فبعيد.

16- و في الفقيه: «و سبيل اللّه الجهاد.» «9»

17- و في اشارة السبق: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و هو الجهاد الحق.» «10»

______________________________

(1)- الوسيلة/ 128.

(2)- القواعد 1/ 58.

(3)- الدروس/ 62.

(4)- اللمعة (مع شرحها) 2/ 49.

(5)- النهاية/ 184.

(6)- المقنعة/ 39.

(7)- الجوامع الفقهية/ 643 (- طبعة أخرى/ 581).

(8)- الرسائل العشر

للشيخ/ 206.

(9)- الفقيه 2/ 3 (- طبعة أخرى 2/ 6)، الباب 1 من أبواب الزكاة، بعد الحديث 4.

(10)- الجوامع الفقهية/ 83 (- طبعة أخرى/ 125).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 112

..........

______________________________

فهذه بعض كلمات أصحابنا في المقام، و قد رأيت أن الأكثر أفتوا بالتعميم و إن كان الجهاد هو القدر المتيقن عند الجميع.

و أما [كلمات] فقهاء السنة:

1- ففي المدونة الكبرى في فتاوى مالك: «قال مالك: لا تجزئه أن يعطي من زكاته في كفن ميّت، لأن الصدقة إنما هي للفقراء و المساكين و من سمّى اللّه، فليست للأموات و لا لبنيان المساجد.» «1»

2- و في أمّ الشافعي: «و يعطى من سهم سبيل اللّه- جلّ و عزّ- من غزا من جيران الصدقة فقيرا كان أو غنيا، و لا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين.» «2»

أقول: تخصيصه بالجيران من جهة المنع من نقل الصدقة مع وجود المستحق في البلد.

3- و في الأحكام السلطانية للماوردي: «و السهم السابع: سهم سبيل اللّه- تعالى- و هم الغزاة، يدفع إليهم من سهمهم قدر حاجتهم في جهادهم، فإن كانوا يرابطون في الثغر دفع إليهم نفقة ذهابهم و ما أمكن من نفقات مقاماتهم ...» «3»

4- و في الأحكام السلطانية لأبي يعلى: «و أما سهم سبيل اللّه فهم الغزاة، يدفع إليهم قدر حاجتهم في جهادهم، فإن كانوا مرابطين في الثغر دفع إليهم نفقة ذهابهم و عودهم.» «4»

______________________________

(1)- المدونة الكبرى 1/ 258.

(2)- الأمّ 2/ 62.

(3)- الأحكام السلطانية/ 123.

(4)- الأحكام السلطانية/ 133.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 113

..........

______________________________

و لا يخفى أن الماوردي شافعي و أبا يعلى حنبلي.

5- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية قال: «و أما قوله- تعالى-: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ»

عبارة عن جميع القرب، فيدخل فيه كل من سعى في طاعة اللّه و سبيل الخيرات إذا كان محتاجا.

و قال أبو يوسف: المراد منه فقراء الغزاة، لأن سبيل اللّه إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك.

و قال محمد: المراد منه الحاج المنقطع، لما روي أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل اللّه فأمره النبي «ص» أن يحمل عليه الحاج.» «1»

6- و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة قال: «و سهم في سبيل اللّه، و هم الغزاة، يعطون ما يشترون به الدوابّ و السلاح و ما ينفقون به على العدوّ و إن كانوا أغنياء.» «2»

و شرحه في المغني بقوله: «و لا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل اللّه، لأنّ سبيل اللّه عند الإطلاق هو الغزو. قال اللّه- تعالى-: «وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ.»*

و قال: «يُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» و قال: «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا.»

و ذكر ذلك في غير موضع من كتابه.» «3»

أقول: لا يخفى ما في استدلاله بالآيات المذكورة على حصر سبيل اللّه في الجهاد، إذ الجهاد يفهم فيها من لفظي المجاهدة و المقاتلة.

ثم قال الخرقي: «و يعطى أيضا في الحج و هو من سبيل اللّه.» «4»

و قال المغني في شرحه: «يروى هذا عن ابن عباس، و عن ابن عمر: الحج في سبيل اللّه، و هو قول إسحاق، لما روي أن رجلا جعل ناقة له في سبيل اللّه فأرادت

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 2/ 45.

(2) المغني 7/ 326.

(3) المغني 7/ 327.

(4) المغني 7/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 114

..........

______________________________

امرأته الحج فقال لها النبي «ص»: «اركبيها، فان الحج في سبيل اللّه.»

و عن أحمد رواية أخرى: لا يصرف منها في الحج، و به

قال مالك و أبو حنيفة و الثوري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر. و هذا أصح، لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل اللّه إنما أريد به الجهاد إلّا اليسير، فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك، لأن الظاهر إرادته به، و لأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين: محتاج إليها كالفقراء و المساكين وَ فِي الرِّقٰابِ و الغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل و الغازي و المؤلّف و الغارم لإصلاح ذات البين. و الحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه و لا حاجة بهم إليه و لا حاجة به أيضا إليه لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه و لا مصلحة له في إيجابه عليه و تكليفه مشقة قد رفهه اللّه منها و خفف عنه إيجابها.» «1»

أقول: يظهر من ذيل كلام ابن قدامة أنه على القول بكون المراد بسبيل اللّه كل قربة فلا محالة يراد بها القربات العامة الاجتماعية لا القربات الشخصية التي لا يعود نفعها إلى المجتمع، و سيأتي بيان ذلك.

7- و في تفسير القرطبي: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ و هم الغزاة و موضع الرباط، يعطون ما ينفقون في غزوهم، كانوا أغنياء أو فقراء. و هذا قول أكثر العلماء، و هو تحصيل مذهب مالك. و قال ابن عمر: الحجاج و العمّار، و يؤثر عن أحمد و إسحاق أنهما قالا: سبيل اللّه الحج ...» «2»

8- و في تفسير الرازي: «و اعلم أن ظاهر اللفظ في قوله: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» لا يوجب القصر على كلّ الغزاة، فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض

______________________________

(1)- المغني 7/ 327.

(2)-

تفسير القرطبي 8/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 115

..........

______________________________

الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى و بناء الحصون و عمارة المساجد لأن قوله: و في سبيل اللّه عام في الكل.» «1»

أقول: فيظهر مما نقلناه أن المسألة في فقهاء السنة أيضا خلافية و إن كان المشهور بينهم الاختصاص بالجهاد.

9- و قال ابن الأثير في النهاية في لغة سبل: «فالسبيل في الأصل: الطريق. و يذكّر و يؤنث، و التأنيث فيها أغلب. و سبيل اللّه عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى اللّه- تعالى- بأداء الفرائض و النوافل و أنواع التطوعات. و إذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه.» «2»

أقول: إذا فرضنا كون اللفظ موضوعا للأعم فإطلاقه على فرد منه غالبا لكثرته و وضوحه لا يوجب الاختصاص به، فيحمل عند الإطلاق على الأعم إلّا مع قرينة صارفة، فتدبر.

10- و في فقه الزكاة للقرضاوي بعد نقل كلمات الفقهاء من المذاهب الأربعة في المقام قال: «يلاحظ مما نقلناه عن المذاهب الأربعة أنها اتفقت في هذا المصرف على أمور ثلاثة:

1- أن الجهاد داخل في سبيل اللّه قطعا.

2- مشروعية الصرف من الزكاة لأشخاص المجاهدين، بخلاف الصرف لمصالح الجهاد و معدّاته، فقد اختلفوا فيه.

3- عدم جواز صرف الزكاة في جهات الخير و الإصلاح العامّة من بناء السدود و القناطر، و إنشاء المساجد و المدارس، و إصلاح الطرق و تكفين الموتى و نحو ذلك.

______________________________

(1)- تفسير الرازي 16/ 113 (- طبعة أخرى 3/ 478).

(2)- النهاية لابن الأثير 2/ 338.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

و إنما عب ء هذه الأمور على موارد بيت المال الأخرى من الفى ء و

الخراج و غيرها.

و إنما لم يجز الصّرف في هذه الأمور لعدم التمليك فيها كما يقول الحنفية، أو لخروجها عن المصارف الثمانية كما يقول غيرهم.

أما ما نقل عن البدائع من تفسيره بجميع القرب و الطاعات فقد اشترط فيه تمليك الزكاة لشخص فلا تعطى لجهة عامّة كما اشترط أن يكون الشخص فقيرا، لهذا لا يخرج هذا الرأي عن دائرة المضيقين في مدلول سبيل اللّه. و انفرد أبو حنيفة باشتراط الفقر في المجاهد كما انفرد أحمد بجواز الصرف للحجاج و العمّار ...» «1»

أقول: سبيل اللّه في الآية مدخول للفظة: «في»، فلوحظ مصرفا كما في الرقاب و الغارمين فلا مجال فيه لاحتمال اعتبار التمليك.

[الحق في المسألة التعميم لمطلق سبل الخير]

و كيف كان فالحق في المسألة التعميم لمطلق سبل الخير، إذ السبيل هو الطريق، فإذا أضيف إلى اللّه- سبحانه- تبادر منه كل ما يكون وسيلة إلى تحصيل رضا اللّه- تعالى- و ثوابه، فتخصيصه بالجهاد بلا وجه.

و يدل على التعميم مضافا إلى ذلك روايات:

1- مرسل القمي، عن العالم «ع»، قال: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير. فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد.» «2»

2- صحيحة علي بن يقطين أنه قال لأبي الحسن الأول «ع»: يكون عندي المال من الزكاة فأحج به مواليّ و أقاربي؟ قال: نعم، لا بأس. «3».

______________________________

(1)- فقه الزكاة 2/ 643.

(2)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(3)- الوسائل 6/ 201، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 117

..........

______________________________

3- ما رواه في آخر السرائر، عن نوادر

البزنطي، عن جميل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الصرورة أ يحجه الرجل من الزكاة؟ قال: نعم. «1»

و ليس في الخبرين اسم من سبيل اللّه و لكن الظاهر إرادة ذلك، إذ الفقير بما هو فقير لا يعطى إلّا بمقدار حاجاته في إعاشته.

اللّهم إلّا أن يقال إن الحج و الزيارات بالمقدار المتعارف أيضا تعدّ من الحاجات، ففي صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»: «إن اللّه نظر في أموال الأغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم.

بلى، فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج.» «2»

و يدل على ذلك أخبار أخر أيضا، فراجع الوسائل. «3»

4- ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن عمر، قال قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إن رجلا أوصى إليّ بمال في السبيل (في سبيل اللّه- الفقيه). فقال لي: اصرفه في الحج. قلت: أوصى إليّ في السبيل؟ فقال: «اصرفه في الحج، فإني لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج.» «4»

أقول: ظاهر هذا الخبر تعدّد سبل اللّه و أن الحج أفضلها، فيستفاد منه عدم انحصار سبيله في الجهاد.

5- ما رواه الحسن بن راشد، قال: سألت أبا الحسن العسكري «ع» (بالمدينة خ. ل) عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّه، قال: سبيل اللّه شيعتنا.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 202، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- راجع الوسائل 6/ 200- 202، الباب 41 و 42.

(4)- الوسائل 13/ 412، الباب 33 من كتاب الوصايا، الحديث 2.

(5)- الوسائل 13/ 412، الباب 33 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 3، ص: 118

..........

______________________________

أقول: لعل المراد به الصرف فيما يحتاج إليه الشيعة من المرافق العامّة.

و يحتمل أيضا أن يراد التمليك لفقرائهم، فيكون سبيل اللّه أعمّ من الفقراء.

و يحتمل أيضا أن يراد تقوية مذهبهم.

6- و يمكن أن يستدل للتعميم أيضا بما رواه في الكافي بسند صحيح عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه، فقال: أعطه لمن أوصى به له و إن كان يهوديا أو نصرانيا، إن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.»

و رواه أيضا بسند آخر صحيح، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما «ع». «1»

و رواه أيضا في الفقيه بسند صحيح عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع». الحديث. «2»

و رواه في الوسائل عن المشايخ الثلاثة. «3»

أقول: يظهر من الخبر سعة سبيل اللّه حتى أنه قد يشمل اليهودي و النصراني أيضا، فتأمل.

7- و في دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد «ع» أنه قال: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ:

في الجهاد و الحج و غير ذلك من سبل الخير.» «4»

8- و في فقه الرضا: «و من أوصى بماله أو ببعضه في سبيل اللّه- من حج أو عتق أو صدقة أو ما كان من أبواب الخير- فإن الوصية جائزة لا يحلّ تبديلها. الحديث.» «5»

______________________________

(1)- الكافي 7/ 14، كتاب الوصايا، باب إنفاذ الوصية على جهتها، الحديث 1 و 2.

(2)- الفقيه 4/ 148 (- طبعة أخرى 4/ 200)، باب وجوب إنفاذ الوصية، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 411، الباب 32 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

(4)- دعائم الإسلام 1/ 261، كتاب الزكاة، ذكر دفع الصدقات.

(5)- فقه الرضا/ 39 (- طبعة أخرى/

298).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 119

..........

______________________________

9- و فيه أيضا: «فإن أوصى بمال في سبيل اللّه و لم يسمّ السبيل فإن شاء جعله لإمام المسلمين و إن شاء جعله في حج أو فرّقه على قوم مؤمنين.» «1» و نحوه في المقنع. «2» و رواه في المستدرك عنهما. «3»

10- و في البخاري: «و يذكر عن ابن عباس: يعتق من زكاة ماله و يعطي في الحج ... و يذكر عن أبي لاس: حملنا النبي «ص» على إبل الصدقة للحج.» «4»

11- و في سنن أبي داود بسنده عن أمّ معقل، قالت: لما حج رسول اللّه «ص» حجة الوداع و كان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل اللّه و أصابنا مرض و هلك أبو معقل، و خرج النبي «ص» فلما فرغ من حجة جئته فقال: يا أمّ معقل، ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل، و كان لنا جمل هو الذي نحجّ عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل اللّه. قال: «فهلا خرجت عليه، فإن الحج في سبيل اللّه؟ فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان. فإنها كحجة.» «5»

و روى نحوه البيهقي أيضا بسنده عن أمّ معقل. «6»

و في أبي داود في هذا الباب روايتان أخريان تدلان على هذا المعنى، فراجع. «7»

12- و في البيهقي بسنده عن أنس بن سيرين، قال: قلت لعبد اللّه بن عمر إنه أرسل إليّ بدراهم أجعلها في سبيل اللّه و إن من الحاج من بين منقطع به و بين من

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 39 (- طبعة أخرى/ 299).

(2)- الجوامع الفقهية/ 39.

(3)- المستدرك 2/ 524، كتاب الوصايا، باب حكم المال الذي يوصى به في سبيل الله، الرقم 3

و 4.

(4)- صحيح البخاري 2/ 128 (- طبعة أخرى 1/ 256)، باب قول اللّه- تعالى- وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ.

(5)- سنن أبي داود 2/ 204 (- طبعة أخرى 1/ 459)، كتاب المناسك، باب العمرة.

(6)- سنن البيهقي 6/ 274، كتاب الوصايا، باب الوصية في سبيل اللّه عزّ و جلّ.

(7)- راجع سنن أبي داود 2/ 204 و 205 (- طبعة أخرى 1/ 459).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 120

..........

______________________________

قد ذهبت نفقته أ فأجعلها فيهم؟ قال: نعم، اجعلها فيهم فإنه سبيل اللّه. قال: قلت:

إني أخاف أن يكون صاحبي أنما أراد المجاهدين، قال: اجعلها فيهم، فإنهم في سبيل اللّه. الحديث.» و روى هذا المضمون في رواية أخرى أيضا. «1»

أقول: و المتتبع لا محالة يعثر على أكثر من هذه الأخبار، و اذا لم نحصر سبيل اللّه في الجهاد و تعدّينا منه إلى الحج فالظاهر عدم خصوصية له فلا محالة يراد به كل قربة، كما يساعد عليه اللغة و العرف. و العمدة في المقام إطلاق الآية الشريفة و عدم ورود ما يصلح للتخصيص.

نعم، هنا احتمال أن يراد بسبيل اللّه خصوص المصالح العامة المرتبطة بالدين و سيأتي البحث فيه عن قريب.

و استدلّ للقول باختصاصه بالجهاد بوجوه:

الأول: تبادره عند الإطلاق.

الثاني: أن أكثر استعماله في الكتاب العزيز يكون في الجهاد.

الثالث: أن الأصل في دوران الأمر بين التخيير و التعيين في مقام الامتثال هو التعيين.

الرابع: ما رواه في الكافي بسنده عن يونس بن يعقوب أن رجلا كان بهمذان ذكر أن أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت، و أوصى أن يعطى شي ء في سبيل اللّه فسئل عنه أبو عبد اللّه «ع» كيف يفعل به، فأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا

الأمر، فقال «ع»: لو أن رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما. إن اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.» فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني بعض

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 274- 275، كتاب الوصايا، باب الوصية في سبيل اللّه عزّ و جلّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 121

..........

______________________________

الثغور- فابعثوا به إليه.» «1» و رواه في الوسائل عن المشايخ الثلاثة. «2»

أقول: يرد على الوجه الأول أن التبادر الدال على الاختصاص ممنوع، نعم لما كان الجهاد من أظهر مصاديقه فهو القدر المتيقن و لعله يتبادر إلى الأذهان غالبا و لكن لا من حاق اللفظ بل بجهة كونه من أظهر الأفراد.

و يرد على الوجه الثاني أن المذكور في القرآن يكون غالبا مقرونا بألفاظ يصرفه إلى خصوص الجهاد كلفظ القتال أو المجاهدة أو نحوهما، و مثل هذا لا يوجب هجر المعنى الموضوع له أعني العموم. و ربما استعمل في العموم أيضا كقوله: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنٰابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ. الآية.» و قوله: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ثُمَّ لٰا يُتْبِعُونَ مٰا أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لٰا أَذىً. الآية.» «3» إذ الظاهر أن محطّ النظر في هذه الآيات في سورة البقرة مطلق الإنفاقات الواجبة و المندوبة لا خصوص ما أنفق في الجهاد.

و لا سيما فيما ذكرناه من الآية الثانية بقرينة ذكر المنّ و الأذى.

و يرد على الثالث أن الأصل لا مجال له بعد إطلاق الآية و ما مرّ من الأخبار.

و يرد على الرابع أن الخبر لا يدلّ على الاختصاص، و إلّا لزم اختصاصه بالرباط على

ما هو الظاهر من البعث إلى الثغور، و لم يقل بذلك أحد، بل جواز صرفه فيه محل خلاف بين القائلين بالاختصاص. هذا مضافا إلى أن المتبع في الوصية عرف الموصي و قصده، و حيث إنه كان ممن لا يعرف، و المشهور عندهم

______________________________

(1)- الكافي 7/ 14، كتاب الوصايا، باب إنفاذ الوصية على جهتها، الحديث 4. و الآية من سورة البقرة (2)، رقمها: 181.

(2)- الوسائل 13/ 414، الباب 33 من كتاب الوصايا، الحديث 4.

(3)- سورة البقرة (2)، الآيتان 261 و 262.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

الاختصاص بالجهاد فلعله لذلك أمر الإمام بصرفه في ذلك، فتدبّر.

و أما ما في مسند زيد بن علي «ع»: «لا يعطى من الزكاة في كفن ميّت و لا بناء مسجد و لا تعتق منها رقبة.» «1» فهو على فرض صحته فتوى زيد نفسه، حيث لم يرو ذلك عن رسول اللّه «ص» أو عن الأئمة «ع».

[التعميم هو قول المشهور من أصحابنا]

و كيف كان فالأقوى عندنا هو التعميم إجمالا وفاقا للمشهور بين أصحابنا.

قال في الجواهر: «فلا ريب حينئذ في أن الأقوى عمومه لكل قربة، فيداخل حينئذ جميع المصارف و يزيد عليها، و إنما يفارقها في النية، ضرورة شموله لجميع القرب من بناء خانات و تعمير روضة أو مدرسة أو مسجد أو إحداث بنائها، أو وقف أرض أو تعميرها أو وقف كتب علم أو دعاء و نحوها، أو تزويج عزاب أو غيرهم، أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شي ء من آلات العبادة، أو إحجاج أحد أو إعانة على زيارة أو في قراءة أو تعزية أو تكرمة علماء أو صلحاء أو نجباء، أو إعطاء أهل الظلم و الشر لتخليص الناس من شرّهم و ظلمهم، أو

إعطاء من يدفع ظلمهم و يخلّص الناس من شرّهم، أو بناء ما يتحصن به المؤمنون عنهم، أو شراء الأسلحة لدفاعهم، أو إعانة المباشرين لمصالح المسلمين من تجهيز الأموات أو خدمة المساجد و الأوقاف العامة أو غير ذلك. و من هنا قال الأستاذ في كشفه أنه لا يعتبر في المدفوع إليه إسلام و لا إيمان و لا عدالة و لا فقر و لا غير ذلك للصدق.» «2»

أقول: ظاهر الجواهر تعميم سبيل اللّه لكل أمر مستحسن عند الشرع، سواء كان من الأمور المتعلقة بالأشخاص أو من المصالح العامة التي يتصدى لها الدولة و ممثل المجتمع غالبا. و مقتضى ذلك كون سبيل اللّه أعم من سائر مصارف الزكاة و إنما يفارقها بالنية كما صرّح به.

______________________________

(1)- مسند زيد/ 174، كتاب الزكاة، باب زكاة الذهب و الفضة.

(2)- الجواهر 15/ 370.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 123

..........

______________________________

و لكن في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- ما يظهر منه الاختصاص بالمشاريع و المصالح العامّة و أنه يمتاز عن سائر المصارف و لا يداخلها، قال:

«و التحقيق أن الظاهر من سبيل اللّه هو ما كان كذلك بالحمل الشائع لا بمجرد قصد القربة من حيث إعانة المؤمن و إدخال السرور في قلبه و نحو ذلك.

و المصالح العامّة كالمساجد و القناطر و نحو ذلك تعدّ من السبيل، و الجهاد و الحج كذلك.

و أما الأشخاص فيشكل فيهم الأمر، إذ فرق بين أن يعطى من الكسوة و الطعام للشخص قربة إلى اللّه- تعالى- و بين أن يصرف شي ء في سبيل اللّه قربة إليه- تعالى- فمن صرف مالا في تزويج شخص أو أعطى له مالا لأن يتزوج و قصد بذلك القربة فقد سلك سبيل الخير و حصل الأجر

و الثواب، لكن حيث لا يعدّ التزويج من سبيل اللّه- تعالى- فلم يصرف المال في ذلك.

و بهذا الكلام يندفع الإشكال من أن سبيل اللّه- تعالى- يعمّ بقية الأصناف، فإن جميع القرب إن كانت من ذلك فالأصناف السبعة قد كان إعطاء الزكاة فيها قربيّا.

و الجواب أن الأربعة الأولى التي هي مدخول أداة اللام في الآية الشريفة تعطى الزكاة لهم بقصد القربة و ذلك إعطاء لهم لا صرف في سبيل اللّه.

و الأربعة التي هي مدخول أداة «في» و هي المصارف تمتاز بالصرف في تخليص الرقبة عن الرقية و تخليص الغارم عن الغرم و إيصال ابن السبيل إلى وطنه ...

و كل ذلك أمور حسنة لكن لا يصدق عليها بالحمل الشائع أنها سبيل اللّه- تعالى- بل هي إحسان في حق الأشخاص فيبقى الصرف في المصالح العامة و الجهاد و الحج التي هي بالحمل الشائع سبيل اللّه- تعالى-.» «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الله الميلاني 2/ 128.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 124

..........

______________________________

أقول: قد كان هو- قدّس سرّه- بصدد تفسير سبيل اللّه بنحو يفارق سائر الأصناف الثمانية بالكلية، حيث إن حمله على كل أمر قربي يوجب كونه أعم من سائر المصارف و كون ذكره بوحدته مغنيا عنها، و الأصل في الكلام و لا سيما في كلام الحكيم على الإطلاق هو التأسيس لا التأكيد.

كيف؟! و لو ذكر العام في الأول أمكن ذكر الخاص بعده لبيان الاهتمام، و لو ذكر في الآخر أمكن حمله على بيان الفذلكة، و لكنه هنا ذكر في الوسط، فأيّ محمل لذكره؟ فأراد- قدّس سرّه- الفرار من هذا الإشكال.

و لكنه بعد اللتيا و التي لم يفسّر سبيل اللّه و إنما تعرض لصدقه على المصالح العامة و الجهاد و الحج

و عدم صدقه على القربات الشخصية كتزويج الشخص مثلا، مع أن إحجاج الشخص الذي ورد في أخبار الفريقين أيضا يمكن القول بكونه من القربات الشخصية، و قد مرّ عن ابن قدامة قوله: «و الحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه و لا حاجة بهم إليه و لا حاجة به أيضا إليه لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه.» «1»

و التحقيق أن يقال: الأمر هنا يدور بين قولين:

فإما أن يقال: بأن المراد بسبيل اللّه جميع القربات و سبل الخير، كما هو المستفاد من مرسل علي بن إبراهيم و كلمات أكثر الفقهاء من أصحابنا، سواء كانت من المصالح العامة، أو من الأمور الشخصية المستحسنة شرعا كتكفين الأموات و قضاء الديون و نحوها، و هو الذي اختاره صاحب الجواهر. و قد مرّ أن سبيل اللّه في بعض آيات الإنفاق يراد به العموم.

و إما أن يقال: بأن المراد بسبيل اللّه دين اللّه القويم و صراطه المستقيم الذي يوصل من سلكه إلى ساحة قرب الحق و رضاه، و هو الذي نطلب منه- تعالى- في

______________________________

(1)- المغني 7/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 125

..........

______________________________

كل يوم في قراء الحمد أن يهدينا إليه، و في قباله سبيل الطاغوت و صراط المغضوب عليهم و الضالين. قال اللّه- تعالى-: «الَّذِينَ آمَنُوا يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّٰاغُوتِ.» «1» هذا.

و يشهد لهذا المعنى لسبيل اللّه كثير من آيات الكتاب العزيز، و القرآن يفسر بعضه بعضا.

فقوله- تعالى-: «ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، «2» و قوله: «وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ

اللّٰهِ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ» «3» و قوله: «الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ» «4»، و نحو ذلك من الآيات الكثيرة التي قرن فيها سبيل اللّه بألفاظ الصدّ و الضلال و الإضلال متعدّية ب «عن»، لا يراد بالسبيل فيها إلّا دين اللّه القويم.

بل لعل ما ذكر فيها مقرونا بألفاظ القتال و الجهاد و المهاجرة متعدية بفي أيضا لا يراد بها إلّا ذلك، فإن الجهاد عبارة عن تحمل المشقات في طريق دين اللّه و لا يكون إلّا لإعلاء كلمة الإسلام و تقوية الدين و قمع أعدائه.

كيف؟! و لو كان السبيل بمعنى الجهاد، كما يقول به أكثر فقهاء السنة و بعض أصحابنا، صار معنى قوله: «تُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» «5»: تجاهدون في الجهاد، و الالتزام بذلك مشكل. و إرادة الجهاد أنما يفهم من لفظي القتال و الجهاد كما مرّ.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 76.

(2)- سورة النحل (16)، الآية 125.

(3)- سورة ص (38)، الآية 26.

(4)- سورة محمد «ص» (47)، الآية 1.

(5)- سورة الصفّ (61)، الآية 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 126

..........

______________________________

فخلطوا بين المصداق و المفهوم. و على هذا فيكون المراد بسبيل اللّه في آية الزكاة أيضا دين اللّه و مظاهره و شعائره. فكل ما يقع في طريق نشر الدين الحنيف و تقوية الإسلام و شعائره يكون صرف الزكاة فيه صرفا في سبيل اللّه. و على هذا فيفترق هذا المصرف عن سائر المصارف بالكلية، و لا يصدق أيضا على كل مصلحة عامّة بل على الواقعة منها في طريق تقوية الإسلام و المسلمين بما هم مسلمون كبناء المساجد و المعاهد الدينية و نشر الكتب الإسلامية و تأسيس الحوزات العلمية و تشييد

مباني الإسلام و قواعده و دفع الدعايات الباطلة و تقوية جيوش المسلمين و نحو ذلك من الأمور المرتبطة بالدين، لا مثل إيجاد الطرق و القناطر و المستشفيات و نحوها.

قال الأستاذ المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه- في حاشيته على قول المصنف: «في كل قربة»، قال: «إذا كانت من المصالح العامة الدينية.»

و الصرف في الحج أيضا يكون من هذا القبيل، من جهة أنه من أهم مظاهر الإسلام و الشعائر الدينية و يكون مؤتمرا إسلاميا يجتمع فيه المسلمون من مشارق الأرض و مغاربها، قال اللّه- تعالى-: «جَعَلَ اللّٰهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرٰامَ قِيٰاماً لِلنّٰاسِ.» «1»

مع ما فيه من التفقه و نقل أخبار الأئمة «ع» إلى كل صقع و ناحية كما في خبر العلل. «2»

و في خبر زرارة، عن الصادق «ع»: «الحج جهاد كل ضعيف.» «3»

و في خبر هشام بن الحكم، عنه «ع» في علة التكليف بالحج، قال: «و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين و مصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب ليتعارفوا و لينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد،

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 97.

(2)- الوسائل 8/ 8، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 15.

(3)- الوسائل 8/ 7، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 127

..........

______________________________

و لينتفع بذلك المكاري و الجمال و لتعرف آثار رسول اللّه «ص» و تعرف أخباره و يذكر و لا ينسى.» «1»

و في خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع»، قال: «إنما أمروا بالحج لعلّة الوفادة إلى اللّه- عزّ و جلّ-.» «2» فراجع الوسائل. «3»

و في سنن ابن ماجة بسنده عن أم سلمة، قالت: قال رسول

اللّه «ص» «الحج جهاد كل ضعيف.» «4»

و فيه أيضا بسنده عن النبي «ص»، قال: «الغازي في سبيل اللّه و الحاج و المعتمر وفد اللّه.» «5» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

و بالجملة، الوجهة السياسية الدينية في الحج أقوى من الوجهة العبادية الشخصية، كما هو واضح.

و محصّل الكلام في المقام أن القول بانحصار سبيل اللّه في الجهاد مما لا وجه له و يرده ظاهر الكتاب العزيز.

اللّهم إلّا أن يراد الجهاد بالمعنى الأعم ليشمل الجهاد الفكري و التربوي و الاقتصادي و السياسي أيضا كما قيل.

فالأمر يدور بين القول بإرادة جميع القربات و سبل الخير بمقتضى مرسل علي بن إبراهيم و الإجماعات المنقولة، أو إرادة المصالح العامة المرتبطة بالدين و تشييد مبانيه. و الأحوط هو الأخير، و إن كان القول الأول لا يخلو من قوة من جهة

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 9، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 18.

(2)- الوسائل 8/ 7، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 15.

(3)- راجع الوسائل 8/ 3- 10، الباب 1 من أبواب وجوب الحج.

(4)- سنن ابن ماجة 2/ 968، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء، الحديث 2902.

(5)- سنن ابن ماجة 2/ 966، كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحج، الحديث 2893.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 128

مع عدم تمكّنهم من الحجّ و الزيارة و الاشتغال و نحوها من أموالهم.

[جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة مع تمكّن المدفوع إليه و عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه]

بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة (1)، بل مع تمكّنه أيضا، لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه.

______________________________

أن الزكاة شرّعت لسدّ جميع الخلات و الحاجات و من أهمها المصالح العامة نعم يبقى هنا إشكال ذكر العام في أثناء

المصارف الخاصة، و لعله يعدّ مستهجنا إلّا أن يتحرى له نكتة محسّنة، فتدبر.

(1) أقول: هل يعتبر في من يعطى هذا السهم أو يصرف فيه، الفقر، أعني عدم مالكيته لمئونة السنة كما ربما يظهر من المسالك، أو يعتبر فيه الحاجة بمعنى احتياجه في الجهاد و غيره إلى ذلك و إن فرض كونه مالكا لمئونة سنته كما يظهر من المدارك، أو لا يعتبر شي ء منهما بعد صدق سبيل اللّه كما يظهر من الجواهر و غيره؟ وجوه بل أقوال:

1- قد مرّ عن الخلاف (كتاب قسمة الصدفات المسألة 23) قوله: «و الغارم لمصلحة ذات البين و الغازي لا يعطى إلّا مع الحاجة عند أبي حنيفة. و عند.

الشافعي: يعطى مع الغنى، و هو الصحيح.» «1»

2- و في المبسوط: «و الغزاة يأخذون الصدقة مع الغنى و الفقر، و يدفع إليهم قدر كفايتهم.» «2»

3- و في الشرائع: «و الغازي يعطى و أن كان غنيا قدر كفايته على حسب حاله.» «3»

4- و في التذكره: «لا يشترط في الغازي الفقر، و به قال الشافعي

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 122).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 129

..........

______________________________

للعموم و لأنه كالأجرة. و كذا الغارم لإصلاح ذات البين. و قال أبو حنيفة: يشترط، لقوله «ع»: أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم. و هو لا يقتضي اختصاصها بالفقراء. و ينتقض بابن السبيل فإنه يعطى و إن كان غنيا في بلده قادرا على الاستدانة في سفره، و معارض بعموم: «وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» و بما رووه عن النبي «ص»: لا تحل الصدقة لغني إلّا لثلاثة و ذكر من جملتهم الغازي.» «1»

أقول: في جواز الإعطاء لابن السبيل القادر على

الاستدانه كلام يأتي.

و المستثنيات في الحديث النبوي خمسة لا ثلاثه كما يأتي.

5- و فيه أيضا: «و إذا جعلنا سبيل اللّه أعمّ من الغزو في الجهاد كما اخترناه أولا دخل فيه معونة الزوار و الحجيج. و هل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهمان، و من اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير.» «2»

6- و مرّ عن أمّ الشافعي قوله: «و يعطى من سهم سبيل اللّه- جلّ و عزّ- من غزا من جيران الصدقة، فقيرا كان أو غنيا.» «3»

7- و مرّ عن أبي القاسم الخرقي قوله: «و سهم في سبيل اللّه، و هم الغزاة، يعطون ما يشترون به الدواب و السلاح و ما ينفقون به على العدوّ و إن كانوا أغنياء.» «4» هذا.

8- و لكن في الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و أن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الإجماع المتكرر.» «5»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- التذكرة 1/ 236.

(3)- الأمّ 2/ 62.

(4)- المغني 7/ 326.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 130

..........

______________________________

9- و في المسالك: «و يجب تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل فيه شي ء (في شي ء- الجواهر) من الأصناف الباقية، فيشترط في الحاج الزائر الفقر أو كونه ابن السبيل أو ضيفا. و الفرق بينهما حينئذ و بين الفقراء أن الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا و يعطى لكونه في سبيل اللّه.» «1»

10- و في الروضة: «و ينبغي تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني لا يدخل في الأصناف.» «2»

11- قال في

المدارك بعد نقل كلام المسالك: «و هو مشكل، لأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل. و المعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الإتيان بها بدونه. و إنما صرنا إلى هذا التقييد لأن الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها و مع ذلك فاعتباره محل تردد. «3»

12- و في الجواهر بعد نقل كلام المدارك قال: «قلت: هو في محلّه، بل الأقوى عدم اعتباره لإطلاق الأدلة، و حكمة المشروعية لا تصلح للتقييد ...» «4»

13- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية قال: «و قال الشافعي: يجوز دفع الزكاة إلى الغازي و إن كان غنيا، و أمّا عندنا فلا يجوز إلّا عند اعتبار حدوث الحاجة.» «5»

أقول: يظهر من كلمات القائلين بالتعميم الاستدلال له بإطلاق الأدلة و منها الآية الشريفة، و بأنها كالأجرة كما في سهم العاملين، و بما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي «ص» قال: «لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمسة: رجل عامل عليها، أو رجل اشتراها

______________________________

(1)- المسالك 1/ 60.

(2)- الروضة 2/ 49.

(3)- المدارك/ 318.

(4)- الجواهر 15/ 371.

(5)- بدائع الصنائع 2/ 46.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 131

..........

______________________________

بماله، أو رجل مسكين تصدّق عليه بها فأهداها لغنيّ أو غارم أو غاز في سبيل اللّه.» «1»

و عن عطاء بن يسار عنه «ص» أيضا نحوه 2 و الاستثناء من النفي إثبات.

كيف؟! و لا يظن الإشكال في جواز استفادة الأغنياء أيضا من المشاريع و المصالح العامة المبنية من هذا السهم كالمساجد و المدارس و الطرق و القناطر و المستشفيات و العمارات المعدّة للحجاج و الزوار نحوها.

[استدل القائلون بالاختصاص بوجوه]

و استدل القائلون بالاختصاص بوجوه يدل بعضها على اعتبار الفقر و بعضها

على اعتبار الحاجة إليها في الخير الذي تصدّى له و إن ملك مئونة سنته:

الأول: ما مرّ من مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع» قال: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، أو في جميع سبل الخير. فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الجهاد و الحج.» «3»

الثاني: ما عن النبي «ص» من قوله: «لا تحلّ الصدقة لغني»، المروي في كتب الفريقين. «4»

الثالث: الأخبار الدالة على أن الزكاة وضعت للفقراء بنحو يظهر منها الحصر، كموثقة أبي المعزا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إن اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم.» «5»

______________________________

(1) (1) و (2)- سنن البيهقي 7/ 15، كتاب قسم الصدقات، باب العامل على الصدقة يأخذ منها بقدر عمله ...

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- راجع الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 18 و سنن البيهقى 7/ 13، كتاب الصدقات، باب الفقير و المسكين له كسب ...

(5)- الوسائل 6/ 148، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 132

..........

______________________________

و خبر مبارك العقرقوفي، عن أبي الحسن «ع» قال: «إنما وضعت الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالهم.» «1»

و في العلل: قال رسول اللّه «ص» في الصدقه «أمرت أن آخذها من أغنيائكم و أردّها في فقرائكم.» «2»

و في زكاة البخاري في قصة بعث النبي «ص» معاذا إلى اليمن، قال: «فأعلمهم أن اللّه افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم و تردّ

على فقرائهم.» «3»

و راجع البيهقى أيضا. «4»

هذا مضافا إلى وضوح أن الزكاة وضعت لسدّ الخلات و الحاجات، فلا يناسب صرفها في الأغنياء غير المحتاجين.

أقول: يمكن أن يجاب عن المرسل مضافا إلى إرساله:

أولا بأنه لا يدل على اعتبار الفقر بالمعنى المصطلح، إذ ربّ شخص يملك مئونة سنته قوة أو فعلا إن بقي في وطنه و لكنه لا يقدر على مئونة الحج أو الجهاد إلّا بإعانته من بيت المال. و لعلّ استثناء الغازي في خبر أبي سعيد أيضا كان بلحاظ حدوث الحاجة له إلى مئونة السفر و آلات الجهاد و إن كان غنيا في وطنه و بلده.

و ثانيا بأن التقييد في المرسل وقع بالنسبة إلى الحج و الجهاد لا بالنسبة إلى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه، الحديث 4.

(2)- علل الشرائع/ 217 (- طبعة أخرى/ 83)، الباب 159 من الجزء الأول.

(3)- صحيح البخاري 2/ 108 (- طبعة أخرى 1/ 242)، باب وجوب الزكاة.

(4)- راجع سنن البيهقي 4/ 101، كتاب الزكاة، باب لا يؤخذ كرائم أموال الناس؛ و 7/ 2، كتاب قسم الصدقات، باب ما فرض الله- تبارك و تعالى- على أهل دينه ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 133

..........

______________________________

ما في الذيل من جميع سبل الخير، و لعل ذكرهما مقيدين كان من باب التمثيل بالفرد الواضح، و أما الذيل فقد بقي على عمومه بنحو يشمل الحج و الجهاد أيضا، فتدبر.

و يجاب عن قوله: «لا تحل الصدقه لغني» بأن الظاهر منه أنها لا تحلّ له على حسب حليتها للفقير بأن يتملكها ملكية مطلقة و يصرفها في مقاصده كيف يشاء، فلا ينافي ذلك جواز دفعها إليه ليصرفها في جهة خاصة

من سبل الخير و ترتجع منه إن لم يصرفها فيه، أو ينتفع من المشاريع و المصالح العامّة التي بنيت منها.

و في زكاة الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه-: «إن المراد منها حرمتها على من هو غني عنها في المصرف الذي يعطى لأجله، فلا يجوز دفع الزكاة للمعاش إلى من هو غني عنها في جهة المعاش، و لا للدين إلى من هو قادر على أداء الدين، و لا للصرف في سبيل اللّه إلى من يقدر عليه بدون الزكاة ...

إن المراد حرمة أخذها و إعطائها للمصرف الذي لا يحتاج فيه إليها. فإعطاء الغارم و المكاتب و الحاج القادرين على المعيشة العاجزين عن أداء الدين و مال الكتابة و نفقة الحج لا يحلّ لهم أخذ الزكاة و لا إعطاؤهم لأجل المعيشة و يحل لأجل ما هم يفتقرون فيه إليها.

و يدل عليه أيضا ما ورد في أحكام الأرضين من أن الإمام يقسم الزكاة على الأصناف بقدر ما يستغنون به، فإن ظاهر هذا الكلام عدم حصول الغنى قبل دفع الزكاة ...

هذا مضافا إلى استمرار السيرة على النكير على من صرف الزكاة في مئونة الأغنياء كإطعامهم و الإهداء إليهم بقصد القربة.» «1»

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 505 (- طبعة أخرى/ 443).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 134

..........

______________________________

أقول: يرجع محصل كلامه إلى أن المعتبر هو الحاجة إليها في الجهة التي أخذت لها لا الفقر المصطلح، وفاقا لما مرّ من المدارك و خلافا للمسالك. فليس الغني في الرواية قسيما للفقير المصطلح، بل يراد به عدم الحاجة في الجهة و يكون أمرا نسبيا. و يمكن أن يناقش هذا بأن الظاهر منه في خبر أبي سعيد الخدري عنه «ص» بقرينة استثناء الخمسة هو الغني المصطلح في قبال الفقير المصطلح،

و حينئذ فيحمل عليه المطلقات الواردة بلا استثناء أيضا، فتدبر.

بقي الكلام في الروايات الظاهرة في اعتبار الفقر

و يمكن أن يجاب عنها بعدم ظهورها في الحصر كما مرّ من التذكرة، فلعل الغرض فيها بيان أهم المصارف و أوضحها و لا سيّما في وقت التشريع، أو يكون ذكر الفقراء من باب المثال، و المقصود الصرف في الأصناف الثمانية المذكورة في الآية، أو يراد بالفقر هنا أيضا الحاجة لا الفقر المصطلح، و يراد بالحاجة الأعم من حاجة الأشخاص أو حاجة المصارف و الجهات.

فإذا فرض حاجة المجتمع و البلد إلى المساجد و المدارس و المستشفيات و حاجة هذه المصارف إلى صرف الزكاة فيها فالحاجة و الفقر صادقان و إن فرض كون من يصرفها في المصارف أو ينتفع منها غنيا بحسب معاش نفسه.

و المشاريع و المصالح العامة المحدثة لا محالة ينتفع منها جميع الأمة أو أصناف خاصة منها حسب تعيين قيم المجتمع و البلد.

و بالجملة فالمعتبر في سبيل اللّه، هو الحاجة لا الفقر المصطلح، و يراد بها حاجة المصارف و الجهات لا حاجة كل شخص شخص.

و لا يبعد اعتبار الحاجة بهذا المعنى، إذ الزكاة شرّعت لسدّ الخلات و الحاجات

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 135

..........

______________________________

و مع عدم الحاجة يكون الصرف تبذيرا و تضييعا للأموال العامة.

فالملاك إحساس حاجة المصرف إليها؛ إن كان شخصا فحاجة الشخص، و إن كان مصلحة عامة فحاجة المصلحة العامة، و المصالح مختلفة جدا، و التشخيص محوّل غالبا إلى قيم المجتمع. و ربما يكون استيجار الشخص للجهاد مثلا أو تشويقه بإعطاء جائزة من بيت المال مصلحة للإسلام و المسلمين، فيجوز ذلك و يصدق الحاجة حينئذ و إن كان الشخص بنفسه غنيا غير محتاج. و لا يخفى أن الإنفاق إفعال من النفق بمعنى النفاد

و الخلّة، و من معاني الباب الإزالة فيكون جميع الإنفاقات الواجبة و المندوبة لإزالة الخلّات و رفع الحاجات الشخصية و الاجتماعية.

قال في مصباح الفقيه: «لا يخفى عليك أن صرف الزكاة في معونة الزوار و الحجيج و الغزاة يتصور على أنحاء:

أحدها: أن يكون ما يصرفه إليهم بمنزلة الأجرة على عملهم، كما لو لم يكن لمن يباشر العمل بنفسه داع إلى فعل الحج و الجهاد و نحوه، و لكن رأى المتولي للصرف المصلحة في إيجاد هذه الأفعال من باب تشييد الدين أو تعظيم الشعائر أو غير ذلك من المصالح، فبعثهم على الفعل بجعل الأجرة لهم أو بذل النفقة عليهم من الصدقات على أن يعملوا هذا العمل.

الثاني: أن يصرفه في من يريد بنفسه الحج و الجهاد، فيعينه ببذل الزاد و الراحلة و السلاح و نحوها.

الثالث: ما يصرفه في التسبيلات العامة من مثل المضايف و السقايات الواقعة في الطرق التي يأكل و يشرب منها عامة المستطرقين.

أما القسم الأول و الثالث فلا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط الفقر و

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 136

..........

______________________________

الحاجة فيمن يتناوله، فإن مصرف الزكاة في هذين القسمين في الحقيقة هي نفس تلك المصالح التي صرف الزكاة فيها، لا خصوص الأشخاص الذين وصل إليهم شي ء منها.

و أما القسم الثاني الذي هو في الحقيقة صرف إلى من يعمل الخيرات لا في نفس عمل الخير، و إن كان هذا الصرف أيضا باعتبار كونه إعانة على البرّ و التقوى يعدّ من السبيل، فهذا هو الذي وقع فيه الإشكال على تقدير عدم كون المصروف إليه محتاجا إلى تناوله. و الاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه بل لا يبعد الالتزام بشمول «لا تحلّ الصدقة لغني» لمثله، و اللّه العالم.»

«1»

و في زكاة الشيخ الأعظم- قدّس سرّه- ما محصّله: «أن اعتبار الاحتياج هنا إنما هو فيما إذا قصد بالدفع إعانة الفاعل كالحاج و الزائر.

و أما إذا قصد حصول ذلك الفعل في الخارج بأن يشترك بماله مع الفاعل ببدنه فالظاهر عدم اعتبار الاحتياج هنا، لأن الإنفاق على ذلك الفعل بمنزلة الإنفاق على بناء المساجد و الربط، فصرف المال في مئونة الزائر ليحصل الزيارة التي هي من سبل الخير كصرف المال في آلات بناء المسجد، فهو مأجور بعمله و هذا بماله.

و لا ينافي هذا ما دلّ على حرمة الصدقة على الأغنياء، لأن المزكّي لم يصرف المال إلّا في تحصيل جهة خاصة و ليس تصدقا على الغني و لذا لو فضل عن مئونة العمل ردّه على المزكّي و صرفه في مصارف أخر.

و الحاصل أن المصروف فيه الزكاة قد يجعل نفس إعانة الغني، و قد يجعل نفس الفعل، و الذي اعتبرنا فيه الحاجة هو الأول لا الثاني. و كذلك حكمهم بأنه

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 102.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 137

..........

______________________________

يعطى الغازي و إن كان غنيا إنما ينافي ما دلّ على عدم حلّية الصدقة للغني إذا كان الدفع لمعونة الغازي، و أما إذا كان لحصول دفع العدوّ الحاصل من مال المزكي و بدن الغازي فليس فيه منافاة للأدلة.» «1»

أقول: و لعل ما ذكرناه من اعتبار الحاجة مطلقا- غاية الأمر أن الحاجة قد تعتبر بلحاظ الشخص و قد تعتبر بلحاظ الجهات و المصالح- أولى و أنسب، بل يمكن ملاحظة هذا المعنى في جميع مصارف الأموال العامة و جميع الأصناف، فلاحظ و تدبر.

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 505 (- طبعة أخرى/ 444).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 138

8- ابن السبيل

اشارة

الثامن: ابن السبيل، و هو

المسافر الّذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته، بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنيّا في وطنه (1).

[في معنى ابن السبيل]

______________________________

(1) أقول: ابن السبيل يقال للمسافر الملازم للسبيل المنقطع عن كل شي ء إلا عنه. و يسمي العرب الملازم للشي ء ابنا له، كما قال الشاعر:

«أنا ابن الحرب ربّتني وليدا إلى أن شبت و اكتهلت لداتي.» «1»

و قد جعل اللّه له في القرآن سهما في كل من الزكاة و الخمس و الفي ء.

1- قال في المقنعة: «و ابن السبيل، و هم المنقطع بهم في الأسفار. و قد جاءت رواية أنهم الأضياف، يراد به من أضيف لحاجة إلى ذلك و إن كان له في موضع آخر غنى و يسار، و ذلك راجع إلى ما قدمناه.» «2»

2- و في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 23): «و ابن السبيل المجتاز يعطى مع الغنى في بلده بلا خلاف، دليلنا إجماع الفرقة و عموم الآية ...» «3»

3- و في النهاية: «و ابن السبيل، و هو المنقطع به. و قيل: إنه الضيف الذي

______________________________

(1)- نقله في مجمع البيان 3/ 42 (الجزء 5).

(2)- المقنعة/ 39.

(3)- الخلاف 2/ 352.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 139

..........

______________________________

ينزل بالإنسان و يكون محتاجا في الحال و إن كان له يسار في بلده و موطنه.» «1»

4- و في الغنية: «و أما ابن السبيل فهو المنقطع به و إن كان في بلده غنيا.

و روي أيضا أنه الضيف الذي ينزل بالإنسان و إن كان في بلده غنيا أيضا.» «2»

5- و في الشرائع: «و ابن السبيل، و هو المنقطع به و لو كان غنيا في بلده، و كذا الضيف.» «3»

أقول: رواية الضيف لم تصل إلينا إلّا بنقل المفيد مرسلا و إفتاء الأصحاب

به في المقام. و توهم انحصار ابن السبيل فيه كتوهم عدم اشتراط الغربة و الحاجة فيه لإطلاق الرواية مدفوع بعدم ثبوت الرواية عندنا. و لو سلّم يقرب احتمال كون ذكره من باب ذكر أظهر المصاديق. و إفتاء الأصحاب به كان من قبيل ذكر الخاص بعد العام و هو الظاهر من عبارة المقنعة.

و في المبسوط: «و قد روي أن الضيف داخل فيه.» «4»

و في الوسيلة: «و قال بعض أصحابنا: الضيف إذا كان فقيرا داخل فيه.» «5»

و العمدة إطلاق ابن السبيل في الآية و الروايات.

و ابن السبيل و إن صحّ إطلاقه على كل مسافر إلّا أن الظاهر منه من انقطع عن كل شي ء إلّا السبيل، فانقطع عن وطنه و ماله و إمكاناته، بحيث لا يقدر على إدامة سفره و يقال له بالفارسية: «وامانده»:

1- ففي مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع»، قال: «و ابن السبيل أبناء

______________________________

(1)- النهاية/ 184.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(3)- الشرائع 1/ 162 (- طبعة أخرى/ 123).

(4)- المبسوط 1/ 252.

(5)- الوسيلة/ 128.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 140

..........

______________________________

الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه، فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» «1»

2- و في المستدرك عن تفسير الإمام: «و ابن السبيل: المجتاز المنقطع به لا نفقة معه.» «2»

3- و في الجعفريات بسنده عن أمير المؤمنين «ع»، قال: «و نصيب في بني السبيل، و هو الضعيف المنقطع به.» «3»

أقول: و رواه عنه في المستدرك «4» و يحتمل ضعيفا كون كلمة الضعيف فيه مصحف الضيف.

4- و في الدعائم، عن جعفر بن محمد «ع»: «و ابن السبيل: الرجل يكون في السفر فيقطع به نفقته أو تسقط

أو يقع عليه اللصوص.» «5» و رواه عنه في المستدرك. «6»

أقول: و الظاهر هنا من السفر السفر العرفي الملازم للتغرب عن الأهل و المال لا خصوص السفر الشرعي الموجب للقصر، فلا يقدح عدم قصد المسافة و لا إقامة العشرة و لا التردد ثلاثين يوما و نحو ذلك مما يمنع القصر، إذ الملاك هنا ملازمته للسبيل و انقطاعه عن وطنه و ماله، فتدبر. هذا.

و لكن يظهر من المبسوط و التذكرة دوران الحكم في المقام مدار السفر الشرعي و القصر:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(3)- الجعفريات (المطبوع مع قرب الإسناد)/ 54، كتاب الزكاة، باب من يستوجب أخذ الزكاة.

(4)- المستدرك 1/ 523، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- دعائم الإسلام 1/ 261، كتاب الزكاة، ذكر دفع الصدقات.

(6)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 141

[يشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه]

بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك (1).

______________________________

قال في المبسوط: «و أما المجتاز بغير بلده فإن كان يقصد الرجوع إلى بلده أعطي ما يبلغه إليه، و إن كان يقصد الذهاب إلى موضع و الرجوع منه إلى بلده أعطي ما يكفيه لذهابه و رجوعه، فإن دخل بلدا في طريقه فإن أقام به يوما أو يومين إلى عشرة اعطي نفقته، و إن أقام أكثر من ذلك لم يعط لأنه يخرج من حكم المسافرين.» «1»

و في التذكرة: «يعطى ابن السبيل ما يبلغه من البلد الذي يريده لمضيّه و عوده على ما بيناه، فإن أراد أن يقيم في البلد الذي قصده دون عشرة أيام

أخذ نفقة ذلك لأنه في حكم المسافر، و أن نوى إقامة عشرة لم يأخذ فيها من سهم ابن السبيل لأنه مقيم. و الشافعي شرط إقامة ثلاثة لا أزيد.» «2»

أقول: الملاك هنا صدق ابن السبيل الملازم للتغرب عن الوطن و المال لا صدق السفر الشرعي و القصر. و ليس في الأدلة ما يقتضي الحكومة على إطلاق ابن السبيل بنحو يتعين حمله على خصوص ما يوجب القصر.

(1) أقول: هل يعتبر في ابن السبيل عجزه عن الاستدانة و كذا التصرف في ماله الغائب بالبيع و نحوه كما في الجواهر «3» لعدم صدق الانقطاع إلا بذلك، أو يعتبر العجز عن البيع و نحوه و لا يشترط العجز عن الاستدانة عملا بالعموم كما في المدارك «4»، أو لا يعتبر شي ء منهما كما يظهر من المسالك «5» ناسبا له إلى المعتبر أيضا- و إن كان في صحة النسبة كلام- عملا بإطلاق النص؟ في المسألة وجوه.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 257.

(2)- التذكرة 1/ 246.

(3)- الجواهر 15/ 373.

(4)- المدارك/ 318.

(5)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 142

..........

______________________________

و الأظهر هو الوجه الأول، لأن الانقطاع المذكور في الروايات كناية عن عجزه عن إدامة السير و السفر، و مع التمكن من بيع ماله الغائب أو الاستدانة بسهولة لا يصدق العجز عنها.

و الإطلاق في الأخبار محمول على الغالب في تلك الاعصار، إذ كان بيع الغائب أو الاستدانة غير مقدور عليه غالبا، لعدم معرفة أهل البلاد بالنسبة إلى الغرباء غالبا.

بل يمكن أن يقال: إن عنوان ابن السبيل أيضا لا يصدق على من قدر على البيع أو الاستدانة بسهولة، إذ الظاهر من هذا التعبير كما عرفت انقطاعه عن كل شي ء إلّا عن السبيل. هذا مضافا إلى أن قوله «ص»:

«لا تحل الصدقه لغني» أيضا يقتضي عدم جواز الإعطاء لمن تمكن من أحدهما، إذ مفاده كما عرفت من الشيخ الأعظم هو حرمة الزكاة على من هو غني عنها في المصرف الذي يعطى لأجله، و مع التمكن من أحد الأمرين بسهولة يصدق الغنى عنها قطعا.

و فسّره في صحيحة زرارة بقوله: «لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «1»

و لعل عدم تعرض أكثر الأصحاب لاعتبار العجز عنهما أيضا كان لوضوحه لا لعدم اعتباره عندهم.

نعم ينبغي تقييد كل من البيع و الاستدانة بكونه سهلا ميسورا مناسبا لشأنه، إذ مع الحرج أو الإجحاف و الضرر لا يصدق التمكن عرفا.

قال في مصباح الفقيه: «و الذي ينبغي أن يقال: إنه إن كانت الاستدانة أو التصرف في أمواله بالبيع و نحوه أمرا ميسورا له كأغلب التجار المعروفين في البلاد النائية فمثل هذا الشخص لا يعدّ من أرباب الحاجة إلى الصدقة، بل و لا ابن سبيل

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 143

[يشرط أن لا يكون سفره في معصية]

و بشرط أن لا يكون سفره في معصية (1).

______________________________

في العرف و بحكمه القويّ السويّ المتمكن من الاكتساب في الطريق بما يناسب حاله و شأنه.

و أما لو كانت الاستدانة أو البيع و نحوه أمرا حرجيا بحيث لا يتحمله إلّا عن إلجاء و اضطرار فلا يكون القدرة عليهما مانعة عن الاستحقاق، إذ لا يؤثر مثل هذه القدرة في خروجه عن حدّ الفقر عرفا.» «1»

(1) 1- قال في المبسوط: «و السفر على أربعة أضرب: واجب و ندب و مباح و معصية: فالواجب كالحج و العمرة الواجبتين، و الندب كالحج المتطوّع و العمرة كذلك و الزيارات و

غير ذلك من برّ الوالدين و صلة الأرحام، فهذين السفرين يستحق الصدقة بلا خلاف. و المباح يجري هذا المجرى على السواء، و في الناس من منع ذلك.

و أما السفر إذا كان معصية لقطع طريق أو قتل مؤمن أو سعاية و ما أشبه ذلك فانه لا يستباح به الصدقة و لا يستحقها بلا خلاف.» «2»

أقول: ظاهر التمثيل بهذه الأمثلة كظاهر المصنف أيضا أن المراد بسفر المعصية ما كانت الغاية فيه معصية. و لعل إطلاق بعض العبارات يشمل ما كان السفر بنفسه معصية أيضا، كسفر الزوجة بدون إذن الزوج و سفر الولد مع نهي الوالد و نحو ذلك، و هو المطابق للاحتياط بل لا يخلو عن قوة.

2- و في الشرائع بعد ذكر ابن السبيل و الضيف قال: «و لا بد أن يكون سفرهما مباحا، فلو كان معصية لم يعط.» «3»

3- و ذيّله في المدارك بقوله: «لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدفع إلى

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 103.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 144

..........

______________________________

المسافر من سهم ابن السبيل إذا كان معصية، لما في ذلك من الإعانة له على الإثم و العدوان.» «1»

4- و في المغني لابن قدامة: «لكن يشترط كون السفر مباحا إما قربة كالحج و الجهاد و زيارة الوالدين، أو مباحا كطلب المعاش و التجارات. فأما المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لأنه إعانة عليها و تسبّب إليها، فهو كفعلها.» «2»

و بالجملة فالظاهر أن المسألة متفق عليها بين علماء الفريقين إجمالا، و لذا لم يتعرض لها الشيخ في الخلاف الذي وضعه لطرح المسائل الخلافية بين الفريقين.

و يدل عليه مضافا إلى ذلك مرسل علي بن إبراهيم، عن

العالم «ع»، قال:

«وَ ابْنِ السَّبِيلِ أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم. الحديث.» «3»

قال في مصباح الفقيه: «و المراد يكون السفر في طاعة اللّه على الظاهر ما يقابل سفر المعصية، فيعم المباح أيضا، نظير ما ورد في تفسير الغارمين من أن يكون دينهم في طاعة اللّه.» «4»

أقول: و يشهد لذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب عليه إلّا ما حكي عن ابن الجنيد، و أن الطاعة تستعمل كثيرا في قبال المعصية و يراد بها ما لم يكن معصية- أن الزكاة شرّعت لسد خلات المسلمين، و الأسفار المباحة المشروعة كثيرة جدا بل أكثر، و يوجد فيها أيضا ابن السبيل، فهل يحتمل إهمال الشارع لهم

______________________________

(1)- المدارك/ 318.

(2)- المغني 7/ 328.

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- مصباح الفقيه/ 103.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

و حرمانهم من الصدقات؟

و في الجواهر: «بل الرواية المزبورة دالّة على اعتبار كون السفر طاعة، كالمحكي عن ابن الجنيد، إلا أنها لقصور سندها و عدم مقاومتها لإطلاق الكتاب المعتضد بفتاوي الأصحاب ينبغي حمل الطاعة فيها على ما لا معصية فيه، و إليه أومأ في المختلف.» «1»

أقول: قصور سند الحديث و عدم مقاومته لإطلاق الكتاب لا يوجب التصرف في ظاهره لو فرض له ظاهر.

فالحق ما ذكرناه من أن الظاهر من الطاعة في أمثال المقام بمناسبة الحكم و الموضوع هو عدم المعصية. و لعل ابن الجنيد أيضا أفتى بالخبر و عبّر بمتنه و لكنه أراد بالطاعة ما ذكرناه و فهمه المشهور.

نعم لو شك في أن المستثنى خصوص سفر المعصية أو الأعم كان إطلاق الآية محكما إلّا فيما ثبت خلافه أعني خصوص سفر المعصية، فتدبر. هذا.

و أما الاستدلال

لاستثناء سفر المعصية بكونه إعانة على الإثم، فيرد عليه عدم جريان ذلك في الإياب، اللّهم إلّا أن يقال بأن فيه تقوية للعاصي المتهتك و تقريرا له على فسقه، و هو مناف لشرع الزكاة. نعم لو تاب أمكن القول بجواز الدفع إليه لتغير العنوان و لا سيّما في حال الإياب.

قال في مصباح الفقيه: «فلو استقل رجوعه بالملاحظة عرفا كما لو ارتدع عن قصده في أثناء الطريق فرجع أو ندم على عمله و تاب جاز الدفع إليه حينئذ، لعدم كونه بالفعل متلبسا بسفر المعصية عرفا. و لا يشترط التلبس بالضرب، فلو تاب و رجع عن قصد المعصية إلى الطاعة جاز الدفع إليه و لو لم

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 376.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 146

[يدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله]

فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله (1) من الملبوس و المأكول و المركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره (2) أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة و البيع أو نحوهما.

______________________________

يضرب في الأرض بعد توبته، إذ المدار في صدق كونه ابن سبيل على كونه نائيا عن أهله و ماله محتاجا في الوصول إليهما إلى مئونة.» «1»

و قال ابن قدامه في المغني: «و من سافر لمعصية فأراد الرجوع إلى بلده لم يدفع إليه ما لم يتب، فإن تاب احتمل جواز الدفع إليه، لأن رجوعه ليس بمعصية فأشبه رجوع غيره، بل ربما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية و إقلاعا عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه و الفار من غريمه أو امرأته يريد الرجوع إليهما. و يحتمل أن لا يدفع إليه، لأن سبب ذلك المعصية فأشبه الغارم في المعصية.» «2»

(1) لظهور الآية في كون ابن السبيل

مصرفا لها ما دام كذلك، نظير الرقاب و الغارمين و سبيل اللّه، فيصرف فيه بمقدار يزول عنه عنوان ابن السبيل. و ليس مثل الفقراء في التمليك لهم و لو فوق حدّ الغنى على القول به فيه، و إن ناقشنا نحن في ذلك أيضا.

هذا مضافا إلى ما مرّ في مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع» من قوله:

«فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» «3»

إذ ظاهره أن المقدار المدفوع إليه هو ما يردّه إلى وطنه لا أزيد، بل ظاهره صرف هذا المقدار فيه لا دفعه إليه.

(2) إذ لا دليل على وجوب الفسخ عن العزيمة و ترك الوطر إذا فرض كونه

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 103.

(2)- المغني 7/ 329.

(3)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 147

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 147

[لو فضل ممّا أعطي شي ء]

و لو فضل ممّا أعطي شي ء- و لو بالتضييق على نفسه- أعاده على الأقوى، من غير فرق بين النقد و الدابّة و الثياب و نحوها (1).

______________________________

أمرا عقلائيا مشروعا، بل يدل على جواز الإعطاء له لإدامة السفر و قضاء الوطر بالمقدار المتعارف إطلاق الآية الشريفة و الأخبار التي مرّت، لانصرافها إلى المتعارف.

و ليس في مرسل علي بن إبراهيم دلالة على خلاف ذلك و إن توهم بدوا.

نعم لو فرض أن المسافر عزم على طيّ مسافة بعيدة و تحصيل غايات كثيرة يحتاج فيها إلى مال كثير خارج عن المتعارف ففي مثله لا يعطى أزيد مما يرده إلى وطنه، لانصراف الآية و الأخبار إلى المتعارف كما عرفت.

(1) لو فضل

شي ء مما أعطي فهل يعاد مطلقا كما نسبه في الجواهر إلى الأكثر بل المشهور، أو لا يعاد مطلقا كما في الخلاف، أو يفصّل بين ما ينتفع به مع بقاء عينه كالدابة و الثياب و الآلات و بين غيره كالنقود و الأطعمة و نحوها فيعاد في القسم الثاني دون الأول كما نسب إلى بعض؟ وجوه بل أقوال:

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 18): «و كذلك القول في الغارم و في سبيل اللّه و ابن السبيل لا يسترجع منهم ما يفضل من نفقتهم إذا ضيّقوا على أنفسهم أو لم ينفقوه فيما لأجله استحقوه.

و قال الشافعي: يسترجع منهم كلهم إلّا الغازي فإنه يأخذ أجرة عمله فلا يسترجع منه ما يفضل من نفقته. و إن بدا له من الغزو استرجع منه بلا خلاف.

دليلنا أنه أخذه باستحقاقه، و إيجاب استرجاعه يحتاج إلى دليل، و ليس في الشرع ما يدلّ عليه.» «1»

2- و لكن في المبسوط: «و إن دفع إليه قدر كفايته فضيّق على نفسه حتى فضل له فضل و وصل إلى بلده استرجع منه لأنه غنيّ في بلده. و الغازي إذا ضيّق على نفسه و فضل معه فضل إذا فرغ من غزوه لا يسترجع منه لأنه يعطى

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 148

..........

______________________________

مع الغنى و الفقر.» «1»

3- و في الشرائع: «و يدفع إليه قدر الكفاية إلى بلده، و لو فضل منه شي ء أعاده. و قيل: لا.» «2»

4- و في المغني: «و إن فضل معه شي ء بعد رجوعه إلى بلده ردّه، لأنه أخذه للحاجة و قد حصل الغنى بدونه فأشبه ما لو أخذه لغزو فلم يغز. و إن كان فقيرا أو اتصل بسفره

الفقر أخذ الفضل لفقره ...» «3»

أقول: نظر الشيخ- قدّس سرّه- في الخلاف إلى أن المدفوع إليه يصير ملكا له، فلا وجه لاسترجاعه منه، إذ وزان ما يفضل منه بعد الوصول إلى وطنه وزان ما يدفع إلى الفقير حين فقره ثم يعرض له الغنى، و السبب للتمليك لا يوجب تقيّد الملكية الحاصلة به.

و يمكن المناقشة في ذلك بأن ابن السبيل في الآية مدخول للفظة: «في» تقديرا، فهو مصرف محض، و لا دليل على حصول الملكية، و الحكم تابع لموضوعه، فلا يستحق هو إلّا مقدارا يخرجه عن كونه ابن السبيل، و لا دليل على جواز التمليك، و لو سلّم فلعل الملكية مشروطة أو مقيدة، أعني ملكية الصرف في هذا العنوان الخاص، فإذا خرج عن كونه كذلك انكشف عدم ملكيته لما فضل.

و بالجملة فالمتيقن من التشريع هو الصرف فيه ما دام كذلك أو التمليك المشروط أو المقيد أو المتزلزل القابل للفسخ كما قيل. و المالك أيضا امتثل ما أمر به الشرع و شرّعه، فوجب استرجاع الفاضل ليصرف في مصارفه المقررة الشرعية.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 253.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- المغني 7/ 328.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 149

..........

______________________________

و إن شئت قلت: لو فرض كونه غنيا في بلده فإعطاؤها له إنما كان لحاجته الفعلية العارضة في السبيل، فلم تحلّ له إلّا بهذا المقدار، فإن الصدقة لا تحل لغني.

و لو فرض كونه فقيرا في بلده فالمفروض أن إعطاءه كان بعنوان ابن السبيل لا بعنوان الفقير فلا تحلّ له بعد زوال العنوان إلّا أن يجدّد التمليك له. نعم لو فرض ملاحظة كلا العنوانين حين الإعطاء لم يجز الاسترجاع.

و في المسالك في ذيل عبارة الشرائع قال: «و لا فرق في

ذلك بين النقدين و المتاع و الدابة.» «1»

و في الجواهر بعد نقل ما في المسالك قال: «و كأنّه أشار إلى ما عن نهاية الفاضل من أنه لا يستردّ منه الدابة، لأنه ملكها بالإعطاء. بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب و الآلات بها، و لعلّ ذلك لأن المزكّي يملك المستحق عين ما دفعه إليه، و المنافع تابعة، و الواجب على المستحق ردّ ما زاد من العين على الحاجة، و لا زيادة في هذه الأشياء إلا في المنافع، و لا أثر لها مع ملكية تمام العين، اللّهم إلا أن يلتزم انفساخ ملكه عن العين بمجرد الاستغناء لأن ملكه متزلزل فهو كالزيادة التي تجدد الاستغناء عنها.» «2»

أقول: ما حكاه عن نهاية العلامة لم أجده في باب ابن السبيل منه و إنما الموجود فيه في المقام هو قوله: «و لو دفع إليه شي ء ففضل عن حاجته أعاده.» «3»

و أما ما ذكره في مقام التوجيه لما حكاه فإنما يصحّ لو فرض تمليك الدابة و نحوها ملكية مطلقة. و يمكن منع صحة ذلك، إذ جعل ابن السبيل في الآية مصرفا.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 61.

(2)- الجواهر 15/ 377.

(3)- نهاية الإحكام 2/ 395.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 150

فيدفعه إلى الحاكم و يعلمه بأنه من الزكاة (1).

[لو كان في وطنه و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه]

و أماّ لو كان في

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال: إن للصرف أنحاء و منها التمليك فيتمسك لصحته بإطلاق الآية.

أو يقال: بأن المتعارف في أبناء السبيل كثيرا ما كان هو التمليك المطلق و إعراض المعطي عن المال بالكلية في مثل الثوب و النقود و الأطعمة و نحوها و لم يعهد في عصر من الأعصار تعقيب أبناء السبيل و الاسترجاع و الإرجاع منهم، فيصير إطلاق الآية و الرواية منصرفا إلى

ما تعارف. و لعل الأمر في مثل الدوابّ القيّمة الثمينة كان بالعكس، نظير السيارات في أعصارنا. فلو سلّم التفصيل كان الأولى عكس ما حكاه في الجواهر عن النهاية.

و بالجملة فاللازم على ابن السبيل السؤال ممن أعطاه المال من المزكيّ أو المتصدي لبيت المال و أنه هل ملّكه ملكية مطلقة أو مقيدة أو أباح له التصرف موقتا، و لو لم يتيسّر ذلك يرجع إلى المتعارف في مثل هذا المال.

و الأقوى في المسألة هو الإرجاع في ما تعارف الإرجاع في مثله، و إلّا فعلى الأحوط، إلّا إذا كان فقيرا في الوطن و أعطي بلحاظ كلا العنوانين، فتدبر.

(1) هل الواجب دفعه إلى الحاكم مطلقا، أو الى المالك، أو إليه إن أمكن و إلّا فإلى الحاكم فإن تعذرا صرفه بنفسه إلى المستحق مطلقا أو إلى خصوص أبناء السبيل؟ في المسألة وجوه:

قال في الروضة: «و يجب ردّ الموجود منه و إن كان مأكولا على مالكه أو وكيله، فإن تعذر فإلى الحاكم، فإن تعذر صرفه بنفسه إلى مستحق الزكاة.» «1»

أقول: و يوجه الأول بأن المدفوع تعيّن كونه زكاة إما بالعزل أو بالدفع، و اختيار بيت المال بيد الحاكم.

______________________________

(1)- الروضة 2/ 50.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 151

وطنه و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل (1).

______________________________

و يوجّه الثاني بمنع خروج الفاضل عن ملك المالك. و لو سلّم فيمكن كونه مثل الدخول في ملك القابض متزلزلا. و لو سلّم فاختيار تعيين المصرف بيد المالك و لو مع تعينه زكاة و له الولاية على ذلك كما هو المستفاد من أدلّة إيتاء الزكاة و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. «1» نعم لو أحرز إعراضه عن حقّه

هذا جاز إعطاؤه للحاكم.

و يوجّه الثالث بأنه إذا تعذر الدفع إلى المالك فلا محالة يرجع إلى الحاكم حفظا لحق المستحقين. و بذلك أيضا يوجّه إعطاؤه بنفسه إن تعذر الدفع إليهما، و لكن لا يتأتى هذا الوجه إن قيل بالرجوع إلى ملك المالك، لصيرورته ملكا شخصيا له.

و الأقوى أن المال يتعين زكاة بالعزل كما مرّ في محلّه «2»، فلا يرجع إلى ملك المالك، و حينئذ فإن أحرز إعراضه عن حقه في تعيين المصرف دفع إلى الحاكم و إلّا فالأقوى دفعه إليه، فإن تعذر فإلى الحاكم و إلّا صرفه بنفسه حسبة، و الأحوط صرفه في ابن السبيل لكونه أقرب بنظر المالك و إذنه. هذا كله إن كان الدافع هو المالك.

و أما إذا كان الدافع هو الإمام و الحاكم فلا وجه للعود إلى المالك، فتدبر.

(1) لا يخفى أن الظاهر من ابن السبيل من كان متلبسا بالسفر فعلا و انقطع عن ماله و أهله، فلا يشمل من أراد إنشاء سفر محتاج إليه و لم يجد مئونة سفره و إن جاز الدفع إليه من سهم الفقراء أو سبيل اللّه مع انطباقهما عليه. و لكن المسألة مختلف فيها بين فقهاء السنة و سرت إلى فقهنا أيضا، فلنتعرض لها اجمالا:

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- راجع ج 2 ص 173 و ما بعدها من الكتاب، المسألة 34 من فصل زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 152

..........

______________________________

1- ففي الخلاف (المسألة 22 من كتاب قسمة الصدقات): «ابن السبيل هو المجتاز، دون المنشئ لسفره من بلده. و به قال مالك. و قال أبو حنيفة و الشافعي:

يدخلان جميعا فيه. دليلنا أن من اعتبرناه مجمع على دخوله فيه، و

ليس على ما قالوه دليل.» «1»

2- و في المبسوط: «و أما ابن السبيل فعلى ضربين: أحدهما: المنشئ للسفر من بلده. الثاني: المجتاز بغير بلده، و كلاهما يستحق الصدقة عند أبي حنيفة و الشافعي، و لا يستحقها إلا المجتاز عند مالك، و هو الأصحّ لأنهم «ع» فسّروه فقالوا:

هو المنقطع به و إن كان في بلده ذا يسار، فدلّ على أنه المجتاز.» «2»

3- و في المغني لابن قدامة: «و ابن السبيل هو المسافر ليس له ما يرجع به إلى بلده و له اليسار في بلده فيعطى ما يرجع به، و هذا قول قتادة، و نحوه قال مالك و أصحاب الرأي.

و قال الشافعي: هو المجتاز و من يريد إنشاء السفر إلى بلد أيضا، فيدفع إليهما ما يحتاجان إليه لذهابهما و عودهما لأنه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز.

و لنا أن ابن السبيل هو الملازم للطريق الكائن فيها، كما يقال: ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه، و القاطن في بلده ليس في طريق و لا يثبت له حكم الكائن فيها ...» «3»

أقول: صدق ابن السبيل لا يتوقف على اليسار في البلد بل يكون أعم. و الظاهر أن المراد بأصحاب الرأي أبو حنيفة و أصحابه، فما حكاه عنهم يخالف ما حكاه الشيخ عن أبي حنيفة. هذا.

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 352.

(2)- المبسوط 1/ 252.

(3)- المغني 7/ 328.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 153

..........

______________________________

4- و لكن في المختلف: «و قال ابن الجنيد: و سهم ابن السبيل فإلى المسافرين في طاعات اللّه و المريدين لذلك و ليس في أيديهم ما يكفيهم لسفرهم و رجوعهم إلى منازلهم إذا كان قصدهم في سفرهم قضاء فرض أو قياما بسنّة.» «1»

5- و في الدروس: «و ابن السبيل و

هو المنقطع به في غير بلده و إن كان غنيا في بلده فيأخذ ما يبلغه بلده، و لو فضل أعاده. و قيل: منشئ السفر كذلك، و هو حسن.» «2»

6- و في الروضة: «و منشئ السفر مع حاجته إليه و لا يقدر على مال يبلغه ابن سبيل على الأقوى.» «3» و نسبه في الجواهر «4» إلى اللمعة، و لعل العبارة في نسخته كانت مع الخط فوقها.

7- و في أمّ الشافعي: «و ابن السبيل من جيران الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون عن بلوغ سفرهم إلّا بمعونة على سفرهم.» «5»

و كيف كان فالظاهر كما مرّ عدم صدق ابن السبيل على غير المسافر فعلا، و إطلاقه على من يريده بلحاظ ما يؤول على فرض صحّته إطلاق مجازيّ لا يحمل اللفظ عليه إلّا بقرينة.

و قد مرّ في مرسل علي بن إبراهيم، عن العالم «ع» قوله: «و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم.» «6»

______________________________

(1)- المختلف/ 182.

(2)- الدروس/ 62.

(3)- الروضة 2/ 50.

(4)- الجواهر 15/ 373.

(5)- الأمّ. 2/ 26.

(6)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 154

نعم لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم و إن لم يتجدّد نفاد نفقته بل كان أصل ماله قاصرا (1)، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل.

نعم لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء.

______________________________

و في مصباح الفقيه بعد تضعيف هذا القول قال ما ملخّصه: «و قياس مريد السفر من وطنه على مريد الخروج من موضع الإقامة مع انقطاع سفره بإقامة العشرة قياس مع الفارق،

فإن كون الإقامة أو البقاء ثلاثين يوما مترددا قاطعة للسفر شرعا لا يوجب صيرورة محل الإقامة وطنه حقيقة حتى يخرج بذلك المسافر عن موضوع ابن السبيل، خصوصا إذا كان توفقه في ذلك المكان مسببا عن نفاد زاده و راحلته و عدم تمكنه من المسافرة عنه، فإن هذا يؤكّد كونه ابن السبيل عرفا.» «1»

(1) في الجواهر بعد دعوى فساد ما حكي عن ابن الجنيد و الشهيد في المقام قال: «نعم لا بأس بالدفع إليه من سهم سبيل اللّه، كما أنه لا بأس بالدفع إليه بعد تلبّسه بالسفر على وجه يصدق عليه أنه ابن سبيل، إذ لا نعتبر فيه حدوث انقطاع الطريق به بتجدد ذهاب ماله، بل يكفي فيه انقطاع الطريق به و لو لقصور أصل ماله، و لعل ذا هو الذي دعا الشهيد إلى عدّه ابن سبيل، لأنه بمجرد تلبسه بالسفر و خروجه إلى محل الرخصة يصدق عليه ذلك فلا فائدة في اعتبار حصول ذلك منه، لكنه بعد تسليم الصدق عليه بذلك لا بدّ من تحققه في جواز التناول و التصرف لتوقف صدق الموضوع عليه، و الأول إليه غير كاف قطعا.» «2»

أقول: الظاهر من الآية الشريفة و الأخبار و الفتاوى الواردة في ابن السبيل إرادة من خرج من بيته مسافرا لغاية عقلائية و هيأ لنفسه وسائل السفر و حاجاته

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 103.

(2)- الجواهر 15/ 373.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 155

[إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف]

[المسألة 30]: إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف (1)، بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.

______________________________

حسب المتعارف عند العقلاء ثم انكشف في أثناء السفر عدم

كفايتها أو اتفق تلفها أو سرقتها أو نحو ذلك من الأمور الطارية.

و أما من كان ملتفتا من أول الأمر إلى نقص ماله و عدم كفايته و سافر اعتمادا على إنفاقات الناس و ما شرّعه اللّه- تعالى- من الزكاة لأبناء السبيل فشمول الآية و الروايات له لا يخلو من إشكال، إذ لا يصدق على مثله قوله: «فيقطع عليهم و يذهب مالهم» و قوله: «المجتاز المنقطع به» و نحو ذلك مما مرّ في الأخبار.

و لم يشرّع هذا الحكم لترغيب الناس في الأسفار بلا تهيئة لمقدماته و حاجاته.

و أما ما ذكره في الجواهر من الدفع من سهم سبيل اللّه فهو مبني على ما مرّ منه من التعميم لكل قربة و لو كانت شخصية، و قد مرّ البحث في ذلك.

نعم بعد اتفاق ذلك للشخص و فقره في السفر يمكن القول بالدفع إليه من سهم الفقراء بناء على كون الملاك الفقر بحسب حاله الفعلي، نظير من كان له أموال كثيرة و لكنها خارجة عن تحت اختياره و تصرّفه مطلقا، فإن الفقير يصدق عليه حينئذ.

و يمكن أن يقال بجواز إعطائه من سهم ابن السبيل بمقدار عوده إلى الوطن فقط دون قضاء وطره، فتدبّر.

(1) أقول: المسألة مبتنية على عدم وجوب البسط على الأصناف الثمانية، كما هو الحقّ و سيأتي البحث فيه.

فالمهم إعطاء الزكاة للمستحق بقصد القربة، و لا دليل على اعتبار تعيين جهة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 156

..........

______________________________

الاستحقاق بعد العلم بأصله.

و يمكن التمسك لذلك أولا بإطلاق بعض الأدلّة كقوله «ص» مثلا في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم.» «1» فتأمّل.

و ثانيا بالإطلاق الحالي، إذ لو كان التعيين واجبا لوجب بيانه و لو بدليل مستقل. إذ في المسائل

المبتلى بها يجب بيان حدودها و شرائطها و قيودها و لو كانت من القيود المنتزعة من نفس الأمر كقصد الأمر و نحوه فكيف بما ليس كذلك.

و جعل الزكاة في لسان الدليل للأصناف الثمانية لا يلازم اعتبار قصد عناوينها في مقام الامتثال، و إن كان الغالب في مقام الامتثال قصدها قهرا مع العلم بها.

و ثالثا بأصالة البراءة في كل ما شك في جزئيته أو شرطيته أو مانعيته على فرض عدم وجود الإطلاق.

فإن قلت: لا مجال للتمسك بإطلاق اللفظ و لا بأصل البراءة في الشك في القيود المنتزعة من نفس الأمر المتأخرة عنه رتبة كقصد الأمر، و قصد الوجوب أو الندب، و قصد العنوان الواقع تحت الأمر و نحو ذلك. أما التمسك بالإطلاق اللفظي فلأن هذه القيود ليست من انقسامات الموضوع و حالاته بل من كيفيات الامتثال المتأخرة عن الأمر بمرتبة و عن الموضوع بمرتبتين، و إذا لم يمكن تقييد الموضوع بها لم يكن له إطلاق أيضا بالنسبة إليها.

و أما التمسك بالبراءة فلأن الشك هنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم، فيحكم العقل بوجوب الخروج عن عهدته.

قلت: ما ذكرت هو محصل ما اختاره صاحب الكفاية، و لكن نحن قد بينا

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 157

[إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا]

[المسألة 31]: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا لجهة راجحة أو مطلقا (1)

______________________________

في محله جواز التمسك بالإطلاق و كذا بالأصل و لو في هذه القيود، إذ يمكن أخذها في لسان الدليل في مقام الجعل و لا يتحقق محذور في مقام الامتثال أيضا، إذا الأمر كما يدعو إلى نفس المتعلق يدعو إلى أجزائه و مقدماته الوجودية

و العلمية أيضا و به يتحقق عباديتها أيضا.

ثم إن القول بعدم الإطلاق بالنسبة إلى ما لا يصح التقييد به أيضا مردود عندنا، اذ الإطلاق ليس بمعنى لحظ القيود بل بمعنى رفضها و كون الطبيعة بنفسها تمام الموضوع للحكم، فإذا امتنع تقييد الطبيعة بالنسبة إلى قيد وجب إطلاقها بالنسبة إليها. هذا.

و محل البحث في المسألة مبحث التعبدي و التوصلي من علم الأصول.

و بما ذكرنا يظهر الحال في الفرض الثاني الذي ذكره المصنف أعني فيما إذا علم استحقاقه من جهتين أو جهات.

و كما يجوز إعطاؤه حينئذ بلا تعيين جهة يجوز إعطاؤه تارة لجهة خاصة و أخرى لجهة أخرى مع بقاء الاستحقاق، فتدبر.

(1) بناء على كفاية الرجحان في أصل الطبيعة المنذورة و أنه لا دليل على اعتباره في الأوصاف و الخصوصيات الفردية أيضا، فلو نذر أن يتصدق على فقير معين وجب العمل به و لا يجوز العدول عنه إلى غيره و إن كان الغير أحوج و أفضل، و قد قالوا بذلك في باب الصلاة و الصوم و العتق و نحو ذلك أيضا: «فلو نذر أن يصلّي في مكان خاصّ أو وقت معيّن وجب العمل به و إن كان الغير أفضل، إذ المنذور ليس هو المكان أو الوقت حتى يرد أنه لا رجحان فيه، بل الصلاة فيهما و هي راجحة. و راجع في تفصيل المسائل كتاب النذر من الجواهر. «1»

هذا إن كان المنذور أصل إعطاء الزكاة بحيث كان النذر محرّكا إياه نحوه غاية

______________________________

(1)- راجع الجواهر 35/ 408 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 158

ينعقد نذره فإن سهى فأعطى فقيرا آخر أجزأ (1)، و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية. بل لو كان ملتفتا إلى

نذره و أعطى غيره متعمّدا أجزأ أيضا (2)، و إن كان آثما في مخالفة النذر و تجب عليه الكفّارة، و لا يجوز استرداده أيضا لأنّه قد ملك بالقبض.

______________________________

الأمر إضافتها إلى زيد فصار زيد متعلقا للنذر تبعا، و أما إن كان نذره متعلقا بتطبيق الفقير على زيد فالظاهر اعتبار الرجحان فيه لأنه المتعلق للنذر.

(1) قالوا لأن في نذر الفعل لا يثبت للمنذور له ملك و لا حقّ، بل المال بعد باق على ما كان، فإذا أعطاه لفرد آخر من المستحقين صار مالكا له بالقبض و سقط أمر الزكاة و ارتفع موضوع النذر. و حيث وقع ذلك سهوا فلا عصيان و لا كفارة.

اللّهم إلّا أن يقال: إن مفاد صيغة النذر جعل حقّ للّه- تعالى- فقبل النذر و إن كان المالك مختارا في إعطاء زكاته لأيّ فقير كان و لكنه بالنذر حدّد سلطنة نفسه و حصرها في الإعطاء لخصوص المنذور له و نفّذه الشارع بإيجاب الوفاء فصار الفعل حقا للّه- تعالى- و المال متعلقا لحقه فلا يقع ما أعطى لغيره زكاة.

و على هذا فالأحوط للفقير الأول إرجاع عين ما أخذ مع بقائها و قيمتها مع التلف و العلم بالحال، و للناذر إعطائها للمنذور له.

و لو لم يتمكن من الاسترجاع ضمنها بالمثل أو القيمة، نظير ما إذا أعطاها لشخص بظنّ أنه فقير فبان غنيا. و قد مرّ تفصيل المسألة في المسألة الثالثة عشرة من هذا الفصل، فراجع. «1»

(2) قيل: لبقاء الأمر الزكاتي بإطلاقه، و لا يوجب الأمر النذري تقييد متعلقه، بل هو متأخر عنه رتبة لأخذه في موضوعه، فلا ينافي العصيان و الحنث

______________________________

(1)- راجع ج 2 ص 386 و ما بعدها من الكتاب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 159

..........

______________________________

بالنسبة إليه حصول الامتثال بالنسبة إلى الأمر الزكاتي بعد بقائه على اطلاقه هذا.

و لكن يمكن أن يناقش كما في المستمسك «1».

أولا بأن الظاهر من صيغة النذر كما مرّ جعل حقّ للّه- تعالى- و قصر سلطنة نفسه، و قد نفّذه الشارع و أوجب الوفاء به، فليس له إيجاد متعلق الزكاة إلّا في المنذور و لا يقع ما يدفعه إلى غيره زكاة.

و ثانيا بأن إفراغ الذمة بغير المنذور يوجب ارتفاع موضوع النذر و سلب القدرة على امتثاله عمدا فيقع مبغوضا عليه، و المبغوض لا يصلح لأن يتقرب به فيبطل لذلك.

و لأجل ذلك أيضا اخترنا في محلّه بطلان الصلاة في الدار المغصوبة و إن قلنا بإطلاق كل من متعلقي الأمر و النهي في مرحلة التشريع و عدم تقيد أحدهما بالآخر في هذه المرحلة.

إذ بقاؤهما بإطلاقهما في مرحلة التشريع و في ناحية المولى لا ينافي البطلان بسبب الاتحاد في الوجود في مرحلة الامتثال و في ناحية العبد بسوء اختياره.

اللّهم إلّا أن يقال: لا نسلّم تقوّم العبادة بقصد القربة و صلوح الفعل للمقربية، بل يكفي فيها داعويّة أمر المولى و كون أمره محركا للعبد نحو العمل بحيث لولاه لم يصدر عنه، و هذا متحقق في المقام بعد بقاء المأمور به على إطلاقه و كون المأتى به مصداقا له، فتدبّر. هذا.

و مقتضى البطلان في المقام جواز استرجاع العين مع بقائها و قيمتها مع التلف و العلم بالحال، نعم لا ضمان على الآخذ إن جهل بالحال لكونه مغرورا، و على الناذر إعادة الزكاة و لا حنث و لا كفارة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 272.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 160

..........

______________________________

و يظهر من الجواهر «1» الاستدلال للبطلان و عدم الإجزاء في نظير المقام بما رواه

في الوسائل عن الكافي و التهذيب بسند صحيح عن علي بن مهزيار، قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى اللّه حاجته أن يتصدق بدراهم (في مسجده بألف درهم نذرا- التهذيب)، فقضى اللّه- عزّ و جلّ- حاجته فصيّر الدراهم ذهبا و وجّهها إليك، أ يجوز أو يعيد؟ فقال: يعيد. «2»

أقول: يمكن أن يفرق بين باب الزكاة و بين الصدقة المندوبة بما مرّ من بقاء الأمر الزكاتي بإطلاقه.

و أما في مورد الرواية أعني الصدقة المندوبة فحيث إن المفروض إيجاب الصدقة بالنذر لمورد خاص فلا محالة إذا صرفها في مورد آخر بقي الأمر النذري بحاله فوجب امتثاله، و الصدقة قابلة للتكرّر، فتدبّر. هذا.

و الأحوط في مسألتنا للآخذ إرجاع ما أخذ، و للناذر إعادة الزكاة، و كذا في الفرض السابق. و الأحوط في صورة العمد إعطاء الكفارة أيضا.

و نظير المقام ما لو نذر أن يأتي بصلاة معينة جماعة، فأتى بها فرادى، أو في المسجد مثلا فأتى بها في الدار، حيث إن المأتي بها و إن قصد بها القربة و لكنها بوجودها معجّزة عن العمل بالنذر فتقع مبغوضا عليها فتبطل لذلك، اذ يشترط في صحة العبادة مضافا إلى قصد القربة صلوح العمل أيضا لأن يتقرب به، كما مرّ. و إن شئت قلت: صحة الصلاة في المقام تستلزم حنث النذر، فتصير مبغوضا عليه لذلك فتبطل، و ما استلزم وجوده عدم نفسه محال فتكون الصحة محالا. و مقتضى ذلك بطلان الصلاة المأتي بها على

______________________________

(1)- الجواهر 35/ 420.

(2)- الوسائل 16/ 193، الباب 9 من كتاب النذر و العهد، الحديث 1 (- طبعة أخرى 16/ 232)؛ عن الكافي 7/ 456، و التهذيب 8/ 305.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

161

[إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه]

[المسألة 32]: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية (1)، و أمّا إذا شكّ في وجوبها عليه و عدمه فأعطى احتياطا ثمّ تبيّن له

______________________________

خلاف النذر و حرمتها أيضا من باب التجرّي و عدم تحقق الحنث لبقاء القدرة على الامتثال.

اللّهم إلّا إذا أتى بها كذلك في آخر الوقت، فإنها حينئذ توجب سلب القدرة على الامتثال فيقع الحنث قهرا.

و لا ينتقض ما ذكرناه هنا بمسألة إزالة المسجد و الصلاة حيث حكمنا فيها بصحة صلاة من ترك الإزالة و صلّى، إذ في تلك المسألة ليست الصلاة معجّزة عن الإزالة حتى تصير مبغوضا عليها بخلاف المقام.

ثم لا يخفى أن هذا كله على فرض القول بعدم إمكان تبديل الامتثال و أنه إذا حصل الامتثال سقط الأمر قهرا. و إلّا فلا توجب صحة ما أتى به تعجيزا بالنسبة إلى متعلق النذر بل يأتي به ثانيا و يختار اللّه- تعالى- أحبّهما إليه، كما ورد في الصلاة المعادة جماعة «1» بناء على التعدّي عن المورد إلى أمثاله، فتدبّر.

(1) أو تالفة مع علم الآخذ بالحال، و أما مع جهله فهو مغرور من قبل الدافع فلا يضمن له.

و وجه جواز الاسترجاع أن الإعطاء للفقير كان بعنوان الزكاة، فإذا انكشف الخلاف تبيّن بقائها على ملك المالك.

و قول أبي جعفر «ع» في صحيحة محمد بن مسلم: «و لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه» «2» لا يشمل المقام بعد انكشاف عدم كونه زكاة و صدقة.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 5/ 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.

(2)- الوسائل 13/ 334، الباب 3 من كتاب الهبات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

162

عدمه فالظاهر عدم جواز الاسترجاع و إن كانت العين باقية (2).

______________________________

(2) إذ معنى الاحتياط هو القصد إلى التمليك المطلق للمستحق، سواء وجبت عليه الزكاة واقعا أم لا، فخرجت العين عن ملك المالك مطلقا فلا يجوز استرجاعها.

و لكن يمكن أن يقال: إن هذا صحيح إن قصد الدافع الصدقة و القربة بنحو الإطلاق و تردّدت بين الزكاة الواجبة و الصدقة المندوبة.

و أما إن تردّدت بين الزكاة الواجبة و الهبة مثلا و كانت العين باقية بحالها و هيئتها و كان الآخذ أجنبيا فلا وجه لعدم جواز الاسترجاع بعد انكشاف عدم كونها زكاة، و قد أشار إلى ذلك الأستاذ الإمام- طاب ثراه- في حاشيته في المقام، و به صرّح في المستمسك أيضا. «1»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 273.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 163

7- فصل في أوصاف المستحقّين و هي أمور:

اشارة

فصل في أوصاف المستحقّين و هي أمور:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 165

1- الإيمان

اشارة

الأوّل: الإيمان، فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه، و لا لمن يعتقد خلاف الحقّ من فرق المسلمين (1).

[أرادوا بالإيمان الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر]

______________________________

(1) أقول: أرادوا بالإيمان معناه الأخص، أعني الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر، فلنذكر بعض الكلمات في المقام:

1- قال الشيخ في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 2): «لا يجوز أن يعطى شي ء من الزكاة إلا المسلمين العارفين بالحق، و لا يعطى الكفار لا زكاة المال و لا زكاة الفطرة و لا الكفارات. و قال الشافعي: لا يدفع شي ء منها إلى أهل الذمة، و به قال مالك و الليث بن سعد و أحمد و إسحاق و أبو ثور. و قال ابن شبرمة: يجوز أن يدفع إليهم الزكوات: زكاة الفطرة و زكاة الأموال. و قال أبو حنيفة: لا تدفع إليهم زكاة الأموال، و يجوز أن يدفع إليهم زكاة الفطرة و الكفارات.

دليلنا إجماع الفرقة. و أيضا فقد اشتغلت الذمة بالزكاة بلا خلاف فإذا أعطى لغير المسلم لم تبرأ ذمته بيقين.» «1»

أقول: تعرضهم لخصوص أهل الذمة كان من جهة كونهم تحت لواء الدولة الإسلامية، و وضوح أن الكافر الحربي المحارب للإسلام و أهله لا يعطى من الزكاة،

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 346.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 166

..........

______________________________

إذ كل معونة له ربما تتحول إلى قوة و سلاح ضدّ الإسلام و المسلمين.

2- و في النهاية بعد ذكر الأصناف الثمانية قال: «و الذين يفرق فيهم الزكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحق معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك فلا يجوز أن يعطوا الزكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق لم يجزأه و كان عليه الإعادة.» «1»

أقول: ظاهر ذيل كلامه التعرض لوظيفة الشخص الذي تعلق الزكاة بماله، و ظاهر الصدر التعميم

له و للحاكم الإسلامي إذا اجتمع عنده الزكوات و كان هو المقسّم لها.

اللّهم إلا أن يقال: إن يقال: إن هذه الكلمات من أصحابنا منصرفة عن وظائف الحكومات لعدم كونها مطرحا عندهم، و سيأتي البحث في ذلك.

3- و في الشرائع: «الوصف الأول: الإيمان، فلا يعطى كافرا و لا معتقدا لغير الحق.» «2»

4- و في الجواهر في ذيل الكافر قال: «بجميع أقسامه في غير التأليف و سبيل اللّه بلا خلاف معتدّ به بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر، بل يمكن دعوى كونه من ضروريات المذهب أو الدين.» «3»

5- و في ذيل المعتقد لغير الحق قال: «من سائر فرق المسلمين بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر كالنصوص خصوصا في المخالفين.» «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- الجواهر 15/ 377.

(4)- الجواهر 15/ 378.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 167

..........

______________________________

6- و في الشرح الكبير لابن قدامة الصغير: «قال الشيخ: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن زكاة المال لا تعطى لكافر و لا لمملوك. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمّي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا و قد قال النبي «ص» لمعاذ: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم.» ...

إلا أن يكون الكافر مؤلفا قلبه فيجوز الدفع إليه، و كذلك إن كان عاملا على إحدى الروايتين ...» «1»

أقول: و يدل على عدم جواز الإعطاء للكافر- مضافا إلى الإجماع و بعض الأخبار الآتية- الأولوية القطعية، حيث إن مقتضى عدم جواز الإعطاء للمسلم غير العارف عدم جواز إعطائه للكافر بطريق أولى.

[عدم جواز الإعطاء لغير المؤمن العارف]

و أما

عدم جواز الإعطاء لغير المؤمن العارف فيدل عليه مضافا إلى الإجماع أخبار كثيرة لعلها تبلغ حدّ التواتر، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا «ع»، قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا، و لا زكاة الفطرة.» «2»

2- خبر ضريس، قال: سأل المدائني أبا جعفر «ع»، قال: أن لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك، فقال: إني في بلاد ليس بها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك و كان و اللّه الذبح.» «3»

و لا يخفى أن السند إلى ضريس صحيح، و لكن ضريس مشترك بين رجال

______________________________

(1)- ذيل «المغني» 2/ 709.

(2)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 168

..........

______________________________

كلهم مجاهيل.

و ظاهر الخبر و كثير من الأخبار كونها بصدد بيان وظيفة المزكّي نفسه و لا تعرّض فيها لوظيفة الإمام. لو اجتمعت عنده الزكوات.

3- صحيحة علي بن بلال، قال: كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك.» «1»

و علي بن بلال بغدادي من أصحاب الجواد و الهادي و العسكري- عليهم السلام- ثقة.

و هل المراد بالصدقة في الحديث خصوص الزكاة و العطف تفسيري، أو الأعم فيشمل الصدقة المندوبة أيضا؟ الأظهر هو الثاني و لكن الإفتاء بتعميم الحكم مشكل، اللّهم إلا أن يكون أعانتهم بالصدقة سببا لتقوية الباطل.

4- خبر عمر بن يزيد، قال: سألته عن الصدقة على النّصاب

و على الزيدية، فقال: لا تصدق عليهم بشي ء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت، و قال: الزيدية هم النّصاب.» «2»

أقول: الصدقه في الحديث ظاهرة في الأعم، و فيه نحو مبالغة، و لعل الزيدية في ذلك العصر كانوا متجاهرين بالنصب و العدواة للأئمة «ع»، و المعونة لهم كانت موجبة لتقوية جنود الباطل، و الأحاديث الموسمية في أخبارنا كثيرة.

5- خبر عبد اللّه بن أبي يعقور، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك ما تقول في الزكاة؟ لمن هي؟ قال: فقال: هي لأصحابك. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 169

..........

______________________________

فقال: فأعد عليهم. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قال: قلت: فان فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قال: قلت: فان فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قلت:

فنعطي السؤال منها شيئا؟ قال: فقال: لا و اللّه إلّا التراب إلّا أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة، ثم أومأ بيده فوضع إبهامه على أصول أصابعه.» «1»

و لعلّ أكثر السؤال كانوا من غير الشيعة.

6- خبر إبراهيم (بن- التهذيب) الأوسي عن الرضا «ع»، قال: سمعت أبي يقول كنت عند أبى يوما فأتاه رجل فقال: إني رجل من أهل الريّ و لي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا. فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إني لا أعرف لها أحدا. فقال: فانتظر بها سنة، قال:

فإن لم أصب لها أحدا؟ قال: انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين. ثم قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا

و اطرحها في البحر، فإن اللّه- عزّ و جلّ- حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا.» «2»

و الرواية مرسلة و الأوسي مجهول و الراوي عنه محمد بن جمهور و هو ضعيف.

أقول: في عصر الإمام الصادق «ع» كانت الزكوات و أموال بيت المال بيد الحكومة الجائرة و كانت الشيعة محرومين جدّا، فلو فرض تقسيم جميع زكوات الشيعة في أنفسهم و الإعادة عليهم أيضا لبقي بعد نفوس منهم محرومين، فكانت المصلحة في تأكيد الإمام «ع» و إصراره على عدم تعدية الزكوات عنهم.

و الإعطاء لغير الشيعة كان تقوية لجنود الباطل، فكان اللازم المنع عنهم مهما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 170

..........

______________________________

أمكن. و هذا أمر يعرفه كل من واجه الحكومات الجائرة و السياسات الشيطانية.

و الحكم بالطرح في البحر على فرض عدم إصابة المورد لها كان من قبيل تعليق المحال على المحال كما في الوسائل، إذ فقراء الشيعة كانوا كثيرين متفرقين في البلاد، مضافا إلى عدم انحصار مصرف الزكاة في الفقراء، و إلقاء المال في البحر أولى من تقوية أهل الباطل به. و الغرض التأكيد على عدم الإعطاء لهم، كما يشهد بذلك التعليل الواقع في آخر الرواية.

7- موثقة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» أنهما قالا:

«الزكاة لأهل الولاية، قد بين اللّه لكم موضعها في كتابه.» «1»

أقول: لعل المراد من ذيل الحديث الآيات الناهية عن موادّة أهل الباطل كقوله- تعالى- في سورة المجادلة: «لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ

أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ.» الآية. «2» و الإعانة المالية من أظهر مصاديق الموادّة.

8- ما عن المقنعة، عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد كلهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» أنهما قالا: «موضع الزكاة أهل الولاية.» «3»

9- ما عن تفسير الإمام العسكري «ع»، قال: «و آتوا الزكاة مستحقها و لا تؤتوها كافرا و لا منافقا و لا ناصبا.» «4»

10- خبر يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن الرضا «ع»: أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حيّ من الزكاة شيئا؟ قال: «لا تعطهم، فإنهم كفار

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(2)- سورة المجادلة (58)، الآية 22.

(3)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.

(4)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 171

..........

______________________________

مشركون زنادقة.» «1»

11- موثقة أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يكون له الزكاة و له قرابة محتاجون غير عارفين، أ يعطيهم من الزكاة؟ فقال: «لا و لا كرامة، لا يجعل الزكاة وقاية لماله، يعطيهم من غير الزكاة إن أراد.» «2»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال، فراجع الوسائل، الأبواب 3 و 5 و 7 و 16 من أبواب المستحقين «3» و منها الأخبار المستفيضة الدالة على أن المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة أعماله و عباداته إلّا الزكاة لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية، و يأتي ذكر هذه الأخبار في المسألة الخامسة. «4»

و قال العلّامة في المنتهى: «و لا يكفي الإسلام بل لا بد من اعتبار الإيمان، فلا يعطى غير الإمامي، ذهب إليه علماؤنا

أجمع خلافا للجمهور كافّة و اقتصروا على اسم الإسلام.

لنا أن الإمامة من أركان الدين و أصوله و قد علم ثبوتها من النبي «ص» ضرورة، فالجاحد بها لا يكون مصدّقا للرسول «ص» في جميع ما جاء به فيكون كافرا فلا يستحقّ الزكاة، و لأن الزكاة معونة و إرفاق فلا يعطى غير المؤمن لأنه محادّ للّه و لرسوله. و المعونة و الإرفاق موادّة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن لقوله- تعالى-: لا تجد قوما يؤمنون باللّه و اليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله.» «5»

ثم تعرض لبعض أخبار المسألة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 171، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- راجع الوسائل 6/ 148، 151، 156 و 170 و ما بعدها.

(4)- راجع ص 203 و ما بعدها.

(5)- المنتهى 1/ 522. و الآية المذكورة من سورة المجادلة (58)، رقمها: 22.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 172

..........

______________________________

أقول: الأخبار الكثيرة الواردة في المسألة تغنينا عما ذكره من الدليلين.

و قال في المدارك بعد نقل كلامه: «و في الدليلين بحث.» «1»

و صاحب الحدائق استحسن كلام العلامة و عقب صاحب المدارك على كلامه أشدّ التعقيب، فراجع. «2»

أقول: قد مرّ منا في أوائل بحث الزكاة أن إنكار الضروري إنما يوجب الكفر إذا التفت المنكر إلى ثبوته من الدين قطعا، بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة و لو ببعضها، فلا يجري ذلك مع وجود التأويل و الشبهة.

و كيف كان فأصل اشتراط الإيمان عندنا مما لا إشكال فيه لما مرّ من الأخبار و الاجماعات المنقولة.

و ينبغي التنبيه على أمور:
[الأول: إذا فرض انعقاد الحكومة الحقّة و اجتماع الزكوات عند إمام المسلمين فله أن يقسمها في كل من يكون تحت لوائه و لو من أهل الخلاف]

الأول: ربما يخطر بالبال أن مورد هذه الأخبار بكثرتها و كذا الفتاوي خصوص ما إذا كان المتصدي لتقسيم الزكاة

شخص المزكي أو وكيله. و أما إذا فرض انعقاد الحكومة الحقّة و اجتماع الزكوات عند إمام المسلمين فله أن يقسمها في كل من يكون تحت لوائه و طاعته و إن كانوا من أهل الخلاف، نظير ما وقع في عصر خلافة أمير المؤمنين «ع». و قد مرّ منّا و يأتي أيضا أن الزكاة ضريبة إسلامية كان يأخذها النبي و يطالبها و يقسمها في مواضعها، و بعده «ص» كان يجب أن ترفع إلى إمام المسلمين و هو الأصل فيها، و لذا جعل من مصارفها العاملون عليها، و كانت الخلفاء

______________________________

(1)- المدارك/ 319.

(2)- الحدائق 12/ 203.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

أيضا يطالبونها، و إنما أجاز أئمتنا «ع» تقسيم من عليه الزكاة بنفسه في عصر حكومة خلفاء الجور و صيرورة الشيعة محرومين من مرافق بيت المال، فلأجل ذلك أمروا شيعتهم بصرف زكواتهم فيهم، و إنما أوجبوا على المستبصرين إعادتها لأنهم صرفوها في تقوية أهل الباطل. و يمكن أن يستفاد هذا التفصيل من صحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد اللّه «ع»: أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ» أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟

فقال: «إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة.» قال زرارة: قلت:

فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا زرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلا من يعرف، فمن

وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» ثم قال: «سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص.»

قال: قلت: فإن لم يوجدوا؟ قال: «لا يكون فريضة فرضها اللّه- عزّ و جلّ- و لا يوجد لها أهل.»

قال: قلت: فإن لم تسعهم الصدقات؟ فقال: «إن اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا مما فرض اللّه لهم، فلو أن الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 174

..........

______________________________

إذ الظاهر أن قولهما: «أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ إشارة إلى الأصناف الثمانية. و ظاهر جواب الإمام «ع» إعطاء الجميع و إن كانوا لا يعرفون، و على هذا فلا يختص قوله: «و إنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين» بخصوص سهم المؤلفة و إن أوهم ذلك بدوا.

و قوله: «سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عامّ و الباقي خاص» لعله ناظر إلى وظيفة المزكي بنفسه لئلا ينافي صدر الرواية.

و ظاهر الذيل أيضا أن اللّه فرض لجميع فقراء المسلمين في أموال الأغنياء ما يسعهم،

و معلوم أن المسلمين في كل عصر يتشعبون على مذاهب مختلفة، كما كان كذلك في عصر خلافة أمير المؤمنين «ع»، و الشيعة الإمامية بالنسبة إلى غيرهم أقل قليل.

و هل كان أمير المؤمنين «ع» يخصّ الزكوات في عصر خلافته بخصوص شيعته و محبّيه؟! أو أنه كان يعطي الجميع بعنوان المؤلفة فقط؟!

بل في حديث أنه مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل فقال

أمير المؤمنين «ع»: ما هذا؟

قالوا يا أمير المؤمنين نصراني: فقال أمير المؤمنين «ع»: «استعملتموه حتى إذا كبر و عجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال.» «1»

و الزكوات كانت من أهم موارد بيت المال و كونها منحازة عن سائر وجوه بيت المال يشكل الالتزام به.

و لا يخفى أن بتتبع سيرة أمير المؤمنين «ع» في هذا المجال يرتفع كثير من الإشكالات.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 49، الباب 19 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 175

..........

______________________________

و بالجملة فبمقتضى ظاهر الصحيحة المؤيد بالعمل و الاعتبار نحكم بأن الإمام يعطي لكل مسلم يكون تحت لوائه و حكمه و إن لم يكن ممن يعرف.

و احتمال كون جميع ذلك من سهم المؤلفة و إرجاع الإشارة في صدر الصحيحة إلى الناس في الخارج لا إلى الأصناف الثمانية بعيد في الغاية، فتدبّر.

[الأمر الثاني: إذا خصصنا الزكاة بأهل الولاية فلا تعطى لغير الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثل الزيدية]

الأمر الثاني: إذا خصصنا الزكاة بأهل الولاية فلا تعطى لغير الشيعة الإمامية الاثني عشرية مطلقا حتى مثل الزيدية و الواقفة و الفطحيّة و الإسماعيلية و نحوها.

و يدل على ذلك- مضافا إلى إطلاق بعض الأخبار كقوله «ع» في صحيحة علي بن بلال: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك»، و في خبر ابن أبي يعفور:

«هي لأصحابك»- خصوص خبري عمر بن يزيد و يونس بن يعقوب، الرابع و العاشر مما مرّ، فراجع. «1»

[الأمر الثالث: لا تعطى الزكاة لمنتحلي العقائد الفاسدة]

الأمر الثالث: لا تعطى الزكاة لمنتحلي العقائد الفاسدة:

1- ففي خبر عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا «ع»، قال: «من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئا، و لا تقبلوا له شهادة أبدا. الحديث.» «2»

2- و في خبر إبراهيم بن أبي محمود، عن الرضا «ع»، عن أبيه، عن الصادق «ع»، قال: «من زعم أن اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تعطوه من الزكاة شيئا.» «3»

3- و في خبر الحسن بن العباس بن الحريش، عن بعض أصحابنا، عن الطيّب

______________________________

(1)- راجع ص 168 و 170.

(2)- الوسائل 6/ 154، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(3)- الوسائل 6/ 156، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 176

..........

______________________________

يعني علي بن محمد، و عن أبي جعفر «ع» أنهما قالا: «من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة و لا تصلّوا وراءه.» «1»

أقول: في رجال المامقاني: «قال النجاشي: الحسن بن العباس بن الحريش الرازي أبو علي روى عن أبي جعفر الثاني «ع» ضعيف جدّا، له كتاب إنا أنزلناه في ليلة القدر، و هو كتاب رديّ الحديث مضطرب الألفاظ ...» «2»

4- و في خبر عبد الملك بن هشام، قال:

قلت لأبي الحسن الرضا «ع»: يعطى الزكاة من خالف هشاما في التوحيد؟ فقال برأسه: «لا.» «3»

[الأمر الرابع: المحتملات في المسألة]

الأمر الرابع: يظهر من آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- في زكاته «4» أن المحتملات في المسألة أربعة:

الأول: أن يكون الإسلام و الإيمان شرطا، فيجب إحرازهما و لا يجوز الدفع إلى مجهول الحال. و هذا هو الأقوى لظهور الأخبار في كون الولاية شرطا.

الثاني: أن يكون الكفر أو الخلاف مانعا، و يترتب عليه جواز الدفع إلى مجهول الحال إذ لو اريد بهما الاعتقاد فهو أمر حادث فيستصحب عدمه. و لو أريد بهما الاتصاف بهما و لو تبعا للوالدين فهو أيضا مسبوق بالعدم الأزلي بناء على جريان الاستصحاب فيه.

الثالث: أن يكون عدم الاتصاف بالكفر أو الخلاف بنحو السلب المحصّل شرطا، فيمكن أيضا إثباته بالاستصحاب.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- تنقيح المقال 1/ 286.

(3)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 137.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 177

[إعطاء الزكاة للمستضعفين من أهل الخلاف]

حتّى المستضعفين منهم (1).

______________________________

الرابع: أن يكون الاتصاف بعدمهما بنحو المعدولة شرطا، فلا مجال لإثباته باستصحاب العدم لأنه مثبت.

أقول: الظاهر أن العدم بما هو عدم لا يعتبر شرطا، إذ الشرط ما يكون متمما لفاعلية الفاعل أو قابلية القابل. و العدم بما هو عدم لا يؤثر و لا يتأثر. و الاعتباريات تلاحظ و تعتبر على وزان الواقعيات، فتدبّر.

(1) لعموم ما مرّ من الأخبار و غيرها. هذا مع وجود المصرف لها و لو من المؤلفة أو من سبيل اللّه بإطلاقهما.

و أما لو فرض عدم وجود المصرف لها مطلقا و لو في بلد آخر فهل يجب حفظها إلى أن يوجد المصرف و لو لسنين، أو يجوز دفعها حينئذ إلى المستضعفين من أهل الخلاف كما قيل بذلك في زكاة الفطرة

و سيجي ء في محله؟ وجهان.

قال في المعتبر: «و اذا لم يوجد المؤمن هل يصرف إلى غيرهم؟ فيه قولان، أشبههما أن زكاة المال لا تدفع إلى غير أهل الولاية.» «1»

و في الجواهر: «فمع عدم المؤمن و عدم مصرف آخر شرعي تحفظ إلى حال التمكن منه، و لا تعطى للمخالف بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه لإطلاق أدلّة المنع و ظهور جملة منها و صراحة آخر في ذلك.» «2»

أقول: و يدلّ على جواز الدفع إليهم خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح «ع»، قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في إخوانه و أهل ولايته. قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم. قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: يدفعها إلى

______________________________

(1)- المعتبر/ 281.

(2)- الجواهر 15/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 178

..........

______________________________

من لا ينصب. قلت: فغيرهم؟ قال: ما لغيرهم إلّا الحجر. «1»

قال في المعتبر بعد نقل الرواية: «هي نادرة و في طريقها أبان بن عثمان، و فيه ضعف.» «2»

و في المنتهى: «لا تعويل عليها لأنها شاذة و في طريقها أبان بن عثمان، و هو ضعيف.» «3»

أقول: ظاهرهما صحة الخبر إلّا من ناحية ابان و لا يخفى أنّ أبان بن عثمان و إن عدّ من الناووسية و لكنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و بناؤهم على العمل بخبره، فالرواية لا بأس به من جهة السند و دلالتها أيضا واضحة.

و قال في الجواهر: «مطرح او محمول على مستضعف الشيعة أو نحو ذلك.» «4» هذا.

و يدلّ على ذلك أيضا ما رواه في الدعائم عن جعفر بن محمد «ع»: «و لا

يعطى من الزكاة إلّا أهل الولاية من المؤمنين.» قيل له: فإذا لم يكن بالموضع وليّ محتاج إليها؟ قال: «يبعث بها إلى موضع آخر فتقسم في أهل الولاية، و لا تعط قوما إن دعوتهم إلى أمرك لم يجيبوك و لو كان الذبح، و أهوى بيده إلى حلقه. قيل له:

فإن لم يوجد مؤمن مستحق؟ قال: «يعطى المستضعفون الذين لا ينصبون.» «5»

و رواه عنه في المستدرك «6» و ربما يظنّ كون كلمة «لو» في قوله: «و لو كان الذبح» زائدة. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- المعتبر/ 281.

(3)- المنتهى 1/ 523.

(4)- الجواهر 15/ 381.

(5)- دعائم الإسلام 1/ 260، كتاب الزكاة- ذكر دفع الصدقات.

(6)- المستدرك 1/ 522، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 179

[الإعطاء من سهم المؤلفة قلوبهم]

إلّا من سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و سهم سبيل اللّه في الجملة (1).

______________________________

و الصناعة الفقهية تقتضي تخصيص أخبار المنع بسبب هذين الخبرين لكونهما أخصّ. و يؤيدهما إطلاق الكتاب. و ما ورد من الأخبار في زكاة الفطرة، إذ الظاهر كونهما من واد واحد، و قد أفتى بها في الفطرة جمع من الأصحاب. بل يمكن أن يقال بانصراف أخبار الاشتراط إلى صورة وجود أهل الولاية و لو في بلاد أخر.

نعم، ظاهر خبر إبراهيم الأوسي عدم الجواز مطلقا، حيث قال فيه بعد الأمر بحفظها أربع سنين: «إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا و اطرحها في البحر.» و لكن الرواية ضعيفة جدا، كما مرّ.

و بالجملة، فالصناعة الفقهية تقتضي العمل بالخبرين، و لكن الأصحاب أعرضوا عنهما و أفتوا بإطلاق الأخبار السابقة و أنه مع عدم وجود المصرف يجب الحفظ إلى أن يوجد، فيشكل الإفتاء بهما، و الاحتياط

أيضا يقتضي الترك، حتى أن صاحب الحدائق الذي يعمل بالأخبار مطلقا و لا يعتني بتقسيمات علماء الدراية و الرجال لها و لا بالإجماع و الشهرة قال في ذيل خبر يعقوب بن شعيب: «فالخروج عن مقتضى تلك الروايات الكثيرة الصريحة و لا سيما رواية إبراهيم الأوسي بهذه الرواية مشكل.» «1»

(1) في المسالك في ذيل ما مرّ من الشرائع من اشتراط الإيمان قال:

«إنما يشترط الإيمان في بعض الأصناف لا جميعهم، فإن المؤلفة و بعض أفراد سبيل اللّه لا يعتبر فيهما ذلك، و لعله أطلقه لوضوح الحال فيه.» «2»

و ذكر قريبا من ذلك في المدارك أيضا، فراجع. «3»

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 206.

(2)- المسالك 1/ 61.

(3)- المدارك/ 319.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

أقول: هنا أمران ينبغي البحث فيهما:

الأول: هل الإيمان شرط في خصوص الفقراء و المساكين، أو يكون أعم من ذلك؟

الثاني: على فرض التعميم فهل يوجد هنا استثناء أم لا؟

أما الأول فالظاهر عدم الاختصاص، بل هو شرط حتى في الغارمين و الرقاب و ابن السبيل بل و بعض أفراد سبيل اللّه مما تعطى فيها الزكاة لمصلحة الأشخاص و حاجاتهم على القول بجوازه، لإطلاق أخبار الاشتراط و قوة دلالتها على التعميم. و حيث إنها ناظرة إلى أدلة الأصناف الثمانية، و دلالتها قوية كانت كالحاكمة عليها و الشارحة لها، فتقدم على إطلاقها و إن كانت النسبة بين مفهومها و بين كل واحد من الأصناف عموم من وجه. نظير ما قيل في أدلة نفي الحرج و الضرر بالنسبة إلى إطلاقات الأدلة الأولية من التوفيق العرفي و تقديمها عليها، و لا يلاحظ النسبة بين دليل نفي الحرج و كل واحد منها بوحدته بل يفرض جميع الأدلة الأولية كدليل واحد و يقدم عليها دليل

نفي الحرج مثلا. و إن كان لنا فيما ذكر كلام، حيث بيّنا في محلّه أن لسان قوله: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «1» لسان الحكومة و لا يلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم.

و كيف كان فأدلة اشتراط الإيمان ناظرة إلى جميع الأصناف إلا ما استثني.

و كأن عناوين الأصناف الثمانية مقتضيات للإعطاء، و الاعتقاد بخلاف الحق مانع فيقدم لسان دليل المانع عرفا لكونه أقوى.

و على فرض اعتبار الولاية شرطا أيضا كما قويناه يقدم إطلاق دليل الشرط على إطلاق أدلة المقتضي. و على هذا الأساس ورد قولهم: إن إطلاق الخاص

______________________________

(1)- سورة الحج (22)، الآية 78.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 181

..........

______________________________

و عمومه يقدّمان على اطلاق العام و عمومه، فتدبّر.

قال في الجواهر في هذا المقام: «لقوة ما دلّ على اعتبار الإيمان في دفع الزكاة من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، حتى إنه ورد في بعض النصوص طرحها في البحر مع عدم المؤمن، و أن أموالنا و أموال شيعتنا حرام على أعدائنا، و أنك لا تعطيهم إلا التراب، إلى غير ذلك مما لا يصغى معه إلى دعوى كون التعارض بين الأدلة من وجه التي هي في المقام شبه دعوى كون التعارض بين ما دلّ على قضاء حاجة المؤمن و حرمة اللواط مثلا من وجه.» «1»

و أما الثاني فملخص الكلام فيه أن من الواضح استثناء المؤلفة بناء على ما فسّره الأصحاب بالكفار الذين يستمالون إلى الإسلام أو الجهاد، أو بالذين يستمالون إلى الجهاد و إن كانوا كفارا، بل و كذا بناء على تفسيره بالمسلمين الضعفاء في الاعتقاد على ما دل عليه الأخبار المستفيضة و اختاره في الحدائق و جعلناه أحوط، لعدم اختصاصها بأهل الإيمان بل تعمّ

أهل الخلاف أيضا، فراجع.

و قد مرّ في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قوله «ع»: «و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه.» فتأمل.

و كذا لا إشكال في استثناء سبيل اللّه في الجملة، كما في عبارة المصنف يعني بذلك ما إذا كان الصرف على المخالف أو الكافر بملاحظة مصالح المؤمنين لا بملاحظة مصلحة الشخص و احتياجه.

نعم يمكن أن يقال: إن خروجه حينئذ، بل و كذا خروج المؤلفة يكون من قبيل التخصّص لا التخصيص، بداهة أن اشتراط الإيمان على ما هو المستفاد من أخبار الباب إنما يكون في استحقاق الشخص و الإعطاء لحاجة الشخص لفقره أو غرمه

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 182

..........

______________________________

أو رقيته أو كونه ابن سبيل، فلو فسرنا سبيل اللّه بكل قربة و لو شخصية كما في الجواهر بحيث يعمّ رفع حاجة الشخص أيضا شرطنا فيه حينئذ الإيمان.

و أما إذا فسّرناه بالمصالح العامة الاجتماعية كبناء المساجد و المدارس و نحوهما فلا معنى حينئذ لاشتراط الإيمان في المصرف حتى إن الإعطاء للغازي المخالف أو الكافر من سهم المؤلفة أو من سبيل اللّه أيضا يكون بملاحظة مصلحة الإسلام و المؤمنين لا مصلحة الشخص. و الحصر في قوله «ع»: «و إنما موضعها أهل الولاية» إضافي ليس في قبال الجهات العامة بل في قبال الأشخاص من أهل الخلاف و حكومات الجور.

و ما دلّ على وجوب إعادة المخالف زكاته إذا استبصر معللا بأنه وضعها في غير موضعها أيضا محمول على الغالب من صرفها إلى فقراء أهل الخلاف أو دفعها إلى عمّال حكومات الجور، فلا يعم ما إذا صرفها في المصارف الحقة كما سيأتي.

نعم يمكن أن يقال بعدم جواز صرفها في المشاريع العامة

التي لا يعود نفعها إلى المؤمنين أصلا، ففيها أيضا تلاحظ مصالح أهل الولاية كبناء المساجد و المدارس و نحوهما لهم لا لأهل الخلاف، و الدليل على ذلك الملاك المستفاد من أخبار الاشتراط. نعم يجوز إعطاؤها لمباشري البناء و العملة من باب الأجرة و لو كانوا كفارا أيضا لأن الدفع إليهم أيضا يكون صرفا في مصالح المؤمنين و الجهات الراجعة إليهم، فتدبّر.

قال في الجواهر: «ظاهر ما دلّ على اعتبار الإيمان أنما هو في المستحقين بالذات لا ما كان مصرفه الجهات و إن رجعت إلى الذات في بعض الأوقات كإعطاء أهل الخلاف لدفع شرّهم عن المؤمنين و نحو ذلك مما هو في الحقيقة دفع للمؤمنين باعتبار وصول النفع إليهم، مع أن أدلّة اعتبار الإيمان ظاهرة في كون ذلك شرطا في الاستحقاق الشرعى، و الدفع لهؤلاء في نحو الفرض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 183

و مع عدم وجود المؤمن و المؤلفة و سبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكن (1).

[تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين]

[المسألة 1]: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين (2).

______________________________

ليس لاستحقاقهم ذلك ...» هذا. «1»

و أما العاملون ففي الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و العدالة ...» «2»

و في الجواهر: «أما استثناء العاملين خاصّة مع المؤلفة كما وقع من ابن زهرة فلا وجه له، لما عرفت و تعرف أن العاملين يعتبر فيهم العدالة فضلا عن الإيمان، و لعلّه لحظ أن الدفع إليهم من قسم الأجرة التي لا تفاوت فيها بين المؤمن و غيره.

لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمنا.» «3»

أقول: شمول أخبار الباب للعاملين محل تأمّل، لما عرفت من أن النظر في

أكثر روايات الباب إلى بيان الوظيفة للمزكّي بنفسه، و العامل منصوب من قبل الإمام و الحاكم. مضافا إلى أن الإعطاء له لا يكون بلحاظ حاجة الشخص بل بلحاظ المصلحة العامّة، فلا دليل على اعتبار الإيمان فيه إلا الإجماع المدعى، و نحن قد جعلنا الاشتراط فيه أحوط، فراجع.

(1) قد مرّ البحث في ذلك و أنه المستفاد من خبر إبراهيم الأوسي و أن خبر يعقوب بن شعيب الحداد مما أعرض عنه الأصحاب، فراجع.

(2) 1- في النهاية: «و لا بأس أن تعطى الزكاة أطفال المؤمنين، و لا تعطى أطفال المشركين.» «4»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 380.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(3)- الجواهر 15/ 380.

(4)- النهاية/ 186.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

2- و في الشرائع: «و تعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم.» «1»

3- و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين علمائنا و أكثر العامة.» «2»

4- و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل في المختلف و الروضة و المدارك الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إطلاق الكتاب و السنة.» «3»

و يدل على ذلك مضافا إلى الإجماع المدعى و عدم الخلاف أخبار مستفيضة:

1- صحيحة أبي بصير أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال: «نعم حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم.» فقلت: إنهم لا يعرفون؟ قال: «يحفظ فيهم ميّتهم و يحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم.» «4»

و ظاهر الصحيحة كون العيال صغارا و كون الإعطاء من سهم الفقراء أو المساكين.

و الإطلاق في هذا

الخبر و ما بعده محمول على الغالب من تبعية الصبيان للوالدين في الدين و المذهب و أن الانتخاب المستقل لا يتحقق منهم إلا بعد البلوغ، فلو فرض هنا صبي مميز اختار بنفسه دينا أو مذهبا باطلا فشمول هذه الأخبار له مشكل لانتفاء التبعية حينئذ، و لذا قلنا في كتاب الطهارة أن ولد المسلم المميز إن اختار بنفسه الكفر و انتحل إليه انقطعت تبعيته لوالديه قهرا، فتدبّر.

2- خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ذرّية الرجل المسلم إذا مات

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(2)- المدارك/ 319.

(3)- الجواهر 15/ 383.

(4)- الوسائل 6/ 155، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 185

..........

______________________________

يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطوا.» «1»

3- خبر يونس بن يعقوب المروي عن قرب الإسناد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم؟ قال: فقال: «لا بأس.» «2»

أقول: يمكن أن يقال بشمول عيال المسلمين بإطلاقه الحاصل من ترك الاستفصال للمجانين أيضا. و لعلّ الظاهر من الخبر عدم وجود الوليّ لهم و أن الإمام «ع» أجاز ليونس أو لكل مؤمن مزكّ لماله الاشتراء لهم من الزكاة. أو يراد إعطاء الزكاة من القيمة كما قيل.

4- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل مسلم مملوك و مولاه رجل مسلم و له مال يزكّيه و للمملوك ولد صغير حرّ أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ فقال: «لا بأس به.»

«3»

و في الشرح الكبير لابن قدامة الصغير: «فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز دفع زكاته إليه لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته. و الصحيح- إن شاء اللّه- دفعها إليه لأنه داخل في الأصناف المستحقين للزكاة و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس صحيح فلم يجز إخراجه عن عموم النصّ بغير دليل. و قد روى البخاري أن امرأة عبد اللّه سألت النبي «ص» عن بني أخ لها أيتام في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 156، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 156، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 205، الباب 45 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

حجرها فتعطيهم زكاتها؟ قال: نعم.» «1» و راجع البخاري باب الزكاة على الزوج و الأيتام في الحجر. «2» هذا.

و من العجيب ما في المسالك في هذه المسألة حيث إنه لم يتعرض لأخبار المسألة أصلا مع أن فيها صحاحا، بل قال في ذيل ما مرّ من عبارة الشرائع: «هذا إذا لم يعتبر العدالة في المستحق. أما لو اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها، و الجواز لأن المانع الفسق و هو منفي عنهم لأنه عبارة عن الخروج عن طاعة اللّه فيما دون الكفر و هم غير مخاطبين بالطاعة.

و مبنى الإشكال على أن العدالة هل هي شرط أو الفسق مانع؟ فعلى الأول يحتمل الأول للدليل الدال على اعتبار العدالة ... و يحتمل الثاني حملا للاشتراط على من يمكن في حقّه ذلك و هو منفي في الطفل. و على

الثاني يستحق الطفل بغير إشكال. «3»

أقول: بعد ورود الأخبار الصحيحة و إفتاء الأصحاب بها لا مجال لهذا التفصيل، كما هو واضح.

و مقتضى إطلاق الأخبار و الفتاوى بل و إطلاق الآية الشريفة عدم الفرق بين ما إذا كان الأب للطفل عادلا أو فاسقا، إذ الطفل و إن تبع أباه في الإسلام و الكفر فلا دليل على تبعيته له في الفسق.

قال في المدارك: «نصّ الشيخ في التبيان و السيّد المرتضى في المسائل الطبريات على أنه يجوز أن تعطى أطفال المؤمنين و إن كان آباؤهم فسّاقا، و استحسنه العلامة

______________________________

(1)- ذيل «المغني» 2/ 713.

(2)- راجع صحيح البخاري 2/ 128 (- طبعة أخرى 1/ 256).

(3)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 187

[تعطى الزكاة من سهم الفقراء لمجاني المؤمنين]

و مجانينهم (1).

______________________________

في المنتهى، قال: لأن حكم الأولاد حكم آبائهم في الإيمان و الكفر لا في جميع الأحكام، و هو جيّد.» «1»

و المذكور في كلام المصنف و المتبادر من الأخبار و إن كان هو الإعطاء من سهم الفقراء، لكن يمكن دعوى القطع بعدم الخصوصية بعد شمول العناوين له، فلو كان الطفل غارما أو صار ابن سبيل مثلا جاز إعطاؤه من سهميهما.

و لا فرق في الحكم بين حياة الأب و موته لإطلاق بعض الأخبار.

و لو كان الأب غنيا و لكنه لا يعطي نفقة الطفل و لا يمكن إجباره جاز الإعطاء أيضا لصدق عنوان الفقير مثلا عليه.

و يشترط في الطفل ما يشترط في الكبار أيضا، فيشترط كونه من أولاد المؤمنين و عدم كونه هاشميا و عدم كونه واجب النفقة للمزكي، بل و عدم كونه شاربا للخمر و متجاهرا بالمعاصي على إشكال ما في ذلك و لكنه أحوط لوجود الملاك و إن لم يثبت التكليف.

(1) في المدارك: «و

حكم المجنون حكم الطفل.» «2»

و في المستمسك: «بلا خلاف ظاهر.» «3»

و لكن في المستند: «إن ثبت الإجماع عليه، و إلّا فمحل نظر لعدم كونه عارفا.» «4»

قال في المستمسك بعد نقله: «و هو في محلّه لظهور النصوص المتقدمة في اختصاصها بالعارف، اللّهم إلّا أن يدعى انصرافها إلى من كان موضوعا للتكليف،

______________________________

(1)- المدارك/ 319.

(2)- المدارك/ 319.

(3)- المستمسك 9/ 277.

(4)- المستند 2/ 50.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 188

من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى، و لا بين المميّز و غيره (1).

[التمليك بالدفع إلى وليّهم أو بالصرف عليهم]

إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم (2)، و إمّا بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسّط أمين إن لم يكن لهم ولىّ شرعيّ من الأب و الجدّ و القيّم (3).

______________________________

أعني البالغ العاقل، و في غيرهما يرجع إلى الإطلاق، لكن مقتضى ذلك جواز إعطاء مجانين غيرهم أيضا.» «1»

أقول: العناوين المذكورة في الآية و غيرها شاملة، و تبعيته في إطلاق العناوين المأخوذة شرطا لدى العرف واضحة، و هو يعدّ قطعا من عيال المسلمين فيشمله كما مرّ خبر يونس بن يعقوب.

و الاعتبار أيضا يساعد على ذلك، إذ الزكاة شرّعت لسدّ خلات المسلمين، و من أهم ذلك رفع حاجات الضعفاء و الأطفال و المجانين منهم، فالظاهر عدم الإشكال في ذلك.

و يعتبر في المجنون أيضا ما مرّ اعتباره في الطفل من الشروط بلا تفاوت بينهما، كما هو واضح.

(1) كما في الجواهر «2»، بل و إن كان رضيعا لاحتياجه إلى المرضعة و الدواء و غير ذلك. و يدل على ذلك إطلاق الأدلّة.

(2) و هو القدر المتيقن من النص و الإجماع.

(3) الطفل إما أن يوجد له وليّ شرعي أو لا، و إيصال الزكاة إليه يتصوّر إمّا بالتمليك له أو بالصرف عليه. و التمليك إما

أن يكون بقبول الوليّ أو بقبول الطفل نفسه أو بقبول أمين يتصدى لأموره حسبة. كما أن الصرف عليه إما أن يكون

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 277.

(2)- الجواهر 15/ 384.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 189

..........

______________________________

بمباشرة الوليّ أو الطفل أو المزكي أو أمين يتصدى لأموره، فهذه صور محتملة.

فهل يجوز جميع ذلك أو يتعين البعض؟ وجوه وقع البحث فيها هنا إجمالا.

1- ففي مجمع الفائدة و البرهان: «و الظاهر أنه لو أطعمهم من الزكاة لا يحتاج إلى القابض و الوليّ، كما في الكفارة، بل يحسب ما أكلوه من الزكاة. و يمكن كون النية عند الوضع عندهم، أو الوضع في الفم، و عند الأخذ، و عند المضغ، و عند البلع. و الظاهر أن قصد الزكاة عند ذلك يكفي.» «1»

2- و في زكاة الشيخ الأعظم: «ثم إنه هل يجوز للمالك صرف الزكاة للطفل و لو مع وجود الوليّ كأن يطعمه في حال جوعه و إن لم يعلم بذلك أبوه؟ الظاهر عدم الجواز من سهم الفقراء لأن الظاهر من أدلة الصرف في هذا الصنف هو تمليكهم إياه.

نعم يجوز في سبيل اللّه. و يحتمل الجواز من سهم الفقراء بدعوى أن الظاهر من تلك الأدلة استحقاقهم للزكاة لا تملكهم لها، فالمقصود هو الإيصال.» «2»

3- و لكن صاحب الجواهر مصرّ على تعيّن التمليك في سهم الفقراء و أنه يتعين فيه الإعطاء للوليّ الشرعي.

قال: «ثم لا يخفى أن المراد من إعطاء الأطفال في النصّ و الفتوى الإيصال إليهم على الوجه الشرعي المعلوم بالنسبة إليهم، فإذا أراد الدفع إليهم من سهم الفقراء مثلا سلّم بيد وليهم لأن الشارع سلب أفعالهم و أقوالهم فلا يترتب ملك لهم على قبضهم، و معلوم اعتبار الملك في هذا السهم.

و احتمال الاجتزاء

به هنا تمسكا بالإطلاق المزبور الذي لم يكن مساقا لذلك في غاية الضعف كاحتمال عدم اعتبار الملك في هذا السهم تمسكا بإطلاق الأمر

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 176.

(2)- كتاب الزكاة للشيخ/ 507 (- طبعة أخرى/ 455).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 190

..........

______________________________

بالإيتاء الشامل للأمرين ...» «1»

أقول: و يمكن المناقشة في كلا الأمرين الذين أصرّ عليهما:

أما الأول فلأن الفقراء في الآية و إن كان مدخولا للأم الملك و لكن مفادها مالكية العنوان و الجهة، لا مالكية الأشخاص، و لا وجوب التمليك لهم، فلا دليل على تعين خصوص التمليك.

و لكن يمكن أن يقال: إن مقتضى جعل المال للغير، إيصاله إلى صاحبه بحيث يقع تحت يده يتصرف فيه كيف يشاء، فيجب دفع مال الفقراء إلى أشخاصهم بما هم مصاديق لهذا العنوان، و هو الظاهر من لفظ الإيتاء و من كثير من الأخبار و من السيرة العملية في جميع الاعصار حتى أعصار النبي «ص» و الأئمة «ع».

نعم، في العناوين التي دخلت عليها لفظة «في» يجوز الصرف بلا إشكال لظهورها في كون المدخول مصرفا محضا كالغارمين و الرقاب و سبيل اللّه و نحوها.

و تغيير السياق و حرف الربط في الآية الشريفة يكون لا محالة لنكتة و لعلّ مورد خبر يونس بن يعقوب كما مرّ عدم وجود الوليّ الشرعي للعيال فأجاز الإمام «ع» لخصوص يونس أو لكل من يكون مثله صرف الزكاة في مصالحهم حسبة بعد قصد التمليك، أو يكون المراد اشتراء الطعام و الثياب و إعطاؤها من باب أداء القيمة، و قد مرّ في محله جواز أداء القيمة في الزكاة و لو من غير النقدين، فراجع. «2»

و أما الثاني فلما ذكره في مصباح الفقيه في هذا المجال، قال:

«مع أن ما يظهر منهم من التسالم عليه من عدم حصول الملكية للطفل إلّا بقبض الوليّ

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 384.

(2)- راجع كتاب الزكاة ج 1 ص 212 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 191

..........

______________________________

قابل للمنع، فإن ما دلت على سلب أفعال الصبي و أقواله إنما يدل عليه في عقوده و إيقاعاته و نظائرها مما فيه إلزام و التزام بشي ء على وجه يترتب على مخالفته مؤاخذة، لا مطلق أعماله، و لذا قوّينا شرعيّة عباداته، فكذا معاملاته التى لم يكن فيها إلزام و التزام بل مجرّد اكتساب كحيازة المباحات و تناول الصدقات و نظائرها.

ألا ترى قضاء الضرورة بعدم جواز السرقة مما حازه الصبيّ من المباحات الأصلية و غيرها مما يجوز حيازتها بقصد الاكتساب، فكذا الشأن فيما يتناوله من وجوه الصدقات. نعم ليس للمالك الاجتزاء بدفعها إليه في تفريغ ذمّته لإمكان أن يقال بكون الملكية الحاصلة بقبضه مراعاة بعدم إتلافها و صرفها فيما يجوز لوليّه الصرف فيه، أو يقال بأنها و إن دخلت في ملكه بقبضه كالحطب الذي يحوزه للاكتساب و لكنها مضمونة على المالك حتى يصرفها في حاجته.» «1»

4- و قال العلامة في التذكرة: «فروع: الف- لا يجوز الدفع إلى الصغير و إن كان مميزا لأنه ليس محلّ الاستيفاء لماله من الغرماء فكذا هنا، و عن أحمد رواية جواز دفعها إلى اليتيم المميّز لأن أبا جحيفة قال: بعث رسول اللّه «ص» ساعيا فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها في فقرائنا، و كنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا.

و لا دلالة فيه لاحتمال الدفع إلى وليّه أو من يقوم بأمره و لأنه حجة في فعل الساعي.

ب- لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره بأن الدفع

إلى الوليّ، فإن لم يكن له وليّ جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 192

..........

______________________________

ج- حكم المجنون حكم الصبي غير المميز.» «1»

أقول: خبر أبي جحيفة رواه البيهقي في السنن، فراجع. «2» و القلوص من الإبل: الطويلة القوائم و الشابّة منها.

و ظاهر كلام العلامة تعيّن الدفع و التمليك، و لم يرخّص في الدفع إلى الطفل و لكنه أجاز الدفع إلى غير الوليّ مع عدم الوليّ.

5- و في المدارك بعد نقل كلام العلامة قال: «و مقتضى كلامه جواز الدفع إلى غير وليّ الطفل إذا لم يكن له وليّ، و لا بأس به إذا كان مأمونا، بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للوليّ صرفها فيه. و حكم المجنون حكم الطفل.» «3»

6- و في الجواهر بعد نقل كلام المدارك قال: «و عن الكركي في فوائده على الكتاب و الكفاية و شرح المفاتيح للمولى الأكبر موافقته على جواز الدفع لغير الوليّ ممن يقوم بأمره مع عدم الوليّ.

بل ربما ظهر من بعض المعاصرين الميل إلى جواز ذلك مع التمكن من الوليّ، و هو أغرب من سابقه ضرورة منافاتهما للمعلوم من قواعد المذهب بلا مقتض عدا بعض الاعتبارات التي لا تصلح لأن تكون مدركا لحكم شرعي، و الإطلاق الذي لم يسق لإرادة تناول ذلك كما عرفت.

و أغرب من ذلك دعوى بعضهم بعد أن ذكر الحكم المزبور اتحاد حكم المجنون مع الطفل. و مقتضاه جواز التسليم إليه مطلقا أو مع عدم الوليّ، و هو كلام لا يصغى إليه و لا يستأهل التصدّي للردّ عليه خصوصا في المجنون الذي

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- راجع سنن البيهقي 7/

9، كتاب قسم الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(3)- المدارك/ 319.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 193

..........

______________________________

يكون حاله كحال غير المميز.» «1»

أقول: و محصّل الكلام أنه إن قلنا بتعيّن التمليك في سهم الفقراء و المساكين كما قربناه فيمكن القول بعدم تعيّن الدفع إلى الوليّ الشرعي، بل يمكن الدفع إلى غير الوليّ إن كان هو المتصدي لأموره حسبة بما أنه من عدول المؤمنين أو ممن لم يقم بأموره إلا هو، فتأمّل.

كما يمكن القول بدفعها إلى الطفل نفسه إن كان مميزا و حصل الوثوق بعدم تفريطه، بل يصرفها في مصالحه و حاجاته و لو بمعونة الوليّ الشرعي أو من يتصدى لأموره.

و يدلّ على ذلك كلّه إطلاق الأخبار التي مرّت إذ لو كان الدفع إلى خصوص الوليّ الشرعي متعينا لكان على الإمام «ع» التنبيه عليه.

و لكن يمكن أن يناقش الإعطاء للطفل بأنه خلاف ظاهر قوله- تعالى- في سورة النساء: «وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» «2»، حيث إن الظاهر منه توقف إعطاء المال للطفل على أمرين: البلوغ و إيناس الرشد معا. اللّهم إلا أن يقال: إن النظر في الآية الشريفة إلى إعطاء المال له مستقلا بحيث يصنع فيه ما يشاء بنفسه، فلا ينافي التمليك و الإعطاء له قبل البلوغ مع الوثوق بصرفه فيما يصرفه وليّه أو يرشده إليه. هذا كله على فرض تعين التمليك.

و أما إن قلنا بجواز الصرف عليه مطلقا أو في خصوص الطفل و المجنون فلا دليل أيضا على تعين الوليّ لذلك، بل لعل المستفاد من خبر يونس جواز صرف المزكي

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 385.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 3، ص: 194

[يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا]

[المسألة 2]: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا (1) و إن كان يحجر عليه بعد ذلك. كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم

______________________________

بنفسه- اللّهم إلا أن يقال: مورده عدم الولي، أو يقال إن المراد إعطاء القيمة من غير النقدين كما مرّ- كما يمكن الصرف عليه أيضا بتوسط الشخص الأمين.

قال في المستمسك: «إذا كان ظاهر الأدلة الأولية كون الفقراء مصرفا للزكاة لا أنها ملك لهم فمقتضى الإطلاق جواز الصرف على الطفل- و لو بإشباعه إذا كان جائعا- بلا حاجة إلى وليّه.

و عدم جواز التصرف في الطفل بغير إذن وليّه غير ثابت في نحو ذلك، بل يختص بما للولي ولاية عليه من التصرفات الاعتبارية فيه و في ماله، و لا يشمل مطلق الإحسان إليه و البرّ به لعموم ما على المحسنين من سبيل.» «1»

أقول: قد مرّ منا الإشكال في الصرف على الفقير، نعم يمكن القول بالجواز في خصوص الطفل أو المجنون بإذن الولي الشرعي أو الحاكم كما هو أحد المحتملات في خبر يونس، و لكن الأحوط فيهما أيضا التمليك لهما ثم الصرف فيهما، فتدبّر.

(1) في التذكرة: «أما السفيه فإنه يجوز الدفع إليه لكن يحجر إليه (عليه- ظ.) الحاكم.» «2»

و في المدارك «3» أيضا نحو ذلك.

أقول: وجه ذلك أنه محجور عن التصرف لا عن الأخذ و التملك. و لا ينحصر جواز الدفع في سهم الفقراء فيجوز الدفع من سهم الغارمين و ابن السبيل أيضا إذا كان منهما.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 278.

(2)- التذكرة 1/ 236.

(3)- المدارك/ 319.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 195

سبيل اللّه (1)، بل من سهم الفقراء أيضا على الأظهر من كونه كسائر السهام أعمّ من التمليك و الصرف (2).

[الصبي المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن]
اشارة

[المسألة 3]: الصبي المتولّد بين المؤمن و غيره

يلحق بالمؤمن (3) خصوصا إذا كان هو الأب. نعم لو كان الجدّ مؤمنا و الأب غير مؤمن ففيه إشكال، و الأحوط عدم الإعطاء.

______________________________

(1) بناء على تعميمه لكل قربة و لو شخصية و لكن مرّ الإشكال في ذلك، نعم لا إشكال فيما إذا انطبق عليه الصرف في المصالح العامة.

(2) مرّ الإشكال فيه إلّا أن يكون بإذن الوليّ بعد التمليك له و لكنه خلاف الفرض.

(3) في التذكرة: «إنما يعطى أطفال المؤمنين لأنهم بحكم آبائهم، و لا يجوز إعطاء أولاد المشركين إلحاقا بآبائهم، و كذا أولاد غير المؤمنين. و لو أسلم أحد أبوي الطفل لحق به سواء كان الأب أو الأمّ و يأخذ الزكاة حينئذ.» «1»

أقول: ظاهر كلامه صدرا و ذيلا تبعية الطفل للأمّ في الإسلام دون الإيمان.

و في البيان: «و لو تولد من المسلم و الكافر فمسلم، و لو تولّد بين المحقّ و المبتدع فالأقرب جواز إعطائه خصوصا إذا كان المحقّ الأب.» «2»

و في المسالك: «و لو تولد بين المؤمن و الكافر تبع الأشرف. و في المتولد بين المؤمن و غيره من الفرق الإسلامية نظر، و الأجود استحقاقه خصوصا إذا كان المؤمن الأب.» «3»

أقول: لا إشكال في تبعية الولد لأبويه في الإسلام و الكفر و كذا الإيمان و

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- البيان/ 196.

(3)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 196

..........

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 196

______________________________

الخلاف مع اتفاقهما فيهما و عدم استقلاله في انتخاب الدين أو المذهب.

و لو اختلف الأبوان في الإسلام أو الإيمان فهل يتبع الولد أباه مطلقا أو يتبع الأشرف منهما و لو

كان هو الأمّ؟

فلنبحث في مقامين: تارة في الإسلام و الكفر، و أخرى في الإيمان و الخلاف:

[الأوّل البحث في الإسلام و الكفر]

أمّا الأول فنقول: لا يخفى أن الإنسان يعدّ تابعا لأبيه عرفا و من عشيرة أبيه لا أمّه، بل و كذلك شرعا و لذا يعطى الخمس لمن انتسب إلى هاشم من قبل الأب فقط، و لا يعطى لمن انتسب إليه من قبل الأمّ فقط بل يعطى الزكاة كما دلّ عليه خبر حماد بن عيسى الطويل عن العبد الصالح «ع»، قال: «و من كانت أمّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي ء لأن اللّه يقول: ادعوهم لآبائهم.» «1»

و هكذا الحال في التحيّض إلى ستّين في القرشية.

و في خبر حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: «إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار و هم إحراز. الحديث.» «2»

فيدل الخبر على تبعية الولد لأبيه في الإسلام و هذا مما لا إشكال فيه.

و لكن يظهر من الأصحاب في أبواب الطهارة و النكاح و الميراث و غيرها تبعية الولد للمسلم منهما و لو كان هو الأمّ:

قال المحقق في ميراث الشرائع: «إذا كان أحد أبوي الطفل مسلما حكم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- الوسائل 11/ 89، الباب 43 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

بإسلامه، و كذا لو أسلم أحد الأبوين و هو طفل.» «1»

بل في ميراث المسالك قال: «و في إلحاق إسلام أحد الأجداد و الجدّات بالأبوين وجهان: أظهرهما ذلك، سواء كان الواسطة بينهما حيّا

أو ميّتا.» «2»

أقول: الظاهر عدم الإشكال في باب الطهارة و النجاسة، إذ الأصل في الأشياء الطهارة، و المتيقن من التبعية في النجاسة على القول بها صورة كون الأبوين كافرين، فلو كان أحدهما مسلما فلا نصّ و لا إجماع على نجاسته فيرجع إلى الأصل.

و أما في سائر الأحكام من النكاح و التوارث و تجهيز الميت و الدفن في مقابر المسلمين و حرمة السبي و غير ذلك فإجراء أحكام الإسلام على من كان أبوه كافرا و أمه مسلمة يحتاج إلى دليل و لو كان إجماعا. و لو فرض تحصيله في مورد منها فلا وجه لقياس غيره.

و تغليب الإسلام في جميع ذلك بقوله «ع»: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «3» و قوله «ع»: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه.» «4» مشكل جدّا، إذ الظاهر أن المراد بالأول الحكومة الحقة و السلطة و بالثاني المعرفة و هذه يشترك فيها أولاد الكفار أيضا.

نعم وردت هنا أخبار مستفيضة فيما إذا كان أحد الأبوين حرّا و الآخر رقّا فحكمت بتبعية الولد للحرّ منهما و لو كان هو الأمّ، فراجع الوسائل. «5»

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 13 (- طبعة أخرى/ 815).

(2)- المسالك 2/ 312.

(3)- الوسائل 17/ 376، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.

(4)- عوالي اللئالي 1/ 35، الفصل الرابع، الحديث 18 عن رسول الله «ص»؛ و روى نحوه في الوسائل 11/ 96، الباب 48 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3 عن أبي عبد الله «ع».

(5)- راجع الوسائل 14/ 528- 531، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 198

..........

______________________________

ففي رواية الصدوق عن أبي عبد اللّه «ع»: «إذا كان أحد والديه

حرّا فالولد حرّ.» «1»

و يظهر من صاحب الجواهر إسراء هذا الحكم إلى باب الإسلام و الكفر بالأولوية، قال: «و لعله لدليل التبعية لأشرف الأبوين و لو لكون الشرف بالنسبة إلى الإسلام و الكفر أتمّ من الرقية بالنسبة للحرية، و كذا الحال في الإيمان.» «2»

أقول: يمكن منع وحدة الملاك و الأتميّة، فإن الولد لما كان نماء للوالدين و يشتركان فيه طبعا لتكونه من نطفتهما صار في مفروض البحث بعضه حرّا، و الحرية سارية شرعا فتسري إلى الجزء الآخر تغليبا لها على الرقية.

و كون الإسلام كذلك في هذه المراحل أول الكلام، اللّهم إلا أن يكون هنا إجماع، و لذا قال في المستمسك بعد نقل كلام الجواهر: «و الإشكال فيما ذكره ظاهر.» «3» هذا.

و يمكن أن يستدل للمسألة بخبر أبان بن عثمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه «ع» في الصبيّ إذا شبّ فاختار النصرانية و أحد أبويه نصراني أو مسلمين، قال: «لا يترك و لكن يضرب على الإسلام.» «4»

بتقريب أن الظاهر من الخبر أن إسلام أحد الأبوين يكفي في الحكم بإسلامه و وجوب ضربه للارتداد.

و لكن الخبر مرسل إلا في نقل الصدوق، و لكن من المحتمل سقوط الواسطة في نقله.

______________________________

(1)- الوسائل 14/ 528، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

(2)- الجواهر 15/ 384.

(3)- المستمسك 9/ 279.

(4)- الوسائل 18/ 546، الباب 2 من أبواب حدّ المرتد، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 199

..........

______________________________

اللّهم إلا أن يقال: إن أبان من أصحاب الإجماع و هو كاف. و المسألة تحتاج إلى تتبع و تحقيق أزيد.

و يمكن أن يقال: إن المرجع في كل مسألة العمومات أو الأصول بعد الشك في الإلحاق بأحدهما كما مرّ في باب الطهارة

و النجاسة من الرجوع إلى أصل الطهارة.

هذا كله في مسألة الإسلام و الكفر.

[الثاني في الإيمان و الخلاف]

و أمّا الثاني: أعني مسألة الإيمان و الخلاف فالظاهر عدم الإشكال فيما إذا كان الأب مؤمنا لكون الولد تابعا له عرفا و شرعا كما مرّ. و المذكور في أكثر الأخبار السابقة كصحيحتي أبي بصير و عبد الرحمن بن الحجاج و خبر أبي خديجة هو الأب، و إطلاقها يشمل ما إذا كانت الأمّ من المذاهب الأخر، حيث إن في أعصار أئمّتنا «ع» كان التزوج بالنساء غير المؤمنات كثيرا جدّا.

و أما إذا كان الأب مخالفا و الأمّ مؤمنة فإثبات تبعية الولد لها في ذلك محل إشكال. و لو فرض ثبوت الإجماع في مسألة الكفر و الإسلام على ثبوت التبعية لأشرفهما فإسراؤه إلى المقام يحتاج إلى دليل.

و قد يقال: إن العمومات كالآية و نحوها شاملة لهذا الولد، و المانع و هو الاعتقاد بالخلاف لا يوجد فيه فتحكم العمومات.

و فيه مضافا إلى النقض بأولاد أهل الخلاف، أن هذا خلاف الفرض لأن المفروض كون الولاية شرطا و هي غير متحققة فعلا في المقام، فتدبّر.

و أشكل من التبعية للأمّ التبعية للجدّ و الجدة و لا سيّما مع حياة الواسطة و كون الولد في حضانة والديه لا في حضانة الجد و الجدة.

و كون الولد متكونا منهما بالواسطة و شرافة الإسلام و الإيمان على الكفر و الخلاف لا يقتضيان تبعية الولد لهما في العرف و الشرع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 200

[لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين فضلا عن غيرهم]

[المسألة 4]: لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين- فضلا عن غيرهم- من هذا السهم (1).

______________________________

و المذكور في صدر خبر أبي خديجة و إن كان لفظ الذرّية الصادقة على الأحفاد أيضا و لكن المذكور في ذيله هو الأب فيصير قرينة على المراد من الصدر.

كيف! و لو كان إسلام الجد أو الجدة أو

إيمانهما كافيا في الإلحاق لزم الحكم بالإسلام أو الإيمان لجميع الصغار من السادات مثلا لارتقاء نسبهم إلى أمير المؤمنين و الأئمة الأطهار «ع» و هم أجداد لهم.

نعم لو فرض موت الوالدين أو فرارهما مثلا و انتقال الطفل في صغره إلى حضانة الجد و الجدة أمكن القول بتبعيته لهما عرفا، نظير تبعية اللقيط و المسبي للملتقط و السابي على ما قيل.

(1) يعني في حال صغره و احتياجه في الحكم بالإسلام و الإيمان إلى التبعية، و أما المستقل بنفسه فالملاك اختيار نفسه.

قال في الجواهر: «و ولد الزنا من المؤمنين كولده من الكافرين لا تبعية فيه لأحدهما، بناء على كونها في النكاح الصحيح. فدفع الزكاة إليه حينئذ مبني على كون الإيمان فعلا أو حكما شرطا فلا يعطى، أو أن الكفر فعلا أو حكما مانع فيعطى.» «1»

أقول: لا يخفى أنه و إن اشتهر أن ولد الزنا ليس بولد شرعا و لا يترتب عليه أحكامه، و لكن الظاهر أن ألفاظ الولد و البنت و الابن و مقابلاتها لها مفاهيم لغوية و عرفية، و ملاكها تكوّن الشخص من نطفته و نطفتها.

و ليس للشرع و لا للمتشرعة في المقام جعل و اصطلاح خاصّ. و لم يرد في أخبارنا نفي ولدية ولد الزنا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 384.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

نعم ثبت إجمالا نفي التوارث بين ولد الزنا و والديه، فقد أفتى المشهور من أصحابنا بعدم التوارث بينه و بين والديه و قرابته منهما.

و أفتى فقهاء السنة بعدم التوارث بينه و بين والده و أنه يكون بحكم ولد الملاعنة و على ذلك دلّ بعض أخبارنا و به أفتى بعض أصحابنا أيضا على ما في الخلاف (كتاب الفرائض، المسألة 114). «1»

و لكن هذا

حكم تعبدي خاصّ و يكون أعم من نفي الولدية، ألا ترى أن الولد الكافر و الرق و القاتل أيضا لا يرثون مع ثبوت الولدية لهم قطعا. و المذكور في الحديث الشريف قوله «ع»: «الولد لغيّة لا يورث.» «2» فأطلق لفظ الولد و مع ذلك نفى التوريث.

و أمّا قوله «ص»: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» فمورده الشك في كون الولد للزوج أو المولى أو من الزنا:

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فإنه لا يورث منه شي ء، فإن رسول اللّه «ص»، قال:

الولد للفراش و للعاهر الحجر. الحديث.» «3» و نحوه أخبار أخر، فراجع.

و مقتضاها كون الولد لصاحب الوليدة، و لأجل ذلك يشكل الاستدلال بهذه الأخبار على عدم توريث ولد الزنا.

و كيف كان فالواجب في غير مورد الإرث حمل الألفاظ الواردة في لسان الشرع في الأبواب المختلفة على مفاهيمها العرفية.

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 296.

(2)- الوسائل 17/ 567، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الحديث 2.

(3)- الوسائل 17/ 567، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 202

[أعمال غير المؤمن بعد الاستبصار]
[إعادة غير المؤمن زكاته بعد الاستبصار]

[المسألة 5]: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعادها (1).

______________________________

كيف! و هل يلتزم أحد بصحة تزوج الرجل ببنت ولدت من نطفته أو نطفة أبيه زناء، أو تزوج المرأة بابن ولد منها زناء؟

و مقتضى ما ذكرناه أن ما دلّ على وجوب نفقة الولد على والده و إجباره عليها يقتضي وجوب إنفاقه على من ولد منه بزناء أيضا كسائر أولاده.

كيف! و الولد محتاج إلى النفقة و يجب الإنفاق عليه لا محالة، و أبوه الذي

ولّده أولى بذلك من كل أحد، فإنه السبب لوجوده.

و إذا كان الإنسان يجبر على نفقة بهيمته فكيف لا يجبر على نفقة من ولد من نطفته؟ و إذا مات الأب المنفق عليه فهو مثل سائر أولاده الفقراء محتاج إلى النفقة، بل هو أولى بذلك منهم لعدم توريثه و يكون حاجاته من أهم خلّات المسلمين.

فالمناسب حفظ الميت فيه كما دلّ عليه صحيحة أبي بصير الماضية.

و لو قيل بانصراف الأخبار الأربعة التي مرّت عن مثله فلا محالة يجب على إمام المسلمين الإنفاق عليه. و من أهم المنابع المالية للإمام الزكوات.

و بالجملة لا يجوز إهمال هذا الطفل حتى يموت جوعا، و إذا كان هذا الطفل في حضن أبيه و أمّه كسائر أولادهما فالعرف يعدّونه تابعا لهما في الإسلام و الإيمان أيضا.

و أما ما ذكره في الجواهر من المبنى للمسألة ففيه أن المستفاد من الأخبار كما مرّ شرطية الولاية و الإيمان لا مانعية الكفر و الخلاف، فتدبّر.

(1) 1- قال في النهاية: «و لو أن مخالفا أخرج زكاته إلى أهل نحلته ثم استبصر كان عليه إعادة الزكاة.» «1»

أقول: الظاهر أن المراد بالمخالف في المقام كل مسلم غير اثني عشري و إن كان

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 203

..........

______________________________

من فرق الشيعة كالزيدية و الواقفة مثلا.

2- و في الشرائع: «و لو أعطى مخالف زكاته لأهل نحلته ثم استبصر أعاد.» «1»

3- و في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.» «2»

4- و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل لعلّه إجماعي كما حكاه في التنقيح و غيره.» «3»

أقول: و يدل على ذلك- مضافا إلى الإجماع المدّعى و عدم الخلاف، و أنها من قبيل حق الناس فتكون على عهدة المكلف حتى

يوصلها إلى أهلها- أخبار مستفيضة:

1- ما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن عمر بن أذينة، عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد العجلي كلّهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كل صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة، و لا بدّ أن يؤدّيها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنما موضعها أهل الولاية.» «4»

أقول: في النهاية: «الحرورية: طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء بالمد و القصر، و هو موضع قريب من الكوفة كان أول مجتمعهم و تحكيمهم فيها.» «5»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(2)- المدارك/ 319.

(3)- الجواهر 15/ 386.

(4)- الوسائل 6/ 148، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- النهاية لابن الأثير 1/ 366.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

و فيه في معنى المرجئة: «هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضرّ مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سمّوا مرجئة لاعتقادهم أن اللّه أرجى تعذيبهم على المعاصي أي أخّره عنهم.» «1»

و في مجمع البحرين بعد بيان معنى المرجئة قال: «و في الأحاديث: المرجئ يقول: من لم يصلّ و لم يصم و لم يغتسل من جنابة و هدم الكعبة و نكح أمّه فهو على إيمان جبرئيل و ميكائيل!» «2»

و في مجمع البحرين أيضا: «و في الحديث ذكر القدرية، و هم المنسوبون إلى القدر، و يزعمون أن

كل عبد خالق فعله، و لا يرون المعاصي و الكفر بتقدير اللّه و مشيّته.» «3»

أقول: فالمراد بالقدرية جاحدوا تقدير اللّه- تعالى- في أفعال الإنسان.

و الظاهر أن المراد بالعثمانية من حارب أمير المؤمنين «ع» أو كان على رأيهم باسم الحماية عن عثمان.

2- ما رواه الشيخ بسند صحيح عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد اللّه «ع» (في حديث)، قال: «كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلّا الزكاة، فإنه يعيدها، فإنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية، و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء.» «4»

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 2/ 206.

(2)- مجمع البحرين/ 35.

(3)- مجمع البحرين/ 280.

(4)- التهذيب 1/ 449 (طبعته الحجرية)، باب وجوب الحج؛ و الوسائل 6/ 148، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 205

..........

______________________________

3- ما رواه الكليني بسند صحيح عن ابن أذنية، قال كتب إليّ أبو عبد اللّه «ع»: «إن كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم منّ اللّه عليه و عرّفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه و يكتب له إلّا الزكاة، فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها، و إنما موضعها أهل الولاية، و أما الصلاة و الصوم فليس عليه قضاؤهما.» «1»

أقول: و الظاهر اتحاد هذا الخبر مع سابقه و سقوط بريد من سنده، فتأمّل.

4- ما رواه في الذكرى نقلا من كتاب علي بن إسماعيل الميثمي، عن محمد بن حكيم، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين، فقالا: إنا كنا نقول بقول، و إن اللّه

منّ علينا بولايتك، فهل يقبل شي ء من أعمالنا؟ فقال: «أما الصلاة و الصوم و الصدقة فإن اللّه يتبعكما ذلك و يلحق بكما.

و أمّا الزكاة فلا، لأنكما أبعدتما حقّ امرء مسلم و أعطيتماه غيره.» «2» هذا.

و مقتضى وجوب إعادة الزكاة عدم وقوع ما أعطاه زكاة فيجوز استرجاعه مع بقاء عينه، بل يجب مع تعيّنه زكاة بالعزل.

و أما مع التلف فيشكل جواز استرجاعه إذ الآخذ مغرور و قد رأى نفسه مستحقا فلا وجه لتضمينه.

و مقتضى تعليل وجوب الإعادة بوضعها في غير موضعها وجوب إعادة كل واجب ماليّ كالخمس و الكفارات أيضا إذا فرض وضعهما في غير موضعهما. و الفارق بين الواجبات المالية و غيرها أن الواجب المالي يشتمل على حق الناس فيبقى على العهدة حتى يصل إلى أهله بخلاف العبادات المتمحضة في حق اللّه- تعالى- لإمكان إسقاطها رحمة على من استبصر كما أسقطها عمن أسلم رحمة منه تعالى.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 149، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 1/ 98، الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 206

[عدم إعادة غير المؤمن الصلاة و الصوم بعد الاستبصار]

بخلاف الصلاة و الصوم (1)

______________________________

(1) لما في النصوص المتقدمة من التصريح بعدم وجوب قضائهما مع أن المتعارف بينهم الإتيان بهما على وفق مذاهبهم و على خلاف المذهب الحقّ.

و لكن في التذكرة بعد نقل ما مرّ من صحيحة الفضلاء قال: «و هذا الحديث حسن الطريق، و هل هو مطلق؟ نصّ علماؤنا على أنه في الحج إذا لم يخلّ بشي ء من أركانه لا تجب عليه إعادته، أما الصلاة و الصوم ففيهما إشكال، من حيث إنّ الطهارة لم تقع على الوجه المشروع، و الإفطار قد يقع منهم في غير وقته.

و يمكن الجواب بأن الجهل

عذر كالتقية فصحّت الطهارة، و الإفطار قبل الغروب إذا كان لشبهة فلا يستعقب القضاء كالظلمة الموهمة فكذا هنا، و بالجملة فالمسألة محل إشكال.» «1»

أقول: لا يخفى أن ما ذكره- قدّس سرّه- كأنه اجتهاد في مقابلة النص كما في الجواهر. «2» و قياسه الجهل على التقية مع الفارق، فإن التقية كالاضطرار عنوان ثانويّ يوجب انقلاب التكليف بخلاف الجهل و لو كان عن قصور فإنه و إن كان معذورا حينئذ و لكن الواقع باق على ما كان، و مقتضاه عدم الإجزاء بعد انكشاف الخلاف إلّا مع قيام الدليل كما في المقام.

و ينبغي هنا التنبيه على أمرين:
[الأول: ليس في عدم القضاء دلالة على صحة الأداء]

الأول: قال في المدارك في المقام: «ليس في هذا الحكم أعني سقوط القضاء دلالة على صحة الأداء بوجه، فإن القضاء فرض مستأنف فلا يثبت إلّا مع الدلالة فكيف مع قيام الدليل على خلافه.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 234.

(2)- الجواهر 15/ 387.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 207

..........

______________________________

مع أن الحقّ بطان عبادة المخالف و إن فرض وقوعها مستجمعة لشرائط الصحة عندنا للأخبار المستفيضة المتضمنة لعدم انتفاعه بشي ء من أعماله.» «1»

أقول: الأخبار المستفيضة التي أشار إليها في المدارك مذكورة في أبواب مقدمات العبادات من الوسائل «2»، و مفادها بكثرتها عدم قبول الأعمال و عدم نفعها و عدم الثواب عليها بدون ولاية أهل البيت «ع» و معرفة الإمام منهم.

و لأحد المناقشة في دلالتها على عدم الصحة، إذ عدم القبول و الثواب لا ينافي الصحة بمعنى إسقاط الأمر و عدم وجوب الإعادة و القضاء، بل و عدم استحقاق العقوبة على الترك.

و لذا نختار وجوب القضاء على المخالف و لو بعد استبصاره إن كان ترك واجباته العبادية من الصلاة و الصوم رأسا أو أتى بها فاقدة لأركانها على وفق مذهبه، و إنما نقول

بعدم القضاء إن أتى بها على وفق مذهبه و هو المستفاد من الأخبار في المقام، و لعل الظاهر منها صحة ما أتى به.

اللّهم إلا أن يقال: إن إسقاط القضاء تفضل منه- تعالى- بعد استبصاره، و التفضل إنما وقع منه بالنسبة إلى من كان بصدد امتثال أوامر اللّه لا التارك لها عصيانا و طغيانا.

و في الجواهر بعد نقل كلام المدارك قال: «قلت: لعلّ قوله «ع»: «يؤجر عليه» فيه دلالة على الصحة كخبر ابن حكيم ... فيكون الإيمان حينئذ شرطا كاشفا لصحة عباداته السابقة، و الأخبار المستفيضة إنما تدلّ على الأعمال التي لم يتعقبها إيمان.» «3»

______________________________

(1)- المدارك/ 320.

(2)- راجع الوسائل 1/ 90- 96، الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات.

(3)- الجواهر 15/ 387.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 208

..........

______________________________

أقول: مراده من خبر ابن حكيم قوله: «فإن اللّه يتبعكما ذلك فيلحق بكما.»

و كيف كان فلا إشكال في عدم وجوب قضاء الصلاة و الصوم بعد ما استبصر إذا كان قد أتى بهما على وفق مذهبه، سواء قلنا بالصحة مطلقا أو بشرط الإيمان المتأخر أو بالسقوط تفضلا، فتدبّر.

[الأمر الثاني: السقوط عن الكافر الأصلي]

الأمر الثاني: في المدارك في فصل قضاء الصلوات قال: «و أمّا سقوطه عن الكافر الأصلي فموضع وفاق أيضا و في الأخبار دلالة عليه، و يستفاد من ذلك أنه لا يخاطب بالقضاء و إن كان مخاطبا بغيره من التكاليف لامتناع وقوعه منه في حال كفره و سقوطه بإسلامه.» «1»

أقول: و هذا البيان يجري في المخالف في المقام أيضا بناء على عدم صحة عباداته. و محصّله استحالة تكليفهما بالقضاء، إذ التكليف مشروط بالقدرة على الامتثال. و المفروض أنه في حال الكفر أو الخلاف لا يصح منهما، و بعد الإسلام أو الاستبصار يسقط. و لا

يجري هذا الإشكال في الأداء لإمكان امتثاله في الوقت بتحصيل الشرط فيه أعني الإسلام و الإيمان.

و قد تعرض لهذا الإشكال في الجواهر و قال: «ربما أجيب بالتزام عدم التكليف به، أو بأن التكليف به ابتلائي و امتحاني، لأنه هو الذي صيّر نفسه كذلك، ضرورة إمكان حصول الإيمان منه قبل فوات وقت الأداء لتعقل خطابه بالقضاء.» «2»

أقول: مفاد الجواب الأول هو الالتزام بالإشكال و هذا ينافي الإجماع المدّعى على الشركة في التكاليف و أن الكفار و أهل الخلاف مكلّفون بالفروع أيضا.

______________________________

(1)- المدارك/ 255.

(2)- الجواهر 15/ 388.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 209

..........

______________________________

و أما الجواب الثاني فينحل إلى جوابين:

الأول أن التكليف بالقضاء و إن لم يمكن امتثاله و لكن يترتب عليه أثره و هو العقاب على الترك كما في كل تكليف امتحاني لا يراد منه تحقق الفعل خارجا كأمر إبراهيم «ع» بذبح ولده، و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

الثاني أنه بعد الوقت و إن لم يصح تكليفه بالقضاء، و لكنه في الوقت حيث كان يتمكن من اختيار الإسلام و الإيمان ثم الإتيان بالصلاة فيه أداء و بعده قضاء فلا مانع من تكليفه حينئذ بهما.

و بعبارة أخرى يشترط كل من الأداء و القضاء بالإسلام و الإيمان في الوقت و هما مقدوران، فكأنه قيل له في الوقت: أسلم و آمن ثم أدّ الصلاة فيه و إن تركتها فاقضها. هذا.

و لكنه يمكن أن يجاب عن البيان الأول بقبح العقاب على أمر غير مقدور، و قبح التكليف فعلا مع سلب الاختيار و لو بالاختيار.

و عن البيان الثاني بما في المستمسك قال: «لكن هذا راجع إلى تسليم عدم تكليف الكافر بالقضاء تكليفا فعليا في خارج الوقت، و أن التكليف بالقضاء متوجه إليه

في الوقت لا غير، و بعد خروج الوقت لا تكليف فعلي في حقه إذا لم يسلم في الوقت لانتفاء القدرة على شرطه و هو الإسلام في الوقت الفائت بفوات الوقت ...» «1»

أقول: و الذي يسهّل الخطب جواز منع الإجماع على الشركة في جميع الفروع حتى في مثل القضاء، إذ الإجماع على فرض تحققه دليل لبّي و المتيقن منه على فرض صحّته التكاليف و الخطابات الأولية لا مثل القضاء المتفرع على ترك العمل في وقته، فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 7/ 53.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 210

[الحكم ثابت فيما إذا جاء بهما على وفق مذهبه]

إذا جاء بهما على وفق مذهبه (1).

______________________________

(1) في صلاة مصباح الفقيه: «و لو أتى بها على وفق مذهبنا على وجه تأتى منه قصد القربة كما لو جهل بشي ء فسأل المفتي مثلا فأرشده إلى ما يوافق الحق فعمل به بقصد التقرب فهل يلحق بالفاسدة في وجوب قضائها لكونها فاسدة عندهم من حيث المخالفة لمذهبهم و عندنا أيضا لكونها فاقدة لشرط الولاية المعتبرة لدينا في قبول الأعمال؟ وجهان: أوجههما العدم، فإن ما دلّ على مضيّ أعمالهم بعد الإسلام يدل عليه في مثل الفرض بالفحوى بل شمول قوله «ع» في صحيحة الفضلاء و رواية ابن أذينة: «و كل عمل عمله ...» لمثل الفرض أوضح من شموله للعبادات الفاسدة الواقعة على وفق مذهبهم، مع أن شرطية الولاية لقبول الأعمال على الظاهر ليس على وجه يكون منافيا لذلك فلا ينبغي الاستشكال فيه.» «1»

أقول: قوله: «بعد الإسلام» من سهو القلم، و الصحيح: «بعد الإيمان»

ثم نقول: إن المخالف إن اعتقد صحة العمل الذي أتى به على وفق مذهبنا مثل أن أفتى مفتيهم بجواز العمل على وفق مذهب الشيعة أيضا فهذا في الحقيقة يرجع إلى العمل على وفق

مذهبهم فيشمله الأخبار قطعا.

و أما إن اعتقد بطلان العمل على وفق مذهبنا بحيث لا يرجو عليه أجرا و إن فرض حصول قصد القربة منه كما إذا استفتى من أحد من علماء الشيعة بزعم أنه من علماء مذهبه فعمل بقوله ثم انكشف له بطلان عمله على وفق مذهب نفسه فشمول هذه الأخبار له مشكل لانصرافها عنه. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: بعد الاستبصار لا يرى وجه للحكم ببطلان ما عمله على وفق المذهب الحق مع تحقق قصد القربة إلّا فقدانه للولاية حين العمل، و إذا فرض كفاية الولاية بنحو الشرط المتأخر في صحة ما أتى به على وفق المذهب الباطل فكيف لا يكتفي بها في صحّة ما أتى به على وفق المذهب الحقّ؟!

______________________________

(1)- مصباح الفقيه (كتاب الصلاة)/ 601.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 211

[حج المخالف ثم الاستبصار]

بل و كذا الحجّ، و إن كان قد ترك منه ركنا عندنا على الأصحّ (1).

______________________________

و بالجملة، الأخبار المذكورة و إن فرض انصرافها بدوا و لكن الأولوية التي ادعاها في مصباح الفقيه واضحة، فتدبّر.

(1) قد مرّ عن التذكرة قوله: «نصّ علماؤنا على أنه في الحج إذا لم يخلّ بشي ء من أركانه لا يجب عليه إعادته.» «1»

و في حجّ الشرائع: «و المخالف إذا استبصر لا يعيد الحج إلا أن يخلّ بركن منه.» «2»

و نحو ذلك في حج المعتبر «3» و القواعد «4».

أقول: كلامهم ذو وجهين: فإن أرادوا بالإخلال الإخلال بما هو ركن في مذهبه فالحكم بالإعادة فيه وجيه إذ ظاهر الأخبار الماضية صورة الإتيان بالعمل بنحو يصح على مذهبه.

و إن أرادوا الإخلال بما هو من الأركان في مذهبنا ففيه أن هذا التفصيل مخالف لإطلاق الأخبار الماضية.

و لكن في حج الدروس: «و اختلف في اشتراط

الإيمان في الصحة، و المشهور عدم اشتراطه، فلو حج المخالف أجزأ ما لم يخلّ بركن عندنا لا عندهم، فلو استبصر لم تجب الإعادة» «5»

قال في المدارك هنا: «لا وجه لتقييد ذلك في الحج بعدم الإخلال بركن منه كما سنبينه في محلّه.» «6»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 234.

(2)- الشرائع 1/ 228 (- طبعة أخرى/ 167).

(3)- المعتبر/ 331.

(4)- القواعد 1/ 76.

(5)- الدروس/ 85.

(6)- المدارك/ 320.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 212

[لو دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر]

نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر أجزأ (1)، و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.

______________________________

و في الجواهر بعد نقل كلام الدروس قال: «لم نجد ما يصلح للفرق بينه و بين غيره من العبادات التي عرفت اعتبار عدم الإخلال بها على مذهبه لا مذهبنا، بل ظاهر الأدلة أو صريحها عدم الفرق.» «1»

أقول: إطلاق الأخبار الماضية واضح، نعم يظهر من بعض الأخبار لزوم إعادة الحج عليه، فكأنهم جمعوا بين طائفتين بالتفصيل بين الإخلال بالركن و عدمه، و يظهر من صاحب الوسائل أيضا ذلك. و فيه أن هذا جمع تبرعي لا شاهد له. و الظاهر حمل الطائفة الثانية على الاستحباب بقرينة طائفة ثالثة تشهد لذلك: ففي صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: «قد قضى فريضته و لو حج لكان أحبّ إليّ.» قال: و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّه عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال: «يقضي أحبّ إليّ.» «2» هذا.

و محل البحث في

المسألة كتاب الحج.

(1) إذ علة عدم الإجزاء كان وضعها في غير موضعها، مضافا إلى عدم كون المزكي من أهل الإيمان و الولاية، فإذا فرضنا وضعها في موضعها، و قلنا بكفاية لحوق الإيمان بنحو الشرط المتأخر كما مرّ في الصلاة و الصيام و الحج فلا يبقى وجه لعدم الإجزاء.

فإن قلت: يعتبر في الصحة قصد القربة، و المخالف يرى الشيعي مبدعا غير

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 388.

(2)- الوسائل 8/ 42، الباب 23 من أبواب وجوب الحج، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 213

..........

______________________________

أهل فكيف بقصد بعمله القربة؟!

قلت: بعضهم يرى المصرف كل مسلم، و لو سلّم فلعله لم يلتفت حين الأداء إلى كونه شيعيا.

فإن قلت: مقتضى إطلاق الأخبار الماضية عدم صحة زكاتهم مطلقا، و التعليل لا يخصّص.

قلت: الظاهر أن العلة تعمم و تخصّص و يكون الحكم دائرا مدارها و على ذلك بناء الفقهاء في جميع الأبواب.

فكما عمّمنا الحكم للخمس و الكفارات بسبب عموم العلة فكذلك نخصّص الحكم بمورد العلة بسبب كونها خاصة من جهة.

و لكن في الجواهر بعد ما نسب عدم وجوب الإعادة هنا الى غير واحد قال ما ملخّصه:

«و فيه بحث لمعارضته بإطلاق المعلّل إذ هو كالبحث في اقتضاء اختصاص الضمير العائد الى العام تخصيص العام كقوله- تعالى-: «وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ. وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ إِنْ أَرٰادُوا إِصْلٰاحاً.» فيبقى العام على دلالته اللفظية، اللّهم إلّا أن يدّعى الفهم العرفي و هو غير بعيد.» «1»

أقول: ما ذكره أخيرا من الفهم العرفي هو الصحيح، و تنظيره المقام بمورد الآية الشريفة غير صحيح كما في مصباح الهدى، قال ما محصله: «أنه في الآية الشريفة ثبت حكمان مستقلان: أحدهما للعام و الآخر لبعض أفراده فلا يصادم

الحكم الثاني عموم الأول.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 388؛ و الآية المذكورة من سورة البقرة (2)، رقمها: 228.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 214

[وقت النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون]

[المسألة 6]: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ (1) إذا كان على وجه التمليك، و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف (2).

______________________________

و هذا بخلاف المقام و نظائره من موارد التعليل، حيث إن المذكور فيه حكم واحد وضع على العام أو المطلق و لكن علّل عقيب ذلك بعلة أخصّ من وجه بنحو يظهر منها دوران الحكم مدارها فلا ينعقد للجملة الأولى ظهور في إرادة العموم و الإطلاق أصلا.» «1»

و ما ذكره وجيه يساعده الفهم العرفي. هذا.

و لو صرف المخالف الزكاة في الجهات العامة التي يجوز صرفها فيها كالجهاد و بناء المساجد و المدارس لأهل الإيمان ثم استبصر فالظاهر أن حكمه حكم الإعطاء للشيعة.

و لو أعطى الشيعي زكاته للمخالف وجب عليه إعادتها لما دلّ من أن موضعها أهل الولاية. و لخصوص صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له:

رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: نعم. الحديث. «2»

(1) أو إلى من يقوم بأمر هما مع عدم الوليّ، كما مرّ عن التذكرة، بل و إلى الطفل نفسه إن كان مميزا، كما مرّ عن مصباح الفقيه. «3»

(2) و قد مرّ عن مجمع الفائدة قوله: «و يمكن كون النية عند الوضع عندهم، أو الوضع في الفم، و عند الأخذ، و عند المضغ، و عند البلع، و الظاهر أن قصد الزكاة عند ذلك يكفي.» «4»

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 258.

(2)- الوسائل 6/ 147، الباب 2 من أبواب المستحقين

للزكاة، الحديث 1.

(3)- راجع ص 190.

(4)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 176.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 215

[كفاية الإقرار الإجمالي بالأئمة]

[المسألة 7]: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوامّ المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلّا بهذا اللفظ، أو النبي «ص» أو الأئمّة «ع» كلّا أو بعضا، أو شيئا من المعارف الخمس، و استقرب عدم الإجزاء.

بل ذكر بعض آخر أنه لا يكفي معرفة الأئمة «ع» بأسمائهم، بل لا بدّ في كلّ واحد أن يعرف أنّه من هو، و ابن من. فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره، و أن يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم مؤمن اثنا عشري.

و ما ذكروه مشكل جدّا، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي و إن لم يعرف أسماءهم أيضا فضلا عن أسماء آبائهم و الترتيب في خلافتهم (1).

______________________________

أقول: و الشبهة في الفرض الأخير بل و ما قبله خروجه عن المالية عرفا، و استظهار الكفاية من جهة كونه مالا عند الآكل. و قد مرّ منا الاحتياط بالتمليك ثم الصرف عليهما.

(1) في الحدائق: «نعم يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول ممن لا يعرفون اللّه- سبحانه- إلا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو؟ لربما قال: محمّد أو عليّ! و لا يعرف الأئمة- عليهم السلام- كملا و لا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا فضلا عن التصديق بها.

و الظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم و إن حكم بإسلامهم و إجراء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

أحكام الإسلام عليهم في الدنيا. و أمّا في الآخرة فهم من المرجين لأمر اللّه إما يعذبهم

و إما يتوب عليهم.

و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال لاشتراط ذلك بالإيمان و هو غير ثابت. و ليس كذلك النكاح و الميراث و نحوهما فإن الشرط فيها الإسلام و هو حاصل. و بالجملة فالأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم.» «1»

و في المستند بعد نقل كلام الحدائق قال: «و هو كذلك، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر و من كان من أهل الولاية. و من لم يعرف الأئمة «ع» أو واحدا منهم أو النبي «ص» لا يصدق عليه أنه يعرف صاحب هذا الأمر و لا يعلم أنه من أهل الولاية و أنه العارف، بل و كذلك لو عرف الكل بأسمائهم فقط يعني مجرد اللفظ و لم يعرف أنه من هو و ابن من، إذ لا يصدق عليه أنه يعرفه و لا يتميز عن غيره.

و الحاصل أنه يشترط معرفته بحيث يعيّنه في شخصه و يميّز عن غيره، و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر نعم إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة و لا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم مؤمن و اثنا عشري.

و لو علمنا أنه يعرف النبي «ص» و الأئمة «ع» بأسمائهم الشريفة و أنسابهم المنيفة و ترتيبهم و أقرّ بما يجب الإقرار به في حقهم فهل يجب الفحص عن حاله أنه هل هو مجرد إقرار أو مذعن بما يعترف و معتقد له؟ لا يجب، لأنه خلاف سيرة العلماء و وظيفتهم و لأن معرفة ذلك غير ممكن غالبا إذ قد يحصل

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 206.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 217

..........

______________________________

اليقين بما لا يمكنه بيانه ...»

«1»

أقول: الظاهر صحة ما ذكره المصنف من كفاية الإقرار الإجمالي و إن لم يعرف أسماءهم لا بأن يتلفظ بالألفاظ بلا توجّه إلى المعاني أصلا بل بأن يؤمن بهم و لو إجمالا، و ذلك للسيرة القطعية في جميع الأعصار على عدّهم عرفا من طائفة الشيعة و معاملة الشيعة الإمامية معهم في انقسامات المجتمع، و الصدق العرفي كاف في شمول العمومات و إجراء الأحكام. و لعل ما ذكره العلمان و لا سيما صاحب المستند يوجب تخصيص الكثير و حرمانهم عن الزكوات. هذا.

مضافا إلى ما مرّ من أن الروايات ناظرة إلى بيان وظيفة المزكّي لا الإمام و الحاكم، و أن الإمام لا محالة يجب عليه أن يسدّ بالزكوات و نحوها خلّات جميع المسلمين ممن يكون تحت لوائه و حكمه.

و هل ترى أن أمير المؤمنين «ع» في عصر خلافته كان لا يعتني بهذا القبيل من المسلمين الكثيرين في البوادي و العشائر البدوية و كان يمنع فقراءهم و ضعفاءهم من أموال بيت المال؟

بل في خبر الإمام العسكري «ع» في تفسيره المنسوب إليه: «فقيل لرسول اللّه «ص»: فمن يستحق الزكاة؟ قال: المستضعفون من شيعة محمد و آله الذين لم تقو بصائرهم. فأما من قويت بصيرته و حسنت بالولاية لأوليائه و البراءة من أعدائه معرفته فذاك أخوكم في الدين، أمسّ بكم رحما من الآباء و الأمهات المخالفين، فلا تعطوه زكاة و لا صدقة فإن موالينا و شيعتنا منّا، و كلنا كالجسد الواحد يحرم على جماعتنا الزكاة و الصدقة. و ليكن ما تعطونه إخوانكم المستبصرين: البرّ، و ارفعوهم عن الزكوات و الصدقات، و نزهوهم عن أن تصبّوا عليهم أوساخكم.

______________________________

(1)- المستند 2/ 50.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 218

[لا يكفي مجرّد الدعوى للإيمان]

لكن هذا مع العلم بصدقه

في دعواه أنّه من المؤمنين الاثني عشرييّن. و أمّا إذا كان بمجرّد الدعوى و لم يعلم صدقه و كذبه فيجب الفحص عنه (1).

______________________________

الحديث.» «1» و رواه عنه في الوسائل باختلاف ما، فراجع. «2»

أقول: ما تضمن من منع الشيعة المستبصرين من الزكاة و الصدقة محمول على الاستحباب، كما في الوسائل.

(1) ما مرّ كان في بيان المؤمن بحسب مقام الثبوت و أنه هل يعتبر في صدقه العلم التفصيلى بأسماء الأئمة «ع» و جميع خصوصيّاتهم أو يكفى العلم و الأيمان إجمالا؟

و أمّا في مقام الأثبات ففي الجواهر قال: «فمجهول الحال لا يعطى إلّا أن يكون هناك طريق شرعي لإثبات إيمانه: بدعواه أو كونه مندرجا في سبيل أهل الإيمان. قال الأستاذ في كشفه: و يكفي في ثبوت وصف الايمان ادّعاؤه و كونه مندرجا في سلك أهله، أو ساكنا أو داخلا في أرضهم ما لم يعلم خلافه.» «3»

أقول: ما يمكن أن يعتمد عليه في مقام الإثبات: العلم و البينة و شهادة العدل الواحد و دعوى نفسه و كونه مندرجا في سلكهم أو ساكنا في بلادهم.

أما العلم و البينة فواضحان. و أما العدل الواحد فمحل إشكال، اللّهم إلّا أن يحصل بقوله الوثوق و سكون النفس.

و أما دعوى نفسه فإن حصل منها الوثوق فلا إشكال، و أما مع الشك فقد ظهر من كشف الغطاء و الجواهر الاكتفاء بها و عدم وجوب الفحص، و كذلك مرّ

______________________________

(1)- تفسير الإمام العسكري «ع» (ط. الجديدة)/ 79.

(2)- الوسائل 6/ 157، الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(3)- الجواهر 15/ 379.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 219

..........

______________________________

من المستند، قال: «لأنه خلاف سيرة العلماء.»

و المصنف أفتى بوجوب الفحص. و الأقوى وفاقا لكثير من الأساتذة المعلقين على

المتن عدم وجوب الفحص إلّا إذا كان المدّعي متهما بالكذب و النفاق أو ظاهرا عليه آثاره. و على ذلك استقرّ بناء العقلاء و سيرة العلماء في هذا السنخ من الأمور التي لا تعرف غالبا إلّا من قبل المدّعي. و لكن الأحوط الاقتصار على صورة حصول الظن.

و أما مع احتفاف الدعوى بما يوجب الوثوق أو الظن بالخلاف و أنه يكذب و ينافق فالظاهر عدم الاعتبار و عدم الدليل على كون الإيمان مثل الإسلام في ترتيب آثاره على المنافق في إظهاره أيضا.

و إنما حكمنا بذلك في باب الإسلام لما ثبت من معاشرة النبي «ص» مع المنافقين المظهرين للإسلام معاشرة إسلامية مع علمه بنفاقهم، و دلالة جملة من الأخبار على كفاية إظهار الشهادتين في إجراء أحكام الإسلام بنحو الموضوعية لا الطريقية.

و في الكتاب العزيز: «قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ.» «1»

و أما كونه مندرجا في سلك أهل الإيمان أو ساكنا في أرضهم و بلادهم بلا إقرار و اعتراف فالاعتماد عليهما مشكل إلا مع الوثوق و الاطمئنان.

و تنظيرهما على بلاد الإسلام و سوق المسلمين المجعولين أمارة على إسلام من فيها و تذكية الجلود و اللحوم قياس، و نحن لا نقول به، و لعل ذلك كان لتسهيل الأمر على المسلمين، فتدبّر.

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 220

[لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمّ تبيّن خلافه]

[المسألة 8]: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمّ تبيّن خلافه فالأقوى عدم الإجزاء (1).

______________________________

(1) هذه المسألة نظير المسألة الثالثة عشرة أعني ما لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا، و قد تعرضنا للمسألة بالتفصيل، فراجع كتابنا في الزكاة. «1»

و اخترنا هناك عدم الإجزاء إذا كان

الدفع بالعلم الوجداني أو أمارة عقلائية لعدم جعل شرعي فيهما.

و أمّا إذا كان بإذن شرعي من أصل أو أمارة مجعولة أو دفعها إلى المجتهد أو المأذون من قبله بعنوان الولاية الشرعية، و الاشتباه في الدفع كان من قبل المجتهد فعدم الضمان وجيه بل عدم الضمان مطلقا مع عدم التفريط أيضا لا يخلو من وجه و لا سيما إذا كانت معزولة، فتدبّر.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 386.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 221

2- أن لا يكون الدفع إليه إعانة على الإثم

اشارة

الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي، خصوصا إذا كان تركه ردعا له عنها.

و الأقوى عدم اشتراط العدالة، و لا عدم ارتكاب الكبائر، و لا عدم كونه شارب الخمر. فيجوز دفعها إلى الفساق و مرتكبي الكبائر، و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان (1).

[العدالة المعتبرة في مستحق الزكاة ما هي]

______________________________

(1) هل يعتبر فيمن يعطى الزكاة العدالة بالمعنى المعتبر في إمام الجماعة و البينات و نحوهما كما هو الظاهر من أكثر القدماء من أصحابنا، أو أن يكون تقيا أو عفيفا كما عن المفيد، أو أن لا يكون فاسقا كما هو الظاهر من السيد في الانتصار، أو أن لا يكون مقيما على الكبائر كما عن ابن الجنيد، أو عدم كونه شارب خمر كما هو المستفاد من بعض الأخبار، أو عدم كونه ممن يصرفها في المعاصي كما في المتن فلا يعطى لعادل يعلم بأنه في المآل يصرفها في المعاصي و يعطى لفاسق يعلم بعدم صرفه فيها، أو لا يعتبر شي ء من هذه الأمور بل يكفي كونه من أهل الولاية كما هو الظاهر من ابني بابويه و سلار، حيث اعتبروا الولاية دون غيرها؟ في المسألة أقوال:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 222

..........

______________________________

1- ففي المقنعة بعد ذكر الفقر و المسكنة قال: «و لا تجوز لأحد من هذين الصنفين و لا من الستة المقدم ذكرهم إلّا بعد أن يكون عارفا تقيا.» «1»

2- و في المختلف عن غرية المفيد: «و لا يعطى منها فقير حتى يكون عارفا عفيفا.» «2»

أقول: إن أراد بالتقوى و العفة اجتناب المعاصي عن ملكة صارا عبارة أخرى عن العدالة بمعنى الملكة.

3- و في الانتصار: «و ممّا انفردت

به الإمامية القول بأن الزكاة لا تخرج إلى الفسّاق و إن كانوا معتقدين الحقّ، و اجاز باقي الفقهاء أن تخرج إلى الفساق و أصحاب الكبائر. دليلنا على صحّة مذهبنا الإجماع المتردّد و طريقة الاحتياط و اليقين ببراءة الذمّة أيضا لأن إخراجها إلى من ليس بفاسق مجزئ بلا خلاف، و إذا أخرجها إلى الفاسق فلا يقين ببراءة الذمّة منها.

و يمكن أن يستدلّ على ذلك بكل ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق و العصاة و تقويتهم، و ذلك كثير.» «3»

أقول: قال الراغب في المفردات: «فسق فلان: خرج عن حجر الشرع و ذلك من قولهم: فسق الرطب إذا خرج عن قشره، و هو أعمّ من الكفر. و الفسق يقع بالقليل من الذنوب و بالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا.» «4»

فإن أراد السيّد- قدّس سرّه- بالفاسق المعنى الأخير أعني من كثر منه الذنوب و اعتادها صار عبارة أخرى عن المقيم على كبيرة المذكور فيما يأتى عن ابن الجنيد

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- المختلف/ 182.

(3)- الجوامع الفقهية/ 112 (- طبعة أخرى/ 154).

(4)- مفردات الراغب/ 394.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 223

..........

______________________________

فينطبق على المتهتك المتجاهر بالمعاصي، و لعله الظاهر من التعبير بأصحاب الكبائر بل و مما استدل به في آخر كلامه أيضا.

و بالجملة يراد بالفاسق المعنى الثبوتي لا الحدوثي فلا يصدق على من حدث منه ذنب ما في خلال أفعاله اليومية لعارض اتفاقي الذي لا ينجو منه إلّا الأوحدىّ من الناس، حيث إن الواجد لملكة العدالة و الخوف من اللّه- تعالى- أيضا ربما يتفق له صدور معصية منه لفوران الشهوة أو الغضب آنا ما ثم يتنبه فورا و يندم و يرجع إلى حالته الأولى من جهة

قوة الملكة فيكون عادلا و لا يطلق عليه عنوان الفاسق.

لوضوح افتراق العدالة عن العصمة.

و على هذا فمرجع كلامه إلى كون الفسق بمعنى التهتك و المداومة على المعاصى مانعا، و اليه يرجع كلام ابن الجنيد أيضا. و إن أراد السيد بالفاسق مطلق من حدث منه ذنب كان مقتضاه اعتبار الاجتناب عن الذنوب مطلقا أو عن الكبائر لا محالة، اللّهم إلّا أن يتوب و يحرز توبته، و حينئذ فإن فسّرنا العدالة أيضا بالاجتناب عن الذنوب عملا بلا اعتبار لوجود الملكة كما نسب إلى ابني إدريس و حمزة أمكن القول برجوع كلامه إلى اشتراط العدالة الذي عليه الأكثر كما يأتي.

و أما إن فسّرناها بالكيفية النفسانية الباعثة على ملازمة التقوى عملا، أو بالاستقامة الفعلية الناشئة عن ملكة الخوف و التقوى على ما هو المشهور بين المتأخرين صار اشتراط عدم الفسق مغايرا لاشتراط العدالة في كلام الأصحاب، إذ من الممكن أن يكون الاجتناب ناشئا من عدم تحقق الشرائط أو عدم الميل أو وجود الحياء أو حفظ الموقعية الاجتماعية أو نحو ذلك فيصدق حينئذ عدم الفسق و لا تصدق العدالة، و مرجع ذلك أيضا إلى كون الفسق مانعا لا كون العدالة شرطا.

و لكن في المسالك قال: «لا ريب في أن اعتبار العدالة أولى مع الإمكان بل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

ادعى المرتضى على اشتراطها الإجماع.» «1»

و صاحب الجواهر أيضا أصرّ على إرجاع كلام السيد هنا إلى القول باشتراط العدالة و الإجماع عليه، قال: «و من هنا حكى الفاضلان و الشهيد و غيرهم عن السيد كما قيل شرطيتها و دعواه الإجماع عليها.» «2»

أقول: و مما ذكرنا يظهر لك عدم صحة هذه النسبة إلا على بعض الوجوه.

ثم إن ظاهر كلام السيد

بقرينة العطف أن مراده بالفاسق مرتكب الكبيرة فقط، اللّهم إلّا أن يكون العطف من قبيل عطف الخاص على العام للاهتمام، فتدبّر.

4- و في الجامع لابن عمّ المحقق: و لا تحلّ الزكاة لمخالف في الاعتقاد و لا لفاسق و إن وافق فيه.» «3»

أقول: و الكلام فيه ما هو الكلام في كلام السيد المرتضى.

5- و في المختلف عن ابن الجنيد: «لا يجوز إعطاء شارب خمر أو مقيم على كبيرة منها شيئا.» «4»

أقول: الظاهر من المقيم على كبيرة بل و كذا من شارب خمر: المعتاد المدمن لها لا من ارتكبها من باب الاتفاق، فما نسب إليه من اعتبار مجانبة الكبائر مطلقا محل إشكال. و المذكور في رواية داود الصرمى الآتية شارب الخمر، فلعله استفاد منها الكبائر بإلغاء الخصوصية. و هل يعم الكبيرة في كلامه الإصرار على الصغائر أيضا أم لا؟ وجهان، و لعل الأظهر هو الثاني.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 61.

(2)- الجواهر 15/ 389.

(3)- الجامع للشرائع/ 144.

(4)- المختلف/ 182.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 225

..........

______________________________

6- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 3): «الظاهر من مذهب أصحابنا أن زكاة الأموال لا تعطى إلّا العدول من أهل الولاية دون الفسّاق منهم. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: إذا أعطى الفاسق برئت ذمّته، و به قال قوم من أصحابنا. دليلنا طريقة الاحتياط، لأنه إذا اعطاها العدول برئت ذمّته بلا خلاف، و إذا أعطاها لغير عدل لم تبرأ ذمته بيقين.» «1»

أقول: يظهر من عبارة الخلاف عدم كون المسألة إجماعية عندنا كما أن الظاهر منها عدم الواسطة بين العدالة و الفسق عنده، فلعله أراد بالفسق ارتكاب الذنب و بالعدالة عدمه. و كذا فيما يأتي من كلماته.

7- و في النهاية: «و لا يجوز

أن يعطى الزكاة من أهل المعرفة إلّا أهل الستر و الصلاح، فأما الفسّاق و شرّاب الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا.» «2»

أقول: الظاهر أن الستر و الصلاح كالتقوى و العفة في كلام المفيد عبارة أخرى عن العدالة.

8- و في المبسوط: «و يعتبر مع الفقر و المسكنة الإيمان و العدالة، فإن لم يكن مؤمنا أو كان فاسقا فإنه لا يستحق الزكاة.» «3»

9- و في الجمل: «و يراعى فيهم أجمع- إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ- شروط أربعة:

الإيمان و العدالة ...» «4»

10- و في الاقتصاد: «و يراعى فيهم أجمع- إلّا المؤلفة- الإيمان و العدالة.» «5»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 347.

(2)- النهاية/ 185.

(3)- المبسوط 1/ 247.

(4)- الوسائل العشر للشيخ/ 206.

(5)- الاقتصاد/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 226

..........

______________________________

11- و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «فمستحق الزكاة و الفطرة الفقير المؤمن العدل دون من عداه.» «1»

12- و في المهذب في شروط المستحقين قال: «أولها أن يكونوا من أهل العدالة و الإيمان المعتقدين له ...» «2»

13- و في الغنية: «و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا الإيمان و العدالة ... بدليل الإجماع المتكرر و طريقة الاحتياط.» «3»

14- و في الوسيلة: «و يعتبر الإيمان في جميع الأصناف إلّا المؤلفة، و العدالة إلّا في المؤلفة و الغزاة.» «4»

15- و في السرائر: «و الذين يفرّق فيهم الزكوات اليوم ينبغي أن يحصل فيهم مع إحدى الصفات الأصلية و هى المسكنة و الفقر و كونه ابن سبيل و كونه غارما خمس صفات أخر إلى الصفات الأصلية، فيجتمع فيه ستّ صفات و هي الفقر و الإيمان و العدالة أو حكمها ...» «5»

أقول: قول ابن إدريس: «اليوم» لعله يظهر منه أن

الحكم في عصر الأئمة «ع» و لا سيما حين بسط يد الإمام كما في عصر أمير المؤمنين «ع» لم يكن كذلك، نظير ما مرّ منا في اعتبار الإيمان، حيث إنه كان يقسم الزكاة في جميع من كان تحت لواء حكومته و لو كان من أهل الخلاف، فتدبّر.

______________________________

(1)- الكافي/ 172.

(2)- المهذب 1/ 169.

(3)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(4)- الوسيلة/ 129.

(5)- السرائر/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 227

..........

______________________________

16- و في الشرائع: «الوصف الثاني: العدالة و قد اعتبرها كثير. و اعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر و الزنا دون الصغائر و إن دخل بها في جملة الفسّاق.

و الأول أحوط.» «1»

17- و في المختصر النافع: «و الثاني العدالة، و قد اعتبرها قوم و هو أحوط، و اقتصر آخرون على مجانبة الكبائر.» «2»

أقول: فهذه كلمات كثيرة من فحول أصحابنا الإمامية يستفاد منها اعتبار العدالة في المقام. و قد عرفت أن الظاهر من العفة و التقوى في كلامي المفيد و الستر و الصلاح في النهاية أيضا هو العدالة بمعني الاستقامة الفعلية الدينية عن ملكة.

18- و في المسالك في ذيل عبارة الشرائع قال: «و قد عرفها الشهيد هنا بأنها هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا يقع منه كبيرة و لا يصرّ على صغيرة، فلم يعتبر فيها المروة كما اعتبرها في غير هذا المحل بناء على أن الدليل إنما دلّ على منع فاعل المعاصي، و عدم المروّة ليس معصية و إن أخلّ بالعدالة.» «3»

19- و في الروضة بعد اعتبار المصنف تجنب الكبائر قال: «و الصغائر إن أصرّ عليها ألحقت بالكبائر و إلّا لم توجب الفسق، و المروّة غير معتبرة في العدالة هنا على ما صرّح به المصنف

في شرح الإرشاد فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة. و مع ذلك لا دليل على اعتبارها، و الإجماع ممنوع.» «4»

أقول: الظاهر أن المنافي للمروّة إن أوجب تحقير المرتكب و هتكه في المجتمع صار حراما لذلك لحرمة هتك المؤمن مطلقا، و إلا فلا دليل على إخلاله

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(2)- المختصر النافع/ 59.

(3)- المسالك 1/ 61.

(4)- الروضة 2/ 51.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 228

..........

______________________________

بالعدالة لا هنا و لا في سائر الموارد. و لعل الكبائر في كلماتهم هنا منصرفة عن الإصرار على الصغائر. و إرجاع تجنب الكبائر إلى العدالة متوقف على عدم اعتبار الملكة فيها كما مرّ. هذا.

و ربما يخطر بالبال بنحو الاحتمال أن الأصحاب أرادوا بالعدالة في المقام ما ربما يجعل كاشفا عنها شرعا و أمارة عليها تعبدا أعني حسن الظاهر أو الاعتراف بالإسلام و عدم ظهور الفسق لا بما أنهما طريقان إلى العدالة بل اعتبرا هنا موضوعا، نظير اعتبار القطع موضوعا لبعض الأحكام، فأرادوا عدم جواز إعطاء الزكاة للمتهتك المتجاهر، فيرجع كلامهم إلى ما احتملناه في كلامي السيد و ابن الجنيد. إذ اشتراط نفس العدالة بمعنى الاستقامة الفعلية الناشئة عن الملكة يوجب حرمان أكثر المؤمنين. و يبعد جدّا التزام الأصحاب بذلك، فتأمل.

و بالجملة الظاهر من كلمات الأصحاب في المقام و إن كان اعتبار العدالة بالمعنى المصطلح أو مجانبة الكبائر بنحو الإطلاق، و لكن اعتبارهما لا يلائم ما يستفاد من الأخبار من الحكمة لتشريع الزكاة، إذ يستفاد منها أنها شرّعت لسدّ خلّات الفقراء و المساكين و أبناء السبيل و غيرهم من ذوي الحاجات.

و بعبارة أخرى لسدّ جميع خلّات المجتمع على وجه لو لم يقصّر الأغنياء في أدائها لاستغنى الجميع، ففي

رواية معتب عن الصادق «ع»: «إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو أن الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّه له، و إن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء. الحديث.» «1»

و لو كانت العدالة بمعنى الملكة شرطا لزم منه حرمان الجلّ، إذ قلّ من يتصف

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 229

..........

______________________________

بوصف العدالة أو مجانبة الكبائر بإطلاقها و لا نظنّ التزام الأصحاب بذلك.

و فيما رواه المحدثون في باب الزكاة أن رسول اللّه «ص» لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «فأخبرهم أن اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم.» «1» و ظاهره التعميم لجميع الفقراء.

و قد كان النبي «ص» و الخلفاء و أمير المؤمنين «ع» في عصر خلافته يقسمون الزكوات بين المحتاجين بأجمعهم و لم يعهد منهم و لا من عمّالهم في البلاد تخصيصها بأفراد خاصّة أحرز فيهم العدالة بالمعنى المصطلح. كما لم يعهد في عصر من الأعصار التزام المزكين بالفحص عن عدالة الفقراء و المساكين و أبناء السبيل نحو التزامهم بالفحص عن عدالة البينات و المفتين و أئمة الجمعة و الجماعات.

نعم لو كان إعطاء الزكاة لفاسق خاصّ إعانة له على فسقه أو كان منعها عنه ردعا له عن المعصية أمكن القول بعدم جواز الإعطاء و سيأتي البحث فيه.

كما يمكن القول باستقرار السيرة على منع المتجاهرين بالفسق و الفجور.

و ليس في أخبارنا ما يدلّ على اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر بنحو الإطلاق. بل مقتضى عموم الفقراء و المساكين و

الغارمين في الآية الشريفة و كذا إطلاقات أكثر الروايات المتعرضة لمصارف الزكاة و لا سيما ما ورد منها في جواب الأسئلة عن المصارف بلا استفصال عن تحقق العدالة أو مجانبة الكبائر عدم اعتبارهما. و معها لا مجال لقاعدة الشغل و الاحتياط على ما مرّ في كلامي السيد و الشيخ- قدّس سرّهما-.

ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قال الصادق «ع» مخاطبا لزرارة:

______________________________

(1)- صحيح البخاري 5/ 109 (- طبعة أخرى 3/ 73)، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى و معاذ إلى اليمن؛ و سنن البيهقي 7/ 7، كتاب قسم الصدقات، باب من جعل الصدقة في صنف ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 230

..........

______________________________

«فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» «1» و في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»: «و إنما موضعها أهل الولاية.» و هكذا في صحيحة ابن أذينة. «2»

و في رواية عبد اللّه بن أبي يعقور قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال: «هي لأصحابك.» «3»

و في رواية ضريس قال: سأل المدائنى أبا جعفر «ع» قال: إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: «في أهل ولايتك.» «4»

و في رواية إبراهيم الأوسي عن الرضا «ع»: «إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا.» «5»

و في رواية أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: «نعم.» «6»

و لا يخفى أن تحقق العدالة أو مجانبة الكبائر في جميع قرابة الرجل و لا سيما في النساء و الضعفة منهم بعيد جدّا.

و في رواية

الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» و سأله إنسان فقال: إني كنت أنيل البهيمية من زكاة مالي حتى سمعتك تقول فيهم، فأعطيهم أم أكفّ؟ قال: «بل أعطهم، فإن اللّه حرّم أهل هذا الأمر على النار.» «7»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 149، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(6)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(7)- الوسائل 6/ 155، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 16.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 231

..........

______________________________

و ظهور الرواية في كفاية الاعتقاد بإمامة أئمتنا واضح.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها الاكتفاء بالإيمان و الولاية.

و لكن ناقش في مصباح الهدى في الاستدلال بما ذكر فقال: «و الإنصاف عدم العموم أو الإطلاق في شي ء من ذلك، بل الآية الكريمة لها إهمال من هذه الجهة و إنما هي في مقام بيان الأصناف لا الشروط المعتبرة في الأصناف. و الأخبار المذكورة و ما يضاهيها إنما هي في مقام بيان [اعتبار- ظ-] الإيمان لا نفي اعتبار ما عداه حتى يتمسك بإطلاقها على نفي اعتبار العدالة. فالعمدة في نفيه هو عدم الدليل على اعتبارها فيرجع في نفيه بالأصل.» «1»

أقول: الاستدلال بالآية الشريفة مبني على دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم فلا إهمال فيها. و ما اشتمل من الأخبار المذكورة على السؤال و الجواب أيضا ظاهرة في العموم بمقتضى ترك الاستفصال.

و يدل أيضا على عدم اعتبار العدالة

أو مجانبة الكبائر ما عن العلل بسند فيه إرسال عن بشر بن بشّار، قال: قلت للرجل يعني أبا الحسن «ع» ما حدّ المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة اللّه و الفاجر في معصية اللّه.» «2»

و الشيخ عدّ الرجل في رجاله «3» من أصحاب الإمام الهادي «ع» و حاله مجهول، و المراد بأبي الحسن على هذا أبو الحسن الثالث.

و يظهر من الجواب أن السؤال كان عن المقدار الذي يعطى للمؤمن لا عن حدّ نفس المؤمن، و ذكر حكم الفاجر وقع تطفلا و تفضلا، و كيف كان فالرواية تدلّ

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 264.

(2)- الوسائل 6/ 171، الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- رجال الشيخ/ 411.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 232

..........

______________________________

إجمالا على عدم اعتبار العدالة و جواز إعطاء الفاجر أيضا. نعم يستفاد منها عدم جواز الإعطاء لمن يصرفها في المعصية.

فالفرق بين المؤمن و الفاجر أن المؤمن بحسب إيمانه لا يصرفها إلا في الطاعة.

و أما الفاجر فإن أعطي بقدر فلا محالة يصرفها في نفقاته اليومية، و لو زيد على ذلك كان الغالب على طبعه صرفها في المعصية.

و بذلك يظهر أنه لو فرض أن الفاجر إذا أعطي عشرة آلاف من الزكاة تنبه و انقطع عن الفجور و العصيان، و أن المؤمن لو أعطي عشرة آلاف طغى أن رآه استغنى و صرفها في المصارف المحرمة انعكس الأمر بمقتضى التعليل. و بالجملة ليس الفجور و عدم العدالة سببا للمنع و إنما السبب له كونه بحيث يصرفها في معصية اللّه كما هو مختار المصنف في المتن.

و احتمل في الجواهر حمل الخبر على التقيّة، قال: «و يؤيده

كون الخبر المزبور عن أبي الحسن «ع» و التقية في زمانه في غاية الشدة.» «1»

أقول: لا وجه لهذا الحمل بعد ما لم يوجد معارض أقوى و لم نعثر في كلامهم على هذا التفصيل بين المؤمن و الفاجر، فتدبّر.

[استدل لعدم اعتبار العدالة بوجوه]

و استدل لعدم اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر أيضا بما مرّ من تفسير الإمام «ع» من قوله «ع»: «فقيل لرسول اللّه «ص»: فمن يستحقّ الزكاة؟

قال: المستضعفون من شيعة محمد و آله الذين لم تقو بصائرهم، فأمّا من قويت بصيرته و حسنت بالولاية لأوليائه و البراءة من أعدائه معرفته فذاك أخوكم في الدين، أمسّ بكم رحما من الآباء و الأمهات المخالفين، فلا تعطوه زكاة و لا صدقة.» «2»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 391.

(2)- تفسير الإمام العسكري «ع»/ 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 233

..........

______________________________

بتقريب أنّ أرباب البصائر الضعيفة لا يخلون غالبا من الكبائر كما هو واضح.

و يمكن أن يستدل أيضا بما دلّ على جواز الإعطاء لمدّعي الفقر من دون استفصال عن عدالته و تقواه كمرسلة العرزمي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين- عليهما السلام- و هما جالسان على الصفا، فسألهما فقالا: إن الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع أو غرم مفظع أو فقر مدفع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه. الحديث.» «1»

أقول: أدقعه: أفقره و أذلّه. اللّهم إلّا أن يقال: لا دليل على كون المراد بالصدقة في الحديث الزكاة الواجبة، فتأمّل فإن عمومها يشملها. هذا.

[استدل لاعتبار العدالة بوجوه]

و استدل لاعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر بوجوه:

الأول: الإجماع المدّعى في الانتصار و الغنية.

و فيه أولا أنه قد ظهر مما مرّ من الخلاف كون المسألة خلافية عندنا، و قد عرفت عدم تعرض ابني بابويه و سلار إلّا لشرط الإيمان و الولاية.

و لكن في الجواهر «2» احتمل أن يكون اكتفاؤهم بذكر الإيمان كان مبنيا على اعتبار أعمال الجوارح فيه عندهم، كما يدل على ذلك جملة من النصوص، فراجع أصول الكافي. «3»

أقول: لا يخفى أن للمؤمن اصطلاحين:

أحدهما في قبال المخالف و الآخر في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الجواهر 15/ 389.

(3)- الكافي 2/ 33- 40، كتاب الإيمان و الكفر، باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 234

..........

______________________________

قبال الفاسق، و العمل إنما يعتبر في الثاني دون الأول، فيجب أن لا يخلط بينهما، و المذكور في المقنع الولاية و في المراسم الاعتقاد للحق.

و ثانيا أنه قد مرّ أن الفاسق في كلام السيّد كان يحتمل أن يراد به خصوص من تكرر منه المعاصي بحيث صار متهتكا لا يعتني بموازين الإسلام.

و ثالثا أن الإجماع إنما يكون حجة عندنا إذا كشف عن تلقيهم المسألة من الأئمة «ع» يدا بيد، و لم يحرز في المقام ذلك إذ لعل المدرك لهم كان ما ذكروه في كلماتهم من الأدلة، و مع الاحتمال يسقط الاستدلال. و بذلك يظهر أن اعتبار العدالة في المقام و إن تعرض له كثير من القدماء في كتبهم المعدّة لنقل الأصول المتلقاة عن المعصومين «ع» كما مرّ، لكن ليس هذا بنحو يطمئن النفس بوصول نصّ إليهم غير النصوص و الأدلة الواصلة إلينا، فتأمل.

الثاني: قاعدة الشغل و الاحتياط.

و فيه مضافا إلى عدم جريانها في قبال العمومات و الإطلاقات، أن أصالة عدم الاشتراط حاكم عليها.

الثالث: خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع» في بيان مصرف الزكاة، قال:

«و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاه عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا. الحديث.» «1»

و فيه أن عدم البأس أعم من العدالة أو مجانبة. الكبائر، و لعله لإخراج المخالف أو المتهتك المتجاهر بالفسق. هذا مضافا إلى أن الخبر محمول

على الاستحباب قطعا، إذ من مصارف الزكاة المسكين الذي يسأل: ففي صحيح محمد بن مسلم عن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 235

..........

______________________________

أحدهما «ع» أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال: «الفقير الذي لا يسأل، و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل.» «1» و مرّ في خبر العرزمي أيضا أن الرجل سأل الحسن و الحسين فأعطياه، فتأمل.

الرابع: رواية محمد بن سنان عن الرضا «ع» في بيان علة الزكاة، قال:

«مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف، و العطف على أهل المسكنة، و الحثّ لهم على المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدين. الحديث.» «2»

و فيه أن المعونة على أمر الدين ذكرت حكمة لإعطاء الفقراء و هي أيضا من مصارف الزكاة و لكن لا يتعين صرفها فيها قطعا. مضافا إلى أن ذلك غير اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر في الآخذ. و كم من فاسق يهتم بالشعائر الدينية أيضا و يصرف المال فيها.

الخامس: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عيسى، عن داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: «لا.» و رواه الكليني أيضا عن داود الصرمي «3»

أقول: في رجال الشيخ المطبوع في أصحاب الهادي «ع»: «داود الصيرفي يكنى أبا سليمان.» «4» و لعل الصيرفي مصحف الصرمي. و في الفهرست: «داود الصرمي له مسائل أخبرنا بها عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عنه.»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 5، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه

الزكاة، الحديث 7.

(3)- الوسائل 6/ 171، الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- رجال الشيخ/ 415.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 236

..........

______________________________

و الرجل مجهول لم يذكر بمدح و لا بقدح، و إن كان يظهر من المامقاني عدّة من الحسان. «1»

و يرد على الاستدلال بالرواية مضافا إلى جهل الراوي و الإضمار و عدم العلم بالمسؤول أنها تختص بشارب الخمر فقط. و الظاهر منه المعتاد المدمن له، فالتعدي منه إلى مطلق المرتكب بل مطلق المقيم على الكبائر مشكل، و إن احتملنا أن ابن الجنيد صنع ذلك بإلغاء الخصوصية، إذ يظهر من الأخبار أن لشارب الخمر خصوصية، و لذا وقع النهي عن تزويجه و عيادته إذا مرض، فراجع الوسائل. «2»

و لعل المنع من إعطائه كان من جهة أن الظاهر من حال المعتاد على شرب الخمر أنه يصرف ما يجده من المال فيما اعتاده كما هو الحال في سائر المعتادين، و ليس فقرهم غالبا بالعجز عن قوت السنة بل بالعجز عن ثمن الخمر و نحوه.

و بهذا يفترق شارب الخمر عن أصحاب الكبائر التي لا تتوقف على صرف المال كالغيبة و الفحش و النميمة و نحوها. و بالجملة فمفاد الخبر يرجع إلى ما مرّ في بيان خبر بشر من أن المنع ليس بسبب كون الشخص فاجرا بل بسبب أن المال يصرف في المعصية، فتدبّر.

و لو سلّم إلغاء الخصوصية و التعدّي إلى سائر أصحاب الكبائر كان مقتضاه منع الإعطاء لمن صار مثل شرب الخمر أو غيره من الكبائر أمرا عاديّا له بحيث يعرف بهذه الصفة و يطلق عليه عرفا، لا مطلق من صدر عنه معصية و لو مرّة واحدة من جهة فوران الشهوة أو الغضب أو وقوع الغفلة آنا. و

قد عبّر ابن الجنيد عن ذلك بالمقيم على كبيرة، و نحن نعبّر عنه بالمتهتك المتجاهر.

______________________________

(1)- الفهرست/ 68؛ و تنقيح المقال 1/ 411.

(2)- راجع الوسائل 14/ 53، الباب 29 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 237

..........

______________________________

فما في الشرائع و غيره من التعبير عن هذا القول باعتبار مجانبة الكبائر محل إشكال.

السادس: ما في صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه «ع» الواردة في بيان بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة لجباية زكوات الأنعام من قوله «ع»: «فيقسمن بإذن اللّه على كتاب اللّه و سنة نبيه على أولياء اللّه.» «1» و واضح أن الفسّاق ليسوا من أولياء اللّه.

و فيه أن لأولياء اللّه مراتب فأعلاها ينحصر في المعصومين، و لكن كل من دان بدين اللّه و قبل إمامة أهل البيت- عليهم السلام- يعدّ من أولياء اللّه في قبال أعداء اللّه. نعم يمكن القول بانصرافه عن المتجاهر بالفسق و لعلّ لزكاة الأنعام أيضا خصوصية كما ترى أنه يستحب أن تخرج إلى المتجملين من أهل الفقر. «2»

كيف! و هل يمكن رفع اليد عن العمومات و الإطلاقات الكثيرة الواردة في مقام البيان و الحاجة، و عن السيرة المستمرة للنبي «ص» و الأئمة «ع» و المسلمين في جميع الأعصار بسبب هذه الأخبار المحتملة لوجوه؟

السابع: الاستيناس للمقام بما دلّ على منع الغارم في المعصية و ابن السبيل العاصي بسفره.

و فيه مضافا إلى أنه قياس لا نقول به أنه مع الفارق إذ المنع فيهما لكونهما من الجهات لا من المستحقين و الصرف في جهة المعصية يرجع إلى الصرف في المعصية بخلاف الإعطاء للفقير العاصي للصرف في نفقاته و حاجاته المحللة، فتأمل.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 89، الباب 14 من أبواب

زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- راجع الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 238

..........

______________________________

الثامن: أن منعها عن الفسّاق من النهي عن المنكر بالمعنى الأعم أعني الحيلولة بين الشخص و بين المعاصي فيجب لذلك.

و فيه منع الإطلاق إذ ربما كان الإعطاء له لنفقاته و حاجاته يوجب ارتداعه عن المعاصي إذ الفقر كاد أن يكون كفرا.

نعم لو فرض كون منعه موجبا لارتداعه سلّمنا وجوب المنع من غير فرق بين أن يكون ممن يصرفها في المعاصي أم لا.

التاسع: ما دلّ من الآيات و الروايات على النهي عن الموادّة لمن حادّ اللّه و رسوله، و عن الركون إلى الظالمين، و عن التعاون على الإثم و العدوان، و عن إعانة الظالمين و لو بمدّة قلم أو في طريق الحج أو بناء الأبنية الشامل بإطلاقها للمساجد أيضا أو نحو ذلك. «1»

و في الجواهر بعد الاستدلال بذلك و ببعض الأخبار الأخر قال: «لا أقلّ من ذلك كله يحصل الشك في اندراج هؤلاء الفاسقين المعاندين المحاربين للّه و رسوله في اطلاق الآية الذي لم يكن مساقا لبيان جميع الشرائط، كإطلاق الشيعة و أهل الولاية و العارفين و المؤمنين في الروايات، سيّما مع ملاحظة ما ورد في المؤمن و الشيعي و الموالي من المدح و الثناء على وجه يقطع بعدم إرادة أولئك منهم، و أنّ الشيعة الذين أمرنا بإعطائهم و أن الوصول إليهم وصول إلى الأئمة «ع» غير هؤلاء المعاندين المرتكبين الفجور من الزنا و اللواط و شرب الخمر و أمثال ذلك. بل ربما كان بعضهم من أجناد الظلمة و يعيش مدة عمره لم يأت بصلاة واحدة فضلا عن استمراره على أنواع المعاصي.» «2»

______________________________

(1)- راجع الوسائل 12/ 127-

132، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به.

(2)- الجواهر 15/ 391.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 239

..........

______________________________

و فيه أن الكلام في اعتبار العدالة أو مجانبة الكبائر. و العناوين المذكورة تغايرهما. و نحن لا نأبى عن منع الإعطاء إذا فرض في مورد صدق أحدها.

و لكن ليس كل من لا يكون عادلا أو صدر عنه معصية محادّا للّه و لرسوله أو معاندا أو محاربا لهما أو ظالما أو من أجناد الظلمة.

و ليس كل إعانة مالية لفقير غير عادل على نفقاته و حاجاته اليومية و لا سيما فيما يجب عليه كأداء ديونه و نفقة زوجته مثلا موادّة له أو ركونا إلى الظالم أو إعانة للفاسق في فسقه أو تقوية للظالم.

و لم نجد ما يدل على حرمة إعانة الفاسقين على غير فسقهم و إن قيل بذلك في إعانة الظلمة و لو على غير ظلمهم.

و العجب من صاحب الجواهر حيث خلط بين غير العادل و المرتكب للكبيرة و بين المتهتك المتجاهر الذي لا يبالي بالصلاة و موازين الشرع و يستمر على أنواع المعاصي.

و لعل المتشرعة بفطرهم يستنكفون من إعانة المتهتكين و إيتاء الزكاة لهم و لكن استمرت سيرتهم على إعطائها لمن يواظب على الطاعات و لكن ربما يصدر عنه المعاصي أيضا من باب الاتفاق.

و قد مرّ أيضا أن التمسك بالآية يكون بعمومها المستفاد من اللام لا بإطلاقها حتى يناقش بعدم كونها في مقام البيان.

و لعل التعاون على الإثم و العدوان ظاهر في المشاركة في الفعل بمقتضى صيغة التفاعل، فلا يصدق على من أوجد مقدمة من مقدمات فعل الغير و إن علم بترتب الحرام عليه.

نعم يمكن القول بصدق الإعانة عليه و لكن يمكن القول بعدم حرمتها،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

و لو سلّم فلعلها مشروطة بقصد المعين لذلك أو انحصار فائدة فعله في الحرام عرفا، نظير إعطاء العصا للظالم حين ما أراد جدّا ضرب أحد- و لعله لا يخلو حينئذ من القصد أيضا- أو انحصار طريق الفاعل في ذلك بحيث يصير ترك الإعطاء ردعا له عن المنكر، و الإعطاء إغراء له عليه، نظير بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا و لا يقدر على العنب إلا من هذا الشخص.

و أما بدون ذلك كله فيشكل صدق الإعانة و إن علم بوقوع الصرف فيه في المآل.

و على ذلك حملوا أخبار جواز بيع العنب أو العصير ممن يعلم أنه يجعله خمرا، فراجع الوسائل «1»، إذ البائع غالبا لا يقصد إلا بيع متاعه و لعله لا يرضى أصلا بتخميره فلا تصدق الإعانة.

قال المحقق الأردبيلي- قدّس سرّه- في زبدة البيان في تفسير آية التعاون:

«و الظاهر أن المراد الإعانة على المعاصي مع القصد أو على الوجه الذي يقال عرفا أنه كذلك، مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه إياها، أو يطلب منه القلم لكتابة ظلم فيعطيه إياه و نحو ذلك مما يعدّ معاونة عرفا، فلا يصدق على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه أنه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور، و لا على الحاج الذي يؤخذ منه بعض المال في طريقة ظلما و غير ذلك مما لا يحصى، فلا يعلم صدقها على شراء من لم يحرم عليه شراء السلعة من الذي يحرم عليه البيع و على بيع العنب ممن يعمل خمرا و الخشب ممن يعمل صنما، و لهذا ورد في الروايات الكثيرة الصحيحة جوازه و عليه الأكثر.» «2»

______________________________

(1)- راجع الوسائل 12/ 168- 170، الباب 59 من أبواب ما يكتسب

به.

(2)- زبدة البيان/ 297، (كتاب الحج).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 241

..........

______________________________

و راجع في المقام المستمسك «1» أيضا و التفصيل يطلب من محلّه. هذا.

و لكن يمكن المناقشة بعدم جريان ما ذكرناه في هذا المقام، إذ مقتضى خبر بشر بن بشار السابق عدم جواز الإعطاء إذا علم بصرفها في المعصية مطلقا. هذا مضافا إلى أنه خلاف حكمة الزكاة، إذ هي شرعت لسدّ الخلّات و الحاجات المشروعة، و لعله لأجل ذلك شرط أصحابنا العدالة ليحرز بها عدم الصرف في الحرام.

و ربما يقال بصدق الإعانة عرفا على إيجاد مقدمة الحرام للغير و تهيئة بعض أسبابه له مع العلم بصرفها فيه و لو مع عدم القصد و عدم الانحصار و كون المقدمة مشتركة بين الحرام و الحلال.

و لو سلّم عدم صدق الإعانة فالعقل يحكم بقبح هذا العمل، فكما أن عصيان المولى قبيح عند العقل فكذلك تهيئة بعض مقدماته للغير مع العلم، و لذلك ترى في القوانين الجزائية العادية يقررون مقررات جزائية لمن أعان مجرما على جرمه أو هيأ له بعض مقدمات فعله مع العلم و إن لم يشركه بالمباشرة، و الأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص.

و لذا استشكل في الرياض في مسألة بيع العنب ممن يعمله خمرا في العمل بأخبار الجواز، قال: «لكن مقاومة هذه النصوص و إن كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها بل ربما كان في المطلب صريحا بعضها، لما مرّ من الأصول و النصوص المعتضدين بالعقول إشكال، و المسألة لذلك محل إعضال.» «2»

و في الكافي بسند لا بأس به عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 284.

(2)- الرياض 1/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 242

..........

______________________________

«من أكل الطين فمات فقد أعان على

نفسه.» «1»

فقد استعمل لفظ الإعانة مع وضوح عدم قصد الأكل لقتل نفسه.

و النقض بتجارة التاجر و نحوها غير وارد، إذ المحرم إيجاد مقدمة فعل الغير، نظير سلطته على العصا للضرب أو على العنب للتخمير بحيث لو لم يوجدهما هذا أوجدهما بنفسه من طريق آخر، و أما تجارة التاجر فليس فعلا للظالم العاشر و لا مقدمة لفعله، بل فعل للتاجر، غاية الأمر أن الظالم يستفيد منه استفادة سوء، و كذا خروج المرأة من البيت لحاجاتها اليومية بالنسبة إلى نظر الأجانب إليها، فتأمّل.

و على هذا فالأحوط في المسألة ما أفتى به المصنف من عدم جواز الإعطاء لمن يصرفها في المعاصي مطلقا، كما أن الأحوط عدم إعطائها لشارب الخمر و لا للمتهتك المتجاهر بالمحرمات، لما مرّ من خبر داود الصرمي و حمل كلمات الأعلام على ذلك و استقرار سيرة المتشرعة عليه و كون الإعطاء لهم مرغوبا عنه عندهم. و قد تعرض لهذا الاحتياط كثير من الأعلام المعلّقين على المتن، فراجع. هذا.

و قد مرّ عن الانتصار قوله: «و أجاز باقي الفقهاء أن تخرج الى الفساق و أصحاب الكبائر.» «2»

و مرّ عن الخلاف بعد شرط العدالة قوله: «و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: إذا أعطى الفاسق برئت ذمته، و به قال قوم من أصحابنا.» «3»

و في المنتهى بعد ما نسب إلى المفيد و ابني بابويه و سلّار عدم اشتراط العدالة قال: «و به قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد، و هو الأقرب.» «4»

______________________________

(1)- الكافي 6/ 266، كتاب الأطعمة، باب أكل الطين، الحديث 8.

(2)- الجوامع الفقهية/ 112 (- طبعة أخرى/ 154).

(3)- الخلاف 2/ 347. كتاب قسمة الصدقات، المسألة 3.

(4)- المنتهى 1/ 523.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

243

[الأحوط اشتراط العدالة]

و إن كان الأحوط اشتراطها (1)، بل وردت رواية بالمنع عن

______________________________

فلعل الظاهر من ذلك كله عدم اشتراطهم شيئا.

و لكن في فقه الزكاة للقرضاوي: «أمّا الفاسق فأجازوا إعطاءه من الزكاة ما دام باقيا على أصل الإسلام، استصلاحا لحاله، و احتراما لآدميّته، و لأنها تؤخذ منه فيجوز أن تردّ عليه فيدخل في عموم الحديث: «تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم.» و هذا ما لم يأخذ الزكاة للاستعانة بها على فسقه و معصيته كأن يشتري بها خمرا أو يقضي بها وطرا محرما لأنه لا يعان بمال اللّه على معصية اللّه. و يكفي في ذلك غلبة الظن.

و لهذا قال بعض المالكية: لا يجزي دفع الزكاة لأهل المعاصي إن ظن أنهم يصرفونها فيها و إلّا جاز الإعطاء لهم.

و عند الزيدية: الفاسق كالغني لا تحل له الزكاة و لا يجزي صرفها إليه إلا إذا كان من العاملين عليها أو الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.

و الراجح عندي أن الفاسق الذي لا يؤذي المسلمين بفسقه و لا يتحدّاهم بفجوره و معاصيه لا بأس بإعطائه من الزكاة، و إن كان الصالحون و المستقيمون أولى بالإجماع.

و أما الفاسق المستهتر المتبجح بإباحيّته المجاهر بفسقه فلا ينبغي أن يعطى من مال الزكاة حتى يقلع عن غيّه و يعلن توبته فإن أوثق عرى الإيمان الحب في اللّه و البغض في اللّه ...» «1»

فهو أيضا جعل الصرف في المعصية و كذا التجاهر بها مانعين من الإعطاء فتدبر.

(1) لما مرّ من اعتبارها في كلمات كثير من القدماء في كتبهم المعدّة لنقل

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 243

______________________________

(1)- فقه الزكاة 2/ 708.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 244

إعطائها لشارب الخمر (1).

[يشترط العدالة في العاملين على الأحوط لا في غيرهم]

نعم يشترط العدالة في العاملين على الأحوط (2)، و لا يشترط في

______________________________

المسائل الأصلية المأثورة.

(1) و هي رواية داود الصرمي، و قد عرفت أن الأحوط التعميم لمطلق المتهتك المتجاهر.

(2) في الجواهر: «و أما العاملون أي السعاة ففي الإرشاد و الدروس و المهذب البارع و الروضة و غيرها الإجماع على اعتبارها فيهم، و هو الحجة بعد اعتضاده بالتتبع و بما في العمالة من تضمن الاستيمان.

و قد سمعت ما في الصحيح من أنه «لا يوكّل بها إلا ناصحا شفيقا أمينا، و لا أمانة لغير العدل». «1»

أقول: الصحيح صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد اللّه «ع». «2»

و تحقق الإجماع ممنوع، إذ ليس في بعض الكتب المعدة لنقل المسائل المأثورة كالمقنع و النهاية مثلا تعرض لاعتبار العدالة في العاملين. و الكلمات السابقة التي حكيناها أكثرها ناظرة إلى مثل الفقراء و المساكين و نحوهما ممن يعطى لاستحقاقه، و تكون منصرفة عن العاملين إذ هم بمنزلة الأجراء.

و في الغنية مع اعتبار الإيمان و العدالة و ادّعاء الإجماع عليهما صرّح باستثناء المؤلفة و العاملين. «3»

و أمّا قوله: «لا أمانة لغير العدل» فقابل للمناقشة أيضا، إذ كم من فاسق يكون أمينا في الأمور المالية.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 394.

(2)- راجع الوسائل 6/ 88، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3)- الجوامع الفقهيه/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 245

الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (1)، بل و لا في سهم سبيل اللّه (2)، بل و لا في الرقاب (3) و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

______________________________

نعم يمكن القول بدلالة ما في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه» «1» على اعتبار

العدالة.

فالأحوط اعتبارها اللّهم إلا أن يقال: إن الحديث ناظر إلى وقت استعمالهم و لعل العدالة معتبرة فيهم عند استعمالهم، و أما عند الفراغ من العمل و أخذ الأجرة من الزكاة فلا دليل على اعتبارها فيهم و محل الكلام هنا العدالة حين الإعطاء، فتأمّل. و قد مرّ تفصيل شروط العاملين فيما طبع من زكاتنا، فراجع. «2»

(1) لوضوح عدم اعتبارها فيهم و إن قيل بانحصارهم في المسلمين.

(2) إن أريد به كما مرّ الجهات و المشاريع العامة الدينية أو مطلقا فلا معنى لاعتبار العدالة في الجهة، كما لا وجه لاعتبارها في من يتصدّى فيها للأعمال البنائية و الخدمات.

نعم يمكن القول باعتبارها في من ينتفع بها و لكن لا دليل على ذلك، بل حكمة التشريع تقتضي عدم الاعتبار.

و كلمات الأصحاب التي مرّت أكثرها منصرفة عنه. نعم لو قيل بإطلاقه على كل قربة و لو شخصية فعلى فرض اعتبارها في الفقراء و المساكين فالظاهر اعتبارها فيهم و لو كان الإعطاء من سهم سبيل اللّه و إلا كان اعتبار العدالة لغوا.

(3) في الجواهر: «و أما ابن السبيل و الغارم فقد يؤمي اقتصارهم على اعتبار عدم كون السفر و الغرم في معصية ممن اعتبرها هنا، إلى عدم اعتبارها فيهما و إن اقتضاه إطلاق بعضهم كبعض الأدلة، لكن الأقوى الأول و كذا الرقاب.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 91، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 7.

(2)- كتاب الزكاة 2/ 412.

(3)- الجواهر 15/ 394.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

أقول: كل مورد شك في اعتبار العدالة فيه يكون عموم الآية الشريفة و إطلاق الأخبار محكّمين، لعدم الإطلاق للمخصص على فرض وجوده إذ ليس في المقام إلا الإجماع المدّعى و هو دليل لبّي يقتصر فيه على

القدر المتيقن و هو موارد التمليك لا الصرف.

كيف؟! و لو قيل باعتبارها في ابن السبيل لزم منه سدّ باب الإعطاء له لتعذر إثبات العدالة فيه غالبا. و العبيد لا يعطون غالبا بل تصرف الزكاة في شرائهم و إعتاقهم. و أكثر الكلمات ناظرة إلى بيان من يعطى لاستحقاقه.

و الذي يسهّل الخطب أنا منعنا اعتبار العدالة من رأس لعدم الدليل، فتدبّر.

و هنا أمور ينبغي التنبيه عليها إجمالا:
[الأول: لو قيل في مورد باشتراط العدالة فالواجب إحرازها]

الأول: لو قيل في مورد باشتراط العدالة فالواجب إحرازها، و الأصل عدمها مع الشك. فلا يعطى في المقام مجهول الحال إلا أن تحرز عدالته و لو بأمارة شرعية كحسن الظاهر على القول بكونه أمارة تعبدية.

و في آداب القضاء من الخلاف (المسألة 10): «إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما و لا يعرف فيهما جرح حكم بشهادتهما و لا يقف على البحث.» «1»

فجعل نفس الإسلام أمارة على العدالة، و ليس هنا محل البحث في ذلك.

و أما لو قلنا بمانعية الفسق أو ارتكاب الذنب فمقتضى الأصل عدم المانع فيعطى مجهول الحال أيضا.

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 312.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 247

..........

______________________________

فإن قلت: إن الفسق قد يحصل بترك الواجب كترك الصلاة مثلا، فإذا شك في ذلك كان مقتضى الأصل عدم الإتيان بها، فيثبت الفسق.

قلت: ترك الواجب أعم من الفسق، اذ لا يثبت الفسق إلا بتركه طغيانا و عصيانا لا خطاء و نسيانا، و الأصل عدم تحقق العصيان.

[الثاني: لو علم بحصول الفسق ثم شك في ارتفاعه بالتوبة]

الثاني: لو علم بحصول الفسق بارتكاب بعض الذنوب كما هو الثابت في غالب الناس ثم شك في ارتفاعه بالتوبة فهل يحكم بعدم التوبة و بقاء الفسق بالاستصحاب أو يحكم بالتوبة لظهور حال المسلم في عدم إخلاله بما هو واجب عليه من التوبة؟

قال الشيخ الأعظم في زكاته: «الظاهر هو الثاني.» «1»

و فيه كلام، و لعل الواجب إحرازها بسبب ظواهر حاله و أفعاله بنحو يحصل الوثوق. و هذا البيان يجري في كل مورد شرط فيه العدالة. و عن أبي جعفر الثاني «ع» قال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه.» «2»

[الثالث: لو قلنا بعدم جواز الإعطاء للفاسق فالفاسق لا يجوز له الأخذ]

الثالث: لو قلنا بعدم جواز الإعطاء للفاسق فيمكن أن يقال: إن الفاسق أيضا لا يجوز له الأخذ لعدم كونه مصرفا شرعيا، فلو تخيّله المعطي عادلا و هو يعلم بفسق نفسه كان مقتضى الاشراط حرمة أخذه، نظير ما لو ظنّه فقيرا و هو يعلم بغنى نفسه.

قال الشيخ الأعظم: «و يحتمل عدم حرمة الأخذ إذا أعطي لأن الأدلّة دلّت على حرمة معونته و على حرمة إعطائه لا على عدم حلّ الزكاة له كما لا تحلّ للغني

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 508 (- طبعة أخرى/ 447).

(2)- الوسائل 5/ 393، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 248

[دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل]

[المسألة 9]: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالاحوج (1). و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهمّ، المختلف ذلك بحسب المقامات.

______________________________

و الهاشمي، فيرجع فيه إلى عموم ما دلّ على جعل الزكاة للفقراء و أن الفقراء شريك الأغنياء.» «1»

و الظاهر أن ما ذكره- قدّس سرّه- وجيه، إذا فرض أنه يصرفها في نفقاته و حاجاته المشروعة. و المزكّي كان يمنع من الإعطاء لاحتمال الصرف في الحرام أو كونه تقوية للفاسق المتجاهر لا لعدم كونه بحاجاته المشروعة من المصارف.

و إن شئت قلت: عموم الآية يشمله و المتيقن من التخصيص عدم الإعطاء له لا عدم حليتها له.

و بعبارة أخرى لا خصوصية لعدالة الفقير في حلية الزكاة له و إنما اعتبرت طريقا لاطمينان المعطي بعدم صرفها في المعصية و المفروض هنا عدم الصرف فيها.

(1) يدل على الترجيح بالجهات المرجحة إجمالا أخبار مستفيضة:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الأول «ع» عن الزكاة يفضّل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ فقال: «نعم

يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل.» «2»

و لعل تفضيل من لا يسأل لحرمانهم غالبا لتعففهم عن السؤال فيحسبهم الجاهل أغنياء فيكونون أحوج.

2- خبر عبد اللّه بن عجلان السكوني، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: إني ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ قال: «أعطهم على الهجرة

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 508 (- طبعة أخرى/ 447).

(2)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 249

..........

______________________________

في الدين و الفقه و العقل.» «1»

و الشي ء في كلام السائل يعم الزكاة أيضا إلّا أن يجعل قوله: «أصلهم به» قرينة على كونه صلة لا زكاة.

3- ما عن أمير المؤمنين «ع» فيما سأله الرجل اليماني، حيث قال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أ تصدق بعشرة آلاف، فمن المستحق لذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال أمير المؤمنين «ع»: «فرّق ذلك في أهل الورع من حملة القرآن، فما تزكو الصنيعة إلّا عند أمثالهم فيتقوون بها على عبادة ربّهم و تلاوة كتابه، فانتهى الرجل إلى ما أشار به أمير المؤمنين «ع».» «2»

4- خبر عنبسة بن مصعب عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: «أتي النبي «ص» بشي ء يقسمه فلم يسع أهل الصفة جميعا فخصّ به أناسا منهم، فخاف رسول اللّه «ص» أن يكون قد دخل قلوب الآخرين شي ء فخرج إليهم فقال: معذرة إلى اللّه- عز و جل- و إليكم يا أهل الصفة، إنا أوتينا بشي ء فأردنا أن نقسمه بينكم فلم يسعكم فخصصت به أناسا منكم خشينا جزعهم و هلعهم.» «3»

و الاستدلال بالرواية مبني على عدم الفرق بين الزكاة و غيره بل و احتمال كون الشي ء زكاة.

هذا مضافا الى أن الزكاة شرّعت لسدّ الخلات و الحاجات فتقديم

الأحوج أقرب إلى الحكمة.

و هنا روايات تدلّ على تفضيل الأقارب على غيرهم، فراجع الوسائل. «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- المستدرك 1/ 523، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- راجع الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 250

..........

______________________________

و روايات تدل على إعطاء زكاة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء، فراجع الوسائل. «1»

و المصنف تعرّض للأولى في المسألة السادسة عشرة الآتية، و للثانية في الثالثة من فصل بقية أحكام الزكاة.

و لعلّ العرف بإلغاء الخصوصية للخصوصيات المذكورة في الروايات يحكم بالترجيح بجميع المزايا العقلية و الشرعية. و الترجيح بها مما يستحسنه العقل و العرف و لو فرض عدم وجود رواية معتبرة بها. هذا.

و لكن يظهر من بعض الأخبار أن الأولى بل المتعين في مال اللّه هو التسوية بين المستحقين و فضائلهم بينهم و بين اللّه، يعني يوجرهم اللّه على فضائلهم. و ملاك الاستحقاق للزكاة و نحوها الفقر و الاحتياج لا الفضائل.

ففي الوسائل بسنده عن حفص بن غياث، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول و سئل عن قسم بيت المال فقال: أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء، و فضائلهم بينهم و بين اللّه، أجعلهم (أجملهم- التهذيب) كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص.

قال: و هذا هو فعل رسول اللّه «ص» في بدو أمره. و قد قال غيرنا: أقدّمهم في العطاء بما قد فضّلهم اللّه بسوابقهم في الإسلام إذا كان بالإسلام قد أصابوا ذلك، فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب

من بعض و أوفر نصيبا لقربه من الميت و إنما ورثوا يرحمهم، و كذلك عمر كان يفعله.» «2»

و الروايات الدالة على التسوية في بيت المال كثيرة، و منها ما في نهج البلاغة:

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- الوسائل 11/ 81، الباب 39 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 251

..........

______________________________

من كلام له «ع» لمّا عوتب على التسوية في العطاء: «أ تأمرونّي أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه؟ و اللّه ما أطور به ما سمر سمير و ما أمّ نجم في السماء نجما، لو كان المال لي لسوّيت بينهم فكيف! و إنما المال مال اللّه. الحديث.» «1»

أقول: طار به: قرب منه. و السّمر محركة: حديث الليل. ما سمر سمير: ما تحدّث الناس ليلا.

و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد في ذيل كلامه «ع» قال: «و اعلم أن هذه مسألة فقهية و رأي علي «ع» و أبي بكر فيها واحد، و هو التسوية بين المسلمين في قسمة الفي ء و الصدقات، و إلى هذا ذهب الشافعي.

و أما عمر فإنه لما ولي الخلافة فضل بعض الناس على بعض: ففضّل السابقين على غيرهم، و فضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين. و فضّل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، و فضل العرب على العجم، و فضّل الصريح على المولى، و قد كان أشار على أبي بكر أيام خلافته بذلك فلم يقبل و قال: إن اللّه لم يفضل أحدا على أحد و لكنه قال: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ، و لم يخصّ قوما دون قوم، فلما أفضت إليه الخلافة عمل بما كان أشار به أولا، و قد ذهب كثير من

فقهاء المسلمين إلى قوله. و المسألة محل اجتهاد، و للإمام أن يعمل بما يؤدّيه إليه اجتهاده، و إن كان اتباع عليّ «ع» عندنا أولى لا سيما إذا عضده موافقة أبي بكر على المسألة. و إن صحّ الخبر أن رسول اللّه «ص» سوّى فقد صارت المسألة منصوصا عليها لأن فعله «ع» كقوله. «2»

أقول: و بالجملة فالظاهر من هذه الأخبار تعيّن التسوية في تقسيم بيت المال

______________________________

(1)- نهج البلاغة، عبده 2/ 10؛ لح/ 183، الخطبة 126.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/ 111.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 252

..........

______________________________

و أنه لا وجه للتفضيلات التي ذكروها كتفضيل العرب على العجم و المهاجر على غيره و الصريح على المولى و نحو ذلك. بل و السوابق الحسنة و الفضائل و مراتب القرب إلى اللّه أيضا لا توجب التفضيل في العطايا الملحوظ فيها رفع الحاجة في المعيشة.

نعم كثرة الحاجة و العائلة ربما تكون ملاكا للتفضيل إذ الحكمة لتشريع الزكاة كان سدّ الخلات و الحاجات، و لعله لأجل ذلك فضّل النبي «ص» بعض فقراء أهل الصفة بأن كان جزعهم أمارة على شدة فقرهم، فتأمّل.

و على هذا فيتعارض هذه الأخبار للأخبار السابقة الدالة على التفضيل بالجهات المرجحة فما وجه التوفيق بينهما؟

و يمكن أن يقال: إن الأخبار الدالة على التفضيل ناظرة إلى تقسيم صاحب المال للزكاة المتعلقة بماله، و أخبار التسوية ناظرة إلى بيان وظيفة إمام المسلمين بما هو إمامهم، و لعل ترجيحه و تفضيله لبعض على بعض يوجب تحقق عقدة الحقارة و الضغائن في بعض النفوس بالنسبة إلى الإمام و إلى بعض آخر، فكان على الإمام رعاية مصلحة النظام و أن ينظر الجميع بنظر واحد، و هذا بخلاف المزكّي نفسه إذا تصدى

هو بنفسه للتقسيم و عليك بالتتبع في المسألة.

و راجع لبيان التسوية و الأخبار الواردة فيها كتابنا في ولاية الفقيه. «1»

و في الحدائق حمل أخبار التسوية على خصوص الخراج، قال: «و هو الذي علم من النبي «ص» و عليّ «ع» في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.» «2»

فتأمّل.

______________________________

(1)- راجع دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية 2/ 669- 693.

(2)- الحدائق 12/ 228.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 253

3- أن لا يكون واجب النفقة على المزكي

اشارة

الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو من الإناث، و الزوجة الدائمة الّتي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية، و المملوك سواء كان آبقا أو مطيعا فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق (1).

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) 1- قال الشيخ في النهاية: «و لا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النفقة عليه، مثل الوالدين و الولد و الجدّ و الجدّة، و الزوجة و المملوك. و لا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل و القرابات من الأخ و الأخت و أولادهما، و العم و الخال، و العمة و الخالة و أولادهم.» «1»

و في المقنعة أيضا قريب من ذلك، فراجع. «2»

2- و في فقه الرضا الذي قيل إنّه رسالة علي بن بابويه: «و لا تعطي من أهل الولاية الأبوين و الولد و الزوجة (و الصبي خ. ل) و المملوك، و كل من

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- المقنعة/ 40.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 254

..........

______________________________

هو في نفقتك فلا تعطه.» «1»

3- و في الهداية للصدوق: «و لا يعطى من أهل الولاية الأبوان و الولد و لا الزوج و لا الزوجة و المملوك و كل من يجبر الرجل على نفقته.» «2» و نحوه في المقنع. «3» و نحو ذلك في الأمالي «4» أيضا ناسبا ذلك إلى دين الإمامية.

4- و في الفقيه: «و لا تعط من أهل الولاية الأبوين و الولد، و لا الزوج و لا الزوجة، و لا المملوك، و لا الجدّ و لا الجدّة و كل من يجبر الرجل على نفقته. و لا بأس أن يعطى الأخ و الأخت و العم و

العمة و الخال و الخالة من الزكاة.» «5»

أقول: فالصدوق في كتبه الأربعة ذكر الزوج أيضا، و الظاهر أنه لا وجه له لعدم وجوب نفقته على الزوجة.

اللّهم إلا أن يقال: إنه على فرض فقره و غنى الزوجة يكون هو في نفقتها غالبا، و كون الشخص في نفقة غيره خارجا يكفي في المنع من إعطاء زكاته له لأنه من قبيل الإلقاء من يد في يد آخر لنفسه، و مقتضى ذلك عدم جواز الإعطاء لكل من كان في نفقة الإنسان خارجا و إن لم يكن من أقاربه، و لعله الظاهر من عبارة فقه الرضا التي مرّت، و لكن أصحابنا لا يلتزمون بذلك.

أو يقال: إن إعطاءها للزوج يوجب عود نفعها إلى نفسها لصرفها في نفقتها.

5- و في الغنية في شرائط المستحقين: «و أن لا يكون ممن تجب على المرء نفقته،

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 199).

(2)- الجوامع الفقهية/ 54.

(3)- الجوامع الفقهية/ 14.

(4)- الأمالي/ 385 (- طبعة أخرى/ 516)، المجلس 93.

(5)- الفقيه 2/ 11 (- طبعة أخرى 2/ 22)، أبواب الزكاة، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة، ذيل الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 255

..........

______________________________

و هم الأبوان و الجدّان و الولد و الزوجة و المملوك ... بدليل الإجماع المتكرر.» «1»

6- و في الشرائع: «الوصف الثالث أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك، كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا، و الزوجة و المملوك.» «2»

7- و في المدارك: «أجمع الأصحاب على أنه يشترط في مستحق الزكاة لفقره أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك، بل قال في المنتهى: إنه قول كل من يحفظ عنه العلم.» «3»

8- و في المنتهى: «الوصف الثالث أن لا يكون ممن

يجب نفقته عليه، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم. و قد وقع الاتفاق على وجوب الإنفاق على الوالدين و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا، و الزوجة و المملوك. و في غيرهم خلاف يأتي تحقيقه إن شاء اللّه. فكل من يجب نفقته لا يجوز للمنفق أن يعطيه زكاته لأنه عياله. و لأن المالك يجب عليه شيئان: الزكاة و الإنفاق، و مع صرف الزكاة إلى من يجب عليه نفقته يسقط أحد الواجبين فيكون الدفع في الحقيقة عائدا إليه كما لو قضى دين نفسه.» «4»

9- و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و لا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين و إن علوا و لا للولد و إن سفل، و لا للزوج و لا للزوجة.» «5»

10- و في المغني في شرح القسمة الأولى قال: «قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- المدارك/ 320.

(4)- المنتهى 1/ 523.

(5)- المغني 2/ 511 و 513.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 256

..........

______________________________

على النفقة عليهم، و لأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته و تسقطها عنه و يعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه.» «1»

11- و في شرح القسمة الأخيرة قال: «أما الزوجة فلا يجوز دفع الزكاة إليها إجماعا. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة، و ذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة ...

و أما الزوج ففيه روايتان: إحداهما لا يجوز دفعها إليه، و هو

اختيار أبي بكر و مذهب أبي حنيفة ... و الرواية الثانية يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها، و هو مذهب الشافعي و ابن المنذر و طائفة من أهل العلم ...» «2»

[يستدل على الحكم بأمور]

أقول: و يستدل على الحكم بأمور:

الأول: الاجماعات المحكمية في كلمات الفريقين. و يمكن أن تناقش باحتمال كون الفتاوى ناشئة عن الأخبار الواردة في المسألة، و مع الاحتمال يسقط الاستدلال.

الثاني: أنه مع إيسار المنفق و إنفاقه يكون واجب النفقة بالنسبة إلى نفقته بحكم الواجد الغني، و لذا ربما يناقش في أخذه الزكاة من الغير أيضا.

قال في المعتبر: «فكل من تجب نفقته لا يجوز تسليم زكاة المنفق إليه لأنه غني به.» «3»

و في البيان: «و من تجب نفقته على غيره لفقره غني مع بذل المنفق.» «4»

______________________________

(1)- المغني 2/ 511.

(2)- المغني 2/ 513.

(3)- المعتبر/ 281.

(4)- البيان/ 193.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 257

..........

______________________________

و في المسالك: «لأن واجب النفقة غنيّ مع بذل المنفق.» «1»

أقول: و يمكن المناقشة في ذلك بأن هذا على فرض تسليمه في الزوجة لكون نفقتها دينا في ذمة الزوج فيصدق الغنى مع إيسار الزوج و إنفاقه، يمكن منعه في الأقارب فإن وجوب الإنفاق عليهم تكليف محض.

بل كما قيل: الفقر علّة لوجوب الإنفاق و لاستحقاق الزكاة معا في رتبة واحدة فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر، بل الفقر موضوع لوجوب الإنفاق و الحكم لا يعدم موضوع نفسه.

كيف؟! و لو كان وجوب الإنفاق راجعا إلى الغنى لم يكن وجه لشرط عدمه مستقلا.

و لو كان لواجب النفقة عيال واجب النفقة و لم تجب نفقتهم على المزكّي جاز له أخذ الزكاة من باب الفقر لنفقتهم، من هذا المزكّي و غيره فكيف يطلق عليه الغني؟ اللّهم إلّا أن يحكم بالتبعيض

في الغنى.

الثالث: ما يستفاد من بعض الكلمات التي مرّت من أن الإعطاء لواجب النفقة يغنيه عن الإنفاق عليه و يسقطه عنه كما لو قضى بها دين نفسه فكان كمن دفعها إلى نفسه و أعطى بيمينه و أخذ بشماله، و هذا خلاف حكمة تشريع الزكاة و مخالف لظاهر أدلتها الحاكمة بالإيتاء و الدفع و الإخراج و نحو ذلك.

و ناقش في ذلك الشيخ الأعظم في زكاته «2» بما حاصله: منع أن دفع الزكاة إليهم لا يصدق عليه الإيتاء، و بالإيتاء لهم يرتفع عنهم الفقر فينتفي موضوع وجوب الإنفاق.

______________________________

(1)- المسالك، 1/ 61.

(2)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 258

..........

______________________________

كيف؟! و الصدقة المندوبة و الواجبة على نهج واحد، و لا شك في صدق الإيتاء في المندوبة.

و إسقاط بعض ما يلزم الإنسان من المؤونة بالزكاة مما لا إشكال فيه كما إذا دفع زكاته إلى أخيه فصار غنيا بحيث شاركه في الإنفاق على أبيهما الفقير فأسقط بزكاته نصف مئونة أبيه عن نفسه.

الرابع: ما في زكاة آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- قال: «إن هنا حكمين:

أحدهما وجوب الإنفاق و الآخر وجوب أداء الزكاة. و الثاني متعلقه الطبيعي المتحقق في ضمن كل فرد، و الأول متعلقه الشخص، و يمكن امتثال كليهما، و لا يعقل امتثال واحد للتكليفين فإنهما لا يجتمعان على واحد، كما لا وجه للتأكيد.» «1»

أقول: ما ذكره مبنيّ على منع التداخل في مقام الامتثال، و يمكن منع ذلك من غير فرق بين المتساويين و العام و الخاص و العامين من وجه. بل يمكن أن يقال:

إن إطلاق المتعلق يقتضي التداخل، إذ عدم التداخل يستلزم تقييد الموضوع في كل منهما بعدم الآخر و كونه غيره، و مقتضى ذلك

كون كل من الدليلين ناظرا إلى الآخر، و هذا خلاف ظاهرهما بل خلاف المقطوع به.

اللّهم إلا أن يقال: إن وزان الأسباب الشرعية و منها الأوامر بعناية ما وزان الأسباب العقلية التكوينية.

و في الأسباب التكوينية يقتضي كل سبب مسببا من قبله، حيث إن المسبب ظلّ للسبب و قائم به قيام الفي ء بالشي ء. و قد قالوا: إن المسبب بالنسبة إلى سببه لا مطلق و لا مقيّد و لكنه لا ينطبق إلّا على المقيّد.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الميلاني 2/ 143.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 259

..........

______________________________

و على هذا فمقتضى تعدد الأسباب و الأوامر تعدد المسبب و الامتثال، و لذا نرى العرف حاكمين بعدم التداخل في الامتثال إلّا فيما دلّ الدليل على التداخل.

الخامس: الأخبار المستفيضة الواردة في المقام و هي العمدة:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له.» «1»

و المراد بالمرأة: الزوجة. و الظاهر من الزكاة زكاة المنفق لا كلّ زكاة و لو زكوات غيره و إن قلنا بالمنع فيها أيضا.

و هل المراد باللزوم اللزوم شرعا يعني وجوب نفقتهم عليه، أو الملازمة له عرفا و خارجا بحيث يعدّون من بيته و عائلته و يرتزقون من قبله فيستغنون بذلك عن الزكاة؟ الظاهر هو الأول و يدلّ عليه الخبران التاليان.

نعم الظاهر إن مجرد الوجوب الشرعي لا يصلح دليلا للمنع عرفا إلا أن يرجع إلى أمر مركوز من قبيل تحقق الغنى به أو عدم صدق الإيتاء معه أو كون التداخل خلاف ارتكاز العقلاء، إذ التعليل يقع غالبا بأمر واضح مركوز في أذهان العقلاء.

2- ما رواه الصدوق في

الخصال و العلل بسنده عن عدّة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم.» «2»

3- خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 260

..........

______________________________

قال: مستحقّون لها؟ قلت: نعم. قال: هم أفضل من غيرهم أعطهم. قال: قلت: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحسب الزكاة عليهم؟ فقال: أبوك و أمّك.

قلت: أبي و أمي؟ قال: «الوالدان و الولد.» «1»

أقول: الرواية تدلّ على أن عدم جواز الإعطاء لواجب النفقة كان أمرا واضحا يعرفه الراوي و إنما سأل عمن تجب نفقته. و إنما تعجب عن جواب الإمام «ع» لظهوره في انحصار واجب النفقة في الوالدين فاستدرك الإمام «ع» فأضاف الولد. و إنما لم يذكر الزوجة و المملوك لعدم كونهما من القرابة المذكورة في السؤال.

4- خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه «ع»، قال في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و الجدّة.» «2»

5- خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول. الحديث.» «3»

و هل يراد بمن تعول: من تجب نفقته أو كل من يكون فعلا في عيلولته و إن لم تجب نفقته كإخوانه و أخواته اليتامى في حجره و أمّ

الزوجة و أمثالها؟ كل محتمل. و إن كان الأوفق بالقواعد الأول.

6- و في سنن البيهقي بسنده عن عبد اللّه بن المختار، قال: قال علي بن أبي طالب «ع»: «ليس لولد و لا لوالد حق في صدقة مفروضة و من كان له ولد أو والد فلم يصله فهو عاقّ.» و روينا عن ابن عباس أنه قال:

______________________________

(1)- الكافي 3/ 551، كتاب الزكاة، باب تفضيل القرابة في الزكاة، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 166.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 261

..........

______________________________

«لا تجعلها لمن تعول.» «1»

و قد تعارض هذه الأخبار بأخبار أخر:

1- خبر عمران بن إسماعيل بن عمران القمّي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث «ع» إن لي ولدا رجالا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟

فكتب «ع»: «إن ذلك جائز لك.» «2»

2- خبر محمد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن جزّك، قال:

سألت الصادق «ع»: أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال: «نعم لا بأس.» «3»

أقول: محمد بن جزّك الجمّال عدّه الشيخ في رجاله «4» من أصحاب الهادي «ع» و قال: ثقة، فلعلّ المراد بالصادق «ع» الإمام الهادي «ع». قيل: جزّك بفتح الجيم و تشديد الزاء المعجمة فارسية بمعنى القنفذ.

3- صحيحة علي بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الأول «ع»: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا. فقال «ع»: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم.» «5»

أقول: و هنا روايات مستفيضة تدل على جواز دفع

الرجل زكاته لقرابته أو في أهل بيته بل استحباب ذلك «6»، و لعلها بعمومها و إطلاقها تشمل واجب النفقة

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 28، كتاب قسم الصدقات، باب لا يعطيها من تلزمه نفقته ...

(2)- الوسائل 6/ 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- رجال الشيخ/ 422.

(5)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(6)- راجع الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 262

..........

______________________________

أيضا، و لكنها لا تقاوم الأخبار السابقة إذ الخاص يحكّم على العام.

كما أن هنا أخبارا مستفيضة يستفاد منها جواز صرف الزكاة في التوسعة على العيال «1»، و قد حملت على غير الزكاة الواجبة، أو على التوسعة غير الواجبة على المنفق أو غير المقدورة له، و سيأتي البحث فيها. و محلّ الكلام في المقام الإعطاء لها للنفقة الواجبة. فالعمدة في المعارضة هذه الأخبار الثلاثة.

و أجيب عن الخبر الأول بأن عمران بن إسماعيل مجهول، و بأن العمل به متروك، و بكونه مكاتبة فلا تقاوم الأخبار المستفيضة، و باحتمال اختصاص الحكم بهذا الراوي بقرينة قوله «ع»: «جائز لك.» و لعلّه لعدم تمكنه من الإنفاق عليهم، كما عن الشيخ في التهذيبين، و باحتمال إرادة الصرف في التوسعة الزائدة على النفقة الواجبة كما في الوسائل عن الشيخ، و باحتمال الزكاة المندوبة، و باحتمال أن يكون الرجال و النساء من الأقارب و أطلق عليهم اسم الولد مجازا بسبب مخالطتهم للأولاد كما في المنتهى. «2»

أقول: و باحتمال أن يراد بالزكاة فيه زكاة غير المنفق و لعل السائل كان عاملا لجمع الزكوات من قبل الإمام «ع» فاستجاز صرف

بعضها في ولد نفسه.

و أجيب عن الثاني بالإرسال، و ببعض ما ذكر، و باحتمال عدم إرادة السؤال عن الزكاة، بل المشاورة في هبة العشر من ماله أو الصدقة المندوبة، و باحتمال قيام الأب أو الجدّ له على النفقة الواجبة لها فيكون ما يدفعه الجدّ للأمّ للتوسعة.

و أجيب عن الثالث ببعض ما ذكر، و بأنه بالموت يسقط وجوب الإنفاق فلا مانع من دفع زكاته إليهم. هذا.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 166، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- المنتهى 1/ 523.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 263

..........

______________________________

و يظهر من كشف الغطاء كون المنع في غير الزوجة و المملوك على الندب، قال:

«و الحكم فيما عدا الأخيرين بطريق الندب و موافقة الاحتياط.» «1»

أقول: لعله- قدّس سرّه- أراد بذلك الجمع بين الأخبار المتعارضة، و هو عجيب لمخالفته لإجماع الفريقين.

و احتمل في الجواهر حمل كلامه على التفصيل بين احتساب النفقة زكاة فلا يجوز و بين الدفع إليهم فيجوز.

قال: ما ملخّصه: «اللّهم إلا أن يكون الأستاذ في الكشف قد حمل النص و الفتوى على إرادة احتساب نفقتهم زكاة، لا أن المراد عدم جواز دفع الزكاة لهم مطلقا.

و ربما يؤيده ما صرّح به الفاضل في المنتهى، و المحكي عن التذكرة و النهاية و يحيى بن سعيد في الجامع و الكركي في فوائده و الشهيد في الدروس من جواز تناول ما عدا الزوجة و المملوك الزكاة من غير المنفق و إن كان موسرا باذلالها، إذ لو كان وجوب النفقة رافعا للفقر لمنع من التناول من الغير أيضا، و كذا ما ذكروه من جواز التناول من المالك فضلا عن غيره للتوسعة و للحقوق اللازمة عليهم كنفقة الزوجة و المملوك و نحوهما، إذ ذلك كله مؤيد لجواز

الدفع من المالك، لأن وجوب النفقة عليه لا يخرجهم عن حدّ الفقر، فتحمل النصوص المانعة على عدم جواز احتساب النفقة الواجبة زكاة فله أن يدفع إليهم من الزكاة لاتصافهم بالفقر فيرتفع به وجوب النفقة لارتفاع موضوعه أعني الحاجة.» «2»

أقول: ما ذكره من التفصيل بين الاحتساب و بين الدفع احتمال مرتجل بعيد عن مساق النصوص و الفتاوى، و لم أر منه أثرا في كلام كاشف الغطاء

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 356.

(2)- الجواهر 15/ 397.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 264

[حكم التوسعة على العيال من الزكاة]

بل و لا للتوسعة على الأحوط، و إن كان لا يبعد جوازه (1).

______________________________

أيضا، و ما هو المذكور في أكثر النصوص و الفتاوى المانعة لفظ الإعطاء لا الاحتساب، فراجع. و ما ذكره من الفروع بعنوان التأييد لجواز الدفع يأتي الكلام فيها. و تأييد بعضها للمقام قابل للمنع إذ جواز الإعطاء له للإنفاق غير الواجب على المزكّي كالإنفاق على زوجته و مملوكه مثلا لا يدلّ على جواز الإعطاء له للإنفاق الواجب. فتدبّر.

ثم لا يخفى صحة الحكاية عن المنتهى حيث حكم فيه بجواز أخذ الولد المكتفي بنفقة أبيه و بالعكس من زكاة غيره «1» و لكن حكم في التذكرة و النهاية بخلاف ذلك، فراجع. «2»

فرع: لو نذر الإنسان أن يعطي نفقة رجل أجنبي من ماله

و كان قادرا على الوفاء به فالظاهر بل الواضح كونه كالأقارب في عدم جواز إعطاء الزكاة لإنفاقه بل عدم الجواز هنا أوضح، إذ وجوب الإنفاق على القرابة تكليف محض على ما قالوا.

و أمّا في النذر فالإنفاق يصير ملكا للّه- تعالى- فلعله ينتزع من ذلك ثبوت حق للمنذور له أيضا، فتأمّل. و أولى بذلك ما إذا شرط الإنفاق في ضمن عقد لازم، فإنه يوجب الحقّ قطعا.

(1) حكاه في الجواهر عن الكركي و الشهيد الثاني و قال: «بل حكاه بعضهم عن غيرهما.» «3»

قال الشيخ في النهاية: «و إن كان معه سبعمائة درهم و هو لا يحسن أن يتعيش بها جاز له أن يقبل الزكاة، و يخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزكاة

______________________________

(1)- راجع المنتهى 1/ 519.

(2)- راجع التذكرة 1/ 231؛ و نهاية الإحكام 2/ 383.

(3)- الجواهر 15/ 400.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 265

..........

______________________________

فيتسع به على عياله.» «1»

و في المسالك: «نعم يجوز دفعها إليه في التوسعة الزائدة على القدر الواجب بحيث لا

يخرج إلى حدّ يتجاوز عادة نفقة أمثاله.» «2»

أقول: لا يخفي أن القدر المتيقن من الفتاوى و الإجماعات المحكية و النصوص المانعة التي مرّت بمناسبة الحكم و الموضوع و بملاحظة التعليلين فيها عدم جواز الإعطاء من سهم الفقراء و المساكين لواجب النفقة لأصل الإنفاق الواجب بحيث يتداخل أمر الزكاة و أمر الإنفاق في مقام الامتثال.

قال في الجواهر نقلا عن المحقق الكركي: «يشترط في المستحقين للزكاة أن لا يكونوا واجبي النفقة على الدافع إجماعا في أصل الإنفاق.» «3»

و على هذا فيقع البحث في أنه هل يجوز الإعطاء لهم للتوسعة اللائقة بحالهم مطلقا لصدق الفقر و عدم وجوبها على المنفق و لدلالة الأخبار الآتية،

أو لا يجوز مطلقا لإطلاق الأخبار و الفتاوى المانعة،

أو يفصل بين تمكن المنفق من التوسعة عليهم و عدمه كما يظهر من المصنف لصدق الفقر في الثاني دون الأول،

أو يفصّل بين ما إذا كان في معيشتهم فتور بدونها و بين التوسعة الزائدة على النفقة اللائقة التي لو فرض تملّكه لها و لثمنها كان الزكاة محرمة عليه كما في زكاة الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه- «4» بناء منه على صدق الغنى في الثاني دون الأول؟

في المسألة وجوه بل أقوال.

______________________________

(1)- النهاية/ 187.

(2)- المسالك 1/ 61.

(3)- الجواهر 15/ 399.

(4)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447- 448).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 266

[دليل جواز التوسعة على العيال من الزكاة]

______________________________

و استدلّوا للجواز إجمالا بوجهين:

الوجه الأول: إطلاق الأدلّة من الآية و الأخبار المطلقة. و لا يعارضها الأخبار المانعة عن الإعطاء لواجب النفقة، إذ الظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع و التعليلين فيها المنع عن الإعطاء للنفقة الواجبة فلا تشمل التوسعة الزائدة بل و لا التتميم غير المقدور.

و ما في بعض الكلمات من تحكيم عموم قوله: «خمسة لا

يعطون من الزكاة شيئا.» مردود بأن بناء الأصحاب في جميع الأبواب على تحكيم التعليل و لو كان مذكورا في بعض أخبار الباب و الحكم بدوران الحكم مداره عموما و خصوصا.

و حمل قوله: «و ذلك أنهم عياله لازمون له» على إرادة أن لزومهم له مخرج لهم عن الفقر الى الغنى و لو تعبدا مطلقا و مانع من كونهم موضوعا للزكاة رأسا و لو من الغير فضلا عن المنفق تخرّص و رجم بالغيب.

بل الظاهر من الأخبار المانعة و التعليلين عدم جواز التداخل في مقام الامتثال يجعل الإنفاق الواجب مصداقا للزكاة فلا تشمل التوسعة الزائدة بل و لا الإنفاق غير الواجب و لو لعدم القدرة.

و المراد بالتوسعة الزائدة على المقدار الواجب من الإنفاق بشرط أن لا تصل إلى حدّ الإسراف و التبذير، و ذلك كالثمن لشراء الكتب و مصارف السفر و الضيافة و الإطعام و نحو ذلك و مثل ثمن الفواكه و الحلويات لبعض المقاطع و الأيام الخاصة من السنة. و لا فرق في ذلك بين أن يكون للمنفق ما يوسّع به عليهم أم لا بعد ما فرض عدم وجوبها عليه. كما لا فرق في ذلك بين الزوجة و بين الأقارب بعد فرض جواز التوسعة و احتياجهم إليها عرفا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

اللّهم إلا أن يقال: إن نفقة الزوجة لما كانت دينا على الزوج صارت غنيّة بذلك شرعا فتخرج عن موضوع الزكاة، و هذا بخلاف الأقارب لعدم خروجهم عن حدّ الفقر بمجرد وجوب الإنفاق عليهم، فتأمّل.

الوجه الثاني أخبار مستفيضة:

1- موثقة إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل له ثمانمائة درهم، و لابن له مأتا درهم، و له عشر من العيال و هو يقوتهم

فيها قوتا شديدا و ليس له حرفة بيده إنما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثم يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع (يسبغ- الكافي) عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم و لكن يخرج منها الشي ء: الدرهم.» «1»

و لا يخفى أن الظاهر منها كون موردها زكاة مال التجارة و كون الصرف لتتميم الإنفاق الواجب عند التمكن لا للتوسعة الزائدة غاية الأمر عدم تمكن المنفق منه فلم يجب بالفعل.

و احتمال إرادة بقاء حدّ النصاب من الدراهم سنة لتكون من زكاة النقدين بعيد في الغاية كاحتمال كون العيال العشر بأجمعهم من غير واجبي النفقة.

فمفاد الحديث جواز صرف زكاة التجارة في تتميم الإنفاق الواجب بالطبع إذا لم يكن عنده ما يتمه به.

و على فرض التعدّي إلى الزكاة الواجبة فموردها صورة عدم وجوب الإنفاق بالفعل لعجزه.

2- موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 66، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم، و إنما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة. قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف و لا يأكل هو منه، فإنه ربّ فقير أسرف من غنيّ.» فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغني؟ فقال: «إن الغني ينفق مما أوتي

و الفقير ينفق من غير ما أوتي.» «1»

و هذه الرواية أيضا من حيث المورد و المصرف و الاحتمالات و المفاد كالرواية السابقة، و يراد بالوجوب فيها الثبوت. و هذا الاستعمال كان شائعا في تلك الأعصار. و النهي عن أكل نفسه لعله من جهة أنه لا يصدق عليه حينئذ الدفع و الإيتاء أصلا، فتأمّل.

3- رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفّاف و له عيال كثير أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟» قال: نعم. قال: كم يفضل؟ قال: لا أدري. قال:

«إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة.» قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى. قال:

قلت: كيف يصنع؟ قال: «يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقى منها شيئا يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس.» «2»

و مورد هذه الرواية أيضا زكاة مال التجارة، و لعل المراد باللزوم فيها تأكّد الاستحباب أو عبّر به تقية.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 159، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 269

..........

______________________________

و قد صرّح في الرواية بصرفها في التوسعة على عياله. و المتيقن من العيال الأزواج و الأولاد. و لا قرينة فيها على إرادة التتميم للإنفاق الواجب فتشمل بمقتضى ترك الاستفصال للتوسعة الزائدة أيضا، بل لعلها بقرينة الذيل ظاهرة في ذلك. فتأمّل.

و أما قوله: «إن كان يفضل عن القوت مقدار

نصف القوت» فلعل المراد به كما في الحدائق: «أنه متى فضل هذا المقدار فإنه يجزي للقيام بكسوتهم و سائر ضرورياتهم فلا يجوز له تناول الزكاة، و إن كان أقل من ذلك فإنه لا يقوم بمؤونة السنة فيجوز له أخذ الزكاة.» «1» و لا محالة تكون القضية خارجية حاكية عن المصارف في تلك الأعصار.

ثم لا يخفى أن في الرواية و أمثالها مما ذكر فيها مقدار الدراهم نظرا إلى ردّ أبي حنيفة و أمثاله ممن جعل الملاك في الغنى المانع عن أخذ الصدقة أن يملك الرجل نصاب الصدقة أعني مأتي درهم أو عشرين دينارا.

4- صحيحة أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره.» قلت: فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة.

قال: «زكاته صدقة على عياله. الحديث.» «2»

و الرواية محتملة لكل من زكاة التجارة و زكاة المال و إن كان الأول أظهر لبعد إبقاء هذا المقدار من المال سنة بلا عمل فيه.

و يحتمل بعيدا إرادة عدم وجوب الزكاة، و عبر عن الإنفاق على العيال بالزكاة و الصدقة مسامحة.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 158.

(2)- الوسائل 6/ 158، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 270

..........

______________________________

5- خبر محمد بن مسلم و غيره عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «تحلّ الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم يكن له حرفة و يخرج زكاتها منها و يشتري منها بالبعض قوتا لعياله و يعطي البقية أصحابه. الحديث.» «1»

و يحتمل فيه كل من زكاة التجارة و زكاة المال، و الأول أظهر، و يستفاد من جميع ذلك جواز صرف الزكاة المندوبة على العيال.

6- خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا

تعط من الزكاة أحدا ممن تعول.» و قال: «إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيرا» قال: «ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و كسوتهم و في طعام لم يكونوا يطعمونه، و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا.» و قال: «لا تعطين قرابتك الزكاة كلها و لكن أعطهم بعضها و اقسم بعضها في سائر المسلمين.» و قال: «الزكاة تحلّ لصاحب الدار و الخادم و من كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال و يجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسّع عليهم.» «2»

و لا يخفي عدم خلوّ الخبر من الاضطراب و اشتمل على مسائل مختلفة. و يشبه أنه «ع» نهى أوّلا عن إعطاء الزكاة للعيال و المتيقن منه الإعطاء للإنفاق الواجب عليه. ثم رأى «ع» أن زكاة التجارة أمر متعارف حيث أفتى بوجوبها فقهاء السنة و كانوا يعطونها للخلفاء و عمّالهم، فأراد «ع» بيان عدم وجوبها و لا سيّما على من له عيال كثير، بل الأولى له صرف ماله في النفقة على عياله، و على فرض إرادة الإعطاء أيضا حفظا للصورة و عملا بالاستحباب

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 271

..........

______________________________

كان الأولى له صرفها في التوسعة على عياله بعد ما لم يتمكن منها من أصل ماله، فتدبّر.

و قد تلخّص مما ذكرنا أنا لم نجد في أخبارنا ما تدل بالصراحة أو بالظهور القويّ على جواز صرف الزكاة الواجبة في التوسعة على واجب النفقة.

بل هي ظاهرة في زكاة التجارة، و مورد الأكثر أيضا هو التتميم لمن لا يقدر عليه لا التوسعة الزائدة على ما يجب.

نعم مقتضى الاطلاقات الأولية جواز ذلك اذا لم يتمكن المنفق من التوسعة أو لم تجب عليه حيث يكون حينئذ صرفا فيما لا يجب عليه بالفعل.

و المستفاد من أخبار المنع بمناسبة الحكم و الموضوع و التعليلين فيها المنع عن الصرف فيما يجب عليه، فتدبّر. هذا.

و صاحب الجواهر بعد ما أشار إلى أخبار التوسعة قال ما ملخّصه: «لكن الجميع يحتمل زكاة التجارة التي قد عرفت ندبها، فيكون المراد بيان أولوية مراعاة استحباب التوسعة من إخراج زكاة التجارة، بل ظاهر آخر أنه لا زكاة عليه للتوسعة المزبورة. على أنه يمكن أن يكون المراد غير واجبي النفقة من عياله.

كل ذلك لإطلاق أدلّة المنع الذي يمكن عدم معارضة التعليل له و إن كانت التوسعة غير واجبة على المنفق إلّا أن كثيرا من أفرادها أفضل أفراد الواجب المخيّر كشراء البرّ عوض الشعير و لبس الحرير عوض الخام، فالإنفاق الممنوع من احتسابه زكاة شامل لذلك حينئذ، خصوصا بملاحظة ندرة الاقتصار على أقلّ الواجب من المنفقين، و خصوصا بملاحظة السيرة المستمرة بين الأعوام و العلماء في إخراج الزكاة من الفقراء و الأغنياء.

بل لو كان ذلك جائزا لاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار لشدّة الداعي له،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 272

..........

______________________________

و لكان عذرا في عدم إخراج الزكاة. بل معه تهلك الفقراء من الجوع. بل يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على خلاف ذلك.» «1»

أقول: فهو- قدّس سرّه- كما ترى ينكر جواز صرف الزكاة الواجبة في التوسعة على واجب النفقة.

و قد سبقه في حمل الأخبار المذكورة على زكاة التجارة صاحب الحدائق، فراجع. «2»

و

الشيخ الأعظم الأنصاري- طاب ثراه- في زكاته بعد ما حكم بجواز أخذ الزكاة للتوسعة من المنفق فضلا عن غيره إذا كان في معيشته فتور بدونها و الاستدلال له بموثقتي سماعة و إسحاق بن عمار، قال:

«و دعوى أنهما في مقام بيان زكاة التجارة المندوبة فيجوز التسامح فيها باعطاء من لا يجوز اعطاؤه الواجبة فاسدة جدّا، إذ بعد تسليم ظهور زكاة التجارة منه و منع احتمال بقاء مقدار النصاب من ألف درهم إلى تمام الحول فوجب فيه الزكاة لا ريب في أن المقام مقام بيان مصرف الزكاة المندوبة المتحد مع مصرف الواجبة إجماعا.» «3»

أقول: إن فرض أن في معيشته بدونها فتورا فالأخذ لا محالة للتتميم لا للتوسعة الزائدة فيجب أن يقيد الجواز بما إذا لم يقدر المنفق على التتميم و هو المستفاد من الموثقتين أيضا.

ثم إن الإجماع على اتحاد الواجبة و المندوبة في المصرف إجمالا لا ينافي إجازة نحو من التسامح في المندوبة كما في سائر أبواب الفقه، حيث يتسامح في

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 400.

(2)- الحدائق 12/ 213.

(3)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 448).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 273

إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم (1).

[جواز إعطاء الزكاة لواجبي النفقة للتوسعة على عيالهم]

نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه (2) كالزوجة للوالد أو الولد و المملوك لهما مثلا.

______________________________

المندوبات فيها بما لا يتسامح في الواجبات.

و سيجي ء البحث في التتميم في المسألة التاسعة عشرة.

(1) بل مطلقا في التوسعة الزائدة على ما يجب كشراء الكتب و مصارف السفر و الأضياف مثلا لعدم وجوبها على المنفق.

(2) قال في المسالك: «الضابط أن القريب إنما يمتنع دفعه لقريبه من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرا في وطنه، فلو كان من باقي

الأصناف جاز الدفع إليه، و كذا لو أراد السفر أعطي ما زاد على نفقة الحضر، و كذا يعطى لنفقة زوجته و خادمه إذ لا يجب ذلك على القريب.» «1»

و في المدارك: «يجوز للمالك أن يصرف إلى قريبه الواجب النفقة ما زاد على النفقة الواجبة كنفقة الزوجة و المملوك لعدم وجوب ذلك عليه، و لقوله «ع» في صحيحة عبد الرحمن: «و ذلك أنهم عياله لازمون له.» فإن مقتضى التعليل أن المانع لزوم الإنفاق و هو منتف فيما ذكرنا.» «2»

و في الجواهر: «نعم لو كان جهة فقر غير الإنفاق كما إذا كان عنده من يعول به أو غير ذلك جاز الدفع إليه لإطلاق الأدلّة السّالم عن معارضة نصوص المقام بعد ظهورها بقرينة ما فيها من التعليل في النفقة.» «3»

و يمكن أن يستفاد أيضا كما في المستمسك «4» من صحيحة

______________________________

(1)- المسالك 1/ 61.

(2)- المدارك/ 320.

(3)- الجواهر 15/ 401.

(4)- المستمسك 9/ 289.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 274

..........

______________________________

عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس.» «1» بناء على عموم السؤال لأخذ الزكاة من المنفق أيضا.

و نفقة واجب النفقة تكون من جملة ما يحتاج إليه الإنسان و إن لم تجب على المزكّي.

أقول: لا يخفى أن ما ذكره المصنف هنا و يأتي في بعض المسائل الآتية أيضا إنما يصحّ بناء على ما نسب إلى أصحابنا من عدم وجوب إعفاف الوالد و الولد الفقيرين و عدم وجوب الإنفاق على زوجتهما و عدم كونهما عرفا من النفقة الواجبة على القريب:

1-

قال في المبسوط: «فأما إعفافه فلا يجب عندنا، سواء كان ناقص الأحكام أو الخلقة معسرا كان أو موسرا، و قال بعضهم: إن كان معسرا ناقص الاحكام و الخلقة فعليه أن يعفّه بعقد نكاح أو ملك يمين لقوله: «وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً.» و إن كان معسرا كامل الأحكام و الخلقة قال بعضهم: يجب عليه إعفافه، و قال آخرون:

لا يجب.» «2»

أقول: مقتضى استدلاله بالآية الشريفة رجوع الضمير في «إعفافه» إلى الوالد لا الولد.

و كيف كان فظاهر الشيخ اتفاق أصحابنا على عدم وجوب الإعفاف مطلقا و إنما الخلاف فيه وقع من فقهاء السنة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المبسوط 6/ 34.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 275

..........

______________________________

2- و في نفقات النكاح من الشرائع: «و لا يجب إعفاف من تجب النفقة له.» «1»

3- و في الجواهر في ذيل هذه العبارة قال: «بلا خلاف معتدّ به أجده فيه للأصل السالم عن معارضة إطلاق النفقة في الأدلّة السابقة بعد القطع أو الظن بعدم إرادة ما يشمل ذلك من النفقة المزبورة المراد بها ما هو المتعارف في الإنفاق من سدّ العوزة و ستر العورة و ما يتبعهما. و المصاحبة بالمعروف المأمور بها في الوالدين إنما يراد بها المتعارف من المعروف، و ليس هو إلا ما ذكرنا، لا أقلّ من الشك في ذلك، و الأصل البراءة.» «2»

أقول: و لكن المسألة عندي لا تخلو من شائبة إشكال، إذ النفقة يراد بها ما يحتاج إليه الإنسان في حياته و عيشته. و الزوجة بالمعنى الأعم من المتعة و ملك اليمين من أشدّ الحاجات في حياته و لا سيما بالنسبة إلى الشاب الشبق. و الفقهاء ذكروا من أقسام النفقة الواجبة

نفقة الخادم لمن يحتاج إليه من أهل الرفعة و الشرف.

و الحاجة إلى الزوجة لتحصيل العفاف ربما تكون أشدّ من الحاجة إلى الخادم، و لا محالة تحتاج الزوجة إلى النفقة أيضا. و العقلاء يذمّون و يخطّئون الرجل المتمكن الذي لا يزوّج ابنه مع حاجته إلى الزواج.

و قال اللّه- تعالى- في كتابه الكريم: «وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ.» «3»

كيف؟! و لو كان الفقير محتاجا إلى الزواج فلا شك في أنه يجوز إعطاء الزكاة له من سهم الفقراء للتزويج و لنفقة زوجته.

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 353 (- طبعة أخرى/ 574).

(2)- الجواهر 31/ 377.

(3)- سورة النور (24)، الآية 32.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 276

..........

______________________________

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدق و يحجّ.» «1» و كما أن الفقر موضوع لاستحقاق الزكاة فهو أيضا موضوع للإنفاق الواجب بلا تفاوت بينهما في ذلك.

و تحقق الإجماع منّا على عدم الوجوب غير واضح، إذ ليست المسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا المعدّة لنقل المسائل المأثورة و إنما تعرض لها الشيخ- قدّس سرّه- في مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي. و بذلك يظهر عدم صحة دعوى عدم الخلاف في المسألة مع عدم كونها معنونة في كلمات الأكثر.

و يظهر من المسالك خلاف أصحابنا فيها أيضا:

قال في المسالك في ذيل ما مرّ من الشرائع: «و قد قال بوجوبه بعض الأصحاب و جماعة من العلماء للأب و إن علا لأن ذلك من أهمّ المصاحبة بالمعروف، و لأنه من وجوه حاجاته المهمة فيجب على الابن القيام به كالنفقة

و الكسوة، و الأشهر الاستحباب ... و نفقة الزوجة حينئذ تابعة للإعفاف فإن وجب وجبت و إلّا استحبّت. و كذا القول في نفقة زوجة الأب التي تزوّجها بغير واسطة الابن. و أوجب الشيخ في المبسوط نفقة زوجته و إن لم يجب إعفافه لأنها من جملة مئونته و ضرورته كنفقة خادمه حيث يحتاج إليه.» «2»

و في المبسوط: «رجل فقير لا مال له و له زوجة فقيرة و أولاد صغار لا مال لهم و له ابن غني فعلى الغني نفقة والده و نفقة زوجة والده لأنها من مئونة والده، و نفقتها تجب عليه مع إعسار والده، و أما ولده الصغار فلا يجب عليه نفقتهم ... فإن كانت بحالها و لم يكن له ابن موسر لكن له والد موسر فعلى والده

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المسالك 1/ 594.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 277

..........

______________________________

نفقته لأنه ولده و هو فقير و عليه نفقة زوجته لأن عليه كفاية ولده و لأنها نفقة يلزم ولده مع الإعسار.» «1»

أقول: فالشيخ في المبسوط فرّق بين إعفاف الولد و الوالد و بين نفقة زوجتهما، فأوجب النفقة دون الإعفاف، مع حاجة الولد أو الوالد إلى كليهما و صدق الفقر بالنسبة إليهما، فحكمهما واحد كما مرّ عن المسالك.

ثم إن التعليل الذي ذكره لوجوب نفقة زوجة الوالد يجري في نفقة ولده الصغار أيضا كما لا يخفي.

فإن قلت: إن زوجة الولد و الوالد لم تذكرا في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الحاصرة لواجب النفقة في خمسة.

قلت: إن زوجة الولد أو الوالد ليست هنا ملحوظة مستقلة، و إنما تجب نفقتهما لكونها جزء من نفقة الوالد أو الولد.

و في المختلف: «لا يجب

على الولد الغني الإنفاق على زوجة والده المعسر، و لا على الوالد وجوب الإنفاق على زوجة ولده المعسر لأصالة البراءة. و أوجب الشيخ في المبسوط النفقة فيهما لأنها من مئونة والده، و أوجب أيضا الفطرة لأنها بمنزلة النفقة، و الكل ممنوع.» «2»

أقول: ما ذكره يصحّ على مبناهم من عدم وجوب الإعفاف.

و راجع في مسألة الإعفاف الحدائق أيضا. «3»

______________________________

(1)- المبسوط 6/ 49.

(2)- المختلف/ 582.

(3)- الحدائق 25/ 137.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 278

[الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من أجل الفقر]

[المسألة 10]: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل الفقر. و أمّا غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم، أو الغارمين، أو المؤلّفة قلوبهم، أو سبيل اللّه، أو ابن السبيل، أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه (1).

______________________________

و في المغني لابن قدامة: «قال أصحابنا: و على الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته و كان محتاجا الى إعفافه، و هو قول بعض أصحاب الشافعي. و قال بعضهم: لا يجب ذلك عليه. و لنا أنه من عمودي نسبه و تلزمه نفقته فيلزمه إعفافه عند حاجته إليه كأبيه ... و كل من لزمه إعفافه لزمته نفقة زوجته لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا بذلك. و قد روي عن أحمد: أنه لا يلزم الأب نفقة زوجة الابن. و هذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها.» «1» هذا. و تفصيل المسألة موكول إلى مبحث النفقات من كتاب النكاح.

و قد تحصل مما ذكرنا الإشكال في جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة للإعفاف أو نفقة الزوجة لدى الحاجة إليهما و قدرة المنفق. نعم يجوز الإعطاء للتوسعة الزائدة على ما يجب كتعدّد الزواج مثلا و نفقات الزوجات الجديدة ما لم يصل

إلى حدّ الإسراف و الخروج عن المتعارف، و كما إذا كان في سنّ أو حال لم يحتج عرفا إلى الزوجة و عدّت له من قبيل التوسعة الزائدة.

و كذلك يجوز الإعطاء إذا لم يقدر المزكّي على ذلك على ما يأتي بحثه في المسألة التاسعة عشرة.

(1) 1- قال في المبسوط: «و من تجب نفقته لا يجوز دفعها إليه و إن كان من الفقراء و المساكين. فإن كان أراد أن يدفع إليهم من غير سهم الفقراء جاز أن يدفع

______________________________

(1)- المغني 9/ 264.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 279

..........

______________________________

إليهم من سهم العاملين و المؤلفة و الغارمين و الغزاة و من سهم الرقاب، و ابن السبيل يجوز أن يدفع إليه قدر حاجته للمحمولة فأما قدر النفقة فلا يجوز.» «1»

2- و في الشرائع: «و لو كان من تجب نفقته عاملا جاز أن يأخذ الزكاة، و كذا الغازي، و الغارم و المكاتب، و ابن السبيل لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة.» «2»

3- و في الجواهر: «فمن المعلوم أن منع المالك من دفع الزكاة لمن وجبت نفقته عليه إنما هو من سهم الفقراء لا مطلقا، أمّا إذا دخلوا تحت مستحقي باقي السهام فلا خلاف معتدّ به كما لا إشكال في جواز الدفع إليهم من المالك و غيره لعموم الأدلة السالم عن المعارض بعد تنزيل النصوص السابقة على الدفع من سهم الفقراء.» «3»

4- و في الذخيرة: «فلو كان من يجب نفقته عاملا أو غازيا أو غارما أو مكاتبا أو ابن السبيل جاز الدفع إليهم و هو مقطوع به في كلامهم. و منع ابن الجنيد من إعطاء المكاتب، و يدل على المشهور عموم الآية السالم عن

المعارض.» «4»

5- و في الحدائق: «لا إشكال في جواز الدفع إليه من سهام هذه الأصناف لعموم الآية السالم عن المعارض.» «5»

أقول: مع ادعائهم الشهرة و المقطوعية و عدم الخلاف المعتدّ به و عدم الإشكال في المسألة، ليست المسألة بتمام مصاديقها معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة حتى يعتمد فيها على الإجماع أو

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 258.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 123).

(3)- الجواهر 15/ 405.

(4)- الذخيرة/ 459.

(5)- الحدائق 12/ 215.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 280

..........

______________________________

الشهرة. فاللازم إتمامها بالقواعد و الروايات الواردة.

و الظاهر جواز التمسك فيها بعموم الآية و نحوها بعد استظهار اختصاص الأخبار المانعة بمناسبة الحكم و الموضوع و التعليلين فيها بخصوص ما إذا كان الإعطاء للصرف في النفقات بملاحظة الفقر و الاحتياج.

و أما ما يأخذه العامل فهو أجرة لعمله و يستوي فيه الفقير و الغني، و نحوه الغازي و لذا يجوز لهما الأخذ مع اليسر و العسر. و المكاتب يأخذ لفداء رقبته، و الغارم لوفاء دينه، و لا يجبر القريب على شي ء من ذلك إجماعا، و كذا ابن السبيل بالنسبة إلى ما زاد عن نفقته الأصلية.

و إن شئت قلت: إن ظاهر تعليل المنع بأنهم عياله لازمون له و أنه يجبر على نفقتهم أنهم في نفقاتهم بحكم الأغنياء لا يحتاجون فيها إلى الزكاة، فالمنع لا محالة يكون بملاحظة الفقر و المسكنة لا المصارف التي يشترك فيها الفقير و الغني، فتدبّر.

هذا مضافا إلى ما ورد في قضاء دين الأب من سهم الغارمين، و في اشتراء الأب من سهم الرقاب:

1- ففي موثقة اسحاق بن عمّار قال: سألت أبي عبد اللّه «ع» عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة

أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال: «نعم و من أحقّ من أبيه؟» «1»

2- و في خبر أبي محمد الوابشي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله، قال: «اشترى خير رقبة؛ لا بأس بذلك.» «2»

و الوابشي مجهول و لكن الراوي عنه ابن محبوب و هو من أصحاب الإجماع،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 173، الباب 19 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 281

[حكم جواز أخذ الزكاة على من لا تعطى نفقته]
[يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه]

[المسألة 11]: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه إذا لم يكن قادرا على إنفاقه، أو كان قادرا و لكن لم يكن باذلا (1).

______________________________

و السند إليه صحيح.

3- و عن فقه الرضا: «و إن اشترى رجل أباه من زكاة ماله فأعتقه فهو جائز.» «1»

و عن المقنع مثله. «2»

و أمّا ما عن ابن الجنيد من عدم جواز دفع المولى زكاته إلى مكاتبه ليفك بها رقبته فاستدل له بعود نفعه إلى نفسه.

و فيه مضافا إلى أنه اجتهاد في مقابل النصّ، أنه لا دليل على منع ذلك بعد وجود الاستحقاق و صدق الدفع و الإيتاء. و قد مرّ نظير ذلك في الإعطاء للأخ الفقير بحيث يصير غنيا فيشاركه في الإنفاق على أبيهما الفقير، فتأمّل.

(1) و لم يمكن إجباره و لو بالرجوع إلى الحاكم أو عدول المؤمنين.

و لا فرق في ذلك بين الزوجة و بين الأقارب بعد تحقق الفقر و عدم تمكن الزوج أو القريب أو عدم إنفاقهما.

و مجرد وجوب الإنفاق شرعا بل و اشتغال ذمّة الزوج المماطل أيضا لا يوجب صدق الغنى و لا يصير

مانعا عن الأخذ ما لم يتحقق البذل و لم يمكن الإجبار أيضا. و هل يرضى الشرع المبين بحرمان الشخص و مؤاخذته بذنب غيره و ظلمه و مماطلته؟

و يستفاد هذا الحكم من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية بالأولوية القطعية.

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 119)؛ و المستدرك 1/ 523، الباب 10 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- الجوامع الفقهية/ 14؛ و المستدرك 1/ 523، الباب 10 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 282

..........

______________________________

و في التذكرة: «و إن لم ينفق أحد منهم و تعذر ذلك جاز الدفع إليهم كما لو تعطلت منفعة العقار.» «1»

و في البيان: «و لو لم يبذل النفقة جاز من غيره قطعا.» «2»

و في المدارك: «و لو امتنع المنفق من الإنفاق جاز التناول في الجميع قولا واحدا.» «3»

و قد يتوهم أن قوله «ع»: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا، الحديث،» يعمّ بإطلاقه زكاة المنفق و غيره.

و هذا توهم غريب، إذ هل يحتمل أن كون الشخص أبا أو أما أو ولدا أو زوجة لشخص ما يوجب حرمانه عن زكاة أيّ شخص كان؟ و هل يوجد أحد لا ينطبق عليه أحد من هذه العناوين؟ اللّهم إلّا أن يموت الجميع و يبقى منفردا.

و لو كان الزوج أو القريب موسرا غير باذل و لكن يمكن السرقة من ماله بإذن الحاكم بلا حرج أشكل حينئذ أخذ الزكاة. كما في قصة هند زوجة أبي سفيان: ففي سنن البيهقي بسنده عن عائشة أن هندا قالت للنبي «ص»:

إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله؟ قال:

«خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف.» «4»

و رواها في الجواهر. «5» و في سنن ابن ماجة بسنده عن عائشة، قالت:

جاءت هند إلى النبي «ص» فقالت: يا رسول اللّه، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 231.

(2)- البيان/ 194.

(3)- المدارك/ 320.

(4)- سنن البيهقي 7/ 466، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة للزوجة.

(5)- الجواهر 31/ 302.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 283

[عدم جواز الدفع إذا كان باذلا]

و أمّا إذا كان باذلا فيشكل الدفع إليه و إن كان فقيرا كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شي ء. بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (1).

______________________________

يكفيني و ولدي إلّا ما أخذت من ماله و هو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف.» «1»

(1) 1- قال العلامة في التذكرة: «لو كان للولد المعسر أو الزوجة الفقيرة أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون، و كل منهم ينفق على من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم لأن الكفاية حصلت لهم بما يصلحهم من النفقة الواجبة فأشبهوا من له عقار يستغني بأجرته.» «2»

أقول: لا يخفى أن مراده دفع زكاة غير المنفق أو مطلقا، و لم يفصل في عدم الجواز بين الزوجة و بين الأقارب.

2- و قال في نهايته: «و الزوجة الفقيرة إذا كان زوجها موسرا و كان ينفق عليها لم يجز دفع الصدقة إليها إجماعا لأنها غنيّة به ... و الولد المكتفي بنفقة أبيه أو بالعكس لا يجوز له أخذ الزكاة لأنه غني به، نعم لو احتاج إلى اتّساع في النفقة و هي زائدة عن الواجب فالأقرب جواز دفع الصدقة إليه لقول الكاظم- عليه السلام-.» «3»

أقول: و مراده بقول الكاظم صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ

يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 2/ 769، كتاب التجارات، باب ما للمرأة من مال زوجها، الحديث 2293.

(2)- التذكرة 1/ 231.

(3)- نهاية الإحكام 2/ 383.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

فقال: «لا بأس.» «1»

و أنت ترى أن مورد الصحيحة صورة عدم بذل المنفق للتوسعة و عبارة النهاية مطلقة.

3- و في مجمع البرهان: «لا يجوز لغير من وجب نفقتهم عليه أيضا إعطاؤهم من سهم الفقراء مع كون المنفق غنيّا باذلا، إذ ليس ذلك بأقلّ من الكاسب القادر على القوت.» «2» هذا.

4- و لكن العلامة في المنتهى قال: «الولد إذا كان مكتفيا بنفقة أبيه أو الأب المكتفي بنفقة الولد هل يجوز له أخذ الزكاة؟ أمّا منه فلا إجماعا لما يأتي ... و أما من غيره فالأقرب عندي الجواز لأنه فقير، و يؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» ... و فيه إشكال.»

و قال قبل ذلك في الزوجة: «و هل يجوز لها مع الإنفاق أخذ الصدقة من غيره؟ الوجه عدم الجواز لأن نفقتها كالعوض فأشبهت أجرة العقار.» «3»

أقول: فهو في المنتهى فصّل بين الزوجة و بين الأقارب. و الظاهر أن قوله:

«فيه إشكال» يرجع إلى التأييد بالصحيحة، و وجهه أن مورد الصحيحة التوسعة مع عدم بذل المنفق لها، فلا ترتبط بالمقام.

5- و في الدروس: «و لو أخذ من غير المخاطب بالإنفاق فالأقرب جوازه إلا الزوجة إلا مع إعسار الزوج و فقرها.» «4»

6- و في البيان: «و من تجب نفقته على غيره لفقره غني مع بذل المنفق. و في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث

1.

(2)- مجمع الفائدة و البرهان 4/ 178.

(3)- المنتهى 1/ 519.

(4)- الدروس/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 285

..........

______________________________

رواية عبد الرحمن بن الحجاج يجوز له تناولها، و هو قوي، نعم لا يجوز له أخذها من قريبه المنفق.» «1»

أقول: قد عرفت عدم ارتباط الرواية بالمقام. ثم كان عليه استثناء الزوجة كما في الدروس.

7- و صاحب المدارك «2» أيضا فصّل بين الزوجة و بين الأقارب كما في المنتهى و أفتى بالجواز في الثاني. و ناقش في تنظير العلامة في التذكرة للمقام بأجرة العقار بأنه قياس مع الفارق.

8- و في الجواهر قال: «الأقوى جواز التناول من الغير، و اختاره في المدارك، لعدم الخروج بذلك عن حدّ الفقر، فيندرج حينئذ في إطلاق الأدلة و عمومها، و لصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» ....

بل مقتضى ما ذكرنا الجواز أيضا في الزوجة مع فقرها إن لم يقم إجماع.

اللّهم إلّا أن يفرق بأن نفقتها كالعوض عن بضعها و لذا يضمنها المنفق إذا لم يؤدّها بخلاف نفقة الوالد و الولد.

و إن كان قد يناقش فيه بأنها و إن كانت كذلك إلا أنها إنما تملك عليه يوما فيوما، و مثله لا يخرجها عن حدّ الفقر الذي هو عدم ملك مئونة السنة. و كونها حينئذ كذي الصنعة قياس أولا و مع الفارق بالدليل ثانيا. لكن الإجماع على عدم جواز تناولها مع يسار الزوج و بذله يمكن تحصيله و إن احتمل بعض الناس الجواز أيضا.» «3»

و بالجملة ففي المسألة ثلاثة وجوه بل أقوال: عدم الجواز مطلقا، و الجواز مطلقا، و التفصيل بين الزوجة و بين الأقارب.

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- المدارك/ 320.

(3)- الجواهر 15/ 398 و 399.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 286

و استدلّ القائلون بعدم الجواز بوجهين:

______________________________

الأول: حصول الكفاية الموجب

لصدق الغنى، نظير من له عقار يكتفي بأجرته اليومية أو حرفة أو صنعة كافية لمئونته.

و قد مرّ بعض الكلمات هنا، و تقدم عن المعتبر و البيان و المسالك صدق الغني على من وجب نفقته على غيره و بذلك استدلوا على عدم جواز إعطاء زكاته لهم.

و العلامة في النهاية أيضا استدل لذلك بقوله: «و لأنهم أغنياء به» «1»

و في زكاة الشيخ الأعظم: «و لصدق الغني عليه بعد اجتماع وصفي وجوب الإنفاق و بذل المنفق و إن كان كل واحد منهما لا يكفي في نفي الفقر عنه إلا إذا امتنع المنفق و قدر المنفق عليه على الاستيفاء و لو بمعونة الحاكم، لكنه محل تأمل.» «2»

الوجه الثاني: إطلاق بعض نصوص المنع بحيث يعمّ زكاة غير المنفق أيضا كقوله «ع» في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا. الحديث.» «3»

بل ظاهر التعليل بقوله: «و ذلك أنهم عياله لازمون له» أنهم صاروا بذلك بمنزلة الأغنياء في عدم الاحتياج.

و أجيب عن الأول بأن الملاك في الغني على ما هو المستفاد من الأخبار و الفتاوى كونه مالكا لمئونة السنة فعلا أو قوة قريبة من الفعل.

______________________________

(1)- نهاية الإحكام 2/ 397.

(2)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447).

(3)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 287

..........

______________________________

و مجرّد كونه تحت عيلولة المنفق لا يوجب صدق الغني عليه، و لذا لم يكن إشكال ظاهر في جواز إعطاء عيال الموسر الباذل إذا لم يكن واجب النفقة عليه. و الفرق بينهما باللزوم و عدمه غير فارق كما في المستمسك. «1»

و أجيب عن الثاني بأن دعوى الإطلاق في النصوص غريب، لوضوح

أن المراد فيها منع زكاة المنفق.

و هل يحتمل أحد أن كون الشخص أبا أو أمّا أو ولدا أو زوجة أو جدّا أو جدّة لشخص ما يوجب حرمانه عن زكاة أيّ شخص كان؟!

و أمّا التعليل فلعله ناظر إلى أنه لما كان نفقتهم واجبة عليه و أنه يجبر عليها شرعا فلا مجال لاحتسابها زكاة بتداخل التكليفين في مقام الامتثال، و لا يجعل زكاته وقاية لماله، و التداخل مخالف لارتكاز العقلاء أيضا، و التعليل يقع غالبا بالأمور الواضحة عند العقلاء.

و كيف كان فلا تشمل نصوص المنع لزكاة غير المنفق.

و استدل القائلون بالجواز أيضا بوجهين:

الأول: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» و قد مضت.

و فيه أن المورد فيها كما مرّ الأخذ للتوسعة إذا كان المنفق لا يوسّع، فلا ربط لها بالمقام.

الثاني: صدق الفقير عليه لعدم كونه مالكا لمئونة السنة، فيشمله إطلاق الأدلة و عمومها. كيف؟ و الفقر موضوع لوجوب الإنفاق، و الحكم لا يعدم موضوع نفسه.

و الفقر موضوع لوجوب الإنفاق و لاستحقاق الزكاة في رتبة واحدة، فلا وجه

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 291.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 288

..........

______________________________

لتقديم أحد هما على الآخر.

و كما لا يرتفع الفقر ببذل الزكاة بحيث يخرج عن موضوع وجوب الإنفاق كذلك لا يرتفع ببذل النفقة بحيث يخرج عن موضوع الزكاة، فلو كان فقيرا يرتزق من الزكاة ثم صار أبوه غنيا وجب عليه الإنفاق عليه فكذلك الإنفاق لا يخرجه عن موضوع الزكاة.

فإن قلت: يكفي في الخروج أن يستحق الشخص على قريبه الإنفاق عليه و قيام القريب ببذل ما يستحقه، و الفرق بين وجوب الإنفاق و جواز دفع الزكاة أن موضوع وجوب الإنفاق هو عدم القدرة على مئونة نفسه و هذا حاصل و إن تكفله رجل من

باب الزكاة. و أما جواز دفع الزكاة فموضوعه الحاجة و الفقر و يرتفع بتملكه على غيره و لو من باب التكليف مئونته، فموضوع الزكاة يرتفع بالإنفاق الواجب، و موضوع الإنفاق لا يرتفع بدفع الزكاة، و لأجل ما ذكرنا لو دفع أحد زكاة ماله إلى أولاد الأغنياء من دون الثروة عدّ دافعا إلى غير الفقراء.

قلت: هذا ما ذكره الشيخ الأعظم في زكاته. «1»

و لكن يمكن أن يناقش بأن مجرد الحكم التكليفي بالإنفاق لا يجعل القريب مالكا لما يبذل، فكيف يخرج بذلك عن حدّ الفقر؟ بل كان الأولى و الأنسب له- قدّس سرّه- أن يعكس في البيان، لأن موضوع الزكاة الفقر و هو حاصل لعدم كونه مالكا لمئونة السنة. و موضوع وجوب الإنفاق عدم القدرة على النفقة و هو غير حاصل مع بذل الزكاة له.

و لذا احتمل في شرح النافع- على ما حكاه عنه في الجواهر- «2» عدم وجوب

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 447).

(2)- الجواهر 31/ 372.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 289

..........

______________________________

الإنفاق على من بذلت له الزكاة و نحوها من الحقوق، و إن استغربه في الجواهر، و لكنه غير ظاهر، إذ ليس في أدلة وجوب الإنفاق إطلاق يرجع إليه عند الشك فيقتصر فيه على القدر المتيقن و لا يقين بوجوبه مع بذل الزكاة و نحوها و عدم المانع له من التعيش بها.

و عليك بمراجعة المستمسك في المقام. «1» و التحقيق في المسألة موكول إلى محلها.

و استدلّ القائل بالتفصيل بين الزوجة و بين الأقارب

بما مرّ من الجواهر من أن نفقة الزوجة دين على الزوج و لذا يضمنها إن فرّط فيها. و كونها يوما فيوما لا ينافي صدق الغني بعد بقاء الملاك إلى السنة و ما بعدها و لو بالاستصحاب فضلا عن

وجود الوثوق و الاطمينان غالبا ببقاء البذل و الباذل، و على ذلك يدور محور حياة العقلاء في المعاملات و المعاشرات اليومية، فيكون هذا نظير الاستفادات اليومية التدريجية لأرباب الحرف و الصنائع مع عدم حصول شي ء بالفعل سوى القوة و الاستعداد و ليس هذا من القياس.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 289

و قد مرّ عن الجواهر قوله: «لكن الإجماع على عدم جواز تناولها مع يسار الزوج و بذله يمكن تحصيله.» «2»

و هذا بخلاف نفقة الأقارب، إذ الثابت فيها تكليف محض، أعني وجوب رفع الخلّة الذي لا يتصور تداركه بعد فواته، نظير وجوب إعانة المحتاج فلا يصدق فيه الملك و لو بالقوة. هذا.

فهذا ما يوجّه به الوجوه و الأقوال الثلاثة في المسألة.

و لكن بعد اللتيا و التي فالظاهر عدم جواز الأخذ مطلقا: أمّا في الزوجة فواضح

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 292.

(2)- الجواهر 15/ 399.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 290

..........

______________________________

مع إيسار الزوج و بذله أو إمكان إجباره أو السرقة منه بلا حرج.

و أمّا في الأقارب فلأن المستفاد من أدلّة تشريع الزكاة أنها شرّعت لسدّ الخلّات و الحاجات. و من وجبت نفقته على غيره و يكون المنفق موسرا باذلا لها بلا حرج و منة فمثل هذا الشخص لا يوجد له في عيشته خلّة و حاجة عرفا و يعدّون مثله في عداد الأغنياء.

و هذا كغالب أولاد الأثرياء و المتمكنين الذين يتصرفون و يتنعمون في أموال آبائهم تصرّف الملّاك في أموالهم. و نحن لا نشك في انصراف لفظي الفقراء و المساكين عنهم.

و لو قال المولى لعبده فرّق هذه الدراهم و الدنانير في

فقراء البلد ففرّقها في أبناء التجار و أهل الثروة المتنعمين في أموال آبائهم عدّ العبد عاصيا مستحقا للذمّ و العقاب. و لا مانع من رفع الحكم بعد إجرائه لموضوع نفسه، فوجوب الإنفاق بعد إجرائه يرفع الفقر كما يرفع وجوب غسل النجاسة بعد إجرائه للنجاسة.

و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع» المروية عن معاني الأخبار قال:

قال رسول اللّه «ص»: «لا تحلّ الصدقة لغني و لا لذي مرّة سويّ و لا لمحترف و لا لقويّ» قلنا: ما معنى هذا؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «1»

فيستفاد من هذه الصحيحة أن الملاك في الفقر احتياجه إلى الزكاة عرفا و عدم قدرته عرفا على أن يكفّ نفسه عنها لا عدم كونه مالكا لمئونة سنته.

و إن شئت قلت: إن المراد بالملك هنا هو الواجدية و لو بالقوة، و هي تصدق في المقام نحو صدقها على المحترف يوما فيوما، و لا يراد به الملكية الاعتبارية المحضة كما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 291

..........

______________________________

في الزوجة إذا كان زوجها مماطلا لا يمكن إجباره، فالملاك الإيسار و البذل خارجا.

و ببيان آخر: الملكية لا موضوعية لها، و إنما الملاك الاستفادة من المال و التنعم به، فالنظر إلى المالكية نظر طريقي، و المال وسيلة لا هدف، و الهدف التنعم و التعيش.

ثم إن نفقة القريب و إن لم تكن كنفقة الزوجة مملوكة مضمونة على المنفق و لكن يمكن أن يقال: إنها ليست تكليفا محضا بل يوجد فيها نحو حقّ لهم- و الحقّ مرتبة ضعيفة من مراتب الملك- و لذا يطالب بها و يجبر عليها عند الامتناع

كما هو المصرّح به في أخبار الباب. «1»

و تؤخذ من ماله مع امتناعه أو غيبته بإذن الحاكم، و مع تعذره بإذن عدول المؤمنين و يستدان عليه أيضا بإذنهم و يكون عليه قضاؤه، فراجع الجواهر. «2»

نعم يقع الإشكال فيما إذا أمكن التعيش بالزكاة و نحوها بلا حرج و لا منّة كما مرّ و لكن هذا إشكال آخر. و هذا هو الفارق المهم بين الزوجة و بين الأقارب، إذ الزوج مديون لها مطلقا.

و يمكن أن يقال بدلالة صحيحة زرارة على عدم جواز الأخذ من الزكاة إذا فرض الإنفاق عليه خارجا بلا حرج و منّة و إن لم يكن ممن تجب نفقته عليه شرعا فضلا عما إذا وجبت، و ذلك كأمّ الزوجة و الإخوة و الأخوات الصغار اليتامى إذا كانوا تحت عيلولته و كان موسرا باذلا لهم، حيث لا يصدق في أمثالهم وجود الخلّة و الحاجة، و يصدق أنهم يقدرون على أن يكفّوا أنفسهم عن الزكاة، فنفس الوجوب لا أثر له و إنما الملاك الإنفاق خارجا، وجب أو لم يجب.

و لو التزمنا بذلك لزم منه عدم جواز إعطاء الزكوات و الكفارات لعيال الفقير أيضا إذا فرض إنفاقه عليهم خارجا بقدر الحاجة، نعم يجوز الإعطاء لنفس المنفق إذا

______________________________

(1)- راجع الوسائل 15/ 237، الباب 11 من أبواب النفقات.

(2)- راجع الجواهر 31/ 379.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 292

[عدم جواز الأخذ مع إمكان إجبار الزوج على البذل]

بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعا منه (1).

[عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة]

بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا (2).

______________________________

كان فقيرا، فتدبّر. و لكن الظاهر عدم التزام أصحابنا بذلك و إن التزم به بعض فقهاء السنة، و سيأتي البحث فيه في المسألة الخامسة عشرة.

(1) إذ الامتناع مع إمكان الإجبار لا يوجب انتفاء الغنى بالقوة، فوزانها وزان سائر الأغنياء إذا غصبت أموالهم و أمكن لهم استنقاذها بلا حرج، بل الظاهر جريان ذلك في الأقارب أيضا إذا أمكن لهم إجبار المنفق و لو بالرجوع إلى الحاكم.

نعم مع صعوبة الإجبار بحيث لا يقدم الناس على مثله يجوز دفع الزكاة و لو إلى الزوجة.

و نظير الإجبار الأخذ سرّا بإذن الحاكم، كما مرّ في قصة هند زوجة أبي سفيان، حيث أذن لها النبي «ص» في الأخذ لنفسها و ولدها. «1»

(2) أقول: قد دلّت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع» على جواز الأخذ من الزكاة للتوسعة إن كان المنفق لا يوسّع، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال: «لا بأس.» «2» و المتيقن منها زكاة غير المنفق، و هي ساكتة عن صورة كون المنفق باذلا للتوسعة أيضا فيجب إتمامها بالعمومات و القواعد.

و التوسعة تارة يراد بها تتميم النفقة الواجبة المتعارفة في قبال التضييق و

______________________________

(1)- راجع سنن البيهقي 7/ 466، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة للزوجة.

(2)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص:

293

..........

______________________________

التقتير، و قد يراد بها الأمور الزائدة على ما يجب على الزوج و القريب كثمن الكتب و الفواكه الفصلية و مصارف السفر و الضيوف مثلا.

و الفرق بينهما وجوب الأولى على الزوج و القريب دون الثانية، و الصحيحة محتملة لكلتيهما، و إن كان الظاهر بقرينة قوله: «يكفيه مئونتة» هو الثانية منهما.

و يظهر من الشيخ في زكاته «1» حملها على خصوص الأولى، و من المستمسك «2» حملها على الثانية. و الإشكال في الأولى أظهر، إذ حيث تجب على الزوج و القريب و يكون المنفق عليه مالكا أو ذا حقّ بالنسبة إليها أمكن القول بعدم جواز أخذ الزكاة لها من غير المنفق أيضا بخلاف الثانية، إذ إنفاق المنفق بالنسبة إليها يقع تبرّعا نظير التبرع بنفقة الأخ و العمّ و نحوهما ممن لا تجب نفقتهم.

و بناء الأصحاب في مثلها على جواز الأخذ من الزكاة و إن وقع الإنفاق خارجا، و إن ناقشنا نحن في ذلك، و أولى بذلك ما إذا لم يقع الإنفاق خارجا و قد دلّت صحيحة ابن الحجاج على الجواز حينئذ كما مرّ.

و بما ذكرنا يظهر أن ما في المستمسك في المقام لا يخلو من مناقشة، قال:

«الإشكال فيه يبتني على الإشكال في جواز الدفع للنفقة، فإنه إن جاز جاز، و إن لم يجز- لعدم صدق الفقير- لم يجز، إذ الغني لا يجوز الدفع إليه و لو للتوسعة. و التفكيك بين النفقة و التوسعة في صدق الفقر و الغنى غير ظاهر ... و مما ذكرنا يظهر أنه لا فرق في المنع و الجواز بين بذل المنفق مقدار التوسعة و عدمه لأن المعيار في الفقر و الغنى خصوص النفقة اللازمة دون التوسعة كما لعله ظاهر.» «3»

أقول: يمكن أن

يقال بالتفكيك و صدق الغنى بالنسبة إلى النفقة الواجبة

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 509 (- طبعة أخرى/ 448).

(2)- المستمسك 9/ 294.

(3)- المستمسك 9/ 294 و 295.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 294

[يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها إذا لم يشترط النفقة على الزوج]

[المسألة 12]: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها (1)، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، و سواء كان للإنفاق أو للتوسعة، و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه.

______________________________

بلحاظ وجوبها على المنفق، و صدق الفقر بالنسبة إلى التوسعة بلحاظ عدم وجوبها عليه و وقوعها تبرّعا، اللّهم إلا أن يجعل المعيار في صدق الغنى وقوع الإنفاق خارجا لا وجوبه شرعا و لكنه خلاف بناء الأصحاب.

و أوضح مما ذكر صورة عدم بذل المنفق للتوسعة، حيث إنه مع عدم وجوبها على المنفق و عدم بذله لها و تحقق الاحتياج إليها عرفا يصدق الفقر بالنسبة إليها بلا إشكال كما يظهر من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، و دائرة الفقر في باب الزكاة أوسع منها في باب الإنفاق الواجب كما يظهر من الصحيحة و كذا من قوله «ع» في صحيحة أبي بصير: «بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج.» «1» إذ الإعطاء للتصدق و الحج ليس بواجب في الإنفاق الواجب قطعا، فتدبّر.

(1) و ذلك لعدم وجوب نفقتها فتكون كمرأة أجنبية. و احتمال المنع لإطلاق بعض النصوص مدفوع بأن التعليل بلزوم النفقة حاكم على ذلك الإطلاق.

و منه يظهر الحال في الدائمة المشروط سقوط نفقتها.

و في المقام كلام غريب حكاه في الجواهر عن الأستاذ الأكبر، قال فيه: «و من الغريب ما وقع هنا للأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح، فإنه بعد أن حكى عن الذخيرة الجواز

في المتعة لعدم وجوب الإنفاق عليها قال: «هذا أيضا فيه ما فيه، لأن الدائمة ربما لا تتمكن من أخذ النفقة، و ربما وقع اشتراط عدم النفقة. و في المتعة ربما

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 295

..........

______________________________

يقع الاشتراط، و مع عدمه ربما تكفي مئونتها كما هو المتعارف الغالب الآن، فعدم الوجوب لا يصير علّة، بل العلّة عدم كفاية المؤونة، مع أنه لا تفاوت بين بضعها و بين بضع الدائمة في القابلية للعوض. فعندها العوض قبل إيقاع العقد و متمكنة منه و بعد إيقاع العقد، و إعطاء البضع من دون عوض يكون حالها حال الدائمة التي يشترط عليها عدم النفقة، أو تهب النفقة لزوجها و تأخذ الزكاة بإدخال نفسها في الفقراء الغير المتمكنين من العوض شرعا مع تمكنها من العوض و تحصيل المؤونة به، فلا بدّ لها من عذر شرعي في ذلك، إذ هي كمن عنده مئونة السنة و يهبها للرحم أو بعوض قليل غاية القلّة أو يتلفها و يجعل الزكاة عليه حلالا بعد أن كانت حراما، فمع العذر الشرعي يكون الأمر كما ذكره بلا شبهة، و أما مع عدمه يكون حراما، فعلى اعتبار عدم المعصية في الآخذ لا يجوز الدفع و لا الأخذ.»

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، ضرورة معلومية كون المدار في الفرق بين الدائمة و غيرها وجوب الإنفاق و عدمه بناء على غالب الحال فيهما، لا ما إذا فرض انعكاس الأمر بشرط أو نحوه، فإن الحكم حينئذ ينعكس. و قوله: إن المدار على كفاية المؤونة لا الوجوب واضح الفساد إذا كانت الكفاية بطريق التبرع و نحوه مما هو غير لازم،

و لذلك جاز دفع المالك زكاته إلى بعض من يعول به ممن لا يلزمه عيلولته بلا خلاف نصّا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه.» «1» انتهى كلام الجواهر في نقل كلام الأستاذ و نقده.

أقول: فيما حكاه عن الأستاذ الأكبر كما في مصباح الهدى «2» موارد النظر:

منها عدّه بضع المرأة من قبيل الأموال بحيث تعدّ به المرأة غنية، و هو كما ترى.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 402.

(2)- مصباح الهدى 10/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 296

نعم لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج- من جهة الشرط أو نحوه- لا يجوز الدفع إليها (1)

______________________________

و منها جعله النفقة في الدائمة عوضا عن البضع، مع أن عوضه المهر في الدائمة و المنقطعة كلتيهما.

و منها أن في جواز اشتراط عدم النفقة في الدائمة أو هبتها لزوجها و إدخال نفسها في الفقراء لا بد من عذر شرعي و أنها نظير من عنده مئونة السنة الذي لا بد في جواز هبتها للرحم مجانا أو بعوض قليل من عذر شرعي، و مع عدمه يكون حراما، مع فساد ما ذكر في المقيس و المقيس عليه.

و منها قوله: فعلى اعتبار عدم المعصية في الآخذ لا يجوز الدفع و لا الأخذ، مع أنه على فرض كون الخروج من المال معصية فلا دليل على عدم جواز الدفع إليه من الزكاة إلّا على القول باعتبار العدالة في المستحق مع أنه يمكن الإعطاء إليه بعد التوبة.

أقول: و أفظع من ذلك كله أن فيما ذكره خفضا لكرامة إنسانية المرأة المسلمة و حطّا لها إلى حدّ سلعة تباع و ترتزق بأنوثتها، و أنها ممنوعة عن الشرط و الإيثار و الهبة، و أنها لو كانت فقيرة وجب عليها الزواج لنفقتها و إلّا كانت

عاصية محرومة عن الزكاة و الحقوق الشرعية على فرض اشتراط العدالة في مصرفها.

و أما كون المدار على كفاية المؤونة لا الوجوب فهو عين ما لوّحنا إليه سابقا و لا نستبعده، و لكنك ترى أن صاحب الجواهر حكم بكونه واضح الفساد و مخالفا للإجماع بقسميه، و يأتى البحث فيه في المسألة الخامسة عشرة.

(1) للزوم نفقتها حينئذ فتدخل في عموم التعليل. نعم لو كان الشرط هو الإنفاق عليها و لو بالزكاة و الحقوق الشرعية جاز الدفع.

و في الجواهر: «نعم لو وجبت نفقتها بالنذر أو الشرط أو غيرهما أمكن القول

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 297

مع يسار الزوج (1).

[حكم دفع الزكاة إلى الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز]

[المسألة 13]: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز لتمكّنها من تحصيلها بتركه (2).

______________________________

بعدم الجواز حينئذ للتعليل المزبور.» «1»

و الظاهر من عبارته الترديد في الحكم، و لعله لاحتمال انصراف اللزوم إلى اللزوم الأصلي. و فيه منع الانصراف بعد كونه عارضيا غالبا معلولا لعروض الفقر كما في الأقارب.

(1) مجرد يسار الزوج كاف في منع نفسه بل حكم المصنف في المسألة التاسعة عشرة بالمنع و لو مع إعساره.

و أمّا في منع الغير فيعتبر يسار الزوج و بذله معا، فلو كان موسرا غير باذل و لم يمكن إجباره و لا السرقة منه جاز للغير إعطاء الزكاة لها كما مرّ.

(2) في المعتبر: «لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المسكنة، مطيعة كانت أم عاصية، إجماعا لتمكنها من النفقة.» «2»

أقول: ظاهره كظاهر المصنف أن سبب المنع صدق الغنى و أن مجرّد تمكنها من الإطاعة و الاستحقاق كاف في صدق الغنى، نظير القادر على التكسب فيعم المنع زكاة الزوج و غيره. و لو كان سبب المنع وجوب النفقة

لزم منه الجواز في الناشزة من الزوج و غيره بناء على عدم اشتراط العدالة.

و يدلّ على المنع مضافا إلى كفاية القوة و القدرة في صدق الغنى قوله «ع» في صحيحة زرارة السابقة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «3»

و لكن في الجواهر بعد ما حكى عن كاشف الغطاء الجزم بالمنع قال: «لكن

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 402.

(2)- المعتبر/ 282.

(3)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 298

[يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج]

[المسألة 14]: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج (1) و إن أنفقها عليها.

______________________________

لا يخلو من إشكال، ضرورة اندراجها في إطلاق الأدلة و عمومها السالمين عن معارضة ما هنا بعد عدم وجوب الإنفاق عليها. و قدرتها على الطاعة لا تدرجها تحت الموضوع المزبور الذي قد عرفت كونه المدار لا غيره مع إمكان منع صدق الغنى عليها بالقدرة المزبورة.» «1»

(1) لإطلاق الأدلة بعد عدم وجوب نفقته على الزوجة.

قال الشيخ في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 25): «يجوز للزوجة أن تعطي زكاتها لزوجها إذا كان فقيرا من سهم الفقراء، و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لا يجوز. دليلنا قوله- تعالى-: إنما الصدقات للفقراء، و هذا فقير، و تخصيصه يحتاج إلى دليل.» «2»

و قال العلامة في المنتهى: «قد بينا أنه لا يجوز للرجل أن يعطي زوجته شيئا من زكاته. أما الزوجة فإنه يجوز لها أن تعطي زوجها من زكاتها، و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد. و قال أبو حنيفة: لا يجوز، و عن أحمد روايتان. لنا ما رواه الجمهور عن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود، قالت: يا نبي اللّه، إنك أمرت

القوم بالصدقة و كان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه هو و ولده أحقّ من تصدقت عليهم، فقال النبي «ص»: صدق ابن مسعود، زوجك و ولدك أحق من تصدقت به عليهم. و عن عطاء قال: أتت النبي «ص» امرأة فقالت: يا رسول اللّه، إن عليّ نذرا أن أتصدق بعشرين درهما و إن لي زوجا فقيرا أ فيجزي أن أعطيه؟ قال: «نعم لك كفلان من الأجر.» «3»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 403.

(2)- الخلاف 2/ 353.

(3)- المنتهى 1/ 523.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 299

..........

______________________________

أقول: قوله: «كفلان من الأجر» لعله يراد به أجر الصدقة و أجر الصلة كما في خبر آخر. «1»

و الرواية الأولى رواها البخاري في الزكاة «2» و الرواية الثانية رواها ابن قدامة في المغني «3» عن الجوزجاني بإسناده عن عطاء. و دلالتهما على المقام غير واضحة، إذ مورد الثانية نذر الصدقة المطلقة، و الأولى يحتمل قريبا كون موردها الصدقة المندوبة، إذ الحليّ لا زكاة فيه، و الزكاة الواجبة لا تعطى للولد إجماعا من الفريقين، فعمدة الدليل للجواز إطلاق الأدلة و عمومها.

و استدل لأبي حنيفة كما في المغني و المنتهى بأنه أحد الزوجين، و بأنه يوجب عود نفعها إلى نفسها إذ بها يصير الزوج موسرا فينفقها عليها.

و أجيب عن الأول بالفرق بينهما بأن الزوجة تجب نفقتها و الزوج لا تجب نفقته.

و عن الثاني بالمنع عن كون ذلك مانعا عن الإعطاء، و لذا جاز لصاحب الدين دفع زكاته إلى مدينه المعسر ليؤدّي بها دينه. و راجع في تفصيل المسألة المغني. «4» هذا.

و قد مرّ عن الصدوق في الفقيه قوله: «و لا تعط من أهل الولاية الأبوين و الولد و لا الزوج و لا

الزوجة و لا المملوك ...» «5» و نحو ذلك في المقنع «6» و الهداية «7» و الأمالي «8»

______________________________

(1)- راجع البيهقي 7/ 29، كتاب قسم الصدقات، باب المرأة تصرف من زكاتها في زوجها ...

(2)- صحيح البخاري 2/ 127 (- طبعة أخرى 1/ 255)، باب الزكاة على الأقارب.

(3)- المغني 2/ 514.

(4)- المغني 2/ 513.

(5)- الفقيه 2/ 11 (- طبعة أخرى 2/ 22)، أبواب الزكاة، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة، ذيل الحديث 6.

(6)- الجوامع الفقهية/ 16.

(7)- الجوامع الفقهية/ 54.

(8)- الأمالي/ 385 (- طبعة أخرى/ 516)، المجلس 93.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 300

و كذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية (1).

[إذا عال بأحد تبرّعا]
[إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته له]

[المسألة 15]: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته له- فضلا عن غيره- للإنفاق أو التوسعة (2)، من غير فرق بين القريب الذي

______________________________

ناسبا له إلى دين الإمامية. و حكى نحو ذلك في المختلف «1» عن رسالة ابن بابويه أيضا، فالصدوق في كتبه الأربعة و كذا أبوه أفتيا بالمنع إما بناء على ما مرّ من الإشكال بعود نفعها إلى نفسها، أو لأن الزوجة إذا كانت غنيّة و الزوج فقيرا فبالطبع تنفق الزوجة عليه خارجا، و قد مرّ منا احتمال كون الإنفاق خارجا كافيا في المنع عن إعطاء الزكاة.

و لكن هذا خلاف بناء الأصحاب و إجماعهم كما يأتي و نحن أيضا لا نستشكل في إعطاء زكاة المنفق له.

قال في الجواهر: «فما عن ابني بابويه من المنع مطلقا حتى إنه جعله أحدهما من معقد ما حكاه عن دين الإمامية في أماليه على ما قيل، واضح الضعف، و كذا ما عن ابن الجنيد من الجواز لكن لا ينفق عليها منها، بل هو أوضح فسادا من الأوّل

كما لا يخفى.» «2»

أقول: وجه الضعف في الأخير أن الزكاة تصير ملكا للفقير، و بعد ما صارت ملكا له فله أن يصرفها في جميع حاجاته اليومية، و من أهمّها نفقة زوجته.

(1) كالشرط و النذر و نحوهما، فيجوز لهم إعطاء زكاتهم للمنفق عليهم و إن صرفها فيهم، و يظهر وجهه مما مرّ في الزوجة من إطلاق الأدلّة و عدم المانع.

(2) أقول: هنا مسألتان تعرض لهما أولا فقهاء السنة:

______________________________

(1)- المختلف/ 190.

(2)- الجواهر 15/ 404.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 301

لا يجب نفقته عليه- كالأخ و أولاده و العم و الخال و أولادهم- و بين الأجنبي. و من غير فرق بين كونه وارثا له- لعدم الولد مثلا- و عدمه.

______________________________

الأولى أنه إذا عال أحدا تبرّعا فهل يجوز إعطاء زكاة المعيل للعيال للإنفاق أو للتوسعة أم لا؟

الثانية أنه إذا كان القريب- غير الوالدين و إن علوا و الأولاد و إن سفلوا- وارثا فهل يجوز له دفع زكاته إلى الموروث أم لا؟

و الأكثر منهم في المسألتين على الجواز، و أحمد في رواية على المنع فيهما.

و قد تعرض للمسألتين في التذكرة و المنتهى و المغني. و المصنف جمعهما هنا في مسألة واحدة:

1- قال في التذكرة: «العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإعطاء عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء. فلو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه كيتيم أجنبي جاز أن يدفع زكاته إليه، لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة، و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس، فلا يجوز تخصيصه من العمومات بغير دليل. و عن أحمد رواية بالمنع لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته.

و لو سلّم لم يضرّ فإنه نفع لا

يسقط واجبا عنه إذا العيلولة ليست واجبة.» «1»

2- و فيه أيضا: «لو كان القريب ممن لا تجب نفقته جاز الدفع إليه بأيّ سبب كان، سواء كان وارثا أو غير وارث، و هو قول أكثر العلماء و أحمد في رواية لقوله «ع»: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة.»

فلم يشترط نافلة و لا فريضة و لم يفرّق بين الوارث و غيره ....

و عن أحمد رواية أخرى منع الموروث لأن على الوارث مئونة الموروث فيغنيه

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 302

..........

______________________________

بزكاته عن مئونته و يعود نفع زكاته إليه فلم يجز له دفعها إليه كدفعها إلى والده أو قضاء دينه، و نمنع وجوب المؤونة على ما يأتى.» «1»

3- و في المغني: «فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له دفع زكاته إليه لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته. و الصحيح- إن شاء اللّه- جواز دفعها إليه لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس صحيح، فلا يجوز إخراجه من عموم النصّ بغير دليل ...» «2»

4- و فيه أيضا: «فأمّا سائر الأقارب فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه ... و إن كان بينهما ميراث كالأخوين الذين يرث كل واحد منهما الآخر ففيه روايتان:

إحداهما يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر، و هي الظاهرة عنه، رواها عنه الجماعة ... و هذا قول أكثر أهل العلم. قال أبو عبيد: هو القول عندي لقول النبي «ص»: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة

و صلة.»

فلم يشترط نافلة و لا فريضة، و لم يفرّق بين الوارث و غيره. و لأنه ليس من عمودي نسبه فأشبه الأجنبي.

و الرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى الموروث و هو ظاهر قول الخرقي لقوله: «و لا لمن تلزمه مئونته» و على الوارث مئونة الموروث لأنه يلزمه مئونته فيغنيه بزكاته عن مئونته و يعود نفع زكاته إليه فلم يجز كدفعها إلى والده أو قضاء دينه بها.» «3»

و راجع للمقام الأموال لأبي عبيد أيضا. «4»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 234.

(2)- المغني 2/ 514.

(3)- المغني 2/ 512.

(4)- راجع الأموال/ 693، باب دفع الصدقة إلى الأقارب.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 303

..........

______________________________

و الحديث الذي رواه العلامة و ابن قدامة رواه أبو عبيد «1» و كذا البيهقي. «2»

إذا عرفت هذا فنقول: أما وجوب الإنفاق على الموروث غير العمودين و الزوجة فلا نقول به كما قال العلامة. نعم لو قيل به كان اللازم عدم جواز دفع زكاة المنفق إليه لعموم التعليل الذي مضى في أخبارنا، بل و زكاة غير المنفق أيضا مع الإيسار و البذل كما مرّ. و بالجملة يصير حكمه حكم سائر من وجبت نفقته.

و لا يخفى أن المذكور في كلماتهم كما مرّ و كذا في الجواهر «3» كون نفقة الموروث على الوارث.

و في المستمسك «4» عكس ذلك و هو وهم، و الظاهر أن عمدة الدليل للقائل بالوجوب قوله- تعالى-: «وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ.» «5» و البحث فيه موكول إلى محلّه.

و أما من وقع في عيلولة الإنسان خارجا ممن لا تجب نفقته عليه فقد مرّ عن الجواهر في ردّ الأستاذ الأكبر قوله: «و لذلك جاز دفع المالك زكاته إلى بعض من يعول به ممن لا يلزمه عيلولته بلا خلاف

نصّا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه.» «6»

و يدل على ذلك مضافا إلى الإجماع و الإطلاقات خصوص خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال:

مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم.» قال: قلت: فمن ذا

______________________________

(1)- الأموال/ 696، باب دفع الصدقة إلى الأقارب، الحديث 1874.

(2)- سنن البيهقي 4/ 174، كتاب الزكاة، باب الاختيار في أن يؤثر بزكاة ... ماله ذوي رحمة ...؛ و 7/ 27.

(3)- الجواهر 15/ 403.

(4)- المستمسك 9/ 297.

(5)- سورة البقرة (2)، الآية 233.

(6)- الجواهر 15/ 403.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 304

..........

______________________________

الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال: «أبوك و أمك.»

قلت: أبي و أمّي؟ قال: «الوالدان و الولد.» «1»

و يؤيد ذلك بل يدل عليه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟

فقال: «لا بأس.» «2»

بناء على أن يراد من التوسعة التتميم لما يجب.

اللّهم إلّا أن يقال: إن البحث في إعطاء الزكاة لما يبذل و مورد الرواية الأخذ لما لا يبذل المنفق فيأخذ الزكاة من غيره للتتميم أو للتوسعة. هذا.

و يمكن أن يستدل للمنع بوجوه:

الأول: عموم قوله «ع» في خبر أبي خديجة: «لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول.» «3»

لشموله لواجب النفقة و غيره، و عموم الخاص مقدّم على عموم العام.

الثاني: ما في فقه الرضا: «و لا تعطي من أهل الولاية الأبوين و الولد و الزوجة (و

الصبيّ خ. ل) و المملوك، و كل من هو في نفقتك فلا تعطه.» «4»

و الظاهر من عطف الذيل على الصدر كون المراد به غير المذكورات في الصدر.

الثالث: أنه بإنفاق الموسر الباذل يحصل الغنى و يرفع الخلّة و الحاجة عرفا،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2؛ و 6/ 169، الباب 15 منها، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- فقه الرضا/ 23 (- طبعة أخرى/ 199).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 305

..........

______________________________

و لا دخل لوجوب الإنفاق في ذلك، فلو كان وجوب بلا إنفاق فلا غناء، و لو حصل الإنفاق المستمرّ خارجا حصل الغنى عرفا و إن لم يجب، فالملاك وجود الإنفاق خارجا لا وجوبه شرعا.

و يؤيد ذلك كله ما مرّ في صحيحة زرارة السابقة من قوله «ع»: لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها.» «1»

و هذا البيان يجري بالنسبة إلى زكاة الغير أيضا بل جريانه فيه أقوى كما لا يخفى، إذا الخلّة قد سدّت بإنفاق المنفق فلا يصدق على زكاة الغير سدّ الخلّة، و أما المنفق فحيث لا يجب عليه الإنفاق يمكن له منع الإنفاق و إيتاء الزكاة، فتدبّر. هذا.

و يجاب عن خبر أبي خديجة بحمله على من وجب نفقته بالغلبة و بقرينة ما مرّ من الإجماع و خبر إسحاق بن عمار.

و يجاب عن فقه الرضا مضافا إلى عدم حجيته أن المراد بالذيل فيه من وجب نفقته و قد ذكر ضابطا للمذكورات في الصدر للدلالة على الملاك الجامع و تعميم الوالد و الولد للأجداد و الأحفاد أيضا، فتأمّل.

و

يجاب عن الثالث بمنع صدق الغنى مع عدم الإلزام و جواز القطع كل آن، و بالجملة فالوجوب و الإلزام أقوى ضمان لصدق الغنى و سدّ الخلّة، و بعد القطع يصدق أنه لا يقدر على أن يكف نفسه عنها.

و لكن جريان هذا البيان في زكاة الغير محل إشكال إلا بعد وقوع القطع للإنفاق من ناحية المنفق خارجا.

و كيف كان فالظاهر صحة ما في المتن بالنسبة إلى زكاة المنفق، و أمّا زكاة الغير مع فرض إيسار المنفق و بذله بلا حرج و منة فلا يخلو من إشكال.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 306

[يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم]

[المسألة 16]: يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم و فقرهم و عدم كونهم ممّن تجب نفقتهم عليه (1). ففي الخبر أيّ.

الصدقة أفضل؟ قال- عليه السلام-: «على ذي الرحم الكاشح.»

و في آخر: «لا صدقة و ذو رحم محتاج.»

______________________________

(1) قال الشيخ في النهاية: «و لا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل و القرابات من الأخ و الأخت و أولادهما، و العم و الخال و العمة و الخالة و أولادهم. و الأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجتهم إلى ذلك، إلى البعيد، فإن جعل للقريب قسط و للبعيد قسط كان أفضل.» «1»

أقول: و يدل على الحكم أخبار مستفيضة:

1- خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى «ع»، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض فيأتينى إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟

قال: مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال: «هم أفضل من غيرهم أعطهم. الحديث.» «2»

2- و عن المفيد في المقنعة قال: و قال رسول اللّه «ص»: «الصدقة بعشرة، و

القرض بثمانية عشرة، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربع و عشرين.» «3» اللهم إلا أن يقال: إن اطلاق الصلة ينصرف إلى الإعطاء مجّانا لا من الزكاة.

3- ما مرّ من قول النبي «ص»: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة.» «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 70، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- الأموال/ 696؛ و سنن البيهقي 4/ 174، كتاب الزكاة، باب الاختيار في أن يؤثر بزكاة ... ماله ذوى رحمة ...؛ و 7/ 27.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 307

..........

______________________________

4- ما رواه البيهقي بسنده عن زينب امرأة ابن مسعود أنها قالت: يا رسول اللّه، أ يجزي عنّا أن نجعل الصدقة في زوج فقير و بني أخ أيتام في حجورنا؟ فقال رسول اللّه «ص»: «لك أجر الصدقة و أجر الصلة.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما الخبران المذكوران في المتن فالخبر الأول رواه في الوسائل بسنده عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سئل رسول اللّه «ص»: أيّ الصدقة أفضل؟ الحديث.» «2»

و رواه البيهقي أيضا في السنن «3» بسنده عنه «ص».

و إطلاق الصدقة يشمل الزكاة أيضا.

و قال ابن الأثير في النهاية: «فيه: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح.»

الكاشح: العدوّ الذي يضمر عداوته و يطوي عليها كشحه؛ أي باطنه. و الكشح:

الخصر، أو الذي يطوي عنك كشحه و لا يألفك.» «4»

و نحو ذلك في مجمع البحرين في لغة كشح. «5»

قال في المستمسك: «لكن دلالتها على ما نحن فيه غير ظاهرة لأنها أخصّ.» «6»

أقول: بعد تسليم عموم الصدقة للزكاة فهل يحتمل أن تكون صلة الرحم المعادي

لها فضل و لا يكون لصلة الرحم الموالي فضل؟! فتأمّل.

و امّا الخبر الثاني فرواه في الوسائل عن الصدوق، قال: قال «ع»: «لا صدقة و

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 29، كتاب قسم الصدقات، باب المرأة تصرف من زكاتها في زوجها ...

(2)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(3)- سنن البيهقي 7/ 27، كتاب قسم الصدقات، باب الرجل يقسم صدقته على قرابته ...

(4)- النهاية لابن الأثير 4/ 175.

(5)- مجمع البحرين/ 179.

(6)- المستمسك 9/ 297.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 308

..........

______________________________

ذو رحم محتاج.» «1»

فالرواية مرسلة، و في دلالتها على المقام نظر، لمنع الظهور في كون الإنفاق على ذي الرحم المحتاج بعنوان الصدقة، بل لعلّ المراد المنع عن التصدّق مع وجود ذي الرحم المحتاج فيصرف فيه مجّانا كالصرف على عائلة نفسه.

ثم لا يخفى أن الظاهر من المتن و من بعض الأخبار استحباب إعطاء الزكاة بأجمعها للأقارب.

و لكن الظاهر من بعضها أفضلية التقسيط كما في عبارة النهاية، و هو الأقرب إلى العدل و الإنصاف.

ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إن الزكاة و الصدقة لا يحابى بها قريب و لا يمنعها بعيد.» «2»

و في خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا تعطين قرابتك الزكاة كلها، و لكن أعطهم بعضها و اقسم بعضها في سائر المسلمين.» «3»

و يشهد لذلك أيضا موثقتا اسحاق بن عمار و سماعة الواردتان في التوسعة على العيال. «4»

و النهي في خبر أبي خديجة و أمثاله يحمل على الكراهة أو الإرشاد الى اختيار الأفضل أعني التقسيط لا الحرمة و عدم الجواز، لصراحة بعض الأخبار في جواز إعطاء الجميع للقرابة كصحيحة أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن

«ع»:

رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6؛ و 6/ 170، الباب 15 منها، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 166 و 167، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 309

[يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج]

[المسألة 17]: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج و كذا العكس (1).

______________________________

قال: «نعم». و نحوه خبر علي بن مهزيار عن أبي الحسن «ع» «1»

و بالجملة فالظاهر حمل اختلاف الأخبار على مراتب الفضل فيكون التقسيط أفضل من الحصر فيهم.

و يمكن أيضا حمله على اختلاف الموارد من كثرة عدد القرابة و قلتهم و شدّة الحاجة و ضعفها و كثرة المال و قلّته و نحو ذلك، و لعلّ هذا أقرب إلى الاعتبار.

و بعبارة أخرى كما تكون القرابة من المرجحات تكون شدّة الحاجة و الفقاهة و العفة و أمثال ذلك أيضا من المرجحات و عند تزاحم الملاكات يقدم الأهم فالأهم و إن لم يتعين ذلك في باب المندوبات.

و سنعود إلى هذا البحث في المسألة الثالثة من الفصل الآتي أيضا عند تعرض المصنف له.

(1) هذا و ما في المسألة التالية مبنيان على عدم وجوب إعفاف واجب النفقة لدى احتياجه إليه و أنه لا يعدّ عرفا من شعب النفقة الواجبة. و لكن قد مرّ منّا في ذيل المسألة التاسعة الإشكال في ذلك، فراجع.

نعم لو لم يتمكن المزكّي منه بحيث سقط وجوبه عنه أو كان الإعطاء للتوسعة الزائدة

على مقدار الواجب كالزوجة الثانية مثلا فالظاهر الجواز ما لم يصل إلى حدّ الإسراف و الخروج عن المتعارف.

و الملاك في الإنفاق الواجب و إن كان هو الحدّ المتعارف، و لكن للمتعارف مراتب، و يجوز للمنفق في أداء الواجب منه الاقتصار على المرتبة النازلة منه. و المستفاد من أخبار باب الزكاة و لا سيما ما ورد في التوسعة عدم وجوب الاقتصار

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 310

[يجوز للمالك دفع زكاته إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه]

[المسألة 18]: يجوز للمالك دفع زكاته إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء (1)، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلميّة من سهم سبيل اللّه (2).

[لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو لا]

[المسألة 19]: لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب

______________________________

في صرفها على المرتبة النازلة:

فقد مرّ في ذيل خبر أبي بصير قوله «ع»: «و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس.» «1»

و في ذيل صحيحة أبي بصير: «بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج.» «2»

و بالجملة لا منع من صرف الزكاة في التوسعة ما لم يصل إلى حدّ الإسراف.

و قوله «ع» في صحيحة زرارة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها» «3» لا يراد به المنع عن التوسعة في مقام الصرف. بل يراد به ظاهرا عدم صرف الزكاة مع وجود منابع مالية له كالملك أو رأس المال أو الحرفة أو الإنفاق من الموسر الباذل أو نحو ذلك، فتدبّر.

(1) لصدق الفقر بعد احتياجه في الإنفاق على زوجته أو خادمه و وجوبه عليه.

(2) بل من سهم الفقراء بناء على جواز الإعطاء للتوسعة الزائدة، و منها شراء الكتب بالمقدار المتعارف. و أما من سهم سبيل اللّه فلا يخلو من إشكال إلّا أن يكون من المصالح العامة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 159، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 311

نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا (1).

______________________________

(1) يمكن أن يستدل لما ذكره المصنف

من المنع مطلقا بوجوه:

الأول: أصالة الاشتغال عند الشك و أن الاشتغال اليقيني بالتكليف يقتضي البراءة اليقينية.

الثاني: إطلاق معقد الإجماعات المحكية على المنع.

الثالث: إطلاق الأخبار المانعة.

و يرد على الأول أن عموم الآية و ما حذا حذوها من الروايات وارد على الأصل بعد كون المتيقن من الأخبار المانعة صورة القدرة على النفقة و وجوبها بالفعل، إذ لا إجبار في غير هذه الصورة.

و يرد على الثاني مضافا إلى احتمال كون الإجماع في المقام مدركيّا ناشئا من الأخبار الواردة في المسألة فلا حجية فيه، منع الإطلاق في معقده بعد انصرافه إلى صورة وجوب الإنفاق بالفعل.

و يرد على الثالث أن المنع في الأخبار محفوف بالتعليل بأنهم عياله لازمون له و أنه يجبر على النفقة عليهم. و انتفاء القدرة على الإنفاق رافع لوجوبه أو تنجزه فعلا، و الحكم يدور مدار العلة وجودا و عدما. و حملها على الحكمة لا العلّة خلاف الظاهر.

و مع الشك أيضا يسقط الإطلاق عن الحجية لاحتفافه بما يصلح للقرينية، فيكون المرجع عموم الآية.

اللّهم إلّا أن يقال: إن العلة لا توجد في بعض الأخبار المانعة، فالواجب حينئذ هو الرجوع إليه لأن إطلاق الخاص مقدم على إطلاق العام. هذا.

و قد مرّ أن كثيرا من الأصحاب استدلّوا للمنع بتحقق الغنى لواجب النفقة،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 312

..........

______________________________

و الغنى إنما يحصل مع إيسار المنفق و بذله. و استظهرنا نحن من التعليلين أنهما ناظران إلى بيان ما يساعده العرف من المنع عن تداخل التكليفين، و مع عدم القدرة على الإنفاق لا تكليف به فلا تداخل.

و على هذا فالأظهر هو الجواز مع العجز المسقط للتكليف و إن كان ما في المتن أحوط.

و في المستمسك: «بل لو قيل بأن القدرة شرط شرعي لوجوب

نفقة الأقارب- كما يقتضيه ظاهر الكلمات- فالجواز أوضح، لانتفاء الملاك بانتفائها، و كأنه لذلك احتمل غير واحد في روايتي عمران القمي و محمد بن جزّك المتقدمتين حملهما على صورة عجز المنفق، فإذا القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق- كغيره- للنفقة أوفق بالعمومات.» «1»

أقول: ما ذكره أخيرا بعنوان النتيجة هو الأظهر كما مرّ. و لكن القدر المتيقن هو الاشتراط عقلا، و أما اشتراطه بالقدرة شرعا نظير الاستطاعة في باب الحج فمحل تأمّل، إذ مضافا إلى كونه خلاف إطلاق أدلة الوجوب يستلزم عدم وجوب التكسب لتحصيلها مع القدرة عليه، و الالتزام بذلك مشكل.

و لو سلّم فالتعبير بانتفاء الملاك بانتفائها لا يخلو من إشكال لمنع استلزام الاشتراط شرعا عدم وجود الملاك بدونه، بل في باب الحج لعلّنا نقطع بوجود الملاك في حج المتسكع أيضا، غاية الأمر أن البعث الإيجابي بنحو الإطلاق لعله كان مستلزما للحرج و المشقة، فلذلك صار الوجوب مشروطا بالاستطاعة، كما أن في المقام أيضا الملاك في الإنفاق موجود قطعا و لو مع عدم قدرة المنفق، اللّهم إلا أن يريد بالملاك ملاك الإيجاب لا ملاك نفس الفعل.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 299.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 313

كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام (1)، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضا، و إن كان يجوز لغير الإنفاق. و كذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه و بين إعطاء تمامه، و إن حكي عن جماعة أنّه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقية، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم، لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة (2) بدعوى شمولها

للتتمّة، لأنّها أيضا نوع من التوسعة، لكنه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.

______________________________

(1) مرّ بيان الجواز من سائر السهام مع انطباقها في المسألة العاشرة، فراجع.

(2) أقول: الظاهر بملاحظة أخبار المنع عدم الفرق بين التمام و الإتمام، إذ المفروض كون الشخص واجب النفقة للمزكّي، و الواجب تمام نفقته، فإن أخذنا بإطلاق الأخبار كان مقتضاه المنع مطلقا، و إن أخذنا بمفاد التعليل فيها كان مقتضاه الجواز مطلقا، إذ المفروض في المقام كون المزكّي عاجزا عن الإنفاق الواجب فسقط عنه وجوبه، من غير فرق بين التمام أو الإتمام.

و لكن قد يتوهم جواز الإتمام فقط بملاحظة ما مرّ من أخبار التوسعة بدعوى عمومها للزكاة الواجبة و شمولها للتتمة أيضا:

قال في المستند: «لو عجز أحد عن إنفاق تمام ما يجب عليه من النفقة لمن يجب عليه نفقته كما إذا عجز عن إدامه أو إكسائه يجوز له إتمامه من زكاته على ما صرّح به جماعة بل من غير خلاف يوجد كما قيل، لا للأصل و انتفاء المانع، لوجود المانع الدافع للأصل من بعض الروايات المتقدمة، بل لرواية أبي بصير ... و موثقتي إسحاق و سماعة ....

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 314

..........

______________________________

و الإيراد بأن الظاهر من هذه الأخبار أنها وردت في زكاة مال التجارة المستحبة دون الواجبة مردود بأنه لو كان فإنما هو في الأخيرة. و أما قوله: «في ماله» في الأولى، و «إذا حضرت الزكاة» في الثانية مطلقان غير مختصّين لا صريحا و لا ظاهرا في زكاة التجارة.

و بأن الأوليين واردة في التوسعة دون تتمة الواجب مردود بأن تتمة الواجب أيضا من التوسعة.» «1»

أقول: قد مرّ منا ذكر أخبار التوسعة و بيان مفادها في أواخر المسألة التاسعة، و بينا هناك

أن مورد الروايات الثلاث زكاة مال التجارة، و المذكور في موثقتي إسحاق و سماعة تتميم النفقة بها مع عجز المنفق عن التتميم. نعم رواية أبي بصير تشمل بمقتضى ترك الاستفصال فيها للتوسعة الزائدة أيضا إن لم نقل بظهورها في خصوصها.

و كيف كان فالاستدلال بالروايات لصرف الزكاة الواجبة في التتميم أو في التوسعة مشكل.

نعم لو عجز المزكّي عن الإنفاق الواجب تماما أو إتماما فالظاهر جواز صرف زكاته فيه لعموم الآية و ما حذا حذوها كما يجوز صرفها في التوسعة الزائدة. و لا نسلّم وجود المانع من ذلك بعد حمل الأخبار المانعة بمناسبة الحكم و الموضوع و لحاظ التعليل فيها على صورة وجوب الإنفاق فعلا.

و لو سلّم إطلاق الأخبار المانعة فلا فرق أيضا بين التمام و الإتمام و التوسعة الزائدة، فما يظهر من المصنف هنا من الإفتاء بالمنع في التمام و الاحتياط في الإتمام مما لا وجه له.

______________________________

(1)- المستند 2/ 51.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 315

[يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير]

[المسألة 20]: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير (1) إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته، إمّا لفقره أو لغيره سواء كان العبد آبقا أو مطيعا.

______________________________

فإن قلت: يمكن أن يستدل على الجواز مع العجز عن الإنفاق تماما أو إتماما بما مرّ من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأوّل «ع»، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس.» «1»

بتقريب إطلاق الزكاة في السؤال لزكاة المنفق و غيره و شمول التوسعة للتتميم أيضا مع عجز المنفق عنه و تدل على الجواز لأصل الإنفاق مع العجز أيضا

بالأولوية.

قلت: لو سلّم إطلاق الزكاة في السؤال لزكاة المنفق أيضا فلا نسلّم شمول التوسعة للتتميم الواجب، بل الظاهر من قوله: «يكفيه مئونته» كفايته للنفقة المتعارفة، فالسؤال وقع عن التوسعة فقط مع عدم توسيع المنفق، فتدبّر.

(1) في الجواهر: «و كأن المصنّف و غيره ممن ذكر المملوك في المقام تبعا للنصّ، و إلّا فالأصحّ أن المانع فيه الرقيّة لا وجوب النفقة، و لذا لم يتفاوت الحال بين زكاة المالك و زكاة غيره، بل و لا بين إعسار المولى و يساره في عدم جواز الدفع إليه من سهم الفقراء، و لعله لظهور الأدلّة في اعتبار كون المدفوع إليه من هذا السهم قابلا للملك، خصوصا ما دل منها على جواز تصرّف الفقير بما يقبضه من الزكاة كيف يشاء لأنه ملكه، فضلا عن قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ» إلى آخره، و لذا صرّح غير واحد باعتبار الحريّة في أوصاف المستحق، نعم لا بأس بالدفع إليه من سهم سبيل اللّه لعدم اعتبار الملك فيه.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 163، الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الجواهر 15/ 404.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 316

..........

______________________________

و في زكاة الشيخ الأعظم: «و التحقيق أنه لو أنفق المولى على عبده النفقة اللائقة فلا يجوز له أخذ الزكاة من مولاه و لا من غيره، و إن عجز المولى عنها جاز له الأخذ مطلقا.»

ثم شرع في الاستدلال لما ذكره من الحكمين إلى أن قال: «و كيف كان فجواز إعطاء العبد الفقير من سهم الفقراء لا يخلو من قوة كما صرّح به في حاشيتي الإرشاد و الشرائع و اختاره في المناهل، و الأحوط أن لا يعطى إلّا من سهم سبيل اللّه و أحوط منه عدم إعطائه

مطلقا.» «1»

أقول: ما استدل به للمنع من إعطاء الزكاة للعبد أمور:

الأول: أن إعطاء الزكاة من سهم الفقراء تمليك لهم، و العبد لا يملك شيئا.

أما الصغرى فلظهور اللام في الآية في الملك، و لقوله «ع» في خبر أبي المعزا:

«إن اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال.» «2» و لقوله «ع» في موثقة سماعة: «فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ما له يصنع بها ما يشاء.»

فقلت: يتزوج بها و يحج منها؟ قال: «نعم.» «3»

و أما الكبرى فللإجماع المدعى. قال في زكاة الخلاف (المسألة 44): «دليلنا إجماع الفرقة على أن العبد لا يملك.» «4»

الثاني: أنه غني بوجوب نفقته على مولاه.

الثالث: أنه لملازمته لمولاه لا يسمى الإعطاء له إيتاء.

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 510 (- طبعة أخرى/ 448).

(2)- الوسائل 6/ 148، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- الخلاف 1/ 286.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 317

..........

______________________________

الرابع: ما مرّ من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنهم عياله لازمون له.» «1»

و نحوها مرفوعة الصدوق مع التعليل فيها بأنه يجبر على النفقة عليهم. «2»

الخامس: الأخبار الواردة بهذا المضمون، و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا.» «3»

و في موثقة إسحاق بن عمار: «و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا.» «4» هذا.

و أجيب عن الأول بمنع الصغرى أولا، إذ اللام

في الآية لمطلق الاستحقاق كما يقتضيه القول بعدم وجوب البسط. و يكفي هذا في إطلاق الشركة أيضا.

و رواية سماعة محمولة على الغالب من كون الدفع بنحو التمليك، فلا تدل على الحصر، فيجوز أن يكون بنحو الصرف فيه كما في الطفل.

و منع الكبرى ثانيا، لمنع الإجماع المفيد و منع عدم مالكيته. نعم ليس له ملكية مطلقة طلقة لكونه مع ما في يده لمولاه، فهو مالك في طول مالكية المولى. و التحقيق يطلب من محله.

و يجاب عن الثاني بمنعه مع إعسار المولى أو عدم بذله و عدم إمكان إجباره.

و يجاب عن الثالث مضافا إلى منعه أنه أخصّ من المدّعي لعدم جريانه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 165، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 166، الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 60، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 61، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 318

..........

______________________________

في إعطاء زكاة الغير.

و يجاب عن الرابع مضافا إلى كونه أخص من المدعى لاختصاصه بزكاة المالك، أنه لا يجري مع إعسار المولى لعدم وجوب النفقة حينئذ.

و يجاب عن الخامس بأن الظاهر من الإعطاء المنهي عنه التمليك له، فلا ينافي الصرف فيه. و لعل المراد باحتياجه المذكور في النص ما يقابل الغنى المسبب عن تسليط المولى له على طائفة من المال.

و مجرّد هذا لا يكفي في جواز الإعطاء له مع بذل المولى لنفقته. و إنما العبرة في استحقاق العبد باحتياج مولاه أو امتناعه الموجبين لاتصافه بالفقر الحقيقي. و ظاهر ما مرّ في صحيحة ابن الحجاج و مرفوعة الصدوق أن العلّة لعدم الإعطاء له

ليس إلّا كون نفقته على المولى. و قد مرّ عدم جريانها مع إعسار المولى. و احتمال أن يكون في العبد مانعان: ذاتي و هو الرقية، و عرضي و هو وجوب نفقته على مولاه خلاف ظاهر الخبرين لظهورهما في الحصر.

أقول: بعد اللتيا و التي حيث إن الأحوط في سهم الفقراء كما مرّ سابقا هو التمليك لا الصرف كما يقتضيه ذكر اللام في بعض السهام و «في» في البعض الآخر فالأحوط عدم إعطائها للعبد و إن قلنا بملكه لكونه محجورا عن التصرف، بل تعطى لمولاه الفقير ليصرفها عليه. و مع امتناعه و عدم إمكان إجباره تعطى للعبد و لكن تصرف عليه بإذن الحاكم فإنه وليّ الممتنع، فتدبّر.

ثمّ إن عدم بذل المولى إن كان مستندا إلى إباق العبد أشكل حينئذ صرف الزكاة فيه و كذا الإعطاء له، و وجهه واضح، إذ هو نظير الزوجة الناشزة، و قد مرّ الإشكال فيها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 319

4- أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره

اشارة

الرابع: أن لا يكون هاشميا (1).

[كلمات الفقهاء في هذا المجال]

______________________________

(1) 1- قال الشيخ في النهاية: «و لا تحلّ الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. و هم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين- عليه السلام- و جعفر بن أبي طالب، و عقيل بن أبي طالب، و عباس بن عبد المطلب. فأمّا ما عدا صدقة الأموال فلا بأس أن يعطوا إياها. و لا بأس أن تعطى صدقة الأموال مواليهم.

و لا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. و إنما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.» «1»

أقول: الظاهر أن مراده بما عدا صدقة الأموال: الصدقات المندوبة لا زكاة الأبدان لثبوت الحرمة فيها أيضا كما يأتي.

و المراد بالمولى هنا المعتق من عبيدهم و إمائهم، إذ غير المعتق لا يعطى من الزكاة لكونه في نفقة مولاه.

و كان الأولى له ذكر الحارث و أبي لهب أيضا، ففي المبسوط: «و لا يوجد هاشمي إلّا من ولد أبي طالب: العلويين، و العقيليين، و الجعفريين، و من ولد

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 320

..........

______________________________

العباس بن عبد المطلب، و من أولاد الحرث بن عبد المطلب، و يوجد من أولاد ابي لهب أيضا.» «1»

2- و في الشرائع: «الوصف الرابع أن لا يكون هاشميا، فلو كان كذلك لم تحلّ له زكاة غيره.» «2»

3- و في الجواهر في ذيل العبارة: «بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل و بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواتر كالنصوص التي اعترف غير واحد بكونها كذلك.» «3»

4- و في التذكرة: «يشترط أن لا يكون هاشميا. و قد أجمع المسلمون كافة على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم.» «4» و في المنتهى: «و قد أجمع علماء الإسلام.» «5»

5- و

في مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة: «قال: و لا لبني هاشم.»

و قال في المغني: «لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحلّ لهم الصدقة المفروضة. و قد قال النبي «ص»: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد «ص»، إنما هي أوساخ الناس.» أخرجه مسلم. و عن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي «ص»: «كخ كخ!» ليطرحها و قال: «أ ما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة؟» متّفق عليه. «6»

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 259.

(2)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى/ 124).

(3)- الجواهر 15/ 406.

(4)- التذكرة 1/ 235.

(5)- المنتهى 1/ 524.

(6)- المغني 2/ 519.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 321

..........

______________________________

أقول: راجع الخبرين في الباب 50 و 51 من كتاب الزكاة من صحيح مسلم. «1»

و فيه: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة؟» و راجع البيهقي أيضا. «2»

[الأخبار الواردة في هذا الباب من طرق الفريقين]

و الأخبار الواردة في هذا الباب من طرق الفريقين كثيرة، و لعلّها كما قيل متواترة إجمالا، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة الفضلاء المروية في الكافي، ففيه: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن محمد بن مسلم و أبي بصير و زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»، قالا: قال رسول اللّه «ص»: «إن الصدقة أوساخ أيدي الناس، و إن اللّه قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إن الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب.» ثم قال: «أما و اللّه لو قد قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أؤثر عليكم فارضوا لأنفسكم بما رضي اللّه و رسوله لكم.»

قالوا: قد رضينا.

و رواها الشيخ أيضا عن الكليني مسقطا لأبي بصير من

السند. «3»

أقول: لما كان إعطاء الزكاة صعبا على المسلمين جدّا و لا سيما على حدثاء العهد بالإسلام كما يظهر من استنكاف كثيرين من إعطائها و ارتدادهم بسبب مطالبتها منهم، و كانوا يكرهونها و يعدّونها غرامة كما يشهد بذلك- قوله تعالى-:

«وَ لٰا يُنْفِقُونَ إِلّٰا وَ هُمْ كٰارِهُونَ» «4»، و قوله: «وَ مِنَ الْأَعْرٰابِ مَنْ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ مَغْرَماً» «5»، و هكذا جبّل طباع أكثر الناس على حبّ المال و البخل به، فلأجل ذلك كان المناسب

______________________________

(1)- صحيح مسلم 2/ 751 و 753، الحديث 1069 و 1072.

(2)- سنن البيهقي 7/ 29، كتاب قسم الصدقات، باب آل محمد «ص» لا يعطون من الصدقات المفروضات.

(3)- الكافي 4/ 58، كتاب الزكاة، باب الصدقة لبني هاشم ...، الحديث 2؛ و التهذيب 4/ 58؛ و الوسائل 6/ 186.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 54.

(5)- سورة التوبة (9)، الآية 98.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 322

..........

______________________________

تنزيه النبي «ص» و أهل بيته و المنتسبين إليه عن الزكاة لكي لا يتوهم من في قلبه ريب أنه «ص» أراد بالإصرار على حكم الزكاة مصلحة نفسه و عائلته و أهل بيته.

فكان هو «ص» ينفق على نفسه و عائلته مما أفاء اللّه عليه من الكفّار و من خمس الغنائم المأخوذة و يتنزّه عن صرف الزكاة في أهل بيته.

و الخمس جعل أولا و بالذات للّه و للرسول و للإمام و عبّر عنه في الحديث بوجه الإمارة «1»، غاية الأمر أن الإمام يتولّى أمور الفقراء من بني هاشم، فهم يتمتعون من مال الإمام و الحكومة لا من أموال الناس، بخلاف الأصناف الثمانية في الزكاة فإنهم يتمتعون من أموال الناس و أيديهم في كيس الناس.

و التعبير عنها بالأوساخ لم يكن لتحقير أمر

الزكاة بل ليتنفر منها أهل بيته و أقاربه و لا يطمعوا فيها. و لعلّه مقتبس من قوله- تعالى-: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «2»

و حيث إنه «ص» احتمل انكسار قلوب المنتسبين إليه بذلك و توهّمهم أنه «ص» فضّل غيرهم بذلك استمالهم و استألفهم بأنه مغرم بهم و أنه لا يؤثر غيرهم عليهم في الشفاعة و الجنة، فتدبّر.

2- صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم.» «3»

3- و في رواية إبراهيم الأوسى عن الرضا «ع»: إنّ رجلا قال لأبيه: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: «بلى». «4»

أقول: لا يخفى أنّ القدر المتيقّن المستفاد من هذا الخبر الحرمة على الأئمة «ع»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(3)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 323

..........

______________________________

دون غيرهم من بني هاشم.

4- و في الفقيه: قال الصادق «ع»: «إنّ اللّه لا إله الّا هو لما حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، و الكرامة لنا حلال.»

و رواه العيّاشي في تفسيره بسنده عن الصادق «ع» «1».

و الظاهر أنّ المراد بالكرامة: التحف و الهدايا، و المستفاد من هذا الخبر حرمة الصدقة على كلّ من ثبت له الخمس.

5- و عن الطبرسي في صحيفة الرضا «ع» بإسناده قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة، و أمرنا بإسباغ الوضوء، و أن لا ننزى حمارا على عتيقة و لا

نمسح على خفّ.» «2»

أقول: المسح على الخفّ لا يجوز عندنا مطلقا الّا في حال التقية، و لعلّه «ع» أراد أنّ أهل بيته لما كانوا أساسا للشريعة الغرّاء وجب عليهم الاستنكاف عنه مطلقا بلغ ما بلغ، أو أنه لا يتفق لهم موارد التقية و لعل المراد خصوص الأئمة «ع».

6- و في خبر الريان بن الصلت عن الرضا «ع»: «لأنّه- تعالى- لمّا نزّه نفسه عن الصدقة نزّه رسوله «ص» و نزّه أهل بيته لا بل حرّم عليهم لأنّ الصدقة محرّمة على محمد و آله و هي أوساخ أيدي الناس لا تحلّ لهم، الحديث.» «3»

7- و عن أمالي ابن الطوسي بسنده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه «ص» بغدير خمّ: «إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لأهل بيتي.» «4»

______________________________

(1)- الفقيه 2/ 21 (- طبعة أخرى 2/ 41)، باب الخمس؛ و الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- المستدرك 1/ 523، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 324

..........

______________________________

8- و في نهج البلاغة: «و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها و معجونة شنئتها كأنّما عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة؟

فذلك محرم علينا أهل البيت.» «1» هذا.

و الأخبار في هذا المجال كثيرة يأتي بعضها في الفروع الآتية، و المذكور في أخبارنا و كذا في أخبار السنة تحريم الصدقة عليهم و لكن ورد في بعض الأخبار تفسيرها بالزكاة المفروضة «2» و سيأتي البحث في ذلك فانتظر.

9- و في سنن

البيهقي بسنده عن ابن عباس قال: «و اللّه ما اختصّنا رسول اللّه «ص» بشي ء دون الناس إلّا ثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء، و أمرنا أن لا نأكل الصدقة و لا ننزي الحمير على الخيل.» «3»

10- و فيه أيضا بسنده عن زيد بن أرقم يقول: قام فينا رسول اللّه «ص» ذات يوم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيبه و إنّي تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فتمسكوا بكتاب اللّه و خذوا به» فحثّ عليه و رغّب فيه. ثمّ قال:

«و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي»- قال حصين لزيد: و من أهل بيته؟، نساؤه [من أهل بيته]؟ قال: بلى إنّ نساءه من أهل بيته، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: و من هم؟ قال: آل عليّ و آل عقيل و آل جعفر و آل عباس.

قال: كلّ هؤلاء تحرم عليهم الصدقة؟ قال: نعم- أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي حيّان ...» «4»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، عبده 2/ 244؛ لح/ 347، الخطبة 224.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- سنن البيهقي 7/ 30، كتاب الصدقات، باب آل محمد «ص» لا يعطون من الصدقات المفروضات.

(4)- سنن البيهقي 7/ 30، كتاب الصدقات، باب بيان آل محمد «ص» الذين تحرم عليهم الصدقة المفروضة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 325

..........

______________________________

أقول: راجع صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن ابي طالب. «1»

و فيه رواية أخرى: «فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، و أيم اللّه أنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ

يطلقها فترجع إلى أبيها و قومها. أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده.»

و لا يخفى أنّ التفسير لأهل البيت وقع من زيد، و يظهر منه أنّ حرمة الصدقة على الطوائف الأربع كان أمرا واضحا عندهم. و لكن أهل البيت الذين عدّهم رسول اللّه «ص» عدلا للقرآن الكريم و تكون أقوالهم حجة في تفسير الكتاب و السنّة ينحصرون عندنا في المعصومين منهم أعني أمير المؤمنين و الأئمة الإحدى عشر من ولده كما حقّق في محلّه.

و بالجملة فأصل حرمة الزكاة على بني هاشم إجمالا أمر واضح بديهي لا خلاف فيه و لا إشكال بل عليه إجماع الفريقين.

و أمّا ما ورد في الأخبار من إعطاء زكاة الأموال و كذا الفطرة للأئمة- عليهم السلام- و أخذهم لها فواضح أنّه لم يكن لصرفها على أنفسهم و أهليهم، بل لولايتهم و تصدّيهم لصرفها في المصارف المقررة كما كان رسول اللّه «ص» يأخذها و يصرفها فيها حيث إنّ الزكاة من ضرائب الحكم الإسلامي و هم كانوا أحقّ به و أهله كما قرّر في محلّه.

و أما رواية أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم فإنّها تحلّ لهم، و إنّما تحرم على النبي «ص» و على الإمام الذي يكون بعده و على الأئمة- عليهم السلام-.» «2»

فلا بدّ من طرحها أو تأويلها بعد مخالفة ظاهرها لإجماع المسلمين.

______________________________

(1)- صحيح مسلم 4/ 1874.

(2)- التهذيب 4/ 60، الباب 15 من كتاب الزكاة (باب ما يحل لبني هاشم و ما يحرم ...)، الحديث 8؛ و الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 326

[الحكم ثابت إذا كانت الزكاة من غيرهم و لا الاضطرار]

إذا كانت

الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار (1)، و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السهام حتّى سهم العاملين و سبيل اللّه (2).

______________________________

قال في الوسائل: «حمل الأصحاب ما تضمن الجواز على الضرورة أو على زكاة بعضهم لبعض أو على المندوبة.» «1»

و في التهذيب: «يحتمل أن يكون أراد- عليه السلام- حال الضرورة دون حال الاختيار لأنّا قد بيّنا أنّ في حال الضرورة مباح لهم ذلك. و يكون وجه اختصاص الأئمة «ع» منهم بالذكر في الخبر أن الأئمة «ع» لا يضطرّون الى أكل الزكوات و التقوّت بها. و غيرهم من بني عبد المطلب قد يضطرّون إلى ذلك.» «2»

أقول: و لعلّ القضية خارجية و أنّ بني هاشم في عصر الإمام الصادق «ع» كانوا في عسر و ضيق ممنوعين من أخماسهم. أو لعلّ المخاطب بقوله «ع»: «أعطوا» كانوا من بني هاشم، و إنّما استثنى النبيّ «ص» و الأئمة- عليهم السلام- لقداسة منصبي النبوة و الإمامة عن أخذ الزكاة لأنفسهما و لو كانت من هاشمي لملازمة ذلك عرفا لنحو من المذلّة فتدبّر.

(1) لما يأتى من جواز أخذ الهاشمي من مثله، و كذا في صورة الاضطرار و لو من غيره. و يأتي من المصنّف أيضا جواز أخذه من الزكاة المندوبة «3»، فكان الأولى له الإشارة إلى ذلك هنا أيضا، فشروط المنع عنده ثلاث: أعني كون الزكاة واجبة، من غير الهاشمي، مع عدم الاضطرار.

(2) في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 13): «لا يجوز لأحد من ذوي القربى أن يكون عاملا في الصدقات لأنّ الزكاة محرّمة عليهم، و به قال

______________________________

(1)- نفس المصدر السابق.

(2)- نفس المصدر السابق.

(3)- راجع آخر هذه المسألة و المسألة الآتية (المسألة 21) من المصنّف.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 3، ص: 327

..........

______________________________

الشافعي و أكثر أصحابه. و في أصحابه من قال: يجوز ذلك لأنّ ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجارات. دليلنا إجماع الفرقة. و أيضا روي أن الفضل بن عباس و المطلب بن ربيعة سألا النبيّ «ص» أن يولّيهما العمالة فقال لهما: إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس و إنها لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد.» «1»

أقول: إنّما تعرض في الخلاف لسهم العاملين لأنّه محطّ الخلاف بيننا و بين بعض فقهاء السنة، و لكنّ إطلاق الروايات الماضية في المقام و كذا كلمات الفقهاء و معاقد الإجماعات التي مرّ بعضها يعمّ جميع الأصناف الثمانية.

و في المغني: «و ظاهر قول الخرقي هاهنا أنّ ذوي القربى يمنعون الصدقة و إن كانوا عاملين. و ذكر في باب قسم الفي ء و الصدقة ما يدلّ على إباحة الأخذ لهم عمالة و هو قول أكثر أصحابنا لأنّ ما يأخذونه أجر فجاز لهم أخذه كالحمال و صاحب المخزن إذا أجرهم مخزنه.» «2» هذا.

و قد صرّح بالتعميم في الجواهر قال: «و لا فرق في الحكم المزبور بين السهام كلّها كما صرّح به غير واحد و هو مقتضى إطلاق الأدلّة حتى معقد الإجماع منها، مضافا إلى تصريح صحيح العيص عن الصادق «ع» بحرمة سهم العاملين عليهم الذي هو كالعوض عن العمل فغيره أولى.» «3»

أقول: روى الكليني بسند صحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه «ص» فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه للعاملين عليها فنحن أولى به. فقال رسول اللّه «ص»: يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم،

______________________________

(1)- الخلاف 2/

350.

(2)- المغني 2/ 520.

(3)- الجواهر 15/ 406.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 328

..........

______________________________

و لكني قد وعدت الشفاعة- ثمّ قال أبو عبد اللّه «ع»: و اللّه لقد و عدها صلى اللّه عليه و آله- فما ظنّكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنّة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم؟.

و رواه الشيخ أيضا عن الكليني. «1»

و من مشابهة ذيل هذه الصحيحة لذيل صحيحة الفضلاء التي مرّت ربما يظنّ اتحاد موردهما.

و في صحيح مسلم ذكر بسنده قصّة ذهاب عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، و الفضل بن عباس بتحريك أبويهما إلى رسول اللّه «ص» و هو يومئذ عند زينب بنت جحش فتكلّم أحدهما فقال: يا رسول اللّه أنت أبرّ الناس و أوصل الناس و قد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي الناس و نصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلّمه. قال:

و جعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه. قال: ثم قال:

«إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنّما هي أوساخ الناس. ادعوا لي محمية (و كان على الخمس) و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب» قال: فجاءاه فقال لمحمية:

«أنكح هذا الغلام ابنتك.» (للفضل بن عباس) فأنكحه. و قال لنوفل بن الحارث:

«أنكح هذا الغلام ابنتك» (لي) فانكحني. و قال لمحمية: «اصدق عنهما من الخمس كذا و كذا.» «2»

و رواه البيهقي أيضا في السنن عن مسلم. «3»

______________________________

(1)- الكافي 4/ 58، كتاب الزكاة، باب الصدقة لبني هاشم ...، الحديث 1؛ و التهذيب 4/ 58، الباب 15 من كتاب الزكاة، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- صحيح مسلم 2/ 752، الباب 51

من كتاب الزكاة، الحديث 167.

(3)- سنن البيهقي 7/ 31، كتاب الصدقات، باب لا يأخذون من سهم العاملين بالعمالة شيئا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 329

..........

______________________________

أقول: عبد المطلب بن ربيعة ربّما قيل: إنّ اسمه مطلب كما في أسد الغابة و رجال المامقاني. «1»

و قد مرّ عن الخلاف ذكره بهذا الاسم، و لعلّ عبد المطلب كان لقبا له.

و في المستدرك عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: «لا تحلّ لنا زكاة مفروضة و ما أبالي أكلت من زكاة أو شربت من خمر إن اللّه حرّم علينا من صدقات الناس أن نأكلها و نعمل عليها. «2»

و كيف كان فإطلاق الروايات المانعة التي مرّت و كلمات الفقهاء يشمل جميع السهام الثمانية.

و صحيح حفص و ما ماثله يدلّ على المنع في سهم العاملين بالصراحة و على منع غيره بالأولوية كما مرّ عن الجواهر.

و لكن في كشف الغطاء قال: «و يعمّ المنع سهم الفقراء و المساكين و العاملين غير المستأجرين و الغارمين و أبناء السبيل.

و أمّا سهم المؤلفة وَ فِي الرِّقٰابِ مع فرضهما بارتداد الهاشمي أو كونه من ذرية أبي لهب و لم يكن في سلسلة (سلسلته. ظ) مسلم، و الحاجة إلي الاستعانة به، و بتزويجه الأمة و اشتراط رقيّة الولد عليه على القول به، و سهم سبيل اللّه فعلى تامّل.» «3»

و في المستمسك بعد نقل ذلك قال: «و كأنّه للتعليل في بعض النصوص:

بأنّها أوساخ أيدي الناس، الدال على أن منعهم إيّاها تكريم لهم، و هو غير منطبق على سهم المؤلّفة لعدم استحقاقهم هذا التكريم، و لا على سهم الرقاب لعدم تصرّفهم فيه بوجه و إنّما يدفع إلى المالك عوضا عن رقابهم. و أمّا تأمّله في سهم

______________________________

(1)-

أسد الغابة 3/ 331؛ و تنقيح المقال 2/ 227.

(2)- المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- كشف الغطاء/ 356.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 330

..........

______________________________

سبيل اللّه فلأجل قيام السيرة على تصرّفهم فيه كغيرهم في جملة من الموارد، لكن كان عليه التأمّل أيضا في سهم الغارمين لأنّ إفراغ ذمّته كفكّ رقبته.» «1»

أقول: الأولى تحقيق المسألة ببيان تفصيلي أوفى فنقول: القدر المتيقّن من الروايات المانعة و الفتاوى و الإجماعات المنع في سهمي الفقراء و المساكين، و يلحق بهما سهم العاملين أيضا بلا إشكال لصحيحة حفص و ما ماثلها.

و هل يشمل المنع لمن استوجر لعمل خاص جزئي كحفظ أنعام الزكاة و رعيها و علاجها مثلا أو تنصرف عن ذلك حيث إنّه لا يعطى بعنوان الزكاة بل باسم الأجرة لعمله الخاص نظير استيجار الغني أو واجب النفقة لمثل ذلك فيحمل منع العامل على مثل الجابى و المسؤول العام للزكوات؟ وجهان. و لعلّ الظاهر هو الثاني و إليه أشار كاشف الغطاء في عبارته المتقدّمة و لكن الأحوط خلافه لاشتراك الجميع في أنها تؤدّى من سهم العاملين و ظاهر الصحيحة منع هذا السهم مطلقا فتأمّل.

و أمّا المؤلّفة قلوبهم فظاهر كشف الغطاء حصرهم في الكفار و لذا أتعب نفسه في تصوير ذلك في بني هاشم، و لكن قد عرفت في محله أن المستفاد من أخبارنا حصرهم في المسلمين الذين لم تقو بصائرهم و لم يستقر الإيمان في قلوبهم، و لا أقلّ من التعميم لهم أيضا.

و هل يشمل المنع لهم أولا؟ وجهان: من إطلاق الأخبار و الفتاوى و الأولوية بالنسبة الى سهم العاملين كما في الجواهر. و من انصراف أدلّة المنع عنهم لعدم استحقاقهم للتكريم كما في المستمسك.

و مثله

الكلام فِي الرِّقٰابِ أيضا مضافا إلى عدم تصرفهم فيه و إنّما يدفع إلى المالك عوضا عن رقابهم، و التكريم فيه أقوى من منعهم الزكاة. هذا. و لكن الأحوط

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 304.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 331

[يجوز للهاشمي التصرف في الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه]

نعم لا بأس بتصرّفه في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه (1).

______________________________

المنع لإطلاق الأدلّة.

و بذلك يظهر الحكم في الغارمين و ابن السبيل أيضا مضافا إلى أنّ ابن السبيل جعل له سهم في الخمس و الأخبار المستفيضة تدلّ على أن اللّه تعالى لمّا حرّم الصدقة على بني هاشم عوّضهم بالخمس.

بقي الكلام في سهم سبيل اللّه و يأتي بيانه في الحاشية التالية.

(1) لا يخفى أن المصرف في سبيل اللّه يخالف سائر المصارف سنخا لأنّ المصرف فيه هي الجهات العامة لا الأشخاص كما مرّ بيانه في محلّه.

و الأخبار في المقام ناظرة الى الأشخاص، و لذا قال في الجواهر بعد الإشكال في كلام كاشف الغطاء: «نعم هو كذلك بالنسبة إلى بعض أفراد سهم سبيل اللّه مما لا يعدّ أنه صدقة عليهم كالتصرف في بعض الأوقاف العامّة المتخذة منه و الانتفاع بها و نحو ذلك مما جرت السيرة و الطريقة على عدم الفرق فيها بين الهاشمي و غيره و إن كانت متخذة من الزكاة، مع أنّها في الحقيقة كتناول الهاشمي الزكاة من يد مستحقها بعد الوصول إليه، فإنّه لا إشكال في جواز ذلك له ضرورة عدم كونها زكاة حينئذ كما هو واضح.» «1»

أقول: بعد إطلاق الروايات و الفتاوى فالعمدة في جواز التصرف في مثل الأوقاف و المصالح العامّة المتخذة منها هي السيرة المستمرة فيمكن المناقشة فيما إذا ملكت الزكاة من هذا السهم للشخص كالمجاهد في سبيل اللّه

مثلا، بل و لو صرفت في مصرف خاص لبني هاشم كبناء مدرسة لهم خاصة مثلا أو تأسيس مكتبة عامة لهم فالأحوط في أمثال ذلك الترك.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 407.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 332

و ينبغي التنبيه على أمور لم يتعرض لها المصنّف:
الأول: المشهور عندنا أنّ المحرّم عليهم الصدقة الواجبة هم بنو هاشم خاصة

______________________________

و به قال أبو حنيفة أيضا، و نسب إلى الإسكافي و المفيد منا إلحاق بني المطلب أيضا و به قال الشافعي و أحمد في رواية.

1- قال الشيخ في كتاب الوقوف و الصدقات من الخلاف (المسألة 4): «تحرم الصدقة المفروضة على بني هاشم من ولد ابي طالب: العقيليين و الجعافرة و العلويين و ولد العباس بن عبد المطلب و ولد أبي لهب و ولد الحارث بن عبد المطلب و لا عقب لهاشم إلّا من هؤلاء، و لا يحرم على ولد المطلب و نوفل و عبد شمس بن عبد مناف.

و قال الشافعي: تحرم الصدقة المفروضة على هؤلاء كلّهم و هم جميع ولد عبد مناف.

دليلنا إجماع الفرقة الحقّة [المحقّة خ. ل] و لأنّ ما قلناه مجمع عليه و ما ذكروه ليس عليه دليل.» «1»

2- و في الشرائع: «و الذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولد هاشم خاصّة على الأظهر.» «2»

3- و ذيّله في الجواهر بقوله: «الأشهر بل المشهور، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، خلافا للإسكافي و المفيد فألحقا به أخاه المطلب، و لا ريب في ضعفه كما أوضحنا ذلك في كتاب الخمس، مع أنّ المسألة قليلة الثمرة لعدم معلومية من ينتسب إليه في هذا الزمان.» «3»

4- و في التذكرة: «و هل تحرم على أولاد المطلب؟ أكثر علمائنا على المنع من

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 227.

(2)- الشرائع 1/ 164 (- طبعة أخرى/ 124).

(3)- الجواهر 15/ 415.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 333

..........

______________________________

التحريم، و به قال أبو

حنيفة للعموم و الأصل، و لأنّ بني المطلب و بني نوفل و عبد شمس قرابتهم واحدة، و إذا لم يمنع بنو نوفل و بنو عبد شمس فكذا بنو المطلب. و قال الشافعي بالتحريم عليهم و هو قول شاذّ للمفيد منا لقوله «ع»: نحن و بنو المطلب هكذا- و شبك بين أصابعه- لم نفترق في الجاهلية و الإسلام. و من طريق الخاصّة قول الصادق «ع»: لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة ...» «1»

5- و في المغني: «فأمّا بنو المطّلب فهل لهم الأخذ من الزكاة؟. على روايتين:

إحداهما ليس لهم ذلك، نقلها عبد اللّه بن أحمد و غيره لقول النبي «ص»: «أنا و بنو المطلب لم نفترق في جاهلية و لا إسلام، إنّما نحن و هم شي ء واحد.» و في لفظ رواه الشافعي في مسنده: «إنّما بنو هاشم و بنو المطلب شي ء واحد.» و شبّك بين أصابعه. و لأنّهم يستحقون من خمس الخمس فلم يكن لهم الأخذ كبني هاشم. و قد أكّد ذلك ما روي أن النبيّ «ص» علّل منعهم الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس: فقال: «أ ليس في خمس الخمس ما يغنيكم؟»

و الرواية الثانية: لهم الأخذ منها و هو قول أبي حنيفة لأنّهم دخلوا في عموم قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ.» الآية، لكن خرج بنو هاشم لقول النبي «ص»: «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد.» فيجب أن يختصّ المنع بهم.

و لا يصحّ قياس بني المطلب على بني هاشم لأنّ بني هاشم أقرب إلى النبي «ص» و أشرف و هم آل النبي «ص» ...» «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران،

دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 333

أقول: رواية التسوية بين بني هاشم و بني المطلب رواها العامّة عن جبير بن مطعم عن النبي «ص» بألفاظ مختلفة:

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

(2)- المغني 2/ 519.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 334

..........

______________________________

منها ما عن سعيد بن المسيّب قال: أخبرني جبير بن مطعم قال: لمّا كان يوم خيبر وضع رسول اللّه «ص» سهم ذي القربى في بني هاشم و بني المطلب، و ترك بني نوفل و بني عبد شمس، فانطلقت أنا و عثمان بن عفّان حتّى أتينا النبي «ص» فقلنا: يا رسول اللّه هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك اللّه به منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم و تركتنا، و قرابتنا واحدة؟ فقال رسول اللّه «ص»: «إنّا و بنو المطلب لا نفترق في جاهلية و لا إسلام، و إنّما نحن و هم شي ء واحد» و شبّك بين أصابعه «ص».

راجع سنن أبي داود كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة. «1»

و الخبر لم يثبت بطرقنا، و اشتراك بني المطلب في سهم القرابة من الخمس بل في الخمس مطلقا ممنوع عندنا.

و قد حرّرنا في كتاب الخمس أنّ المراد بذي القربى في آية الخمس مقام الإمامة و بيّنا أيضا أنّ الحقّ كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا للنبي «ص» و بعده للإمام القائم مقامه، و لعلّه «ص» أعطى بني المطلب أيضا من خمس خيبر لمصالح رآه فظنّ جبير و أمثاله أنّه «ص» أعطاهم من سهم ذي القربى بتطبيقه عليهم فراجع ما حرّرناه في كتاب الخمس. «2»

و كيف كان فعمدة ما استدل به لمنع الزكاة عن بني المطلب أمران: الأوّل هذه الرواية. الثاني موثقة زرارة عن ابي عبد اللّه

«ع» في حديث قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة. إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثمّ قال: إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة. و الصدقة لا تحلّ

______________________________

(1)- سنن أبي داود 3/ 146 (- طبعة أخرى 2/ 131)؛ كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، الباب 20، الحديث 3.

(2)- كتاب الخمس/ 11 و 250 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 335

..........

______________________________

لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة.» «1»

و أجاب عنهما العلّامة في التذكرة بقوله: «و يحمل الأوّل على الاتحاد في الشرف أو المودّة أو الصحبة أو النصرة لا على صورة النزاع. و الثاني خبر واحد ترك العمل به أكثر الأصحاب فلا يخصّ به العموم المقطوع.» «2»

و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا و المعتبر للمحقق «3» و لعل العلامة أخذ ما ذكره منه.

أقول: لا يخفى أنّ إنكارهما لصحة الرواية كان أولى مما ذكراه في تأويلها إذ موردها تشريك النبي «ص» لبني هاشم و بني المطلب في خمس القرابة، و لو صحّ هذا كان اللازم منه تحريم الزكاة عليهما أيضا لكون الخمس عوضا منها كما نطقت بذلك الأخبار فتدبّر.

و في الحدائق في مقام الجواب عن الموثقة ما حاصله: «و الأظهر ما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين حيث قال: و يمكن أن يكون المراد بالمطلبي في الخبر من ينتسب إلى عبد المطلب فإن النسبة إلى مثله قد تكون بالنسبة إلى الجزء الثاني حذرا من الالتباس كما قالوا منافي في عبد مناف. و قد صرّح بذلك سيبويه. و على هذا فلا يكون في الخبر دلالة على مذهب المفيد.

فإن

قلت: فعلى هذا يلزم عطف الشي ء على مرادفه و ما ماثله.

قلت: لا بأس بذلك فإنّ العطف التفسيري شائع، و معلوم أن هاشما لم يعقّب إلّا من عبد المطلب، ففائدة العطف التنبيه على هذا المعنى.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 191، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- التذكرة 1/ 235.

(3)- المنتهى 1/ 525؛ و المعتبر/ 282.

(4)- الحدائق 12/ 216.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 336

..........

______________________________

و في زكاة الشيخ الأعظم: «و يمكن أن يكون الوجه في الملازمة بين دفع الناس الخمس و بين حصول التوسعة للمطلبيين: أن توسعة الهاشميين مستلزم لتوسعتهم لكمال اختلاطهم معهم لا لأجل استحقاقهم بأنفسهم للخمس.

و الأنسب في الجواب منع مقاومته للعمومات الكثيرة، و ما يستفاد من تخصيص بني هاشم بالذكر في الأخبار المعتضدة بالشهرة و حكاية الإجماع.

و يؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه قول الكاظم «ع» في المرسلة الطويلة لحماد بن عيسى:

«و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبي «ص» الذين ذكرهم اللّه- تعالى- فقال: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. و هم بنو عبد المطلب أنفسهم: الذكر منهم و الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد» و فيها أيضا: «و من كانت أمّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له.» و أمّا النبوىّ فضعيف بلا جابر.» «1»

أقول: و المرسلة معمول بها في فقراتها كما مرّ في باب الخمس و راجع الوسائل «2»، هذا.

و الذي يسهّل الخطب ما مرّ من الجواهر من عدم معلوميّة من ينتسب إلى المطلب في هذا الزمان.

الأمر الثاني: الظاهر أنّه لا خلاف عندنا في جواز إعطاء الزكاة لموالي بني هاشم

أعني عتقاءهم.

و أمّا فقهاء السنة ففيهم خلاف فلنتعرض لبعض الكلمات في المقام:

1- قد مرّ عن الشيخ في النهاية قوله: «و لا بأس

أن تعطي صدقة الأموال مواليهم.» «3»

______________________________

(1)- زكاة الشيخ الأعظم/ 510 (- طبعة أخرى/ 449).

(2)- الوسائل 6/ 358، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(3)- النهاية لشيخ الطائفة/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 337

..........

______________________________

2- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 15): «موالي آل محمد لا تحرم عليهم الصدقة، و به قال الشافعي و أكثر أصحابه، و منهم من قال:

تحرم عليهم لقوله «ص» «مولى القوم منهم.» دليلنا إجماع الفرقة و عموم الأخبار و قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» و من ادّعى إخراجهم من الآية فعليه الدلالة.» «1»

3- و في التذكرة: «و تحلّ الصدقة الواجبة و المندوبة لموالي بني هاشم- و هم من أعتقهم هاشمي- عند علمائنا أجمع و هو قول أكثر العلماء و الشافعي في أحد القولين ... و قال أحمد بالتحريم و هو الثاني للشافعي لأن رسول اللّه «ص» بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها، فقال: لا، حتى آتي رسول اللّه «ص» فأسأله فانطلق إلى النبي «ص» فسأله فقال:

«إنّا لا تحلّ لنا الصدقة و أنّ موالي القوم منهم ...» «2»

أقول: و تعرّض للمسألة في المغني و اختار التحريم و استدل له بهذا الحديث و قال: أخرجه أبو داود و النسائي و الترمذي و قال: حديث حسن صحيح. «3»

و راجع أبا داود، باب الصدقة على بني هاشم. «4»

و أبو رافع و اسمه إبراهيم أو أسلم أو هرمز أو ثابت كان لعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي «ص» فلمّا بشّر النبي «ص» بإسلام عبّاس أعتقه النبي «ص» و كان من المخلصين له و صار من شيعة أمير المؤمنين «ع» و خواصّه و جعله في زمان خلافته

أمينا على بيت المال. هذا.

______________________________

(1)- كتاب الخلاف 2/ 350.

(2)- التذكرة 1/ 235.

(3)- المغني 2/ 519.

(4)- سنن أبي داود 2/ 123 (- طبعة أخرى 1/ 384).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 338

..........

______________________________

و يدلّ على حلّية الصدقات لهم- مضافا إلى الإجماع و عموم الآية و ما حذا حذوها، و وجود المقتضي أعني الفقر و نحوه و عدم وجود المانع أعني قرابة النبي «ص» و شرف النسب، و أنّ اللّه لم يعوضهم عنها بالخمس فلا يحرمون منها- أخبار مستفيضة:

1- صحيحة الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أ تحل الصدقة لموالي بني هاشم؟ فقال: «نعم». «1»

2- خبر جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ص» قال: سألته هل تحلّ لبني هاشم الصدقة؟ قال: «لا»، قلت: تحلّ لمواليهم؟ قال: «تحلّ لمواليهم، و لا تحلّ لهم إلّا صدقات بعضهم على بعض.» «2»

3- خبر ثعلبة بن ميمون قال: كان أبو عبد اللّه «ع» يسأل شهابا من زكاته لمواليه، و إنّما حرّمت الزكاة عليهم دون مواليهم. «3»

4- مرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح «ع» في حديث طويل قال: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبي «ص» و هم بنو عبد المطلب أنفسهم: الذكر منهم و الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد و لا فيهم و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم، و قد تحلّ صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء.» «4»

نعم يعارض هذه الأخبار خبران:

1- موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «مواليهم منهم، و لا تحلّ الصدقة من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 192، الباب

34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 339

..........

______________________________

الغريب لمواليهم و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم.» «1»

قال في الوسائل: «حمله الشيخ على كون الموالي مماليك لأنّ المملوك لا يعطى من الزكاة، و يحتمل الحمل على الكراهة و على التقية»

و في الحدائق بعد نقل حمل الشيخ قال: «و استبعده المحدث الكاشاني في الوافي لعدم جريان ذلك في قوله في بقية الخبر: «و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم» قال: لأنّ المملوك لا يجد شيئا يتصدق به، فالأولى أن يحمل على الكراهة كما في الاستبصار. انتهى. و هو جيد. و المراد بقوله: «صدقات مواليهم عليهم، أي بعضهم على بعض.» «2» انتهى ما في الحدائق.

الثاني ما مرّ من خبر أبي رافع، و رواه في الوسائل أيضا عن أمالي ابن الشيخ بسنده عن ابن أبي رافع أنّ النبي «ص» بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبنى كيما تصيب منها فقال: حتى آتي النبي «ص» فأسأله فأتى النبي «ص» فسأله فقال: مولى القوم من أنفسهم و إنا لا تحل لنا الصدقة.» «3»

أقول: الأخبار الأول أكثر و عليها عمل الأصحاب، و قد ورد في الخبرين المتعارضين قوله «ع»: «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك «4» هذا. مضافا إلى أنّ اللّه لم يعوّضهم بالخمس فلا يحرمون الزكاة كما مرّ. و على هذا فتحمل الطائفة الثانية على الكراهة أو على التقية

أو تطرح. و كون مولى الرجل ممّن يرثه الرجل أحيانا لا يوجب إلحاقه به في جميع الأحكام.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 193، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الحدائق 12/ 221.

(3)- الوسائل 6/ 193، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل 18/ 75، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 340

..........

______________________________

و يمكن أن يجاب عن قصة أبي رافع بأنّه لمّا كان من موالي النبي «ص» كان اشتراكه في أخذ الصدقات و جمعها موجبا لتوهّم بعض المعاندين أنّ النبي «ص» بهذه الواسطة يجلب بعض الصدقات إلى نفسه و عائلته فهو «ص» أراد قطع جذور هذا السنخ من التوهمات و الإلقاءات عن حياة نفسه و عائلته، فقوله «ص»:

«إنّ موالي القوم منهم» إنّ الناس يعدّون موالي القوم من عائلتهم فتدبّر.

الأمر الثالث: لا يخفى أنّ المحرّم على بني هاشم هو الزكاة بما هي زكاة لا مال الزكاة

و إن تبدّل عنوانها: فلو باع الفقير الزكاة التي أخذها لهاشمي أو وهبها له أو أهداها إليه فلا إشكال، بل و كذلك لو تصدق بها أيضا عليه ندبا بناء على حليّة الزكاة المندوبة له، نظير ما إذا باعها لغني أو لفاسق أو لواجب النفقة أو أهداها إليهم.

1- و في كتاب الزكاة من الوافي عن المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع»: أنّه ذكر أنّ بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقتها فخيّرها رسول اللّه «ص» و قال: «إن شاءت تقرّ عند زوجها، و إن شاءت فارقته» و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أنّ لهم ولاءها، فقال رسول اللّه «ص»: «الولاء لمن أعتق»، و تُصُدِّقَ على بريرة بلحم فأهدته إلى رسول اللّه «ص» فعلقته عائشة و قالت: إن رسول اللّه «ص»

لا يأكل لحم الصدقة فجاء رسول اللّه «ص» و اللحم معلّق فقال: ما شأن هذا اللحم لم يطبخ؟ فقالت:

يا رسول اللّه صُدّق به على بريرة و أنت لا تأكل الصدقة، فقال: «هو لها صدقة و لنا هدية» ثم أمر بطبخه فجاء فيها ثلاث من السنن. «1»

______________________________

(1)- الوافي 2/ 28 م 6، الباب 18 من أبواب زكاة المال؛ و الوسائل 14/ 559، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 2؛ و 16/ 40 (- طبعة أخرى 16/ 47)، الباب 37 من كتاب العتق، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 341

..........

______________________________

قال في الوافي: «السُنّة الأولى تخيّر المعتقة في فسخ نكاحها، و الثانية أن الولاء لمن أعتق و إن اشترط البائع لنفسه، و الثالثة حلّ الصدقة لبني هاشم إذا أهداها لهم المتصدق عليه لأنّها ليست لهم بصدقة.»

فإن قلت: اللحم المتصدق به لبريرة يشبه أن كان صدقة مندوبة و هي لا تحرم على بني هاشم كما يأتي.

قلت: لعله كان من نعم الصدقة أو يقال: إنّ الصدقة المندوبة و إن حلّت لبني هاشم و لكنها لا تناسب لمقام النبوّة و الإمامة الكبرى فلعلّها كانت محرّمة عليهما كما يأتي بحثه.

2- و في صحيح مسلم بسنده عن عائشة قالت: كانت في بريرة ثلاث قضيّات، كان الناس يتصدّقون عليها و تُهدي لنا فذكرت ذلك للنبي «ص» فقال: «هو عليها صدقة و لكم هديّة فكلوه.»

3- و بسنده عن أنس بن مالك قال: أهدت بريرة إلى النبي «ص» لحما تصدق به عليها فقال: «هو لها صدقة و لنا هدية.»

4- و بسنده عن جويرية زوج النبي «ص»: أنّ رسول اللّه «ص» دخل عليها فقال: هل من طعام؟ قالت: لا و

اللّه يا رسول اللّه ما عندنا طعام إلّا عظم شاة أعطيته مولاتى من الصدقة. فقال: «قرّبيه فقد بلغت محلّها.»

5- و بسنده عن أم عطيّة قالت: بعث إليّ رسول اللّه «ص» بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشي ء فلما جاء رسول اللّه «ص» إلى عائشة قال:

«هل عندكم شي ء؟.» قالت: لا إلّا أنّ نسيبه بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها. قال: «إنها قد بلغت محلّها.» «1»

______________________________

(1)- صحيح مسلم 2/ 755، الباب 52 من كتاب الزكاة، الحديث 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 342

[لا بأس بأخذ زكاة الهاشميّ للهاشميّ]

أمّا زكاة الهاشميّ فلا بأس بأخذها له (1).

______________________________

أقول: و لعلّ الموارد كانت متعددة على ما يظهر من هذه الأخبار فراجع.

(1) 1- في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 27): «صدقة بني هاشم بعضهم على بعض غير محرّمة و إن كانت فرضا. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و سوّوا بينهم و بين غيرهم. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

2- و مرّ عن النهاية قوله: «و لا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. و إنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.» «2»

3- و في الشرائع: «و يحلّ له زكاة مثله في النسب» «3»

4- و ذيّله في الجواهر بقوله: «الذي هو الانتساب إلى هاشم و إن اختلفوا في الآباء بعده بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض كالنصوص.» «4»

5- و في المنتهى: «و لا يحرم صدقة بعضهم على بعض، و عليه فتوى علمائنا خلافا للجمهور كافة إلّا أبا يوسف فإنّه جوّزه.» «5»

أقول: و يدلّ على ذلك- مضافا إلى ما مرّ من الإجماع المدّعى، بل و الإطلاقات الأوّلية بعد احتمال انصراف الروايات المانعة عن صدقة

بعضهم لبعض إذ لا غضاضة فيها عليهم بعد أن كانوا شجرة واحدة و بعضهم من بعض على ما قيل- أخبار مستفيضة فلنتعرض لها:

1- موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: صدقات بني هاشم بعضهم

______________________________

(1)- كتاب الخلاف 2/ 354.

(2)- النهاية لشيخ الطائفة/ 187.

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى 1/ 124).

(4)- الجواهر 15/ 408.

(5)- المنتهى 1/ 524.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 343

..........

______________________________

على بعض تحلّ لهم؟ فقال: «نعم، إن صدقة الرسول «ص» تحلّ لجميع الناس من بنى هاشم و غيرهم. و صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم، و لا تحلّ لهم صدقات إنسان غريب.» «1»

2- خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: هي الزكاة. قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال: نعم. «2»

أقول: ربّما يوجب التعبير عن المحرّم عليهم بالزكاة بنحو الإطلاق و التفريع في قوله: «فتحلّ» احتمال أن يراد بصدقة بعضهم على بعض غير الزكاة. و بعبارة أخرى في الخبر احتمالان:

الأوّل: أن يراد بالجملة الأولى تحريم الزكاة، و بالجملة الثانية تحليل الصدقة المندوبة.

الثانى: أن يراد بالأولى تحريم الزكاة و بالثانية استثناء زكاة بعضهم لبعض.

و الاستدلال في المقام مبني على الاحتمال الثاني،

و يمكن أن يؤيّد الاحتمال الأوّل بما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» قال: «و أحلّ لنا صدقات بعضنا على بعض من غير زكاة.» «3»

3- خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال: «هي الزكاة المفروضة و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض.» «4»

و يجري في هذا الخبر أيضا ما مرّ في سابقه من الاحتمالين فتدبّر.

______________________________

(1)-

الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- دعائم الإسلام 1/ 259، كتاب الزكاة- ذكر دفع الصدقات.

(4)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 344

..........

______________________________

4- مرسلة حماد الطويلة عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح «ع» قال: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس خاصّة لهم يعني بني عبد المطلب عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من اللّه لهم، و لا بأس بصدقات بعضهم على بعض.» «1»

5- خبر جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته هل تحلّ لبني هاشم الصدقة؟ قال: لا، قلت: تحلّ لمواليهم؟ قال: «تحلّ لمواليهم و لا تحلّ لهم إلّا صدقات بعضهم على بعض.» «2»

6- خبر العزرمي المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال:

«لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض.» «3»

7- خبر البزنطي المروي عن قرب الإسناد عن الرضا «ع» قال: سألته عن الصدقة تحلّ لبني هاشم؟ فقال: «لا، و لكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم» فقلت:

جعلت فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكّة و المدينة و عامّتها صدقة؟ قال: سمّ فيها شيئا، قلت: عين ابن بزيع و غيره. قال: و هذه لهم.» «4»

أقول: و لعلّ في ذيل الخبر إشعارا بأن المنع في المسألة يشمل سهم سبيل اللّه و الصدقات المندوبة أيضا.

8- خبر محمد بن عيسى المروي في قرب الإسناد قال: حدثني ابن أبى الكرّام الجعفري الشيخ في ايام المأمون قال: خرجت و خرج بعض موالينا

إلى بعض متنزّهات المدينة مثل العقيق و ما أشبهها فدفعنا إلى سقاية لأبي عبد اللّه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 189، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(4)- الوسائل 6/ 191، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 345

من غير فرق بين السهام أيضا حتّى سهم العاملين، فيجوز استعمال الهاشميّ على جباية صدقات بني هاشم (1).

______________________________

جعفر بن محمد «ع» و فيها تمر للصدقة فتناولت تمرة فوضعتها في فمي، فقام إليّ المولى الذي كان معي فأدخل إصبعه في فمي فعالج إخراج التمرة من فمي و وافى أبو عبد اللّه جعفر بن محمد «ع» و هو يعالج إخراج التمرة فقال له: مالك أيّ شي ء تصنع؟ فقال له المولى: جعلت فداك هذا تمر الصدقة و الصدقة لا تحلّ لبني هاشم.

قال: فقال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّما ذاك تحرم علينا من غيرنا فأمّا بعضنا في بعض فلا بأس بذلك.» «1»

و سند الرواية لا بأس به و اسم ابن أبي الكرّام: إبراهيم و هو من أحفاد عبد اللّه بن جعفر الطيّار.

أقول: و أمّا خبر دعائم الإسلام السابق فيمكن حمل التفصيل فيه على الكراهة في الزكاة دون غيرها جمعا بينه و بين هذه الأخبار.

(1) لإطلاق ما مرّ من الروايات المجوّزة، و لأنّه إذا جاز الإعطاء من سهمي الفقراء و المساكين مع ملازمتهما لنحو من المذلّة جاز من سهم العاملين بطريق أولى.

و لكن ربّما يظهر من عبارة الدروس الترديد في سهم العاملين. حيث قال:

«و لو تولّى الهاشمي العمالة على قبيله احتمل الجواز.» «2» و لعلّه

لتوهم إطلاق المنع في صحيحة العيص و ما ماثلها.

و فيه أنّ أخبار الحلّيّة في المقام خاصّة بالنسبة إلى أخبار المنع، و إطلاق الخاص مقدّم عرفا على إطلاق العام، بل لعلّ لسانها لسان تفسير لأخبار المنع فتكون حاكمة عليها، مضافا إلى أنّ المورد في صحيحة عيص و نحوها صدقات غير الهاشميين فتأمّل.

______________________________

(1)- قرب الإسناد/ 12؛ و الوسائل 6/ 191، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(2)- الدروس/ 65.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 346

[يجوز للهاشميّ أخذ زكاة غير الهاشمي مع الاضطرار]

و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له مع الاضطرار إليها (1).

______________________________

(1) و يدلّ على الحلّية حينئذ إجمالا ما مرّ من موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم.» ثمّ قال: «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا و يكون ممن يحلّ له الميتة.» «1»

و كذا ما مرّ من خبر العزرمي عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال: «لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض.» «2» إذ العطش ضرورة عرفية كما لا يخفى.

هذا مضافا إلى العمومات الأوّلية بعد احتمال انصراف الأخبار المانعة عن صورة الاضطرار.

و العمومات الدالة على حلّية المضطر إليه مطلقا كقوله «ص» في حديث رفع التسعة: «و ما اضطروا إليه» «3»

و قول أبي جعفر «ع»: «التقية في كل شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له.» «4»

بل و الآيات الدالة على حلّية الميتة و نحوها لدى الاضطرار إليها بإلغاء الخصوصية،

و لتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلّية.

اللّهم إلا أن يقال: إن المستفاد من هذه الأدلّة العامّة هي رفع الحرمة التكليفية فقط لا رفع الضمان نظير حلّية مال الغير عند الاضطرار إليه.

و بالجملة لا يثبت بهذه الأدلّة العامة كون الهاشمي مصرفا للزكاة حينئذ بحيث يبرئ ذمّة المزكّي فالعمدة في المقام موثقة زرارة و خبر العزرمي. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 191، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(3)- الخصال/ 417، باب التسعة، الحديث 9.

(4)- الوسائل 11/ 468، الباب 25 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 347

و عدم كفاية الخمس و سائر الوجوه (1). و لكن الأحوط حينئذ الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما مع الإمكان.

______________________________

و يعارض ذلك كله ما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» في حديث:

«قيل له «ع»: فإن منعتم الخمس هل تحلّ لكم الصدقة؟ قال: «لا و اللّه ما يحلّ لنا ما حرّم اللّه علينا بمنع الظالمين لنا حقّنا، و ليس منعهم إيّانا ما أحلّ اللّه لنا بمحلّ لنا ما حرّم اللّه علينا.» «1»

و لكن يرد عليه مضافا إلى عدم ثبوت حجّيته أنّه يجب أن يحمل على ما إذا لم يبلغ حدّ الضرورة أو يراد به عدم الحلّية لخصوص الأئمة «ع» و لو عند الاضطرار فتدبّر.

(1) بعد ما ثبت إجمالا حلّية الزكاة لهم لدى الاضطرار إليها فهل الملاك تحقق الضرورة المسوّغة لأكل الميتة كما هو الظاهر من موثقة زرارة و لا محالة تدور الحلية مدارها و تتقدّر بقدرها فلا يجوز التصرّف إلّا بمقدار سدّ الرمق كما عن كاشف الرموز.

أو الفقر العرفي و عدم التمكن

من الخمس بقدر كفاية السنة و إن فرض تمكّنه من سائر الوجوه الشرعية كالصدقات المندوبة و زكاة مثله و نحو ذلك، كما هو الظاهر من كلمات الأصحاب و ادّعى عليه الإجماع أيضا.

أو عدم التمكن من الخمس و من سائر الوجوه الشرعية كما يظهر من المصنّف؟

و على القولين فهل تحلّ لهم حينئذ أخذ الزكاة مطلقا فيصير الهاشمي كغيره في جواز الأخذ بمقدار مئونة السنة أو متمّمها بل بمقدار يصير به غنيا لو قيل بذلك في الزكاة، أو لا يجوز الأخذ إلّا بمقدار قوت يوم و ليلة كما عن ابن فهد؟ في المسألة وجوه بل أقوال.

و اللازم هنا نقل بعض الكلمات في المقام ثمّ تحقيق المسألة فنقول:

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 259، كتاب الزكاة- ذكر دفع الصدقات؛ و المستدرك 1/ 524، الباب 19 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 348

..........

______________________________

1- قال في النهاية: «و هذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم و وصولهم إلى مستحقهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك و محتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.» «1»

2- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 14): «تحلّ الصدقة لآل محمد «ص» عند فوت خمسهم أو الحيلولة بينهم و بين ما يستحقّونه من الخمس، و به قال الإصطخري من أصحاب الشافعي. و قال الباقون من أصحابه:

إنّها لا تحلّ لهم لأنّها إنما حرّمت عليهم تشريفا لهم و تعظيما و ذلك حاصل مع منعهم الخمس.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ- الآية. و إنّما أخرجناهم في حال توسعهم إلى الخمس بدليل.» «2»

أقول: لا يخفى

أنّ ظاهر كلامه- قدّس سرّه- في النهاية اختصاص حلّية الزكاة لهم بحالة الاضطرار و لا محالة تتقدّر بقدره، و لعلّ الظاهر من الخلاف أعم من ذلك إذ يظهر منه أنّه مع تعذّر الخمس يصير آل محمد «ع» كغيرهم مشمولين لعموم الآية الشريفة و ما حذا حذوها فيكون حكم الهاشمي حينئذ حكم غيره.

كيف؟! و مقدار سدّ الرمق و أكل الميتة لدى الاضطرار إليه مما يبعد جدّا مخالفة فقهاء السنّة له إذ كلّ فقيه يفتي بوجوب حفظ نفس المسلم عن التلف و لو كان بأمر محرّم، فالخلاف بين فقهائنا و فقهائهم يرجع لا محالة إلى أمر أوسع من ذلك كما لا يخفى فتأمّل.

3- و في الانتصار: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ الصدقة إنّما تحرم على

______________________________

(1)- النهاية/ 187.

(2)- الخلاف 2/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 349

..........

______________________________

بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضا عن الصدقة فإذا حرموه حلّت الصدقة لهم. و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد.

و يقوّى هذا المذهب بظاهر الأخبار بأنّ اللّه تعالى حرّم الصدقة على بني هاشم و عوّضهم بالخمس منها، فإذا سقط ما عوّضوه به لم تحرم عليهم الصدقة.» «1»

4- و في الغنية: «فإن كان مستحق الخمس غير متمكن من أخذه أو كان المزكّي هاشميّا مثله جاز دفع الزكاة إليه بدليل الإجماع المشار إليه.» «2»

5- و في الشرائع: «و لو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز له أن يأخذ من الزكاة و لو من غير هاشمي، و قيل: لا يتجاوز قدر الضرورة.» «3»

6- و في المعتبر: «قال علماؤنا: إذا منع الهاشميّون من الخمس حلّت لهم الصدقة، و به قال

الإصطخري من أصحاب الشافعي، و أطبق الباقون على المنع ....

و لنا أنّ المنع إنما هو لاستغنائهم بأوفر المالين فمع تعذّره يحلّ لهم الآخر و يؤيد ذلك ما رواه أبو خديجة عن أبي عبد اللّه «ع» ...» «4» أقول: و قد مرّ خبر ابي خديجة. «5»

7- و في المنتهى: «و إذا منع الهاشميون من الخمس جاز لهم تناول الزكاة و عليه فتوى علمائنا أجمع و به قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية، و أطبق الجمهور على المنع ...» «6» و راجع التذكرة أيضا. «7»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 113 (- طبعة أخرى/ 155).

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (- طبعة أخرى/ 506).

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى 1/ 124).

(4)- المعتبر/ 283.

(5)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(6)- المنتهى 1/ 526.

(7)- التذكرة 1/ 235.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 350

..........

______________________________

أقول: لا يخفى أن ظاهر هذه الكلمات باستفاضتها أيضا كون الملاك لحلّية الزكاة لهم عدم التمكن من الخمس فقط و أنّ المأخوذ حينئذ غير محدود بحدّ الضرورة و سدّ الرمق نظير أكل الميتة بل تؤخذ بقدر الكفاية و ادعوا على ما ذكروه إجماع أصحابنا. و ما في الشرائع من إسناد القول الآخر إلى القيل يدلّ على التمريض و عدم القبول.

نعم يمكن أن يقال: إنّ تعرّضهم لخصوص الخمس يكون من باب المثال من جهة كونه الفرد الغالب فالمراد عدم التمكن مما يحلّ لهم من الأخماس و صدقات بني هاشم و الصدقات المندوبة و النذور و نحو ذلك، و لكن بعد الاحتياج إلى الزكاة لا يستفاد من هذه الكلمات تحديد لما يؤخذ و لا محالة تنصرف إلى قدر كفاية السنة كما في غير الهاشميين بل إلى قدر الغنى

كما قيل.

8- و قد صرّح بعدم التحديد بقدر الضرورة العلامة في المختلف قال: «فإن قصر الخمس عن كفايتهم جاز أن يأخذوا من الزكاة قدر الكفاية. و هل يجوز التجاوز عن قدر الضرورة؟ الأشهر ذلك. و قيل: لا يحلّ.

لنا أنّه أبيح له الزكاة فلا تتقدر بقدر. أمّا المقدّمة الأولى فلان التقدير ذلك.

و أمّا الثانية فلما رواه عمّار بن موسى عن الصادق «ع» أنّه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال: فقال أبو جعفر «ع»: إذا أعطيته فأغنه ....

و لأنّ المقتضي للإباحة و هو الحاجة موجود، و المانع و هو كونه هاشميا لا يصلح للمانعية و إلّا يمنع من القليل فثبت الحكم ...» «1»

نعم في المنتهى حدّد المأخوذ بمقدار الضرورة فقال بعد تحقيق المسألة و الاستدلال عليها:

______________________________

(1)- المختلف/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 351

..........

______________________________

فرع: إذا ثبت جواز إعطائهم عند منعهم من مستحقّهم فهل يجوز أن يأخذوا بقدر الحاجة و ما يزيد عنها أم لا؟ الأقرب منعهم ممّا يزيد عن قدر ضرورتهم لأنّه مفهوم من المناهي.» «1»

و بالجملة فظاهر أكثر كلمات الأصحاب أنّ بني هاشم إن منعوا من الخمس فقط حلّ لهم الزكاة مطلقا و ادّعوا على ذلك الإجماع فيصير الهاشمي حينئذ كغيره في جواز الأخذ بمقدار كفاية السنة بل بقدر حصول الغنى أيضا لو قيل به في غيره كما في المختلف،

اللّهم إلّا أن يحمل الخمس في كلماتهم على المثال كما مرّ احتماله فيرجع كلماتهم إلى أنّه مع عدم حصول الكفاية بالخمس و سائر الوجوه المنطبقة عليهم حلّت لهم الزكاة مطلقا لا بمقدار الضرورة فقط، إذ قد مرّ أنّ الخلاف بين فقهائنا و فقهاء السنة ليس في مقدار حلّ الميتة قطعا.

و ربّما يستدلّ لذلك بوجوه:

الاول: الإجماعات التي مرّ بعضها.

الثاني: ما

يظهر من كلام السيّد و غيره من دلالة الأخبار على أنّ اللّه عوّضهم عن الزكاة بالخمس فإذا منعوا من العوض بقي المعوّض بحاله.

الثالث: انصراف أدلّة التحريم عن صورة الضرورة فيبقى عموم أدلة الزكاة بحاله.

الرابع: رواية أبي خديجة السابقة الدالّة على الحلية لغير النبي «ص» و الأئمة «ع» بعد حملها على صورة قصور الخمس كما لعلّه المحقّق في عصر الإمام الصادق «ع» جمعا بين هذا الخبر و الأدلة المانعة بنحو الإطلاق.

فإن قلت: المستفاد من موثقة زرارة السابقة و من جميع أدلة الاضطرار

______________________________

(1)- المنتهي 1/ 526.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 352

..........

______________________________

وجوب الاكتفاء بقدر الضرورة كما هو الظاهر من تنظيره «ع» بحلّ الميتة.

قلت: يمكن أن يقال كما في الحدائق ما محصّله: «إنّ الغرض من التمثيل بيان أصل الانتقال من التحريم إلى التحليل لمكان الاضطرار و أمّا أن أخذهم من الزكاة يتقدّر بقدر الأكل من الميتة فلا دلالة في الكلام عليه، و حينئذ فمتى حلّ لهم تناول الزكاة جاز الأخذ منها مطلقا.» «1»

و يمكن أن يؤيّد هذا البيان بما في المستمسك: «من أن الحلّ عند حلّ الميتة ممّا لا يحتاج إلى بيان و لا يتّفق وقوعه إلّا نادرا فكيف يمكن حمل النصّ عليه ...

فالاعتماد على الإجماعات المحكيّة في كلام الأساطين قويّ جدّا.» «2» هذا.

و لكن يمكن أن يورد على الإجماعات بوجود المخالف كما مرّ عن ابن فهد و كاشف الرموز و العلّامة في المنتهى و باحتمال كون الإجماع مدركيّا مستندا إلى سائر الوجوه المزبورة فلا حجيّة فيه.

و يورد على الوجه الثاني، بأنّ تحريم شي ء و التعويض عنه في مرحلة الجعل و التشريع لا يقتضي حلّية المعوّض عند منع العوض في مرحلة الامتثال، و إلى ذلك أشار صاحب

الجواهر حيث قال: «إنّ الثابت من المعاوضة بالنسبة إلى الحكم أي حرم عليهم الزكاة و عوّضهم بفرض الخمس على الناس من غير مدخليّة للتمكن و عدمه.» «3»

و يورد على الوجه الثالث، بمنع انصراف أدلّة التحريم عن صورة الاضطرار، و لو سلّم فحكم الاضطرار قد بيّنه الشارع في موثقة زرارة السابقة و غيرها من أدلّة الاضطرار فلا مجال للرجوع فيه إلى العمومات الأوّليّة.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 220.

(2)- المستمسك 9/ 306.

(3)- الجواهر 15/ 410.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 353

..........

______________________________

و يورد على الوجه الرابع، بأنّه لو سلّم حمل خبر أبي خديجة على صورة قصور الخمس بلحاظ الجمع بين الأدلّة فهذا بعينه يقتضي الاكتفاء بقدر الضرورة و حلّ الميتة أيضا جمعا بينه و بين الموثقة كما لا يخفى.

و أمّا ما في الحدائق فهو مخالف لظاهر ذيل الموثقة إذ الظاهر منها كون حلّيتها من باب أكل الميتة و متقدّرة بقدره.

و بذلك يظهر الإشكال في كلام المستمسك أيضا إذ حلّ الميتة في حال الضرورة أيضا حكم شرعي يحتاج إلى البيان كسائر الأحكام الاضطرارية التي تعرّض لها الكتاب و السنة فلم لا يمكن حمل النصّ عليه؟ نعم حمل كلمات الأصحاب و الإجماعات المحكيّة على مثل ذلك بعيد كما عرفت بل لعلّ المستفاد منها أوسع من ذلك و لكن الشأن في حجيّتها و الاعتماد عليها.

و أمّا ما في المستمسك في خلال الكلام السابق و محصّله: «أنّ صدر الموثّقة هو الكلام الوارد في مقام بيان التحليل و قد تمّ عند قوله: «سعتهم» و بعده كان كلاما منفصلا عن الأوّل و ليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة» «1» ففيه أن الظاهر كون الصدر إشارة إلى آية الخمس فلا ربط له بتحليل الزكاة عند الضرورة

فتدبّر.

و قد تحصّل ممّا ذكرنا أنّه إن كان المستند لحلّ الزكاة لهم الإجماعات المحكيّة و ما حذا حذوها من الوجوه السابقة فالظاهر منها كون الهاشمي حينئذ كغيره في جواز الأخذ بمقدار الكفاية و ظاهرهم كفاية السنة على ما هو المنساق من كلماتهم حيث إنّها هي الميزان في تقدير المؤونات عرفا و في تقسيم الزكوات و الأخماس على ما يظهر من أخبار البابين.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 307.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 354

..........

______________________________

و لو سلّمنا في باب الزكاة جواز الإعطاء زائدا عليها بتوهّم دلالة الأخبار الظاهرة في جواز الإغناء على ذلك فلا يجري في المقام إذ الزكاة هنا عوض عن الخمس و لا يزيد العوض على المعوّض.

و بالجملة فحيث إنّ حلّ الزكاة هنا مشروط بعدم التمكن من الخمس، و الملاك في الخمس مئونة السنة فإن أحرز عدم التمكن منه في تمام السنة جاز له أخذ مئونة السنة و إلّا فبمقدار ما أحرز فيه عدم التمكن منه، و لا محالة يراد به عدم التمكن عرفا فلو فرض حصوله بمشقّة و ذلّ عدّ غير متمكن كما لا يخفى.

و أمّا إن كان المستند في المسألة مؤثقة زرارة السابقة كما هو الظاهر فلا يخفى أنّ المستفاد منها عدم جواز الأخذ إلّا بمقدار الضرورة و سدّ الرمق كما عن كاشف الرموز.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ المتعارف في باب النفقات رعاية نفقة اليوم و الليلة فينصرف إليها الإطلاق و به قال ابن فهد على ما حكي عنه و إليه أشار المصنّف أيضا.

كيف؟! و يبعد جدّا بلوغ حاجتهم إلى حدّ إباحة الميتة بل لا تبلغه حاجة أحد إلّا نادرا في غاية الندرة فلا وجه لتحديد المأخوذ بسدّ الرمق إذ هذا المقدار يجده كلّ شخص

غالبا و التحديد به حرج شديد منفي لا يلائم حكمة تحريم الزكاة التي هي ترفّعهم عن الأوساخ فإنّها لا تقتضي هذا المقدار من التضييق فليحمل التشبيه في الموثقة على التشبيه في أصل التحليل لا مقداره كما مرّ من الحدائق.

و كيف كان فيشكل أخذ الزائد على نفقة اليوم و الليلة.

و لكن في الجواهر: «قال الكركي في حواشي الكتاب: «الأصحّ أنّه يدفع إليه قدر كفايته له و لعياله يوما فيوما، و لو توقّع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه ما يكمل به مئونة السنة عادة دفع إليه ذلك، فلو وجد الخمس في أثناء السنة لم يبعد وجوب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 355

[حكم الزكاة المندوبة للهاشميّ]
[الزكاة المندوبة ليست محرّمة على الهاشميّ]

[المسألة 21]: «المحرّم من صدقات غير الهاشميّ عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة.

و أما الزكاة المندوبة- و لو زكاة مال التجارة- و سائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه،

بل لا تحرم الصدقات الواجبة- ما عدا الزكاتين- عليه أيضا كالصدقات المنذورة و الموصى بها للفقراء و الكفّارات و نحوها كالمظالم

______________________________

استعادة ما بقي من الزكاة.» و نحوه عن حواشيه على الإرشاد.

قيل: و عكس في حواشي القواعد فذكر إعطاءه ما يكفيه لسنة له و لواجبي النفقة عليه إلّا أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة على وجه لا يتوقع معه ضرر فإنّه يعطى تدريجا.

قلت: الأحوط إن لم يكن الأقوى التدريج على كلّ حال حتى مع العلم ببقاء الضرورة عليه إلى تمام السنة لعدم جواز تقدّم المسبّب على السبب ...» «1» انتهى ما في الجواهر.

أقول: الأحوط رعاية ما ذكره من الاحتياط، و التقدير باليوم و الليلة ممّا لا إشكال فيه ظاهرا بعد العلم بتحقق الضرورة في جميع المدّة لمساعدة العرف على ذلك و إن وجب

ردّ الزائد لو فرض التمكن قبل انقضائها.

و أمّا إعطاء الزائد على اليوم و الليلة فمشكل و لو مع العلم بتحقق الضرورة في الأزمنة الآتية و عدم التمكن من الزكاة فيها.

اللّهم إلّا أن يكون الإعطاء و الأخذ لا بعنوان التمليك و التملك فعلا بل بعنوان الأمانة ليتملّكها و يصرفها بعد فعلية الضرورة خارجا فيجوز ذلك إذا لم يوجد للزكاة مصرف فعلي أهم يمكن صرفها فيه فعلا فتدبّر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 411.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 356

إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميّين.

و أمّا إذا كان المالك المجهول الّذي يدفع عنه الصدقة هاشميّا فلا إشكال أصلا.

و لكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه. و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة خصوصا مثل زكاة مال التجارة (1).

______________________________

(1) أقول: هل المحرّم على بني هاشم هي الصدقة مطلقا، أو الواجبة منها مطلقا دون المندوبة، أو الواجبة منها بالأصالة مطلقا دون الواجبة بالعرض كالمنذورة و الموصى بها و المشروطة في عقد لازم و التصدّق باللقطة أو مجهول المالك أو المظالم، أو الزكاة مطلقا دون غيرها من الصدقات و إن كانت واجبة كالهدي و الكفارات، أو خصوص الزكاة الواجبة دون المندوبة منها، أو خصوص الواجب من زكاة المال فلا تحرم زكاة الفطرة أيضا،

أو يفصّل بين النبيّ «ص» و الأئمة المعصومين «ع» و بين غيرهم من بني هاشم فيحرم على النبيّ «ص» و الأئمة «ع» مطلق الصدقات حفظا لحرمتهم و قداستهم كما قيل، و أمّا سائر بني هاشم فيحرم عليهم خصوص الواجبة أو خصوص الزكاة لكونها أو ساخا كما في الحديث أو خصوص الواجبة منها، و أمّا غيرها فيحل لهم بمقتضى العمومات اللّهم إلّا أن يكون في مقام الإهانة

و المهانة كما حكي من إعطاء أهل الكوفة صدقات من التمر و الخبز و الجوز لأهل بيت الحسين «ع» ترحّما و صارت السيدة أمّ كلثوم «ع» تأخذها من أيديهم و ترمي بها إلى الأرض و تقول:

إنّ الصدقة علينا حرام. «1» فتكون اللام إشارة إلى النوع المعهود في ذلك اليوم الملازم للمهانة؟ في المسأله وجوه بل أقوال، و لا بدّ قبل تحقيق المسألة من نقل بعض الأقوال و الكلمات:

______________________________

(1)- البحار 45/ 114، تاريخ الحسين بن علي سيد الشهداء «ع»، باب (39) الوقائع المتأخّرة عن قتله.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 357

[كلمات الفقهاء]

______________________________

1- ففي كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 26): «النبي «ص» كان يحرم عليه الصدقة المفروضة و لا يحرم عليه الصدقة التي يتطوّع بها، و كذلك حكم آله و هم ولد عبد المطلب لأنّ هاشما لم يعقب إلّا منه، و به قال الشافعي أعني في صدقة التطوّع إلّا أنّه أضاف إلى بني هاشم بني المطلب. و له في صدقة التطوّع وجهان في النبيّ خاصّة دون آله. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم فإنّهم لا يختلفون فيه ...» «1»

أقول: ظاهر عبارة الخلاف التفصيل بين كون الصدقة مفروضة أو متطوّعا بها من غير فرق بين الزكاة و غيرها من أنواع الصدقات، اللّهم إلّا أن يدّعى انصراف الصدقة المفروضة إلى الزكاة كما يأتي بيانه.

2- و قال في النهاية: «و لا تحلّ الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة ...

فأمّا ما عدا صدقة الأموال فلا بأس أن يعطوا إيّاها.» «2»

أقول: يمكن أن يقال بانصراف الصدقة الواجبة في الأموال إلى ما شرّعت في نفس الأموال لتطهيرها فلا تشمل الكفارات و الهدي لثبوتهما في ذمّة الشخص.

نعم مقتضى ذلك عدم حرمة زكاة الفطرة

أيضا مع أنّه قال في زكاة الفطرة من النهاية: «و المستحق لها هو كلّ من كان بالصفة التي تحلّ له معها الزكاة، و تحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.» «3» و سيأتي الكلام في ذلك.

3- و في التذكرة: «الصدقة المفروضة محرّمة على النبيّ «ص» إجماعا.

و أمّا المندوبة فالأقوى عندي التحريم أيضا لعلوّ منصبه و زيادة شرفه و ترفّعه فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة لأنّها تسقط المحلّ من القلب.

و لأنّ سلمان الفارسي أتى النبي «ص» فحمل إليه شيئا فقال: ما هذا؟ فقال:

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 353.

(2)- النهاية/ 186.

(3)- النهاية/ 192.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 358

..........

______________________________

صدقة فردّه، ثمّ أتاه به من الغد فقال: هدية فقبله.

و لعموم قوله «ص»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة» و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّها تحلّ كما تحلّ لآله. و الفرق فضيلته عليهم و تميّزه عنهم، و الوجه عندي أنّ حكم الأئمة «ع» حكمه في ذلك.

و أمّا باقي آله فتحرم عليهم الصدقة المفروضة على ما تقدّم. و هل تحلّ المندوبة؟ المشهور ذلك و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين لأنّ عليّا «ع» و فاطمة «ع» وقفا على بني هاشم، و الوقف صدقة.

و روى الجمهور عن الصادق «ع» عن أبيه الباقر «ع» أنّه كان يشرب من سقايات بين مكّة و المدينة فقلت له: تشرب من الصدقة؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.» و يجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء و من النذور.

و عن أحمد رواية بالمنع لعموم قوله «ع»: «إنّا لا تحلّ لنا الصدقة» و الجواب الحمل على المفروضة جمعا بين الأدلّة.

أمّا الكفارة فتحتمل التحريم لأنّها واجبة فأشبهت الزكاة. و الأقوى الجواز للأصل و انتفاء المانع

فإنّها ليست زكاة و لا هي أوساخ الناس.» «1»

أقول: لا يخفى وجود بعض من التهافت في كلامه- قدّس سرّه- لأنّه تارة تمسّك بالحديث النبويّ لعدم حلّية الصدقة المندوبة للنبي «ص» و أخرى حمله على الصدقة المفروضة ردّا لأحمد.

و أفتى تارة بعدم حلّية المندوبة للأئمة «ع» أيضا و أخرى استدل لحلية المندوبة على آله بشرب الإمام الباقر «ع» من السقايات و قوله «ع»: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة» فتأمّل.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 359

..........

______________________________

ثمّ إنّ استدلاله لحلّية المندوبة على الآل بوقف عليّ و فاطمة «ع» على بني هاشم أيضا قابل للمناقشة إذ الكلام في صدقات غير بني هاشم لبني هاشم.

و اعلم أنّ ما ذكره من ردّ النبي «ص» لصدقة سلمان ليس على حقيقته إذ هو «ص» لم يردّها بالكلّية بل قال لأصحابه: كلوا و لم يأكل هو فراجع سيرة ابن هشام و البحار «1» في قصة إسلام سلمان.

و الظاهر أنّ صدقته كانت مندوبة لا زكاة إذ كانت الواقعة في بدو ورود النبي «ص» إلى المدينة و لم يشرّع الزكاة حينئذ.

و في رواية، أنّ التمر الذي أتي به إلى النبي «ص» كان مما استوهبه سلمان من مولاته.

و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا و المعتبر. «2»

4- و في أمّ الشافعي: «و لا يحرم على آل محمد «ص» صدقة التطوّع، إنّما يحرم عليهم الصدقة المفروضة. أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّه كان يشرب من سقايات الناس بمكة و المدينة فقلت له: أ تشرب من الصدقة و هي لا تحلّ لك؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.» «3»

5- و في المغني لابن قدامة: «و يجوز لذي القربى الأخذ من صدقة

التطوّع.

قال أحمد في رواية ابن القاسم: إنّما لا يعطون من الصدقة المفروضة فأمّا التطوّع فلا. و عن أحمد رواية أخرى: إنّهم يمنعون صدقة التطوّع أيضا لعموم قوله «ع»:

«إنّها لا تحلّ لنا الصدقة.»

و الأوّل أظهر فإنّ النبي «ص» قال: «المعروف كلّه صدقة.» متّفق عليه،

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 1/ 233؛ و البحار 22/ 358 و 364، تاريخ نبيّنا «ص»، باب (11) إسلام سلمان، الحديث 2 و 5.

(2)- المنتهى 1/ 525؛ و المعتبر/ 282.

(3)- أمّ الشافعى 2/ 69، كتاب الزكاة، باب العلة في القسم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 360

..........

______________________________

و قال اللّه- تعالى-: «فمن تصدّق به فهو كفارة له.» و قال- تعالى-: «فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.» و لا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي و العفو عنه و إنظاره. و قال إخوة يوسف: «وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنٰا.»

و الخبر أريد به صدقة الفرض لأنّ الطلب كان لها و الألف و اللام تعود إلى المعهود.

و روى جعفر بن محمد عن أبيه أنّه كان يشرب من سقايات بين مكّة و المدينة فقلت له: أ تشرب من الصدقة؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.»

و يجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء و من النذور لأنهما تطوّع فأشبه ما لو وصّى لهم.

و في الكفارة وجهان: أحدهما يجوز لأنها ليست بزكاة و لا هي أوساخ الناس فأشبهت صدقة التطوّع. و الثاني لا يجوز لأنّها واجبة أشبهت الزكاة.» «1»

6- و في المحلّى لابن حزم في فقه الظاهريين من السنة بعد ما سوّى بين بني هاشم و بني المطلب قال: «و لا يحلّ لهذين البطنين صدقة فرض و لا تطوّع أصلا لعموم قوله «ص»: «لا تحلّ الصدقة لمحمد و

لا لآل محمد.» فسوّى بين نفسه و بينهم، و أمّا ما لا يقع عليه اسم صدقة مطلقة فهو حلال لهم كالهبة و العطيّة و الهدية و النّحل و الحبس و الصّلة و البرّ و غير ذلك لأنّه لم يأت نصّ بتحريم شي ء من ذلك عليهم.» «2» هذا.

7- و قال المحقّق في الشرائع: «الوصف الرابع أن لا يكون هاشميّا فلو كان كذلك لم تحلّ له زكاة غيره، ... و يجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي و غيره.» «3»

______________________________

(1)- المغني لابن قدامة 2/ 521.

(2)- المحلى 6/ 147 (المجلد الثالث)، كتاب الزكاة.

(3)- الشرائع 1/ 163 (- طبعة أخرى 1/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 361

..........

______________________________

8- و ذيّل العبارة الأخيرة في الجواهر بقوله: «بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه صريحا و ظاهرا فوق الاستفاضة كالنصوص.» «1»

أقول: و لا يخفى أنّ ظاهر عبارة الشرائع أنّ التفصيل بين الواجبة و المندوبة كان في الزكاة لا مطلق الصدقة. و بحثه و بحث سائر الفقهاء أيضا وقع في كتاب الزكاة فلعلّ من عبّر منهم بلفظ الصدقة أيضا أراد بها خصوص الزكاة كما هو المتعارف في إطلاق كثير من النصوص و كلمات الأصحاب بحيث تنصرف عن مثل الهدي و الكفارات فضلا عمّا وجب بمثل النذر و الوصية و نحوهما فتأمّل.

9- و في المسالك في ذيل عبارة الشرائع قال: «يستثنى منه النبي «ص» فإنّ الأصحّ تحريم الصدقة عليه مطلقا و كذا الأئمة «ع». و في حكم المندوبة لغيرهم المنذورة و الموصى بها، و في الكفارة وجهان أصحّهما جوازها فيختصّ التحريم بالزكاتين.» «2»

10- و في الجواهر أيضا: «ثمّ إنّه قد يظهر من جماعة

كالسيد و الشيخ و المصنف و الفاضل في جملة من كتبه إلحاق جميع الصدقات الواجبة بالزكاة كالكفارة و نحوها، بل ربّما ظهر من الثلاثة في الانتصار و الخلاف و المعتبر الإجماع عليه،

بل صرّح بعضهم بأنّ من ذلك الصدقة الواجبة بالنذر و أخويه، و آخر الصدقة الموصى بها، و ثالث الهدي الواجب، و ربّما كان مقتضى ذلك حرمة ردّ المظالم الواجبة عليهم ضرورة كونها كالواجبة بالعارض بنذر و وصية و نحوهما.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 413.

(2)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 362

..........

______________________________

لكنّه لا دليل صالح لذلك، إذ الإجماع المحكىّ- مع أنّا لم نتحقق الإطلاق من معقده ...- موهون بمصير جماعة من المتأخرين كالفاضل في القواعد و المقداد في التنقيح و الكركي في جامعه و ثاني الشهيدين في الروضة و المسالك و سبطه في المدارك إلى خلافه، و إطلاق كثير من أخبار الصدقة منساق إلى الزكاة.» «1» هذا.

و قد اتسع نقل الكلمات في المقام، و الغرض إحاطة القارئ إجمالا بكلمات الفريقين فإنّ المسألة واسعة النطاق، و الابتلاء بها في غاية الكثرة، و تعرّض لها علماء الفريقين بالتفصيل. و ربّما عقدوا مسألتين: مسألة في شخص النبيّ «ص» و مسألة أخرى في آله.

[مقتضى العمومات و الإطلاقات الواردة في مصارف الزكوات]

و لا يخفى أنّ مقتضى العمومات و الإطلاقات الواردة في مصارف الزكوات و الكفارات و الصدقات جواز إعطائها لبني هاشم أيضا مطلقا فلا بدّ للتخصيص في كلّ باب من أن يرجع إلى أدلّة الاستثناء و مقدار دلالتها فإن كان لها عموم أو إطلاق حكّم على عموم الفوق و إطلاقه و إلّا وجب الاقتصار على القدر المتيقّن حذرا من التخصيص الزائد، و لا وجه لقياس بعض على بعض لعدم اعتباره عندنا. هذا.

و موضوع التحريم في نهاية

الشيخ: «الصدقة الواجبة في الأموال». و في الخلاف و التذكرة و المنتهى و المغني لابن قدّامة: «الصدقة المفروضة». و في المقنعة:

«الزكاة الواجبة.» و في الشرائع و النافع و الوسيلة: «الزكاة». «2» و لعلّ هذا ظاهر أكثر الكتب حيث تعرّضوا للمسألة في شرائط المستحقّين للزكاة. فهذه نماذج من الفتاوى فلم يذكر فيها مطلق الصدقة.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 411.

(2)- النهاية/ 186؛ الخلاف 2/ 227؛ التذكرة 1/ 235؛ المنتهى 1/ 524؛ المغني 2/ 519؛ المقنعة/ 40 الشرائع 163 (ط. أخرى/ 124)؛ النافع/ 60؛ الوسيلة راجع الجوامع الفقهية/ 681 (ط. أخرى/ 717).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 363

[الأخبار الواردة في هذا المجال]

______________________________

و أمّا الأخبار ففي صحيحة الفضلاء عن رسول اللّه «ص»: «إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس ... و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب.» «1»

و في صحيحة عيص بن القاسم أنّه «ص» قال: «يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم.» «2»

و عن صحيفة الرضا عن رسول اللّه «ص»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة.» «3»

و في رواية زيد بن أرقم عن رسول اللّه «ص»: «إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لأهل بيتي.» «4»

و في صحيح مسلم عنه «ص»: «أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟» «5»

و فيه أيضا عنه «ص»: «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنّما هي أوساخ الناس.» «6»

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم.» «7»

و في رواية إبراهيم الأوسي عن الرضا «ع» أنّ رجلا قال لأبيه: «أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى.» «8»

و في الفقيه عن الصادق «ع»: «فالصدقة علينا حرام.» «9» الى غير ذلك من

الأخبار.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(4)- المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(5)- صحيح مسلم 2/ 751، الباب 50 من كتاب الزكاة، الحديث 161.

(6)- صحيح مسلم 2/ 753، الباب 51 من كتاب الزكاة، الحديث 167.

(7)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(8)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(9)- الوسائل 6/ 187، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 364

..........

______________________________

فهذه عمدة أخبار المسألة المرويّة عن الفريقين، و المذكور فيها لفظ الصدقة بإطلاقها و إن كان المورد لكثير منها الزكاة و لكن المورد لا يخصّص.

فلو كنّا نحن و هذا السنخ من الأخبار كان الواجب القول بتحريم مطلق الصدقة على بني هاشم و إن كانت مندوبة كما عرفت القول به عن ابن حزم في المحلّى، و في رواية عن أحمد.

اللّهم إلّا أن يدّعى أنّ لفظ الصدقة في تلك الأعصار كان ينصرف إلى خصوص الزكاة ألا ترى أنّ قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» و قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ الآية.» و قوله: «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ الآية» «1» كان يراد بالصدقة فيها بمقتضى الأخبار الواردة في تفسيرها الزكاة.

و يؤيد ذلك اشتمال بعض ما مرّ من الأخبار على التعليل بأنها أوساخ الناس إذ فيه إشارة إلى التطهير المذكور في الآية.

و النبي «ص» كان يطالب الزكوات و يبعث العاملين لجبايتها، و في هذا المجال جاء بعض

بني هاشم فطلبوا منه أن يستعملهم على الصدقات فقال:

«يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» «2» فتكون اللام إشارة إلى ما كان يطلبه من الزكوات كما مرّ من ابن قدامة.

و كيف كان فالمشهور اختصاص التحريم بالصدقة الواجبة و عدم حرمة المندوبة بل عرفت من الجواهر دعوى الإجماع عليه بقسميه و عدم الخلاف فيه بيننا.

و يدلّ على ذلك مضافا إلى ذلك و إن كان الاعتماد عليه مشكلا أخبار مستفيضة:

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآيات 103، 60، 58.

(2)- الوسائل 6/ 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 365

..........

______________________________

1- خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: «هي الزكاة»، قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال: «نعم.» «1»

و ظاهره التعميم لزكاة الفطرة و للزكاة المندوبة أيضا، و الانصراف إلى الواجبة بدوي لا اعتبار به اللّهم إلّا أن يقيّد بسبب الروايات الآتية.

و إسماعيل بن الفضل ثقة من أولاد نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و لكن في السند ضعف لوجود الإرسال في طريق الكليني، و القاسم بن محمد الجوهري في طريق الشيخ واقفي لم يوثّق.

2- خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال: هي الزكاة المفروضة و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض.» «2»

و ظاهره الحصر في الزكاة المفروضة و التعميم للفطرة أيضا، و لكن في السند مفضل بن صالح و هو ضعيف.

3- ما عن كتاب حسين بن عثمان بن شريك برواية ابن أبي عمير عنه و عن غير واحد عن عبد اللّه بن شيبان (سنان-

ظ.) عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّما حرّم على بني هاشم من الصدقة الزكاة المفروضة على الناس» ثمّ قال: «لو لا هذا لحرمت علينا هذه المياه التي فيما بين مكّة و المدينة.» «3»

4- رواية جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، هذه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- المستدرك 1/ 524، الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 366

..........

______________________________

المياه عامّتها صدقة.» «1» و جعفر بن إبراهيم من أحفاد عبد اللّه بن جعفر الطيّار ثقة فالسند لا بأس به.

و الظاهر أنّ كلامه «ع» ناظر إلى الزكاة التي اتّضح وجوبها على عامّة الناس و عمّت البلوى بها و عدّت في الشرع في عداد الصلاة و غيرها من دعائم الإسلام، و منصرف جدّا عن مثل الكفّارات الواجبة على فريق خاصّ عند حدوث أسباب خاصّة، فضلا عمّا يعرض لها الوجوب أحيانا بالنذر و الوصية و نحوهما فتدبّر.

قال في الجواهر: «و لا يخفى على من رزقه اللّه- تعالى- فهم لسانهم- عليهم السلام- و معرفة إشاراتهم كون المحرّم الزكاة خاصّة، فتقيّد بذلك تلك النصوص المعلوم عدم إرادة مطلق الصدقات منها لخروج صدقة الهاشمي و و الصدقة المندوبة و نحو ذلك، كما أنّه لا يخفى من قرائن كثيرة اعتبار هذه النصوص فلا يقدح ضعف أسانيدها.» «2»

5- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن

أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «لو حرّمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة لأنّ كلّ ماء بين مكّة و المدينة فهو صدقة.» «3» و يحتمل اتحاد هذا الخبر مع ذيل الخبر الذي قبله فإنّ الراوي عن جعفر بن إبراهيم في ذلك الخبر هو عبد الرحمن بن الحجاج و على هذا فسقط جعفر من سند هذا الخبر فتدبّر.

6- و قد مرّ عن أمّ الشافعي قوله: «أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» أنّه كان يشرب من سقايات الناس بمكّة و المدينة فقلت له: أ تشرب من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 189، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الجواهر 15/ 413.

(3)- الوسائل 6/ 188، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 367

..........

______________________________

الصدقة و هي لا تحلّ لك؟ فقال: «إنّما حرمت علينا الصدقة المفروضة.» «1»

و من المظنون أنّه أراد بإبراهيم بن محمد إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني الذي كان يروي كثيرا عن الصادقين «ع» و ضعّفه العامّة و قالوا إنّه كان رافضيا غير أنّ الشافعي كان يروي عنه كثيرا و كان يعتمد عليه و هو عندنا ممدوح حسن بل يظهر من البعض توثيقه فراجع حاله في رجال المامقاني و في تهذيب التهذيب لابن حجر.

و بالجملة فمقتضى هذه الأخبار المستفيضة بعد إرجاع بعضها إلى بعض و تقييد المطلق منها بالمقيّد اختصاص الحرمة بالزكاة الواجبة و هي التي عبّر عنها بالأوساخ اقتباسا من التطهير المذكور في الآية الواردة في أخذ الزكاة.

و لعلّ الإنسان يطمئن إجمالا بصدور بعض هذه الأخبار مضافا إلى ما مرّ من نقاوة السند في بعضها.

و المشهور أيضا حصروا التحريم في

الزكاة أو في الصدقة الواجبة، و قد عرفت أنّ المتبادر منها خصوص الزكاة الواجبة، فالأخبار الدالّة على تحريم الصدقة عليهم بإطلاقها لم تبق على إطلاقها الأوّل فتدبّر. هذا.

[الاستدلال بأنّها تعاون على البرّ و التقوى]

و ربّما يستدلّ لعدم حرمة الصدقة المندوبة لهم مضافا إلى ما مرّ: بأنّها تعاون على البرّ و التقوى فيكون سائغا لقوله- تعالى-: «وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ.»

و ما رواه الجمهور عن علي و فاطمة- عليهما السلام- إنّها وقفا على بني هاشم، و الوقف صدقة.

و لا خلاف في جواز معونتهم و العفو عنهم و غير ذلك من وجوه المعروف و قد قال- عليه السلام-: «كلّ معروف صدقة.» هكذا استدل في المنتهى. «2»

______________________________

(1)- أمّ الشافعي 2/ 69، كتاب الزكاة، باب العلة في القسم.

(2)- المنتهى 1/ 525.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 368

..........

______________________________

أقول: لا يخفى ما في الاستدلال بوقف عليّ و فاطمة من النقاش إذ الكلام في صدقة غير الهاشمي للهاشمي.

و في المنتهى أيضا: «و يستحبّ الصدقة على بني هاشم خصوصا العلويين لشرفهم على غيرهم.» «1»

و في التذكرة: «و الصدقة المندوبة على بني هاشم أفضل خصوصا العلويين.» «2»

و استدل لذلك ببعض الأخبار الواردة في إعانة الذرية.

و تبعه على ذلك في مجمع الفائدة و استدل بالأخبار الواردة في صلة الإمام و إعانة الذرية و اصطناع المعروف إليهم. «3»

1- مثل ما في الفقيه: «سئل الصادق «ع» عن قول اللّه- عز و جل-: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً.»* قال: «نزلت في صلة الامام.» «4»

2- و قال «ع»: «درهم يوصل به الإمام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل اللّه.» «5»

3- و خبر عيسى بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«من صنع

إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته به يوم القيامة.» «6»

4- و ما عن الكليني بسنده عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

قال رسول اللّه «ص»: «أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاؤوا بذنوب

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 544.

(2)- التذكرة 1/ 251.

(3)- مجمع الفائدة 4/ 181- 183.

(4)- الفقيه 2/ 42 (- طبعة أخرى 2/ 72)، كتاب الزكاة، باب ثواب صلة الإمام «ع»، الحديث 1763.

(5)- الفقيه 2/ 42 (- طبعة أخرى 2/ 73)، كتاب الزكاة باب ثواب صلة الإمام «ع»، الحديث 1764.

(6)- الوسائل 11/ 556، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 369

..........

______________________________

أهل الدنيا: رجل نصر ذريّتي، و رجل بذل ماله لذريّتي عند الضيق، و رجل أحبّ ذريتي باللسان و القلب، و رجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شرّدوا.» «1»

5- و ما عن الصدوق قال: قال الصادق «ع»: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيّها الخلائق أنصتوا فإن محمدا «ص» يكلّمكم، فتنصت الخلائق فيقوم النبي «ص» فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بآبائنا و أمهاتنا و أيّ يد و ايّ منة و أيّ معروف لنا؟ بل اليد و المنّة و المعروف للّه و لرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك فيأتي النداء من عند اللّه- تعالى- يا محمد يا حبيبى قد جعلت مكافاتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت قال: فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد و أهل بيته.»

«2»

أقول: في ذيل الفقيه عن القاموس: «الوسيلة و الواسلة: المنزلة عند الملك و الدرجة و القربة.»

و عن معاني الأخبار عن النبي «ص» أنّه قال: «الوسيلة هي درجتي في الجنة و هي ألف مرقاة.» «3»

6- و عن الصادق «ع» عن آبائه قال: قال رسول اللّه «ص»: «من وصل أحدا من أهل بيتي في دار الدنيا بقيراط كافيته بقنطار.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 556، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 556، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 3؛ و الفقيه 2/ 36 (- طبعة أخرى 2/ 65)، كتاب الزكاة، الباب 18، الحديث 1727.

(3)- معاني الأخبار/ 116 (الباب 49)، باب معنى الوسيلة.

(4)- الوسائل 11/ 558، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 370

..........

______________________________

7- و عن أبان بن تغلب عن الباقر «ع» عن أبيه عن جدّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «من أراد التوسّل إليّ و أن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل على أهل بيتي و يدخل السرور عليهم.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

أقول: قد استدل بهذا القبيل من الأخبار في مجمع الفائدة. «2» و شمول إطلاق بعضها للتصدق عليهم و إن كان واضحا، و لكن كونها بحيث تقاوم إطلاق الأخبار الدالة على تحريم الصدقة عليهم قابل للمناقشة، إذ بين الطائفتين عموم من وجه و مورد تعارضهما الصدقات المندوبة.

و يمكن حمل جميع هذه الأخبار على مثل الهدايا و الصلات و الصرف في حاجاتهم. و هذه العناوين تغاير عنوان الصدقة المبنيّة على الترحّم من العالي على الداني بقصد القربة.

قال في المنتهى في مقام الإشكال على من أحلّ الصدقة

المندوبة للنبي «ص» و استدل بأنّه كان يقترض و يقبل الهدية و كل ذلك صدقة لقوله «ص» كلّ معروف صدقة قال:

«و فيه نظر لأنّ المراد بالصدقة المحرّمة ما يدفع من المال إلى المحاويج على سبيل سدّ الخلّة و مساعدة الضعيف طلبا للأجر، لا ما جرت العادة بفعله على سبيل التودّد كالهدية و القرض، و لهذا لا يقال للسلطان إذا قبل هدية بعض رعيّته أنّه تصدّق منه.» «3»

و على هذا فما يمكن أن تقاوم الأخبار المطلقة المانعة و تخصّصها هو ما مرّ من

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 558، الباب 17 من أبواب فعل المعروف، الحديث 7.

(2)- مجمع الفائدة 4/ 182.

(3)- المنتهى 1/ 525.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 371

..........

______________________________

الأخبار الشارحة لها المفسرة إياها بالزكاة و الصدقة الواجبة. هذا.

[الأخبار التي يظهر منها حرمة الصدقة و لو كانت مندوبة و الجواب عنها]

و لكن يعارض هذه الأخبار المفسّرة ظاهر أخبار أخر ربّما يظهر منها حرمة الصدقة و لو كانت مندوبة أيضا:

1- خبر إبراهيم بن محمد بن عبد اللّه الجعفري المرويّ عن قرب الإسناد قال:

كنّا نمرّ و نحن صبيان فنشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة، فدعانا جعفر بن محمد «ع» فقال: «يا بنيّ لا تشربوا من هذا الماء و اشربوا من مائي.» «1»

و إبراهيم بن محمد هذا أيضا من أحفاد جعفر الطيار و لكن لم يرد له توثيق، قال المامقاني: «و يمكن استفادة وثاقته من كونه أحد الشهود المذكورين في وصية الكاظم «ع».» «2» و في السند أيضا محمد بن علي بن خلف العطّار و هو مجهول.

و يمكن الجواب عن الخبر على فرض صحّته بأنّه حكم في واقعة خاصّة فلا يدلّ على حكم كلّي فلعلّ الماء المنهي عنه كان قد اشتري من الزكاة، أو أن التمر الملقى فيه عادة كان

منها، أو لعلّ كلامه «ع» كان إرشادا إلى رجحان مائه لا تحريما للماء الآخر، أو كان النهي للكراهة، و الصبيان لا تكليف لهم حتى يحمل نهيهم على التحريم اللّهم إلّا أن يقال: إن الأولياء يجب عليهم نهي الصبيان عن التصرف فيما لا يحلّ.

2- ما عن قرب الإسناد أيضا عن البزنطي عن الرضا «ع» قال: سألته عن الصدقة تحلّ لبني هاشم؟ فقال: «لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم» فقلت: جعلت فداك إذا خرجت إلى مكّة كيف تصنع بهذه المياه المتّصلة بين مكّة و المدينة و عامّتها صدقة؟ قال: سمّ فيها شيئا، قلت: عين ابن بزيع و غيره،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 188، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- تنقيح المقال 1/ 31.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 372

..........

______________________________

قال: «و هذه لهم» «1»

إذ الظاهر من الحديث تحريم الصدقة المندوبة و سهم سبيل اللّه أيضا إذا كانت الصدقة من غيرهم.

و يمكن أن يجاب عن ذلك أولا: بأن المخاطب فيه شخص الإمام و من الممكن حرمة المندوبة أيضا للنبي «ص» و الأئمة «ع».

و ثانيا: بأنّ إثبات الشي ء لا يوجب نفي غيره فلعلّ بعض المياه كان وقفا على بني هاشم من قبل أنفسهم و بعضها أيضا كان من الصدقات المندوبة، و كلّ منهما كان حلالا لهم و لكن السائل لمّا ذكر ما كان مصداقا للأوّل أجابه الإمام «ع» بما كان يوافقه فتأمّل.

و كيف كان فلا يقاوم الحديث الأخبار المستفيضة السابقة.

3- ما مرّ من خبر العرزمي عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال: «لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض.» «2»

إذ الظاهر منه حصر المستثنى

في أمرين لا ثالث لهما.

و فيه مضافا إلى ضعف السند أن ظهور الاستثناء في الحصر لا يقاوم ظهور الأخبار الماضية في حصر التحريم في الصدقة الواجبة فلعلّ الحصر هنا إضافي فيراد أن الصدقة الواجبة التي تحرم عليهم لا تحلّ لهم إلّا في هذين الوجهين فتأمّل.

4- ما عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحلّ الصدقة لي و لا لأهل بيتي، إنّ الصدقة أوساخ الناس» فقيل لأبي عبد اللّه «ع»: الزكاة التي

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 191، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 373

..........

______________________________

يخرجها الناس من ذلك؟ قال: «نعم قد عوّضنا اللّه في ذلك الخمس.» «1»

إذ الظاهر من السؤال و الجواب كون المحرّم أعمّ من الزكاة، و الإمام «ع» قرّر السائل على ذلك.

و يمكن أن يجاب عن ذلك مضافا إلى عدم حجية المرسل أوّلا، بأن شموله للصدقات المندوبة ليس إلّا بالإطلاق فلا يقاوم ما دلّ على اختصاص التحريم بالصدقات الواجبة.

و ثانيا، باحتمال إرادة التعميم بالنسبة إلى شخص النبي «ص» و الأئمة من أهل بيته و لا نأبى عن القول بالحرمة المطلقة بالنسبة إليهم كما مرّ عن العلّامة في التذكرة الإفتاء به و سيأتي البحث فيه.

5- ما في مرفوعة أحمد بن محمد من قوله: «و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد «ع» الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس.» «2» إذ الظاهر من العطف المغايرة و لو بالعموم و الخصوص فيكون المحرم أعم من الزكاة.

و فيه أوّلا عدم حجّية الخبر الذي لا يعلم فيه الراوي

و لا المرويّ عنه.

و ثانيا، ما مرّ من أنّ دلالته على تحريم الصدقة المندوبة ليس إلّا بالإطلاق و هو لا يقاوم ما دلّ على اختصاص التحريم بالصدقة الواجبة.

نعم يشكل الأمر حينئذ في الواجبة غير الزكاة كالكفّارات و الهدي و نحوهما.

6- ما في نهج البلاغة: «فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرّم علينا

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 259، كتاب الزكاة باب دفع الصدقات، و المستدرك 1/ 524، الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 374

..........

______________________________

أهل البيت؟ فقال: لا ذا و لا ذاك و لكنها هدية.» «1» إذ ظاهره حرمة الزكاة و الصدقة كلتيهما بل حرمة الصلة أيضا إذ صلته كانت بعنوان الرشوة كما يظهر من ذيل كلامه «ع» فراجع.

و فيه أن أشعث بن قيس قد بعث الملفوفة لشخص أمير المؤمنين «ع» و لعلّه «ع» أراد بأهل البيت خصوص الأئمة «ع».

و بالجملة فهذه الروايات لا تقاوم ما مرّ من الأخبار الدالّة على اختصاص الحرمة بالصدقات المفروضة المجمع عليها عند أصحابنا و قد أمرنا في الخبرين المتعارضين أن نأخذ بالمجمع عليه بين أصحابنا.

تكميل:

قد اتضح ممّا ذكرنا بطوله أنّ القدر المتيقّن المقطوع به من الأخبار و الفتاوى فيما يحرم من غير الهاشمي على الهاشمي إنّما هي زكاة المال الواجبة.

كما لا إشكال عندنا في عدم حرمة الصدقات المندوبة بالنسبة إلى غير النبي «ص» و الأئمة المعصومين «ع»، و ادعى في الجواهر على ذلك الإجماع بقسميه و عدم الخلاف كما مرّ.

نعم هنا أمور ربّما وقع البحث فيها:

الاول: زكاة الفطرة.

الثاني: الزكوات المندوبة كزكاة مال التجارة مثلا.

الثالث: الصدقات الواجبة بالأصالة غير الزكاة كالهدي و الكفارات.

______________________________

(1)-

نهج البلاغة، عبده 2/ 244؛ لح/ 347، الخطبة 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 375

..........

______________________________

الرابع: الصدقات المندوبة التي وجبت لعارض كالنذر و الوصية و الإجارة و نحو ذلك و منها اللقطة و المظالم و مجهول المالك.

الخامس: الصدقات المندوبة لشخص النبي «ص» و الأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم اجمعين-.

فلنتعرض لهذه الأمور في مسائل:

[مسائل]
المسألة الأولى: هل تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي؟

ربّما يظهر من بعض الكلمات دعوى الإجماع على ذلك.

و قد مرّ عن الشيخ في فطرة النهاية قوله: «و المستحق لها هو كلّ من كان بالصفة التي تحلّ له معها الزكاة، و تحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.» «1»

و قد استفاضت عبارات فقهائنا بأنّ مصرف زكاة الفطرة مصرف زكاة المال، و لعلّ الظاهر من هذا التعبير اتحادهما في المستحقين و في شرائطهم فتأمّل.

و لكن قال في الجواهر في المقام: «بل لو لا ما يظهر من الإجماع على اعتبار اتحاد مصرف زكاة المال و زكاة الفطرة بالنسبة إلى ذلك، لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة، اقتصارا على المنساق من هذه النصوص من زكاة المال، خصوصا ما ذكر فيه صفة التطهير للمال الشاهد على كون المراد من غيره ذلك أيضا، و كيف كان فالذي يقوى الجواز مطلقا و إن كان الأحوط خلافه.» «2»

أقول: فيظهر منه الترديد في المسألة بل قوّى الجواز أخيرا و إن احتمل رجوع الأخير إلى الصدقات الواجبة لا زكاة الفطرة.

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 192.

(2)- الجواهر 15/ 413.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 376

..........

______________________________

و كيف كان فقد مرّ في خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي تفسير الصدقة التي حرمت على بني هاشم بالزكاة و في خبري الشحام و ابن سنان بالزكاة المفروضة، و في صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي بالصدقة الواجبة على الناس و

أنت ترى انطباق هذه العناوين بأجمعها على زكاة الفطرة أيضا لاستفاضة الأخبار بإطلاق الزكاة عليها و كونها مشمولة لآيات الزكاة:

1- ففي صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق «ع» قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنّما كانت الفطرة.» «1»

2- و في خبر إسحاق بن المبارك قال: سألت أبا إبراهيم «ع» عن صدقة الفطرة أ هي ممّا قال اللّه: أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة؟ فقال: «نعم.» «2»

3- و في خبر إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن قول اللّه- عز و جل-: «وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ.»* قال: «هي الفطرة التي افترض اللّه على المؤمنين.» «3»

4- و في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن «ع» قال: سألته عن صدقة الفطرة أ واجبة هي بمنزلة الزكاة؟ فقال: «هي ممّا قال اللّه: «أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ»*، هي واجبة.» «4»

5- و في رواية زرارة عن أبي جعفر «ع»: «و هي الزكاة التي فرضها اللّه على المؤمنين مع الصلاة» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 220، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 222، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.

(3)- الوسائل 6/ 222، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.

(4)- الوسائل 6/ 222، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

(5)- الوسائل 6/ 235، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 377

..........

______________________________

و بالجملة فالظاهر كون زكاة الفطرة في المقام كزكاة المال.

و ربّما يؤيّد ذلك أنّ الظاهر من الأخبار أنّ الحكمة لحرمة زكاة المال عليهم كونها أوساخا للناس باعتبار كونها مطهرة لأموالهم و نفوسهم فلا تناسب لشئون ذرية النبي «ص» و نظير هذه الحكمة

توجد في زكاة الفطرة أيضا إذ الظاهر من بعض الأخبار كونها لحفظ الخلقة و دفع البلاء عنها ففي موثقة معتّب مولى الإمام الصادق «ع» أنّه قال له: «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و أعط عن الرقيق و أجمعهم و لا تدع منهم أحدا فإنّك إن تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت، قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت.» «1»

و لأجل ذلك يمكن القول أيضا بحرمة الصدقات المندوبة التي ربّما توضع تحت رءوس المرضى و المعلولين و تدفع بقصد رفع البلاء عنهم فإنّ في مثل ذلك إهانة بسلالة النبي «ص»، و لعلّ صدقات أهل الكوفة لأهل بيت الحسين «ع» أيضا كانت من هذا القبيل و لذا أخذتها و طرحتها أمّ كلثوم «ع».

المسألة الثانية: هل الزكوات المندوبة كزكاة مال التجارة و نحوها بحكم الزكاة الواجبة

أو بحكم الصدقات المندوبة؟ وجهان.

ربّما يستدلّ للأوّل بما مرّ من خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: «هي الزكاة» «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 377

و بأنّ تعليل الحرمة في بعض الأخبار بأنّها أوساخ الناس شامل لها. كيف؟! و قد أفتى بعض أصحابنا و أكثر فقهاء السنة بوجوبها فيعلم بذلك أنّها تكون من

______________________________

(1)- الكافي 4/ 174، كتاب الصيام، باب الفطرة، الحديث 21.

(2)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 378

..........

______________________________

سنخ الزكوات الواجبة. و قد احتاط فيها بالاحتياط الوجوبي السيّدان العلمان:

الأستاذ آية اللّه البروجردي و آية اللّه الشاهرودي- طاب ثراهما- في حاشيتهما على العروة. هذا.

و لكن يمكن أن يجاب عن ذلك بأن الخبر

مضافا إلى ضعفه يقيّد الإطلاق فيه بالروايات المفسرة للصدقة التي تحرم عليهم بالزكاة المفروضة أو بالصدقة الواجبة فراجع ما مرّ من روايات الشحام و ابن سنان و جعفر بن إبراهيم الهاشمي. و كون الزكوات المندوبة أوساخا أوّل الكلام إذ هذا التعبير ناظر إلى الآية الشريفة و الأمر في الآية للوجوب. و إيجاب البعض لها لا ينفع من لا يقول بوجوبها. و قد مرّ من الجواهر دعوى الإجماع بقسميه و عدم الخلاف في حلّية المندوبة مطلقا.

المسألة الثالثة: هل الصدقات الواجبة بالأصالة كالهدي و الكفارات حكمها حكم الزكاة الواجبة أم لا؟

ربّما يستدلّ للأوّل مضافا إلى إطلاق ما دلّ على حرمة الصدقة عليهم بنحو الإطلاق بصحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له:

أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا.» «1»

و بما مرّ من قوله «ع» في مرفوعة أحمد بن محمد: «لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة.» «2»

و ما في نهج البلاغة من قوله «ع»: «أصله أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 189، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

(3)- نهج البلاغة، عبده 2/ 244؛ لح/ 347، الخطبة 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 379

..........

______________________________

حيث يستفاد منهما حرمة غير الزكاة أيضا إجمالا فينطبق لا محالة على الصدقات الواجبة لما مرّ من الدليل على عدم حرمة المندوبة.

و إن شئت قلت: العمومات و الإطلاقات الدالّة على حرمة الصدقة عليهم مطلقا يشملها و لم يثبت لها مخصّص بالنسبة إلى المقام.

و يمكن أن يجاب عن ذلك أوّلا بما مرّ من كون كلامه «ع» في الصحيحة ناظرا بحسب الظاهر إلى الزكاة الواجبة على عامّة الناس

و منصرف عمّا ربّما يجب عند حدوث أسباب خاصّة.

و ثانيا: بتقييد الصدقة الواجبة فيها بالزكاة الواجبة بمقتضى خبري الشحام و ابن سنان حملا للمطلق على المقيّد.

و المرفوعة لا حجية لها بعد ما لم يعلم الراوي لها و لا المروي عنه.

و لعلّ أهل البيت في نهج البلاغة يراد بهم خصوص الأئمة «ع». هذا.

و لكن لا يترك الاحتياط في الصدقات الواجبة بالأصالة بالترك فتدبّر.

المسألة الرابعة: بعد البناء على حرمة الصدقات الواجبة غير الزكاة فهل يلحق بها المندوبة الواجبة بالعرض أيضا

كالمنذورة و الموصى بها و اللقطة و المظالم و نحو ذلك أم لا؟

قد يقال بالإلحاق بتقريب أنّ الصدقة و إن كانت بالذات مندوبة و لكنّها تكتسب الوجوب من النذر و أمثاله فيشملها عنوان الصدقة الواجبة. هذا.

و لكن الظاهر عدم صحّة ذلك إذ الوجوب في أمثال ذلك لم يتعلّق بعنوان الصدقة بل بعنوان الوفاء بالنذر أو الإجارة أو العمل بالوصية أو النيابة عن الغير و نحو ذلك.

و عنوان الصدقة ليس إلّا موردا للأمر الندبي و التعبّد إنّما يكون بهذا الأمر

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 380

..........

______________________________

الندبي الثابت قبل طروّ هذه العناوين حتى إن المتصدق في المظالم و مجهول المالك أيضا لا يقصد إلّا امتثال الأمر الندبي المتوجه إلى المالك بما أنّه نحو إيصال لماله إليه، نظير ما إذا وكّله في التصدق بماله من قبله فإن المتصدّق يقصد امتثال الأمر الندبي المتوجّه إلى الموكّل.

كيف؟! و الأمر الندبي داع إلى تحقّق هذه العناوين و محقّق لصحّتها، و المعلول لا يقتضي ارتفاع علّته.

و لو نذر أحد أن يتصدّق على هاشمي محتاج أو أوصى بذلك فهل يجب الوفاء بهذا النذر و العمل بهذه الوصية أو يحرم التصدّق عليه لذلك بعد ما كان جائزا و مندوبا إليه قبل النذر و الوصية؟ هذا.

و يظهر من الشيخ الأعظم في زكاته

التفصيل بين الصدقة المنذورة و الصدقة الموصى بها من مال الميّت و أنّ الأولى تصير واجبة بالعرض دون الثانية قال: «ثمّ لو قلنا بحرمة الواجبة و لو بالعرض فالظاهر أنّ الموصى بها غير داخل لأنّه إنّما وجب التصدّق على الوصيّ من حيث وجوب الوفاء بما أوصى به الغير فيجب عليه إيجاد التصدّق الذي أوصى به الميّت، و لا ريب أنّه في نفسه لم يكن واجبا.

و الفرق بينه و بين الصدقة المنذورة أنّ في المنذورة يعرض الوجوب لأجل الصدقة، و أمّا في الموصى بها فالوجوب إنما يتعلّق بقيام الوصيّ بالأمر المندوب الذي أوصى به فهو كالتصدق الذي أمر به المولى و غيره ممّا يطاع. نعم لو أوصى الميت بالتصدق لا من ماله بل من مال الوصيّ و قبل الوصيّ و قلنا بوجوبه بالقبول كانت بحكم المنذورة وفاقا للمحكي عن المحقّق و الشهيد الثانيين لأنّ الواجب دفع المال صدقة عن صاحبه.» «1»

أقول: كلّما تدبّرت في كلامه- قدّس سرّه- لم يظهر لي فرق بين النذر و

______________________________

(1)- كتاب الطهارة، زكاة الشيخ/ 512، (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 381

..........

______________________________

الوصية و لا بين صورتي الوصية إذ في الجميع تكون الصدقة بعنوانها مندوبة و إنّما الواجب هو الوفاء بالنذر بما هو نذر و العمل بالوصية بما هي وصية فتدبّر.

المسألة الخامسة: بعد ما مرّ منّا من عدم حرمة الصدقة المندوبة على بني هاشم فهل تحرم هي على النبي «ص» و الأئمة «ع» أم لا؟

و المسألة و إن لم تكن مبتلى بها لنا و لكن لمّا تعرّض لها الأصحاب هنا نتعرّض لها إجمالا فنقول:

1- قد مرّ عن الشيخ في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 26) قوله:

«النبي «ص» كان يحرم عليه الصدقة المفروضة و لا يحرم عليه الصدقة التي يتطوّع بها، و كذلك حكم آله ... دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

و ظاهره رجوع

دعوى الإجماع إلى جميع المسألة حتّى عدم حرمة المندوبة عليه «ص» أيضا

2- و في المعتبر: «و هل تحرم المندوبة على النبي «ص»؟ قال علمائنا: لا تحرم و على ذلك أكثر أهل العلم. و للشافعي و أحمد قولان: أحدهما التحريم لما روي أنّه «ص» كان يقبل الهدية و لا يقبل الصدقة. و قال: «إنّي لأجد التمرة ساقطة فلا أكلها أخشى أن تكون صدقة» و قوله «ص»: «لا تحلّ لنا الصدقة.»

لنا قوله «ع»: «كلّ معروف صدقة» و قد كان يستقرض المال و يهدى له و كلّ ذلك صدقة.

و ربّما فرّق قوم بين ما يخرج على سبيل سدّ الخلّة و مساعدة الضعيف طلبا للأجر و بينما جرت العادة بالتردّد (بالتودّد- ظ.) كالقرض و الهدية.» «2»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 353.

(2)- المعتبر/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 382

..........

______________________________

أقول: ظاهر عبارته أيضا إجماع أصحابنا على عدم التحريم.

3- و لكن مرّ عن التذكرة قوله: «الصدقة المفروضة محرّمة على النبي «ص» إجماعا.

و أمّا المندوبة فالأقوى عندي التحريم أيضا لعلوّ منصبه و زيادة شرفه و ترفّعه فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة لأنّها تسقط المحلّ من القلب،

و لأن سلمان الفارسي أتى النبي «ص» فحمل إليه شيئا فقال: ما هذا؟. فقال:

صدقة فردّه، ثمّ أتاه به من الغد فقال: هدية فقبله،

و لعموم قوله «ع»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة» و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني أنّها تحلّ له كما تحلّ لآله. و الفرق فضيلته عليهم و تميّزه عنهم. و الوجه عندي أنّ حكم الأئمة «ع» حكمه في ذلك.» «1»

4- و مرّ عن المسالك عند قول المحقّق: «و يجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي و غيره» «2» أنّه قال في ذيله: «يستثنى

منه النبي «ص» فإن الأصحّ تحريم الصدقة عليه مطلقا و كذا الأئمة «ع».» «3»

5- و في المغني لابن قدّامة: «فأمّا النبي «ص» فالظاهر أنّ الصدقة جميعها كانت محرّمة عليه فرضها و نفلها لأن اجتنابها كان من دلائل نبوّته و علاماتها فلم يكن ليخلّ بذلك، و في حديث إسلام سلمان الفارسي أنّ الذي أخبره عن النبي «ص» و وصفه قال: إنّه يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة.

و قال أبو هريرة: كان النبيّ «ص» إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل: صدقة قال لأصحابه: كلوا و لم يأكل، و إن قيل له: هدية ضرب بيده فأكل معهم، أخرجه البخاري.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

(2)- الشرائع 1/ 164 (- طبعة أخرى 1/ 124).

(3)- المسالك 1/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 383

..........

______________________________

و قال النبي «ص» في لحم تصدّق به على بريرة «هو عليها صدقة و هو لنا هدية.» و قال «ع»: «إنّي لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي في بيتي فأرفعها لآكلها ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» رواه مسلم. و قال:

«إنّا لا تحلّ لنا الصدقة.» ...» «1»

6- و في الجواهر: «نعم قد يتوقّف في الصدقة المندوبة بالنسبة إلى النبي «ص»، بل عن التذكرة و ثاني الشهيدين حرمتها عليه لما فيها من الغضاضة و النقص و تسلّط المتصدّق و علوّ مرتبته على المتصدّق عليه، و أنّ له المنّة عليه.

و منصب النبوّة أرفع و أجلّ و أشرف من ذلك، و لقوله «ص»: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة.»

لكن صريح جماعة و ظاهر آخرين الجواز أيضا، بل في المعتبر نسبته إلى علمائنا و أكثر أهل العلم، للإطلاق.

و لعلّ الأولّ أقوى بالنسبة إلى بعض أفرادها كالزكاة المندوبة التي هي

من الأوساخ أيضا، و بعض الصدقات الخسيسة كالتي توضع تحت رءوس المرضى و نحوها ممّا لا يليق بمنصب النبوّة.

و الإمام «ع» كالنبيّ «ص» في ذلك. و قولهم «ع»: «لو حرمت علينا الصدقة» إلى آخره إنما يدلّ على إباحة مثل هذه الصدقات التي هي كالأوقاف العامّة، و لا غضاضة عليهم في التناول منها، لا مطلق الصدقات.» «2»

أقول: الظاهر أنّ ما ذكره أخيرا من التفصيل بين أصناف الصدقات كلام لطيف متين يساعده الاعتبار. بل تقدّم منّا احتمال حرمة الصدقات الخسيسة على سائر

______________________________

(1)- المغني 2/ 522.

(2)- الجواهر 15/ 414.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 384

..........

______________________________

بني هاشم أيضا لما فيها من المهانة و الإهانة لسلالة النبي «ص». و قد مرّ من المصنّف و منّا جواز تصرّفهم في الخانات و المدارس و سائر المشاريع العامّة المتخذة من سهم سبيل اللّه مع كونه من الزكاة الواجبة فكيف بما يتّخذ من الصدقات المندوبة و الأوقاف العامّة، و قرّبنا ذلك في محلّه بأنّ المصرف في أمثال ذلك هي الجهات العامّة لا الأشخاص، و أخبار المنع ناظرة إلى ما تعطى للإشخاص. و الإهانة و التذليل أيضا إنّما يتحقّقان فيما تعطى لهم.

و لأجل ذلك استنكر أهل بيت النبي «ص» أخذ الصدقة من أهل الكوفة لاشتمالها على المهانة و الذلّة في تلك الظروف، و حلّ لشخص النبي «ص» الاقتراض و الهدية و أمثالهما بل و الاستفادة من المشاريع العامّة مع كون الجميع من المعروف و قد ورد عنه «ص»: «كلّ معروف صدقة.» «1» فليس كلّ صدقة محرّمة عليه «ص» و على آله و إنّما تحرم ما اشتمل منها على المهانة و الذلّة.

و إن شئت قلت: للصدقة استعمالان و أحدهما أعمّ من الآخر:

الأوّل: كلّ إعانة للغير

مجانا بقصد القربة. و الثاني: ما اشتمل على نحو من الخسّة و الذلّة و إعانة من العالي للداني ترحّما، و المحرّم هو القسم الثاني.

و لنا أن نقول بحرمة ذلك حتّى على سلالته «ص» و أشار إلى هذا التفصيل العلّامة في المنتهى قال في مقام البحث عن الصدقات المندوبة للنبي و الأئمة «ع»:

«احتجّ المجوّزون بأنّه «ص» كان يقترض و يقبل الهدية و كلّ ذلك صدقة لقوله «ع»:

«كلّ معروف صدقة.»

و فيه نظر لأنّ المراد بالصدقة المحرمة ما يدفع من المال الى المحاويج على سبيل سدّ الخلّة و مساعدة الضعيف طلبا للأجر، أما ما جرت العادة بفعله على سبيل

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 385

[في إثبات كونه هاشميا]
[يثبت كونه هاشميّا بالبينة]
اشارة

[المسألة 22]: يثبت كونه هاشميّا بالبينة (1).

______________________________

التودّد فكالهدية و القرض و لهذا لا يقال للسلطان إذا قبل هدية بعض رعيته:

«إنّه تصدّق منه.» «1» و قد مرّ عن المعتبر أيضا قريب من ذلك. هذا.

و قد طال البحث في هذه المسألة فأعتذر من المستمعين و القرّاء الكرام، و لعلّنا مع ذلك ربّما لم نعط المسألة حقّها لسعة دائرتها.

(1) لا يخفى أنّ حجّية العلم الجازم المعبّر عنه تارة بالقطع و أخرى باليقين ذاتيّة بديهيّة يدركها الوجدان و لا تحتاج إلى برهان.

و حجيّة غيره أيّ شي ء كان تتوقّف على إقامة دليل يوجب العلم بحجيّته.

فالعلم الجازم أمّ الحجج و إليه يؤول حجيّة غيره.

فممّا قالوا بحجيّته في إثبات الموضوعات، البيّنة أعني شهادة عدلين إلّا في موارد خاصّة يحتاج فيها إلى شهادة أربع.

[الدليل على حجيّة البينة]
اشارة

و استدلّ لذلك بوجوه:

الأوّل: الإجماع.

و فيه منع ثبوته في غير باب المرافعات إذ المسألة خلافية. و لو سلّم يحتمل كونه مستندا إلى الوجوه الأخر فلا يكون دليلا مستقلا.

قال المحقّق النراقي في أواخر العوائد: «عائدة: هل الأصل في شهادة العدلين وجوب القبول و العمل بمقتضاها إلّا ما أخرجه الدليل أو عدمه؟

ظاهر أكثر أصحابنا بل صريحهم سيّما للمتأخرين منهم الأوّل، بل ربّما يظهر من بعضهم الإجماع عليه و كون اعتبار قولهما ثابتا من شريعتنا.

و المحكيّ عن القاضي عبد العزيز بن البراج، الثاني و اختاره بعض المتأخرين

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 525.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 386

..........

______________________________

و هو الظاهر من غير واحد من مشايخنا المعاصرين حيث قالوا بعدم ثبوت النجاسة بقول العدلين لعدم دليل على اعتباره عموما، بل ظاهر السيد في الذريعة و المحقق الأوّل في المعارج، و الثاني في الجعفرية و صاحب الوافية حيث حكموا بعدم ثبوت الاجتهاد بشهادتهما لعدم دليل على اعتبارها. و كنت على ذلك منذ أعوام كثيرة ...

و الحق هو الأوّل.» «1»

و بالجملة فالمسألة كانت خلافيّة.

الثاني و هو العمدة، موثقة مسعدة بن صدقة:

فقد روى الكليني عن علي بن إبراهيم (عن أبيه- خ.) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: «كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك. و ذلك مثل الثوب يكون (عليك- يب) قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك. و الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة.»

و رواه الشيخ أيضا بإسناده عن علي بن إبراهيم. «2»

و المذكور في التهذيب بطبعيه:

علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم. و المتعارف في أسانيد الكافي أيضا كذلك. و لكن في الكافي هنا بعنوان النسخة:

«عليّ بن ابراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم.»

و هارون بن مسلم من أصحاب الهادي و العسكري «ع». و مسعدة بن صدقة من أصحاب الإمام الصادق «ع» فرواية هارون عنه بلا واسطة تتوقّف على أن يكون

______________________________

(1)- العوائد/ 273.

(2)- الكافي 5/ 313، باب النوادر من كتاب المعيشة، الحديث 40؛ و الوسائل 12/ 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 387

..........

______________________________

أحدهما طويل العمر. و هارون بن مسلم ثقة.

و اختلفوا في مسعدة، و أكثر المتأخرين على توثيقه. و يؤيّد ذلك كثرة رواياته و اعتناء الأصحاب بها و له كتب منها كتاب خطب أمير المؤمنين «ع».

و المستفاد من الحديث أنّ يد البائع على الثوب أو العبد و إقرار العبد بالعبودية و أصالة عدم الانتساب أو الرضاع و إن كانت معتبرة في حدّ ذاتها و لكن إذا قامت البيّنة على خلافها قدّمت عليها فتكون حجّة في إثبات الموضوعات و مقدّمة على غيرها من الأصول و الأمارات كالعلم.

و قد صرّح بسريان هذا الحكم في جميع الأشياء و لا محالة يراد بها الموضوعات التي لها أحكام في الشرع نظير الأشياء المذكورة في الحديث.

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق في حجيتها بين أن تقوم عند الحاكم أو غيره نظير ما نقول في باب الهلال، فالحجة نفس البيّنة و لا نحتاج إلى حكم الحاكم عقيبها.

و الإشكال في وثاقة مسعدة مرتفع بكثرة رواياته و اعتناء الأصحاب بها في فتاويهم فتأمّل.

و احتمال أن يراد بالبيّنة معناها اللغوي أعني الحجة و الأمر الواضح لا معناها المصطلح في أعصارنا

أعني شهادة العدلين كما في قوله- تعالى-: «أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ»* «1» و قوله: «حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ» «2» بعيد في الغاية، إذ لو فرض عدم تبادر المعنى المصطلح في عصر النبي «ص» ففي عصر الإمام الصادق «ع» صار اللفظ قالبا لهذا المعنى كما يظهر لك بمراجعة أخبار باب القضاء بكثرتها.

و لو سلّم فلا إشكال في كون المعنى المصطلح من أظهر مصاديق معناها اللغوي

______________________________

(1)- سورة هود (11)، الآية 17.

(2)- سورة البيّنة (98)، الآية 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 388

..........

______________________________

بعد أنس الأذهان باعتماد الشارع عليه في باب المخاصمات لإثبات الحقوق، و عليه كان عمل النبيّ «ص» و الأئمة «ع» و جميع الصحابة و التابعين فتدبّر.

الوجه الثالث: إلغاء الخصوصية بل الأولوية القطعيّة من حجيّتها في باب المرافعات و المخاصمات

إذ من الواضح حجيّة البيّنة في المرافعات و عليها يعتمد القضاة و يحكم بها للمدّعي مع كون المدّعى عليه ذا يد غالبا- و اليد أمارة عقلائية شرعية- و مع كون الأصل معه.

فإذا كانت حجّة مع وجود المعارض ففي غيره تكون حجّة بطريق أولى.

و ظاهر اعتبار الشارع لها في إثبات الحقوق و أسباب الحدود اعتبارها طريقا إلى الواقع و محرزا له فيثبت بها اللوازم و الملزومات أيضا كسائر الأمارات.

و قد كثرت الأخبار الواردة في إثبات الدعاوي و الحقوق و موجبات الحدود بالبيّنات.

و في صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان. الحديث» «1» اللّهم إلّا أن يراد بالبيّنة في كلامه «ص» مطلق الحجّة كما ربّما يشهد بذلك قوله «ص» بعد هذه الجملة: «و بعضكم ألحن بحجّته من بعض. الحديث» هذا. و ليست الأيمان في عرض البيّنات إذ اليمين لا يثبت بها الواقع و لا تقبل من المدّعي

إلّا في موارد خاصة و إنّما يعتمد عليها للنفي قطعا للخصومة بعد ما لم يكن للمدّعي بينة على إثبات حقّه.

كيف؟ و بالبيّنات تسفك الدماء و تباح الأموال و تهتك الأعراض. و لو لا حجيّتها و إحرازها للواقع لم يترتب عليها هذه الآثار المهمّة.

نعم ربّما حدّد الشرع اعتبارها في بعض المقامات ببعض القيود لأهميتها فتراه

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 169، الباب 2 من أبواب كيفيّة الحكم ...، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 389

..........

______________________________

مثلا اعتبر في الزنا و اللواط مثلا كون الشهود أربعة، و اعتبر الذكورة في بعض الموارد دون بعض، و لكن المستفاد من جميعها اعتبارها طريقا لإحراز الواقع و كاشفا عنه.

و بما ذكرنا يظهر المناقشة فيما قد يقال من أنّ الحجيّة في باب المرافعات لا تقتضي الحجيّة مطلقا إذ المرافعات لا بدّ من حلّها و فصلها لا محالة و إلّا لاختلّ النظام فلعلّ البيّنة جعلت حجّة فيها لذلك كالأيمان.

وجه المناقشة: أنّ الظاهر من أدلة البيّنة في المرافعات و في أبواب الحدود كونها وسيلة لإثبات الحقوق و موجبات الحدود فهي حجّة مطلقا و لذا يعتمد عليها في فصل القضاء لا أنّها جعلت لفصل القضاء فقط و الفرق بينها و بين الأيمان واضح كما مرّ فتأمّل.

الوجه الرابع: إلغاء الخصوصية من حجيّتها في موارد خاصّة و منها النسب

و نذكر في عدادها بعض الأخبار التي ربّما يستفاد منها الإطلاق و لا دليل قاطع على اختصاصها بباب الترافع:

1- كقوله- تعالى- في الطلاق: «وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ.» «1»

2- و قوله في الوصية: «شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ.» «2»

3- و قوله في الدين: «وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ. الآية» «3» اذ لو لا حجيه قولهما كان إشهادهما لغوا و لا دليل على اختصاصهما

بصورة الترافع إلى الحاكم فتأمّل.

______________________________

(1)- سورة الطلاق (65)، الآية 2.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 106.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 390

..........

______________________________

4- و في خبر عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة.» «1» و لكن عبد اللّه بن سليمان مجهول الحال.

5- و في خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» قال: قضى عليّ «ع» في رجل مات و ترك ورثة فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه أنّه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كلّه. و إن أقرّ اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته.» «2»

6- و بالإسناد قال: قال عليّ «ع»: «من أقر لأخيه فهو شريك في المال و لا يثبت نسبه، فإن أقرّ اثنان فكذلك، إلّا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه و يضرب في الميراث معهم.» «3»

7- و قال الصدوق: و في حديث آخر: إن شهد اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما ذلك في حصتهما.» «4»

8- و في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث.» «5»

9- و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، و إن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 91، الباب

61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 13/ 402، الباب 26 من كتاب الوصايا، الحديث 5.

(3)- الوسائل 13/ 402، الباب 26 من كتاب الوصايا، الحديث 6.

(4)- الوسائل 13/ 402، الباب 26 من كتاب الوصايا، الحديث 7.

(5)- الوسائل 14/ 67، الباب 43 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث 1.

(6)- الوسائل 7/ 183، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 391

..........

______________________________

10- و في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم الحديث.» «1» و الأخبار في باب الهلال كثيرة فراجع.

11- و في مرسلة يونس عمّن رواه قال: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه:

بشهادة رجلين عدلين الحديث» «2»

12- و في خبر علقمة عن الصادق «ع»: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنبا الحديث» «3» و المقصود قبول شهادته جزءا من البيّنة فتدبّر.

13- و في خبر العسكري «ع» في تفسيره عن رسول اللّه «ص» قال في قوله- تعالى-: «وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ.» قال: ليكونوا من المسلمين منكم فإنّ اللّه إنّما شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم، و جعل ذلك من الشرف العاجل لهم و من ثواب دنياهم.» «4»

14- و قال الصادق «ع»: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل و هي نصف شهادة، و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبت شهادة رجل واحد.» و بمضمونه روايات أخر. «5»

إلى غير ذلك من الأخبار التي ربّما يعثر عليها المتتبّع. هذا.

و في العوائد

استدل أيضا بقول الصادق «ع» لابنه إسماعيل: «فإذا شهد عندك

______________________________

(1)- الوسائل 7/ 199، الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 176، الباب 7 من أبواب كيفيّة الحكم ...، الحديث 4.

(3)- الوسائل 18/ 292، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 13.

(4)- الوسائل 18/ 295، الباب 42 من أبواب الشهادات، الحديث 22.

(5)- الوسائل 18/ 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، الحديث 5 و ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 392

..........

______________________________

المؤمنون فصدّقهم» «1» بتقريب أن الجمع المعرّف و استغراقه أفرادى لا جمعى فالمعنى كل مؤمن شهد عندك فصدّقه خرج المؤمن الواحد بالدليل فيبقى الباقي.

مع أنّ ارادة العموم الجمعي هنا منتفية قطعا لعدم إمكان شهادة جميع المؤمنين بل و لا نصفهم و لا ثلثهم بل و لا عشرهم و لا واحد من ألف منهم.

أقول: الاستدلال بالحديث للشياع أنسب و سيجي ء البحث فيه.

و استدل فيه أيضا بالأخبار الكثيرة المصرّحة بجواز شهادة المملوك و المكاتب و الصبيّ بعد الكبر و اليهوديّ و النصراني بعد الإسلام و الخصيّ و الاعمى و الأصمّ و الولد و الوالد و الوصيّ و الشريك و الأجير و الصديق و الضيف و المحدود إذا تاب و غير ذلك ممّا لا يخفى.

أقول: الظاهر عدم الإطلاق في هذه الأخبار لعدم كونها في مقام البيان فلعلّها ناظرة إلى باب الترافع.

هذا ما عثرنا عليه إجمالا من الأدلّة على حجيّة البيّنة في جميع الأبواب.

و هل يشترط في شهود النسب الذكورة أو يكفى شهادة رجل و امرأتين كما في الأموال؟ وجهان: من عدم كون المقصود بالأصالة المال و من استتباعه للميراث.

و الشيخ في شهادات الخلاف (المسألة 4) عدّ النسب في عداد ما يعتبر في شهوده الذكورة. «2» و

هكذا صنع في شهادات المبسوط أيضا و لكن قال بعد ذلك:

«و قال بعضهم: يثبت جميع ذلك بشاهد و امرأتين و هو الأقوى إلّا القصاص.» «3»

و تفصيل المسألة يطلب من كتاب الشهادات. هذا كلّه في حجيّة البيّنة في المقام

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 230، الباب 6 من كتاب الوديعة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 3/ 326.

(3)- المبسوط 8/ 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 393

[حجيّة قول العدل الواحد]

______________________________

و أمّا العدل الواحد فلم يتعرّض له المصنف في المقام.

و قد يقال بعدم حجيّته في الموضوعات و إن كان حجّة في إثبات الأحكام الشرعية الكليّة.

و يؤيّد ذلك ظهور الموثقة في حصر ما يثبت به الأشياء في الاستبانة و البيّنة، و لو كان العدل الواحد حجّة كان اعتبار التعدّد في الشاهد لغوا، و هذا البيان يجري في كلّ مورد كان التعدّد في الشهود معتبرا. هذا.

و في قبال ذلك ما قد يقال بحجيته أيضا لقيام سيرة العقلاء في جميع الأعصار و الأمصار على العمل بخبر الثقة و عليه استقر بناؤهم عملا في جميع مسائل الحياة.

كيف؟! و إذا كان خبر الثقة حجّة في إثبات الأحكام الشرعية الكليّة مع أهميّتها فالأولويّة القطعيّة تقتضي حجيّته في الموضوعات أيضا.

و يشهد لذلك بإلغاء الخصوصيّة ما دلّ على اعتباره في موارد خاصّة:

1- كموثقة سماعة قال: سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدّثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إنّ هذه امرأتي و ليست لي بيّنة فقال: «إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل منه.» «1»

2- و خبر حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إنّي لم أطأها فقال: «إن وثق به فلا بأس أن يأتيها.» «2» و

نحوه غيره فراجع الباب.

3- صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه «ع» في مسألة عزل الوكيل

______________________________

(1)- الوسائل 14/ 226، الباب 23 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث 2.

(2)- الوسائل 14/ 503، الباب 6 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 394

..........

______________________________

قال «ع»: «نعم، إنّ الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا و الوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة.» «1»

4- موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل كانت له عندي دنانير و كان مريضا فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا و أعط أخي بقية الدنانير فمات و لم أشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي:

إنّه أمرني أن أقول لك: انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدّق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين، و لم يعلم أخوه إنّ عندي شيئا. فقال: «أرى أن تصدّق منها بعشرة دنانير.» «2»

5- ما دلّ على جواز الصلاة بأذان الثقة و أنّ المؤذن مؤتمن فراجع الوسائل. «3» إلى غير ذلك من الروايات التي ربّما يعثر عليها المتتبع.

أقول: أوّلا: إن مورد الموثقة صورة وجود اليد في قبال البيّنة فلأحد أن يقول إنّ في مثل هذه الصورة يتعيّن التعدّد في الشاهد و لا يكفي الواحد فليس هذا دليلا على عدم حجيّة العدل الواحد مطلقا فتأمّل.

و ثانيا: الحق أنّ بين خبر العدل و خبر الثقة عموما من وجه فحجيّة أحدهما لا تفيد حجيّة الآخر في محلّ افتراقهما.

و ثالثا: الظاهر أنّ بناء العقلاء و سيرتهم ليس مبنيّا على التعبّد و إنّما يعملون

في أمورهم المختلفة بخبر الثقة إذا حصل لهم الوثوق شخصا بحيث تطمئن النفس و تسكن. و الوثوق عند العقلاء مرتبة من العلم و الاستبانة.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 286، الباب 2 من كتاب الوكالة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 482، الباب 97 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

(3)- الوسائل 4/ 618، الباب 3 من أبواب الأذان و الإقامة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 395

..........

______________________________

و أمّا البيّنة فهي حجّة تعبديّة من قبل الشارع و إن لم يحصل بها الوثوق شخصا بل مع الظنّ بالخلاف أيضا و لذا عطفت في الموثقة على الاستبانة، و ظاهر العطف المغايرة.

و يمكن أن تحمل الأخبار الواردة في موارد خاصّة أيضا على صورة حصول الوثوق شخصا إذ تعليق الحجيّة فيها على كون المخبر ثقة أو مسلما صادقا ربّما يشهد بكون الملاك الوثوق بقوله و الاطمينان بصدقه.

و بالجملة فخبر الثقة الذي يحصل الوثوق بقوله حجة عند العقلاء و أمضاها الشرع و يكون من مصاديق الاستبانة عندهم.

و أمّا خبر العدل الواحد إذا لم يحصل الوثوق بقوله لجهة من الجهات فلا دليل على اعتباره بل يظهر من قول الصادق «ع»: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل و هي نصف شهادة و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد» «1» أنّه لا اعتبار بخبر الواحد وحده و كيف كان فاعتباره محلّ تأمّل و إشكال. هذا.

و لكن لأحد أن يقول: إنّ ما ذكرت من اعتبار الوثوق الشخصي في خبر الثقة إنّما هو في الأمور الشخصيّة و أمّا في الأمور المرتبطة بباب الإطاعة و العصيان و الاحتجاج و اللّجاج و روابط الموالي و العبيد فالملاك هو الوثوق النوعي كما قالوا في حجيّة الظواهر إذ

إناطة الحجيّة في مثلها على الوثوق الشخصي يوجب تخلف العبيد عن الإطاعة باعتذار عدم حصول الوثوق شخصا و هذا يوجب انثلام نظام الاحتجاج و المؤاخذة، فلو قلنا بحجيّة خبر الثقة فلا بدّ من حمل الوثوق فيه على الوثوق النوعي فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 298، الباب 44 من أبواب الشهادات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 396

[يثبت كونه هاشميا بالشياع]
اشارة

و الشّياع (1).

[كلمات الفقهاء]

______________________________

(1) 1- قال الشيخ في شهادات الخلاف (المسألة 15): «يجوز الشهادة على الوقف و الولاء و العتق و النكاح بالاستفاضة كالملك المطلق و النسب. و للشافعي فيه وجهان: فقال الإصطخري مثل ما قلناه. و قال غيره: لا يثبت شي ء من ذلك بالاستفاضة و لا يشهد عليها بذلك. دليلنا إنّه لا خلاف أنّه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبي «ص» و لم يثبت ذلك إلّا بالاستفاضة لأنا ما شهدناهنّ. و أمّا الوقف فمبني على التأبيد فإن لم يجز الشهادة بالاستفاضة أدّى إلى بطلان الوقف لأنّ شهود الوقف لا يبقون أبدا ...» «1»

أقول: المراد بالاستفاضة الشياع المصطلح.

2- و أفتى الشيخ في قضاء المبسوط بثبوت النسب و الملك المطلق و الموت و النكاح و الوقف و العتق بالاستفاضة.

و أنكر ثبوت الولاية بها إلّا إذا بلغت إلى حدّ يوجب العلم. «2» و مقتضى كلامه هذا حجيّة الاستفاضة في الستّة المذكورة و إن لم توجب العلم.

3- و في قضاء الشرائع: «تثبت ولاية القاضي بالاستفاضة. و كذا يثبت بالاستفاضة: النسب و الملك المطلق و الموت و النكاح و الوقف و العتق.» «3»

4- و في الشهادات من الشرائع: «و ما يكفي فيه السماع فالنسب و الموت و الملك المطلق لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الأغلب و يتحقّق كلّ واحد من هذه بتوالي الأخبار من جماعة لا يضمّهم قيد المواعدة أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم و في هذا عندي تردّد.» «4»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 331.

(2)- المبسوط 8/ 86.

(3)- الشرائع 4/ 70 (- طبعة أخرى/ 862).

(4)- الشرائع 4/ 133 (- طبعة أخرى/ 918).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 397

..........

______________________________

أقول: هل يرجع ترديد الشرائع إلى أصل اعتبار الاستفاضة أو إلى جواز الشهادة

بها إذا لم تفد العلم؟ و لعلّ الثاني أظهر.

و يظهر من بعض فقهائنا إلحاق الرق و العدالة بما ذكر فتكون عشرة.

5- و في شهادات الجواهر بعد التعرّض للعشر قال: «بل قيل بزيادة سبعة عشر إليها و هي العزل و الرضاع و تضرّر الزوجة و التعديل و الجرح و الإسلام و الكفر و الرشد و السفه و الحمل و الولادة و الوصاية و الحريّة و اللوث و الغصب و الدين و الإعسار.» «1»

6- و في الشهادات من مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة: «و ما تظاهرت به الأخبار و استقرت معرفته في قلبه شهد به كالشهادة على النسب و الولادة.» أقول: ظاهره اعتبار العلم في الشهادة.

7- و ذيّله في المغني بقوله: «هذا النوع الثاني من السماع و هو ما يعلمه بالاستفاضة. و أجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب و الولادة. قال ابن المنذر: أمّا النسب فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه ....

و اختلف أهل العلم فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة غير النسب و الولادة فقال أصحابنا: هو تسعة أشياء: النكاح و الملك المطلق و الوقف و مصرفه و الموت و العتق و الولاء و الولاية و العزل، و بهذا قال أبو سعيد الإصطخري و بعض أصحاب الشافعي. و قال بعضهم: لا تجوز في الوقف و الولاء و العتق و الزوجية لأن الشهادة ممكنة فيه بالقطع فإنها شهادة بعقد فأشبه سائر العقود. و قال أبو حنيفة:

لا تقبل إلّا في النكاح و الموت و لا تقبل في الملك المطلق ...» «2»

______________________________

(1)- الجواهر 41/ 132.

(2)- المغني 12/ 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 398

..........

______________________________

أقول: لا يخفى أنّ ظاهر أكثر كلمات أصحابنا و كذا

ابن قدامة أنّه لا يتوقّف اعتبار الاستفاضة على حصول العلم بسببها و إلا لم يكن مجال للبحث فيها و الخلاف في موردها إذ العلم حجة بذاته في أيّ مقام حصل.

نعم لأحد ان يقول بحجيتها في مقام العمل و لكن لا يجوّز الشهادة بمضمونها إلّا إذا حصل العلم كما يأتي من الجواهر.

إذا عرفت ذلك فنقول: يقع البحث هنا في أمور:

الأوّل: في تعريف الاستفاضة و بيان حقيقتها.

الثاني: في أدلّة حجيّتها.

الثالث: في أنّها هل تكون حجّة مطلقا أو بشرط حصول العلم أو بشرط حصول الظن.

[البحث الأول في تعريف الاستفاضة]

أمّا الأوّل: ففي المسالك: «هي إخبار جماعة لا يجمعهم داعية التواطي عادة يحصل بقولهم العلم بمضمون خبرهم.» «1»

أقول: سيأتي البحث حول كلامه- قدّس سرّه-.

و الظاهر أن مقصودهم بالاستفاضة و الشياع ليس مجرد جريان المضمون على الألسن و الأفواه كما ربّما نراه في الشائعات الاجتماعية التي لا أساس لها و يتداولها الألسن لمصالح سياسيّة بلا تصديق لمضمونها.

بل المقصود شيوع الحكم و التصديق بالنسبة الحكميّة من قبل المخبرين كتصديقهم بأنّ زيدا ابن لعمرو أو أنّ الأرض ملك لزيد أو وقف على المسجد مثلا و نحو ذلك.

______________________________

(1)- المسالك 2/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 399

[الأمر الثاني: في أدلة حجيّتها]
اشارة

______________________________

الأمر الثاني: في أدلة حجيّتها فنقول: قد استدلّوا لذلك بوجوه:

الأوّل: أنّ هذا السنخ من الأمور ممّا يتعذّر أو يتعسّر غالبا إقامة البيّنة عليها.

قال في المسالك في وجه تخصيص المصنّف اعتبار الاستفاضة بالسبعة المذكورة:

«و وجه تخصيصها من بين الحقوق أنّها أمور ممتدّة و لا مدخل للبيّنة فيها غالبا:

فالنسب غاية الممكن فيه رؤية الولادة على فراش الإنسان لكن النسب إلى الأجداد المتوفين و القبائل القديمة ممّا لا يتحقّق فيه الرؤية و معرفة الفراش فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع ....

و أمّا الملك فإنّ أسبابه متعدّدة، و تعدّدها يوجب عسر الوقوف عليها فيكتفى فيه بالتسامع أيضا.

و أمّا الموت فلتعذّر مشاهدة الميّت في أكثر الأوقات للشهود.

و الوقف و العتق لو لم يسمع فيهما الاستفاضة لبطلا على تطاول الأوقات لتعذّر بقاء الشهود في مثل الوقف، و الشهادة الثالثة غير مسموعة فمسّت الحاجة إلى إثباتهما بالتسامع.

و مثلهما النكاح فإنّا نعلم أن خديجة زوجة النبي «ص» و ليس مدركه التواتر لأنّ شرطه استواء الطرفين و الوسائط في العلم الحسّي و هو منفي في الابتداء لأنّ الظاهر أنّ المخبرين لم يخبروا عن المشاهدة بل عن السماع ...» «1» هذا.

و أجاب في مصباح الهدى عن هذا الوجه بأنّه لو تمّ لكان حكمة لتشريع اعتبار الشياع لا طريقا لإثبات اعتباره كما هو المدّعى. «2»

أقول: مرجع ما ذكره في المسالك إلى ادعاء الانسداد الصغير بدعوى العلم

______________________________

(1)- المسالك 2/ 354.

(2)- مصباح الهدى 10/ 294.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 400

..........

______________________________

إجمالا بالتكليف، و عدم إمكان إحراز الموضوع بالعلم و لا بالبيّنة، و الإهمال لا يجوز، و الاحتياط متعسّر أو موجب لاختلال النظام، فدعت الحاجة إلى إحرازه بالاستفاضة، و لو فرض تحقّق مقدمات الانسداد بأجمعها لم يكن بدّ من حجّيّتها حكومة أو كشفا فالدليل على هذا تامّ.

و لكن الكلام في تحقق

المقدمات بأجمعها إذ على فرض تعذّر العلم الجازم فالوثوق ممّا يمكن تحقّقه غالبا و هو علم عاديّ يعتمد عليه العقلاء في أمورهم.

و لو سلّم عدم إمكانه فلم لا يرجع إلى الظنّ المطلق و يرجع إلى خصوص الشياع؟

و لو سلّم فلعلّ الواجب في أمثال المقام هو الاحتياط، و إيجابه لاختلال النظام يمكن منعه فتدبّر.

الوجه الثاني: ما يظهر من المسالك أيضا

و محصّله: «أنّ أدنى مراتب البيّنة لا يحصل بها الظنّ الغالب المتاخم للعلم، و الشياع ربّما يحصل منه ذلك فيكون أولى منها بالحجيّة و إن لم يحصل منه في بعض الأحيان لأنّ مفهوم الموافقة يكفي في المرتبة الدنيا من البيّنة بالقياس إلى الشياع.» «1»

أقول: هذا استدلال عجيب إذ لم يظهر لنا من أدلّة حجيّة البيّنة أنّ وجه اعتبارها إفادتها للظنّ و لا ندري ما هو الملاك في حجيّتها و إطلاق دليل الحجيّة يعمّ صورة الظن بالخلاف أيضا، و لو سلّم فهي حكمة للجعل لا علّة حتى يتعدّى منها فما ذكره أشبه شي ء بالقياس الذي لا نقول به.

الوجه الثالث: السيرة المستمرة في جميع الأعصار على إثبات الأنساب و نحوها بالشياع و الاستفاضة

فترى العقلاء يحكمون بالتحاق من ينتسب إلى أب

______________________________

(1)- المسالك 2/ 355.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 401

..........

______________________________

أو أمّ أو طائفة أو قبيلة و يرتبون عليه آثاره، و استقر هذا الأمر من عصر النبي «ص» إلى يومنا هذا من غير نكير، و لا طريق لهم في هذا الحكم إلّا الشياع في المحلّ.

أقول: يمكن أن يناقش هذا الوجه أيضا بأنّ العقلاء يحصل لهم غالبا الوثوق و الاطمينان بسبب الشياع إذا لم يسبق عامل تشكيك في البين و كانت أذهانهم باقية على صرافتها، ففي الحقيقة هم يعملون بوثوقهم الذي هو في حكم العلم عندهم.

و أمّا إذا سبق في البين عامل تشكيك و حصل لهم الشك واقعا فهل يعتمدون في هذه الصورة أيضا على الشياع بنفسه بحيث يكون أمارة تعبديّة عندهم؟

فيه إشكال بل منع إذ الظاهر أنّ أعمال العقلاء ليست مبنيّة على التعبّد و إنما يعمل كلّ واحد منهم بعلمه و وثوقه.

و لم يعهد من العقلاء تشكيل مجمع تقنينيّ لجعل أمارات تعبّدية و أصول عقلائية يتعبّدون بها و لو مع عدم

حصول العلم و الوثوق.

و ليس معنى الأخذ بطريق العقلاء أنّ كلّ واحد منهم يقلّد غيره من العقلاء تعبّدا بل المقصود أنّ كلّ واحد منهم يأخذ بما يحكم به عقله و دركه فتدبّر.

الوجه الرابع: مرسلة يونس

التي رواها المشايخ الثلاثة: ففي الكافي:

علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ أ يحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة إذا لم يعرفهم من غير مسألة؟ قال: فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا بها ظاهر الحكم: الولايات و التناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه.» «1»

و رواها الشيخ أيضا في موضعين من التهذيب و في الاستبصار و فيه و في

______________________________

(1)- الكافي 7/ 431، باب النوادر من كتاب القضاء و الأحكام، الحديث 15.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 402

..........

______________________________

موضع من التهذيب «أن يأخذوا بها بظاهر الحال.» «1»

و رواها الصدوق أيضا في الفقيه و في الخصال و فيهما: «بظاهر الحكم» و ذكر في الفقيه بدل المواريث: «الأنساب» و راجع الوسائل أيضا. «2»

و تقريب الاستدلال بها أنّ المراد بظاهر الحكم هو الحكم الظاهر بين الناس أعني النسبة الحكميّة الشائعة عندهم كقولهم مثلا: هذا هاشمي، أو هذا ملك لزيد أو وقف على المسجد و نحو ذلك.

و أوضح من ذلك في الدلالة على الشياع ظاهر الحال المذكور في الاستبصار و موضع من التهذيب بأن يراد به الحال الظاهر في المجتمع.

و المراد بالولايات كون شخص خاصّ واليا أو قاضيا من قبل الإمام، و من المناكح كون هذا زوجا لهذه أو هذه زوجة لذاك، و من الذبائح كون

ما في سوق المسلمين حلالا مذكّى، و من الشهادات جواز الشهادة بما شاع و استفاض، و من المواريث توريث من انتسب إلى أب أو أم أو طائفة فيكون هذا دليلا على ثبوت النسب بالشياع، و أظهر من ذلك إن كانت النسخة: «الأنساب» بدل المواريث.

أقول: للمناقشة في هذا الدليل أيضا مجال واسع و إن تمسّك به في الجواهر و غيره، إذ يرد عليه أوّلا: أنّ السند مرسل و إن أمكن أن يقال: إنّ التعبير ببعض رجاله يظهر منه أن الراوي من أصحاب يونس فيستفاد منه نحو مدح له.

______________________________

(1)- التهذيب 6/ 283 و 288، كتاب القضايا و الأحكام، باب البيّنات، الحديث 186، و باب الزيادات ...، الحديث 5؛ و الاستبصار 3/ 13، الباب 1 من كتاب الشهادات، الحديث 3.

(2)- الفقيه 3/ 9 (- طبعة أخرى 3/ 16)، الباب 11 من أبواب القضايا و الأحكام، الحديث 1؛ الخصال/ 311، باب الخمسة، الحديث 88؛ و الوسائل 18/ 212، الباب 22 من أبواب كيفيّة الحكم ...، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 403

..........

______________________________

و ثانيا: أنّ المتن مختلف كما مرّ. و ثالثا: أن سؤال السائل لمّا كان عن جواز اعتماد القاضي على الشهود مع عدم معرفتهم فلا بدّ أن يكون الجواب مطابقا للسؤال فيشبه أن تكون النسخة الصحيحة: «ظاهر الحال» و أراد الإمام «ع» بيان أنّ ظاهر حال المسلم بما أنّه مسلم، العدالة و عدم الفسق، و هذا هو الذي عبّر عنه الفقهاء بكفاية حسن الظاهر فيجوز جعله واليا أو يقبل دعواه الولاية و كذا يجوز المزاوجة معه أو يقبل دعواه في الزوجية و كذا في الانتساب و يحكم بحلّية ذبيحته و تقبل شهادته، و لا ارتباط لهذه الأمور بالشياع

المفسّر بأخبار جمع كثير بمضمون واحد.

كيف؟! و هل يتوقّف حليّة ذبيحة المسلم مثلا على إخبار جمع كثير بها اللّهم إلّا أن يراد الإخبار بكونه مسلما حتّى تحلّ ذبيحته.

الوجه الخامس: قصة إسماعيل بن جعفر «ع» ا

لمروية بسند صحيح.

فعن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريز قال: كانت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه «ع» دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن، فقال إسماعيل: يا أبه إنّ فلانا يريد الخروج إلى اليمن و عندي كذا و كذا دينار، أ فترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن، فقال أبو عبد اللّه «ع»: يا بني أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل:

هكذا يقول الناس. فقال: يا بنيّ لا تفعل.

فعصى إسماعيل أباه و دفع إليه دنانيره فاستهلكها و لم يأته بشي ء منها، فخرج إسماعيل و قضي أنّ أبا عبد اللّه «ع» حجّ و حجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت و يقول: «اللّهم آجرني و اخلف عليّ» فلحقه أبو عبد اللّه «ع» فهمزه بيده من خلفه و قال له: يا بنيّ فلا و اللّه ما لك على اللّه هذا، و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك و قد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 404

..........

______________________________

فقال إسماعيل: يا أبه إنّي لم أره يشرب الخمر إنّما سمعت الناس يقولون، فقال:

يا بنيّ إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: «يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» يقول:

يصدّق اللّه و يصدّق للمؤمنين، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم و لا تأتمن شارب الخمر، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: «وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ» فأيّ سفيه أسفه من شارب

الخمر لا يزوّج إذا خطب و لا يشفع إذا شفع و لا يؤتمن على أمانة فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على اللّه أن يأجره و لا يخلف عليه.» «1»

فمفاد هذه الصحيحة أنّ شياع أمر بين الناس و شهادة المؤمنين به أمارة معتبرة على ما شاع فيجب ترتيب الأثر عليه فإذا شهدوا مثلا بكون أحد شاربا للخمر صار مصداقا لما دلّ على أنّ شارب الخمر لا يزوّج و لا يشفّع و لا يؤتمن. و لا تنحصر حجيّته في موضوع خاصّ كشارب الخمر مثلا، بل تجري في كلّ مورد تحقّق الشياع و الاستفاضة كما هو الظاهر من الصحيحة.

و الظاهر أنّ إسماعيل لم يحصل له العلم و لا الوثوق من الشياع و إلّا لم يكن يتخلّف عن علمه و وثوقه في ماله الذي كان يهتمّ به كثيرا فيستفاد من الحديث حجيّة الشياع و لو لم يفد العلم و لا الوثوق.

أقول: لعلّ هذا الدليل أحسن ما استدل به في المقام، و اعتمد عليه صاحب الجواهر أيضا. «2»

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الشياع بين الناس أمر و شهادة المؤمنين بما هم مؤمنون أمر آخر، إذ شهادة المؤمنين تكون من مصاديق البيّنة الشرعيّة التي مرّ اعتبارها

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 230، الباب 6 من كتاب الوديعة، الحديث 1.

(2)- الجواهر 40/ 56.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 405

..........

______________________________

تعبّدا، و الشهادة فيها تكون عن حسّ كما في مورد الصحيحة.

و إنّما الإشكال و البحث في الشياع بين الناس إذا لم يعلم حالهم من الإيمان و العدالة بل نعلم إجمالا أن أكثرهم همج رعاع أتباع كلّ ناعق لا يستضيئون بنور العلم و لا يشخصون الحقّ من الباطل، و مورده الأمور الممتدّة

في عمود الزمان التي يتعسّر فيها الحسّ غالبا. و دلالة الحديث على اعتباره محلّ إشكال.

و المحقّق النراقي- قدّس سرّه- أيضا حمل الصحيحة على شهادة البيّنة قال في العوائد ما محصّله: «أنّ الاستغراق فيه أفرادي لا جمعيّ فالمعنى كلّ مؤمن شهد عندك فصدّقه، خرج المؤمن الواحد بالدليل فيبقى الباقي.

مع أن إرادة العموم الجمعي منتفية قطعا لعدم إمكان شهادة جميع المؤمنين إلى يوم القيامة و لا جميع مؤمني عصره، بل و لا نصفهم و لا ثلثهم بل و لا عشرهم و لا واحد من ألف منهم فالمراد إمّا الاستغراق الأفرادي كما مرّ أو مطلق الجمع الشامل للثلاثة أو جميع أفراد الجموع الشامل للثلاثة المتعدي حكمه إلى الاثنين أيضا بالإجماع المركّب.

و أيضا الحكم مفرّع على قوله- سبحانه-: «يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ.»

و هو وارد في تصديق النبي «ص» لعبد اللّه بن نفيل و هو كان واحدا.

و أيضا ظاهر أنّ من أخبر إسماعيل بشرب الخمر ليس إلّا اثنين أو ثلاثة.» «1»

أقول: لم يظهر لي من أين ظهر له أنّ المخبر لإسماعيل لم يكن إلّا اثنين أو ثلاثة؟!. هذا.

و في الحديث مناقشة أخرى أيضا، و هي أنّ تزويج شخص و ائتمانه على أمانة يتوقّفان عادة على إحراز الإيمان و الأمانة فمجهول الحال أيضا لا يزوّج

______________________________

(1)- العوائد/ 274.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 406

..........

______________________________

و لا يؤتمن عند العقلاء فلا يتوقّف عدم التزويج و عدم الائتمان على إحراز كونه فاسقا شارب الخمر فتأمّل.

و مناقشة ثالثة، و هي أنّ الآية التي ذكرها الإمام «ع» نزلت في شأن بعض المنافقين المتظاهرين بالإيمان و هو عبد اللّه بن نفيل أو نبتل بن الحارث أو عتّاب بن قشير:

ففي تفسير علي بن إبراهيم ما محصّله: أنّه

كان سبب نزولها أنّ عبد اللّه بن نفيل المنافق كان يقعد إلى رسول اللّه «ص» فيسمع كلامه و ينقله إلى المنافقين و ينمّ عليه فأخبر النبيّ «ص» جبرئيل بذلك فدعاه النبي «ص» فأخبره فحلف أنّه لم يفعل فقال رسول اللّه «ص»: قد قبلت منك فرجع إلى أصحابه فقال:

إنّ محمدا أذن فأنزل اللّه- تعالى-: «وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» أي يصدّق اللّه فيما يقول و يصدّقك فيما تعتذر إليه في الظاهر و لا يصدّقك في الباطن، و قوله: و يؤمن للمؤمنين يعني المقرّين بالإيمان من غير اعتقاد.» «1»

أقول: و يشهد لما ذكره تغيير حرف الصلة و ذكر اللام الظاهرة في النفع أو يكون بتضمين التصديق فإنّه يتعدّى باللام كما في قوله- تعالى-: «وَ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ»

و إذا كان التصديق للمؤمنين بحسب الظاهر فقط فلا حجيّة في قوله و يكون وزانه وزان قوله «ع»: «كذّب سمعك و بصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصدّقه و كذّبهم.» «2»

و على هذا فيشكل الاستدلال بالصحيحة لحجيّة البيّنة أو الشياع. و لعلّ

______________________________

(1)- تفسير علي بن إبراهيم 1/ 300 (- طبعة أخرى/ 275)؛ و الآية 61 من سورة التوبة.

(2)- الكافي 8/ 147، تكذيب المغتاب ...، الحديث 125.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 407

..........

______________________________

الآية الشريفة و الصحيحة كلتاهما في مقام الإرشاد إلى آداب المعاشرة و لزوم التصديق الصوري للمجتمع و الخلطاء و الاحتياط عملا في موارد الشبهة و نحو ذلك فتدبّر. هذا.

و هنا رواية أخرى عن الكافي يظهر منها أن القصّة وقعت لنفس الإمام الصادق مع أبيه «ع» و هي ما رواه

في الوسائل عن الكافي عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثمان عن حماد بن بشير عن أبي عبد اللّه و فيه: و قال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن فأتيت أبا جعفر «ع» فقلت له: إنّي أريد أن أستبضع فلانا، فقال: أما علمت أنّه يشرب الخمر فقلت: بلغني من المؤمنين أنهم يقولون ذلك فقال: صدّقهم فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» ثمّ قال: إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس لك على اللّه أن يأجرك و لا يخلف عليك، فاستبضعته فضيّعها فدعوت اللّه- عزّ و جلّ- أن يأجرني فقال: أي بنيّ مه ليس لك على اللّه أن يأجرك و لا يخلف عليك، قال: قلت: و لم؟ قال: لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول:

«وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً» فهل تعرف سفيها أسفه من شارب الخمر. الحديث» «1» و روى القصة مختصرة العياشي أيضا عن حماد بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع». «2»

أقول: احتمال وقوع القصّة تارة للإمام الصادق «ع» و تارة لابنه إسماعيل غير بعيد و لكن عصيان الإمام الصادق لأبيه بعيد جدا. هذا.

و ربّما يتوهّم جواز الاستدلال لحجيّة الشياع أيضا بأخبار ذكر فيها لفظ المعروف.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 248، الباب 11 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 5.

(2)- تفسير البرهان 2/ 139.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 408

..........

______________________________

كقوله «ع»: «و اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلّا مجلود في حدّ لم يتب منه أو معروف بشهادة زور. الحديث.» «1»

و قوله «ع»: «نعم يشهدون على شي ء مفهوم معروف.» «2»

و قوله «ع»

في شهادة من يلعب بالحمام: «لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق.» «3»

و قوله «ع» «تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر و العفاف.» «4» إلى غير ذلك ممّا حذا حذو هذه الأخبار.

أقول: تفسير المعروف بالشائع عند الناس مصطلح بيننا أهل اللغة الفارسية و لكن الظاهر أنّ المراد به في هذه الأخبار المعروف للشخص لا المعروف عند المجتمع و لا أقل من احتمال ذلك.

هذه هي الوجوه التي أقاموها لاعتبار الشياع و الاستفاضة و قد عرفت المناقشة فيها.

الأمر الثالث: في أن الاستفاضة هل تكون حجة شرعية مطلقا

أو بشرط أن تكون مفيدة للعلم الجازم أو يكتفى فيها بالظن المتاخم للعلم أو يكفي مطلق الظنّ، أو يشترط فيها أن لا يقوم ظنّ بخلافه؟ في المسألة وجوه.

ربّما يستظهر من المحقّق في شهادات الشرائع و النافع حيث اعتبر العلم في الشهادة عدم اعتبار الاستفاضة ما لم تفد العلم.

و في المسالك في تعريف الاستفاضة: «هي إخبار جماعة لا يجمعهم داعية التواطي عادة يحصل بقولهم العلم بمضمون خبرهم على ما يقتضيه كلام المصنّف

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 155، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 301، الباب 48 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 305، الباب 54 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 294، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 20.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 409

..........

______________________________

هنا، أو الظن الغالب المقارب له على قول.» «1»

و ظاهره اعتبار حصول العلم على نظر المصنّف هنا و الظنّ الغالب على القول الآخر.

و لكن لم يظهر لي من كلام المصنّف في باب القضاء اعتبار العلم. و قوله بعد أسطر: «و لا يجب على أهل الولاية قبول دعواه مع عدم البيّنة و إن شهدت الأمارات

ما لم يحصل اليقين.» مورده صورة عدم الاستفاضة كما يظهر لمن تأمّل في عبارته.

و كيف كان فالالتزام باشتراط العلم مساوق لعدم اعتبار الاستفاضة بذاتها إذ العلم حجّة بذاته في أيّ مقام حصل.

و ظاهر أكثر الكلمات أنّ الاستفاضة بنفسها حجّة شرعيّة و لذا اختلفوا في مواردها و تمسّكوا لحجيّتها فيها بأنّ هذه الأشياء ممّا يتعذر إقامة البيّنة عليها فهذا السنخ من الاستدلال ظاهر في كون المقصود حجيّتها بنفسها كالبيّنة.

و يظهر من الجواهر أيضا القول باعتبارها بذاتها بنحو الإطلاق و لكن لم يجوّز الشهادة بمضمونها إلّا إذا حصل العلم ففصّل بين باب الشهادة و بين غيرها من الآثار.

ففي باب القضاء بعد الاستدلال للشياع بالسيرة و بالمرسلة و الصحيحة السابقتين قال: «و منه يعلم أنّه لا مدخلية لمفاده الذي يكون تارة علما و أخرى متاخما له و ثالثة ظنّا غالبا في حجيّته و إنما المدار على تحققه.» «2»

و في باب الشهادات منه: «نعم قد يقال: إنّ الشياع المسمّى بالتسامع مرّة و بالاستفاضة أخرى معنى وحداني و إن تعددت أفراده بالنسبة إلى حصول العلم بمقتضاه، و الظنّ المتاخم له، و مطلق الظنّ إلّا أنّ الكلّ شياع و تسامع و استفاضة.

فمع فرض قيام الدليل على حجيّته من سيرة أو إجماع أو ظاهر المرسل أو خبر

______________________________

(1)- المسالك 2/ 354.

(2)- الجواهر 40/ 57.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 410

..........

______________________________

إسماعيل أو غير ذلك لم يختلف الحال في أفراده المزبورة التي من المقطوع عدم مدخليتها فيه، بل هي في الحقيقة ليست من أفراده و إنّما هي أحوال تقارن بعض أفراده كما نجده بالوجدان بملاحظة أفراده.

و لكن على كلّ حال فإثبات حجيّته و القضاء به و إجراء الأحكام عليه لا يقتضي جواز الشهادة بمضمونه

و إن لم يقارنه العلم لما عرفته من اعتبار العلم في الشهادة و كونه كالشمس و الكفّ ....

و بذلك كلّه يظهر لك سقوط البحث في أنّه هل يعتبر فيه الظنّ المتاخم أو العلم و أنّ في ذلك قولين، بل في الرياض جعل الأقوال ثلاثة بزيادة مطلق الظنّ و نسبة كلّ قول إلى قائل و ذكر الأدلّة لذلك، إذ قد عرفت أنّ هذه الأحوال لا مدخليّة لها في حجيّة الشياع.

كما أنّه ظهر لك منه أنّ الشياع و التسامع و الاستفاضة على أحوال ثلاثة:

أحدها: استعمال الشائع المستفيض و إجراء الأحكام عليه. و الثاني: القضاء به، و الثالث: الشهادة بمقتضاه.

أمّا الأوّل: فالسيرة و الطريقة المعلومة على أزيد ممّا ذكره الأصحاب فيه فإنّ الناس لا زالت تأخذ الفتوى بشياع الاجتهاد و تصلّي بشياع العدالة و تجتنب بشياع الفسق و غير ذلك مما هو في أيدي الناس.

و أما القضاء به، و إن لم يفد العلم فالأولى الاقتصار فيه على السبعة، بل الخمسة، بل الثلاثة بل النسب خاصّة، لأنّه هو المتفق عليه بين الأصحاب.

و أما الشهادة به، فلا تجوز بحال إلّا في صورة مقارنته للعلم بناء على الاكتفاء به في الشهادة مطلقا.» «1»

______________________________

(1)- الجواهر 41/ 134.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 411

..........

______________________________

أقول: و ملخّص الكلام في المقام أنّه إن حصل بالشياع العلم الجازم فلا إشكال فيجوز العمل به بل و الشهادة بمضمونه إلّا أن يناقش فيها باعتبار كونها عن حسّ، و كيف كان فالاعتبار حينئذ للعلم لا للشياع.

و إن حصل الظنّ المتاخم الذي نعبّر عنه تارة بالوثوق و أخرى بسكون النفس كان حجة أيضا لكونه بحكم العلم عند العقلاء يعتمدون عليه في أمورهم و إن أشكل الشهادة بمضمونه على ما أشار

إليه في الجواهر من روايات الشمس و الكفّ «1»

و أمّا إذا لم يحصل العلم و لا الوثوق فالقول بحجيّته حينئذ يتوقّف على تماميّة بعض الوجوه التي مرّت، و عمدتها كما عرفت الصحيحة. و نحن و إن ناقشنا في دلالتها و قرّبنا حملها على البيّنة وفاقا لما في العوائد. و لكن المتبادر من قوله: «هكذا يقول الناس» و قوله: «قد بلغك» هو الشياع بين الناس، و قد مرّ أن إسماعيل لم يحصل له بذلك الشياع العلم و لا الوثوق و إلّا لما أعطى الرجل ماله الذي كان يهتم به، و مع ذلك وبّخه الإمام- عليه السلام- على مخالفة ذلك الشياع.

و لعلّ الرواية الثانية الحاكية لقصّة الإمام- عليه- السلام- مع أبيه «ع» دلالتها أظهر.

نعم يوهن ذلك ما في الصحيحة من قوله «ع» «إذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم» الظاهر في شهادة البيّنة.

و كيف كان فلا يبعد القول بكفاية الشياع و الشهرة في البلد في مثل الأنساب و الأوقاف و نحوهما من الأمور الممتدّة في عمود الزمان إذا حصل الظنّ بالمضمون، و لو لا ذلك أشكل إثبات هذه الأمور مع الابتلاء بها و كثرة أحكامها، و انجرّ الأمر إلى تضييع كثير من الحقوق إذ تحصيل العلم الجازم أو الوثوق أو إقامة البيّنة في مثل

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 250، الباب 20 من أبواب الشهادات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 412

..........

______________________________

الأنساب الممتدّة و الأوقاف القديمة مع كثرة الوسائط و البعد الزماني ممّا يعسر جدّا و الملتزم بذلك يعدّ وسواسا خارجا من المتعارف. هذا، و لكن الأحوط السّعي في تحصيل العلم أو الوثوق ما لم يبلغ حدّ الوسوسة.

و ربّما يقال بجواز التمسك لحجيّة الشياع مطلقا بالأخبار المتمسّك بها لحجيّته في باب الهلال

بإلغاء خصوصيّة المورد:

1- كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» و فيه: «لا تصم ذلك اليوم الذي يقتضى إلّا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه.» «1»

2- و في خبر عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن هلال رمضان يغم علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال: «لا تصم إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه.» «2»

3- و بالإسناد عنه أنّه سأله عن ذلك فقال: «لا تصم ذلك اليوم إلّا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا ذلك فصمه.» «3»

4- و خبر عبد الحميد الأزدي قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» أكون في الجبل في القرية فيها خمس مأئة من الناس. فقال: «إذا كان كذلك فصم لصيامهم و أفطر لفطرهم.» «4»

5- و موثقة سماعة أنّه سأل أبا عبد اللّه «ع» عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه؟ قال: «إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل مصر خمس مأئة إنسان.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 7/ 211، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2)- الوسائل 7/ 212، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

(3)- الوسائل 7/ 212، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

(4)- الوسائل 7/ 212، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(5)- الوسائل 7/ 213، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 413

[لا يكفي مجرّد دعوى الهاشمية]

و لا يكفي مجرّد دعواه (1).

______________________________

أقول: قد حمل في الجواهر هذه الأخبار على صورة حصول العلم و حيث إنّ الغالب في مواردها حصول العلم يشكل الأخذ بإطلاقها فضلا عن التعدّي منها إلى سائر الأبواب.

و اعلم أنّ ظاهر المصنّف هنا كفاية

مطلق الشياع و لكنّه قيّده في باب الخمس (المسألة 4 من فصل قسمة الخمس) بكونه مفيدا للعلم، و الظاهر كما مرّ كفاية الوثوق بل الظنّ، فتدبّر.

(1) أقول: إن حصل الوثوق بدعواه فلا إشكال لما مرّ منا من اعتماد العقلاء في أمورهم على الوثوق و سكون النفس و يكون عندهم في حكم العلم الجازم، لا لابتناء ذلك منهم على تعبّد شرعي أو عقلائي بل ممّا يحكم به عقل كلّ واحد منهم و ارتكازه.

و أمّا إذا لم يحصل فالأصل عدم الحجيّة و اشتغال ذمّة الدافع يقتضي تحصيل البراءة اليقينية.

و لكن يظهر من كشف الغطاء في بابي الزكاة و الخمس جواز الاعتماد على مجرد الدعوى:

قال في باب الزكاة: «و الظاهر الاكتفاء بادعائه أو ادعاء آبائه له مع عدم مظنة الكذب. و الأحوط طلب الحجّة منه على دعواه.

أمّا ادّعاؤه في الفقر فمسموع. و حكم الادّعاء للنسب الخاصّ كالحسنية و الحسينيّة و الموسويّة و الرضويّة حكم الادّعاء العامّ.» «1»

و قال في باب الخمس: «و يصدّق مدّعي النسب ما لم يكن متّهما كمدعي الفقر.» «2»

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 356.

(2)- كشف الغطاء/ 363.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 414

..........

______________________________

و في خمس الجواهر في ذيل العبارة الثانية قال: «و فيه بحث لعدم صدق الامتثال قبل إحراز مصداق الموضوع.

و أصالة صحّة دعوى المسلم فيما لا يعارضها فيها أحد لا تكفى قطعا في فراغ ذمّة الدافع بل أقصاها عدم الحكم بفسق الآخذ لو اتفق، و القياس على الفقر مع أنّه مع الفارق لا نقول به.» «1»

أقول: و لعلّه أراد بالفارق أولا: أنّ دعوى الفقر معتضدة غالبا بالاستصحاب بخلاف الانتساب إذ ليس له حالة سابقة معلومة، و استصحاب العدم الأزلي قابل للمناقشة كما يأتي.

و ثانيا: أنّ الفقر

من الأمور الداخليّة التي لا يعرف غالبا إلّا من قبل الشخص بخلاف الانتساب إذ هو أمر يعرفه الطائفة و القبيلة غالبا فيمكن إثباته بالبيّنة أو بالشياع. هذا.

و مسألة دعوى الفقر قد مرّت بالتفصيل فراجع المسألة العاشرة من فصل المستحقّين. و تعرّض لها فقهاء الفريقين، و نسب إلى المشهور منّا قبول دعواه بل ظهر من بعضهم دعوى الوفاق فيه و أقمنا هناك لجواز القبول أربعة عشر دليلا كأصالة عدم المال، و أصالة العدالة في المسلم، و أصالة الصحة في دعواه، و أنّ مطالبة المؤمن بالبيّنة أو اليمين إذلال له. و أنّه مدع بلا معارض نظير مدّعي الكيس الذي كان بين عشرة، و أنّ الفقر و الغنى من الحالات التي يتعذر إقامة البيّنة عليها و لا تعرف إلّا من قبل الشخص، و كاستمرار السيرة على القبول، و استلزام العسر و الحرج لو كلف بإقامة البيّنة و كالأخبار الواردة في موارد خاصّة و نحو ذلك، فراجع.

و قد ناقشنا هذه الأدلّة في محلّها و لكن قلنا هناك أخيرا: «إنّ الفقيه الذي خلا

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 105.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 415

..........

______________________________

ذهنه من الوسوسة ربّما يطمئنّ بالتأمّل في مجموعها بصحة أصل المدّعى و لا سيما مع فرض حصول الظنّ من مشاهدة حال المدّعي لكثرة الابتلاء بهذا الموضوع و تعذّر إقامة البيّنة أو تعسّرها غالبا فيجري دليل الانسداد الصغير بمقدّماته، بل لا نحتاج إلى الظنّ أيضا إذ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّات بحيث لو أعطى الناس زكواتهم لم يبق فقير و لا غارم كما نطقت به الأخبار. و لا تترتّب هذه المصلحة العامّة إذا فرض التضييق في مقام الإعطاء و التقسيم إذ يبقى الأعفّاء محتاجين و محرومين.» «1»

ثم نقلنا في هذا

المجال كلاما جامعا عن مصباح الفقيه، فراجع.

و بعض الأدلة التي أقاموها في مسألة قبول دعوى الفقر يجري في المقام أيضا، و لكن لما كان إقامة البيّنة و الرجوع إلى الشياع في المقام أسهل أشكل الاكتفاء هنا بمجرد الدعوى، و لكن الظاهر كفاية الظنّ الغالب لقيام السيرة في جميع الأعصار و الأمصار على الاكتفاء به.

و ردّ المدّعي مع حصول الظنّ أيضا يوجب حرمان كثير من المستحقّين، و هذا مخالف لحكمة جعل الزكاة و الخمس المقصود بهما سدّ خلّات الفريقين.

و إن شئت قلت بجريان الانسداد الصغير في هذا القبيل من الموضوعات التي كثر الابتلاء بها و انسدّ باب العلم و العلمي فيها غالبا، فتدبّر.

و العجب من كلام صدر عن صاحب الجواهر في مسألة دعوى الفقر و لو صحّ جرى في المقام أيضا.

و محصّله: «انّ الثابت من التكليف إيتاء الزكاة لا إيتاؤها للفقير مثلا. و قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ...» لا يفيد إلّا كونها لهم في الواقع لا أنّ المكلّف يجب عليه إحراز الصفات في الدفع فهي في الحقيقة كالمال المطروح الذي لا يد

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 367.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 416

..........

______________________________

لأحد عليه.» «1» و تعرّض لنظير ذلك في مسألة ادّعاء الغرم أيضا. «2»

و جوابه واضح فإنّ المكلّف يجب عليه قطعا تشخيص المصرف و إيصال المال إليه، فراجع ما حرّرناه في بحث الغارمين (المسألة 20).

[تذنيب: الحيلة في الدفع للمجهول المدّعي]

تذنيب: في خمس الجواهر: «نعم قد يحتال في الدفع للمجهول المدّعي بأنّ يوكّله من عليه الحقّ في الدفع إذا فرض عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها فإنّه يكفي في براءة ذمّته و إن علم أنّه هو قبضه لأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم

الخلاف، لكنّ الإنصاف أنّه لا يخلو من تأمّل أيضا.» «3»

أقول: محصّل كلام القائل إجراء أصل الصحّة في عمل الوكيل و قد استقرّ بناء العقلاء و المتشرعة على ذلك. نعم يعتبر الوثوق بإتيان العمل إذ الأمر توجّه إلى الموكّل و إنما يكتفي بعمل الوكيل تنزيلا فما لم يحصل الوثوق بإتيانه لم يحصل الفراغ، و المعتبر الوثوق لا العدالة، و لكن بعد الوثوق بإتيان أصل العمل لا مانع من إجراء أصل الصحّة فيه كما في كلّ عمل يصدر من الغير. هذا.

و لكن في خمس مستند العروة ما محصّله: «إنّ القدر المتيقّن من بناء العقلاء و سيرتهم ما إذا لم يعلم الموكّل كيفية العمل الصادر من الوكيل كما إذا وكّله في إجراء عقد و لم يعلم أنّه أجراه بصيغة عربيّة مثلا أو لا.

و أمّا إذا علم الكيفية و أنه أجراه بالفارسية و هو شاكّ في صحته كذلك لشبهة حكمية فإجراء أصل الصحّة حينئذ محلّ إشكال.

و يلحقه في الإشكال مورد الشك لشبهة موضوعية أيضا كما في المقام حيث

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 323.

(2)- الجواهر 15/ 367.

(3)- الجواهر 16/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 417

..........

______________________________

يعلم الموكّل أنّ الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده لاستحقاقه، و لكن الموكّل يشكّ في استحقاقه لعدم إحراز قيام السيرة في مثل ذلك.

و من الواضح أن علم الوكيل طريقي محض و ليس بموضوعي فلا أثر له في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكّل.» «1»

أقول: ما ذكره بالنسبة إلى الشبهة الحكمية صحيح بعد العلم بإتيانه بكيفية يشك الموكل في صحتها حكما إذ مورد أصل الصحة هو الشك في إتيان العمل صحيحا بعد العلم بما هو الصحيح بحسب الحكم الشرعي، و ليس أصل الصحة مرجعا في الشبهات الحكمية.

و أما إذا فرض

اتفاق نظرهما في أصل الحكم و في شرائط الموضوع بل و في طرق إثباته و إحرازه و فرضنا كون الوكيل ثقة فإحراز مصاديق الموضوع حينئذ يكون من وظائف من يتصدى للعمل مباشرة و يحمل عمله على الصحة ما لم ينكشف الخلاف.

و النكتة في إجراء الأصل ندرة خطأ الفاعل و اشتباهه في تطبيق الموضوع بعد العلم بأصل الحكم و حدود الموضوع.

و لو لا ذلك لوجب على الموكل أن يتفحص عن كل واحد من المصارف و عن حالاته، و سيرة العقلاء على خلاف ذلك بعد كون الوكيل ثقة في أصل إتيان العمل بشرائطه، إذ يعتمدون في هذا القبيل من الأمور على تشخيص المباشر و إحرازه ما لم ينكشف الخلاف.

كيف؟! و أيّ فرق بين شخص الوكيل و بين سائر المصاديق إذا عرفهم الموكل بأشخاصهم و لم يعرف حالاتهم و أنهم واجدون للشرائط أم لا، فتأمّل.

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقى- كتاب الخمس/ 322.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 418

[يؤخذ بإقراره في عدم دفع الزكاة إليه]

و إن حرم دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره (1).

______________________________

و في خبر شهاب بن عبد ربّه قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها؟ قال: «نعم لا بأس بذلك أما إنّه أحد المعطين.» «1»

و إذا كان الوكيل أحد المعطين للزكاة فتشخيص المصاديق يكون على عهدته، فتأمّل.

ثمّ ليس دليل حجية أصل الصحة منحصرا في سيرة العقلاء و إلّا لانحصرت حجيّته في موارد حصول الوثوق بالصحة شخصا لعدم وجود التعبد بين العقلاء بما هم عقلاء و إنما يعتمد كلّ شخص على وثوق نفسه، فلعلّ الدليل عليها الإجماع و سيرة المتشرعة بما هم متشرعة في الأبواب المختلفة من العقود و الإيقاعات و الوكالات و

الإجارات و الجماعات و تجهيز الموتى و غيره من الواجبات الكفائية فتدبّر.

(1) في الجواهر بعد الإشكال في قبول دعوى النسب ممّن ادّعى أنّه هاشمي قال: «نعم في المقام لا يبعد قبوله إلزاما له بإقراره فلا تدفع له الزكاة.» «2»

أقول: لما دلّ على الأخذ بالإقرار على النفس من بناء العقلاء على ذلك على اختلاف مذاهبهم و ثقافاتهم. و من آيات كريمة يستفاد منها ذلك كقوله- تعالى-:

«قٰالَ أَ أَقْرَرْتُمْ ... قٰالُوا أَقْرَرْنٰا.» «3»

و قوله: «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ.» «4» و ما اشتهر نقله عن النبي «ص» أنّه قال: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» «5» و ما روي عن الصادق «ع» أنّه قال:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الجواهر 15/ 407.

(3)- سورة آل عمران (3)، الآية 81.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 102.

(5)- الوسائل 16/ 111 (- طبعة أخرى 16/ 133)، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2؛ و المستدرك 3/ 48، الباب 2 من كتاب الإقرار، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 419

[لو ادّعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة لأصالة العدم]
اشارة

و لو ادّعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة لا لقبول قوله، بل لأصالة العدم عند الشكّ في كونه منهم أم لا (1)، و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.

______________________________

«المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا عليه» «1» و خبر جراح المدائني عن أبي عبد اللّه «ع» إنّه قال: «لا أقبل شهادة الفاسق إلّا على نفسه» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

و لكن في المستمسك بعد الإشارة إلى كلام الجواهر قال: «و لكنه غير ظاهر إذ الإقرار إنّما يمنع من العمل بالحجّة- من أمارة أو أصل- بالإضافة إلى الأحكام التي تكون للمقرّ لا بالإضافة إلى المالك و إفراغ

ذمّته بذلك، فتأمل.» «3»

أقول: مفاد الأدلّة أنّ إقرار العاقل على نفسه حجة في كلّ ما يرتبط بنفسه و يكون بمنزلة قيام الدليل المعتبر على ذلك و إن لم يكن حجة فيما يرتبط بحق الغير، فمن أقرّ بكونه هاشميا كان مقتضى إقراره عدم استحقاقه للزكاة نظير ما إذا أقرّ بكونه غنيا فوجب على كلّ من سمع هذا الإقرار ترتيب الأثر عليه فلا يصحّ إعطاء الزكاة له و إن لم تكن شهادته و إقراره موجبا لحرمان المنتسبين إليه، فتدبّر.

(1) يظهر من كلام الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة في مبحث الحيض فيمن شك في انتسابه إلى قريش: «أنّ أصالة عدم الانتساب معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات.» «4»

و في المستمسك: «فقد حكي عن بعض: أنّه نسب إلى الأصحاب بناءهم على العمل بها في جميع أبواب الفقه من النكاح و الإرث و الوصية و البيع

______________________________

(1)- الوسائل 16/ 111 (- طبعة أخرى 16/ 133)، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 1.

(2)- الوسائل 16/ 112 (- طبعة أخرى 16/ 135)، الباب 6 من كتاب الإقرار، الحديث 1.

(3)- المستمسك 9/ 312.

(4)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم الأنصاري/ 189 (- طبعة أخرى/ 167).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 420

..........

______________________________

و الوقف و الديات و غيرها.» «1»

و في طهارة مصباح الفقيه في مبحث الحيض: «و لو اشتبه المصداق فالمرجع أصالة عدم الانتساب المعوّل عليها لدى العلماء في جميع الموارد التي يشك في تحقق النسبة بل الاعتماد عليها في مثل ما نحن فيه من الأمور المغروسة في أذهان المتشرعة، بل المركوز في أذهان العقلاء قاطبة.

و لذا لا يعتني أحد باحتمال كونه قرشيا مع أنّ هذا الاحتمال بالنسبة إلى أغلب الأشخاص محقّق بل ربّما يكون مظنونا

و مع ذلك لا يلتفون إليه و يرتبون آثار خلافه، و هذا ممّا لا شبهة فيه.

و إنما الإشكال في تعيين وجه عمل العقلاء و العلماء بهذا الأصل و بنائهم على عدم تحقّق النسبة المشكوكة و ترتب آثار خلافها. و لا يبعد أن يكون منشأه الغلبة و حكمة اعتبارها لديهم انسداد باب العلم غالبا. و لا يعارض هذا الأصل بعد فرض اعتباره شي ء من الأصول و العمومات ...» «2»

أقول: فيظهر من هذه الكلمات أنّ الانتساب الخاص إذا كان موضوعا لحكم خاصّ كاستحقاق الهاشمي للخمس و تحيّض القرشية إلى ستّين فمع الشك في هذا الانتساب لا يجري عندهم هذا الحكم الخاص بل يحكم بعدم الانتساب و يجري عليه حكمه. و ظاهرهم كون المسألة إجماعية بل ظاهر مصباح الفقيه اتفاق المتشرعة بل العقلاء بما هم عقلاء على ذلك.

و لا يخفى أن عدم إجراء الحكم الخاص وجهه واضح إذ إجراء الحكم في مرحلة الامتثال يتوقّف على إحراز الموضوع، و لكن لا يقتضي هذا إجراء حكم الخلاف

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 312.

(2)- كتاب الطهارة من مصباح الفقيه/ 270 (2/ 54).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 421

..........

______________________________

إذ استحقاق الزكاة مثلا يتوقف على إحراز عدم الانتساب و كذلك التحيض إلى خمسين، و المفروض كونه مشكوكا فيه فما وجه حكم الأصحاب بذلك؟

و الكلمات التي حكيناها عن الأعاظم و إن كان يستفاد منها دعوى الإجماع في المسألة بل ضرورتها عند المتشرعة أيضا و لكن إحراز ذلك بحيث يعتمد عليه و يكشف به تلقّي المسألة عن المعصومين «ع» مشكل، و لذا ترى كلّ واحد من المتأخرين يتمسك لها بوجه اعتباري أو أصل عملي. هذا.

و قد ذكروا في توجيه المسألة وجوها:
[الوجه الأول وجود الغلبة في غير المنتسب إلى هاشم]

الأوّل: ما أشار إليه في مصباح الفقيه و محصّله وجود الغلبة في

غير المنتسب إلى هاشم بحيث يحصل الظنّ بعدم انتساب المشكوك إليهم. و السيرة قائمة على العمل بالظن في هذا القبيل من الأمور لانسداد باب العلم و العلمي فيها. و الوسوسة في ذلك يوجب تضييع حقوق كثيرة.

أقول: لأحد منع انسداد باب العلمي فيها للتمكن من البينة و الرجوع إلى الشياع في المحلّ، فتأمّل.

[الوجه الثاني التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص]

الوجه الثاني: أن تحمل فتاوى الأصحاب على إجازتهم للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص بتقريب أن مقتضى عموم قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ» «1» عموم المصرف، و هذا العموم و إن خصّص بالنسبة إلى بني هاشم، و لكن الفرد المشكوك فيه يكون مصداقا للعامّ قطعا و يشكّ في فرديّته للمخصّص ففي ناحية العامّ قد أحرز الصغرى و الكبرى معا و في ناحية المخصّص

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 422

..........

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 3، ص: 422

______________________________

لم يحرز الصغرى بالنسبة إلى المشتبه و الحجة إنّما تتمّ بإحرازهما معا، فلا يجوز رفع اليد عن العام بسببه فإنّه من قبيل رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة.

فالمقام نظير ما نسب إليهم من القول بالضمان في اليد المردّدة بين كونها عادية أو أمنية.

و ربّما يظهر من صاحب الجواهر اختيار هذا الوجه في المقام، حيث تمسك لجواز الإعطاء لمجهول النسب و اللقيط بعموم الفقراء لهما، فراجع «1». و سيأتي نقل عبارته في المسألة الآتية.

أقول: قد حقّق في محله عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصّص و إن كان منفصلا إذ في هذه الصورة و إن انعقد للعام الظهور في العموم، و الشي ء لا ينقلب

عمّا وقع عليه، لكن مجرد ظهور اللفظ في مرحلة الاستعمال لا يصحّح الاحتجاج ما لم يحرز الجدّ و لو بأصالة التطابق بين الإرادة الاستعمالية و الارادة الجدّيّة.

و بعد ورود المخصّص و العثور عليه يظهر أن الإرادة الجديّة في ناحية العامّ تعلّقت بغير ما ينطبق عليه عنوان المخصّص واقعا إذ ليس حكم المخصّص مختصّا بافراده المعلومة فقط.

فالمخصّص و إن لم يكن حجّة بالنسبة إلى الفرد المشتبه و لا يجري عليه حكمه فعلا لكن يوجب قصر حجيّة العامّ و إرادته جدّا على غير ما يشمله عنوان المخصّص بحسب متن الواقع، و ليس على المولى الا بيان الأحكام الكلية و قد بيّنها في كلتا الناحيتين فقامت هنا حجّتان من قبله و ضيّقت الثانية منهما موضوع الأولى بحسب الإرادة الجدية، و الفرد المشتبه كما لم يحرز كونه مصداقا للمخصّص

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 407.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 423

..........

______________________________

لم يحرز كونه مصداقا للعامّ بما أنه موضوع لحكمه في مقام الجدّ إذ بالتخصيص يظهر أن الموضوع له حيثية العامّ مقيدا بعدم تعنونه بعنوان المخصّص و المفروض الشك في كون الفرد المشتبه مصداقا لهذا المقيّد فالتمسّك فيه بالعام حينئذ نظير التمسّك بالعامّ فيما يشك في كونه من مصاديق نفسه و هو واضح البطلان.

و قصر حكم العام على غير عنوان المخصّص و تضييقه لموضوعه لا يتوقف على إحراز مصاديق المخصّص، إذ هذا القصر يكون في مرحلة تشخيص الحكم و المراد الجديّ للمولى، و إحراز المصاديق يكون من وظائف العبد في مرحلة الامتثال، و رتبة الأوّل مقدّمة على الثاني و لا يتوقّف المتقدّم على المتأخّر.

و السّر في ذلك ما أشرنا إليه من أن وظيفة المولى ليس إلّا بيان الأحكام الكلية، و هذا هو

الفارق بين الشبهة المفهومية و الشبهة المصداقية للمخصص.

إذ في الشبهة المفهومية مع التردد بين الأقل و الأكثر يكون رفع الشبهة من وظائف المولى فالحجة لم تتم من قبله إلّا بالنسبة إلى الأقل فيؤخذ في الزائد بالعموم بلا مزاحم.

و هذا بخلاف المقام فإن الحجّة من ناحية المولى قد تمّت في كلّ من العام و الخاصّ، و أصالة الجدّ تجري في كليهما و الشبهة المصداقية للمخصص تكون شبهة مصداقيّة لكلّ من الأصلين أيضا فلا يحكم عليها لا بحكم العامّ و لا بحكم الخاصّ.

اللّهم إلّا أن تكون هنا أمارة أو أصل يحرز به عدم دخولها تحت عنوان الخاصّ فينطبق عليها العام قهرا إذ الموضوع في ناحية العامّ ليس معنونا إلّا بعدم عنوان الخاصّ فتدبّر. و قد تعرّضنا للمسألة في المجلد الأول من الزكاة، فراجع. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 57.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 424

[الوجه الثالث: قاعدة المقتضي و المانع]

______________________________

الوجه الثالث: قاعدة المقتضي و المانع بتقريب أن الفقر مثلا مقتض لإعطاء الزكاة و الانتساب إلى هاشم مانع فإذا أحرز المقتضي و شكّ في المانع كان بناء العقلاء على الأخذ بدليل المقتضي.

أقول: و فيه منع هذه القاعدة إذ الحكم تابع لموضوعه فإذا كان الموضوع و لو بحسب الجدّ مركبا من المقتضي و الشرائط و فقد الموانع فلا وجه لإجراء الحكم بمجرد إحراز المقتضي.

و كون بناء العقلاء على ذلك قابل للمنع اللّهم إلّا أن يكون المانع نادرا جدّا بحيث يوثق بفقده.

[الوجه الرابع: إناطة الحكم بأمر وجودي يدل على إناطته بإحراز ذلك الأمر الوجودي]

الوجه الرابع: أن يقال: إنّ إناطة الحكم بأمر وجودي يدل بالالتزام على إناطته بإحراز ذلك الأمر الوجودي، إذ البعث و الزجر إنّما يوجدان من قبل المولى بداعي انبعاث العبد و انزجاره، و هذان لا يمكن تحقّقهما إلّا في ظرف العلم بالحكم و الموضوع معا و مقتضى ذلك عدم وجود البعث و الزجر أيضا في ظرف الجهل بأحدهما إذ المتضايفان متكافئان قوّة و فعلا. و اذا لم يكن حكم المخصص فعليا بالنسبة الى الفرد المشتبه شمله حكم العام قهرا لكونه من مصاديقه، و المانع و هو فعلية حكم المخصص مفقود.

أقول: إن كان المقصود أن إناطة الحكم بأمر وجودي مرجعها إلى أخذ العلم بالحكم و الموضوع في موضوعه فهو خلاف الظاهر بل خلاف المقطوع به إذ الأحكام جعلت لذوات الموضوعات لا للمعلومة منها و هي مطلقة بالنسبة إلى العالم و الجاهل.

و إن كان المقصود عدم فعلية حكم المخصّص بالنسبة إلى الفرد المثبتة فقط ففيه أوّلا، أنّه لو سلّم ذلك لكن روح الحكم أعنى إرادة المولى و كراهته موجودتان قطعا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 425

..........

______________________________

و ثانيا، أنّ حكم المخصّص و إن لم يحرز شموله للفرد المشتبه لكن

كونه كاشفا عن ضيق الموضوع في ناحية العامّ بحسب الجدّ يكفي في عدم جواز التمسك له بالعام إذ بالمخصص يظهر أنّ حيثيّة العام بإطلاقه لم يكن تمام الموضوع لحكمه بل مقيّدة بعدم انطباق عنوان المخصّص و المفروض الشكّ في تحقّق هذا القيد فالمشتبه لم يحرز كونه مشمولا لحكم العامّ و لا لحكم المخصّص، فتدبّر.

[الوجه الخامس: إحراز عدم المخصّص باستصحاب العدم الأزلي]
اشارة

بحث حول استصحاب العدم الأزلي الوجه الخامس: إحراز عدم المخصّص باستصحاب العدم الأزلي فينطبق حكم العامّ قهرا لتحقق موضوعه بقيده.

[الإشارة إلى بعض المصطلحات المنطقية]
اشارة

و الأولى قبل الورود في بيانه أن نشير إلى بعض المصطلحات المنطقية بنحو الاختصار لدخلها في وضوح البحث:

[القضية المعدولة]

الأوّل: من القضايا المذكورة في المنطق القضية المعدولة و هي القضية التي جعلت أداة السلب جزء من موضوعها أو محمولها أو كليهما كقولنا: كلّ لا حيّ جماد، أو زيد لا بصير، أو كلّ لا حيّ لا مدرك. فقولنا: زيد لا بصير أو غير قرشي مثلا قضية موجبة معدولة المحمول.

و وجه التسمية بها أن أداة السلب وضعت لسلب النسبة فإذا جعلت جزء من المحمول أو الموضوع فقد عدل بها عن وضعها الأوّلي ثم سمّيت القضية بذلك تسمية الكل باسم الجزء.

و الظاهر أنّ المعدولة إنما تعتبر فيما إذا وجدت ملكة الوجود فيقال: زيد لا بصير، و لا يقال: الجدار لا بصير كما لا يقال: الجدار أعمى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 426

[الموجبة السالبة المحمول]

______________________________

الثاني: من القضايا التي ذكرها المتأخرون: الموجبة السالبة المحمول و يراد بها القضية التي يكون المحمول فيها قضية سالبة فكأنها قضيتان: كبرى و صغرى و اشتملت على رابطين بينهما أداة السلب كقولنا مثلا: زيد هو ليس هو بقائم.

و لا يعتبر في مثلها وجود الملكة، و لعلّ الغرض من هذا التركيب حصر السلب في موضوع خاصّ و لو إضافيا.

[وجود الموضوع في ظرف الحكم]

الثالث: جميع القضايا تتوقّف على وجود الموضوع في ظرف الحكم أعني ذهن الحاكم.

و لكن تمتاز الموجبة عن السالبة باحتياجها إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق و نفس الأمر أيضا إذ وجود شي ء لشي ء لا يعقل إلّا مع تحقّق الشي ء الأوّل في رتبة سابقة و يشترك في ذلك جميع أقسام الموجبة حتى المعدولة و سالبة المحمول.

و هذا بخلاف السالبة إذ عدم المحمول كما يصدق مع وجود الموضوع يصدق مع عدمه أيضا و هذا واضح.

و على هذا فالسالبة المحصلة أعمّ من الموجبة المعدولة و من الموجبة السالبة المحمول أيضا.

[الوجود المحمولي و الوجود الرابط]

الرابع: الوجود إمّا محمول و إمّا رابط، فالوجود المحمولي ما جعل محمولا في القضيّة و يحكي عن وجود الشي ء نفسه لا عن وجود شي ء لشي ء و يعبر عنه بمفاد كان التامّة و الهليّة البسيطة. و نقيضه العدم المحمولي كقولنا: زيد معدوم أو ليس بموجود و يعبّر عنه بمفاد ليس التامّة.

و الوجود الرابط ما لا نفسيّة له بل يكون رابطا بين شي ء و شي ء و بعبارة أخرى وجود شي ء لشي ء كقولنا: زيد قائم، فزيد موجود جوهري في نفسه،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 427

..........

______________________________

و القيام موجود عرضي في نفسه من مقولة الوضع، و لكن مفاد القضية أعني النسبة الحكمية و كون زيد قائما وجود رابط بين العرض و محله و هو معنى حرفي لا نفسية له بل يتقوم بالطرفين و يعبّر عنه بمفاد كان الناقصة و الهليّة المركبة، و نقيضه سلب الربط كقولنا: ليس زيد بقائم و يعبّر عنه بمفاد ليس الناقصة.

و هل توجد النسبة في القضية السالبة أم لا؟ و على الأوّل فهل هي محطّ السلب أو العدم بنفسه رابط؟ فيه كلام للأعلام.

و الأستاذ الأعظم آية اللّه العظمى

البروجردي- قدّس سرّه- كان يصرّ بأنّ في السوالب العدم بنفسه رابط و يعبر عنه بالنسبة السلبية، فكما أن الوجود قد يكون محمولا و قد يكون رابطا فكذلك العدم. و قد حرّرنا ذلك في نهاية الأصول في المقام «1»، و إن كان لنا فيه كلام إذ العدم بما أنه عدم بطلان محض و لا واقعية له فكيف يقع رابطا بين شي ء و شي ء؟

و الأستاذ الإمام- طاب ثراه- قال- على ما في تقريرات بحثه- «2»: إنّ السوالب لا نسبة فيها مطلقا و كذا كثير من الموجبات، بل يكون مفاد الموجبات الهوهويّة و مفاد السوالب سلب الهوهويّة فالسلب لا يقع على النسبة بل على المحمول أو الهوهويّة و لا يكون بنفسه رابطا أيضا. نعم قد توجد النسبة في بعض الهليّات المركبة، و عبّر عنها بالحمليات المؤوّلة التي وقع الرابط فيها بحرف الإضافة كقولنا زيد في الدار أو زيد له القيام. و التفصيل يطلب من تقريرات بحثه. و حيث إن المسألة طويلة الذيل لا يهمّنا هنا البحث فيها.

______________________________

(1)- نهاية الأصول/ 300- 301.

(2)- تهذيب الأصول 2/ 24 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 428

[لا بشرط و بشرط شي ء و بشرط لا]

______________________________

الخامس: لا يخفى أن الموضوع للحكم بالإضافة إلى كلّ خصوصيّة و حالة يمكن أن ينقسم بلحاظها إما أن يكون بحسب متن الواقع و الإرادة الجديّة مطلقا أي تمام الموضوع للحكم أو يكون مقيّدا بوجودها أو يكون مقيّدا بعدمها.

و بعبارة أخرى إمّا أن يعتبر بالإضافة إليها لا بشرط أو بشرط شي ء أو بشرط لا، إذ لا يعقل أن يكون الحاكم في مقام جعل الحكم غافلا عن موضوع حكمه و لا يتعقّل الإهمال في مقام الثبوت، و هذا واضح لا مرية فيه.

و من هذا القبيل أيضا

العامّ المخصّص إذا كان موضوعا لحكم شرعي، و حيث إنّه خصّص بمخصّص فلا مجال لبقائه على إطلاقه الذاتي موضوعا للحكم فلا محالة يتقيّد في مقام الجدّ بأن لا يكون معنونا بعنوان المخصّص.

و ما عن بعض الأعلام من تنظيره بموت بعض الأفراد حيث لا يوجب هذا تقييدا في الموضوع فكأنّ التخصيص موت تشريعي يكون وزانه و زان الموت التكويني لبعض الأفراد واضح الفساد، إذ الحكم لا يتحقّق إلّا في ظرف وجود الموضوع خارجا، و الموت التكويني يوجب خروجه عن كونه من مصاديق الموضوع حقيقة.

و هذا بخلاف التخصيص فإنّ الموجود باق على ما كان عليه، و المفروض كونه مصداقا للعامّ حقيقة فلو كان باقيا على حكمه ناقض حكمه حكم المخصّص فلا بدّ من تقييد في ناحية العامّ حتّى يوجب تضييق الموضوع بحيث لا يشمل مصاديق المخصّص فتدبّر.

[تقريب التمسك باستصحاب العدم الأزلي]

إذا عرفت هذا فنقول: تقريب التمسك باستصحاب العدم الأزلي في المقام أن يقال: إنّ تخصيص العامّ بعنوان وجودي و إن أوجب تقيّد العامّ في مرحلة الجدّ و عدم بقائه على إطلاقه و لكنّه لا يتقيّد إلّا بعدم عنوان المخصّص.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 429

..........

______________________________

و هذا العدم ممّا يمكن إحرازه بالاستصحاب، إذ الفقير مثلا قبل وجوده لم يكن هاشميا، و المرأة قبل وجودها لم تكن قرشية فيستصحب هذا العدم الأزلي و يتمّ الموضوع في ناحية العامّ.

و عدم الأثر الشرعي لهذا العدم في ظرف كونه متيقّنا أعني عدم وجود الموضوع لا يضرّ، إذ يكفي في إجراء الأصل وجود الأثر للمستصحب حال كونه مشكوكا فيه أعني ظرف التعبّد بالاستصحاب.

فإن قلت: إنّ العدم السابق كان مستندا إلى عدم الموضوع و العدم اللاحق مستند لا محالة إلى عدم المقتضي أو وجود المانع فالمشكوك فيه

غير المتيقّن.

قلت: اختلاف العلّة و لا سيّما في العدم لا يوجب اختلاف المعلول عرفا نظير استصحاب ترك الأكل و الشرب للصائم بعد المغرب فإنّه جار عرفا مع أنّ الترك في النهار كان لأمر الصوم و الترك في الليل لداع آخر.

و بالجملة فزيد مثلا قبل انعقاد نطفته لم يكن موجودا و لا هاشميا فإذا تبدّل عدمه بالوجود و شك في تبدّل العدم الثاني جاز لنا استصحاب العدم إذا فرض له أثر فعلا كما في المقام.

فإن قلت: عدم انتساب الفقير إلى هاشم و عدم انتساب المرأة إلى قريش بنحو العدم المحمولي و ليس التامّة و إن كان له حالة سابقة، و لكن لمّا كان التقييد في مرحلة وجود المخصص بنحو الكون الناقص و الوجود الربطي كان الباقي تحت العام نقيض ذلك أعني مفاد ليس الناقصة و العدم الربطي، و بعبارة واضحة عدم كون الفقير هاشميا و عدم كون المرأة قرشية،

و إثبات هذا العدم الربطي باستصحاب العدم المحمولي من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 430

..........

______________________________

قلت: كما أن العدم المحمولي له حالة سابقة فكذلك العدم الربطي أيضا له حالة سابقة إذ قبل وجود المرأة مثلا كما يصدق أنها لم تكن موجودة يصدق أيضا أنّها لم تكن قرشية لانتفاء المحمول بانتفاء الموضوع، و السالبة بانتفاء الموضوع من القضايا الصادقة التي يدركها العقل.

لا نقول: إنّ المرأة قبل وجودها كانت متّصفة بعدم القرشية بنحو الإيجاب العدولي، بل نقول: إنها قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشية بنحو السلب المحصّل، و هذا يكفي في إجراء حكم العامّ إذ يكفي فيه عدم كونه معنونا بعنوان الخاصّ.

و بالجملة لا نريد إجراء الاستصحاب في العدم المحمولي حتى يقال بعدم الأثر له، و إثبات

العدم الربطي به لا يجوز. و لا نقول أيضا: إنّ المرأة قبل وجودها كانت متّصفة بعدم القرشية بنحو الإيجاب العدولي حتى يناقش باحتياج الموجبة بجميع أقسامها إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق. بل نقول: إن المرأة قبل وجودها لم تكن متّصفة بالقرشيّة بنحو السلب المحصّل، و السالبة تصدق مع انتفاء الموضوع أيضا.

أقول: هذا محصّل ما اختاره و شيّد أركانه جمع من أعاظم المتأخّرين و سمّوه باستصحاب العدم الأزلي و تمسّكوا به في أبواب كثيرة من الفقه، و لعلّ هذا الوجه الخامس أمتن الوجوه المذكورة في المقام.

و لكن يمكن أن يناقش:

أوّلا: بأنّ استصحاب العدم الأزلي بكلا قسميه في المقام من المحمولي و الربطي ممّا لا عرفية له و ينصرف عنه أدلّة حجيّة الاستصحاب كما صرّح

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 431

..........

______________________________

بذلك الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه- على ما حرّرنا عنه في نهاية الأصول. «1»

إذ المقصود ليس استصحاب مطلق عدم الانتساب بل عدم انتساب هذه المرأة الخارجية،

و هذه المرأة إنما صارت هذه المرأة بوجودها و تحقّقها في الخارج، و ما لا وجود له لا ماهيّة له، فالشي ء قبل وجوده معدوم مطلق و بطلان محض، لا مرأة و لا هذيّة حتى تعتبر لها القرشيّة أو غيرها، لا معروض و لا عارض و لا نسبة، لا عليّة و لا معلولية و لا ميز. و لا تقبل إشارة حسيّة و لا عقليّة حتى يضاف إليها القرشيّة أو تنفى عنها.

و إنّما يعتبر عدم العارض عند العقلاء في ظرف وجود المعروض و خلوّه عنه بلحاظ وجود ملكته و استعداده فيه، و أمّا قبل وجوده فلا ذات و لا صفات و لا نسبة.

و ما يتخيّل باسم الذات أو الصفات حينئذ يكون من مخترعات أذهان

أهل المدرسة و أكاذيبهم، فلا ارتباط لها بالمرأة الخارجيّة المشار إليها بلفظ هذه.

فهذه المرأة قبل وجودها لم تكن هذه المرأة و بعد ما وجدت و صارت هذه المرأة إمّا وجدت قرشيّة أو وجدت غير قرشيّة. و كيف كان فهي باقية على ما وجدت عليه قطعا.

و بالجملة فلا سابقة للعدم الأزلي لقرشيّة هذه المرأة لا للمحمولي منه و لا للربطي حتى يستصحب.

و لو سلّم اعتبار العرف لعدم قرشيّتها في العدم المحمولي فعدم اعتبارهم لعدمها

______________________________

(1)- نهاية الأصول/ 302.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 432

..........

______________________________

في العدم الربطي أعني سلب شي ء عن شي ء أمر واضح.

و مجرّد صدق السالبة بانتفاء الموضوع عقلا لا يكفي في شمول أدلّة الاستصحاب له.

ثمّ إنّه يعتبر في الاستصحاب اتّحاد القضيّة المتيقّنة و المشكوكة، و كيف تتّحد القضيّة المخترعة في عالم الخيال مع القضيّة المعتبرة عند العقلاء بلحاظ وجود موضوعها في الخارج و الإشارة إليه بلفظ هذا، ففي الحقيقة ليس لنا متيقّن مشكوك البقاء حتى يستصحب.

نعم لو شكّ في وجود الشي ء بنحو الهليّة البسيطة من دون أن يضاف إلى شي ء موجود في الخارج و كان مسبوقا بالعدم جاز استصحاب عدمه كما لا يخفى، فتدبّر. هذا كلّه أوّلا.

و ثانيا: إنّ موضوع الحكم كما عرفت إمّا نفس الطبيعة بإطلاقها الذاتي أو المقيّدة بوجود شي ء أو المقيّدة بعدمه. و على هذا فإذا خصّص العامّ بأمر وجوديّ فلا محالة خرج الموضوع في ناحية العام بحسب الإرادة الجدّية عن إطلاقه و سريانه، و تضيق في هذه الناحية.

و حيث إنّ المخصّص أمر وجودي أخذ نعتا بنحو الكون الناقص و الهليّة المركبة فلا محالة يكون الباقي تحت العامّ رفع ذلك و نقيضه أعني مفاد ليس الناقصة.

و لكن بعد تقييد العام بمفاده يرجع

إلى كون الموضوع في ناحية العامّ مأخوذا بنحو الموجبة السالبة المحمول. و الموجبة و إن كانت سالبة المحمول لا تصدق إلّا مع وجود الموضوع في ظرف الصدق فلا تحقق لها في حال عدمه.

و استصحاب نفس القيد أعني مفاد السلب المحصّل الثابت في الأزل لا يثبت المقيّد بما هو مقيد أعني التقيّد و الاتصاف.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 433

[بيان السيّد الإمام- طاب ثراه]

______________________________

و ببيان آخر اقتبسناه من الاستاذ الإمام- طاب ثراه- على ما في تقريرات بحثه في المقام «1»: أنّه بعد القطع بخروج العامّ عن إطلاقه فالقيد العدمي المأخوذ في ناحيته إمّا أن يكون مأخوذا بنحو الموجبة المعدولة المحمول ككون المرأة غير قرشيّة كما لعلّه الظاهر من تعبيرات المحقق النائيني على ما في تقريرات بحثه، أو بنحو الموجبة السالبة المحمول ككونها متّصفة بأن لا تكون قرشيّة، أو بنحو السالبة المحصّلة المحضة أعني سلب شي ء عن شي ء.

و لا يخفى أن مقتضى الأوّلين الاحتياج إلى وجود الموضوع في ظرف الصدق فلا تحقّق لهما قبله و لا مجال للاستصحاب.

و مقتضى الثالث كون الموضوع للحكم الإيجابي في ناحية العامّ السالبة المحصّلة المطلقة الصادقة حتى مع عدم الموضوع، و من المعلوم بطلان ذلك لامتناع أن يكون السلب المحصّل المطلق الصادق حتى مع عدم الموضوع موضوعا لحكم إيجابي كالتحيّض إلى خمسين مثلا فبقرينة الحكم الإيجابي على العامّ يظهر أن الموضوع في ناحيته عنوانه الموجود خارجا مقيّدا بأن لا يصدق عليه عنوان المخصّص كالمرأة الموجودة في الخارج المتّصفة بأن لا تكون من قريش فيرجع إلى مفاد الموجبة السالبة المحمول و قد عرفت حالها.

و بعبارة ثالثة: الحكم في ناحية العامّ شرّع للموجود خارجا و لكن بشرط أن لا يتعنون بعنوان المخصّص، فالتحيّض إلى خمسين مثلا شرّع

للمرأة الموجودة خارجا بشرط أن لا تكون من قريش لا لماهيّتها اللابشرط من الوجود و العدم.

______________________________

(1)- تهذيب الأصول 2/ 28.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 434

..........

______________________________

و الزكاة وضعت للفقير الموجود في الخارج بشرط أن لا يكون هاشميا لا لماهيّته المطلقة و لو في حال العدم و المرأة من بدو انعقاد نطفتها إمّا قرشيّة أو غير قرشيّة، و الفقير من بدو وجوده إمّا هاشمي أو غير هاشمي فلا يجري فيهما استصحاب العدم.

و المستصحب باستصحاب العدم الأزلي عدم كون المرأة قرشيّة و عدم كون الفقير هاشميا بالسلب المحصّل المطلق الصادق حتى مع انتفاء الموضوع.

فالموضوع لحكم العام خصوص الموجود خارجا و الموضوع للقضيّة المتيقّنة التي أريد استصحابها هي الماهيّة المطلقة الصادقة حتى مع انتفاء الوجود أيضا.

و قد مرّ منّا أنّ السالبة المحصّلة أعمّ من الموجبة السالبة المحمول. و من الواضح أنّ استصحاب الأعمّ و تطبيقه على الأخصّ و إثباته به من أوضح موارد الأصل المثبت، نظير استصحاب بقاء الحيوان في الدار و إثبات حكم الإنسان به مثلا بلحاظ العلم خارجا بانحصاره فيه، فتدبّر.

فإن قلت: الموضوع في ناحية العامّ مركّب من حيثيّة العامّ و من عدم عنوان المخصّص محمولا، و استصحاب العدم المحمولي ممّا يساعد عليه العرف و يشمله الأدلّة، و على هذا فيتحقّق جزء من الموضوع بالوجدان و الجزء الآخر بالاستصحاب.

نظير ما إذا تركّب الموضوع من جوهرين أو من عرضين أو من جوهر و عرض في محل آخر، و هذا أمر جار في الفقه كثيرا و لا دليل على اعتبار العدم في ناحية العامّ ربطيا، إذ في ناحية المخصّص إنّما اعتبر الوجود و الكون ربطا من جهة أنّ عنوان المخصّص يكون من عوارض العام و حالاته، و وجود

العرض في نفسه عين وجوده لمحلّه، و هذه العلة إنّما تتحقق في ناحية وجود العرض لمحلّه، و أما عدمه فلا وجه لأخذه نعتا لمحله.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 435

[بيان السيّد الخوئي ره]

______________________________

قال بعض الأعاظم- على ما في تقريرات بحثه في الأصول- ما محصّله مع حفظ عباراته: «لا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدم اتصافها بالقرشيّة و عدم انتسابها بها، حيث إنّ في زمان لم تكن هذه المرأة و لا اتصافها بالقرشيّة ثمّ وجدت المرأة فنشكّ في انتسابها إلى القريش فلا مانع من استصحاب عدم انتسابها إليه، و بضمّ هذا الاستصحاب إلى الوجدان يثبت أنّ هذه مرأة لم تكن قرشيّة ....

فالنتيجة أنّ الموضوع إذا كان مركبا من العرض و محلّه فلا محالة يكون المأخوذ فيه هو وجود العرض بمفاد كان الناقصة حيث إنّ ثبوته لموضوعه بعينه هو اتصافه به كما عرفت.

و إمّا إذا كان مركبا من عدم العرض و محلّه فلا يلزم أن يكون العدم مأخوذا فيه بمفاد ليس الناقصة حتّى لا يمكن إحرازه بالأصل، بل الظاهر هو أنّه مأخوذ فيه بمفاد ليس التامّة.

و السبب في ذلك يرجع إلى الفرق بين وجود العرض و عدمه حيث إنّ العرض في وجوده يحتاج إلى موضوع محقّق في الخارج لا في عدمه، بداهة أنّ نقطة الافتقار إلى وجود الموضوع في عالم العين إنّما تكون من لوازم وجود العرض دون عدمه ....

فالنتيجة لحد الآن هي أنّ العدم النعتي في موضوع الحكم يحتاج إلى مئونة و عناية زائدة دون العدم المحمولي و على ضوء هذه النتيجة فالظاهر أن عدم عنوان المخصّص المأخوذ في عنوان العامّ هو العدم المحمولي و ما هو مفاد ليس التامّة دون العدم النعتي و ما هو مفاد ليس

الناقصة فإن أخذه فيه يحتاج إلى عناية و نصب قرينة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 436

..........

______________________________

و على الجملة إذا أخذ وجود عرض في محلّه موضوعا لحكم شرعي فهو و إن كان لا بد من كونه مأخوذا فيه على وجه النعتية و الصفتية و ما هو مفاد كان الناقصة إلّا أنّ ذلك لا يستدعي أخذ عدم ذلك العرض نعتا في موضوع عدم ذلك الحكم و ارتفاعه، لوضوح أنّ الحكم الثابت للموضوع المقيّد بما هو مفاد كان الناقصة إنّما يرتفع عند عدم اتصافه بذلك القيد على نحو السالبة المحصّلة من دون أن يتوقّف ذلك على اتصاف الموضوع بعدم ذلك القيد على نحو مفاد ليس الناقصة ....

فالنتيجة في نهاية المطاف هي أنّ دعوى استلزام التخصيص بعنوان وجودي أخذ عدم ذلك العنوان في طرف العامّ على وجه الصفتيّة و النعتية كما أصرّ على ذلك شيخنا الأستاذ- قدّس سرّه- و لأجل ذلك منع عن جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية خاطئة جدّا.» «1»

قلت: البحث المستوفى فيما ذكره الأعلام في المقام يحتاج إلى صرف وقت كثير، و لا يتيسّر لنا فعلا فلنشر إلى بعض النكات إجمالا و نحيل التفصيل إلى أهله و محلّه فنقول:

أوّلا: إنّ الظاهر من كلماتهم حصر استصحاب العدم الأزلي في استصحاب العدم المحمولي و قد مرّ منا تصويره في العدم الربطي أيضا و إن استشكلنا في كليهما في نهاية الأمر.

و ثانيا: إنّه يظهر من المحقق النائيني- قدّس سرّه- و تلامذته في المقام أنّ الموضوع إذا تركّب من العرض و محلّه فلا بدّ من أخذه بنحو الكون الناقص معلّلين بأنّ العرض وجوده في نفسه عين وجوده لمحلّه.

______________________________

(1)- المحاضرات 5/ 208- 232.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 437

..........

______________________________

و فيه: أنّ الظاهر

من جعل العرض و محله موضوعا للحكم و إن كان ذلك و لكنّه لا يتعيّن هذا عقلا، و الجعل و خصوصياته تابعة للمصالح، و من الممكن اعتبار كلّ من العرض و محلّه بنحو الكون التامّ جزءا من الموضوع نظير الجوهرين و العرضين.

و ما ذكروه من التعليل خلط بين الوجود الرابط و الوجود الرابطي، فإنّ كون وجود العرض في نفسه عين وجوده لمحلّه بيان لنحو وجود الأعراض و نعبّر عنه بالوجود الرابطي و هو من أقسام الوجود في نفسه أعني المحمولي، و هذا غير الوجود الرابط و مفاد الكون الناقص الذي يكون معنى حرفيّا في غيره، قال في المنظومة:

«إنّ الوجود رابط و رابطي ثمّة نفسي فهاك و اضبط.»

و قد وقع هذا الخلط من المحقّق اللاهيجى أيضا حيث قال- على ما في المنظومة-: «إنّ وجود العرض مفاد كان الناقصة.» «1» هذا.

و قد عثرت بعد ما كتبت هذا على كلام للمحقق النائيني في التنبيه التاسع من تنبيهات الاستصحاب يظهر منه الالتفات إلى ما ذكرناه من جواز أخذ العرض بنحو الكون المحمولى أيضا، فراجع. «2»

و ثالثا: ربّما يظهر من جعلهم العدم النعتي و مفاد ليس الناقصة مترادفين و إرادتهم بهذين التعبيرين كون عدم المحمول نعتا ثابتا للموضوع: أن مفاد القضية السّالبة المركبة عندهم إثبات سلب المحمول للموضوع.

و فيه: أنّ مفاد السلب الناقص سلب المحمول عن الموضوع و يصدق مع انتفاء الموضوع أيضا و يكون نقيضا للكون الناقص و ليس مفاده إثبات السلب للموضوع،

______________________________

(1)- شرح المنظومة/ 56 و 57 (- طبعة أخرى/ 61 و 62).

(2)- فوائد الأصول 4/ 504.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 438

..........

______________________________

و لعلّ المتبادر من العدم النعتي أيضا سلب الوجود النعتي فيكون نقيضا له لا جعل

السلب نعتا له نظير تسمية السالبة الحملية بالحملية.

نعم مفاد الموجبة المعدولة المحمول إثبات المحمول المسلوب له، و مفاد الموجبة السالبة المحمول إثبات سلب المحمول له كما مرّ.

اللّهم إلّا أن يريدوا بما ذكروه ما مرّ منّا من أنّ نقيض الكون الناقص و إن كان ليس الناقصة بعمومها و لكن بعد جعلها قيدا للموضوع في ناحية العامّ يرجع إلى أخذها بنحو الموجبة السالبة المحمول لما مرّ من أنّ الحكم الإيجابي لا يصح جعله للسالبة المحصّلة المطلقة الصادقة حتّى مع انتفاء الموضوع، فتدبّر.

و رابعا: يظهر من تعبيرات بعض الأعاظم في تعليقته على أجود التقريرات أن السالبة المحصّلة يراد بها العدم المحمولي و مفاد ليس التامّة فقط. و يظهر هذا من المحاضرات أيضا.

و فيه: أنّ السالبة المحصّلة تذكر في المنطق في قبال الموجبة المعدولة المحمول و الموجبة السالبة المحمول فيكون المراد بها السلب المطلق أعمّ من ليس التامّة و ليس الناقصة، بل ظهورها في ليس الناقصة أظهر فليست قسيما لها.

و خامسا: قال- مدّ ظله- إنّ أخذ وجود العرض في ناحية المخصّص بنحو الكون الناقص لا يستدعي أخذ عدمه في ناحية العامّ بنحو الليسية الناقصة فليكن مأخوذا فيه محمولا.

و فيه: ما مرّ منّا من أنّه لا إلزام بذلك في ناحية المخصص أيضا و لكن الظاهر ذلك فإذا فرض أن المأخوذ في ناحيته مفاد كان الناقصة كان الظاهر أخذ نقيضه في ناحية العامّ، و نقيض الكون الناقص هي الليسية الناقصة بمعنى سلب المحمول عن الموضوع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 439

..........

______________________________

و هذا هو المتبادر إلى الأذهان و إن رجعت بالأخرة إلى الموجبة السالبة المحمول.

و سادسا: قال- مدّ ظله- إنّ الموضوع في ناحية العامّ مركّب من حيثية العام و عدم عنوان

المخصّص محمولا فيثبت أحد الجزءين بالوجدان و الآخر بالاستصحاب نظير ما إذا تركّب من جوهرين أو عرضين.

و فيه: أنّ العدم المأخوذ في ناحية العامّ سواء أخذ محمولا أو ربطا و إن كان له حالة سابقة عقلا على ما قرّره الأعلام، و لكن الموضوع لم يؤخذ مركبا بل هو مقيّد لما عرفت من أن الموضوع بلحاظ حالاته و عوارضه إمّا أن يعتبر مطلقا أو مقيدا بوجودها أو مقيدا بعدمها، و حيث إنّه في ناحية المخصّص مقيّد بوجود العرض بنحو الكون الناقص على ما هو المفروض كان الظاهر في ناحية العامّ تقيده بنقيض ذلك و هي الليسية الناقصة كما مرّ.

و مفادها و إن كان السلب المطلق الصادق حتى مع انتفاء الموضوع و لكن بعد تقيّد الموضوع الموجود بمفاده يرجع إلى كون الموضوع معتبرا بنحو الموجبة السالبة المحمول فلا مجال لاستصحابها، و استصحاب نفس القيد لا يثبت التقيّد، و إنّما حصل التقيّد في ناحية العامّ ببركة حصوله في ناحية المخصّص، و قد مرّ منّا أنّ السالبة المحصّلة بوحدتها لا يعقل أن تكون موضوعا لحكم إيجابي.

و يظهر من تعبيراته أيضا قبول أصل التقيد فمن ذلك قوله في تعليقته على أجود التقريرات: «و أنت بعد ما عرفت من أن التخصيص بعنوان وجودي في هذين الموردين لا يستلزم إلّا أخذ عدم ذلك العنوان في طرف العامّ على نحو التقيّد بعدم اتصاف الذات بذلك الوصف لا على نحو التقيّد بالاتصاف بعدمه.» «1»

و أيضا قوله فيه: «التّقييد إنّما يكون بلحاظ عدم الاتصاف بالعرض الوجودي

______________________________

(1)- أجود التقريرات 1/ 469.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 440

..........

______________________________

لا بلحاظ الاتصاف بعدمه.» «1» فيرجع ما ذكره بعينه إلى ما ذكرناه من أخذ الموضوع في ناحية العامّ بنحو

الموجبة السالبة المحمول كما أنّ الظاهر من كلام النائيني- قدس سره- أخذه بنحو الموجبة المعدولة المحمول و يشترك كلتاهما في الاحتياج إلى وجود الموضوع و في أخذهما قيدا هذا، و لكن حمل كلامه- مدّ ظله- على أخذ الموضوع بنحو الموجبة السالبة المحمول ينافي تصريحه بكون المستصحب العدم المحمولي كما لا يخفى فتدبّر.

و سابعا: قد مرّ منّا أنّ الموضوع أو المتعلّق للحكم بالنسبة إلى كلّ خصوصية تلحظ بالإضافة إليه إمّا مطلق أو مقيّد بوجودها أو مقيّد بعدمها.

و لكن يظهر منه إنكار ذلك فإنّه قال- على ما في تقريرات بحثه في الأصول-: «إنّ موضوع الحكم أو متعلقه بالإضافة إلى ما يلازمه وجودا في الخارج لا مطلق و لا مقيّد و لا مهمل:

أما الإطلاق فهو غير معقول، حيث إن مردّه إلى أن ما افترضناه من الموضوع أو المتعلّق للحكم ليس موضوعا أو متعلقا له فإن معنى إطلاقه بالإضافة إليه هو أنّه لا ملازمة بينهما وجودا و خارجا و هو خلف.

و أمّا التقييد فهو لغو محض نظرا إلى أنّ وجوده في الخارج ضروريّ عند وجود الموضوع أو المتعلق و معه لا معنى لتقييده به.

و أمّا الإهمال فهو إنما يتصوّر في مورد القابل لكلّ من الإطلاق و التقييد ...» «2»

أقول: و قد أراد بذلك بيان أن بعض أجزاء المركّب بالنسبة إلى الأجزاء الأخر ليس مهملا و لا مطلقا و لا مقيّدا. و نظير ذلك ما قالوا: إنّ تقييد المأمور به

______________________________

(1)- أجود التقريرات 1/ 471.

(2)- المحاضرات 5/ 223.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 441

..........

______________________________

بالانقسامات اللّاحقة للأمر كالوجوب و الندب و قصد الامتثال و نحوها لا يعقل، و حيث لا يعقل تقييده بها فلا إطلاق له أيضا بالنسبة إليها لأنّهما من

قبيل العدم و الملكة.

و فيه: أنّه ليس معنى الإطلاق لحاظ القيود و أخذها في الموضوع بل كون الحيثية الملحوظة تمام الموضوع للحكم و عدم دخل حيثية أخرى فيه. و في قباله التقييد و هو كون الحيثية بعض الموضوع و كون غيرها دخيلا فيه، و ليس هذا لا محالة إلّا لكونه دخيلا في الملاك و المحبوبية و إلّا كان التقييد جزافا لا يصدر عن الحكيم.

و ما ذكرناه ثابت بالحصر العقلي إذ الحاكم الملتفت لا يغفل عن موضوع حكمه و عن حدوده بل إمّا أن يلحظ لا بشرط أو بشرط شي ء أو بشرط لا. و بعبارة أخرى إما أن يكون الموضوع لحكمه بحسب الجدّ نفس الطبيعة بذاتها المرسلة أو بقيد وجود شي ء آخر أو بقيد عدمه، و لا يعقل الإهمال في مقام الثبوت.

و النقض بالملازمات الوجودية غير وارد إذ الملازم الوجودي إن لم يكن دخيلا في محبوبية الموضوع و ملاكه فلا وجه لأخذه فيه.

و مجرد الملازمة الوجودية لا يستلزم الدخل، فالموضوع بالنسبة إليه مطلق بحيث لو فرض محالا انفكاكه عنه لم يضرّ بثبوت الحكم له و المركّب عين أجزائه فلا معنى لإطلاقه أو تقييده بالنسبة إليها و الجزء للمركب بما أنّه جزء له مطلق بالإضافة إلى الأجزاء الأخر إلّا أن يكون الجزء الآخر دخيلا في ملاك الجزئية، و كونه دخيلا في ملاك الكلّ لا يستلزم دخله في ملاك الجزء بما أنّه جزء. و لا تهافت و لا تدافع بين عدم دخله في الجزء بما هو جزء و دخله في الكلّ بما هو كلّ، و اعتبار الشي ء جزءا أمر و التقييد أمر آخر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 442

..........

______________________________

و تقييد المأمور به بالانقسامات اللّاحقة للأمر في مرحلة التشريع

عندنا ممكن و لو سلّم عدم إمكانه فلا محالة يكون بالنسبة إليها مطلقا بمعنى كون الطبيعة تمام الموضوع للأمر.

و الطبيعة بما هي طبيعة سارية صالحة لكلّ من الإطلاق و التقييد في قبال الجزئي الذي لا يصلح لهما.

و التحقيق في هذه المسألة موكول إلى محلّه و إنّما أشرنا إليها هنا إجمالا.

[بيان المحقق الحائري- قدّس سرّه]

و للمحقق الحائري- قدّس سرّه- في الدرر كلام لا يخلو من مناقشة فإنّه بعد تقرير استصحاب العدم الازلي و تمثيله له باستصحاب عدم القرشيّة قال:

«و فيه أنّ الأثر الشرعي لو كان مترتبا على عدم تحقّق النسبة، أو على عدم وجود الذات المتّصفة، أو على عدم الوصف للذات مع تجريدها عن ملاحظة الوجود و العدم لصحّ الاستصحاب ...

و أمّا لو كان الأثر مترتبا على عدم الوصف للموضوع مع عناية الوجود الخارجي فلا يمكن الاستصحاب إلّا بعد العلم بأنّ الموضوع مع كونه موجودا في السابق لم يكن متّصفا بذلك الوصف ... و لا يبعد كون المثال من قبيل الأوّل.»

ثمّ قال في الحاشية في توضيح الجملة الأخيرة ما محصّله: أنّه قد يستظهر من مناسبة الحكم و الموضوع أن التأثير ثابت للموضوع المفروغ عن وجوده عند اتصافه بوصف كما في قضية: «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجّسه شي ء»

و قد يستظهر منها أن التأثير ثابت لنفس الوصف، و الموضوع المفروغ عن وجوده إنّما اعتبر لتقوّم الوصف به كما في قوله: «المرأة ترى الدّم إلى خمسين إلّا أن تكون قرشيّة» حيث إنّ حيضية الدم إلى ستين إنّما هي من خاصية التولّد من قريش لا أن المرأة لها هذه الخاصيّة بشرط التولّد. فانتفاء هذا الوصف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 443

[إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشمي بالزنا]

[المسألة 23]: يشكل إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشمي بالزنا، فالأحوط عدم إعطائه (1) و كذا الخمس فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي.

______________________________

موجب لنقيض الحكم و لو كان بعدم الموضوع، و لهذا يكون استصحاب العدم الأزلي نافعا.» «1»

أقول: لم يظهر لي مراده- قدّس سرّه- إذ التولّد من قريش أو عدمه بالوجود المحمولي أو العدم المحمولي معلّقين

في الفضاء بلا إضافة إلى موضوع موجود في الخارج ليسا موضوعين للحكم الشرعي، و إنّما الموضوع له المرأة الخارجية التي ترى الدّم و على هذا تدلّ أخبار المسألة أيضا فراجع الوسائل. «2»

و غرضنا من الاستصحاب بيان الوظيفة لهذه المرأة الموجودة في الخارج.

و استصحاب الوجود المحمولي أو العدم المحمولي للصفة و تطبيقه على هذه المرأة الخارجية من أظهر موارد الأصل المثبت، و قد عرفت أن المرأة و هذيّتها إنّما تتحققان بالوجود الخارجي، و هي التي ترى الدم لا ماهية المرأة بإطلاقها الصادق على المرأة المعدومة فتدبّر.

و قد طال الكلام في هذا المقام فأعتذر من المستمعين و القرّاء الكرام.

و كيف كان فما ذكره المصنف في المقام من أصالة العدم عند الشك في كونه منهم لم يظهر له وجه يعتمد عليه نعم لو تحقّقت الغلبة بحيث يحصل الوثوق بعدم كونه من أفراد المستثنى جاز الاعتماد عليها قطعا.

(1) في الجواهر: «الأحوط عدم دفعها للمتولّد منهم و لو من زنا و إن كان قد يقوى خلافه لعموم الفقراء في مصرف الزكاة، و لم يثبت أنّه هاشمي

______________________________

(1)- الدرر/ 219.

(2)- الوسائل 2/ 580، الباب 31 من أبواب الحيض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 3، ص: 444

..........

______________________________

بعد الانسياق للمتولّد منهم بغير ذلك فيبقى مندرجا تحت العموم كمجهول النسب و لو كان كاللقيط المجهول نسبه عنده و عند الناس، و إن كان الأحوط له تجنّب ما عدا زكاة الهاشمي.» «1»

أقول: لا يخفى أن تمسّكه لمجهول النسب و اللقيط بعموم الفقراء تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص و قد مرّ منّا الإشكال في ذلك.

و امّا تمسّكه به لولد الزنا فلدعوى انصراف المستثنى أعني الهاشمي عن مثله فيرجع إلى تضيّق المستثنى مفهوما فيرجع في غيره إلى العامّ.

و

يمكن منع الانصراف بعد كون ولد الزنا ولدا حقيقة لتكوّنه من نطفته، و ليس للشرع في المقام جعل و اصطلاح خاصّ و لم يرد في أخبارنا نفي ولديّته، و إنّما الثابت نصا و فتوى نفي التوارث بينه و بين والديه و هذا أعمّ من نفي الولدية و لذا لا يلتزم أحد بجواز التناكح بينه و بينهما و كذا بينه و بين أولادهما، و لكن الأحوط ما احتاطه و تبعه المصنف هنا. و قد مرّ منّا في المسألة الرابعة من فصل المستحقين ما ينفعك في المقام فراجع.

و الحمد للّه ربّ العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين- 8 جمادى الأولى 1411 ه. ق.

تمّ المجلد الثالث من كتاب الزكاة و يتلوه ان شاء الله المجلد الرابع.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 407.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

الجزء الرابع

8- فصل في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل:

اشارة

8- فصل في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 13

1- حكم نقل الزكاة إلى الفقيه في زمن الغيبة

اشارة

الأولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة لا سيّما إذا طلبها، لأنّه أعرف بمواقعها (1).

لكن الأقوى عدم وجوبه.

[في وجوب الدفع إلى الإمام مع المطالبة]

______________________________

(1) إطلاق التعليل قابل للمنع و تفصيل المسألة أنّه هل يجب دفع الزكاة إلى الإمام و عمّاله مع حضوره و إلى الفقيه الجامع لشرائط الولاية مع الغيبة مطلقا كما يظهر من المفيد في المقنعة و الحلبي على نسخة من الكافي، أو يستحب ذلك مطلقا كما نسب إلى جملة من الأصحاب، أو لا يجب و لا يستحب ذلك ابتداء و إن وجب مع الطلب كما يظهر من الحدائق «1»، أو يفصل بين الإمام المعصوم «ع» و بين الفقيه فيجب في الأوّل دون الثاني كما يظهر من النهاية و الغنية و المهذّب، أو يفصل بين الأموال الظاهرة كالغلّات و المواشي، و بين الأموال الباطنة كالنقدين فيجب في الأولى فقط؟ في المسألة أقوال.

و الظاهر عدم الإشكال في أمرين:

الأوّل: أنّه لو طلب الإمام المعصوم فلا إشكال في وجوب الدفع إليه، و يمكن

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 222- 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 14

..........

______________________________

إلحاق الفقيه به أيضا في ذلك و إن لم يكن مقلّدا للدافع و سيأتي بيانه.

الثاني: أنّه لو فرض عدم مطالبة الإمام و الفقيه و عدم إمكان الإيصال إليهما بوجه من الوجوه لم تسقط الزكاة قطعا بل وجب على المالك إيصالها إلى المستحقين لإطلاق الأدلة و بقاء الحكمة التي من أجلها شرّعت.

فالخلاف المذكور إنّما هو في وجوب الدفع إليهما ابتداء مع إمكان الإيصال إليهما.

[سيرة النبي الأكرم «ص» و أمير المؤمنين «ع» و الخلفاء و الصحابة في أخذ الزكاة]

و قبل نقل الكلمات و بيان الأدلّة بالتفصيل نقول إجمالا: إنّ المستفاد من الكتاب الكريم و الأخبار الواردة من طرق الفريقين و سيرة النبي الأكرم «ص» و أمير المؤمنين «ع» و الخلفاء و الصحابة: أن الزكاة لم تكن واجبا فرديّا موكولا إلى حسن نيّة الأشخاص يؤدّيها من حسنت نيّته و خاف ربّه و رجى

ثوابه، و يتركها من ضعف دينه و إيمانه من دون أن يطالب منه أصلا.

بل هي ضريبة إسلامية كانت تشرف عليها الحكومة الدينية و يتولّى لجبايتها و تقسيمها و صرفها في مصارفها عمّال الدولة الإسلامية.

ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: أنزلت إليه آية الزكاة: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» في شهر رمضان فأمر رسول اللّه «ص» مناديه فنادى في الناس إن اللّه- تبارك و تعالى- قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عما سوى ذلك. قال: ثمّ لم يتعرّض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا. فأمر «ع» مناديه فنادى في المسلمين:

أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 15

..........

______________________________

قال: ثم وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق.» «1» و روى نحوه في الكافي أيضا. «2»

أقول: قال ابن الأثير في النهاية: «الطسق: الوظيفة من خراج الأرض المقرّر عليها، و هو فارسي معرّب.» «3»

فالنبي «ص» بما أنّه كان حاكما على المسلمين في عصره و مؤسّسا للدولة الإسلامية أمره اللّه- تعالى- بأخذ الصدقات منهم، و كان «ص» يوجّه العمّال و الخارصين لخرص الصدقات و جبايتها، و كان يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر «4» و كل ما دخل قبيلة في الإسلام نصب فيهم عاملا على الصدقات.

و قد ضبط المؤرخون أسامي عمّاله عليها و منهم أمير المؤمنين «ع». و قد تعرضنا لبعضهم

إجمالا في كتاب ولاية الفقيه. «5»

و راجع في هذا المجال المجلد الثاني من كتاب فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي فقد استوفي إجمالا أسامي السعاة و المصدقين للنبي الأكرم «ص» «6»

و في المغازي من صحيح البخاري حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل إلى اليمن و فيه: «فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم فإن هم طاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم.» «7»

______________________________

(1)- الفقيه 2/ 8 (طبعة أخرى 2/ 13)، باب (5) الأصناف التي تجب عليها الزكاة، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الكافي 3/ 497، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة ...، الحديث 2.

(3)- النهاية لا بن الأثير 3/ 124.

(4)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- ولاية الفقيه 2/ 132.

(6)- فقه الزكاة للقرضاوي 2/ 749 و ما بعدها.

(7)- صحيح البخاري، الجزء 5 (المجلد الثالث)، ص 108 (طبعة أخرى 3/ 73)، كتاب المغازي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 16

..........

______________________________

فظاهر الحديث أنّ البناء في الصدقة المفروضة كان على أخذها من قبل الحكام و تقسيمها بتصدّيهم، و هكذا استقرت سيرة الخلفاء أيضا.

و قد بعث أبو بكر بعد النبي «ص» العمّال لأخذ الصدقات فلم ينكر عليه الصحابة ذلك و إن أنكروا عليه ما عامل به خالد مع مالك بن نويرة.

و أمير المؤمنين «ع» أيضا كان يبعث العمّال و المصدقين. و ذكر الرضي في نهج البلاغة وصيّة كان «ع» يكتبها لمن يستعمله على الصدقات. «1»

و جعل الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا في الآية الشريفة أحد المصارف الثمانية للصدقات أدلّ دليل على أنّ تشريعها كان على أساس المطالبة لها و تقسيمها من

قبل الدولة الإسلامية.

قال الإمام الرازي في تفسير الآية: «دلّت هذه الآية على أن هذه الزكاة يتولى أخذها و تفرقتها الإمام و من يلي من قبله، و الدليل عليه أن اللّه- تعالى- جعل للعاملين سهما فيها، و ذلك يدلّ على أنه لا بدّ في أداء هذه الزكوات من عامل. و العامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات فدلّ هذا النصّ على أنّ الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات و تأكّد هذا النصّ بقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» فالقول بأن المالك يجوز له إخراج زكاة الأموال الباطنة بنفسه إنّما يعرف بدليل آخر.» «2»

و أنت إذا تتبّعت الأخبار المتواترة إجمالا الواردة في بيان وظائف الإمام في هذا المجال و أنّه يعطي جميع الأصناف الثمانية و يؤدّي ديون الغارمين و يفكّهم من مال الصدقات اتضح لك هذا الأمر إذ كيف يجب عليه إدارة شئون الأصناف من دون أن يتعين إيصال الزكوات إليه؟:

______________________________

(1)- نهج البلاغة، عبده 3/ 27؛ لح/ 380، الكتاب 25.

(2)- تفسير فخر الرازي 3/ 478.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 17

..........

______________________________

1- ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنّهما قالا لأبي عبد اللّه «ع» أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ- الآية» أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال «ع»: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنّهم يقرّون له بالطاعة»

قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا زرارة لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه. فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف- الحديث». «1»

فيعلم من هذه الصحيحة أنّ الزكاة

بحسب التشريع الأوّلي تكون تحت اختيار الإمام و هو يسدّ بها خلّات من يكون تحت لوائه و حكمه عارفا كان بحقّه أو غير عارف و لكن لمّا انحرفت الحكومة عن مسيرها الصحيح و تقمّصها غير أهلها و كانت الزكوات تصرف في غير مصارفها و يبقى الشيعة المستحقّون محرومين أمر الإمام شيعتهم بإعطاء زكواتهم للعارفين بحقّهم فهذا في الحقيقة حكم ثانوي موقّت على خلاف طبع التشريع الأوّل.

2- و في خبر علي بن إبراهيم المرويّ عن تفسيره عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات، و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد.

و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 18

..........

______________________________

3- و في خبر موسى بن بكر قال: قال لي أبو الحسن «ع»: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه فان غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره،

إنّ اللّه- عز و جل- يقول:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» إلى قوله: «وَ الْغٰارِمِينَ» فهو فقير مسكين مغرم.» «1»

4- و في خبر أبي محمد قال: سأل الرضا «ع» رجل و أنا أسمع فقال له:

جعلت فداك إن اللّه- جل و عزّ- يقول: «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكر اللّه في كتابه لها حدّ يعرف؟ ... قال: «نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عز و جل-، فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عز و جل- فلا شي ء له على الإمام.» «2»

5- و في خبر صباح بن سيابة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك إنّ اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» الآية فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.» «3»

6- و في رواية أبي علي بن راشد قال: سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام قال: قلت له: فأخبر أصحابي؟ قال: نعم من أردت أن تطهره منهم.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

(2)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

(4)- الوسائل 6/ 240، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

19

..........

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال و قد تعرضنا لهذا السنخ من الأخبار في ولاية الفقيه فراجع. «1»

فمقتضى هذا السنخ من الأخبار أنّ الإمام هو الذي يتصدّى بعمّاله لجباية الزكوات و وضعها في مواضعها. و لازم ذلك وجوب إيصالها إليه و لا أقلّ عند المطالبة إذ لا يعقل أن يكون إدارة شئون المستحقين بالزكوات من وظائفه و لا تكون هي تحت اختياره حتى بعد المطالبة و سيجي ء لذلك تتمة فانتظر.

و على هذا فجواز تقسيم المالك بنفسه يكون مشروطا بعدم تصدّي الإمام لذلك أو وجود شرائط خاصّة كما دلّ على ذلك صحيحة زرارة و محمد بن مسلم الماضية «2»

و قد سمعت منّا غير مرّة أنّ الإمام و إن كان أظهر مصاديقه عندنا الإمام المعصوم، و مع حضوره لم يكن لأحد تقمّص الإمامة و لكن اللفظ لم يوضع لخصوص الإمام المعصوم بل كلّ سائس إمام كما في الحديث. «3»

و الظاهر منه في الأخبار المتعرضة للمسائل السياسية و العسكرية و الاقتصادية مطلق من كان واجدا لشرائط الإمامة و تصدّى لزعامة المسلمين في عصره فيشمل الفقيه الجامع للشرائط أيضا إذا تصدّى لذلك و لو في منطقة خاصة، و تحقيق هذه المسألة و بيان شرائط الإمامة قد مرّ منا في أبحاثنا في ولاية الفقيه فراجع.

[بعض كلمات الفريقين في المقام]

إذا عرفت ما ذكرناه مقدمة لتفصيل البحث فنقول: قد عرفت أنّ المسألة عندنا خلافية ذات أقوال فاعلم أنّها عند فقهاء السنة أيضا خلافية فالأولى أن نتعرض لبعض كلمات الفريقين في المقام:

______________________________

(1)- ولاية الفقيه 1/ 98، 3/ 32.

(2)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الخصال/ 565، أبواب الخمسين و ما فوقه، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

20

..........

______________________________

1- قال المفيد في زكاة المقنعة: «باب وجوب إخراج الزكاة إلى الإمام قال اللّه- عز و جل-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.» «1» فأمر نبيّه بأخذ صدقاتهم تطهيرا لهم بها من ذنوبهم و فرض على الأمّة حملها إليه بفرضه عليها طاعته و نهيه لها من خلافه.

و الإمام قائم مقام النبي «ص» فيما فرض عليه من إقامة الحدود و الأحكام لأنه مخاطب بخطابه في ذلك على ما بيّناه سلف و قدّمناه.

فلمّا وجد النبي «ص» كان الفرض حمل الزكاة إليه و لما غابت عينه من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته، فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه من خاصّته لشيعته فإذا عدم السفراء بينه و بين رعيّته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته لأنّ الفقيه أعرف بمواضعها ممن لا فقه له في ديانته.» «2»

أقول: ظاهر كلامه من حيث المجموع وجوب الحمل إلى النبي أو الإمام و الفقيه مطلقا و إن كان المتبادر بدوا من قوله: «بفرضه عليها طاعته.» وجوب الإعطاء لدى المطالبة.

2- و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «يجب على كلّ من تعيّن عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله- سبحانه- أو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذّر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذّر أو آثر (و آثر) المكلّف تولّى ذلك بنفسه.» «3»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- المقنعة/ 41.

(3)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 21

..........

______________________________

أقول: إن كانت النسخة: «أو

آثر» كان مفاده التخيير بين الحمل إلى الفقيه و بين تولّيه بنفسه، و إن كانت: «و آثر» كان مفاده أنّ مع تعذر الفقيه يتخير بين التولّي بنفسه و بين إيكاله إلى غيره.

و على هذا فمقتضى كلام المفيد و الحلبي على النسخة الثانية وجوب إيصال الزكاة إلى الإمام و في عصر الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط فكأنّهما يريان أنّ الزكاة و غيرها من الواجبات المالية ضرائب للحكومة الإسلامية و قد حرّرنا في محلّه أنّ الولاية و الحكومة داخلة في نسج الإسلام و نظامه و لا يجوز إهمالها و تعطيلها و لو في عصر الغيبة لأنها مفتاح الفرائض الإسلامية و الوالي هو الدليل عليهن كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع». «1»

3- و قال الشيخ في النهاية: «فإذا كان الإمام ظاهرا أو من نصبه الإمام حاصلا فتحمل الزكاة إليه ليفرقها على هذه الأصناف الثمانية و يقسّم بينهم على حسب ما يراه ...

و إذا لم يكن الإمام ظاهرا و لا من نصبه الإمام حاصلا فرّقت الزكاة على خمسة أصناف من الذين ذكرناهم و هم الفقراء و المساكين وَ فِي الرِّقٰابِ و الغارمين و ابن السبيل. و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام .... «2»

4- و في المهذّب لا بن البرّاج: «و يجب حمل الزكاة إلى الإمام- عليه السلام- إذا كان ظاهرا ليفرقها على مستحقيها. و إن كان غائبا فإنّه يجوز لمن وجبت عليه أن يفرقها في خمسة أصناف ...» «3» و ذكر قريبا مما في النهاية.

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 7، الباب 1 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2.

(2)- النهاية للشيخ/ 185.

(3)- المهذّب 1/ 171.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 4، ص: 22

..........

______________________________

5- و لكن في الفطرة من المهذّب: «و إذا كان الإمام- عليه السلام- ظاهرا وجب على من وجبت عليه الفطرة حملها إليه ليدفعها إلى مستحقها، و لا يتولى هو ذلك بنفسه، فان لم يكن الإمام ظاهرا كان عليه حملها إلى فقهاء الشيعة ليضعها في مواضعها لأنهم أعرف بذلك.» «1»

أقول: فابن البراج فرّق بين زكاة المال و زكاة الفطرة، فما نسب إليه في المدارك و الحدائق و الجواهر من وجوب الحمل إلى الفقيه إنّما هو في الفطرة لا في زكاة المال، و لم يظهر لي وجه الفرق بينهما. و كونه أعرف بمواضعها مع إمكان منع إطلاقه يجري في كلتيهما.

6- و في الغنية: «و يجب حملها إلى الإمام ليضعها مواضعها و إلى من نصبه كذلك. فإن تعذر ذلك و كان من وجبت عليه عارفا لمستحقها جاز له إخراجها إليه، و إن لم يكن عارفا به حملها إلى الفقيه المأمون من أهل الحقّ ليتولّى إخراجها.

و لا يجوز لأحد سوى الإمام أو من نصبه أن يصرف شيئا من مال الزكاة إلى المؤلفة و لا إلى العاملين و لا في الجهاد لأن تولّى ذلك مخصوص بهما، كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه و طريقة الاحتياط.» «2»

أقول: ظاهر النهاية و زكاة المهذّب و الغنية وجوب الحمل إلى الإمام ابتداء و عدم وجوب الحمل إلى الفقيه كذلك،

و لكن في المسالك: «و القائل بوجوب دفعها إلى الإمام ابتداء أوجب دفعها مع غيبته إلى الفقيه المأمون.» «3»

______________________________

(1)- المهذّب 1/ 175.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (طبعة أخرى/ 506).

(3)- المسالك 1/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 23

..........

______________________________

و لا يخفى أنّ ما ذكره و إن كان موافقا للاعتبار بالنسبة إلى الفقيه المتصدي للزعامة و

الولاية و لكنّه مخالف لظاهر عبارات الأصحاب.

و الظاهر أنّ الشيخ و أمثاله كانوا يريدون بالإمام خصوص الإمام المعصوم فلا يشمل الفقيه الحاكم و خصّوا السهام الثلاثة بالإمام و من نصبه.

و لكن يرد عليهم أنّ الإمام المعصوم إذا لم يكن له حكومة ظاهرة لم يحتج إلى السهام الثلاثة غالبا بل إلى أصل الزكاة أيضا، و الفقيه الحاكم في عصر الغيبة يحتاج إليها و إلى السهام الثلاثة أيضا. فكأنّهم غفلوا عن إمكان تصدّي الفقيه الجامع للشرائط للولاية و الحكم في عصر الغيبة.

7- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 4): «الأموال الباطنة لا خلاف أنّه لا يجب دفع زكاتها إلى الإمام، و صاحب المال بالخيار بين أن يعطيها الإمام و بين أن يؤدّيها بنفسه.

و أمّا الظاهرة فعندنا يجوز أن يخرجها بنفسه و من أخرجها بنفسه فقد سقط عنه فرضها و لم يجب عليه الإعادة، و به قال الشافعي في الجديد، و به قال الحسن البصري و سعيد بن جبير إلّا أنّ عندنا متى طلب الإمام ذلك وجب دفعه إليه و إن لم يدفعه و فرّقه لم يجزه و به قال الشافعي أيضا. و قال في القديم:

يجب عليه دفعها إلى الإمام فإن تولّى بنفسه كان عليه الإعادة، و به قال أبو حنيفة و مالك.

دليلنا إجماع الفرقة، و لأنّه متى أخرجها بنفسه فقد امتثل الآية، و من قال:

لا يجزيه فعليه الدلالة. و يدلّ عليه أيضا قوله- تعالى-: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.»

و أمّا الذي يدلّ على وجوب الدفع إذا طلبه الإمام قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 24

..........

______________________________

فأمره بالأخذ، و أمره على الوجوب فوجب أن

يلزم الدفع.» «1»

8- و في قسمة الزكاة من المبسوط: «و الأموال على ضربين: ظاهرة و باطنة، فالباطنة الدنانير و الدراهم و أموال التجارات فالمالك بالخيار في هذه الأشياء بين أن يدفعها إلى الإمام أو من ينوب عنه و بين أن يفرقها بنفسه على مستحقيه بلا خلاف في ذلك.

و أمّا زكاة الأموال الظاهرة مثل المواشي و الغلات فالأفضل حملها إلى الإمام إذا لم يطلبها، و إن تولّى تفرقتها بنفسه فقد أجزأ عنه.

و متى طلبها الإمام وجب دفعها إليه، و إن فرّقها بنفسه مع مطالبته لم يجزه.» «2»

و ذكر قريبا من ذلك في كتاب الزكاة منه. «3»

أقول: ظاهر الخلاف و المبسوط أنّ جواز تولّي المالك في الأموال الباطنة متّفق عليه بين المسلمين و صرّح فيهما بالجواز في الأموال الظاهرة أيضا بل يظهر من الخلاف كونه مجمعا عليه عندنا، و هذا لا يلائم ما حكيناه عن المفيد و الحلبي و ظاهر النهاية و المهذّب و الغنية من وجوب الحمل إلى الإمام، اللّهم إلّا أن يحمل عباراتهم على صورة طلب الإمام و لكنه خلاف الظاهر.

نعم في الخلاف و المبسوط صرّح بالوجوب مع طلب الإمام و الظاهر من الشيخ و أمثاله أنهم يريدون بالإمام خصوص الإمام المعصوم. هذا.

9- و في الفطرة من الخلاف (المسألة 42): «يستحبّ حمل الزكوات: زكاة الأموال الظاهرة و الباطنة و زكاة الفطرة إلى الإمام ليفرقها على مستحقها، فإن فرّقها

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 347.

(2)- المبسوط 1/ 244.

(3)- المبسوط 1/ 233.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 25

..........

______________________________

بنفسه جاز. و قال الشافعي: الباطنة هو بالخيار و الفطرة مثلها، و الظاهرة فيها قولان:

أحدهما يتولاه بنفسه و الآخر يحملها إلى الإمام .... دليلنا إجماع الفرقة ...» «1»

10- و في الفطرة من

النهاية: «و ينبغي أن تحمل الفطرة إلى الإمام ليضعها حيث يراه، فإن لم يكن هناك إمام حملت إلى فقهاء شيعته ليفرّقوها في مواضعها.

و إذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه جاز له ذلك.» «2»

و تعرّض العلامة للمسألة في التذكرة و عقد لبيانها ثلاث مسائل فراجع. «3»

11- و تعرض للمسألة أبو عبيد المتوفى 224 من الهجرة نذكره ملخّصا:

«عن ابن سيرين قال: «كانت الصدقة ترفع إلى النبي «ص» أو من أمر به، و إلى أبي بكر أو من أمر به، و إلى عمر أو من أمر به، و إلى عثمان أو من أمر به.

فلما قتل عثمان اختلفوا فكان منهم يدفعها إليهم، و منهم من يقسّمها.»

قال ابن سيرين: «فمن اختار أن يقسّمها فليتّق اللّه و لائق بها ماله.» و عن أمّ علقمة: أنّ عائشة كانت تدفع زكاتها إلى السلطان.

و عن أبي صالح قال: سألت سعد بن أبي وقاص و أبا هريرة و أبا سعيد الخدري و ابن عمر فقلت: إنّ هذا السلطان يصنع ما ترون أ فأدفع زكاتي إليهم؟

فقالوا كلّهم: «ادفع إليهم.»

و عن ابن عمر قال: «ادفعها إلى من بايعت.» و عن الربيع بن معبد أنّه سأل ابن عمر عن صدقة مال أيتام أ يدفعها إلى بني عمّ لهم محتاجين؟ فقال: «لا، ادفعها إلى الولاة.» و عن ابن عمر قال: «ما أقاموا الصلاة فادفعوها إليهم.» و عن ابن عمر

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 335.

(2)- النهاية للشيخ/ 192.

(3)- التذكرة 1/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 26

..........

______________________________

قال: «ادفعوها إلى من ولّاه اللّه أمركم فمن برّ فلنفسه و من أثم فعليها.» و عن ابن عمر قال: «ادفعها إلى الأمراء و إن تمزّعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم.»

و عن

ابن عمر قال: «ادفعها إلى هؤلاء القوم» يعني الأمراء. قلت: إذا يتخذون بها ثيابا و طيبا، فقال: «و إن اتخذوا بها ثيابا و طيبا و لكن في ما لك حقّ سوى الزكاة».

و عن قتادة قال: سألت الحسن فقال: «ادفعها إلى السلطان»

و لقي أبو هريرة رجلا يحمل زكاة ماله يريد بها الإمام فقال له: ما هذا معك؟

فقال: زكاة مالي أذهب بها إلى الإمام. فقال: أ في ديوان أنت؟ قال: لا، قال:

«فلا تعطهم شيئا.»

و عن عطاء قال: بلغنا عن عليّ «ع» أنّ رجلا أتاه بزكاة ماله فقال: «أ تأخذ من عطائنا؟» قال: لا. قال: «فإنا لا نأخذ منك شيئا، لا نجمع عليك أن لا نعطيك و نأخذ منك.»

و عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول: «إذا وضعتها أنت في مواضعها و لم تعد منها أحدا تعوله شيئا فلا بأس.»

و عن عبيد بن عمير قال: «اقسمها» و عن ابن عمر: «أدّوا الزكاة إلى الولاة و إن شربوا بها خمرا.»

و عن حبان بن أبي جبلة عن ابن عمر أنّه رجع عن قوله في دفع الزكاة إلى السلطان و قال: «ضعوها في مواضعها.»

و عن حسّان قال: سألت سعيد بن جبير عن الزكاة فقال: «ادفعها إلى ولاة الأمر» فلما قام سعيد تبعته فقلت: إنّك أمرتني أن أدفعها إلى ولاة الأمر، و هم يصنعون بها كذا و يصنعون بها كذا، فقال: «ضعها حيث أمرك اللّه سألتني على رءوس الناس فلم أكن لأخبرك.»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 27

..........

______________________________

و عن أبي هاشم عن إبراهيم و الحسن قالا: «ضعها مواضعها و اخفها.»

و عن ميمون بن مهران قال: «اجعلها صررا ثمّ اجعلها فيمن تعرف و لا يأتي

عليك الشهر حتى تفرقها.»

و عن الحسن قال: «إن دفعها إلى السلطان أجزت عنه و إن لم يدفعها فليتّق اللّه و ليتوخّ بها مواضعها و لا يحاب بها أحدا.»

قال أبو عبيد: فكل هذه الآثار من دفع الصدقة إلى ولاة الأمر و من تفريقها هو معمول به و ذلك في زكاة الذهب و الورق خاصّة أيّ الأمرين فعله كان مؤدّيا للفرض، و هذا عندنا قول أهل السنة و العلم من أهل الحجاز و العراق و غيرهم في الصامت لأنّ المسلمين مؤتمنون عليه كما ائتمنوا على الصلاة.

و أما المواشي و الحب و الثمار فلا يليها إلّا الأئمة و ليس لربّها أن يغيبها عنهم و إن هو فرقها فليست قاضية عنه و عليه إعادتها إليهم، فرّقت بين ذلك السنة و الآثار، ألا ترى أنّ أبا بكر إنّما قاتل أهل الردة في المهاجرين و الأنصار على منع صدقة المواشي و لم يفعل ذلك في الذهب و الفضة ...» «1»

أقول: و راجع في هذا المجال سنن البيهقي «2».

12- و القاضي أبو حنيفة الشيعي مؤلف دعائم الإسلام المتوفّى 363 من الهجرة أيضا تعرّض للمسألة بالتفصيل فلنذكر ما ذكره ملخّصا قال: «قال اللّه- تعالى- لرسوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و قال رسول اللّه «ص»: «هاتوا ربع العشر من كلّ عشرين دينارا نصف دينار و من كل مأتي درهم خمسة دراهم».

و أجمع المسلمون لا اختلاف بينهم أنّ رسول اللّه «ص» كان يلي قبض

______________________________

(1)- الأموال/ 678- 685، باب دفع الصدقة إلى الأمراء.

(2)- سنن البيهقي 4/ 114، كتاب الزكاة، 7/ 3، كتاب الصدقات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 28

..........

______________________________

الصدقات بحضرته و يرسل السعاة إلى من غاب فيأخذون صدقاتهم و يأتون بها رسول اللّه،

فيضعها حيث أمره اللّه.

و أجمعوا على أنّ فرض الصدقة لم يسقط بوفاة رسول اللّه «ص» و أنّ الناس بعده دفعوها إلى القائم بأمرهم إلى أن رأوا أئمتهم استأثروا بها فمنعوهم ما قدروا على منعه منها فإن كانوا أئمة عندهم فالفرض عليهم دفع صدقاتهم إليهم، و لم يكلّفهم اللّه ما افترض على الأئمة، و إنّما على الناس دفعها إلى الأئمة و على الأئمة صرفها في وجوهها.

و لا ينبغي أن يلي قسمة ذلك عليهم غير الأئمة من آل محمد «ص» الذين أوجب اللّه- عز و جل- عليهم القيام به و ائتمنهم عليه و إلّا فمن أين يعرف الناس مقدار ما يصلح أن يعطي لكلّ طبقة؟ و من أين يعرفون من يتألف على الإسلام؟ و كيف ينفق فِي سَبِيلِ اللّٰهِ و هو الجهاد غيرهم؟ و الجهاد لا يقوم إلّا بهم. و كيف يعطي العاملين عليها إلّا الذي استعملهم.

و قد ائتمنهم اللّه- عز و جل- على صدقات المسلمين و حرّمها عليهم ليعلم الناس أنّه لا حظّ لهم فيها يجترّونه إلى أنفسهم فيتّهمونهم من أجله.

و قد روينا إجماع العامة على أنّ رسول اللّه «ص» كان يلي قبض الصدقات و يبعث عمّاله عليها، و أنّ ذلك كان صدرا من الزمان بعده «ص»، و أنّ أبا بكر و من معه من الصحابة حاربوا من منعه الزكاة و استحلّوا لذلك دماءهم و ذراريهم و أموالهم و سمّوهم أهل ردّة و لم يبيحوا لهم أن يصرفوها بينهم.

مع قول اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و ذكره العاملين عليها، و أن أحدا لم يكن يفرق زكاة ماله على المساكين كما يفعل اليوم عامّة الناس.

فممّن رووا عنه من الصحابة أنّه أمر بدفعها إلى الأمراء سعد بن مالك

و

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 29

..........

______________________________

أبو سعيد الخدري و عبد اللّه بن عمر و أبو هريرة و عائشة. و رووا عن بعضهم أنّه سئل عن الزكاة قال: «ادفعوها إليهم و إن أكلوا بها لحوم الحيّات» و عن بعضهم أنّه سئل عن الزكاة فقال: «ادفعوها إلى الأمراء» فقيل له إنّهم يشترون بها العقد و الدرر و ينفقونها، فقال: «ما أنتم و ذاك؟ أمرتم بدفعها إليهم و أمروا بصرفها في وجوهها فعليكم ما حمّلتم و عليهم ما حمّلوا.»

و عن ابن عمر أنّه قال: «أربعة إلى السلطان: الزكاة و الجمعة و الفي ء و الحدود.» و انّه قيل له: إنّ السلطان يستأثر بالزكاة فقال: «ما أنتم و ذاك؟

أ رأيتم لو أخذتم لصوصا فقطعتم بعضهم و تركتم بعضهم أ كنتم مصيبين؟» قالوا: لا، قال: «فلو دفعتموهم إلى السلطان فقطع بعضهم و ترك بعضهم أ كان عليكم من ذلك شي ء؟» قالوا: لا، قال: فلم؟ قالوا: لأنا قد فعلنا ما كان علينا أن نفعله من دفعه إلى السلطان، و ما فعله فهو عليه. قال: «صدقتم فهكذا تجري الأمور.»

و ممن رووا عنه أنّه رأى أنّ الواجب في الزكاة أن تدفع إلى الأمراء الحسن البصري و عامر الشعبي و إبراهيم النخعي و سعيد بن جبير و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور، و قال: من لم يدفعها إلى السلطان و دفعها إلى الفقراء لم تجز عنه.

و فرّق أبو عبيد بين زكاة الذهب و الورق و بين زكاة المواشي و الحبوب و الثّمار فقال: أما زكاة المواشي و الحبوب و الثمار فلا تدفع إلّا إلى السلطان فإن دفعها إلى الفقراء و المساكين لم تجز عنه. و أما زكاة الذهب و الفضة

فإن دفعها إلى الأمراء أجزت عنه و إن دفعها إلى الفقراء أجزت عنه أيضا.

و هذا تحكّم من قائله، و لم يفرق اللّه- عز و جل- و لا رسوله بين ما فرق هذا القائل بينه، و ظاهر فساد هذا القول يغني عن الاحتجاج على قائله.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 30

..........

______________________________

فأجمع الناس اليوم جهلا و ضلالا- إلّا من عصم اللّه- على منع ما يقدرون على منعه من جميع الزكوات و خالفوا في ذلك كتاب اللّه و سنّة رسوله «ص» و فارقوا أسلافهم و فقهاءهم و جحدوا حقّ أئمتهم نعوذ باللّه من مخالفة أمره و أمر رسوله و أولي الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعته و طاعة نبيّه «ص».» «1»

أقول: و لعلّ مراده بالأئمة و أولي الأمر في آخر كلامه خلفاء الفاطميّين في عصره إذ كان هو قاضي القضاة من قبلهم.

و اعلم أنّ كثيرا من المسائل الإسلامية و لا سيما ما ارتبطت منها بالسياسة أو الاقتصاد قد ابتليت في الأعصار المختلفة حسب الأجواء أو الأهواء بفتاوى إفراطية أو تفريطية.

فالحكومة الإسلامية التي أسس بنيانها النبي الأكرم «ص» و تأسّى به في ذلك الخلفاء و الصحابة بلا نكير لأصلها، بل تكون ضرورة للبشر إجمالا و يظهر من نفس التشريعات الإسلامية في الأبواب المختلفة أيضا أنّها داخلة في نسج الإسلام و نظامه كما بينا ذلك بالتفصيل في مباحثنا السابقة، و على أساسها كان هو «ص» و هم يطالبون الضرائب و منها الزكوات، ربّما يصل أمرها إلى تنفيذ حكومة أمثال معاوية و يزيد و يفتون بوجوب الإطاعة لهم و وجوب دفع الزكوات و سائر الضرائب إليهم و إن شربوا بها الخمور و أكلوا بها لحوم الحيّات أو الكلاب مثلا، و ربّما

يشكك في أصلها و ينكرون شرعية الحكم الإسلامي في عصر الغيبة من رأس و إن فرض تشكّلها بشرائطها التي منها كون الوالي أعلم الناس و أفضلهم في الفقه و العدالة و حسن التدبير و غير ذلك من الشروط الثمانية التي بيّناها

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 257- 264، كتاب الزكاة، ذكر دفع الصدقات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 31

..........

______________________________

و قلنا إنّه لولاها لم يكن حكمه حكما إسلاميّا و إن ادّعاه و تقمّصه.

مع أنّ المترقب من الأمة الوسط أن يأخذوا في آرائهم و فتاويهم بما هو الوسط.

و كيف كان فلو قلنا بوجوب دفع الزكاة إلى الولاة مطلقا أو بعد المطالبة فلا نقول بوجوب دفعها إلى كلّ من ادعى الحكومة و تقمّصها و إن كان فاسقا شارب الخمر مثلا بل مثله يجب على الأمّة القيام عليه لإسقاطه من عرشه فتدبّر. هذا.

13- و في الأحكام السلطانية للماوردي: «و الأموال المزكّاة ضربان: ظاهرة و باطنة. فالظاهرة ما لا يمكن إخفاؤه كالزرع و الثمار و المواشي. و الباطنة ما أمكن إخفاؤه من الذهب و الفضة و عروض التجارة. و ليس لوالي الصدقات نظر في زكاة المال الباطن، و أربابه أحقّ بإخراج زكاته منه إلّا أن يبذلها أرباب الأموال طوعا فيقبلها منهم و يكون في تفريقها عونا لهم. و نظره مختصّ بزكاة الأموال الظاهرة يؤمر أرباب الأموال بدفعها إليه.

و في هذا الأمر إذا كان عادلا فيها قولان: أحدهما أنّه محمول على الإيجاب و ليس لهم التفرّد بإخراجها و لا تجزئهم إن أخرجوها.

و القول الثاني أنّه محمول على الاستحباب إظهارا للطاعة، و إن تفرّدوا بإخراجها أجزأتهم.

و له على القولين معا أن يقاتلهم عليها إذا امتنعوا من دفعها كما قاتل أبو بكر الصديق مانعي

الزكاة لأنّهم يصيرون بالامتناع من طاعة ولاة الأمر إذا عدلوا بغاة، و منع أبو حنيفة من قتالهم إذا أجابوا إلى إخراجها بأنفسهم.» «1»

14- و في الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء نحو ذلك إلى أن قال: «و نظره مخصوص بزكاة المال الظاهر يؤمر أرباب الأموال بدفعها إليه إذا طلبها،

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 113.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 32

..........

______________________________

فإن لم يطلبها جاز دفعها إليه، و الأفضل أن يتولّى أرباب المال تفرقتها بأنفسهم نصّ عليه، فإن طالبهم الإمام بدفعها إليه فامتنعوا من ذلك و أجابوا إلى إخراجها بأنفسهم لم يكن له قتالهم.

و المنصوص عليه في قتالهم: إذا منعوا إخراجها في رواية منصور و المروزي و الميموني و الأثرم.» «1»

15- و في المغني لابن قدّامة في فقه الحنابلة: «فصل: يستحبّ للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقّها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة.

قال الإمام أحمد: أعجب إليّ أن يخرجها، و إن دفعها إلى السلطان فهو جائز.

و قال الحسن و مكحول و سعيد بن جبير و ميمون بن مهران: يضعها ربّ المال في موضعها. و قال الثوري: احلف لهم و اكذبهم و لا تعطهم شيئا إذا لم يضعوها مواضعها، و قال: لا تعطهم. و قال عطاء: أعطهم إذا وضعوها مواضعها فمفهومه أنّه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك.

و قال الشعبي و أبو جعفر: إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة من أهلها. و قال إبراهيم: ضعوها في مواضعها فإن أخذها السلطان أجزأك ...

و قد روي عن أحمد أنّه قال: أمّا صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان، و أمّا زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء و المساكين ...

و

قال مالك و أبو حنيفة و أبو عبيد: لا يفرّق الأموال الظاهرة إلّا الإمام لقول اللّه- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» و لأن أبا بكر طالبهم بالزكاة و قاتلهم عليها، و قال: لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 115.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 33

..........

______________________________

لقاتلتهم عليها. و وافقه الصحابة على هذا، و لأنّ ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولّى عليه كوليّ اليتيم، و للشافعي قولان كالمذهبين ...» «1» فراجع.

16- و في تفسير القرطبي: «و إذا كان الإمام يعدل في الأخذ و الصرف لم يسغ للمالك أن يتولّى الصرف بنفسه في الناضّ و لا في غيره. و قد قيل: إنّ زكاة الناضّ على أربابه. و قال ابن الماجشون: ذلك إذا كان الصرف للفقراء و المساكين خاصّة، فإن احتيج إلى صرفها لغيرهما من الأصناف فلا يفرق عليهم إلّا الإمام.» «2»

أقول: و لا يخفى أنّ الماوردي شافعي و أبو يعلى و ابن قدامة من الحنابلة و القرطبي مالكي.

17- و في آخر الأمر يعجبني نقل كلام من الفاضل المعاصر: الدكتور يوسف القرضاوي من كتابه فقه الزكاة قال بعد نقل أحاديث و فتاوى عن الصحابة:

«هذه الأحاديث الصريحة عن رسول اللّه «ص»، و هذه الفتاوى الحاسمة من صحابته الكرام تجعلنا ندرك بل نوقن أنّ الأصل في شريعة الإسلام أن تتولّى الحكومة المسلمة الزكاة فتجبيها من أربابها و تصرفها على مستحقيها، و أنّ على الأمة أن تعاون أولياء الأمر في ذلك إقرارا للنظام و إرساء لدعائم الإسلام و تقوية لبيت مال المسلمين.

و ربّما قال قائل: إنّ الشأن في الأديان أن توقظ الضمائر و تحيي القلوب و

تضع أمام أبصار الناس مثلا أعلى، ثمّ تحاول أن تقودهم بزمام الشوق إلى مثوبة الله، أو تسوقهم بسوط الخشية من عقابه، تاركة لأصحاب السلطان أن يحددوا و ينظّموا و يطالبوا و يعاقبوا. فهذا من شأن السلطة السياسيّة و ليس من مهمّة التوجيه الديني.

______________________________

(1)- المغني لا بن قدامة 2/ 507.

(2)- تفسير القرطبي 8/ 177.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 34

..........

______________________________

و الجواب: أنّ هذا قد يصحّ في أديان أخرى، و لكن لا يصحّ أبدا في الإسلام، فإنّه عقيدة و نظام، و خلق و قانون و قرآن و سلطان، ليس الإنسان مشطورا في الإسلام: شطر منه للدين و شطر آخر للدنيا، و ليست الحياة مقسومة: بعضها لقيصر و بعضها للّه. و إنما الحياة كلّها و الإنسان كلّه و الكون كلّه للّه الواحد القهّار.

جاء الإسلام رسالة شاملة هادية فجعلت من هدفها تحرير الفرد و تكريمه و ترقية المجتمع و إسعاده، و توجيه الشعوب و الحكومات إلى الحق و الخير و دعوة البشرية كلّها إلى اللّه: أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا و لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللّه.

و في هذا الإطار جاء نظام الزكاة فلم تجعل من شئون الفرد بل من وظيفة الحكومة الإسلامية، فوكّل الإسلام جبايتها و توزيعها على مستحقّيها إلى الدولة لا إلى ضمائر الأفراد وحدها، و ذلك لجملة أسباب لا يحسن بشريعة الإسلام أن تهملها:

أوّلا: إنّ كثيرا من الأفراد قد تموت ضمائرهم أو يصيبها السقم و الهزال فلا ضمان للفقير إذا ترك حقّه لمثل هؤلاء.

ثانيا: في أخذ الفقير حقّه من الحكومة لا من الشخص الغني حفظ لكرامته و صيانة لماء وجهه أن يراق بالسؤال و رعاية لمشاعره أن يجرحها المنّ و الأذى.

ثالثا: إنّ

ترك هذا الأمر للأفراد يجعل التوزيع فوضى، فقد ينتبه أكثر من غنيّ لإعطاء فقير واحد على حين يغفل عن آخر فلا يفطن له أحد، و ربّما كان أشدّ فقرا.

رابعا: إنّ صرف الزكاة ليس مقصورا على الأفراد من الفقراء و المساكين و أبناء السبيل، فمن الجهات التي تصرف فيها الزكاة مصالح عامّة للمسلمين لا يقدرها الأفراد، و إنما يقدرها أولو الأمر و أهل الشورى في الجماعة المسلمة كإعطاء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 35

..........

______________________________

المؤلّفة قلوبهم و إعداد العدّة و العدد للجهاد في سبيل اللّه و تجهيز الدعاة لتبليغ رسالة الإسلام في العالمين.

خامسا: إنّ الإسلام دين و دولة، و قرآن و سلطان، و لا بدّ لهذا السلطان و تلك الدولة من مال تقيم به نظامها و تنفذ به مشروعاتها. و لا بد لهذا المال من موارد، و الزكاة مورد هامّ دائم لبيت المال في الإسلام.» «1» انتهى كلامه.

18- و في الشرائع: «القسم الثالث في المتولّي للإخراج و هم ثلاثة: المالك و الإمام و العامل. و للمالك أن يتولّى تفريق ما وجب عليه بنفسه و بمن يوكّله.

و الأولى حمل ذلك إلى الإمام، و يتأكّد ذلك الاستحب اب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلّات.

و لو طلبها الإمام وجب صرفها إليه. و لو فرّقها المالك و الحال هذه قيل:

لا يجزي و قيل: يجزي و إن أثم، و الأوّل أشبه ....

و يجب على الإمام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات. و يجب دفعها إليه عند المطالبة ....

و إذا لم يكن الإمام موجودا دفعت إلى الفقيه المأمون من الإمامية فإنّه أبصر بمواقعها.» «2»

أقول: عبارة المتن في الصدر غير نقيّة كما في الجواهر إذ المخرج لها أربعة بإضافة وكيل المالك إلى الثلاثة سواء أريد

بالإخراج الإخراج من المال أو تفريقها في المصارف، و الاستغناء عنه بذكر الأصل أعني المالك يقتضي الاستغناء عن ذكر العامل أيضا فإنّه وكيل الإمام.

______________________________

(1)- فقه الزكاة 2/ 755- 757.

(2)- الشرائع 1/ 164، (طبعة أخرى/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 36

..........

______________________________

و بالجملة فالمتصدي للإخراج من المال هو المالك أو وكيله في ذلك و لكن إن قصّر في ذلك و لم يمكن إجباره أخرجه الإمام أو وكيله قهرا عليه، كما أنّ المتصدّي لتفريقها أيضا أحد هذه الأربعة.

و في الجواهر: «لا خلاف بيننا بل بين المسلمين كافّة في قبول هذا الفعل للنيابة التي استفاضت بها النصوص أو تواترت.» «1»

و ظاهره و إن كان هو النيابة في التفريق و لكنّ الظاهر جواز التوكيل في الإخراج من المال أيضا نيابة عنه و سيأتي بحثها.

و قول المصنف أخيرا: «دفعت إلى الفقيه» لا بد أن يحمل على الاستحباب أو صورة المطالبة لوضوح عدم كون الفقيه أهمّ من الإمام المعصوم. هذا.

و قد طال في المقام نقل كلمات الأعلام و قد ألزمنا بذلك أهمّية المسألة و الاهتمام بها. و أعتذر في هذا المجال من القرّاء الكرام.

و قد تحصّل لك أنّ المستفاد من بعض الآيات و كثير من الأخبار و الفتاوى من الفريقين أنّ الزكاة بحسب التشريع الأوّلي كانت ضريبة إسلامية تحت اختيار الدولة الإسلامية فكانت هي المتصدية لأخذها و مطالبتها و جمعها و تفريقها في مصارفها الثمانية.

و لكن لما كان في عصر أئمتنا- عليهم السلام- انحرفت الحكومة الإسلامية عن مسيرها الحق الذى رسمه النبيّ «ص» و تقمّصها الطواغيت و حكومات الجور واحدا بعد واحد و صارت الشيعة الإمامية في هذا الأثناء محرومين مطرودين رخّص أئمتنا- عليهم السلام- لمن وجبت عليه الزكاة من شيعتهم

المباشرة في تقسيمها فصار هذا حكما ثانويّا موقّتا في أعصار حكومات الجور و عدم بسط اليد

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 416.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 37

..........

______________________________

لأئمة العدل و سيأتي تفصيل ذلك.

[هنا أربع مسائل لا بدّ من البحث فيها]
اشارة

إذا عرفت ما ذكرناه فنقول: هنا أربع مسائل لا بدّ من البحث فيها:

الأولى: هل يجب على الإمام مطالبة الزكوات و نصب العمّال لأخذها؟

الثانية: هل يجب الدفع إليه عند المطالبة مطلقا أو لا يجب مطلقا أو يفصّل بين الإمام المعصوم و غيره؟

الثالثة: هل يجب الدفع إليه ابتداء بدون المطالبة مطلقا، أو في خصوص الإمام المعصوم مطلقا أو مع بسط يده أو لا يجب بل يستحب أو لا يجب و لا يستحب أيضا؟

الرابعة: لو قلنا بالوجوب ابتداء أو مع المطالبة فعصى المالك و قسّمها بنفسه في أهلها فهل تجزى عنه أو يجب عليه الإعادة؟

[المسألة الأولى: هل يجب على الإمام مطالبة الزكوات و نصب العمّال لأخذها؟]
اشارة

أمّا المسألة الأولى:

[القائلون بوجوب المطالبة استدلّوا بوجوه]
اشارة

فالقائلون بوجوب المطالبة استدلّوا له بوجوه:

[الوجه الأول: قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ»]

الوجه الأول: قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «1» بتقريب أنّ الصدقات جعل لها مصارف ثمانية بمقتضى الآية الأخرى في هذه السورة 2 فلا محالة إنّما أمر هو «ص» بأخذها بما أنّه كان حاكما على المسلمين و إماما لهم في عصره و كان عليه سدّ خلّاتهم بما فرض اللّه لهم، و مقتضى ذلك جريان الحكم في الأئمة بعده أيضا، بل و في كلّ من تصدّى لزعامة المسلمين عن حقّ و لو في عصر الغيبة و في منطقة خاصّة.

______________________________

(1) (1 و 2)- سورة التوبة (9)، الآيتان 103 و 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 38

..........

______________________________

و مقتضى قوله- تعالى-: «لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كٰانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ.» «1»

و كذا الأخبار الواردة بهذا المضمون وجوب التأسّي به إلّا فيما ثبت اختصاصه به «ص».

و قد ورد في بعض الأخبار تطبيق الآية الشريفة على الإمام:

1- ففي الكافي عن الحسين بن محمد بن عامر بإسناده رفعه قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال اللّه- عزّ و جلّ-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «2»

2- و في تفسير العيّاشي عن علي بن حسّان الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن قول اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» جارية هي في الإمام بعد رسول اللّه «ص»؟ قال: «نعم». «3»

3- و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: «يجبر الإمام الناس على أخذ الزكاة من

أموالهم، لأن اللّه- عزّ و جل- قال: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً.»

و قال رسول اللّه «ص»: هاتوا ربع العشر من كلّ عشرين مثقالا نصف مثقال و من كلّ مأتي درهم خمسة دراهم.» «4»

و قد ظهر بما ذكرنا جواب من احتمل كون الحكم في الآية من خصائص النبي «ص».

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 21.

(2)- الكافي 1/ 537، كتاب الحجة، باب صلة الإمام «ع»، الحديث 1.

(3)- تفسير العياشي 2/ 106، و رواه عنه في البحار 93/ 84، ط. بيروت، كتاب الزكاة و الصدقة، باب أدب المصدق.

(4)- دعائم الإسلام 1/ 253، و رواه عنه في البحار 93/ 86، ط. بيروت، كتاب الزكاة و الصدقة، باب أدب المصدق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 39

[الوجه الثاني: ذكر العالمين عليها في الآية الشريفة من مصارف الزكاة]

______________________________

الوجه الثاني: ذكر العالمين عليها في الآية الشريفة من مصارف الزكاة إذ يظهر منه كما مرّ أنّ الزكاة ليست واجبا فرديّا موكولا إلى مشيّة الأشخاص بل تكون من ضرائب الدولة الإسلاميّة التي يتولّى إمام المسلمين لأخذها و تفريقها في مصارفها المقرّرة، و لأجل ذلك نسب إلى المشهور كما في الحدائق وجوب نصب الإمام عاملا على الصدقات. «1»

قال في المبسوط: «و على الإمام أن يبعث الساعي في كلّ عامّ إلى أرباب الأموال لجباية الصدقات. و لا يجوز له تركه لأنّ النبي «ص» كان يبعث بهم كلّ عام.» «2»

و مرّ عن الشرائع قوله: «و يجب على الإمام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات.» فتأمّل.

[الوجه الثالث: خبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين «ع»]

الوجه الثالث: خبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين «ع» في وجوب الإمامة و بيان وظائف الإمام و أعماله: «يجمع أمرهم و يحكم بينهم و يأخذ للمظلوم من الظالم حقّه و يحفظ أطرافهم و يجبي فيئهم و يقيم حجتهم (حجّهم و جمعتهم- البحار) و يجبى صدقاتهم.» «3»

[الوجه الرابع: ما مرّ من حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل إلى اليمن]

الوجه الرابع: ما مرّ من حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل إلى اليمن و فيه: «فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم فإن هم طاعوا لك بذلك فإيّاك و كرائم أموالهم.» «4»

حيث يظهر منه أنّ البناء في الصدقات كان على أخذها من قبل الحكام و

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 223.

(2)- المبسوط 1/ 244.

(3)- كتاب سليم بن قيس/ 182؛ و البحار 8/ 555 من ط. القديم، الباب 49 من كتاب ما وقع من الجور ...

(4)- صحيح البخاري، الجزء 5 (المجلد الثالث)، ص 108 (طبعة أخرى 3/ 73)، كتاب المغازي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 40

..........

______________________________

تقسيمها بتصدّيهم.

و يشهد لذلك أيضا ما مرّ من خبر الدعائم و أنّ الإمام يجبر الناس على أخذ الزكاة من أموالهم.

[الوجه الخامس: سيرة رسول اللّه «ص» و من قام مقامه]

الوجه الخامس: سيرة رسول اللّه «ص» و من قام مقامه و لا سيّما أمير المؤمنين «ع» في خلافته حيث إنّهم كانوا يطالبون الزكوات و ينصبون العمّال لأخذها، و قد مرّ في هذا المجال صحيحة عبد اللّه بن سنان في شأن نزول الآية.

و كان رسول اللّه «ص» يبعث عبد اللّه بن رواحة و غيره لخرص النخيل و ينهاهم عن خرص بعض التمور الرديئة. «1»

و كلّما دخل قبيلة في الإسلام كان ينصب فيهم عاملا على الصدقات.

و أمير المؤمنين «ع» أيضا كان يبعث العمّال و المصدقين و يرشدهم كيف يقسّمون الأموال و يأخذون منها الصدقات كما يرشد إلى ذلك صحيحة بريد العجلي و ما في نهج البلاغة. «2»

و قد استقرت هذه السيرة بحيث إنّ الغاصبين لمقام الإمامة قبل عليّ «ع» و بعده أيضا ساروا على آثارها و أرسلوا عمّالهم لجباية الصدقات و حاربوا من منعها و استحلّوا دماءهم

و سمّوهم أهل ردّة و لم ينكر الصحابة عليهم ذلك.

و أمّا ما في المغني و تبعه العلّامة في التذكرة من أنّ مطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدّوها إلى أهلها و لو أدّوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها و إنّما يطالب الإمام بحكم الولاية و النيابة عن مستحقيها فإذا دفعها إليهم جاز. «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 141، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

(2)- الوسائل 6/ 88، و ما بعدها، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام.

(3)- المغني 2/ 509؛ و التذكرة 1/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 41

..........

______________________________

ففيه أنّ المستفاد من التواريخ خلاف ذلك ففي سنن البيهقي بسنده أنّ أبا بكر قال: «و اللّه لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللّه «ص» قاتلتهم على منعها» «1» و نحوه أخبار أخر فراجع.

أقول: فهذه خمسة وجوه ربّما يستدلّ بها لوجوب مطالبة الإمام للصدقات.

و لكن يمكن أن يجاب عن الوجه الثاني بأنّ عدّ العاملين من المصارف أعم من وجوب المطالبة فلعلّها مطلوبة بنحو الأولوية و الاستحباب. و عن الوجه الثالث و الرابع بعدم إحراز صحّة الأخبار المذكورة. و عن الوجه الخامس بأنّ السيرة العملية لا تدلّ على أزيد من الجواز.

[عمدة الوجوه هو الوجه الأوّل]

فعمدة هذه الوجوه الخمسة هو الوجه الأوّل.

و نوقش فيه أولا باحتمال الاختصاص بالنبي «ص».

و ثانيا باحتمال الاستحباب، و قد كثر استعمال الأمر فيه في الكتاب و السنة بل لعلّه من قبيل الأمر في مقام توهّم الحظر فلا يدلّ على أزيد من الجواز.

و ثالثا بما في تقرير بحث بعض الأعاظم من أنّ قوله: «خذ مقدمة للتطهير و ليس أمرا استقلاليا.» «2»

و رابعا باحتمال رجوع ضمير الجمع في الآية إلى ما قبلها أعني قوله:

«وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا

صٰالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً» فيراد بالصدقة فيها خصوص زكاة هؤلاء التائبين، بل من المحتمل إرادة غير الزكاة.

ففي تفسير الرازي في ذيل الآية: «إنّه «ص» لما عذّر أولئك التائبين و أطلقهم

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 3، كتاب الصدقات، باب ما لا يسع الولاة تركه لأهل الأموال.

(2)- فقه العترة في زكاة الفطرة/ 316.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 42

..........

______________________________

قالوا: يا رسول اللّه هذه أموالنا التي بسببها تخلّفنا عنك فتصدق بها عنّا و طهرنا و استغفر لنا، فقال «ص» ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا. فأنزل اللّه- تعالى- هذه الآيات فأخذ رسول اللّه «ص» ثلث أموالهم و ترك الثلثين.» «1»

و في تفسير الطبري بسنده عن زيد بن أسلم قال: لما أطلق النبي «ص» أبا لبابة و الذين ربطوا أنفسهم بالسواري قالوا يا رسول اللّه خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها فأنزل اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ» «2» و روي نحو ذلك عن ابن عباس و الضّحاك و سعيد بن جبير، فراجع. هذا.

و لكن احتمال الاختصاص بالنبي «ص» مردود بما مرّ بيانه. و حمل الأمر على الاستحباب خلاف الظاهر، و توهّم الحظر في المقام ممنوع. و كون الأخذ مقدمة للتطهير لا يوجب عدم وجوبه، بل ظاهره الوجوب.

إلّا أن يقال: إنّ التطهير إذا كان علّة للحكم فمقتضاها كفاية تولّي المالك للتوزيع لحصول الطهارة به أيضا.

و لكن يرد عليه احتمال كونه حكمة لا علّة أو كون تطهير النبي «ص» أو الإمام له خصوصيّة كما هو الظاهر.

و احتمال الاختصاص بالتائبين في الآية السابقة يردّه ما مرّ من صحيحة عبد اللّه بن سنان في شأن نزول الآية و أنّه لمّا نزلت أمر رسول اللّه «ص» مناديه فنادى:

إنّ اللّه فرض عليكم الزكاة

كما فرض عليكم الصلاة ثمّ لم يتعرّض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول ثمّ وجّه عمّال الصدقة و الطسوق. إذ يظهر منها إرادة عموم المسلمين.

و لعلّ التائبين كانوا أخّروا زكواتهم فلمّا تابوا أدّوها إلى النبي «ص» فيكون من

______________________________

(1)- تفسير فخر الرازي 3/ 510.

(2)- تفسير الطبري 11/ 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 43

..........

______________________________

موارد الآية، و المورد لا يخصّص.

و في المستدرك عن عوالي اللئالي: «روي أنّ الثلاثة الذين تخلّفوا في غزوة تبوك لمّا نزل في حقّهم «وَ عَلَى الثَّلٰاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا- الآية.» و تاب اللّه عليهم قالوا:

خذ من أموالنا يا رسول اللّه و تصدّق بها و طهّرنا من الذنوب فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزل: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً.» فأخذ منهم الزكاة المفروضة شرعا.» «1» فهذا يؤيّد ما قلناه. و لعلّ أخذ الثلث المحكيّ في تفسير الرازي على فرض صحّته كان لاجتماع الزكوات عندهم من السنين السابقة.

و يدلّ على إرادة العموم أيضا خبر زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له:

قول اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» أ هي قوله: «وَ آتُوا الزَّكٰاةَ؟»* قال: قال: «الصدقات في النبات و الحيوان و الزكاة في الذهب و الفضة و زكاة الصوم.» «2» إلى غير ذلك من الأخبار. هذا.

و محصّل الكلام في المقام مضافا إلى دلالة الآية الشريفة بضميمة الأخبار الواردة في شأن نزولها على وجوب الأخذ و المطالبة و يؤيّدها آية العاملين و السيرة المستمرة من النبي «ص» و من بعده:

أنّ الحكومة الإسلامية- كما نقّحنا في محلّه- داخلة في نسج الإسلام و نظامه و هي الأساس لتنفيذ فرائضه و أحكامه كما يدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر

«ع» قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية.» قال زرارة: فقلت: و أي شي ء من ذلك أفضل؟ فقال:

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 507، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 20.

(2)- الوسائل 6/ 38، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 18.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 44

..........

______________________________

«الولاية أفضل لأنّها مفتاحهنّ و الوالي هو الدليل عليهن.» «1» حيث عدّ الولاية فيها أفضل الفرائض الإجرائية المهمّة و مفتاحهنّ فلا يجوز تعطيلها و يجب على المسلمين السعي في تحصيلها و إجرائها بقدر الإمكان في أيّ عصر و مكان و لو في عصر الغيبة و في منطقة خاصّة. و يجب على من وجد فيه الشرائط التي اعتبرها الشرع المبين التصدّي لها مهما أمكن و لو بالنسبة إلى بعض وظائف الحكومة.

و قد كان في عصر ظهور الأئمة الاثني عشر «ع» هذا المنصب الشريف عندنا حقّا لهم لا يشاركهم فيه غيرهم، و في عصر الغيبة للفقيه الجامع للشرائط الثمانية التي تعرّضنا لها في محلّها.

و لا يخفى أنّ إدارة المجتمعات و العمل بوظائف الدولة الإسلامية التي من أهمّها سدّ خلّات المسلمين بشعبها المختلفة تتوقّف قهرا على المنابع المالية الضخمة.

و قد مرّت في أول البحث أخبار كثيرة تعرّضت لوظائف الإمام بالنسبة إلى الفقراء و الغارمين و ابن السبيل و الجهاد و سبل الخير و نحو ذلك و أنّ عليه أن يمونهم من مال الصدقات فلا محالة يجب عليه مطالبتها و أخذها مقدّمة لذلك إذ ما يتوقّف عليه الواجب واجب بلا إشكال.

و لا يعقل أن تكون إدارة شئون المسلمين و سدّ خلّاتهم بالصدقات من وظائفه و لا تكون هي تحت يده

و اختياره.

و فائدة تصدّي الإمام لذلك أنّ هذا يوجب تنظيما أساسيّا للضرائب في قبال الخلّات و الحاجات المختلفة فيصل كلّ مستحق إلى حقّه و سهمه و يخرج تقسيمها عن التشتت و التبعيضات المفرطة مع فرض كون الإمام عادلا مدبّرا يناضل الظلم و العدوان و يسعى في إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه.

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 7، الباب 1 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 45

..........

______________________________

و ترك هذا الأمر و إيكاله إلى مشيّة الأشخاص و تشخيصهم يجعل التوزيع فوضى فربّما استفاد فقير واحد من أغنياء كثيرين في حين يغفل الجميع عن غيره مع كونه أحوج و ربّما ماتت ضمائر الأغنياء فلم يراعوا حقوق الفقراء و ذوي الحاجات و سائر المصارف أصلا فكان الواجب إيكال أمرهم إلى إمام المسلمين ليجبي الصدقات و يوزعها على نظام صحيح و تكون قدرته ضامنا لإجرائه.

نعم لو فرض عدم إمكان تشكيل الحكومة الحقّة أو عدم القدرة على إيجاد شبكات صالحة للجبايات و التوزيعات كان اللازم حينئذ إيكال التقسيم إلى الملّاك كما يشهد بذلك قوله «ع» في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف.» «1»

و قد يجري هذا البيان في حق الفقيه الجامع للشرائط أيضا إذا فرض إمكان تصدّيه للحكومة و لو في منطقة خاصة.

هذا كلّه في المسألة الأولى أعني وجوب مطالبة الإمام و أخذه.

[المسألة الثانية: إذا طلبها الإمام فهل يجب الدفع إليه مطلقا]
اشارة

المسألة الثانية:

إذا طلبها الإمام فهل يجب الدفع إليه مطلقا أو لا يجب مطلقا أو يفصل بين الإمام المعصوم و غيره؟

[كلمات الأصحاب]

1- قد مرّ عن الخلاف قوله: «إلّا أنّ عندنا متى طلب الإمام ذلك وجب دفعه إليه» إلى أن قال: «و أما الذي يدلّ على وجوب الدفع إذا طلبه الإمام قوله- تعالى-:

«خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» فأمره بالأخذ و أمره على الوجوب فوجب أن يلزم الدفع.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 2/ 347.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 46

..........

______________________________

2- و في التذكرة: «لو طلب الإمام الزكاة منه وجب دفعها إليه إجماعا منّا لأنّه معصوم تجب طاعته و تحرم مخالفته.» «1»

3- و في نهاية الإحكام: «لو طلبها الإمام وجب الصرف إليه بذلا للطاعة، و لقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و هو يستلزم وجوب الإعطاء، و لأنّه مال للإمام المطالبة به فيجب دفعه إليه مع المطالبة كالخراج» «2»

4- و مرّ عن الشرائع قوله: «و يجب دفعها إليه عند المطالبة.» «3»

[إسراء الحكم إلى الفقيه الجامع للشرائط]

أقول: هؤلاء الأعلام و إن أرادوا بالإمام في كلماتهم خصوص الإمام المعصوم، و لكن مقتضى استدلالهم بوجوب الطاعة و بوجود التلازم بين وجوب الأخذ و وجوب الإعطاء إسراء الحكم إلى الفقيه الجامع للشرائط أيضا بعد ما بيّناه من وجوب الولاية و الحكم و لو في عصر الغيبة، و واضح أنّ الولاية لا تتمّ إلّا بوجوب الطاعة.

و إذا فرض توقّفها على أخذ الزكاة و غيرها من الضرائب وجب ذلك مقدّمة لها فوجب الإعطاء أيضا بدلالة الاقتضاء.

و لكن العلّامة- قدّس سرّه- في المختلف بعد ذكر الآية و بيان أنّ الأمر للوجوب و أنّ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع قال: «و الجواب بعد تسليم أنّ الأمر للوجوب إنّما يدلّ على وجوب الأخذ عليه إذا دفعت إليه و لا يستلزم ذلك وجوب الدفع إليه.»

«4»

و قال في المحكي من نهايته في الأصول- على ما في الجواهر-: «لا يقال:

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 241.

(2)- نهاية الإحكام 2/ 415.

(3)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى/ 124).

(4)- المختلف/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 47

..........

______________________________

وجوب الأخذ إنّما يتمّ بالإعطاء، و ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. لأنّا نقول:

الأمر هنا إن كان بالطلب لم يتوقّف على الإعطاء. و إن كان بالأخذ لم يكن الإعطاء واجبا لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به إنّما يكون واجبا لو كان مقدورا لمن وجب عليه الأخذ. و إعطاء الغير غير مقدور لمن وجب عليه الأخذ فلا يكون واجبا.» «1»

أقول: ظاهر هذين الكلامين توهّم أنّ المقصود من التلازم بين الوجوبين في المقام كون وجوب الإعطاء من قبيل وجوب المقدّمة مترشّحا من وجوب ذيها و هو ممنوع.

بل المقصود وجوبه بدلالة الاقتضاء بمعنى أنّ الشارع إذا جعل الأخذ واجبا بنحو الإطلاق فلا محالة جعل الإعطاء أيضا واجبا و إلّا كان الجعل الأوّل لغوا.

و احتمال كون وجوب الأخذ مشروطا بتحقق الإعطاء خارجا من باب الاتفاق خلاف الظاهر جدّا، كاحتمال كون وجوب الأخذ مشروطا بعدم تفريق المالك بنفسه، بداهة أنّ ظاهر الآية وجوب الأخذ و المطالبة مطلقا. نعم، التكليف مشروط عقلا بالقدرة و عدم وجود مصلحة أقوى فلو لم يتمكّن الحاكم الحقّ من المطالبة أو التوزيع أو كان إيكال الأمر إلى الملّاك أصلح كما في عصر حكومات الجور و صيرورة المستحقين مطرودين من قبلهم فلا محالة يسقط وجوب الأخذ حينئذ فتدبّر.

و كيف كان فالحكم بوجوب الإعطاء يعمّ الفقيه المتصدي للولاية أيضا كما كان الحكم بوجوب الأخذ و المطالبة أيضا يعمّه لما مرّ من الدليل على عموم ولايته و وجوب طاعته و وجود التلازم

بين الوجوبين.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون مقلّدا للدافع أم لا إذا كانت المطالبة بنحو الحكم بالإعطاء له و كان واجدا لشرائطه.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 418.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 48

..........

______________________________

نعم لو حكم بتعيّن صرفها في مصرف خاصّ جاز للمالك صرفها فيه بنفسه، كما أنّه لو كانت المطالبة أو تعيين مصرف خاصّ بنحو الفتوى لا الحكم لم يجب على غير المقلّد ترتيب الأثر عليهما.

و قال الشيخ الأعظم في زكاته: «و لو طلبها الفقيه فمقتضى أدلّة النيابة العامّة وجوب الدفع لأنّ منعه ردّ عليه. و الرادّ عليه رادّ على اللّه- تعالى- كما في مقبولة ابن حنظلة، و لقوله «ع» في التوقيع الشريف الوارد في وجوب الرجوع في الحوادث الواقعة إلى رواة الأحاديث قال: «فإنّهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه.» «1»

أقول: النيابة العامّة عندنا مقبولة و لكن دلالة المقبولة عليها غير واضحة بل غير مقبولة لظهورها في أمر القضاء و فصل الخصومة. و التوقيع يدلّ عليها إن قيل بدلالته على تحقّق جميع مناصب الإمام أعني الإفتاء و الولاية و القضاء، و لكن ربّما يقال: إنّ الاحتجاج قرينة على إرادة الإفتاء فقط، فتدبّر.

و في الجواهر بعد ما حكى عن المدارك الترديد في مسألة تولّي المالك للتقسيم مع طلب الإمام و أنّ الأمر فيها هيّن لاختصاص الحكم بطلب الإمام «ع» و مع ظهوره- عجل اللّه فرجه- تتّضح الأحكام كلّها إن شاء اللّه قال: «قلت: يمكن أن تظهر ثمرتها في زمن الغيبة بطلب الفقيه لها بناء على وجوب إجابته لعموم نيابته كما حكاه الشهيد فقال: «قيل: و كذا يجب دفعها إلى الفقيه في الغيبة لو طلبها بنفسه أو وكيله لأنّه نائب للإمام كالساعي بل أقوى منه لنيابته

عنه في جميع ما كان للإمام. و السّاعي إنّما هو وكيل للإمام «ع» في عمل مخصوص.»

لكن في شرح الأصبهاني للّمعة: «لم أظفر بقائل ذلك، و إنّما عثرت على القول بوجوب الدفع إليه أو وكيله في الغيبة ابتداء.» بل قال: «إنّا نمنع كونه

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 49

..........

______________________________

كالساعي، فإنّ السّاعي إنّما يبلّغ أمر الإمام، فإطاعته إطاعة الإمام بخلاف الفقيه، و لا يجدي كونه أعلى رتبة و منصبا منه و لم يعلم أمر منهم «ع» بإطاعة الفقيه في كلّ شي ء.»

قلت: إطلاق أدلّة حكومته خصوصا رواية النصب التي وردت عن صاحب الأمر- روحي له الفداء- يصيّره من أولي الأمر الذين أوجب اللّه علينا طاعتهم.

نعم من المعلوم اختصاصه في كلّ ماله في الشرع مدخليّة حكما أو موضوعا.

و دعوى اختصاص ولايته بالأحكام الشرعية يدفعها معلومية تولّيه كثيرا من الأمور التي لا ترجع للأحكام كحفظه لمال الأطفال و المجانين و الغائبين و غير ذلك ممّا هو محرّر في محلّه.

و يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى الإطلاق الذي ذكرناه المؤيّد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشدّ من مسيسها في الأحكام الشرعية.» «1»

انتهى كلام صاحب الجواهر و إنّما ذكرناه بطوله لكونه بالنسبة كلاما جامعا في مسألة ولاية الفقيه و إن كان مشينا و مشربنا في المسألة بنحو آخر كما هو واضح لمن راجع ما كتبناه فيها.

[المسألة الثالثة: هل يجب الدفع إلى الإمام ابتداء بدون المطالبة]
[الأقوال في المسألة]

المسألة الثالثة:

هل يجب الدفع إلى الإمام ابتداء بدون المطالبة مطلقا أو في خصوص الإمام المعصوم مطلقا أو مع بسط يده أو لا يجب بل يستحبّ، أو لا يجب و لا يستحبّ أيضا؟ قد مرّت عبارات المقنعة

و الكافي و النهاية و المهذب و الغنية

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 421.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 50

..........

______________________________

الظاهرة في وجوب حملها إلى الإمام ابتداء، بل كان ظاهر المقنعة و الكافي على نسخة منه و فطرة المهذب وجوب حملها إلى الفقيه أيضا.

و ظاهر الخلاف و المبسوط و الشرائع و غيرها عدم وجوب حملها إلى الإمام إلّا مع الطلب كما مرّ. و لكن ظاهر كثير منهم استحباب ذلك.

و ظاهر الحدائق عدم الاستحباب أيضا إلّا مع الطلب فيجب. «1»

و قد مرّ عن المسالك قوله: «و القائل بوجوب دفعها إلى الإمام ابتداء أوجب دفعها مع غيبته إلى الفقيه المأمون.» «2» و لكن نحن ناقشنا في صحة هذه النسبة.

[دليل القائل بوجوب الدفع ابتداء]
اشارة

و كيف كان فالقائل بوجوب الدفع ابتداء يمكن أن يستدلّ لذلك بوجوه:

[الأوّل: ما دلّ على وجوب أخذ الإمام لها]

الأوّل: ما دلّ على وجوب أخذ الإمام لها بتقريب أنّ إيجاب الأخذ عليه بنحو الإطلاق يدلّ بدلالة الاقتضاء على إيجاب الدفع إليه كذلك و إلّا صار إيجاب الأخذ مطلقا لغوا.

[الثاني: ذكر العاملين عليها من المصارف]

الثاني: ذكر الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا من المصارف مؤيّدا بإفتاء جمع بل المشهور- كما مر نقله من الحدائق- بوجوب نصب الإمام عاملا على الصدقات، و بما مرّ من استمرار سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» و الخلفاء في جميع الأعصار بلا استنكار، على مطالبتها و التصدّي لتوزيعها و تعيين السعاة و المصدّقين و الخارصين و مقاتلة المانعين لها.

إذ يعلم من جميع ذلك أنّ الزكاة ليست موكولة إلى نظر الأشخاص و مشيّتهم، بل تكون ضريبة حكومية تحت اختيار الدولة الإسلامية فيجب على الناس إيصالها إلى الإمام أو من نصبه لذلك.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 224 و ما قبلها.

(2)- المسالك 1/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 51

[الثالث: الأخبار الكثيرة المتصدية لبيان وظيفة الإمام في قبال الفقراء]

______________________________

الثالث: ما مرّ من الأخبار الكثيرة المتصدية لبيان وظيفة الإمام في قبال الفقراء و الغارمين و سبيل اللّه و أبناء السبيل و غيرهم و أن عليه أن يكفيهم من مال الصدقات، إذ مقتضى هذه الأخبار الكثيرة أن الإمام هو الذي يتصدّى بعمّاله لجباية الزكوات و وضعها في مواضعها. و مقتضى ذلك وجوب دفعها إليه إذ لا يعقل أن تكون إدارة شئون المسلمين و سدّ خلّات المستحقين بالزكوات من وظائفه و لا تكون هي تحت اختياره.

أقول: لا يخفى عدم دلالة هذه الوجوه على المدّعى، إذ يرد على الأوّل:

أنّ الظاهر من الأخذ المطالبة كما صنعه النبي «ص» و إيجابها إنّما يدلّ بدلالة الاقتضاء على إيجاب الدفع إليه عند المطالبة لا مطلقا.

و يرد على الثاني أوّلا: أن عدّ العاملين من المصارف و تعيينهم من قبل الإمام لا يدلّان على وجوب الأخذ فضلا عن وجوب الدفع إذ يجتمعان مع استحباب الأخذ و الدفع بل مع الجواز أيضا.

و ثانيا: أن السيرة العملية لا تدلّ على أزيد من

جواز الأخذ، نعم مع فرض المطالبة يجب الدفع كما مرّ.

و يرد على الثالث: أنّ كون الصرف في المستحقين من وظائف الإمام يقتضي وجوب المطالبة عليه من باب المقدّمة فإذا فرض عدم مطالبته فلا محالة لم يوجد له شرائط الصرف و إمكانه فلا وجه لوجوب الدفع إليه حينئذ بل تصرف في مصارفها لاقتضاء الإطلاقات الأوّلية جواز تولّي الملاك بأنفسهم للتقسيم بين المستحقين.

و القدر المتيقّن من وجوب الدفع إلى الإمام صورة مطالبته و تصدّيه للتقسيم بنحو تعدّد المطلوب لا التقييد للإطلاقات الأوّلية.

هذا مضافا إلى ما ورد من الآية و أخبار كثيرة في أبواب مختلفة يستفاد منها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 52

..........

______________________________

جواز تصدّي الملاك لذلك و لا محالة تحمل الجميع على صورة عدم مطالبة الإمام الواجد للشرائط لما مرّ من وجوب الدفع إليه عند المطالبة:

أما الآية فقوله- تعالى-: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.» «1» و قد استدل بها الشيخ في الخلاف كما مرّ.

اللّهم إلا أن يجاب بعدم وضوح إرادة الزكاة من الآية فلعلّ المقصود بها الصدقات المندوبة كما يظهر من بعض الأخبار ففي موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» فقال: «هي سوى الزكاة إنّ الزكاة علانية غير سرّ.» «2» فتأمّل.

[الروايات الواردة في خصوص المقام]

و أمّا الروايات فهي في غاية الكثرة متفرقة في الأبواب المختلفة:

1- خبر جابر، قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر «ع» و أنا حاضر فقال: رحمك اللّه اقبض منّي هذه الخمس مأئة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي، فقال أبو جعفر «ع»: «بل خذها أنت فضعها في جيرانك و

الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن: البرّ منهم و الفاجر.» «3»

أقول: سند الخبر ضعيف جدّا بعمرو بن شمر و غيره، و الظاهر أنّ قوله: «هذا» إشارة إلى الحمل إلى الإمام.

و نفس هذا الخبر أيضا يدلّ على أنّ البناء كان على حمل الزكوات إلى الإمام و لعلّ قيام القائم كناية عن تشكّل حكومة حقّة مبسوطة اليد بحيث تقدر على إيجاد شبكات صالحة للجباية و التوزيع بنحو يصل كلّ ذي حقّ إلى حقّه، أو يكون

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 271.

(2)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 195، الباب 36 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 53

..........

______________________________

الحصر إضافيا بالنسبة إلى الأئمة المعصومين «ع» فيكون كلامه «ع» إخبارا غيبيا بأنه لا يتصدّى بعده للحكومة الظاهرية منهم إلّا الإمام الثاني عشر «ع».

2- و في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» بعد بيان سيرة الإمام و ما يجب عليه في التوزيع على الأصناف قال: «فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» «1»

و الأخبار الدّالة على وجوب وضع الزكاة في مواضعها الظاهرة في إيكال التوزيع إلى الملّاك:

3- كموثقة علي بن عقبة عن أبي الحسن الأوّل «ع» قال: سمعته يقول:

«من أخرج زكاة ماله تامّة فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله.» «2»

4- و موثقة أبي المعزا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال فليس

لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم.» «3»

و نحو ذلك من الأخبار، فتأمّل.

و الأخبار الدالة على جواز نقل الزكاة إلى بلد آخر:

5- كرواية يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح «ع» قال: قلت له:

الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته.» فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم.» «4»

6- و رواية أحمد بن حمزة قال: سألت أبا الحسن الثالث «ع» عن الرجل يخرج

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 54

..........

______________________________

زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال: «نعم.» «1»

7- و رواية ضريس قال: سأل المدائني أبا جعفر «ع» فقال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك. فقلت: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم. الحديث.» «2» و نحو ذلك من الأخبار.

و الروايات الواردة في شراء العبيد بها:

8- كرواية أيوب بن الحرّ قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و أعتقه. الحديث.» «3»

و حملها على الاستجازة من الإمام و الإجازة منه خلاف الظاهر.

9- و رواية الوابشى عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله، قال: «اشترى خير رقبة،

لا بأس بذلك.» «4»

و نحو ذلك من الأخبار.

و الروايات الواردة في احتساب الدين زكاة:

10- كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال سألت أبا الحسن الأول «ع» عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم.» «5»

11- و رواية يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «قرض المؤمن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 173، الباب 19 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(5)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 55

..........

______________________________

غنيمة و تعجيل أجر (خير. خ. ل) إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.» «1» و نحوهما من الأخبار.

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة:

12- كرواية ثعلبة بن ميمون، قال: كان أبو عبد اللّه «ع» يسأل شهابا من زكاته لمواليه. «2»

13- و رواية شهاب بن عبد ربّه قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إني إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها؟ قال: «نعم لا بأس بذلك أما إنّه أحد المعطين.» «3»

14- و صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.» «4» و نحوها أخبار أخر.

15- و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «و لو أنّ

رجلا يحمل زكاة ماله علي عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا.» «5» و في هذا المجال أخبار أخر، فراجع.

16- و خبر أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن الأول «ع»: رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: «نعم.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 56

..........

______________________________

و بالجملة فالأخبار الدالّة على جواز تولّي المالك بنفسه أو بوكيله لتفريق الزكاة في أهلها في غاية الكثرة متفرقة في الأبواب المختلفة.

و حملها على الاستجازة الشخصية في كلّ مورد بعيد بل واضح البطلان في الأكثر.

فلا بدّ من جمع بينها و بين ما مرّ من الروايات الظاهرة في كون الإمام هو المتصدّي لجباية الزكوات و تفريقها و أنّ عليه سدّ خلّات الفقراء و سائر الأصناف بالزكوات.

و الظاهر أنّ أحسن الوجوه في الجمع بين الطائفتين هو التفصيل بين كون الإمام مبسوط اليد و لو بالنسبة متمكنا من المطالبة و إيجاد شبكات صالحة للجباية و التوزيع و بين غيره.

و إذا فرض كونه مبسوط اليد متمكنا من الجمع و التفريق فالظاهر وجوب المطالبة عليه مقدّمة لإنفاذ ما وجب عليه فيكون الدفع إليه واجبا حينئذ.

و بعبارة أخرى يرجع الأمر في نهاية الأمر إلى التفصيل بين صورة المطالبة

و غيرها فيجب الدفع إليه عند المطالبة لا ابتداء.

نعم لو أحرز تمكن الإمام أو الفقيه من التوزيع الصحيح و أنه يحتاج إليها جدّا و لكن يوجد له مانع من المطالبة، و بعبارة أخرى: أحرز روح المطالبة منه فالأحوط حينئذ حملها إليه مع التمكن و إلّا جاز للملّاك التولّي للتوزيع بمقتضى الإطلاقات الأولية، و هذه الأخبار الكثيرة.

و قد صرّح بهذا الجمع في الحدائق فإنه بعد استظهاره وجوب الأخذ من الآية الشريفة و من سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» و صحيحة عبد اللّه بن سنان و غيرها و الإشارة إلي منافاة ذلك كلّه للأخبار الدالة على جواز تولّي المالك بنفسه أو وكيله قال:

«و لعلّ وجه التوفيق بينها هو تخصيص ما دلّ من الأخبار على وجوب طلب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 57

..........

______________________________

الإمام لذلك و وجوب الدفع إليه بزمان بسط يده «ع» و قيامه بالأمر كزمانه «ص» و زمان خلافة أمير المؤمنين «ع».

و ما دلّ على جواز تولّي المالك لذلك بزمانهم- عليهم السلام- لقصر يدهم عن القيام بأمر الولاية و ما يترتب عليها فرخّصوا للشيعة في صرفها و لم يوجبوا عليهم حملها و نقلها لهم لمقام التقية و دفع الشناعة و الشهرة.

و حينئذ فلا منافاة في هذه الأخبار لظاهر الآية، و لا يحتاج إلى حمل الآية على الاستحباب كما صرّح به الأصحاب لدفع التنافي بينها و بين الأخبار في هذا الباب.

و مما يعضد ما قلناه ما رواه الصدوق في كتاب العلل ...» «1» و ذكر ما مرّ منا من خبر جابر و إن استضعفناه سندا، فراجع.

و بما ذكرنا يظهر المناقشة في ما ذكره الشيخ الأعظم في زكاته حيث قال:

«مع أن الأخبار في جواز تولّي المالك

للإخراج فوق حدّ الإحصاء، و تخصيصها بزمان قصور أيدي الأئمة «ع» كما هو مورد الأخبار و إن أمكن سيّما بقرينة المرسل:

«أربعة إلى الولاة» و عدّ منها الصدقات إلّا أنه يحتاج إلى دليل فبمجرد ذلك لا يوجب التخصيص مع أنّ أكثرها يأبى عن التخصيص.» «2»

وجه المناقشة ما أشرنا إليه من وجوب المطالبة في زمان بسط اليد فيجب الدفع.

[التنبيه على أمرين]
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمرين:

[استحباب حملها إلى الإمام أو الفقيه]

الأوّل: إن قلنا بعدم وجوب حملها إلى الإمام أو الفقيه فهل يستحب ذلك أولا؟ نسب إلى المشهور الاستحباب و ناقش فيه صاحب الحدائق.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 223.

(2)- كتاب الطهارة، كتاب الزكاة للشيخ/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 58

..........

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 58

______________________________

1- قال في المبسوط: «يجوز لربّ المال أن يتولّى إخراج الزكاة بنفسه و يفرّقها في أهلها سواء كان ماله ظاهرا أو باطنا، و الأفضل حمل الظواهر إلى الإمام أو الساعي من قبله.» و ذكر نحو ذلك في قسمة الزكاة منه. «1»

2- و في الشرائع: «و الأولى حمل ذلك إلى الإمام، و يتأكّد ذلك الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلات.» «2»

3- و ذيّله في المدارك بقوله: «لا ريب في استحباب حملها إلى الإمام لأنه أبصر بمواقعها و أعرف بمواضعها و لما في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحقّ و تفضيل بعض المستحقين بمجرد الميل الطبيعي. و أمّا تأكّد الاستحباب في الأموال الظاهرة فلم أقف على حديث يدلّ عليه بمنطوقه. و لعلّ الوجه فيه ما يتضمّنه من الإعلان بشرائع الإسلام و الاقتداء بالسلف الكرام.» «3»

4- و في الحدائق: «قد صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه بينهم بأنّه يستحب حمل الزكاة إلى الإمام، و مع عدم وجوده فإلى الفقيه الجامع للشرائط و أنّه يتأكّد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلّات.» ثمّ ذكر ما في المدارك من العلل ثمّ قال:

«و أنت خبير بأنّ الاستحباب حكم شرعي، و في

ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه التعطيلات العقلية و المناسبات الذوقية إشكال ... ثمّ إنه لو كان الأمر كما يدّعونه من استحباب حمل ذلك إلى الإمام فكيف غفل أصحاب الأئمة «ع» عن ذلك مع تهالكهم على التقرّب إليهم- صلوات اللّه عليهم-.» «4»

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 233 و ص 244.

(2)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى 1/ 124)

(3)- المدارك/ 322.

(4)- الحدائق 12/ 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 59

..........

______________________________

أقول: ادعاء الشهرة و عدم الخلاف في المسألة و إثباتها بهما بعد عدم عنوان البعض لها و كون الظاهر من كلمات بعض القدماء الوجوب كما مرّ في غاية الإشكال. و الاعتماد في الاستحباب على فتوى جمع من الفقهاء مبنيّ على التسامح في أدلّة السنن و شمولها لفتوى الفقهاء. و كلاهما محل إشكال. و كون الإمام المعصوم أبصر بمواقعها مطلقا لا يقتضي كون الفقيه و عمّالهما كذلك مطلقا، فلعلّ المالك في بعض الموارد أبصر و لا سيّما إذا لم يكن للفقيه شبكات صالحة للتوزيع.

و الاستحباب كغيره من الأحكام يحتاج إلى دليل متقن فلا يثبت بالاستحسانات الظنّية.

و لعلّ الأفضل في كلام الشيخ أنه أراد به الأحوط خروجا من خلاف من أوجب لا الاستحباب الشرعي.

نعم يمكن أن يلوح ملاك الاستحباب من بعض الأخبار كخبر الحسين بن محمد بن عامر بإسناده، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال اللّه- عزّ و جلّ-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «1»

و ما عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين «ع» أنّه نهى أن يخفي المرء زكاته عن إمامه و قال: «إخفاء

ذلك من النفاق.» «2» و لكن الخبرين ضعيفان و دلالتهما على الاستحباب أيضا غير واضحة.

و أمّا ما ذكره في الحدائق من غفلة أصحاب الأئمة «ع» عن ذلك ففيه أنّ التقية الشديدة كانت مانعة من ذلك، إذ كان حمل الأموال إليهم «ع» موجبا لضغط خلفاء

______________________________

(1)- الكافي 1/ 537، كتاب الحجة، باب صلة الإمام «ع»، الحديث 1.

(2)- المستدرك 1/ 524، الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 60

..........

______________________________

الجور عليهم و على شيعتهم. هذا مضافا إلى أنها ربّما كانت تحمل إليهم كما يستفاد من خبر جابر الذي مضى.

و في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: بعثت إلى الرضا «ع» بدنانير من قبل بعض أهلي و كتبت إليه أخبره أنّ فيها زكاة خمسة و سبعين، و الباقي صلة، فكتب بخطّه: «قبضت» و بعثت إليه بدنانير لي و لغيري و كتبت إليه أنّها من فطرة العيال فكتب بخطّه: «قبضت» «1» هذا.

و لكن بعد اللتيّا و التي يشكل الفتوى بالاستحباب بنحو الإطلاق و لكنّه مطابق للاحتياط غالبا فتدبّر.

[الأمر الثاني: هل يجوز للملّاك الصرف في المصارف الثمانية بأجمعها؟]

الأمر الثاني: إذا تولّى الملّاك بأنفسهم أو بوكلائهم للإخراج و التوزيع فهل يجوز لهم الصرف في المصارف الثمانية بأجمعها أو لا يجوز إلّا فيما يتعلّق بالأشخاص كالفقراء و المساكين و الغارمين وَ فِي الرِّقٰابِ و الحجّ مثلا و ابن السبيل.

و الصرف في بقية المصارف يكون من وظائف الإمام و خصائصه؟

قال الشيخ في النهاية: «و إذا لم يكن الإمام ظاهرا و لا من نصبه الإمام حاصلا فرّقت الزكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم. و هم الفقراء و المساكين وَ فِي الرِّقٰابِ و الغارمين و ابن السبيل. و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و

سهم الجهاد لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام، لأنّ المؤلفة قلوبهم إنّما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه، و السعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جمع الزكوات، و الجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه، فإذا لم يكن هو ظاهرا و لا من نصبه فرّق فيمن عداهم.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- النهاية/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 61

..........

______________________________

و ذكر نحو ذلك في المهذّب و الغنية فراجع. «1»

و قد مرّ عن دعائم الإسلام في بيان وجوب الحمل إلى الإمام ملخّص قوله:

«و إلّا فمن أين يعرف الناس مقدار ما يصلح أن يعطى لكل طبقة؟ و من أين يعرفون من يتألف على الإسلام؟ و كيف ينفق في سبيل اللّه و هو الجهاد غيرهم و الجهاد لا يقوم إلّا بهم؟ و كيف يعطي الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا إلّا الذي استعملهم.» «2» و راجع في هذا المجال الشرائع أيضا. «3»

أقول: الظاهر منهم أنّ تأليف المؤلّفة و استعمال العاملين و كذا الجهاد أمور عامّة اجتماعية لا يتصدّى لها إلّا الإمام الّذي يتصدّى للحكومة و يكون ممثّلا للمجتمع. و ظاهر الشيخ و أقرانه الحصر في الإمام المعصوم فلا يكفي الفقيه.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ هنا حكمين مستقلّين من ناحية الشرع المبين:

الأوّل: كون مصرف الزكاة الأصناف الثمانية المذكورة في الآية.

الثاني: كون النبي «ص» أو الإمام بالمعنى الأعمّ مأمورا بالجباية و التوزيع عليها تنظيما لتنفيذ الحكم الأوّل و ضمانة لإجرائه بالنحو الأحسن.

و ليس الحكم الثاني مقيّدا للحكم الأوّل و مضيّقا لدائرته بحيث ينتفي الأوّل بالعجز عن الثاني و لذا لم يقل أحد بسقوط الزكاة إذا لم يتمكن الإمام من جبايتها و توزيعها، بل وردت

أخبار كثيرة يستفاد منها تولّي الملّاك لتفريقها كما مرّت.

و بعبارة أخرى: يكون الحكمان من قبيل تعدّد المطلوب قطعا.

و على هذا فإطلاق الحكم الأوّل باق بعد العجز عن الثاني، و بإطلاقه

______________________________

(1)- المهذّب 1/ 171 و الجوامع الفقهية/ 568 (طبعة أخرى/ 506).

(2)- دعائم الإسلام 1/ 258.

(3)- الشرائع 1/ 162 (طبعة أخرى/ 123).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 62

..........

______________________________

نحكم بجواز الصرف في الجميع، فيجوز صرفها في تأليف قلوب الكفّار و ضعفاء الاعتقاد من المسلمين. و يجوز من باب الحسبة استعمال شخص لجباية زكوات البلد و صرفها في فقرائه و مستحقيه إذا رآه أهل الخبرة صلاحا لهم و لم يكن هنا فقيه يستأذن منه.

و انصراف العاملين في الآية الشريفة إلى خصوص من استعمله الإمام يمكن منعه، و الكثرة الوجودية لا توجب الانصراف بعد كون الجمع المحلّى باللام ظاهرا في العموم.

و كم من أمور عامّة اجتماعية يتصدّى لها عقلاء القوم و خبراؤهم حسبة، بل ربّما يعدّه العقلاء لازما و يكون تركها موجبا للملامة.

و الجهاد الدفاعي لا يتوقف على إذن الإمام قطعا كما حقّق في محلّه.

و الابتدائي و إن اشتهر اشتراطه بإذن الإمام و دلّ عليه بعض الأخبار و لكن نمنع انحصاره في الإمام المعصوم بل يكفي الفقيه الجامع للشرائط إذا تصدّى للولاية و الزّعامة، و قد تعرّضنا للمسألة إجمالا في كتاب ولاية الفقيه، فراجع. «1»

بل يمكن أن يقال: إنّ إذنه ليس شرطا لوجوبه بل هو بالمعنى الأعمّ شرط لوجوده و تنفيذه حذرا من الهرج و المرج و التعدّي عن ضوابط الإسلام في الحرب و آثارها.

فإذا فرض تحقّق القدرة و الشوكة للأمّة الإسلامية في منطقة خاصة وسيعة، و الضعف و الانحطاط في الذين يلونهم من الكفار و وجد في البين

أرضية بسط الإسلام و التوحيد و القسط بحيث أحرز عقلاء القوم و ذووا الحجى منهم المصلحة التامّة في دعوتهم و الجهاد معهم إن لم يسلموا وجب عليهم حينئذ أن يراجعوا إلى فقيه جامع للشرائط صالح للقيادة حتّى يقودهم بنفسه أو يؤمّر عليهم رجلا صالحا خبيرا بفنون الحرب و ضوابط الإسلام كما صنع بنو إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث

______________________________

(1)- دراسات في ولاية الفقيه 1/ 117.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 63

..........

______________________________

لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه فأمّر عليهم رجلا زاده اللّه بسطة في العلم و الجسم.

بل يمكن أن يقال: إنّ اختيار الفقيه من باب أنه القدر المتيقّن في الأمور الحسبية مع التمكن منه فلو فرض عدم التمكن منه في الصورة المفروضة وجب على عقلاء القوم و خبرائهم الواقفين بضوابط الشرع و لو عن تقليد التصدي للجهاد و لا أقلّ من الجواز لكونه ممّا يحسّنه العقلاء و يكون مشمولا للآيات الكثيرة الآمرة بالقتال و الجهاد.

و محطّ النظر في الروايات المانعة هو الجهاد تحت لواء حكّام الجور مع عدم رعايتهم لموازين الشرع المبين، و تحقيق المسألة موكول إلى محله.

فإن قلت: الأخبار الدالّة على جواز تولّي المالك ليس فيها ذكر من المؤلفة و العاملين و الجهاد، و إنّما تعرضت للفقراء و الغارمين و الرقاب و الحج، فالتعميم يحتاج إلى دليل، و الأصل يقتضي عدم الإجزاء في غير ما ثبت جوازه.

قلت: أوّلا: إطلاق آية الأصناف الثمانية يكفي في التعميم كما مرّ.

و ثانيا: يمكن إلغاء الخصوصية من الموارد المذكورة في الأخبار.

و ثالثا: المستفاد من بعض الأخبار هو التعميم للأصناف الثمانية و لو للمالك:

1- ففي خبر عبد الرحمن بن الحجاج أن محمد بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه «ع»

عن الصدقات، فقال: «اقسمها فيمن قال اللّه- عز و جلّ- و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا. الحديث.» «1»

2- و في خبر محمد القسري عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة فقال: «نعم ثمّنها فيمن قال اللّه و لا يعطى من سهم الغارمين الذين يغرمون في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 207، الباب 48 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 64

..........

______________________________

مهور النساء. الحديث.» «1» و الاستثناء دليل العموم.

3- خبر أبي مريم عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ الآية» فقال: «إن جعلتها فيهم جميعا و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك.» «2» و لعلّ المتتبع يعثر على أكثر من ذلك و قال المحقق في الشرائع: «و الأفضل قسمتها على الأصناف، و اختصاص جماعة من كل صنف» «3» و إطلاق كلامه يعمّ تقسيم المالك أيضا، فتدبّر.

[المسألة الرابعة: إذا وجب الدفع إلى الإمام فعصى المالك]
اشارة

المسألة الرابعة:

إذا وجب الدفع إلى الإمام ابتداء أو مع الطلب فعصى المالك و قسّمها بنفسه فهل تجزي عنه أولا؟

[كلمات الأصحاب]

1- قد مرّ عن المبسوط قوله: «و إن فرّقها بنفسه مع مطالبته لم يجزه.» «4»

2- و عن الخلاف (المسألة 4 من قسمة الصدقات) قوله: «إلّا أنّ عندنا متى طلب الإمام ذلك وجب دفعه إليه و إن لم يدفعه و فرّقه لم يجزه و به قال الشافعي أيضا.» «5»

3- و في الشرائع: «و لو طلبها الإمام وجب صرفها إليه، و لو فرقها المالك و الحال هذه قيل: لا يجزي، و قيل: يجزي و إن أثم، و الأوّل أشبه.» «6» و الظاهر من قوله: «أشبه» الأشبه بالقواعد و الأصول.

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 185، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى/ 124).

(4)- المبسوط 1/ 244.

(5)- الخلاف 2/ 347.

(6)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 65

..........

______________________________

4- و في الجواهر حكى عدم الإجزاء عن الخلاف و المبسوط و ابن حمزة و اللمعة و الدروس و المختلف، و الإجزاء عن النافع و التذكرة و الإرشاد و شرحه لولده. «1»

5- و في المختلف: «لو طلبها الإمام فلم يدفعها إليه و فرّقها بنفسه قال الشيخ:

لا يجزيه و هو الذي يقتضيه قول كلّ من أوجب الدفع إليه مع غير الطلب، و قيل: يجزيه. لنا أنها عبادة لم يأت بها على وجهها المطلوب شرعا فيبقى في عهدة التكليف ...» «2»

6- و يظهر من صاحب الجواهر أيضا اختيار عدم الإجزاء.

7- و في زكاة الشيخ الأعظم بعد ذكر القولين قال: «أصحّهما أنّه لا يجزي.» «3»

8- و لكن

العلّامة في التذكرة يظهر منه اختيار الإجزاء فإنه بعد ادّعاء الإجماع على وجوب الدفع إليه لو طلب قال: «فلو دفعه المالك إلى المستحقين بعد طلبه و إمكان دفعها إليه فقولان لعلمائنا: الإجزاء و هو الوجه عندي لأنّه دفع المال إلى مستحقه فخرج عن العهدة كالدين إذا دفعه إلى مستحقّه. و عدمه لأنّ الإخراج عبادة لم يوقعها على وجهها لوجوب الصرف إلى الإمام بالطلب فيبقى في عهدة التكليف، و لا خلاف في أنه يأثم بذلك.» «4»

[الدليل على عدم الإجزاء]
اشارة

أقول: محصل ما استدلّوا به لعدم الإجزاء وجوه:

[الوجه الأوّل: إنّ الزكاة عبادة يعتبر فيها القربة]

الوجه الأوّل: إنّ الزكاة عبادة يعتبر فيها القربة، و الأمر بدفعها إلى الإمام يقتضي النهي عن تفريقها بنفسه لكونه ضدّا له، و المبغوض لا يصلح لأن يتقرّب به

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 421.

(2)- المختلف/ 187.

(3)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

(4)- التذكرة 1/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 66

..........

______________________________

و لا يكون المبعّد مقربا، و لو سلّم عدم اقتضائه للنهي في الضد الخاص فلا أقلّ من عدم الأمر به فلا يقع عبادة.

و يرد على هذا الوجه أوّلا: منع اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ و لا سيّما في الضدّ الخاصّ فراجع محلّ بحثه في علم الأصول. و ثانيا: منع عدم الأمر بالضدّ لإمكانه و لو بنحو الترتّب، و يدلّ عليه الإطلاقات الأوّلية، مضافا إلى كفاية الملاك في القربة و الصحة فتأمّل.

و ثالثا: منع أصل الضدّية في المقام كما في الجواهر «1» إذ الإمام إنّما يطلبه للدفع إلى المستحقين فلا يكون الدفع إليهم ضدّا للدفع إليه بل موافقة لغرضه.

و لو سلّم فليست ضدّيته له بالذات بل بالعرض إذ يمكن الدفع إليه بعد الدفع إليهم أيضا بالاسترجاع و إنما عرضت الضدّية بسبب استلزامه للتمليك لهم، و لا مجال للنهي عنه لذلك إذ يلزم من وضعه رفعه فإنّه لا نهي إذا لم يقع تمليك و لا تمليك إذا كان نهي.

اللّهم إلّا ان يناقش في القسمة الأخيرة كما في مصباح الهدى «2» بأنّ عدم وقوع التمليك بسبب النهي لا يعقل أن يصير منشأ لرفع النهي إذ المعلول لا يكون رافعا لعلّة نفسه، و كفى في النهي وقوع الأثر و التمليك مع قطع النظر عن النهي، و بذلك أجابوا ما حكى عن

أبي حنيفة من دلالة النهي على الصحة.

[الوجه الثاني وجوب الدفع إلى الإمام يدلّ على حرمة الدفع إلى غيره]

الوجه الثاني لعدم الإجزاء ما ذكره الشيخ في زكاته و محصله:

«إنّ وجوب الدفع إلى الإمام يدلّ بالعرض على حرمة الدفع إلى غيره لا لاقتضاء

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 421.

(2)- مصباح الهدى 10/ 304.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 67

..........

______________________________

الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ حتى يمنع ذلك بل لرجوع المقام إلى الضدّ العامّ بتقريب أن الدفع قد يلاحظ من حيث هو دفع، و ضدّه العامّ حينئذ ترك الدفع.

و قد يلاحظ مقيّدا بكونه إلى شخص خاصّ بعد الفراغ عن أصل الدفع و فرض وقوعه من المكلف فيتوجّه الإيجاب حينئذ إلى مجرّد القيد فيرجع قوله:

«ادفعها إلى الإمام» إلى قوله: «ليكن دفعك المفروض وقوعه إلى الإمام.»

فيكون ضدّه العام ترك هذا القيد و هي عبارة أخرى عرفا عن دفعه إلى غير الإمام، و إن كان هو عدميّا و هذا وجوديّا فيكون الدفع إلى الغير منهيّا عنه بما أنّه خارجية الضدّ العامّ للمأمور به و محصّل له.

و بعبارة أخرى: غرض الإمام من طلبه ليس إلّا مجرد إيجاد القيد بعد الفراغ عن أصل وجوب الإخراج فإلزامه الدفع إلى نفسه يرجع إلى المنع عن الدفع إلى غيره، و المفروض أنّ اللّه- تعالى- أمر بإطاعته في هذا الأمر.» «1»

و يرد على هذا الوجه: أوّلا منع كون غرض الإمام في طلبه دائما طلب إيجاد القيد بعد الفراغ عن أصل الإخراج بل ربّما يواجه المستنكفين لأصل الإخراج فيطلب الإخراج بقيده.

و ثانيا: منع اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ حتّى في الضدّ العامّ أيضا فإن الأمر و النهي كليهما يتعلّقان بفعل المكلّف و إنّما الاختلاف في مفادهما فمفاد الأمر طلب الفعل و البعث نحوه و مفاد النهي الزجر عنه، و

الأوّل ناش عن وجود المصلحة فيه و الثاني ناش عن وجود المفسدة فيه. فلا يتحقّقان معا بالنسبة إلى فعل واحد فعلا و تركا.

و بذلك يظهر فساد توهّم أنّ معنى النهي طلب الترك فإذا أضيف هذا إلى الترك

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم الأنصاري/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 68

..........

______________________________

تحصّل منه طلب ترك الترك و هو عين طلب الفعل و هذا معنى اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ العامّ أعني الترك.

وجه الفساد أنّ النهي ليس من مقولة الطلب أصلا بل هو عبارة عن الزجر عن الفعل و ترك الترك أيضا ليس عين الفعل بل ملازم له.

و ثالثا: منع كون ترك القيد عين وجود ضدّه عرفا، و أيّ عرف يساعد على اتحاد العدم و الوجود خارجا.

اللّهم إلّا أن يريد أنّ تفريقه بنفسه للزكاة لمّا كان معجزا له عن امتثال الأمر بالقيد و محقّقا لعصيانه بحيث لا يمكن امتثاله بعد تفريقه بنفسه فلا محالة يقع مبغوضا عليه و مبعّدا عن المولى لذلك فلا يصلح لأن يتقرّب به فيبطل لذلك، و قد تعرّضنا لنظير ذلك في المسألة الحادية و الثلاثين من فصل أصناف المستحقين، فراجع.

و أمّا ما في مصباح الهدى في جواب الوجه الثاني من: «أنّ حرمة خصوصية الدفع إلى غيره لا توجب حرمة طبيعة الدفع المحقّقة بها غاية الأمر تكون الطبيعة مطلوبة و خصوصيّة الدفع إلى غيره مبغوضة و لا ضير فيه بعد صدق الامتثال بإتيان أصل الطبيعة.» «1»

فالإشكال فيه واضح إذ يرجع كلامه إلى مبغوضية الفصل و مطلوبية الجنس المحقّق في ضمنه مع وحدتهما خارجا، فتدبّر.

[الوجه الثالث أنّ طلب النبي «ص» كان مع النهي عن تولّي المالك]

الوجه الثالث لعدم الإجزاء ما في الجواهر و تعرّض له الشيخ أيضا «2».

و محصّله بتوضيح منّا: «أنّ طلب

النبي «ص» إن كان مع النهي عن تولّي المالك

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 303.

(2)- الجواهر 15/ 422؛ و كتاب طهارة الشيخ الأنصاري/ 512 (طبعة أخرى/ 451).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 69

..........

______________________________

للتفريق فعدم الإجزاء فيه واضح لعدم التمكن حينئذ من القربة لأنّ نهيه «ص» نهي اللّه- تعالى- و ما ينطق عن الهوى، و كذا مع اقتصاره على الأمر بالدفع إليه لمنافاته للأمر بالإيتاء بنحو الإطلاق فوجب تقييده به، فالمقام من قبيل موارد حمل المطلق على المقيد في المثبتين لا من قبيل مسألة الضدّ.

و الإيصال إلى المستحق بعد أن لم يقع على الوجه المأمور به غير مجز قطعا نظير ما إذا قال المولى: «أعتق رقبة» ثمّ قال: «أعتق رقبة مؤمنة» و أحرز وحدة الحكم فلا يجزي عتق غير المؤمنة قطعا.»

و يرد على هذا الوجه: أنّ وقوع النهي من قبل النبي «ص» في هذا المقام غير معهود، و حمل المطلق على المقيد إنّما يكون مع إحراز وحدة الحكم و ليس المقام كذلك، بل الظاهر وجود حكمين مستقلّين طوليّين: أحدهما وجوب إيتاء الزكاة و كون المصرف لها الأصناف الثمانية سدّا لخلّاتهم.

و الثاني وجوب إطاعة الإمام عند الطلب، فيكون المقام من قبيل تعدّد المطلوب فيستحق الدافع إلى الإمام ثوابا على إيتاء الزكاة و ثوابا على إجابة الإمام و إطاعته، و كذلك يستحق عقابين لو ترك أصل الزكاة حينئذ، و لو فرّقها بنفسه امتثل أمر الزكاة و عصى إمامه كالعبد الذي يطيع اللّه و يعصي سيّده، فليس المقام من باب المطلق و المقيّد بل من باب الضدّ، و قد تعرّض لهذا الجواب الشيخ أيضا في زكاته. «1»

و يشهد لما ذكرنا أنّ الإمام لو لم يطلب أو لم يمكن الإيصال

إليه لم يسقط أمر الزكاة قطعا و وجب على المالك تفريقها بنفسه، فالمقام نظير من نذر إيقاع صلاة الظهر الواجبة مثلا في أوّل وقتها، فإنّه لا يوجب تقييد الأمر الأوّل. و نحوه من نذر التصدق بمال خاصّ لمطلق الفقير ثمّ أمره والده بإعطاء ما نذره لفقير خاصّ، حيث

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري/ 512 (طبعة أخرى/ 451).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 70

..........

______________________________

إنّ أمر الوالد لا يوجب تقييد متعلّق النذر و تضييقه فلو أعطاه لغير هذا الفقير امتثل أمر النذر و عصى والده، اللّهمّ إلّا أن يورد ما مرّ من أن فعله معجّز و محقق لعصيان الأمر الآخر فلا يصلح لأن يتقرب به.

[الوجه الرابع مقتضى إطلاق طلب الإمام و هو عدم ترتّب الأثر على دفعه إلى الفقير]

الوجه الرابع لعدم الإجزاء ما ذكره الشيخ أيضا في زكاته و محصّله بتوضيح منّا هو: «أنّ مقتضى إطلاق طلب الإمام و وجوب إطاعته هو عدم ترتّب الأثر على دفعه إلى الفقير فيجب على المزكّي استرجاعها من الفقير و دفعها إلى الإمام أو دفعها ثانيا من ماله، و هذا معنى عدم الإجزاء، نظير ما ذكروه فيمن نذر التصدّق بمال معيّن و أنّ إطلاق وجوب الوفاء به مانع عن ترتيب الأثر على سائر التصرّفات الواقعة على ذلك المال.

بتقريب أن مفاد النذر تعجيز الناذر نفسه عن غير التصدق بالنسبة إلى هذا المال، و الشارع أمضى ذلك فيكون دليله حابسا لهذا المال و مخرجا له عن أدلّة سائر التصرّفات.» «1»

و يرد على هذا الوجه أيضا كما في كلام الشيخ أنّ وجوب الدفع إلى الإمام مختصّ بصورة بقاء وجوب الزكاة، و بعد تفريقها بنفسه و وصولها إلى مستحقيها يسقط الأمر قهرا بمقتضى العمل بالعمومات و الإطلاقات الأوّلية فلا يبقى موضوع لوجوب الدفع إلى الإمام و إن أثم

المكلّف بتفويته.

و السرّ في ذلك ما مرّ منّا من تعدّد الحكم و استقلالهما و أن تعلّق أحدهما بالآخر، فتدبر.

ثم إنّ كون مفاد النذر هو التعجيز أوّل الكلام و لا يتوجّه أحد من الناذرين إلى هذا المفهوم حتى ينشأه، بل الظاهر أنّ مفاد النذر تمليك المتعلق أعني الفعل للّه- تعالى-، و البحث في ذلك موكول إلى محلّه، هذا.

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم/ 513 (طبعة أخرى/ 451).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 71

..........

______________________________

فهذه عمدة الوجوه المذكورة لعدم الإجزاء و قد عرفت المناقشة فيها.

و من خلال ما ذكرناه يظهر وجه القول بالإجزاء و محصّله أن هنا أمرين مستقلين أحدهما في طول الآخر و متعلق به و لكلّ منهما إطاعة و عصيان و ثواب و عقاب، فليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيد إذ لا يصح هذا إلّا مع إحراز وحدة الحكم، بل المقام من قبيل الضدين، و الأمر بأحد الضدين لا يقتضي النهي عن الآخر فإذا امتثل أمر الزكاة و أدّاها إلى مستحقّيها سقط هذا الأمر قهرا بمقتضى العمل بالإطلاقات الأوليّة و إن أثم بترك إطاعة الإمام أو الفقيه فيكون المزكّي حينئذ من قبيل العبد الذي أطاع اللّه و عصى سيّده، بل الإمام أيضا لا يطلبها إلّا لصرفها في مستحقّيها و قد حصل بفعل المكلّف غرضه من طلبه، غاية الأمر حصول التجرّي بترك إطاعته.

و بعبارة أخرى تفترق الزكاة عن الخمس فإنّ الخمس من أوّل الأمر جعل للّه و للرسول و للإمام و عبّر عنه في الحديث بوجه الإمارة «1» فهو للإمام غاية الأمر أنّه يتولّى أمور المستحقين من السادة.

و هذا بخلاف الزكاة فإنّها جعلت أوّلا و بالذات للأصناف الثمانية غاية الأمر أنّ الإمام يتصدّى لجبايتها و توزيعها

تنظيما لأمرها فإذا أدّاها المالك بنفسه فقد أوصلها إلى أهلها و إن عصى الإمام. و هذا القول عندي قويّ جدّا، إلّا أن يقال كما مرّ إنّ العمل حيث يصير معجّزا عن امتثال الأمر الآخر و محققا لعصيانه فلا محالة يقع مبعّدا عن ساحة المولى و مبغوضا فلا يقع عبادة، و مجرد قصد القربة لا يكفي في تحقّقها بل يعتبر فيها مضافا إلى ذلك صلوح العمل لأن يتقرب به، و على هذا فالأحوط عدم الإجزاء.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 72

فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة و التوكيل (1) تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها.

نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعا و كان مقلّدا له (2) يجب عليه الدفع إليه من حيث إنّه تكليفه الشرعيّ، لا لمجرد طلبه، و إن كان أحوط كما ذكرنا، بخلاف ما إذا طلبها الإمام- عليه السلام- في زمان الحضور فإنّه يجب الدفع إليه بمجرّد طلبه من حيث وجوب طاعته في كلّ ما يأمر.

______________________________

هذا كلّه لو قيل بتعدّد الحكم و كون المقام من قبيل تعدّد المطلوب كما لعلّه الظاهر.

و أمّا لو قيل بأن المستفاد من الأدلّة كما مرّ في صدر المبحث كون الزكاة ضريبة حكوميّة تحت اختيار إمام المسلمين كالخمس و حملت الأخبار الدالّة على جواز تولّي الملّاك بأنفسهم لتفريقها على الترخيص و الإجازة من قبل الأئمة- عليهم السلام- في زمان عدم بسط اليد فمقتضى ذلك لا محالة عدم الترخيص في صورة الطلب منهم أو من نوّابهم فلا يجزي التولّي قطعا، فتدبّر.

(1) يأتي البحث في

جواز التوكيل في الزكاة في بعض الفصول الآتية، فانتظر.

(2) بل و إن لم يكن مقلّدا له إذا كان الطلب على نحو الحكم و كان واجدا لشرائطه لما مرّ بالتفصيل من كون الحكم الإسلامي داخلا في نسج الإسلام و نظامه و أنه لا يجوز تعطيله و لو في عصر الغيبة و دلالة الكتاب و السنة و السيرة المستمرة على كون الزكاة ضريبة حكومية تحت اختيار إمام المسلمين و أنّ عليه أن يسدّ بها خلّات الأصناف الثمانية و إن كان في قبالها ما يستفاد منها جواز تولّي الملّاك لتوزيعها فتحمل الطائفة الأولى على صورة بسط اليد و لو بالنسبة و لا محالة يجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 73

..........

______________________________

عليه حينئذ طلبها مقدّمة لإنفاذ ما وجب عليه فيحب الدفع إليه.

بل لو لم يطلبها لمانع و لكن أحرز روح الطلب باحتياجه إليها شديدا لبعض المصارف المهمّة كالجهاد مثلا بحيث لو لا المانع لطلبها جدّا فالأحوط حينئذ أيضا النقل إليه مع الإمكان كما مرّ.

و أمّا إذا كان الطلب على نحو الإفتاء فإن كان الصرف في مصرف خاصّ متقوّما بمباشرة المفتي و لم يكن من قبيل تعيين الموضوع الذي ليس من شأن الفقيه وجب على المقلّد النقل إليه و إلّا جاز له صرفها بنفسه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 74

2- عدم وجوب البسط على الأصناف و كذا أفراد كلّ صنف

اشارة

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية، بل يجوز التخصيص ببعضها، كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت، و لا مراعاة أقلّ الجمع الّذي هو الثلاثة، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد (1).

[هنا مسألتان]

______________________________

(1) قد تعرّض هنا لمسألتين:

الأولى: هل يجب البسط على الأصناف الثمانية أو الأصناف الموجودة عند المزكّي أو يجوز التخصيص ببعضها و لو بصنف واحد؟

الثانية: هل يجب في كلّ صنف البسط على جميع أفراده أو الموجودين عنده أو أقل الجمع لا محالة أو يجوز التخصيص و لو بفرد واحد منه؟

[كلمات الأصحاب في المسألتين]

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 7): «الأصناف الثمانية محلّ الزكاة و لا يلزم تفرقة الزكاة على كلّ فريق منهم بالسويّة، بل لو وضع في واحد من الأصناف كان جائزا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 75

..........

______________________________

و كذلك لو أعطى جميع زكاته لواحد من هذه الأصناف كان جائزا، و به قال الحسن البصري و الشعبي و مالك و أبو حنيفة و أصحابه، إلّا أن مالكا يقول:

يخصّ بها أمسّهم حاجة، و أبو حنيفة يقول: يجوز أن يدفع إلى أيّ صنف شاء.

و قال الشافعي: يجب تفريقها على من يوجد منهم و لا يخصّ بها صنف منهم دون آخر، و سوّى بين الأصناف و لا يفضل بعضهم على بعض، و أقل ما يعطي من كلّ صنف ثلاثة فصاعدا سواء بينهم فإن أعطى اثنين ضمن نصيب الثالث، و كم يضمن؟ فيه و جهان: أحدهما الثلث، و الآخر جزء واحد قدر الإجزاء و به قال عمر بن عبد العزيز و الزهري و عكرمة.

و قال النخعي: إن كانت الصدقة كثيرة وجب صرفها إلى الأصناف الثمانية كلّهم، و إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف واحد. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.

و الآية محمولة على أنّ الثمانية أصناف محلّ الزكاة لا أنّه يجب دفعها إليهم بدلالة أنّه لو كان كذلك لوجب التسوية بين كلّ صنف و تفرق في جميع الصنف و

ذلك باطل بالاتفاق، و الشافعي أجاز أن يفرّق على ثلاثة من كلّ صنف فقد ترك عموم الآية.» «1»

أقول: فهو- قدّس سرّه- تعرّض لكلتا المسألتين و منع وجوب البسط في كلتيهما و ادعى على ذلك إجماع الفرقة.

2- و قال العلّامة في التذكرة: «يجوز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة، بل يجوز دفعها إلى واحد و إن كثرت و لا يجب بسطها على الجميع عند علمائنا أجمع، و به قال الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و أحمد و هو أيضا قول عمر

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 76

..........

______________________________

و حذيفة و ابن عباس و سعيد بن جبير و النخعي و عطاء و الثوري و أبو عبيد.» «1»

3- و في الشرائع: «و الأفضل قسمتها على الأصناف، و اختصاص جماعة من كلّ صنف. و لو صرفها في صنف واحد جاز، و لو خصّ بها و لو شخصا واحدا من بعض الأصناف جاز أيضا.» «2»

4- و في الجواهر في ذيل الجملة الأخيرة: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه بل في التذكرة نسبته إلى أكثر أهل العلم، و النصوص فيه مستفيضة أو متواترة و فيها الصحيح و الحسن و غيرهما.» «3»

5- و في مختصر أبي القاسم الخرقي: «و إن أعطاها كلّها في صنف واحد أجزأه إذا لم يخرجه إلى الغنى.»

6- و ذيّله في المغني بقوله: «و جملته أنّه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية، و يجوز أن يعطيها شخصا واحدا، و هو قول عمر و حذيفة و ابن عباس، و به قال سعيد بن حبير و الحسن و النخعي و عطاء و إليه ذهب الثوري و أبو عبيد و أصحاب

الرأي.» «4»

أقول: و راجع في هذا المجال الأموال لأبي عبيد أيضا. «5»

7- و لكن في أمّ الشافعي: «ثمّ يجزّئ الصدقة ثمانية أجزاء ثمّ يفرّقها كما أصف إن شاء اللّه- تعالى- و قد مثّلت لك مثالا: كان المال ثمانية آلاف فلكلّ

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 244.

(2)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى 1/ 124).

(3)- الجواهر 15/ 428.

(4)- المغني 2/ 529.

(5)- الأموال/ 688 و ما بعدها، باب تفريق الصدقة في الأصناف ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 77

..........

______________________________

صنف ألف لا يخرج عن صنف منهم من الألف شي ء و فيهم أحد يستحقه فأحصينا الفقراء فوجدناهم ثلاثة و المساكين فوجدناهم مأئة و الغارمين فوجدناهم عشرة، ثم ميّزنا الفقراء فوجدناهم يخرج واحد منهم من الفقر بمائة و آخر من الفقر بثلاث مأئة و آخر من الفقر بستمائة فأعطينا كلّ واحد ما يخرجه من الفقر إلى الغنى، و ميّزنا المساكين هكذا فوجدنا الألف يخرج المائة من المسكنة إلى الغنى فأعطينا هموها على قدر مسكنتهم كما وصفت في الفقراء لا على العدد ...» «1» و قد تعرّض للمسألة في فصول أخر من الامّ أيضا، فراجع.

أقول: لو أراد الشافعي أنّ الإمام إذا تصدّى للتوزيع كان عليه عدم التبعيض بل تعميم المستحقين في ظلّ حكمه لكان حسنا.

[الأخبار في المسألة]

و كيف كان يظهر لك مما نقلناه من الأقوال أن المسألة بشقّيها عندنا إجماعية، و المخالف فيها يكون من أهل الخلاف و يدلّ عليها مضافا إلى ذلك أخبار كثيرة:

1- صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» (في حديث) أنّه قال لعمرو بن عبيد في احتجاجه عليه: ما تقول في الصدقة؟ فقرأ عليه الآية:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» إلى آخر الآية قال: نعم،

فكيف تقسّمها؟ قال: أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءا.

قال: و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم. قال: و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال: نعم. قال:

«فقد خالفت رسول اللّه «ص» في كلّ ما قلت في سيرته. كان رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- الأمّ للشافعي 2/ 63، كتاب الزكاة، باب جماع تفريع السهمان.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 78

..........

______________________________

يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسمها بينهم بالسوية و إنّما يقسّمها على قدر ما يحضره منهم و ما يرى، و ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف و إنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضره منهم.» «1»

يظهر من الحديث أنّ سيرة النبي «ص» في هذا الباب يجب أن تكون متبعة.

2- و في مرسلة حماد بن عيسى الطويلة عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح «ع»: «و كان رسول اللّه «ص» يقسّم صدقات البوادي في البوادي، و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطي أهل كلّ سهم ثمنا و لكن يقسّمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم كلّ صنف منهم بقدر سنته ليس في ذلك شي ء موقوت و لا مسمّى و لا مؤلف، إنّما يصنع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم.» «2»

3- صحيحة أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك

و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: «نعم.» «3»

و الظاهر أنّ الراوي أحمد بن حمزة بن اليسع القمي الثقة فيكون المراد

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 183، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1؛ و الكافي 5/ 26، كتاب الجهاد، باب دخول عمرو بن عبيد و المعتزلة على أبي عبد اللّه «ع»، الحديث 1 و قطعة منها 3/ 554، كتاب الزكاة، باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد ...، الحديث 8.

(2)- الوسائل 6/ 185، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3؛ و الكافي 1/ 542، كتاب الحجة، باب الفي ء و الخمس، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 79

..........

______________________________

بأبي الحسن أبا الحسن الثالث «ع».

4- صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال ... «و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.» «1»

5- رواية العياشي في تفسيره عن أبي مريم عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ» الآية فقال: «إن جعلتها فيهم جميعا و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك.» «2»

و يدلّ على ذلك أيضا بعض ما ورد في إعطائها للأقارب و الجيران و الإحجاج بها و اشتراء العبيد بها و إعتاقهم و نحو ذلك، فراجع.

و قال في المغني في مقام الاستدلال لذلك ما ملخّصه: «و لنا قول النبي «ص» لمعاذ: «أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في

فقرائهم» فأخبر أنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء و هم صنف واحد، ثمّ أتاه بعد ذلك مال بعث بها عليّ «ع» من اليمن فجعله في المؤلفة و هم الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن و علقمة بن علاثة و زيد الخيل، و إنّما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة.

ثمّ أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة حين تحمل حمالة:

«أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها.»

و في حديث سلمة بن صخر البياضي أنّه أمر له بصدقة قومه، و لو وجب صرفها في جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد، و لأنّها لا يجب صرفها إلى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 185، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 80

..........

______________________________

جميع الأصناف إذا أخذها السّاعي فلم يجب دفعها إليهم إذا فرّقها المالك، و لأنّه لا يجب عليه تعميم أهل كلّ صنف بها فجاز الاقتصار على واحد كما لو وصىّ لجماعة لا يمكن حصرهم، و الآية أريد بها بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم.» «1» و قد تعرض لعمدة ما ذكره العلّامة في التذكرة و المنتهى فراجع. «2»

و كيف كان فالمسألة عندنا واضحة.

و عمدة ما استدلّ به لاستيعاب الأصناف ظهور اللام في الملك و الواو في التشريك على السوية و لاستيعاب الأفراد من كلّ صنف الجمع المحلّى باللّام و أقلّه ثلاثة.

أقول: لا يخفى أنّ اللام لا تدخل على الأربعة الأخيرة، و بعض الأصناف لم يذكر بلفظ الجمع. و كثير من الزكوات لا تقبل التوزيع و الاستيعاب و لا سيّما بالنسبة إلى جميع الأفراد لقلّتها جدّا كما هو

واضح فلا مجال إلّا لإرادة المصرف و لعلّه الظاهر في أمثال المقام ممّا كثر الأفراد جدّا و تعسّر الاستيعاب.

قال في الجواهر بعد ذكر أخبار المسألة ما ملخّصه: «و بذلك كلّه يعلم أنّ المراد من الآية بيان المصرف الذي هو مقتضى الأصل أيضا بعد قطع النظر عن النصوص و الإجماع.

فما عن بعض العامّة من وجوب القسمة على الأصناف الستة الموجودين على السواء، و يجعل لكلّ صنف ثلاثة أسهم فصاعدا و لو لم يوجد الّا واحد من ذلك صرفت حصة الصنف إليه لأنّه- تعالى- جعل الزكاة لهم بلام الملك و عطف بواو التشريك، ضعيف جدّا.

و ربّما أجيب عنه بأنّه- تعالى- جعل جملة الصدقات لهؤلاء الثمانية فلا يلزم

______________________________

(1)- المغني 2/ 529.

(2)- التذكرة 1/ 244؛ و المنتهى 1/ 528.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 81

[يستحب البسط على الأصناف]

لكن يستحبّ البسط على الأصناف مع سعتها و وجودهم (1)،

______________________________

أن تكون كلّ صدقة موزّعة عليهم.

و بأن اللام للاختصاص لا للملك كما تقول: «الباب للدار»، و بأنّ المراد بيان أنّ المصرف هؤلاء لا غيرهم كما يدلّ على ذلك الحصر بإنّما و قوله- تعالى- قبلها:

«وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ» الآية و هو الذي أشار إليه في الخلاف بقوله:

«إنّ الآية محمولة على أنّ الثمانية أصناف محلّ الزكاة لا أنّه يجب دفعها إليهم بدلالة أنّه لو كان كذلك لوجب التسوية بين كلّ صنف و تفرق في جميع الصنف، و ذلك باطل بالاتفاق.»

قلت: و هو كذلك ضرورة أنها لو أفادت وجوب استيعاب الأصناف أفادت وجوب استيعاب الأفراد أيضا لإفادة الجمع المعرّف الاستغراق، و على كلّ حال فالمحافظة على معنى اللام ليس بأولى من المحافظة على الاستغراق في الجمع.» «1»

انتهى ملخّص كلام الجواهر.

أقول: و إذا اتضح عدم

وجوب التوزيع على الأصناف فلا بدّ من حمل ما مرّ من خبر محمد القسرى عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة فقال:

«نعم ثمّنها فيمن قال اللّه. الحديث.» «2»

أيضا على بيان المصرف و أنّه يجوز الصرف في كلّ واحد من الأصناف الثمانية أو على الاستحباب.

(1) قال في الشرائع: «و الأفضل قسمتها على الأصناف، و اختصاص جماعة من كلّ صنف» «3»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 429.

(2)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى 1/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 82

..........

______________________________

و في المدارك: «لما فيه من شمول النفع و عموم الفائدة، و لأنّه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية الشريفة.

و استدلّ عليه في التذكرة و المنتهى بما فيه من التخلّص من الخلاف و حصول الإجزاء يقينا و كأنّه أراد بذلك خلاف العامّة لأنّه صرّح قبل ذلك بإجماع علمائنا على عدم وجوب البسط.» «1»

أقول: لا يخفى أنّ التخصيص ببعض ذوي الحاجات الشديدة و المصارف المهمّة ربّما يكون أولى من شمول النفع. و الآية حملت عندنا على بيان المصرف لا التوزيع فيحصل الإجزاء يقينا بدون الاستيعاب.

و التخلّص من خلاف أهل الخلاف لا يكون ملاكا للاستحباب الشرعي إلّا في بعض الأحيان بالعرض حفظا للوحدة الإسلامية.

و ربّما يستدلّ لذلك بما مرّ من خبر محمد القسري من قوله «ع»: «ثمّنها فيمن قال اللّه» «2» و بما في مرسلة حماد الطويلة: «فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم.» «3» و بخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها فقال: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» ثمّ

مكث مليّا ثمّ قال: «إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه.» «4»

و فيه مضافا إلى كون المرسلة بصدد بيان وظيفة الوالي لا المزكّي بنفسه أنّ

______________________________

(1)- المدارك/ 323 (الطبعة الجديدة 5/ 265).

(2)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 202، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 83

[يستحب مراعاة الجماعة التي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف]

بل يستحب مراعاة الجماعة التي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف منهم حتّى ابن السبيل و سبيل اللّه (1)، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص.

______________________________

الخبرين الأوّلين في مقام تبيين مفاد الآية الشريفة فلا يستفاد منهما أزيد منها و قد حملنا الآية على بيان المصرف.

و الخبر الأخير لا يستفاد منها أزيد من رعاية الأحوج فالأحوج لا البسط المطلق فيشكل الفتوى باستحبابه مطلقا.

و المناسب لحكمة جعل الزكاة المشروعة لسدّ الخلّات أيضا رعاية الأحوج فالأحوج لا البسط المطلق على جميع الأصناف و الأفراد و إن اختلفوا في الاحتياج.

(1) يعني أنّ الأصناف مذكورة في الآية بلفظ الجمع و أقلّه ثلاثة، و سبيل اللّه و ابن السبيل و إن ذكرا مفردين و لكن يراد بهما الجمع أيضا لتفسيرهما في بعض الأخبار بلفظ الجمع ففي خبر علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم «ع»: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد ... و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار» «1»

و لكن يرد على ذلك أوّلا: أنّ الجمع المحلّى باللام يفيد العموم فلو أريد الأخذ بالظاهر وجب استيعاب الأفراد.

و ثانيا: أنّه بعد ما ذكرناه من الحمل على المصرف بالنسبة إلى الأصناف و الأفراد

معا لا مجال لاعتبار مفاد الجمع و الحكم باستحبابه لأنّه من قبيل الجمع بين اللحاظين المتنافيين بأن تحمل الآية على كونها بصدد بيان الحكم الوجوبي و الاستحبابي معا و يؤخذ الجمع الواحد بالنسبة إلى الحكم الوجوبي بنحو المصرفية

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 84

..........

______________________________

و بالنسبة إلى الحكم الاستحبابي بنحو التوزيع، و بطلان هذا واضح.

و لكن في الجواهر قال: «و أمّا في إعطاء جماعة فلأنّها و إن استعيرت للجنس الشامل للواحد نحو ركبت الخيل و نكحت النساء إلّا أنّ الجمع أقرب أفراد المجاز إلى الحقيقة كذا قيل.» «1»

أقول: ما حكاه عن القيل واف بالجواب عن الإشكال الأوّل دون الثاني فتدبّر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 426 و 427.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 85

3- من يستحبّ تخصيص الدفع إليه؟

اشارة

الثالثة: يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله (1).

[يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب]

______________________________

(1) ففي رواية عبد اللّه بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر «ع»:

إنّي ربّما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ قال: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل.» «1»

و الظاهر أن السند لا بأس به فإنّ عبد اللّه بن عجلان ممدوح، و الراوي عنه عتيبة بن ميمون بيّاع القصب و هو ثقة و السند إليه صحيح، و لكن الدلالة لا تخلو عن مناقشة إذ الشي ء و إن كان يعمّ الزكاة و لكن قوله: «أصلهم به» لعلّه ظاهر في الصلة من ماله دون الزكاة و يكون الأمر في الرواية للإرشاد إلى ما يحكم به العقل.

اللهم إلّا أن يستند للتعميم بما عن النبي «ص» من قوله: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة.» «2» حيث أطلق الصلة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- سنن البيهقي 4/ 174، كتاب الزكاة، باب الاختيار ... ذوي رحمه ...؛ و ج 7/ 27، كتاب الصدقات، باب الرجل يقسم صدقته على قرابته ...؛ و الأموال لأبي عبيد/ 693، ذيل باب دفع الصدقة إلى الأقارب ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 86

[يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب]

كما أنّه يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب (1)، و أهل

______________________________

على الصدقة أيضا. هذا.

و عن ابن طاوس بسنده عن ابن عباس في حديث ذكر فيه دخول الرجل اليماني على أمير المؤمنين «ع» ثمّ قال: يا أمير المؤمنين إنّي أريد أن أتصدّق بعشرة آلاف فمن المستحقّ لذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال أمير المؤمنين «ع»: «فرّق ذلك في أهل الورع من حملة القرآن فما تزكو الصنيعة إلّا عند أمثالهم فيتقوّون بها على عبادة ربّهم و تلاوة كتابه.»

«1»

و الاعتبار العقلي المقتبس من مذاق الشرع أيضا ربّما يشهد لهذا السنخ من التفضيلات.

و قال المفيد في المقنعة: «و يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه و البصيرة و الطهارة و الديانة.» «2»

و ظاهره وجوب التفضيل و وجهه غير واضح.

و استدل له العلّامة في المختلف برواية ابن عجلان حيث إنّ الأمر ظاهر في الوجوب «3»، و لكن نحن ناقشنا في دلالة الرواية، و يحتمل حمل الوجوب في كلامه على معناه اللغوي أعنى مطلق الثبوت. هذا.

و راجع في هذا المجال المسألة التاسعة من أوصاف المستحقين و يأتي الإشارة إلى الإشكال في المسألة أيضا.

(1) قال الشيخ في النهاية: «و الأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجتهم إلى ذلك إلى البعيد. فإن جعل للقريب قسط و للبعيد قسط

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 523، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المقنعة/ 42.

(3)- المختلف/ 193.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 87

..........

______________________________

كان أفضل.» «1»

و يدل على الحكم الأوّل:

1- خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى «ع» قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها شيئا؟ قال: مستحقّون لها؟ قلت: نعم. قال: «هم أفضل من غيرهم أعطهم.» «2»

2- خبر السكوني عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سئل رسول اللّه «ص»: أيّ الصدقة أفضل؟ قال: «على ذي الرحم الكاشح.» «3» و السند لا بأس به، و رواه البيهقي أيضا بسنده عن النبي «ص» «4». و إطلاق الصدقة يشمل الزكاة أيضا.

قال ابن الأثير في النهاية: «و فيه: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح.»

الكاشح: العدوّ الذي يضمر عداوته و يطوي عليها كشحه أي باطنه. و الكشح:

الخصر،

أو الذي يطوي عنك كشحه و لا يألفك.» «5»

و نحو ذلك في مجمع البحرين و ناقش في المستمسك في دلالتها فقال:

«دلالتها غير ظاهرة لأنّها أخص.» «6»

أقول: و يمكن الجواب عنها بادّعاء الأولويّة، إذ يبعد جدّا تقدّم القريب المعادي دون الموالي فتأمّل. هذا.

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 186.

(2)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(4)- سنن البيهقي 7/ 27، كتاب الصدقات، باب الرجل يقسم صدقته على قرابته ...

(5)- نهاية ابن الأثير 4/ 175.

(6)- المستمسك 9/ 297.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 88

[يستحب ترجيح أهل الفقه و العقل على غيرهم و كذا من لا يسأل]

الفقه و العقل على غيرهم (1)، و من لا يسأل من الفقراء على أهل

______________________________

3- و عن الصدوق قال: قال «ع»: «لا صدقة و ذو رحم محتاج.» «1»

و لكن دلالة هذه المرسلة غير واضحة لاحتمال أن يراد المنع عن التصدّق المندوب مع وجود الرحم المحتاج فيراد الصرف فيه و الإعطاء له مجانا.

و كيف كان فالظاهر أن الحكم مما لا إشكال فيه إجمالا.

و راجع في هذا المجال المسألة السادسة عشرة من فصل أوصاف المستحقين.

نعم في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ الزكاة و الصدقة لا يحابى بها قريب و لا يمنعها بعيد.» «2»

و في رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تعطين قرابتك الزكاة كلّها و لكن أعطهم بعضا و اقسم بعضا في سائر المسلمين.» «3» و تقدّم عن الشيخ في النهاية التعرّض لمضمونه و الحكم بكونه أفضل.

و قال في الوسائل: «هذا محمول على الاستحباب مع عدم ضرورة القرابة أو حصول كفايتهم ببعض الزكاة لئلّا ينافي ما سبق.»

أقول: و لعلّ الخطاب في هذا

الخبر لشخص أبي خديجة و كان له خصوصية لا نعرفها.

و كيف كان فالقرابة أحد المرجحات و ربّما يزاحمها الأهمّ منها فيقدّم عليها كسائر موارد التزاحم.

(1) دلّ على ذلك خبر عبد اللّه بن عجلان الماضي بناء على حمله على الصدقة أو إطلاقه و شموله لها أو التعميم بالملاك.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 170، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 89

السؤال (1).

[يستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء]

و يستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء (2).

لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حد نفسها. و قد يعارضها أو يزاحمها مرجّحات أخر فينبغي حينئذ ملاحظة الأهمّ و الأرجح.

______________________________

(1) يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل «ع» عن الزكاة يفضّل بعض من يعطى ممّن لا يسأل على غيره؟

فقال: «نعم، يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل.» «1»

(2) ففي خبر عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّ صدقة الخفّ و الظلف تدفع إلى المتجمّلين من المسلمين. و أمّا صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين.» قال ابن سنان: قلت: كيف صار هذا هكذا؟ فقال: «لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كلّ صدقة.» «2»

أقول: الدقعاء: التراب: كأنّ فقرهم ألصقهم بالتراب أو كان عليهم آثاره.

و في خبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمّل من الفقراء لأنّها أرفع من صدقات الأموال، و إن كان جميعها صدقة و زكاة. و لكن

أهل التجمّل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 90

..........

______________________________

أقول: و لعلّ العرف بإلغاء الخصوصية من المرجّحات المذكورة يحكم بحسن التفضيل و الترجيح في جميع المزايا العقليّة و الشرعيّة.

و من المرجّحات أيضا شدّة الفقر و الاحتياج إذ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّات و الحاجات كما يظهر من أخبار الباب.

و مع تنافي المزايا يلاحظ الأهم و الأرجح و يكون المقام من باب تزاحم الملاكات لا تعارض الأدلّة و إن احتمله المصنّف. هذا.

و في قبال ما دلّ على الترجيح ببعض المرجّحات أخبار أخر يستفاد منها كون الأرجح بل المتعين في مال اللّه هو التسوية بين المستحقّين، و فضائلهم بينهم و بين اللّه يثيبهم اللّه بها، و على هذا استقرّت سيرة أمير المؤمنين في قبال سيرة الخلفاء.

و ملاك الاستحقاق للزكاة هو الفقر و الحاجة فقط دون الفضائل و الكمالات.

و قد تعرّضنا لذلك في المسألة التاسعة من أوصاف المستحقّين و أشرنا هناك إلى إمكان الجمع بين الطائفتين بحمل أخبار التفضيل على صورة توزيع الملّاك بأنفسهم و أخبار التسوية على صورة توزيع الإمام، فراجع.

و في الحدائق حمل أخبار التسوية على مال الخراج قال: «و هو الذي علم من النّبي «ص» و عليّ «ع» في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.» «1»

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 228.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 91

4- الإجهار بدفع الزكاة أفضل

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به، بخلاف الصدقات المندوبة فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرا (1).

______________________________

(1) 1- ففي خبر أبي بصير عن أبي

عبد اللّه «ع» في قوله- تعالى-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» قال: «و كلّما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و كلّما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه. و لو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا.» «1»

و لفظ كلّما يحتمل أن يراد به بقرينة المقام كلّ صدقة كما يحتمل أن يراد به كلّ فريضة و تطوّع من الصدقة و غيرها و لعلّ الثاني أظهر، فإنّ إعلان فرائض الإسلام يوجب تعظيم شعائر الإسلام و تقويته و تشويق الناس و اتباعهم و رفع الاتهام عن النفس، و جميع ذلك مقتض لرجحان الإعلان و إن كان ربّما يزاحمها أمور أخر توجب رجحان الإسرار، فتدبّر.

2- و في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.» فقال: «هي سوى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث؟؟؟.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 92

..........

______________________________

الزكاة، إنّ الزكاة علانية غير سرّ.» «1»

3- و في مرسل ابن بكير عن رجل عن أبي جعفر «ع» في قوله- عزّ و جلّ-:

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ» قال: يعني الزكاة المفروضة قال: قلت: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ» قال: «يعني النافلة إنّهم كانوا يستحبّون إظهار الفرائض و كتمان النوافل.» «2»

4- و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن قول اللّه: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» قال: «ليس ذلك الزكاة، و لكنّه الرجل يتصدّق لنفسه، الزكاة علانيّة ليس بسرّ.» «3»

5- و عن علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق «ع» قال: «الزكاة المفروضة تخرج علانية و

تدفع علانية، و غير الزكاة إن دفعه سرّا فهو أفضل.» «4»

6- و عن المفيد في المقنعة قال: قال «ع» في قوله- تعالى-: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ» قال: «نزلت في الفريضة» «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» قال: «ذلك في النافلة».

قال: و قال أبو عبد اللّه «ع»: «صدقة السرّ تطفي غضب الربّ.»

قال: و قال: «صدقة الليل تطفي غضب الربّ و تمحو الذنب العظيم و تهوّن الحساب، و صدقة النهار تزيد في العمر و تنمي المال.» «5»

و راجع أيضا باب استحباب الصدقة المندوبة في السّر من الوسائل. «6»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 216، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(4)- الوسائل 6/ 216، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(5)- الوسائل 6/ 216، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الأحاديث 5- 7.

(6)- الوسائل 6/ 275، الباب 13 من أبواب الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 93

5- متى يقبل قول المالك؟

الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي» أو «لم يتعلّق بمالي شي ء» قبل قوله بلا بيّنة و لا يمين (1) ما لم يعلم كذبه.

______________________________

(1) لأنّه أمر لا يعرف إلّا من قبله، و لحمل قوله على الصحة و لكون الثاني مطابقا للأصل فتأمل. و للأخبار الدالّة على ذلك:

1- كصحيحة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدّقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد اللّه انطلق ... ثمّ قل لهم: يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم

من حقّ فتؤدّوه إلي وليّه، فإن قال لك قائل: لا فلا تراجعه، و إن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيرا. الحديث.» «1»

و رواه في نهج البلاغة أيضا في وصية له كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات. «2»

2- و موثق غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه قال: «كان عليّ- صلوات اللّه عليه- إذا بعث مصدّقه قال له: إذا أتيت على ربّ المال فقل: تصدّق رحمك اللّه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 88، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- نهج البلاغة، عبده 3/ 27؛ لح/ 380، الكتاب 25؛ و الوسائل عنه 6/ 91.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 94

و مع التّهمة لا بأس بالتفحّص و التفتيش عنه (1).

______________________________

ممّا أعطاك اللّه فإنّ ولّى عنك فلا تراجعه.» «1»

3- و في دعائم الإسلام: «روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي «ع» أنّ رسول اللّه «ص» نهى أن يحلّف الناس على صدقاتهم و قال:

«هم فيها مأمونون.» «2»

هذا مضافا إلى أنّ إجبار الغير و القهر عليه خلاف سلطة الناس على نفوسهم و على أموالهم الحاكم بها العقل و الشرع إلّا فيما ثبت بالدليل.

(1) يعني من قبل الحاكم بتقريب أنّ الزكاة و إن كانت عبادة و لكنّها مشتملة على حقوق الفقراء و سائر الأصناف فإذا رأى الحاكم الذي هو وليّ الفقراء و وليّ الممتنع أرضية ضياع الحقوق جاز له الفحص حذرا من ضياعها و لكن مع حفظ حرمة المسلم و حريمه بحيث لا يؤذى و لا يهان.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 90، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 252- ذكر زكاة المواشي من كتاب الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 4، ص: 95

6- حكم عزل الزكاة

اشارة

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص، و إن كان من غير الجنس الّذي تعلّقت به، من غير فرق بين وجود المستحقّ و عدمه على الأصحّ (1)، و إن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية.

[عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص]

______________________________

(1) هل العزل بنيّة الزكاة يفيد تمحّض المعزول لكونه زكاة كما هو المشهور أم لا؟ و على الأوّل فهل يجب كما هو ظاهر المقنعة و النهاية، أو يستحبّ كما هو المصرّح به في التذكرة و موضع من المنتهى و هو الظاهر من الشرائع أيضا، أو الثابت هو الجواز فقط كما في المتن و موضع من المنتهى؟

ثمّ إنّه هل يفيد مطلقا أو مع عدم المستحقّ فقط؟ و هل يتعيّن كونه من العين أو يكفي من مال آخر أيضا؟ في المسألة وجوه بل أقوال.

و لا يخفى أنّه على القول بالإشاعة و شركة أرباب الزكاة في المال كما لعلّها المشهور فالقاعدة تقتضي عدم وقوع الإفراز و الانقسام إلّا برضى الطرفين، و لكن ثبت بالأدلّة إذن الشارع للملّاك في مباشرة الأداء و لا محالة يحصل به الانقسام قهرا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 96

..........

______________________________

و أمّا كفاية مجرد العزل في حصول الانقسام بحيث يتمحض المعزول ملكا لهم و يبقى في يده أمانة فيحتاج إلى دليل آخر و قد أفتى بهذا كثير و استدلوا له بوجوه استحسانية تبرعية و بأخبار مستفيضة بعضها معتبرة و دلالتها أيضا واضحة فلا بدّ من الأخذ بها و إن كان الحكم على خلاف القاعدة.

و من جملة هذه الروايات موثّقة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني (يكون عندي عدّة)؟ فقال

«ع»: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلّطها بشي ء ثمّ أعطها كيف شئت، الحديث.» «1»

و منها أيضا خبر علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها، قال: «اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها.» «2»

و أبو حمزة هنا هو الثمالي، و لكن الخبر ضعيف بالإرسال و بوجود المعلّى في السند و هو مجهول.

و حيث إنّ العزل خلاف القاعدة فالأمر به لا يدلّ على أزيد من الجواز كما هو الثابت في كلّ مورد ورد الأمر في مقام توهّم الحظر تكليفا أو وضعا.

و كيف كان فقد تعرّضنا للمسألة بالتفصيل في آخر فصل زكاة الغلّات «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 213، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- كتاب الزكاة 2/ 173، المسألة 34.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 97

[الزكاة المعزولة أمانة]

و حينئذ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلّا بالتعدّي أو التفريط (1)،

______________________________

و قلنا هناك إنّه لا فرق في ذلك بين العزل من العين أو من مال آخر، و سواء وجد المستحقّ فعلا أم لا لإطلاق بعض الأخبار، فراجع.

(1) كما هو الحكم في جميع الأمانات، و يدلّ عليه صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع»، قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.» «1»

و صحيحة عبيد بن

زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برء منها.» «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار، فراجع.

نعم لو أخّر دفعها إلى أهلها مع وجود المستحقّ فالأحوط بل الأقوى هو الضمان و إن جاز التأخير لبعض الأغراض كما صرّح بذلك المصنّف في المسألة الرابعة و الثلاثين من زكاة الغلّات جمعا بين هذه الأخبار و بين صحيحتي محمد بن مسلم و زرارة:

ففي الأولى قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتّى تقسم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها خرجت من يده. و كذلك الوصىّ الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان.» «3»

و في الثانية قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث إليه أخ له زكاته

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 98

[الزكاة المعزولة لا يجوز تبديلها]

و لا يجوز تبديلها بعد العزل (1).

______________________________

ليقسمها فضاعت، فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان. قلت: فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.» هكذا في الكافي، و في التهذيب:

«فهو لها ضامن من حين أخّرها»

«1» فيقيد بهاتين الصحيحتين إطلاق تلك الصحيحتين. و لعل المصنف هنا أدرج التأخير في التفريط.

و جواز التأخير تكليفا كما يستفاد من الموثقة و غيرها لبعض الأغراض لا ينافي الضمان إن تلف، و لعلّنا نلتزم بذلك في النقل أيضا كما يأتي.

و احتمال كون الضمان في الصحيحتين مستندا إلى النقل لا التأخير فلا يكون ضمان مع عدم النقل و إن أخّر خلاف الظاهر، إذ الظاهر منهما كون الضمان مستندا إلى التأخير مع وجود الأهل و المستحق فيكون التأخير الزماني و المكاني على وزان واحد، فتدبّر.

(1) لظهور النصوص في تعيّنها زكاة بالعزل، فجواز التبديل يتوقّف على ولايته عليه، و هو يحتاج إلى دليل مفقود و الأصل عدم ترتّب الأثر. كذا في المستمسك. «2» و هو حسن.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- المستمسك 9/ 320.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 99

7- حكم الاتجار بالزكاة

السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة، و الخسارة عليه. و كذا لو اتّجر بما عزله و عيّنه للزكاة (1).

______________________________

(1) على الأحوط، و يدلّ عليه خبر علي بن أبي حمزة عن أبيه الذي مرّ، و لكنّه ضعيف كما مرّ و لم يحرز إفتاء الأصحاب به بنحو يجبر ضعفه. و القاعدة تقتضي كون المعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّة منوطة بإذن الحاكم، و لو سلّم العمل بالرواية فموردها تجارة المالك بها بدون الإذن. فإن اتجر الحاكم بها أو من أذن له لمصلحة أرباب الزكاة فمقتضى القاعدة أن يكون الربح على وفق ما تعاقدا عليه و الخسارة على أرباب الزكاة و لا وجه لكونها على الحاكم. و قد مرّ البحث بالتفصيل في المسألة الثالثة و الثلاثين من زكاة الغلّات،

فراجع. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 170.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 100

8- وجوب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة

اشارة

الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله، و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة (1).

[تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة]

______________________________

(1) 1- قال في الشرائع: «و لو أدركته الوفاة أوصى بها وجوبا.» «1»

2- و ذيّله في المدارك بقوله: «و لا ريب في وجوب ذلك لتوقّف الواجب عليه، و لعموم الأمر بالوصية. و أوجب الشهيد في الدروس مع الوصية العزل أيضا و هو أحوط.» «2»

3- و في الجواهر: «على وجه تثبت به شرعا كغيرها من الأمانات و الديون بلا خلاف أجده.» «3»

أقول: فالوجوب هنا طريقي محض لا نفسي، فلو علم بأنها لا تنفذ قطعا و لو في المال و يكون وجودها كالعدم أو أنّ الورثة مثلا يؤدّونها بلا وصية فلا وجه لوجوبها.

و لو توقّف نفوذها على إحكامها بجعل الناظر الأمين أو الجعل أو الكتابة أو الإشهاد و نحو ذلك وجب.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 125).

(2)- المدارك/ 324 (الطبعة الجديدة 5/ 275)؛ و الدروس/ 65.

(3)- الجواهر 15/ 443.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 101

..........

______________________________

و لو لم يحصل العلم بالنفوذ و لكن احتمله وجبت أيضا لوجوب الاحتياط في التكليف المنجّز فيكون المقام من قبيل الشكّ في القدرة حيث أوجبوا فيه الاحتياط. هذا.

و يشهد للوجوب أوّلا: إطلاق أدلّة الإيتاء لها و لسائر الأمانات و الحقوق الواجبة بعد توقّفه على الوصية بها.

و ثانيا: ما يظهر منه وجوب الوصية المحمول لا محالة على الواجبات كما عن رسول اللّه: «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية.» «1»

و ثالثا ما روي عن العالم «ع» في حديث: «لا يتوي حقّ امرئ مسلم.» «2»

و رابعا: ما ورد في المال الذي مات صاحبه و لم يعلم له وارث كقول الصادق «ع» في رواية هشام

بن سالم: «توصي بها فإن جاء لهم طالب و إلّا فهي كسبيل مالك.» «3» هكذا رواها الشيخ، و في رواية الكليني لها: «فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه.» «4»

و ما ورد في اللقطة بسند صحيح عن أبي جعفر «ع» من قوله: «فإن لم يجئ لها طالب فأوص بها في وصيتك.» «5»

و عن موسى بن جعفر «ع» من قوله: «يعرّفها سنة فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجي ء طالبها فيعطيها إيّاه، و إن مات أوصى بها.» «6» هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 352، الباب 1 من كتاب الوصايا، الحديث 8.

(2)- عوالي اللئالي 1/ 315، المسلك الأوّل من الباب الأوّل، الحديث 36.

(3)- الوسائل 17/ 553، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 7.

(4)- الوسائل 17/ 583، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى ...، الحديث 1.

(5)- الوسائل 17/ 352، الباب 2 من أبواب اللّقطة، الحديث 10.

(6)- الوسائل 17/ 352، الباب 2 من أبواب اللّقطة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 102

..........

______________________________

و هل يجب مع الوصية بها عزلها أيضا؟ قد مرّ عن الدروس إيجابه و عن المدارك أنّه أحوط، و علّله في الجواهر بقوله: «و لعلّه لكونها كالدين الذي قد غاب صاحبه غيبة منقطعة.» «1»

أقول: ظاهر الجواهر أنّ الحكم في الدين مقطوع به و لذا قاس المقام عليه و محلّ البحث فيه كتاب الدين، و لكن نشير إليه هنا إجمالا لعموم البلوى به فنقول:

1- قال الشيخ في النهاية: «و من وجب عليه دين و غاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها وجب عليه أن ينوي قضاءه، و يعزل ماله من ملكه، فإن حضرته الوفاة أوصى به

إلى من يثق به ...» «2»

أقول: ظاهره وجوب العزل و إن لم يحضره الوفاة.

2- و في القرض من الشرائع: «من كان عليه دين و غاب صاحبه غيبة منقطعة يجب أن ينوي قضاءه و أن يعزل ذلك عند وفاته و يوصى به ليوصل إلى ربّه أو إلى وارثه ...» «3»

3- و في المختصر النافع: «فلو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه و عزله عند وفاته موصيا به.» «4»

4- و في اللمعة: «و يجب نيّة القضاء و عزله عند وفاته و الإيصاء به لو كان صاحبه غائبا.» «5»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 443.

(2)- النهاية/ 307.

(3)- الشرائع 2/ 68 (طبعة أخرى 1/ 325).

(4)- المختصر النافع 1/ 136.

(5)- اللمعة الدمشقية 4/ 17 (اللمعة/ 77)؛ و الروضة البهية 1/ 400، ط. الحجري.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 103

..........

______________________________

5- و في القواعد: «و لو غاب المدين وجب على المديون نيّة القضاء و العزل عند وفاته و الوصية به ...» «1» و ذكر نحو ذلك في التذكرة، فراجع «2».

6- و في جامع المقاصد ذيّل حكم العزل بقوله: «فلا يجب قبل ذلك عند الغيبة خلافا لظاهر عبارة الشيخ و ظاهرهم أنّ وجوب العزل عند الوفاة إجماعيّ و وجهه ظاهر، فإنّه أبعد عن تصرّف الورثة فيه، و أنفى للتعليل في أدائه.» «3»

7- و في المسالك: «و أمّا العزل عند الوفاة فظاهر كلامهم خصوصا على ما يظهر من المختلف أنّه لا خلاف فيه و إلّا لأمكن تطرّق القول بعدم الوجوب لأصالة البراءة مع عدم النصّ.» «4»

8- و في المختلف بعد نقل عبارة النهاية قال: «و قال ابن إدريس: العزل غير واجب بإجماع المسلمين، و ليس عندي بعيدا من الصواب حمل قول الشيخ على من حضرته

الوفاة، أو حمل العزل على استبقاء ما يساوي الدين ...» «5»

أقول: فظاهر المختلف أنّ وجوب العزل عند حضور الوفاة كأنّه مقطوع به لا خلاف فيه.

و كيف كان فإن ثبت الإجماع أو عدم الخلاف في المسألة بنحو يكشف عن تلقّيها عن المعصومين- عليهم السلام- فهو، و لعلّ إطلاق الحكم حينئذ يشمل الزكاة و الخمس أيضا، و لكن ثبوتهما كذلك محلّ إشكال، و الأصل يقتضي البراءة.

______________________________

(1)- القواعد 1/ 156.

(2)- التذكرة 2/ 3.

(3)- جامع المقاصد 1/ 269 (الطبعة الجديدة 5/ 15).

(4)- المسالك 1/ 222.

(5)- المختلف/ 412.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 104

[لو كان الوارث مستحقّا جاز احتسابه عليه]

و لو كان الوارث مستحقّا جاز احتسابه عليه (1) و لكن يستحبّ دفع شي ء منه إلى غيره.

______________________________

اللّهم إلّا أن يكون العزل أوفى لأداء الحقّ و وصوله إلى أهله فيجب حينئذ طريقا لأداء الحقّ لا نفسيّا و لا لتمحّض الحق فيه فيكون أثره منع الورثة من التصرّف فيه لا قطع حقّ الديان من سائر التركه بالكلّيه حتى مع تلف المعزول، فتدبّر.

و سيرة المتشرعة قد استقرت على الوصية بالديون و التأكيد فيها عند الوفاة دون عزلها، و لو وجب ذلك مطلقا لا تضح غاية الوضوح و استقرت السيرة عليه لعموم البلوى به. هذا.

و يظهر من الجواهر إشعار خبر هشام بن سالم الماضي بذلك، قال:

«ضرورة اقتضاء الوصيّة به حينئذ بل و جعله كسبيل المال عزله.» «1»

أقول: إشعار الخبر به غير واضح فراجع. و تفصيل المسألة موكول إلى كتاب الدين.

(1) أي إعطاؤها له بعد وفاته و إن كان ممّن يجب نفقته على المورّث لانقطاع الوجوب بالموت. و يدل على الحكم صحيحة على بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأوّل «ع»: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه

الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا، فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم.» «2»

و ظاهرها و إن كان وجوب دفع البعض إلى غيرهم و لكن لا يرى له وجه بعد

______________________________

(1)- الجواهر 25/ 43.

(2)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 105

..........

______________________________

عدم وجوب البسط و كون القريب مصرفا فتحمل على الاستحباب نظير ما مرّ من خبر أبي خديجة و أفتى به الشيخ في النهاية.

و قد دلّت صحيحة زرارة على جواز أداء الابن جميع زكاته في دين أبيه الذي مات. «1»

و صحيحة أحمد بن حمزة على جواز أداء جميع الزكاة للقرابة. «2»

و الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الحيّ و الميت بعد اشتراكهما في المصرفية.

نعم يمكن أن يقال: إنّ وصية الموصي ربّما تنصرف عن الإعطاء لولده و منتسبيه و لكن مقتضى الأخذ بذلك أن لا يعطوا شيئا منها، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 106

9- حكم العدول بالزكاة إلى غير من حضره

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء (1)، خصوصا مع المرجّحات و إن كانوا مطالبين.

______________________________

(1) إذ المفروض تفويض ولاية التقسيم إلى المالك و قد مرّ عدم وجوب البسط و أنّه ليس في ذلك شي ء موقّت و يقتضيه أيضا إطلاق ما دلّ على جواز النقل مع وجود المستحقّ كما يأتي، و إطلاق ما دلّ على جواز أن يحبس منها شيئا مخافة أن يجي ء من يسأله كموثقة يونس المتقدّمة، و لعلّ كثيرا ممّن لم يحضر يشتمل على

المزايا المرجّحة كالقرابة و الفقه و العقل و نحو ذلك.

و المطالبة بنفسها لا توجب التعيّن و لا تزاحم المزايا المرجّحة.

نعم مع التساوي ربّما يكون تقديم من حضر أولى كما يستفاد من بعض الأخبار الحاكمة بأنّ رسول اللّه «ص» كان يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر و أنّه ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف، و إنما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم. فراجع صحيحة عبد الكريم الهاشمي و مرسلة حماد الطويلة. «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 183، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 107

نعم، الأفضل حينئذ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن (1) إلّا إذا زاحمه ما هو أرجح.

______________________________

(1) يعني إجابة المؤمن بعد طلبه.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 108

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 108

10- حكم نقل الزكاة من بلده إلى غيره

اشارة

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه (1).

[لا إشكال في جواز نقل الزكاة مع عدم وجود المصرف في البلد]

______________________________

(1) لا إشكال في جواز نقل الزكاة مع عدم وجود المصرف في البلد، و عدم كونه مرجوّ الحصول، و أمن طرق البلاد الأخر، و كذا مع طلب الإمام لها كما يأتي و لكنه وقع البحث في سائر موارد النقل و لا سيّما مع وجود المستحقّ في البلد.

و قد تعرّض المصنّف هنا للمسألة بشقوقها في مسائل.

و قبل البحث فيها نتعرّض لمقدّمة لا تخلو من فائدة فنقول:

قد مرّ منا في المسألة الأولى من هذا الفصل: أنّ المستفاد من الكتاب و السنة أن الزكاة لم تكن في الأصل واجبا فرديّا موكولا إلى حسن نيّة الأشخاص من دون أن تطالب منهم، بل كانت هي ضريبة إسلامية تشرف عليها الحكومة الدينيّة و يتولّى لجبايتها و توزيعها عمّال الدولة الإسلامية و كانوا يطالبونها بأمر الدولة المركزيّة، و قلنا إنّ الزكاة مع ذلك تفترق عن الخمس و الأنفال بأنّها جعلت أوّلا و بالذات للأصناف الثمانية. و عمدتها الفقراء و المساكين بداعي رفع حاجاتهم و سدّ خلّاتهم، و في الحديث: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- جعل للفقراء في أموال الأغنياء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 109

..........

______________________________

ما يكفيهم، و لو لا ذلك لزادهم، و إنما يؤتون من منع من منعهم.» «1» و نحوه أخبار أخر، غاية الأمر إحالة أمرها إلى الإمام تنظيما لها في الجباية و التوزيع.

و هذا بخلاف الخمس فإنّه جعل أوّلا و بالذات للإمام بما هو إمام و لذا عبّر عنه في الحديث بوجه الإمارة «2»، غاية الأمر أنّه يتولّى أمور المستحقّين من السّادة، و نحوه الفي ء و الأنفال أيضا.

فلنشر هنا إلى نكتة أخرى

و هي أنّ المستفاد من سيرة النّبي «ص» و أخبار الفريقين أنّ البناء في أمر الزكاة لم يكن على جبايتها و جمعها و إرسال الجميع إلى النّبي «ص» أو الإمام ثمّ نقلها إلى البلاد و القرى حسب مصارفها و حاجاتها، على ما هو المتعارف في ضرائب الحكومات العرفية الدارجة.

بل كان تصرف صدقة كلّ بلد و ناحية في فقراء هذا البلد و مصارفه اللازمة ثمّ تنقل ما فضل منها إلى المركز.

و لا شك أنّ هذا كان أقرب إلى التوزيع الصحيح بحيث يصل كلّ مستحقّ إلى حقّه و لا سيّما في تلك الأعصار. إذ حاجات أهل كلّ بلد يعرفها أهل هذا البلد غالبا، و فقراء كلّ بلد يعرفون غالبا ثروات هذا البلد. و يرمقونها بأبصارهم و يتوقّعون منها بالطبع، و تقسيم صدقاتها فيهم يوجب حسن ظنّهم و تحكيم الأخوة الإسلامية فيهم.

هذا مضافا إلى أنّ نقل الزكوات إلى المركز ثمّ الإرجاع منه إلى البلاد كان يستلزم أوّلا صرف نفقات و طاقات كثيرة بلا وجه ملزم.

و ثانيا توقّع حواشي الدولة المركزيّة و سكّان العاصمة منها بالطبع فلا يبقى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 5، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 110

..........

______________________________

شي ء منها غالبا للبلاد النائية، فكان الأولى و الأحوط للمصارف تقسيم صدقة كلّ بلد في أهلها في البلد، فإن فضل منهم شي ء نقلت إلى الدولة المركزيّة، و هكذا كان دستور النبيّ «ص» و عمله و عمل عمّاله و كذا الخلفاء بعده:

1- ففي صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«كان رسول اللّه «ص» يقسّم

صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر. الحديث.» «1»

2- و في مرسلة حماد الطويلة عن العبد الصالح «ع»: «فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم: لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، ثمانية أسهم، يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فإن فضل من ذلك شي ء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به، كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتّى يستغنوا ... و كان رسول اللّه «ص» يقسم صدقات البوادي في البوادي و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر. الحديث.» «2»

3- و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين.» «3» و الظاهر أنّ الحكم بعدم الحلّ محمول على الكراهة أو المبالغة جمعا بين الصحيحة و الأخبار الأخر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 111

..........

______________________________

4- و جاء في حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذا إلى اليمن: «فأعلمهم أنّ اللّه قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم.

الحديث.» «1»

5- و في الحديث الرجل

الذي جاء إلى رسول اللّه «ص» في المسجد و قال له:

«أيّكم محمّد» قال: انشدك اللّه اللّه امرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسّم على فقرائنا؟ قال رسول اللّه «ص»: «اللّهم نعم.» قال الرجل: آمنت بما جئت به. الحديث. «2»

6- و في خبر أبي جحيفة قال: بعث رسول اللّه «ص» ساعيا على الصدقة فأمر أن يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيقسّمها في فقرائنا و كنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني منها قلوصا. «3»

أقول: القلوص من الإبل: الطويلة القوائم و الشابّة منها.

7- و عن عطاء: أنّ عمران بن حصين بعث إلى الصدقة فلمّا رجع قالوا له:

أين المال؟ قال: و للمال أرسلتموني؟! أخذناها من حيث كنّا نأخذها على عهد رسول اللّه «ص» و وضعناها حيث كنّا نضعها. «4»

8- و عن طاوس: أنّ معاذ بن جبل قضى أيّما رجل انتقل من مخلاف عشيرته (إلى غير مخلاف عشيرته) فعشره و صدقته إلى مخلاف عشيرته. «5»

أقول: قال ابن الأثير في النهاية: «المخلاف في اليمن كالرستاق في العراق، و جمعه المخاليف.»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 8، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(2)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(3)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(4)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(5)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 112

..........

______________________________

9- و عن عمرو بن شعيب: أنّ معاذ بن

جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول اللّه «ص» إلى اليمن حتّى مات النبي «ص» و أبو بكر. ثمّ قدم على عمر، فردّه على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر، و قال:

لم أبعثك جابيا و لا آخذ جزية، و لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردّها على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشي ء و أنا أجد أحدا يأخذه منّي، فلمّا كان العامّ الثاني بعث إليه شطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلمّا كان العامّ الثالث بعث إليه بها كلّها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل. فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ منّي شيئا. «1»

10- و عن سعد قال: «و كنّا نخرج لنأخذ الصدقة فما نرجع إلّا بسياطنا.» «2»

11- و عن النعمان بن الزبير قال: استعمل محمد بن يوسف، طاوسا على مخلاف فكان يأخذ الصدقة من الأغنياء فيضعها في الفقراء فلمّا فرغ قال له: ارفع حسابك. فقال: «ما لي حساب، كنت آخذ من الغنيّ فأعطيه المسكين.» «3»

12- و عن فريد السبخي قال: حملت زكاة مالي لأقسمها بمكّة فلقيت سعيد بن جبير فقال: «ارددها فاقسمها في بلدك.» «4»

13- و عن سفيان بن سعيد: أنّ زكاة حملت من الريّ إلى الكوفة فردّها عمر بن عبد العزيز إلى الريّ. «5»

______________________________

(1)- الأموال لأبي عبيد/ 710.

(2)- الأموال/ 711.

(3)- الأموال/ 709.

(4)- الأموال/ 708.

(5)- الأموال/ 708.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 113

..........

______________________________

14- و عن إبراهيم النخعي: أنّه كان يكره أن تخرج الزكاة من بلد إلى بلد إلّا لذي قرابة. «1»

إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا المجال المستفاد منها أن البناء كان على تقسيم صدقة كلّ بلد في أهله إلّا أن يفضل منها شي ء، فراجع كتاب الأموال

لأبي عبيد:

باب قسم الصدقة في بلدها و حملها إلى بلد سواه. «2»

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى شرح عبارة المتن فنقول: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر بشرط عدم وجود الفقير فيه، و عدم التمكّن من صرفها في سائر المصارف الثمانية، و عدم كونهما مرجوّ الحصول في المستقبل.

و يظهر من الجواهر اعتبار شرط رابع، قال: «لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يكن الطريق مخوفا و إلّا كان مغرّرا بها أو مفرّطا كما اعترف به الحلّي و الفاضلان» «3»، و راجع في هذا المجال عبارة التذكرة. «4»

و بالجملة فمع هذه الشروط الأربعة لا إشكال في جواز النقل بل يمكن أن يقال بوجوبه كما يأتي من المدارك.

1- قال في التذكرة: «لو لم يجد المستحقّ في بلده جاز النقل إجماعا و لا ضمان لعدم التفريط.» «5»

2- و في المنتهى: «لو لم يوجد المستحقّ في بلدها جاز نقلها مع ظنّ السلامة و لا يضمن مع التلف حينئذ بلا خلاف لأنّ الدفع واجب و لا يمكن إلّا بالنقل فيكون

______________________________

(1)- الأموال/ 708.

(2)- الأموال/ 708 و ما بعدها.

(3)- الجواهر 15/ 434.

(4)- التذكرة 1/ 245.

(5)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 114

..........

______________________________

جائزا، و لا يضمن لأنّه تصرّف تصرّفا مشروعا مأذونا فيه.» «1»

أقول: يظهر من تعليله لجواز النقل أنّه أراد بالمستحقّ مطلق المصرف لا خصوص الفقير، و هو الظاهر من عبارة المدارك الآتية أيضا، و الظاهر إرادتهما صورة اليأس من وجود المصرف في المستقبل أيضا و إلّا لم يتوقّف الدفع على النقل.

و يرد على تعليله لعدم الضمان بأن الإذن في التصرف و إن كان ظاهرا في ذلك و لكن لا يلازمه دائما، ألا ترى أنّ المضطر إلى

مال الغير في المخمصة يكون مأذونا في التصرّف و لكنه يضمنه. و القائلين بجواز النقل و لو مع وجود المستحقّ أيضا يقولون به مع الضمان فالعمدة في عدم الضمان في المقام الأخبار الآتية.

3- و في المدارك: «لا ريب في جواز النقل إذا عدم المستحقّ في البلد، بل الظاهر وجوبه لتوقّف الدفع الواجب عليه.» «2»

و الحاصل أنّ جواز النقل و عدم الضمان مع الشروط الأربعة ممّا لا إشكال فيهما.

و يدلّ على الجواز حينئذ مضافا إلى الإجماع و عدم الخلاف، و إطلاق أدلّة إيتاء الزكاة و ردّ الأمانات إلى أهلها:

1- صحيحة ضريس قال سأل المدائني أبا جعفر «ع» قال: «إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك، فقال: إنّي في بلاد ليس بها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك و كان و اللّه الذبح.» «3»

أقول: و يمكن أن يستدل بالإطلاق المستفاد من ترك الاستفصال فيها على

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- المدارك/ 323 (ط. الجديد 5/ 271).

(3)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 115

[عدم وجود الفقير في البلد كاف في الحكم بجواز النقل]

بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك، و لم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف (1).

______________________________

جواز النقل و إن وجد سائر المصارف في البلد إذ قلّما لا يوجد مصرف آخر غير الفقراء و لو بعض مصاديق سبيل اللّه.

كما يمكن أن يستدل به لجواز النقل و إن رجا وجود المستحقّ فيه بعد ذلك.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ البلاد التي لا يوجد فيها أحد من أهل الولاية يبعد جدّا وجودهم فيه بعد

ذلك في زمان قريب، فتدبّر.

2- خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح «ع» قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في إخوانه و أهل ولايته، قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم. الحديث. «1»

هذا مضافا إلى النصوص الآتية في المسألة التالية المستدلّ بها لجواز النقل مطلقا.

و لا فرق في النقل بين نقل العين أو القيمة أو الحوالة بها، بل الجواز في الأخيرة أظهر لأمنها من الخطر.

(1) ظاهر عبارة المصنّف أنّ مجرّد عدم وجود الفقير في البلد كاف في الحكم بجواز النقل و لكن وجوبه مشروط بشروط ثلاثة: عدم وجود الفقير فيه فعلا و عدم كونه مرجوّ الوجود و عدم التمكن من صرفها في سائر المصارف، و كان عليه ذكر الشرط الرابع أيضا و هو عدم كون الطريق مخوفا.

و قد مرّ عن المدارك استظهار وجوب النقل و تعليله له بتوقّف الدفع الواجب عليه، و بمقتضى تعليله يظهر أن مراده صورة وجود الشروط المذكورة و أنه أراد بالمستحقّ مطلق المصرف فعلا أو بعد ذلك.

و يستدلّ للوجوب مضافا إلى ذلك بالأمر به في صحيح ضريس، و كذا خبر الحدّاد.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 116

..........

______________________________

و ناقش فيه في الجواهر بأن المقصد فيه بيان حرمة الدفع إلى غير الموالي، و بأن الأمر في مقام توهّم الحظر فينزل على الإباحة. «1»

و نوقش أيضا كما في المستمسك: باحتمال كون الأمر إرشاديّا لبيان طريق الإيصال إلى المستحقّ لا مولويّا تعبّديا. «2»

أقول: يمكن أن يقال- كما في المستمسك-: إنّ المتكفّل لحرمة الدفع إلى غير الموالي هو قوله «ع» بعد

ذلك: «و لا تدفعها إلى قوم ...» و الحمل على الإباحة خلاف الظاهر لا يصار إليه إلّا بدليل.

و أمّا مناقشة المستمسك فيمكن أن يجاب عنه بأنّا لا نريد هنا من الوجوب إلّا الوجوب المقدّمي الطريقي فلا يضرنا كون الأمر إرشاديا بعد كون المرشد إليه هو الوجوب المقدّمي.

و ظهور الأمر في الوجوب يجب أن يؤخذ به و إن كان إرشاديا نظير أوامر الإطاعة فتدبّر.

و احتمال أنّ الواجب في الحقوق الواجبة مجرّد عدم الحبس و المنع لا الإيصال إلى المستحقّ واضح البطلان و مخالف لظاهر الأدلّة.

و أمّا خبر إبراهيم الأوسي المتضمّن للانتظار بها سنة أو سنتين أو أربع سنين «3» فمضافا إلى ضعفه سندا مورده رجاء الوجود بعد ذلك لا اليأس المطلق الذي هو محلّ الكلام.

و مقدار صدق الرجاء و الانتظار موكول إلى العرف، و يختلف لا محالة حسب

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 436.

(2)- المستمسك 9/ 323.

(3)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 117

[مئونة النقل من الزكاة]

و مئونة النقل حينئذ من الزكاة (1).

______________________________

اختلاف الأشياء و الأشخاص و المناطق.

فلو رجا وجود المستحقّ بعد عشرين سنة مثلا يعدّ وجوده كالعدم و لا سيّما في الأشياء التي يعرضها التحوّل و الفساد غالبا و بالنسبة إلى المسنّ الذي لا يرجو البقاء و ليس له من يوصي إليه و يطمئن به.

فالملاك إجمالا كون التأخير بمقدار يوجب ضياع المال و عدم صدق الأداء.

و لو تمكّن من سائر المصارف غير الفقراء لم يكن وجه لوجوب النقل.

(1) في الجواهر: «و أجرة النقل على المالك كما جزم به ثاني الشهيدين في الروضة.

و قد يحتمل كونها من الزكاة فيما لا سبيل له إلى الإيصال فيه إلّا النقل، خصوصا مع عدم

إمكان الإبقاء أمانة لخوف تلف و نحوه.» «1»

أقول: وجه كونها على المالك أنّ الإيتاء و الإيصال إلى المستحقّ واجب عليه فيجب عليه تحصيل مقدماته فتكون نظير أجرة الكيل و الوزن.

و لو أوجب الشارع على أحد إنقاذ غريق مثلا و توقّف هذا على استيجار شخص أو سفينة فبدلالة الاقتضاء يعلم وجوب أداء الأجرة أيضا.

و استدلّ للقول بكونها من الزكاة بوجوه:

الأوّل: أن الصرف لمصلحة المستحقّ و المالك محسن و ما على المحسنين من سبيل و الأصل براءة المالك من تحمل المؤونة.

الثاني: أنّها نوع من سبيل اللّه فيصرف فيها من سهمه.

الثالث: أنّ المتفاهم عرفا من جعل المال لمصرف خاص كون مئونته في

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 433.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 118

[مع كونه مرجوّ الوجود يتخيّر بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد]

و أمّا مع كونه مرجوّ الوجود فيتخيّر بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد (1).

______________________________

نفس المال كما هو المتفاهم و المتعارف في الأوقاف و الوصايا و النذور. و لأجل ذلك جعل الشارع في الزكاة سهما للعاملين عليها لتكون مكتفية بنفسها.

و يرد على الأول: أنّ كون الصرف لمصلحة المستحقّ لا يبيح صرف الزكاة في غير مصرفها، و أصل البراءة لا يقاوم أدلّة وجوب الإيتاء المقتضية لوجوب مقدماته.

و يرد على الثاني: أنّ المراد بسبيل اللّه كما مرّ المصالح العامّة الاجتماعية لا كلّ أمر حسن.

و يرد على الثالث: منع الظهور و التفاهم إلّا مع وجود قرينة عليه.

و على هذا فالأحوط تحمّل المالك كأجرة الكيل و الوزن.

قال في المبسوط بعد ذكر العامل: «و إن احتيج إلى كيّال أو وزّان في قبض الصدقة فعلى من تجب؟ قيل: فيه و جهان:

أحدهما: على أرباب الأموال لأن عليهم أيضا الزكاة كأجرة الكيّال و الوزّان في البيع على البائع.

و الآخر أنّه على أرباب الصدقات لأنّ

اللّه تعالى أوجب عليهم قدرا معلوما من الزكاة فلو قلنا: إنّ الأجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب. و الأول أشبه.» «1»

أقول: أراد بقوله: «أشبه» أنّه مطابق للقواعد و أشبه بها.

(1) قال العلّامة في الإرشاد بعد ما أفتى فيه بحرمة النقل: «و يجوز النقل مع عدم المستحقّ و لا ضمان، و لو حفظها حينئذ في البلد حتى يحضر

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 256.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 119

..........

______________________________

المستحقّ فلا ضمان.» «1»

فظاهر عبارته التخيير بين النقل و الحفظ مع كون المستحقّ مرجوّ الوجود، و هل أراد به الفقير أو مطلق المصرف؟ كلّ محتمل.

و في الجواهر بعد حكايته عنه قال: «بل قيل: إنّه لا يظهر خلافه من كلام غيره من الأصحاب و لا من ألفاظ النصوص، إذ ليس فيها إلّا نفي الضمان و الجواز و نفي البأس.» «2»

أقول: إن قلنا بجواز النقل مطلقا و إن وجد المستحقّ في البلد كما لا يبعد و سيجي ء بيانه فجوازه هنا بطريق أولى.

و أمّا إن منعنا ذلك فالمتيقن منه صورة وجود المستحقّ فعلا و إمكان الأداء فورا، و أمّا مع عدمه فعلا و عدم إمكان الفورية و تساوي الحفظ و النقل في صون المال من الفساد و التلف فلا دليل على تعيّن أحدهما.

و مقتضى إطلاق الأدلة تخيير المالك بين جميع المصارف ما لم ينته إلى التغرير بالمال أو المسامحة العرفية في الأداء.

و يظهر من المفيد في المقنعة أنّه إن غلب على ظنّه قرب وجوده في البلد و كان أولى ممّن تحمل إليه فلا يجوز النقل. «3»

و فيه: أنّ أولويّته من بعض الجهات المرجّحة لا يقتضي التعيّن وجوبا بعد إطلاق الأدلّة.

و الأمر بالنقل في صحيح ضريس مضافا إلى احتمال الجواهر كونه

______________________________

(1)-

مجمع الفائدة 4/ 215، و الإرشاد 1/ 289.

(2)- الجواهر 15/ 436.

(3)- المقنعة/ 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 120

[إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء]

و إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء و عدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف (1).

______________________________

لأصل الجواز لكونه في مقام توهّم الحظر كما مرّ، يمكن أن يقال: إن مورده صورة اليأس من وجود أهل الولاية في المستقبل إذ كان في بلد لا يوجد فيه أحد من أهل الولاية.

و قد حملنا كلام صاحب المدارك بوجوب النقل أيضا بمقتضى تعليله له على صورة اليأس من الوجود.

و بالجملة فمقتضى الإطلاقات هو التخيير و يتأيد ذلك بالسيرة على نصب العمّال لجبايتها و نقلها من دون انتظار للمستقبل، فتدبّر.

(1) بلا خلاف و لا إشكال و لكن بشرط أمن الطريق و عدم كون النقل مخوفا، و يدلّ عليه مضافا إلى الأصل- كما قيل- نصوص نفي الضمان المطلق منها كصحيحتي أبي بصير و عبيد و غيرهما، و المفصّل منها كصحيحتي زرارة و محمد بن مسلم، فراجع. «1»

أقول: يمكن أن يناقش في الاستدلال بالأصل بانتقاضه بإطلاق ما روي عنه «ص» و عمل به الأصحاب من قوله «ص»: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي.» «2»

بتقريب أنّه يشمل المقام أيضا بعد انتقال الزكاة منه إلى أهلها. و استثناء اليد الأمينة منه إجمالا بالإجماع لا يمنع من التمسّك به في الموارد المشكوكة لجواز التمسّك بالعامّ إذا كان المخصّص لبيّا مفهوميّة كانت الشبهة أو مصداقية كما تقرّر في محلّه. هذا.

و يظهر من الحلبي و ابن زهرة جواز النقل و عدم الضمان و إن كان الطريق مخوفا إذا كان بإذن الفقير و المستحقّ:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198 و 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- الترمذي 2/ 369،

الباب 39 من أبواب البيوع، الحديث 1284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 121

و أمّا معهما فالأحوط الضمان (1).

______________________________

ففي الكافي: «و إذا أريد حملها إلى مصر آخر مع فقد من يستحقّها في المصر فلا ضمان على مخرجها في هلاكها، فإن كان السبيل مخوفا لم يخرجها إلّا بإذن الفقير، فإن حملت من غير إذنه فهي مضمونة حتى تصل إليه.

فإن كان في مصره من يستحقّها فحملها إلى غيره فهي مضمونة حتى تصل إلى من حملت إليه إلّا أن يكون حملها إليه بإذنه فيسقط الضمان.» «1»

و في الغنية: «و إن حملها مع خوف الطريق بغير إذن مستحقّها ضمن، و لا ضمان عليه مع استيذانه بدليل الإجماع المشار إليه.» «2»

أقول: المال ليس لشخص الفقير و المستحقّ حتّى يكون إذنه نافذا رافعا للضمان كإذن الشخص في ماله.

اللّهم إلّا أن يريدا توكيل الفقير المالك في القبض عنه و التملّك له ثمّ نقل ما ملكه إليه، أو يريدا إذن الفقيه الذي هو وليّ أمر الفقراء و سائر المصارف، فتدبّر.

(1) وجه القول بالضمان احتمال شمول صحيحتي محمد بن مسلم و زرارة له:

ففي الأولى منهما: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها.»

و في الثانية: «إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.» «3»

بتقريب أنّ الموضع و الأهل يعمّان الفقراء و سائر المصارف أيضا، و لا سيّما بملاحظة الارتكاز العرفي حيث يعدّون النقل مع وجود المصرف في المحلّ نوعا

______________________________

(1)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 173.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (طبعة أخرى/ 506).

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 122

..........

______________________________

من التأخير و التفريط الموجب عندهم للضمان.

و

لا ينافي ذلك التعبير بالدفع في الصحيحة الأولى إذ الظاهر منه بمناسبة الحكم و الموضوع مطلق الإيصال إلى المحلّ و لو كان بالصرف فيه، كما أنّ وجود المصرف في المستقبل القريب أيضا ربّما يعدّ عندهم نوعا من وجود المستحقّ فتأمّل.

و أمّا وجه القول بعدم الضمان فمضافا إلى الأصل- على ما قيل- إطلاق الأخبار النافية له كصحيحتي أبي بصير و عبيد بن زرارة و غيرهما.

و حملها على خصوص ما إذا لم يجد المصرف في المحلّ بالكليّة لا الفقير و لا غيره لا فعلا و لا في المستقبل حمل على الفرد النادر جدّا، إذ قلّما لا يوجد سائر المصارف و لو بعض مصاديق سبيل اللّه لا فعلا و لا في المستقبل.

و على هذا فيحمل الموضع و الأهل في صحيحتي زرارة و محمد بن مسلم أيضا على خصوص الفقير الموجود فعلا، و هو المتفاهم منهما عرفا و لا سيّما بقرينة كلمة الدفع في الأولى منهما، و لا أقل من كونه المتيقّن منهما فيرجع في الزائد إلى إطلاق الأخبار النافية للضمان.

قال في المستمسك بعد تقريب ذلك: «قيل: و يساعد ذلك ظهور الإجماع المحكي عن التذكرة و المنتهى على الضمان بمجرد التمكّن من الأداء، الظاهر في انتفائه مع تعذّر الأداء، و إن تمكّن من الصرف.

و لعلّ نكتة الفرق بين الأداء و الصرف: أنّ الأوّل لا يحتاج إلى كلفة غالبا بخلاف الثاني، فتعذّر الأوّل يكون كافيا في نفي الضمان و إن أمكن الثاني.» «1»

أقول: و لعلّ النكتة في الفرق أيضا أنّ عمدة النظر في تشريع الزكوات كان

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 123

..........

______________________________

إلى الفقراء و سدّ خلّاتهم على ما هو المستفاد من الأخبار المستفيضة الحاكمة بأنّ اللّه-

عزّ و جلّ- فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به. «1»

و أن اللّه قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم. «2»

و لا سيّما في عصر أئمتنا «ع» حيث إنّ زكوات الشيعة كانت قليلة جدّا فكان نظر الأئمة «ع» فيها إلى صرفها في فقراء شيعتهم المحرومين، و لأجل ذلك أمر «ع» في صحيحة ضريس و كذا خبر الحدّاد ببعثها إليهم من دون أن يستفصل عن وجود مصرف آخر في المحلّ، فتدبّر.

ثمّ قال في المستمسك بعد الكلام السابق: «لكنّ الإنصاف أنّ رفع اليد عن ظهور الصحيحين في توقف نفي الضمان على تعذّر الصرف، بدعوى لزوم حمل النصوص النافية للضمان على الفرض النادر غير ظاهر، لإمكان منع ذلك في ذلك الزمان في جملة من الأمكنة التي تجب فيها الزكاة، فالحكم بالضمان مع إمكان الصرف في محلّه.» «3»

أقول: لو سلّم ظهور الصحيحين في الضمان و إن وجد سائر المصارف فلا إشكال في ظهورهما أيضا في اشتراط ذلك بوجود المصرف فعلا فلا يكفي في الحكم بالضمان رجاء وجوده في المستقبل بل يجري فيه إطلاق الأخبار النافية للضمان.

ثمّ إنّ المصنّف تعرّض في كلامه لصورة انتفاء الأمرين و صورة ثبوتهما معا

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...

(2)- سنن البيهقي 7/ 8، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(3)- المستمسك 9/ 325.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 124

[لا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد]

و لا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة (1). و إن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجّح للبعيد.

______________________________

و لم يتعرّض لصورة ثبوت أحدهما.

و الأحوط مع ثبوتهما أو ثبوت المصرف فعلا الضمان، و لا يلزم هذا الاحتياط فيما إذا لم يوجد فعلا و إن كان مرجوّا.

(1) أقول: إن قلنا بجواز نقل الزكاة مطلقا فلا فرق فيه بين البلد القريب و البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة.

و أمّا إن قلنا بحرمته إجمالا فحيث إنّ من أدلّة الحرمة منافاة النقل للفوريّة و كونه معرّضا لها للخطر و التلف فلا محالة كان المناسب في صورة الجواز الفرق بين البلد القريب و البعيد إلّا أن يكون طريق القريب أخوف.

1- ففي الروضة في ذيل قول المصنّف: «و لا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع إعواز المستحقّ فيه» قال: «فيجوز إخراجها إلى غيره مقدّما للأقرب إليه فالأقرب إلّا أن يختصّ الأبعد بالأمن.» «1»

2- و في المنتهى: «الخامس: إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي يوجد المستحقّ فيها استحبابا عندنا و وجوبا عند القائلين بتحريم النقل.» «2»

3- و في التذكرة: «هل يجب عليه مع عدم المستحقّ و اختيار النقل، القصد إلى أقرب الأماكن إلى بلده ممّا يوجد فيه المستحقّ؟ إشكال ينشأ من جواز النقل مطلقا لفقد المستحقّ، و من كون طلب البعيد نقلا عن القريب مع وجود المستحقّ فيه.» «3»

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 2/ 39 (الروضة البهيّة 1/ 169، ط. الحجري).

(2)- المنتهى 1/ 529.

(3)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 125

..........

______________________________

4- و في نهاية الإحكام: «و لو فقد المستحقّ في بلد المال و وجد في بلدين غيره، فإن كان أحد البلدين طريقا للآخر تعيّن التفريق في الأقرب، و لو لم يكن كذلك خيّر بين البعيد و القريب مع التساوي في غلبة ظنّ السلامة.» «1»

و عقّب ذلك في الجواهر بإضافات لم أجدها في المطبوع

من نهاية الإحكام، و لعلّها كانت في نسخته فراجع. «2»

و سيجي ء في المسألة التالية ما ينفعك في هذه المسألة لارتباطهما كثيرا.

______________________________

(1)- نهاية الإحكام 2/ 418.

(2)- الجواهر 15/ 433.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 126

11- هل يجوز نقل الزكاة الى بلد آخر مع وجود المستحق في بلده

اشارة

الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ في البلد (1)، و إن كان الأحوط عدمه، كما أفتى به جماعة.

[جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ في البلد]

______________________________

(1) لا يخفى أن مسألة النقل مع وجود المستحقّ في البلد مختلف فيها عند الفريقين و قد تشتت الكلمات فيها: فبعضهم أفتى بالحرمة و الضمان. و آخر بالكراهة و الضمان، و ثالث بالجواز و الضمان، و رابع لم يصرّح إلّا بالضمان. و ربّما ترى فقيها واحدا مثل العلّامة مثلا أفتى في بعض كتبه بالكراهة و في بعضها بالحرمة و في التذكرة ادعى على الحرمة إجماع علمائنا أجمع.

و الناظر في كلمات الأصحاب يظهر له أنّ عمدة نظرهم بيان ثبوت الضمان بلا إشكال حيث لا يفرّعون على الحكم بالحرمة إلّا الحكم بالضمان، فلعلّ مرادهم من الحرمة ليس إلّا الضمان لا ثبوت الإثم بالتأخير و النقل، و لذا ترى الشهيد- قدّس سرّه- يقول في اللّمعة: «و لا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع إعواز المستحقّ فيه فيضمن لا معه، و في الإثم قولان.» «1» فجزم بعدم الجواز و تردّد في ثبوت الإثم.

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 2/ 39 (طبعة أخرى/ 23)؛ و الروضة البهيّة 1/ 169، ط. الحجري.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 127

..........

______________________________

و بهذا البيان يرتفع التهافت بين ادعاء الإجماع من الشيخ و العلّامة على الحرمة و بين إفتائهما في بعض كتبهما كغيرهما بالجواز مع الضمان، فيراد بالجواز عدم الإثم، و بالحرمة كونها على العهدة و الذمّة أعني الحرمة الوضعيّة.

و قد أشار إلى ما ذكرنا الشيخ الأعظم الأنصاري في زكاته مع الأغلاط المطبعية الكثيرة فيها، فراجع. «1» هذا.

و هل أرادوا بالضمان أداء المثل أو القيمة إن تلفت كما هو الظاهر، أو أرادوا به

تضمينها قبل النقل بنقلها إلى ذمّته فيكون المنقول في الحقيقة ملكا لنفسه كلّ منهما محتمل و إن كان جواز الثاني يحتاج إلى دليل.

[بعض كلمات الفقهاء في المقام]

إذا عرفت هذا فلنتعرّض لبعض كلمات الفقهاء في المقام:

1- ففي قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 8): «لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحقّ لها في البلد فإن نقلها و الحال على ما قلناه كان ضامنا إن هلك، و إن لم يهلك أجزأه، و إن لم يجد في البلد مستحقا لم يكن عليه ضمان.

و للشافعي فيه قولان: أحدهما متى نقل إلى بلد آخر أجزأه و لم يفصّل، و به قال أبو حنيفة و أصحابه. و الثاني لا يجزيه و عليه الإعادة، و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و النخعي و مالك و الثوري.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ.» و لم يفصّل بين أن يكونوا من أهل البلد و غيرهم، و الخبر الذي يروى أن أمير المؤمنين «ع» قال لساعيه: إذا أخذت المال أحدره إلينا لنضعه حيث أمر اللّه- تعالى- به، و ذلك يدلّ على جواز النقل.» «2»

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم/ 513 (طبعة أخرى/ 451).

(2)- الخلاف 2/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 128

..........

______________________________

أقول: تعرّض في هذه المسألة لثلاث مسائل: الأولى جواز النقل و عدمه. الثانية الضمان مع النقل و الهلاك. الثالثة الإجزاء أو عدمه إن نقلها.

و هل الإجماع الذي ادعاه يرجع إلى الأولى أو الأخير أو الثلاث؟ كلّ محتمل و ظاهر كلامه أن مخالفة فقهاء السنة و اختلافهم في المسألة الثالثة لا الاولى و الثانية.

و قوله أخيرا: «و ذلك يدلّ على جواز النقل» يرد عليه

مضافا إلى تهافته مع ما أفتى به في أوّل المسألة من عدم الجواز أن جواز النقل مع أمر الإمام ممّا لا إشكال فيه. و محلّ البحث غير هذه الصورة.

2- و في النهاية: «و متى لم يجد من تجب عليه الزكاة مستحقّا لها عزلها من ماله و انتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزكاة في الطريق أو هلكت فقد أجزأ عنه، و إن كان قد وجد في بلده لها مستحقّا فلم يعطه و آثر من يكون في بلد آخر كان ضامنا لها إن هلكت و وجبت عليه إعادتها.» «1»

3- و في زكاة المبسوط: «فأمّا حمله إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ فلا يجوز إلّا بشرط الضمان، و مع عدم المستحقّ يجوز له حمله و لا يلزمه الضمان.» «2»

4- و في قسمة الزكاة منه: «لأنّ لربّ المال و الإمام أن يخصّ بها قوما دون قوم و يحمل إلى بلد آخر بشرط الضمان.» «3»

و راجع في هذا المجال موضعا آخر من المبسوط أيضا حيث يظهر من صدر عبارته عدم جواز الحمل و من ذيله أنّ التفرقة في البلد أولى و تمسّك لذلك بخبر معاذ. «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- المبسوط 1/ 234.

(3)- المبسوط 1/ 261.

(4)- المبسوط 1/ 245.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 129

..........

______________________________

5- و قال في الاقتصاد: «و إن أخّر انتظارا للمستحقّ لم يكن عليه ضمان، و إن كان المستحقّ حاضرا و أخّره في ذمّته إلى أن يخرج منه و حمل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحقّ يجوز بشرط الضمان، و مع عدم المستحقّ يجوز على كلّ حال.» «1»

أقول: فهذا الشيخ الطوسي خرّيت

فقه الشيعة تراه أنّ المهمّ في نظره إثبات الضمان إن نقلت مع وجود المستحقّ و إن كان ربّما عبّر في هذا المجال بعدم الجواز و ربّما لم يصرّح إلّا بالضمان.

6- و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «و أهل المصر أولى من قطّان غيره، فإن لم يكن في المصر من تتكامل فيه صفات مستحقّها أخرجت إلى من يستحقّها ...

فإن كان في مصره من يستحقّها فحملها إلى غيره فهي مضمونة حتى تصل إلى من حملت إليه إلّا أن يكون حملها إليه بإذنه فيسقط الضمان.» «2»

7- و في الوسيلة: «و إذا وجد المستحقّ في البلد كره له نقلها إلى آخر، فإن نقل ضمن و إن لم يجد لم تضمن.» «3»

8- و في الدروس: «و لا يجوز نقلها مع وجود المستحقّ فيضمن، و قيل: يكره و يضمن، و قيل: يجوز بشرط الضمان و هو قويّ، و لو عدم المستحقّ و نقلها لم يضمن.» «4»

و قد مرّت عبارة اللمعة أيضا. و العلّامة أيضا مثل الشيخ قد اختلفت كلماته في كتبه المختلفة:

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 279.

(2)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 172.

(3)- الجوامع الفقهية/ 681 (طبعة أخرى/ 717)؛ و الوسيلة/ 130.

(4)- الدروس/ 64.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 130

..........

______________________________

9- ففي التذكرة: «لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحقّ فيه عند علمائنا أجمع و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و طاوس و النخعي و مالك و الثوري و أحمد لقوله «ع» لمعاذ: فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم.

و من طريق الخاصّة قول الصادق «ع»: لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب في المهاجرين.

و لأنّ الأداء واجب على الفور و هو

ينافي النقل لاستلزامه التأخير.

و قال أبو حنيفة: يجوز. و للشافعي قولان، لأن التعيين إلى المالك فكما جاز في البلد جاز في غيره، و هو ممنوع لما في الثاني من التأخير.» «1»

فجعل العلّامة في التذكرة محطّ الخلاف أصل جواز النقل و عدمه خلافا لما مرّ من الخلاف.

10- و في الإرشاد و القواعد أيضا أفتى بحرمة النقل مع وجود المستحق في البلد، فراجع. «2»

11- و لكن قال في التحرير: «في تحريم نقل الصدقة من بلدها مع وجود المستحقّ قولان: أقربهما الكراهيّة و لو نقلها ضمن.» «3»

12- و في المختلف بعد نقل بعض العبارات قال: «و الأقرب عندي جواز النقل على كراهيّة مع وجود المستحقّ و يكون صاحب المال ضامنا كما اختاره صاحب الوسيلة.» «4»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 244.

(2)- مجمع الفائدة 4/ 209؛ و القواعد 1/ 59.

(3)- التحرير/ 70.

(4)- المختلف/ 190.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 131

..........

______________________________

13- و يظهر من المنتهى أيضا اختيار الكراهة، فراجع. «1»

14- و في الشرائع: «و لا يجوز أن يعدل بها الى غير الموجود، و لا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحقّ في البلد. و لا أن يؤخر دفعها مع التمكّن، فإن فعل شيئا من ذلك أثم و ضمن.» «2»

15- و في الجواهر ذيّل مسألة عدم جواز النقل بقوله: «على المشهور كما في الحدائق، بل في التذكرة الإجماع عليه، بل لعلّه ظاهر الخلاف أو محتمله و هو الحجة.» «3»

16- و لكن في المسالك: «و الأصحّ جواز نقلها مع وجود المستحقّ بشرط الضمان خصوصا للأفضل أو للتعميم لصحيحة هشام بن الحكم.» «4»

17- و في مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة: «و لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى بلد تقصر في مثله الصلاة.» «5»

18-

و ذيّله في المغني بقوله: «المذهب على أنّه لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر. قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد، قال: لا. قيل: و إن كان قرابته بها؟ قال: لا. و استحبّ أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها ...» «6»

أقول: فظاهر عبارته الأخيرة كون المسألة خلافية عند فقهاء السنة أيضا.

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى/ 125).

(3)- الجواهر 15/ 430.

(4)- المسالك 1/ 63.

(5)- مختصر الخرقي، راجع المغني 2/ 531.

(6)- المغني 2/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 132

..........

______________________________

19- و قال الماوردي: «و لا يجوز أن تنقل زكاة بلد إلى غيره إلّا عند عدم وجود أهل السهمان فيه. فان نقلها عنه مع وجودهم فيه لم يجزئه في أحد القولين، و أجزأه في القول الآخر و هو مذهب أبي حنيفة.» «1»

أقول: و ظاهره كعبارة الخلاف أنّ أبا حنيفة موافق في عدم الجواز و لكنّه قائل بالإجزاء لو نقلت.

20- و قال أبو يعلى الفراء: «و يفرّق زكاة كلّ ناحية في أهلها، و لا يجوز أن تنقل زكاة بلد إلى غيره إلّا عند عدم السهمان فيه، و إن نقلها عنه مع وجودهم فيه لم يجزه.» «2»

و لا يخفى أنّ الماوردي من علماء الشافعيّة و الفرّاء من الحنابلة.

21- و في خراج أبي يوسف: «و يقسّم سهم الفقراء و المساكين من صدقة ما حول كلّ مدينة في أهلها و لا يخرج منها فيتصدّق به على أهل مدينة أخرى. و أمّا غيره فيصنع به الإمام ما أحبّ من هذه الوجوه التي سمّى اللّه- تعالى- في كتابه.» «3»

22- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفيّة: «و أمّا زكاة

المال فحيث المال في الروايات كلّها و يكره إخراجها إلى أهل غير ذلك الموضع إلّا رواية عن أبي حنيفة أنّه لا بأس أن يخرجها إلى قرابته من أهل الحاجة و يبعثها إليهم.» «4» هذا.

و قد ظهر لك بما حكيناه من الأقوال أنّ المسألة عندنا بل عند فقهاء السنة على ما قيل ذات قولين. و ليست حرمة النقل إجماعية و إن ادعاه العلّامة في التذكرة بل لعلّه الظاهر من الخلاف أيضا.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 124.

(2)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 133.

(3)- خراج أبى يوسف/ 81.

(4)- بدائع الصنائع 2/ 75.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 133

[استدل لجواز النقل مضافا إلى عموم الآية بأخبار مستفيضة:]

______________________________

إذا عرفت هذا فنقول: استدل لجواز النقل مضافا إلى عموم الآية و إطلاقات أدلّة الإيتاء المقتضية لتخيير المالك بأخبار مستفيضة:

1- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال:

«لا بأس به.» «1»

و الإطلاق المستفاد من ترك الاستفصال يدلّ على العموم سواء كان الإعطاء من قبل المالك أو الإمام و سواء وجد المستحقّ في البلد أم لا.

2- صحيحة أحمد بن حمزة قال: سألت أبا الحسن الثالث «ع» عن الرحل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟

قال: «نعم.» «2»

3- خبر درست بن أبي منصور قال: قال أبو عبد اللّه «ع» في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده قال: «لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع.» «3»

أقول: الظاهر أنّ الترديد من الراوي. و التفصيل بين الثلث أو الربع و بين الزائد بنحو الوجوب ممّا لم يقل به أحد فلا بدّ أن تحمل على مرتبة من الكراهة و أولوية

البلد.

4- و في البيهقي بسنده عن طاوس قال: قال معاذ يعني ابن جبل باليمن:

«ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنّه أهون عليكم و خير للمهاجرين بالمدينة.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 195، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- سنن البيهقي 4/ 113، كتاب الزكاة، باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 134

..........

______________________________

و في رواية أخرى: قال معاذ باليمن: «ايتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرّة و الشعير.» «1»

أقول: في النهاية بعد نقل الخبر: «الخميس الثوب الذي طوله خمس أذرع، و يقال له المخموس أيضا.» «2»

فهذه أخبار يستفاد منها جواز النقل مطلقا، و يساعدها كما مرّ إطلاق الآية الشريفة و ما حذا حذوها في بيان المصارف بنحو الإطلاق، و إن كان ربّما ينافيها إجمالا ما مرّ في أوّل المسألة العاشرة من أنّ المستفاد من سيرة النبيّ «ص» و الخلفاء بعده و أخبار الفريقين أنّ البناء في أمر الزكاة كان على صرف زكاة كلّ بلد في مستحقّيه فإن فضلت عنهم حملت إلى غيرهم، فيجمع بين الطائفتين بالجواز مع الكراهة، فتأمّل. هذا.

[استدل القائلون بعدم الجواز بوجوه]

و استدل القائلون بعدم الجواز بوجوه:

الأوّل: ما مرّ من إجماع الخلاف و التذكرة.

الثاني: أنّ النقل مستلزم للتأخير المنافي للفورية المستفادة من ظاهر الأمر المفتى بها في كلام جمع من الأصحاب.

الثالث: أنّ النقل تغرير بالمال و تعريض له للتلف.

الرابع: قاعدة الشغل و أنّها تقتضي تحصيل الفراغ اليقيني، و لا يحصل هذا إلّا بالصرف في البلد.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 4/ 113، كتاب الزكاة، باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات.

(2)-

النهاية لابن الأثير 2/ 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 135

..........

______________________________

الخامس: ما مرّ من الأخبار الدالّة على أن رسول اللّه «ص» كان يقسّم صدقه أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و أنّه لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين و أنها تؤخذ من أغنيائهم و تردّ على فقرائهم، و كان البناء عملا على ذلك، فراجع الأخبار الواردة في هذا المجال و قد ذكرناها في أوّل المسألة العاشرة. «1»

السادس: ما دلّ على الضمان في المقام كصحيحتي زرارة و محمد بن مسلم السابقتين بتقريب أنّ الضمان من لوازم التعدّي و التفريط و هما محرّمان بالنسبة إلى الأمانات و منها الزكوات. هذا.

و يرد على الوجه الأوّل: أنّ المسألة كما مرّ مختلف فيها و ليس فيها شهرة فضلا عن الإجماع، حتى أنّ مدّعيه أعني الشيخ و العلّامة أيضا خالفاه و أفتيا في بعض كتبهما بالجواز أو الكراهة فلا بدّ من أن تحمل الحرمة في معقده على الحرمة الوضعية أعني الضمان و الضمان مجمع عليه عند وجود المستحقّ كما يأتي و قد عرفت أن الظاهر من كلمات الأصحاب أنّ محطّ نظرهم بيان ذلك، فراجع ما حرّرناه في أوّل المسألة.

و يرد على الوجه الثاني: أوّلا: منع وجوب الفورية، و لا نسلّم ظهور الأمر في الفور، بل الظاهر منه بمقتضى الوضع طلب الطبيعة بنحو الإطلاق كما تقرّر في علم الأصول.

و ثانيا: أن النقل بنفسه شروع في الإخراج و الأداء كما عن المدارك و غيره

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، و سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 4، ص: 136

..........

______________________________

فلا ينافي الفورية، و يكون نظير التقسيم بين الأصناف و الأشخاص مع التمكّن من إيصالها دفعة واحدة إلى شخص واحد.

و ثالثا: أن مقتضى ذلك حرمة التأخير مطلقا لا خصوص النقل فلا وجه لذكر هذه المسألة بعنوان مستقلّ.

و رابعا: أنّ النقل ربّما يوجب التسريع في الأداء كما في النقل إلى بعض القرى القريبة بالقياس إلى بعض محلّات البلد الكبير جدّا.

و خامسا: أن بعض الأخبار المعتبرة تدلّ على جواز التأخير بمقدار شهرين أو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، و سيأتي البحث فيه في الفصل الثاني و راجع الوسائل. «1» هذا ما قيل في المقام.

و لكن يمكن أن يقال بالنسبة إلى مسألة الفوريّة: إنّه لو التزمنا بمفاد أخبار جواز التأخير فهو، و أمّا إن بقينا و أوامر الإيتاء بإطلاقها فالعقل يحكم بالفوريّة.

لا نقول: إنّها أخذت قيدا في المامور به، أو إنّها واجبة شرعيّة مستقلا.

بل نقول: إنّ الأمر المنجّز إذا توجّه إلى المكلّف فإن كان هو مطمئنا ببقائه و بقاء قدرته إلى الزمان الثاني و ما بعده جاز له التأخير بمقتضى إطلاق الدليل لحجّية الوثوق و الاطمينان عند العقلاء.

و أمّا إذا لم يكن مطمئنا ببقائه أو بقاء قدرته فالعقل يحكم بوجوب المبادرة و امتثال التكليف المنجّز، إذ لو فرض موته أو عجزه في الزمان الثاني كان الفوت مستندا إلى مسامحته و سوء اختياره لتمكّنه من الامتثال في الزمان الأوّل فاستحقّ بذلك الذمّ و العقاب.

و بالجملة فاحتمال فوت التكليف المنجّز يلزمه عقلا بالمبادرة، و هذا البيان

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 137

..........

______________________________

جار في جميع التكاليف المطلقة المنجزة. و لا يجري استصحاب بقاء السلامة أو القدرة إلى

الزمان الثاني و ما بعده لعدم كونهما حكما شرعيا و لا موضوعا ذا حكم شرعي و وجوب الإطاعة و الامتثال حكم العقل و إن أرشد إليه الشرع أيضا. و قد تعرّض لهذا البيان السيد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في بعض أبحاثه. «1» هذا.

و يرد على الوجه الثالث: أنّ هذا لا يضرّ بعد كونها مضمونة بالنقل كما دلّت على ذلك صحيحتا زرارة و محمّد بن مسلم و أفتى به الأصحاب، بل لعلّ ظاهرهما الجواز و لكن مع الضمان و إلّا لصرّح الإمام «ع» بالنهي عن البعث بها. هذا مضافا إلى عدم كون النقل تغريرا في أعصارنا بعد إمكان الحوالة بها بوساطة البنوك و المصارف المعتبرة، و قد أثبتنا في الأبحاث السابقة جواز التبديل بالقيمة.

و يرد على الوجه الرابع: عدم جريان قاعدة الشغل بعد اقتضاء الإطلاقات تخيير المالك.

و يرد على الوجه الخامس- و هو العمدة-: أوّلا بحملها على الندب بقرينة ما مرّ من أخبار الجواز و ما دلّ على أنّه ليس في ذلك شي ء موقّت موظّف «2»، و ما استقرت عليه السيرة من تعيين العمّال لجباية الزكوات و نقلها إلى النبيّ «ص» و الخلفاء.

و ثانيا: بعدم دلالتها على حرمة النقل لإمكان العمل بما تضمنته هذه الروايات مع النقل أيضا.

و ثالثا: بأن الأخبار الحاكية عن العمل لا تدلّ على الوجوب لكون العمل

______________________________

(1)- راجع نهاية التقرير 2/ 214 و للمؤلف أيضا تقريرات لم يطبع بعد.

(2)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 138

[الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضا]

و لكنّ الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضا (1).

______________________________

أعمّ منه، و المتيقّن منه أصل الجواز. هذا.

و لكن يمكن أن يناقش بأنّ الكلام

في نقل المالك لا نقل الإمام و عمّاله، و بأن الثابت من نقل العمّال و المتيقّن منه إنما هو فيما زاد على حاجة أهل المحلّ، و بأن المقصود من الأخبار المذكورة صرف كلّ صدقة في بلدها و محلّها لا صرف صدقة البادية في البادية و لو في بادية أخرى و صرف صدقة الحضر و لو في غير هذا الحضر.

و يرد على الوجه السّادس: أن الصحيحتين تدلّان على الحكم الوضعي أعني الضمان فقط، و الضمان أعمّ من الحرمة إذ من الممكن إجازة الشارع للنقل بشرط الضمان، و هذا أمر عقلائي عرفي.

و ربّما نلتزم بذلك في التأخير الأزماني أيضا.

و كيف كان فالأقوى كما في المتن جواز النقل مع الضمان و إن كان الأحوط العدم و لا سيّما إذا كان من في البلد أولى ممّن تحمل إليه كما مرّ من المفيد.

(1) قد مرّ عن الخلاف الإفتاء بعدم جواز النقل ثمّ اختار الإجزاء إن نقل حاكيا ذلك عن أبي حنيفة و أصحابه و أحد القولين للشافعي ثمّ قال: و الثاني عدم الإجزاء و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و النخعي و مالك و الثوري.

و في المنتهى: «لو قلنا بتحريم النقل فنقلها أجزأت إذا وصلت إلى الفقراء ذهب إليه علماؤنا أجمع، و هو قول أكثر أهل العلم، و للشافعي قولان و عن أحمد روايتان.» «1»

و في التذكرة بعد ادعاء الإجماع على عدم جواز النقل ذكر في الإجزاء نحو ما في المنتهى. «2»

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 139

..........

______________________________

و مرّ عن الماوردي قوله: «لم يجزئه في أحد القولين و أجزأه في القول الآخر و هو مذهب أبي حنيفة. «1»

و عن

ابي يعلى قوله: «و إن نقلها عنه مع وجودهم فيه لم يجزه.» «2»

و قال في المغني: «فإن خالف و نقلها أجزأه في قول أكثر أهل العلم، قال القاضي: و ظاهر كلام أحمد يقتضي ذلك و لم أجد عنه نصّا في هذه المسألة، و ذكر أبو الخطّاب فيها روايتين ...» «3»

أقول: و المذكور في كلمات أكثر أصحابنا ثبوت الضمان مع النقل و هو أعمّ من الإجزاء و عدمه. إذ الظاهر منه ثبوت المثل أو القيمة لو تلفت.

و استدلّ للإجزاء بأنّها دفعت إلى مستحقّها من الأصناف الثمانية، و لعدم الإجزاء بأنّها دفعت إلى غير من أمرنا بالدفع إليه فأشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف. و استدل له في الروضة بالنهي حيث إنّه موجب للفساد.

أقول: إن كان المستند لتحريم النقل رعاية الفوريّة و حفظ المال من الخطر و التلف فلا يخفى أنّه حكم مستقلّ طريقيّ فلا يقيّد به إطلاق الآية و الروايات المبيّنة للمصارف الثمانية. بل لو شك في التقييد أيضا فالأصل يقتضي العدم إذ التقييد يتوقّف على إحراز وحدة الحكم.

و إن كان المستند الأخبار التي مرّت في الوجه الخامس فالحكم بالإجزاء مشكل، إذ مقتضى الأخبار كون صدقة كلّ بلد أو منطقة لأهل تلك المنطقة و أنها جعلت لانتفاعهم و سدّ خلّاتهم بها فهي في الحقيقة حقّ جعله اللّه لهم فلا يحل

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 124.

(2)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 133.

(3)- المغني 2/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 140

..........

______________________________

لغيرهم كما دلّ على ذلك صحيحة الحلبي.

و لا ينافي ذلك جواز النقل مع عدم المستحقّ في البلد لاحتمال كون الحقّ طوليّا.

اللّهم إلّا أن يستظهر من مجموع الأدلّة كون المقام بنحو تعدّد المطلوب و أن هنا حكمين مستقلّين:

أحدهما:

كون الزكاة للفقراء و سائر الأصناف بنحو الإطلاق.

الثاني: وجوب رعاية مستحقّي البلد و عواطفهم و توقّعهم من أغنياء بلدهم فإذا امتثل المكلف أحد الأمرين وجب سقوطه قهرا و إن عصى الأمر الثاني.

و أمّا قوله «ع» في صحيحة محمد بن مسلم: «فهو لها ضامن حتّى يدفعها» فلا ظهور له في الدفع إلى غير أهل البلد كما قيل فلعلّ المقصود به هو الدفع إلى أهل البلد المنقولة عنهم، فتأمّل. هذا.

و أمّا استدلال الروضة لعدم الإجزاء بالنهي فيرد عليه أنّ النهي تعلّق بالنقل لا بالدفع إلى فقراء غير البلد. هذا.

و يظهر من المنتهى و المدارك و الجواهر و غيرهم أنّهم اعتمدوا في الحكم بالإجزاء على الإجماع المدّعى.

قال في مصباح الهدى: «و كيف كان ففي الإجماع على الإجزاء على تقدير النقل كفاية» «1»

أقول: ليست هذه المسألة من المسائل الأصليّة المتلقاة عن المعصومين «ع» حتّى يعتمد فيها على الإجماع و لم تذكر في كتب القدماء المعدّة لنقل هذا السنخ من المسائل بل هي من المسائل التفريعية المستنبطة من القواعد فالإجماع فيها على فرض تحقّقه نظير الإجماع في المسائل العقليّة و لا اعتبار فيها للإجماع أصلا.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 141

[يجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء و أبناء السبيل]

و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء و أبناء السبيل (1).

______________________________

(1) قال في المستند: «ظاهر القائلين بعدم جواز النقل وجوب التقسيم في البلد لا في أهل البلد فيجوز الدفع في البلد إلى الغرباء و أبناء السبيل، و نفى عنه الشبهة بعض الأجلّة.» «1»

أقول: إن كان المستند للقول بحرمة النقل كونه منافيا للفوريّة أو تعريضا له للخطر و التلف كان الحكم المذكور واضحا، بل و

كذلك إن استندوا لها بالروايات و السيرة إذ الظاهر من تقسيم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر التقسيم بين الموجودين في بلد المال فعلا في قبال النقل منهم إلى غيرهم.

و يشهد لذلك جواز الإعطاء لابن السبيل بلا إشكال مع أنّه غريب في البلد، و لا يراد بإعطاء الزكاة له إرسالها له من بلده قطعا إذ مع كونه حرجيّا يستلزم نقل الزكاة و المفروض منعه مطلقا.

و بالجملة فمقصود القائلين بحرمة النقل و كذا المستفاد من هذه الأخبار تقسيمها في الموجودين في البلد و إن كانوا غرباء، لا في أهل البلد و إن كانوا غرباء في بلاد أخر كما هو واضح.

نعم يمكن أن يقال: إنّ قوله «ع» في صحيح الحلبي: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين.» ربّما ينافي ما ذكر، و لكن على فرض الأخذ بظاهره يمكن أن يحمل على الغلبة فإنّ الفرد الغريب مستهلك فيهم و يعدّ منهم في الأغلب، فتأمّل.

______________________________

(1)- المستند 2/ 59.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 142

[إذا تلفت بالنقل يضمن]

و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن (1).

______________________________

(1) قال في المنتهى: «لو نقلها مع وجود المستحقّ ضمن إجماعا لأنّ المستحقّ موجود و الدفع ممكن فالعدول إلى الغير يقتضي وجوب الضمان.» «1» ثمّ ذكر صحيحتي محمد بن مسلم و زرارة بعنوان التأييد.

أقول: بناء على كون النقل مجازا كما اختاره العلّامه في المنتهى ففي اقتضائه وجوب الضمان خفاء فالعمدة فيه الصحيحتان حيث فصّل فيهما بين من وجد لها موضعا أو أهلا ثمّ نقل و بين غير هذه الصورة:

ففي صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت هل عليه ضمانها

حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها.» «2»

و في صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت؟ فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت:

فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.» «3»

و ظاهرهما كما مرّ عدم حرمة البعث بها تكليفا و إلا كان المناسب إشارة الإمام إليها و النهي عنها.

و أما الأخبار النافية للضمان بنحو الإطلاق: كصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.» «4»

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 143

[مئونة النقل عليه لا من الزكاة]

كما أنّ مئونة النقل عليه لا من الزكاة (1).

[لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن]

و لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن (2).

______________________________

و صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها.» «1»

و خبر بكير قال: سألت أبا جعفر «ع» عن الرجل يبعث زكاته فتسرق أو تضيع؟

قال: «ليس عليه شي ء» «2»

و خبر أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر «ع»: جعلت فداك، الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق؟ فقال: «قد أجزأته عنه، و لو كنت أنا لأعدتها.» «3»

فلا محالة تحمل على الصحيحتين حمل المطلق على المقيّد كما في سائر الأبواب.

و احتمال الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلّ على الضمان على الاستحباب بقرينة ذيل خبر أبي بصير خلاف الظاهر جدّا. فلا بدّ من حمل المطلقات على الصحيحتين المفصّلتين ثمّ القول باستحباب الإعادة فيما لا ضمان فيه.

(1) إذ لا وجه لأخذها منها بعد وجود المستحقّ في البلد و عدم الاحتياج إلى نقلها.

نعم لو كان المنقول إليه واجدا لمرجّح شرعي جاء احتمال أخذها من الزكاة لكون النقل لمصلحة الزكاة و كونه من مصاديق سبيل اللّه بناء على عمومه لكلّ أمر حسن، و لكن الأحوط ترك ذلك.

(2) أقول: إذن الفقيه ليس بأولى من إذن الشارع و قد اخترنا جواز النقل مع الضمان.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 144

و إن كان مع وجود المستحقّ في البلد، بل و أولى منه لو و كلّه في

قبضها عنه بالولاية العامّة ثم أذن له في نقلها (1).

______________________________

نعم لو طلبها الفقيه و كان مقلّدا له أو كان على نحو الحكم و الولاية العامّة و كان واجدا لشرائطها بحيث وجب النقل إليه فالظاهر عدم الضمان حينئذ إلّا مع التعدي أو التفريط و تنصرف الصحيحتان عن هذه الصورة.

(1) إذ بعد القبض عنه تخرج عن كونها في اختيار المالك و تخرج عن مصبّ الصحيحتين فيكون حكمها كسائر الأمانات إذا أذن صاحبها في النقل إليه.

و أولى من ذلك ما لو وكّله الفقير في التملّك و القبض له فإنّها تخرج حينئذ عن كونها زكاة و تصير ملكا لشخص الفقير فلا ضمان في نقله إليه بإذنه مع عدم التعدّي أو التفريط.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 145

12- جواز احتساب ماله في غير بلد الزكاة زكاة ...

الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة، أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر، جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده و لو مع وجود المستحقّ فيه. و كذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة و ليس شي ء من هذه من النقل الذي هو محلّ الخلاف في جوازه و عدمه (1) فلا إشكال في شي ء منها.

______________________________

(1) أقول: إن كان المستند لحرمة النقل كونه منافيا للفوريّة أو كونه تغريرا بالزكاة أو تعريضا لها للتلف صحّ ما ذكره المصنّف.

و أمّا إن استندنا فيه إلى الأخبار الماضية و لا سيّما قوله: «لا تحلّ» في صحيحة الحلبي فيمكن القول بعدم الجواز بل بعدم الصحة في المقام أيضا إذ ظاهر هذه الأخبار كون الزكاة حقّا لأهل بلدها فلا مجال لإعطائها لغيرهم و لو كان بالاحتساب عليهم أو إعطاء مال آخر و لم يصدق عنوان

النقل أصلا.

قال الشهيد الثاني في الروضة: «و أمّا نقل قدر الحقّ بدون النيّة فهو كنقل شي ء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقا فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على مستحقّيه مع وجودهم في بلده على القول بالمنع نظر: من عدم صدق النقل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 146

13- حكم نقل ما فيه الزكاة لو كان في غير بلده إلى بلده

الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف (1).

______________________________

الموجب للتغرير بالمال، و جواز كون الحكمة نفع المستحقّين بالبلد. و عليه يتفرع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره.» «1»

و الذي يسهّل الخطب أنّا اخترنا جواز النقل مطلقا و لكن مع الضمان.

(1) لما مرّ من جواز النقل مطلقا مع الضمان، و المقام من مصاديق تلك المسألة، إذ المراد بالبلد- على ما هو المستفاد من أدلّة المانعين- بلد المال لا بلد المالك.

قال في التذكرة: «إذا كان الرجل في بلد و المال في بلد آخر فالاعتبار بالمال، فإذا حال الحول أخرجها في بلد المال، و أمّا زكاة الفطرة فالاعتبار فيها ببلد المخرج لأن الفطرة تجب عنه و هو بمنزلة المال. و للشافعي في الفطرة و جهان: أحدهما: هذا.

و الثاني: الاعتبار ببلد المال أيضا لأنّ الإخراج منه كزكاة المال.» «2»

و راجع في هذا المجال المغني أيضا. «3»

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 2/ 40 (الروضة البهيّة 1/ 170، ط. الحجري).

(2)- التذكرة 1/ 244.

(3)- المغني 2/ 532

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 147

و لكن الأفضل صرفها في بلد المال (1).

______________________________

و ربّما يتوهّم أنّ المتيقّن من أدلّة المنع على القول به النقل من بلد المالك إلى غيره لا من غيره إليه، و لذا ترى المحقّق

في الشرائع مع تصريحه بعدم جواز أن يعدل بها إلى غير أهل البلد كما مرّ قال هنا: «و لو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها في بلد المال، و لو دفع العوض في بلده جاز، و لو نقل الواجب إلى بلده ضمن إن تلف.» «1» فصرّح بكون الصرف في البلد أفضل.

و وجّه هذا في الجواهر بأنّه لم يرد بغير الأفضل جواز النقل بل دفع العوض في البلد كما صرّح به. «2»

و يرد عليه أن المحقّق تعرّض بعد ذلك للضمان أيضا من دون أن يتعرّض لعدم الجواز. هذا.

و لكنّ الظاهر أنّ من قال بالمنع في المسألة السابقه كان عليه أن يقول به هنا أيضا لجريان الأدلّة بأجمعها.

(1) في الجواهر: «عند العلماء كافّة كما في المدارك، و هو الحجّة، مضافا إلى ما قيل من أنّه يدلّ عليه مع ذلك حسن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، إلّا أنه ليس بتلك المكانة، ضرورة عدم اقتضاء قسمته «ع» صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر المحافظة على البلد.» «3»

أقول: قد مرّ أنّ الظاهر من الحسنة و نحوها تقسيم صدقة كلّ بلد أو منطقة فيه و فيها لا صدقة البادية في البادية و لو كانت غيرها أو الحضر في الحضر و لو كان غيره فدلالة الأخبار على المدّعى واضحة، فتدبّر.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى 1/ 125).

(2)- الجواهر 15/ 437.

(3)- الجواهر 15/ 437.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 148

14- براءة ذمة المالك من الزكاة مع قبضها الفقيه بعنوان الولاية العامة

الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك (1). و إن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحقّ اشتباها.

______________________________

(1) أقول: قبض الفقيه للزكاة يتصوّر على وجوه:

الأوّل: أن يقبضها لنفسه

لكونه فقيرا أو غارما مثلا.

الثاني: أن يقبضها و كالة عن الفقير أو الغارم.

الثالث: أن يقبضها وكالة عن المالك ليوصلها إلى أهلها.

الرابع: أن يقبضها بعنوان الولاية العامّة على القول بها كما هو الحقّ بشرائطها.

و براءة ذمّة المالك في الأوّلين واضح.

و لعلّ الحكم في الثالث مبني على ضمان المالك إن أعطاها إلى غير أهلها أو عدم ضمانه إذ يد الوكيل يد الموكّل، فراجع المسألة الثالثة عشرة من فصل أصناف المستحقّين.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 149

..........

______________________________

و أما في الرابع، فالظاهر عدم الإشكال في براءة ذمّة المالك لأنّ قبض الفقيه حينئذ قبض المستحقّ بمقتضى ولايته.

و قد مرّ أن مقتضى التشريع الأوّلي في الزكاة و نحوها من الضرائب الإسلامية أن تجعل تحت اختيار وليّ الأمر فإذا أوصلها المالك إليه فقد عمل بوظيفته و خرج عن الضمان قهرا.

و قد يستدلّ لذلك أيضا بفحوى ما مرّ من أخبار عدم الضمان إن عزلها المالك من المال، ففي صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها.» «1»

بتقريب أنّ في إيصالها إلى الفقيه و قبضه لها إخراجا لها من ماله مع الزيادة فلا تكون مضمونة.

نعم لو سامح الفقيه في إيصالها إلى أهلها أو فرّط في حفظها كان الفقيه ضامنا لها بخلاف ما إذا عمل بوظيفته و لكن اتّفق الضياع لأنّه أمين للّه و للفقراء و لم يوجد منه تفريط و مسامحة فلا وجه لضمانه أيضا.

و إن شئت تفصيل المسألة فراجع ما حرّرناه في ذيل المسألة الثالثة عشرة من فصل أصناف المستحقّين. «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- كتاب الزكاة 2/ 397.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

150

15- إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن فعلى من تجب الأجرة؟

الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيّال و الوزّان على المالك لا من الزكاة (1).

______________________________

(1) 1- في قسمة الزكاة من المبسوط: «و إن احتيج إلى كيّال أو وزّان في قبض الصدقة فعلى من تجب؟ قيل فيه و جهان:

أحدهما: على أرباب الأموال لأنّ عليهم أيضا الزكاة كأجرة الكيّال و الوزّان في البيع على البائع.

و الآخر أنّه على أرباب الصدقات لأنّ اللّه- تعالى- أوجب عليهم قدرا معلوما من الزكاة فلو قلنا: إنّ الأجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب، و الأوّل أشبه.» «1»

2- و قال فيها بعد صفحة: «و يعطى الحاسب و الوزّان و الكاتب من سهم العاملين.» «2»

أقول: يبعد جدّا من مثل الشيخ أن يتهافت في الفتوى في كتاب واحد في قريب من صفحة واحدة.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 256.

(2)- المبسوط 1/ 257.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 151

..........

______________________________

فلعلّ محطّ نظره في العبارتين متفاوت: فالمقصود في العبارة الأولى من يتصدّى للوزن أو الكيل من قبل المالك لتخليص الزكاة من ماله، و هو محلّ كلامنا فعلا.

و المقصود في العبارة الثانية عمّال العامل الأصلي و إجراؤه و لا محالة تعطى أجرتهم من سهم العاملين.

و العامل كما يحتاج في عمله إلى محاسب و كاتب فربّما يحتاج إلى وزّان أيضا لتوزيع الزكوات أو تحويلها إلى بيت المال، بل في مرحلة القبض من المالك أيضا إذا فرض كونه متّهما عنده فلم يعتمد على قوله و وزنه. فتوهّم المعارضة في كلامي الشيخ كما يظهر من العلّامة في المختلف «1» في غير محلّه.

و بذلك يظهر أن نظر الشيخ في محل البحث كون الأجرة على المالك لا على الزكاة و إن نسب إليه في الجواهر و غيره كونها على

الزكاة.

3- و في الشرائع: «الرابعة: إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك و قيل: يحتسب من الزكاة، و الأوّل أشبه.» «2»

فأفتى هو أيضا بما أفتى به الشيخ من كونها على المالك، و يظهر من المدارك أنّ هذا فتوى الأكثر. «3»

و كيف كان فاستدلّوا على وجوبها على المالك بوجوب إيتاء الزكاة عليه فيجب عليه مقدمته أعني تعيينها بالكيل أو الوزن نظير وجوبهما على البائع مقدّمة لتسليم المبيع، و على المشتري مقدمة لتسليم الثمن.

و نوقش في ذلك كما في مصباح الهدى بعدم اقتضاء مجرّد وجوب العمل

______________________________

(1)- المختلف/ 191.

(2)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى/ 125).

(3)- المدارك/ 324 (ط. الجديد 5/ 278).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 152

..........

______________________________

على الشخص كون الخسارة أيضا عليه. ألا ترى أن الواجبات النظامية و الصنائع الضرورية للمجتمع واجبة بنحو الكفاية و مع ذلك تؤخذ الأجرة عليها. «1»

و بالجملة فقد يكون الواجب أصل إصدار العمل بنحو الإطلاق أعمّ من المجانية كما في الواجبات النظاميّة. و قد يكون الواجب العمل بقيد المجانية بحيث يعتبر العمل بالمعنى الاسم المصدري حقّا أو ملكا للّه أو للغير في عهدة هذا الشخص فلا يجوز له أخذ الأجرة عليه بل تكون الخسارات على عهدته.

و مسألة تسليم المبيع و الثمن من قبيل الثاني عند العقلاء فيرون تسليم المبيع حقّا للمشتري في عهدة البائع و تسليم الثمن حقّا للبائع في عهدة المشتري.

و لعلّ من هذا القبيل أيضا تجهيز الموتى فيعتبر حقّا لهم على الأحياء و لذا أفتى الأصحاب بعدم جواز أخذ الأجرة عليه.

و لكن لم يثبت كون إيتاء الزكاة و الضرائب الإسلامية أيضا من هذا القبيل، بل مقتضى القول بالشركة في باب الزكاة و الخمس أن تكون مئونة

إفراز حقّ أحد الشريكين على عهدة نفسه لكونه في طريق مصلحته، و ليس على الشريك الآخر إلّا عدم الحبس و عدم الحيلولة بينه و بين حقّه. هذا.

و استدلوا على عدم وجوب الأجرة على المالك بأصل البراءة.

و بأنّ الظاهر من إيجاب القدر المخصوص بعنوان الزكاة عدم وجوب غيره عليه.

و بأن جعل سهم للعاملين في باب الزكاة قرينة على أنّ مئونة الزكاة اعتبرت على نفسها فيخرج منها مئونة قبضها و نقلها و حفظها حتّى توصل إلى أهلها.

و بأن الزكاة أمانة في يد المالك، و وجوب أداء الأمانات لا يقتضي أزيد من رفع المانع و عدم الحيلولة بينها و بين صاحبها و لا سيّما إذا استلزم الإيصال

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 230.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 153

..........

______________________________

إلى صاحبها صرف نفقات كثيرة خارجة عن المتعارف.

و بأنّ الكيل و الوزن لإيصالها إلى أهلها من جملة سبل الخير فتخرج مئونتها منها من سهم سبيل اللّه.

و أجيب عن الأوّل: بأنّ الأصل لا يقاوم الدليل.

و عن الثاني: أولا: بأنّ إيجاب الزكاة لا يستلزم نفي وجوب غيرها.

و ثانيا: بأنّ أجرة النقل و الكيل و الوزن لا تكون واجبة في عرض الزكاة بل تجب بحكم العقل من باب المقدمة لأداء الواجب.

و عن الثالث: بأنّه استحسان محض.

و عن الرابع: بأنّ الظاهر من الكتاب و السنة إيجاب إيتاء الزكاة على المالك فليس المجعول شرعا مجرّد الشركة في الملك بل يكون مكلّفا بإيصالها إلى أهلها و على ذلك استقرت السيرة فيجب عليه مئونته.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 153

و عن الخامس: بأن المتيقّن من سبيل اللّه بقرينة جعله

في عرض سائر المصارف كما مرّ خصوص المصالح العامّة الاجتماعية لا كلّ خير و إلّا لعمّ جميع المصارف الثمانية. هذا.

و الأحوط لو لم يكن أقوى كونها على المالك وفاقا للأكثر لما مرّ من إيجاب الكتاب و السنة إيتاء الزكاة و توجيه الخطاب فيهما إلى الملّاك، و استقرار السيرة العملية على ذلك. و رفع الحوائل عن وضع المستحقّ يده على حقّه لا يمكن إلّا بإفراز المالك إيّاه من ماله بالكيل أو الوزن فيجب عليه ذلك مقدمة بحكم العقل من غير فرق بين كون التعلّق بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو حقّ من الحقوق أو التكليف المحض كما قيل. و ليس الوجوب المقدّمي الثابت بحكم العقل موجبا لصدق الزيادة على مقدار الواجب شرعا لعدم كونه في عرضه فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 154

16- حكم الإعطاء فيما إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد

السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيرا و عاملا و غارما مثلا جاز أن يعطى بكلّ سبب نصيبا (1).

______________________________

(1) 1- في المبسوط: «و إذا اجتمع لشخص واحد سببان يستحقّ بكلّ واحد منهما الصدقة مثل أن يكون فقيرا غارما أو فقيرا غازيا أو غارما جاز أن يعطى بسببين، و يجوز أن يعطى لسبب واحد.» «1»

2- و في التذكرة: «لو اجتمع لواحد سببان يستحقّ بكلّ واحد منهما سهما من الصدقات أو أكثر من سببين جاز أن يأخذ بهما و بالزائد عند علمائنا و هو أحد قولي الشافعي ....

و قال في الآخر: لا يجوز الأخذ بل تخيّر في الأخذ بأيّهما شاء لأن قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» يقتضي تغايرهما فإن كلّ صنف غير الصنف الآخر.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 259.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 155

..........

______________________________

و لا حجة فيه لعدم

دلالة الآية على تضادّهما، و لأنّ التقدير اجتماعهما و كلّ منهما علة فيقتضي معلوله و هو الاستحقاق.» «1»

أقول: ظاهر عبارة التذكرة كون المسألة إجماعية عندنا و لكن لا يخفى أن المسألة ليست من المسائل الأصليّة المتلقّاة عن الأئمة «ع» و ليست معنونة في الكتب المعدّة لنقل هذه المسائل بل هي من المسائل التفريعيّة الاستنباطيّة التي أعمل فيها الاجتهاد و في مثلها لا يفيد الشهرة و لا الإجماع.

و ربّما يقال: إن عنوان هذه المسألة في كلام الأصحاب مبني على وجوب البسط على الأصناف، و ربّما يؤيّد ذلك عنوان الشافعي لها و هو كان ممّن يوجب البسط عليهم كما مرّ.

و لكن يمكن أن يقال بظهور الثمرة مع استحباب البسط أيضا و كذا في النذر و فيما إذا خرج الشخص بإعطائه من سهم عن استحقاقه لهذا السهم و لكن بقي فيه الاستحقاق من سهم آخر مثل أن يكون فقيرا مثلا فأعطي بقدر حاجته ثم احتجنا إليه للعمالة فاتخذناه عاملا أو كان عاملا فأعطي حقّ عمالته بالمقدار المتعارف و لكن ظهر كونه غارما أو أراد الحج أو الجهاد فاحتاج إلى مئونة زائدة.

3- و في الشرائع: «الخامسة: إذا اجتمع للفقير سببان أو ما زاد يستحقّ بهما الزكاة كالفقر و الكتابة و الغزو، جاز أن يعطى بحسب كلّ سبب نصيبا.» «2»

4- و ذيّله في المدارك بقوله: «كان الأولى أن يقول: إذا اجتمع للمستحقّ سببان ليعمّ الفقير و غيره، و لا ريب في جواز الدفع إلى من هذا شأنه بكلّ من الأسباب.» «3»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

(2)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

(3)- المدارك 324 (ط. الجديد 5/ 279).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 156

..........

______________________________

أقول: صاحب المدارك ادّعى عدم الريب في الجواز

و لكن لم يصرّح بجواز الإعطاء بأزيد من سبب واحد.

5- و في المغني: «و إن اجتمع في واحد أسباب تقتضي الأخذ بها جاز أن يعطى بها، فالعامل الفقير له أن يأخذ عمالته فإن لم تغنه فله أن يأخذ ما يتمّ به غناه ...» «1»

و كيف كان فالحكم في المسألة واضح إذ المفروض اندراج الشخص في الصنفين مثلا فيستحقّ بكلّ منهما.

ألا ترى أنّه لو ترتب حكم على عنوان العالم مثلا و آخر على عنوان الهاشمي فانطبقا على شخص واحد فلا محالة ينطبق عليه الحكمان إذ الموضوع جالب لحكمه و بمنزلة العلّة له كما مرّ من التذكرة.

و لكن ناقش في ذلك صاحب الحدائق قال: «لا يخفى أنّ المتبادر من الآية إنّما هو الشائع المتكثّر من تعدّد هذه الأفراد، و لهذا صارت أصنافا ثمانية باعتبار مقابلة كلّ منها بالآخر.

و أيضا فإنّه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه و يزيده على غناه فكيف يعطى من حيث الغرم و الكتابة المشروطين- كما تقدم- بالعجز عن الأداء. و بالجملة فالحكم عندي محلّ توقّف لعدم الدليل عليه.» «2»

أقول: و يرد على الأوّل: أنّ التبادر من الآية ممنوع، و الكثرة الخارجيّة لا توجب عدم حجيّة المطلق في الأقل.

______________________________

(1)- المغني 2/ 518.

(2)- الحدائق 12/ 251.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 157

..........

______________________________

و على الثاني: أنّه يمكن فرض ارتفاع أحد الموضوعين بالإعطاء و بقاء الآخر بحاله كما مرّ.

نعم لو نذر بصيغة واحدة أن يعطي دينارا لعالم و آخر لهاشمي أمكن في مثله دعوى الانصراف عن إعطائهما لشخص واحد بعنوانين، بخلاف ما إذا ثبت حكمان لموضوعين كلّيين من دون أن يكون أحدهما ناظرا إلى الآخر و مقيّدا له فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 158

17- حكم إرث المملوك المشترى من الزكاة إذا لم يكن له وارث

السابعة

عشرة: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة دون الإمام- عليه السلام- (1).

______________________________

(1) إذا مات المملوك المعتق من الزكاة و لم يكن له وارث فهل تكون تركته لأرباب الزكاة مطلقا فتكون بمنزلة نفس الزكاة كما هو ظاهر المصنّف تبعا للشيخ و الأكثر، أو لخصوص الفقراء كما هو ظاهر المفيد أو يرثه الإمام لأنّه وارث من لا وارث له كما هو ظاهر الإرشاد و القواعد و الإيضاح أو يفصّل بين الموارد؟

في المسألة وجوه بل أقوال، و قد تعرّض لها بعض الأصحاب بالتفصيل و لكن لما خرجت المسألة في أعصارنا عن محلّ الابتلاء نتعرّض لها من دون تطويل فنقول:

1- قال الشيخ في النهاية: «فإذا لم تجد مستحقّا للزكاة و وجدت مملوكا يباع جاز لك أن تشتريه من الزكاة و تعتقه فإن أصاب بعد ذلك مالا و لا وارث له كان ميراثه لأرباب الزكاة.» «1»

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 159

..........

______________________________

أقول: قد مرّ في بحث الرقاب أنّهم ثلاثة أصناف: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة، و العبد تحت الشدة، و مطلق العبد مع عدم وجود المستحقّ للزكاة.

و كلام المصنّف هنا مطلق، و كلام الشيخ يرتبط بالصنف الثالث فقط.

و لأحد أن يفصّل في المسألة فيقول: إنّ العبد في الصنفين الأوّلين يشترى من سهم الرقاب فاشتري بماله لا بمال غيره فيكون بمنزلة العبد السائب ليس عليه ولاء عتق فيكون ميراثه للإمام.

و أمّا في الصنف الثالث فكأنّه اشتري بمطلق الزكاة فيكون ولاؤه لمن أعتقه أعني أرباب الزكاة كما هو ظاهر النهاية.

2- و في الانتصار: «و ممّا ظنّ انفراد الإمامية به إجازتهم أن يشترى من مال الزكاة المملوك فيعتق و يقولون: إنّه متى

استفاد المعتق مالا ثمّ مات فماله لأهل الزكاة لأنّه اشتري من مالهم، و قد روي عن مالك و أحمد بن حنبل مثل هذا القول الذي حكيناه و روي عن ابن عبّاس أنّه قال: أعتق من زكاتك.

فأمّا باقي الفقهاء من أبي حنيفة و الشافعي و غيرهما فعندهم أنّه لا يجوز العتق من الزكاة. دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ...» «1»

أقول: هل الإجماع في كلامه يرجع إلى جميع ما ذكره أو إلى خصوص جواز العتق من الزكاة؟ و لعل الثاني أظهر و لا يخفى أنّ المخالف يحمل الرقاب في الآية على خصوص المكاتب.

و كيف كان فظاهر كلام السيّد أيضا أنّ تركته لمطلق أرباب الزكاة.

3- و في المقنعة بعد ذكر الصنفين الأخيرين من الرقاب قال: «فإن استفاد المعتق بعد ذلك مالا و توفّي و لا وارث له كان ما ترك من المال للفقراء و المساكين

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 113 (طبعة أخرى/ 155).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 160

..........

______________________________

من المؤمنين لأنّه إنّما اشتراه بحقّهم من الزكاة.» «1»

أقول: لعلّه ذكر الفقراء و المساكين من باب المثال كما يشعر بذلك تعليله.

و الظاهر كونه ناظرا إلى موثقة عبيد الآتية.

4- و في الشرائع: «الثالثة: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة. و قيل: بل يرثه الإمام و الأوّل أظهر.» «2»

أقول: كلامه يشمل الأصناف الثلاثة.

5- و في المعتبر: «السادسة: لو مات العبد المبتاع من الزكاة و لا وارث له فماله لأرباب الزكاة و عليه علماؤنا، و حجّتهم ما رواه عبيد بن زرارة ....

و يمكن أن يقال: تركته للإمام لأنّ الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة لأنّه أحد مصارفها فيكون كالسائبة، و تضعّف الرواية

بأنّ في طريقها ابن فضال و هو فطحي و عبد اللّه بن بكير و فيه ضعف غير أنّ القول بها عندي أقوى لمكان سلامتها عن المعارض و إطباق المحقّقين منا على العمل بها.» «3»

6- و في المنتهى: «العبد المبتاع من مال الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة ذهب إليه علماؤنا لأنّه اشتري من مال الزكاة ...» «4»

أقول: ظاهر المعتبر و المنتهى إجماع أصحابنا على كونه لأرباب الزكاة مطلقا من غير فرق بين الأصناف الثلاثة.

7- و قال العلّامة في الإرشاد: «و لو مات من أعتق من الزكاة و لا وارث له

______________________________

(1)- المقنعة/ 42.

(2)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 125).

(3)- المعتبر/ 284.

(4)- المنتهى 1/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 161

..........

______________________________

فميراثه للإمام على رأي.» «1»

و نحوه في القواعد، و في الإيضاح أنّه أولى. «2» هذا.

و بما حكيناه من الكلمات يظهر أنّ ما ذكره المصنّف هو المشهور بين أصحابنا بل ظهر من بعضها ادعاء الإجماع عليها.

و الأصل في المسألة روايتان:

الأولى: موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟

قال: نعم لا بأس بذلك. قلت: فإنّه لمّا أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف فأصاب مالا (كثيرا) ثمّ مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟

قال: «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة لأنّه إنّما اشتري بمالهم.» «3»

الثانية: ما رواه في العلل بسند صحيح عن أيوب بن الحرّ قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مملوك يعرف هذا الأمر

الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال: فقال: اشتره و أعتقه. قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال:

ميراثه لأهل الزكاة لأنّه اشتري بسهمهم. قال: و في حديث آخر: بمالهم. «4»

و أكثر فقهائنا تمسكوا بموثقة عبيد و لعلّه لذكرها في الكافي و التهذيب، و صحيحة أيوب بن الحرّ لم تذكر في الكتب الأربعة.

و في المستمسك تمسّك بهما ثمّ قال: «و مقتضى الأوّل و إن كان اختصاص

______________________________

(1)- مجمع الفائدة 4/ 226.

(2)- القواعد 1/ 59؛ إيضاح الفوائد 1/ 207.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 162

..........

______________________________

الولاء بالفقراء إلّا أنّ التعليل فيه بأنّه اشتري بمالهم موجب لحمله على إرادة أرباب الزكاة- و لو بقية الأصناف- لحكومة التعليل كما في سائر الموارد فيكون ذكر الفقراء لأنهم العمدة في المصرف لا لخصوصيّة فيهم كما هو الحال في النصوص المتضمّنة أن الزكاة للفقراء. بل مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي جواز صرفه في الرقاب أيضا فيكون الولاء من نتائج الزكاة فيجري عليه حكمه.» «1»

أقول: ما ذكره متين، و حمل التعليل على الحكمة لا العلّة خلاف الظاهر جدّا.

و يشهد للتعميم العموم في الصحيحة. و الظاهر أنّ الشراء كان بعنوان مصرف الرقاب لا بعنوان سبيل اللّه أو الفقراء.

نعم مورد الموثقة خصوص الصّنف الثالث من الرقاب و لكنّ التعليل يوجب التعميم.

و في الدروس بعد الإشارة إلى الموثقة قال: «و فيه إيماء إلى أنّه لو اشتري من سهم الرقاب لم يطرد الحكم إذا اشتري بنصيبه لا بمال غيره فيرثه الإمام.» «2»

أقول: ليس في الموثقة أنّه اشتري بسهم الفقراء بل الظاهر اشتراؤه بسهم

الرقاب أو بمطلق الزكاة، و الزكاة عندنا حقّ وحدانيّ و مصرفه الأصناف الثمانية و لا يتعيّن فيها التسهيم و البسط فكذلك في نتيجتها أعني الميراث في المقام.

و لكن في الجواهر: «و التحقيق كون الإرث للفقراء، و هم أرباب الزكاة لما عرفت من كونهم المعظم في مصرفها، بل و مشروعيّتها.» «3»

أقول: كونهم المعظم في مصرفها و مشروعيتها لا يوجب الحصر فيهم

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 330.

(2)- الدروس/ 63.

(3)- الجواهر 15/ 446.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 163

و لكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط (1).

______________________________

و المال مال للجميع لا لصنف خاصّ. و ظاهر الصحيحة و كذا كلمات الأصحاب التعميم كما عرفت.

(1) لكونهم الأصل و القدر المتيقّن من مصرف الزكاة، و لذكرهم بالخصوص في الموثقة، و لكونهم الحائط للقولين أو الأقوال في المقام إذ على فرض كونه للإمام فالأحوط فيه صرفه في خصوص الفقراء كما مرّ بحثه في باب الأنفال.

و لكن إن أريد الاحتياط التامّ فالأحوط الاستجازة من الحاكم الشرعي في صرفه فيهم إذ المرجع في مال الإمام في عصر الغيبة هو الحاكم، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 164

18- حدّ ما يدفع من الزكاة قلة و كثرة

الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا اعطي دفعة فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه (2).

و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصا في المحترف الّذي لا تكفيه حرفته.

نعم لو اعطي تدريجا فبلغ مقدار مئونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق.

______________________________

(2) قد تعرّض المصنّف هنا لمسألتين:

الأولى: أكثر ما يدفع لفقير واحد.

الثانية: أقل ما يدفع له.

و تعرّض سابقا في المسألة الثانية من فصل أصناف المستحقين للمسألة الأولى. و نحن تعرّضنا هناك لكلتا

المسألتين بالتفصيل فراجع المجلد الثاني من زكاتنا المطبوعة. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 325 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 165

و الأقوى أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضا من غير فرق بين زكاة النقدين و غيرهما.

و لكن الأحوط عدم النقصان عمّا في النصاب الأوّل من الفضّة في الفضّة و هو خمس دراهم، و عمّا في النصاب الأوّل من الذهب في الذهب و هو نصف دينار، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضا.

و أحوط من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس، ففي الغنم و الإبل لا يكون أقلّ من شاة. و في البقر لا يكون أقلّ من تبيع. و هكذا في الغلّات يعطى ما يجب في أوّل حدّ النصاب.

______________________________

و لا يترك الاحتياط في المسألة الأولى بالاقتصار على مئونة السنة، و في المسألة الثانية بعدم النقص عن خمسة دراهم عينا أو قيمة في جميع الأجناس التسعة إلّا إذا كان الواجب عليه أقلّ من ذلك كما إذا حال الحول على النصاب الثاني بعد ما أدّى فرض النصاب الأوّل، فتأمّل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 166

19- حكم دعاء الفقيه ... لمالك الزكاة

اشارة

التاسعة عشرة: يستحبّ للفقيه أو العامل أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الّذي يقبض بالولاية العامّة (1).

[معنى الصلاة على المزكي]

______________________________

(1) أقول: قال اللّه- تعالى- في سورة التوبة مخاطبا لنبيّه «ص»: «خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم و تزكّيهم بها، و صلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم، و اللّه سميع عليم.» «1» فأمره بالصلاة عليهم.

1- قال الراغب في المفردات: «و الصلاة قال كثير من أهل اللغة هي الدعاء و التبريك و التمجيد، يقال: صلّيت عليه أي دعوت له و زكّيت ...» «2»

2- و في أمّ الشافعي: بعد ذكر الآية قال: «و الصلاة عليهم: الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم.» «3»

3- و في الدرّ المنثور: «أخرج ابن أبي شيبة و البخاري و مسلم و أبو داود

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- مفردات الراغب/ 285 (طبعة أخرى/ 293).

(3)- أمّ الشافعي 2/ 51، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 167

..........

______________________________

و النسائي و ابن ماجة و ابن المنذر و ابن مردويه عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال:

كان رسول اللّه «ص» إذا أتي بصدقة قال: «اللّهم صلّ على آل فلان» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللّهم صلّ على آل أبي أوفى.» «1»

و رواه البيهقي بسنده عن عبد اللّه بن أبي أوفى ثمّ روى رواية أخرى عنه:

أنّ النبي «ص» كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللّهم صلّ عليهم.» «2»

أقول: يظهر من الآية و الرواية جواز الدعاء لغير النبي «ص» أيضا بلفظ الصلاة و إن منع ذلك كثيرون كما يأتي.

4- و في عوالي اللئالي: «و في الحديث أنّه لمّا نزل قوله- تعالى-:

«وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ» و أمر «ص» الصحابة بأداء الزكاة

و دفعها إليه، فأوّل من امتثل و أحضر الزكاة رجل اسمه أبو أوفى فدعا له النبي «ص» فقال: «اللّهم صلّ على أبي أوفي و آل أبي أوفى.» «3»

5- و في سنن البيهقي بسنده عن وائل بن حجر عن النبي «ص» أنّه بعث إلى رجل فبعث إليه بفصيل مخلول فقال رسول اللّه «ص»: «جاءه مصدّق اللّه و مصدّق رسوله فبعث بفصيل مخلول، اللّهم لا تبارك فيه و لا في إبله.» فبلغ ذلك الرجل فبعث إليه بناقة من حسنها و جمالها فقال رسول اللّه «ص»: «بلغ فلانا ما قال رسول اللّه فبعث بناقة من حسنها، اللّهم بارك فيه و في إبله.» «4»

أقول: في النهاية: «و فيه: أنّه أتي بفصيل مخلول أو محلول. أي مهزول، و هو الذي جعل على أنفه خلال لئلّا يرضع أمّه فتهزل ... و منه يقال لابن المخاض

______________________________

(1)- الدّر المنثور 3/ 275.

(2)- سنن البيهقي 4/ 157، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة ...

(3)- عوالي اللئالى 2/ 232، باب الزكاة، الحديث 19.

(4)- سنن البيهقي 4/ 157، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 168

..........

______________________________

خلّ لأنّه دقيق الجسم.» «1»

[هل كان هذا واجب أو مستحب؟]

و بالجملة فالنبي «ص» أمر بالدعاء لهم و كان يدعو لهم فلا إشكال في ذلك إجمالا و إنّما الإشكال في أنّه هل كان هذا بنحو الوجوب أو الاستحباب؟

و على أيّ تقدير فهل كان هذا من خصائصه «ص» أو يتأسّى به الإمام و الفقيه بل الفقير أيضا؟

و هل يتعيّن الدعاء بلفظ الصلاة أو يكفي بأيّ لفظ كان؟

6- قال الشافعي في الأمّ بعد العبارة السابقة: «فحقّ على الوالي إذا أخذ صدقة امرئ أن يدعو له، و أحبّ

إليّ أن يقول: «آجرك اللّه فيما أعطيت و جعلها لك طهورا و بارك لك فيما أبقيت.» و ما دعا له به أجزأه إن شاء اللّه.» «2»

أقول: فظاهره إسراء الحكم إلى الوالي أيضا و لم يتعرّض للفقير، و ظاهره الاستحباب لا الوجوب، فتأمّل.

و العلّامة في التذكرة أيضا ذكر عين الدعاء الذي ذكره الشافعي. «3» و لعلّه أخذه منه.

7- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 5): «إذا أخذ الإمام صدقة الأموال يستحبّ له أن يدعو لصاحبها و ليس بواجب عليه ذلك، و به قال جميع الفقهاء إلّا داود فإنّه قال: ذلك واجب عليه.

دليلنا: أنّ الأصل براءة الذمّة، و إيجاب ذلك عليه يحتاج إلى دليل.

______________________________

(1)- نهاية ابن الأثير 2/ 73.

(2)- الأمّ للشافعي 2/ 51، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الزكاة.

(3)- التذكرة 1/ 247.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 169

..........

______________________________

و قوله- تعالى-: «وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ» محمول على الاستحباب الذي ذكرناه.» «1»

8- و في قسمة الصدقات من المبسوط: «فإذا أخذ الإمام صدقة المسلم دعا له استحبابا لقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.» و ذلك على الاستحباب.» «2»

أقول: فهو- قدّس سرّه- في كتابيه حمل الآية على الاستحباب و أسرى حكمها إلى الإمام أيضا فكأنّه فهم من الآية أنّ الحكم كان ثابتا له «ص» بما أنّه كان قائدا للمسلمين و إماما لهم، و بذلك يمكن القول بإسرائه إلى الفقيه المتصدي للولاية العامّة أيضا و يقتضيه إطلاق آية التأسي أيضا.

و أمّا إسراؤه إلى الفقير فمشكل و لا سيّما بملاحظه التعليل المستفاد من الآية، فتأمّل.

9- و لكن في زكاة الخلاف (المسألة 154): «على الإمام إذا أخذ الزكاة أن يدعو

لصاحبها و به قال داود. و قال جميع الفقهاء: إنّ ذلك مستحبّ غير واجب. دليلنا قوله- تعالى-: خذ من أموالهم صدقة إلى قوله: و صلّ عليهم.

و هذا أمر يقتضي الوجوب.» «3»

10- و في الشرائع: «إذا قبض الزكاة دعا لصاحبها وجوبا، و قيل:

استحبابا و هو الاشهر.» «4»

11- و يظهر من المحقق في المعتبر أيضا اختيار الوجوب عملا بظاهر الأمر في الآية. «5»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 347.

(2)- المبسوط 1/ 244.

(3)- الخلاف 1/ 323.

(4)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

(5)- المعتبر/ 284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 170

..........

______________________________

12- و في المسالك: «وجوب الدعاء هو الأجود عملا بظاهر الأمر.» ثمّ قال:

«و اختاره المصنّف في المعتبر و أكثر المتأخّرين عنه، و كذا يجب على نائبه خصوصا و عموما كالسّاعي و الفقيه دون الفقير بل يستحبّ.» «1»

13- و في الدروس: «و يجب على الإمام الدعاء لصاحبها عند الأخذ، و قيل:

يستحبّ.» «2»

14- و قال العلّامة في الإرشاد: «و يدعو الإمام أو السّاعي إذا قبضها وجوبا على رأي.» «3»

15- و لكنّه في المنتهى و القواعد و المختلف قوّى الاستحباب و لعلّه الظاهر من التذكرة أيضا. «4»

قال في المنتهى: «و إذا قبض الإمام أو السّاعي الزكاة دعا لصاحبها إجماعا لقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ.»

و روي عن رسول اللّه «ص» أنّه كان إذا أتي الصدقة قال: «اللّهم صلّ على آل فلان.»

و هل هذا الدعاء واجب؟ الأقرب الاستحباب و به قال الشافعي. و قال داود الظاهري: إنّه الواجب، و للشيخ قولان. لنا الأصل عدم الوجوب، و ما نقل عن النبي «ص» أنّه لما أنفذ معاذ و علّمه فقال: «أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم لتوضع في

فقرائهم.» و لم يأمره بالدعاء و لو كان واجبا لم يخلّ به، و لأنّه غير واجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى.» «5»

______________________________

(1)- المسالك 1/ 62.

(2)- الدروس/ 64.

(3)- مجمع الفائدة 4/ 216.

(4)- القواعد 1/ 59؛ و المختلف/ 188؛ و التذكرة 1/ 242 و 247.

(5)- المنتهى 1/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 171

[المسألة ذات قولين عند أصحابنا]

______________________________

أقول: قد ظهر بما ذكرنا أن المسألة ذات قولين عند أصحابنا. و يظهر من الجميع أنّهم لم يحتملوا كون الحكم من خصائص النبيّ فتعرّض الجميع لحكم الإمام، فكأنّهم فهموا من الآية، أنّ الحكم كان ثابتا له بما أنّه كان إماما للمسلمين.

و إذا فرض إسراء الحكم إلى الإمام فالظاهر إسراؤه إلى الفقيه المتصدّي للولاية العامّة أيضا بمقتضى النيابة. و ظاهر الأمر الوجوب و دلّت الأخبار على استقرار سيرة النبي «ص» على ذلك، فأصالة الاشتراك في التكليف و إطلاق آية التأسّي يقتضيان الوجوب على الإمام و الفقيه أيضا، و أصل البراءة لا يقاوم الدليل.

و بهذا البيان يظهر الإشكال على ما في المدارك «1»، من أن البحث في وجوب ذلك على النبي و الإمام و استحبابه خال من الفائدة، فتدبّر.

و في الجواهر: «إنّ المتّجه الوجوب عملا بظاهر الأمر بالصلاة عليهم.»

ثمّ قال: «و دعوى اختصاص ذلك بالنبي «ص» و الإمام «ع» لظهور التعليل فيه إذ هما الذي يسكن المرء إلى دعائهما و تطمئنّ به نفسه لمعلوميّة استجابة دعائهما بخلاف غيرهما.

يدفعها معلومية عدم كون المراد من التعليل دوران الحكم مداره وجودا و عدما.

بل ربّما ظهر من المحكيّ عن بعضهم إشعاره بالوجوب لأنّه استدلّ عليه أوّلا، بظاهر الصيغة، و ثانيا، بالعطف على «خُذْ» و ثالثا، لتعليله بأنّ فيه لطفا للمكلّف، و اللطف واجب فالموصل إليه مثله، ضرورة

عدم التفاوت في اللطف بين النبي «ص» و نائبه الخاصّ أو العام.» «2»

______________________________

(1)- المدارك/ 325 (- الطبعة الجديدة 5/ 284).

(2)- الجواهر 15/ 454.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 172

..........

______________________________

أقول: العمدة ظهور الأمر في الوجوب و سيرة النبي «ص» بضميمة أدلّة التأسّي، و أمّا عطف الأدب المندوب على الواجب فغير عزيز في الشرع، و لا دليل على وجوب كلّ لطف. و البعض المحكيّ عنه هو الفاضل المقداد في كنز العرفان. هذا.

[استدلّ القائلون بعدم الوجوب بوجوه]

و استدلّ القائلون بعدم الوجوب بوجوه:

الأوّل: الأصل.

الثاني: أنّه لا يحب على الفقير إجماعا كما قيل، و لأنّه لو وجب عليه لبان و ظهر لشدّة الابتلاء به فعدم الوجوب على نائبه أولى.

الثالث: أنّ أمير المؤمنين «ع» لم يأمر ساعيه الذي أنفذه إلى بادية الكوفة بذلك مع اشتمال وصيّته له على كثير من الآداب و السنن، فراجع الوسائل. «1»

الرابع: ما مرّ من المنتهى من أنّ النبي «ص» لم يأمر معاذا بذلك حين أنفذه إلى اليمن و أمره بأخذ الصدقة و لو كان واجبا لم يخلّ به.

الخامس: صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: بعثت إلى الرضا «ع» بدنانير من قبل بعض أهلي، و كتبت إليه أخبره أن فيها زكاة خمسة و سبعين، و الباقي صلة فكتب بخطّه: قبضت.» «2» حيث لم يتعرّض الحديث لدعائه «ع».

السادس: ما مرّ في كلام الجواهر من أنّ التعليل في الآية يختص بالنبي و الإمام المعصوم حيث إنّ السكونة تحصل بدعائهما دون غيرهما فلا يجب الدعاء على الفقيه.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 88، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام.

(2)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 173

..........

______________________________

أقول: يرد على الوجه الأوّل: أن الأصل لا يقاوم الدليل

من ظهور الآية و غيره.

و على الوجه الثاني: أنّ أخذ النبي «ص» و الإمام و الفقيه ليس بعنوان النيابة عن الفقير، بل الحاكم هو الأصل في أخذ الضرائب، و الفقير أحد من المصارف المتعدّدة. و السكونة التي تحصل للمالك بسبب دعاء الحاكم الحاكي عن اعتنائه به مع رفعة شأنه لا تحصل قطعا بدعاء فقير عاديّ، فتدبّر.

و عن الوجه الثالث: بأنّ عدم ذكر الدعاء في الوصية المنقولة لا يدلّ على عدم وجوبه كما لم يذكر فيها كثير من الواجبات و الآداب الأخر، و لعلّ الدعاء كان أمرا متعارفا معلوما لا يحتاج إلى بيان. و بذلك يظهر الجواب عن الوجه الرابع أيضا.

و عن الوجه الخامس: بعدم دلالة الصحيحة على عدم دعاء الإمام «ع» حين القبض، مضافا إلى وجود الفرق بين حضور المالك و عدمه، و السكونة التي تحصل حين الحضور أقوى و أشدّ.

و عن الوجه السادس: بأنّ السكونة تحصل باعتناء الحاكم و تقديره مع رفعة شأنه و لا تنحصر في العلم باستجابة الدعاء.

و بما ذكرناه يظهر أنّ الاحوط لو لم يكن أقوى عدم ترك الفقيه المتصدّي للولاية العامّة لذلك، فتدبّر.

[بقي هنا أمران]
اشارة

بقي هنا أمران:

[الأول: هل يستحبّ ذلك على الفقير؟]

الأول: قد مرّ دعوى الإجماع على عدم الوجوب على الفقير مضافا إلى أنّه لو وجب لبان.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 174

..........

______________________________

و هل يستحبّ له؟ قال في المدارك: «لا ريب في استحباب الدعاء للجميع.» «1»

و في الحدائق: «ظاهر الأصحاب استحباب ذلك. و فيه أنه من حيث التوقيف في المقام مشكل لعدم الدليل و إن كان الدعاء للمؤمنين مستحبّا بقول مطلق.» «2»

أقول: إن قلنا بدلالة أخبار من بلغ على استحباب الفعل و قلنا بكفاية الفتوى في صدق البلوغ فهو و إلّا فيشكل الإفتاء باستحبابه بالخصوص لعدم الدليل عليه، و تقريب الآية بنحو يشمله يرجع إلى التفسير بالرأي.

[الأمر الثاني: الدعاء لهم بلفظ الصلاة أو غيره]

الأمر الثاني: في كنز العرفان: «دلّت الآية الكريمة دلالة صريحة على لفظ الصلاة و فعله النبي «ص» في حقّ أبي أوفى لما أتاه بصدقته فقال: «اللّهم صلّ على أبي أوفى و على آل أبي أوفى» كما نقل العامّة في الصحيحين فيكون جائزا، نعم يجوز الدعاء بلفظ آخر غير الصلاة للترادف و لعدم القائل بالمنع.

و منع أكثر العامّة من لفظ الصلاة بل يقول: «آجرك اللّه فيما أعطيت و بارك لك فيما أبقيت» و نحوه.» «3»

أقول: يرجع كلامه- قدّس سرّه- إلى بيان مسألتين:

الأولى: هل يجوز الدعاء لهم بلفظ الصلاة أم لا؟ الثانية: هل يتعيّن هذا أو يجوز بغير لفظ الصلاة أيضا؟

أمّا المسألة الأولى فنقول: لا إشكال عندنا في جوازه و يدلّ عليه مضافا إلى ما ذكره بعض الآيات و الروايات الآتية. و المخالف في ذلك بعض علماء السنّة

______________________________

(1)- المدارك/ 325 (- الطبعة الجديدة 5/ 284).

(2)- الحدائق 12/ 251.

(3)- كنز العرفان 1/ 229.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 175

..........

______________________________

و يظهر منهم أنّهم أرادوا بذلك نقض اعتقاد الشيعة في جواز الصلاة على

أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين من أهل بيته. عصمنا اللّه- تعالى- من الأهواء و التعصبات الباطلة.

ففي تفسير القرطبي نسب الجواز إلى قوم منهم و المنع إلى آخرين ثمّ قال:

«قالوا فلا يجوز أن يصلى على أحد إلا على النبي «ص» وحده خاصة لأنه خصّ بذلك، و استدلّوا بقوله- تعالى-: «لٰا تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ...» و بأنّ عبد اللّه بن عبّاس كان يقول: لا يصلّى على أحد إلّا على النبي «ص»، و الأوّل أصح ....

و قد روى جابر بن عبد اللّه قال: أتاني النبي «ص» فقلت لامرأتي لا تسألى رسول اللّه «ص» شيئا فقالت: يخرج رسول اللّه «ص» من عندنا و لا نسأله شيئا! فقالت: يا رسول اللّه: صلّ على زوجي، فقال رسول اللّه «ص»: صلّى اللّه عليك و على زوجك.» «1»

و في تفسير الإمام الرازي: «إنّ أصحابنا يمنعون من ذكر «صلوات اللّه عليه، و عليه الصلاة و السلام» إلّا في حقّ الرسول. و الشيعة يذكرونه في عليّ و أولاده و احتجّوا بأنّ نصّ القرآن دلّ على أن هذا الذكر جائز في حقّ من يؤدّي الزكاة فكيف يمنع ذكره في حقّ عليّ و الحسن و الحسين- رضي اللّه عنهم-.» «2»

و في تفسير سورة الأحزاب من الكشّاف: «فإن قلت: فما تقول في الصلاة على غيره «ص»؟ قلت: القياس جواز الصلاة على كلّ مؤمن لقوله- تعالى-:

«هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» و قوله- تعالى-: «وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.».

______________________________

(1)- تفسير القرطبي 8/ 249.

(2)- تفسير فخر الرازي 3/ 512.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 176

..........

______________________________

و قوله «ص»: «اللّهم صلّ على آل أبي أوفى» و لكن للعلماء تفصيلا في ذلك و هو أنّها إن كانت على سبيل

التبع كقولك: صلّى اللّه على النبيّ و آله فلا كلام فيها، و أما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه، لأنّ ذلك صار شعارا لذكر رسول اللّه «ص» و لأنّه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض و قال رسول اللّه «ص»:

من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهم.» «1»

أقول: و يدلّ على الجواز مضافا إلى ما ذكر قوله- تعالى-: «أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ.» «2»

فانظر إلى الاعتذارات الواهية في قبال الحجج القاطعة الدامغة من الكتاب و السنة.

المسألة الثانية: هل يتعيّن الدعاء بلفظ الصلاة أو يكفي غيره؟ قد يقال بالتعيّن لتبادره من الأمر بها. كالأمر بالتسبيح و التحميد و نحوهما. لكن المعروف كما في الجواهر عدمه، و عرفت من كنز العرفان عدم القائل بالتعين و لو تعيّن لبان و اشتهر، و الصلاة في اللغة بمعنى الدعاء و هو عامّ، و الشكّ في التقيّد و التعيّن مجرى لأصل البراءة.

و قد مرّ من الشافعي و العلّامة في التذكرة دعاء لا يشتمل على لفظ الصلاة و إن لم نعثر على مدركه، و التعليل في الآية أيضا يقتضي التعميم، و هذا هو الأقوى و إن كان الأحوط رعاية لفظ القرآن و فعل النبي «ص»، فتدبّر.

______________________________

(1)- تفسير الكشّاف 3/ 273.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 157.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 177

20- حكم طلب تملك المالك لما أخرجه في الصدقة

اشارة

العشرون: يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة (1).

[يكره للإنسان أن يشتري ما أخرجه من الصدقة]

______________________________

(1) 1- في زكاة الخلاف (المسألة 136): «يكره للإنسان أن يشتري ما أخرجه من الصدقة و ليس بمحظور، و به قال أبو حنيفة و الشافعي. و قال مالك: البيع مفسوخ. دليلنا: قوله- تعالى-: «وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا» و هذا بيع فمن ادّعى فسخه فعليه الدلالة.» «1»

2- و في المبسوط: «و يكره أن يشتري الإنسان ما أخرجه في الصدقة و ليس بمحظور و إن اشتراه كان شراؤه صحيحا.» «2»

3- و في المعتبر: «الثانية: يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا و لا بأس بعوده إليه بميراث و شبهه، و هو قول علمائنا أجمع و به قال الشافعي و أبو حنيفة.

و قال أحمد: لا يجوز و لو اشتراها لم يصحّ لما روي عن عمر قال: حملت على فرس في سبيل اللّه و أردت ابتياعه فسألت رسول اللّه «ص» فقال: لا تبتعه و لا تعد

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 319.

(2)- المبسوط 1/ 234.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 178

..........

______________________________

في صدقتك و لو أعطاكه بدرهم فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه.» «1»

4- و في المنتهى: «يكره للرجل شراء صدقته و استيهابها و ما يحمله تملّكها اختيارا و لا بأس بعودها إليه بميراث و شبهه، ذهب إليه علماؤنا أجمع و أكثر أهل العلم.

و قال مالك و أحمد: لا يجوز.

لنا على الجواز قوله- تعالى-: «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ.» و التقدير وجود الرضا من المالك و الفقير ...» «2»

5- و راجع في هذا المجال التذكرة أيضا. «3»

6- و في الشرائع: «الثامنة: يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا واجبة

كانت أو مندوبة. و لا بأس إذا عادت إليه بميراث و ما شابهه.» «4»

7- و ذيّله في الجواهر بقوله: «بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك: الإجماع عليه و هو الحجة، مضافا إلى أنّه طهور لماله لأنّه وسخ فالراجع فيه كالراجع بقيئه. و إلى أنّه ربّما استحيى الفقير فيترك المماكسة معه، و يكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها. و ربّما طمع الفقير في غيرها فأسقط بعض ثمنها.

و على كلّ حال فلا ريب في جوازه لإطلاق الأدلّة و الإجماع بقسميه.» «5»

______________________________

(1)- المعتبر/ 284.

(2)- المنتهى 1/ 530.

(3)- التذكرة 1/ 242.

(4)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

(5)- الجواهر 15/ 455.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 179

..........

______________________________

أقول: العجب منه- قدّس سرّه- أنّه لم يتعرّض هنا للأخبار الآتية الواردة عن أهل البيت الظاهرة في المنع و اكتفى لبيان الكراهة بذكر وجوه استحسانية.

8- و في المغني لابن قدّامة: «و ليس لمخرج الزكاة شراؤها ممّن صارت إليه و روي ذلك عن الحسن و هو قول قتادة و مالك. قال أصحاب مالك: فإن اشتراها لم ينقض البيع.

و قال الشافعي و غيره: يجوز لقول النبي «ص»: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلّا لخمسة: رجل ابتاعها بماله» و روى سعيد في سننه: إنّ رجلا تصدّق على أمّه بصدقة ثمّ ماتت فسأل النبي «ص» فقال: «قد قبل اللّه صدقتك و ردّها إليك الميراث» و هذا في معنى شرائها. و لأن ما صحّ أن يملك إرثا صحّ أن يملك ابتياعا كسائر الأموال.

و لنا ما روى عمر أنّه قال: حملت على فرس في سبيل اللّه فأضاعه الذي كان عنده و ظننت أنه بائعه برخص فأردت أن اشتريه فسألت رسول اللّه «ص» فقال «لا

تبتعه و لا تعد في صدقتك و لو أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه. متفق عليه.» «1»

أقول: قد ظهر لك بما حكيناه من الكلمات أن المسألة بين فقهاء السنة كانت ذات قولين فأفتى بعضهم بالتحريم بل البطلان، و أمّا أصحابنا الإمامية فأفتوا فيما مرّ بالكراهة و ادّعي إجماعهم في عدم الحرمة. و إطلاق أدلّة التجارة عن تراض و سائر العقود الشرعية يقتضي الجواز و الصحة، و قد تمسّك في التذكرة و المنتهى و الجواهر للكراهة بوجوه استحسانية يشكل إثبات الكراهة الشرعية بها. هذا.

و لكن ظاهر عبارة الشيخين في المقنعة و النهاية الإفتاء بالحرمة:

______________________________

(1)- المغني لا بن قدّامة 2/ 515.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 180

..........

______________________________

9- ففي باب الوقوف و الصدقات من المقنعة: «و إذا تصدّق الإنسان على غيره بدار أو أرض أو ثمرة أو عرض من الأعراض لم يجز له تملّكه منه و لا من غيره بهبة أو صدقة، و لا بأس أن يملكه منه بميراثه.» «1»

10- و في باب النحل و الهبة من النهاية: «و ما يهبه الإنسان لوجه اللّه فلا يجوز له الرجوع فيه على حال. و ما تصدّق الإنسان به لوجه اللّه فلا يجوز له أن يعود إليه بالبيع أو الهبة أو الصدقة و إن رجع إليه بالميراث كان جائزا.» «2»

و احتمال إرادتهما من الصدقة الوقف بقرينة الباب و شيوع استعمالها فيه مردود بقرينة ذكر الميراث، و الوقف لا يورث اللّهم إلّا في بعض الموارد النادرة كمنقطع الآخر مثلا.

11- و في السرائر بعد نقل عبارة النهاية قال: «قال محمد بن إدريس:

لا بأس بأن يعود إليه بأمر شرعي إمّا بالبيع أو الهبة أو الشراء أو غير ذلك، و إنّما

هذا خبر واحد أورده إيرادا لا دليل عليه من كتاب و سنة و لا إجماع لأنّ المتصدّق عليه قد ملك الصدقة و له بيعها على من شاء من الناس سواء باعها على المتصدّق بها أو على غيره بغير خلاف، و شيخنا قد رجع عمّا قاله في مسائل خلافه في الجزء الأوّل من كتاب الزكاة ...» «3»

أقول: قد مرّت عبارة الخلاف في صدر المبحث.

12- و في نكت النهاية في شرح عبارة النهاية قال: «النهي هنا على سبيل الكراهيّة، و الحكمة فيه منع النفس عن مبايعة ما يصرف في القرب ليقع الصدقة

______________________________

(1)- المقنعه/ 100.

(2)- النهاية/ 603.

(3)- السرائر/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 181

..........

______________________________

خالصة من معارضة الميل فيكون المنع عن استعادته أفضى إلى غرض صاحب الشرع.» «1»

[الأخبار المانعة عن ذلك]

أقول: العمومات و القواعد و إن اقتضت كما مرّ الجواز و الصحّة، و لكن هنا أخبار ربّما يستفاد منها عدم الجواز فيجب أن نتعرض لها و لمفادها:

1- ما رواه الكليني بسند صحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«إذا تصدّقت الرجل بصدقة لم ترجع إليك و لم تشترها إلّا أن تورث.» «2»

2- ما رواه الشيخ بسند صحيح عن منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها و لا يستوهبها إلّا في ميراث.» «3»

3- ما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع»: «إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها و لا أن يستوهبها و لا أن يملكها بعد أن تصدّق بها إلّا بالميراث فإنها إذا دارت إليه بالميراث حلّت له.» و رواه عنه في المستدرك. «4»

فظاهر هذه الأخبار الثلاثة التي ربّما ترجع إلى خبر واحد

حرمة الشراء و الاستيهاب. و احتمال إرادة الوقف من لفظ الصدقة بتقريب شيوعها في تلك الأعصار- و لذا ذكرت في الوسائل و المستدرك في باب الوقف- ربّما يردّه ما فيها من جواز الرجوع بالميراث حيث إنّ الوقوف لا تورث إلّا نادرا.

4- خبر أبي الجارود قال: قال أبو جعفر «ع»: «لا يشتري الرجل ما تصدق به.

الحديث.» «5»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 440 (طبعة أخرى/ 667).

(2)- الوسائل 13/ 319، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 5.

(3)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 339، كتاب العطايا، الفصل 5؛ و المستدرك 2/ 513، الباب 6 من كتاب الوقوف و الصدقات؛ و 1/ 538، الباب 22 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(5)- التهذيب 9/ 134، الباب 1 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 182

..........

______________________________

5- خبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه قال: «من تصدّق بصدقة ثمّ ردّت عليه فلا يأكلها لأنّه لا شريك للّه- عزّ و جلّ- في شي ء ممّا جعل له إنّما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما يعتق.» «1»

و روى نحوه ابن فهد في عدّة الداعي مرسلا. «2»

6- ما رواه في قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا «ع» كان يقول: «من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، و لا يجوز له إلّا إنفاقها. إنّما منزلتها بمنزلة العتق للّه فلو أنّ رجلا أعتق عبدا للّه فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله للّه فكذلك لا يرجع في الصدقة.» «3»

أقول: العمدة هي الروايات الأربع الأول، و أمّا الأخيرتان فيمكن أن يقال:

إنّ المراد بهما

ردّ الفقير ما تعيّن صدقة و امتناعه من التصرّف فيه، و الصدقة إذا تعينت صدقة للّه- تعالى- يشكل للمالك ردّها في ملكه بل لعله يجب عليه أن يوصلها إلى مصرفها.

و قد ورد في خبر آخر عنه «ع» في الرجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب قال: «فليعطها غيره و لا يردّه في ماله.» «4»

و أفتى بهذا المضمون الشيخ في النهاية في ذيل العبارة السابقة فراجع. «5»

و بالجملة فليس محطّ النظر في الروايتين الأخيرتين شراء الصدقة من

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 295، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 3.

(5)- النهاية/ 603.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 183

..........

______________________________

الفقير بل تملّك ما أخرجه و عزله صدقة قبل أن تصل إلى الفقير و يملكها.

و أمّا الأخبار الأول فمحطّ النظر فيها انتقال الصدقة إليه من ملك الفقير برضاه و الأدلّة العامّة و إن اقتضت الجواز و لكن ظاهر هذه الأخبار المنع منه فإن ثبت الإجماع على الجواز كما ادعاه في المعتبر و المنتهى و الجواهر كما مرّ وجب حملها على الكراهة الشديدة كما قيل أو إرادة الوقف من الصدقة و هذا هو المحتمل أيضا في الفرس الذي أعطاه عمر كما في المنتهى.

و العلّامة في المختلف بعد ذكر عبارة النهاية و صحيحة منصور بن حازم قال:

«هي محمولة على الكراهة، و الشيخ يطلق لفظة: «لا يجوز» على الكراهة كثيرا في النهاية.» «1»

و في وقف الجواهر أيضا حمل الصحيحة على الكراهة قال: «لمعارضته للعمومات التي هي أصول المذهب و قواعده، بل

عن المحقّق حمل عبارة النهاية على ذلك ...» «2»

و قد مرّ منه أيضا دعوى الإجماع بقسميه على الجواز.

أقول: و يستدل له مضافا إلى إطلاق أدلّة العقود و الإجماع المدّعى، بأنّه لو حرم لبان و اتضح لشدّة الابتلاء به، و برواية محمد بن خالد عن أبي عبد اللّه «ع» في بيان وظيفة عامل الصدقات و فيها: «ثمّ ليأخذ صدقته، فإذا أخرجها فليقسّمها (فليقوّمها. التهذيب) فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها.» «3»

______________________________

(1)- المختلف/ 489.

(2)- الجواهر 28/ 129.

(3)- الوسائل 6/ 89، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 184

[لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحقّ]

نعم لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد- كان المالك أحقّ به من غيره (1).

______________________________

و قد شاع التعبير عن الكراهة الشديدة بعدم الحلّية كقوله «ع» في صحيحة الحلبي الماضية: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين.» «1» هذا.

و لكن يمكن أن يناقش بعدم جواز التمسك بالإطلاق في قبال الدليل الخاصّ، و الإجماع قابل للمنع بعد ما مرّ من المقنعة و النهاية.

و الرواية ضعيفة بمحمد بن خالد فإن المراد به على ما هو الظاهر من متن الخبر محمد بن خالد القسري والي المدينة من قبل بني أميّة، مضافا إلى افتراق مضمونها عما هو محلّ البحث من طلب المالك للشراء أو الهبة.

و الحاصل، أنّ مقتضى القواعد و إن كان هو الجواز و الصحّة و لكن بأيّ حجة شرعية نرفع اليد عن ظاهر الأخبار التي مرّت.

قال في الحدائق: «ظاهر كلام الشيخين إنّما هو التحريم، و الروايات كما ترى ظاهرة فيه و لا معارض لها إلّا ما عرفت من الدليل العقلي،

و الخروج عنها بمجرد ذلك مشكل، و كم مثل ذلك في الأخبار.» «2»

و بالجملة المسألة في غاية الإشكال و إن كان القول بالكراهة قريبا لرواية محمد بن خالد بضميمة الشهرة.

(1) لما مرّ من رواية محمد بن خالد، و لكن مضى الإشكال في سندها.

و ظاهر عبارة المصنّف تبعا للجواهر قراءة قوله: «فليقوّمها فيمن يريد» بالراء المهملة،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الحدائق 22/ 269.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 185

و لا كراهة (1).

[تزول الكراهة لو كان جزءا من حيوان و لا يشتريه غير المالك]

و كذا لو كان جزءا من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير فإنّه تزول الكراهة حينئذ أيضا (2).

[لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه]

كما أنّه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه من المملّكات القهريّة (3).

______________________________

و لكنّ الظاهر كونه بالزاء المعجمة فراجع. «1»

(1) في المستمسك: «هذا غير ظاهر، بل هو خلاف إطلاق النصوص المتقدمة.» «2»

أقول: أراد بذلك إطلاق صحيحتي منصور. و لا منافاة بين كراهة اشتراء المالك و كونه مع ذلك أحقّ من غيره.

(2) في المنتهى: «لو احتاج إلى شرائها بأن يكون الفرض جزء الحيوان لا يتمكن الفقير من الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤها و زالت الكراهية إجماعا.» و نحو ذلك في التذكرة. «3»

و يمكن أن يستدلّ لذلك مضافا إلى الإجماع المدّعى بانصراف النصوص عمّا ذكر، و بأنّ الظاهر من النهي في المقام كونه لمصلحة الفقراء، و في الفرع الأوّل مصلحتهم في خلافه، و في الثاني ترتفع الكراهة بدليل نفي الضرر، فتأمّل.

(3) 1- قد مرّ عن الشرائع قوله: «و لا بأس إذا عادت إليه بميراث و ما شابهه.» «4»

2- و عن المعتبر قوله: «يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا، و لا بأس بعوده إليه بميراث و شبهه و هو قول علمائنا أجمع.» و ظاهره دعوى الإجماع على

______________________________

(1)- راجع الجواهر 28/ 129.

(2)- المستمسك 9/ 335.

(3)- المنتهى 1/ 531؛ التذكرة 1/ 242.

(4)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 186

..........

______________________________

الفرعين و مرّ نحو ذلك عن المنتهى أيضا. «1»

3- و في المنتهى أيضا: «لو عادت إليه بميراث لم يكن مكروها

بلا خلاف إلّا من الحسن بن صالح بن حيّ و ابن عمر. لنا ما رواه الجمهور: أنّ رجلا تصدّق على أمّه بصدقة ثمّ ماتت فسأل النبي «ص» فقال: «قد قبل اللّه صدقتك و ردّها إليك الميراث.» «2»

4- و في موثقة محمد بن مسلم عن أحدهما «ع» في الرجل يتصدّق بالصدقة أ يحلّ له أن يرثها؟ قال: «نعم.» و نحوها خبر آخر لمحمد بن مسلم عن أبي جعفر «ع»، فراجع. «3»

5- و في خبر إسماعيل الجعفي قال: قال أبو جعفر «ع»: «من تصدّق بصدقة فردّها عليه الميراث فهي له.» «4» و يشهد لذلك أيضا ذيل صحيحتي منصور بن حازم الماضيتين، فراجع. هذا.

و في المدارك في ذيل عبارة الشرائع قال: «يندرج في شبهه شراء الوكيل العامّ و استيفاؤها له من مال الموكّل.» «5» و في الجواهر: «هو جيّد.» «6»

أقول: فيما ذكره خفاء إذ فعل الوكيل فعل الموكّل حقيقة فيشمله نصوص المنع، فتدبّر.

______________________________

(1)- المعتبر/ 284؛ المنتهى 1/ 530.

(2)- المنتهى 1/ 531.

(3)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من أبواب كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2 و 3.

(4)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من أبواب كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 4.

(5)- المدارك/ 325 (الطبعة الجديدة 5/ 285).

(6)- الجواهر 15/ 456.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 187

9- فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة

اشارة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 189

[وقت تعلق الوجوب]

9- فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة قد عرفت سابقا أن وقت تعلّق الوجوب- فيما يعتبر فيه الحول- حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، و أنه يستقر الوجوب بذلك و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأول لا الثاني (1).

و في الغلات: التسمية، و أن وقت وجوب الإخراج في الأول هو وقت التعلق، و في الثاني هو الخرص و الصرم في النخل و الكرم، و التصفية في الحنطة و الشعير (2).

______________________________

(1) راجع الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في الأنعام، و الشرط الثالث من شرائطه في النقدين. «1»

(2) راجع المسألة الأولى من فصل زكاة الغلّات و المسألة السادسة منه و ما علقناه عليهما. «2» و كان الأولى عطف الصرم على الخرص ب «أو» لا بالواو، إذ ربما يخرص الثمر على المالك، و ينقل إليه فيكون وقت الإخراج هو الخرص،

______________________________

(1)- راجع الزكاة 1/ 238 و 305.

(2)- راجع الزكاة 1/ 346 و 2/ 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 190

[هل الوجوب بعد تحققه فوريّ أو لا؟]

و هل الوجوب بعد تحققه فوريّ أو لا؟ أقوال: ثالثها: أن وجوب الإخراج- و لو بالعزل- فوري. و أما الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير (1).

______________________________

و ربما لا يخرص عليه فيكون وقت الإخراج هو الصرم، و كذا في الحنطة و الشعير.

(1) هل يجب الإخراج و الأداء فورا مطلقا، أو يجوز التأخير مطلقا ما لم ينجرّ إلى الإهمال و المسامحة، أو يفصّل بين الإخراج و لو بالعزل فقط و بين الأداء إلى أهلها فيجب الأول فورا دون الثاني، أو يفصّل بين انتظار الأفضل أو التعميم و بين غيره كما في الدروس، أو بين انتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب و بين غيره كما في البيان، أو بين انتظار

التعميم و غيره كما يظهر من أكثر كتب العلامة، أو بين التأخير إلى شهرين أو شهرين بل إلى أربعة و بين الأزيد من ذلك؟

في المسألة أقوال، و منشأ اختلافها اختلاف الأخبار في المسألة.

و لا يخفى أن القاعدة لولاها تقتضي الفورية، لا لوضع الأمر للفور، بل لأن المال إذا انتقل بحكم الشارع إلى الفقراء و نحوهم فلا مجوّز لتأخير حقهم و التصرف في مالهم و هم محتاجون إليه و يطالبون له بظاهر الحال، و وليّهم يطالبها بآكد المقال، و قد شرّعت الزكوات لسدّ خلّاتهم و رفع حاجاتهم. و التأخير المطلق مخالف لحكمة التشريع.

هذا مضافا إلى ما مر منا من أن العقل لا يجوّز تأخير التكليف المنجّز إلا إذا اطمأن الإنسان ببقاء حياته و قدرته، إذ لو فرض موته أو عجزه في الزمان الثاني كان الفوت مستندا إلى مسامحته و سوء اختياره فاستحقّ بذلك اللوم و العقاب.

و بالجملة فاحتمال فوت التكليف المنجز بسبب التأخير يلزمه عقلا بالمبادرة.

و لا يجري استصحاب السلامة و القدرة بعد عدم كونهما حكما شرعيا و لا موضوعا لحكم شرعي، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 191

[كلمات الأصحاب في المقام]

______________________________

إذا عرفت هذا فلنذكر بعض كلمات الأصحاب في المقام ثمّ نعقّبها بذكر الأخبار الواردة فنقول:

1- قال المفيد في المقنعة: «باب تعجيل الزكاة و تأخيرها عما تجب فيه من الأوقات. و الأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه كالصلاة. و قد جاء عن الصادقين «ع» رخص في تقديمها شهرين قبل محلّها و تأخيرها شهرين عنه، و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة عند الحاجة إلى ذلك و ما يعرض من الأسباب.» «1»

أقول: ظاهر المفيد جواز الأخذ بأخبار الترخيص عند الحاجة إلى ذلك

و الظاهر إرادة الحاجة العرفية.

2- و في النهاية: «و إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور و لا يؤخّره. فإن عدم المستحق له عزله عن ماله و انتظر به المستحق، فإن حضرته الوفاة وصّى به أن يخرج عنه.

و إذا عزل ما يجب عليه من الزكاة فلا بأس أن يفرقه ما بينه و بين شهر و شهرين و لا يجعل ذلك أكثر منه.

و ما روى عنهم «ع» من الأخبار في جواز تقديم الزكاة و تأخيرها فالوجه فيه ما قدمناه في أن ما يقدم منه يجعل قرضا و يعتبر فيه ما ذكرناه، و ما يؤخر منه إنما يؤخر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قد مناه.» «2»

أقول: ظاهر كلام الشيخ بعد إرجاع بعضه إلى بعض أنه مع عدم المستحق

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- النهاية/ 183.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 192

..........

______________________________

يتعين العزل، و أما البدار في الأداء فلا يجب بل هو أفضل.

3- و في الشرائع: «إذا أهلّ الثاني عشر وجب دفع الزكاة. و لا يجوز التأخير إلّا لمانع أو لانتظار من له قبضها. و إذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين.

و الأشبه أن التأخير إن كان لسبب مبيح دام بدوامه و لا يتحدّد، و إن كان اقتراحا لم يجز و يضمن إن تلفت.» «1»

أقول: صدر كلامه يدلّ على التفصيل بين العزل و الأداء، و ذيله يدلّ على عدم جواز التأخير إلّا مع وجود مجوّز شرعى، و الظاهر من ذلك إرادة العذر الشرعي كما يشهد به كلامه في المعتبر. و عدّ انتظار الأفضل أو البسط أو معتاد السؤال من موارد العذر الشرعي مشكل كما لا يخفى.

4- و

في المعتبر: «و عند تمامه (الشهر الثاني عشر) يجب دفعها على الفور، و به قال الشافعي و أحمد، و قال أبو حنيفة: له التأخير ما لم يطلب بها لأن الأمر بها مطلق فلا يختص زمانا كما لا يختصّ مكانا.

لنا أن المستحق مطالب بشاهد الحال فيجب التعجيل كالوديعة و الدين الحال ...

و هل يجوز تأخيرها مع العزل إلى شهر و شهرين؟ فيه روايات بالجواز ...

و عندي: الأشبه أن التأخير إنما يسوغ للعذر و مع العذر لا يتقدر التأخير بوقت بل يكون موقوفا على زوال العذر لأن مع زوال العذر يكون مأمورا بالتسليم، و المستحقّ مطالب فلا يجوز التأخير.» «2»

5- و في التذكرة- بعد ما حكم بوجوب الإخراج على الفور ناسبا له إلى الشافعي و أحمد و بعض الحنفية أيضا و أنه لو أخّر الإخراج مع إمكان الأداء

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 167 (طبعة أخرى/ 126).

(2)- المعتبر/ 274.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 193

..........

______________________________

و حضور الوقت أثم و ضمن- قال:

«فروع: أ: لو أخّر مع إمكان الأداء كان عاصيا على ما قلناه و لا تقبل منه صلاته في أوّل الوقت و كذا جميع الواجبات الموسّعة، لأن المضيّق أولى بالتقديم، و كذا من عليه دين حالّ طولب به مع تمكنه من دفعه أو خمس أو صدقة مفروضة.

ب: يجوز التأخير لعذر كعدم المستحقّ أو منع الظالم ... و هل يجوز لغير عذر مع العزل؟ سوّغه الشيخان شهرا و شهرين لأن معاوية بن عمار قال للصادق «ع» ...

و الوجه أن التأخير إنما يجوز لعذر و تحمل الرواية عليه فلا يتحدّد بوقت بل بزوال العذر ...

ج: لو أخرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة فالأقرب المنع و

إن كان يسيرا. و قال أحمد: يجوز اليسير دون العكس.

د: الأقرب أن التأخير لطلب بسطها على الأصناف الثمانية أو الموجودين منهم عذر مع دفع نصيب الموجودين.» «1»

أقول: بعد إجماع أصحابنا و دلالة أخبارنا على استحباب البسط و عدم وجوبه يكون وزانه وزان الدفع إلى القرابة و ذي الحاجة الشديدة في الاستحباب، فبأيّ جهة عدّ طلب الأول عذرا دون الثاني؟!

6- و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا. «2»

7- و في الدروس: «يجب دفع الزكاة عند وجوبها و لا يجوز تأخيرها إلّا لعذر، كانتظار المستحق و حضور المال، فيضمن بالتأخير ...

و هل يأثم؟ الأقرب نعم، إلا أن ينتظر بها الأفضل أو التعميم، و روي

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 238.

(2)- المنتهى 1/ 510.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 194

..........

______________________________

جواز تأخيرها شهرا أو شهرين، و حمل على العذر.» «1»

8- و في البيان: «في وقت الدفع. و هو واجب عند كمال الشرائط على الفور فلا يجوز التأخير إلّا لعذر كعدم التمكن من المال أو الخوف من الجائر أو انتظار المستحق فيضمن مع الإمكان، و جوّز الشيخان تأخيرها شهرا أو شهرين ...

نعم له التربّص للأفضل و الأحوج و المعتاد للطلب منه بما لا يؤدّي إلى الإهمال.» «2»

9- و في السرائر: «و إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه إذا حضر المستحق. فإن أخر ذلك إيثارا به مستحقا غير من حضر فلا إثم عليه بغير خلاف إلا أنه إن هلك قبل وصوله إلى من يريد إعطاءه إيّاه فيجب على ربّ المال الضمان.

و قال بعض أصحابنا: إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور و لا يؤخره. فإن أراد على الفور وجوبا مضيقا، فهذا بخلاف إجماع أصحابنا

لأنه لا خلاف بينهم في أنّ للإنسان أن يخصّ بزكاته فقيرا دون فقير و لا يكون مخلا بواجب و لا فاعلا لقبيح. و إن أراد بقوله على الفور يريد به أنه إذا حضر المستحق فإنه يجب عليه إخراج الزكاة فإن لم يخرجها طلبا و إيثارا بها لغير من حضر من مستحقها و هلك المال فإنه يكون ضامنا و تجب عليه الغرامة للفقراء، فهذا الذي ذهبنا إليه و اخترناه. فإن عدم المستحق له عزله من ماله و انتظر به المستحق، فإن هلك بعد عزله من غير تفريط فلا ضمان عليه و لا غرامة، فإن حضرته الوفاة وصّى به أن يخرج عنه.» «3»

______________________________

(1)- الدروس/ 64.

(2)- البيان/ 203.

(3)- السرائر/ 105 (طبعة أخرى 1/ 454).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 195

..........

______________________________

أقول: فهو- قدّس سرّه- صرّح بجواز التأخير مع وجود المستحق أيضا، و ادّعى عليه إجماع أصحابنا و عدم الخلاف فيه، غاية الأمر ضمانها بالتأخير، و ليس في كلامه تحديد بالشهر و الشهور، و الحكم بالضمان لا يستلزم الحرمة التكليفية.

و بذلك يجاب عن استدلال بعض القائلين بحرمة التأخير بأخبار الضمان، و قد مرّ نظير ذلك في النقل المكاني فقلنا بجواز النقل مع الضمان فيكون التأخير بحسب المكان و الزمان على وزان واحد.

10- و في المغني لابن قدامة: «و تجب الزكاة على الفور فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه و التمكن منه إذا لم يخش ضررا، و بهذا قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: له التأخير ما لم يطالب لأن الأمر بأدائها مطلق فلا يتعين الزمن الأوّل لأدائها دون غيره كما لا يتعين لذلك مكان دون مكان. و لنا أن الأمر المطلق يقتضي الفور على ما يذكر في موضعه و لذلك

يستحقّ المؤخّر للامتثال العقاب. و لذلك أخرج اللّه- تعالى- إبليس و سخط عليه و وبّخه بامتناعه عن السجود، و لو أن رجلا أمر عبده أن يسقيه فأخّر ذلك استحق العقوبة ...

فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو ذي حاجة شديدة فإن كان شيئا يسيرا فلا بأس و إن كان كثيرا لم يجز ...

و لو عزل قدر الزكاة فنوى أنه زكاة فتلف فهو في ضمان ربّ المال و لا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على أن يدفعها إليه أو لم يقدر ...» «1»

أقول: يظهر منه أن العزل لا أثر له عندهم في رفع الضمان حتّى مع عدم المستحق. هذا.

______________________________

(1)- المغني 2/ 541 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 196

..........

______________________________

11- و في الجواهر بعد ذكر بعض الكلمات قال ما محصله: «و قد تلخّص أن الأقوال في المسألة ستة أو خمسة. و الظاهر إمكان تحصيل الإجماع على عدم إرادة مطلق الطبيعة من الأمر على وجه يكون التكليف هنا على حسب غيرها من الواجبات المطلقة التي وقتها العمر و الوصول إلى حدّ التهاون، كالقطع بفساد القول بالفورية و أنه لا يجوز التأخير مع الإمكان مطلقا بحال من الأحوال ضرورة اقتضائه طرح النصوص الكثيرة الدالّة على جواز التأخير.» «1»

12- و في مصباح الهدى «2» أنهى الأقوال إلى عشرة:

الأول: ما نسب إلى الأكثر بل المشهور من عدم جواز التأخير إلّا لعذر كعدم حضور المال أو المستحق أو نحو ذلك.

الثاني: ما اختاره في الجواهر من جواز التأخير اقتراحا و لو مع عدم العزل إلى أربعة أشهر.

الثالث: ما عن نهاية الشيخ من جواز التأخير مع العزل شهرا أو شهرين.

الرابع: ما عن السرائر نافيا عنه الخلاف

من جوازه لإيثار مستحق غير من حضر.

الخامس: ما عن الدروس من جوازه لانتظار الأفضل أو التعميم.

السادس: ما عن البيان من جوازه لانتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب بما لا يؤدي إلى الإهمال.

السابع: ما اختاره في المسالك و استحسنه في المدارك من جوازه شهرا أو شهرين اقتراحا فضلا عما يكون للبسط أو لذي المزيّة.

الثامن: ما اختاره في المدارك من جوازه إلى أربعة أشهر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 458.

(2)- مصباح الهدى 10/ 344- 347.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 197

..........

______________________________

التاسع: ما عن التذكرة و النهاية و المنتهى و التحرير من جوازه للتعميم خاصّة بشرط دفع نصيب الموجودين فورا.

العاشر: ما اختاره الشيخ الأكبر في رسالة الزكاة «1» من جوازه إلى حدّ لا يصدق معه المسامحة و الإهمال بحيث يعدّ الرجل حابسا للزكاة و لا يبعد أن يجوز إلى قرب السنة، و لا يجوز التأخير عن السنة.

أقول: لا يخفى رجوع القول الثامن إلى الثاني الذي نسبه إلى الجواهر فيصير الأقوال تسعة لا عشرة. هذا.

[الأخبار الواردة على طوائف]

اشارة

و منشأ اختلاف الأقوال اختلاف الأخبار الواردة فلنذكرها و هي على طوائف:

[الطائفة الأولى ما يستفاد منها فورية الإعطاء]

الطائفة الأولى ما يستفاد منها فورية الإعطاء و عدم جواز تأخيره:

1- كخبر أبي بصير المروي عن مستطرفات السرائر، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلّها.» «2» و دلالته واضحة و لكن السند ضعيف بالقاسم بن محمد الجوهري و علي بن أبي حمزة البطائني الواقفيين، مضافا إلى عدم ذكر الخبر في الكتب الأربعة التي عليها العمل. و كان السيّد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- يعدّ هذا و هنا في الأخبار.

2- صحيح عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال: «لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلا لوقتها، و كذلك الزكاة. و لا يصوم

______________________________

(1)- كتاب الزكاة للشيخ/ 515 (طبعة أخرى/ 453).

(2)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 198

..........

______________________________

أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء، و كل فريضة إنّما يؤدّى إذا حلّت.» «1»

و ناقش في الجواهر في دلالته فقال: «إنه و إن استدلّ به بعضهم على ذلك للغاية و التشبيه بالصلاة، و التسوية بينها و بين الزكاة و استفادة الحصر من «إلّا» لكن الإنصاف عدم دلالته، ضرورة كون المراد منه بيان عدم جواز التقديم على أنه زكاة لا التأخير الذي هو محل البحث.» «2»

أقول: و لكن مع ذلك دلالته قوية.

3- و يؤيد ذلك ما في فقه الرضا: «و إني أروي عن أبي العالم- عليه

السلام- في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر، إلّا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجب عليك. و لا يجوز لك تقديمها و تأخيرها لأنّها مقرونة بالصلاة، و لا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلّا أن تكون قضاء. و كذلك الزكاة.» «3»

و دلالة هذه العبارة الواردة في تفسير ما رواه عن أبيه على المقصود واضحة، و إن كان فيها نحو إجمال.

4- و في الفقيه قال: «و قد روي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستة أشهر، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك» إلى آخر ما مرّ من فقه الرضا. «4»

و نحو ذلك في المقنع «5» و يشبه كون ما فيهما مأخوذا من فقه الرضا.

5- و في أمالي المفيد في وصايا أمير المؤمنين «ع» لابنه الحسن: «و أوصيك

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الجواهر 15/ 459.

(3)- فقه الرضا/ 22 (طبعة أخرى/ 197).

(4)- الفقيه 2/ 10 (طبعة أخرى 2/ 17).

(5)- الجوامع الفقهية/ 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 199

..........

______________________________

يا بني بالصلاة عند وقتها و الزكاة في أهلها عند محلّها.» «1» فتأمّل.

و في المستمسك «2» اقتصر للطائفة الأولى على خبر أبي بصير ثم ناقش فيه بضعف السند و أجاب عنها بأنه يكفي في عموم المنع النصوص المتواترة الدالة على عدم جواز حبس الزكاة و منعها عن أهلها.

أقول: هذه الأخبار ناظرة إلى الحبس و المنع المطلق فلا تشمل من يؤخرها بقصد التعميم أو انتخاب الأفضل أو الأحوج و نحو ذلك نعم، القاعدة تقتضي الفورية كما مرّ.

[الطائفة الثانية: ما يستفاد منها فورية الإخراج]

الطائفة الثانية: ما يستفاد منها فورية الإخراج الظاهر في العزل:

كصحيح سعد بن سعد الأشعري

عن أبي الحسن الرضا «ع»، قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها.» «3»

فإن أريد بالإخراج: الإعطاء كان من الطائفة الأولى. و إن أريد به العزل فقط- كما هو الظاهر- دلّ على فورية العزل و يكون ساكتا عن حكم الإعطاء.

[الطائفة الثالثة: ما تدلّ على جواز التأخير في إعطاء البعض إن عزلها]

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على جواز التأخير في إعطاء البعض إن عزلها:

و هي صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله و آخره

______________________________

(1)- الأمالي/ 221، المجلس 26، الحديث 1.

(2)- المستمسك 9/ 339.

(3)- الوسائل 6/ 213، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 200

..........

______________________________

ثلاثة أشهر؟ قال: «لا بأس.» «1»

فقوله: «يلتمس لها المواضع» إن أريد به أن المالك يلتمس لها مواضع اقتراحا حتى مع وجود المستحق دلّ على جواز تأخير إعطاء البعض و لو مع وجود المستحق.

و إن أريد به أن التأخير كان لعدم وجود المستحق فلا دلالة له على جوازه مع وجوده.

و لكن يبعّد هذا بعد عدم وجوده أصلا لوجود سبيل اللّه غالبا. فتدبّر.

[الطائفة الرابعة: ما يستفاد منها جواز تأخير الإعطاء إلى شهرين أو ثلاثة]

الطائفة الرابعة: ما يستفاد منها جواز تأخير الإعطاء إلى شهرين أو ثلاثة بل إلى أربعة، و لا دلالة فيها على وجوب العزل فورا فيستدل بإطلاقها على عدم وجوبه:

1- صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين.» «2»

2- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس.» قال: قلت: فإنها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال: «لا بأس.» «3»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 200

3- و قد مرّ عن المقنعة قوله: «و قد جاء عن الصادقين «ع»

رخص في تقديمها شهرين قبل محلّها و تأخيرها شهرين عنه. و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة عند الحاجة إلى ذلك و ما يعرض من الأسباب.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 214، الباب 53 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(3)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(4)- الوسائل 6/ 211، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 201

..........

______________________________

4- و مرّت رواية فقه الرضا و رواية الصدوق أيضا بنحو الإرسال مع قطع النظر عن تفسيرهما لهما.

[الطائفة الخامسة: ما يظهر منها جواز تأخير الإعطاء]

الطائفة الخامسة: ما يظهر منها جواز تأخير الإعطاء عزلها أو لم يعزلها:

و هي موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلّطها بشي ء ثم أعطها كيف شئت.» قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبّتها يستقيم لي؟ فقال «ع»: «نعم، لا يضرّك.» «1»

و دلالتها على جواز التأخير إجمالا مع العزل واضحة، بل ظاهر الذيل جوازه مع عدمه أيضا إن كتب و أثبت.

اللّهم إلّا أن يحمل الذيل أيضا على صورة العزل فأراد السائل تصريح الإمام ثانيا بالجواز تأكيدا مع رعاية الاحتياط بكتابة المعزول و ثبته حذرا من ضياع الزكاة بموت المالك أو نسيانه أو نحو ذلك. هذا و لكنه مخالف للظاهر.

فمقتضى ظاهر الموثقه جواز التأخير و لو مع عدم العزل أيضا كما في الجواهر، و لولاها أشكل الاستدلال لذلك بإطلاق الطائفة الرابعة، إذ الإطلاق فيها يقيد بما يظهر منها وجوب العزل فورا كصحيحة

سعد بن سعد الماضية، و خبر أبي حمزة عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤديّها؟ قال: «اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح. الحديث.» «2»

و على هذا فلو صرفنا النظر عن ذيل الموثقة فالأحوط لو لم يكن أقوى فورية

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 213، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 202

..........

______________________________

العزل و الإخراج، و بذلك يجمع بين ما دل على الفورية و ما دل على جواز التأخير فيقال بفورية العزل و جواز التأخير في الإعطاء رعاية للمقاصد العقلائية كقصد التعميم أو اختيار الأفضل أو الأحوج أو كونها عدّة لمن يسأل و يطالب و نحو ذلك ما لم ينجرّ إلى صدق المسامحة و التهاون.

و كيف كان فأصل جواز التأخير إجمالا مما لا إشكال فيه ضرورة اقتضاء الفورية المطلقة طرح النصوص الكثيرة كما مرّ من الجواهر.

و لعلّ الشهرين و الثلاثة و الأربعة لا خصوصية لها بل هي إشارة إلى مراتب الحاجة العقلائية و يختلف ذلك بحسب الموارد و الأشخاص، فتدبّر.

و في الجواهر «1» حمل أخبار الفورية على استحباب التعجيل و يمكن حمل أخبار العزل أيضا على الاستحباب أو على كون الأمر به للإرشاد و في مقام توهم الحظر، فلا يدل على أزيد من الجواز.

و ربما يشهد لعدم وجوب العزل فورا أن المصدقين في عصر رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» لم يكونوا حاضرين عند الأموال الزكوية في أوقات التعلق دائما و لم يعهد من الملّاك العزل قبل حضورهم بل كان العزل بتصدي المصدقين على ما يظهر من

الأخبار الواردة في هذا المجال. هذا. و لكن الأحوط هو العزل فورا، و لا سيما على القول بالإشاعة و الشركة و إرادة التصرف في المال.

[استدل القائلون بالفورية بوجوه]

اشارة

و استدل القائلون بالفورية و هم الأكثرون على ما قيل بوجوه:

[الأول: دلالة الأمر عليه]

الأول: دلالة الأمر عليه وضعا أو انصرافا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 460.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 203

..........

______________________________

و فيه: أن الأمر وضع لطلب الطبيعة بإطلاقها فلا يدل على الفور و لا على التراخي. و الانصراف أيضا ممنوع. اللّهم إلّا أن يراد ما مرّ منا من أن العقل لا يجوز تأخير العمل بالتكليف المنجّز إلّا إذا اطمأن الإنسان ببقاء حياته و قدرته، إذ لو فرض موته أو عجزه في الزمان الثاني كان فوت الواجب مستندا إلي مسامحته و سوء اختياره فاستحق بذلك اللوم و العقاب.

و يرد على ذلك أنه لو فرض إذن الشارع في التأخير كما في المقام فالقول بالفورية اجتهاد في قبال النصّ. مضافا إلى أن الكلام في صورة الوثوق ببقاء الحياة و القدرة.

[الثاني: أنّ المستحق مطالب بشاهد الحال]

الثاني: أنّ المستحق أعني الفقير مطالب بشاهد الحال كما مرّ عن المعتبر.

و فيه- كما في زكاة الشيخ الأعظم- «1»: أن مطالبة الفقراء إنما يوجب فورية الدفع إليهم إذا تعيّن صرف الزكاة فيهم و هو غير لازم، إلا أن يقال: إن الأصل في مصرف الزكاة هم الفقراء كما هو المستفاد من الأخبار الكثيرة الدالة على أنها وضعت لسدّ خلاتهم و أنها لو لم تكفهم لزادهم اللّه- تعالى-، و لكن يرد على ذلك أنّ هذا يتم لو كان التكليف بدفع الزكاة تابعا لمطالبة أربابها نظير الدين و الوديعة، و لكن الأمر هنا بالعكس، إذ حق مطالبة الفقراء تابع لكيفية التكليف سعة و ضيقا، فلو قلنا بالتوسعة لم يكن لهم و لا لوليّهم المطالبة، و المفروض دلالة أخبار مستفيضة على التوسعة و جواز التأخير.

[الثالث: وليّ المستحق و هو الشارع مطالب بالمقال]

الثالث: ما عن الإيضاح من أن وليّ المستحق و هو الشارع مطالب بالمقال بمقتضى أمره- تعالى- بإيتاء الزكاة.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة للشيخ/ 515 (طبعة أخرى/ 453).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 204

..........

______________________________

و فيه: أولا ما مرّ في جواب الوجه الثاني. و ثانيا ما في الجواهر «1» من عدم كون أمره به من حيث الولاية على الفقراء بل هو إيجاب محض و المفروض إذن الشارع في التأخير، فتدبّر.

[الرابع: أن الزكاة أمانة في يد المالك فيجب دفعها فورا]

الرابع: أن الزكاة ملك للمستحق و أمانة في يد المالك فيجب دفعها إلى صاحبها فورا و إن لم يطالب هو و لا وليّه. و بعبارة أخرى: التأخير مشروط بالإذن فيه، و عدم الإذن كاف في المنع.

و فيه: أن المفروض كما مرّ وجود روايات مستفيضة دالّة على جواز التأخير و هي صريحة في ذلك فيرفع بها اليد عن ظهور ما دل على الفورية، و تحمل هذه على الاستحباب كما في الجواهر. أو على فورية العزل كما مرّ احتماله.

[الخامس: ما يدلّ على ثبوت الضمان بالتأخير مع وجود المستحق الشرعي]

الخامس: ما يدلّ على ثبوت الضمان بالتأخير مع وجود المستحق الشرعي كما سيأتي فيكشف هذا عن عدم الإذن في التأخير، إذ القاعدة في الأمانات عدم الضمان مع الإذن. و إن شئت قلت: إنّ الضمان معلول للتعدّي أو التفريط، و مع الإذن في التأخير لا تعدّي و لا تفريط، فالحكم بالضمان كاشف عن عدم الإذن.

و فيه: أنه من الممكن أن يأذن الشارع في التأخير بشرط الضمان، و قد مرّ نظيره في النقل من البلد.

و هذا أمر رائج بين العقلاء. و الضمان كما يكون مستندا إلى التعدّي أو التفريط يمكن أن يكون مستندا إلى التضمين أيضا فتدبّر.

[السادس: أخبار الطائفة الأولى الدالّة على الفورية]

السادس: ما مرّ من أخبار الطائفة الأولى الدالّة على الفورية.

و فيه: أن أخبار الطائفة الرابعة صريحة في جواز التأخير و كذا الخامسة،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 460.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 205

[الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق و إمكان الإخراج]

و الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق و إمكان الإخراج إلّا لغرض، كانتظار مستحق معيّن أو الأفضل، فيجوز حينئذ- و لو مع عدم العزل- للشهرين و الثلاثة بل الأزيد. و إن كان الأحوط (1) حينئذ العزل ثم الانتظار المذكور.

______________________________

فيحكّم النص على الظاهر و يحمل الظاهر على الاستحباب أو على فورية العزل و هو الأحوط كما مرّ. و العزل بنفسه مرتبة من الانقياد و الطاعة و يوجب انقطاع طمع المالك. مضافا إلى كونه سببا لتخليص ماله من الشركة و جواز تصرفه فيه بلا إشكال.

و قد تحصل مما ذكرنا: أن الأقوى جواز التأخير و لا سيما بعد العزل بمقدار لا يصدق المسامحة و التهاون. و لا سيما مع وجود حاجة عقلائية إلى ذلك كانتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب أو البسط و التعميم أو نحو ذلك.

و ربما يؤيد ذلك: أن الزكاة وضعت لسدّ خلّات الفقراء و شركائهم إلى سنة، فتقسيمها دفعة و مع العجلة ربما يوجب حرمان كثيرين لم يكونوا حاضرين أو لم يحصل الاطلاع عليهم. فالاحتياط لهم يقتضي الثاني و عدم العجلة في كثير من الموارد حتّى إلى قريب من السنة الآتية كما في كلام الشيخ الأعظم. و لعل هذا مراد من جوّز التأخير للتعميم كالعلامة في كتبه. نعم لا يجوز التأخير إلى أزيد من السنة قطعا، إذ المستفاد من الروايات الكثيرة الدالّة على أن اللّه- تعالى- جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، و أن الناس لو أدّوا زكاة أموالهم ما بقي

مسلم فقيرا محتاجا هو عدم جواز التأخير من سنة. فالزكوات في كل سنة شرّعت لسدّ خلات الفقراء و سائر الأصناف إلى السنة الآتية، فتدبر.

(1) لا ينبغي تركه بل لا يترك لما مرّ من الأمر به في بعض الأخبار و إن احتملنا كونه للإرشاد و في مقام توهم الحظر، حيث إن الانعزال به مخالف للقاعدة كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 206

و لكن لو تلفت بالتأخير- مع إمكان الدفع- يضمن (1).

[المناط في الضمان هو التأخير عن الفور العرفي]

[المسألة 1]: الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي (2)، فلو أخّر ساعة أو ساعتين- بل أزيد- فتلفت من غير تفريط فلا ضمان و إن أمكنه الإيصال إلى المستحق من حينه مع عدم كونه حاضرا عنده. و أما مع حضوره فمشكل خصوصا إذا كان مطالبا (3).

______________________________

(1) لصحيحتى محمد بن مسلم و زرارة «1» الدالّتين على الضمان إن وجد لها موضعا أو أهلا فلم يدفعها، فراجع المسألة العاشرة و الحادية عشرة من الفصل السابق في حكم النقل إلى بلد آخر، حيث إن النقل المكاني و التأخير الزماني من واد واحد و يشملهما الصحيحتان.

و أما مع عدم وجود المستحق أو عدم إمكان الدفع فلا ضمان إجماعا، و يدل عليه أخبار كثيرة و منها الصحيحتان.

(2) في المستمسك: «كأنه لانصراف النصوص إليه.» «2»

أقول: الموارد و الملاكات و الأوامر مختلفة جدّا، فربما لا يعدّ التأخير بيوم تامّ تأخيرا كما إذا كان للفعل مقدمات تشغل ساعات و لا يحتاج عرفا إلى التعجيل، و ربما يعدّ التأخير بساعة أيضا تأخيرا كما إذا أمر بإنقاذ غريق مثلا، حيث يعتبر في مثله الفور الدقّي. و الملاك في المقام صدق أنه وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه

أو لم يجد لها موضعا و أهلا.

(3) لإطلاق نصوص الضمان الشامل لذلك.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

(2)- المستمسك 9/ 340.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 207

[يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق]

[المسألة 2]: يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق. فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان (1) لأنه معذور حينئذ في التأخير.

[لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف]

[المسألة 3]: لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب (2) متلف فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان علي المتلف فقط (3). و إن كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك

______________________________

(1) لتعليق الضمان و عدمه في الصحيحتين على وجدان الموضع و الأهل و عدم وجدانهما. و لكن لا يخفى أن عدم الوجدان إنما يصدق عرفا إذا فحص و لم يجد، فلو فرض وجوده بحيث لو فحص عنه عثر عليه لا يصح له أن يعتذر بأني لم أجده. و بالجملة يعتبر في نفي الضمان هنا الفحص كما لا يخفى.

و بذلك يظهر الإشكال على ما في مصباح الهدى في المقام. قال: «لأنه بجهله به غير متمكن من الأداء و إن تمكن من رفع الجهل بالفحص.» «1» هذا.

و أما التعليل المذكور في المتن فعليل كما في المستمسك، إذ المعذورية في التأخير لم تجعل موضوعا لنفي الضمان إلّا أن يشير بذلك إلى ما في الصحيحتين من عدم وجدان الأهل، فتدبّر.

(2) التخصيص بإتلاف الجميع مبني على مبناه من كون التعلق بنحو الكلي في المعين و أن تلف البعض لا يوجب تلف الزكاة ما بقي مقدارها في المال. و أما على القول بالإشاعة فإتلاف البعض أيضا يوجب تلف الزكاة بالنسبة كما لا يخفى.

(3) و لكل من المالك و الحاكم المطالبة منه، و أما الفقير فليس له ذلك.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 208

و الأجنبي ضامن (1) و للفقيه أو العامل الرجوع على أيهما شاء.

و إن رجع على

المالك رجع هو على المتلف (2) و يجوز له الدفع من ماله (3) ثم الرجوع على المتلف.

[لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب]

اشارة

[المسألة 4]: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصحّ (4).

______________________________

(1) فالمالك ضامن بالتأخير و الأجنبي ضامن بالإتلاف.

(2) لما تحقق في تعاقب الأيادي من استقرار الضمان على المتلف إلّا أن يكون مغرورا.

(3) بقصد الزكاة، إذ يجوز دفعها من غير العين من جنسها أو من غير جنسها كما مرّ في محلّه، نعم في المعزولة يقصد كون المدفوع بدلها.

[كلمات الفقهاء في المقام]

(4) 1- في زكاة الخلاف (المسألة 45): «لا يجوز تقديم الزكاة. قبل حلول الحول إلّا على وجه القرض، و إذا حال الحول جاز له أن يحتسب به من الزكاة إذا كان المقترض مستحقا و المقرض تجب عليه الزكاة. و أما الكفارة فلا يجوز تقديمها على الحنث. و قال الشافعي: يجوز تقديم الزكاة قبل الحول و تقديم الكفارة على الحنث. و قال داود و أهل الظاهر و ربيعة: لا يجوز تقديم شي ء منهما قبل وجوبه بحال. و قال أبو حنيفة: يجوز تقديم الزكاة قبل وجوبها و لا يجوز تقديم الكفارة قبل وجوبها. و قال مالك: يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث و لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوجوب ... دليلنا إجماع الفرقة و أيضا فلا خلاف في أنه إذا أخرجه وقت وجوبه أنه تبرأ ذمته ...» «1»

2- و في النهاية: «و لا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول وقتها، فإن حضر مستحق

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 286.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 209

..........

______________________________

لها قبل وجوب الزكاة جاز أن يعطى شيئا و يجعل قرضا عليه، فإذا جاء الوقت و هو على تلك الصفة من استحقاقه لها احتسب له من الزكاة. و إن كان قد استغنى أو تغيرت صفته التي يستحق بها الزكاة لم يجزئ ذلك عن الزكاة. و كان على صاحب المال

أن يخرجها من الرأس.» «1»

3- و في الشرائع: «و لا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب. فإن آثر ذلك دفع مثلها قرضا و لا يكون ذلك زكاة و لا يصدق عليها اسم التعجيل. فاذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزكاة كالدين على الفقير بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق و بقاء الوجوب في المال.» «2»

4- و ذيّله في المدارك بقوله: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، ذهب إليه الشيخان و المرتضى و أبو الصلاح و ابنا بابويه و ابن إدريس و غيرهم ...» «3»

5- و في التذكرة: «المشهور عند علمائنا عدم جواز تقديم الزكاة سواء وجد سبب الوجوب و هو النصاب أولا، و به قال ربيعة و داود و الحسن البصري في رواية لأن النبي «ص» قال: «لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول.» و من طريق الخاصّة ...

و لأن الحول أحد شرطي الزكاة و لا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.

و لأن الزكاة عبادة موقّتة فلا يجوز تقديمها عليه كالصلاة.

و قال الحسن البصري و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و إسحاق و أحمد و أبو عبيد: يجوز إذا وجد سبب الوجوب و هو النصاب لأن عليّا «ع» قال: سأل العبّاس رسول اللّه «ص» عن تعجيل صدقته

______________________________

(1)- النهاية/ 183.

(2)- الشرائع 1/ 167 (طبعة أخرى/ 127).

(3)- المدارك/ 326.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 210

..........

______________________________

قبل أن تحلّ فرخّص له في ذلك. و عن عليّ «ع» أن النبي «ص» قال لعمر: إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام. و لأنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل الأجل و أداء كفارة اليمين قبل الحنث و كفارة القتل بعد

الجرح قبل الموت ...» «1»

6- و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا «2» و الأموال لأبي عبيد. «3»

7- و لكن في مراسم سلّار: «و قد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحق.» «4»

8- و في المختلف: «و قال ابن أبي عقيل: يستحب إخراج الزكاة و إعطاؤها في استقبال السنة الجديدة في شهر المحرم، و إن أحبّ تعجيله قبل ذلك فلا بأس.» «5»

9- و فيه أيضا: «قال ابن أبي عقيل: من أتاه مستحق فأعطاه شيئا قبل حلول الحول و أراد أن يحتسب به من زكاته أجزأه إذا كان قد مضى من السنة ثلثها إلى ما فوق ذلك. و إن كان قد مضى من السنة أقل من ثلثها فاحتسب به من زكاته لم يجزه، بذلك تواترت الأخبار عنهم- عليهم السلام.»

قال العلامة بعد نقل كلامه: «و أكثر أصحابنا لم يعتبروا ما اعتبره هذا الشيخ ... و الأخبار التي ادّعى تواترها لم تصل إلينا.» «6»

10- و في مختصر أبي القاسم الخرقي: «و يجوز تقدمة الزكاة.»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 238.

(2)- المنتهى 1/ 511.

(3)- الأموال/ 702.

(4)- الجوامع الفقهية/ 642 (طبعة أخرى/ 580).

(5)- المختلف/ 188.

(6)- المختلف/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 211

..........

______________________________

11- و ذيّله في المغني بقوله: «و جملته أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة و هو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة، و بهذا قال الحسن و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد، و حكي عن الحسن: أنه لا يجوز، و به قال ربيعة و مالك و داود لأنه روي عن النبي «ص» أنه قال: «لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول»، و لأن الحول أحد شرطي الزكاة فلم

يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب، و لان للزكاة وقتا فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة. و لنا ما روى عليّ «ع» أن العباس سأل رسول اللّه «ص» في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخّص له في ذلك، رواه أبو داود. و قال يعقوب بن شيبة: هو أثبتها إسنادا. و روى الترمذي عن عليّ «ع» عن النبي «ص» أنه قال لعمر: «إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام ...» «1» هذا.

و قد ظهر بما ذكرنا من الكلمات أن المشهور بيننا عدم جواز التقديم، و المشهور بين المخالفين الجواز. و الأصل عدم الجواز إذ مقتضى القاعدة في الموقّت و المشروط عدمه ما لم يحصل الوقت و الشرط.

[الأخبار الدّالة على عدم جواز التقديم]

و لكن وردت هنا طائفتان من الأخبار متعارضتين: فالأولى منهما ما دلّت على عدم الجواز:

1- كصحيحة عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يكون عنده المال، أ يزكيّه إذا مضى نصف السنة؟ فقال: «لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه، إنه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها، و كذلك الزكاة. و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء، و كل فريضة إنما تؤدّى إذا حلّت.» «2»

______________________________

(1)- المغنى 2/ 499.

(2)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 212

..........

______________________________

2- و صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي الأولى قبل الزوال؟» «1»

3- و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يفيد المال؟ قال:

«لا يزكّيه حتى يحول عليه الحول.» «2»

4- و قد تقدم في مسألة تأخير الزكاة روايتا فقه الرضا

و الصدوق في كتابيه بتفسير لهما يعاضد صحيحة عمر بن يزيد. «3»

5- و يدل على ذلك أيضا النصوص الدالّة على اعتبار الحول و أنه لا شي ء في المال قبله، فراجع الوسائل. «4»

و في سنن البيهقي بإسناده عن النبي «ص»: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول.» «5» اللّهم إلّا أن يقال: إن التعجيل يراد به فعل الشي ء قبل وقته، و هذا التعبير بنفسه يدل على التوقيت لا أنه ينافيه، نظير تعجيل غسل الجمعة و الإتيان به في الخميس. هذا.

[الأخبار الدالة على جواز التقديم]

و في قبال هذه الأخبار أخبار يستفاد منها جواز التقديم:

1- كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين.» «6»

2- و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: الرجل تحلّ

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- راجع ص 198.

(4)- راجع الوسائل 6/ 82، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام؛ و 6/ 115، الباب 15 من أبواب زكاة النقدين.

(5)- سنن البيهقي 4/ 95، كتاب الزكاة، باب لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.

(6)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 213

..........

______________________________

عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس.» قال: قلت: فإنها لا تحلّ عليه إلّا في المحرم فيجعلها في شهر رمضان؟ قال: «لا بأس.» «1»

3- و خبر الحسين بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن رجل يأتيه المحتاج فيعطيه زكاته في أول السنة؟ فقال: «إن كان محتاجا

فلا بأس.» «2»

4- و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يعجل زكاته قبل المحلّ؟ فقال: «إذا مضت خمسة (ثمانية- التهذيب و الاستبصار) أشهر فلا بأس.» «3»

5- صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحل عليه الزكاة. قال: «يزكّي العين و يدع الدين». قلت:

فإنه اقتضاه بعد ستة اشهر؟ قال: «يزكيه حين اقتضاه.» قلت: فإن هو حال عليه الحول و حلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه و قد أتى لنصف ماله سنة و لنصفه الآخر ستة أشهر؟ قال: «يزكّي الذي مرّت عليه سنة و يدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنته.»

قلت: فإن اشتهى أن يزكّي ذلك؟ قال: «ما أحسن ذلك.» «4»

6- و الرواية الثالثة لأبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلّها.» «5»

و الرواية مروية عن السرائر و في سندها ضعف كما مرّ.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.

(3)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.

(4)- الكافى 3/ 523، باب أوقات الزكاة، الحديث 6؛ الوسائل 6/ 209.

(5)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 214

..........

______________________________

7- و قد مرّ عن المقنعة قوله: «و قد جاء عن الصادقين «ع» رخص في تقديمها شهرين قبل محلّها و تأخيرها شهرين عنه ...» ثم قال: «و الذي أعمل عليه و هو الأصل المستفيض عن آل محمد

«ص» لزوم الوقت، فإن كان حضر قبله من المؤمنين محتاج تجب صلته و أحبّ الإنسان أن يقدم له من الزكاة جعلها قرضا له ...» «1»

8- و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده عن الحكم بن عتيبة قال: بعث رسول اللّه «ص» عمر على الصدقة فأتى العباس يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجلت لرسول اللّه «ص» صدقة سنتين، فرفعه عمر إلى رسول اللّه «ص» فقال: «صدق عمّي تعجلنا منه صدقة سنتين.» «2»

9- و فيه أيضا بسنده عن عليّ «ع» عن النبي «ص» «أن النبي «ص» تعجل من العباس صدقة سنتين.» «3»

10- و فيه أيضا بسنده عن حفص بن سليمان، قال: «قلت للحسن: أ أخرج زكاة ثلاثة أعوام ضربة؟ فلم ير بذلك بأسا.» إلى غير ذلك مما حكاه من الآثار ثم قال:

قال أبو عبيد: و هذه الآثار كلها هي المعمول بها عندنا: أن تعجيلها يقضى عنه و يكون في ذلك محسنا ... «4»

و راجع في هذا المجال سنن البيهقي. «5» و يظهر من بعض ما حكاه أنه- صلّى اللّه عليه و آله- كان أخّر عن العباس الصدقة عامين من حاجة بالعباس إليها ثم

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- الأموال/ 702.

(3)- الأموال/ 703.

(4)- الأموال/ 703 و 704.

(5)- سنن البيهقى 4/ 111، كتاب الزكاة، باب تعجيل الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 215

..........

______________________________

أخذ منه العامين، فلا يرتبط بالمقام. و العمدة في المقام أخبارنا الصحيحة المعارضة للطائفة الأولى، فيجب أن يتحرى لها محمل صحيح.

[الجمع بين الأخبار]

و الشيخ في الاستبصار جمع بين الأخبار بحمل أخبار الجواز على القرض و استشهد لذلك بصحيح الأحول عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة، قال: «يعيد المعطي الزكاة.» قال:

«و لو كان التقديم جائزا على كل حال لما وجب عليه الإعادة إذا أيسر المعطى عند حلول الوقت.» «1»

و هكذا صنع في التهذيب أيضا.

و ناقشه في المعتبر، قال: «و ما ذكره الشيخ ليس حجة على ما ادّعاه، إذ يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة فتنزيله على القرض تحكّم.» «2»

و لكن صاحب الجواهر استوجه توجيه الشيخ و قال ما محصله: «أن يسار المستحق بعد أخذه الزكاة على وجه الزكاة لا أثر له فيما أخذه، لكن عن المنتهى القطع باعتبار هذا الشرط على تقدير تعجيل الزكاة لصحيح الأحول السابق و لما في المدارك من أن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقا فكذا القابض. و إن كان للنظر فيه مجال إن لم يحصل إجماع عليه و دونه خرط القتاد. و حمل صحيح الأحول على ذلك ليس بأولى من جعله دليلا على عدم جواز التعجيل الذي يؤمي إليه كثير من النصوص الدالّة على القرض للزكاة، «3»

ضرورة أنه لو كان التعجيل مشروعا لم يحتج إلى جعل ذلك قرضا. و القياس

______________________________

(1)- راجع الاستبصار 2/ 32، باب تعجيل الزكاة عن وقتها؛ و التهذيب 4/ 45، باب تعجيل الزكاة ...

(2)- المعتبر/ 274.

(3)- راجع الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 216

..........

______________________________

على حال الدافع لا نقول به خصوصا مع الفارق، ضرورة انكشاف عدم الزكاة مع فقد شي ء مما يعتبر فيه بخلاف صفة القابض فإن المعتبر حصولها حال الدفع لأن الفرض كونها زكاة.» «1»

و صاحب الحدائق بعد نقل جمع الشيخ قال ما محصّله. «و مما يضعّف هذا الحمل أن الروايات قد دلّت على أنها زكاة معجّلة كما دلّت

على جواز تأخيرها شهرين و ثلاثة، فالتقديم إنما هو بعنوان الزكاة لا القرض كما أن التأخير كذلك.

و أيضا لو كان المراد القرض لكان الاقتصار على الشهرين أو الثلاثة أو نحو ذلك مما ورد في الأخبار لا معنى له.

و ما في المدارك من أن جواز التعجيل على سبيل القرض لا يتقيّد بالشهرين و الثلاثة، و التخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم.

ففيه أولا: أن كلامه هذا إنما يتّجه على القول بعدم حجيه مفهوم العدد.

و ثانيا: أنه قد جزم بذلك بالنسبة إلى التأخير كما تقدم في كلامه تبعا لجدّه، و الكلام في المقامين واحد. فإن كانت الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على التخصيص بالحكم كما ذكره هنا ففي الموضعين ...

و لعل الاقرب حمل هذه الأخبار على التقية التى هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية.» «2»

أقول: القرض و إن كان لا يتقيد بالشهرين و الثلاثة، و لكن ذكرها في الأخبار لعله من جهة أن المالك لا يقرض الفقير المعوز غالبا إلّا إذا اطمأنّ بتعلق الزكاة بماله ليستو في طلبه منها، و هذا لا يتّضح غالبا إلّا في أواخر الحول،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 464.

(2)- الحدائق 12/ 234- 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 217

..........

______________________________

فلعل التقييد بها بلحاظ هذه الغلبة، فتدبّر.

و صاحب الجواهر أيضا رجّح في أواخر كلامه طرح نصوص التقديم أو حملها على التقية، و قال قبل ذلك إن في الاستدلال المذكور في صحيحتي عمر بن يزيد و زرارة إشعارا بخروج تلك النصوص مخرج التقية. «1»

أقول: بعد اللتيّا و التي، المسألة في غاية الإشكال، إذ الحمل على القرض خلاف ظاهر الروايات جدّا، إذ ظاهرها الإعطاء بلا عوض بعنوان الزكاة، و القرض عقد يستلزم توجّه الطرفين إلى مضمونه. و الحمل على

التقية لا يناسب التقييد بالشهرين و الثلاثة، إذ لا يوجد هذا التقييد في كلمات المخالفين. بل ظاهر ما حكوه من صدقة العباس جواز تقديمها لسنة.

نعم إذا فرض إعراض المشهور عن الروايات وجب طرحها عملا إذ العمدة في حجيّة الأخبار بناء العقلاء، و مع إعراض المشهور لا يعتمد عليها العقلاء و لا يحصل لهم وثوق بصحّتها، و أوّل المرجّحات في باب الخبرين المتعارضين الشهرة الفتوائية.

فالأقوى، هو القول المشهور بين أصحابنا و إن لم يظهر لنا محمل للأخبار المعارضة.

و لكن لقائل أن يقول: إن عمدة ما دلّ على جواز التأخير هي أخبار جواز التقديم، فإذا فرض طرحها صار جواز التأخير بلا دليل معتد به و قد أفتيتم به مستندا إلى هذه الأخبار، و الأخذ ببعض مضمون الخبر و طرح بعضه الآخر مشكل جدّا إذ العقلاء لا يلتزمون بالتبعيض في الحجية. هذا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 462.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 218

[لو قدّمها كان المال باقيا على ملكه]

فلو قدّمها كان المال باقيا على ملكه (1) مع بقاء عينه. و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال (2). و للمالك احتسابه جديدا مع بقائه

______________________________

و لكن يكفي في القول بجواز التأخير موثقة يونس بن يعقوب الماضية، فراجع.

بل و كذا صحيحة عبد اللّه بن سنان. «1»

و أمّا في مسألتنا فلو فرض سقوط كلتا الطائفتين من الأخبار بسبب التعارض فالقاعدة كما عرفت يقتضي المنع، إذ الحول شرط في الوجوب كالنصاب، و المشروط عدم بعدم شرطه، مضافا إلى أن الشغل اليقيني يقتضي تحصيل الفراغ اليقيني و لا سيما في الأمور العبادية، فتدبّر.

ثم إنه ربما يقال في تصحيح التعجيل مضافا إلى ما مرّ من القرض المصطلح وجوه: الأول: أنه نفل يسقط به الفرض المتأخر.

الثاني: أنه قرض يصير بحلول الحول زكاة قهرا

من غير حاجة إلى الاحتساب.

الثالث: أنه قرض على الزكاة لا على الفقير، نظير استقراض الجهة على الزكاة حيث يجعل سهم سبيل اللّه مثلا مقروضا، فالفقير في المقام يعطى بعنوان القرض على الزكاة الآتية فلا تكون ذمة الفقير مشغولة.

الرابع: أنه ليس قرضا و لا زكاة، بل هو عنوان مستقل يسقط به الزكاة.

و بيان هذه الوجوه و لوازمها يستلزم تطويلا في البحث فلنعرض عنه.

(1) اذ المفروض عدم وقوعه زكاة و لم يقصد غيرها فلا وجه لخروجه عن ملكه.

(2) و جهل المالك به، و أما مع علمهما فيشكل الضمان لأنه أهدر احترام ماله بسوء اختياره، و لعل قاعدة الإتلاف منصرفة عن مثله.

______________________________

(1)- راجع ص 199 و 201.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 219

أو احتساب عوضه مع ضمانه (1) و بقاء فقر القابض. و له العدول عنه إلى غيره.

[يجوز أن يعطي الفقير قرضا]

[المسألة 5]: إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا و لم يجئ وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا (2).

فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة (3) بشرط بقائه على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب.

______________________________

و إن جهل القابض لم يضمن، علم المالك به أو جهل، مع صدق الغرور.

فلو أخذ المال بقصد ما قصده المالك كيف ما كان، و المفروض أنه قصد الزكاة فالظاهر عدم صدق الغرور حينئذ فيضمن.

(1) الاحتساب في الإتلاف العمدي مع العلم محل إشكال.

(2) و لا يكفي فيه قصد الدافع فقط بل يجب إعلام الفقير بذلك، إذ القرض عقد يتقوّم بقصد الطرفين و إنشائهما.

(3) كما تضمنته النصوص و منها خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه «ع» (في حديث): أن عثمان بن عمران قال له: إني رجل موسر و يجيئني الرجل و

يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه «ع»:

«القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة. يا عثمان، لا تردّه فإن ردّه عند اللّه عظيم.» «1»

و هل يختصّ هذا بالفقير أو يعم سائر الأصناف أيضا حتّى الجهة كسبيل اللّه مثلا؟ و جهان. و لعل الأوجه هو الثاني.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 209، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 220

و لا يجب عليه ذلك، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه و الدفع إلى غيره. و إن كان الأحوط الاحتساب عليه و عدم الأخذ منه (1).

______________________________

(1) ربما يوجّه الاحتياط بوجوه:

الأول: ما في المستمسك، قال: «و كأن منشأ الاحتياط أنه محمل النصوص المتقدمة في التعجيل، بأن يكون المراد منها أنه يقرضه قبل الحول، و تسميته تعجيلا للزكاة باعتبار تعيّن احتسابه زكاة.» «1»

و فيه: أن هذا خلاف ظاهر النصوص كما مرّ، فتأمّل. و نظير ذلك احتمال صيرورته زكاة قهرا من دون حاجة إلى الاحتساب.

الثاني: أن الإعطاء إذا كان للّه فلا رجوع فيه، و الإعطاء بقصد الاحتساب نوع منه.

و فيه: أن ما لا رجوع فيه، هو الإعطاء المجاني إذا كان للّه فلا يشمل القرض، و مجرد قصد الاحتساب لا يجعله واجبا، نظير ما إذا قصد التصدق بمال ثم بدا له.

الثالث: الأمر بالاحتساب في بعض الروايات، كقوله في فقه الرضا: «و إن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه، فإذا دخل عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة فإنه يحسب لك.» «2» و نحوه عبارة الفقيه. «3»

و

فيه: أن الأمر هنا للإرشاد و في مقام توهم الحظر، فلا يدل على أزيد من الجواز.

ثم لا يخفى أن مسألة القرض ثم الاحتساب زكاة مما وردت به نصوص كثيرة

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 343.

(2)- فقه الرضا/ 22 (طبعة أخرى/ 198).

(3)- الفقيه 2/ 10 (طبعة أخرى 2/ 18).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 221

[لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة]

[المسألة 6]: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة فالزيادة له لا للمالك (1)، كما أنه لو نقص كان النقص عليه.

______________________________

كما مرّ. و هل تجري هذه في باب الخمس و المظالم و الكفارات و نحو ذلك؟

فيه و جهان: من إلغاء الخصوصية، و من أن الواجب هو الإعطاء بقصد هذه الأمور، و كفاية الاحتساب في القصد فقط تحتاج إلى دليل.

(1) المشهور على أن القرض يملك بالقبض و لذا يجوز للمقترض التصرف فيه بذلك حتى ما يتوقف منه على الملك كالوطئ و البيع و نحوهما. و يشهد لذلك أيضا ما دلّ على أن زكاته على المقترض كصحيحة زرارة و نحوها. «1»

و قيل بأن الملك لا يحصل إلّا بالتصرف. و فيه دور ظاهر، إذ التصرف لا يحلّ إلّا بالملك، فلو توقف الملك عليه لزم الدور. و مقتضى الملكية كون النماء للمقترض و النقص أيضا عليه كما هو واضح.

و المشهور أيضا على أن القرض عقد لازم و هو الأصل في العقود، فليس للمقرض ارتجاع نفس العين و إنما يحصل له بالعقد المثل أو القيمة و يجوز له مطالبته متى شاء.

و أما ارتجاع نفس العين فإن كان بعنوان الفسخ فهو خلاف مقتضى اللزوم و إن كانت بدونه فهو خلاف قاعدة السلطنة.

نعم للمقترض أداء العين إن كانت مثلية بما أنها من مصاديق المثل و ليس للمقرض الامتناع

من أخذه.

و عن الشيخ: أن له ارتجاع العين و إن كره المقترض لأن القرض لا يزيد عن الهبة و لأنه من العقود الجائزة و لأنه إذا استحق المطالبة بالمثل أو القيمة فبالعين بطريق أولى.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب ما تجب عليه للزكاة، الحديث 1 و غيره.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 222

فإن خرج عن الاستحقاق، أو أراد المالك الدفع إلى غيره يستردّ عوضه لا عينه (1)، كما هو مقتضى حكم القرض، بل مع عدم الزيادة أيضا ليس عليه إلّا ردّ المثل أو القيمة.

[لو كان النصاب يتمّ بالقرض لم تجب الزكاة]

[المسألة 7]: لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول- بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب و خرج الباقي عن حدّه سقط الوجوب على الأصحّ (2) لعدم بقائه في ملكه طول الحول، سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة فلا محلّ للاحتساب.

______________________________

و أجيب بأن الهبة من العقود الجائزة و القرض من العقود اللازمة فلا يقاس أحدهما بالآخر، مضافا إلى أن القرض معاوضة دونها. و جواز مطالبة المثل أو القيمة غير جواز العقد. و الحق في المسألتين ما قاله المشهور، و التحقيق يطلب من محلّه.

(1) يعنى لا يجوز للمقرض ارتجاعها و لكن يجوز للمقترض ردها في المثليات بما أنها من مصاديق المثل كما مرّ.

(2) في الشرائع: «و لو كان النصاب يتمّ بالقرض لم تجب الزكاة سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه.» «1» و ذيّله في الجواهر بما ملخصه:

«لأن التحقيق عندنا أن القرض يملك بالقبض، و أنه لا زكاة في الدين عندنا، و أن تبديل النصاب في الأثناء بجنسه أو بغير جنسه مسقط للزكاة لانثلام النصاب في الحول، خلافا للشيخ في جميع ذلك فقال: «إن

القرض يملك بالتصرف دون القبض» و قال: «إن الزكاة تجب في الدين» و قال: إن تبديل النصاب في أثناء

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 167 (طبعة أخرى/ 127).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 223

..........

______________________________

الحول لا يسقط الزكاة.» «1»

أقول: القائل بالوجوب في المقام يبتني كلامه إمّا على بقاء القرض في ملك المقرض ما لم يتصرف فيه، أو على وجوب الزكاة في الدين. و كلام الشيخ في المبسوط مبنيّ على الأول و في الخلاف على الثاني:

قال في المبسوط: «إذا كان عنده أربعون شاة فعجّل واحدة ثم حال الحول جاز أن يحتسب بها لأنها تعدّ في ملكه ما دامت عينها باقية، فإن أتلفها المدفوع إليه قبل الحول فقد انقطع حول النصاب و لا يجب على صاحبها زكاة.» «2»

و في زكاة الخلاف (المسألة 54): «إذا كان عنده أربعون شاة فعجّل شاة و حال الحول جاز أن يحتسب بها ... و قال أبو حنيفة: إذا عجّل من أربعين شاة أنها لم تقع موقعها لأن المال قد نقص عن الأربعين ... و قال الشافعي: أنها تجزيه ...

دليلنا أنه قد ثبت أن ما يعجله على وجه الدين، و ما يكون كذلك فكأنه حاصل عنده و جاز له أن يحتسب به لأن المال ما نقص عن النصاب ...» «3»

و ظاهر كلامه هذا أن الدين يتعلق به الزكاة مطلقا، و لكنه قال في المسألة الخامسة و التسعين من زكاة الخلاف: «لا زكاة في مال الدين إلّا أن يكون تأخره من قبل صاحبه.» «4» و نحو هذا التفصيل أيضا في المبسوط «5» و الجمل و العقود. «6»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 466.

(2)- المبسوط 1/ 231.

(3)- الخلاف 1/ 288.

(4)- الخلاف 1/ 303.

(5)- المبسوط 1/ 211.

(6)- الرسائل العشر للشيخ/ 205.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 4، ص: 224

نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة- بالقصد المذكور- لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه عند الفقير فله الاحتساب حينئذ بعد حلول الحول (1) إذا بقي على الاستحقاق.

[لو استغنى الفقير بعين هذا المال ثم حال الحول]

[المسألة 8]: لو استغنى الفقير- الذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال ثم حال الحول يجوز الاحتساب عليه لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين (2).

______________________________

فلعل الحكم بوجوب الزكاة في المقام كان من جهة أن ما يقرضه باختياره ليحتسب به زكاة يكون نظير ما يكون تأخره من قبل صاحبه، حيث إنه كلما أراد احتسبه زكاة و يكون بحكم النقد في اعتبار العقلاء.

و المصنف تعرّض لمسألة زكاة الدين في المسألة العاشرة في أوائل الزكاة و حكم بعدم الزكاة فيه، و الأخبار في المسألة مختلفة متعارضة و نحن قسمناها إلى ست طوائف و احتطنا نحن هناك وجوبا إخراج الزكاة إن أمكنه استيفاء الدين بسهولة أو أراد المديون الوفاء فلم يستوف الدائن مسامحة أو فرارا من الزكاة، فراجع المجلد الأول من زكاتنا. «1»

و على هذا ففي المقام أيضا لو أمكنه الاستيفاء بسهولة بحيث يكون التأخّر من قبله و يكون كالنقد الموجود عنده فالأحوط عدم سقوط الوجوب، فتدبّر.

(1) لاجتماع شرائط الوجوب حينئذ و منها ملك النصاب طول الحول، اللّهم إلّا أن لا يتمكن من التصرف فيه.

(2) في زكاة الخلاف (المسألة 49): «إذا عجّل زكاته لغيره ثم حال عليه الحول

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 94.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 225

..........

______________________________

و قد أيسر المعطى فإن كان أيسر بذلك المال فقد وقعت موقعها و لا يستردّ. و إن أيسر بغيره استردّ أو يقام عوضه، و هو مذهب الشافعي. و قال أبو حنيفة: لا يردّ على حال أيسر به أو بغيره.

دليلنا

أنه قد ثبت أنه لا يستحق الزكاة غنيّ. و إذا كان هذا المال دينا عليه إنّما يستحقه إذا حال عليه الحول، و إذا كان في هذه الحال غير مستحق لا يجوز له أن يحتسب بذلك.» «1»

أقول: أبو حنيفة كان يقول بجواز تقديم الزكاة على الحول، فعلى مبناه وقع المعجّل زكاة حين الدفع و قد وقعت في محلّها حينئذ فلهذا حكم هنا بعدم الردّ، فقوله هنا صحيح على مبناه.

و ظاهر قول الشيخ: «أيسر بذلك المال» الإيسار بعين هذا المال بحيث لو أخذت منه لم يبق له شي ء، فعلى هذا يصحّ كلامه إذ الغني و إن كان يحصل بوجدان مئونة السنة و لكن يعتبر في مئونة السنة وجدان ما يقابل الدين أيضا و الفاقد لما يقابله فقير عرفا و إن وجد قوت السنة. و قد مرّ تحقيق هذا في بعض المباحث السابقة.

و لكن الشيخ في المبسوط «2» عنون هذه المسألة بشقّيها و مثّل للإيسار بذلك المال بأن كانت ماشية فتوالدت أو مالا فاتّجر به و ربح.

و لا يخفى عدم صحة ما ذكره كما صرّح بذلك العلامة في المختلف «3»، إذ المقبوض ملكه الفقير بعنوان القرض فيكون النماء له متصلا كان أو منفصلا،

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 288.

(2)- المبسوط 1/ 230.

(3)- المختلف/ 189.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 226

..........

______________________________

فإذا صار غنيا بالنماء فقط حرمت عليه الزكاة عند حلول الحول و وجب عليه ردّ العين خاصّة دون النماء، اللّهم إلّا أن تكون العين قيميّة و وجب عليه ردّ قيمتها حين الأداء و فرض ارتفاع قيمتها حينئذ بحيث استغرقت العين و النماء معا.

و بالجملة فالشق الثاني من المسألة أعني الإيسار بغير هذا المال كما يشمل المال الآخر يشمل نماء هذا المال أيضا.

و

في الشرائع: «إذا استغنى بعين المال ثم حال الحول جاز احتسابه عليه، و لا يكلف المالك أخذه و إعادته. و إن استغنى بغيره استعيد القرض.» «1»

فذكر في الشق الأوّل عين المال فيصير النماء داخلا في الشق الثاني كما في الجواهر. «2»

و كيف كان فالاستغناء إذا كان بعين المال لا بنمائه و المفروض كونها قرضا فالفقر باق لا محالة و يجوز احتسابها و لا يجب أخذها و إعادتها، كما صرّح به المحقق.

و قال في المنتهى على ما حكاه عنه في المدارك: «لأن العين دفعت إليه ليستغني بها و ترتفع حاجته و قد حصل الغرض فلا يمنع الإجزاء، و بأنا لو استرجعناها منه لصار فقيرا فجاز دفعها إليه بعد ذلك و ذلك لا معنى له.» «3»

و لكن يظهر من ابن إدريس منع ذلك، قال: «إنه إذا كان عند حؤول الحول غنيا فلا يجزي عن الدافع لأن الزكاة لا يستحقها الغني، سواء كان غناه بها أو بغيرها على كل حال، لأنه وقت الدفع و الاحتساب غنيّ و له مال و هو القرض، لأن المستقرض يملك مال القرض دون القارض بلا خلاف بيننا و هو حينئذ غنيّ.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(2)- الجواهر 15/ 471.

(3)- راجع المنتهى 1/ 513؛ و المدارك/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 227

..........

______________________________

و عندنا أن من عليه دين و له من المال الذهب و الفضة بقدر الدين، و كان ذلك المال الذي معه نصابا فلا يعطى من الزكاة و لا يقال إنه فقير يستحق الزكاة بل يجب عليه إخراج الزكاة مما معه لأن الدين عندنا لا يمنع من وجوب الزكاة لأن الدين في الذمة و الزكاة في العين.» «1»

قال في الجواهر بعد نقل

كلامه: «و لا يخفى عليك ما فيه من الخلط بين المسألتين، ضرورة الفرق بين عدم منع الدين وجوب الزكاة على من ملك النصاب و بين اقتضائه وصف الفقر إذا فرض قصور ماله عن مقابلته و مئونة سنته.» «2»

و في المختلف في جواب ابن إدريس: «و الجواب أن الغنى هنا ليس مانعا، إذ لا حكمة ظاهرة في أخذه و دفعه.» «3»

أقول: كان الأولى له منع صدق الغنى عرفا مع فقده لما يقابل الدين كما مرّ و إلّا فيرد عليه كما في المدارك: «أن عدم ظهور الحكمة لا يقتضي عدمها في نفس الأمر.» «4» هذا.

و ابن إدريس قال بقريب من صفحة قبل هذه العبارة: «فإن حضر مستحق لها قبل وجوب الزكاة جاز أن يعطى شيئا و يجعل دينا عليه و قرضا، فإذا جاء الوقت و هو على الصفة التي يستحق معها الزكاة احتسب بذلك من الزكاة إن شاء، و إن كان قد استغنى بعينها فيجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة، و إن كان قد استغنى بغيرها فلا يجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة.» «5»

______________________________

(1)- السرائر 105 (طبعة أخرى 1/ 455).

(2)- الجواهر 15/ 470.

(3)- المختلف/ 190.

(4)- المدارك/ 327.

(5)- السرائر/ 105 (طبعة أخرى 1/ 453).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 228

و يجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضا (1).

[لو استغنى الفقير المقترض بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته]

و أما لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميّا و قلنا: إن المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء (2) لم يجز الاحتساب عليه.

______________________________

و هذا موافق لما اخترناه، فلعله أراد بالعبارة السابقة الغنى الحاصل بنماء العين كما في عبارة المبسوط، فتدبّر.

(1) و وجهه واضح، و بعض المحشين جعله أحوط من جهة التشكيك في صدق الفقر بلحاظ الدين.

(2)

في المستمسك: «إذا كان يوم الأداء هو زمان الاحتساب، لأن ارتفاع القيمة ذلك اليوم يوجب زيادة الدين فلا يصير به غنيا. أما لو كان يوم الأداء متأخرا عن يوم الاحتساب، و علم بأنه تنقص قيمته يوم الأداء عن قيمته يوم الاحتساب بحيث يكون التفاوت بين القيمتين بمقدار مئونة سنته لا يجوز الاحتساب عليه لصيرورته غنيا.» «1»

أقول: لم يظهر لي مراده «قده»، إذ المفروض أن أداء الدين هنا يتحقق بالاحتساب فليس لنا أداء غير الاحتساب حتى يتأخر يومه عن يوم الاحتساب إلا أن يريد بيوم الأداء اليوم الذي عيّن في العقد للأداء فيه بناء على نفوذ التأجيل فيه.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 345.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 229

10- فصل في اعتبار نيّة القربة في الزكاة

اشارة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 231

10- فصل:

الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نيّة القربة (1).

[هل الأمر في باب الزكاة تعبّدي أو توصّلي]

______________________________

(1) هل الأمر في باب الزكاة تعبّدي يتوقف امتثاله على نيّة العمل و قصد القربة و الإخلاص، أو توصّلي يكفي في امتثاله و سقوطه حصول ذات العمل بأيّ نحو حصل كما في تطهير البدن و الثوب و نحوهما؟ و كان على المصنف ذكر الإخلاص أيضا.

[كلمات الفقهاء في المقام]

1- قال الشيخ في زكاة الخلاف (المسألة 56): «النيّة شرط في الزكاة، و هو مذهب جميع الفقهاء إلّا الأوزاعي فإنه قال: لا تفتقر إلى النية.

دليلنا قوله- تعالى-: «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- إلى قوله-:

وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ.» و الإخلاص لا يكون إلّا بنيّة.

و أيضا فلا خلاف أنه إذا نوى كونها زكاة أجزأت عنه و لم يدلّ دليل على إجزائها مع فقد النية.

و أيضا قول النبي «ص»: «إنّما الأعمال بالنيات» يدلّ على ذلك.» «1»

أقول: الشيخ لم يدّع إجماع أصحابنا في المسألة، و إنما ادّعى اتفاق فقهاء

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 289.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 232

..........

______________________________

السنة إلّا الأوزاعي. و الفقهاء و العلماء يراد بهما في اصطلاحهم فقهاء السنة و علماؤهم.

و لعلّ السرّ في ذلك أن المسألة ليست من المسائل الأصلية المأثورة عن الأئمة «ع» و لم تكن معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل المسائل الأصلية كالمقنعة و المقنع و الهداية و الغنية و نحوها. و الشيخ أيضا لم يتعرض لها في نهايته الذي وضعه على هذا الأساس.

و إنما تعرّض لها في الخلاف و المبسوط.

و على هذا فلا وجه لادعاء إجماع أصحابنا في المسألة و الاستدلال لها بذلك، إذ إجماع المتأخرين في المسائل التفريعية الاستنباطية يكون من قبيل الإجماع في المسائل العقلية في عدم الكشف عن قول الأئمة المعصومين «ع».

ثم لا يخفى أن اشتراط النية

أعمّ من اشتراط القربة و الإخلاص المقوّمين لعبادية العمل. فإن العناوين القصدية كالتعظيم و التحقير و نحوهما و جميع الإنشائيات متقومة بالنية و القصد و ليست عبادية. و مثل ذلك أيضا أداء الدين فإن إعطاء مال لشخص خاص لا يتشخص بكونه أداء لدينه و عوضا عنه إلّا بالقصد، و لعلّ مثل ذلك أيضا أداء الزكاة و الخمس و الكفارات و النذور، حيث إنها أعمال مشتركة في الصورة و لا يتعين العمل لأحدها إلّا بالقصد. و بالجملة فلنا أمور متقومة بالقصد من دون أن يعتبر فيها قصد القربة و الإخلاص، و لكن النظر في المقام إلى اثبات كون الواجب مشروطا بالقربة و الإخلاص أعني كونه تعبديا. و الأدلة التي أقامها الشيخ و غيره بعضها يدل على أصل اعتبار النية، و بعضها يدل على اعتبار القربة و الإخلاص و كون العمل عباديا.

2- و في زكاة المبسوط: «النية معتبرة في الزكاة، و يعتبر نية المعطي سواء كان المالك

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 233

..........

______________________________

أو من يأمره المالك أو من يتولى مال اليتيم الذي يجب فيه الزكاة و مال المجنون.» «1»

3- و قال المحقق في المعتبر: «النية شرط في أداء الزكاة، و هو مذهب العلماء خلا الأوزاعي قال: إنها دين فلا تعتبر لها النية كسائر الديون.

لنا أن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها، فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنيّة. و لأنها عبادة أمر بإيقاعها على وجه الإخلاص، و لا يتحقق الإخلاص إلّا مع القصد و هو المراد بالنية» «2»

أقول: قد مرّ منا أن أداء الدين و إن لم يكن عباديا و لكن تشخص المال المعطى لكونه عوضا عن الدين يتوقف على النية كما لا يخفى.

4-

و قال في الشرائع: «القول في النية. و المراعى نيّة الدافع إن كان مالكا و إن كان ساعيا أو الإمام أو وكيلا جاز أن يتولّى النية كل واحد من الدافع و المالك ...

و حقيقتها القصد إلى القربة و الوجوب أو الندب و كونها زكاة مال أو فطرة.» «3»

5- و ذيّله في المدارك بقوله: «أجمع الأصحاب على أن النيّة شرط في أداء الزكاة.» «4»

6- و في الجواهر: «لا خلاف في اعتبارها في الزكاة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله كذلك بين المسلمين.» «5»

أقول: قد مرّ منا الإشكال في إجماع أصحابنا في المسألة لعدم كون المسألة

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- المعتبر/ 275.

(3)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(4)- المدارك/ 327.

(5)- الجواهر 15/ 471.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 234

..........

______________________________

معنونة في كتب القدماء من أصحابنا.

7- و في التذكرة: «النية شرط في أداء الزكاة، فلا تصحّ من دونها عند علمائنا أجمع، و هو قول عامّة أهل العلم، و لأنه عبادة فتفتقر إلى النيّة لقوله- تعالى- «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ،» و لقوله- عليه السلام-: إنما الأعمال بالنيّات و أداؤها عمل. و لأنها عبادة تتنوع إلى فرض و نفل فافتقرت إلى النية كالصلاة و الصوم. و لأن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنية.

و حكي عن الأوزاعي أن النية لا تجب في الزكاة لأنها دين فلا تجب فيها النية كسائر الديون و لهذا يخرجها وليّ اليتيم و يأخذها السلطان من الممتنع، و الفرق ظاهر لانحصار مستحقه و قضاؤه ليس بعبادة و لهذا يسقط بإسقاط مستحقه، و ولي الطفل و السلطان ينويان عند الحاجة.» «1»

8- و في مختصر أبي القاسم الخرقي

في فقه الحنابلة: «و لا يجوز إخراج الزكاة إلّا بنيّة»

9- و ذيّله في المغني بقوله: «مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة إلّا ما حكي عن الأوزاعي أنه قال: لا تجب لها النية لأنها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون ...» «2»

أقول: قد وقفت في خلال ما حكيناه من الكلمات على ما استدلوا به للاشتراط.

و قال في المستمسك بعد الإشارة إلى الإجماعات المحكية: «و كفى بهذه الإجماعات دليلا على الحكم، فيعتبر في نيّتها ما يعتبر في نيّة سائر العبادات من

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 242.

(2)- المغني 2/ 505.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 235

..........

______________________________

القربة و الإخلاص و التعيين ...» «1» و ظاهره عدم تمامية سائر الأدلة عنده.

[أربعة أمور ربما يقال باعتبارها في المقام]

أقول: هنا أربعة أمور ربما يقال باعتبارها في المقام و يشار إليها في كلماتهم:

الأول: أصل النية بمعنى وقوع الفعل عن قصد و إرادة، في قبال وقوعه في النوم أو في حال الغفلة و عدم التوجّه.

الثاني: انبعاث إرادته عن داع إلهي من القربة و امتثال الأمر و نحوها، في قبال الانبعاث كلا أو بعضا عن الدواعي النفسانية أو عن رياء و شرك. و هذا هو المقوّم لعباديّة العمل.

الثالث: قصد العنوان الواقع تحت الأمر و تمييزه عن غيره من العناوين المشاركة له في الهيئة و الصورة، كصلاة الظهر مثلا عن العصر و الزكاة مثلا عن الخمس و الكفارة.

الرابع: قصد الوجه، أي الوجوب و الندب و صفا أو غاية أو كليهما.

و الواجبات التوصّلية لا يعتبر فيها شي ء من هذه الأمور إلّا إذا توقف تحقق أصل العمل على قصده، كالعناوين الاعتبارية و الإنشائية المتقومة بالقصد و النية بحيث لا ينطبق العنوان على ذات العمل إلّا بالنية.

و قد رأيت أن

بعض الأدلة التي تعرضوا لها لا يدل على أزيد من اعتبار القصد، و بعضها يدل على اعتبار التمييز و التعيين، و بعضها يدل على اعتبار القربة و الإخلاص.

و نظر المتعرضين للمسألة في المقام إلى كون الزكاة أمرا عباديا متقوما بالقصد و القربة و الإخلاص نظير الصلاة و الصوم و نحوهما.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 345.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 236

[عمدة ما ذكروه دليلا للتعبدية أمور]

اشارة

______________________________

و عمدة ما ذكروه دليلا لذلك أمور:

[الأول: الإجماع]

الأول: الإجماع.

و يرد عليه ما مرّ من الإشكال في تحقق إجماع أصحابنا لعدم كون المسألة معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا. اللّهم إلّا أن يريدوا بذلك إجماعهم في مقام العمل لا في مرحلة الإفتاء، و لكن إحراز تحقق ذلك في جميع الأعصار بحيث يكشف به تلقّيهم المسألة عن المعصومين «ع» مشكل.

[الثاني: قوله- تعالى- في سورة البيّنة]

الثاني: قوله- تعالى- في سورة البيّنة: «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ.» «1» بتقريب أن اللام إن جعلت للغاية دلّت على أن الغرض و الغاية المنظورة مما أمروا به منحصرة في العبادة و القربة.

و إن جعلت للصلة أو بمعنى أن كما في قوله- تعالى-: «وَ أُمِرْنٰا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعٰالَمِينَ» «2» كما هو الظاهر و يشهد له عطف قوله: «وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ»، حيث لا معنى لجعلهما غايتين لسائر الواجبات، دلّت أيضا على أنهم ما أمروا إلّا بالعبادة و الإخلاص، فيستفاد منه أن الأصل في كل واجب أن يكون عبادة.

و يرد على ذلك- مضافا إلى ارتباط الآية بأهل الكتاب- أن مقتضى التقريبين وقوع تخصيص الأكثر المستهجن لكثرة الأوامر التوصّلية في الشرع المبين، فالظاهر أن المراد بالآية كونهم مأمورين بالتوحيد و إخلاص العبادة للّه- تعالى- في قبال الشرك و الإشراك في العبادة، لا وجوب كون الأعمال مع النية و القربة و وقوعها عبادة.

______________________________

(1)- سورة البيّنة (98)، الآية 5.

(2)- سورة الأنعام (6)، الآية 71.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 237

..........

______________________________

فمساق الآية مساق قوله- تعالى-: «قُلْ: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّٰهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.» «1» و قوله: «قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِلىٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ أَلّٰا نَعْبُدَ إِلَّا اللّٰهَ وَ لٰا نُشْرِكَ بِهِ

شَيْئاً. الآية.» «2» و بالجملة فلا مساس للآية بباب الواجبات و اعتبار القربة فيها، و قد أشار إلى هذا المعنى الجصّاص في تفسير الآية ثم قال:

«فلا يصح الاستدلال به في إيجاب النية.» «3»

و في المجمع: «أي لم يأمرهم اللّه إلّا لأن يعبدوا اللّه وحده لا يشركون بعبادته ...

«مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»* لا يخلطون بعبادته عبادة ما سواه.» «4»

[الثالث: قوله- تعالى في سورة الليل]

الثالث: قوله- تعالى- «وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ.» «5»

استدل به في الخلاف و المعتبر «6» على اعتبار النية في الصوم، قال في صوم الخلاف (المسألة 2): «فنفى المجازاة على كل نعمة إلّا ما يبتغى به وجهه، و الابتغاء بها وجهه هو النية.»

أقول: الظاهر من الخلاف إرجاع الضمير في «عِنْدَهُ» إلى اللّه- تعالى- فيصير المراد أنه ما لأحد عند اللّه من عمل و هيئة حسنة يجزيه اللّه بهما إلّا ابتغاء وجه الربّ. و الظاهر أن هذا اشتباه، إذ الضمير يرجع إلى الأتقى و المستثنى منقطع،

______________________________

(1)- سورة الزمر (39)، الآية 11.

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 64.

(3)- أحكام القرآن 3/ 584.

(4)- مجمع البيان 5/ 523، (الجزء 10).

(5)- سورة الليل (92)، الآية 19 و 20.

(6)- راجع الخلاف 1/ 337؛ و المعتبر/ 298.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 238

..........

______________________________

فيكون المراد أنه سيجنّب النار الأتقى الذي يؤتي ماله ليتزكى و لا يكون إعطاؤه للمال للتلافي و الجبران بأن يكون لأحد عنده نعمة فيجزيه بعوضها بل يكون إعطاؤه ابتغاء وجه اللّه، فلا تدل الآية على اعتبار القربة في الواجبات أصلا.

و لو سلّم رجوع الضمير إلى اللّه- تعالى- كما هو ظاهر الخلاف فلا تدل أيضا إلا على توقف الأجر و الثواب على القربة و ابتغاء وجه الربّ،

لا توقف صحة الأعمال عليها، فتدبّر.

[الرابع: قوله- تعالى في سورة البقرة]

الرابع: قوله- تعالى-: «وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ، وَ مٰا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ اللّٰهِ، وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لٰا تُظْلَمُونَ.» «1»

ذكره المقدس الأردبيلي- قدّس سرّه- في زبدة البيان «2» و قال بدلالتها على اشتراط القربة و الإخلاص، لأن الظاهر أن المراد بالنفي النهي فيفهم النية.

أقول: الإنفاق أعم من الزكاة فمقتضى الحمل على النهي حرمة الإنفاق لغير وجه اللّه مطلقا، و الالتزام بها مشكل، فلعل المراد بالنفي حكاية حال أكثر المخاطبين حين نزول الآية و الواو للحال، قال في المجمع: «و هذا إخبار من اللّه عن صفة إنفاق المؤمنين المخلصين المستجيبين للّه و لرسوله أنهم لا ينفقون ما ينفقونه إلّا طلبا لرضا اللّه- تعالى-. و قيل: إن معناه النهى.» «3»

[الخامس: قوله- تعالى في سورة الروم]

الخامس: قوله- تعالى-: «وَ مٰا آتَيْتُمْ مِنْ زَكٰاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ.» «4»

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 272.

(2)- زبدة البيان/ 193.

(3)- مجمع البيان 1/ 386، (الجزء 2).

(4)- سورة الروم (30)، الآية 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 239

..........

______________________________

قال في كنز العرفان: «و في الآية دلالة على وجوب النية في الزكاة و إيقاعها على سبيل الإخلاص للّه- تعالى-.» «1»

و في فقه القرآن للراوندي: «يدلّ على أن النية واجبة في الزكاة لأن إعطاء المال قد يقع على وجوه كثيرة: فمنها إعطاؤه على وجه الصدقة، و منها إعطاؤه على وجه الهدية و منها الصلة، و منها الوديعة، و منها قضاء الدين، و منها القرض، و منها البرّ، و منها الزكاة، و منها النذر و غير ذلك، و بالنية يتميز بعضها من بعض.» «2»

أقول: ليس في الآية دلالة على اعتبار النية و الإخلاص في صحة العمل، و إنما تدل على أن

الأجر و الإضعاف يكون لمن أراد وجه اللّه، و ليس كلامنا في ذلك بل في أن إعطاءها بدون قصد القربة و الإخلاص صحيح مسقط للأمر أم لا؟

و اعتبار أصل النية في الزكاة مقطوع به لكونها كما مرّ من العناوين القصدية و صورة العمل مشتركة فلا تنطبق عليها إلا بالقصد كما بيّنه الراوندي، و لكن هذا أعم من عبادية العمل كما مرّ.

[السّادس: قوله تعالى في سورة البقرة أيضا]

السّادس: قوله- تعالى-: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلٰائِكَةِ وَ الْكِتٰابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمٰالَ عَلىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السّٰائِلِينَ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ أَقٰامَ الصَّلٰاةَ وَ آتَى الزَّكٰاةَ.» «3»

______________________________

(1)- كنز العرفان/ 233.

(2)- فقه القرآن 1/ 222.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 177.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 240

..........

______________________________

و فيه أولا أن الضمير في «حُبِّهِ» لعله يرجع إلى المال لا إلى اللّه- تعالى-.

و ثانيا أن المراد بإيتاء المال هنا لعله غير الزكاة لذكر الزكاة بعده و ثالثا أنه لا دلالة في الآية على بطلان الزكاة إن لم تقع للّه- تعالى-.

[السابع: ما روي عن النبي «ص» «إنما الأعمال بالنيّات»]

السابع: ما روي عن النبي «ص» أنه قال: «إنما الأعمال بالنيّات و إنما لا مرئ ما نوى.» و قوله «ص»: «لا عمل إلّا بنية.» «1»

أقول: في الوسائل عن مجالس الشيخ بسنده عن موسى بن جعفر «ع» عن آبائه «ع» عن رسول اللّه «ص»، (في حديث) قال: إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه- عزّ و جلّ- و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلّا ما نوى.» «2»

و في صحيح مسلم بسنده عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنما الأعمال بالنية، و إنما لا مرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله فهجرته إلى اللّه و رسوله. و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.» «3»

و في صحيح البخاري بسنده عن عمر، قال: سمعت رسول اللّه «ص»

يقول:

«إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.» «4»

أقول:- مضافا إلى أن حمل الحديثين على ظاهرهما ممتنع، و حملهما على

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 35 و 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10 و 9.

(2)- الوسائل 1/ 35، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1515، كتاب الإمارة، الباب 45، الحديث 155.

(4)- صحيح البخاري 1/ 2، باب كيف كان بدء الوحي ... (طبعة أخرى 1/ 6).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 241

..........

______________________________

نفي الصحة موجب لتخصيص الأكثر-

إن الذيل الذي رويناه للحديث الأول يدلّ على أن المقصود أن ترتّب الأجر على العمل تابع لقصد العامل، و لا ارتباط له بباب الصحة و سقوط الأمر.

و أما قوله: «لا عمل إلّا بنية» فإنه و إن روي مفردا في بعض الروايات و لكنه وقع في بعضها في عداد جمل أخر يظهر بملاحظتها أن المقصود نفي الكمال لا الصحة كما في رواية قال رسول اللّه «ص»: «لا حسب إلّا بالتواضع، و لا كرم إلّا بالتقوى، و لا عمل إلّا بنية.» «1»

الثامن: ما مرّ من المعتبر و غيره من أن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنية.» «2»

و يرد عليه: ما مرّ من أن التوقف على النيّة أعمّ من كون العمل عبادة، فإن العناوين القصدية يتوقف حصولها على النيّة و ليست عبادة و ذلك كجميع الأمور الاعتبارية و الإنشائية، و من هذا القبيل عنوان الزكاة و الخمس و نحوهما، فتدبّر.

[التاسع: ما مرّ من المعتبر «و لأنها عبادة أمر بإيقاعها»]

التاسع: ما مرّ من المعتبر أيضا من قوله: «و لأنها عبادة أمر بإيقاعها

على وجه الإخلاص. و لا يتحقق الإخلاص إلّا مع القصد و هو المراد بالنية.» «3» و مرّ نحو ذلك عن التذكرة «4» أيضا متمسكا بالآية الشريفة.

و يرد عليه: أن هذه مصادرة، إذ كونها عبادة أوّل الكلام، و قد مرّ أن المقصود بالآية التوحيد و نفي الشرك لا كون الأصل في الأوامر التعبدية

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 9.

(2)- راجع المعتبر/ 275؛ و الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(3)- المعتبر/ 275.

(4)- التذكرة 1/ 242.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 242

..........

______________________________

و اشتراط القربة و الإخلاص في متعلقاتها.

[العاشر: أن المتبادر من أمر المولى إيجاب إيجاده لأجل أمره]

العاشر: أن المتبادر من أمر المولى عبده بشي ء إيجاب إيجاده لأجل أمره و بداعي طلبه فلا يكفي تحقق نفس الطبيعة.

و إن شئت قلت: إن الأمر علّة لحصول المأمور به اعتبارا، و وزان العلل الاعتبارية وزان العلل التكوينية. و كل معلول بالنسبة إلى علّته لا مطلق و لا مقيّد و لكنه لا ينطبق إلّا على المقيّد. فمعلول النار مثلا ليس مطلق الحرارة و إن لم تستند إليها كما هو واضح، و لا الحرارة المقيدة باستنادها إلى النار للزوم تقدم الشي ء على نفسه، و لكن لا تستند إليها بحسب الواقع إلّا حصّة خاصة منها تنطبق على هذه المقيدة. ففي المقام أيضا لا يراد بالبعث نحو الطبيعة إلّا حصّة خاصّة تحققت بسببه و باعثيته. هذا.

و يرد عليه أوّلا أن الهيئة وضعت لنفس الطلب و المادّة لنفس الطبيعة المطلقة ذاتا.

و أمّا كون إيجادها بداعي الأمر و بعنوان الإطاعة فهو قيد زائد يحتاج اعتباره إلى دليل، و الانصراف إليه ممنوع. و قياس الأمور الاعتبارية بالعلل التكوينية بلا وجه، إذ في التكوينيّات يكون المعلول ظلّا للعلّة و ربطا محضا بالنسبة

إليه و يكون تقومه و تشخصه بها، و هذا بخلاف البعث و الطلب الإنشائي. حيث إن الملحوظ للآمر نفس الطبيعة المطلقة، و البعث يتعلق بها و تعرض عليها في الذهن و الاعتبار و تقوّمه و تشخصه بتشخص المتعلق. و إرادة الآمر الانبعاث من أمر لا توجب تقيّد متعلقه.

و ثانيا: ما قالوا من أن أخذ هذا القيد في متعلق التكليف مستلزم للدور لأن موضوع الطلب بجميع قيوده متقدم عليه رتبة، و عنوان الإطاعة متأخر عن الطلب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 243

..........

______________________________

و منتزع منه فلا يعقل أخذها في موضوعه. هذا.

و لكن إشكال الدور مرتفع كما ذكره السيّد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- و قد حررناه في نهاية الأصول في مبحث التعبدي و التوصّلي، فراجع. «1» و ملخّصه أن المأخوذ في الموضوع الإطاعة بوجودها الذهني و المتأخر عن الطلب وجودها الخارجي فلا دور.

[الحادي عشر: أن العقل يستقل بوجوب إطاعة المولى و عنوان الإطاعة لا يصدق إلّا مع النيّة]

الحادي عشر: أن العقل يستقل بوجوب إطاعة المولى و امتثال أوامره، و الشرع المبين أيضا أرشد إلى ذلك بقوله: «أَطِيعُوا اللّٰهَ»* و عنوان الإطاعة لا يصدق إلّا مع القصد و النيّة و الانبعاث من أمره- تعالى. و يعبّر عن هذا المعنى باللغة الفارسية ب «فرمان بردن و حرف شنيدن.»

و يرد عليه: أن الذي يحكم به العقل هو وجوب الإتيان بما وقع تحت الأمر، و هو المراد بالإطاعة هنا. و أما كون الانبعاث بسبب خصوص هذا الأمر بحيث لا يكفي تحقق الطبيعة المأمور بها بإطلاقها فهو قيد زائد لو كان واجبا و متعيّنا لوجب على المولى بيانه و التنبيه عليه و لو بدليل أخر. و الشك في الكلفة الزائدة مجرى أصل البراءة. و المولى يقدر على بيان أغراضه و لو بدليل مستقل.

[الثاني عشر: ما ذكروه في مبحث التعبدي و التوصّلي]

الثاني عشر: ما ذكروه في مبحث التعبدي و التوصّلي، و محصّله:

أنا و إن قلنا في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين بالبراءة، و لكن لا تجري هذه في القيود المنتزعة من نفس الأمر المتأخرة عنه رتبة كقصد الأمر و الوجوب و الندب و نحو ذلك، إذ لا يمكن أخذها في المأمور به بل هي من كيفيات الإطاعة، و الشك فيها شك في تحقق الإطاعة و الخروج عن عهدة التكليف المنجز. و العقل يلزم بالخروج عنها و تحصيل غرض المولى بعد ما تصدّى لتحصيله بسبب الأمر.

______________________________

(1)- نهاية الأصول/ 99 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 244

..........

______________________________

و يرد عليه أوّلا: ما أشرنا إليه من منع امتناع أخذ هذه القيود في المأمور به و لا يلزم منه محذور لا في مقام الأمر و لا في مرحلة الامتثال.

و ثانيا: جواز التمسك لنفيها بإطلاق الدليل إن كان

و إلّا فبأصل البراءة بعد إمكان بيانها و لو بدليل آخر.

و ثالثا: منع لزوم تحصيل الغرض إلّا بمقدار تصدّي المولى لبيانه، إذ عليه بيان كل ما هو دخيل في غرضه و لو بدليل مستقل. و العقل كما يقبّح العقاب على التكاليف إلّا بعد بيانها يقبّح العقاب على تفويت الأغراض أيضا إلّا بعد بيانها و لا سيما في الأغراض الخفيّة التي لا يطلع عليها و على محصّلاتها العبيد بعقولهم الناقصة. و تفصيل هذه الأمور موكول إلى محلّه.

فهذه هي الأمور التي ذكروها لحمل الأوامر على التعبدية و اعتبار القربة فيها إلا أن يثبت خلافه، و قد عرفت المناقشة في جميعها. و لكن بعد اللتيا و التي فرفع اليد عما تسالم عليه الأصحاب بل المسلمون في باب الخمس و الكفارات و نحوها مشكل، فالأحوط بل الأقوى اعتبار النية و القربة و الإخلاص فيها.

[و يمكن أن يستدل لذلك بأن الزكاة من أقسام الصدقة و قوام الصدقة بقصد القربة]

و يمكن أن يستدل لذلك بأن الزكاة من أقسام الصدقة و عبّر عنها بها في الكتاب و السنة. و يظهر من كثير من الأخبار أن قوام الصدقة بقصد القربة و أنها عبادة لا تقع إلّا بداع إلهي:

1- ففي صحيحة جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة و هم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال: «لا، الصدقة للّه- تعالى-.» «1»

2- و في رواية الحكم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إن والدي تصدّق عليّ بدار ثمّ بدا له أن يرجع فيها، و إن قضاتنا يقضون لي بها، فقال «ع»: «نعم ما قضت به

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 298، الباب 4 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 245

..........

______________________________

قضاتكم، و بئس ما صنع والدك. إنما الصدقة للّه-

عزّ و جلّ-. فما جعل للّه- عزّ و جلّ- فلا رجعة له فيه. الحديث.» «1»

3- و في خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، قال: «من تصدّق بصدقة ثم ردّت عليه فلا يأكلها لأنه لا شريك للّه- عزّ و جلّ- في شي ء مما جعل له، إنما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما يعتق.» «2» و روى نحوه ابن فهد في عدّة الداعي مرسلا. «3»

4- و عن قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه أن عليا «ع» كان يقول: «من تصدق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، و لا يجوز له إلّا إنفاقها، إنما منزلتها بمنزلة العتق للّه، فلو أن رجلا أعتق عبد اللّه فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله للّه، فكذلك لا يرجع في الصدقة.» «4»

5- و في صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه- عزّ و جلّ-» و مثله صحيحة الفضلاء أحدهم حماد. «5»

و بالجملة فيظهر من أخبار كثيرة أن القربة مأخوذة في ماهية الصدقة بما هي صدقة، و بها تمتاز عن النحلة و الهدية و الهبة.

و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إنما الصدقة محدثة، إنما كان الناس على عهد رسول اللّه «ص» ينحلون و يهبون. و لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئا

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 294، الباب

24 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(5)- الوسائل 13/ 320، الباب 13 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 246

[يعتبر التعيين مع تعدّد ما عليه]

و التعيين مع تعدّد ما عليه، بأن يكون عليه خمس و زكاة و هو هاشمي فأعطى هاشميّا، فإنه يجب عليه أن يعيّن أنه من أيّهما.

و كذا لو كان عليه زكاة و كفّارة فإنه يجب التعيين (1).

______________________________

أن يرجع فيه.» قال: «و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه، نحلة كانت أو هبة، حيزت أو لم تحز.» «1»

و يشهد لذلك أيضا قوله- تعالى-: «أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ.» «2»

فالصدقة تعطى للّه- تعالى-، و ما تقع في يد السائل حتى تقع في يد الربّ- جلّ جلاله- كما في الخبر. «3»

و يمكن أن يستدل للمسألة أيضا بما في نهج البلاغة بعد ذكر الصلاة قال: «ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لأهل الإسلام، فمن أعطاها طيّب النفس بها فإنها تجعل له كفّارة و من النار حجازا و وقاية فلا يتبعنّها أحد نفسه و لا يكثرن عليها لهفه فإن من أعطاها غير طيّب النفس بها يرجو بها ما هو أفضل منها فهو جاهل بالسنة مغبون الأجر ضالّ العمل طويل الندم.» «4» و اللّه العالم بحقيقة الحال، رزقنا اللّه العلم بمعارفه و أحكامه.

(1) قالوا: لأن العمل قابل لأن ينطبق عليه كل واحد من العنوانين، فيتعين لأحدهما بالقصد و التعيين. و لأن التعبد بفعل يراد به إتيانه بداعي أمره المتعلق به، و الأمر لا يدعو إلّا إلى ما تعلق به بجميع خصوصياته المأخوذة فيه فيجب قصدها حين العمل.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 334، الباب 3 من كتاب الهبات، الحديث

1.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 104.

(3)- نور الثقلين 2/ 261، الحديث 311.

(4)- نهج البلاغة، عبده 2/ 205؛ لح/ 317، الخطبة 199؛ عنه الوسائل 6/ 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 247

..........

______________________________

و بعبارة أوضح: يعتبر في عباديّة العمل أمران: أحدهما تعلق إرادة الفاعل بعين ما تعلقت به إرادة الآمر.

و ثانيهما كون الداعي له في ذلك امتثال أمره و تحصيل مراده. فلو كان المأمور به مقيدا بقيود خاصّة لا يكفي في صدق الامتثال نيّة أصل الطبيعة بإطلاقها أو المقيّدة بقيود أخر لعدم تعلق هذا الأمر بهما.

فلو أمر المولى بإحضار عالم أو طبيب مثلا لا يصدق إطاعته و امتثال أمره هذا إلّا بالقصد إلى إحضار رجل معنون بهذا العنوان الخاص، سواء كان هناك أمر آخر متعلق بإحضار شخص آخر من مطلق الرجل أو من صنف آخر منه أم لا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 247

و بذلك يظهر عدم الفرق بين كون المأمور واحدا أو متعددا. نعم يكفي في الأول القصد الإجمالى إلى ما في ذمّته فيكون هذا عنوانا مشيرا إلى المأمور به بخصوصياته الملحوظة للآمر. بل يكفي في الثاني أيضا القصد إلى ما تعلقت ذمته به أولا مع اشتراكهما بحسب الهيئة و الصورة الخارجية كصلاتي الظهر و العصر مثلا.

أقول: إن كان المأمور به من العناوين القصدية أي الأمور الاعتبارية المتقومة بالاعتبار و القصد فالقصد إليه معتبر جزما لا لتوقف العبادية و عنوان الإطاعة عليه، بل لأن الماهية التي أمر بها لا تنطبق على معنونها خارجا إلّا بالقصد، من غير فرق بين أن يكون الأمر به تعبّديا أو توصّليا.

بل و

لو لم تكن الماهية مأمورا بها، و لكن أراد الفاعل تحققها، لأن المفروض أنها لا تتحقق خارجا إلّا بالقصد. و ذلك كعناوين العقود و الإيقاعات، و المركّبات و المهيات الاختراعية التي أوجبها الشرع المبين، كالصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و الخمس و الكفارة و نحوها، فإن انطباق هذه العناوين على ذوات الأفعال الصادرة لا يكون إلّا بالقصد. و هكذا عنوان النيابة عن الغير و القضاء و البدلية و نحوها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 248

..........

______________________________

و أما إذا لم يكن المأمور به من العناوين المتقومة بالقصد و الاعتبار بل كان من الأمور الواقعية التكوينية بحيث لا يتوقف خارجيتها و نفس أمريتها على الاعتبار كما في مثال العالم أو الطبيب الذي مثّل به في صوم مصباح الفقيه فلا نسلّم توقف صدق الامتثال و سقوط الأمر على قصد العنوان إلّا من باب المقدمية لوجوده غالبا.

فلو فرض أن المولى قال لعبده: «جئني برجل طبيب» و كان في العبد روح الانقياد و الإطاعة و لكنه لم يتوجه إلى أخذ قيد الطبابة أو توهم قيدا آخر فانبعث من أمر المولى و لم يحركه نحو العمل إلّا أمره فأتى برجل بقصد امتثال أمره و اتفق كونه طبيبا فكيف لا يسقط الأمر مع حصول المأمور به بقيوده بقصد الامتثال و هل يكلّف بردّ هذا الرجل و إعادته ثانيا عن قصد عنوان الطبابة؟

و بالجملة فالملاك في العبادية حصول المأمور به و كون الداعي امتثال الأمر فقط، و كلاهما حاصلان.

فان قلت: التحرك حينئذ يكون عن أمر و همي لا واقعي.

قلت: أوّلا: الأمر لا يحرّك بوجوده الخارجي بل بوجوده العلمي، و المفروض في المقام وقوع التحرك بالصورة المرتسمة في الذهن.

و لا دليل على اعتبار

مطابقتها للواقع، و المحكّم في باب الإطاعة و العصيان هو العقل.

و ثانيا: لا نسلّم اعتبار كون التحرك من قبل الأمر بل يكفي تحقق الفعل بداع إلهي و لو من قبيل قصد التعظيم و الشكر و نحوهما.

فإن قلت: سلّمنا سقوط الأمر بإتيان المأمور به بداع إلهي و إن لم يقصد العنوان الخاص، و لكن لا نسلّم ترتب الأجر و الثواب المترتبين على العمل الخاص إلّا بعد الالتفات إلى عنوانه و خصوصياته المأخوذة.

قلت: أوّلا: إن الأجر و الثواب من آثار الحسن الفاعلي لا الحسن الفعلي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 249

..........

______________________________

و ثانيا إن البحث هنا في صحة العمل و سقوط الأمر لا في ترتب الأجر و الثواب.

و بما ذكرنا يمكن أن يقال: إن ما يستفاد من بعض الأخبار من صحة الصيام في يوم الشك بنيّة القضاء أو آخر شعبان و وقوعه من رمضان لو انكشف كونه منه يكون على طبق القاعدة، إذ الصوم حصل بقصد الأمر إجمالا و وقع في رمضان واقعا، و ليس رمضان أمرا اعتباريا حتى يتوقف على القصد، فتأمّل.

و قد تحصّل مما ذكرناه أن المعتبر في جميع الواجبات تحقق المأمور به خارجا، و في خصوص العبادات كون الداعي للعبد إحدى الدواعي الإلهية. و أما لزوم وقوع جميع الخصوصيات الملحوظة للآمر عن اختيار و بهذا الداعي بحيث يلزم عليه الإعادة مع الاشتباه و الخطأ في المثال الذي مرّ و أشباهه فلا دليل عليه. و إنما يضرّ وقوعها بالدواعي النفسانية.

نعم، يعتبر قصد الخصوصيات فيما إذا توقف وقوعها خارجا على القصد سواء كان الواجب تعبديا أو توصليا.

بل يمكن أن يقال في المثال الذي ذكره المصنف: إن المكلف الهاشمي الذي عليه الخمس و الزكاة معا لو أعطى لفقير

هاشمي دينارا مثلا بقصد أن يعيّن أحدهما بعد ذلك في محاسباته و كان الداعي له في الإعطاء إحدى الدواعي الإلهية عدّ عبدا مطيعا للّه- تعالى-، فيمكن القول بصحّته، نظير ما يذكره المصنف بعد ذلك في المالين المتساويين من عدم لزوم التعيين حين الدفع و كفايته بعد ذلك. هذا و لكن يأتي منّا الإشكال في ذلك.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- عند قول المصنف: «مع تعدد ما عليه.»: «بل مع وحدته أيضا لما مرّ من أن المناط في لزوم التعيين هو اشتراك صورة العمل بين عنوانين أو أكثر و احتياج تخصصه بأحدها إلى قصده لا تعدّد الأمر.»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 250

[إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة يجب عليه التعيين]

بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة، فإنه يجب التعيين على الأحوط (1)، بخلاف ما إذا اتّحد الحق الذي عليه فإنه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمّة و إن جهل نوعه. بل مع التعدّد أيضا يكفيه التعيين الإجمالي بأن ينوي ما وجب عليه أوّلا أو ما وجب ثانيا مثلا.

[لا يعتبر نيّة الوجوب و الندب]

و لا يعتبر نيّة الوجوب و الندب (2).

______________________________

أقول: أراد بذلك ما مرّ من أن العناوين القصدية المتقومة بالقصد تحتاج في تحققها و انطباقها على الأفعال الخارجية إلى القصد و لو إجمالا من غير فرق بين تعدد الأمر و وحدته و كون الواجب تعبديا أو توصليا، فتدبّر.

(1) بل قوّاه في المستمسك، قال: لاختلافهما ذاتا و موردا و سببا و وقتا و أحكاما. «1»

أقول: بناء على ما قالوه من لزوم أن يتعلق إرادة الفاعل بعين ما تعلقت به إرادة الآمر من الخصوصيات كان اللازم في المقام أيضا التعيين لتعلّق إحداهما بالمال و الأخرى بالبدن، و تسمية كلتيهما زكاة لا تقتضي اتحادهما بحسب الماهية.

(2) 1- قد مرّ عن الشرائع قوله: «و حقيقتها القصد إلى القربة و الوجوب أو الندب و كونها زكاة مال أو فطرة.» «2»

2- و عن المعتبر قوله: «لنا أن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها، فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنية.» «3»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 346.

(2)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(3)- المعتبر/ 275.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 251

..........

______________________________

3- و في المنتهى: «و لا بدّ في النيّة من القصد إلى الذمّة (إلى القربة- ظ.)

لأنه شرط في العبادة، و من القصد إلى الوجوب أو الندب لأن الفعل صالح لهما فلا يتخلّص أحدهما إلّا بالنيّة، و من القصد إلى كونها زكاة مال

أو فطرة للاشتراك في الصلاحية فلا بدّ من مائز.» «1»

4- و لكن في المعتبر: «و النيّة اعتقاد بالقلب فإذا اعتقد عند دفعها أنها زكاة تقربا إلى اللّه كفى ذلك.» «2»

و ظاهره عدم اعتبار قصد الوجوب أو الندب و لا كونها زكاة مال أو فطرة.

5- و في المدارك في ذيل عبارة الشرائع: «الأصحّ عدم اعتبار ما زاد على نيّة القربة و التعيين.» «3»

أقول: الحقّ كما ذكره المصنف عدم اعتبار قصد الوجوب أو الندب في العبادات لا وصفا و لا غاية، لعدم الدليل عليه، و لو كان واجبا لبان مع شدّة الابتلاء به، و لا يرى منه ذكر و أثر في رواية و أثر.

و العقل الحاكم في باب الإطاعة و العصيان و كيفياتهما أيضا لا يحكم باعتباره.

و لو فرض الشك فيه كان المرجع عندنا أصل البراءة بعد إمكان أخذه في المأمور به كما مرّ الإشارة إليه.

و الاستدلال في مثل المسألة بالإجماع أو الشهرة غريب بعد عدم كونها معنونة في كتب القدماء من أصحابنا و إنما تكلّم عليها بعض المتكلمين و سرى منهم إلى الفقه.

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 516.

(2)- المعتبر/ 275.

(3)- المدارك/ 328.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 252

[لا يعتبر نيّة الجنس الذي تخرج منه الزكاة]

و كذا لا يعتبر أيضا نيّة الجنس الذي تخرج منه الزكاة أنه من الأنعام أو الغلّات أو النقدين.

من غير فرق بين أن يكون محل الوجوب متحدا أو متعددا، بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحق متحدا أو متعددا، كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فإن الحقّ في كل منهما شاة.

______________________________

و أظنّ قريبا أن بعض القائلين باعتبار قصدهما أرادوا بيان اعتبار قصد الأمر في تحقق العبادية، و حيث إن الأمر إما وجوبي أو

ندبي عبّروا عن اعتبار قصده باعتبار قصدهما فليس القول باعتبار قصدهما أمرا وراء القول باعتبار قصد الأمر في حصول الطاعة.

و قد مرّ منّا أن المحقق لعبادية العمل هو صدوره منتسبا إلى اللّه و ناشئا عن إحدى الدواعي الإلهية في قبال الدواعي النفسانية، و لا ينحصر هذا في قصد الأمر و امتثاله.

ثم لا يخفى: أن ما مرّ من عدم اعتبار قصد الوجوب أو الندب لا ينافي كونهما في بعض الموارد مشيرين إلى الخصوصيات المميزة الاعتبارية المجهولة لنا كما في نافلة الفجر و فريضته حيث إنهما بعد ما اشتركتا بحسب الصورة و الهيئة لو كانتا فردين لطبيعة واحدة بلا اعتبار مائز بينهما لزم منه وقوع الفرد الأوّل مصداقا للواجب و مسقطا لأمره قهرا كما هو مقتضى كل مورد تعلّق الأمر الإلزامي بفرد ما من الطبيعة و الأمر الندبي بالزائد عليه. و المفروض في المقام خلاف ذلك، فيعلم بذلك اختصاص كل منهما بمائز اعتباري مجهول لنا يشار إليه في مقام الامتثال بوصف الوجوب أو الندب، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 253

أو كان عنده من أحد النقدين و من الأنعام، فلا يجب تعيين شي ء من ذلك. (1) سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أولا، فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة.

______________________________

(1) 1- في الشرائع: «و لا يفتقر إلى نيّة الجنس الذي يخرج منه.» «1»

2- و ذيّله في المدارك بقوله: «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.» «2»

3- و في المنتهى: «و لا يفتقر إلى تعيين المال بأن يقول: هذه زكاة مالي الفلاني إجماعا.» «3»

أقول: لا يخفى أن ادعاء الإجماع و قطع الأصحاب في المسائل التي لم يتعرض لها القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة غير

وجيه.

نعم يمكن ادعاء استقرار السيرة العملية في جميع الأعصار على إعطاء الزكوات من دون توجّه إلى بعض هذه الخصوصيات و قصدها حين الإعطاء.

4- و في التذكرة: «قد بيّنّا أنه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه في النيّة.

فلو كان له مالان و نوى عن أحدهما و لم يعيّنه أجزأ سواء كان المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنس شي ء منهما و له صرفه إلى أيّ الصنفين شاء سواء خالف أولا.» «4»

5- و في الجواهر ما محصّله: «لأنها أصناف لا أنواع: من غير فرق بين اتحاد محل الوجوب و تعدّده و بين اتحاد نوع الحق و عدمه، و بين كون المدفوع من جنس أحدهما و عدمه. و لكن لو عيّنه حال الدفع تعيّن على الظاهر. و لو دفعه

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(2)- المدارك/ 328.

(3)- المنتهى 1/ 516.

(4)- التذكرة 1/ 243.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 254

..........

______________________________

من غير تعيين فهل يبقى له صرفه إلى ما شاء منهما أم يوزّع؟ صرّح في التذكرة بالأول و اختاره الشهيد الثاني و تظهر الثمرة في تلف أحد النصابين قبل التمكن و قبل إخراج فريضة الثاني.» «1»

و استشكل على ذلك في المستمسك فقال ما ملخّصه: «لكن يشكل ذلك بناء على تعلق الزكاة بالعين، إذ حينئذ يكون حال الزكاة حال الديون المتعلقة برهون متعددة. كما لو استقرض عشرة دراهم و جعل فرسه رهنا عليها، ثم عشرة و جعل بعيره رهنا عليها. فإذا دفع إليه عشرة دراهم، و لم يعيّن أحد الدينين بعينه، لم يسقط كل منهما، و لم يصح قبضه وفاء. فإن عيّن الأولى تحرّر الفرس، كما أنه لو عيّن الثانية تحرّر البعير.

و في المقام كذلك: إذا نوى في الشاة

المدفوعة أنها زكاة الشياه تحرّرت الشياه و بقيت الإبل على حالها لا يجوز له التصرف فيها. و لو عكس النيّة انعكس الحكم، و كذا يختلف الحكم في التلف.

فإنه إذا نواها عن الشياه فتلفت بقيت عليه زكاة الإبل، و لو نواها عن الإبل و قد تلفت الشياه لا شي ء عليه. و مع الاختلاف بهذا المقدار لا بد من النيّة لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح.

و أشكل منه ما ذكروه في الفرض الثاني، فإن الواجب في أحد النقدين أحد النقدين و في الأنعام الحيوان الخاصّ، فلو لم يعيّن- و كان المدفوع من غير الواجب بعنوان القيمة- جرى فيه ما سبق. و إن كان من نفس الواجب الأصلي فهو متعيّن في نفسه و لا مجال للتعيين. و لو نوى أنه إما زكاة عن النقد- مثلا- أو قيمة عن

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 479.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 255

..........

______________________________

الأنعام بطل، لما عرفت من عدم قصد الأمر الخاصّ.» «1»

أقول: يمكن أن يقال: إن الزكاة و إن تعلقت بالعين بنحو الإشاعة كما هو الظاهر من أخبار الباب و لكن يجوز للمالك أداؤها من غير العين أيضا بقصد الزكاة الواجبة في ماله، فهذا مما لا إشكال فيه. فإذا قصد بما دفعه أن تكون زكاة أداء لما عليه فلم لا يسقط مقداره عن عهدته و لم يصح قبضه؟ و عدم تحقق إحدى الخصوصيتين لعدم قصدها لا ينافي تحقق الطبيعة الجامعة بينهما.

و كذا الكلام في مثال الدينين، فإذا دفع عشرة دراهم بقصد أداء دينه من غير تعيين أحدهما فيمكن القول بسقوط عشرة دراهم من ذمّته، و مع ذلك يبقى الرهنان بحالهما، إذ كل رهن وقع في قبال دين خاصّ، و حيث إنه لم يقصد الخصوصيات

بقي الرهنان بحالهما.

و بالجملة فإذا كان لكل واحدة من الخصوصيات أثر و للجامع أثر آخر أمكن القول بأن قصد العنوان الجامع يوجب ترتب أثره دون آثار الخصوصيّات. بل يقال:

حيث إن تعيين الخصوصيات أيضا محوّل إليه شرعا فلم لا يجوز تعيين إحداها بعد ذلك كما مرّ عن التذكرة؟

و تعيّن كون قصد الخصوصية مقارنا لقصد الجامع و في ضمنه أول الكلام بعد كون كل منهما محوّلا إلى المالك و موضعا لأثر شرعي مستقل، فتأمّل.

و كون وجود الطبيعة الجامعة بعين وجودات الأفراد لا ينافي استقلالها بحسب القصد و الوجود الذهني.

و إذا فرض إقدام المالك على تعيين أحد الفردين فلا محالة وجد في نفسه داع يدعوه إلى هذا التعيين فلا يكون ترجيحا بلا مرجح. و لا يتفاوت الأمر بين كون

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 347.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 256

..........

______________________________

التعيين و الترجيح مقارنا للإعطاء أو متأخرا عنه. و ما هو المستحيل تحقق الترجيح بلا علّة داعية، لرجوعه إلى الترجّح بلا مرجح أعني وجود المعلول بلا علّة.

نعم، لو لم يقصد أصل الزكاة أعني الطبيعة الجامعة، بل قصد زكاة أحد المالين الخاصّين بنحو الإبهام و الترديد كما في الفرع التالي أمكن المناقشة في صحّته كما يأتي، إذ المجعول شرعا زكاة هذا المال بعينه و ذاك بعينه. و عنوان أحدهما عنوان اختراعي لا واقعية له و ليس مجعولا.

و هذا بخلاف أصل طبيعة الزكاة الموجودة بوجود الخصوصيتين فإنها مجعولة بعين جعلهما كما تكون موجودة بوجودهما اللّهم إلا أن يقال: إن قصد عنوان أحدهما يستلزم قصد الجامع أيضا.

و سيرة المتشرعة قد استقرت غالبا على قصد أصل الزكاة حين أعطائها أو الوصية بها من دون أن يلتفت المعطي أو الموصي إلى بعض خصوصيات الواجب أو

المتعلق و ربما نسيها المالك بمرور الزمان. و لو كان تعيينها واجبا لظهر و بان مع كثرة الابتلاء بالمسألة.

و قد مرّ منّا أن المعتبر في كل واجب تحقق أصل المأمور به، و في خصوص العبادات كون الداعي إحدى الدواعي الإلهية في قبال الدواعي النفسانية. و أمّا لزوم قصد كل خصوصية وقعت تحت الأمر أو قصد الأمر الخاص فلا دليل عليه، و الأصل يقتضي العدم.

اللّهم إلّا إذا كان قصد الخصوصية مقدمة لإيجادها.

نعم لو كان العمل نيابيا كان اللازم تعيين المنوب عنه و لو إجمالا.

و لو تعدد المنوب عنه لزم تعيينه قطعا، إذ النائب يعتبر نفسه بدلا عن المنوب عنه أو عمله بدلا عن عمله. و البدلية عنوان اعتباري يتوقف تحققها على القصد و تعيين البدل و المبدل منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 257

..........

______________________________

و لعلّ عنوان القضاء أيضا كذلك فإن القضاء بدل عن الواجب الموقّت فيتوقف تحققه على قصد المبدل منه و تعيينه.

و مع تعدّده يكفي قصد الجامع و لكن لا يترتب آثار الخصوصيات إلّا أن يقصدها بخصوصها أو يعيّنها بعد العمل بناء على جوازه. مثلا لو كان عليه صوم أيام من رمضان أو رمضانين فقصد القضاء عن صوم رمضان كفى في صحّة القضاء.

و لكن لو ضاق الوقت عن الجميع و أراد عدم تعلّق كفارة التأخير وجب عليه حينئذ قصد صوم رمضان الأخيرة، أو تعيينه بعد العمل إن أجزناه كما مرّ، فتدبّر.

و قد تحصّل مما ذكرناه أن في مسألة الدينين و كذا الزكاتين و القضاءين و نحو ذلك قصد الجامع كاف في صحته و يسقط عنه بمقدار ما أتى به. و لكن ترتيب آثار الخصوصيّات يتوقف على قصدها ابتداء.

و قيل بجواز تعيينها بعد الإعطاء أيضا وفاقا

للتذكرة لإطلاق ما دلّ على كون التعيين له، و على فرض الشك يستصحب ذلك. هذا.

و لكن في نفسي من ذلك شي ء، إذ بعد الإعطاء يخرج اختيار المال من يد المالك و يصير ملكا للفقير، و بالإعطاء يتشخّص المال و يخرج عن كلّيته فلا يقبل التعيين. و قد أشار إلى هذا المعنى صاحب الجواهر كما يأتي في الفرع التالي.

و إذا ناقشنا في ذلك فيبقى في المسألة احتمالات أخر:

الأول: القول بانطباق الجامع المأتي به على الفرد الأوّل قهرا فيترتب عليه آثاره.

الثاني: التوزيع بالنسبة.

الثالث: تعيين البعض بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل سواء كان في مقام الإثبات أو في مرحلة الثبوت و الواقع. و لعلّ خير هذه الأمور أوسطها فإنه مقتضى العدل و الإنصاف، و العرف أيضا يساعد على ذلك. هذا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 258

[لو كان له مالان فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه]

بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان، حاضران أو غائبان أو مختلفان، فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه، و له التعيين بعد ذلك. و لو نوى الزكاة عنهما وزّعت. بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة (1).

______________________________

و في حاشية السيد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- عند قول المصنف:

«سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أولا.» قال: «لكن ينصرف المدفوع حينئذ إلى ما كان من جنسه و يحتاج انصرافه إلى غيره إلى قصد أنه بدله و قيمته.»

و مرّ عن المستمسك قوله: «و إن كان من نفس الواجب الأصلي فهو معين في نفسه و لا مجال للتعيين.» «1»

أقول: محلّ البحث ما إذا قصد المالك مجرّد كونه زكاة و لم يعيّن المتعلق في قصده و إرادته. و الزكاة كما تعطى من العين من جنس آخر أيضا. و الانصراف مورده

الشك في مرحلة الإثبات فلا مجال له في مقام الثبوت و الواقع، فتدبّر.

(1) 1- في المبسوط: «و إن كان له مال غائب و مثله حاضر فأخرج زكاة أحدهما و قال: هذه زكاة أحدهما أجزأه.» «2»

2- و في الشرائع: «و لو كان له مالان متساويان: حاضر و غائب فأخرج زكاة و نواها عن أحدهما أجزأته.» «3»

3- و في المغني: «و لو قال: هذا زكاة مالي الغائب أو الحاضر صحّ لأن التعيين ليس بشرط.» «4»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 348.

(2)- المبسوط 1/ 232.

(3)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(4)- المغني 2/ 506.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 259

..........

______________________________

4- و في الجواهر بعد تعميم الحكم للمالين المختلفين و الحاضرين و الغائبين أيضا قال: ما ملخّصه: «لإطلاق الأدلّة، و ما تقدّم من عدم الدليل على وجوب تعيين الأفراد التي جمعها أمر واحد. لكن يحتمل بقاء التخيير له في التعيين بعد الدفع، بل عن الفاضل في التذكرة الجزم به، و هو مشكل، و إن ذكروا نظيره في الدين لشخصين إذا قبضه وكيلهما، و الدينين المختلفين في الرهن، لأنه لا دليل على تعيين الأفعال بعد وقوعها. و إنما الثابت تعيّنها بالنية المقارنة، إلا أن يقال: إنه باق على كليّته بعد الدفع كما كان قبله ...

و مال في البيان إلى التوزيع، و في فوائد الشرائع: «و هو قريب»، و في المسالك:

«و هو الأجود.»

لكن فيه أنه لا دليل عليه بعد فرض كونه غير مقصود ...» «1»

أقول: قد مرّ أن قصد كون الزكاة عن أحد المالين على البدل و بنحو الترديد محلّ إشكال لكونه مفهوما اختراعيا لا واقعية له، و الموجود في الخارج هذا المال بخصوصه و ذاك بخصوصه، و المجعول أيضا زكاة كل منهما

بعينه، فالإجزاء في الفرض محل إشكال.

اللّهم إلّا أن يقال: إن قصد أحدهما يتضمن قصد الجامع قهرا فيصح من هذه الجهة. ثم على فرض البطلان لو كان المال باقيا بعد و لم يتصرف فيه الفقير أمكن قصد كونه زكاة بنحو الإطلاق أو تعيينها لأحد المالين بخصوصه أو كونها لهما بنحو التوزيع بالنسبة. و لا إشكال في قصد أصل الطبيعة بإطلاقها لكونها موجودة بوجود أفرادها و مجعولة بعين جعلها. و قد مرّ بيان ذلك فلا نعيد.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 480 و 481.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 260

[يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة]

اشارة

[المسألة 1]: لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير (1).

______________________________

جواز التوكيل في أداء الزكاة و الإيصال إلى الفقير و كيفية قصد القربة في العبادات النيابيّة

[في أقسام الوكالة]

(1) أقول: الوكيل إما وكيل في الإيصال فقط نظير ما قد يحصل من الحيوان و المجنون، و إما وكيل في الأداء.

و الوكيل في الأداء على أقسام: فإنه قد يجعل وكيلا في مباشرة الأداء و الصرف في المصارف مستقلا بأن ينوي الزكاة و يؤديها إلى من يراه بنفسه مستحقا لها و لكن الإخراج من المال وقع بتصدي المالك نفسه.

و قد يجعل وكيلا في الإخراج أيضا مع علم المالك بتعلق الزكاة بماله.

و قد يجعل وكيلا فيهما مع جهل المالك بذلك كما إذا جعله المالك الوكيل المطلق في جميع ما يرتبط بشؤون حياته و أمواله و واجباته المالية إن فرض تعلقها به.

فجميع هذه من أقسام الوكالة في الأداء، و يجب إقامة الدليل على صحتها، حيث إن الظاهر من الأوامر العبادية إرادة مباشرة المأمور بنفسه بامتثالها و تقربه بإطاعتها إلّا أن يدل دليل على جواز التوكيل فيها.

قال الشهيد في كتاب الوكالة من المسالك: «و أما العبادات فالمقصود منها فعل المكلف ما أمر به و انقياده و تذلّله، و ذلك لا يحصل إلّا بالمباشرة.» «1» هذا.

و قال في المستمسك في المقام: «و الفرق بين الوكيل في الأداء و الوكيل في الإيصال: أن الأوّل ينوب عن المالك في أداء العبادة، نظير النائب في الصلاة فتتوقف صحة الأداء على قصد النيابة عن المالك مع قصد التقرب بالأمر المتوجه إليه.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 335.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 261

..........

______________________________

و أما الوكيل في الإيصال فليس نائبا عن

المالك و لا تتوقف صحة الإيصال على قصد النيابة عنه، و لا قصد التقرب بالأمر المتوجه، إذ الإيصال يتحقق و إن لم يقصد المباشر القربة، بل و إن لم يكن له شعور، كالحيوان و المجنون، بل و الريح و غيرها.» «1»

أقول: ليس في كلامه- قدّس سرّه- إشارة إلى أقسام التوكيل في الأداء مع أن في القسم الأخير مما ذكرناه نوع خفاء.

ثم إنه ربما ينسبق من كلامه أنه يعتبر في العبادة النيابية قصد المباشر قرب نفسه، مع أن الظاهر عدم اعتبار ذلك. فلنتعرض للمسألة إجمالا، حيث إن للتفصيل محلا آخر.

[اشكال عدم تمشي قصد القربة عن النائب في العبادات الاستيجارية]
اشارة

فنقول: استشكلوا في العبادات الاستيجارية بأنها لكونها عبادة يعتبر فيها قصد القربة و الإخلاص، و لا يتمشى من النائب الأجير ذلك، إذ لا أمر بها بالنسبة إليه، مضافا إلى أن قصد الأجرة ينافي قصد القربة و الإخلاص.

و قد أجيب عن هذا الإشكال بوجوه:

[وجوه الجواب عن الاشكال المذكور]
[الوجه الأوّل: النائب يجعل نفسه نائبا عن المنوب عنه و ينزّلها منزلته]

الوجه الأوّل: ما يظهر من كتب الشيخ الأعظم و تبعه البعض، منهم السيد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- على ما قررناه من دروسه الشريفة.

و محصّله: أن النائب يجعل نفسه نائبا عن المنوب عنه و ينزّلها منزلته ثم يأتي بالعمل العبادي. فالصادر عنه عملان أحدهما في طول الآخر: الأوّل تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه اعتبارا، و هذا ليس عملا عباديّا و إن امكن إتيانه بقصد القربة أيضا بأن يأتي بها بداعي الأوامر الدالة على استحباب النيابة عن الميت في الصلاة

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 349.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 262

..........

______________________________

و الصيام و الحج و نحوها، أو بداعي امتثال أمر الوفاء بالإجارة.

و الأجرة تقع بإزاء هذا العمل الذي لا يشترط فيه قصد القربة. فإذا صار وجودا تنزيليا للمنوب عنه يقصد بما أنه كذلك الأمر العبادي المتوجه إلى المنوب عنه و يأتي بمتعلقه بداعي امتثاله. فالصلاة أو الزكاة مثلا في هذا الاعتبار صدرت عن المنوب عنه بداعي الأمر المتوجه إليه.

و بالجملة فالنيابة عبارة عن تنزيل النائب شخصه منزلة شخص المنوب عنه ليتوجه إليه أمره فيأتي بمتعلقه امتثالا له.

أقول: كان غرضهم من هذا البيان و التوجيه أولا: تصوير توجّه الأمر العبادي المتوجه إلى المنوب عنه إلى النائب.

و ثانيا: عدم وقوع الأجرة في قبال العبادة.

و لكن يرد عليه أولا: أنه لا دليل في المقام على تنزيل الشخص و لا يساعد عليه العرف أيضا، فإنهم لا يرون

في الأعمال النيابية إلّا إتيان النائب بنفسه العمل المترقب من المنوب عنه، فليس فيها تنزيل الشخص منزلة الشخص بل غايته تنزيل عمل النائب منزلة عمل المنوب عنه.

و ما في أخبار الباب من قوله «ع»: «يصلي عنهما و يحج عنهما» و نحو ذلك لا يدلّ على أزيد من تنزيل العمل منزلة العمل، بل لعلّه الظاهر من هذا التعبير.

لا أقول بعدم إمكان تنزيل الشخص منزلة الشخص اعتبارا، إذ الاعتبار خفيف المؤونة و العرف أيضا يساعد عليه في بعض المقامات كما في مجالس التعازي و الأفلام الثقافية.

بل أقول بعدم كونه معهودا في الأعمال و العبادات النيابية الرائجة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 263

..........

______________________________

و ثانيا: ما في المستمسك و مستند العروة «1»، و محصّله: أن التنزيل إنما يصح ممن له جعل الأحكام و بيده زمام الأمور و هو الشارع، و لا يكاد يصحّ ذلك من آحاد المكلفين. و هل يمكن الالتزام بجواز تنزيل الخمر منزلة الماء ثم الحكم بجواز شربه، أو تنزيل زيد مثلا نفسه منزلة عمرو ثم وطي زوجته و التصرف في أمواله؟! و على فرض التسليم و القول بوقوع ذلك بإذن الشارع فلازمه أن يكون العمل الصادر عن النائب بمنزلة عمل المنوب عنه و إن لم يقصد النائب ذلك إذ بعد تنزيل الشخص يكون هو هو و فعله فعله.

أقول: لو لا ما مرّ منّا من أن الأدلّة و العرف لا تساعد في المقام على تنزيل الشخص منزلة الشخص، أمكن أن يقال:

إن مقتضى سلطنة الناس على أموالهم سلطنتهم على أنفسهم بطريق أولى، بل يكون ذاك من شئون هذا.

و إذا فرض سلطنة الإنسان على نفسه فله أن ينزّل نفسه منزلة غيره و يفعل أفعاله و يجري برامجه كأنّه هو

كما هو المشاهد في مجالس التعازي و الأفلام السينمائية الرائجة، و الاعتبار خفيف المؤونة، و لكن يكون لهذا حدّ و مرز عند العقلاء فلا يعتبرونه بالنسبة إلى ترتيب الآثار إلّا في موارد خاصّة تقبل النيابة و التنزيل عرفا أو شرعا لا في مثل و طي زوجة الغير أو التصرف في أمواله.

و لو فرض أنه انحصر طريق تصحيح العبادات النيابية في تنزيل الشخص منزلة الشخص دلّ أدلّة جواز الاستنابة فيها بدلالة الاقتضاء علي تنفيذ الشارع لذلك في هذا القبيل من الأمور، فتدبّر.

______________________________

(1)- راجع المستمسك 7/ 106؛ و مستند العروة 5/ 139 (في مبحث صلاة الاستيجار).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 264

[الوجه الثاني: النيابة هي إضافة الفعل إلى المنوب عنه و الإتيان به بقصد أدائه عنه]

______________________________

الوجه الثاني: ما يظهر من مستند العروة في مبحث الصلاة الاستيجارية «1» و محصّله: أن النيابة ليست بتنزيل الشخص كما مرّ، بل بإضافة الفعل إلى المنوب عنه و الإتيان به بقصد أدائه عنه و تفريغ ذمّته نظير التبرع بأداء دين الغير.

و النيابة في حدّ نفسها وقعت متعلّقة للأمر الاستحبابي النفسي كما هو مقتضى النصوص، و لا شكّ في كون الأمر المذكور عباديّا فيما إذا كان مورد النيابة من العبادات. و قد يتعلق بها الإجارة أيضا فيدعو إليها أمر الوفاء بالإجارة.

و الأمر الإجاري و إن كان توصّليا في حدّ ذاته. و لكن لمّا لم يكن مورده في المقام ذات العمل بل المركّب منه و من قصد القربة فلا يكاد يحصل الوفاء بالعقد إلّا إذا أتى بالعمل بداع قربي.

فما في بعض الكلمات من أن الأمر النيابي توصّلي لا تعبّدي فلا يلزم علي النائب قصد التقرّب به كلام لا أساس له. ضرورة أن مورد النيابة في العبادات ليس هو ذات الصلاة مثلا بل هي على النحو الذي اشتغلت

به ذمّة المنوب عنه. و قد اشتغلت ذمّته بالصلاة المتقوّمة بقصد القربة.

ثم إن الداعي إلى هذا المجموع المركب من الصلاة و قصد القربة قد يكون هو استحبابها الذاتي، أو حبّه له و شفقته عليه، أو الوفاء بعقد الإجارة حتى لا يكون أخذ الأجرة أكلا للمال بالباطل.

و في فصل الصلاة الاستيجارية من العروة الوثقى (المسألة 2) قال: «و يمكن أن يقال: إنما يقصد القربة من جهة الوجوب عليه من باب الإجارة. و دعوى أن الأمر الإجاري ليس عباديا بل هو توصّلي، مدفوعة بأنه تابع للعمل المستأجر عليه

______________________________

(1)- مستند العروة 5/ 142.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 265

..........

______________________________

فهو مشترك بين التوصّلية و التعبدية.» «1»

[الوجه الثالث النائب يعمل عمل المنوب عنه ليتقرب به المنوب عنه]

أقول: الظاهر من الاستنابة في العبادات هو إتيان النائب عين ما وجب على المنوب عنه ليفرغ بذلك ذمّة المنوب عنه و يسقط عنه أمره المتوجه إليه.

و بعبارة أخرى: القربة تعتبر فيها بما أنها عمل المنوب عنه بحسب اعتبار الشرع، و القرب قربه لا قرب النائب. و ليس معنى قربه إلّا إتيان ما أمر به بداعي أمره ليسقط أمره. فهذا معنى القربة في الواجبات النيابية. سواء كان الداعي للنائب في نيابته أيضا القربة، أو العلاقة العاطفية بالنسبة إلى المنوب عنه، أو استحقاق الأجرة.

فالنيابة بما أنها عمل النائب توصّلي لا يعتبر فيها القربة، و إنما القربة تعتبر في العمل المضاف إلى المنوب عنه. و النائب يعمل عمل المنوب عنه ليتقرب به المنوب عنه. و أوامر الصلاة و الزكاة و الحج و نحوها لم تتوجّه إلى النائب بل الى المنوب عنه فلا معنى لتقرب النائب بها. و الإتيان بما وجب على الغير لإسقاط الأمر المتوجه إليه خفيف المؤونة، نظير التبرع بأداء دين الغير، و إن

كان بينهما فرق ما، حيث إنه في أداء دين الغير لا يعتبر وقوع الأداء عن المديون و بنيابته بل يكفي فيه إعطاء المتبرع بنفسه ما للغريم في ذمّة المديون بقصد إبراء ذمّته. و أما في المقام فلا بدّ من صدق أنه صلّى عنه أو حج عنه على ما هو المستفاد من أخبار الباب، و لعل الظاهر منه تنزيل الشخص أو الفعل منزلة شخص الغير أو فعله بحيث يصدق كون العمل للمنوب عنه اعتبارا، فتأمّل.

و الحاصل: أنه لا يعتبر في صحّة العبادة النيابية داعوية الأمر الندبي بالنيابة أو أمر الإجارة و إن أصرّ على ذلك في مستند العروة. و لو فرض داعويتهما

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 744.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 266

..........

______________________________

في نفس النائب كانت داعويتهما إلى النيابة التي هي عمل النائب حقيقة و ترتب عليها قربه لا قرب المنوب عنه، و الغرض من الاستنابة داعوية أمر الصلاة المتوجه إلى المنوب عنه و سقوطه بإتيانها.

فلو فرض أن النائب لم يرد قرب نفسه و لم يحركه الأمر الندبي بالنيابة أو أمر الإجارة، و إنما بعثه إلى الإتيان بواجب المنوب عنه أعني الصلاة مثلا علاقته العاطفية به و عشقه بنجاته و امتثال أمره و قربه إلى ساحة الحقّ كان هذا كافيا في صحة عمله النيابي.

نظير ما إذا وقع أحد في البحر فاستوجر أحد ليخلّصه من الغرق فهو و إن أخذ الأجرة و لكن دعاه هذا إلى الإتيان بأعمال كلها تؤثر في نجاة الغريق و لا يريد بها إلّا نجاته.

فمن مات و عليه حج أو صلاة أو صيام مثلا يكون مأخوذا بها لا محالة أو محروما من نتائجها، و الشرع لتفضّله و تلطّفه أجاز الإتيان بما وجب عليه

ليسقط الأوامر المتعلّقة بها و يحصل له آثارها بفضله و كرمه.

فإن قلت: بعد اللتيّا و التي ليست أوامر العبادة متوجهة إلى النائب بل إلى المنوب عنه فكيف تدعو النائب إلى الإتيان بمتعلقاتها، و لا يكاد يدعو الأمر إلّا من خوطب به.

قلت: قد أجاب عن هذا الإشكال في المستمسك «1» بما محصّله بتوضيح منّا: أن الخطاب و إن توجّه إلى المنوب عنه إلّا أن ملاكه موجود في كل فعل مضاف إليه إضافة الملك سواء كان مضافا إليه إضافة الصدور كفعله نفسه أم لا كفعل النائب

______________________________

(1)- المستمسك 7/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 267

..........

______________________________

بعنوان كونه للمنوب عنه، حيث إن النائب يأتي به بهذا العنوان، و أدلّة النيابة أيضا نفّذته و أمر الغير لا يدعو الإنسان إلى عمل نفسه و أمّا العمل المأتي به لمن خوطب بالأمر فلا مانع من داعويته إليه إذا فرض جواز النيابة فيه، فالنائب مهما تصوّر الفعل المأتي للمنوب عنه وجده واجدا لملاك الأمر بمقتضى أدلّة النيابة فيأتي به بعنوانه الواقع تحت الأمر بقصد تقرّب المنوب عنه و سقوط أمره فيصح عبادة كما لو صدر عن شخص المنوب عنه بهذا العنوان و بهذا القصد.

و حيث إن الفعل جعل له كان ثوابه أيضا راجعا إليه لأنه الذي يملك الفعل دون النائب.

نعم للنائب أيضا ثواب النيابة إن قصد بها القربة، و لكن لا أثر له في صحة العمل و قرب المنوب عنه.

فإن قلت: بعد ما كان الداعي للنائب استحقاق الأجرة أو العلاقة العاطفية كيف يقع الفعل عبادة و مقرّبا؟!

قلت: الداعي القريب لإتيان العبادة هو امتثال الأمر المتوجه إلى المنوب عنه و إسقاطه عنه، فهو الذي يبعث النائب إلى إتيان الصلاة مثلا.

و أمّا استحقاق الأجرة

و نحوه فأولا يكون داعيا و علة للنيابة لا لنفس العمل العبادي.

و ثانيا: يكون تأثيره بنحو الداعي على الداعي.

و بعبارة أخرى: المطلوب الأوّلي للنائب و إن كان هو استحقاق الأجرة و لكن لما كان حصوله متوقفا على امتثال أمر الصلاة المتوجه إلى الميّت و إسقاطه عنه فلا محالة ينقدح في نفسه من قصد استحقاق الأجرة قصد امتثال أمر الميت على ما هو المحقق في جميع الغايات المترتبة تكوينا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 268

..........

______________________________

و قصد الأجرة بهذا النحو لا يضرّ بعبادية العمل و مقربيته في المقام. إذ ما هو المعتبر في العبادة أولا قصد العنوان الواقع تحت الأمر، و ثانيا وقوعه على نحو مقرّب لمن له الفعل. و الفعل هنا للمنوب عنه لا للنائب. و قد وجد مطابقا لما تحت الأمر بداعي إسقاطه. و لا نعني بقرب المنوب عنه إلّا هذا. نعم لو أتى بالعمل القربي بقصد إهداء ثوابه إلى الغير كان العمل هنا عمل المباشر و القرب قربة غاية الأمر إهداء ثوابه بعد تحققه إلى الغير و لكن لا يكفي في سقوط أمر الغير إتيانه كذلك.

فإن قلت: حصول القرب مترتب على العمل الخالص للّه- تعالى-، فما يقع خالصا له إن أتى به الفاعل لنفسه صار مقربا لنفسه، و إن أتى به لغيره صار مقربا لغيره. و أما المأتي به للأجرة و لو بنحو الداعي على الداعي فلا قربة فيه و لا إخلاص، نظير ما إذا أتى به رياء.

قلت: قد مرّ منّا أولا أن الأجرة بإزاء النيابة التي هي فعل النائب. و ثانيا أن تأثيرها في نفس الفاعل يكون بنحو الداعي على الداعي و لو سلم إضراره فإنما يضرّ بقرب النائب لا المنوب عنه.

و العمل

إنما أتى به بعنوانه المطلوب بداعي أمر المنوب عنه و إسقاطه عنه، و يكفي في قرب العمل و إخلاصه كون الداعي إليه قصد حصول الامتثال فقط.

هذا.

و أمّا داعوية أمر الإجارة فيرد عليها أوّلا: أن متعلق الإجارة هو النيابة لا أصل العمل.

و ثانيا: أن داعويته موجبة لقرب النائب لا المنوب عنه.

و ثالثا: أن الظاهر أن الأمر في قوله- تعالى-: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه إرشادي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 269

..........

______________________________

لا مولوي، إذ هو إرشاد إلى ما يحكم به العقل و الفطرة من الوفاء بالعهود و المواثيق.

و لذا ذكر في أول سورة المائدة مقدمة لبيان محرمات و محللات مشرّعة و مواثيق مأخوذة من المسلمين و من اليهود و النصارى، فراجع.

فالمراد منه على الظاهر: أن فطرة الناس مجبولة على العمل بالعهود و المواثيق الواقعة بينه و بين غيره و منها العهود التي وقعت بينه و بين اللّه بحسب الفطرة من إطاعة أوامره و العمل بأحكامه و الوفاء بالمواثيق التي أخذها من عباده، فتدبّر.

و قد تحصّل مما ذكرناه بطوله: أن في العبادات النيابية لا أمر بالعبادة و لا قربة بالنسبة إلى النائب و إنما الأمر أمر المنوب عنه و القرب قربه بمعنى إتيان الفعل بداعي امتثال أمره و سقوطه عنه.

و لو لا أدلّة النيابة لقلنا باشتراط المباشرة مطلقا و عدم إجزاء فعل الغير و لكن بعد تحكيم أدلة النيابة على الأدلّة الأوّلية يعلم أنه عند عدم تمكن المخاطب من امتثال أمره يكفي فعل النائب بعنوان النيابة في حصول امتثال أمر المنوب عنه، و هذا معنى قربه. و الأمر و إن لم يتوجه إلى النائب و لكن يكفي في باعثيته له وجود ملاكه المستكشف من أدلّة النيابة.

هذا و ليجعل

ما بيناه وجها ثالثا من وجوه رفع الإشكال في المقام. و كان ما ذكرناه على أساس تنزيل العمل منزلة العمل، و إن لم يكن كلام مستند العروة على هذا الأساس فلاحظ.

[الوجه الرابع: النيابة هي إتيان نفس ما وجب على الغير من دون تنزيل]

الوجه الرابع: ما يقرب مما ذكرناه و لكن لا على أساس تنزيل الشخص أو العمل، بل بإتيان نفس ما وجب على الغير من دون تنزيل، نظير أداء دين الغير.

و قد مرّ منّا أن أداء دين الغير لا يشتمل على التنزيل و الادّعاء. بل المتبرع بشخصه يؤدّي ما على الغير بقصد فراغ ذمّته.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 270

..........

______________________________

ففي المقام أيضا يعمل المتبرع أو الأجير ما وجب على الغير بقصد امتثال أمر الغير و براءة ذمّته، و القرب أيضا قربه لا قرب الفاعل المباشر فلا ينافيه أخذه للأجرة، و لا يراد بقرب الغير إلّا موافقة الأمر المتوجه إليه و سقوطه عنه.

فكأن الواجب الإلهي دين على الميت يقضيه وليّه أو المتبرع أو الأجير، و قد نفّذ ذلك الشارع.

قال في العروة الوثقى (المسألة 1 من فصل صلاة الاستيجار): «فالمتبرع بتفريغ ذمّة الميّت له أن ينزّل نفسه منزلته و له أن يتبرّع بأداء دينه من غير تنزيل، بل الأجير أيضا يتصور فيه الوجهان، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائبا بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميت و أداء دينه الذي للّه.» «1»

و في المكاسب المحرّمة للأستاذ الإمام- طاب ثراه- بعد بيان نوعي التنزيل قال ما محصله:

«لكن الإنصاف أن ما لدى المتشرّعة و سائر العقلاء و ظاهر النصوص ليس هو التنزيل ضرورة أن الاستيجار يقع في مقابل العمل للغير لا في مقابل تنزيل الشخص أو العمل.

ففي رواية عبد اللّه بن سنان قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع»

إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين دينارا يحجّ بها عن إسماعيل، و لم يترك شيئا من العمرة إلى الحج إلّا اشترط عليه، حتى اشترط عليه أن يسعى في وادي محسّر. ثم قال:

«يا هذا، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة بما أنفق من ماله، و كانت لك تسع بما أتبعت من بدنك.»

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 743.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 271

..........

______________________________

و لعمري إنها كالصريح في كون الأجر في مقابل العمل عنه. فما تقدم من التصورات أجنبية عن عمل المسلمين و عن مفاد النصوص. فلا بد من دفع الإشكال، و لا يندفع بما تقدم فيستكشف من النصوص صحّة العبادات الاستيجارية بنحو الداعي على الداعي. و لا يرد عليها ما أوردناه على الاستيجار في عبادة نفسه كما لا يخفى.

فالنيابة هي إتيان العمل عوض الغير و بدله كأداء الدين عنه كما صرّح به في رواية الخثعمية. فهل ترى من نفسك أن المعطي لدين غيره و عن قبله ينزّل نفسه منزلة نفسه أو عمله منزلة عمله؟ و بالجملة ليس في النصوص إلّا نحو قوله:

«يحج عنه» أو «يصلّي عنه» و ليس مفاد ذلك إلّا نحو قوله: قضى دينه عنه.» «1»

أقول: راجع رواية ابن سنان في الباب الأول من أبواب النيابة في الحج، و رواية الخثعمية في الباب 24 من أبواب وجوب الحج من الوسائل. «2» و الظاهر وجود التفاوت بين قولنا: «قضى دينه» و قولنا: «قضى عنه دينه» لظهور الأول في وقوع أصل العمل، و المناسب له ذكر اللام لا «عن» و ظهور الثاني في وقوعه بدلا عن عمل الآخر، و التنزيل الاعتباري خفيف المؤونه. و المذكور في أخبار النيابة و منها الروايتان في كلامه كلمة «عن» و

يفهم منها البدلية و تنزيل العمل.

و هو أيضا فسّر في آخر كلامه النيابة بإتيان العمل عوض الغير و بدله.

و لعلّ الظاهر من النيابة في العبادات إرادة إتيان الفعل بنحو يعدّ اعتبارا عملا للمنوب عنه لينتفع به و بآثاره. و لذا لا يكتفى بإتيان العمل و إهداء ثوابه إليه.

______________________________

(1)- المكاسب المحرمة 2/ 220.

(2)- راجع الوسائل 8/ 115، الباب 1 من أبواب النيابة، الحديث 1؛ و 8/ 44، الباب 24 من أبواب وجوب الحج، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 272

..........

______________________________

و ما هو عمل النائب في النيابة نفس النيابة و التنزيل، و العمل ينسب إلى المنوب عنه.

و بالجملة فظاهر قولهم: «صلّى عنه» أنه ناب عنه فصلّى له، أو صلّى عوضا عن صلاته و مفاد الأول تنزيل الشخص و الثاني تنزيل العمل و الأظهر هو الثاني.

و ما أشار إليه من الإيراد في الاستيجار في عبادة نفسه إشارة إلى ما يأتي من الإشكال في الداعي على الداعي و قد مرّ منا أيضا.

ثم اعلم أن النيابة في العبادات تحتاج إلى دليل متقن، إذ الظاهر من أدلّتها المباشرة كما مرّ عن المسالك. و أما جواز إعطاء دين الغير فالظاهر أنه على وفق القاعدة، فإن ما يستحقه الدائن في ذمّة المدين كلّي لا يتقيد بقيد خاصّ فينطبق قهرا على ما يعطيه المتبرع، و ليس للدائن الامتناع من أخذه.

و لكن في مستند العروة ما محصّله: «أن ذمة المدين قيد للدين، إذ هي الموجبة لاعتبار الكلي و كونه ذا قيمة عند العقلاء، و مع قطع النظر عن هذه الإضافة لا اعتبار له عندهم و لا قيمة بل يكون كسراب بقيعة لا يبذل بإزائه المال.

فجواز إعطاء الغير الدين خلاف القاعدة و إن دل عليه

و على صحّته سيرة العقلاء و النصوص الخاصّة.» «1»

أقول: يمكن أن يناقش ما ذكره بأن الظاهر كون الذمّة عند العقلاء ظرفا للكلي لا قيدا، و يكفي الظرفية الخاصة لاعتبارها مالا عندهم، فتدبّر.

[الوجه الخامس: أخذ الأجرة داع لداعي القربة]

الوجه الخامس: من الوجوه التي ذكروها لدفع الإشكال في المقام ما ذكره في العروة في فصل الصلاة الاستيجارية (المسألة 2) قال: «لكن التحقيق أن أخذ الأجرة داع لداعي القربة كما في صلاة الحاجة و صلاة الاستسقاء حيث إن الحاجة

______________________________

(1)- مستند العروة 5/ 140.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 273

..........

______________________________

و نزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة.» «1»

و ناقش فيه بعض أعاظم المحشين بقوله: «الظاهر أن إيراده تقريبا للإشكال أولى من أن يذكر دفعا له.»

أقول: قياس المقام على المثالين مع الفارق، إذ الملاك في العبادية هو الانتهاء إلى اللّه- تعالى-. و في المثالين يكون المطر و الحاجة مطلوبين منه- تعالى-، و الطلب منه عبادة نظير طلب الجنة و النجاة من النار منه- تعالى-.

نعم لو كان القصد إلى مجرّد المعاوضة معه- تعالى- أشكل الصحّة.

و أما في المقام فالمطلوب استحقاق الأجرة من المستأجر و هو ينافي القرب و الإخلاص للّه- تعالى- فيما إذا أريد قرب المباشر كما في عبادة نفسه مثلا و المفروض أن غرض المصنف و غيره في ارتكاب هذه التكلفات توجيه قرب النائب لا المنوب عنه.

نعم لا يرد الإشكال علينا، إذ قد مرّ أوّلا أن فعل النائب هو النيابة فقط و هو توصّلي لا يشترط فيها القربة بل تشترط في الصلاة المضافة إلى المنوب عنه، و القرب قربه.

و ثانيا أن قصد استحقاق الأجرة بنحو الداعي على الداعي إنما يضرّ بقرب النائب لا بقرب المنوب عنه، إذ ليس في ناحيته إلّا حصول امتثال

أمره. هذا.

و كان الأستاذ آية اللّه البروجردي يستشكل على الداعي على الداعي بوجهين:

الأول: أن المهم في المقام تحصيل الأمر للنائب، و لا يحصل هذا إلّا بتنزيل الشخص منزلة الشخص حتى يتوجه إليه أمر المنوب عنه.

الثاني: أن الداعي على الداعي إنما يتصوّر فيما إذا كان هنا مرادات مترتبة

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 744.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 274

..........

______________________________

تكوينا بنحو العلية و المعلولية فيتولّد من قصد المعلول الأخير قصد علته و من قصدها قصد علّة و هكذا. فالترتب يجب أن يكون في نفس المرادات حتى ينقدح في النفس إرادات و قصود متعاقبة، و ليس الأمر في المقام كذلك، فإن استحقاق الأجرة ليس مترتبا على نفس القربة بل على قصدها، فمقتضى كونه من قبيل الداعي على الداعي أن يتولد من قصد الأجرة قصد قصد القربة، فيتوقف وجود القصد على القصد فيلزم التسلسل.

أقول: يمكن أن يناقش الوجه الأول بما مرّ منّا من أن النائب يقصد امتثال أمر المنوب عنه و إسقاطه عنه بإيجاد الفعل عنه لوجود ملاكه فيه بمقتضى أدلّة النيابة. و قد مرّ أن أمر الغير لا يدعو الإنسان إلى عمل نفسه لنفسه و أما إلى العمل لمن خوطب به بداعي إسقاط أمره فيمكن داعويته إليه على فرض جواز النيابة عنه، فتأمّل.

و يناقش الوجه الثاني بأن تحقق قصد خاص في مورد خاصّ بالقصد لا يستلزم التسلسل في القصود، و إنما يلزم التسلسل لو قيل بأن القصد قصدي مطلقا.

و من الممكن أن يكون القصد في مورد خاص بنفسه موضوعا لأمر خاص و مشتاقا إليه فيوجده المكلف في نفسه باختياره لاشتياقه إلى ترتب حكمه و أثره، كما إذا اشتاق المسافر مثلا إلى الصلاة تماما في بلد خاص و حيث

إنها تتوقف على قصد الإقامة فيه أوجد في نفسه هذا القصد باختياره، و مال هذا إلى قصد القصد.

و إن شئت قلت: إذا كان القصد بنفسه موضوعا لأثر فالشوق إلى ترتب هذا الأثر يوجب تحقق القصد باختياره، و هذا معنى قصد القصد. و القول بأن اختيارية القصد بذاته لا بقصد آخر واضح البطلان لكونه نحو خلط بين الحمل الأوّلي الذاتي و الحمل الشائع، حيث إن القصد و إن كان قصدا بالحمل الأوّلي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 275

..........

______________________________

و لكنه بالحمل الشائع أمر حادث يحتاج إلى علّة، و لا يعقل كونه علّة لوجود نفسه، فتأمّل. هذا.

و كان الأمر فيما قويناه يصل بالأخرة إلى الداعي على الداعي أيضا، إذ استحقاق الأجرة كان متوقفا على امتثال أمر الغير فيتولد من قصده قصده، فراجع ما حرّرناه.

و قد طال البحث في المقام، فأعتذر من القراء الكرام و نسأل اللّه- تعالى- التوفيق و خير الختام.

[حكم التوكيل في المقام]

اشارة

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى بيان حكم التوكيل في المقام:

[كلمات الأصحاب في المقام]

1- قال في الشرائع: «و للمالك أن يتولّى تفريق ما وجب عليه بنفسه و بمن يوكله.» «1»

أقول: العبارة تحتمل كلا من وكيلي الأداء و الإيصال.

2- و في المدارك: «لا خلاف بين علماء الإسلام في قبول هذا الفعل للنيابة للأخبار الكثيرة الدالّة عليه.» «2»

3- و في الجواهر: «إذ لا خلاف بيننا، بل بين المسلمين كافّة في قبول هذا الفعل للنيابة التي استفاضت بها النصوص أو تواترت.» «3»

4- و فيه أيضا: «بل يمكن دعوى السيرة القطعية التي هي أعظم من الإجماع عليه، بل النصوص أيضا دالة عليه.» «4»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى/ 124).

(2)- المدارك/ 322.

(3)- الجواهر 15/ 416.

(4)- الجواهر 15/ 474.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 276

..........

______________________________

5- و في مصباح الهدى: «و للسيرة القطعية على قبول إخراجها للنيابة التي هي أعظم من الإجماع.» «1» هذا.

[الأخبار في المقام]

و أما الأخبار التي تعرضوا لها أو أشاروا إليها:

1- صحيحة محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ الحديث. «2»

2- صحيحة زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت. «3»

3- صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها؟ قال: «يجري له مثل ما يجري للمعطي و لا ينقص المعطي من أجره شيئا.» «4»

4- صحيحة على بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن «ع» عمن يلي صدقة العشر على من لا بأس به، فقال: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت و ضعها في مواضعها.» «5»

5- خبر شهاب بن عبد ربّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إني

إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك أما إنه أحد المعطين.» «6»

6- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يعطى الزكاة

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 366.

(2)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- الوسائل 6/ 193، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 277

..........

______________________________

يقسمها أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال:

«لا بأس به.» «1»

7- موثقة سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يعطى الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم.» «2»

8- صحيحة الحسين بن عثمان، عن أبي إبراهيم «ع» في رجل أعطي مالا يفرّقه في من يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره.» «3»

و نحوها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن «ع»، فراجع. «4»

أقول: هذه ما وقفت عليها عاجلا من الأخبار في زكاة المال الواجبة. و أنت ترى أن مورد هذه الأخبار صورة إخراج المالك الزكاة بنفسه و عزلها من ماله، و إنما أحال إلى الغير تقسيمها فقط. و قد مرّ جواز عزل الزكاة و تعيّن المعزول زكاة. فالنية و الإخراج صدرا عن المالك، و المحال إلى الغير إيصالها إلى أهلها و تقسيمها فيهم.

نعم يظهر من بعضها أن للوكيل الاستقلال في

تشخيص المصرف و تعيينه، و ليس من قبيل الحيوان و المجنون الواسطتين في الإيصال فقط، و لكن الإخراج من المال و نيّة الزكاة قد تحققا من قبل المالك بالمباشرة. و لعلّ موارد التسليم إلى الإمام أو العاملين أيضا كذلك.

و بالجملة ليس في هذه الأخبار التي تمسّك بها الأصحاب في المقام ما يدلّ

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 195، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 199، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 278

..........

______________________________

على جواز التوكيل في أصل الإخراج، و لا سيّما مع عدم التفات المالك إلى تعلق الزكاة بماله، بل مفادها هو التوكيل في التقسيم فقط.

نعم يمكن أن يستفاد من أخبار وردت في زكاة مال التجارة و زكاة الفطرة و زكاة القرض إجمالا جواز نيابة الغير في الإخراج أيضا، و هو ملازم قهرا لاستقلال الوكيل و نيته أيضا كما في نيابة الحج:

1- ففي موثقة سماعة قال: سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة، هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتّجر به؟ فقال: «ينبغي له أن يقول لأصحاب المال:

زكّوه فإن قالوا: إنا نزكّيه فليس عليه غير ذلك، و إن هم أمروه بأن يزكّيه فليفعل.

الحديث.» «1»

2- و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تأخذنّ مالا مضاربة إلّا مالا تزكّيه أو يزكّيه صاحبه.» «2»

و الظاهر أن الزكاة الواجبة و المندوبة مساقهما واحد إذ يشترط في كليهما القربة.

3- و في خبر إسحاق بن عمّار، عن معتّب، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و عن الرقيق و أجمعهم و لا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت.» «3»

4- و في صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا بأس بأن يعطى الرجل عن عياله و هم غيّب عنه و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم.» و رواه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 50، الباب 15 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 50، الباب 15 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 228، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5؛ عن الفقيه 2/ 118 (طبعة أخرى 2/ 181).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 279

..........

______________________________

الشيخ أيضا و زاد في آخره: «يعني الفطرة.» «1»

5- و في باب زكاة القرض صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده.

قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه. و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض.» «2»

و ظاهر الصحيحة بدوا جواز أداء المقرض زكاة القرض تبرعا مع أن زكاته على المقترض لأنه ماله، كما دلّ على ذلك أخبار مستفيضة ذكرها صاحب الوسائل في هذا الباب و أوضحها صحيحة زرارة.

و يمكن أن يستفاد من هذه الصحيحة جواز أداء كل أحد زكاة مال غيره تبرعا، إذ لا خصوصية للمقرض بعد صيرورة القرض ملكا للمقترض و صيرورة المقرض أجنبيا عنه بالكلية، فتأمّل.

و قد أفتى بظاهر الصحيحة العلامة في المنتهى، قال: لو أدّى القارض الزكاة عن المقترض برئت ذمّته لأنه بمنزلة قضاء الدين عنه. و يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم ...»

«3»

أقول: ظاهر تعليله بأنه بمنزله قضاء الدين عنه تعميمه إلى غير المقرض و عدم لزوم الاستيذان أيضا.

و في المدارك: «و لو تبرّع المقرض بالإخراج عن المقترض فالوجه الإجزاء، سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا، و به قطع في المنتهى ... و اعتبر الشهيد في الدروس

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 255، الباب 19 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2

(3)- المنتهى 1/ 477.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 280

..........

______________________________

و البيان في الإجزاء إذن المقترض. و الرواية مطلقة.» «1»

أقول: يمكن أن يقال: إن الصحيحة ليست في مقام البيان بالنسبة إلى المقرض حتى يتمسك بإطلاقها، إذ هي في مقام بيان وظيفة المقترض كما هو ظاهر السؤال. و على هذا فالقدر المتيقن منها صورة إذن المقترض فينوي الزكاة نيابة عنه، بل يمكن منع دلالة الصحيحة على جواز التبرع أيضا حتى مع الإذن، إذ لعلّ المراد أداؤها بحساب المقترض قرضا عليه كالأصل، و أيّ مقرض يؤدّي زكاة القرض من مال نفسه تبرعا و مجّانا!؟ فهذا أمر نادر جدّا و لذا لم نجد هذا المضمون مفتى به في كلمات القدماء من أصحابنا و لم يفت به في النهاية و الشرائع أيضا. هذا.

و في العروة الوثقى في أوائل الزكاة (المسألة 11) أفتى بجواز أداء غير المقترض زكاة القرض تبرّعا من غير فرق بين المقرض و الأجنبي، و قوّى عدم اعتبار الاستيذان أيضا. و راجع ما حررناه في شرح المسألة «2»، و إن كان في بعض ما حرّرناه هناك نظر لكونه على أساس تفسير النيابة بتنزيل الشخص منزلة الشخص، و قد مرّت المناقشة في ذلك.

كما أن ما ذكرناه هناك

كان على فرض جواز التبرع في الزكاة، و قد عرفت آنفا المناقشة في ذلك. هذا.

و يمكن أن يستدلّ لجواز النيابة في الزكاة أيضا بأخبار النيابة عن الوالدين، إذ ذكر فيها التصدق عنهما أيضا، و لعلّه باطلاقه يعمّ الزكاة الواجبة عليهما أيضا و لا سيما مع ذكرها في عداد الصلاة و الصيام. «3» هذا.

______________________________

(1)- المدارك/ 291.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 100 و ما بعدها.

(3)- راجع الوسائل 5/ 365، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 281

[يستدلّ لإطلاق جواز التوكيل في كل عمل بوجوه]
اشارة

______________________________

و ربما يستدلّ لإطلاق جواز التوكيل في كل عمل إلّا فيما ثبت خلافه بوجوه:

[الأوّل: الأصل عدم اشتراط المباشرة و جواز الوكالة في كل شي ء]

الأوّل: ما في الجواهر، و ملخّصه: «أن الأصل عدم اشتراط المباشرة و جواز الوكالة في كل شي ء، و أنه المستفاد من التأمّل في كلام الأصحاب كما يؤمي إلى ذلك ذكر الدليل فيما لا تصحّ فيه من النصّ على اعتبار المباشرة دون ما صحّت فيه. و لعلّ مرجع ذلك إلى دعوى اشتراط المباشرة و الأصل عدمه.

و أصالة عدم الوكالة قد انقطع بثبوت مشروعيتها كغيرها من العقود خصوصا مع ملاحظة التمسك من الأصحاب في كل عقد بالعمومات. و ليس في شي ء منها سوى ما دلّ على مشروعية طبيعتها المقتضي للمشروعية في كل فرد من أفرادها حتى يعلم فساده.» «1»

[الثاني: ادعاء الإطلاق في بعض روايات الوكالة]

الثاني: ادعاء الإطلاق في بعض روايات الوكالة كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه «ع»، و فيها: «إن الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا. و الوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل بثقة. الحديث.» «2»

و صحيحة معاوية بن وهب و جابر بن يزيد عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال:

«من وكّل رجلا علي إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتّى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها.» «3»

[الثالث: أن التوكيل من الأمور العقلائية غير المحتاجة إلى دليل شرعي]

الثالث: أن التوكيل من الأمور العقلائية غير المحتاجة إلى تأسيس و دليل شرعي، بل يكفي فيها عدم الردع كسائر العقود و الإيقاعات العرفية العقلائية،

______________________________

(1)- الجواهر 27/ 377.

(2)- الوسائل 13/ 286، الباب 2 من كتاب الوكالة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 285، الباب 1 من كتاب الوكالة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 282

..........

______________________________

و يؤيد ذلك قاعدة سلطنة الناس على أنفسهم.

[يمكن أن يجاب عن الوجه الأوّل]

و يمكن أن يجاب عن الوجه الأوّل بأن أدلّة بعض العقود لا عموم لها و لا إطلاق، فكيف يتمسك بها في موارد الشك؟ إلّا أن يحرز فيها القطع بالمناط و عدم دخل الخصوصية.

و أما قوله- تعالى-: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فيرد على الاستدلال به أوّلا: أن الظاهر كونه إرشادا إلى ما يحكم به العقل من الوفاء بالعهود الواقعة بين اللّه- تعالى- و بين أفراد الإنسان بحسب الفطرة، أو بين بعضهم مع بعض كما يرشد إلى ذلك ذكره في أول المائدة مقدمة و توطئة لبيان محلّلات و محرّمات شرعية و مواثيق مأخوذة من المسلمين و من اليهود و النصارى فيكون مفاد الآية بالنسبة إلى أحكام اللّه- تعالى- مفاد قوله: «أَطِيعُوا اللّٰهَ» إرشادا محضا لا يقبل المولوية و إلّا لتسلسل.

اللّهم إلّا أن يقال: إن الحكم الإرشادي في اللزوم و عدمه تابع للمرشد إليه، و المرشد إليه هنا بنحو اللزوم عند العقل فيكفي في الاستدلال، و لكن مرجع ذلك إلى التمسك بحكم العقل.

أو يقال: إن وجوب الوفاء و إن كان بنحو الإرشاد بالنسبة إلى العهود الواقعة بين اللّه و بين خلقه لرجوعه إلى وجوب الإطاعة، و لكن لا مانع من حمله على المولوية بالنسبة إلى العقود و العهود الواقعة بين الناس بعضهم مع بعض، و الأصل في الأمر المولوية إلّا

فيما ثبت خلافه. هذا.

و لكن يشبه هذا استعمال اللفظ في معنيين و الجمع بين اللحاظين، إلّا أن يقال الأمر للبعث بنحو الإطلاق فيعمّهما معا.

و ثانيا: أنه ليس مشرّعا منقّحا لموضوع نفسه فلا يكون مصححا لعقد شكّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 283

..........

______________________________

في صحّته، بل الصحّة يجب أن تثبت إما بدليل و إطلاق شرعي آخر أو ببناء العقلاء بضميمة عدم الردع. و مفاد هذه الآية وجوب الوفاء بها بعد ما تحققت صحتها. و صحّه الوكالة في العبادات و الأمور القربية أوّل الكلام. و قد عرفت من المسالك أن الأصل في العبادات المباشرة.

اللّهم إلّا أن يقال: إن العقود في الآية تحمل على العقود العرفية ما لم يحرز بطلانها، فكلّما أطلق عليه العقد عندهم يشمله الموضوع و الحكم في الآية الشريفة، و لذا تمسّكوا بها لصحّة العقود المستحدثة كالتأمين و نحوه.

و ثالثا: أن التمسك بالآية في الوكالة يستلزم كونها من العقود اللازمة و هو خلاف الإجماع و ضرورة الفقه. إلّا أن يراد بوجوب الوفاء صحة العقد و ترتيب أحكامه عليه على ما هو عليه من اللزوم أو الجواز، فتدبّر.

[يجاب عن الوجه الثاني]

و يجاب عن الوجه الثاني بأن التمسك بالصحيحتين يتوقف على كونهما في مقام البيان من هذه الجهة.

و الظاهر أنهما ليستا في مقام بيان ما يصحّ فيه الوكالة، بل بيان أن الوكالة بعد ما تحققت في مواردها و صحّت تبقى أبدا ما لم يبلغ العزل.

[يجاب عن الوجه الثالث]

و يجاب عن الوجه الثالث بأن التمسك ببناء العقلاء إنما يصحّ فيما ثبت بناؤهم و استقرّت سيرتهم عليه حتى في عصر النبي «ص» و الأئمة- عليهم السلام-، كما في كثير من العقود و الإيقاعات و منها بعض الوكالات.

و أما التوكيل في العبادات و الأمور القربية الظاهرة في المباشرة فلم يثبت استقرار سيرتهم عليها في تلك الأعصار. و ثبوتها بالنسبة إلى بعض الموضوعات لا يكفي لادّعاء استقرارها في جميعها، و إلغاء الخصوصية لا يجري في موارد الشكّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 284

[حكم ما إذا كان وكيلا في الايصال فقط]
اشارة

و في الأوّل ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك.

و الأحوط تولّي المالك للنيّة أيضا حين الدفع إلى الوكيل. و في الثاني لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل. و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير (1).

[كلمات الأصحاب في المقام]

______________________________

(1) 1- في المبسوط: «النية معتبرة في الزكاة. و يعتبر نيّة المعطي سواء كان المالك أو من يأمره المالك، أو من يتولّى مال اليتيم الذي يجب فيه الزكاة و مال المجنون. و ينبغي أن يقارن النية حال الإعطاء.» «1»

2- و فيه أيضا: «من أعطى زكاته لوكيله ليعطيها الفقير و نواه أجزأه إذا نوى الوكيل حال الدفع، لأن النية ينبغي أن يقارن حال الدفع إلى الفقير. و إن لم ينو ربّ المال و نوى الوكيل لم يجز لأنه ليس بمالك له.

و إن نوى هو و لم ينو الوكيل لم يجز لما قلناه لأنه يدفعها إلى الوكيل و لم يدفعها إلى المستحق.

و إن نويا معا أجزأه. و متى أعطى الإمام أو السّاعي و نوى حين الإعطاء أجزأه لأن قبض الإمام أو السّاعي قبض عن أهل السهمان. و إن لم ينو الإمام أيضا أجزأه لما قلناه ...» «2»

3- و في الشرائع: «و المراعى نية الدافع إن كان مالكا، و إن كان ساعيا أو الإمام أو وكيلا جاز أن يتولى النية كل واحد من الدافع و المالك.» «3»

4- و ذيّله في الجواهر بقوله: «قيل: أما الأخير فلتعلق الزكاة به أصالة فكانت

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- المبسوط 1/ 233.

(3)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 285

..........

______________________________

نيّته حين الدفع إلى الفقير كافية. و أما الإمام و نائبه و الوكيل فلقيامهم مقام المستحق (المالك

خ. ل).

و فيه أن الأوّل مخالف للمحكي عن الشيخ بل المصنف في المعتبر من عدم إجزاء نيّة الموكّل دون الوكيل.

اللّهم إلّا أن يحمل ذلك على غير المفروض الذي هو النية حال الدفع للمستحق، و إنما هو النية حال الدفع للوكيل ...» «1»

5- و في التذكرة: «و الوكيل و الوليّ و الحاكم و السّاعي ينويان زكاة من يخرجون عنه.» «2»

6- و فيه أيضا: «الزكاة إن فرّقها المالك تولّى النية حالة الدفع. و إن دفعها إلى وكيله ليفرقها فإن نوى الموكّل حالة الدفع إلى الوكيل و نوى الوكيل حالة دفعه إلى الفقراء أجزأ إجماعا.

و إن لم ينويا معا بأن ينويا الصدقة دون الزكاة لم يجزئه.

و إن نوى المزكّي حالة دفعه إلى الوكيل و لم ينو الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء لم يجزئه عندنا، و هو أحد قولي الشافعية بناء على الوجهين في جواز تقديم النية و منهم من قال: يجزئه هنا وجها واحدا لأنه لمّا أجيزت له النيابة جازت النية عند الاستنابة.

و ينتقض بالحج، و لأن نيّة الموكّل لم تقارن الدفع فوقع الفعل بغير نيّة فلا تعدّ عملا.

و لو نوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء و لم ينو الموكّل حال الدفع إلى الوكيل

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 473.

(2)- التذكرة 1/ 242.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 286

..........

______________________________

لم يجزئه، و به قال الشافعي و أحمد لأن الفرض يتعلق بالمالك و الإجزاء يقع عنه.

و يحتمل الإجزاء لو نوى الوكيل لأنه نائب عن المالك و الفعل مما تدخله النيابة فصحّت نية الوكيل كالحجّ. أما لو لم ينو المالك حالة الدفع إلى الوكيل و نوى حالة دفع الوكيل إلى الفقراء و لم ينو الوكيل أجزأ لأن النائب لا اعتبار به مع فعل

المنوب ما وقعت فيه النيابة.» «1»

و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا. «2»

أقول: قد أطال الفقهاء البحث في المقام و سلك كل واحد منهم مسلكا.

و محصّل الكلام أن الوكيل إن كان وكيلا في الإيصال فقط بأن أخرجها المالك بنية الزكاة و أحال الإيصال إلى الوكيل ففي المتن: «لا بد من تولّي المالك للنّية حين الدفع إلى الوكيل.»

[دليل وجوب النية على المالك حين الدفع]

و يمكن أن يوجّه ذلك بوجهين: الأوّل: ما يظهر من المستمسك في المقام، و محصّله بتوضيح منّا: «أن في هذه الصورة لا يجب بل لا يكفى نية الوكيل وقت الإيصال إلى الفقير لعدم كونه وكيلا في الأداء و الإيتاء و وزانه في ذلك وزان الصغير و المجنون، بل الواجب نية المالك حين الدفع إلى الوكيل لأنه زمان صدور الفعل عنه.

و لا يلزم حصول نيّة المالك حال الوصول إلى الفقير لصدق التقرّب بالمسبب إذا كان متسببا إليه بفعل السبب و تكون النية قبل وقوع الواجب لا حال وقوعه، نظير المسببات التوليدية كالقتل و نحوه، حيث إن زمان صدور الفعل من الفاعل هو زمان إيجاده للسبب كالرمي مثلا فينسب القتل إليه و لو فرض موته في زمان

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 243.

(2)- المنتهى 1/ 516.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 287

..........

______________________________

وقوع المسبب خارجا.» «1»

و لعلّ إلى هذا البيان ينظر ما في المعتمد في شرح مناسك الحج، و محصّله:

«أن الفعل قد يصدر من المباشر و لكن ينسب إلى الآمر و السبب من دون دخل قصد قربة العامل فيه أصلا، كبناء المساجد و إيصال الزكاة بالواسطة، فإن المعتبر فيه قصد قربة الآمر و لا أثر لنية العامل أو الواسطة.

و قد يصدر الفعل من نفس النائب و يكون العمل عمل النائب لا المنوب

عنه كالحج النيابي و الصلاة و الصوم و الطواف و الرمي. فإن العامل المباشر هو الذي يقصد القربة و يقصد الأمر المتوجه إلى نفسه كالأمر الوجوبي المتوجه إلى الولد الأكبر و الأمر الاستحبابي التبرعي بالنيابة.

و بالجملة موارد اعتبار نية العامل هو ما إذا ثبتت مشروعية النيابة و توجه الأمر إلى النائب، و أما الموارد التي لا أمر فيها بالنيابة و لم تشرع النيابة فلا معنى لنية العامل و منها الزكاة، فإن المأمور بإعطاء الزكاة نفس المالك و لكن الواجب عليه الإعطاء الأعم من المباشرة و التسبيب، فحينئذ لا معنى لنيّة العامل أي الواسطة في الإيصال و كذلك الذبح في المقام فإن الذابح المباشر لا أمر له ...» «2»

الوجه الثاني: أن المالك بنفسه تصدّى للإخراج و العزل، و المعزول بنية الزكاة يتعين زكاة على ما مرّ فيكفي النية حينه. هذا.

[وجوب استمرار النية و لو في الارتكاز إلى حين الوصول إلى الفقير]

و لكن الأقوى وجوب استمرار النية و لو في الارتكاز و خزانة النفس إلى حين الوصول إلى الفقير.

إذ يرد على الوجه الأوّل أن الواجب العبادي هنا إيتاء الزكاة للفقير،

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 349.

(2)- المعتمد 5/ 292.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 288

..........

______________________________

و الوصول إلى يد الوكيل لا يكفي في صدق الإيتاء له، إذ يده يد المالك لا يد الفقير.

و ليس المقام من قبيل المسببات التوليدية الحاصلة قهرا. فلو سلّمها إلى الوكيل بقصد الزكاة و بقصد القربة ثم بدا له أو قصد الرياء و السمعة قبل وصولها إليه فهل يمكن القول بالإجزاء حينئذ؟

و أمّا ما في المعتمد من قصد النائب أمر نفسه فقد مرّ الكلام فيه.

و يرد على الوجه الثاني: أن التعيين بالعزل ليس إيتاء للزكاة و لا يتحقق الإيتاء إلّا بالوصول إلى الفقير. و من المحتمل اشتراط

مقارنة النيّة للوصول إليه كما هو المحقق في سائر العبادات.

فلو فرض العزل من ناحية المالك بقصد الزكاة و القربة و لكن بدا له و لم يعطها للفقير أو أعطاها رياء مثلا لم تبرأ ذمته. فيجب استمرار النيّة إلى حين الوصول إلى أهلها و لو بواسطة الوكيل.

نعم يكفي الاستمرار الحكمي و بقاء النية في خزانة نفسه.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه- في هذا المقام:

«بل يقوى حينئذ لزومها عند دفع الوكيل إلى الفقير.»

أقول: أراد هو لا محالة الاستمرار الحكمي و إلّا فليس الموكل ملازما للوكيل دائما حتى ينوي تفصيلا حين دفعه إلى الفقير.

بل نقول: إن النية الأولية حين الدفع إلى الوكيل لا أثر لها، و إنما المهم وجودها و لو حكما بشرائطها حين الوصول إلى الفقير. فلو فرض عدم النية الصحيحة إلّا حينه كانت كافية. و قد أشار إلى هذا الأستاذ الإمام- طاب ثراه- في حاشيته، فراجع.

هذا كله فيما إذا كان وكيلا في الإيصال فقط.

[حكم ما إذا كان وكيلا في الإخراج و الأداء]

و أما إذا كان وكيلا في الإخراج و الأداء بنحو الإطلاق و الاستقلال في العمل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 289

..........

______________________________

- إن قلنا بجواز ذلك كما ادعاه الأصحاب و استدلّوا له بالسيرة القطعية و عدم الخلاف و استفدناه من بعض الأخبار كما مرّ- فالقاعدة تقتضي حينئذ كفاية نية الوكيل حين الدفع إلى الفقير، إذ العمل محوّل إليه و يكون هو نائبا في العمل بشروطه و منها النية كما في نيابة الحج و الصلاة و نحوهما.

و هل يكفي نية المالك فقط حين التوكيل أو حين الإخراج أو حين دفع الوكيل إلى الفقير؟ و جهان: من أنه الأصل في العمل و الأمر قد توجّه إليه. و من أن الوكيل

هو المباشر للعمل مستقلا فعليه أن ينويه مقارنا له كما في الحج النيابي و سائر الواجبات النيابية. بل ربما يناقش في صحة التوكيل في ذات العمل بدون النية. هذا.

و لا يترك الاحتياط بنية الموكّل و الوكيل معا، حيث إن الأمر توجّه إلى الموكل، و العمل عمل الوكيل حقيقة و لو بقصد النيابة. و الظاهر أنه لا يكفي في نية الموكل حينئذ نيّته حين التوكيل أو الإخراج فقط بحيث لا يضرّ به البداء بعد ذلك بل يعتبر استمرارها و لو حكما إلى حين الوصول إلى المصرف، لما عرفت من أن يد الوكيل يد المالك لا يد الفقير و المصرف، فالوصول إليها لا يكفي في سقوط الأمر و ارتفاع الضمان.

نعم يكفي الاستمرار الحكمي، إذ لا يجب ملازمة المالك للوكيل دائما حتى ينوي تفصيلا عند كل إعطاء يصدر عنه. و السيرة على خلاف ذلك، فإنهم يحيلون التقسيم إلى الوكيل و لا يلازمونه و لا يفتّشون عن موارد الإعطاء و أزمنته.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه- في هذا المورد عند قول المصنف: «و الأحوط تولّي المالك للنية أيضا.» قال: «بأن ينوي الزكاة في دفع الوكيل إلى المستحق لا دفع نفسه إياه إلى الوكيل.»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 290

..........

______________________________

أقول: أراد هو لا محالة الاستمرار الحكمي لا النية التفصيلية كما مرّ وجهه.

و هذا أيضا مراد من شرط اقتران نيّة المالك بالعمل.

نعم، يقع الإشكال فيما إذا جعل وكيلا عامّا في جميع أموره بحيث يشمل أداء الزكوات و الأخماس أيضا على فرض تعلقها. حيث إن المالك حينئذ ربما لا يلتفت أصلا إلى تعلّق الزكاة بماله فكيف ينويها و لو إجمالا؟ و مثله مال المفقود إذا فرض تعلق الزكاة

أو الخمس به.

اللّهم إلّا أن ينكر صحة ذلك، حيث لم نجد لها دليلا من الأخبار، و تحقق السيرة في مثله أيضا قابل للمنع.

و قد منعنا إطلاق صحيح منصور بن حازم في أداء المقرض زكاة القرض و قلنا أن المتيقن منه صورة الاستيذان من المقترض.

هذا كلّه حكم الوكيل من قبل المالك.

و أما الإمام فإن جعله المالك وكيلا له كان حكمه حكم الوكيل و كذا الساعي و الفقيه. و كذا لو تصدّى الإخراج عن المالك لغيبته أو امتناعه ولاية عليه، إذ كان حينئذ بمنزلة المالك فينوي عنه.

و أما إذا أدّاها المالك للإمام بما أنه إمام المسلمين و وليّ الفقراء و المصارف فالظاهر حينئذ كفاية نية المالك حين إعطائها له. و كذا الساعي و الفقيه الحاكم.

و يرتفع عنه الضمان بذلك إذ يد الإمام حينئذ يد الفقير و المصارف. و لا وجه لاعتبار نيّة المالك حين إعطاء الإمام للفقير إذ الأمر قد تمّ في ناحية المالك، و ليس الإمام نائبا عنه حتى يكون فعله فعله فينوي حينه.

و لا ولاية له أيضا على المالك لينوي عنه مع عدم كونه ممتنعا، و لو سلّم فنيّة الوليّ كافية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 291

..........

______________________________

و في حكم هذه الصورة أيضا صورة كون الإمام وكيلا للفقير في أخذ الزكاة له فأعطي بهذا العنوان بناء على صحة ذلك.

و قد ظهر بما ذكرنا عدم كون وكيل المالك و الإمام بما أنه إمام في هذا الباب على وزان واحد، و إن كان يظهر هذا من عبارة الشرائع، إلّا أن يريد ما مرّ من أخذ الإمام من مال المالك ولاية عليه، فتدبّر. هذا.

و يمكن أن يقال بعدم وجوب النية على الإمام و عمّاله و نوّابه، بل على الوكيل

في التقسيم أصلا، بل يبعد وجوب ذلك بالنسبة إلى الإمام المبسوط اليد و عمّاله، فإن الأموال بعد تجمعها في بيت المال من موارد مختلفة تقسم على موازين خاصة قررها الإمام من دون أن يلتفت المقسمون إلى ماهيتها و مصادرها و أنها من الزكوات أو من غيرها. و مثلها الأخماس و سائر الضرائب المجتمعة عنده في بيت المال.

قال في المستند: «لو دفع المالك إلى الإمام أو الفقيه أو الساعي أو الوكيل و نوى فهل يجب على الدافع إلى الفقير منهم أيضا النيّة؟ الظاهر لا، للأصل و لعدم كونها عبادة مخصوصة بالنسبة إليه و لذا تبرأ ذمّته لو دفع رياء أو لعدم تمكنه من عدم الدفع فلا يجب عليه قصد أنه زكاة أو زكاة فلان أو القربة.

و هل يكفي نيّة أحد هؤلاء عن نية المالك؟ الظاهر لا، لأن الزكاة عبادة للمالك فلا بد من نيّته إلّا إذا وكّله المالك في إخراج الزكاة من مال المالك.» «1»

و قد تحصّل مما ذكرنا بطوله أن الوكيل في الإيصال فقط لا أثر لنيته، و المعتبر فيه نية المالك حين الوصول إلى الفقير و لو بالاستمرار الحكمي.

______________________________

(1)- المستند 2/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 292

[إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة]

[المسألة 2]: إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير (1). و إن تأخرت عن الدفع بزمان.

______________________________

و أمّا الوكيل في الأداء و الإخراج مستقلا فالأحوط فيه نية كليهما و بقاء نيّة المالك إلى حين الوصول إلى الفقير و لو حكما.

و أما الإمام بما هو إمام و كذا الفقيه الحاكم فيكفي فيهما نية المالك حين الإعطاء لهما، و لا دليل على وجوب النية عليهما و على عمالهما بل لا

وجه له، و مثل ذلك وكيل الفقير في القبض له إن جوّزناه، فتدبّر.

(1) في الشرائع في مبحث نية الزكاة قال: «و تتعين عند الدفع، و لو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه.» «1»

و ذيّله في الجواهر بما ملخصه: «بلا ريب فيه مع بقاء العين لعدم خروجها عن الملك. بل و مع التلف إذا كان القابض عالما بالحال لكونه مشغول الذمّة بالعوض فيجوز احتسابها كسائر الديون. نعم، المتّجه عدم الجواز مع التلف و عدم العلم لعدم الضمان حينئذ.» «2»

أقول: يمكن أن يناقش في صورة التلف مع علمهما بأن المالك بنفسه أهدر احترام ماله فيشكل الحكم بالضمان.

و في المستمسك: «لأن المراد من إيتاء الزكاة وصول المال إلى الفقير أعمّ من الحدوث و البقاء فتصح نية الزكاة حال البقاء كما تصحّ حال الحدوث.» «3»

أقول: المقصود احتساب وجوده البقائي عند الفقير فلا يجزي احتساب الدفع الأوّل بالنية المتأخرة لوجوب مقارنة النية للدفع، و يشهد للمقام ما دلّ على جواز

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(2)- الجواهر 15/ 478.

(3)- المستمسك 9/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 293

بشرط بقاء العين في يده أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون.

و أما مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنية (1).

[يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء]

[المسألة 3]: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال، و يجوز بعنوان أنه وليّ عامّ على الفقراء. ففي الأول يتولّى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير. و الأحوط تولّي المالك أيضا حين الدفع إلى الحاكم. و في الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه و إبقاؤها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير. و في الثالث أيضا ينوي المالك حين

الدفع إليه، لأن يده حينئذ يد الفقير المولّى عليه (2).

______________________________

احتساب الدين زكاة من دون أن يكلف بالقبض و الدفع ثانيا، فاحتياط بعض الأعاظم المحشين بالإقباض المجدّد لا يجب رعايته.

(1) في المستمسك: «لعدم الموضوع بعد فرض التلف و عدم الضمان.» «1»

(2) يظهر حكم المسألة بشقوقها ممّا مرّ في المسألة الأولى.

و قد مرّ منا أن الأحوط في الوكيل في الأداء نية كليهما و بقاء نية المالك و لو حكما إلى حين الوصول إلى الفقير.

و في الوكيل في الإيصال أن الأقوى أنه لا أثر لنيته و المعتبر فيه نية المالك حين الوصول إلى الفقير و لو بالاستمرار الحكمي.

و في الإمام بما هو إمام و كذا الحاكم كفاية نية المالك حين دفعه إليه لما في المتن من أن يده حينئذ يد الفقير، فراجع ما حررناه في تلك المسألة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 294

[إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما]

[المسألة 4]: إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولّي للنية (1).

______________________________

(1) قد مرّ منّا في أوائل الزكاة «1» أن لفقهاء السنة في زكاة مال الطفل قولين:

ثبوتها فيه مطلقا بنحو الوجوب، و عدم ثبوتها فيه أصلا.

و أمّا أصحابنا الإمامية فقالوا بعدم الزكاة في نقديه و استحبابها في مال تجارته.

و اختلفوا في غلّاته و مواشيه على أقوال ثلاثة: الوجوب و الندب و عدم الزكاة أصلا.

و ألحق المشهور المجنون أيضا بالطفل. و قد مرّ البحث أيضا في أن تعلّقها بمالهما هل يكون بنحو ثبوت الملك أو الحق في مالهما أو ثبوت ملاك التكليف فقط، و أن خطاب التكليف هل يتوجه إليهما أو إلى الوليّ، و كيف يتصور الملك أو الحق بنحو الندب؟ فراجع ما كتبناه في هذا المجال. «2»

إذا عرفت هذا

فنقول: قد مرّ عن المصنّف قوله: «و المتولّي لإخراج الزكاة هو الوليّ و مع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي.»

و مرّ عن المبسوط قوله: «و يعتبر نيّة المعطي سواء كان المالك أو من يأمره المالك أو من يتولّى مال اليتيم الذي يجب فيه الزكاة و مال المجنون.» «3»

و في الشرائع: «و الوليّ عن الطفل و المجنون يتولّى النيّة أو من له أن يقبض منه كالإمام و الساعي.» «4»

و ذيّل الجملة الأولى في الجواهر بقوله: «بلا خلاف و لا إشكال» «5»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 26.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 81.

(3)- المبسوط 1/ 232.

(4)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(5)- الجواهر 15/ 478.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 295

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 295

..........

______________________________

و في المستمسك: «لأنه نائب عنهما في الأداء، فإذا فرض توقف صحّته على النية ناب عنهما في النيّة كسائر شرائط الصحّة.» «1»

أقول: و بعبارة أوضح: المفروض وجوب الأداء أو استحبابه، فلا بدّ ممن يتولّى ذلك، و حيث إنهما محجوران عن التصرف في مالهما ناب عنهما الوليّ.

و ربما يشهد لذلك موثقة يونس بن يعقوب، قال: أرسلت إلى أبي عبد اللّه «ع»:

أن لي إخوة صغارا، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال: «إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة.» قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: «إذا اتّجر به فزكّه.» «2»

و خبر أبي العطارد الخيّاط، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ فقال: «إذا حرّكته فعليك زكاته. قلت: فإني أحركه ثمانية أشهر و أدعه أربعة أشهر؟ قال: «عليك زكاته.» «3»

إذ المتيقن صورة كون المأمور

بالأداء وليّا، إلّا أن يحمل الخبران على استقراض الوليّ مالهما و تجارته لنفسه و لكنه خلاف الظاهر. هذا.

و لكن القول بتوجّه التكليف أوّلا إلى الوليّ خلاف الظاهر، إذ المال مال للمولّى عليه لا للوليّ، و الوليّ نائب عنه.

ففي المجنون و الصغير غير المميّز يتولّى هو عنهما.

و أمّا إذا كان مراهقا و قلنا بشرعية عباداته كما هو الحقّ و كان يحصل منه قصد القربة فلعلّ الأحوط أن يتولّى هو بنفسه للإعطاء كسائر العبادات الشرعية كالحج و الصلاة و نحوهما إما بإذن الوليّ أو مطلقا لكونها من مصاديق الصدقة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 351.

(2)- الوسائل 6/ 55، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 296

[إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه]

[المسألة 5]: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه (1).

______________________________

و قد دلّ بعض الأخبار على صحّة صدقته إذا بلغ عشرا: ففي خبر زرارة عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف و حقّ فهو جائز. «1»

و هل يجوز له إعطاء الصدقة المندوبة من ماله و لا يجوز له إعطاء ما تعلّق بماله من الزكاة بقصد القربة و إطاعة الأمر؟

ثم إن الوليّ يجب أن ينوي في إعطائه عنوان الزكاة، و أما القربة فلا يراد بها قرب النائب كما مرّ و يشكل تصويره بالنسبة إلى الصغير و المجنون أيضا إلّا أن يراد به قصد سقوط أمره و تخلّص ماله على فرض الوجوب. و لا يراد بالوجوب هنا لا محالة إلا الوضعي لا التكليفي

كما هو واضح، فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لأنه وليّه فيتولّى الأداء الصحيح عنه المتوقف على النية.» «2»

أقول: لا يخفى أن في الزكاة و كذا في الخمس جهتين: جهة العبادية و جهة المالية و الحقيّة، فإنها وضعت للفقراء و المصارف الخاصّة، و الحاكم وليّ لهم، و لذا كان النبي «ص» و الخلفاء بعده يطالبونها ثم يقسمونها فيهم. و الظاهر أن أخذها من الممتنع يكون بالاعتبار الثاني فهو يأخذها منه بما أنه وليّ الفقراء و المصارف.

و أمّا جهة العباديّة المرتبطة بالمالك فثبوت الولاية بالنسبة إليها مشكل. فلو امتنع المكلّف من إتيان صلاته أو صومه أو حجّه فغاية ما للحاكم أن يقهره على أداء فرائضه، و أما إتيانها عنه ولاية عليه فلم يعهد من الشرع.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 321، الباب 15 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1؛ و ص 429، الباب 44 من كتاب الوصايا، الحديث 4.

(2)- المستمسك 9/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 297

..........

______________________________

و بالجملة أخذ الزكاة من الممتنع يكون من جهة الولاية على الفقراء و المصارف في استيفاء حقوقهم لا على المالك.

إلّا أن يقال إن الأخذ متوقف على الإعطاء زكاة، إذ ليس للفقراء و المصارف أخذ المال قهرا و بلا عنوان، فإذا فرض وجوب الأخذ و استيفاء الحقوق بنحو الإطلاق وجب الإعطاء من باب المقدمة فيتصدى له الحاكم ولاية على المالك، فهذا هو الفارق بين بابي الخمس و الزكاة و بين سائر الواجبات الشرعية، فتدبّر.

و بعد أخذ الحاكم بعنوان زكاة المال الخاصّ يتخلص المال قهرا و تبرأ ذمة المالك من الزكاة، و لكن تبقى عليه تبعة ترك الإيتاء بما أنه كان واجبا عباديا مشروطا بقصد القربة من قبله بنحو تعدّد المطلوب.

و بهذا يفترق المقام عن الدين

إذا اقتصّ منه إلّا أن يثبت العقاب من جهة التجرّي أو يقال إن التأخير بنفسه عصيان موجب للعقاب.

و لو فرض عدم وجود الحاكم الشرعي أو عدم قدرته على التصدّي أمكن القول بجواز أخذها و صرفها في مصارفها بتصدّي عدول المؤمنين، بل فسّاقهم أيضا مع عدم العدول أو عدم قدرتهم.

فإن الحكومة و شئونها- التي من أهمّها إدارة أمور الفقراء و الضعفاء- تكون من أظهر مصاديق الحسبة. و يستفاد هذا أيضا من أدلّة الترغيب في الإحسان و الأمر بالمعروف، و التعاون على البرّ، و قوله «ص» في الخبر الصحيح:

«كل معروف صدقة.» «1» و قد أشار إلى هذا إجمالا المحقق النراقي- قدّس سرّه- في المستند. «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(2)- المستند 2/ 46.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 298

[إذا أخذ الحاكم الزكاة من الكافر يتولّى النيّة عند أخذه منه]

و إذا أخذها من الكافر (1) يتولّاها أيضا عند أخذه منه (2) أو عند الدفع إلى الفقير (3)

______________________________

و لكن يجب الالتفات إلى أن إعلام هذا الحكم ربما يوجب سوء الاستفادة من قبل بعض العناصر غير الصالحة و تصرّفهم في أموال الناس باسم أخذ الزكوات و الأخماس فيكون ضرّه أكثر من نفعه، فراجع ما حررناه سابقا في هذا المجال. «1»

(1) قد مرّ في أوائل الزكاة في المسألة السادسة عشرة البحث في أخذ الزكاة من الكافر بناء على وجوبها عليه، و قلنا هناك بجواز الأخذ من الحربي و عدم جواز أخذها من الذمّي إلّا إذا شرط في عقد الذمّة و إلّا فلا يؤخذ منه إلّا الجزية، فراجع. «2»

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في أن الأخذ منه يكون بنية الزكاة، و إنما الإشكال في نية القربة و أنها هل تعتبر فيها أم لا؟ و على

الأول فهل ينويها الكافر أو الحاكم عنه أو عن نفسه؟ و سيأتي البحث فيه إجمالا.

(2) في المستمسك: «إذا كان الأخذ بعنوان الولاية على الفقراء أيضا فيكون أخذه إيتاء.» «3»

(3) في المستمسك: «إذا كان الأخذ بعنوان الولاية عليه فقط، فيكون أخذه مقدمة للإيتاء، و يتحقق الإيتاء بالدفع إلى الفقراء.» «4»

أقول: قد مرّ منّا الإشكال في ثبوت الولاية له على المالك في تصدّي العمل العبادي من قبله، و إنما الثابت جواز قهره على العمل. إلّا أن يقال بثبوتها مقدّمة لاستيفاء حقّ الفقراء و المصارف.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 423.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 131 و ما بعدها.

(3)- المستمسك 9/ 351.

(4)- المستمسك 9/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 299

عن نفسه لا من الكافر (1).

______________________________

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي: «هذا أيضا موقوف على أن ينويه زكاة عند أخذه منه.»

أقول: و هذا صحيح، لما مرّ من أنه ليس للفقراء أخذ المال بلا عنوان بل أخذ ما يؤتى زكاة و أخذ بهذا العنوان.

(1) أقول: قد وقع البحث هنا و في خمس الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم- بناء على ثبوت الخمس في رقبتها- في أن الحاكم هل ينوي عن المالك الكافر أو عن نفسه؟ و القاعدة و إن كانت تقتضي النية عن المالك، لكن لما لاحظوا أن الكافر لا يحصل له القرب و لا تقع منه العبادة و لا تصحّ، أفتى بعضهم بأن الحاكم ينوي عن نفسه فيكون هو بفعله متقربا، و أفتى بعضهم بعدم وجوب النية أصلا.

و الظاهر أن مرادهم بالنية المختلف فيها هنا نيّة القربة، إذ أصل نية الزكاة أو الخمس مما لا بدّ منها لكونهما من العناوين المتقومة بالقصد و النيّة كما مرّ و لا محذور

في نيتهما، و إنما لإشكال في قصد القربة فلنذكر بعض الكلمات:

1- ففي خمس أرض الذمّي من البيان: «و لا يشترط فيها النصاب و لا الحول و لا النيّة.» «1»

2- و من الدروس: «و النية هنا غير معتبرة من الذمّي، و في وجوبها على الإمام أو الحاكم نظر، أقربه الوجوب عنهما لا عنه عند الأخذ و الدفع.» «2»

3- و في خمس المسالك: «و يتخيّر الإمام أو الحاكم بين أخذ خمس العين أو خمس الارتفاع و يتولّيان النية عند الأخذ و الدفع وجوبا عنهما لا عنه.

______________________________

(1)- البيان/ 217.

(2)- الدروس/ 68.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 300

..........

______________________________

مع احتمال سقوط النية هنا و به قطع في البيان، و الأول خيرة الدروس» «1»

4- و في الجواهر عن حواشي الإرشاد للمحقق الكركي في خمس أرض الذمّي: «و يتولّى النية هنا الإمام أو الحاكم، و لا ينويان النيابة عن الكافر، إذ لا تقع العبادة منه و لا عنه.

مع احتمال أن يقال: إن هذا القسم من العبادة لا يحتاج إلى النيّة كتغسيل الكافر للمسلم و كغسلها إذا كانت حائضة تحت مسلم و قد طهرت و قلنا إنه لا يحلّ إتيان الحائض حتّى تغتسل.» قال: و نحوه في حاشية الشرائع.

ثم قال في الجواهر: «و الظاهر جريان نحو هذا البحث في الزكاة المأخوذة من الكافر و نحوه مما لا تصحّ منه النية، فيتولّاها حينئذ الإمام أو الحاكم عنهما لا عنه على حسب ما عرفت.

و لا ينافي ذلك كون الخطاب لغير المتقرب، لأنه بعد أن قصّر لعدم الإيمان المانع من صحّة عباداته كان المخاطب بإيتاء الزكاة من ماله الإمام أو الحاكم، فالتقرب حينئذ منهما باعتبار هذا الخطاب الذي لا ريب في إجزائه في نحو الزكاة المشابهة

للديون من جهات، و لذا جازت النيابة فيها ...» «2»

أقول: نظر هؤلاء الأعلام إلى أن الزكاة عبادة تحتاج إلى القربة، و العبادة لا تصحّ لا من الكافر لاشتراط الإسلام و لا عنه لعدم صلوحه للقرب، فلا بد أن يتقرب بها الحاكم الذي يتصدى لأخذها. و بالجملة قالوا شعرا وقعوا في ضيق قافيته فطلبوا مضيقا للتخلص منها.

أقول: لو قيل بأن الأمر بالزكاة متوجه من أوّل الأمر إلى الحاكم لكان ما

______________________________

(1)- المسالك 1/ 67.

(2)- الجواهر 15/ 472.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 301

[لو كان له مال غائب فنوى أنه إن كان باقيا فهذا زكاته]

[المسألة 6]: لو كان له مال غائب مثلا فنوى أنه إن كان باقيا فهذا زكاته، و إن كان تالفا فهو صدقة مستحبّة صحّ (1).

بخلاف ما لو ردّد في نيّته و لم يعيّن هذا المقدار أيضا فنوى أن هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة فإنه لا يجزي.

______________________________

ذكروه وجيها. و لكن الالتزام بهذا مشكل، إذ المال مال الكافر، و المسألة مبتنية عندهم على ما ادّعوه من كون الكفار مكلفين بالفروع، فأمر الزكاة على هذا متوجه إلى الكافر في ماله، غاية الأمر نيابة الحاكم عنه في امتثاله ولاية عليه فكيف يتقرب النائب بأمر المنوب عنه؟

و أمر الحاكم بأخذ الزكاة من الممتنع توصلي مغاير لأمر الزكاة فلا يشترط بالقربة.

و على هذا فلا محيص إمّا من منع اشتراط القربة في المقام و لا سيّما على ما قالوا من أن عمدة دليله الإجماع إذ لا إطلاق له و المتيقن من معقده صورة إعطاء المسلم زكاته لصلوحه للقرب.

أو منع عدم صلوح الكافر للقرب إذ للقرب مراتب فلعلّ الإتيان ببعض فرائضه نيابة عنه يوجب تخفيف عقوبته و لا سيّما بناء على كون الثواب و العقاب من لوازم الإطاعات و المخالفات.

أو القول

بما مرّ منا من أن معنى النيابة في العبادات هو إتيان النائب بما أمر به المنوب عنه بداعي امتثال أمره و سقوط عنه. و المعتبر فيها قرب المنوب عنه لا النائب.

و لا يراد بالقرب هنا إلّا امتثال أمره و سقوطه و لو ببعض جهاته. و المفروض في المقام أن ما يأخذه الحاكم بقصد الزكاة يصير زكاة فيسقط أمرها و تبرأ ذمة المنوب عنه و إن بقيت عليه بعض تبعاته.

(1) 1- في المبسوط: «من كان له مال غائب يجب عليه فيه الزكاة فأخرج زكاته و قال: إن كان مالي باقيا فهذا زكاته أو نافلة أجزأه. و قد قيل: إنه لا يجزيه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 302

..........

______________________________

لأنه لم يعين النية في كونها فرضا.

و إن قال: إن كان مالي باقيا سالما فهذه زكاته، و إن لم يكن سالما فهو نافلة أجزأه بلا خلاف لأنه أفرده بالنيّة.» «1»

2- و في التذكرة: «لو كان له مال غائب فأخرج الزكاة و قال: إن كان مالي سالما فهذه عنه أو تطوّع لم يجزئ عنه إن كان سالما، و به قال الشافعي لأنه شرّك بين الفرض و النفل فلم يتخلّص نية الفرض، و قال الشيخ في المبسوط: يجزئه، و ليس بمعتمد.

و لو قال: إن كان سالما فهذه عنه و إن كان تالفا فهي تطوّع فكان سالما أجزأ عنه لعدم التشريك في النية بين الفرض و النفل، و إنما رتّب فيها النفل على الفرض.» «2»

3- و في الشرائع: «لو قال: إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته و إن كان تالفا فهي نافلة صحّ. و لا كذا لو قال: أو نافلة.» «3»

4- و في الجواهر ذيّل الفرع الأوّل بقوله: «بلا خلاف أجده

بين من تعرّض له منّا، بل في فوائد الشرائع: لا مانع من صحّته بوجه من الوجوه: بل عن الشيخ الإجماع عليه.» «4»

و ذيّل الفرع الثاني بما ملخّصه: «لكون الترديد حينئذ في النية بخلاف الأولى فإنه في المنوي و هو غير قادح.

و التحقيق أن هذا و إن كان ترديدا لكن بعد الإجماع عليه و شدّة الحاجة إليه في كثير من المقامات و ثبوت شرعيته في الفائتة المجهولة و في ركعات الاحتياط

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- التذكرة 1/ 243.

(3)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(4)- الجواهر 15/ 479.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 303

..........

______________________________

و كثير من موارد الاحتياط لا مناص من القول به مع الاضطرار دون الاختيار بخلاف الصورة الأخرى التي لا دليل على صحّتها بل ما دلّ على اعتبار النية يقتضي العدم ...» «1» انتهى ما في الجواهر.

5- و في المستمسك جزم بالصحّة في الصورة الأولى المذكورة في المتن، قال: «إذ لا دليل على قدح مثل هذا الترديد في صحّة العبادة، إذ لا ترديد في المنويّ امتثاله، و إنما الترديد في وصفه و أنه وجوبيّ أو استحبابي. و لذا نقول بجوازه مع الاختيار و إمكان استعلام الحال و إن كان المشهور المنع من ذلك، بل ربما حكي الإجماع عليه و أنه لا يجوز الامتثال الإجمالي إذا أمكن الامتثال التفصيلي ...» «2»

أقول: لا يخفى أن المسألة و أمثالها ليست من المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام-، و لم يتعرض لها القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل هذا السنخ من المسائل، بل هي من المسائل التفريعية الاجتهادية، فالإجماع فيها على فرض تحققه نظير الإجماع في المسائل العقلية لا اعتبار به أصلا.

فالواجب إتمام المسألة على وفق الأصول

و القواعد.

و في الجواهر و غيره عبّر عن الصورة الأولى بالترديد في المنويّ و عن الثانية بالترديد في النية مع وضوح أن النية بما هي نيّة لا ترديد فيها.

كيف؟! و هي حالة نفسانية متحققة في النفس، و كل متحقق مجزوم به.

فالترديد في كلتا الصورتين يرجع إلى المنويّ، إلّا أن يراد بالترديد في النية الترديد في الصورة الذهنية و بالترديد في المنويّ الترديد في تحقق المنويّ خارجا.

و كيف كان فالمنويّ في إحدى الصورتين صورة هذا أو ذاك بنحو الترديد. و هذا

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 479.

(2)- المستمسك 9/ 352.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 304

..........

______________________________

أمر انتزاعى لا واقعية له. و هذا بخلاف الأخرى فإن المنوى فيها أمران مترتبان، فالمنويّ أوّلا هو الواجب ليس إلّا، فهو ناو لامتثال أمره بنحو الجزم و لكن على تقدير وجوده بوجود موضوعه. فلا ترديد في النية و لا في المنويّ، غاية الأمر كون تحققه معلقا على تحقق موضوعه. و هذا التعليق متحقق تكوينا نواه الفاعل أو لم ينوه نظير تعليق طلاق المرآة على كونها زوجة.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه-: «لو نجّز أوّلا نيّة كونه زكاة ثم نوى منجزا الصدقة المندوبة حتّى لا يكون من التعليق في النيتين، بل من التردّد فيما هو المؤثر منهما لكان أقرب و أحوط.»

أقول: النية و القصد غير الإنشاء فالإنشاء خفيف المؤونة فيمكن إنشاء أمرين متنافيين مترتبين بنحو التنجيز.

و أما النية القلبية فالتنجيز فيها ملازم للجزم بحصول المنويّ فكيف تتعلق كذلك بأمرين متنافيين مع حصول التردد فيهما. مضافا إلى استلزام ذلك للتشريع المحرّم.

و بالجملة فلا محيص في المقام إلّا من التعليق على الموضوع فتأمّل.

و كيف كان فالمقام نظير جميع الاحتياطات التي يستحسنها العقل

و الشرع.

و الحاكم في باب الإطاعة و العصيان و كيفياتهما هو العقل.

و لا يعتبر في صحة العبادة إلّا وقوعها عن اختيار و إرادة بداع إلهي و لو كان امتثال الأمر الوجوبي المحتمل. و لا دليل على اعتبار الجزم بالوجوب أو الندب أو قصدهما و إن تمكن من ذلك بالاستعلام، بل العبودية في موارد الاحتمال أجلى و أتمّ و تكون حاكية عن شدّة اهتمام العبد بأوامر مولاه. و لا يعدّ الاحتياط لعبا بأمر المولى و إن قدر على الاستعلام و الامتثال التفصيلي لكثرة الدواعي العقلائية

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 305

..........

______________________________

على ترك السؤال.

و بما ذكرنا يظهر عدم صحّة ما يظهر من الجواهر من كون هذا النحو من الترديد منافيا للنية المعتبرة في العبادات و لكن لا مناص منه في خصوص موارد الاحتياط و الاضطرار من باب شدّة الحاجة.

كيف؟! و شدّة الحاجة لا يصحّح ما يكون باطلا لو لاها، و إلّا لزم صحّة كل ما فقد الجزء أو الشرط عند الحاجة إليه، و هو كما ترى كما في مصباح الهدى «1» هذا.

و نقض المقام بصوم يوم الشك، حيث إن الظاهر منهم وجوب قصد صوم شعبان و عدم صحّة الإتيان به بقصد رمضان إن كان و إلّا فندبا.

مدفوع أوّلا بمنع عدم صحة ذلك و قد أفتى بعض الأعاظم بصحّته. و لو سلّم فللاستظهار من أخبار خاصة وردت فيه و إلّا فالقاعدة تقتضي الصحّة.

كما أن النقض ببطلان العقود و الإيقاعات مع التعليق إجماعا يمكن دفعه أوّلا بمنع الإجماع على البطلان إن وقع التعليق على الموضوع كتطليق المرأة معلقا على كونها زوجة.

و ثانيا بأن البطلان في موارد خاصة لدليل لا يوجب البطلان في غيرها.

و ثالثا: فرق بين تعليق النية

التي هي أمر قلبي كما في المقام و تعليق الإنشاء، و الممنوع تعليق الإنشاء.

و أمّا ما في المستمسك في المقام من عدم الترديد في الأمر المنوي امتثاله بل في وصفه و أنه وجوبي أو استحبابي.

ففيه أنه خلاف الفرض. إذ المفروض في المسألة أن الفاعل لم يقصد طبيعة الأمر الجامعة بين الوجوب و الاستحباب، بل قصد خصوص الوجوب على فرض

______________________________

(1)- راجع مصباح الهدى 10/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 306

[لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفا]

[المسألة 7]: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفا فإن كان ما أعطاه باقيا له أن يستردّه.

و إن كان تالفا استردّ عوضه إذا كان القابض عالما بالحال.

و إلّا فلا (1).

______________________________

تحققه بتحقق موضوعه، و المندوب على فرض عدم تحققه. هذا.

و أما الصورة الثانية المذكورة في المتن و غيره فعمدة الإشكال فيها أن النيّة تعلقت في الذهن بهذا أو ذاك بنحو الترديد و هو أمر انتزاعي لا واقعيّة له، إذ الواقع هو خصوص هذا أو ذاك متعيّنا و معلوم أنه لم ينو لا هذا و لا ذاك.

اللّهم إلّا أن يقال: إن قصد أحدهما و لو بالترديد لا يخلو عن قصد طبيعة الأمر الجامعة بينهما، و يكفي في العبادة قصد طبيعة الأمر، و بإيجاد فرد ما من طبيعة المتعلق يسقط الأمر الوجوبي على فرض تحققه قهرا، و لهذا حكم الشيخ بصحّته، فتدبّر.

(1) في المبسوط: «و إن قال: هذا زكاة مالي إن كان سالما، و كان سالما أجزأه.

و إن كان تالفا لم يجز أن ينقله إلى زكاة غيره لأن وقت النية قد فاتته.» «1»

و في الشرائع: «و لو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلى غيره على الأشبه.» «2»

أقول:

القاعدة تقتضي بقاء المعطى مع بقاء عينه على ملك المالك، و كذا مثله أو قيمته إن تلف مع الضمان، إذ المفروض عدم وقوعه زكاة عما قصد، و لم يقصد به الصدقة المطلقة حتى يقال بعدم جواز الرجوع فيما جعل للّه.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 307

..........

______________________________

فله أن يصنع به ما يشاء من نقله إلى زكاة غيره أو يحتسبه خمسا أو كفارة مثلا أو يسترجعه لنفسه.

و لا وجه لما ذكره الشيخ- قدّس سرّه- إلّا أن يريد المنع من احتساب الدفع السابق بالنية المتأخرة، فإن النية التفصيلية و إن قلنا بجواز تقديمها على الفعل مع بقاء الداعي إجمالا في النفس و لكن لا ريب في عدم جواز تأخّرها عن الفعل مثل أن يجعل الإمساك في يوم الجمعة صوما بالنية في يوم السبت مثلا. إذ الشى ء لا ينقلب عما وقع عليه.

اللّهم إلّا أن ينتقض هذا بنيّة الصوم قبل الزوال في الواجب الموسّع و قبل الغروب في المندوب.

و بالجملة فالمحقق أراد جواز نقل المعطى بوجوده البقائي بالنية المقارنة، و لعلّ الشيخ أراد المنع عن نقل الإعطاء السابق بوجوده الحدوثي بالنية المتأخرة فلا خلاف بينهما، فتدبّر.

و المصنف جعل الملاك في جواز استرداد عوض التالف علم القابض بالحال، و لكن الظاهر أن الملاك ضمان القابض و عدمه.

فلو جهل القابض و لكن لم يكن مغرورا كأن قصد ما قصده المالك كيف ما كان ثبت الضمان أيضا. هذا.

و لا يخفى أن المحقق أجاز نقل المعطى إلى زكاة مال آخر فقط، و المصنف أجاز الاسترداد مطلقا.

و القاعدة و إن كانت تقتضي ما ذكره المصنف كما بيّناها، و لكن ربما يستفاد من بعض الأخبار عدم جواز

استرداد ما أعطي بعنوان الصدقة و تعيّن إنفاقه في سبيل اللّه:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 308

..........

______________________________

1- مثل ما عن قرب الإسناد عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه أن عليّا «ع» كان يقول: «من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، و لا يجوز له إلّا إنفاقها، إنما منزلتها بمنزلة العتق للّه، فلو أن رجلا أعتق عبدا للّه فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله للّه فكذلك لا يرجع في الصدقة.» «1»

2- و خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، قال: «من تصدق بصدقة ثم ردّت عليه فلا يأكلها لأنه لا شريك للّه- عزّ و جلّ- في شي ء مما جعل له، إنما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما يعتق.» «2»

و روى نحوه ابن فهد في عدّة الداعي مرسلا. «3»

3- و في خبر أخر عنه «ع» في الرجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب، قال: «فليعطها غيره و لا يردّها في ماله.» «4» و أفتى بمضمون هذا الخبر في النهاية فراجع. «5»

و على هذا فالظاهر في المسألة جواز نقل المعطى إلى زكاة مال آخر، و الأحوط عدم تصرّف آخر فيه، فتدبّر.

ختام فيه مسائل متفرّقه

اشارة

ختام فيه مسائل متفرّقه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 295، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 3.

(5)- النهاية/ 603.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 311

[الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ]

اشارة

الأولى:

استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه (1) للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ، و ليس من باب النيابة عن الصبيّ و المجنون (2).

______________________________

(1) على القول به، و هو المشهور و الأقوى، لما دلّ عليه من الأخبار المستفيضة و فيها الصحيحة، «1» خلافا لابن إدريس، و ما ذكره اجتهاد في مقابل النص و تبعه في المدارك، فراجع. «2»

(2) بمعنى أن الخطاب الفعلي لم يتوجه إليهما، بل إلى الوليّ:

ففي موثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه «ع» في مال الطفل:

«إذا اتّجر به فزكّه.» «3»

و في خبر أبي العطارد عنه «ع» في ماله: «إذا حرّكته فعليك زكاته.» «4»

و في خبر موسى بن بكر عن أبي الحسن «ع» في مال المرأة المصابة: «إن كان

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...

(2)- راجع كتاب الزكاة 1/ 60 و ما بعدها.

(3)- الوسائل 6/ 55، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 5.

(4)- الوسائل 6/ 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 312

[المناط هو اجتهاد الوليّ أو تقليده]

فالمناط فيه اجتهاد الوليّ أو تقليده (1).

______________________________

أخوها يتّجر به فعليه زكاة.» «1» بناء على رجوع الضمير إلى الشخص لا إلى المال.

و هذا بخلاف موارد الوكالة و الاستنابة، فإن الخطاب الفعلي متوجه إلى المنوب عنه، و النائب ينوب عنه في فعله و يعمل عمله. هذا.

و لكن الظاهر أن ملاك الاستحباب و مصلحة الخطاب يرجعان إلى الطفل و المجنون لأن المال مالهما و الخطاب الفعلي إنما توجّه إلى الوليّ من جهة أن الإخراج تصرّف مالي و هما محجوران عنه شرعا فينوب هو عنهما.

فلو كان الطفل مميزا يتحصل منه النية و

قصد القربة و أمكن توجه الخطاب الفعلي إليه فالأحوط حينئذ أن يتصدّى هو بنفسه للإخراج و الأداء و لكن تحت نظر الوليّ، إلّا أن يرى الوليّ إخراج نفسه أصلح. و قد دلّ بعض الأخبار و فيها الصحيح على صحّة الصدقة ممن بلغ عشرا، فراجع الوسائل. «2»

و الزكاة من أظهر مصاديق الصدقة. و هل يجوز أداؤه للصدقة المندوبة و لا يجوز أداؤه للزكاة المتعلقه بماله؟

و نظير المقام باب الحج و مناسكه من الطواف و الذبح و الرمي و نحوها، فإن الملاك فيها ثابت للصبي نفسه، فهو يأتي بها بنفسه تحت نظر الوليّ، إلّا أن لا يتمكن فيأتي بها الوليّ عنه، فتدبّر.

(1) كون المناط ذلك واضح بعد كون التكليف الفعلي متوجها إليه دونهما لرفع القلم عنهما.

و لكن لا يتفرع هذا على عدم نيابته عنهما، إذ في موارد النيابة أيضا مع إطلاقها

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 59، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

(2)- راجع الوسائل 13/ 321، الباب 15 من كتاب الوقوف و الصدقات؛ و ص 429، الباب 44 من كتاب الوصايا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 313

فلو كان مذهبه- اجتهادا أو تقليدا- وجوب إخراجها أو استحبابه ليس للصبي بعد بلوغه معارضته (1)

______________________________

يكون النائب موظّفا بإتيان الفعل صحيحا بنحو يترتب عليه آثاره المترقبة منه و لا يحصل هذا بنظره إلّا إذا أتى به على كيفية يقتضيها اجتهاده أو تقليده، إذ غيرها يكون باطلا باعتقاده إلّا أن يكون مطابقا للاحتياط، و لكن لا إلزام بالأخذ به.

و إطلاق الإجارة أو الوكالة أيضا يقتضي الإتيان بالعمل صحيحا، فيجب أن يأتي بالصحيح في اعتقاده.

نعم لو عيّن الموكل أو المستأجر كيفية خاصّة أو انصرف العقد إلى الصحيح باعتقادهما تعيّن

حينئذ الإتيان بهذه الكيفية و إن علم الأجير أو الوكيل ببطلانها، إلّا إذا كان العمل عبادة فلم يتمكن فيه من القربة. إلّا أن يقال بعدم اعتبار قرب النائب و يكفي في صحة العقد ترتب الفائدة العقلائية عليه و هو اعتقاد المنوب عنه فراغ ذمّته به. هذا.

و مع علم المستأجر و الأجير أو الموكل و الوكيل باختلاف الكيفيات يجب تعيين الكيفية المطلوبة في متن العقد دفعا للغرر.

و الأحوط لوصيّ الميت تعيين ما يصحّ عند الميت أيضا لاحتمال انصراف الوصية إليه. و أما وليّ الميت و كذا المتبرع فيكفي لهما الإتيان بما يصحّ عندهما.

و لو روعي في الجميع الصحة عند النائب و المنوب عنه معا كان أحوط و ارتفع الإشكال بحذافيره، فتدبّر.

(1) إذ التكليف كما عرفت متوجه إلى الوليّ، و الأمر مفوّض إليه حسب النصّ و الفتوى و مقتضى ذلك إتيان الفعل حسب ما يقتضيه اعتقاده اجتهادا أو تقليدا، و ظاهر ذلك عدم الضمان عليه و عدم التبعة إن عمل بوظيفته المفوضة إليه.

و عمله و إن كان بالنيابة عنهما على ما مرّ و لكنه محسن بإتيانه ما فيه صلاحهما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 314

و إن قلّد من يقول بعدم الجواز (1).

[الحال في سائر تصرّفات الوليّ في مال الصبي]

كما أن الحال كذلك في سائر تصرّفات الوليّ في مال الصبي أو نفسه من تزويج و نحوه. فلو باع ماله بالعقد الفارسي، أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية و كان مذهبه الجواز ليس للصبيّ بعد بلوغه إفساده بتقليد من لا يرى الصحّة (2).

______________________________

على حسب حكم الشرع، و ما على المحسنين من سبيل، فتأمّل.

و لكن في المستمسك ما ملخّصه: «هذا غير ظاهر إلّا إذا قام الدليل على أن اجتهاد

الوليّ أو تقليده مأخوذ موضوعا لحكم الطفل، و لكنه ممنوع. فإذا اختلفا كما لو كان تقليد الوليّ الوجوب أو الاستحباب و تقليد الصبي عدم المشروعية عمل كل منهما على ما يقتضيه تكليفه. فإن أدّى إلى النزاع و المخاصمة رجعا إلى حاكم ثالث كما يظهر من المقبولة.

نعم قد يكون نظر الحاكم الذي يترافعان إليه عدم الضمان لعدم التعدّي أو التفريط.» «1»

أقول: يظهر مما بيّناه وجه المناقشة فيما ذكره. و العمدة توجّه الخطاب الى الوليّ و ظهوره في عدم التبعة عليه و أنه محسن في عمله.

اللّهم إلّا أن يكون العين موجودة فيمكن أن يقال بجواز استردادها إن أدّى إليه تقليده أو اجتهاده.

(1) أو أدّى إليه اجتهاده.

(2) في المستمسك: «بل يتعين عليه ذلك عملا بتقليده لمن يرى الفساد.

نعم لو كان رأى مجتهده كون عمل الوليّ- الجاري على مقتضى اجتهاده

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 315

..........

______________________________

أو تقليده- صحيحا بالإضافة إلى عمل الصبيّ جاز له ترتيب آثار الصحّة حينئذ عملا بتقليده له.» «1»

أقول: ما مرّ كان في جواز عمل الوليّ في مال الصبي أو نفسه حسب ما يقتضيه وظيفته اجتهادا أو تقليدا و أنه ليس للصبيّ الاعتراض عليه في ذلك أو تضمينه بعد ما بلغ و قلّد من يخالفه.

و لا ينحصر هذا في إعطاء الزكاة من ماله. بل لو باع له أو اشترى أو صنع في ماله عملا آخر حسبة فليس للصبي تضمينه و لا الاعتراض عليه.

و لكن لا يقتضي هذا صحّة عقود الوليّ بالنسبة إلى الصبيّ حتّى بعد بلوغه بحيث يجب عليه ترتيب الأثر عليها و إن ظهر له خطأ الوليّ.

بل يتفرع هذا على ما قالوا في مسألة الإجزاء.

و بالجملة فالمصنف خلط بين المسألتين فعدم

جواز الاعتراض أمر و صحة العقود بالنسبة الى الصبى أمر آخر.

فلو بقي مورد عقد الوليّ محلا لابتلاء الصبي فعلا بعد بلوغه كالعين المشتراة له بعقد فاسد عنده أو الزوجة المعقودة له بالعقد الفارسي مثلا أو مع كونه مرتضعة بلبنه عشر رضعات مع حكم مجتهده بتحقق الرضاع الشرعي بذلك أو نحو ذلك فإجزاء العقد السابق بالنسبة إليه و جواز ترتيب آثار الملكية أو الزوجية فعلا محل إشكال بل منع، إذ هو فعلا مكلف بالعمل على طبق حجته الفعلية.

و ليس مؤدّى الحجة الفعلية من الاجتهاد أو التقليد بيان الوظيفة بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة فقط. بل مطلقا فيكون وظيفته فعلا تطبيق اللاحق و السابق على طبق ما هو الحجة له فعلا لعدم حجية اجتهاد الوليّ أو تقليده في حقّه.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 316

[لو شك الوليّ بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه]

نعم لو شك الوليّ بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما و أراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال. لأن الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبي. نعم لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيا (1).

______________________________

و بالجملة فليس المقام من قبيل تبدّل الموضوع نظير تبدّل الحاضر بالمسافر مثلا حتّى يحكم بصحّة ما مضى في ظرفه، بل من قبيل انكشاف الخطاء أو العثور على حجة أقوى. و مؤدّى الحجة الفعلية مطلق يشمل السابق و اللاحق فيجب الأخذ بها بإطلاقها.

و القول بالإجزاء فيما يرتبط بعمل الغير أو مطلقا بالنسبة إلى الأعمال السابقة الواقعة عن اجتهاد أو تقليد صحيح بنحو الإطلاق أو ما لم يحصل العلم الوجداني بمخالفتها للواقع أو في خصوص ما يجري في تنقيح موضوع التكليف و تحقيق متعلقه كما في الكفاية، بدعوى الإجماع على ذلك أو

سيرة المتشرعة، أو لزوم العسر و الحرج لولاه، أو أن هذا ظاهر أدلّة حجيتها و إرجاع الشارع إليها، أو مقتضى استصحاب حجيتها بالنسبة إلى الأعمال السابقة و إن بقيت موضوعاتها أو غير ذلك مما قيل في المقام مخدوش عندنا.

نعم لو لم يعلم كيفية عمل الغير من الوليّ أو غيره و شك في صحّته حكم بها بمقتضى أصالة الصحة في فعل الغير.

و كذا إذا شك في صحة أعمال نفسه و قد مضى وقتها أو محلّها مع الشك في كيفيتها. و كذا في الخلل الذي لا يضرّ مع الجهل و العذر كما في غير الأركان من الصلاة بمقتضى صحيحة لا تعاد. هذا، و محل البحث في المسألة علم الأصول، فراجع.

(1) أقول: التصرّف في مال الصبيّ في حدّ نفسه محرّم قطعا فكيف يعارضها احتمال الاستحباب بل و احتمال الوجوب أيضا مع عدم وجوب الاحتياط فيه؟!

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 317

[الحال في غير الزكاة مثل إخراج الخمس]
اشارة

و كذا الحال في غير الزكاة- كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ- حيث إنه محلّ للخلاف (1).

______________________________

نعم، يعارضها إذا كان الاحتياط فيه وجوبيا، كما إذا كان طرفا للعلم الإجمالي مثلا، و لكن الظاهر تقدّم احتمال الحرمة لاحتمال الأهمية لو لا القطع بها.

اللّهم إلّا أن يقال: إنه ليس كل تصرّف في ماله محرّما، إذ يجوز قرب ماله بالتي هي أحسن، و تحصيل المصالح و الملاكات الأخروية له من أظهر مصاديق الأحسن، فإذا احتمل وجود الأمر الندبي أو الوجوبي كان الاحتياط فيه واقعا في طريق تحصيل المصالح، و هذا أمر يستحسنه العقل و الشرع فلا يكون محرّما كما في مال نفسه.

هذا مضافا إلى أنه في موارد الاحتياط الوجوبي يكون أداء الزكاة تخليصا لما له من الشركة المانعة

من التصرف و هذا أيضا من أظهر مصالحه، و هكذا في باب الخمس، فتأمّل.

[دليل القولين في المسألة]

(1) في خمس المستمسك تعرّض لدليلي القولين فقال: «لإطلاق النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، بل قيل: إن تصريحهم باشتراط الكمال في الزكاة و إهمالهم ذلك هنا كالصريح في عدم اشتراطه هنا.

و في رسالة شيخنا الأعظم «ره»: أنه يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز و المعدن و الغوص بأنها اكتسابات فتدخل تحت الآية، ثم تعميم الوجوب فيها للصبيّ و المجنون ثم دعواهم الإجماع على وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات: عدم الفرق بين البالغ و غيره فتفطن.

و لإطلاق ما ورد من أنه ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي ء.» «1»

أقول: الرواية المذكورة أخيرا صحيحة، فراجع الوسائل «2» و لكن في ذيلها:

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 566.

(2)- الوسائل 6/ 54، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 318

..........

______________________________

«فأما الغلّات فعليها الصدقة واجبة.» و الظاهر أن الذيل قرينة على أن المراد بالشي ء المنفيّ هي الزكاة، و لا سيّما مع كثرة وقوع هذا التعبير في أخبارها.

و إسراء حكمها إلى باب الخمس بدعوى كونه بدلا عنها قابل للمناقشة، لعدم الدليل على إطلاق البدلية بحيث يرفع به اليد عن إطلاق أدلّة الوجوب.

كيف؟ و في الزكاة نفسها فرّق بين المال الصامت و الغلّات، و لعلّ وجهه أن الزكاة حيث تتكرر كل سنة فهي في المال الصامت توجب فناء مال الصبيّ، فلذا لم تجب و لا يجري هذا في غلّاته لأنها لا تتكرر فيها، و الخمس أيضا كذلك فإنه لا يجب في مال واحد إلا مرّة واحدة. هذا.

و إطلاق بعض نصوص الباب و فتاوى الأصحاب و عدم

تعرّضهما لاشتراط التكليف مع كونهما في مقام البيان و كون المسألة مبتلى بها يقتضي عدم الاشتراط.

ففي موثقة سماعة قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الخمس فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.» «1»

و يمكن التمسك أيضا بعموم الآية بناء على شمولها لجميع أنواع الخمس كما هو المستفاد مما وقع في تفسيرها.

وجهة الوضع في بابي الزكاة و الخمس أقوى من جهة التكليف، و لذا يجوز أخذهما من الكافر على القول بكونه مكلفا بالفروع، و كذا إجبار الممتنع على دفعهما بل الأخذ من ماله إن لم يدفع.

و الاعتبار أيضا يساعد على ذلك، إذ قد عرفت أنهما من الضرائب الإسلامية و لا سيما الخمس فإنها حقّ الإمارة. و المتعارف في جميع الحكومات أخذ الضرائب من كل من يستفيد من إمكانيات الحكومة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 319

..........

______________________________

نعم التمسك بالإجماع في المقام بل و كذا في سائر أنواع الخمس بلا وجه بعد عدم كون المسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا.

و كيف كان فالظاهر ثبوت خمس الأرباح في أرباح الصبي و المجنون فيدفع عنهما وليّهما.

[الكلام حول حديث الرفع]
اشارة

فإن قلت: حديث رفع القلم حاكم على الإطلاقات المذكورة، إذ المستفاد منه استثناء الصبيّ و المجنون عن دفتر التشريع من غير فرق بين التكليف و الوضع فترتفع عنهما الأحكام الشرعية برمّتها.

اللّهم إلّا أن يكون الرفع منافيا للامتنان كما في موارد الضمانات أو ورد فيه نصّ خاصّ كما في التعزيرات.

قلت: لا يخفى أن العمل قد يكون من قبيل الواجبات العبادية المحضة كالصلاة و الصوم و الحج.

و قد يكون من قبيل العباديات المتضمنة للوضع كأداء الزكاة و الخمس.

و قد يكون

من الواجبات غير العبادية كدفن الميت مثلا.

و قد يكون من المندوبات العبادية أو غير العبادية.

و قد يكون من المكروهات. و قد يكون من قبيل التصرفات في مال نفسه إتلافا له أو نقلا كبيعه أو هبته أو إجارته أو رهنه أو إعارته أو عتقه أو وصيّته أو نحو ذلك مما يوجب نقل العين أو المنفعة أو الانتفاع.

و قد يكون إعمالا لسلطته الشرعية كطلاق زوجته أو تصرفا في نفسه كإجارته لنفسه.

و قد يكون من الأمور الموجبة لحصول الملك أو حقّ الاختصاص شرعا كحيازته للمباحات و سبقه إلى الأمكنة المشتركة كالمساجد و المدارس و نحوها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 320

..........

______________________________

و قد يكون من الأعمال المترتب عليها الحدود أو التعزيرات كالزنا و اللواط و السرقة و القذف.

و قد يكون من الأعمال التي يترتب عليها آثار وضعية كإتلاف مال الغير و قتله و جرحه و ضربه، و كجماعه و ملاقاته للنجاسة و قبضه و إقباضه و صيده و ذبحه و نحره.

و قد يكون من قبيل الأقوال المترتب عليها آثار شرعية كإسلامه و إقراره و إجرائه للعقود و الإيقاعات للغير وكالة عنه أو فضولة، و كإذنه في دخول دار الغير و نحو ذلك.

و قد يكون من المحرمات التي يترتب عليها استحقاق المؤاخذة و العقوبة الأخروية إلى غير ذلك من أقسام العمل.

فهل يشمل الحديث بإطلاقه لجميع هذه الأعمال و يكون صدورها من الصبي و المجنون كالعدم نظير البهائم؟

لا يخفى عدم جواز الالتزام بهذا التعميم بسعته إذ الضمانات و كذا الجنابة و النجاسة و الطهارة و نحوها من الوضعيات غير مرفوعة قطعا.

و لو قيل بأن الحديث في مقام الامتنان، و رفع الضمانات خلاف المنّة، أو أن الضمان بحكم العقلاء و المرفوع الشرعيات

المحضة. قلنا فما تقول في مثل الجنابة و النجاسة و الطهارة؟ هذا.

مضافا إلى أن رفع أثر الحيازة و الإحياء و السبق و الحجر بل و رفع المندوبات التي يترتب عليها أجور كثيرة أيضا خلاف المنّة، و هكذا رفع جهة الوضع في الزكاة و الخمس لأن رفعهما خلاف المنّة بالنسبة إلى المستحقين.

[الاحتمالات حول حديث الرفع]

و بالجملة فحديث رفع القلم يحتمل فيه أمور: الأوّل: أن يراد به رفع قلم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 321

..........

______________________________

التشريع الشامل لجميع الأحكام الشرعية برمّتها من الوضعية و التكليفية الإلزامية و غير الإلزامية، و لعله الظاهر بدوا. و لكن مقتضاه ورود تخصيصات كثيرة للقطع بشمول كثير من الأحكام الوضعية لهما.

الثاني: أن يراد به رفع قلم تشريع الأحكام التكليفية فقط مطلقا.

و فيه- مضافا إلى عدم الدليل على إرادة ذلك- أن رفع المندوبات خلاف الامتنان.

الثالث: أن يراد رفع قلم تشريع الأحكام الإلزامية فقط حفظا لظهوره في الامتنان. و ربما يستظهر هذا الاحتمال و يرتّبون عليه شرعية العبادات الواجبة أيضا و استحبابها للصبيّ المميز فيفككون الإلزام عن أصل الرجحان. بتقريب أن إطلاق أدلّتها يشمل الصبي المميز، و المرفوع بالحديث إلزامها فيبقى أصل الرجحان و الشرعية.

و فيه: أنه ليس مفاد الأمر شيئين حتى يرتفع أحدهما و يبقى الآخر، و إنما التكثر بالتحليل العقلي. و المدلول للأمر معنى بسيط و هو الطلب.

و طلب المولى تمام الموضوع لحكم العقل بالإلزام و استحقاق العقوبة على المخالفة ما لم يرد من ناحية الشرع ترخيص في الترك.

و إن شئت قلت: إن الوجوب ينتزع من الطلب بشرط لا، و الندب من الطلب بشرط الترخيص في الخلاف فمنشأ انتزاع الندب مركب.

الرابع: أن يراد بالقلم المرفوع قلم الملك الموكّل بكتابة السيئات و الأعمال أو الأعمال

و التروك الممنوعة حين ارتكابها كما ربما يشهد بذلك قوله «ع» في خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه «ع»: «فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 30، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 322

..........

______________________________

و في خبر عبد اللّه بن سنان عنه «ع»: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيئة و عوقب.» «1»

و يمكن أن يقال: إن مآل هذا الاحتمال إلى الاحتمال الثالث، إذ عدم كتابة السيئات حين العمل كاشف عن عدم تشريع الواجبات و المحرّمات عليه في مرحلة التشريع.

الخامس: أن يراد بالقلم المرفوع قلم استحقاق المؤاخذة و العقوبة دنيوية كانت أو أخروية. و يمكن أن يقال برجوع هذا أيضا إلى الثالث.

إلّا أن يقال: لا مانع من ثبوت ملاكات الأحكام و تشريعها و يكشف عن ذلك إطلاقات الأدلّة و لكن المؤاخذة رفعت إرفاقا فلا يوجب هذا تخصيصا في الأدلة.

السادس: أن يراد به خصوص قلم السياسة الشرعية الدنيوية أعني رفع الحدود و التعزيرات و القصاص. و قد قوّى هذا الاحتمال الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- فيما كتبناه من تقريرات بحثه الشريف مستشهدا لذلك بتطبيق الحديث على هذه الموارد، فراجع الوسائل. «2»

و فيه: أن التطبيق على بعض الموارد لا يقتضي الاختصاص بها.

[المتيقن من الحديث هو رفع المؤاخذة]

إذا عرفت الاحتمالات فنقول: حمل الحديث على رفع جميع الأحكام الشرعية يوجب ورود تخصيص كثير عليه. و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال إذ يجب الأخذ بالقدر المتيقن.

و الظاهر أن المتيقن منه بملاحظة الموارد المنطبق عليها رفع المؤاخذة دنيوية كانت أو أخروية، كما يشهد بذلك تطبيقه على التكاليف الإلزامية و على الحدود و القصاص:

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 431، الباب 44

من كتاب الوصايا، الحديث 12.

(2)- راجع الوسائل 18/ 316، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود؛ و 19/ 66، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 323

..........

______________________________

1- ففي موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم. و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم.» «1»

2- و في خبر أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ «ع» أنه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ، تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم.» «2»

3- و في خبر حماد بن عيسى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ «ع»، قال: «لا حدّ على مجنون حتّى يفيق، و لا على صبيّ حتّى يدرك، و لا على النائم حتّى يستيقظ.» «3»

4- و عن إرشاد المفيد، قال: روت العامّة و الخاصّة: أن مجنونة فجر بها رجل و قامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها الحدّ، فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين «ع» فقال:

ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إن رجلا فجر بها فهرب و قامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: ردّوها إليه و قولوا له: أما علمت أن هذه مجنونة آل فلان و أن النبي «ص» قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق، و أنها مغلوبة على عقلها و نفسها، فردّوها إليه فدرأ عنها الحدّ. «4»

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 32، الباب 4 من أبواب

مقدمة العبادات، الحديث 12.

(2)- الوسائل 19/ 66، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 316، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 316، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 324

..........

______________________________

5- و في خبر زرارة قال: سألت أبا جعفر «ع» عن المستضعف فقال: «هو الذي لا يهتدي حيلة إلى الكفر فيكفر و لا يهتدي سبيلا إلى الإيمان، لا يستطيع أن يؤمن و لا يستطيع أن يكفر، فهم الصبيان، و من كان من الرجال و النساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم.» «1»

6- و عن كتاب فضائل الأشهر الثلاثة بسنده عن الرضا «ع» عن رسول اللّه «ص» في حديث: «و إن الصائم لا يجرى عليه القلم حتى يفطر ما لم يأت بشي ء ينقض. و إن الحاج لا يجري عليه القلم حتّى يرجع ما لم يأت بشي ء يبطل حجه. و إن النائم لا يجري عليه القلم حتى ينتبه ما لم يكن بات على حرام. و إن الصبي لا يجري عليه القلم حتى يبلغ. و إن المجاهد في سبيل اللّه لا يجري عليه القلم حتّى يعود إلى منزله ما لم يأت بشي ء يبطل جهاده. و إن المجنون لا يجري عليه القلم حتّى يفيق، و إن المريض لا يجري عليه القلم حتّى يصح.» «2»

و الظاهر أن المراد بالقلم المرفوع في هذه الرواية قلم الملك الموكّل بكتابة السيئات لا قلم التشريع كما لا يخفى.

و جعل النائم في الحديث رديفا للصبيّ و المجنون مما يشهد على كون المرفوع خصوص المؤاخذة و العقوبة. و على هذا فلا دليل على شموله للأحكام الوضعية و منها جهة الوضع من الخمس

و الزكاة. هذا مضافا إلى أن رفعهما خلاف المنّة على المستحقين كما عرفت.

______________________________

(1)- الكافى 2/ 404، كتاب الإيمان و الكفر، باب المستضعف، الحديث 1.

(2)- بحار الأنوار 94/ 81 (- طبعة إيران 97/ 81)، كتاب الصوم، الباب 56 (باب فضائل شهر شعبان)، الحديث 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 325

[حكم سائر التصرفات في مال الصبيّ]

و كذا في سائر التصرفات في ماله (1). و المسألة محلّ إشكال مع أنها سيّالة.

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال: إن المتحصل من مجموع أخبار باب الزكاة عدم وجوبها في مال اليتيم أصلا و إن استحبت في بعض أمواله فلعلّ المنساق من ذلك عدم وجوب الخمس أيضا لكونهما في أكثر الأبواب على مساق واحد، و الأصحاب يسوّون بينهما، فتدبّر.

(1) يمكن أن يقال كما مرّ: إن الممنوع شرعا هو التصرف في نفس الصبي و المجنون و مالهما بما يعدّ قبيحا عقلا أو شرعا نظير الإسراف و التبذير. و أما ما يستحسنه الشرع أو العقل كصرف المال في موارد الاحتياط و لو مستحبا أو في حفظ وجاهتهما الاجتماعية كالصرف في ضيوفهما المتعارفة أو المصالح العامّة التي يتعاون فيها المجتمع و يترقّب من كل أحد الإعانة فيها بقدر سعته و موقعيته و نحو ذلك مما يعدّ صرفا في التي هي أحسن فلا دليل حينئذ على عدم جوازه.

و بالجملة فالوليّ عليهما يعدّ عقلا منفصلا لهما فكما يصرف هو من مال نفسه في الأمور التي يستحسنها الشرع أو العقل و ينتظر منه ذلك فكذلك يجوز له أن يصرف من مالهما أيضا في هذا السنخ من الأمور التي ينتظر منهما.

و الشبهة في أمثال ذلك تعدّ وسواسا لا يرضى به العقل و الشرع، و من هذا القبيل أيضا تحريض الصبيّ بل و إجباره على إتيان

الصلاة و الصيام و الحج و الزيارات و نحوها من شعائر الشرع المبين ليأنس بها و يتعوّدها، مع أن التصرّف في نفس الصبي كالتصرف في ماله، فتأمّل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 326

[الثانية إذا علم بتعلق الزكاة بماله و شكّ في أنه أخرجها أم لا]

اشارة

الثانية إذا علم بتعلق الزكاة بماله و شكّ في أنه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج للاستصحاب (1). إلّا إذا كان الشك بالنسبة إلى السنين الماضية فإن الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت أو بعد تجاوز المحلّ (2). هذا.

[إذا شكّ في الإخراج يجب الإخراج]

______________________________

(1) العلم بالاشتغال يقتضي تحصيل البراءة اليقينية و لا يكفي فيه احتمال الامتثال، إما لأن العقل يحكم بوجوب ذلك و أن حكمه بنفسه باق بعد احتمال الامتثال أيضا كما يظهر من كلمات الشيخ الأعظم «ره» أو لاستصحاب التكليف المعلوم كما هو مختار صاحب الكفاية و يظهر من المصنف أيضا. هذا مع بقاء العين.

و أما مع عدم بقائها و احتمال الأداء منها أو من غيرها فربّما يتوهم عدم الوجوب بتقريب أن الحقّ بعد تلفها لو ثبت انتقل إلى الذمّة، و الأصل يقتضي عدم اشتغالها.

و لكن الظاهر أن اشتغال الذمّة مسبب عن بقاء التكليف الأول و الشك فيه مسبب عن الشك فيه فلا محيص عن إجراء الأصل في السبب و مقتضاه بقاء التكليف بأداء زكاة العين، و لا ينحصر امتثال ذلك في الأداء من نفس العين، فتأمّل.

(2) إذا شك بالنسبة إلى السنين الماضية فهل يجري فيها قاعدة الحيلولة أعني الشك بعد الوقت أو قاعدة التجاوز عن المحلّ كما في المتن؟

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 327

..........

______________________________

قد يقال: نعم، بتقريب أن وقت إخراج ما عليه في كل سنة هو هذه السنة لعدم جواز التأخير منها بما يعدّ تسامحا، و لو سلم فلا يجوز أكثر من أربعة أشهر كما مرّ.

و قد أورد على ما ذكر من التقريب أوّلا: بأن القاعدتين وردتا في باب الصلاة فيشكل إسراؤهما إلى غيرها:

ففي صحيحة زرارة و الفضيل عن أبي جعفر «ع» قال: «متى استيقنت أو

شككت في وقت فريضة أنك لم تصلّها أو في وقت فوتها أنك لم تصلّها صلّيتها. و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتى تستيقن. فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت.» «1»

و في صحيحة إسماعيل بن جابر، قال: قال أبو جعفر «ع»: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض. كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه.» «2»

و في صحيحة زرارة قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة؟ قال: يمضي: قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبّر؟

قال: يمضي، (إلى أن قال): «يا زرارة، إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء.» «3»

و ثانيا: أن قاعدة الحيلولة موردها كون الواجب مقيّدا بالوقت كالصلوات اليومية مثلا، و قاعدة التجاوز موردها الواجب الذي له أجزاء مترتبة شرعا فشك في بعضها بعد الدخول في اللاحق. و ليست الزكاة كذلك لعدم تقيدها بالوقت

______________________________

(1)- الوسائل 3/ 205، الباب 60 من أبواب المواقيت، الحديث 1.

(2)- الوسائل 4/ 937، الباب 13 من أبواب الركوع، الحديث 4.

(3)- الوسائل 5/ 336، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 328

..........

______________________________

بحيث تصير قضاء بانقضائه، و عدم كونها ذات أجزاء مترتبة.

و مجرّد وجوب الأداء فورا لا يقتضي التوقيت شرعا بحيث يكون الوقت قيدا في الواجب، فالمقام نظير صلاة الآيات للزلزلة و أداء دين الغير مع مطالبته و قدرة المديون. نعم يمكن القول بكون زكاة الفطرة موقتة بغروب ليلة العيد

إلى زوال يومه.

و ثالثا: أنه لو كان وجوب الأداء فورا مع التأخير عملا كافيا في الحكم بعدم الوجوب جرى هذا في زكاة السنة الأخيرة أيضا في بعض صورها كما لا يخفي. هذا.

و لكن في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- بعد الإشكال في إجراء القاعدتين قال: «نعم لو كانت عادته إخراجها أول حلولها مثلا و شك في أنه أخرجها فيه أو سها عنها لم يبعد الحكم بالمضيّ على إشكال فيه أيضا.»

أقول: يمكن أن يقال: إن المستفاد من قوله «ع» في الصحيحة الأولى:

«و قد دخل حائل.» و ما في ذيل الصحيحتين الأخيرتين من ذكر قاعدة كلّية، عدم كون الصحاح المذكورة في مقام إعمال التعبّد المحض، بل التعليل بما يحكم به العقلاء و استقرت عليه سيرتهم في جميع أعمالهم من عدم الاعتناء بالشك بعد مضيّ الزمان العادي للعمل. حيث إن الإنسان محل النسيان و لا يحتفظ غالبا أعماله الماضية فترتيب الأثر على الشك فيها و الإلزام بإتيانها يوجب العسر و الحرج بل اختلال النظام أيضا في بعض الأحيان.

و الحاكم بوجوب الإطاعة و مواردها و أنحائها هو العقل و العقلاء، و هم لا يلتزمون في مثل هذه الموارد بلزوم الإطاعة بالنسبة إلى ما مضى، و لا يفرّقون في ذلك بين مضيّ الوقت الشرعي أو الوقت العادي، بل الملاك عندهم الفصل الزماني و لا سيما الطويل منه، و لا سيما بالنسبة إلى من استقرت عادته على الإتيان بالعمل في وقته العاديّ، و لا سيما مع كون التأخير حراما و معصية

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 329

..........

______________________________

كما في صلاة الزلزلة و كما في المقام. و لا فرق فيما ذكر بين باب الصلاة و غيرها، إذا المورد لا

يخصّص.

و المقصود من التجاوز أو الخروج من الشي ء في الصحيحتين بقرينة ما فيهما من الأمثلة هو الشكّ في أصل إتيان الفعل لا في صحّته، و لا أقلّ من التعميم لهما.

و الظاهر أنه لا موضوعية للدخول في الغير. بل الملاك صدق التجاوز عن الشي ء يعني عن محلّه، و الدخول في الغير محقق له أو أمارة عليه.

كما ربما يشهد لذلك قوله «ع» في الخبر الموثق سندا- على الظاهر- عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء. إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه.» «1»

حيث حصر فيه الشك الذي يعتنى به في الشك في شي ء لم تجزه.

فالملاك صدق الجواز منه و عدم الجواز. و لعله يكفي في صدقه الدخول فيما يتأخر عنه عادة، فيصدق الجواز عرفا على أعمال السنين الماضية.

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «إذا شك الرجل بعد ما صلّى فلم يدرأ ثلاثا صلّى أم أربعا و كان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك.» «2»

و لعل المستفاد منها عدم الاعتبار بالشك بعد البعد الزماني الطويل، فتأمّل.

و في صحيحة أخرى له عن أبي جعفر «ع» قال: «كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو.» «3» و ظهورها في عدم اعتبار الشك فيما مضى قويّ إلّا أن يناقش

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.

(2)- الوسائل 5/ 343، الباب 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 5/ 336، الباب 23 من أبواب الخلل

الواقع في الصلاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 330

[لو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحبّ إخراجها]

و لو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحبّ إخراجها كمال التجارة له بعد العلم بتعلّقها به، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب لأنه دليل شرعى، و المفروض أن المناط فيه شكّه و يقينه لأنه المكلف (1)، لا شكّ الصبيّ و يقينه. و بعبارة أخرى ليس نائبا عنه.

______________________________

فيها بأن موردها الشك في صحة ما مضى بعد العلم بتحققه بقرينة قوله:

«فامضه كما هو» بناء على قراءته بباب الإفعال.

و تجري هذه المناقشة أيضا في موثقة بكير بن أعين، قال: قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال: «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك.» لوضوح أن موردها الشك في الصحة أو في إتيان بعض أجزاء العمل بعد الفراغ منه فلا ترتبط بالمقام.

و كيف كان فالظاهر كما مرّ استقرار سيرة العقلاء على عدم الاعتناء بالشك مع الفصل الزماني الطويل، و لا سيما مع وجوب الفورية و كون التأخير معصية كما في المقام، و لا سيما مع تحقق العادة على الإطاعة إذ الترك حينئذ مستند إلى السهو، و الأصل يقتضي عدمه و هو الملاك لحجية قاعدة التجاوز أيضا كما لا يخفي. هذا.

و لكن الأحوط الاقتصار على صورة الوثوق بالإتيان و لو نشأ من العادة فإنه علم عاديّ يعتمد عليه العقلاء في أمورهم.

(1) فالملاك قيام الحجة عنده على عدم الإخراج، فكما أنه لو قامت عنده البيّنة جاز له الاعتماد عليها فكذلك إذا تحقق عنده ركنا الاستصحاب. و الظاهر أنه لا يتوقف هذا على عدم كونه نائبا عن الصبيّ. بل قد عرفت منا الإشكال في ذلك و أن المال الصبي و المصلحة عائدة إليه فيكون الوليّ نائبا عنه

من قبل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 331

..........

______________________________

الشارع، و لكن حيث إن العمل مفوّض إليه وجب أن يعمل على وفق إحرازه.

و بذلك صرّح في المستمسك أيضا. «1»

و نظيره الوكيل المطلق حيث يعمل على طبق تشخيص نفسه، و لكن ليس معنى ذلك عدم الاعتبار ليقين الموكل و شكّه أصلا. فلو فرض يقين الموكل بإخراج الوكيل زكاة ماله لم يكن الوكيل مخالفته و العمل على وفق تشخيص نفسه لأنه فرعه.

و على هذا ففي المقام أيضا إذا فرض كون الصبيّ مميزا بحيث تصحّ صدقته كان يقينه بالإخراج مانعا من عمل الوليّ بالاستصحاب.

بل قد عرفت أن الأحوط حينئذ تصدّي نفسه لأداء الزكاة و لكن تحت نظر الوليّ، فراجع ما حرّرناه في المسألة الأولى من هذا الختام.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 356.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 332

[الثالثة إذا باع الزرع أو الثمر و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب أو قبله]

الثالثة إذا باع الزرع أو الثمر و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب حتى تكون الزكاة عليه أو قبله حتى تكون على المشتري ليس عليه شي ء (1)، إلّا إذا كان زمان التعلق معلوما و زمان البيع مجهولا، فإن الأحوط حينئذ الإخراج.

______________________________

(1) لأصالة البراءة، و للاستصحاب في بعض الصور، و لا محالة إن جرى هو يكون حاكما عليها و إن وافقها كما لا يخفى.

و ملخّص الكلام أن الحادثين كالبيع و التعلق في المقام إما أن يكونا معلومي التأريخ أو مجهولى التأريخ أو مختلفين. لا إشكال في المعلومين.

و أما المجهولان فقد يقال بعدم جريان الاستصحاب فيهما لعدم إحراز اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن لاحتمال تخلل الضدّ المعلوم إجمالا بينهما فيكون من الشبهات المصداقية لقاعدة الاستصحاب.

و لكنه مدفوع باتصالهما وجدانا، إذ متعلق اليقين و الشك هو الصورة الذهنية لا الخارج و هما كيفيتان نفسيتان

حاضرتان للنفس لا يشكّ الإنسان فيهما.

و احتمال تخلّل الضدّ المعلوم إجمالا بخارجيته لا يضرّ بل هو المنشأ للشكّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 333

على إشكال في وجوبه (1)، و كذا الحال بالنسبة إلى المشتري

______________________________

فيجري استصحاب عدم كل منهما إلى زمان وجود الآخر. و لا محالة يتعارضان و يرجع بالأخرة إلى أصالة البراءة. نعم لو فرض عدم الأثر في أحد الطرفين أو كونه مثبتا لم يجر.

هذا إذا كان المال بعد انتقاله إلى المشتري خارجا عن ابتلاء البائع بالكلية.

و أما إذا كان محلا لابتلائه بالأكل أو الشراء أو نحو ذلك فمقتضى العلم الإجمالي بوجوب الزكاة عليه أو حرمة تصرّفه في المال بعد انتقاله إلى المشتري بالشراء و نحوه وجوب الاحتياط كما لا يخفى. نظير ما قلناه في مسألة الجنابة الدائرة بين شخصين.

و لا يجري هذا الإشكال في الفرع التالي، إذ الاستصحاب بعد جريانه يوجب انحلال العلم الإجمالي حكما. هذا كله في مجهولي التأريخ.

و أما المختلفان فإما أن يكون زمان البيع معلوما و زمان التعلق مجهولا أو بالعكس.

فعلى الأوّل يجري استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع المعلوم، و مقتضاه عدم وجوبها على البائع، و لا مجال لأصالة البراءة لحكومته عليها و إن وافقها.

و أمّا على الثاني فيستصحب عدم البيع إلى زمان التعلق المعلوم.

و إن شئت قلت: يستصحب ملكية البائع إلى زمان التعلق المعلوم، و مقتضاه تعلّقها به و وجوبها عليه. فهذا هو الوجه لاحتياط المصنف بالإخراج في هذه الصورة. و لعلّه الأقوى كما قوّاه كثير من المحشين.

(1) إما لأن الوجوب عليه مترتّب على كون التعلق في زمان ملكيته له، و استصحاب القيد أعني الملكية لا يثبت المقيد.

أو لأن استصحاب عدم البيع إلى زمان التعلق معارض باستصحاب عدم

التعلق إلى زمان البيع، فإن التعلق و إن كان زمانه معلوما بالقياس إلى عمود الزمان، و لكنه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 334

..........

______________________________

بالقياس إلى زمان البيع مجهول فيستصحب عدمه.

أو لأن الغرض من استصحاب الملكية إلى زمان التعلق إن كان إثبات حق الزكاة في المبيع لإبطال البيع بالنسبة إليه، ففيه أنه خلاف أصالة الصحّة في البيع، و هي مقدّمة على غيرها من الأصول الموضوعية.

و إن كان إثبات ضمان البائع لحقّ الزكاة، ففيه أنه مثبت إذ الضمان يتوقف على تحقق عنوان وجودي من الإتلاف أو الحيلولة مثلا فلا يثبت باستصحاب الملكية. هذا.

و لكن يمكن أن يورد على الوجه الأوّل بأن الملك موضوع و تعلّق الزكاة حكم شرعي له فيجري الاستصحاب في الموضوع لترتيب حكمه عليه.

و أورد على الوجه الثاني بأن زمان البيع إن لوحظ ظرفا لعدم التعلق المعلوم، ففيه أنه عبارة أخرى عن لحاظ العدم مضافا إلى أجزاء الزمان، و المفروض أنه معلوم من هذه الجهة لا شكّ فيه.

و إن لوحظ قيدا له بحيث يكون العدم المقيد موضوعا للأثر، ففيه أنه لم يكن للعدم المقيد حالة سابقة حتّى تستصحب، بل اللازم حينئذ استصحاب عدم هذا العدم المقيّد.

و إن شئت قلت: إن مفاد دليل الاستصحاب إطالة عمر اليقين و إبقاء ما كان في الزمان المشكوك فيه لا مقارنة شي ء معلوم الوقت لشي ء آخر، فتأمّل.

و أورد على الوجه الثالث كما في المستمسك «1» بأنه لو كان السبب في الضمان بيع موضوع الحق أمكن إثبات الضمان بالأصل المذكور لأن السبب المذكور يثبت بعضه بالأصل و بعضه بالوجدان، فتأمّل.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 357.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 335

إذا شك في ذلك فإنه لا يجب عليه شي ء إلا إذا علم زمان

البيع و شكّ في تقدم التعلّق و تأخّره، فإن الأحوط حينئذ إخراجه (1) على إشكال في وجوبه.

______________________________

(1) ما مرّ كان في مقام بيان وظيفة البائع مع الشك.

و أما المشتري فتارة يلاحظ حاله و شكه بالقياس إلى التعلق بنفسه مع قطع النظر عن البائع و أنه شاكّ أو عالم بالتعلق بنفسه أو بالمشتري و أنه بان على الأداء من هذا المال أو من مال آخر أو غير بان عليه. و أخرى يلاحظ حاله بالقياس إلى البائع أيضا:

ففي الصورة الأولى أعني حاله بالقياس إلى نفسه من حيث اليقين و الشك يتصور فيه أيضا ما مرّ من الشقوق: فحكم المعلومين واضح.

و في مجهولي التأريخ تجري البراءة بعد تعارض الاستصحابين كما مر.

و في المعلوم زمان التعلّق فقط يستصحب ملكية البائع أو عدم البيع إلى زمان التعلق المعلوم. و مقتضاه عدم التعلق بالمشتري بل بالبائع. و الاستصحاب حاكم على أصالة البراءة و إن وافقها كما مرّ.

و في المعلوم زمان البيع فقط يجري استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع المعلوم، و لكنه ليس بنفسه موضوعا لوجوب الزكاة على المشتري، بل الموضوع له كون التعلق في ملك المشتري، و إثباته باستصحاب العدم المذكور تعويل على الأصل المثبت.

و على هذا فاحتياط المصنف هنا بنحو الوجوب بالقياس إلى حال المشتري محلّ المناقشة.

هذا حكم المشتري بالقياس إلى تعلق الزكاة بنفسه.

و أما من حيث ملاحظته و لو مع البائع فإن علم بأن البائع أخرج زكاة هذا المال

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 336

..........

______________________________

أو يخرجه لعلمه بتعلقها به أو للاحتياط فلا إشكال. و كذا إن احتمل إخراجه لها مع علمه بالتعلق لأصالة الصحة في بيعه حينئذ. و إلّا فالمشتري يقطع بوجوب إخراج الزكاة من هذا المال

إما لأجل تعلقها بالبائع أو بنفسه فيجب عليه إخراجها.

و للحاكم أو الساعي أيضا الرجوع إليه بل و إخراجها منه مع امتناعه.

و ليس له الرجوع إلى البائع بعد الإخراج، إذ المفروض عدم علمه بتعلقها بالبائع. و لأصالة الصحة في بيعه، فتأمّل.

و هل له فسخ المعاملة الكذائية مع الجهل لتضرره بها؟ و جهان. و على فرض الجواز فلو فسخها و رجع المال إلى البائع وجبت عليه زكاتها للقطع بتعلقها به عنده أو عند المشتري، فتدبّر. و المصنف لم يتعرض لما يقتضيه وظيفة المشتري بالقياس إلى البائع.

ثم لا يخفى أن شمول نصوص زكاة الغلات لمن انتقلت إليه على أصولها بالشراء و نحوه و لا سيما قبل زمان التعلق بمدة قصيرة بحيث لا تحتاج إلى السقي أصلا لا يخلو من إشكال، إذ المستفاد من تفصيل النصوص و الفتاوى بين ما سقي سيحا أو بالدلاء كون المخاطب بهذه الزكاة الزرّاع و المالكين للأشجار المتصدين لزرعها و سقيها فإن المنتقل إليه قبل وقت التعلق لا يتفاوت بحاله كيفية سقيها، إذ لا تحتاج إلى السقي بعد الشراء و نحوه. فحال المشتري هنا حال من اشترى الأنعام أو النقدين قبيل انقضاء الشهر الحادي عشر مثلا، حيث لا زكاة فيها حينئذ لا على البائع و لا على المشتري.

اللّهم إلّا أن يثبت الحكم بالإجماع، و لكن دون إثباته خرط القتاد لعدم كون المسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا و المسألة من المسائل التفريعية.

إلّا أن يقال إن سيرة النبي «ص» و الخلفاء قد استقرت على مطالبة الزكوات

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 337

..........

______________________________

من الغلات من غير استفسار أن المالك لها ملكها بالزراعة أو بالشراء و نحوه.

و عليك بمراجعة المسألة في المجلد الأول من زكاتنا.

«1»

و لعلّه إلى هذا الإشكال ينظر الأستاذ الإمام- طاب ثراه- في حاشية له في أوائل زكاة الغلات عند قول المصنف: «أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة»، قال: «على الأقوى فيما إذا نمت مع ذلك في ملكه و على الأحوط في غيره.»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 343 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 338

[الرابعة إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته]

الرابعة إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته (1).

و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة (2)، و إذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلّق أو بعده لم يجب الإخراج

______________________________

(1) في المستمسك: «بلا إشكال لأنها إن كانت في ذمّة الميت كانت كسائر الديون المقدمّة على الوصايا و المواريث. و إن كانت في العين فالموت لا يسقطها فإنه لا وجه له.» «1»

أقول: و لو لم تف التركة بجميع ديون الميت فإن كانت العين الزكوية باقية تقدم الزكاة لتعلقها بالعين. و إن لم تكن باقية فالظاهر التقسيط بالنسبة. و احتمال تقدم سائر الديون عليها لكونها من حقوق الناس ضعيف.

(2) مع استجماع سائر الشرائط، و وجهه واضح. و لكن ما مرّ في المسألة السابقة من الإشكال في شمول النصوص و الفتاوى لما انتقل إليه على أصولها قبل التعلق بمدة قليلة يأتي هنا أيضا.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 358.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 339

من تركته و لا على الورثة (1) إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب، إلّا مع العلم بزمان التعلّق و الشك في زمان الموت، فإن الأحوط حينئذ الإخراج (2) على الإشكال المتقدم. و أما إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم،

______________________________

(1) أمّا على

الورثة فواضح مع فرض عدم بلوغ نصيب واحد منهم النصاب.

و أما عدم وجوب الإخراج من تركته فلأنه في مجهولي التأريخ يسقط الاستصحابان فيرجع إلى أصل البراءة. و في صورة العلم بزمان الموت و الجهل بزمان التعلق يستصحب عدم التعلق إلى زمان الموت المعلوم.

(2) لاستصحاب حياة المالك و عدم موته و بقاء المال على ملكه إلى زمان التعلق المعلوم فيقع التعلق في ملكه. و لا يعارضه استصحاب عدم التعلق إلى زمان الموت لما مرّ من عدم جريانه في معلوم التأريخ.

فهذا وجه احتياط المصنف في هذه الصورة بالإخراج، و لعلّه الأقوى كما مرّ في المسألة السابقة. هذا.

و في حاشية بعض الأعاظم في المقام أن قاعدة اليد في هذه الصورة تقضى بكون جميع المال للميت و لا أثر معها للاستصحاب.

أقول: اليد أمارة للملكية في موارد الشك فيها، و أماريّتها في المقام إنما تصحّ مع احتمال التفات الميت في زمان حياته بتعلق الزكاة بما له و أدائه لها.

و أما مع العلم بعدم التفاته إلى ذلك ما دام حيّا أو عدم أدائه لها و إنما وقع الالتفات و الشك في التقدم و التأخر للوارث فلا أمارية لها حينئذ.

و الظاهر أن مورد البحث في المسألة صورة العلم بعدم أداء الميت للزكاة بل و عدم التفاته إليها، فتأمّل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 340

للعلم الإجمالي بالتعلّق به (1) إما بتكليف الميت في حياته أو بتكليفه هو بعد موت مورّثه بشرط أن يكون بالغا عاقلا، و إلّا فلا يجب عليه لعدم العلم الإجمالي بالتعلّق حينئذ.

______________________________

(1) بل للعلم التفصيلي به المتولد من العلم الإجمالي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 341

[الخامسة: إذا علم أن مورّثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شكّ في أنه أدّاها أم لا]

الخامسة إذا علم أن مورّثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شكّ في أنه أدّاها

أم لا، ففي وجوب إخراجه من تركته- لاستصحاب بقاء تكليفه- أو عدم وجوبه- للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميّت لا ينفع في تكليف الوارث- و جهان:

أوجههما الثاني، لأن تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق بتركته. و ثبوته فرع شك الميت و إجرائه الاستصحاب لا شك الوارث. و حال الميّت غير معلوم أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاكّ.

و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقا- و هو نائم- و شك في أنه طهّرهما أم لا. حيث إن مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة- مع أن حال النائم غير معلوم أنه شاكّ أو متيقن-، إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 342

بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال: إن يده كانت نجسة، و الأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها بخلاف المقام، حيث إن وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت و اشتغال ذمّته بالنسبة إليه من حيث هو.

نعم لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال:

الأصل بقاء الزكاة فيه.

ففرق بين صورة الشك في تعلّق الزكاة بذمّته و عدمه، و الشك في أن هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا. هذا كلّه إذا كان الشك في مورد لو كان حيّا و كان شاكّا وجب عليه الإخراج.

و أما إذا كان الشك بالنسبة إلي الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها- مما يجري فيه قاعدة التجاوز و المضيّ، و حمل فعله على الصحّة- فلا إشكال (1).

و كذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.

______________________________

(1)

إذا علم بتعلّق الزكاة بمورّثه و شكّ في أنه أدّاها أم لا فإما أن يكون الشك في زكاة السنوات السابقة، و إما أن يكون في زكاة السنة الأخيرة التي مات فيها.

و على الفرضين فإما أن تكون العين الزكوية باقية أولا. و على الثاني فإما أن يعلم أنه لم يؤدّها حين وجود العين و إنما الشك في أدائها بعد تلف العين، و إما أن يشك في ذلك أيضا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 343

..........

______________________________

و على الفرضين فإما أن يعلم أن تلفها كان بلا تعدّ و تأخير بحيث لو كان فيها زكاة لم يضمنها.

و إما أن يعلم أن التلف كان بالإتلاف أو التلف الموجب للضمان على فرض بقاء الزكاة فيها.

و إما أن يشك في ذلك و لا يعلم أنه على أيّ النحوين كان ذلك.

إذا عرفت هذا فنقول: أما إذا كان الشك في زكاة السنوات السابقة فسيأتي البحث فيها.

و أما إذا كان في زكاة السنة الأخيرة فإن كانت العين الزكوية باقية فالظاهر وجوب أداء زكاتها بمقتضى الاستصحاب، إذ المفروض هو العلم بثبوت حق الزكاة في هذا المال و الشك في إخراجها. اللّهم إلّا أن يجري ما يأتي من حمل عمل المورّث على الصحة في المقام أيضا.

و أما مع تلف العين فإن علم بأنه لم يستتبع ضمان المالك بأن تلفت بعد التعلق فورا من دون تسامح منه فلا إشكال في عدم وجوب الأداء حينئذ للقطع بعدم وجوبه على نفس الميت.

و أما إن علم بأنه استتبع ضمان المالك قطعا لعدم أدائها تسامحا مع إمكانه حتى أتلفها أو تلفت و احتملنا أداءها بعد التلف فاشتغال ذمّة الميت بالزكاة معلومة و أداؤها مشكوك فيه فيستصحب اشتغال ذمّته كسائر الديون المعلومة، إذا شك

في أدائها فيجب أداؤها، إذ التكليف فعلا متوجه إلى الوارث فيكون الملاك يقين نفسه و شكه. فكما أنه لو كان متيقنا باشتغال ذمّة الميت وجب عليه إبراؤها بالأداء فكذلك إذا شك فيه بعد ما كان متيقنا به بمقتضى دليل الاستصحاب لكونه ذا أثر بالنسبة إليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 344

..........

______________________________

و إشكال المصنف بأن تكليف الوارث فرع تكليف الميت و تكليفه فرع يقينه و شكه.

مدفوع- كما في المستمسك- بأن تكليف الميت واقعا إنما يتفرع على اجتماع شرائطه لا على يقينه و شكه، بل الذي يتفرع عليهما هو التنجز بواسطة الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال و المقصود هنا استصحاب الوارث لا استصحاب الميت.

نعم لو كان الميت يريد الاستصحاب كان الملاك يقين نفسه و شكّه.

و بالجملة فالكلام في استصحاب الوارث لإثبات ما هو الموضوع لتكليف نفسه أعني التكليف الواقعي للمورث، فلا فرق بين المقام و بين نجاسة يد النائم التي مثّل بها المصنف.

و الظاهر أن المصنّف أيضا التفت إلى عدم صحّة ما ذكره هنا فقال في المسألة الأولى من فصل الوصية بالحج «نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا و لم يعلم أنه أتى به أولا فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل.

و دعوى أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكّه لا شك الوصيّ أو الوارث، و لا يعلم أنه كان شاكا حين موته أو عالما بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكّه، بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضا.» «1»

هذا كله في صورة بقاء العين الزكوية، أو تلفها مع العلم بكون التلف مستتبعا للضمان.

و أما إذا كانت العين تالفة و لم يعلم كونه مستتبعا للضمان بأن

احتمل الأداء حين بقاء العين أو وقوع التلف قهرا بعد التعلّق من دون تفريط و تسامح في

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 522.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 345

..........

______________________________

الأداء فقد يقال بعدم المجال للاستصحاب. إذ التكليف بأداء الزكاة و إن توجه إلى المالك في بادي الأمر قطعا و لكنه كان حكما تكليفيا متعلقا بأداء زكاة العين منها أو من مال آخر و لم تكن ذمّته مشغولة بشي ء إذ الزكاة تتعلق بالعين.

و بعد التلف ما هو الموضوع و هو العين غير باقية، و الانتقال إلى الذمّة أيضا مشكوك فيه، و إثباته باستصحاب التكليف بالأداء تعويل على الأصل المثبت.

نعم في صورة الإتلاف يمكن أن يقال: بأن الضمان يثبت بالإتلاف المحرز بالوجدان بضميمة عدم الإخراج المحرز بالاستصحاب، كما هو الحال في جميع الموضوعات المركبة.

هذا محصّل ما يستفاد من المستمسك في المقام «1»

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- عند قول المصنف:

«لأن تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت» قال: «بل لأنه لا علم للوارث بحدوث اشتغال المورّث حين تلف النصاب ببدل الزكاة حتّى يستصحب. و لو فرض علمه بذلك و أن تلفه كان على وجه يضمنها كان شكّه في بقائه كافيا في استصحابه.»

و في حاشية الأستاذ الإمام- طاب ثراه- عند قول المصنف: «أوجههما الثاني» قال: «هذا مع الشك في اشتغال ذمّة الميت ببدل الزكاة حين تلفها، و استصحاب عدم الإتيان إلى حين التلف لا يثبت الضمان. و أما مع العلم باشتغال ذمته به فالأوجه الأوّل، و ما ذكره الماتن غير وجيه.»

و في حاشية بعض الأعاظم هنا: «لا لما ذكر بل لأن استصحاب عدم الأداء لا يترتب عليه الضمان.»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 359.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

346

..........

______________________________

و يوجد نحو هذا المضمون في حواش أخر أيضا، فراجع.

و لكن في مصباح الهدى فيما إذا وقع الشكّ في الأداء من العين و علم بأنه لو لم يؤدّها كان التأخير و التلف بنحو يوجب الضمان قال: «إن الأصل يجري في نفس بقاء الاشتغال لا في عدم الإخراج لإثبات الاشتغال، و ذلك لتمامية أركان الاستصحاب فيه من اليقين بالوجود و الشك في بقائه من جهة الشك في الأداء.

و حيث إن التلف يكون على وجه الضمان على تقدير عدم الأداء فيكون بقاء الاشتغال مشكوكا بعد التلف كما كان مشكوكا قبله، فيصحّ استصحاب بقائه لإثبات وجوب الإخراج على الوارث.

و الحاصل أن الاشتغال مشكوك قبل التلف و حال التلف و بعده، فيصحّ استصحابه، و لا يحتاج إلى العلم به بعد التلف.

و بذلك يسقط ما في حواشى بعض أساتيذنا في المقام من منع إجراء الاستصحاب في هذه الصورة مع التزامه بصحّته فيما لو علم بالاشتغال بعد التلف ...» «1»

أقول: ظاهر كلامه- قدّس سرّه- قابل للمناقشة بأنه مع وجود العين ليس في الذمّة شي ء، و الموجود هو التكليف المحض بأداء زكاة العين، و اشتغال الذمّة إنما يتحقق بالتلف مع الضمان، و المفروض احتمال الأداء من العين فلا علم بالاشتغال، و إثباته باستصحاب التكليف تعويل على الأصل المثبت.

و لكن الظاهر أنه أراد بلفظ الاشتغال في كلامه الاشتغال بالتكليف لا ثبوت الحقّ في الذمّة.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 398.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 347

..........

______________________________

و لعلّه بنى كلامه هذا إمّا على كون الشك في اشتغال الذمّة مسببا عن الشك في بقاء التكليف إلى ما بعد التلف، بتوهم أن إثبات المسبب الشرعي بإجراء الأصل في السبب ليس من قبيل الأصل المثبت، و اشتغال الذمّة

يكون عنده من الأحكام الشرعية الوضعية.

و إمّا على أن التكليف السابق المعلوم هو وجوب أداء الزكاة و لو من مال آخر، و بقاء هذا التكليف المتعلق بالمال بنفسه و لو بالاستصحاب كاف في وجوب الإخراج من التركة، نظير أداء النذور و الكفّارات.

بل يمكن أن يقال: إن هذا ليس بأنزل مرتبة من الواجبات البدنية كالصلاة و الصيام التي أفتى البعض و منهم المصنف بوجوب إخراجها من أصل التركة، قال:

«لأنها دين اللّه، و دين اللّه أحقّ أن يقضى.» «1» و نحن أيضا احتطنا إخراجها من الأصل و لكن من سهام كبار الورثة، فراجع. هذا.

و لكن الوجه الأول يشكل المساعدة عليه، إذ أوّلا في كون اشتغال الذمّة حكما شرعيا خفاء.

و ثانيا: أنه لم يعدّ اشتغال الذمّة في لسان الأدلة من الآثار الشرعية لبقاء التكليف بالأداء، و المعتبر في حكومة الأصل السببي على المسببي كون الترتب شرعيا بحيث يوجب التعبّد بالسبب رفع الشك تعبدا عن المسبب.

نعم لو صحّ ما مرّ من المستمسك من ترتب الضمان شرعا على الإتلاف المحرز بالوجدان بضميمة عدم إعطاء الزكاة المحرز بالاستصحاب وجب الحكم بالضمان في الإتلافات و هي الغالبة في الأموال. بل أمكن إسراء هذا البيان إلى بعض موارد

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 745، المسألة 3 من صلاة الاستيجار.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 348

..........

______________________________

التلف أيضا. هذا.

و يظهر من حاشية بعض الأعاظم في صورة تلف العين، التفصيل بين ما إذا استقرت عادة المالك على إخراج زكاته عند وجوبها فورا، و بين غيره، فحكم في الأول بعدم وجوب الإخراج.

أقول: كفاية مجرّد العادة لا دليل عليها، نعم لو استقرت بحيث كان احتمال الترك مستندا إلى السهو و الغفلة فقط كان جواز الاعتماد عليها وجيها كما مرّ،

و لا سيما إذا كان التأخير معصية، و لكن الأحوط الاقتصار على صورة الوثوق بالأداء.

نعم هنا شي ء و هو أن الشك بالنسبة إلى الزكوات و الأخماس السابقة المتعلقة بأموال المورثين يقع كثيرا و تكون المسألة محلا للابتلاء غالبا.

و البناء فيها على العمل بالاستصحاب و الالتزام بأدائها حتى مع تلف الأعيان المتعلقة لهما خلاف السيرة المستمرّة بين المتشرعة الملتزمين بموازين الشريعة السمحة السهلة.

بل مقتضاه الحكم بحرمة كثير من تصرفات الموتى في أموالهم، و هذا مخالف لمذاق الشرع المبين. بل يجري هذا البيان في بقاء الأعيان أيضا مع الشك في أداء حقوقها الواجبة.

ففي الحديث عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال: «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه.» «1»

و المستفاد منه و من أمثاله الحكم بإتيان المسلم جميع ما وجب عليه و تركه ما حرّم عليه و استقامته على الطريقة الحقّة عملا و عدم تأخيره لوظائفه بنحو يوجب العصيان.

______________________________

(1)- الكافي 2/ 362، كتاب الإيمان و الكفر، باب التهمة و سوء الظن، الحديث 3.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 349

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 349

..........

______________________________

و بالجملة الواجب هو الحكم بعدالة المسلمين و حمل أعمالهم على الصحّة و تصرفاتهم على أساس الشريعة، و هذا يقتضي عدم الاعتناء بالشك في هذه الموارد.

و معلوم أن أصل الصحة مقدّم على الاستصحاب كما قرر في محلّه، فتأمّل.

و إن ناقشت في تسمية ما ذكرنا بأصالة الصحّة فنقول: نحن لا نصرّ على هذه التسمية، بل نقول: إن الواجب هو الحكم بعدالة المسلمين و استقامتهم في تصرّفاتهم و أعمالهم مطلقا، و من هذا القبيل

الحكم بصحة معاملاتهم من العقود و الإيقاعات. هذا.

و المصنّف فصّل بين السنة الأخيرة و بين السنين السابقة، فحكم في الثاني يجريان قواعد الحيلولة و التجاوز و أصالة الصحة. و قد عرفت في المسألة الثانية الإشكال في إجراء القاعدتين الأوليين في المقام و أن موردهما الموقتات و المركبات ذوات الأجزاء.

و في المستمسك «1» أورد على أصالة الصحة بما محصله: أولا: أنها تتمّ لو كان صدر منه فعل يتصف بالصحة و الفساد يتوقف على أداء الزكاة كالبيع و نحوه.

و ثانيا: أن إثباتها لشرط العقد مثلا بلحاظ أثر أجنبي عن موضوع الصحة محل إشكال.

أقول: الظاهر كما عرفت أن بناء الشرع و المتشرّعة على حسن الظنّ بالمسلمين و القضاء عليهم على ظاهر العدالة الشرعية، و هذا أعم و أوسع من الحكم بصحة العقود و الايقاعات و لا نصرّ على صدق عنوان الصحّة.

و كيف كان فالحكم بالوجوب بمقتضى الاستصحاب و لا سيما في صورة تلف الأعيان مشكل و لكن الأحوط الأداء إلّا مع الوثوق بأدائه. و اللّه العالم بالحال.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 361.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 350

[السادسة إذا علم اشتغال ذمّته إما بالخمس أو الزكاة وجب إخراجهما]

اشارة

السادسة إذا علم اشتغال ذمّته إما بالخمس أو الزكاة وجب إخراجهما، إلّا إذا كان هاشميا، فإنه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمّة (1).

______________________________

(1) إذا علم باشتغال ذمّته إما بالخمس أو بالزكاة فإما أن يكون المعلوم بالإجمال من جنس واحد و بمقدار واحد، مثل أن يعلم مثلا أن عليه ألف درهم إما زكاتا أو خمسا.

و إما أن يكون من جنس واحد و لكن بمقدار مختلف على التقديرين، مثل أن يعلم أن عليه إما ألف درهم زكاتا أو ألفي درهم خمسا.

و إما أن يكون من جنسين مثل أن يعلم أن عليه إما

ألف صاع من الحنطة زكاتا أو ألف أو أكثر درهم خمسا.

و لا يخفى أن الأقوى أن الزكاة و الخمس يتعلقان بالعين، و على فرض الإتلاف أو التلف الموجب للضمان أيضا فالظاهر أن العين تنتقل إلى الذمّة و إن كان في مقام الأداء يتخيّر الإنسان مطلقا بين الأداء من العين أو من مال آخر قيمة.

إذا عرفت هذا فنقول: إن مقتضى العلم الإجمالي وجوب تحصيل البراءة اليقينية بأيّ طريق حصلت. و على هذا فعليه في المقام أن يحتاط بإيصال مقدار

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 351

..........

______________________________

الزكاة المحتملة إلى أهلها و إيصال الخمس المحتمل إلى اهله. و لكن لو كان المالك هاشميا جاز له أن يعطي الواجب المعلوم المردّد بينهما أو قيمته- مع الاستجازة من الحاكم على الأقوى- إلى هاشمي مستحقّ بقصد ما عليه واقعا من الخمس أو الزكاة بداعي أمره الخاص المتوجه إليه واقعا.

و القصد الإجمالي كاف في الامتثال و إن لم يعلم عنوان المأمور به و خصوصية الأمر المتوجه إليه، حيث إن الحاكم في باب الإطاعة و العصيان هو العقل، و الملاك صدق الإطاعة و الامتثال، و لا دليل على اعتبار التميز.

و نظير المقام ما إذا اشتغلت ذمّته لشخص معيّن بمقدار معيّن مردّد بين أن يكون لدينه أو للنذر له فيجوز إعطاؤه بقصد ما عليه، و يكفي في حصول البراءة و القربة قصد ما توجّه إليه من الأمر واقعا.

و كذلك يجوز للمالك مطلقا و إن لم يكن هاشميا أن يعطي المقدار المعلوم المردّد إلى الحاكم الشرعي الوليّ للمصرفين، و يعلمه بذلك حتّى يطبقه على المصرفين، أو يوزّعه بينهما بمقتضى قاعدة العدل و الإنصاف المساعد لها العرف بل الشرع أيضا، كما في مسألة الدرهم أو الدينار

أو البعير بين الرجلين، فراجع الوسائل «1» أو يعمل فيه بالقرعة إذ «كل مجهول ففيه القرعة» على ما في الخبر «2» على ما يقتضيه نظر الحاكم في تزاحم الحقوق.

و يمكن القول بالتخيير بين الأمرين لورود كليهما في تزاحم الحقوق و يساعدهما اعتبار العقلاء و عملهم أيضا في مخاصماتهم الحقوقية، و إن كانت أخبار القرعة أكثر بمراتب و في بعضها إشارة إلى تخطئة الحكم بالتنصيف الذي

______________________________

(1)- راجع الوسائل 13/ 169 و ما بعدها، كتاب الصلح، الأبواب 9، 10 و 12.

(2)- الوسائل 18/ 189، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 352

و إن اختلف مقدارهما قلّة و كثرة أخذ بالأقلّ (1)، و الأحوط الأكثر.

______________________________

أفتى به أبو حنيفة كما في خبر الحسين بن المختار. «1» و التحقيق موكول إلى محلّه.

(1) ما مرّ كان على فرض كون المعلوم بالإجمال من جنس واحد بمقدار واحد.

و أمّا مع الاختلاف في أحدهما أو كليهما فهل يجوز له الاكتفاء بالأقلّ منهما عينا أو قيمة بتقريب كونه من قبيل الأكثر و الأقل الاستقلاليين كالدين المردّد بينهما.

فينحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بوجوب الأقل و الشكّ البدوي في وجوب الزائد. أو يتعين هنا الاحتياط و لو بإعطاء الأكثر بقصد ما عليه واقعا لمن ينطبق عليه المصرفان؟

إذ في الدين المردّد بين الأقل و الأكثر مثلا يكون المستحق شخصا واحدا نعلم باستحقاقه للأقل و نشكّ في الزائد، فليس في الحقيقة علم إجمالي مردّد بين أمرين، بل علم تفصيلي بالأقل و شك بدوي في الزائد. و التعبير عنه بالعلم الإجمالي إنما يكون بالنظر البدوي المسامحي.

و أما إذا فرض العلم بأنه مديون إمّا بألف درهم لزيد أو بألفين لعمر و مثلا فلا

إشكال حينئذ في وجوب الاحتياط بإعطاء الأقل لزيد و الأكثر أيضا لعمرو، لدوران الأمر بين متباينين.

و المقام أيضا يكون من هذا القبيل إذ مستحق الأكثر هنا غير مستحق الأقل إذ المفروض كون أحدهما خمسا و الآخر زكاتا. و مع اختلاف المستحق يتباين الثابت في الذمّة قهرا، و لا سيما مع الاختلاف في الجنس و المقدار معا، نظير العلم بوجوب الصلاة قصرا أو تماما، و مقتضى العلم الإجمالي تنجز الواقع في

______________________________

(1)- راجع الكافي 7/ 138، كتاب المواريث، باب ميراث الغرقى و أصحاب الهدم، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 353

..........

______________________________

أيّ الطرفين كان فلا مجال حينئذ إلّا للاحتياط.

و بالجملة فإذا تردّد الأمر بين وجوب الألف درهم زكاتا أو الألفين خمسا، أو ألف صاع من الحنطة زكاتا أو ألف أو ألفين درهم خمسا يكون الأكثر بتمامه طرفا للعلم الإجمالي و على فرض وجوبه واقعا يصير بأجمعه منجزا و مجرّد إمكان تطبيق المصرفين على مصداق واحد في مرحلة الامتثال كما إذا كان المالك هاشميا لا يوجب عدم تنجز الأكثر بعنوانه على فرض كونه المأمور به واقعا.

و نظير المقام أيضا ما لو علم إجمالا بوجوب صوم أول رجب مثلا أو الأيام البيض منه بمقتضى النذر فلا إشكال حينئذ في وجوب الإتيان بكلا الطرفين و إن كان أحدهما أكثر من الآخر.

[ينبغي التنبيه على أمور]

و اعلم أن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها:

الأول: قد يقال: إن في صورة احتياط المالك كلّ واحد من الشخصين الآخذين للمال إن علم بالحال لا يجوز له التصرّف فيه لدوران ما أخذ بين انتقاله إليه و بقائه على ملك المالك فيجب عليه أن يتصالح مع المالك.

و لكن يمكن أن يجاب عن ذلك بأن العلم الإجمالي بالتكليف أوجب على

المالك الإتيان بالطرفين عقلا من باب المقدمة العلمية لحصول الواجب، و مقتضى ذلك تحليله للمال على فرض عدم وجوبه و إلّا لزم منه عدم الإتيان بالواجب بنحو يترتب عليه أثره المترقّب منه.

فوزان المقدمّة العلمية وزان المقدمات الوجودية التي تستلزم صرف الأموال، حيث يحكم العقل بوجوب إتيانها و لا دليل على إلزام الفقير بالتصالح، فتدبّر.

الثاني: قد يقال: إن المستفاد من الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة عدم وجوب الاحتياط المطلق في باب تعارض الأموال و تزاحمها لاستلزامه التضرّر

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 354

..........

______________________________

المنفي في الشريعة السمحة، بل يحكم في باب الأموال مطلقا بقاعدة العدل و الإنصاف أو بالقرعة كما مرّ.

و الأحوط إرجاع هذا إلى الحاكم حتى يعمل بما يقتضيه نظره، إذ من المحتمل كون الأمرين من وظائف الإمام و الحكام في مقام القضاء، فليس لغيره إعمالهما.

و في خبر يونس في باب القرعة: «لا يستخرجه إلّا الإمام لأن له على القرعة كلاما و دعاء لا يعلمه غيره.» «1» فتأمّل.

الثالث: ربما ينقدح في الذهن في باب الأقل و الأكثر الاستقلاليين التفصيل بين ما إذا كان الجهل بمقدار الواجب من أول الأمر أو حصل النسيان بلا مسامحة و تأخير، و بين ما إذا كان عالما بالمقدار ثم عرضه الجهل به لأجل تقصيره و تأخيره و استخفافه به. ففي القسم الأول يجوز الاكتفاء بالأقل و نفي الزائد بالبراءة.

بخلاف القسم الثاني، و لعله على ذلك كان يبتني فتوى المشهور في فوائت الصلاة المرددة بين الأقل و الأكثر حيث حكم الأكثر بوجوب الإتيان حتى يحصل الظن بالفراغ، و أفتى بعضهم بوجوب الاحتياط و الإتيان بالأكثر.

و وجه وجوب الاحتياط في القسم الثاني أن الحكم الواقعي بسبب تعلّق العلم به وصل إلى المكلف

و تنجّز عليه بحدوده و واقعيته بحيث يستحق على مخالفته العقوبة كيف ما كان.

و بعد عروض النسيان مع التقصير و إن زال العلم و لكن احتماله احتمال للتكليف المنجز الموجب تركه للعقوبة على فرض ثبوته واقعا.

و المفروض في المقام أن التكليف صار بواقعيته من الأقل أو الأكثر منجزا موجبا لاستحقاق العقوبة على الترك. و لا نسلّم أن زوال العلم بسبب التقصير

______________________________

(1)- الوسائل 16/ 44، الباب 34 من كتاب العتق، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 355

..........

______________________________

و التأخير يوجب سقوط التنجز الذي حصل بالعلم فلا تجري البراءة. إذ البراءة إنما تجري فيما إذا حصل بجريانها القطع على عدم العقوبة.

نعم في الشك السّاري يرتفع التنجز قهرا لانكشاف عدم العلم و بطلانه من أول الأمر و كونه جهلا مركبا.

و يمكن أن يقاس عليه أيضا عروض النسيان بلا عذر و تأخير بمقتضى حديث رفع النسيان.

و أما مع المسامحة و التأخير المحرم فأيّ وجه لارتفاع التنجز الذي حصل بالعلم؟

و حديث الرفع ينصرف عن مثله. و هذا باب واسع يجري في كثير من أبواب الفقه، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 356

[السابعة: إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيره و لم يتمكن من التعيين]

السابعة إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيره و لم يتمكن من التعيين فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما (1)، إلّا إذا أخرج بالقيمة فإنه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما قيمة، على إشكال، لأن الواجب أوّلا هو العين و مردّد بينهما (2) إذا كانا موجودين، بل في صورة التلف أيضا لأنهما مثليّان (3). و إذا علم أن عليه

______________________________

(1) لتعلق الزكاة بالعين، فالواجب إما الحنطة أو الشعير فيكون مردّدا بين متباينين.

(2) و التخيير بين العين و القيمة إنما يكون في مرحلة الامتثال و الأداء لا في مرحلة التعلق، فمقتضى

العلم الإجمالي تحصيل البراءة اليقينية بالنسبة إلى ما وجب أوّلا بأداء عينه أو قيمته فيجب أداء قيمة الأكثر قيمة، و هذا واضح.

(3) يعني فيكون الترديد بين متباينين في الذمّة كما في صورة وجود العين.

أقول: هذا بناء على كون تلف المثلى بنفسه موجبا لاشتغال الذمّة بمثله.

و أما إذا قلنا بأن التلف بنفسه لا يوجب الانتقال إلى المثل أو القيمة، بل العين تبقى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 357

إما زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة، يكفيه إخراج شاة (1).

و إذا علم أنّ عليه إما زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة وجب الاحتياط (2)، إلا مع التلف فإنه يكفيه قيمة شاة (3). و كذا الكلام في نظائر المذكورات.

______________________________

في الضمان غاية الأمر أنه في مرحلة الامتثال يجوز له الأداء بكل من المثل أو القيمة فالأمر أوضح، إذ المفروض كون الموضوعين بنفسهما متباينين.

(1) يعني بنية ما عليه بداعي أمره الخاص و إن لم يتميز عنده كما مرّ. و مثله ما إذا علم بأن عليه إمّا زكاة عشر من الإبل أو زكاة مأئة و واحد و عشرين من الشاة مثلا.

(2) لتردّد الواجب بين متباينين و يكفي في الاحتياط إعطاء أكثرهما قيمة بقصد ما عليه مردّدا بين عين الأكثر و قيمة الأقل.

(3) بتقريب أنه بالتلف ينتقل الحق إلى القيمة في الذمّة و المتيقن منها هو الأقل.

و لكن يرد عليه ما مرّ من أن العين بنفسها تبقى في الضمان و لو بعد التلف و إنما يجوز أداء القيمة في مرحلة الامتثال، فالواجب تحصيل البراءة اليقينية بالنسبة إلى ما وجب أوّلا، و لا يحصل هذا إلّا بأداء قيمة الأكثر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 358

[الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها]

الثامنة إذا كان عليه الزكاة فمات

قبل أدائها، هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟ إشكال (1).

______________________________

(1) من أن المانع انتسابهم القريب إليه و صدق العناوين المذكورة في الأخبار من الولد و الوالد و المرأة و المملوك.

أو أنهم عياله لازمون له و يجبر على النفقة عليهم فيكونون بذلك أغنياء حكما؟

الظاهر من أخبار المسألة هو الثاني بمقتضى التعليلين المذكورين فيها، بل بمناسبة الحكم و الموضوع أيضا، إذ الانتساب إلى الميت بما أنه انتساب إليه لا يناسب المنع بل يناسب رجحان الإعطاء له، فالمانع ليس إلّا كون نفقتهم عليه و أن الإعطاء لهم مساوق للإخراج من كيس و الإلقاء في كيس آخر. و على هذا فاستصحاب المنع السابق لا مجال له، لتبدّل الموضوع.

و نظير المقام بوجه ما إذا طلّق زوجته و بانت منه، حيث إن الظاهر عدم الإشكال في جواز الإعطاء لها مع استجماعها لسائر الشرائط.

قال في المستمسك: «و إطلاق جواز الدفع لغير واجب النفقة محكّم على

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 359

..........

______________________________

الاستصحاب. مضافا إلى أن تعليل المنع من إعطاء واجب النفقة بأنهم لازمون له يقتضي انتفاء المنع بانتفاء اللزوم.» «1»

أقول: ظاهره أن الاستصحاب يجري و لكن العامّ يقدم عليه مع أن أصل جريانه قابل للمنع كما مرّ.

و كيف كان فالأقوى الجواز، و ربما يشهد له أيضا صحيحة علي بن يقطين، قال:

قلت لأبي الحسن الأوّل «ع»: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة، و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم.» «2»

و لعلّ الأمر بدفع البعض إلى غيرهم كان لانصراف الوصية عن دفع الجميع إلى أنفسهم، أو لتوقع

سائر الفقراء من الميت بحسب موقعيته الاجتماعية.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 363.

(2)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 360

[التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة و شرط على المشتري زكاته]

اشارة

التاسعة إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة و شرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز (1) إلا إذا قصد كون الزكاة عليه، لا أن يكون نائبا عنه، فإنه مشكل.

[الأمر بفعل ظاهر في إتيانه مباشرة لا بالتسبيب]

______________________________

(1) لا يخفى أن الأمر بفعل ظاهر في إتيانه مباشرة لا بالتسبيب و النيابة، إذ المتعلق و إن كان مجرّد الطبيعة بإطلاقها، و لكن توجيه الخطاب و الحكم إلى الشخص ظاهر في أن المطلوب صدور الفعل عن نفسه. و لو فرض أن المطلوب إعطاء المال كما في المقام فالظاهر منه كون الإعطاء من مال نفسه و لا سيما إذا كان الأمر عباديّا و كان الواجب متعلقا بالعين كما في بابي الخمس و الزكاة، و لا سيّما مع ما ورد في الزكاة من التعليل بقوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا»، إذ الظاهر أن تطهير الشخص و تزكيته إنما يحصلان بإعطائها من مال نفسه.

و على هذا فكفاية الإعطاء من مال آخر أو إعطاء الغير لها من مال المالك أو مال نفسه تحتاج إلى دليل. و إلّا فاستصحاب بقاء الحق في المال و عدم حصول الامتثال محكّم. هذا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 361

..........

______________________________

و لكن لا إشكال في كفاية إعطاء المالك من مال آخر قيمة كما مرّ في محلّه. «1»

و كذا لا إشكال في جواز الإعطاء عن الميّت زكاة ماله سواء أوصى بذلك أم لا، و يشهد بذلك- مضافا إلى ما دلّ على استحباب التصدّق عن الوالدين الشامل بإطلاقه للزكاة عنهما، «2» فتأمّل- صحيحة شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

إن على أخي زكاة كثيرة أ فأقضيها أو أؤدّيها عنه؟ فقال لي: و كيف بذلك؟

قلت: أحتاط. قال: «نعم إذا تفرّج عنه.» «3»

و ظاهره كون الأخ ميتا، و إطلاقه يشمل الإعطاء

من مال نفسه و مال الميت.

و إما الإعطاء عن الحيّ فيجوز إعطاؤها نيابة عنه باستنابته.

[الروايات الدالّة على قبول الزكاة للنيابة]

و قد مرّ في المسألة الأولى من الفصل السابق الروايات الدالّة على قبول الزكاة للنيابة، و إن كان مورد أكثرها صورة التوكيل في التوزيع و الإيصال فقط، و لكن كان مفاد البعض جواز استقلال النائب في الأداء، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده. قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض.» «4»

بناء على أن زكاة القرض على المستقرض و أن الدين لا زكاة فيه كما دلّت على ذلك الأخبار فيكون إعطاء المقرض بنيابة المستقرض.

و يمكن أن يستفاد من الصحيحة جواز إعطاء كل أحد من مال نفسه زكاة غيره،

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 212؛ و 2/ 17؛ و راجع الوسائل 6/ 114، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

(2)- راجع الوسائل 5/ 365، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.

(3)- الوسائل 6/ 177، الباب 22 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 362

..........

______________________________

إذ لا خصوصية للمقرض في ذلك بعد صيرورته أجنبيا عن القرض.

بل يمكن أن يستفاد منها جواز الإعطاء بدون إذن من عليه الزكاة أيضا، كما هو ظاهر المنتهى «1» و صريح المدارك «2»، و إن ناقشنا نحن في ذلك، لعدم كون الصحيحة في مقام البيان بالنسبة إلى المقرض حتّى يتمسك بإطلاقها، إذ هي في مقام بيان وظيفة المستقرض كما هو ظاهر السؤال.

و على هذا فالمتيقن من الصحيحة صورة

الأداء بحساب المستقرض قرضا عليه مع الإذن منه فتدبر.

2- و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول:

«باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار، و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين، و إنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي.» «3»

3- و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال فاشترط في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين.» «4»

و دلالتهما على إحالة زكاة الثمن إلى المشتري و استقلاله في أداء الزكاة عن البائع واضحة، و كأن الزكاة جزء من الثمن.

و لكن في النفس من هاتين الصحيحتين شي ء: فهل كان الإمام «ع» يريد إبقاء الثمن عشر أو ست سنين؟ و كيف اعتمد هو على عمل هشام أو سليمان؟! و هل كانا يصرفان الزكاة في محلّها المقرّر شرعا؟ و ما أريد من التعليل بكون هشام

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 477.

(2)- المدارك/ 291.

(3)- الوسائل 6/ 118، الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 118، الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 363

..........

______________________________

هو الوالي؟!

و لعلّ الإمام «ع» كان تحت الضغط من ناحية أمراء الخليفة بالنسبة إلى ما كان يملكه فباعه للخليفة فرارا من ذلك. و لعلّه «ع» كان يتوقع الخطر من ناحيتهم بالنسبة إلى الثمن أيضا باسم الزكاة فشرط هذا الشرط تخلّصا من ذلك فيرجع التعليل إلى أن الإمام صنع ذلك تخلّصا من شرّ الخليفة و أمرائه، فكان شرط الزكاة شرطا صوريا.

4- و في فقه الرضا: «فإن بعت شيئا و قبضت ثمنه

و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه دونك.» «1»

و قد ورد في هذا المجال أخبار في زكاة مال التجارة و زكاة الفطرة أيضا، و قد تعرضنا لها سابقا، فراجع الوسائل. «2» و الظاهر وحدة الملاك، فيجوز إسراء حكمهما إلى مطلق الزكاة.

و لكن الظاهر في الجميع وجوب كون الإعطاء بنيابة المالك بحيث يستند إليه و يعدّ العمل عمله، حيث إن الخطاب متوجه إليه و أمره أمر عبادي. فجواز التبرع عنه بلا إذن منه مشكل و إن كان يصحّ ذلك في سائر الديون، فتأمّل إذ يمكن أن يقال إن في الزكاة جهتين: جهة العبادية و جهة المالية، و الثانية لعلها أقوى فيجوز تبرّع الغير بها و لو بلا إذن فتسقط قهرا بانتفاء موضوعها إذ لا يزكى مال واحد مرتين.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: لبيع النصاب أربع صور: إذ تارة يكون مع بقاء الزكاة في العين و هو الظاهر من عبارة المصنّف، و أخرى يكون مع انتقالها إلى ذمّة البائع.

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 23 (طبعة أخرى/ 198).

(2)- راجع الوسائل 6/ 50، الباب 15 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...؛ و ص 228، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5؛ و ص 255، الباب 19 منها، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 364

..........

______________________________

و على الأول قد يكون الشرط إعطاء المشتري زكاة العين نيابة عن البائع.

و قد يكون الشرط إعطاءها من قبل نفسه بأن يصير التكليف بالزكاة ساقطا عن البائع و منتقلا إلى المشتري بالكلّية.

كما أنه على الثاني أيضا قد يكون الشرط إعطاء المشتري لما في ذمّة البائع نيابة عنه، و قد يكون الشرط انتقال ما في ذمّة البائع إلى ذمّة

المشتري و انتقال التكليف منه إليه بنحو شرط النتيجة. فهذه أربع صور.

و لا يخفى أن انتقال الزكاة إلى ذمّة البائع مع وجود العين إنما يتصور بمصالحته مع الحاكم الشرعي على ذلك. أو القول بجواز ذلك اختيارا كما هو أحد الاحتمالين في موثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه «ع» بعد ذكر العزل، قال: قلت:

فإن أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟ قال: «نعم لا يضرّك.» «1»

و قد يتوهم جواز ذلك بالمصالحة مع الفقير أيضا، و لكن الظاهر عدم صحة ذلك لعدم كون فقير خاصّ وليا على الزكوات. نعم يجوز إعطاؤها لفقير خاص و تمليكها له ثم استقراضها منه فيجب حينئذ ردّها إلى نفسه كما هو واضح.

[حكم الصور الأربع]
اشارة

إذا عرفت ذلك فلنتعرض لحكم الصور الأربع:

[الصورة الأولى: بيع جميع النصاب بشرط أداء المشتري زكاته نيابة عن البائع]

الصورة الأولى: بيع جميع النصاب بشرط أداء المشتري زكاته نيابة عن البائع مع كون الزكاة في العين. و المصنف لم يستبعد جواز ذلك، و ظاهره الجواز وضعا أعني صحّة البيع و الشرط معا.

و الظاهر عدم الإشكال في صحّة الزكاة، لما عرفت من الروايات الدالّة على جواز إحالة الزكاة إلى الغير و الاستنابة فيها. مضافا إلى ما قد يقال من عموم أدلّة الوكالة و إطلاقها و إن ناقشنا في ذلك سابقا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 365

..........

______________________________

و من هذا القبيل كان شرط الإمام «ع» الزكاة على هشام و سليمان و إن كان الشرط هنا زكاة الثمن المأخوذ. نعم يقع الإشكال في صحّة البيع، إذ مقتضى كون الزكاة في العين كون البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليا متوقفا على إجازة وليّ الزكوات أعني الحاكم.

فإن قلت: هذا إذا لم يشترط على المشتري زكاتها و إلّا أمكن القول بصحة البيع و عدم احتياجه إلى الإجازة إمّا لأن المالك يجوز له أداء الزكاة من مال آخر، و شرطها على المشتري يكون من هذا القبيل. و إمّا لأن له نقلها إلى ذمّة نفسه على ما مرّ من خبر يونس، و لعلّ بيع تمام النصاب مع الشرط يرجع إلى نقلها إلى ذمّته باختياره ثم توكيل المشتري في أدائها عنه. و إما لأن بيع النصاب مع الشرط المذكور يرجع إلى عدم كون مقدار الزكاة جزء من المبيع و كون الثمن بتمامه بإزاء البقية، فإن أدّاها من العين فهو، و إن أدّاها من مال آخر انتقل إليه بذلك ذلك الجزء قهرا، و لعله إلى هذا كان

ينظر الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في حاشيته في المقام، حيث قال: «بل يجوز بلا إشكال، إذ الزكاة على العين التي تصير إلى المشتري لا على البائع، و فائدته عدم رجوعه عليه بما قابلها إن أخذت منه، و ثبوت الخيار له إن تخلف.»

قلت: جميع هذه الوجوه الثلاثة قابلة للمناقشة: أمّا الأول فلأن المفروض أن الزكاة ثابتة في العين، فهي تبقى فيها ما لم تعط خارجا من مال آخر، و ليس مجرد شرطها على المشتري إعطاء لها، و لذا لا تفرغ عهدة البائع و لا يسقط التكليف منه لو تخلف المشتري.

و أما الثاني: فلأن مجرّد بيع النصاب لا يلازم نقل زكاتها إلى الذمّة لأنه أمر قصدي يتوقف على نية مستقلة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 366

..........

______________________________

و أما الثالث: فلأن العقود تابعة للقصود، و المفروض في عبارة المصنف وقوع البيع على تمام النصاب، و ظاهره كون شرط الزكاة بمنزلة الجزء من الثمن، فإشكال الفضولي بحاله، فإن أجازه الحاكم كان عليه القيمة بمقدارها و إلّا وجب عليه الزكاة من العين و تؤخذ منها قهرا عليه.

و على هذا فلا يبقى فرق بين أن يشرط الزكاة على المشتري أم لا في كون المعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولية.

نعم لو كان البيع صحيحا كان الفرق بينهما أنه على فرض شرطها على المشتري لو أعطاها لم يجز له الرجوع بها إلى البائع و أما مع عدم الشرط فإن أخذت منه مع الجهل بها رجع بها و مع الأخذ من العين كان له خيار تبعض الصفقة أيضا. هذا.

و يمكن أن يقال: إن المعاملة و إن كانت بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولية و لكن لا نحتاج في صحّتها إلى إجازة الحاكم، بل

يكفي فيها أداء الزكاة من قبل البائع أو المشتري فتصير المعاملة من قبيل من باع ثم ملك. بناء على عدم احتياجه إلى إجازة لا حقة.

و ربما يشعر بذلك صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري، قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع.» «1»

إذ لو كانت المعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة موقوفة على الإجازة لنبّه عليه الإمام «ع».

إلّا أن يقال: إنه بقرينة السؤال يظهر أن الصحيحة ليست في مقام بيان حكم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 86، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 367

..........

______________________________

المعاملة صحة و فسادا، بل في مقام بيان حكم الزكاة فقط. و حينئذ فإن أدّاها المشتري من مال آخر تلقّى مقدارها من العين بنفسه لا من البائع. و إن أدّاها البائع فمقدارها من العين ينتقل إلى البائع، و يمكن أن يتوقف انتقاله منه إلى المشتري إلى إجازة لاحقة. و المسألة محل الخلاف بين الأعلام.

قال المحقق في زكاة المعتبر: «لو باع النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه صحّ فيما عدا الزكاة. فإن اغترم حصّة الفقراء قال الشيخ «ره»: صحّ الرهن في الجميع و كذا البيع. و فيه إشكال لأن العين غير مملوكة له. و إذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا و افتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة كمن باع مال غيره ثم اشتراه.» «1»

أقول: حيث إن الفضولي حين الإنشاء يفرض نفسه مالكا و بذلك صحّحنا بيع الفضولي الذي باع لنفسه فيمكن أن يقال: إنه في المقام كان جميع ما يعتبر في اللزوم محققة

عدا كونه مالكا حقيقة، و مقتضى ذلك تحقق اللزوم بمجرد تحقق الملكية. و راجع ما مرّ منا في المسألة. «2»

ثم إن الواجب في هذه الصورة إعطاء المشتري الزكاة بنيابة البائع، فإنه الذي توجّه إليه الخطاب أوّلا و استناب المشتري لذلك.

و لكن لو لم ينو عنه و لكن نوى زكاة هذا المال الخاص و حصلت منه القربة فالظاهر سقوط الأمر عن البائع قهرا لارتفاع موضوعه بأدائه، و لا يزكى مال واحد مرّتين، فتأمّل.

و إن أعطاها من مال آخر ملك مقدار الزكاة من العين مباشرة لا من البائع كما مرّ.

______________________________

(1)- المعتبر/ 276.

(2)- كتاب الزكاة 2/ 118

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 368

..........

______________________________

و في حاشية آية اللّه العراقي- طاب ثراه-: «بناء على تعلق الزكاة بالعين لا يعني من المخاطب بالزكاة إلّا من بيده تعيين الزكاة في مال خاصّ و هو حينئذ ليس إلّا المشتري.»

و لعلّ قريبا من ذلك أيضا يظهر مما مرّ من حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه-.

أقول: التكليف أوّلا تعلّق بالبائع فصارت الزكاة في ضمانه و عهدته و إن لم تنتقل إلى ذمته، و لذا لو لم يؤدّها المشتري وجب على البائع أداؤها، و كان للحاكم أيضا الرجوع إليه على حسب ما تقرر في تعاقب الأيادي الغاصبة، فتدبّر.

[الصورة الثانية: أن تكون الزكاة في العين و أريد بالشرط انتقال التكليف بالكلية إلى المشتري]

الصورة الثانية: من الصور الأربع: أن تكون الزكاة في العين و أريد بالشرط انتقال التكليف بالكلية إلى المشتري و سقوطه عن البائع.

و الظاهر أن هذا الشرط فاسد، إذ الخطاب توجّه أوّلا إلى البائع، و الشرط لا يصلح لنقل التكليف بالكلية.

و إن شئت قلت: إن الشرط بهذا النحو مخالف للكتاب و السنة.

نعم لما كانت العين تصير خارجا في يد المشتري فلا محالة يصير هو أيضا مكلفا بأداء

ما فيها من الحقّ و لكن لا بنحو يسقط التكليف عن البائع.

و على هذا فيجب على البائع أيضا أداؤها بنفسه أو بالاستنابة، و ما لم يؤد المشتري كان التكليف باقيا بحاله و كان البائع ضامنا لها كما مرّ.

و الضمان أعمّ من اشتغال الذمّة لصدق الأوّل مع بقاء العين أيضا.

و ما في كلام المصنف من الاستثناء إن أريد به صيرورة المشتري بالشرط مكلفا بالأداء فالظاهر أنه بأخذ العين يصير مكلفا و إن لم يكن شرط.

و إن أريد به سقوط التكليف بذلك عن البائع بالكلية فهذا مشكل بل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 369

..........

______________________________

غير صحيح كما مرّ.

[الصورة الثالثة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع و قد استناب المشتري لأدائها عنه]

الصورة الثالثة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع و قد استناب المشتري لأدائها عنه، و لا إشكال حينئذ في صحة البيع و الزكاة معا، إذ النصاب خالص له، و الاستنابة في الزكاة أيضا جائزة بمقتضى ما مرّ من الأخبار و يكون الشرط في الحقيقة كالجزء من الثمن، و لكن لو تخلف المشتري و لم يؤدها لم تبرأ ذمّة البائع.

[الصورة الرابعة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع، فأراد بالشرط انتقال ما في ذمّته إلى ذمّة المشترى]

الصورة الرابعة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع، فأراد بالشرط انتقال ما في ذمّته إلى ذمّة المشترى و انتقال التكليف إليه بنحو شرط النتيجة، فهنا أمران:

الأول: هل يصحّ شرط النتيجة مطلقا إلّا فيما إذا ثبت بالدليل توقف المشروط على أسباب خاصّة كالزوجية المتوقفة على أسباب معينة مثلا، أو لا يصحّ مطلقا إلّا إذا فرض وجود دليل خاصّ على صحّته؟

من إطلاق أدلة الشروط و وجوب الوفاء بها. و معنى الوفاء بها هنا ترتيب آثار المسببات، نظير ما قيل في نذر النتيجة، فلو نذر كون مال خاص صدقة أو غنم خاص أضحية مثلا شملهما أدلّة الوفاء بالنذور. و مقتضاه ترتيب آثار الصدقة و الأضحية عليهما.

و من أن الظاهر من مذاق الشرع المبين أن كل واحد من المسببات الشرعية له سبب خاصّ شرعا، و الأصل عدم تحققها بمجرد هذا النحو من الشرط، و إطلاق أدلّة الشروط ظاهرة في شرط الفعل.

أقول: أظهر القولين هو القول الأوّل، و التحقيق موكول إلى محلّه. و راجع ما مرّ منا في أوائل الزكاة. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 114.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 370

..........

______________________________

الأمر الثاني: هل يصحّ في المقام شرط انتقال ذمّة البائع إلى ذمّة المشتري بدون إذن وليّ الفقراء، و لازمه انتقال التكليف أيضا إليه، أم لا يصحّ إلّا مع الإذن؟

أقول: نقل الذمّة

إلى الذمّة أمر معهود شرعا كما في الضمان و الحوالة عند فقهائنا، و لكنه يتوقف على إذن من له الحقّ و قبوله، لأنه تصرّف في سلطته، فكما لا يصحّ ضمان الدين أو الحوالة به إلّا بإذن الدائن و قبوله، فكذا في المقام.

و إذا فرض إذن الحاكم في ذلك فلا محالة ينوي البائع الزكاة و القربة حين الشرط، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 371

[العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز]

العاشرة إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز و أجزأ عنه (1).

______________________________

(1) قد مرّ أن الظاهر من أوامر الزكاة إيتاء المخاطب إيّاها مباشرة من مال نفسه، و أن الغرض المستفاد من قوله تعالى: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» إنما يحصل بذلك.

و لكن ربّما يستظهر من صحيحة منصور بن حازم الماضية «1» جواز أداء المقرض زكاة القرض من مال نفسه مع أنها على المقترض بمقتضى الأخبار المستفيضة.

و لا خصوصية للمقرض في ذلك بعد صيرورة القرض ملكا للمقترض و صيرورة المقرض أجنبيا عنه.

و يشهد لذلك أيضا إجمالا ما مرّ من صحيحة شعيب «2» الدالّة على جواز أداء الزكاة عن الأخ الميت الشاملة بإطلاقها للأداء من مال المؤدّي نفسه كما مرّ، إذ لو لم يجز التبرّع بها لم يجز عن الميت أيضا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 177، الباب 22 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 372

و لا يجوز للمتبرّع الرجوع عليه. (1) و أمّا إن طلب و لم يذكر التبرّع فأدّاها عنه من ماله، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه. (2)

لقاعدة احترام المال، إلّا إذا علم كونه متبرعا.

______________________________

هذا ما قيل في المقام و كنا نقول

به أيضا، و لكن لا يخفى أنّ صحيحة منصور ليست في مقام بيان حكم المقرض حتى يتمسك بإطلاقها بالنسبة إليه، و القدر المتيقن منها صورة كون الإعطاء بحساب المقترض و قرضا عليه كأصل المال مع إذنه.

و أيّ مقرض يؤدّي زكاة القرض من مال نفسه مجانا؟! و لم نجد الفتوى بذلك في كلمات القدماء من أصحابنا أيضا كما لم نجدها في النهاية و الشرائع.

و صحيحة شعيب مورده إعطاء زكاة الميت، و لعلّ للميت خصوصية حيث انقطع من مال الدنيا فيستحقّ الترحّم كما يظهر من جواب الإمام «ع» بقوله:

«إذا تفرج عنه.» هذا.

و أما ما في المستمسك من الاستدلال للمقام بأدلّة التوكيل و نيابة الحاكم عن الممتنع. «1» ففيه أنّ الكلام هنا في التبرّع لا في النيابة، و الملاك فيهما متفاوت، إذ النائب يؤدّيها من مال المنوب عنه بإذنه نيابة عنه، فيعدّ العمل بوجه ما عمله و يصدق أنه أخرج الزكاة من ماله بالتسبيب فيحصل له بذلك طهارة إجمالا. و هذا بخلاف الأداء من مال المؤدّي نفسه فالعمدة دلالة الصحيحتين لو سلّمت.

(1) إذ المؤدّى حينئذ إمّا أن يقصد التبرّع في مقام الأداء، أولا يقصد ذلك عمدا أو نسيانا. أمّا في الأوّل فهو بنفسه أذهب احترام ماله. و أمّا في الثاني فلأنّه و إن لم يقصد التبرّع وقت الأداء و لكنه بهذا الوجه غير مأذون فيه إذ الإذن مقيّد بالتبرّع و المجانية، فلا يعدّ صرف المال كذلك مستندا إلى أمر المالك حتّى يضمنه.

(2) إذ مال الغير و عمله محترمان عند العقلاء، و يعدّون الأمر بأداء مال

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 364.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 373

..........

______________________________

خاصّ أو الإتيان بعمل خاصّ ذا قيمة، التزاما منه بدفع العوض.

و لو اعتذر بعد

الأمر بأنّي قصدت المجانية لم يسمع دعواه عندهم.

و قد استقرّت سيرتهم على التضمين في أمثال المقام كما إذا قال: اعتق عبدك عنّي أو أدّ ديني الخاصّ أو اختط ثوبي أو احمل متاعي فالأمر عندهم سبب للضمان بالمسمّى إن سمّي ثمن خاصّ و إلّا فبالمثل أو القيمة، بل يشمل المقام قاعدة الغرور أيضا.

و يمكن أن يستدلّ ببعض الأخبار أيضا:

1- ففي موثقة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر. و أكل لحمه معصية. و حرمة ماله كحرمة دمه.» «1»

2- و في مسند أحمد بإسناده عنه «ص»: «سباب المسلم أخاه فسوق. و قتاله كفر. و حرمة ماله كحرمة دمه.» «2» فمال المسلم محترم إلّا أن يهدر هو بنفسه حرمته.

3- و في المسند أيضا بإسناده عنه «ص» في خطبة له: «و لا يحلّ لا مرئ من مال أخيه إلّا ما طابت به نفسه.» «3»

4- و في عوالي اللئالي عنه «ص»: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه.» «4»

5- و فيه أيضا عن العالم «ع» في حديث: «لا يتوى حقّ امرئ مسلم.» «5» إلى غير ذلك من الأخبار. هذا.

______________________________

(1)- الكافى 2/ 360، كتاب الإيمان و الكفر، باب السباب، الحديث 2.

(2)- مسند احمد 1/ 446.

(3)- مسند احمد 3/ 423.

(4)- عوالى اللئالي 2/ 113.

(5)- عوالى اللئالى 1/ 315.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 374

..........

______________________________

و في المستمسك استدلّ للضمان و جواز الرجوع بقوله: «إمّا لأنّ ظاهر الأمر بالعمل- إذا كان ممّا له قيمة معتدّ بها- أن ذلك على وجه الضمان، فيكون الأمر بمنزلة الإيجاب، و الفعل بمنزلة القبول ... و إمّا لاقتضاء الأمر بالفعل كون الفعل لأجله مستوفى للآمر فيضمنه لعموم على

اليد، بناء على شموله للأعيان و المنافع.» «1»

أقول: العمدة في المقام سيرة العقلاء و قاعدة الغرور بضميمة ما مرّ من الأخبار.

و أمّا كون مجرّد الاستدعاء من طرف و العمل من طرف آخر عقدا بينهما فيشمله أدلة العقود، أو شمول قاعدة اليد للمقام، فقابلان للمناقشة و لا سيّما الثاني.

إذ كيف يعدّ عمل العامل أو المال الذي أعطاه باستدعاء الغير تحت يد المستدعي و تحت استيلائه؟

و كيف كان فالظاهر أن مجرّد الاستدعاء مع عدم قصد التبرّع من العامل أو المعطي واقعا كاف في الحكم بالضمان و جواز الرجوع، و لا دخل لعلم المستدعي بذلك.

فقول المصنف أخيرا: «إلّا إذا علم كونه متبرّعا.» مخدوش فتدبّر. هذا.

و لكن في كتاب الجعالة من الشرائع بعد التمثيل بجعل الجعل على ردّ العبد أو الضالّة قال: «أمّا لو استدعى الردّ و لم يبذل أجرة، لم يكن للرادّ شي ء لأنه متبرّع بالعمل.» «2»

و ذيّله في الجواهر بقوله: «كما في القواعد و الإرشاد و التحرير، بل قيل:

هو قضية كلام اللمعة. للأصل الذي لا يقطعه طلبه الأعمّ من كونه بأجرة.» «3»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 364.

(2)- الشرائع 3/ 163 (طبعة أخرى/ 707).

(3)- الجواهر 35/ 207.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 375

..........

______________________________

أقول: مقتضى ما ذكروه أنّ مجرّد الاستدعاء لا يكفي في الحكم بالضمان ما لم يذكر الأجرة صريحا. و هذا ينافي ما مرّ منّا فيجب أن يحمل كلامهم على صورة ظهور المجانية و انصرافه إليها لاستقرار العادة عليها أو لحقارة العمل.

و صاحب الجواهر أيضا اعترض عليهم فقال بعد العبارة السابقة: «و فيه أنّه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم كماله التي اعترفوا بها فيمن أمر غيره بعمل له أجرة ما لم يصرّح بالتبرع أو يقصده العامل. بل و قالوا فيمن

أمر غيره بالبيع و الشراء و أداء ثمنه: إنّه يلزمه العوض. و فيمن ضمن بسؤاله و أدّى إنّه يرجع، بل عن سبعة كتب حكاية الإجماع على ذلك صريحا و ظاهرا، بل قيل: ورد به خبران و ما اختلف فيه اثنان، و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الضمان.» «1»

______________________________

(1)- الجواهر 35/ 207 و راجع 26/ 133 و 134.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 376

[الحادية عشرة: إذا وكّل غيره في أداء زكاته هل تبرأ ذمّته بمجرد ذلك]

الحادية عشرة إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرد ذلك أو يجب العلم بأنه أدّاها، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟

لا يبعد جواز الاكتفاء- إذا كان الوكيل عدلا- بمجرد الدفع إليه. (1)

______________________________

(1) أقول: البحث تارة في مقام الثبوت و أخرى في مرحلة الإثبات.

أمّا في مقام الثبوت فالقاعدة تقتضي بقاء التكليف إلى أن تصل الزكاة إلى أهلها أو من بحكمه من وليّه أو وكيله، نظير ما إذا كان الإنسان مديونا للغير حيث إنّ الملاك الوصول إليه واقعا، فلو حصل العلم مثلا بوصول الدين إلى الدائن ثم انكشف الخلاف كان الدين باقيا بحاله.

نعم قد تقرّر في باب الزكاة أنّه لو لم يجد لها أهلا فعزلها و بعث بها لتقسم فضاعت من دون تفريط منه لم يضمن.

كما هو المستفاد من صحيحتي زرارة و محمد بن مسلم و غيرهما فراجع الوسائل. «1» فهذا استثناء من تلك القاعدة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 377

..........

______________________________

و أمّا في مرحله الإثبات- و إليها نظر المصنف ظاهرا- فهل يتوقّف الفراغ إثباتا على العلم بوصولها إلى أهلها، أو يكفي الوثوق أيضا، أو يكتفى فيه بمجرد التوكيل في الأداء أو الإيصال، أو بشرط إخبار الوكيل بأحدهما،

أو بشرط كونه عادلا أو ثقة، أو يفصل بين التوكيل في الأداء و التوكيل في الإيصال؟

في المسألة وجوه:

وجه الأوّل: أن الشغل اليقيني يقتضي تحصيل البراءة اليقينية.

و إن شئت قلت: إنّ الاشتغال يستصحب إلى أن يحصل العلم بارتفاعه.

و وجه الثاني: انّ الوثوق بنفسه علم عاديّ يعتمد عليه العقلاء في جميع شئونهم.

و وجه الثالث: ما ورد من النهي عن اتهام من ائتمنه الإنسان، و الوكيل مؤتمن لا محالة فيجب أن يعتمد عليه:

ففي خبر مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» أنّ رسول اللّه «ص» قال: «ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته.» «1»

و في خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ليس لك أن تأتمن من خانك، و لا تتّهم من ائتمنت.» «2» بل يظهر من كلماتهم في باب الوديعة و العارية التسالم على عدم اتهام المؤتمن و عدم تضمينه فراجع.

و وجه الرابع: أن يقال: إنّ المقصود من عدم اتّهامه عدم اتّهامه في أفعاله و أقواله فما لم يصدر عنه فعل أو قول يدلّ على أدائه للزكاة لا معنى للاعتماد عليه في قبال الشغل اليقيني بها.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 229، الباب 4 من كتاب الوديعة، الحديث 10.

(2)- الوسائل 13/ 229، الباب 4 من كتاب الوديعة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 378

..........

______________________________

و يوجّه الخامس: بأنّه لا يجوز توكيل من ليس ثقة أو عدلا في مثل الزكاة و نحوها و لا يأتمنه العقلاء أيضا في شئونهم، و المقصود في الأخبار المذكورة و كلمات الأصحاب أيضا ايتمان الشخص الأمين الموثوق به لا مطلقا، و لذا نهى فيها عن ايتمان الخائن، فالملاك كونه موثوقا به و بقاؤه

أيضا على ذلك.

فإن كان كذلك اعتمد عليه العقلاء و يكون محكوما عندهم بالاستقامة و حسن العمل و عدم كونه تاركا لوظائفه أخبر بذلك أم لم يخبر. و احتمال السهو و الغفلة أيضا مدفوع عندهم إلّا أن يغلب عليه ذلك.

و يوجّه السادس: بأنّ في الوكيل في الإيصال قد حصل من المالك العزل بالنيّة، و قد مرّ كفاية العزل في تمحّض المعزول زكاة، و حيث جاز التوكيل في التوزيع و الإيصال بمقتضى الأخبار الواردة فبالإعطاء له قد تمّ ما كان من قبل المالك.

و هذا بخلاف الوكيل في الأداء مستقلا إذ لم يحرز منه عزل و لا أداء فكيف يكتفى بمجرد توكيله ما لم يحصل وثوق بأدائه.

و الأقوى هو الوجه الخامس لاستصحاب بقاء الشغل ما لم يحصل العلم أو الوثوق بالأداء أو أنّه يؤدّي عاجلا.

و في صحيحة على بن يقطين قال: سألت أبا الحسن «ع» عمّن يلي صدقة العشر على من لا بأس به. فقال: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 193، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 379

..........

______________________________

و في خبر صالح بن رزين قال: دفع إليّ شهاب بن عبد ربّه دراهم من الزكاة أقسّمها فأتيته يوما فسألني هل قسّمتها؟

فقلت: لا فأسمعني كلاما فيه بعض الغلظة فطرحت ما كان بقي معي من الدراهم و قمت مغضبا. فقال لي: ارجع حتى أحدثك بشي ء سمعته من جعفر بن محمد «ع» فرجعت فقال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها؟ قال: «نعم لا بأس بذلك، أما إنّه أحد المعطين.»

قال صالح: فأخذت الدراهم حيث سمعت الحديث فقسّمتها. «1» هذا. و لو انكشف الخلاف و أن الوكيل لم يؤدّها فالشغل باق إلّا فيما مرّ من عدم تاخيره و تفريطه.

______________________________

(1)- الكافي 4/ 17، كتاب الزكاة، باب أنّ الذي يقسّم الصدقة شريك صاحبها في الأجر، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 380

[الثانية عشرة إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة، فأعطى شيئا للفقير]

الثانية عشرة إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة، فأعطى شيئا للفقير و نوى أنه إن كان عليه الزكاة كان زكاة، و إلّا فإن كان عليه مظالم كان منها، و إلّا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له، و إلّا فمظالم له، و إن لم يكن على أبيه شي ء فلجدّه إن كان عليه- و هكذا- فالظاهر الصحّة. (1)

______________________________

(1) قد مرّ سابقا: أنّ الزكاة و الخمس و الكفارات و نحوها و إن كانت أمورا قصدية متقوّمة بالقصد و النيّة لكن يكفي فيها القصد الإجمالي كأن ينوي مثلا ما في ذمّته إن كان واحدا أو ما اشتغلت به ذمّته أوّلا أو نحو ذلك.

و على هذا ففي المثال الذي ذكره المصنّف من الأمور الطولية يتصوّر وجوه:

الأوّل: أن ينوى كما في المتن مرتّبا، و ليس فيها ترديد لا في النيّة و لا في المنوىّ، بل في واقعية المنويّ في كلّ مرتبة.

فالمنوي في كلّ مرتبة أمر واحد نوى امتثال أمره بنحو الجزم و التعين و لكن على تقدير ثبوته خارجا، نظير جميع موارد الاحتياط.

و التعليق على الموضوع ثابت تكوينا نواه الفاعل أو لم ينوه و ذكره أو لم يذكره.

نظير تعليق طلاق المرأة على كونها زوجة، و بيع المال على كونه ملكا له.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 381

..........

______________________________

و الإجماع على بطلان التعليق في العقود و الإيقاعات على فرض تسليمه لم يثبت شموله لمثل ذلك مضافا إلى أن النيّة ليست عقدا و لا إيقاعا.

الثاني: أن ينوي على هذا الترتيب و لكن لا بنحو التعليق بل بنحو الجزم في كلّ مرتبة نظير الإنشاء منجزا في موارد الشكّ. ففي حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في المقام: «نيّة العناوين القصدية أشبه شي ء بالإنشاء فإن نوى تلك العناوين مرتّبة على نحو التنجّز كان أولى، غاية الأمر أن تأثيرها في وقوع المنويّ مرتّب على ثبوت موضوعه.» «1»

أقول: قد مرّ منّا سابقا: أنّ النيّة و القصد غير الإنشاء، فإنّ الإنشاء خفيف المؤونة فيمكن إنشاء أمور متنافية بنحو الترتيب مع الترديد في الواقع منها.

و أمّا النية القلبية فالتنجيز فيها ملازم للجزم بحصول المنوي. مضافا إلى استلزام ما ذكر لنحو من التشريع المحرّم. و ما قد يقال من تصوير التجزّم مع الترديد و الشكّ يشكل لنا تصويره.

الثالث: أن يرتّبها في ذهنه كما شاء ثمّ ينوي أوّل ما له الواقعية منها بحسب هذا الترتيب و هذا صحيح قطعا و لا تعليق فيه أيضا.

الرابع: أن ينوي ما هو الثابت منها أوّلا بحسب عمود الزمان، و لا محالة إن كان على أبيه أو جدّه شي ء انطبق عليه قهرا إلّا إذا فرض كون اشتغال ذمّة نفسه مقدما على اشتغال ذمّتهما.

الخامس: أن ينوي ما هو الثابت منها واقعا من دون لحاظ الترتيب، و مقتضى ذلك التوزيع مع التعدّد فتأمّل.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ 426، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 382

[الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا]

الثالثة عشرة لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا. (1) فلو كان عليه زكاة السنة

السابقة و زكاة الحاضرة، جاز تقديم الحاضرة بالنيّة. و لو أعطى من غير نية التعيين فالظاهر التوزيع. (2)

______________________________

(1) إذ لا دليل على وجوب الترتيب، و الإطلاق و كذا الأصل ينفيه.

(2) قد علّق الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- على لفظ التوزيع فقال:

«بل الظاهر وقوعه عن بعض ما عليه من الزكاة بلا تعيّن زائد على ذلك.» و يظهر قريب من ذلك من حواش أخر أيضا. «1»

و في المستمسك: «مع اختلاف المأمور به في الخصوصيّات الموجبة لاختلاف الأحكام- كما إذا كان أحدهما في الذمّة و الآخر في العين، أو كان أحدهما في نصاب الإبل و الآخر في نصاب الغنم- لا بدّ من التعيين و لو على نحو التوزيع.

فلو لم يقصد شي ء من ذلك أصلا لم يسقط شي ء من الزكاة، لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح.

و مع عدم الاختلاف- كما إذا كان كلّ منهما في الذمّة- يسقط من الزكاة

______________________________

(1)- راجع العروة الوثقى/ 426، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 383

..........

______________________________

بمقدار ما أعطى و يبقى الباقي من دون تعيين لامتناع التعيين من دون معيّن.» «1»

أقول: قد مرّ عن المصنّف في أوائل الفصل السابق البحث في التعيين بنحو يظهر منه حكم المقام أيضا، و مرّ منّا أيضا الكلام فيه مفصّلا. «2»

و إجماله أن المجعول شرعا و إن كان زكاة هذا المال بخصوصه و ذاك بخصوصه، و لكن يكفي في مقام الأداء قصد أصل الطبيعة الجامعة بين الخصوصيات بداعي مطلق الأمر، فإنها مجهولة بعين جعلها كما تكون موجودة بعين وجودها.

و سيرة المتشرعة أيضا قد استقرت في جميع الأعصار على قصد أصل الزكاة حين أدائها أو الوصية بها من دون التفات إلى الخصوصيات غالبا و لعلّها صارت

منسيّة لهم، و لكن لا يترتب آثار الخصوصيات إلّا على قصدها بخصوصها.

نظير ما إذا كان عليه قضاء رمضان من سنين مختلفة فإنه يكفي فيه قصده إجمالا في حصول الامتثال بالنسبة إلى أصل الطبيعة و لكن مع ضيق الوقت لو أراد عدم تعلّق الكفارة بالنسبة إلى السنة الأخيرة وجب عليه قصد قضائها بخصوصه.

و مع اختلاف المتعلق عنده أيضا يسقط عن عهدته مقدار ما أعطاه بقصد أصل الزكاة من دون تعيّن بعض الخصوصيات إذ المفروض أنّها كما يجوز أن تؤدّى من العين يجوز أن تؤدّى من مال آخر أيضا بعنوان الزكاة، و لا نريد إضافتها إلى بعض المصاديق الخاصّة أو ترتيب آثارها حتّى يلزم الترجيح بلا مرجّح. و كون المعطي موافقا لبعض الأنواع لا يوجب انصرافه إليه- كما ظهر سابقا من المستمسك و من حاشية آية اللّه البروجردي هناك- «3» إذ المفروض أنّه قصد مجرّد كونه زكاة

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 366.

(2)- راجع كتاب الزكاة 4/ 246.

(3)- راجع المستمسك 9/ 348، و العروة/ 422 ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 384

..........

______________________________

من دون تعيين المتعلق في قصده و إرادته. و الانصراف مورده الشك في مرحلة الإثبات فلا مجال له مع الإطلاق ثبوتا و بحسب القصد.

و أما ما يظهر من التذكرة من جواز تعيين بعض الخصوصيات بعد أدائها و إيصالها إلى المصرف «1»،

فأورد عليه في الجواهر بما محصّله: «عدم الدليل على جواز ذلك بعد وقوع الفعل، و بالأداء يخرج المال عن الكليّة و عن اختيار المالك و يصير ملكا للفقير فلا يقبل التعيين.» «2»

و إن شئت قلت: الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه فإذا وقع بلا عنوان لا يقع بعد ذلك معنونا بعنوان خاصّ.

نعم يمكن

أن يقال: إنّ التوزيع ممّا يقتضيه قاعدة العدل و الإنصاف و يساعده العرف و الاعتبار أيضا في تزاحم الحقوق. و حكاه في الجواهر عن البيان و المسالك و فوائد الشرائع.

و إن كان الأحوط عدم ترتيب آثار الخصوصيات أصلا إلّا مع قصدها أوّلا، إذ التوزيع عليهما أيضا نحو من التعيين فيتوقّف على القصد. و إن شئت تفصيل المسألة فراجع ما حرّرناه في أوائل الفصل السابق. «3»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 243.

(2)- الجواهر 15/ 480.

(3)- راجع كتاب الزكاة 4/ 246 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 385

[الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة، الزكاة]

الرابعة عشرة في المزارعة الفاسدة، الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر. (1) و في الصحيحة منها عليهما (2) إذا بلغ نصيب كلّ منهما. و إن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط.

و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما، و إن بلغ المجموع النصاب.

______________________________

(1) سواء كان للمالك أو للزارع أو لكليهما لتسالمهم على كون الزرع ملكا لصاحب البذر و تابعا له، و البحث فيه موكول إلى محلّه. و لا محالة لو كان لكليهما اعتبر بلوغ نصيب كلّ منهما إلى حدّ النصاب.

(2) لأنّ الزرع ملك لهما على ما عقدا عليه، و لا تأثير للخلطة عندنا خلافا لبعض أهل الخلاف فعندنا يحسب مال كلّ منهما بحياله.

و يدلّ عليه مضافا إلى الإجماع المدّعى بقسميه صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد اللّه «ع»- في حديث زكاة الغنم- قال: «و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق.» «1» أى في الملك على ما فسرّت بذلك.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 85، الباب 11 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 386

..........

______________________________

و صحيحة زرارة عن أبى جعفر

«ع»- في حديث- قال: قلت له: مأتي درهم بين خمس أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ يجب عليهم زكاتها؟

قال: «لا هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث، ليس عليهم شي ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مأتا درهم.» قلت: و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: «نعم». «1»

و إن شئت تفصيل المسألة فراجع ما حررناه في المسألة الثالثة و الرابعة من زكاة الأنعام «2».

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 102، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 195.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 387

[الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة]

اشارة

الخامسة عشرة يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة (1) و يصرفه في بعض مصارفها، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلّا بصرف مال و لم يكن عنده ما يصرفه فيه، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته و رفع اضطراره إلّا بذلك، أو ابن السبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره فحينئذ يستدين على الزكاة و يصرف، و بعد حصولها يؤدّي الدين منها.

[صور الاقتراض في المسألة و دليل الجواز]

______________________________

(1) أقول: الاقتراض في المقام إمّا أن يقع على نفس الزكاة بما هي مالية إسلامية.

أو على أربابها و مصارفها الثمانية لا بأشخاصها بل بعناوينها العامّة من حيث هم مصارفها.

أو على الحاكم لا بشخصه بل بمنصبه و بما أنّه وليّ الزكوات و المصارف.

أو على بيت المال بما أنّه يحوي الزكوات و غيرها و لو في المآل.

فهذه وجوه أربعة متقاربة. و المصنف تعرّض في المسألة للثلاثة الأول و أرجع بعضها إلى بعض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 388

..........

______________________________

أمّا الأوّل فبأن يقترض على نفس الزكاة و يصرفه في مصارفها فتصير الزكاة مديونة به سواء قصد زكاة مال خاصّ أو زكاة بلد خاصّ، أو مطلق الزكوات، أو ما يؤدّي منها إليه في المستقبل.

قال في الجواهر في مسألة تقديم الزكاة: «أو على كونه قرضا على الزكاة على حسب استقراض المجتهد عليها فلا تكون ذمّة الفقير حينئذ مشغولة و يكون الدفع إليه كالصرف في سبيل اللّه، على الزكاة فإنّه لا شغل ذمّة فيه لأحد.» «1»

و في المستمسك ما محصّله: «الظاهر عدم الإشكال في ذلك إذ لا إشكال في أنّ وليّ الزكاة يستأجر لحفظها و جمعها و نقلها و رعيها و يشتري لعلفها و سقيها فتكون الأجرة أو

القيمة مستحقة على الزكاة لا على الوالي و لا على غيره.» «2»

و ظاهر المصنف توقف الجواز على الاضطرار، و لكن الظاهر كفاية الحاجة العرفية أو وجود المصلحة فيه و لو لصيرورة الاقتراض و الصرف في المصارف باعثا للملّاك على أداء زكواتهم.

و نظير المقام اقتراض متولي الموقوفة على نمائها المترقب لإصلاحها و تعميرها أو للصرف في مصارفها المقرّرة.

و كذلك اقتراض هيئة الأمناء على الصناديق المعيّنة لقرض الحسنة أو الإعانات و الخيرات و بناء المساجد و المعاهد و نحو ذلك إذا خلت فعلا من النقود. إذ الاقتراض يقع في الحقيقة على أموالها المترقبة.

و هذا أمر متعارف في جميع البلاد. و الشخصية الحقوقية في أعصارنا أمر يعتبره العقلاء كثيرا بحيث يقع أكثر التجارات المهمّة و العقود و منها الاستقراض

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 465.

(2)- المستمسك 9/ 366.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 389

..........

______________________________

بينها و ربّما يكون اعتبارها عندهم أقوى من الشخصيات الحقيقية كما نشاهد ذلك في معاملات البنوك و المصارف.

بل لعلّه يكون من هذا القبيل أيضا استقراض بعض الدول من بعض الشائع في جميع الأعصار و البلاد إذ الاستقراض يقع غالبا على أساس الماليّات المقررة من قبل الدولة المقترضة المترقب أخذها في المستقبل.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ الاستقراض يقع على هيئة الدولة لا على الماليّات و إن كان اعتبار الدولة بها بنحو التعليل. هذا.

و يكفي في صحة هذا الاقتراض إطلاق قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.» بناء على كونه في مقام التشريع و إرادة جميع العقود العقلائية منه و إن لم تتعارف في عصر التشريع.

و كذلك إطلاق أخبار الاستدانة و الاستقراض على اللّه- تعالى- مع الحاجة، «1» بناء على تعميمها للهيئات و العناوين و الشخصيات الحقوقية أيضا بإلغاء الخصوصية، إذ استقراض

الهيئات و الدول من أشدّ الحاجات الاجتماعية، و ربّما يكون الحاجة إليه أشدّ من حاجة الأشخاص، و قد يحكم العقل و العقلاء بلزومه و ذمّ تاركه.

فعلى الفقيه البصير بالمسائل الاجتماعية ملاحظة المسائل بلحاظ واسع شامل حيث إنّ الدين واسع. فلا وجه لاحتمال اختصاص الجواز بالحاجات الشخصية فتدبّر.

بل يمكن أن يقال: إنّ في المعاشرات و الأمور العادية و منها المعاملات و العقود المتعارفة بين افراد المجتمع و بين القبائل و الدول لا نحتاج إلى التأسيس و الإجازة

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 79، الباب 2 من أبواب الدين و القرض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 390

..........

______________________________

من قبل الشارع، بل يحيلها الشارع- كغيره من المقننين- إلى عقلاء الأمّة، و إنّما على الشارع في هذا السنخ من الأمور، الردع عمّا فيه مفسدة و ضرر كما نهى عن الربا و بيع الغرر و الغشّ و نحو ذلك. فما لم يصل منه ردع في الأمور العادية يجوز العمل فيها على طبق ما يقرّره العقلاء فتأمّل. هذه غاية تقريب كلام المصنّف.

[أدلة المنع]
اشارة

و أورد على ذلك مناقشات نتعرّض لها:

[الأوّل: الزكاة لا ذمّة لها حتّى تشتغل بالاقتراض عليها]

الأولى: ما في كلام المصنّف من أنّ الزكاة لا ذمّة لها حتّى تشتغل بالاقتراض عليها.

و أجاب هو عن ذلك بأنّ هذه الأمور اعتبارية، و العقلاء يصحّحون هذا الاعتبار. و نظيره استدانة متولي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه.

أقول: مضافا إلى ما قيل من أنّ قوام الأمر الاعتبارى باعتبار العقلاء له، و اعتبار الزكاة و نحوها من الأموال مالكا للقرض مديونا به بعيد عن ارتكازهم فتأمّل، إذ يمكن أن يقال: إنّ الاعتبار خفيف المؤونه و أكثر الشخصيات الحقوقية تدور مدار الأموال.

قد أورد على ذلك بوجود الفارق بين مثال الزكاة و ما ذكره من مثال الوقف:

إذ في مثال الوقف يكون الاستقراض على العين الموقوفة بداعي الصرف في مصالحها بخلاف المقام فإنّه على الزكاة التي لم تحصل بعد بداعي الصرف في مصارفها لا في مصالحها.

[الثاني: كون الدين على الزكاة مستلزم لكون ما أخذ قرضا ملكا للزكاة لا زكاة]

الثانية: ما في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في المقام حيث قال: «كون الدين على الزكاة مستلزم لكون ما أخذ قرضا ملكا للزكاة لا زكاة كما أفاد، فلو صحّ لوجب صرفه فيما يحتاج إليه الزكاة لا في مصارفها، كما في الاستدانة على الوقف حيث يصرف في تعميره لا في الموقوف عليهم. ثم إن الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 391

..........

______________________________

ملك أو حقّ لمستحقّيها، و ليست من الجهات التي يعتبر لها ملك ذمّة.» «1»

و قد تعرّض لما ذكره- قدّس سرّه- بعض الحواشي الأخر أيضا.

أقول: قد مرّ الكلام فيما ذكره أخيرا. و أمّا ما ذكره أوّلا فيمكن أن يجاب عنه بأنّه ليس الاستقراض على الزكاة إلّا كالاستقراض على ما في الصناديق و البنوك، و الاستقراض على عوائد الدولة حيث يقصد بذلك بدلية القرض عنها و صرفه في مصارفها، فيكون البدل

عوض المبدل منه و بحكمه، و هذا معنى مالكية الزكاة و الصندوق و البنك للقرض و صيرورتها مديونة به عند العقلاء و أهل الفنّ.

فكما أن المال المشترى بالزكاة يصير بحكم الزكاة و عوضا عنها فكذلك المال المأخوذ قرضا عليها إذ القرض أيضا نحو من المبادلة.

و إن شئت قلت: مال الشخص يصرف في مصالحه، و لكن من أهمّ مصالحه إدارة ما عليه من المصارف فكذلك مال الزكاة أيضا إذ من أهمّ مصالحها إدارة ما عليها من المصارف الثمانية فتأمّل.

[الثالث: الاقتراض فيه ليس لمصلحة الزكاة بل لمصلحة الفقير]

الثالثة: ما في المستمسك قال: «نعم قد يشكل القرض بأنّ الاقتراض فيه ليس لمصلحة الزكاة بل لمصلحة الفقير، و ليس له الولاية عليه.

مع أن فرض الولاية عليه يقتضي جواز الاقتراض على ذمّته لا على ذمّة الزكاة.» «2»

أقول: يرد عليه أوّلا: ما مرّ آنفا من أنّ إدارة مصارف صاحب المال من أهمّ مصالحه.

و ثانيا: أنّ الزكاة ليست لفقير خاصّ حتّى يشكك في ولاية الحاكم عليه،

______________________________

(1)- راجع العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه-. ق.

(2)- المستمسك 9/ 367.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 392

..........

______________________________

بل هي لعنوان الفقراء و سائر المصارف العامّة، و رعاية مصالح العناوين العامّة و إحقاق حقوقها من أهمّ وظائف الحاكم على الأمّة.

و ثالثا: أنّ الاقتراض على مال العنوان عبارة أخرى عن الاقتراض على ذمّته إذ ذمّته لا تفرغ إلّا بهذا المال.

[الرابع: الزكاة التي لم تحصل بعد كيف يعتبر لها ذمّة و يستقرض عليها؟]

الرابعة: ما في بعض الكلمات من أنّ الزكاة التي لم تحصل بعد كيف يعتبر لها ذمّة و يستقرض عليها؟

و يمكن أن يجاب بأن الاعتبار خفيف المؤونة، و المستقبل المتحقّق الوقوع بمنزلة المتحقّق فعلا و يعتبره العقلاء و يرتبون عليه الآثار و إن شئت قلت: إنّ وجود قوة الشي ء يعتبر نحو وجود لذلك الشي ء، فالزكاة المترقب الوجود كالماليات و عوائد الدولة المترقبة حيث يعتبرها العقلاء و يقرضون و يعاملون عليها فتدبّر.

[الخامس: هذه المسألة مبنية على ثبوت الولاية العامّة للفقيه و في المبنى إشكال]

الخامسة: ما في حاشية آية اللّه الخونساري- طاب ثراه- حيث قال:

«هذه المسألة مبنية على ثبوت الولاية العامّة للفقيه، و في المبنى إشكال.» «1»

و يظهر هذا الإشكال من بعض الحواشي الأخر أيضا.

أقول: قد حقّقنا في محلّه أن الحكومة العادلة الحافظة لنظام المجتمع و حقوقه المانع عن التعدّي و الكفاح ضرورة واضحة للبشر و لا تقوم حياتهم الاجتماعية إلّا بها.

و في نهج البلاغة: «إنّه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر.» «2»

و في البحار عن أمير المؤمنين «ع»: «أسد حطوم خير من سلطان ظلوم، و سلطان ظلوم خير من فتن تدوم.» «3»

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 343، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 125، عبده 1/ 113، لح/ 82. الخطبة/ 40.

(3)- بحار الأنوار 72/ 259 (ط. بيروت)، كتاب العشرة، باب أحوال الملوك و الأمراء، الحديث 74.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 393

..........

______________________________

و بيّنا في محله شرائط الحاكم الإسلامى على أساس الكتاب و السنة، و لا محالة تنطبق في عصر الغيبة على الفقيه الجامع للشروط الثمانية التي ذكرناها. «1»

و وظيفته حفظ النظام و إدارة شئون الأمّة على أساس موازين الإسلام.

فلا نقول بولاية كلّ فقيه، بل بولاية الفقيه الجامع للشرائط.

و لا تنحصر وظيفته في خصوص الأمور

الجزئية من قبيل أموال الغيّب و القصّر فقط، بل حفظ جميع الشؤون الاجتماعية المرتبطة بقيّم المجتمع و منها الأمور المشار إليها.

و أيّ حسبة أهمّ من إدارة شئون المسلمين و حفظ كيانهم و تنفيذ قوانين الإسلام فيهم؟ و هذا هو المقصود بالولاية المطلقة أو الولاية العامّة في قبال من خصّ ولايته بالأمور الجزئية فقط.

و لا نريد بالولاية المطلقة أو العامّة قدرته المطلقة و كونه فعّالا لما يشاء بلا حساب و لا كتاب بحيث يرجع إلى الاستبداد و الديكتاتورية كما قد يتوهّم، فإنّ ولاية النبي «ص» و الأئمة «ع» أيضا لم تكن على هذا الأساس.

قال اللّه- تعالى- في سورة المائدة مخاطبا لنبيه «ص»: «فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ عَمّٰا جٰاءَكَ مِنَ الْحَقِّ.»

و قال: «وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكَ.» «2»

فولاية رسول اللّه «ص» أيضا كانت في إطار تنفيذ أحكام اللّه- تعالى- لا على أساس القدرة المطلقة.

______________________________

(1)- راجع دراسات في ولاية الفقيه ... 1/ 259 و ما بعدها.

(2)- سورة المائدة (5)، الآيتان 48، 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 394

..........

______________________________

و اللّه- تعالى- أمره أن يكون حكمه بينهم على أساس أحكام اللّه لا على متابعة أهواء الناس و أصواتهم.

و هذا هو الفارق البيّن بين الحكم الإسلامي و الحكومة الشعبية المطلقة الرائجة في أعصارنا المراعى فيها أهواء الناس و آرائهم و لو كانت على خلاف موازين الإسلام و العقل الصحيح.

و ما تسمع من وجود أحكام سلطانية مولوية صدرت عن رسول اللّه «ص» بما أنّه كان وليّ أمر المسلمين فليس معناه حكمه بأحكام مضادّة لأحكام اللّه- تعالى-، بل الظاهر أنّها كانت أحكاما

عادلة موسميّة من قبيل الصغريات و المصاديق للأحكام الكلية النازلة من قبل اللّه- تعالى-.

و ربّما كان يفوّض إليه بالوحي تشريع أحكام خاصّة و هذا كان من خصائصه، و ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى، و لو تقوّل على اللّه بعض الأقاويل لأخذ منه باليمين و لقطع منه الوتين. «1»

و كيف كان فالروح الحاكم على مجتمع المسلمين ليس إلّا ما أنزله اللّه تعالى حتى في الأحكام الثانوية فإنّها أيضا مستفادة من كبريات كليّة أنزلها اللّه على نبيّه قال اللّه- تعالى-: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ»* و قال: «أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ.» «2»

و بالجملة فيفترق الحكم الإسلامي عن سائر الحكومات الدارجة بوجهين أساسيّين:

الأوّل: أنّ الحاكم الإسلامي ينتخب على أساس الشرائط المستفادة من الكتاب و السنة و قد أنهيناها إلى ثمانية فراجع.

الثاني: إنّ أساس حكمه هي أحكام اللّه- تعالى- و إن شئت قلت: الأصول

______________________________

(1)- اقتباس من سورة النجم (53)، الآيتان 3 و 4 و سورة الحاقة (69)، الآيات 44- 46.

(2)- سورة الأنعام (6)، الآيتان 57 و 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 395

[إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنيا لا يسترجع منه]

و إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنيا لا يسترجع منه، إذ المفروض أنّه أعطاه بعنوان الزكاة.

و ليس هذا من باب إقراض الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير بخلاف المقام فإنّ الدين على الزكاة (1).

______________________________

و القوانين التي يشرّعها و يبينها فقهاء الأمة و خبراؤها على أساس موازين الإسلام و أحكامه.

و لا يجوز له في هذه الصورة تخلّفها بعد ما كان انتخابه على هذا الأساس لكونه من قبيل الشرط في ضمن العقد.

و كيف كان فالولاية العامّة بالمعنى الذي ذكرناه ثابتة للفقيه

الجامع للشرائط بلا إشكال.

و كما يحتاج الأشخاص في حياتهم الفردية إلى الاستقراض و أجازه الشرع المبين، فقد يحتاج الحاكم أيضا في إطار حكمه و في تنفيذ واجباته إلى ذلك.

و قد بيّنا سابقا أنّ الزكاة ضريبة إسلامية جعلت أوّلا و بالذات تحت اختيار الحاكم الإسلامي ليضعها في مواضعها على الوجه الصحيح.

فلا محالة يجب أن يعمل فيها على أساس المصلحة للمصارف المعينة، و ربّما يحتاج في ذلك إلى الاستقراض عليها، فالإشكال في ذلك بعدم ثبوت الولاية العامّة مدفوع فتدبّر.

(1) و بالجملة فما في صحيحة الأحول عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل عجّل زكاة ماله ثمّ أيسر المعطى قبل رأس السنة قال: «يعيد المعطى الزكاة.» «1» مورده صورة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 211، الباب 50 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 396

و لا يضرّ عدم كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل. لأنّ هذه الأمور اعتبارية، و العقلاء يصحّحون هذا الاعتبار (1).

[استدانة متولي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد من نمائه]

و نظيره: استدانة متولي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه (2) مع أنّه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة (3) من الفقراء و الغارمين و أبناء السبيل من حيث هم من مصارفها، لا من حيث هم هم، و ذلك مثل ملكيّتهم للزكاة فإنّها ملك لنوع المستحقين فالدين أيضا على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم.

______________________________

إقراض الفقير الخاص من قبل المالك بقصد الاحتساب بعد ذلك و لا يشمل المقام حيث إنّ المعطى له في المقام ليس قرضا عليه بل من باب الزكاة فتدبّر.

(1) مرّ الكلام في ذلك.

(2) المناسب للمقام التنظير بالاستدانة على عوائد الوقف و نمائه للصرف في مصارفه إذ لأحد أن يقول: إنّ الوقف بنفسه

عين خارجية فيمكن أن يعتبر لها ذمّة و هذا بخلاف الزكاة التي لم تحصل بعد.

ثمّ القرض على الوقف يصير ملكا له فيصرف في تعميره، و القرض على الزكاة لا يصير زكاة فكيف يصرف في مصارفها. هذا. و لكن قد أجبنا عن كلا الأمرين.

(3) قد أورد على ذلك أوّلا بمنع رجوعه إليه بل كلّ منهما وجه مستقل إذ الاستقراض في الأوّل على نفس الزكاة و في الثاني على أربابها.

و ثانيا: أن جعل عنوان الفقراء مثلا مديونا لا يصحّح صيرورة المأخوذ قرضا عليه زكاة بحيث يصير ملكا للفقير المعطى له بعنوان الزكاة، بلا اشتغال لذمّته.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 397

..........

______________________________

و ثالثا: أن مقتضى ذلك أداء دين العنوان من سهم الغارمين لا من سهم الفقراء.

و رابعا: ما في المستمسك حيث قال: «فيه أن بعض أرباب الزكاة مثل سبيل اللّه- تعالى- ممّا لا ذمّة له كالزكاة فيرجع الإشكال. مضافا إلى أنّ إشغال ذمّة أرباب الزكاة بما أنّهم من مصارفها لا ولاية للحاكم الشرعي عليه كإشغال ذمّتهم بما أنّهم هم لعدم الدليل على هذه الولاية. و قولهم: الحاكم الشرعي وليّ الفقراء. يراد منه أنّه وليّ الزكاة الراجعة إليهم فولايته على الفقراء بلحاظ خصوص الزكاة الراجعة إليهم.» «1» هذا.

و يمكن أن يجاب عن الأوّل بأنّ الإشكال يرد على فرض الاستقراض على نفس العناوين الثمانية، و لكن المصنّف فرض الاستقراض عليهم من حيث هم مصارف الزكاة و أربابها، و ظاهر الحيثيّة المأخوذة كونها تقييدية لا تعليليّة.

و على هذا فمآل الوجهين واحد.

اللّهم إلّا أن يقال بوجود الفرق بينهما مع ذلك أيضا فإن الاستقراض في الأوّل على نفس الزكاة و في الثاني على مالكها من حيث مالكيّته لها.

و بما ذكرنا يظهر الجواب عن

الثاني أيضا فإنّ الاستقراض على العناوين من حيث هم أرباب الزكاة و مصارفها يرجع إلى جعل القرض بدلا عن الزكاة و بحكمه فإنّه نوع من المبادلة.

و يجاب عن الثالث بأنّ الاستقراض على الفقراء مثلا بما هم أرباب الزكاة يرجع إلى جعل القرض بدلا عن سهم الفقراء، و مقتضى ذلك جواز الأداء من سهمهم.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 368.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 398

[يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين بقصد الأداء من مالهم]

و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين بقصد الأداء من مالهم، و لكن في الحقيقة هذا أيضا يرجع إلى الوجه الأوّل. (1).

______________________________

و أمّا ما في المستمسك فيرد عليه أوّلا: ما مرّ من كون الاعتبار خفيف المؤونة فيمكن اعتبار الذمّة لعنوان سبيل اللّه أيضا، و هذا أمر عقلائي.

و ثانيا: ما أشار إليه هو أخيرا إذ ليس المقصود لنا الولاية على العناوين بنحو الإطلاق، بل بما هم أرباب الزكاة الراجعة إليهم حيث فوّضت أمرها إلى حاكم الإسلام كما مرّ. فعليه رعاية حقوقهم و صلاحهم، و ربّما أوجب ذلك الاستقراض عليهم بما أنّهم أربابها فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لأنّ التصرف بعنوان الولاية راجع إلى التصرّف في المولّى عليه.» «1»

أقول: و إن شئت قلت كما مرّ منّا: أنّ الظاهر من الحيثية كونها تقييدية فيرجع هذا الوجه أيضا إلى الوجه الأوّل.

و لكن قد مرّ إمكان المناقشة في ذلك للفرق البيّن بين نفس الزكاة و بين الوليّ عليها و لو من حيث ولايته.

و يمكن افتراقهما في الآثار أيضا فلو كان القرض على نفس الزكاة جاز للمقرض الأخذ منها مقاصّة لو فرض موت الحاكم مثلا بخلاف ما إذا كان على الحاكم بمنصبه فإنّ اللازم في مثله الرجوع إلى الحاكم بعده فتأمّل.

و كيف كان فلو

ناقشنا في الوجهين السابقين فالظاهر عدم جريان المناقشة في هذا الوجه لاستقرار سيرة العقلاء من الحكام و الولاة و رؤساء الدول و أرباب المناصب في أنحاء العالم على الاستقراض على أنفسهم بلحاظ مناصبهم و الأموال

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 369.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 399

..........

______________________________

الواقعة و لو في المآل تحت اختيارهم سواء اعتبرت الحيثيّة تقييديّة أو تعليليّة.

و إن كان الظاهر كما مرّ كونها تقييديّة فيكون الموضوع للاستقراض في الحقيقة نفس المنصب، و لذا ينتقل القرض منه مع الموت أو الانعزال إلى من تصدّى للولاية و المنصب بعده. و لو كانت الحيثيّة علّة لصيرورة الشخص موضوعا لم يكن وجه لانتقال القرض و التعهدات منه إلى من بعده. و هذا هو الفارق بين الحيثيتين.

و بالجملة فكما أنّ الملكيّة قد تعتبر للمناصب و العناوين و الهيئات و يكون الموضوع لها نفس الحيثية، فكذلك الاستقراض و التعهدات يمكن أن تقع على نفس الحيثيات و العناوين.

و من هذا القبيل أيضا عنوان الدولة و الوزارة و الإدارة و المؤسسة و نحو ذلك فقد شاع في العالم استقراض بعض الدول من بعض أو من الأشخاص، و كذا استقراض بعض الإدارات أو الوزارات من بعض كما يجري بينهم المعاملات الأخر أيضا. و الظاهر أنّ التشكيك في صحّة أمثال ذلك تشكيك في البديهيات. هذا.

و لا يخفى جريان الإشكالات التي مرّت في الوجه الثاني في هذا الوجه أيضا.

و الجواب عنها الجواب.

و قد مرّ في صدر المسألة احتمال وقوع الاستقراض على عنوان بيت المال أيضا فإنّه أيضا أمر يعتبره العقلاء و الدول ذا شخصية حقوقية عندهم، نظير البنوك و المصارف حيث يعامل بعضها مع بعض و يستقرض بعضها من بعض و من الأشخاص الحقيقية أيضا، و

لا يسند المعاملة و الاستقراض إلى رئيس البنك مثلا بل إلى نفس البنك و يعتبر له شخصيّة حقوقيّة.

و الملاك اعتبارها عند الناس و إن لم يوجد له نقود فعلية و الأولى اختيار أحد الوجهين الأخيرين و لا يتعيّن بعد ذلك أداء الدين من سهم الغارمين إذ استدانة الحاكم بما أنه وليّ سهم الفقراء مثلا يقتضي أداء دينه من هذا السهم فتدبّر. هذا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 400

[هل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها]

و هل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها، أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ و جهان. (1) و يجري جميع ما ذكرنا في الخمس و المظالم و نحوهما.

______________________________

و المناسب نقل حاشية الأستاذ الإمام- طاب ثراه- أيضا في المسألة و قد علّقها على الوجه الأوّل من الوجوه التي ذكرها المصنّف قال: «هذا محلّ إشكال بل منع.

و على فرض جوازه صرفه في مصارف الزكاة محلّ منع. ثم جواز أداء هذا الدين من الزكاة محلّ إشكال بل منع لعدم كون أداء قرض الزكاة من مصارفها، و على فرض جواز صرفه لا يجوز إلّا بعد وجوب الزكاة. و وقت تعلقه لا مطلقا.

و القياس على اقتراض المتولّي على رقبات الوقف مع الفارق.

و كون الشي ء من الاعتباريّات لا يلزم جواز اعتباره بأيّ نحو يراد، و كون ذلك راجعا إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة واضح المنع، كما أنّه مع استدانته على نفسه من حيث إنّه وليّ الزكاة يكون أداؤه منها محل إشكال إلّا من سهم الغارمين مع اجتماع الشرائط و هو غير ما في المتن، كما أنّ جواز الاستدانة على المستحقين و ولاية الحاكم على ذلك محلّ إشكال بل منع، فالمسألة بجميع فروعها محلّ إشكال.

نعم لا مانع من الاقتراض

ثمّ الإقراض على الفقير ثمّ أخذ الزكاة عوضا عن قرضه.» «1»

أقول: و من خلال ما ذكرناه بطوله يظهر مواضع المناقشة في كلامه فلا نعيد.

(1) الظاهر من العبارة الأولى إقراض المالك من مال نفسه على الزكاة أو على أربابها بما هم أربابها.

و من العبارة الثانية الاستدانة لذلك من مال غيره.

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 343، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 401

..........

______________________________

و لا يخفى أنّ الأخبار المستفيضة الدالة على جواز تعجيل الزكاة و إن حملت على إقراض المالك قبل وقتها، و لكن المراد به إقراضه لفقير خاصّ من مال نفسه حتى يحتسب به عند حلول الزكاة، و لذا شرطوا فيه بقاءه على صفة الفقر و سائر الشرائط إلى حين الاحتساب و هذا ممّا لا إشكال فيه كما هو ظاهر.

و أمّا في المقام فالمقصود إقراض المالك من مال نفسه على طبيعة الزكاة أو على عنوان الفقراء و الأصناف بما هم أربابها على نحو ما كان يصنعه الحاكم.

و الأعاظم المحشّون في المقام صرّحوا بعدم الجواز «1»، و علّل ذلك بعدم ولاية المالك لا على الزكاة و لا على أربابها.

و لكن لأحد أن يقول: لو فرض في بلد خاصّ عدم وجود الحاكم و تصدّى فيه عدول المؤمنين للأمور الحسبيّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها، فلو فرض كون المالك منهم و رأى ضرورة إدارة شئون الفقراء و سائر الأصناف و احتاج لذلك إلى الاقتراض على الزكوات المستقبلة أو أربابها فالظاهر صحّته على حذو ما كان الحاكم يصنعه فتدبّر. و قد طال الكلام في المقام و باللّه- تعالى- الاعتصام.

______________________________

(1)- راجع العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 402

[السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم «دستگردان»]

اشارة

السادسة عشرة

لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه المسمى بالفارسية ب «دستگردان» أو المصالحة معه بشي ء يسير، أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك. (1) فإنّ كلّ هذه حيل في تفويت حقّ الفقراء. و كذا بالنسبة إلى الخمس و المظالم و نحوهما.

[توضيح المصالحة و «دستگردان»]

______________________________

(1) مثل أن يصالح المالك مع الفقير مقدار مأئة درهم الذي عليه بما يساوي عشرة دراهم، أو يقوّم عند نفسه ما يساوي عشرة بمائة فيعطيه بعنوان المائة. أو يبيع ما يساوي عشرة بمائة في ذمّة الفقير ثمّ يحتسب المائة زكاة. أو يبيع الفقير للمالك ما يساوي مأئة بعشرة فيردّه المالك إليه زكاة بعنوان المائة. إلى غير ذلك من الأمثلة.

[الكلام في ما يقتضيه القواعد الشرعية]

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 402

و الكلام في المسألة تارة فيما يقتضيه القواعد الشرعية مع قطع النظر عن حكمة تشريع الزكاة و نحوها. و أخرى مع لحاظها.

أمّا الأوّل: فلا يخفى أنّه ليس للمالك ولاية على الزكاة في ماله إلّا على إعطائها عينا أو قيمة إلى الحاكم أو الأصناف، فليس له ولاية على تفويتها أو مصالحتها بأقل من قيمتها المتعارفة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 403

..........

______________________________

و حين ما أعطاها بوجهها و شروطها التي منها قصد العنوان جدّا و قصد القربة.

جاز الأخذ منه و تبرأ ذمّته بذلك قهرا.

و لا إلزام على الآخذ في الردّ عليه و إن وقع الإعطاء بهذا الداعي، إذ الداعي لا يقيّد العمل، بل و لو كان مع شرط الردّ لعدم ولاية المالك على الشرط فيقع لغوا.

اللّهم إلّا أن يكون الشرط منافيا للقصد الجدّي بالنسبة إلى الإعطاء أو قصد القربة فيبطل العمل من أصله. أو يقال: إنّ مع الشرط لا إطلاق لإذن المالك في التصرّف و مع عدم إذنه لا يجوز الأخذ منه و التصرف فيه. إلّا أن يمنع أصل ثبوت الولاية لمثل هذا المالك الذي يجعل الزكاة ألعوبة فيرجع أمرها إلى الحاكم.

هذا بالنسبة إلى

المالك.

و أمّا الحاكم فولايته مقصورة على ما تقتضيه مصلحة الزكاة و أربابها فلا يجوز له ردّها إلى المالك أو صلحها أو بيعها منه أو من غيرها بأقلّ إلّا إذا اقتضته المصلحة لهم في مورد خاصّ لخصوصية فيه.

و أمّا الفقير فقبل أن يأخذ الزكاة من المالك لم يستحقّ شيئا حتّى يسقطها أو يصالح عليها بأقلّ من قيمتها أو نحو ذلك، إذ الزكاة ملك للعناوين لا للأشخاص إلّا بعد الإعطاء لهم.

و أمّا بعد الأخذ و الملكية فمقتضى القواعد جواز هبته لها للمالك و غيره و صلحه و بيعه لها بما شاء من القيمة. و كذا مداورته مع المالك و لو بمراتب و لو كان بحيث يصير غنيّا بالأخذ الأوّل لأنّه بعد كلّ ردّ يرجع فقيرا فيجوز له الأخذ ثانيا.

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»: «فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء.» فقلت: يتزوّج بها و يحجّ منها؟ قال: «نعم هي ماله.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 404

..........

______________________________

نعم لو وقع ردّ الفقير حياء لا عن طيب نفسه لم يحلّ للمالك أخذها و لا يصحّ أيضا أداؤها ثانيا بعنوان الزكاة إذ لم تصر مالا له.

هذا كلّه مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في بيان حكمة الزكاة.

[الكلام بلحاظ الأخبار]

و أمّا بلحاظها- و هي مستفيضة بل متواترة- فلا مجال إلّا لمنع هذه الحيل لمنافاتها للحكمة التي لأجلها شرّعت الزكاة:

1- ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم.

إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا مما فرض اللّه لهم. الحديث.» «1»

2- و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم، و إنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة.» «2»

3- و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ اللّه نظر في أموال الأغنياء ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ.» «3»

4- و في رواية معتّب عن الصادق «ع»: «لو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 405

..........

______________________________

مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّه له، و إن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء» «1»

5- و في رواية العقرقوفي عن أبي الحسن موسى بن جعفر «ع» قال:

«إنّما وضعت الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالهم.» «2» و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده عن أبي جعفر «ع» يحدّث أنّ عليا «ع» قال: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي

للفقراء. فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء. و حقّ على اللّه- تبارك و تعالى- أن يحاسبهم و يعذّبهم.» «3» إلى غير ذلك من الأخبار.

و الظاهر أن ذكر الفقراء في هذه الأخبار من باب التمثيل بأظهر أفراد المصارف الثمانية.

و المستفاد منها أن الزكاة شرّعت بنحو تكفيهم جميعا بحيث لو عمل الناس بوظيفتهم فيها لم يبق فقير محتاج و انسدّ جميع خلّات المجتمع. و لو فرض أنّ كلّ فقير يجوز له أن يأخذ من الزكاة و يهبها للمالك و غيره بلا حدّ و لا حساب لأمكن أن يستوعب جميع الزكوات بهذا النحو شرذمة قليلون منهم و يبقى الآخرون محتاجين.

فيعلم بذلك عدم سعة الملكية و إطلاقها في المقام، و أنّ كلّ فقير إنما يستحقّ من الزكوات مئونة سنته و ما أعطى لنفقاته و حاجاته العرفية و منها التزويج و الحجّ و الهدية و التصدّق بمقدار يطابق شأنه و يعدّ من نفقاته و مئونته عرفا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الاموال/ 709، باب قسم الصدقة في بلدها ...، الحديث 1910.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 406

..........

______________________________

فلا يجوز له الأخذ و الردّ إلى المالك مجانا أو الصلح أو البيع محاباة بنحو يوجب عرفا تفويت حقوق الفقراء و الأصناف.

كيف؟! و لو جاز ذلك شرعا لشاع و ذاع بين الناس المحبيّن للدنيا المولعين بها و هم الأكثرون منهم. و جرت عليه السيرة في جميع الأعصار حتّى أعصار الأئمة «ع»، و لسألوهم عن ذلك و تظافرت به الروايات و استمرّ عليه العمل.

مع أنّك ترى استنكار الناس لذلك بفطرتهم و يرونه

ألعوبة، و ليس هذا إلّا لالتفاتهم إلى أهداف التشريع، و أن الأحكام الشرعية يجب أن يؤخذ بها بنحو يترتب عليها أغراضها المترقبة منها.

بل يمكن أن يقال بصدق قوله «ع»: «و لكن أوتوا من منع من منعهم حقوقهم» على مثل هذا الشخص الذي لعب بالحقّ الّذي عليه بنحو من هذه الأنحاء التي مرّت و إن أدّاه صورة.

قال في كتاب الطلاق من الجواهر في مقام المنع عن الحيل المنافية لغرض الحكم:

«و لعلّ من ذلك ما يتعاطاه بعض الناس في هذه الأزمنة من التخلّص ممّا في ذمّته من الخمس و الزكاة ببيع شي ء ذي قيمة رديّة بألف دينار مثلا من فقير برضاه ليحتسب عليه ما في ذمّته عن نفسه، و لو بأن يدفع له شيئا فشيئا ممّا هو مناف للمعلوم من الشارع من كون المراد بمشروعية ذلك نظم العباد و سياسة الناس في العاجل و الآجل بكفّ حاجة الفقراء من مال الأغنياء، بل فيه نقض للغرض الذي شرّع له الحقوق.

و كلّ شي ء تضمن نقض غرض أصل مشروعيّة الحكم يحكم ببطلانه كما أومأ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 407

..........

______________________________

إلى ذلك غير واحد من الأساطين. و لا ينافي ذلك عدم اعتبار اطراد الحكمة، ضرورة كون المراد هنا ما عاد على نقض أصل المشروعية كما هو واضح.

و لعلّ ذلك هو الوجه في بطلان الاحتيال المزبور، لا ما قيل من عدم القصد حقيقة للبيع و الشراء بالثمن المزبور حتّى أنّه لذا جزم المحدث البحراني بعدم جوازه لذلك إذ هو كما ترى ضرورة إمكان تحقّق القصد ...» «1»

أقول: و قد يتوهّم جواز ذلك معتذرا بأنّ هذا هو الطريق الوحيد لاستنقاذ بعض الحقوق إذ لو قيل للمالك بعدم صحّة ذلك لاستنكف عن أداء

الحقوق بالكليّة فيتوسّل بهذا الطريق، و إن كان المحسوب شرعا ما أعطاه بالفعل.

و لكن لا يخفى أن هذا اعتذار أسوأ من الذنب و نفاق بيّن و إغراء بالجهل و شركة في تفويت الحقوق و تضييعها، و إنما الواجب شرعا على الفقيه و العالم بيان الحكم الشرعي و ترغيبه في العمل به بنحو يتمّ الحجة عليه عمل به أو لم يعمل فيكون الوزر عليه فقط. هذا.

و يمكن أن يستأنس للمنع في المقام بالأخبار الدالّة على المنع من تملك ما أخرجه في الصدقة و إن حملها الأصحاب على الكراهة: مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها إلّا في ميراث.» «2»

و روى نحوه الكليني أيضا عن منصور بن حازم عنه «ع» «3».

و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع»: «إذا تصدق الرجل بصدقة

______________________________

(1)- الجواهر 32/ 202.

(2)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 319، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 408

[لو كان شخص عليه الزكاة أو المظالم مبلغ كثير و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها]

نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها و أراد أن يتوب إلى اللّه- تعالى- لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة. (1)

______________________________

لم يحلّ له أن يشتريها و لا أن يستوهبها و لا أن يملكها بعد أن تصدّق بها إلّا بالميراث الحديث» و رواه عنه في المستدرك أيضا. «1»

و ظاهر عبارة المقنعة و النهاية في المسألة الإفتاء بالحرمة ففي باب الوقوف و الصدقات من المقنعة:

«و إذا تصدّق الإنسان على غيره بدار أو أرض أو ثمرة أو عرض من الأعراض لم يجز له تملكه منه و لا من غيره بهبة أو صدقة، و لا بأس أن يملكه منه بميراثه.» «2»

و في باب النحل و الهبة من النهاية: «و ما يهبه الإنسان لوجه اللّه فلا يجوز له الرجوع فيه على حال. و ما تصدّق الإنسان به لوجه اللّه فلا يجوز له أن يعود إليه بالبيع أو الهبة أو الصدقة و إن رجع إليه بالميراث كان جائزا.» «3»

و احتمال إرادتهما من الصدقة الوقف بقرينة الباب و شيوع استعمالها فيه مردود بقرينة ذكر الميراث إذ الوقف لا يورث.

و قد حقّقنا المسألة في المسألة العشرين من فصل بقية أحكام الزكاة و رجحنا فيها الكراهة فراجع. «4»

(1) في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه-: «لكن لا يصحّ الأوّل من الحاكم في الأغلب، و الثاني من الفقير، و الثالث منهما اللّهم إلّا أن يكون

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 339، و المستدرك 2/ 513، الباب 7 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(2)- المقنعه/ 100.

(3)- النهاية/ 603.

(4)- راجع كتاب الزكاة 4/ 177.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 409

..........

______________________________

بنحو الاشتراء بأزيد من القيمة ثمّ الاحتساب فحينئذ يصحّ من الفقير.» «1»

أقول: قد مرّ منّا في مطاوي البحث أن الحيل المتصورة في المقام على قسمين:

بعضها فاسدة من أصلها مثل أن يسقط فقير ما في ذمّة المالك أو يصالح عليه بالأقل، أو يبرئ الحاكم ذمّة المالك جزافا بلا رعاية لمصلحة الضرائب و أربابها لما مرّ من عدم ولايتهما على ذلك.

و بعض منها صحيحة على القواعد لو لا ما مرّ من الأخبار الواردة في بيان حكمة تشريعها مثل أن يأخذ الفقير

الزكاة و يتملّكها ثمّ يهبها للمالك بقصد جدّي، أو يشتري من المالك شيئا بأضعاف قيمته ثمّ يحتسب المالك ما في ذمّة المشتري زكاة أو خمسا.

فكلام المصنّف في المقام لا بدّ أن يحول حول هذا القسم.

و يمكن أن يقرّب ما ذكره بأنّ المفروض صحّة العمل من أصله و كونه على وفق القواعد، و المالك الذي أراد التوبة إلى اللّه- تعالى- يتحقّق منه قصد الإخراج و القربة جدّا بحيث لو كان متمكنا من الأداء بلا ردّ عليها لأداها مخلصا للّه تعالى فلا إشكال من هذه الناحية.

و ما مرّ من كونه مخالفا لحكمة التشريع لا يجري في أمثال المقام ممّا لا يقدر المالك على الأداء، و ليس في البين إلّا اشتغال ذمّته بلا نفع لأرباب الضرائب فقد يعلم حينئذ برضا الشارع بتفريغ ذمّته، و قد يشكّ فيرجع إلي الأصل المقتضي للجواز كما في المستمسك «2». و الشريعة السمحة السهلة أيضا تقتضي جواز ذلك بل حسنه، و لا يصدق التفويت للحقوق أيضا بعد عدم تمكن المالك من الأداء.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

(2)- المستمسك 9/ 370.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 410

..........

______________________________

قال في الجواهر بعد ما مرّ منه المنع في المسألة قال: «نعم قد يقال: إنّ فتح الباب المزبور يعود على الغرض بالنقض فلا ينافيه ما يصنعه بعض حكام الشرع في بعض الأحوال مع بعض الناس لبعض المصالح المسوّغة لذلك، ضرورة أنّه قد يتّفق شخص غلب الشيطان عليه في أوّل أمره ثمّ أدركته التوبة و الندامة بعد ذلك، ثمّ صار صفر الكفّ أو مات كذلك و لكن ذمّته مشغولة بحقّ الخمس مثلا فإنّ الظاهر جواز السعي في خلاصه بل رجحان بالطرق الشرعية التي يندرج بها

في الإحسان و تفريج الكربة عن المؤمن و نحو ذلك من الموازين الشرعية المأمور بها.» «1»

أقول: إذا فرض عدم جواز إعمال الحيل الصحيحة بمقتضى الأخبار الواردة في بيان حكمة التشريع كما مرّ كان اللازم القول بعدم الجواز في المقام أيضا، إذ المستفاد من تلك الأخبار أنّه لا يجوز للفقير أن يأخذ و يتملّك إلا مقدار مئونته و نفقاته المتعارفة، و ليست مالكيته لما يأخذه مالكية مطلقة بحيث يصنع فيه ما يشاء و هذا البيان يجري في المقام أيضا، و يصدق عليه أيضا تفويت الحقوق.

كيف؟! و لو جاز صرف الزكوات و الأخماس في تفريغ ذمم المديونين بهما من باب الإحسان و تفريج الكربة عن المؤمن و نحو ذلك لجاز صرفهما في تفريغ ذمم سائر المديونين أيضا فيجلس فقير هاشمى مثلا في بيته و يأخذ جميع أخماس البلد ساعة بعد ساعة و يصرفها في تفريغ ذمم المديونين و المفلّسين أو إحداث المشاريع العامّة و يبقى فقراء السادة محرومين فهل يمكن الإفتاء بجواز ذلك؟!

و الشرع المبين قد سهّل الأمر على المديون الذي لا يتمكّن من أداء دينه فأنظره إلى ميسرة، و يشمل هذا للحقوق الشرعية أيضا فما دام لا يتمكن فهو في مهلة شرعا و إذا تمكن أدّاها و لو تدريجا، فلا مجال لتضييع الحقوق الشرعية لأجل تفريغ

______________________________

(1)- الجواهر 32/ 203.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 411

[إذا كان مرجوّ التمكن بعد ذلك]

و مع ذلك إذا كان مرجوّ التمكن بعد ذلك، الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده. (1)

______________________________

ذمّة المديونين بها و لم يعدّ هذا من مصارفها المقررة شرعا.

و أمّا الردّ عليه بما أنّه فقير أو غارم فيرد عليه أن أدلّة المصارف الثمانية منصرفة عن نفس المالك.

نعم لو فرض هنا فقيران اشتغلت

ذمّة كليهما بزكوات مثلا فالظاهر جواز أن يستقرض أحدهما مالا و يؤدّيه إلى الآخر بقصد ما في ذمّته ثمّ يردّ الآخر ما أخذه إلى الأوّل بهذا القصد فيفرغ ذمّة كليهما، و لا يعدّ مثل ذلك ألعوبة بالزكاة إذ أداء الدين أيضا يعدّ من المؤونة و لو كان الدين من الحقوق الشرعية.

كما أنّه لو فرض كون المالك بانيا جدّا على أداء الحقّ بتمامه و لكن يتوقف هذا على إمهاله لتعسّر الأداء دفعة فالظاهر حينئذ جواز أخذ الحاكم منه ثمّ إقراضه له و إمهاله بمقدار لا يصدق عليه تضييع الحقوق و لا يوجب مسامحة المكلّف في أداء الحقّ، و اللازم مع ذلك أخذ الأوراق و الأسناد الدارجة المعتبرة منه. هذا.

و ليحذر العلماء الأعلام عن المداورات المتعارفة التي لا تؤخذ فيها على الحقوق الثابتة وثائق و لا أسناد معتبرة فإنّها أشبه شي ء باللعبة و الأضحوكة: و لا يترتب عليها إلّا فراغ خاطر المكلف بلا أداء شي ء و شركة الحاكم في الضمان.

(1) في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه-: «لا يبقى موضوع لهذا الشرط في الأوّل و الثالث.» و نحو ذلك في بعض الحواشي الأخر أيضا. «1»

أقول: لم يظهر لي وجه عدم بقاء الموضوع للشرط فيهما إذ الشرط خفيف المؤونة و المؤمنون عند شروطهم فيمكن أن يردّ الفقير ما أخذه إلى المالك الذي صار فقيرا و يشترط عليه أداء مثله إلى الفقراء إذا تمكن من ذلك فتدبّر.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق، و طبعة أخرى 2/ 345، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 412

[السّابعة عشرة: في اشتراط التمكن من التصرّف فيما لا يعتبر فيه الحول إشكال]

السّابعة عشرة اشتراط التمكن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- معلوم. و

أمّا فيما لا يعتبر فيه الحول- كالغلّات- ففيه خلاف و إشكال. (1)

______________________________

(1) قد مرّ في أوائل الزكاة أنّه يشترط في تعلّق الزكاة و وجوبها مضافا إلى أصل الملكية تمكّن المالك من التصرّف في ملكه، فهذا إجمالا ممّا لا إشكال فيه عند أصحابنا و إن اختلف فيه أهل الخلاف كما في الخلاف. «1»

و يدلّ على ذلك مضافا إلى الإجماع المدّعى في التذكرة و غيرها أخبار مستفيضة قد مرّت. «2»

1- قال في النهاية: «و لا زكاة على مال غائب إلّا إذا كان صاحبه متمكنا منه أيّ وقت شاء، فإن كان متمكنا منه لزمته الزكاة ... و من ورث مالا و لا يصل إليه إلّا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال فليس عليه زكاة، إلّا أن يصل إليه و يحول عليه حول.» «3»

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 45. و الخلاف 1/ 281، كتاب الزكاة، المسألة 29.

(2)- راجع الوسائل 6/ 61، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...

(3)- النهاية/ 175.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 413

..........

______________________________

2- و في المقنعة: «و لا زكاة على المال الغائب عن صاحبه إذا عدم التمكّن من التصرف فيه و الوصول إليه.» «1»

3- و في الشرائع: «و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلّها.» «2»

4- و ذيّله في المدارك بقوله: «هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال في التذكرة: إنّه قول علمائنا أجمع.» «3»

و قد تعرّضنا للمسألة بالتفصيل في محلّها فراجع. «4»

و إنّما الإشكال في أنّ هذا الشرط هل يختصّ بما يعتبر فيه الحول، أو يجري في الغلّات الأربع أيضا؟

و المصنّف هنا جعل المسألة موردا للخلاف و الإشكال و مضى منها، و في المسألة الحادية و الأربعين من

هذا الختام تعرّض لها ثانيا و استظهر فيها عدم اعتبار هذا الشرط في الغلّات، و لم يظهر وجه لتكرارها.

و كيف كان فقد مرّ من الشرائع اعتبار الشرط في الأجناس كلّها فيشمل الغلّات أيضا.

و في المسالك في ذيل قول المصنّف: «و لا تجب الزكاة في المغصوب.» قال:

«هذا إذا كان المال ممّا يعتبر فيه الحول، أمّا ما لا يعتبر فيه كالغلّات فإن استوعب الغصب مدّة شرط الوجوب و هو نموّه في ملكه بأن لم يرجع حتى بدا الصلاح لم يجب، و لو عاد قبل ذلك و لو بيسير وجبت كما لو انتقلت إلى ملكه حينئذ.» «5»

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- الشرائع 1/ 141 (طبعة أخرى/ 106).

(3)- المدارك/ 290 (ط. الجديد 5/ 32).

(4)- كتاب الزكاة 1/ 45.

(5)- المسالك 1/ 51.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 414

..........

______________________________

و لكن ناقش في ذلك في المدارك بأنّ «غاية ما يستفاد من الروايات المتقدّمة:

أن المغصوب إذا كان ممّا يعتبر فيه الحول و عاد إلى مالكه يكون كالمملوك ابتداء فيجري في الحول من حين عوده، و لا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه. و لو قيل بوجوب الزكاة في الغلّات متى تمكن المالك من التصرّف في النصاب لم يكن بعيدا.» «1»

و اعترض عليه في مفتاح الكرامة ب «أن معاقد الإجماعات متناولة له و فيها بلاغ.» «2»

و في الجواهر: «قد يدفعه ما سمعت من إطلاق معاقد الإجماعات و غيرها الذي لا ينافيه الاقتصار على ذي الحول في بعض النصوص كما هو واضح.» «3»

و للشيخ الأعظم- قدّس سرّه- في هذا المجال كلام طويل نذكره ملخصا، قال:

«و اعلم أنّ اعتبار التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول لا إشكال فيه. و أمّا ما لا يعتبر

فيه كالغلّات فهل يعتبر التمكّن حال تعلّق الوجوب أو لا بل يكفي التمكّن من الإخراج و لو بعد زمان تعلّق الوجوب؟

ظاهر كلامهم و المصرّح به في المسالك هو الأوّل لكونه كسائر الشروط من الملكيّة و البلوغ و العقل و نحوها.

اللّهم إلّا أن يدّعى اختصاص أدلّته بما يعتبر فيه الحول من الأجناس، لكنه خلاف فتاوى الأصحاب و ظاهر الأخبار أيضا. فإنّ قوله «ع» في رواية سدير المسؤول فيها عن المال الذي فقد بعد حلول الحلول و وجده صاحبه بعد سنين:

______________________________

(1)- المدارك/ 291 (ط. الجديد 5/ 34).

(2)- مفتاح الكرامة ج 3، كتاب الزكاة ص 16.

(3)- الجواهر 15/ 52.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 415

..........

______________________________

«إنّه يزكّيه سنة واحدة- يعنى السنة الأولى قبل الفقدان- لأنّه كان غائبا عنه.» «1»

يدلّ بمقتضى التعليل على أنّ كلّ مال غائب لا تجب عليه الزكاة، و المراد بالغائب ما يعمّ المفقود.

و لا شك في عدم القول بالفصل بينه و بين مطلق غير التمكن منه كالمغصوب و المجحود و نحوهما. فدلّ الخبر على أنّ الزكاة لا تتعلق بالعين التي لا يتمكن مالكه من التصرّف فيها كما إذا فرضنا الزرع حال انعقاد حبّته أو تسميته حنطة أو شعيرا مغصوبا، فالزكاة لا تتعلّق بعينها، فإذا لم تتعلق بها حينئذ فلا تتعلّق به بعد ذلك، لأن الزكاة إنما تتعلّق بالغلّات بمجرد صدق الاسم أو انعقاد الحبّ في ملك المكلف.

ألا ترى أنّه لو دخلت في ملك المكلّف بعد ذلك أو حدث شرط لم يكن قبل ذلك انتفى الزكاة إجماعا.» «2»

أقول: قد مرّ منّا في محلّه أن التمسك بالإجماع في أصل المسألة محلّ إشكال، لاحتمال كون مدرك الفتاوى الأخبار المستفيضة الواردة فكيف في المقام مع عدم كونه معنونا في كلمات

القدماء من أصحابنا أصلا.

و يشكل ثبوت الإطلاق في معاقد الإجماعات لاحتمال كون النظر فيها إلى ما هو المستفاد من أخبار الباب فإذا قيل بانصراف الأخبار إلى خصوص ما يعتبر فيه الحول كما يظهر من المدارك فلا يبقى مجال لأن يتمسك للتعميم بإطلاق معاقد الإجماعات.

و أمّا ما ذكره الشيخ من التمسك بعموم التعليل الوارد في خبر سدير فلا بأس به، و السند إليه صحيح و هو بنفسه ممّن لا بأس به و إن ورد فيه عن أبي عبد اللّه «ع»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 61، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- كتاب الطهارة للشيخ الاعظم/ 477 (طبعة أخرى/ 417).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 416

..........

______________________________

أنّه عصيدة بكلّ لون. نعم مورد خبر سدير دفن المال ثمّ احتفار موضعه و عدم إصابته عند حلول الحول، فلا يصحّ ما ذكره الشيخ من كون فقدان المال بعد حلول الحول، إلّا أن يريد بذلك العلم بالفقدان لا نفس الفقدان واقعا فتأمّل.

و يمكن أن يستدل للتعميم أيضا بصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك.» «1»

إذ ليس فيها ذكر من الحول، اللّهم إلّا أن يقال بانصراف لفظ المال إلى خصوص النقدين بما أنّهما ملاك مالية الأشياء.

و يمكن أن يستدلّ أيضا بإطلاق موثقة إسحاق بن عمار و استفادة العموم منها بترك الاستفصال قال: سألت أبا إبراهيم «ع» عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال:

«يعزل حتّى يجي ء.» قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: «لا حتى يجي ء.» قلت: فإذا هو جاء

أ يزكّيه؟: فقال: «لا حتّى يحول عليه الحول في يده.» «2»

إذ الميراث بإطلاقه يعمّ الغلّات أيضا.

فإن قلت: الذيل قرينة على كون مورد السؤال خصوص ما يعتبر فيه الحول.

قلت: الذيل سؤال آخر مستقل، و لو لا سؤال السائل إيّاه لاقتصر الإمام على الجواب الذي قبله بإطلاقه. اللّهم إلّا أن يقال كما مرّ بانصراف المال إلى خصوص النقدين و لعلّه لأجل ذلك لم يتمسك الشيخ بهذين الخبرين و تمسّك بالتعليل الوارد في خبر سدير.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 63، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 62، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 417

..........

______________________________

فإن قلت: إطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في الغلات يشمل المقام أيضا فبأيّ دليل نخرج عن هذا الإطلاق؟

قلت: يكفي في الخروج عنه ما مرّ من الدليل على الاشتراط، و إطلاق المخصّص مقدّم على إطلاق العامّ.

فإن قلت: ربّما ينقدح في الذهن أن اعتبار التمكن من التصرف كان من جهة أن تشريع الزكاة على المال في كلّ سنة نحو جزاء و عقوبة ماليّة على عهدة من يدّخر الأموال و لا يصرفها في حاجاته و حاجات المجتمع، و حيث إن غير المتمكن من التصرف لا يقدر على صرفها فلا يستحق هذا الجزاء و العقوبة.

و بالجملة فالمتمكن من التصرّف يقدر على صرف ماله في خلال السنة بنحو لا تتعلّق به الزكاة بخلاف غير المتمكّن فهذا هو الفارق بينهما.

و هذا البيان لا يجري فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات إذ لا يتمكن من دفع الزكاة عن ماله أمكن من التصرّف فيه أم لا فليس تشريع الزكاة فيها من قبيل الجزاء و العقوبة فلا محالة تتعلّق بها

مطلقا.

قلت: مضافا إلى أنّ هذا استحسان ظنّي لا دليل عليه نقول: إنّ مالك الغلّات أيضا يتمكّن من دفع الزكاة عن ماله ببيع الأصول أو الثمر قبل وقت التعلّق أو بيع الزرع قصيلا فتأمّل.

و كيف كان فالأقوى اعتبار شرط التمكّن في الغلّات أيضا، و إن كان الأحوط أداء زكاتها إن رفع المانع و تمكّن منها بعد زمان التعلّق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 418

[الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان و نسي موضعه]

الثامنة عشرة إذا كان له مال مدفون في مكان و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب فيه الزكاة إلّا بعد العثور و مضىّ الحول من حينه (1).

و أمّا إذا كان في صندوقه مثلا لكنه غافل عنه بالمرّة فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته، و إلّا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه، فيجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول (2) و يجب التكرار إذا حال عليه أحوال فليس هذا من عدم التمكّن الذي هو قادح في وجوب الزكاة.

______________________________

(1) لما مرّ في أوائل الزكاة من اشتراط التمكّن من التصرّف. «1»

(2) في المستمسك ما محصّله: «أنّ المستفاد من الأدلّة كون المانع من التعلّق هو القصور الناشي في ناحية المال ككونه في يد الغاصب أو المدفون في مكان لا يعرف، لا القصور في ناحية المالك، و لذا لا يظنّ الالتزام بأن النوم أو الإغماء

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 45 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 419

..........

______________________________

في أثناء الحول يقطع الحول.

و إن شئت قلت: ليس لدليل اعتبار التمكّن إطلاق يشمل المقام فيبقى داخلا في عموم الوجوب.» «1»

أقول: قد عرفت في محلّه أنّ عنوان التمكّن من التصرّف ليس مذكورا في أخبار الباب، بل المذكور فيها عدم الزكاة في المال الغائب

أو المدفون الذي لم يصبه و اعتبار أن يحول الحول عليه و هو عنده أو بيده.

و المستفاد من جميع ذلك اعتبار كون المال تحت اختياره و يقدر على التصرّف فيه متى شاء و لا يكون خارجا عن تحت سلطته و اختياره.

و المال في المقام يكون تحت سلطته و اختياره و لكنّه لقصوره غافل عنه.

و لو شكّ في شمول دليل الشرط للمقام فالمرجع كما مرّ من المستمسك دليل الوجوب لجواز التمسك بالعامّ في الشبهة المفهوميّة للمخصّص فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 372.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 420

[التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين]

التاسعة عشرة إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف، أو كان مشروطا عليه في ضمن عقد لازم، ففي منعه من وجوب الزكاة، و كونه من عدم التمكّن من التصرّف الذي هو موضوع الحكم إشكال. (1)

لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضرا عنده، أو كان حاضرا و كان بحكم الغائب عرفا.

______________________________

(1) أقول: لا يخفى أنّ الأمثلة المذكورة مختلفة سنخا و ملاكا فإنّ الإكراه مانع من التصرّف خارجا.

و هذا بخلاف النذر و الشرط فإنّهما مانعان عنه شرعا، إلّا أن نلتزم بأنّ الممنوع شرعا كالممتنع عقلا و خارجا مطلقا و يراد بالتمكن المذكور في كلمات الأصحاب في المقام التمكّن خارجا و شرعا.

و التحقيق أن يقال كما مرّ: إن المذكور في أخبار الباب ليس عنوان التمكن من التصرّف، و إنّما المستفاد منها عدم الزكاة في المال المدفون الذي فقده صاحبه أو الوديعة التي لا يصل إليها و ما غاب عنه صاحبه. و الظاهر عدم الموضوعيّة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 421

..........

______________________________

لعنوان الغيبة المقابلة للحضور و إن لم يستبعد ذلك في الكفاية.

«1»

بل المستفاد منها اعتبار استيلاء المالك على المال بحيث يقدر على نوع التصرّفات المترقّبة منه و لو بأياديه و عمّاله.

ففي خبر عبد اللّه بن بكير عمّن رواه (عن زرارة- المنتهى) «2» عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: «فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعامّ واحد. فإن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين.» «3»

حيث يدلّ على أنّ الاعتبار بالقدرة على الأخذ و التصرّف. و هذا هو المتبادر أيضا مما دلّ على اعتبار كونه عنده و بيده و عند ربه.

و التعبير بالغيبة لعلّه من جهة أنّ الغيبة في تلك الأعصار كانت ملازمة غالبا للانقطاع من المال بالكلّية. و على هذا فالحاضر المنقطع عنه بالكلّية بسبب الإكراه يكون بحكم الغائب قطعا. هذا.

و في الشرط أيضا حقّ المشروط له يقتضى عدم جواز التصرّف فيكون كالمنقطع عنه بالكلّية.

نعم ربّما يقع الإشكال في النذر و أن مفاده إثبات حقّ للّه- تعالى-، أو التزام محض و لكن أيّهما كان فالشرع المبين أوجب الوفاء به، و الملتزم بالشرع ينقطع به عن المال قهرا.

و لذا قال في المستمسك: «و النذر و ما بعده يجعله بحكم الغائب عرفا لأنّه

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 53، و كفاية الأحكام/ 35.

(2)- المنتهى 1/ 475.

(3)- الوسائل 6/ 63، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 422

..........

______________________________

مانع من التصرّف في النصاب.» «1»

و على هذا فما يظهر من بعض الحواشي في المقام من التفكيك بين الأمثلة الثلاثة بحسب الحكم لا يخلو من إشكال.

إلّا أن يراد عدم انعقاد النذر لعدم

رجحان المتعلق أو عدم منعه من الزكاة لكونها أهمّ منه و لكن الثاني ممنوع إذ على فرض صحّة النذر و نفوذه و قاطعيّته للحول يكون واردا على دليل الزكاة كما لا يخفى، هذا.

و من المحتمل أن يكون النظر في هذه المسألة إلى أن عدم إمكان التصرّف أو عدم جوازه في شهر أو شهرين هل يقطع الحول و يمنع من تعلق الزكاة، أو الذي يمنع منه هو الانقطاع من المال في تمام الحول أو أكثره؟ و هذا أمر قابل للتأمّل، و إن كان الظاهر من الأخبار و كلمات الأصحاب اعتبار هذا الشرط أيضا كسائر الشروط في جميع الحول فراجع.

و يمكن أن يقال بأنّ الالتزام بانقطاع الحول بمثل النذر و الشرط المذكورين يستلزم فرار أكثر المالكين من الزكاة بأن ينذر في أواخر الحول أو يشترط في عقد لازم عدم تصرّفه في ماله شهرا أو شهرين و هكذا. و تشريع جواز ذلك من ناحية الشارع مخالف لحكمة تشريع الزكوات. فالأحوط في غير مسألة الإكراه القول بعدم انقطاع الحول فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 373.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 423

[العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته كتابا أو قرآنا و يوقفه]

العشرون يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه و يجعل التولية بيده أو يد أولاده. (1) و لو أوقفه

______________________________

(1) أقول: الوقف هنا يتصوّر على وجهين: الأوّل: أن يشتري من مال نفسه كتابا مثلا ثم يجعل الكتاب زكاة يقفه في سبيل اللّه.

الثاني: أن يعزل الزكاة و يعيّنها ثم يشتري بها كتابا مثلا و يقفه كذلك.

و يستفاد جواز ذلك بكلا وجهيه ممّا دلّ على جواز تأدية الزكاة من مال آخر و لو من غير النقدين. و جواز صرف المالك بنفسه إياها في المصارف

الثمانية.

و من المعلوم أنّ كثيرا من ذلك لا يمكن غالبا إلّا بالتقويم و التعويض كأداء دين الغارمين و فكّ الرقاب و عمارة المساجد و الإحجاج بها و تجهيز المقاتلين و ابن السبيل و الموتى و نحو ذلك فراجع.

و بالجملة فبدلالة الاقتضاء يستفاد جواز ذلك.

و أمّا جعل التولية لنفسه و لأولاده فقابل للمناقشة، إذ الأصل في الزكاة كما مرّ في محلّه أن تكون تحت اختيار الحاكم الإسلامي المبسوط اليد، و جعل توزيعها بيد المالك كأنّه حكم ثانوي موقّت مأذون فيه في ظرف عدم استقرار الحكومة العادلة المبسوطة. و على هذا فالقدر المتيقّن ممّا جعل بيده أصل التوزيع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 424

على أولاده و غيرهم- ممّن تجب نفقته عليه- فلا بأس به أيضا. (1)

نعم لو اشترى خانا أو بستانا و وقفه على من تجب نفقته لصرف نمائه في نفقتهم، فيه إشكال. (2)

______________________________

في المصارف و منها سبيل اللّه، و من أفراده الوقف أيضا.

و أمّا جعل التولية لنفسه و لأولاده فأيّ دليل على جوازه و نفوذه و ليس المال ماله، و إثبات ذلك بقوله «ع»: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها.» «1»

مشكل، إذ المتبادر من الأهل الملّاك، و النظر إلى تعيين المصرف لا جعل التولية.

اللّهم إلّا أن لا يتمكّن من الحاكم فيجعلها لنفسه بما أنّه من عدول المؤمنين فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لأنّه ليس ذلك صرفا للزكاة في نفقة واجب النفقة فيقتضيه إطلاق ما دلّ على الصرف في سبيل اللّه- تعالى-» «2»

أقول: فيجب أن يقتصر على ما لا يعدّ عرفا من حاجاتهم و من نفقاتهم اليومية المتعارفة كالكتب الدراسية اللازمة.

(2) بل لا يجوز لعدم جواز صرفها في نفقاتهم اليومية و لو بقصد سائر السهام لأنّه يجبر

على النفقة عليهم كما في الحديث، و لا يجدي في ذلك كون الصرف من منافع الزكاة لا من عينها.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 295، الباب 2 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(2)- المستمسك 9/ 373.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 425

[الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصة من ماله]

الحادية و العشرون إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصة من ماله. (1)

إلّا بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد.

______________________________

(1) إذ لا ولاية له عليها و إنما يملكها بقبضها. نعم لا يبعد الجواز مع عدم الحاكم من باب ولاية عدول المؤمنين و مثل ذلك الكلام في الخمس بالنسبة إلى فقراء السّادة أيضا فلا يجوز لهم الأخذ مقاصّة.

بل الأقوى أن الخمس بأجمعه حقّ وحداني راجع إلى الحاكم فلا يجوز للمالك أيضا دفعه إلى السّادة إلّا بإذنه فراجع. هذا. و أمّا قول المصنف: «في كلّ مورد» فقابل للمناقشة إذ للحاكم الإذن الكلّي لفقير خاصّ بعد الاعتماد عليه و أنّه لا يطغى و لا يتعدّى فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 426

[الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج]

الثانية و العشرون لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما من القرب (1) و يجوز من سهم سبيل اللّه.

______________________________

(1) أقول: هذا لا يوافق ما بنى عليه المصنّف في المسألة الثانية من فصل أصناف المستحقين من جواز إعطاء الفقير زائدا على مئونة سنته، بل إعطاؤه بمقدار يصير به غنيّا عرفيّا، إذ بعد ما كان فقيرا و أخذها و ملكها جاز له صرفها في كلّ ما أراد من المصارف المحلّله العقلائية، و لا دليل على عدم جواز تعيين المالك أيضا لبعض المصارف بعد جواز الصرف فيها، بل الظاهر استقرار السيرة على ذلك و أنّ الملّاك ربّما يعيّنون مصارف خاصّة.

نعم يقع الإشكال على ما بنينا عليه من الاحتياط في المسألة و أنّه لا يعطى الفقير إلّا بمقدار مئونة سنته.

و لكن يمكن أن يقال على هذا المبنى أيضا أنّ المؤونة لا تنحصر في المأكل و المشرب و الملبس و نحوها، بل الزيارة

و الحجّ و بعض القرب الأخر أيضا ربّما تعدّ في بعض الأحيان لبعض الأشخاص من الحاجات و المؤونات المتعارفة اللازمة عرفا.

و لا سيّما إذا كان بحيث يعسر على الفقير تركها أو يعدّ تركه عيبا عليه عرفا.

و نظير ذلك بعض المصارف و الأسفار التنزهيّة أيضا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 427

..........

______________________________

و بالجملة فاحتياج الإنسان إلى الغذاء الروحاني ليس بأقل من احتياجه إلى الغذاء لجسمه و بدنه، يعرف هذا من عرف الإنسان و أدركه.

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما يشاء.» قال: و قال: «إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها و هي الزكاة، فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء.» فقلت: يتزوّج بها و يحجّ منها؟ قال: «نعم هي ماله.»

قلت: فهل يوجر الفقير إذا حجّ من الزكاة كما يوجر الغنيّ صاحب المال؟

قال: «نعم.» «1»

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ اللّه نظر في أموال الأغنياء ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ.» «2»

و ظاهر الخبرين كون الإعطاء بعنوان الفقر و من سهم الفقراء.

و في صحيحة محمد بن مسلم قال: سأل رجل أبا عبد اللّه «ع» و أنا جالس فقال: إني أعطى من الزكاة فأجمعه حتّى أحجّ به؟ قال: «نعم يأجر اللّه من يعطيك.» «3»

و الظاهر منها أيضا الإعطاء بعنوان الفقر، و لا أقلّ من شمولها لذلك أيضا بترك الاستفصال. بل يدلّ على المقصود. خبر الحكم بن عتيبة

أيضا قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل يعطي الرجل من زكاة ماله يحجّ بها؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 202، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 428

..........

______________________________

قال: «مال الزكاة يحجّ به؟!» فقلت له: إنّه رجل مسلم أعطى رجلا مسلما. فقال:

«إن كان محتاجا فليعطه لحاجته و فقره و لا يقول له: حجّ بها، يصنع بها بعد ما يشاء.» «1»

و الخبر ضعيف بالحكم. و لعلّ استعجاب الإمام «ع» كان من الصرف في الحج مع كثرة المحتاجين، و نهيه عن تعيين الحجّ يحمل على الإرشاد و الكراهة لنفي التضييق على المسلم فتأمّل. و كيف كان فهو صريح في جواز صرف سهم الفقراء في الحجّ.

______________________________

(1)- الكافى 3/ 557، كتاب الزكاة، باب الرجل يحجّ من الزكاة، الحديث 1، الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 429

[الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة]

الثالثة و العشرون يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة، حتّى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه (1) إذا لم يمكن دفع شرّه إلّا بهذا.

______________________________

(1) قد مرّ البحث في المقصود من سبيل اللّه في آية الزكاة و أنّه هل يراد به مطلق القربات أو خصوص المصالح العامّة، أو المصالح العامّة الدينية فقط؟

و الأحوط هو الاقتصار على الثالث إذ أكثر موارد استعمال الكلمة في الكتاب العزيز هو دين اللّه القويم، و إن كان التعميم لمطلق المصالح العامّة بل مطلق القربات لا يخلو من قوّة فراجع ما حرّرناه في ذلك المبحث.

و يدلّ على التعميم خبر علي بن إبراهيم

عن العالم «ع» قال: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوّون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير.» «1»

و على هذا المبنى أفتى المصنف في المقام، و بالإعطاء تبرئ ذمّة المكلّف ممّا كان عليه من الزكاة لصرفها في مصرفها.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 430

..........

______________________________

و لكن لا يجوز للظالم أخذها و لا تباح له و يكون ضامنا لها فيجب عليه صرفها أو صرف عوضها في المستحقّين أو إيصالها إلى وليّهم أعني الحاكم، و أمّا المالك فصار أجنبيا عنها كما في مصباح الهدى «1» إذ عمل بوظيفته و خرج بالتعيين و الإعطاء عن عهدتها فتأمّل.

و لو كان المؤمن الأسير غنيّا يقدر على تخليص نفسه بالمال و لكن يبخل به و تكون حياته في معرض الخطر، فهل يجوز تخليصه بالزكاة، أو يخلّصه الحاكم من مال نفس الأسير بالأخذ منه بدون إذنه أو الاستقراض عليه حسبة؟ لا يبعد تعيّن الثاني إلّا أن لا يتمكّن من ذلك فيجوز تخليصه من الزكاة فتدبّر.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 426.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 431

[الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله لشخص بعنوان نذر النتيجة و بلغ ذلك النصاب]

الرابعة و العشرون لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه، أو نصف حبّ زرعه لشخص- بعنوان نذر النتيجة (1)- و بلغ ذلك النصاب، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضا لأنّه مالك له حين تعلّق الوجوب. و أمّا لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص. و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال.

______________________________

(1) بناء على صحّته كما قوّيناها، و استشكل فيها في المستمسك فراجع. «1»

و لكن

هنا أمران يجب أن ينبّه عليهما:

الأوّل: أنّ متعلق النذر إن كان أمرا إيقاعيا لا يتوقف على القبول صحّ القول بتحقّقه بمجرد النذر، و ذلك ككون المال الخاصّ صدقة أو الشاة المعيّنة أضحية مثلا و قد أفتى بذلك كثيرون.

و أمّا كون شي ء ملكا لشخص كما في المقام فيمكن المناقشة فيه بأن الملكية القهرية خلاف سلطنة النفوس على أنفسهم فيشكل الالتزام بها إلّا فيما ثبت

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 37، و كتاب الزكاة 1/ 114.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 432

..........

______________________________

بالدليل القطعى كالميراث و إلّا فالقاعده تقتضي توقّفها على القبول.

و لذا قوّينا في الوصية التمليكيّة أن الوصية بنفسها إيقاع تقع بنفس إنشائها و لكن فعليّة مالكيّة الموصى له تتوقّف على قبوله.

ففي المقام أيضا يشكل ثبوت الملكيّة للمنذور له بمجرد النذر، بل القاعدة تقتضي توقفه على قبوله. و دليل وجوب الوفاء ناظر إلى بيان وظيفة الناذر فقط و أنّه لا يجوز له تخلّفه عمّا نذر، و لا يدلّ على سلب سلطنة المنذور له عن نفسه.

نعم لا يرد هذا الإشكال على شرط النتيجة المذكور في ضمن عقد لازم إذ بقبول المشروط له لنفس العقد يقع قبول الشرط أيضا.

الثاني: أنّ ما ذكره المصنّف من مالكية المنذور له حين تعلّق الوجوب، يرد عليه مضافا إلى ما مرّ أنّه يصحّ في النذر المنجّز أو المعلّق على أمر يحصل قبل زمان التعلّق، ففي هاتين الصورتين يكون الملك حين تعلّق الزكاة للمنذور له، و لا محالة يتعلق بحصّته الزكاة إن كانت بحدّ النصاب.

و أمّا النذر المعلّق على أمر يحصل بعد زمان التعلّق فمالكيّة المنذور له لا تتحقّق فيه إلّا بعد حصول المعلّق عليه فلا تتعلّق به الزكاة قطعا كما في نذر الفعل.

و هل تتعلق بالناذر؟

الظاهر العدم أيضا إذ المال و ان لم يخرج حينئذ عن ملكه لكنه منقطع عنه شرعا لتعلق حقّ اللّه به و وجوب حفظه إلى زمان حصول المعلّق عليه فيكون من موارد عدم التمكّن من التصرّف.

و مثله نذر الفعل أيضا. و إن شئت تفصيل المسألة بشقوقها فراجع ما حرّرناه في المسألة الثانية عشرة من فصل شرائط الوجوب. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 105.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 433

[الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكّل شخصا يقبض له الزكاة]

الخامسة و العشرون يجوز للفقير أن يوكّل شخصا يقبض له الزكاة (1) من أيّ شخص و في أيّ مكان كان.

______________________________

(1) 1- في المستمسك: «لأنّ القبض ممّا يقبل النيابة عندهم كما يساعده ارتكاز العرف و العقلاء.» «1»

2- و لكن في كتاب الوكالة من السرائر ما ملخّصه: «و قال بعض أصحابنا:

يجوز من أهل السهمات التوكيل في قبضها، و قال ابن البرّاج: لا يجوز ذلك، و هو الذي يقوى في نفسي، لأنّه لا دلالة عليه و الحكم الشرعي يحتاج إلى دليل.

و أيضا الذمّة مرتهنة بالزكاة، و لا خلاف بين الأمّة أن بتسليمها إلى مستحقها تبرئ الذمّة، و ليس كذلك إذا سلّمت إلى الوكيل لأنّه ليس من المصارف الثمانية.

و لأنّ الزكاة و الخمس لا يستحقّهما واحد بعينه و لا يملكهما إلّا بعد قبضه.

و الوكيل لا يستحق إلّا ما تعيّن ملكه للموكّل و استحق المطالبة به.» «2»

3- و في المدارك حكى كلام ابن إدريس و استظهره. «3»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 374.

(2)- السرائر/ 174 (طبعة أخرى 2/ 82).

(3)- المدارك/ 328 (ط. الجديد 5/ 301).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 434

..........

______________________________

4- و في الجواهر حكى ما في السرائر من الأدلّة الثلاثة ثمّ قال: «و الجميع كما ترى ضرورة صلاحيّة إطلاق أدلّة الوكالة للأعمّ من ذلك كما

لا يخفى على من له أدنى بصيرة.» «1»

أقول: قد مرّ في مسألة جواز التوكيل في أداء الزكاة كلام صاحب الجواهر في كتاب الوكالة منه حيث قال: «قد يستفاد من التأمّل في كلام الأصحاب أنّ الأصل جواز الوكالة في كلّ شي ء» «2»

ثمّ استدلّ لذلك ببعض الأخبار الصحيحة و أراد استفادة الإطلاق منها.

و لكن نحن ناقشنا في دلالتها فراجع. «3» فما ذكره في المقام من إطلاق الأدلّة ممنوع.

نعم الظاهر صحّة ما مرّ من المستمسك من مساعدة ارتكاز العرف و العقلاء في المقام، و قد استقرت سيرتهم في جميع الأعصار على الاستنابة في القبض بالنسبة إلى جميع الأموال و الحقوق بل في جميع الأمور العادية التي لا يعتبر فيها المباشرة عند العقلاء. و إذا صحّ التوكيل و الاستنابة في أداء الزكاة مع كونه عملا عباديا يقتضي طبعه المباشرة فكيف بقبضها الذي يكون آلة و طريقا محضا لوصول المال إلى مصرفه. و أفتى بعض الأصحاب بجواز الاستنابة في حيازة المباحات، و المقام نظير ذلك أو أولى بالجواز.

و بالجملة فالتشكيك في مثل ذلك تشكيك في الأمور الواضحة عند العرف و العقلاء، و قد مرّ منّا في بعض الأبحاث السابقة أنّ في الأمور العادية المتعارفة

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 478.

(2)- الجواهر 27/ 377.

(3)- راجع كتاب الزكاة 4/ 260.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 435

و يجوز للمالك إقباضه إيّاه مع علمه بالحال. (1) و تبرأ ذمّته و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلي الفقير. (2) و لا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلا على ذلك. (3)

______________________________

عند العقلاء لا نحتاج إلى إمضاء الشارع، بل يكفي في مثلها عدم وقوع الردع عنها.

و لا دليل على اختصاص جواز التوكيل في القبض بموارد استحقاق

المطالبة.

و بما ذكرنا يظهر الإشكال فيما مرّ من ابن إدريس في المقام.

و لا فرق فيما ذكرنا بين التوكيل لقبض شي ء خاصّ من شخص معيّن، أو قبض أيّ شي ء كان من أيّ شخص كان.

(1) مع الوثوق به إذ في غير هذه الصورة ربّما يعدّ الدفع إليه تضييعا للمال، و لا سيّما مع الظنّ بكونه خائنا متلفا للمال.

(2) إذ يد الوكيل هنا يد الفقير فيرتفع بالإيصال إليه ضمان المالك، و لو فرض تفريطه ضمن هو لا المالك.

(3) لإطلاق أدلّة الجعالة، و عمل المسلم محترم يقابل بالمال، بل لا يبعد جواز أن يجعل الجعل من نفس الزكاة المأخوذة لأنّه من نفقات الفقير نفسه و من مئوناته اليومية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 436

[السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة]

السادسة و العشرون لا تجري الفضولية في دفع الزكاة. فلو أعطى فضوليّ زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ. (1)

______________________________

(1) قد تعرّض لاحتمال جريان الفضولية في المقام صاحب الجواهر فإنّه بعد ما قوّى صحّة التبرّع بالزكاة كالدين من غير إذن صاحبها إن كان المدفوع من مال المتبرّع، و اعتبار الوكالة سابقا أو لا حقا على نحو الفضولي في الوكالة، إن كان من مال المالك قال: «بل قد يقال بجريان الفضولي في الزكاة من دون اعتبار الوكالة لكنّه لا يخلو من إشكال أو منع.» «1»

أقول: و استدلّوا لعدم الجريان بوجوه:

الأوّل: أنّ الأصل يقتضى الفساد و عدم ترتيب الأثر إلّا فيما ثبت بالدليل.

و إن شئت قلت: الذمّة مشغولة بالزكاة، و الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية.

الثاني: ما ادّعوه من الإجماع على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات.

الثالث: أنّ الزكاة عبادة، و الأصل فيها المباشرة إذ المطلوب فيها حصول القربة لشخص المكلّف.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 473.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 437

..........

______________________________

و قد مرّ كلام الشهيد في كتاب الوكالة من المسالك حيث قال: «و أمّا العبادات فالمقصود منها فعل المكلّف ما أمر به و انقياده و تذلّله، و ذلك لا يحصل إلّا بالمباشرة.» «1»

الرابع: أنّ التصرّف في مال الغير بدون إذنه محرّم شرعا فيمتنع قصد القربة به، و الزكاة عبادة تشترط بالقربة فتبطل بدونها. هذا.

و يرد على الوجه الأوّل: أنّ المستفاد من أدلّة جواز التوكيل في أداء الزكاة عدم اعتبار المباشرة فيها و أن الغرض أصل وقوع الفعل خارجا و لو من غير المكلف. غاية الأمر لزوم رضاية المالك بذلك و أذنه بحيث ينسب الفعل إليه بذلك.

و أمّا اعتبار وقوع الإذن سابقا على العمل فلا دليل عليه.

و يشهد لذلك أيضا استقرار سيرة العقلاء في معاملاتهم على الاكتفاء بالإجازة اللاحقة.

و بعبارة أخرى يجري في المقام ما صنعه الشيخ الأعظم في المكاسب من الاستدلال لصحّة بيع الفضولي و غيره من العقود الفضولية بعموم أدلّتها، لأنّ خلوّها عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم البيع و العقد عنه، غاية الأمر اشتراط ترتّب الأثر عليها بالرضا و الإذن، و لكن لا يقتضي ذلك اعتبار سبق الإذن فيتمسك لنفي اعتباره بالعمومات و الإطلاقات.

و بالجملة فمقتضى أدلّة إيتاء الزكاة بعد تحكيم أدلّة جواز التوكيل عليها صحة العمل و إن وقع من الغير، خرج منها العاري عن الإذن و الإجازة معا، و لم يعلم خروج ما فقد الإذن و لحقه الإجازة، و العموم حاكم على ما ذكر من أصالة الفساد و اشتغال الذمّة.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 335.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 438

..........

______________________________

و من هذا القبيل ما شاع من أداء المكلف من الخمس بسهميه بلا إذن من الحاكم مع

أنّه وليّ الخمس فيجيز الحاكم ذلك بعد الأداء.

و لو قيل في المقام بما اختاره صاحب المدارك و غيره من جواز التبرّع بالزكاة و لو بدون إذن المكلّف تمسكا بإطلاق صحيحة منصور بن حازم الماضية «1» في زكاة القرض، صار الأمر أسهل، و لكن نحن منعنا إطلاق الصحيحة من هذه الجهة كما مرّ فراجع. «2»

و يرد على الوجه الثاني أوّلا: أنّ المقام عقد لا إيقاع لأنّه تمليك للفقير و يحتاج إلى قبوله اللّهم إلّا أن يكون بنحو الصرف فيه لا الإعطاء له.

و ثانيا: أن عدم جريان الفضولية في الإيقاعات غير ثابت إلا في بعض الموارد المجمع عليها. و نمنع تحقّق الإجماع في جميع الإيقاعات.

و يؤيّد ذلك ذهاب الكلّ أو الجلّ إلى صحّة عتق الراهن للعبد المرهون متوقّعا للفكّ أو الإجازة، بل صرّح بعضهم بصحّة عتق المرتهن عن الراهن مع إجازته و الحال أن أمر العتق أشكل من غيره من حيث اشتراطه بقصد القربة.

و عن العلّامة صحة عتق المفلّس مع إجازة الغرماء.

و عن المحقّق الكركي صحّة تدبير الفضولي مع إجازة المولى.

و عن كاشف الغطاء تقوية الجواز ما لم يقم الإجماع على المنع منه.

بل لو كانت الوصية من الإيقاعات- كما هو الأوجه- لكانت الوصية بما زاد على الثلث داخلة في الفضولي، و لا شبهة في صحّتها مع إجازة الوارث.

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع. «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2)- راجع كتاب الزكاة 1/ 101.

(3)- حاشيه المكاسب لآية اللّه الغروي الأصفهاني «قدس سره» 1/ 130.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 439

..........

______________________________

و يرد على الوجه الثالث: أنّ المفروض عدم اعتبار المباشرة في أداء الزكاة و قبوله للنيابة.

و يرد على الوجه

الرابع: فرض المسألة في صورة غفلة الفضولي عن حرمة التصرّف و تحقّق قصد القربة منه، اللّهم إلّا أن يقال بعدم الصحّة من الجاهل أيضا لحرمة تصرّفه في ملك الغير فلا يصلح لأن يقع عبادة إلّا أن يكون قاصرا. هذا.

و في مصباح الهدى استدلّ لعدم جريان الفضولية في المقام ببيان مفصّل نذكره ملخّصا لاشتماله على فوائد قال:

«و تحقيق الكلام في ذلك: أنّ إخراج الزكاة أو الخمس أو الدين أو الكفارات و نحوها من الأمور الإيجادية.

و الإيجادات منها ما يتعلّق بالأمور الخارجيّة التأصليّة، و ذلك مثل الضرب أو إخراج الزكاة و نحوها ممّا يكون موطن وجودها الخارج.

و منها ما يتعلّق بالأمور الاعتبارية التي لا وعاء لوجودها إلّا عالم الاعتبار.

أمّا الخارجيّات فيترتب وجودها على إيجادها بلا مهلة و لا يعقل التفكيك بينهما كالكسر و الانكسار و التسخين و التسخّن.

و أمّا الاعتباريّات ففيها مرحلتان: مرحلة وجود المنشأ في موطن الإنشاء و هذه المرحلة كالخارجيّات لا ينفكّ المنشأ فيها عن الإنشاء.

و مرحلة تحقّق المنشأ في عالم الاعتبار، و هذه المرحلة يمكن انفكاكها عن الإنشاء فيما توقّف تحقّقه على أمر آخر كالقبض مثلا في بيع الصرف و السلم.

إذا تبين ذلك فنقول: الخارجيات إما قابلة للنيابة أو لا تقبلها، و على التقديرين فلا يجري فيها الفضولي، أمّا ما لا تقبل النيابة فلأنها عند تحقّقها تكون مستندة إلى فاعلها المباشر. و أمّا القابلة منها للنيابة، فإن كان بإذن سابق تكون مستندة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 440

..........

______________________________

إلى الآذن، و إن لم تكن بإذن سابق فلا تصير بالإذن اللاحق مستندة إلى الآذن لا معناه المصدري و لا اسم المصدر، أمّا معناه المصدري فلا فلاستحالة انقلابه عمّا وقع عليه، و المفروض صدوره عن مباشره

و لا يعقل أن يصير بالإجازة مستندا إلى المجيز. و أمّا اسم المصدر فلتحقّقه حين الإيجاد من غير مهلة و الشي ء الواقع لا يعقل أن ينقلب عمّا وقع عليه ففي مثله يستحيل تأثير الإجازة المتأخّرة فلا يتمشّى فيه الفضولي.

فينحصر مورده في الاعتباريات التي تقبل النيابة بالنسبة إلى معناه الاسم المصدري، و ما لا تقبل النيابة منها لا يجري فيها الفضولي كما في المعنى المصدري ممّا تقبل النيابة منها. فتبيّن مما ذكرناه عدم جريان الفضولي في إخراج الزكاة و أمثاله. و المال المخرج بفعل الفضولي لا يتعيّن زكاة بل يبقى على ملك مالكه فله استرداده مع بقاء عينه، كما أنّ له أن ينوي كونه زكاة فيصير زكاة من حين قصده بإنشاء كونه كذلك لا بتنفيذ فعل الفضولي حتّى يجري فيه حديث الكشف و النقل بل هو إخراج صادر عن المالك نفسه ...» «1»

أقول: محصّل كلامه- قدّس سرّه- يرجع إلى أنّ الفضولية تجري في الاعتباريّات التي تقبل النيابة حيث توجب الإجازة اللاحقه فيها استناد الأمر المعتبر أعني اسم المصدر إلى المجيز و بذلك ينطبق عليه دليله و إعطاء الزكاة و نحوها أمر خارجي تكويني فلا يجري فيها ذلك.

و لكن يمكن أن يقال أوّلا: إنّ الإعطاء بنفسه و إن كان أمرا خارجيّا تكوينيا، و لكن كون المال المعطى زكاة أو خمسا أو نحوهما أمر اعتباريّ متقوّم بالقصد يعتبره المعطي بقصده و ينشأه بفعله، و حيث إنّه أمر يتوقّف على رضا المالك

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 430 و 431.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 441

..........

______________________________

و يقبل النيابة فيمكن أن يجيزه المالك بما أنّه أمر اعتبره الفضولي و أنشأه.

كما أن إنشاء البيع مثلا بالصيغة أمر وقع من الفضولي خارجا و

لكن الحاصل من إنشائه في عالم الاعتبار يستند إلى المالك بإجازته اللاحقة فلا فرق بين المقامين.

و ثمرة إجازة ما اعتبره الفضولي صحّة ما أعطاه إذا كان المعطى له واجدا للشرائط حين الإعطاء و إن فقدها حين الإجازة، بناء على ما هو الحقّ في الفضولي من كون مفاد الإجازة اللاحقة تنفيذ عمل الفضولي من أصله بنحو الكشف.

و بذلك يفترق عن إنشاء المالك الزكاة فعلا لتوقفه على كون المعطى له واجدا للشرائط فعلا.

و ثانيا: يمكن أن يقال في الأعمال الخارجية التكوينيّة القابلة للنيابة أيضا بأنّ العقلاء كما يسندونها إلى الآذن قبلا يمكن أن يعتبروا إسنادها إلى المجيز بالإجازة اللاحقة أيضا، و الاعتبار خفيف المؤونة، و كأنّه تقبّل عمل الغير إذا كان يترتّب عليه أثر للمجيز فعلا، و لا سيّما إذا فعل المباشر الفعل بعنوان النيابة عن الغير بقصد أن يستجيز منه كما أشار إلى ذلك صاحب الجواهر فيما مرّ من كلامه من الإتيان بعنوان الوكالة الفضولية.

و قد ورد: «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم.» «1» و هذا في الأفعال التكوينية فتأمّل. هذا.

و قد شاع كما مرّ أداء السهمين المباركين بلا إذن المراجع ثمّ الاستجازة منهم فيجيزون مع أنّ أمرهما و لا سيّما سهم الإمام راجع إليهم.

و الفرق بين ذلك و بين من يؤدّي من مال الغير زكاته أو خمسه بدون إذنه

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1163، عبده 3/ 126، لح/ 499، الحكمة 154.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 442

نعم لو كان المال باقيا في يد الفقير أو تالفا في ضمانه- بأن يكون عالما بالحال (1)- يجوز له الاحتساب إذا كان باقيا على فقره. (2)

______________________________

إذا أجاز لا حقا مشكل لاشتراك المقامين في الفضولية.

نعم يمكن حصر الصحّة فيما إذا

كان الإعطاء بقصد الاستجازة حتى يتحقّق الإسناد بالإجازة. و أمّا القربة فنكتفي فيها بقصد المجيز ذلك إذ المعتبر قرب المالك لا المباشر فتدبّر.

(1) بل و إن كان جاهلا به إذ المال لغير الدافع و لم يقع التسليط عليه من قبل المالك. نعم لو أخذ منه جاز له الرجوع إلى الدافع الغارّ له و عليه يستقر الضمان.

و هل يجوز له الرجوع إليه حتّى بعد احتساب المالك عليه زكاة؟ مشكل إذ لم يغرم شيئا حتى يرجع فيه إلى من غرّه.

و يظهر من مصباح الهدى «1» عدم جواز الاحتساب عليه و جواز رجوعه إلى الغارّ، و كأنّه لأنّ الدين إنّما يجوز أن يحتسب زكاة إذا كان مستقرا في الذمّة و لم يكن له مرجع يطلب منه فتأمّل.

(2) الظاهر أنّ مع التلف يكون احتسابه من سهم الغارمين فلا يعتبر فيه الافتقار لمئونة السنة بل الافتقار لأداء الدين فقط.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 431.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 443

[السابعة و العشرون إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله]

اشارة

السابعة و العشرون إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: ادفعه إلى الفقراء، يجوز له الأخذ منه لنفسه إذا كان فقيرا مع علمه بأن غرضه الإيصال إلى الفقراء. (1) و أمّا إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.

[المسألة لا تختصّ بباب الزكاة بل تجري في الخمس و النذور و الكفّارات]

______________________________

(1) اعلم أنّ المسألة واسعة النطاق لا تختصّ بباب الزكاة بل تجري في الخمس و النذور و الكفّارات و الصدقات المندوبة و نحوها. و يجري البحث في وصيّ الميت أيضا.

و نظير المسألة ما لو وكّلت المرأة رجلا في تزويجها من رجل فيقع البحث في جواز تزويجها لنفسه، و كذا إذا وكّل رجل رجلا في أن يبيع له شيئا أو يوجره أو يشتري له شيئا أو يستأجر له.

[الكلام في مرحلة الثبوت]

و الكلام تارة في مرحلة الثبوت، و أخرى في مرحلة الإثبات.

أمّا في مرحلة الثبوت فواضح أنّ الملاك شمول إذن الموكّل أو الموصي لنفس الوكيل أو الوصيّ فإن شمله الإذن جاز الأخذ لنفسه و إلّا فلا فهذا ممّا لا إشكال فيه.

[الكلام في مرحلة الإثبات]

و إنّما المهمّ الكلام في مرحلة الإثبات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 444

..........

______________________________

و شقوق المسألة كثيرة جدّا، إذ الموكّل إمّا أن يعيّن شخصا خاصا مثل أن يقول:

ادفع هذا المال من الزكاة لزيد مثلا أو لزيد الفقير، و إمّا أن يذكر مصرفا عامّا مثل أن يقول: ادفعه إلى الفقراء.

و في الصورة الأولى إمّا أن يعلم أنّ تعيينه لفرد خاصّ يكون بلحاظ إحرازه لانطباق عنوان الفقير عليه، أو لا يعلم ذلك. و على الأوّل إما أن نعلم بصحّة تشخيصه في الانطباق أو نعلم بعدم صحّته أو نشكّ في ذلك.

و في الصورة الثانية أعني ذكر المصرف العام إمّا أن يذكر المصرف بنحو ينطبق على نفس الوكيل قطعا كأن يقول مثلا: فرّق زكاة مالى أو ادفعها إلى الفقراء و لو إلى نفسك.

و إما أن يذكره بنحو لا ينطبق على نفسه قطعا.

و إمّا أن يذكره بنحو يشمله بعمومه اللفظي كأن يقول: فرّق زكاة مالي في جميع الفقراء أو ادفعها إلى كلّ فقير شئت.

و إمّا أن يذكره بنحو يشمل نفسه بإطلاقه بمقتضى مقدمات الحكمة، فيقع البحث في جواز التمسك بالإطلاق أو يحكم بالانصراف عن نفسه و لو بقرينة لفظ الدفع أو الإعطاء الظاهرين في تعدّد الدافع و المدفوع إليه حقيقة.

و إمّا أن يذكره بنحو الإهمال لا عموم له و لا إطلاق.

و الظاهر عدم الإشكال في الصورة الأولى بشقوقها و أنّه لا يجوز الأخذ لنفسه و إن أحرز أنّ نظره إلى عنوان

الفقر لأنّ العنوان داع له، و الملاك في جواز التصرّف إذنه و تعيينه الفعلي.

و بذلك يظهر الإشكال فيما يظهر من المصنف من كون الحكم دائرا مدار الغرض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 445

..........

______________________________

و هل يجوز مع العلم باشتباهه في تطبيق العنوان على زيد مثلا الإعطاء له بتقريب أن المتّبع إذنه الفعلي لا الأغراض و الدواعي، أولا يجوز ذلك؟ في المسألة كلام لا يرتبط ببحثنا في المقام.

و يمكن التفصيل فيه بين كون الفقر داعيا و بين التوصيف به في لفظه كأن يقول: ادفعه إلى زيد الفقير «1» فيقال في الأوّل أنّ الفقر داع لا يقيّد المأذون فيه؛ و في الثاني أنه عنوان مقيّد للمأذون فيه فلا يجوز للوكيل التخلّف عنه و يكون هو الملاك بتشخيص الوكيل.

و أمّا الصورة الثانية أعنى ذكر المصرف العامّ فكذا لا إشكال في الشقين الأوّلين منها، بل و كذا في الشقّ الثالث منها إذ العموم اللفظي حجّة يتّبع ظهوره و يحاجّ به ما لم يثبت خلافه، و هكذا لا إشكال في الشقّ الخامس أيضا لإهماله و إجماله فيؤخذ بالقدر المتيقّن.

و إنّما الإشكال و البحث في الشقّ الرابع منها و أنّه هل يؤخذ فيه بإطلاق اللفظ أو يحكم بانصرافه عن نفس الوكيل كما قيل في مسألة الزواج.

[كلمات الأصحاب و أخبار الباب]

هذا كلّه فيما يقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن كلمات الأصحاب و أخبار الباب. و أمّا بلحاظهما فنقول:

1- قال الشيخ في زكاة النهاية: «و من أعطى غيره زكاة الأموال ليفرّقها على مستحقّها و كان مستحقّا للزكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره، اللّهم إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم فإنه لا يجوز له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، و لا أن يعدل

عنهم إلى غيرهم.» «2»

______________________________

(1)- كما في مصباح الهدى 10/ 432 و 433.

(2)- النهاية/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 446

..........

______________________________

2- و في تجارة الشرائع: «الثالثة: إذا دفع الإنسان مالا إلى غيره ليصرفه في قبيل و كان المدفوع إليه بصفتهم، فإن عيّن له، عمل بمقتضى تعيينه، و إن أطلق جاز أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة.» «1»

أقول: ظاهر العبارتين الأخذ بإطلاق اللفظ إلّا أن يثبت خلافه.

3- و لكن في وكالة المبسوط: «إذا وكّله في تفرقة ثلثه في الفقراء و المساكين لم يجز أن يصرف إلى نفسه منه شيئا و إن كان فقيرا مسكينا لأنّ المذهب الصحيح أن المخاطب لا يدخل في أمر المخاطب إيّاه في أمر غيره.» «2»

4- و في تجارة المختصر النافع: «الرابعة: لو دفع إليه مالا ليصرفه في المحاويج و كان منهم فلا يأخذ منه إلّا بإذنه على الأصحّ.» «3»

5- و في الجواهر في ذيل ما مرّ من عبارة الشرائع قال: «وفاقا للأكثر كما في الدروس بل المشهور كما في الحدائق للاندراج في اللفظ، و ظهور كون المراد المتّصف بالوصف المزبور، و للموثق ... خلافا لوكالة المبسوط و زكاة السرائر و مكاسب النافع و القواعد و وصاياها و كشف الرموز و المختلف و التذكرة و جامع المقاصد و إيضاح النافع على ما حكي عن بعضها للأصل و صحيح عبد الرحمن ...» «4»

أقول: و قد ورد في المسألة طائفتان من الأخبار إحداهما تدلّ على الجواز و الأخرى على المنع. فلنذكر أوّلا أخبار الجواز:

1- موثق سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يعطى الزكاة

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 12 (طبعة أخرى/ 266).

(2)- المبسوط 2/ 403.

(3)- المختصر النافع/ 118.

(4)- الجواهر 22/ 149 و 150.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 447

..........

______________________________

فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم.» «1»

2- صحيح الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم «ع» في رجل أعطي مالا يفرّقه فيمن يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره.» «2»

3- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممّن تحلّ له الصدقة؟

قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» قال: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه.» «3»

أقول: التقييد بما يعطي غيره من جهة أنّ أخذ الزائد تبعيض يحتاج إلى الإذن و دلالة الإذن المطلق عليه مشكل.

4- و يؤيّد ذلك صحيحة أخرى لعبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن (يستأمر- خ ل) صاحبه؟ قال: «نعم.» «4»

إذ يستفاد منها أنّ الملاك تحقّق العنوان المأذون فيه من غير فرق بين من يرجع إليه في الحقيقة و بين غيرهم.

و إن شئت قلت: إنّ الإعطاء للعيال يرجع إلى الأخذ لنفسه.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ في الدفع إلى العيال إخراج إلى الغير فيتحقّق التغاير بين

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 199، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث، و 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 ..

(2)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 206، الباب

84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 448

..........

______________________________

المعطي و المعطى له بخلاف الأخذ لنفسه. و لكن الظاهر كفاية التغاير اعتبارا بعد استظهار العرف كون المناط صرف المال في مصرفه المأذون فيه.

5- و يدلّ على الجواز أيضا خبر عمرو بن سعيد الساباطي أنّه كتب إلى أبي جعفر «ع» يسأله عن رجل أوصى إليه رجل أن يحجّ عنه ثلاثة رجال فيحلّ له أن يأخذ لنفسه حجّة منها؟ فوقّع «ع» بخطّه و قرأته: «حجّ عنه إن شاء اللّه فإنّ لك مثل أجره، و لا ينقص من أجره شي ء إن شاء اللّه.» «1»

حيث إنّ الوكيل و الوصيّ على وزان واحد و كأنّ الوصيّ وكيل لما بعد الموت.

و أبو جعفر هنا أبو جعفر الثاني «ع». هذه أخبار الجواز.

[و أمّا أخبار المنع:]

و أمّا أخبار المنع:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال:

«لا يأخذ منه شيئا حتّى يأذن له صاحبه.» «2»

قال في المسالك: «هي صحيحة السند غير أنّها مقطوعة ... و الظاهر أنّ المسئول هو الصادق أو الكاظم «ع» لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج روى عنهما فمن ثمّ عمل بها الجماعة، و أيضا فجلالة حال هذا الراوي و ثقته يوجب الظنّ الغالب بكون المسؤول هو الإمام «ع».» «3»

و في الجواهر عن التحرير إسنادها إلى الصادق «ع». «4»

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 116، الباب 1 من أبواب النيابة في الحج، الحديث 5.

(2)- الوسائل 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(3)- المسالك 1/ 167.

(4)- الجواهر 22/ 150.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 449

..........

______________________________

و الشيخ- قدّس سرّه-

بعد نقل هذه الصحيحة في الاستبصار قال ما ملخّصه:

«الخبر يحتمل شيئين: أحدهما أن يكون محمولا على الكراهة. و الثاني:

أنّه لا يجوز له أن يأخذ أكثر من غيره، و إنما يسوغ له أن يأخذ مثله. و يحتمل أيضا أن يكون محمولا على ما إذا عيّن له أقواما يفرّق فيهم.» «1»

أقول: أخبار الجواز أظهر من هذه الصحيحة فالصناعة تقتضي تقديمها و تأويل الصحيحة بالحمل على الكراهة و نحوها و لا سيّما و أن عبد الرحمن بنفسه أيضا ممّن روى الجواز. «2» و احتمال تقييد الجواز في أخبار الجواز بالإذن بعيد جدّا كاحتمال حملها على الإذن الشرعية لا المالكية.

هذا مضافا إلى أنّ المذكور في خبر المنع عنوان المحاويج منكّرا فلعلّه أشير به إلى محاويج مخصوصين فلا يشمل الوكيل. و المستفاد من قول الراوي: «و لا يعلمه» و من الجواب عدم إطلاق لفظ الإذن بحيث يشمل الوكيل. و لعلّ الراوى توهّم أنّ وجود الاحتياج الذي هو العلّة في نظر الموكّل كاف في جواز صرفه في نفسه فردّه الإمام «ع» بالاحتياج إلى الإذن الفعلي.

و يحتمل أيضا أن لا يكون نظر الإمام في جوابه هذا إلى المنع، بل إلى إعطاء ضابطة كليّة لعبد الرحمن و أن الملاك حصول الإذن و إحرازه بأيّ نحو حصل و لو بإطلاق اللفظ فتأمّل.

2- و يمكن أن يستأنس للمنع أيضا بصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إذا قال لك الرجل: اشتر لي فلا تعطه من عندك، و إن كان الذي عندك خيرا منه.» «3»

______________________________

(1)- الاستبصار 3/ 54.

(2)- راجع الوسائل 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(3)- الوسائل 12/ 288، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 4، ص: 450

..........

______________________________

3- و موثقة إسحاق قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له: ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده فقال «ع»: «لا يقربنّ هذا و لا يدنّس نفسه إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهٰا وَ حَمَلَهَا الْإِنْسٰانُ إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولًا.» «1»

و إن كان عنده خير ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده.» «2»

4- و في فقه الرضا: و إذا سألك رجل شراء ثوب، فلا تعطه من عندك فإنها خيانة و لو كان الذي عندك أجود ممّا عند غيرك.» «3» و حكاه الصدوق أيضا في المقنع عن وصية والده إليه. «4»

أقول: يمكن أن يقال أوّلا: إنّ النهي في هذه الروايات يحمل على التنزيه دفعا لوقوع الوكيل في معرض التهمة، و وقوع النزاع بينهما في المستقبل و يشهد لذلك خبر ميسر قال: قلت له: يجيئنى الرجل فيقول: تشتري لي و يكون ما عندي خيرا من متاع السوق. قال: «إن أمنت أن لا يتّهمك فأعطه من عندك، و إن خفت أن يتّهمك فاشتر له من السوق.» «5»

و ثانيا: أنّ ظاهر قول الموكّل: «اشتر» أو «ابتع» هو الشراء من الغير فلا يستفاد منهما الإذن المطلق بحيث يشمل نفس الوكيل فتأمّل.

______________________________

(1)- سورة الاحزاب (33)، الآية 72.

(2)- الوسائل 12/ 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(3)- فقه الرضا/ 33 (طبعة أخرى/ 251).

(4)- الجوامع الفقهية/ 31.

(5)- الوسائل 12/ 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 451

..........

______________________________

و كيف كان فالظاهر تقديم أخبار الجواز في المقام لكثرتها و أظهريتها و بها يرفع اليد عن الأصل.

هذا مضافا إلى أنّ المفروض شمول إطلاق اللفظ للوكيل، و الإطلاق حجة كالعموم، و الانصراف إلى الغير لو فرض بدوي لا يرفع به اليد عن الحجة، و إنما يضرّ إذا صار بحدّ يكون التقييد واضحا عند العرف.

فإن قلت: ظاهر لفظ الإعطاء أو الدفع مغايرة الدافع للمدفوع إليه.

قلت: أوّلا: إنّ عبارة الإذن لا ينحصر في اللفظين.

و ثانيا: إنّ الظاهر عدم الموضوعيّة لهما و كونهما عند العرف طريقين لوصول المال إلى أهله.

و ثالثا: إن المغايرة الاعتبارية كافية فيصير الوكيل بمنزلة شخصين. و ربّما يؤيّد ذلك ما قيل من دخول النبي «ص» بنفسه في خطاباته للمؤمنين فيكون هو آمرا و مأمورا باعتبارين فتدبّر. هذا.

[ينبغي التنبيه على أمور]
اشارة

و ينبغي هنا التنبيه على أمور:

[الأوّل: أنّ المحقّق- مع إفتائه في المقام بالجواز أفتى في النكاح بالمنع]

الأوّل: أنّ المحقّق- قدّس سرّه- في الشرائع مع إفتائه في المقام بالجواز كما مرّ أفتى في باب النكاح منه بالمنع فقال: «إذا وكّلت البالغة الرشيدة في العقد مطلقا لم يكن له أن يزوّجها من نفسه إلّا مع إذنها.» «1»

و يظهر من المسالك تعليل ذلك بأنّ المفهوم من أمره بتزويجها كون الزوج غيره عملا بشهادة الحال.

ثمّ قال ما محصّله: «إنّ الظاهر عدم الفرق بين العامّ و المطلق و إن كان العموم أقوى دلالة إلّا أنّهما مشتركان في أصلها.

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 277 (طبعة أخرى/ 503).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 452

..........

______________________________

و شهادة الحال بإرادة غير المخاطب مطلقا ممنوعة فإن كانت المسألة إجماعيّة و إلّا فللنظر فيها مجال. و في التذكرة احتمل مع الإطلاق الجواز معلّلا بإطلاق الإذن، و المنع و لم يعلّله و لا رجّح شيئا.» «1»

أقول: ما ذكره من عدم الفرق بين العامّ و المطلق كلام متين، و تحقيق مسألة النكاح موكول إلى محلّه.

[الثاني: ظاهر صحيحتي الحسين بن عثمان و عبد الرحمن بن الحجاج عدم جواز أخذ الوكيل لنفسه زائدا على ما يعطيه لغيره]

الثاني: ظاهر صحيحتي الحسين بن عثمان و عبد الرحمن بن الحجاج عدم جواز أخذ الوكيل لنفسه زائدا على ما يعطيه لغيره و إن فرض استحقاقه لذلك و بذلك أفتى في النهاية و الشرائع كما مرّ، و مقتضى ذلك اعتبار المساواة بين الأفراد في تقسيم الخمس و الزكاة و عدم جواز التفاضل مع عدم الدليل على ذلك بل المعلوم خلافه فيما إذا كان العنوان غير محصور و اعتبر بنحو المصرف.

قال في المسالك: «و ظاهر هذا الشرط أنّه لا يجوز له تفضيل بعضهم على بعض لأنّه من جملتهم، و يتّجه ذلك إذا كان المعيّن للصرف محصورا، أمّا لو كانوا غير محصورين كالفقراء فجواز التفاضل مع عدم قرينة على خلافه أوضح خصوصا إذا كان المال

من الحقوق الواجبة كالزكاة فإنّ التسوية فيها ليست بلازمة.» «2»

أقول: لعلّ المقصود في الصحيحتين كما يظهر من الجواهر «3» لزوم أن يلاحظ نفسه بنحو يلاحظ غيره في صدق العنوان المأذون فيه و في المزايا المعتبرة عند الشرع و العقلاء المقتضية للتفاضل فلا يجعل لنفسه من حيث نفسه خصوصية،

______________________________

(1)- المسالك 1/ 454.

(2)- المسالك 1/ 167.

(3)- الجواهر 22/ 152.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 453

..........

______________________________

لأنّه مرغوب عنه عند الموكّل قهرا فلا يشمله إذنه، و لا ينافي ذلك جواز التفاضل على أساس المزايا المعتبرة من غير فرق بينه و بين غيره.

بل لو جاز له التخصيص بأحدهم باعتبار فهمه من الموكّل إرادة المصرفية و إبراء ذمّته بوصول الحق إلى محلّه كان له الاختصاص به أيضا، كما أنّ له أن يخصّ به أحدهم. هذا.

و أمّا احتمال أن يراد بالمماثلة في الصحيحين المماثلة في أصل الأخذ و الإعطاء لا نفي التفاضل كما قيل فمخالف للظاهر جدا. و لا مجال لهذا الاحتمال في عبارتي النهاية و الشرائع أصلا فراجع.

[الثالث: يجوز للوكيل أن يدفع إلى عياله و أقاربه مع انطباق العنوان المأذون فيه عليهم]

الثالث: أنّه يجوز للوكيل أن يدفع إلى عياله و أقاربه مع انطباق العنوان المأذون فيه عليهم، سواء وجبت عليه نفقتهم أم لا، حتّى على القول بالمنع بالنسبة إلى نفسه، إذ أخبار المنع لا تشملهم، و ظهور الدفع و الإعطاء في المغايرة أيضا محفوظ.

مضافا إلى ما مرّ من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المصرّحة بجواز الإعطاء لهم. «1»

[الرابع: لو زعم الموكّل عدم اتّصاف الوكيل بالعنوان المأذون فيه و كان متّصفا به]

الرابع: لو زعم الموكّل عدم اتّصاف الوكيل بالعنوان المأذون فيه و كان متّصفا به في نفس الأمر فإن صرّح بإخراجه و عدم أخذه لم يجز له الأخذ، و إن كان إخراجه ناشئا عن اشتباهه بحيث لو لم يشتبه عليه لم يخرجه، إذ الملاك في جواز التصرّف إذنه الفعلي لا التقديري.

و أمّا إذا لم يصرّح بإخراجه و كان العنوان شاملا له بعمومه أو إطلاقه فالظاهر

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 454

..........

______________________________

جواز الأخذ و لا يضرّ بذلك اعتقاد المالك بغناه من جهة تعفّفه، إذ إذنه الفعلي تعلّق بالعنوان لا بالأشخاص، و المفروض انطباق العنوان عليه، نظير سائر الأفراد إذا لم يكن الموكّل عالما بفقرهم أو اعتقد غناهم و لكنّهم كانوا فقراء واقعا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 454

و بالجملة إذا تعلّق الإذن بالعنوان على نحو القضية الحقيقية كان تطبيقه على المصاديق على عهدة الوكيل و لا أثر لعلم الموكّل و جهله في هذا المقام. اللّهم إلّا أن يصرّح بإخراجه و لو اشتباها منه فلا مجال حينئذ للإعطاء له فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 455

[الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة و بقيت عنده سنة]

الثامنة و العشرون لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجا و بقيت عنده سنة وجب عليه إخراج زكاتها. (1) و هكذا في سائر الأنعام و النقدين.

______________________________

(1) لعموم الأدلّة و إطلاقها، و لم أعثر على الخلاف في المسألة. نعم قد يتوهّم تخصيص العمومات بما دلّ على تشريع الزكاة في أموال الأغنياء كقوله «ع» في صحيحة زرارة و محمد

بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث:

«إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم.» «1»

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عنه «ع»: «إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به.» «2»

و في خبر محمد بن سنان عن الرضا «ع»: «إنّ علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء.» «3» و حين ما بعث النبي «ص» معاذا إلى اليمن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 5، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 456

..........

______________________________

قال له: «فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم.» «1»

و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ تخصيص عمومات ما فيه الزكاة بكثرتها بمفاد هذه الأخبار مشكل، و لا سيّما و أنّ كثيرا من مصاديق واجدي النصاب الأوّل في النقدين بل و الأنعام الثلاثة كانوا فقراء لا يجدون مئونة سنتهم، و لو كان لا يجب عليهم زكاة لتنبّه لذلك أصحاب الأئمة «ع» و سألوا عن حكمهم و نبّه الأئمة «ع» على عدم وجوب الزكاة عليهم، فيظهر بذلك بقاء العمومات بحالها فينزّل ما في هذه الأخبار المشار إليها على بيان الأعمّ الأغلب أو على بيان الحكمة لتشريع الزكاة لا العلّة التي يدور مدارها الحكم نفيا و إثباتا.

و يمكن أن يؤيّد الوجوب أيضا بما دلّ على وجوب زكاة القرض على المقترض مع فقر المقترضين غالبا. «2» هذا.

و قد عثرنا بعد

ما كتبنا ذلك على خبر الفضيل بن يسار في باب زكاة الفطرة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: «أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة.» «3»

و ظاهره عدم الزكاة فيما أخذ زكاة و إن وجد فيه الشرائط من النصاب و الحول و نحوهما.

و لكن الخبر ضعيف بجهل حال إسماعيل بن سهل في سنده و لم نعثر على

______________________________

(1)- البخاري 5/ 109 (طبعة أخرى 3/ 73) كتاب المغازى، باب بعث أبي موسى و معاذ الى اليمن.

(2)- راجع الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(3)- الوسائل 6/ 224، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 457

..........

______________________________

من يفتي بمضمونه.

و قياس باب الزكاة على الخمس بناء على عدم تعلقه بما أخذ خمسا لخبر علي بن الحسين بن عبد ربّه قال:

سرّح الرضا «ع» بصلة إلى أبى فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس.» «1»

لا يوافق مذهبنا في نفي القياس. و كيف كان فالأحوط في المقام إخراج الزكاة فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 354، الباب 11 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 458

[التاسعة و العشرون لو كان مال مشتركا بين اثنين و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب]

التاسعة و العشرون لو كان مال زكويّ مشتركا بين اثنين مثلا، و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب فأعطى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمّ اقتسماه، فإن احتمل المزكّي أن شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال. (1)

و إن علم أنّه لا يؤدّي ففيه إشكال، من حيث

تعلّق الزكاة بالعين. (2) فيكون مقدار منها في حصّته.

______________________________

(1) إذ يحمل فعل الشريك أعني إقدامه على التقسيم على الصحّة، نظير ما إذا باع حصّته أو وهبه أو أقدم على الشركة مع العلم بأنّ ماله كان متعلّقا للزكاة أو الخمس و شككنا في أدائهما، فأصل الصحة يجري في جميع هذه الموارد بلا إشكال.

(2) هذا على القول بكون التعلّق بنحو الإشاعة إذ مقتضاها كون حصّة أرباب الزكاة أو الخمس مشاعة في جميع المال. فإذا كان بين الشريكين ثمانون شاة مثلا بالمناصفة يتعلّق بكلّ واحد منهما شاة مشاعة في جميع الثمانين.

إذ المشاع في المشاع في شي ء مشاع في ذلك الشي ء، فإذا أدّى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر و لم يؤدّ الآخر ثمّ اقتسما المال بقيت زكاة مال الشريك مشاعة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 459

..........

______________________________

في جميع المال، حيث إنّ مقتضى قاعدة السلطنة سلطنة كلّ منهما على إفراز حصة نفسه من حصّة شريكه برضاهما، و لا دليل على ولايتهما على الإفراز بالنسبة إلى مقدار الخمس أو الزكاة فإنهما لشريك ثالث.

نظير ما إذا باع أحد الشريكين بعض حصّته المشاعة من ثالث فصار هنا ثلاثة شركاء، فليس للبائع و شريكه الأوّل أن يقسّما جميع المال بأن يجعلا حصّة المشتري منضمّة إلى حصّة البائع فقط بدون رضاه.

و ما هو الثابت للمالك في باب الزكاة ولايته على عزلها و إعطائها لأهلها لا إفرازها منضمة إلى مال نفسه عن حصّة شريكه بنحو يتخلّص حصّة الشريك و تبقى الزكاة في حصّة نفسه.

و بما ذكرنا يظهر الإشكال على بعض الحواشي حيث قال: «لا إشكال بعد ما يفرز حصّته المزكاة عن حصّة شريكه الغير المزكاة.» «1»

إذ يرد عليه عدم ولاية المزكي إلّا على حصّة نفسه،

و التقسيم لا يتحقّق إلّا برضى الجميع و منهم أرباب الزكاة في المقام.

فإن قلت: الزكاة تتعلّق بحصّة كلّ من الشريكين بما هي ملكه فإذا أفرز بالتقسيم حصّة كلّ منهما صار موضوع الزكاة ممتازا عن حصّة المزكيّ لا محالة و امتازت حصّته و تخلّصت.

قلت: الزكاة و إن تعلّقت بالملك بما هو ملك و لكن لما كان الملك شائعا في جميع المال صار المشاع فيه أيضا مشاعا في الجميع و لم يثبت ولاية المالك على إفراز ما خرج عن ملكه و صار لأرباب الزكاة إلّا إذا قصد عزله بعنوان الزكاة أو إعطاءه

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 348، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 460

..........

______________________________

لأهلها. هذا و مقتضى ما ذكرنا أيضا عدم جواز إحداث الشركة بين المال المزكّى أو المخمس و بين غير المزكّى و المخمّس.

إذ بعد امتزاج المالين و الاتّجار بهما يحصل الربح بالشركة فيشترك فيه أرباب الخمس و الزكاة أيضا. و لا يحصل إفراز الأصل و لا الربح إلّا بعد رضى الجميع.

هذا كلّه على القول بالإشاعة كما هو الأحوط لو لم يكن أقوى.

و لكنّ المصنّف لا يقول بالإشاعة بل قال بأنّه بنحو الكلّي في المعيّن نظير ما إذا باع صاعا كليّا من صبرة معيّنة و على هذا فلا إشكال في المقام إذ مقتضاه كون خصوصيات المالين للمالكين لا لأرباب الزكاة فلهما إفراز المالين بخصوصيّاتهما. و الكلي المملوك لأرباب الزكاة باق في مال من لم يزكّ حتّى بعد التقسيم أيضا، و له التصرّف في ماله ما بقي منه مقدار الزكاة.

نظير من باع صاعا من صبرة معيّنة بنحو الكلّي و كانت عشرة أصوع مثلا ثمّ باع خمسة منها لآخر و أقبضها إيّاه فإنّه

يصحّ البيع الثاني و الإقباض و يبقى الصاع الذي باعه أوّلا في الباقي.

كما لا إشكال أيضا إن قلنا بكون التعلّق بنحو الحقّ كحق الرهانة مثلا إذ متعلّقه مال المالك، و حينئذ فيمكن القول بثبوت ولايته بالنسبة إلى إفراز ماله بمقتضى قاعدة السلطنة لعدم منافاته للحقّ لبقاء متعلّقه غاية الأمر أنّه كان مشاعا فيصير بالإفراز معيّنا كما في سائر موارد الحقوق المتعلقة بالجزء المشاع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 461

[الثلاثون: يجوز للحاكم إجبار الكافر على الإعطاء و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا جاز الأخذ من تركته]

الثلاثون قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة و لا تصحّ منه و إن كان لو أسلم سقطت عنه (1). و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له، أو أخذها من ماله قهرا عليه و يكون هو المتولّي للنية (2) و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا جاز الأخذ من تركته (3) و إن كان وارثه مسلما وجب عليه، كما أنّه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه

______________________________

(1) قد مرّ البحث في ذلك في المسألة السادسة عشرة و السابعة عشرة من أوائل الزكاة و المسألة الحادية عشرة من زكاة الأنعام فلا نعيد. «1»

(2) إن أريد بالنيّة قصد أصل الزكاة فالظاهر عدم الإشكال في اعتباره لما مرّ من كونها من العناوين المتقوّمة بالقصد و إن أريد بها قصد القربة ففي وجوبها على الحاكم كلام و قد تعرّضنا له في المسألة الخامسة من الفصل السابق.

(3) في صورة جواز الأخذ من نفسه و قد ناقشنا في جواز أخذها من الذمّي إلّا مع الشرط في عقد الذمّة فراجع.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 125، 137 و 257.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 462

كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّا (1) و حكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة و

قد مرّ سابقا.

______________________________

(1) مرّ البحث و الإشكال في ذلك في المسألة الثامنة عشرة من أوائل الزكاة. «1»

و على القول بكون التعلّق بنحو الإشاعة لا فرق بين اشتراء تمام النصاب أو بعضه، نعم يصحّ الفرق على القول بكونه بنحو الكلّي في المعيّن كما عليه المصنّف.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 145.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 463

[الحادية و الثلاثون: إذا بقي من المال- الذي تعلّق به الزكاة بها و لم يكن عنده غيره]

الحادية و الثلاثون إذا بقي من المال- الذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما و لم يكن عنده غيره، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة. (1)

______________________________

(1) لقبح الترجيح بلا مرجّح، و لقاعدة العدل و الإنصاف المعتبرة عند العقلاء، بل و الشرع أيضا كما في مسألة الدرهم أو الدينار بين شخصين. «1» و لتنقيح المناط من باب غرماء المفلّس و الميت حيث يوزّع المال بينهم بالحصص. «2»

و ناقش في ذلك في المستمسك فقال: «و فيه أنّ كلّ جزء من المال موضوع لكلّ من الحقّين، فحيث لا يمكن إعمالهما معا يكون إعمال أحدهما بعينه ترجيحا بلا مرجّح، و لازمه التخيير في إعمال كلّ منهما، فلا موجب للتوزيع، فضلا عن أن يكون على النسبة. مثلا: إذا كان الخمس عشرة دراهم و الزكاة كذلك و المال عشرة، فإعطاء خمسة لأحدهما و خمسة للآخر إهمال لكلّ من الحقّين في مقدار خمسة، و ليس هو أولى من إهمال أحدهما في عشرة و إعمال الآخر في عشرة، كما أنّه ليس أولى من بقية صور التوزيع.» «3»

______________________________

(1)- راجع الوسائل 13/ 169 و 171، الباب 9 و 12 من كتاب الصلح.

(2)- الوسائل 3/ 119 و 147، الباب 31 من أبواب الدين و القرض، و الباب 6 من كتاب الحجر.

(3)- المستمسك 9/ 378.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 464

بخلاف ما

إذا كانا في ذمّته و لم يكن عنده ما يفي بهما فإنّه مخيّر بين التوزيع و تقديم أحدهما. (1)

و إذا كان عليه خمس أو زكاة و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفّارة و النذر و المظالم، و ضاق ماله عن أداء الجميع، فإن

______________________________

أقول: هو- قدّس سرّه- لاحظ نفس الحقّين دون الصاحبين إذ لو لا حظهما لا تضح أنّ وصول كلّ منهما إلى بعض حقّه أولى من حرمان أحدهما بالكلّية.

و صاحب الحقّ أحقّ بحفظ الحرمة من نفس الحقّ كما يشهد بذلك الحكم في الغرماء.

(1) في المستمسك: «إذ لا حقّ في البين ليجي ء ما تقدّم، بل ليس إلّا التكليف بالأداء فيتعيّن الرجوع فيه إلى قواعد التزاحم.» «1»

أقول: كيف لا يوجد هنا حقّ مع أنّ المفروض اشتغال ذمّته بالخمس و الزكاة نظير سائر الديون المتعلّقة بالذمم؟

و اختصاص التوزيع بما إذا كان الحقّ متعلّقا بالعين الخارجية قابل للمنع، فيمكن أن يجري في المقام أيضا ما مرّ من الأدلّة الثلاثة لوجوب حفظ تمام الحقوق مهما أمكن.

و التخيير في المتزاحمين المتكافئين إنّما يجري في التكليف المحض كإنقاذ الغريقين مثلا أو فيما إذا لم يمكن التوزيع و دار الأمر بين ترك الحقّين رأسا أو الإتيان بأحدهما.

و بالجملة فالأحوط لو لم يكن أقوى هو التوزيع بالنسبة في المقام أيضا إلّا مع عدم الإمكان فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 378.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 465

كانت العين- التي فيها الخمس أو الزكاة- موجودة، وجب تقديمهما على البقية. (1)

و إن لم تكن موجودة فهو مخيّر بين تقديم أيّها شاء. و لا يجب التوزيع و إن كان أولى. (2)

نعم إذا مات و كان عليه هذه الأمور و ضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة كما في غرماء المفلّس.

(3)

و إذا كان عليه حجّ واجب أيضا كان في عرضها. (4)

______________________________

(1) لتعلّقهما بالعين و كون العين ملكا لأربابهما أو متعلّقة لحقّهم فلا يزاحمهما ما في الذمّة من الحقوق. و يجري هذا البيان في متعلّق النذر أيضا إذا كان موجودا لتعلّق حقّ اللّه- تعالى- به.

(2) بل هو الأحوط و لا يترك لما مرّ من الأدلّة.

هذا إذا لم نقل بتقديم حقّ الناس على حقّ اللّه المحض. و أمّا على القول بذلك بتقريب أنّ الأوّل في الحقيقة يرجع إلى حقّين: للناس و للّه- تعالى- معا بخلاف الثاني كان اللازم على هذا تقديم دين الناس فتدبّر.

(3) لتعلّق حقّ الغرماء بالتركة في عرض واحد نحو تعلّقه بمال المفلّس بعد الحكم بإفلاسه. و قد تضمّنت النصوص فيهما التوزيع بالحصص كما مرّت الإشارة إليه، فراجع موثقة زرارة في دين الوسائل. «1» و موثقة غياث بن إبراهيم في كتاب الحجر منه. «2»

(4) يظهر من قوله- تعالى-: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» و من نصوص

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 119، الباب 31 من أبواب الدين و القرض، الحديث 5.

(2)- الوسائل 13/ 147. الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 466

..........

______________________________

باب الحجّ أنّ الحجّ بمنزلة الدين فيتعلّق بأصل التركة كسائر الديون. «1» و على هذا فالقاعدة تقتضي كونه في عرضها كما في كلام المصنّف.

و لكن يظهر من صحيحة معاوية بن عمار تقديم الحجّ على الزكاة قال: قلت له:

رجل يموت و عليه خمس مأئة درهم من الزكاة و عليه حجّة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجّة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة. قال: «يحجّ عنه من أقرب ما يكون و يخرج البقيّة في الزكاة.» «2»

و خبره الآخر عن أبي

عبد اللّه «ع» في رجل مات و ترك ثلاثمائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم و أوصى أن يحجّ عنه، قال: «يحجّ عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة.» «3»

و أفتى بعض بمضمونهما، بل حكم البعض بإسراء الحكم إلى سائر الديون فقدّم الحجّ عليها أيضا. و المشهور خلاف ذلك. و قد تعرّض المصنّف للمسألة في المسألة الثالثة و الثمانين من شرط الاستطاعة في الحج فراجع. «4»

و في حجّ الجواهر بعد اختيار المصنّف التقسيم بالحصص قال: «فما عن الشافعي من تقديم الحجّ في قول، بل عن الجواهر احتماله، و في آخر تقديم الدين، في غير محلّه و إن مال إلى الأوّل في الحدائق للحسن عن معاوية بن عمّار.»

فذكر الخبرين ثمّ قال: «و فيه بعد إعراض الأصحاب عنهما و قصور سند الثاني منهما و اختصاصهما بالزكاة: أنّه يمكن كون ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع

______________________________

(1)- راجع سورة آل عمران (3)، الآية 97، و الوسائل 8/ 45، الباب 25 من أبواب وجوب الحج ...

(2)- الوسائل 6/ 176، الباب 21 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 13/ 427، الباب 42 من كتاب الوصايا.

(4)- راجع العروة الوثقى 2/ 465، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 467

..........

______________________________

أيضا فلا إشكال حينئذ.» «1»

أقول: لو كان المراد بمحمّد بن عبد اللّه في سند الثاني محمد بن عبد اللّه بن زرارة فالظاهر عدم البأس بسنده فراجع. «2» و يحتمل بعيدا إرادة أداء الحجّ من الزكاة إمّا من سهم الغارمين أو من سهم سبيل اللّه فيؤدّى بذلك الحقّان معا و على هذا فلا يجوز الإسراء إلى سائر الديون بتقديم الحجّ عليها أيضا. و تفصيل المسألة

موكول إلى محلّه.

______________________________

(1)- الجواهر 17/ 314.

(2)- راجع رجال المامقانى 3/ 143.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 468

[الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه]

اشارة

الثانية و الثلاثون الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه (1) و كذا في الفطرة. و من منع من ذلك كالمجلسي «ره» في زاد المعاد في باب زكاة الفطرة لعلّ نظره إلى حرمة السؤال و اشتراط العدالة في الفقير و إلّا فلا دليل عليه بالخصوص. بل قال المحقّق القمي «ره»:

«لم أر من استثناه- فيما رأيته من كلمات العلماء- سوى المجلسي «ره» في زاد المعاد.» قال: «و لعلّه سهو منه. و كأنّه كان يريد الاحتياط فسهى و ذكره بعنوان الفتوى.»

[دليل الجواز]

______________________________

(1) لعموم الفقراء و المساكين و سائر المصارف و لدلالة الأخبار عليه:

1- كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما «ع» أنّه سأله عن الفقير و المسكين فقال: «الفقير الذي لا يسأل، و المسكين الذي هو أجهد منه: الذي يسأل.» «1»

2- و خبر أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: قول اللّه- عزّ و جلّ-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ؟» قال: «الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 469

..........

______________________________

أجهد منه، و البائس أجهدهم.» «1»

3- و في خبر عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: جاء رجل إلى الحسن و الحسين- عليهما السلام- و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا:

«إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع أو غرم مفظع، أو فقر مدقع ففيك شي ء من هذا؟» قال: نعم فأعطياه. «2»

4- و عن تفسير الإمام «ع» في قوله- تعالى-: و آتى المال على حبّه ...

و المساكين مساكين الناس و ابن السبيل: المجتاز المنقطع به لا نفقة معه، و السائلين الذين يتكففون و يسألون الصدقات. الحديث» «3» و كفى

بالصحيحة و العمومات حجة في المسألة.

[دليل المنع]

و استدلّ للمنع بوجوه:

الأوّل: بعض الأخبار الخاصّة الدالّة على ذلك:

1- كخبر عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك ما تقول في الزكاة، لمن هي؟ قال: فقال: «هي لأصحابك» قال: قلت: فإن فضل عنهم؟. فقال: «فأعد عليهم.» ... قلت: فنعطي السؤّال منها شيئا؟ قال: فقال:

«لا و اللّه إلّا التراب إلّا أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة، الحديث.» «4»

2- و في خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»: «و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(3)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ...، الحديث 8.

(4)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(5)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 470

..........

______________________________

و بذلك يظهر عدم صحّة كلام المصنّف حيث قال: «لا دليل عليه بالخصوص.»

الثاني: توهّم اشتراط العدالة فيما سوى المؤلّفة قلوبهم كما مرّ من الخلاف و المبسوط و الجمل و الاقتصاد و الكافي و المهذّب و الغنية و الوسيلة و السرائر، و في الشرائع و النافع جعلها أحوط، بضميمة القول بكون السؤال مع التمكن من تركه حراما موجبا للفسق.

و قد عقد في أبواب الصدقات من الوسائل بابا لحرمة السؤال و ان كان في دلالة أكثر ما ذكره نظر: «1»

1- فمنها رواية مالك بن حصين السّلولي قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«ما من

عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتّى يحوجه اللّه إليها و يثبت اللّه له بها النار.» «2»

2- و عن الصادق «ع» قال: «من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الخمر» «3»

3- و عن محمد الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: الديّوث من الرجل، و الفاحش المتفحّش، و الذي يسأل الناس و في يده ظهر غنى.» «4»

4- و في صحيحة محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر «ع»: «يا محمّد لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا. الحديث.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 305، الباب 31 من أبواب الصدقة.

(2)- الوسائل 6/ 305، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 306، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 6، و في ذيل الصفحة عن عدة الداعي «كأنّه يأكل الجمر».

(4)- الوسائل 6/ 306، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 10.

(5)- الوسائل 6/ 305، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 471

..........

______________________________

الثالث: أنّ المقصود بالسائل هنا من اتخذ السؤال حرفة لنفسه بحيث يفي بمؤونته السنوية فيكون غنيّا و لو بالقوّة.

أقول: يرد على الوجه الأوّل: أنّ الظاهر من السّؤال في خبر ابن أبي يعفور:

السؤال المعهودون في تلك الأعصار من غير أهل الولاية كما يظهر لمن لاحظ الرواية فيكون المنع لذلك.

و المنع في خبر أبي خديجة محمول على التنزيه بقرينة ما مرّ من أخبار الجواز، و لشموله بعمومه لمن يسأل و لو من باب الاتفاق و للاضطرار و نحوه أيضا، و الظاهر أنّ المجلسي «ره» أيضا لا يقول بحرمة ذلك و مانعيّته، و الظاهر من الروايات التي مرّت حرمته

من غير فقر و حاجة.

و يرد على الوجه الثاني: منع اشتراط العدالة كما مرّ في محلّه، اللّهم إلّا أن يقال: إنّ السائل بالكفّ متجاهر بمعصيته، و قد مرّ الاحتياط لزوما في المتجاهر بها.

هذا و لكن مفاد الأخبار حرمة السؤال من غير حاجة و كلامنا في إعطاء الزكاة لمن له حاجة.

و يرد على الوجه الثالث: المنع من كفاية الحرفة المحرّمة في صدق الغنى شرعا نظير من احترف السرقة و القمار و نحوهما.

اللّهم إلّا أن يفرّق بين هذه المحرمات و بين المقام بتقريب أنّ الحاصل بهذه الحرف المحرّمة لا يصير ملكا للآخذ فلا يصير به غنيا، بخلاف السائل المحترف بسؤاله فإن الاحتراف به و إن كان حراما و لكن المال المعطى له بالرضى بتوهّم احتياجه و اضطراره يصير ملكا له لا محالة لتحقّق الرضى الفعلي من المعطي فيصير الآخذ غنيا لا يستحق الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 472

..........

______________________________

فإن قلت: هذا يصحّ بعد أخذه و صيرورته واجدا لمئونة السنة لا قبل ذلك.

قلت: بل يصدق عليه الغنى عرفا بنفس الاحتراف الكافي لمئونته مع البناء على إدامته بحيث لا يتركه و لو أخذ الزكاة.

و بالجملة فالأحوط لو لم يكن أقوى في هذه الصورة عدم الإعطاء له، و إن لم يكن المأخوذ فعلا بمقدار مئونة السنة. هذا.

و المجلسي في زاد المعاد أفتى في باب زكاة الفطرة بعدم جواز الإعطاء للسائل بالكف و في زكاة المال جعل عدم الإعطاء أحوط فراجع. «1»

______________________________

(1)- زاد المعاد 226 و 563.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 473

[الثالثة و الثلاثون: بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضا]

الثالثة و الثلاثون الظاهر بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضا.

لكن ذكر المحقّق القمي أنّه مختصّ بالإعطاء بمعنى أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى

غير العادل، و أمّا الآخذ فليس مكلّفا بعدم الأخذ. (1)

______________________________

(1) في المستمسك: «الفرق بينه و بين سائر الشرائط غير ظاهر.» «1»

أقول: إذ على فرض اعتبار العدالة في المستحق يكون الفاقد لها كفاقد سائر الشرائط، و لا يجوز لغير ربّ المال و مستحقّه أخذه بعنوان ماله و ملكه.

نعم لو اختلف نظرهما اجتهادا أو تقليدا فكانت العدالة شرطا عند المعطي دون الآخذ، و أعطاه المعطي بتوهّم عدالته، أمكن القول بجواز الأخذ، إذ المعطي قد أحرز الشرط و أعطاها مع النيّة و القربة، و المفروض أنّ الآخذ يرى نفسه مستحقّا لها، و الملاك في جواز الأخذ و التصرّف الإذن الفعلي لا التقديري فتأمّل.

و لعلّ المحقّق القمي بنى كلامه على كون دليل الاشتراط الإجماع المنقول و حرمة إعانة الفاسق، و شمول هذين الدليلين و لا سيّما الثاني منهما للآخذ غير ظاهر. و الذي يسهّل الخطب عدم اعتبار العدالة عندنا كما مرّ. «2»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 380.

(2)- راجع كتاب الزكاة 3/ 221 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 474

[الرابعة و الثلاثون لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة]

الرابعة و الثلاثون لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء: أنّها شرط في الإجزاء فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجز. و لو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه. (1)

______________________________

(1) قد مرّ في أوّل الفصل السابق بيان أدلّة اعتبار القربة في الزكاة و الإشكال فيها.

و لكن قلنا إنّ الزكاة من أقسام الصدقة، و بها عبّر عنها في الكتاب و السنّة.

و يظهر من أخبار كثيرة أنّ قوام الصدقة بقصد القربة و أنّها عبادة لا تقع إلّا بداع إلهي، و بذلك تفترق عن الهبة و النحلة فراجع الوسائل. «1»

و من جملة تلك الأخبار صحيحة الفضلاء

قالوا: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه- عزّ و جلّ-.» «2»

و صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّما الصدقة محدثة، إنّما كان الناس على عهد رسول اللّه «ص» ينحلون و يهبون و لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئا أن يرجع فيه.» قال: «و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنّه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 292- 324 و 332- 345، كتاب الوقوف و الصدقات و كتاب الهبات.

(2)- الوسائل 13/ 320، الباب 13 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 475

و محلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصدا للقربة في العزل و بعد ذلك نوى الرياء مثلا حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير فإن الظاهر إجزاؤه و إن قلنا باعتبار القربة، إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج و العزل. (1)

______________________________

حيزت أو لم تحز.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار.

و إذا كان المفروض اعتبار القربة فيها فالظاهر كون وجوبها شرطيا بنحو وحدة المطلوب على وزان سائر العبادات فيكون قصد القربة شرطا في صحّتها إذ احتمال كون وجوبه تكليفا محضا و كون اعتباره بنحو تعدّد المطلوب بحيث لا يضرّ تركه بصحّة العمل بعيد في الغاية.

و كون المقصود من جعل الضرائب تحصيل المال و صرفه في سدّ الخلّات و هو يحصل بدون القربة أيضا، و لذا يؤخذ من الصّبي و المجنون و الكافر و الممتنع أيضا، لا ينافي كون صحّتها من المسلم دائرة مدار النيّة و القربة.

و هذه من ميزات الضرائب الدينيّة حيث لوحظ فيها مع الجهة الماليّة تطهير النفوس و تزكيتها و رقاؤها إلى اللّه- تعالى- بقطع النظر

عن الأموال في سبيله.

نظير الوضوء و الغسل حيث يراد بهما طهارة الجسم و الروح معا. و لذا اعتبر فيهما النيّة و القربة.

نعم يمكن القول في الكافر و الممتنع بالاكتفاء بصورة العمل كما قد يجبر الممتنع على الصورة في سائر العبادات أيضا حفظا لحريم القانون، و في الصبي و المجنون ينوي وليّهما.

و بالجملة فبعد تقييد أدلّة الزكاة بالقربة بمقتضى الأدلّة يكون الظاهر منها الشرطية بنحو وحدة المطلوب فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لكن ظاهر المستند الإجماع على اعتبار النيّة في العزل

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 334، الباب 3 من كتاب إلهيات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 476

..........

______________________________

و الدفع معا و لعلّه ظاهر غيره.» «1»

و في المستند: «النيّة معتبرة في عزل الزكاة و دفعها إلى المستحقّ أو الإمام أو الساعي أو وكيل نفسه بإجماع العلماء، و لما مرّ في بحثي الطهارة و الصلاة.» «2»

أقول: الظاهر من عبارته بقرينة العطف أنّ محطّ الإجماع أصل اعتبار النيّة لا كونه معتبرا في العزل و الدفع معا.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في المقام: «محلّ إشكال فإنّ العزل إفراز لها، و ما يكون من العبادات هو إيتاء الزكاة.»

و في بعض الحواشي الأخر للأعاظم هنا أيضا لزوم الاحتياط. «3»

أقول: بعد اختيار جواز العزل في الزكاة كما عليه المشهور وقع الإشكال في أنّ المعزول هل يصير بمجرد العزل ملكا ممحّضا للمستحقّين و يبقى أمانة في يد المالك.

أو أنّه يخرج بذلك عن ملك المالك و لكن لا يتمحّض في ملكهم إلّا بالإعطاء لهم و قبضهم.

أو أنّه يبقى بعد بالشركة أو في ملك المالك غاية الأمر تعيّن إعطائه للمستحقّ و عدم جواز تبديله.

و قد مرّ منّا في المسألة الرابعة و الثلاثين من

فصل زكاة الغلّات: أنّ الظاهر من الأخبار و الفتاوى أن تعيّن المعزول زكاة ليس بحسب التكليف فقط، بل بحسب الوضع و الملكيّة أيضا و لذا يتبعه الربح للمستحقّين كما في خبر علي بن أبي حمزة «4»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 381.

(2)- المستند 2/ 62.

(3)- راجع العروة الوثقى/ 430، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

(4)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 477

..........

______________________________

و يكون تلفه من المستحقّين مع عدم التفريط كما يدلّ على ذلك صحاح محمد بن مسلم و زرارة و غيرهما. «1» هذا.

و لكن يمكن أن يناقش بأنّ خبر علي بن أبي حمزة ضعيف مرسل، و عدم ضمان المالك أعمّ من الانتقال إلى المستحقّين إذ يمكن القول بعدم الضمان مع عدم الانتقال إليهم أيضا إذا لم يكن تفريط، و ليس للمالك ولاية و لا وكالة بالنسبة إليهم فكيف ينتقل المعزول منه إليهم بدون قبضهم.

و على هذا فالأحوط النيّة حين الإعطاء أيضا، بل يكفي ذلك و إن نوى الرياء حين العزل.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 478

[الخامسة و الثلاثون إذا كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء]

الخامسة و الثلاثون إذا وكّل شخصا في إخراج زكاته و كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء ففي الإجزاء إشكال. (1) و على عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا. (2)

______________________________

(1) قد مرّ في المسألة الأولى من الفصل السابق أنّ الوكيل إمّا أن يكون وكيلا في الإخراج و الأداء بحيث يعدّ العمل عمله، و إمّا أن يكون واسطة في الإيصال فقط. ففي الأوّل لا يترك الاحتياط بنيّة كليهما بشرائطها و بقاء نيّة الموكّل و لو حكما إلى حين الدفع إلى الفقير.

نعم لا يضرّ

رياء الوكيل في الوكالة فقط إذا لم يسر إلى نفس العمل.

و أمّا الوكيل في الإيصال فقط فالظاهر عدم اعتبار نيّته كما لا يضرّ قصده الرياء لأنّه آلة محضة، و إنما المعتبر فيه نيّة الموكّل بشرائطها و لو حكما حين الدفع إلى الفقير و لا أثر لنيّته قبله فراجع ما حرّرناه هناك. «1»

(2) و كذا الفقير و إن كان جاهلا غاية الأمر جواز رجوعه حينئذ إلى الوكيل لقاعدة الغرور.

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 4/ 284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 479

[السّادسة و الثلاثون إذا دفع الزكاة إلى الحاكم ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة]

السّادسة و الثلاثون إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء (1) كما مرّ. و إن كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم.

و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء فلا إشكال في الإجزاء إذا كان المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة.

و أمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل، بل الظاهر ضمانه حينئذ و إن كان الآخذ فقيرا.

______________________________

(1) الحاكم إمّا أن يعتبر وكيلا عن المالك، أو يعتبر وكيلا عن بعض المستحقين في الأخذ لهم، أو يعتبر وليّا على الفقراء و المصارف.

فعلى الوجه الأوّل، حكمه حكم وكيل المالك و قد مرّ التفصيل فيه و أنّ الوكيل في الإيصال فقط لا يعتبر فيه النيّة و القربة و في الوكيل في الإخراج

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 480

..........

______________________________

الأحوط نيّة كليهما.

و احتمال افتراق الحاكم هنا عن الوكيل المحض بثبوت الولاية له أيضا مع الوكالة مدفوع بأنّ المفروض عدم إعمال الولاية و كون أخذه و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك فقط حيث إنّ إعمال الولاية يتقوّم

بالقصد و النيّة.

و على الوجه الثاني، يكون أخذه بمنزلة أخذ موكّليه، و المعتبر أخذه بهذا العنوان فقط و لا يعتبر في أدائه للفقراء النيّة و القربة، و إنما اللازم إيصال المأخوذ إليهم.

و على الوجه الثالث، أيضا يكون أخذ الحاكم بمنزلة أخذ المستحقّين و اللازم عليه إيصال المأخوذ إليهم و لا يضرّ بذلك قصده الرئاسة أو الرياء إذ القربة معتبرة في ناحية المزكّي أعني المالك فقط.

قال في المستمسك «إذا تعيّنت زكاة بقبض الحاكم بعنوان الولاية على الفقراء فلا وجه للإشكال في صحّة دفعها إلى الفقير بأيّ عنوان كان لما تقدّم منه: من جواز دفع المالك لها إلى الفقير رياء إذا كانت معزولة، فجواز ذلك من الحاكم بطريق أولى.» «1»

أقول: وجه الأولويّة أنّ دفع المالك إلى الفقير إيتاء للزكاة بخلاف إيتاء الحاكم له فإنّه من قبيل إيصال مال الغير إليه فإذا فرض عدم اعتبار القربة في الأوّل فلا تعتبر في الثاني قطعا.

و نحن ناقشنا في الأوّل و قلنا إنّ الأحوط فيه اعتبار القربة و لكن لا وجه لاعتبارها في المقام.

اللّهم إلّا أن يقال إنّ قصده الرئاسة المحرمة أو الرياء يوجب فسقه و خروجه عن الولاية. و لكن نقول: إذا فرض كونه حين الأخذ واليا فبعد الفسق لا بدّ له من إيصال ما أخذه إلى أهله أو إلى حاكم آخر فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 481

[السّابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع يكون هو المتولّي للنيّة]

السّابعة و الثلاثون إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولّي للنيّة.

و ظاهر كلماتهم الإجزاء، و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شي ء. (1)

______________________________

(1) في المستمسك: «لقيام الحاكم مقامه في الواجب الجامع للشرائط التي منها النيّة فإذا تحقّق الواجب- و لو من الوليّ- أجزأ.» «1»

أقول: قد

مرّ منّا في المسألة الخامسة من الفصل السابق أنّ في الزكاة و كذا في الخمس جهتين: جهة العباديّة المرتبطة بالمالك، و جهة الماليّة و الحقيّة الثابتة للفقراء و المصارف. و الحاكم إنّما يأخذهما من الممتنع بلحاظ الجهة الثانية من جهة كونه وليا على المصارف.

و أمّا جهة العبادية المرتبطة بالمالك فيشكل ولاية الحاكم بالنسبة إليها.

فلو امتنع المكلّف من إتيان صلاته أو صومه أو حجّه مثلا فغاية ما للحاكم إجباره على إتيانها بصورتها حفظا لظاهر الشرع.

و أمّا إتيانها عنه ولاية عليه فلم يعهد من قبل الشرع المبين.

و على هذا فالقاعدة تقتضي وجوب إعادة المالك لزكاته بقصد القربة كما يجب

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 482

..........

______________________________

إعادة المكلّف للعبادات التي أتى بصورها إجبارا مع النيّة و القربة.

و بالجملة فالإجزاء إنّما يتمّ مع الإتيان بالمأمور به على وجهه و المفروض اشتراط العمل بالقربة و لم تحصل فيجب الإتيان به ثانيا. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: مضافا إلى أنّ الزكاة تقبل النيابة دون سائر العبادات إنّ الأخذ من المالك يتوقّف على كونه زكاة و إعطاءه بهذا القصد إذ ليس للفقراء و لا لوليّهم أخذ المال قهرا بلا عنوان، فإذا فرض جواز الأخذ و استنقاذ الحقوق للمصارف وجب العزل زكاة و الإعطاء بهذا العنوان مقدّمة فيتصدّى لذلك الحاكم ولاية على الممتنع.

و هذا هو الفارق بين باب الزكاة و الخمس و بين العبادات المحضة كالصلاة و نحوها.

و بعد أخذ الحاكم المال الخاصّ بعنوان زكاة المال الخاصّ يتخلّص المال قهرا من الزكاة و تبرئ ذمّة المالك إذ لا يكون في مال خاصّ زكاتان.

و قد تعرّض لإشكال المسألة و الجواب عنه صاحب الجواهر فقال:

«ربّما احتمل عدم الإجزاء للمالك باطنا لأنّه لم

ينو و هو متعبّد بأن يتقرّب، و إنّما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر، كما يجبر المكلّف على الصلاة ليأتي بصورتها، و إن كان لم تجزه عند اللّه لعدم النيّة.

و إن كان يدفعه أنّ الزكاة مال متعيّن للفقراء في يد المالك و للإمام- عليه السلام- الإجبار على قسمة المشترك و على تسليمها فجاز له إفرادها عند امتناع المالك. و النيابة في تسليمها جائزة و ليست كذلك الصلاة كما هو واضح.» «1» هذا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 475.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 483

و إنما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه. (1) لكنّه لا يخلو

______________________________

و في المستمسك بعد العبارة السّابقة قال: «هذا بناء على كون موضوع الوجوب الإيتاء المضاف إلى المالك.

أمّا إذا كان نفس الإيتاء و لو من غيره غاية الأمر أنّه لا ولاية لغيره على الإخراج، فالوليّ الشرعي و إن كان إيتاؤه ليس بعنوان النيابة عن المالك، لكنّه لمّا كان إيتاء للزكاة كان مفرّغا لذمّة المالك و ماله لوصول الحقّ إلى أهله، فلا بدّ أن يجزي و لا حاجة للإعادة، بل لا معنى للإعادة إذ هي من قبيل الامتثال بعد الامتثال.

نعم لا يكون فعل الوليّ مقرّبا للمالك، و إن كان مجزيا بنحو لا مجال للفعل ثانيا.» «1»

أقول: لعلّه يرجع احتماله هذا إلى كون وجوب إيتاء الزكاة من كلّ مال بنحو الوجوب الكفائي و كون المطلوب نفس طبيعة الفعل لا بقيد صدوره عن المالك.

و لا يخفى عدم مساعدة ظواهر الأدلّة على ذلك، بل لا يمكن الالتزام به، إذ مقتضى ذلك أن يترتّب على ترك تزكية كلّ مال استحقاق جميع من اطّلع على ذلك للعقوبة، و هو كما ترى.

و لو سلّم فلم لا يكون لكلّ من أراد

الإيتاء ولاية على الإخراج؟ إذ لازم العمل بهذا التكليف المتعلّق بهذا المال الخاصّ السلطة عليه بإخراجها منه، و من هذا الطريق أيضا نحكم بولاية المالك على الإخراج مع كون المال مشتركا بينه و بين أرباب الزكاة أو الخمس فتدبّر.

(1) في المستمسك: «إذا بنى على الإجزاء بفعل الحاكم- لأنّه وليّ الممتنع- فالإثم يكون من قبيل الإثم على التجرّي. اللّهم إلّا أن يكون قد أخّرها في صورة لا يجوز له التأخير و لو لطلب الحاكم فتكون المعصية من جهة مخالفة الفوريّة.» «2»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

(2)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 484

عن إشكال- بناء على اعتبار قصد القربة- إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه. (2)

______________________________

أقول: و كذا لو قيل بكون قصد القربة واجبا مستقلا على نفسه معتبرا بنحو تعدّد المطلوب إذ عليه يكون فعل الحاكم موجبا للإجزاء و لكن يثبت العصيان بترك القربة و عدم القدرة عليها بانتفاء موضوعها باختياره.

(2) في المستمسك: «هذا إذا لم تشرع النيابة فيه، أمّا مع البناء على المشروعيّة فيكون كما لو فعل المنوب عنه فلا مجال للإشكال المذكور.» «1»

أقول: يعنى أنّ الحاكم ينوب عنه في العمل و في نيّة القربة معا. و النائب يقصد قرب المنوب عنه لا النائب كما مرّ. و لا يراد بذلك إلّا قصده امتثال أمر المنوب عنه و سقوطه عنه فينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 485

[الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل]

الثامنة و الثلاثون إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل، لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم مما يستحبّ تحصيله و إلّا فمشكل. (1)

______________________________

(1) أقول: قد تعرّض المصنّف لهذه المسألة

في المسألة الثامنة من فصل أصناف المستحقّين و ظاهره هناك كون البحث من جهة الفقر، و حصر الجواز فيمن يتعلّم العلم الواجب أو المستحبّ و نفي الجواز عمّن يتعلّم ما لا يجب و لا يستحبّ مع تمكّنه من الكسب بترك التعلّم و مثّل للقسم الثاني بالفلسفة و النجوم و الرياضيّات و العروض و العلوم الأدبيّة لمن لا يريد التفقّه في الدين.

و نحن تعرّضنا للمسألة هناك بالتفصيل فراجع. «1»

و محصّل الكلام في ذلك أنّه إمّا أن يعطى من سهم سبيل اللّه أو من سهم الفقراء أو من سهم الغارمين بعد ما استقرض لمعاشه و لم يقدر على أدائه.

أمّا الثالث فالظاهر عدم الإشكال فيه إلّا إذا فرض صرف ما استقرضه في المعصية.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 486

..........

______________________________

و أمّا الأوّل فقد يقال بأنّ العلم إذا لم يكن واجبا و لا مندوبا شرعا لم يكن تحصيله من سبيل اللّه حتّى يصرف فيه سهمه.

و أورد عليه بأنّه من الممكن أن لا يكون العمل بنفسه مندوبا مقرّبا للفاعل و راجحا بالنسبة إليه و لكنّه يترتّب عليه قهرا آثار و فوائد اجتماعية راجحة اللّهم إلّا أن يراد بالمستحبّ ما يعمّ ذلك أيضا فتدبّر.

و أمّا الإعطاء له من سهم الفقراء فالظاهر عدم اشتراط كون الاشتغال واجبا أو مستحبا بل قوّينا هناك جواز الأخذ للفقير المشتغل بالعلم النافع غير المحرّم و إن فرض عدم وجوبه و لا استحبابه، و قلنا أنّ حصر العلم النافع في العلوم الدينية بعيد ممّن التفت إلى حاجات البشر و لا سيّما في العصر الحاضر التي يدور فيه حياة المجتمعات على أساس العلوم و الصنائع، و العلم بما هو علم خير من الجهل إلّا أن

يكون ضارّا محرّما.

و بالجملة فالموضوع لمنع الأخذ من سهم الفقراء هو القدرة العرفية للشخص على أن يكفّ نفسه عنها مع وضعه الفعلي العقلائي الذي انتخبه لنفسه في مسير حياته بحسب ذوقه و سليقته بشرط أن يكون حسنا عند العقلاء و غير محرّم عند الشرع. و لا يعتبر في ذلك كونه واجبا أو مندوبا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 487

[التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن المشتغل بتحصيل العلم قاصدا للقربة]

التاسعة و الثلاثون إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعا قاصدا للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة. (1)

______________________________

(1) في المستمسك ما ملخّصه: «يعني من سهم سبيل اللّه لأنّ طلب العلم مأمور به شرعا و محبوب للّه- تعالى- فيكون من القرب.

و عدم نيّة الطالب للقربة إنّما يمنع من تقرّبه نفسه لا من كون الفعل مأمورا به و ممّا يترتّب على وجوده غرض شرعي.

نعم إذا كان الفعل المأمور به عباديّا لا يصحّ صرف السهم المذكور فيه إذا لم يؤت به بقصد القربة لعدم كونه محبوبا للّه حينئذ.

فمصرف سهم سبيل اللّه قسمان: أحدهما ما هو مقرّب للفاعل مثل الحجّ و نحوه، و ثانيهما ما يترتّب عليه أثر محبوب للّه- تعالى- و إن لم يكن مقرّبا للفاعل مثل تزويج العزّاب و تعليم الأحكام و الدفاع عن بيضة الإسلام.» «1»

أقول: لم يظهر لي وجه تخصيصه كلام المصنّف بسهم سبيل اللّه بعد فرض كون المشتغل فقيرا، و لا يكون عدم قصده القربة مانعا من إعطائه من سهمه بعد

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 383.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 488

و أمّا إذا كان قاصدا للرياء أو للرئاسة المحرّمة ففي جواز إعطائه إشكال من حيث كونه إعانة على الحرام. (2)

______________________________

وجود غايات عقلائية مباحة بين القربة و بين الغايات المحرّمة.

و قد حكي عن الشيخ

الأنصاري- قدّس سرّه- أنّه كان يوصي الطلّاب و المحصّلين بالاشتغال بتحصيل العلم و لو لم يحصل لهم قصد التقرّب في ذلك، فإنّ نفس التحصيل ربّما يوصل الإنسان في النهاية إلى القربة، و لو لا معرفة طرق التقرّب إليه- تعالى- و آثاره كيف يحصل للإنسان قصده؟ «1»

(2) في المستمسك: «هذا يتمّ إذا كان قصد الإعانة غير معتبر في صدقها، و إلّا فلا تصدق مع عدم قصد الباذل لها فلا إثم.» «2»

أقول: و قد عرّفت الإعانة بفعل بعض مقدّمات فعل الغير بقصد حصوله منه.

هذا مضافا إلى أنّ المحرّم إعانة الآثم و العادي في إثمه و عدوانه لا مطلقا، و إعطاء الزكاة في المقام إعانة للفقير في معاشه و إدامة حياته لا في قصده الرياء و الرئاسة أو في تحصيله الواقع بقصدهما.

كيف؟! و لو حرم ذلك لحرم على اللّه- تعالى- إبقاء حياته و صحّته و رزقه، و حرم إعطاء الزكاة لمطلق العصاة و هذا يستلزم القول باشتراط العدالة في المستحق و قد منعنا ذلك في محلّه.

نعم مع تمكّنه من الكسب و تحصيل المؤونة يمكن أن يمنع من سهم الفقراء حيث يقدر أن يكفّ نفسه عنه، كما أنّ حرمة فعله لحرمة مقاصده يخرجه من كونه سبيل اللّه. اللّهم إلّا أن يترتّب على تحصيله مع ذلك فوائد و آثار دينيّة للمسلمين و إن لم يقصدها فيكون من سبيل اللّه قهرا فتدبّر.

______________________________

(1)- راجع مصباح الهدى 10/ 455.

(2)- المستمسك 9/ 383.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 489

[الاربعون: حكي عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب]

الاربعون حكي عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب، نظرا إلى أنّه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام.

و لعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا

يكون تصرّفا في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ، حيث إنهما فعلان خارجيان. (1)

و لكنه أيضا مشكل من حيث إنّ الإعطاء الخارجي مقدمة للواجب، و هو الإيصال- الذي هو أمر انتزاعي معنوي- فلا يبعد الإجزاء.

______________________________

(1) دفع الزكاة إلى الفقير إمّا أن يكون باحتساب ما على الفقير من الدين زكاة، و إمّا أن يكون بنحو الإعطاء له خارجا. فعلى الأوّل لا إشكال في صحّته و إن وقع في ملك الغير إذ الاحتساب أمر قلبيّ لا يتّحد خارجا مع التصرف في ملك الغير.

و أمّا على الثاني فحيث إنّ الإعطاء و الأخذ متقوّمان بحركة يدي المعطي و الآخذ في الفضاء خارجا فلا محالة يكون وقوعهما في ملك الغير موجبا لاتحاد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 490

..........

______________________________

فعل الواجب مع التصرّف المحرّم بحسب الوجود و التحقّق فلا يصحّ عبادة

أمّا على القول بالامتناع في مرحلة الجعل و التشريع فواضح إذ مقتضاه تقييد الطبيعة المأمور بها بعدم وقوعها في موارد الحرمة لوجود المندوحة.

و أمّا على القول بالاجتماع فلأنّ مورد الاجتماع على هذا و إن كان مصداقا للطبيعة المأمور بها أيضا و لكنّه لاتّحاده خارجا مع المنهي عنه يقع مبغوضا للمولى، و المصداق المبغوض لا يصلح لأن يتقرّب به.

و بعبارة أخرى لا يكفي في صحّة العبادة قصد القربة فقط بل يعتبر فيها مع ذلك صلاحية الفعل لأن يتقرّب به.

و قد كان الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- يقول بأن اشتهار القول ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة بين القدماء من أصحابنا ليس مستندا إلى القول بالامتناع في المسألة الأصوليّة حيث إنّهم كانوا يقولون فيها بالاجتماع إذ لا مساس للطبيعتين في مرحلة التشريع حتى يقيد إحداهما بالأخرى، و التقييد بلا وجه

جزاف.

بل قولهم به مستند إلى ما ذكرناه من أنّ جمع العبد بسوء اختياره بين الطبيعتين في مرحلة الإيجاد و الامتثال يستلزم إرادة التقرّب بالوجود المبغوض للمولى، و ما يبغضه المولى و يتنفر منه كيف يمكن أن يتقرّب به إلى ساحته؟! «1»

هذا ما كان الأستاذ- قدّس سرّه- يصرّ عليه و إن كان لنا فيه كلام. إذ بعد الإتيان بمصداق المأمور به بداعي امتثال أمره يسقط الأمر قهرا، و لا يراد بالقرب إلّا امتثال أمر المولى و سقوطه و لا محالة يترتّب عليه التخلّص من عقوبة تركه. هذا.

______________________________

(1)- راجع نهاية الاصول 1/ 234 و ما بعدها، تنبيهات مسألة الاجتماع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 491

..........

______________________________

و المصنّف أراد هنا في آخر الأمر أن يخرج المقام من باب الاجتماع بتقريب أنّ الإعطاء بما أنّه تحريك للمال إلى الآخذ ليس بنفسه واجبا بل هو مقدّمة لوصول المال إلى الآخذ و وقوعه في يده و صيرورته مالكا له، و حرمة المقدّمة لا تضرّ بصحّة ذي المقدّمة و إن كان عباديّا كما إذا سافر إلى الحجّ مع طائرة مغصوبة.

و ما هو الواجب في الزكاة نفس وصول المال إلى الفقير و سلطته عليه بالملك و ليس هذا تصرّفا في ملك الغير بل هو أمر انتزاعي معنوي فلا يبعد الإجزاء.

و ناقشه في المستمسك فقال: «يريد به الاستيلاء على العين الذي هو من مقولة الجدة لكن في كونه انتزاعيا إشكال ظاهر لأنّه أمر خارجي لكنّه عرض لا جوهر.» «1»

أقول: ما ذكره من كون الجدة عرضا خارجيّا صحيح و إنما تتحقّق بوقوع المال في يد الفقير و استيلاء يده عليه و لا محالة توجب إشغاله بعض فضاء ملك الغير قهرا.

و لكن المصنّف لعلّه لم يرد ذلك

بل أراد الملكيّة الاعتبارية المنشأة بالإعطاء خارجا حيث إنّ الواجب في الفقير تمليكه للمال و صيرورته ملكا له. و الأمر الاعتباري ليس واقعا في الخارج حتى يشغل به فضاء ملك الغير.

ثمّ لو فرض وقوع الإعطاء و الوصول محرّمين و عدم صحّتهما زكاة فيمكن أن يتحقّق الواجب باحتساب ما في يد الفقير زكاة بعد ما وقع المال في يده.

و الاحتساب كما مرّ أمر قلبيّ محض فيرتفع الإشكال بذلك فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 384.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 492

[الحادية و الاربعون: اعتبار التمكن من التصرّف في وجوب الزكاة]

الحادية و الاربعون لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين كما مرّ سابقا.

و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات فلا يعتبر التمكن من التصرّف فيها قبل حال تعلّق الوجوب بلا إشكال.

و كذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكن بعده إذا حدث التمكن بعد ذلك.

و إنما الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب.

و الأظهر عدم اعتباره. (1) فلو غصب زرعه غاصب و بقي مغصوبا إلى وقت التعلّق ثمّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته.

______________________________

(1) قد مرّ تعرّض المصنّف للمسألة في المسألة السابعة عشرة من هذا الختام و جعل هناك اعتبار شرط التمكّن في الغلّات موردا للخلاف و الإشكال بلا استظهار، و هاهنا كما ترى استظهر عدم اعتباره.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 493

..........

______________________________

و نحن قوّينا اعتباره و إن كان الأحوط قويّا إخراج زكاتها إذا تمكّن من المال بعد ذلك قبل تلفه.

و الحمد للّه ربّ العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و جعل ختام أمرنا خيرا من ماضيه بحقّ اوليائه المقرّبين.

و قد وقع الفراغ في عصر يوم الجمعة 26 ذي القعدة 412 ه.

ق، الموافق ل 8/ 3/ 1371 ه. ش. و أنا العبد المفتقر إلى عفو ربّه حسينعلي المنتظري النجف آبادي غفر له و لوالديه و لمن كان له حقّ عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 495

فهرس مصادر التحقيق

1- القرآن الكريم.

2- أجود التقريرات، تقريرات بحث الأصول للمحقّق المدقّق الميرزا محمد حسين النائيني «قده» «المتوفى 1355 ه. ق» و المقرّر هو آية الله العظمى الخوئي «قدس سره» «المتوفى 1413 ه. ق» طبع مكتبة المصطفوي قم.

3- الأحكام السلطانية لأبي يعلى، محمد بن الحسين الفراء الحنبلي «المتوفى 458 ه.» تصحيح و تعليق محمد حامد الفقي، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، سنة 1406 ه. ق، مصورا من طبعة مصر سنة 1386 ه. ق.

4- الأحكام السلطانية للماوردي، أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي «المتوفى سنة 450 ه.»، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، سنة 1406 ه. ق، مصورا من طبعة مصر، سنة 1393 ه. ق.

5- أحكام القرآن للجصاص، أبي بكر أحمد بن الرازي الحنفي «المتوفى 370 ه.»،

في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة البهية بمصر، سنة 1347 ه. ق.

6- الإرشاد «إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان» للعلّامة الحلّي، جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر «648- 726 ه.» جزءان في مجلدين، الطبعة الأولى المحققة طبع جماعة المدرّسين بقم المشرفة، سنة 1410 ه. ق.

7- الاستبصار «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» في أربع مجلدات، طبع إيران، 1390 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 496

8- أسد الغابة في معرفة الصحابة لمعزّ الدين أبي الحسن علي بن محمّد، المعروف بابن الأثير «المتوفى 630 ه. ق» في خمس مجلدات، طبع المطبعة الإسلامية بالأوفست.

9- الاقتصاد «الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد» لشيخ الطائفة،

أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه-» طبع مطبعة الخيام قم، سنة 1400 ه. ق.

10- الأمّ للشافعي، محمد بن إدريس الشافعي «150- 204 ه.» سبعة أجزاء في أربع مجلدات (و بها مشه مختصر أبي إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي)، طبع القاهرة، دار الشعب، 1388 ه. ق.

11- الأمالي «المعروف بالمجالس» للصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه «المتوفى 381 ه.» طبعه القديم «بخط محمد حسن الگلپايگاني 1300 ه. ق».

و طبعة أخرى من منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الخامسة، سنة 1400 ه. ق.

12- الأمالي للشيخ المفيد «المتوفى 413 ه.» تحقيق أستاد ولي و علي أكبر الغفاري، طبع منشورات جماعة المدرّسين في قم المقدسة، سنة 1403 ه. ق.

13- الأموال لأبي عبيد، القاسم بن سلام «المتوفى 224 ه.» طبع دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية سنة 1395 ه. ق.

14- الإيضاح، «إيضاح الفوائد في شرح القواعد» لفخر المحقّقين «682- 771 ه.» في أربع مجلدات، طبع قم المطبعة العلمية، الطبعة الأولى 1388- 1389 ه. ق.

15- بحار الأنوار «الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار» للعلّامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.» في عشر و مأئة مجلد طبع بيروت، و طبع إيران مع تفاوت في ترتيب أرقام بعض المجلدات، و طبعه القديم، طبع أمين الضرب، الكمپاني، ستة و عشرون جزء في سبعة عشر مجلدا.

16- بدائع الصنائع لابن مسعود الكاساني الحنفي «المتوفى 587 ه.» في سبع مجلدات، طبع بيروت، دار الكتاب العربي سنة 1394 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 497

17- البيان للشهيد الأول، طبع قم مجمع الذخائر الإسلامية «بخط محمد حسن الگلپايگاني سنة 1322 ه. ق.»

18- التحرير «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»، طبع إيران

مؤسسة آل البيت «ع»، «بخطّ محمد حسن بن محمد علي الگلپايگانى، سنة 1314 ه. ق».

19- التذكرة «تذكرة الفقهاء»، للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»، في مجلدين، طبع المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران.

20- تفسير البرهان «البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم الحسيني البحراني «المتوفى سنة 1107 أو سنة 1109 ه. ق» طبع في مقدّمة و أربع مجلدات، طبع دار الكتب العلمية قم.

21- تفسير الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري «224- 310 ه.»

ثلاثون جزءا في عشر مجلدات، طبع المطبعة الميمنية بمصر، سنة 1321 ه. ق.

22- تفسير علي بن إبراهيم «تفسير القمي» لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (من مشايخ الكليني)، «المتوفى 307 ه.»، في مجلدين، طبع النجف منشورات مكتبة الهدى؛ و طبعة أخرى جزءان في مجلد واحد، طبع إيران سنة 1313 ه. ق.

23- تفسير العياشي للعيّاشي، أبي النضر، محمد بن المسعود بن محمد بن العياش التميمي الكوفي السمرقندي (عاش في أواخر القرن الثالث من الهجرة النبوية)، في جزءين، طبع المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، تصحيح و تحقيق و تعليق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.

24- تفسير الفخر الرازي لفخر الدين الرازي، أبي عبد الله محمد بن عمر بن حسين «المتوفى 606 ه. ق.» اثنان و ثلاثون جزءا في ستة عشر مجلدا، طبع دار إحياء التراث العربي، سنة 1411 ه. ق. و طبعة أخرى في ست مجلدات، طبع المطبعة المصريّة الميزية، سنة 1278 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 498

25- تفسير القرطبي «الجامع لأحكام القرآن»، لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي «توفي على قول في سنة 671 ه.»، عشرون جزء في عشر مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

* تفسير الكشاف للزمخشري، راجع الكشاف.

26- التفسير المنسوب

إلى الإمام العسكري، أبي محمد، الحسن بن علي العسكري «ع» «المستشهد في 8 ربيع الأوّل من سنة 260 ه.» الطبع القديم (المطبوع بهامش تفسير علي بن إبراهيم، القمي، طبع إيران، سنة 1313 ه.)،

و الطبع الجديد، في مجلد، طبع مطبعة مهر، قم، سنة 1409 ه. ق، تحقيق مدرسة الإمام المهدي.

* تفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي، راجع نور الثقلين.

27- تنقيح المقال «تنقيح المقال في علم الرجال» للمامقاني، الشيخ عبد اللّه بن محمد حسن «1290- 1351 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة المرتضوية في النجف الأشرف سنة 1349 إلى 1352 ه. ق.

28- التهذيب «تهذيب الأحكام»، لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه-» في عشر مجلدات، طبع إيران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، سنة 1390 ه. ق، طبعة أخرى حجرية- الطبع القديم-، في مجلدين، بالأوفست من طبعة سنة 1317 و 1318 ه. ق. مع تصحيح أرقام الصفحات.

29- تهذيب الأصول تقريرا لبحث آية اللّه العظمى الإمام الخميني «قده» «1320- 1409 ه. ق» بقلم آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني، في ثلاث مجلدات، طبع مطبعة مهر، قم.

* جامع الترمذي، راجع سنن الترمذي.

* الجامع الصحيح، راجع صحيح البخاري.

* الجامع لأحكام القرآن، راجع تفسير القرطبي.

30- الجامع للشرائع للفقيه البارع يحيى بن سعيد الحلّي «601- 690 ه.» طبع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 499

في المطبعة العلمية، قم. سنة 1405 ه. التحقيق و التخريج بإشراف آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني.

31- جامع المقاصد «جامع المقاصد في شرح القواعد» للمحقق الثاني، علي بن الحسين الكركي «المتوفى 940 ه.» الطبع الجديد المؤسسة آل البيت «ع» في ثلاثة عشر مجلدا، و طبعة أخرى، في مجلدين، طبع طهران، انتشارات جهان «مصورا من الطبع القديم سنة 1395 ه. ق.»

32- الجعفريات أو الأشعثيات (المطبوع مع قرب الإسناد) يرويه أبو علي، محمد بن محمد الأشعث (من أعلام القرن الرابع)، طبع مكتبة نينوى الحديثة، طهران، «بخطّ أبي القاسم خوشنويس».

33- الجوامع الفقهية، طبع طهران «بخط محمد رضا الخوانساري و ابنه محمد علي، سنة 1276 ه. ق»، و طبعة أخرى، طهران، انتشارات جهان، مصورا من طبعه السابق مع حذف رسالة ترجمة أبي بصير و تغيير الترتيب السابق للكتب، جمع فيه أحد عشر كتابا في الفقه من تأليفات القدماء: 1- المقنع في الفقه للصدوق «المتوفى 381 ه.» 2- الهداية للصدوق أيضا. 3- الانتصار للسيد المرتضى «355- 436 ه.»

4- الناصريات له أيضا. 5- الجواهر لابن البرّاج «400- 481» 6- إشارة السبق لعلاء الدين الحلبي. 7- المراسم لسلّار «المتوفى 463 ه.» 8- النهاية لشيخ الطائفة «385- 460 ه.» 9- نكت النهاية للمحقق الحلّي «602- 672 ه.» 10- الغنية لابن زهرة «511- 585 ه.» 11- الوسيلة لابن حمزة.- و رسالة عديمة النظير في ترجمة أبي بصير للسيد محمد مهدي الخوانساري «المتوفي 1246 ه.»

34- الجواهر «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» للشيخ محمد حسن بن باقر النجفي المعروف بصاحب الجواهر «المتوفي 1266 ه.» في اثنين و أربعين مجلدا، طبع إيران، دار الكتب الإسلامية 1392- 1400 ه. ق.

35- حاشية المكاسب «حاشية الكمپاني على المكاسب» للشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني الكمپاني «المتوفى 1361 ه.» في جزءين، طبع إيران «بخطّ محمد علي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 500

بن الحاج ميرزا محمود التبريزي الغروي 1363- 1364 ه. ق.»

36- الحدائق «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» للشيخ يوسف بن أحمد البحراني «1107- 1186 ه.» طبع منه خمسة و عشرون مجلدا من أوّل كتاب الطهارة

إلى أواخر كتاب الظهار من سنة 1376 إلى 1409 ه. ق.

37- الخراج للقاضي أبي يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب- صاحب أبي حنيفة- «113- 182 ه.» طبع دار المعرفة للطباعة، بيروت، سنة 1399 ه. ق.

38- الخصال للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين «المتوفى 381 ه.»

طبع منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم. «صححه و علّق عليه علي أكبر الغفاري».

39- الخلاف «الخلاف في الأحكام، أو مسائل الخلاف» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع إيران.

40- الخمس «كتاب الخمس» للمؤلّف، طبع جماعة المدرسين، قم، سنة 1360 ه. ش.

41- الدّرر «درر الفوائد» لآية الله العظمى العلامة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي «1276- 1355 ه. ق» جزءان في مجلدين طبع مطبعة مهر قم، و طبعه الجديد في مجلد واحد، طبع منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، سنة 1408 ه. ق.

42- دراسات في ولاية الفقيه «دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية» للمؤلف، طبع في أربع مجلدات من سنة 1408 إلى 1411 ه. ق.

43- الدّر المنثور للسيوطي، أبي الفضل، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي «849- 910 أو 911 ه.» ستة أجزاء، طبع مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم «مصورا من طبعه بالمطبعة الميمنية بمصر، سنة 1314 ه. ق».

44- الدروس «الدروس الشرعية في فقه الإمامية» للشهيد الأوّل، شمس الدين أبي عبد اللّه، محمد بن مكي «734- 786 ه.» طبع قم، انتشارات صادقي، تصحيح

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 501

و تعليق: السيد مهدي اللازوردي الحسيني «بخط أبي القاسم محمد صادق الحسيني 1269 ه. ق.»

45- دعائم الإسلام للقاضي أبي حنيفة، النعمان بن محمد التميمي المغربي «المتوفى

363 ه.» في مجلدين، طبع القاهرة، دار المعارف.

46- الذخيرة «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» للمحقق السبزواري، محمد باقر بن محمد مؤمن «1017- 1090 ه.» في مجلد واحد، طبع مؤسسة آل البيت «ع» «بخطّ زين العابدين بن علي الخوانساري، سنة 1274 ه. ق.»

47- رجال الشيخ لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» طبع المطبعة الحيدرية في النجف، سنة 1380 ه.

* رجال المامقاني للشيخ عبد اللّه، راجع تنقيح المقال.

48- الرسائل العشر لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» طبع قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

49- الروضة «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» للشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي «911- 965 و قيل 966 ه.» في مجلدين، الطبع القديم «بخط عبد الرحيم 1308 و 1310 ه. ق.»

50- الرياض «رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل» للسيد علي بن محمد علي الطباطبائي «1161- 1231 ه.» في مجلدين، طبع مؤسسة آل البيت «ع» «بخطّ كلب علي بن عباس القزويني سنة 1286- 1288 ه.»

51- زاد المعاد للعلامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.» في مجلد واحد طبع المطبعة الإسلامية. سنة 1364 ه. ق.

52- زبدة البيان في أحكام القرآن للمقدّس الأردبيلي مولانا أحمد بن محمد «المتوفى سنة 993 ه. ق» طبع طهران، المكتبة المرتضوية. حققه و علّق عليه محمّد الباقر البهبودي.

* الزكاة «كتاب الزكاة» للشيخ الأنصاري «قده»، راجع كتاب الطهارة منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 502

53- الزكاة «كتاب الزكاة» للمؤلّف، خرج منه مجلدان قبل سنين، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، قم. و المجلد الثالث و هذا المجلد (الرابع) منه طبعا في وقت واحد، (سنة 1413 ه. ق.)

*

الزكاة «كتاب الزكاة» للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

54- الزكاة «كتاب الزكاة» لآية الله الميلاني «1313- 1395 ه.» في مجلدين، طبع إيران، الطبعة الأولى سنة 1396 ه. ق ..

55- السرائر «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي» لابن إدريس الحلّي، أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي «558- 598 ه.» طبع إيران، انتشارات المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية سنة 1390 «بخطّ السيد الحسن الموسوي 1270 ه. ق.»، و طبعه الجديد في ثلاث مجلدات، طبع منشورات جماعة المدرّسين في قم.

* السقيفة لسليم بن قيس، راجع كتاب سليم بن قيس.

56- سنن ابن ماجة لأبي عبد اللّه محمد بن يزيد القزويني، الشهير ب «ابن ماجة» «207- 275 ه.» في مجلدين، طبع بيروت، دار إحياء التراث العربي 1395، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

57- سنن أبي داود لأبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي «202- 275 ه.» في مجلدين طبع مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده بمصر، سنة 1371 ه. ق مع التعليقات للشيخ أحمد سعد علي. و طبعة أخرى في أربع مجلدات، طبع دار إحياء السنة النبوية «تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد».

58- سنن البيهقي «السنن الكبرى» لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي «المتوفى 458 ه.» في عشر مجلدات طبع دار المعرفة، بيروت، سنة 1355 ه. مصورا من طبعة هند سنة 1344 ه. ق.

59- سنن الترمذي «جامع الترمذي» لأبي عيسى، محمد بن عيسى الترمذي «المتوفى 279 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1394

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 503

ه. ق. تحقيق و تصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف و عبد الرحمن محمد عثمان.

60- سيرة ابن هشام لأبي محمد عبد الملك بن هشام

بن أيوب الحميري المعافري «المتوفى 218 أو 213 ه.» في أربع مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت، حققها و ضبطها و شرحها و وضع فهارسها مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري و عبد الحفيظ شبلي.

61- السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي «975- 1044 ه.» في ثلاث مجلدات و بهامشها سيرة زيني دحلان، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

62- الشرائع «شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام» للمحقق الحلّي، أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن «المتوفى 676 ه.» أربعة أجزاء في مجلدين، طبع مطبعة الآداب في النجف، الطبعة المحققة الأولى 1389 ه. ق. تصحيح و تعليق عبد الحسين محمد علي. و طبعة أخرى، في أربعة أجزاء مع تعليقات السيد صادق الشيرازي، طبع دار الهدى للطباعة و النشر، قم، من طبعة بيروت سنة 1403 ه. ق.

* الشرح الكبير لابن قدامة، راجع المغني لابن قدامة.

63- شرح المنظومة للحكيم المتأله الحاج ملّا هادي بن ميرزا مهدي بن محمد صادق السبزواري «1212- 1289 ه. ق.» طبع بالأوفست سنة 1367 ه. ق. من النسخة الناصرية، و طبعة أخرى بالأوفست، طبع مطبعة المصطفوي، طهران سنة 1298 ه. ق.

64- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد «586- 656 ه.» في عشرين مجلدا، طبع القاهرة، دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي و شركائه، الطبعة الأولى 1378- 1383 ه. ق.

65- صحيح البخاري «الجامع الصحيح» لأبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري «194- 256 ه.» ثمانية أجزاء في أربع مجلدات، طبع دار الفكر «مصوّرا من طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول 1315 ه. ق»، و طبعة أخرى ثمانية أجزاء في أربع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 504

مجلدات مع حاشية السندي، طبع دار إحياء الكتب

العربية لعيسى البابي الحلبي و شركائه.

66- صحيح مسلم لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيرى النيسابوري «206- 261 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي.

67- العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي «المتوفى 1337 ه. ق.» في مجلدين، طبع إيران، المكتبة الإسلامية سنة 1399 ه-. ق. و طبعة أخرى من الإسلامية في مجلد واحد، سنة 1373 ه. ق.

68- علل الشرائع للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي «المتولد حدود 305 و المتوفى 381 ه.» طبع منشورات المكتبة الحيدرية في النجف، سنة 1385 ه.

69- العوائد «عوائد الأيام من مهمات أدلّة الأحكام» للمولى أحمد بن محمد مهدي النراقي «المتوفى 1245 أو 1244 ه.» طبع مكتبة بصيرتي، قم.

70- عوالي اللئالي «عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينية» لأبي جمهور الأحسائي، محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي «المتوفي 940 ه.»

في أربع مجلدات، طبع مطبعة سيد الشهداء قم، سنة 1403 ه. تحقيق آية الله الحاج آقا مجتبى العراقي.

71- فقه الرضا «الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا «ع». تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى في مشهد المقدسة، سنة 1406 ه. ق. و طبعة أخرى قديمة طبع دار الطباعة، إيران سنة 1274 ه-. ق.

72- فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي، المعاصر، جزءان في مجلدين، الطبعة السادسة طبع مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1401 ه. ق.

73- فقه العترة في زكاة الفطرة شرح العروة الوثقى، محاضرات آية اللّه العظمى الخوئي- قدّس سرّه- «المتوفى 1413 ه. ق.» في مجلد واحد، و المؤلف السيد محمد تقي الحسيني الجلالي، الطبعة الأولى، طبع مطبعة الآداب في النجف الأشرف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 505

سنة 1398 ه. ق.

74-

فقه القرآن لقطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي «المتوفى سنة 573 ه. ق.» في جزءين، الطبعة الأولى: الجزء الأوّل، المطبعة العلمية، قم سنة 1397 ه. و الجزء الثاني، مطبعة الخيام، قم سنة 1399 ه. ق.

75- الفقيه «كتاب من لا يحضره الفقيه» للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي «المتوفى 381 ه.» أربع مجلدات طبع منشورات جماعة المدرسين، قم، صححه و علّق عليه علي أكبر الغفاري. و طبعة أخرى في أربع مجلدات، طبع طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الخامسة سنة 1390 ه. ق.

76- فوائد الأصول للشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، تقريرا لبحث أستاذه آية الله الميرزا محمد حسين الغروي النائيني «المتوفى 1355 ه. ق.» أربعة أجزاء في مجلدين، طبع إيران من منشورات مكتبة المصطفوي. و طبعة أخرى لجماعة المدرسين في قم المقدسة.

77- قرب الإسناد لأبي العباس، عبد الله بن جعفر الحميري القمي (من أعلام القرن الثالث و من أصحاب الإمام العسكري «ع») «المتولد في حدود 240 و المتوفى بعد 300 ه.» طبع مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

78- القواعد «قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»،

جزءان في مجلد واحد، طبع قم، منشورات الرضي «الجزء الأول منه بخطّ الميرزا السيد حسن بن الحاج الميرزا علي تقي المدرس الحسيني اليزدي، سنة 1330 ه. و الجزء الثانى بخطّ محمد بن الميرزا عبد العلي، سنة 1315 ه. ق».

79- الكافي لأبي الصلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم الدين الحلبي (من تلاميذ السيد المرتضى) «374- 447 ه.» طبع مكتبة الإمام أمير المؤمنين، إيران.

80- الكافي للكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني «المتوفي 328 ه.» في ثماني مجلدات؛ الأصول و الفروع

و الروضة، طبع دار الكتب الإسلامية، إيران،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 506

تصحيح و تعليق علي أكبر الغفاري.

* كتاب الخمس للمؤلّف، راجع الخمس له.

* كتاب الزكاة للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

* كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري، راجع كتاب الطهارة.

* كتاب الزكاة للمؤلّف، راجع الزكاة له.

* كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني، راجع الزكاة له.

81- كتاب سليم بن قيس «كتاب السقيفة» لسليم بن قيس الكوفي الهلالي صاحب الإمام أمير المؤمنين «المتوفى حدود 90 ه.» طبع دار الكتب الإسلامية، إيران.

* كتاب الطهارة للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

82- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري «المتوفى 1281 ه.»

(المطبوع في آخره عدة رسائل و كتب له، منها كتاب الزكاة و كتاب الخمس و كتاب الصوم.)، طبع طهران «بخطّ علي بن الحسن التبريزي، سنة 1303 ه.» و طبعة أخرى، طبع إيران «بخطّ أحمد الطباطبائي الأردستاني و زين العابدين الخوانساري، سنة 1298 ه. ق.»

* كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق، راجع «الفقيه».

83- الكشّاف، تفسير الكشّاف «الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل ...» للزمخشري، جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري «467- 538 ه.» في أربع مجلدات، طبع مصر، سنة 1385 ه. ق. و طبعة أخرى في أربع مجلدات، طبع دار الكتاب العربي، بيروت.

84- كشف الغطاء «كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء» للشيخ جعفر بن خضر، المعروف بكاشف الغطاء «المتوفى 1227، و قيل 1228 ه.» طبع أصفهان، منشورات المهدويّ.

85- كفاية الأحكام للمحقّق السبزواري، المولى محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري «المتوفّى 1090 ه.» الطبع الحجري، إيران، أصفهان.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 507

86- كنز العرفان «كنز العرفان في فقه القرآن» للشيخ الأجلّ جمال الدين المقداد بن عبد اللّه السيوري

«المتوفي 826 ه.» جزءان في مجلد واحد طبع المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية طهران سنة 1384 ه. ق.

87- اللمعة الدمشقية للشهيد الأول مع شرحها: «الروضة البهية للشهيد الثاني»، في عشر مجلدات، طبع النجف، تصحيح و تعليق السيد محمد كلانتر. و طبعة أخرى- الطبع القديم- في مجلدين. راجع الروضة البهية.

88- المبسوط لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.»

ثمانية أجزاء، طبع المكتبة المرتضوية، إيران، الطبعة الثانية 1387- 1393 ه. ق.

89- مجمع البحرين «مجمع البحرين و مطلع النيّرين» للطريحي، فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح «979- 1087، و قيل 1089، و قيل 1085، و الأرجح الأوّل»، طبع مكتبة المصطفوي، طهران، في مجلد واحد «مصورا من طبعة سنة 1298 ه. ق.»

90- مجمع البيان «مجمع البيان لعلوم القرآن» للطبرسي، أبي علي، الفضل بن الحسن الطبرسي «المتوفى 548 ه. ق»، عشرة أجزاء في خمس مجلدات، طبع طهران، المكتبة الإسلامية مع تصحيح الفاضل المتبحر الشيخ أبي الحسن الشعراني- قدّس سرّه- [و طبعة أخرى، طبع مطبعة العرفان، صيدا (سوريا) من سنة 1333 إلى 1356 ه. ق].

91- مجمع الفائدة و البرهان للمحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد «المتوفى 993 ه.»

طبع جماعة المدرسين- قم.

92- المحاضرات (مباحث الألفاظ في علم الأصول) محاضرات آية الله العظمى الخوئي «قده» «المتوفى 1413 ه. ق» في خمس مجلدات و المؤلف هو المدقق الفاضل الشيخ محمد إسحاق الفياض.

93- المحلى لابن حزم الأندلسي، أبي محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم «المتوفى 456 ه.» أحد عشر جزء في ثماني مجلدات، طبع دار الفكر، بيروت.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 508

* مختصر [أبي القاسم] الخرقي، راجع المغني لابن قدامة

94- المختصر النافع للمحقق

الحلّي، أبي القاسم، نجم الدين، جعفر بن الحسن الحلّي، «المتوفى 676 ه.» طبع دار الكتاب العربي بمصر.

95- المختلف «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» للعلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف المطهر الحلّي «648- 726 ه.» جزءان في مجلد واحد، طبع إيران بتصدّي الشيخ أحمد الشيرازي، سنة 1323- 1324 ه. ق.

96- المدارك «مدارك الأحكام» للسيد محمد بن السيد علي الموسوي العاملي المعروف بصاحب المدارك «المتوفى 1009 ه.» طبع إيران «بخطّ السيد حسن بن محمد الحسيني الخوانساري 1322 ه. ق.» مع تصحيح أرقام صفحاته. و طبعة أخرى لمؤسسة آل البيت مع التحقيق سنة 1410 ه. ق.، طبع منه حتى الآن ثمانية أجزاء.

97- المدونة الكبرى لمالك بن أنس بن مالك «93- 179 ه. ق.» (و معها مقدمات ابن رشد لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، المتوفى 520 ه.) في أربع مجلدات طبع دار الفكر، بيروت، سنة 1400 ه. ق.

98- مرآة العقول «مرآة العقول في أخبار آل الرسول» للعلّامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.» الطبع الجديد طبع نشر دار الكتب الإسلامية، طهران.

99- المسالك «مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام» للشهيد الثاني، زين الدين بن عليّ العاملي «911- 965، و قيل 966 ه.» في مجلدين، طبع إيران «بخطّ كلب علي الشرندي القزويني، سنة 1313 ه. ق».

100- مستدرك الوسائل «مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل» للحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي المعروف بالمحدث النوري «المتوفى 1320 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الإسلامية بطهران و المكتبة العلمية بالنجف. طبع مصورا في المطبعة الإسلامية سنة 1382 ه. ق. «بخطّ محمد صادق بن محمد رضا التويسركاني 1318 ه. ق».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 509

101- المستمسك «مستمسك العروة الوثقى» لآية الله العظمى

السيد محسن الحكيم «قده» «1306- 1390 ه.» في أربعة عشر مجلدا. طبع قم، دار الكتب العلمية مصورا من طبع النجف بمطبعة الآداب.

102- المستند «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» للمولى أحمد بن محمد مهدي النراقي «المتوفى 1244، و قيل 1245 ه.» في مجلدين طبع منشورات المكتبة المرتضوية، إيران، 1325 ه. ق.

103- مستند العروة، محاضرات آية الله العظمى الخوئي- قدّس سرّه- «المتوفى 1413 ه. ق» طبع المطبعة العلمية قم، (كتاب الخمس سنة 1364 ه. ش)

104- مسند أحمد لأبي عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني «164- 241 ه.» و بهامشه منتخب كنز العمال، في ست مجلدات، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1398 ه. ق.

105- مسند زيد لزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب «ع». «76- 121، أو بعدها.» جمعه عبد العزيز بن إسحاق البغدادي «المتوفى 363 ه.» في مجلد واحد، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403 ه. ق.

106- مصباح الفقيه للحاج آقا رضا بن الآقا محمد هادي المعروف بالفقيه الهمداني «المتوفي 1322 ه.» طبع منه ثلاث مجلدات: 1- كتاب الطهارة، طبع مكتبة الصدر، طهران «بخطّ ميرزا حسين ناسخيان، سنة 1353 ه.» 2- كتاب الصلاة، طبع مكتبة الداوري، قم «بخطّ ميرزا محمود بن مهدي التبريزي و ولده محمد علي سنة 1347 ه. ق.». 3- كتاب الزكاة و الخمس و الصوم و الرهن، طبع مكتبة المصطفوي، قم «بخطّ طاهر بن عبد الرحمن خوشنويس، سنة 1364 ه. ق».

107- مصباح الهدى «مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى» للشيخ محمد تقي الآملي «قده» «1304- 1391 ه.» خرج منه حتى الآن اثنا عشر مجلدا، طبع مكتبة ولي العصر، طهران، 1377- 1402 ه. ق.

108- معاني الأخبار للصدوق، أبي

جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 510

«المتوفى 381 ه.» عنى بتصحيحه علي أكبر الغفاري، طبع بيروت، سنة 1399، و كذا طبع جماعة المدرسين في قم المشرفة، و مكتبة الصدوق في طهران.

109- المعتبر «المعتبر في شرح المختصر» للمحقق الحلّي، أبي القاسم، نجم الدين، جعفر بن الحسن الحلّي «المتوفى 676 ه.» طبع منشورات مجمع الذخائر الإسلامية مصورا من طبعة سنة 1318 ه. ق.

110- المعتمد محاضرات آية الله العظمى الخوئي- قدّس سرّه- «المتوفى 1413 ه. ق» في خمس مجلدات: مجلدين منها في شرح كتاب الحج من العروة الوثقى، و ثلاث مجلدات أخر في شرح المناسك، طبع المطبعة العلمية قم. الطبعة الأولى.

111- المغني لابن قدامة، أبي محمد، عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة «541- 620 ه.» (شرح على مختصر أبي القاسم الخرقي، المتوفى 334 ه.) و يليه الشرح الكبير على متن المقنع، في اثني عشر مجلدا، طبع دار الكتاب العربي، بيروت 1392 ه. ق.

112- مغني المحتاج «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» لمحمد الخطيب الشربيني «المتوفى حدود سنة 977 ه.» (في شرح منهاج الطالبين للنووي)، أربع مجلدات طبع دار الفكر، بيروت «تعليق الشيخ جوبلي بن إبراهيم الشافعي».

113- مفتاح الكرامة «مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة» للسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي «المتوفى 1226 ه.» في عشر مجلدات، طبع منه ثماني مجلدات في مصر و المجلدان الآخران في إيران، 1324- 1376 ه. ق.

114- المفردات للراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد المفضل «توفي على قول في سنة 502 ه.» طبع دار الكاتب العربي، سنة 1392 ه. «تحقيق نديم مرعشلي».

115- المقنعة «المقنعة في الأصول و الفروع» للشيخ المفيد، أبي عبد

اللّه، محمد بن محمد بن النعمان «336- 413 ه.» طبع مكتبة الداوري، قم «مصورا من طبعة سنة 1274 ه. ق. في دار الطباعة للآقا محمد تقي التبريزى، بخطّ أحمد علي الخوانساري».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 511

116- المكاسب المحرمة للإمام الخميني- قدّس سرّه- «1320- 1409 ه. ق» في مجلدين. طبع مطبعة مهر في قم، مع تذييلات للمجتبى الطهراني.

117- المنتهى «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه. ق.» في مجلدين، طبع إيران، سنة 1333 ه. ق.

118- المنهاج للنووي، محيي الدين أبي زكريا، يحيى النووي «631- 676 ه.»

(المطبوع مع شرحه السراج الوهاج للشيخ محمد الزهري الغمراوي)، في مجلد واحد، طبع مصر، سنة 1352 ه. ق.

119- المهذب لابن البرّاج، القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي «400- 481 ه.»

في مجلدين، طبع مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

120- نور الثقلين «تفسير نور الثقلين» للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي- المعاصر للشيخ الحرّ العاملي- «المتوفى 112 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار الكتب العلمية، قم «تصحيح و تعليق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي».

121- النهاية «النهاية في غريب الحديث و الأثر» لابن الأثير، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري «544- 606 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار إحياء الكتب العربية (تحقيق محمود محمد الطناحي و طاهر أحمد الزاوي)، سنة 1383 ه. ق.

122- النهاية «النهاية في مجرد الفقه و الفتاوي» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» طبع دار الكتاب العربية، بيروت، سنة 1390 ه. ق.

123- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف «648- 726 ه. ق.»، في مجلدين، طبع دار الأضواء، بيروت، سنة 1406 ه. ق.

124- نهاية الأصول للمؤلّف

(تقريرات لأبحاث أستاذه آية اللّه العظمى السيد حسين البروجردي «1292- 1380 ه.» طبع مطبعة الحكمة، قم، سنة 1375 ه. ق.

125- نهاية التقرير في مباحث الصلاة لآية الله الشيخ محمد الموحّدي، الفاضل اللنكراني (تقريرات لأبحاث أستاذه آية الله العظمى البروجردي «1292- 1380 ه.») جزءان، طبع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 512

مطبعة الحكمة، قم، سنة 1376 و 1377 ه. ق.

126- نهج البلاغة من كلام مولانا أمير المؤمنين «ع»، جمعه الشريف رضي، محمد بن الحسين «359- 406 ه.» له طبعات كثيرة، منها: 1- مع الترجمة بالفارسية و الشرح للحاج السيد علي نقي فيض الإسلام، المطبوع بخطّ طاهر خوشنويس، ستة أجزاء في مجلد واحد. 2- مع الشرح للشيخ محمد عبده، ثلاثة أجزاء في مجلد واحد، طبع مطبعة الاستقامة بمصر. 3- مع ضبط نصّه و ابتكار فهارسه العلمية للدكتور صبحي الصالح، طبع بيروت سنة 1387 ه. و طبع بالأفست في إيران سنة 1395 ه. بإشراف انتشارات الهجرة، قم.

127- الوافي للفيض الكاشاني، المحدث المتكلم الفقيه، المولى محسن الكاشاني «1007- 1091 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الإسلامية، طهران «بخطّ محمد حسن بن محمد علي الأصفهاني 1323 ه. ق».

128- الوسائل «تحصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» للشيخ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن بن علي «1033- 1104 ه.» في عشرين مجلدا، طبع المكتبة الإسلامية، إيران 1383- 1389 ه. ق.

129- الوسيلة «الوسيلة إلى نيل الفضيلة» لابن حمزة، عماد الدين، أبي جعفر، محمد بن علي بن حمزة الطوسي (من أعلام القرن السادس)، طبع إيران، سنة 1408 ه. ق. مكتبة آية الله العظمى المرعشي. «تحقيق الشيخ محمد الحسون».

* ولاية الفقيه، للمؤلف. راجع دراسات في ولاية الفقيه.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد،

مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.