كتاب الزكاة (للمنتظري) المجلد 2

اشارة

سرشناسه : منتظری، حسینعلی، 1301 - 1388.

عنوان و نام پديدآور : کتاب الزکاه ‫ / لمولفه المنتظری.

مشخصات نشر : قم: مرکز النشر، مکتب الاعلام الاسلامی، [ 14ق. = 13] -

مشخصات ظاهری : ج.

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم، 1406ق. = 1364.

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : زکات

رده بندی کنگره : BP188/4/م 8ک 2 1300ی الف

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : 1839992

الجزء الثاني

[مقدمة المؤلف]

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين و اللعن على أعدائهم أجمعين.

و بعد فيقول العبد المفتقر الى ربه الهادي، حسين علي المنتظري النجف آبادي- غفر اللّه له و لوالديه-: هذه دروس فقهية ألقيت الى الاخوان في مسائل الزكاة و كنت أقيد ما ألقيه بالكتابة و كنّا نراعي في بحثنا ترتيب كتاب العروة الوثقى و نورد ما نذكره شرحا لها فاستدعى بعض الأصدقاء نشرها. و حيث ان المرء لا يخلو من الخطأ و النسيان و كفى في نبله ان تعدّ معايبه، فالمرجو ممن نظر فيها أن ينظر بنظر الانصاف و الاغماض و من اللّه- تعالى- أستمدّ و عليه التكلان.

قال المصنف:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 11

[4- تتمة فصل زكاة الغلات]

وقت اخراج الزكاة في الغلات

[المشهور هو عند التصفية]

[مسألة 6]: وقت الاخراج الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخّرها عنه ضمن عند تصفية الغلّة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب.

فوقت الأداء غير وقت التعلّق (1).

______________________________

(1) كون وقت الاداء حينئذ غير وقت التعلق على قول المشهور واضح و كذا على غيره في الحنطة و الشعير، لصدق الاسم قبل التصفية. و اما في التمر و الزبيب فالغالب كون الاجتذاذ و الاقتطاف قبل التمرية و الزبيبية، كما لا يخفى.

و كيف كان ففي الشرائع: «و وقت الاخراج في الغلة اذا صفت، و في التمر بعد اخترافه، و في الزبيب بعد اقتطافه» «1».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه» «2».

و في الحدائق: «الاتفاق على ان وجوب الاخراج انما هو بعد التصفية» «3».

و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب» «4».

و في المنتهى: «اتفق العلماء على انه لا يجب الاخراج في الحبوب الّا بعد التصفية، و في

______________________________

(1)- الشرائع 1/

153.

(2)- الجواهر 15/ 220.

(3)- الحدائق 12/ 116.

(4)- المدارك/ 304.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

التمر الّا بعد التشميس و الجفاف». «1»

و في التذكرة: «و اما الاخراج منها فلا يجب حتى تجذّ الثمرة و تشمس و تجفف، و تحصد الغلة و تصفي من التبن و القشر بلا خلاف». «2»

و في المسالك و المدارك: «و في جعل ذلك وقت الاخراج تجوّز. و انما وقته عند يبس الثمرة و صيرورتها تمرا او زبيبا» «3».

و لعلهما اراد بذلك ما ذكرناه من كون الغالب في التمر و الزبيب كون الاجتذاذ قبل يبس الثمرة و صيرورتها تمرا او زبيبا.

و في المدارك «4»: «و الظاهر ان المراد بوقت الاخراج الوقت الذي اذا أخّرت الزكاة عنه مع التّمكن من اخراجها تصير مضمونة، او الوقت الذي يسوغ للساعي فيه مطالبة المالك بالاخراج، لا الوقت الذي لا يجوز تقديم الزكاة عليه، لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي المالك الثمرة قبل الجذاذ و اجزاء دفع الواجب على رءوس الاشجار. و يدل على الجواز مضافا الى العمومات خصوص قوله «ع» في صحيحة سعد بن سعد الاشعري: اذا خرصه اخرج زكاته». «5» هذه بعض كلمات الاصحاب في المقام.

[دليل المشهور]

و استدل على كون وقت الاخراج ما ذكر بوجوه:

الاول: الاجماع و عدم الخلاف المدعى في كلماتهم، كما مرّ.

الثاني: استصحاب عدم وجوب الاخراج قبل ذلك.

الثالث: ما في مصباح الفقيه، قال: «اذ المنساق من الامر بصرف العشر او الخمس من حاصل زرعه او ثمرة بستانه في هذه السنة الى زيد مثلا انما هو ارادة ايصال الحصة

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 499.

(2)- التذكرة 1/ 237.

(3)- المسالك 1/ 56.

(4)- المدارك/ 304.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

المقررة له اليه بعد تصفية الحاصل و صرم البستان على حسب ما جرت العادة في تقسيم حاصل الزراعات و ثمرة الاشجار بين شركائهم. فليس للفقير اولويّة مطالبة المالك بالحصّة المقرّرة له قبل استكمال الحاصل، او بلوغ أوان قسمتها بين مستحقيها في العرف و العادة» «1».

الرابع: بعض الأخبار الواردة كرواية ابي مريم، عن ابي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عز و جل- «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ» قال: تعطي المسكين يوم حصادك الضغث، ثم اذا وقع في البيدر، ثم اذا وقع في الصاع العشر و نصف العشر «2». اذ يستفاد من آخرها ان اخراج الزكاة بعد التصفية.

و كصحيحة سعد بن سعد الاشعري، عن أبي الحسن الرضا «ع» قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال:

متى حلّت أخرجها، و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟

قال: إذا ما صرم و إذا ما خرص «3».

إذ المسؤول عنه في قوله: «متى تجب على صاحبها؟» هو وجوب اخراجها، بقرينة قوله قبل ذلك: «متى حلّت اخرجها». فكأنّ صدر الحديث كما قيل مربوط بما يعتبر فيه الحول، و ذيله بالغلات و السؤال في كليهما عن زمان الاخراج. فيستفاد منه كون الصرم وقتا للإخراج و ان جاز قبله أيضا حين الخرص، كما هو المستفاد من قوله في صحيحة أخرى لسعد: «إذا خرصه اخرج زكاته». فيكون الصرم وقت تعين الاخراج. و لا ينافي جوازه قبل ذلك، فتدبر.

و في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- قدّس سرّه- ما حاصله: «قلت: ظاهرهم الاتفاق على تأخّر وقت الاخراج عن وقت التعلّق، و ذلك يتصوّر على انحاء:

الأوّل: انّ معنى

التعلّق ثبوت الزكاة بما لها من الوضع، فيتأخر التكليف بادائها عن زمانها مشروطا بوقت الاخراج. و يشكل بان مقتضى اطلاق جملة «آتُوا الزَّكٰاةَ» ثبوت

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 62.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 14

..........

______________________________

الحكم بثبوت موضوعه. و التفكيك يحتاج الى دليل.

الثاني: انّ معناه ثبوت الوجوب من حين التعلق بنحو تقييد الواجب بوقت الاخراج.

و يشكل باستحالة الواجب المعلّق.

الثالث: انّ معناه الايجاب الموسّع من وقت التعلّق الى وقت الاخراج، فيتضيّق حينئذ. و يشكل أولا بتصريحهم بعدم الوجوب قبل وقت الاخراج، و ثانيا بلزوم فورية الأداء عنده. و لعلّ الظاهر عدم الفورية.

الرابع: انّ معناه هو الايجاب الموسّع من وقت التعلّق و انّ التصفية و الاقتطاف من مقدمات الواجب. و يشكل بما تقدّم من تصريحهم بعدم الوجوب قبل ذلك، و بان لازم ذلك وجوب تحصيل هذه المقدمات. و لم يعهد القول به من أحد.

الخامس: انّ معناه هو الايجاب الموسّع من وقت التعلّق، و ان وقت الاخراج يراد به وقت معرفة مقدار الزكاة، أعني معرفة العشر و نصف العشر. و يشكل بما تقدّم من تصريحهم بعدم الوجوب قبل وقت الاخراج.

هذا و لو كنّا و الروايات و لم يصدّنا الاجماع عن الأخذ بظاهرها لقلنا بعدم اختلاف وقت التعلّق و الاخراج، اذ الحكم لا يتخلّف عن موضوعه، و لكن في خصوص الغلات نلتزم بالاختلاف بمقتضى صحيحة سعد بن سعد. فان ظاهرها ان الوجوب مشروط بالصرم. و ان ابيت عن ذلك فلا بدّ من المصير الى وجوب الزكاة موسعا» «1».

أقول: يرد على ما ذكره أولا انّ ما ذكرناه من الأدلّة الأربعة

دليل على التفكيك. و على ما ذكره ثانيا انّا لا نسلّم استحالة الواجب المعلّق. الا ترى ان وجوب الحجّ يصير فعليا بوجود الاستطاعة. و لذا لا يجوز اعدامها مع كون الواجب استقباليا بحسب وقته المعين، و الوجوب خفيف المؤونة، فيمكن ايجاده قبل وقت العمل ليصير داعيا للشخص على التهيؤ و ايجاد المقدمات الوجودية. هذا، مضافا الى انّه يرد عليه و على من حذا حذوه انّ التّفكيك بين الوضع و التكليف في المقام و البحث عن كون الوجوب مشروطا أو كون الواجب معلّقا أو

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 1/ 313.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 15

..........

______________________________

موسّعا مع تعيّن وقت التعلّق يستلزم القول بجعلين مستقلّين: جعل حكم وضعي و جعل حكم تكليفيّ، و الشيخ الانصاري- قدّس سرّه- الذي هو خرّيت هذا الفن ينكر ذلك، بل المجعول عنده هو الحكم التكليفي فقط ثم الوضعي ينتزع منه. قال في مسألة زكاة المنذور التصدّق به: «و لذا استفيد خروج الزكاة و الخمس عن ملك المالك الى ملك الفقراء من الأمر بدفع بعض النصاب اليهم، و إلّا فلم يرد في أدلّة تشريع الزكاة حكم وضعيّ في تملك الفقراء لحصّتهم من النصاب. و ما ورد من انّ اللّه شرّك بين الاغنياء و الفقراء في أموالهم، و جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم فليس إلّا مأخوذا عن الحكم التكليفي الصادر في اوّل التّشريع، لا انّه ملّك الفقراء أوّلا ثمّ أمر الأغنياء بدفع ملكهم اليهم على حدّ التكليف باداء الامانة، بل الظاهر العكس و استفادة التملك من الأمر بالدفع» «1».

و على هذا فالوجوب مجعول في وقت التعلّق على القولين فيه. فينتفى احتمال كونه مشروطا بالتصفية و الجذاذ و يبقى احتمال كونه

معلقا أو موسّعا. و حيث انّه يجوز قطعا أداء الزكاة قبل التصفية أيضا بقصد الزكاة الواجبة مع فرض صدق الاسم فلا محالة ينتفى احتمال التعليق أيضا. فلعلّه يكون الوجوب موسّعا و يصير بالتصفية و الجذاذ مضيّقا، حيث انّ الوقت المتعارف لتقسيم المحصول كما مرّ زمان التصفية و الجذاذ، فالتأخير الى هذا الوقت متعارف لا يوجب الضمان و بعد ذلك يكون التأخير موجبا له، كما صرّح بذلك في المدارك و تبعه المصنف.

و هاهنا نكتة يجب أن ينبّه عليها. و هي انّ المذكور في الشرائع: «وقت الاخراج في الغلة اذا صفت ...» «2». فليس في عبارته كلمة الوجوب. فمراده تعيين وقت الامتثال، لا وقت الوجوب. و المقصود انّ الوقت المتعارف لامتثال التكليف بالزكاة زمان التصفية و الجذاذ.

و فائدة تعيين ذلك مع جواز الامتثال قبل ذلك ما ذكره في المدارك و تبعه المصنّف من جواز مطالبة الساعي حينئذ و ثبوت الضمان مع التأخير عنه. و من عبّر بالوجوب كالتذكرة

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 467.

(2)- الشرائع 1/ 152.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 16

[يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي]

[مسألة 7]: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي (1) مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

[يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر]

[مسألة 8]: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ منه أو من قيمته (2).

______________________________

و المنتهى و المصنف و غير هما لعله أراد به وجوب الامتثال، لا ثبوت التكليف. فيصير محصل ذلك كلّه انّ الزكاة تجب في وقت التعلق، و لكن زمان امتثاله المتعارف الذي يجوز التأخير اليه و لا يجوز التأخير عنه هو زمان التصفية و الجذاذ، فتدبر.

ثمّ الظاهر انصراف الأدلّة و كلام الأصحاب عن صورة تأخير التصفية و الجذاذ عن وقتهما المتعارف عمدا و بلا جهة، كما لا يخفى.

(1) إذ الولاية لهما و بينهما. نعم، يجب على الساعي رعاية مصلحة الفقراء و بيت المال، كما لا يخفى.

(2) بعد زمان التعلق على القولين فيه، و امّا قبله فلا يجوز إلّا بعنوان القرض مع قبول الحاكم أو الفقيه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 17

جواز دفع القيمة

[مسألة 9]: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين من أيّ جنس كان، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلا. و تسليمها بتسليم العين الى الفقير (3).

______________________________

(3) مرّ البحث عن المسألة في المسألة الخامسة من زكاة الأنعام بالتفصيل. و أصل جواز دفع القيمة في الزكاة اجمالا اجماعي. و يدلّ عليه روايات مذكورة في الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة من الوسائل.

ففي الخلاف (المسألة 58): «يجوز اخراج القيمة في الزكوات كلّها، و في الفطرة أي شي ء كانت القيمة ... دليلنا اجماع الفرقة، فانّهم لا يختلفون في ذلك» «1».

نعم، وقع الاختلاف في المسألة في ثلاثة فروع:

الأول: جواز القيمة في الأنعام. فقد ناقش فيه المفيد و بعض آخر.

الثاني: جواز دفع القيمة من غير النقدين.

الثالث: كون القيمة من المنافع كسكنى الدار و نحوها. و قد قرّبنا في تلك المسألة

بالتفصيل الجواز، و لو في الانعام و من غير النقدين. و قد استفدنا ذلك من رواية البرقي، و من رواية يونس بن يعقوب «2» و ممّا دلّ من الأخبار على جواز احتساب الدين من الزكاة،

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 289.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

و جواز احجاج الغير بها، و جواز تكفين الميت و تجهيزه منها، و ما دلّ على جواز تولّى المالك لصرفها في المصارف الثمانية. و من المعلوم انّ هذا لا يمكن غالبا إلّا بتقويم الزكاة و صرف قيمتها فيها، فراجع ما فصّلناه هناك «1».

و امّا جواز كونها من المنافع ففي المنتهى: «هل يجوز اخراج المنافع كسكنى الدار؟

الأقرب عندي الجواز، خلافا للجمهور. لنا انّه حقّ ماليّ فجاز اخراجه قيمة كالأعيان» «2».

و في البيان: «لو اخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار فالأقرب الصحة.

و تسليمها بتسليم العين. و يحتمل المنع هنا، لأنّها تحصل تدريجا» «3».

و في المدارك: «امّا جواز احتساب المنفعة فمشكل» «4».

أقول: و لعلّ وجه اشكاله ما أشار إليه الشهيد من انّها تحصل تدريجا. فكأنّه لا يصدق الأداء و الدفع حينئذ، أو لأنّ الدفع من المنافع ممّا لم يتعرض له واحدة من الروايات، فانّ المذكور في رواية يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما، و أرى انّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال: لا بأس».

فالرواية و إن كان يستفاد منها جواز دفع القيمة و لو من غير النقدين و لكن لا عموم لها بالنسبة الى المنافع. اللهم إلّا ان يقال: انّه يستفاد من الرواية جواز صرف

الزكاة في كلّ ما يكون خيرا لمصارفها. فاذا فرض انّ الفقير يحتاج شديدا الى مسكن و لا يمكن الشراء له فتسليم الدار اليه ليسكن فيها سنة أو سنتين يكون خيرا له، بل المستفاد من مجموع روايات الزكاة انّ من مصارفها سدّ خلّة الفقراء و رفع احتياجاتهم بالكلية، و من أشدّ الاحتياجات تأمين المسكن و لو بنحو تملك المنفعة أو الانتفاع، بل لعلّه يستفاد من روايات الاحجاج بالزكاة و تجهيز الميت أيضا جواز دفع المنفعة. فان الحاج قد يفتقر الى راحلة من دابّة أو سيارة أو طائرة. فتسلم العين اليه بقصد الانتفاع بها في سفره، و كذلك تجهيز الميت قد يتوقّف على

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 212.

(2)- المنتهى 1/ 504.

(3)- البيان/ 186.

(4)- المدارك/ 298.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 19

[لا تتكرر زكاة الغلات بتكرر السنين اذا بقيت]

[مسألة 10]: لا تتكرر زكاة الغلات (1) بتكرر السنين اذا بقيت أحوالا. فاذا زكّى الحنطة، ثمّ احتكرها سنين لم يجب عليه شي ء.

و كذا التمر و غيره.

______________________________

الاستفادة من السيارة أو محل الغسل أو نحو ذلك.

و بالجملة فيستفاد من مجموع الروايات كفاية دفع المنفعة أيضا. و هذا واضح لمن له شمّ الفقاهة.

(1) اجماعا. حكاه جماعة، ففي الخلاف (المسألة 80): «اذا أخذ العشر من الثمار و الحبوب مرة لم يتكرر وجوبه فيما بعد ذلك و لو حال عليه أحوال. و به قال جميع الفقهاء.

و قال (الحسن) البصري: كلّما حال عليه الحول و عنده نصاب منه ففيه العشر. دليلنا اجماع الفرقة» «1».

و في المعتبر: «و لا يتكرر الزكاة فيها (الغلّات). و على ذلك اتفاق العلماء أيضا عدا الحسن البصري. و لا عبرة بانفراده» «2».

و يدلّ على المسألة- مضافا الى الاجماع، و عدم الخلاف، و كون وقت التعلّق في الغلات قبل

التصفية و الجذاذ و هو لا يقبل التكرّر- صحيحة زرارة و عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي ء و ان حال عليه الحول عنده إلّا ان يحوّل مالا، فان فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه، و إلّا فلا شي ء عليه. و ان ثبت ذلك ألف عام اذا كان بعينه، فانّما عليه فيها صدقة العشر، فاذا أدّاها مرّة واحدة فلا شي ء عليه فيها حتى يحوّله مالا و يحول عليه الحول و هو عنده «3».

و عن الجعفريات باسناده عن عليّ- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه «ص»: ليس في التمر زكاة إلّا مرة واحدة «4».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 298.

(2)- المعتبر/ 269.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 11 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(4)- المستدرك، ج 1، كتاب الزكاة، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 20

مقدار الزكاة في الغلات

[مقدار الزكاة فيما سقى بالماء الجاري هو العشر و فيما سقى بالدلو نصف العشر]
اشارة

[مسألة 11]: مقدار الزكاة الواجب اخراجه في الغلات، هو العشر فيما سقى بالماء الجاري أو بماء السماء أو بمصّ عروقه من الأرض كالنخل و الشجر، بل الزّرع أيضا في بعض الأمكنة، و نصف العشر فيما سقى بالدلو و الرشاء، و النواضح، و الدوالى و نحوها من العلاجات (1).

______________________________

(1) في الشرائع: «كل ما سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر. و ما سقي بالدوالى و النواضح فيه نصف العشر» «1».

و في المعتبر: «على ذلك اتفاق فقهاء الإسلام» «2».

و في المنتهى: «عليه فقهاء الإسلام» «3».

و عن التذكرة: «لا خلاف فيه (في ذلك خ. ل) بين العلماء «4».

و في الجواهر: «بلا خلاف أجده ... بل الاجماع بقسميه عليه» «5».

و يدلّ على ذلك

الأخبار المستفيضة من طرق الفريقين، ففي صحيحة زرارة و بكير، عن

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 154.

(2)- المعتبر/ 270.

(3)- المنتهى 1/ 498.

(4)- التذكرة 1/ 219.

(5)- الجواهر 15/ 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

أبي جعفر «ع» قال: في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدوالى و النضح ففيه نصف العشر.

و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا «1».

و في موثقتهما، عنه «ع»: ... فاذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر. و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّا «2».

و في صحيحة زرارة، عنه «ع»: ... و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالى و النواضح ففيه نصف العشر. و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا «3».

و في صحيحة الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار اذا كانت سيحا أو كان بعلا العشر. و ما سقت السوانى و الدوالى أو سقي بالغرب فنصف العشر «4»، الى غير ذلك.

و عن البخاري، عن النبي «ص»: «فيما سقت السماء و العيون أو كان عثريّا العشر. و ما سقي بالنضح نصف العشر» «5». و نحو ذلك عن مسلم و غيره.

و المراد بالسيح الجريان، و بالبعل ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء، و بالعذي بكسر العين المهملة و سكون الذال المعجمة ما سقته السماء، و نحوه عثريّ بفتحتين و الياء المشدّدة. و الدوالى جمع دالية، و هي الناعورة التي يديرها البقر. و لعلّها مأخوذة من الدلو لترقيتها له. و النواضح جمع ناضح، و هو البعير يستقى عليه. و السوانى

جمع السانية، و هي الناعورة. و كذا البعير يستقى عليه. و الغرب بالغين المعجمة على وزن فلس الدلو العظيم. هذا.

و في المعتبر: «و ضابط ذلك ان ما تسقى بآلة ترفع الماء اليه كان فيه نصف العشر كالدالية و السانية و الدولاب» «6».

و في الجواهر ما حاصله: «انّ الظاهر من النصوص و الفتاوى انّ المدار احتياج ترقية

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 8.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(5)- صحيح البخاري 2/ 133، كتاب الزكاة، باب العشر فيما يسقى من ماء السماء و من ماء الجاري.

(6)- المعتبر/ 270.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 22

..........

______________________________

الماء الى الأرض الى آلة من دولاب و نحوه و عدمه، و انّه لا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار و السواقي و ان كثرت مئونتها، لعدم اعتبار الشارع إيّاه» «1».

و في مصباح الفقيه: «و التعبير بالترقية للجري مجرى الغالب، و إلّا فربّما يكون الماء في مكان عال، و لكن يحتاج ايصاله الى الزرع الى نقله من ذلك المكان بآلة من دلو و شبهه.

و لذا جعل بعض المعيار في ذلك احتياج أصل ايصال الماء الى الزرع الى العلاج و استغنائه عنه، بل عن المناهل ان ظاهرهم الاتفاق على هذا الضابط» «2».

و في المنتهى «فاذا بلغت الغلات النصاب وجبت فيها العشر ان لم يفتقر سقيها الى مئونة كالسقي سيحا أو بعلا أو عذيا. و ان افتقر سقيها الى مئونة كالدوالى و النواضح وجب فيها نصف العشر. و عليه فقهاء الإسلام»

«3».

و لا يخفى لزوم ارجاع المؤونة في كلامه الى مثل العلاجات، كما يشهد بذلك أمثلته، و إلّا فربّما يستلزم اجراء ماء النهر على الزرع أيضا الى مئونة كاستيجار الأشخاص لسقيه.

و الميزان كون وصول الماء من مقره الى الزرع بطبعه بعد جعله معدّا للجري و لو بحفر القناة أو اصلاح المجرى أو ايجاد المخزن أو السدّ أو نحو ذلك من ايجاد الشرائط و رفع الموانع، أو كون وصوله اليه بنقله اليه بآلة من دولاب أو بعير أو نحوهما. ففي الأول يجب العشر و ان استلزم المؤونة، و في الثاني يجب نصف العشر.

و هل المكائن المستحدثة الماصة للماء في عصرنا ملحقة بالأول أو الثاني، أو يفصل بين ما يستلزم المؤونة في كلّ يوم للاستفادة منها و بين غيره، فلو فرض مكينة محكمة تمصّ الماء و تجريه بعد ما نصبت في الأرض و لا استهلاك لها و لا مئونة كان تتحرك بحرارة الشمس مثلا فهي بمنزلة قناة أو نهر ثابت، و امّا ما يحتاج في كلّ يوم الى محرك و زيت و كهرباء و نحو ذلك فهو بمنزلة الدالية و السانية؟ وجوه. و لعلّ الأقوى التفصيل. و على تقدير الشك فالمرجع اصالة البراءة عمّا زاد على نصف العشر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 237.

(2)- مصباح الفقيه/ 69.

(3)- المنتهى 1/ 498.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 23

فروع
[لو سقى بالأمرين و صدق الاشتراك]

و لو سقى بالأمرين فمع صدق الاشتراك، في نصفه العشر، و في نصفه الآخر نصف العشر. و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (1).

______________________________

(1) في الخلاف (المسألة 78): «إذا سقى الأرض سيحا و غير سيح معا فان كانا نصفين أخذ نصفين، و ان كانا متفاضلين غلب الأكثر. و للشافعي فيه قولان: أحدهما

مثل ما قلناه، و الآخر بحسابه. دليلنا اجماع الفرقة» «1».

و في المعتبر: «فان اجتمع السقيان و كان أحدهما أغلب حكم للأكثر. و به قال أبو حنيفة و احمد. و قال الشافعي في أحد قوليه: يقسّط على السقيات، لأنّ كلّ سقي لو انفرد كان له حكم فعند الاجتماع كذلك، كما لو تساويا» «2».

و في التذكرة: «لو سقى بعض المدة بالسيح و بعضها بالآلة فان تساويا أخذت الزكاة بحساب ذلك، فأخذ للسيح نصف العشر، و للدوالى ربع العشر ... و لا نعلم فيه خلافا ...-

و ان تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا» «3».

و في نهاية الشيخ: «و إن كان ممّا قد سقى سيحا و غير سيح اعتبر الأغلب في سقيه ... فان

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 297.

(2)- المعتبر/ 270.

(3)- التذكرة 1/ 219.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 24

..........

______________________________

استويا في ذلك يؤخذ منه من نصفه بحساب العشر، و من النصف الآخر بحساب نصف العشر» «1».

و في الغنية: «و إن كان السقي بالأمرين معا كان الاعتبار بالأغلب من المرتين، فان تساويا زكّى النصف بالعشر و النصف بنصف العشر ... بدليل الاجماع الماضي ذكره» «2».

و في الشرائع: «و ان اجتمع (فيه خ. ل) الأمران كان الحكم للأكثر. فان تساويا أخذ من نصفه العشر و من نصفه نصف العشر» «3».

و بالجملة المذكور في كلمات الأصحاب عنوان التساوي و الأكثرية، و الحكم مرتب عليهما. و ادعي في بعض الكلمات الاجماع و عدم الخلاف فيهما.

و قبل التعرّض لحسنة معاوية بن شريح الآتية و ما يستفاد منها نبحث عمّا تقتضيه القاعدة بلحاظ الاخبار السابقة المفصلة بين نحوي السقيين.

فنقول المحتملات ثلاثة: الأول: ان يقال: انّ كلا منهما يقتضي مقتضاه مع استقلاله، فاذا اجتمعا في زرع واحد

فلا زكاة فيه أصلا.

الثاني: أن يقال: انّ كلا منهما سبب بنحو الاطلاق، فمع اجتماعهما يصدق سقيه بماء السماء، و كذا بالعلاج. فيجب العشر و نصف العشر معا في جميع الزرع.

الثالث:- و هو الصحيح- أن يقال: ان العلتين اذا اجتمعتا على محل فالأثر يقسط عليهما بنسبة تأثيرهما، بالنصف، أو الثلث و الثلثين، أو الربع و ثلاثة أرباع، و هكذا.

و إن شئت قلت: ان المستفاد من اخبار الباب انّ نصف العشر واجب على كلّ حال.

انّما الكلام في النصف الآخر، فيثبت مع السيح، و ينتفي مع الدالية. فاذا ثبت السيح في بعض المدة أثّر بمقدار ثبوته و لو كان بنسبة واحد في خمسين مثلا فالقاعدة تقتضي ما اختاره شافعي.

و في الجواهر: «علّله بعض الأصحاب بان دوام كلّ من الأمرين في جميع السنة يوجب

______________________________

(1)- النهاية/ 178.

(2)- الجوامع الفقهية/ 567.

(3)- الشرائع 1/ 154.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 25

..........

______________________________

مقتضاه، فاذا وجد في نصفه أوجب في نصفه» «1».

نعم، لو غلب أحدهما بنحو يكون الآخر نادرا كالمعدوم فالحكم تابع للغالب، لأنّه الصادق دون غيره، و لأنّه لا يوجد السقي بالدالية و نحوها في الأغلب إلّا و يصادف مطرا أو مطرين، فيعلم بذلك عدم العبرة بمثل ذلك.

هذا ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن حسنة معاوية، و امّا الحسنة فهي ما رواه معاوية بن شريح، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: فيما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا فالعشر. فامّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر، فقلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالى ثمّ يزيد الماء و تسقى سيحا؟ فقال: ان ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت:

نعم. قال: النصف و النصف، نصف بصنف العشر، و نصف بالعشر، فقلت: الأرض تسقى بالدوالى

ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا، قال: و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة أو اربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة اشهر، سبعة أشهر. قال: نصف العشر «2». و السند لا بأس به. و الظاهر انّ المراد بمعاوية ابن شريح معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي، فنسب الى جده.

و قوله: «النصف و النصف ...» يحتمل فيه أمران: الأول: ان يراد به نصف بالعشر، و نصف بنصف العشر. فيكون ما بعده بيانا له. الثاني: أن يكون «النصف و النصف» مبتدأ و ما بعده خبرا له. فيكون المراد ان السقيين ان كانا بالمناصفة كانت الزكاة بالعشر و نصف العشر. و الظاهر المتبادر الأول، اذ لا يتوجه ذهن السامع الى الثاني إلّا بعد التنبيه عليه. مضافا الى أنّه على الثاني لا يكون الجواب مستوعبا لجميع الشقوق و يبقى غير صورة المناصفة بلا جواب. و امّا على الأوّل فالجواب مستوعب، حيث ان السائل سأل عن صورة تحقق السقيين معا و لم يفصل بين كونها بالمناصفة أو بنحو التفاوت، و الامام- عليه السلام- أجاب بكون الوظيفة الأخذ بنصفين من غير استفصال. و ترك الاستفصال دليل العموم،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 239.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

و تنزيل اطلاق الجواب على صورة التساوي عددا أو زمانا أو نفعا، تنزيل على فرد نادر الحصول أو نادر الاطلاع عليه.

و على هذا فالحكم ليس دائرا مدار عنوان التساوي، بل صدق السقيين معا و ان كان بنحو التفاوت في الزمان أو العدد. و هو الذي اصرّ عليه صاحب الجواهر، و اختاره المصنف أيضا، حيث عبّر

بالاشتراك و الاشتراك أعمّ من التساوي.

اللّهم إلّا أن يحمل التساوي في كلمات الأصحاب أيضا على التساوي في الصدق، لا في المدة و العدد. و لكنه خلاف الظاهر، بل لا يجرى هذا التوجيه في عبارة الخلاف حيث قال: «فان كانا نصفين أخذ نصفين».

و بالجملة الظاهر من الاحتمالين هو الأول، فيكون الحكم دائرا مدار صدق السقيين معا، أو صدق أحدهما بأن يكون الآخر نادرا كالمعدوم. ففي الأول يؤخذ بنصفين و ان تفاوت السقيان بحسب الزمان و العدد، و في الثاني يؤخذ بما غلب. و هو اختيار الجواهر و تبعه المصنف. فيكون المراد من قوله: «غلبة الصدق لأحد الأمرين» عدم الاشتراك في الصدق، بل صيرورة الغالب صادقا دون الآخر.

و امّا المستفاد من ذيل الحديث سؤالا و جوابا فهو ان التفاوت بين السقيين اذا كان بنسبة الواحد الى الست أو السبع فالحكم تابع للأكثر. و لعلّ هذا المقدار من التفاوت موجود غالبا في ما يسقى بالعلاج، حيث يصادف غالبا لمطر أو مطرين. و هل يكون هذا المقدار من التفاوت موجبا لصدق أحدهما فقط و صيرورة الآخر كالمعدوم، أو لا يكون بهذا الحد؟ فيه اشكال.

و كيف كان فهذا المقدار من التفاوت يوجب كون الحكم تابعا للأكثر، بمقتضى ذيل الحديث. فبه يفسّر الصدر، أو يخصص على فرض عمومه لهذا المقدار من التفاوت أيضا.

و كيف كان فلم نجد على كون الملاك و الموضوع في المسألة عنوان التساوي و الأكثرية دليلا و ان ذكرهما الأصحاب، كما عرفت. و كون الاجماع المدعى بنحو يكشف عن تلقّي العنوانين عن الأئمة- عليهم السلام- مشكل، اذ لعلّ دليلهم حسنة معاوية، فعلينا الدقّة في مفادها. و سنشير في آخر المسألة الى حكم السك فيها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص:

27

..........

______________________________

و استدل في التذكرة على اعتبار الأكثرية بان «اعتبار مقدار السقي و عدد مرّاته و قدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ و يتعذّر، فجعل الحكم للغالب كالطاعة اذا كانت أغلب على الانسان كان عادلا و إن ندرت منه المعصية» «1». و منه يظهر اعتبار كون الأكثرية بحيث يندر خلافها.

ثمّ هل الاعتبار في الأكثرية بالاكثرية عددا، أو زمانا، أو نموّا و نفعا؟ وجوه، بل أقوال. حكي الأول عن المدارك و مجمع البرهان و الرياض. و في المسالك استوجه الثاني.

و عن القواعد و التذكرة و الايضاح و الدروس و الموجز و كشف الالتباس و تعليق النافع و جامع المقاصد اعتبار النفع و النموّ، لأنّ السقية بالسيح قد تساوي عشرا بالناضح. و اختاره في الجواهر و مصباح الفقيه أيضا.

و استدلّ للقول الأوّل بانّ المؤونة تكثر بكثرة العدد، و هي الحكمة في اختلاف الواجب.

فان قلت: الظاهر من الحسنة اعتبار الزمان، حيث استفسر الامام في آخرها عن زمان السقي و السقيتين.

قلت: لعلّ الزمان طريق الى العدد، حيث ان ضبط السقيات بالعدد يعسر غالبا، فتضبط بالزمان، فتأمّل.

و استدلّ لاعتبار الزّمان بالحسنة. و الدلالة واضحة.

و استدلّ لاعتبار النفع و النمو أيضا بالحسنة، بتقريب انّ السائل حيث سأل عن الأرض تسقى بالدوالى ثم تسقى سيحا أجاب الامام- عليه السلام- بالنصف و النصف من دون استفسار عن عدد السقيين و لا عن زمانهما. فيعمل بذلك ان الامام «ع» فهم من كلام الراوي ان الحصول و النموّ السقيين كان على نمط واحد من الاعتداد به، فهو المعتبر.

و في مصباح الفقيه: «اذ لا اعتداد بعدد السقيات من حيث هو، و لا بطول مدتها من حيث هو فيما ينسبق الى الذهن من اطلاق قول

القائل ما سقي بالسيح ففيه كذا، و ما سقي بالدوالى ففيه كذا، بل المنساق منه ارادة السقي الذي يتقوم به تعيّش الزرع و حياته، و إلّا

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 219.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 28

[لو سقى بالأمرين و شك في صدق الاشتراك]

و لو شك في صدق الاشتراك، أو غلبة صدق احدهما، فيكفي الأقل (1). و الأحوط الأكثر.

______________________________

فربّ سقي لا فائدة فيه للزرع، بل قد يكون مضرا، كما انّه قد لا يحتاج الزرع في أوقات برودة الهواء الى السقي مدة شهر أو شهرين. فالعبرة بالسقي المفيد للزرع في أوقات حاجته اليه في تعيشه و حياته» «1».

أقول: ما يوجد في المصباح، و كذا في الجواهر من النقض بالسقيات غير النافعة أو المضرّة لا يخلو من نحو مغالطة. اذ الظاهر انّ القائلين باعتبار الكثرة عددا أو زمانا لا يريدون حساب السقيات المضرّة أو الواقعة لغوا كالسقي في الشتاء مثلا، و انّما المقسم السقيات الواقعة في محلّها و وقتها بحيث يحتاج اليها الزرع و الشجر. فالملحوظ هذه السقيات فقط. فهذه السقيات اذا وقعت على نحوين فالدقّة في انّ أيّا منهما انفع و أنمى للزرع أمر يعسر الاطلاع عليه. و كذا حساب عدد السقيات ممّا يعسر غالبا، فلا محالة تضبط بالزمان. فالأقرب اعتبار الزمان على فرض اعتبار مطلق الأكثرية.

ثمّ على فرض اعتبار الأكثرية فهل المراد بها الأكثرية الحقيقية الحاصلة بزيادة واحدة أو يوم مثلا، أم الأكثرية العرفية، بان كان التفاوت بمقدار يعتدّ به عرفا، أم الأكثرية الملحقة للآخر بالنادر المعدوم عرفا بحيث لا يتحقق الصدق إلّا للعنوان الأكثر؟ وجوه.

و اختار في الجواهر الأخير. و قد عرفت الاشكال فيه، حيث انّ المستفاد من ذيل الحسنة كفاية كون النسبة نسبة الستّ الى الواحد. و ليس السدس ممّا

يعدّ نادرا معدوما عرفا.

فلعلّ الثاني هو الأقوى.

نعم، المستفاد من صدر الحسنة كما عرفت ما اختاره في الجواهر. اذ يستفاد من ترك الاستفصال فيه انّه اذا صدق انّه يسقى بهما معا فالحكم المناصفة، سواء تساويا عددا أو زمانا أو نفعا أم تفاوتا، و لكن الذيل يفسر الصدر أو يخصصه، فتدبّر.

(1) لأنّه من موارد الأقل و الأكثر الاستقلاليين، فيجرى البراءة عن الأكثر بلا اشكال.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 69.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 29

..........

______________________________

و في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- قدّس سرّه- الاشكال على البراءة هنا بأنّها تفيد على فرض كون تعلّق الزكاة بنحو التكليف فقط أو الحقّ، و امّا على الاشاعة و الملكيّة فكما يستصحب عدم ملكية الفقراء بالنسبة الى المقدار الزائد على المتيقّن يستصحب عدم ملكية صاحب المال بالنسبة اليه أيضا، سواء كانت الشبهة حكمية كما في المقام، أو موضوعية كما اذا ورث الزرع أو الشجر و شك في انّ مورثه سقاهما بالنهر أو بالدالية «1».

أقول: الظاهر عدم ورود الاشكال، اذ الزرع و الشجر كانا باجمعهما و بثمرهما لصاحب المال، و بايجاب الزكاة يخرج بعضهما عن ملكه. فاستصحاب الملكيّة بالنسبة الى المقدار المشكوك فيه بلا اشكال، فتدبّر.

و هاهنا سؤال مشهور، و هو انّ الزكاة اذا كانت لا تجب إلّا بعد اخراج المؤن فأيّ فارق بين ما كثرت مئونته أو قلّت حتى وجب في احدهما العشر و في الآخر نصفه.

و عن المحقق في «المسائل الطبرية» الجواب عن ذلك بأنّ الأحكام الشرعية متلقاة عن الشارع و كثير من علل الشرع غير معلوم لنا فتكون علة الفرق نفس النص، و بانّ استعمال الاجراء على السقي و الحفظة و اشباه ذلك كلفة متعلّقة بالمالك زائدة على الاجرة، فناسبها التخفيف عن

المالك «2».

و قد يؤيّد ذلك بان الغالب فيما يسقى بالعلاج ان يتصدّى الزارع بنفسه لكثير من الامور، و كذا ولده و عياله. و شي ء من ذلك لا تحسب له اجرة، و لا يستثنى بعنوان المؤونة، كما يأتي في محله.

و قد يجاب أيضا بأن تقديم المؤونة من الكلفة، و بقلّة الحاصل فيما يسقى بالعلاج.

و في البيان: «يحتمل ان يسقط مئونة السقي لأجل نصف العشر و يعتبر ما عداها إلّا انّا لا نعلم به قائلا» «3» هذا.

و سنعود الى بيان الاشكال دليلا لمن أنكر استثناء المؤونة، فانتظر.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 6.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 96.

(3)- البيان/ 180.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 30

[لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج الى السقي بالدوالى و مع ذلك سقى بها]

[مسألة 12]: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج الى السقي بالدوالى و مع ذلك سقى بها من غير أن يؤثر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العشر. و كذا لو كان سقيه بالدوالى و سقى بالنهر و نحوه من غير أن يؤثر فيه، فالواجب نصف العشر (1).

[الأمطار العادية لا تخرج ما يسقى بالدوالى عن حكمه]

[مسألة 13]: الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالى عن حكمه (2)، إلّا اذا كانت بحيث لا حاجة معها الى الدوالى أصلا، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة، فحينئذ يتبعهما الحكم.

[لو أخرج شخص الماء بالدوالى عن أرض مباحة فزرعه آخر]

[مسألة 14]: لو أخرج شخص الماء بالدوالى عن أرض مباحة مثلا، عبثا أو لغرض آخر، فزرعه آخر و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر. و كذا اذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه (3).

______________________________

(1) في كشف الغطاء: «و لو سقى البعل أو العذى بالدوالى عفوا من غير تأثير لزم العشر، و بالعكس بالعكس» «1».

و وجه ذلك ما قدمناه من ظهور السقي في خصوص السقي الذي يحتاج اليه الزرع. نعم، لو كان يسقى سيحا مثلا فعرض مانع فسقى بالدوالى أو بهما فالحكم تابع للسقي الفعلي، لا التقديري.

(2) لما مرّ من أنّه قلّما يسقى بالدوالى و لا يصادفه مطر أو مطران و الحكم تابع للغالب.

نعم، لو كثر المطر بحيث استند السقي اليهما معا فالحكم تابع لهما.

(3) في كشف الغطاء: «و لو سقى الزرع بالدوالى مثلا، فجرى الزائد على زرع آخر من

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 31

بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي (1). و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد و جرى على أرض اخرى (2).

______________________________

دون علاج احتمل فيه الوجهان. و لعلّ نصف العشر أقوى. و لو أخرج الماء بالدوالى مثلا على أرض ثم زرعت فكان الزرع بعلا احتملا أيضا. و الأقوى نصف العشر» «1».

و لا يخفى ان الموضوع لنصف العشر السقي بالدوالى. و الحكمة فيه الكلفة الزائدة. و في المسألة بشقوقها يوجد الموضوع بالوجدان، و

لكن الكلفة لم تتحمل لهذا الزرع. فالأمر يدور بين كون الملاك موضوع الحكم أو حكمته. و الأقوى الأول. اللهم إلّا ان يدعى انصراف الأدلة الى صورة كون اخراج الماء لأجل الزرع، فيفصل في الفروع الأربعة التي تعرض لها المصنف بين الأولين و الأخيرين، كما لا يخفى.

(1) فسقى به غيره.

(2) فانّه بحكم الفرع الذي قبله. اذ في كليهما اخرج الماء بقصد الزرع، بخلاف الأولين. و القصد الى خصوصية الزراعة و كميّتها غير معتبر قطعا. فلو أخرج الماء و تخيّل انّه يسقى به عشرة جربان مثلا ثم تبين انّه يكفي لعشرين جريبا فالكلّ محكوم بحكم واحد بلا اشكال.

______________________________

(1)- كشف الغطاء/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 32

الزكاة بعد اخراج حق المقاسمة و الخراج

[الزكاة بعد اخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة]

[مسألة 15]: انّما تجب الزكاة بعد اخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة (1).

______________________________

(1) هاهنا أربع مسائل اصلية يبحث عنها في هذه المسألة و المسألة الآتية:

الاولى: هل في الأراضي الخراجية زكاة- مضافا الى خراجها- أم لا؟ فعندنا و عند أكثر العامة تجب فيها الزكاة. و قال أبو حنيفة ليس فيها زكاة.

الثانية: هل الزكاة بعد حق المقاسمة، أو في جميع الغلة؟ الظاهر الاتفاق على انّه بعده.

اذ حقّ المقاسمة ثابت بنحو الاشاعة و الشركة، فلا يجب على العامل زكاة إلّا في حصة نفسه. و يدلّ على ذلك اخبار نتعرض لها.

الثالثة: لو كان الخراج ثابتا بنحو الاجارة، لا بنحو المزارعة و المقاسمة فهل الزكاة قبله أو بعده؟ و بعبارة اخرى: هل الخراج يخرج من الوسط ثم يزكى الباقي، أو يزكى جميع الغلة؟

الرابعة: هل الزكاة بعد المؤونة، أم لا تخرج المؤونة؟ فهنا أربع مسائل اصلية. و هنا فروع اخر ينبه عليها أيضا.

إذا عرفت هذا فنقول: قال في الخلاف (المسألة 79): «كلّ أرض فتحت عنوة بالسيف

فهي أرض لجميع المسلمين: المقاتلة و غيرهم. و للإمام الناظر فيها تقبيلها ممن يراه بما يراه من نصف أو ثلث. و على المتقبل بعد اخراج حق القبالة العشر أو نصف العشر فيما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 33

..........

______________________________

يفضل في يده و بلغ خمسة أوسق. و قال الشافعي: الخراج و العشر يجتمعان في أرض واحدة يكون الخراج في رقبتها و العشر في غلّتها ... و به قال الزهري و ربيعة و مالك و الاوزاعي و الليث بن سعد و احمد و اسحاق. و قال أبو حنيفة و أصحابه: العشر و الخراج لا يجتمعان، بل يسقط العشر و يثبت الخراج ... دليلنا اجماع الفرقة و الاخبار ...» «1». ثمّ تعرّض للأخبار الدالة على كون أرض السواد لجميع المسلمين.

فالشيخ في هذه المسألة تعرض لثلاث مسائل: كون الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين، و ثبوت الزكاة فيها خلافا للحنفية، و كون الزكاة بعد حقّ المقاسمة. فهل الاجماع الذي ادعاه يرتبط بالجميع أو بالبعض؟ ربّما ينقدح في الذهن ان تعرّضه أولا للمسألة الاولى ثمّ تعرّضه بعد الاجماع لأخبارها دون اخبار الزكاة و كونها بعد حقّ المقاسمة يوجب ترديدا في ارادة الثلاثة، ان لم يوجب الظنّ بعدم ارادتها. فلا يثبت لنا ادعاء اجماعه في مسألتي الزكاة، هذا.

و في الشرائع: «و لا تجب الزكاة إلّا بعد اخراج حصة السلطان و المؤن كلّها على الأظهر» «2».

و لعلّ قوله: «على الأظهر» يرجع الى خصوص اخراج المؤن، و إلّا فاخراج حصة السلطان اذا اريد بها حقّ المقاسمة كما هو الظاهر من لفظ الحصّة بلا اشكال، كما عرفت.

و في الجواهر بعد ذكر اخراج حصة السلطان قال: «بلا خلاف أجده كما عن جماعة الاعتراف به أيضا، بل

عن الخلاف الاجماع عليه» «3». و قد مرّ منّا الاشكال في رجوع اجماع الخلاف الى مسألتي الزكاة.

و في المعتبر: «خراج الأرض يخرج وسطا، و تؤدى زكاة ما بقى اذا بلغ نصابا لمسلم.

و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام. و قال أبو حنيفة: لا عشر في الأرض الخراجية،

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 297.

(2)- الشرائع 1/ 153.

(3)- الجواهر 15/ 223.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 34

..........

______________________________

لقوله «ع»: لا يجتمع عشر و خراج في أرض واحدة، و لأنّ العراق فتح عنوة و لم ينقل أخذ العشر عن امام عادل و لا جائر، و لأنّهما حقان للّه- تعالى- فلا يجتمعان في المال الواحد كزكاة السائمة و التجارة. لنا قوله- عليه السلام-: فيما سقت السماء العشر، و لأنّهما حقّان مختلفان لمستحقين متغايرين فلم يسقط أحدهما بالآخر؟» «1».

فهو- قدّس سرّه- ادّعى أمرين: اخراج الخراج وسطا و ثبوت الزكاة في أرض الخراج.

فهل يرجع قوله: «و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام» إليهما معا أو الى خصوص الثاني؟

لا يخفى ان ذكر فتوى أبي حنيفة بعده، ثمّ بيان أدلّته، ثمّ بيان أدلّة نفس المحقق أخيرا، يشهد بان النظر في المسألة الى المسألة الثانية، أعني ثبوت الزكاة في الأرض الخراجية، و امّا كون الزكاة بعد الخراج فهو أمر ادّعاه أوّلا من دون أن يتصدّى لإثباته. فنسبة ادّعاء الاجماع اليه في مسألة اخراج الخراج قبل الزكاة بلا وجه. نعم، هو فتواه. و ظاهره ارادة الأعم من المقاسمة، كما لا يخفى.

و في الحدائق: «لا خلاف بين الأصحاب في استثناء حصة السلطان. و المراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم و يسمّى خراجا، أو حصّة من الحاصل و يسمّى مقاسمة. و انّما اختلفوا في غيرها من المؤن هل

يجب استثناؤها كالخراج أم لا؟» «2».

و لا يخفى انّ ما ادّعى أولا عدم الخلاف فيه هو اخراج حصّة السلطان. و حصّة السلطان ظاهرة في خصوص المقاسمة التي تقتضي القاعدة و الاخبار اخراجها قبل الزكاة. و امّا بيانه للمراد من الحصة فأمر تبرّع به نفسه. و لا نسلّم عدم الخلاف فيه، و لا ادّعى هو أيضا عدم الخلاف فيه.

و في المسالك: «المراد بحصة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج أو الأجرة و لو بالمقاسمة، سواء في ذلك العادل و الجائر» «3».

______________________________

(1)- المعتبر/ 270.

(2)- الحدائق 12/ 123.

(3)- المسالك 1/ 44.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 35

..........

______________________________

و في جامع المقاصد: «المراد به (حصة السلطان) الخراج أو قسمتها و لو كان السلطان جائرا» «1».

و لا يخفى ان اطالتنا للبحث لغرض الردّ على من زعم تحقق الاجماع على اخراج الخراج قبل الزكاة. فمعقد الاجماع في الخلاف كون أرض الخراج للمسلمين. و معقده في المعتبر وجوب الزكاة في حاصل الأرض الخراجية. و معقده في الحدائق كون الزكاة بعد حصّة السلطان الظاهرة في السهم المشاع، يعني حقّ المقاسمة. و كذا معقد عدم الخلاف المدعى في الجواهر. نعم، فسّرها في الحدائق و المسالك و جامع المقاصد بالأعمّ.

و لكن نظرهم ليس اجماعا في المسألة. و لذا ترى العلامة مع استثنائه حصة السلطان في القواعد و التذكرة قال في التذكرة: «تذنيب: لو ضرب الامام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع لأنّه كالدين» «2».

و بالجملة ادعاء الاجماع في استثناء الخراج بلا وجه. نعم، ادّعاؤه في استثناء حصّة السلطان، أعني حقّ المقاسمة لا يخلو من وجه، لعدم الخلاف فيه. و الشيخ أيضا في النهاية استثنى مقاسمة السلطان، كما تأتي عبارته.

و

كيف كان فاستثناء حقّ المقاسمة بلا اشكال، فانّه مطابق للقاعدة. حيث انّ الحاصل و الثمرة حين انعقاد الحبّ و بدوّ الصلاح بنحو الشركة، فلا يجب على العامل زكاة حصة السلطان.

و كذلك وجوب الزكاة في حاصل الأرض الخراجية أيضا على القاعدة، لتعدّد موضوع الخراج و الزكاة. فموضوع الخراج الأرض الخراجية، و موضوع الزكاة الغلات الأربعة. و كلّ موضوع يقتضي حكم نفسه و يجلبه. فالمسألتان على وفق القاعدة، و الاخبار أيضا تدلّ عليهما.

فمنها صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم جميعا، عن أبي جعفر «ع» انّهما قالا له: هذه

______________________________

(1)- جامع المقاصد 1/ 149.

(2)- التذكرة 1/ 220.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه. و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، انّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «1»: و دلالتها على المسألتين واضحة.

و قد يتوهّم انّ السؤال و إن كان عن صورة المزارعة و لكن الجواب عام لكل ما قاطع السلطان عليه، فيشمل الخراج أيضا و السؤال غير مخصّص.

و لكن يرد عليه انّه في آخر الجواب أيضا صرح بالمقاسمة. و الاطمينان بارادة العموم مع خصوصية الصدر و الذيل لا يحصل قطعا.

هذا مضافا الى انّ الخراج بنفسه ليس فيما اخرج اللّه، بل في ذمة المزارع. اللهم إلّا ان يراد بقوله: «الذي قاطعك عليه» الأعمّ منه و ممّا يعاد له و لكنّه بعيد.

و منها خبر علي بن احمد بن اشيم، عن صفوان و البزنطي، قالا ذكرنا له (أي الرضا «ع») الكوفة و ما وضع عليها من الخراج (الى أن قال): و

ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام، يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر. و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم «2».

و منها صحيحة البزنطي، قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا- عليه السلام- الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام، يقبّله بالذي يرى. و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر. و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر «3».

و الروايتان مفصلتان، متعرضتان لحكم الأراضي. و ذكرهما بتمامهما في الوسائل في الباب 72 من كتاب الجهاد؛ و مضمونهما متقارب. و كلاهما عن الرضا- عليه السلام- و الراوي عنه في إحداهما صفوان و البزنطي، و في الاخرى البزنطي. و سند الثانية صحيح.

و في الاولى علي بن احمد بن اشيم و هو مجهول. فربّما يقرب الى الذهن بسبب وحدة المضمون و الراوي و المروي عنه وحدة الروايتين و سقوط ابن اشيم عن الثانية، فتسقط عن الاعتبار.

و لكن قد يمنع ذلك أولا بان الراوي عن ابن اشيم هو احمد بن محمد بن عيسى و هو على

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 37

..........

______________________________

ما قيل أخرج احمد بن محمد بن خالد من قم بروايته عن الضعفاء، فكيف يروي هو بنفسه عنهم؟ فيثبت بذلك وثاقة ابن اشيم. هذا، مضافا الى نقل الصدوق أيضا عنه. و ثانيا بان احمد بن محمد بن عيسى من الطبقة السابعة، و صفوان و البزنطي من السادسة، فيجوز نقله عنهما بلا واسطة.

فلعلّه سمع الحديث من البزنطي تارة بواسطة ابن اشيم، و تارة بلا واسطة.

و الأصل عدم النقيصة في السند و المتن.

و كيف كان فالروايتان تدلان على ثبوت الزكاة في أرض الخراج و كونها بعد حقّ المقاسمة كما هو واضح.

و ربّما يتوهم دلالة الروايتين و لا سيّما الاولى منهما على استثناء الخراج أيضا و كون الزكاة بعده، بتقريب انّ السؤال في ابتدائهما عن الخراج بنحو الاطلاق و قبالة الارض أيضا أعمّ من الخراج و المقاسمة.

و يرد عليه أولا ان لفظ الحصص ظاهر في السهم المشاع، فيراد بها الباقي بعد حقّ المقاسمة. و ثانيا انّ قوله: «سوى قبالة الأرض» لا يراد به استثناء قبالة الأرض و كون الزكاة في غيرها، بل يراد به وجوب الزكاة مضافا الى الخراج. كيف؟ و لو أريد به الاستثناء لزم أن يقال: «في سوى قبالة الأرض» و يراد بها الأعمّ من حقّ المقاسمة و ممّا يعادل الخراج من الغلة. اذ المستثنى على القول به ليس نفس الخراج؛ بل ما يعادله من الغلة، و لا يخفى تكلّف ذلك، فتدبّر.

و قد يتوهّم انّ الحصص في الروايتين ليست في قبال حصّة السلطان؛ بل يراد بها حصص المتقبلين بعضها في قبال بعض بان اشتركوا في الزرع، فيجب أن يبلغ حصّة كلّ منهم النصاب.

و فيه- مضافا الى كونه خلاف الظاهر- ان مقتضى ذلك عدم دلالة الروايتين لا على استثناء الخراج و لا على استثناء حقّ المقاسمة، لما عرفت من عدم دلالة قوله: «سوى قبالة الأرض» على الاستثناء و كون الزكاة في سواها.

و بالجملة فالروايات الثلاث في الباب السابع من الوسائل تدلّ على المسألتين، و لا دلالة لها على استثناء الخراج أصلا.

و تعارض هذه الروايات روايات اخر ربّما يستفاد

منها عدم وجوب الزكاة في أرض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

الخراج، كما أفتى به أبو حنيفة و أتباعه.

فمنها ما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا، عن أحدهما- عليهما السلام- قال: في زكاة الأرض اذا قبلها النبي «ص» أو الامام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه، و ليس على المتقبّل زكاة إلّا أن يشترط صاحب الأرض ان الزكاة على المتقبل. فان اشترط فان الزكاة عليهم و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلّا على من كان في يده شي ء ممّا أقطعه الرسول «ص» «1».

و قد حملها الشيخ، و كذا غيرها من الأخبار الآتية على عدم وجوب الزكاة في جميع ما خرج من الأرض و إن كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة. و استشهد لذلك بما في صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم السّابقة من قوله- عليه السلام-: «و ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر. و انّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». هذا.

و امّا قوله: «و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة» فلعلّه كان من جهة اجزاء ما يأخذه سلطان الجور منهم بعنوان الزكاة، أو اجزاء ما يأخذه بعنوان الخراج ظلما.

و لعلّهم كانوا لا يأخذون ممّا أقطعه الرسول شيئا، فلذلك استثناه.

و يمكن أيضا حملها المرسلة و كذا الاخبار الآتية على التقية، كما اختاره في الحدائق.

و يمكن أيضا حملها على كون المأخوذ باسم الخراج عبارة عن الخراج و الزكاة معا. اذا الظاهر انّهم كانوا يحسبون المجموع و يأخذونه دفعة واحدة. فوزان هذه الأخبار وزان الأخبار المستفيضة الحاكمة بكفاية ما يأخذونه بعنوان الزكاة و عدم وجوب اعادتها، فراجع الباب العشرين من أبواب المستحقين من الوسائل.

و ما

يستفاد منه لزوم الاعادة يحمل على الاستحباب، أو على صورة الأداء الى الجائرين بالاختيار. هذا.

و لو لم يكن في البين اجماع و كانت المرسلة معتبرة أمكن أن تجعل شاهدة للجمع بين الاخبار السابقة الحاكمة بوجوب الزكاة في أرض الخراج، و الاخبار الآتية الحاكمة بعدم

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 39

..........

______________________________

وجوبها فيها، فيحكم بالوجوب مع الاشتراط و عدمه مع عدمه، و يحمل قوله: «و ليس على أهل الأرض اليوم زكاة» على فرض عدم الاشتراط، و استثناء ما اقطعه الرسول على فرض الاشتراط.

و لكن مرّ ان وجوب الزكاة في أرض الخراج اجماع منّا. و به قال أكثر أهل السنة.

و القاعدة أيضا تقتضي ذلك، لتعدّد الموضوع. فيجب طرح الاخبار المعارضة، أو تأويلها.

و منها أيضا صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النّصف هل عليه في حصّته زكاة؟ قال: لا. قال: و سألته عن المزارعة و بيع السنين. قال: لا بأس «1».

و يجاب عنها أيضا بأحد الأجوبة الثلاثة الّتي مرّت. و احتمال ارجاع الضمير في قوله:

«في حصته» الى السلطان قريب جدا، كما لا يخفى.

و منها أيضا خبر سهل بن اليسع، انّه حيث انشأ سهل آباد و سأل أبا الحسن موسى- عليه السلام- عمّا يخرج منها ما عليه؟ فقال: إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء و ان لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك اخراج عشر ما يكون فيها «2». و يجري فيه الأجوبة الثلاثة.

و لا يخفى ان إنشائه سهل آباد يستفاد منه كونه مواتا قبل إنشائه. فلم يكن من أرض الخراج. فيقرب جدا كون الخراج المأخوذ منه بعنوان الزكاة، فلا يجب

اعادتها بمقتضى الاخبار المستفيضة المشار إليها.

و منها أيضا صحيحة رفاعة بسند الشيخ، و خبره بنقل الكليني، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها الى السلطان هل عليه فيها عشر؟ قال: لا «3». و الجواب الجواب.

و لعلّ الارث و الاشتراء يستفاد منهما عدم كون الأرض أرض خراج، فانّها ملك

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 40

[الزكاة بعد إخراج الخراج و ما يؤخذ ظلما]

بل ما يأخذه باسم الخراج أيضا (1)، بل ما يأخذه العمّال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما اذا لم يتمكّن من الامتناع جهرا و سرّا (2).

______________________________

للمسلمين و لا تورث و لاتباع. فالخراج في الحديث أيضا يراد به الزكاة، فلا تجب اعادتها.

و منها أيضا خبر أبي كهمس، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه «1». و الجواب الجواب.

فتلخص ممّا ذكرنا بطوله ثبوت الزكاة في أرض الخراج أوّلا، و كونها بعد حقّ المقاسمة ثانيا، و امّا استثناء الخراج بالمعنى الأخص فلم نجد به نصا. اللهم إلّا عبارة فقه الرضا الآتية.

(1) هذه هي المسألة الثالثة من المسائل الأربع التي أشرنا إليها. و قد يتوهّم ان استثناء الخراج من المسائل المسلّمة عند الأصحاب و لو لم نقل باستثناء المؤونة، بل قد يتوهم كونه اجماعيا. و استدل عليه مضافا الى ذلك بالاخبار الثلاثة الّتي استدل بها على استثناء حق المقاسمة بتقريب مرّ.

أقول: قد عرفت مفصلا ان معقد اجماع الخلاف كون أرض الخراج للمسلمين. و معقد اجماع المعتبر

وجوب الزكاة في أرض الخراج في قبال أبي حنيفة. و معقد عدم الخلاف في الحدائق و الجواهر استثناء حصّة السلطان و هي المذكورة في أكثر كتب الأصحاب و منها الشرائع. و الحصة ظاهرة في السهم المشاع أعني حق المقاسمة. نعم، صرّح في المسالك و جامع المقاصد و الحدائق بكونها أعمّ و لكن ليس هذا اجماعا. و الاخبار الثلاثة أيضا لم نستفد منها سوى استثناء حقّ المقاسمة كما مرّ، فراجع. فلا دليل على استثناء خصوص الخراج بعنوانه. و لذا صرح في التّذكرة بعدم استثنائه مع تصريحه فيها و في القواعد باستثناء حصّة السلطان. و قد عرفت ان القاعدة أيضا تقتضي استثناء حقّ المقاسمة بخلاف الخراج. فما في الجواهر في ردّ العلامة: «و هو كما ترى محجوج بالنصّ و الفتوى» هو كما ترى.

نعم، لو أخذ من العين قهرا جاز اخراجه. كما انّه لو قلنا باستثناء المؤونة فالخراج أيضا من أفرادها. و في عبارة فقه الرضا الآتية التصريح باستثنائهما معا، فانتظر.

(2) في المسالك: «و المراد بحصّة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج أو

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 41

..........

______________________________

الاجرة و لو بالمقاسمة، سواء في ذلك العادل و الجائر إلّا ان يأخذ الجائر ما يزيد على ما يصلح كونه اجرة عادة، فلا يستثنى الزائد إلّا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكّن المالك من منعه منه سرّا أو جهرا، فلا يضمن حصّة الفقراء من الزائد» «1». هذا.

و لكن شمول حصة السلطان و عنوان الخراج له محلّ تأمل، بل منع. نعم، لو أخذ الزائد من عين الغلّة و لم يتمكن المالك من منعه كان من قبيل غصب

العين الزكوية الذي لا ضمان فيه للزكاة، سواء كان الظلم عاما أو خاصا. و ان أخذ من غير العين دار الأمر مدار عدّة عرفا من مئونة الزرع و الثمرة. و لعله يفرق عندهم بين صورة العموم و الخصوص، فعلى الأول يعدّ عرفا من مئونتهما دون الثاني، فتدبر.

و قد يستدل لاستثناء المأخوذ زائدا برواية سعيد الكندي، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: انّي آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم؟ قال: اعطهم فضل ما بينهما.

قلت: أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم؟ قال: انّما زادوا على أرضك «2». بتقريب ان الزائد يجب اعطاؤه كالخراج. و انه من مئونة الأرض مثله، فتأمّل.

تنبيه: هل الخراج على فرض استثنائه يختصّ بما يأخذه السلطان العادل، أو الأعم منه و من الجائر من السّنة، أو الأعم منهما و من الجائر من الشيعة؟ ثم هل يراد به ما يؤخذ من الأراضي المفتوحة عنوة، أو الأعم منها و من الانفال كأرض الموات و المفتوحة صلحا و نحوهما؟

ففي مصباح الفقيه ما ملخصه: «ثم لا يخفى عليك ان ليس المراد بالسلطان خصوص السلطان العادل، بل أعم منه و من المخالفين الذين كانوا يدّعون الخلافة، كما هو الشأن بالنسبة الى الموجودين حال صدور الاخبار. و هل يعمّ سلاطين الشيعة؟ الظاهر ذلك، اذ المنساق منه كلّ متغلب مستول على جباية الخراج و الصدقات، كما يؤيد ذلك ما جرى عليه سيرة المسلمين في عصر الرضا من المعاملة مع المأمون معاملة غيره».

______________________________

(1)- المسالك 1/ 44.

(2)- الوسائل، ج 13، الباب 16 من أبواب أحكام المزارعة و المساقات، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 42

فلا يضمن حينئذ حصّة الفقراء من الزائد.

و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلّة أو

من غيرها اذا كان الظلم عاما، و امّا اذا كان شخصيّا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها، بل الأحوط الضمان فيه مطلقا و إن كان الظلم عاما، و امّا اذا أخذ من نفس الغلّة قهرا فلا ضمان اذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.

______________________________

و فيه أيضا: «و هل يلحق بحصة السلطان ما يأخذه الجائر من الأراضي الغير الخراجية كالموات و أرض الصلح و الانفال؟ الظاهر ذلك، لجريان السيرة من صدر الإسلام على المعاملة مع الجائر معاملة السلطان العادل في ترتيب أثر الخراج على ما يأخذه بهذا العنوان و لو من غير الأرض الخراجية. و لو منعنا هذه السيرة أو صحتها أي كشفها عن امضاء المعصوم فهو من المؤونة التي سيأتي الكلام فيها، و ان كان الغالب على الظنّ انّ مراد الأصحاب بحصة السلطان في فتاويهم و معاقد اجماعاتهم المحكية ما يعمّه» «1».

أقول: الظاهر صحّة ما ادّعاه من السيرة في المسألتين. و الحكمة التي لاحظها الأئمة- عليهم السلام- في تنفيذ اعمال الجائرين، أعني تسهيل الأمر على الشيعة جارية في جميع الشقوق. و امّا ما ادّعاه من كون المأمون من سلاطين الشيعة فالظاهر عدم صحّته، فان معاملاته السياسية مع الرضا- عليه السلام- لا تدلّ على تشيعه، اذ السياسات الباطلة في معزل عن الدين و المذهب، بل قتله له- عليه السلام- يبطل تشيعه.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 64.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 43

هل الزكاة بعد اخراج المؤن؟

[الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها]

[مسألة 16]: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها (1)، من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق و اللاحقة.

______________________________

(1) هذه هي المسألة الرابعة من المسائل الأربع. و لا يخفى ان أصل البراءة يقتضي استثناء المؤن مطلقا، للشك في تعلّق الزكاة بما يعادلها و الأصل البراءة. و

القاعدة تقتضي استثناء المؤن اللاحقة دون السابقة على التعلق، بناء على القول بالشركة. اذ قبل التعلق لا شركة بين المالك و الفقير، بل المال ممحض للمالك، فعليه مئونته. و امّا بعده فمقتضى شركة المال بينهما و كون تصرفات المالك جائزة و كون سهم الفقراء امانة في يده الى زمان الأداء هو كون المؤونة عليهما بالنسبة، اذ من له الغنم فعليه الغرم.

و جمهور أهل الخلاف على عدم استثناء المؤن. و المشهور بين فقهائنا و لا سيّما القدماء منهم استثناؤها مطلقا، خلافا للشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط.

ففي الخلاف (المسألة 77): «كلّ مئونة تلحق الغلات الى وقت اخراج الزكاة على ربّ المال. و به قال جميع الفقهاء إلّا عطا، فانّه قال: المؤونة على ربّ المال و المساكين بالحصّة. دليلنا قوله «ع»: فيما سقت السماء العشر أو نصف العشر. فلو ألزمناه المؤونة لبقى أقل من العشر أو نصف العشر» «1».

و لا يخفى ان ما ادعاه هو اجماع فقهاء السنة لا فقهائنا.

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 296.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 44

..........

______________________________

و في موضع من المبسوط: «و كلّ مئونة تلحق الغلات الى وقت اخراج الزكاة على ربّ المال دون المساكين» «1».

نعم، في عبارة منه قبل ذلك: «فالنصاب ما بلغ خمسة أو ساق بعد اخراج حقّ السلطان و المؤن كلّها» «2».

و ربّما يحتمل الجمع بينهما بكون المراد بالعبارة الاولى المؤن اللاحقة على وقت التعلق، أو ان الواجب على ربّ المال أداء المؤن كلّها و ان جاز له استثناؤها من المال.

و بالجملة فظاهر الشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط عدم استثناء المؤن. و حكى ذلك عن يحيى بن سعيد في الجامع أيضا.

ففي المدارك عنه: «و المؤونة على ربّ المال دون

المساكين اجماعا إلّا عطاء، فانّه جعلها بينه و بين المساكين». ثمّ قال: «و يزكى ما خرج من النصاب بعد حق السلطان و لا يندر البذر، لعموم الآية و الخبر، و لان أحدا لا يندر ثمن الغراس و آلة السقي كالدولاب و الناضح و أجرته، و لا فارق بين الثمرة و الغلة. و بذلك قطع جدّي في فوائد القواعد، فانّه اعترف بانّه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة، و قال: ان اثبات الحكم بشي ء بمجرد الشهرة مجازفة» «3».

و في مفتاح الكرامة: «والى ما في الخلاف مال جماعة كالشهيد الثاني في فوائد القواعد و صاحب المدارك و صاحب المفاتيح. و قد تؤذن به عبارة اللمعة و الروضة و الميسية و المسالك.

و لم يتعرض له صاحب الوسيلة، و لا الشيخ في الجمل» «4».

و استظهر عدم استثناء المؤونة في الحدائق أيضا. و قواه الشيخ الأعظم في زكاته. و في المستمسك جعله أقرب.

و لكن المشهور منّا ذهبوا الى استثنائها. ففي فقه الرضا الذي قرّبنا كونه رسالة علي ابن

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 217.

(2)- المبسوط 1/ 214.

(3)- المدارك/ 304.

(4)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 99.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 45

..........

______________________________

بابويه: «و ليس في الحنطة و الشعير شي ء الى ان يبلغ خمسة أوسق. و الوسق ستون صاعا.

و الصاع أربعة امداد. و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف. فاذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر ان كان سقي بماء المطر ...» «1».

و مثل هذه العبارة في الفقيه و المقنع و الهداية إلّا انّه قال «بعد خراج السلطان و مئونة القرية» «2».

و الظاهر انّ المراد بالعمارة عمارة الأرض و انهارها،

كما انّ المراد بمؤونة القرية مئونة الزرع و الأشجار، فانها محلهما.

نعم، من المحتمل انّ المتعارف في تلك الأعصار انّه كانت عمارة الأراضي و الأنهار من قبل عمال الحكومة ثمّ أخذ مقدار ما يصرف في العمارة و في ادارة شئون القرية و رفع احتياجاتها العمومية، و كذا نفس الخراج من عين الغلات، لقلة الأثمان في تلك الأعصار.

فوزانها وزان ما يؤخذ قهرا من نفس العين ظلما، فلا يضمنه المالك. و على هذا لا ترتبط عبارة فقه الرضا و ما ذكره الصدوق بالمئونة المصطلحة، فتدبر.

و في المقنعة: «و كذلك لا زكاة على غلّة حتى تبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص و الجذاذ و الحصاد و خروج مئونتها منها و خراج السلطان» «3».

و في النهاية: «و ليس في شي ء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان و اخراج المؤن عنها» «4». و قد مرّت عبارة المبسوط.

و في المراسم: «و فيه العشر بعد اخراج المؤن» «5».

و في الغنية: «هذا اذا بلغ بعد اخراج المؤن و حقّ الزرّاع النصاب على ما قدّمناه، و هو خمسة أوسق. و الوسق ستون صاعا. بدليل الاجماع الماضي» «6».

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 22.

(2)- الجوامع الفقهية/ 13 و 54 و من لا يحضره الفقيه 2/ 18.

(3)- المقنعة/ 93.

(4)- النهاية/ 179.

(5)- الجوامع الفقهية/ 643.

(6)- الجوامع الفقهية/ 567.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 46

..........

______________________________

و في اشارة السبق: «و حصول النصاب. و هو بعد المؤن و حق السلطان، خمسة أوسق» «1».

و في السرائر: «اذا بلغ كلّ صنف منها بانفراده خمسة أوسق ... بعد المؤن التي تنمى الغلة بها و تزيد و لها فيها صلاح إمّا من حفاظ أو زيادة ريع فيها، و بعد حق

المزارع و خراج السلطان ان كانت الأرض خراجية».

و فيها أيضا: «بعد اخراج المؤن المقدم ذكرها أولا و مقاسمة السلطان ان كانت الأرض خراجية» «2».

و في الشرائع: «و لا تجب الزكاة إلّا بعد اخراج حصّة السلطان و المؤن كلها على الأظهر» «3».

و بهذا أفتى أيضا في النافع و المعتبر و القواعد و الارشاد و المختلف و التذكرة و المنتهى و نهاية الإحكام و التحرير و التبصرة و البيان و الدروس و جامع المقاصد و الموجز و كشف الالتباس و مجمع البرهان و المصابيح و الرياض و غيرها على ما حكى عن بعضها.

قال في المنتهى: «زكاة الزرع و الثمار بعد المؤونة كأجرة السقي و العمارة و الحصاد و الجذاذ و الحافظة ... و الأقرب الأوّل. لنا انّه مال مشترك بين المالك و الفقراء، فلا يختص احدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة، و لأنّ المؤونة سبب في الزيادة فتكون على الجميع، و لأنّ الزام المالك بالمئونة كلها حيف عليه و اضرار به و هو منفي، و لأنّ الزكاة مساواة فلا يتعقب الضرر، و لأنّها في الغلّات تجب في النماء و اسقاط حقّ الفقراء من المؤونة مناف» «4».

[يستدل على استثناء المؤن بوجوه]

و كيف كان فيستدل على استثناء المؤونة بوجوه:

الأول: الأصل، للشك في تعلق الزكاة بما يعادل المؤونة، و الأصل البراءة.

و فيه: انّه لا يقاوم الدليل، فالاستدلال به يتوقّف على عدم صحة ما يستدل به صاحب

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 83.

(2)- السرائر/ 100 و 103.

(3)- الشرائع 1/ 153.

(4)- المنتهى 1/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 47

..........

______________________________

المدارك و غيره على عدم الاستثناء.

الثاني: الاجماع المدعى في الغنية، كما مرّ، و كذا في مفتاح الكرامة حيث قال: «بل لو ادّعى مدّع الاجماع لكان في محلّه».

و

فيه منع الاجماع، لوجود الخلاف حتى من الشيخ في المبسوط و الخلاف.

الثالث: الشهرة المحقّقة و لا سيّما من قدماء الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين- كالهداية و المقنع و المقنعة و النهاية و المراسم و الغنية، فان مسائل فقهنا على قسمين.

قسم منها مسائل أصلية تلقاها الأصحاب يدا بيد، و أودعوها في كتبهم المعدّة لنقلها، و حافظوا حتى على ألفاظها.

و قسم منها مسائل تفريعية اجتهادية استنبطوها من الاصول الأوّلية و القواعد المأثورة، و دوّنوها في الكتب المعدّة لذلك.

و كان بناء الأصحاب على التفكيك بين القسمين، حتى ان الشيخ وضع النهاية للقسم الأول و المبسوط للقسم الثاني. و بقى هذا السبك الى زمان المحقق، فهو أيضا في شرائعه يذكر القسم الأول في كلّ باب، ثم يتبعه بالقسم الثاني بعنوان الفروع و المسائل. فالشهرة في القسم الأول تكشف عن تلقّي المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- دون القسم الثاني، بل الاجماع فيه أيضا لا يفيد، فانّه نظير الاجماع في المسائل العقلية الفلسفية. و إن شئت مزيد اطلاع على هذا التقسيم فراجع ما ذكره الشيخ في أول المبسوط.

اذا عرفت هذا فنقول: إنّ تعرّض القدماء من أصحابنا لمسألة استثناء المؤونة و الخراج في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة، و اشتهاره بينهم- مع اتفاق فقهاء السنة على عدم الاستثناء، و مع كون أصحابنا أهل النصّ و عدم اعتمادهم على الاستحسانات الظنيّة و القياس- ربّما يورث الاطمينان بتلقيهم المسألة عن الأئمة- عليهم السلام- أو ورود نصّ منهم يدلّ على ذلك.

قال في ديباجة الفقيه: «و لم أقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه؛ بل قصدت الى ايراد ما أفتى به و احكم بصحته و

اعتقد فيه انّه حجة فيما بيني و بين ربّي. و جميع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 48

..........

______________________________

ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل و اليها المرجع» «1».

و في أول المقنع: «و سميته كتاب المقنع لقنوع من يقرأه بما فيه، و حذفت الاسانيد منه لئلا يثقل حمله و لا يصعب حفظه و لا يملّه قاريه اذ كان ما أبيّنه فيه في الكتب الأصولية موجودا مبيّنا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات «ره» «2».

قال في مصباح الفقيه بعد الاستشكال في ادلّة الاستثناء ما ملخصه: «و لكن هاهنا شي ء، و هو انّ هذه المسألة من الفروع العامة البلوى، فيمتنع عادة غفلة أصحاب الأئمة- عليهم السلام- عن ذلك و عدم الفحص عن حكمها، مع شدة حاجتهم الى معرفته. كما انّه يستحيل عادة ان يشتهر لديهم استثناء المؤونة مع مخالفته لما هو المشهور بين العامة من غير وصوله اليهم من أئمتهم، لقضاء العادة باستحالة صدور مثل هذا الحكم المخالف لما عليه العامة عن اجتهاد و رأي من غير مراجعة الامام. و الحاصل انّه يصحّ ان يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الامام- عليه السلام- بطريق الحدس من رأي اتباعه. فالانصاف انّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم من فتوى الأصحاب في شي ء من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه» «3». هذا.

و لكن يرد على ذلك ان استثناء المؤونة لو كان من المسائل المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام- لما خالف فيه الشيخ في خلافه و مبسوطه. كيف؟ و هو المتعرض في أول مبسوطه لتقسيم المسائل الى قسمين، كما عرفت. و لا اعتبار لبقعة لا يؤمن بها متوليها. و مسألة الزكاة و المؤونة من المسائل التي تعمّ بها البلوى. و فتوى جميع فقهاء

السنة على عدم استثناء المؤونة.

فلو كانت فتوى أئمة أهل البيت على الاستثناء لأظهروها و أعلنوا بها في مجالس عديدة و بمناسبات مختلفة. كما يرى منهم ذلك في مسألتي العول و التعصيب في المواريث و حرمة الجماعة في النافلة ممّا خالفوا فيها فقهاء السنة. فعدم تعرضهم- عليهم السلام- للمسألة مع كثرة روايات باب الزكاة و بيان النصاب في الغلات مما يوجب و هن الشهرة المذكورة.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه 1/ 3.

(2)- الجوامع الفقهية/ 2.

(3)- مصباح الفقيه/ 67.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

و بالجملة لو كانت فتواهم في هذه المسألة على الخلاف لبانت و ظهرت بحيث لم يبق فيها شك. اللهم إلّا ان يقال بتفاوت المسألة عن مسألتي العول و التعصيب و نحوهما، اذ الزكاة كانت من الضرائب التي تأخذها الحكومات، فابداء الخلاف فيها كان كفاحا لهم، و الأئمة- عليهم السلام- و ان لم يخافوا منهم و لكن لم يحبّوا مواجهة شيعتهم و أصحابهم لعمال الحكومة، فتدبّر.

الرابع: قوله- تعالى-: خُذِ الْعَفْوَ «1»، و قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ، قُلِ الْعَفْوَ «2» بناء على انّ المراد من العفو ما يفضل عن النفقة. ففي الصحاح: «عفو المال ما يفضل عن النفقة» «3».

و فيه ان محل البحث استثناء مئونة الزرع، لا مئونة المالك و نفقته، كما هو ظاهر الآيتين، مع انّ ظاهرهما أخذ تمام الزائد و انفاقه، لا عشره أو نصف عشره. اللهم إلّا أن يقال ان العفو كما قال الراغب ما يسهل انفاقه، و اعطاء العشر مما يعادل المؤونة مما يعسر انفاقه طبعا، فتدبّر.

الخامس: ما في الجواهر من الاستدلال بفحوى ما دلّ على كون خمس الضيعة بعد مئونتها و خراج السلطان، قال: «اذ هو زكاة في المعنى،

كما أومأت إليه النصوص، بل لعلّ زيادته على العشر لاعتبار اخراج مئونة المستفيد في الأرباح تمام السنة بخلاف الزكاة» «4».

و فيه ما فيه، كما ترى.

السادس: ما مرّ من المنتهى من انّه مال مشترك بين المالك و الفقراء، فلا يختصّ احدهم بالخسارة كغيره من الأموال المشتركة. و من له الغنم فعليه الغرم.

و فيه- مضافا الى عدم ثبوت كون التعلّق بنحو الشركة، كما يأتي بحثه- انّه يفيد بالنسبة الى المؤن اللاحقة على زمان التعلّق، دون السابقة. اذ المال قبل التعلق ممحض للمالك.

______________________________

(1)- سورة الأعراف، الآية 198

(2)- سورة البقرة، الآية 217.

(3)- الصحاح 6/ 2432.

(4)- الجواهر 15/ 229.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 50

..........

______________________________

اللهم إلّا ان يتمّم الاستدلال بادّعاء عدم الفصل. و يرد عليه انّ الّذي يفيد هو القول بعدم الفصل، لا عدم القول بالفصل. و القول بعدم الفصل فرع عنوان الفصل في كلمات الطرفين و اجماعهم على العدم بحيث يستكشف به قول المعصوم- عليه السلام-.

السابع: ما مرّ من المنتهى أيضا من انّ الزام المالك بالمئونة كلّها حيف عليه و اضرار به، و هو منفي كنفي العسر و الحرج.

و فيه ان بناء التكاليف و لا سيّما المالية كلّها على الضرر. و لا يصلح قوله: «لا ضرر» لنفيها، و إلّا لسقطت التكاليف كلّها. و ثبوت العسر و الحرج ممنوع. و لو سلّم اقتصر على موردهما.

الثامن: ما مرّ من المنتهى أيضا من انّها في الغلّات تجب في النماء.

و فيه انّه أول الكلام، فانّه عين المدعى. و أيّ ميزة بين الغلّات و بين غيرها؟ و انت ترى ان الأنعام يكثر ثمنها و مئونة حفظها و رعيها، و مع ذلك لا تستثنى مؤنتها، بل تزكى في كلّ حول حتى تنقص عن النصاب.

التاسع: انّ

عدم استثناء المؤونة يوجب تنفير الناس عن القيام بأمر الزرع و الغرس، أو حملهم على المعصية بمخالفة الأمر بما يشقّ، و هو خلاف اللطف الواجب. و قد اشير الى ذلك بقوله- تعالى-: «وَ لٰا يَسْئَلْكُمْ أَمْوٰالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوهٰا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغٰانَكُمْ» «1».

و فيه انّ مطالبة العشر أو نصف العشر لا تبلغ الى هذا الحد الموجب للتنفير، كما ترى نظيره في الأنعام الثلاثة.

العاشر: لزوم التكرار في زكاة الغلات لو اخرجت من الجميع مع تزكية البذر سابقا.

و فيه انّ عين البذر قد تلفت و لم تبق حتى تتكرر زكاتها.

الحادي عشر: ما مرّ من عبارة فقه الرضا.

و فيه عدم ثبوت كونها رواية، بل الظاهر كما مرّ مرارا انّها رسالة علي بن بابويه.

و جبرها بالشهرة رجوع الى الشهرة. و قد عرفت حالها.

______________________________

(1)- سورة محمد، الآية 38 و 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 51

..........

______________________________

الثاني عشر: ما مرّ من صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» انّهما قالا له: هذه الأرض الّتي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما اخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر. انّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «1».

فقد استدلّ بالصحيحة للقولين. أمّا الاستدلال بها لعدم استثناء المؤونة فظاهر و سيأتي تقريبه.

و امّا الاستدلال بها للمشهور فبتقريبين:

الأوّل: ان المنساق من قوله: «فيما يحصل في يدك» ما يستفيده من عمله بعد اخراج مئونته، و لا سيما على تقدير كون المتن بلفظ «فتاجرته» بدل قوله: «فما حرثته»، كما في التهذيب المطبوع سابقا. فانّه لا يقال عرفا قد حصل في يده من

زراعته أو تجارته أو صناعته كذا و كذا إلّا في الفائدة التي استفادها من عمله بعد اخراج ما صرفه.

الثاني: انّ المقاسمة بحسب العادة كانت بعد اخراج المؤونة من الوسط و من أصل المال، فالصحيحة تحمل على ما كان متعارفا في تلك الاعصار.

و يرد على الأوّل ان ما ذكره في غير مثل المقام الّذي قيده بما بعد مقاسمته، فانه اذا قيل لأحد الشريكين في زراعة: «الذي حصل في يده مما اخرجه اللّه من الأرض بعد مقاسمته مع شريكه كذا» لا يتبادر منه إلّا جميع حصّته من الزراعة، لا الباقي بعد اخراج المؤونة.

و يرد على الثاني انّ ما يتعارف و يظنّ انّه كان متعارفا في تلك الاعصار أيضا انّ المؤونة كانت تصرف من مال الزارع أو في ذمته. كيف؟ و المنصوبون لمباشرة القسمة من قبل السلاطين كانوا كسلاطينهم غالبا على رأي فقهاء مذهب السنة القائلين بعدم استثناء المؤونة، فكيف يدّعى تعارف اخراج المؤونة من الوسط؟! ثم لفظة: «بعد» ليست للبعدية الزمانية، بل الرتبية. نظير قوله- تعالى- في آيات الارث: «من بعد وصية يوصى بها أو دين». فوزانها وزان قوله: «في حصصهم» في صحيحة البزنطي و في خبره، بداهة ان

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 52

..........

______________________________

العشر يجب و يتعلّق قبل تحقق المقاسمة خارجا، فتدبر.

الثالث عشر: قول الصادق- عليه السلام- في صحيحة محمد بن مسلم: «يترك للحارس العذق و العذقان، و الحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله».

و قول أبي جعفر «ع» في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير: «لا يترك للحارس اجرا معلوما، و يترك من النخل معافارة و أمّ جعرور، و

يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إيّاه» «1». هكذا في الوسائل.

و لكن في الكافي المطبوع: «و يعطى الحارس اجرا معلوما» «2».

و في التهذيب: «و يترك للحارس اجرا معلوما» «3».

و في المستدرك عن العياشي في تفسيره عنهم، عن أبي جعفر «ع»: «و يترك للخارص اجرا معلوما» «4».

و كيف كان فيستفاد من الروايتين استثناء شي ء للحارس. و بالتعليل بالحفظ و عدم خصوصيته و عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس و غيره يعمّم الحكم لجميع المؤن اللاحقة. و بعدم الفصل بينها و بين المؤن السابقة يتمّ المطلوب.

و فيه أوّلا: عدم دلالة الروايتين على كون ما يترك للحارس قبل تقدير العشر.

و ثانيا: احتمال كون الاستثناء هنا حكما استحبابيا اخلاقيا، و إلّا فكيف ذكر من جميع المؤن السابقة و اللاحقة اجر الحارس فقط؟ فلعلّ الحارس لكونه حاضرا ناظرا للثمر حسن اخلاقا ترك شي ء لنفسه و عياله المراودين له.

و ثالثا: لا يكفي عدم القول بالفصل، كما مرّ. و انّما المفيد القول بعدم الفصل، ليصير اجماعا مركبا و هو غير ثابت، بل قد عرفت انّ القاعدة تقتضي استثناء المؤن اللاحقة دون السابقة، لاقتضاء الاشاعة و الشركة ذلك بناء على كون التعلق من باب الاشاعة، و لعلّ

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3 و 4.

(2)- الكافي 3/ 565، باب الحصاد و الجذاذ.

(3)- التهذيب 4/ 106، باب الزيادات في الزكاة.

(4)- المستدرك، ج 1، الباب 5 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

الروايتين لا تدلّان إلّا على ما يقرب الى الذهن من عدم استثناء المؤن إلّا ما تعارف اعطاؤه من نفس العين من المؤن اللاحقة، فتدبر.

الرابع عشر: مرسلة يونس

أو غيره عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت له:

جعلت فداك بلغني انّك كنت تفعل في غلّة عين زياد شيئا و أنا أحبّ ان اسمعه منك.

قال: فقال لي: نعم، كنت آمر اذا أدركت الثمرة ان يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كلّ يوم ان يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة، كلّما أكل عشرة جاء عشرة اخرى يلقى لكل نفس منهم مدّ من رطب، و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدران يجي ء فيأكل منها لكلّ انسان منهم مدّا، فاذا كان الجذاذ اوفيت القوّام و الوكلاء و الرجال اجرتهم و احمل الباقي الى المدينة، ففرقت في أهل البيوتات و المستحقين الراحلتين و الثلاثة و الأقل و الأكثر على قدر استحقاقهم، و حصل لى بعد ذلك أربعمائة دينار، و كان غلتها أربعة آلاف دينار «1».

اذ الظاهر ان ما فرّقه في أهل البيوتات و المستحقين كان بعنوان الزكاة، و كان هذا بعد ايفاء القوام و الوكلاء اجرتهم، فاخرجت المؤونة من الوسط قبل اعطاء الزكاة، بل ربّما يستفاد من هذه المرسلة و من غيرها مما ورد في الانفاق من البساتين و من نصوص المارّة و الحفنة و الضغث و غيرها استثناء كلّ ما جرت به السيرة و الطريقة من الأكل و الاعطاء من البساتين و المزارع للأضياف و المتردّدين و الفقراء و السائلين، بل لعلّ الجميع يعد من مؤنها لتعارف اخراجه منها، فتدبر.

فهذه اربعة عشر وجها ذكرناها لاستثناء المؤن. و لا يخفى ان أكثرها وجوه تبرعية، و عمدتها الأصل و الاجماع المنقول و الشهرة المحققة و الصحيحان.

و قد

عرفت منّا الاشكال في الجميع. و انّما المستفاد من الصحيحين اخراج ما تعارف اعطاؤه من نفس العين من المؤن اللاحقة. فالتعدّي من ذلك مشكل و الأحوط عدمه.

.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 54

[ما يستدل به لعدم استثناء المؤن]

______________________________

ما يستدل به لعدم استثناء المؤن و استدل لعدم استثناء المؤن أيضا بوجوه:

الأول: ما ذكره في الخلاف من قوله: «فيما سقت السماء العشر أو نصف العشر». قال:

«فلو ألزمناه المؤونة لبقى أقلّ من العشر أو نصف العشر».

و فيه عدم كونه في مقام البيان من كلّ جهة. و انّما المراد منه بيان مقدار الزكاة الواجبة في الغلات اجمالا.

الثاني: اطلاق ما ورد في بيان النصاب و مقدار الصدقة معا. ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع» قال: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة اوساق. و الوسق ستون صاعا. فذلك ثلاثة مأئة صاع، ففيه العشر ...» «1».

و في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق. و العنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيبا» «2».

و في مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا، ع أحد هما «ع»: «قال: في زكاة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ليس فيما دون الخمسة أو ساق زكاة، فاذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة ...» «3».

و في خبر تحف العقول عن الرضا- عليه السلام- في كتابه الى المأمون: «و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و كلّ ما يخرج من الأرض من الحبوب اذا بلغت خمسة أوسق ففيها العشر ...» «4». الى غير ذلك من الاخبار المتعرضة

للنصاب و مقدار الصدقة معا، فانّها ظاهرة في انّ بلوغ خمسة أوسق سبب تام لوجوب العشر أو نصفه، فان بيان النصاب مع عدم التعرض لاستثناء المؤن سكوت في مقام البيان.

قال الشيخ الأعظم في زكاته بعد الاشارة الى هذه الاخبار: «و منه يظهر انّ الجواب

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 54

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 12.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 55

..........

______________________________

عن الاطلاقات بورودها في مقام حكم آخر انّما يحسن في اطلاقات العشر و نصف العشر، لا في اطلاقات بيان النصاب، كما لا يخفى».

و قال أيضا: «و حاصل الكلام انّ حمل أخبار بلوغ خمسة أوسق على بلوغ فائدة الزرع و ربحه الحاصل للزارع بعد اخراج جميع المؤن دونه خرط القتاد، إلّا ان يستأنس له مما ثبت من حال الشارع من التخفيف على مالك النصاب ...» «1».

و الانصاف- كما ذكره الشيخ و غيره- ثبوت الإطلاق في هذه الروايات و كفايتها لنفي استثناء المؤونة إلّا ان يثبت الاستثناء بدليل قطعي غير الأصل فانّه لا يقاوم الاطلاقات، كما هو واضح.

الثالث: صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم السابقة، عن أبي جعفر «ع» انّهما قالا له:

هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كلّ ارض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه. و

ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر.

انّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «2».

قال في المدارك: «و هذه الرواية كالصريحة في عدم استثناء شي ء مما يخرج من الأرض سوى المقاسمة» «3».

أقول: و لكن يمكن أن يخدش بان محط النظر في هذه الصحيحة هو بيان عقد النفي، لا عقد الاثبات. فالمقصود بيان انّ مقدار حق المقاسمة لا يجب على الزارع زكاته، لا بيان ان كلّ ما بقى بعد حقّ المقاسمة تجب زكاته، حتى تكون صريحة أو ظاهرة في نفي استثناء المؤونة، فتدبر.

الرابع: رواية ابن شجاع النيسابوري انّه سأل أبا الحسن الثالث «ع» عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كر ما يزكي، فأخذ منه العشر عشرة اكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا و بقى في يده ستون كرا. ما الّذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 492.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(3)- المدارك/ 305.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 56

..........

______________________________

لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع: لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «1».

فانها صريحة في أخذ العشر من جميع ما حصل من الضيعة، و انّ المؤونة أخرجت بعد ذلك، و الامام- عليه السلام- قرّر السائل على ذلك. و تقرير المعصوم حجة.

و فيه انّ الاستدلال موقوف على كون الآخذ نفس السائل، و هو خلاف الظاهر، اذ الظاهر كون لفظ «اخذ» بالبناء للمفعول، و كون الآخذ عامل السلطان. و بناؤهم كما عرفت لم يكن على استثناء المؤونة، فليس عدم تعرض المعصوم- عليه السلام- لاستثناء المؤونة تقريرا و امضاء. و يشهد لكون البناء للمفعول سؤاله ثانيا عن وجوب شي ء لأصحابه، لدلالة

دلك عن ان المأخوذ منه لم يصل الى أهله، فسأل عن وجوب اعادة الزكاة. و سكوت الامام- عليه السلام- يدلّ على الإجزاء و عدم وجوب الاعادة، كما دلّ على ذلك اخبار مستفيضة ذكرها في الوسائل في الباب العشرين من أبواب المستحقين، فراجع.

الخامس: ان تعرض النصوص لاستثناء معافارة و أم جعرور، و استثناء العذق و العذقين للناطور، و عدم التعرض لاستثناء غير ذلك من المؤن اللازمة غالبا ظاهر في عدم استثنائها، اذ لو وجب استثناؤها من البدو الى الختم لم يكن وجه لاستثناء خصوص العذق و العذقين للناطور. فيعلم من ذلك كونه حكما ندبيا اخلاقيا، لا من جهة كونه مئونة.

و فيه انّه من الممكن أن يقال انّ هذه النصوص بصدد بيان الخرص و كيفيته، لا بيان أحكام الزكاة و ما تتعلّق به و ما تستثنى منه.

السادس: ما ذكره الشيخ في زكاته من ان جعل العشر فيما سقي سيحا، و نصف العشر فيما سقته الدوالى ليس إلّا من جهة كثرة المؤونة في الثاني دون الأول. و لو بنى على احتساب المؤونة و استثنائها لم يكن فرق بين الأمرين. و كيف يحتسب مئونة السقي الموجبة لإسقاط نصف العشر من جملة المؤونة و يخرج نصف العشر بعد اخراجها و لذا احتمل في البيان كما مرّ اسقاط مئونة السقى فيما فيه نصف العشر و احتساب سائر المؤن.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 5 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 57

..........

______________________________

و بالجملة فالمؤونة مما احتسبها الشارع في أصل جعله العشر و نصف العشر، فلا وجه لاستثنائها من قبل المالك.

و فيه أولا: ما ذكره المحقق في المسائل الطبرية من كون أحكام الشرع توقيفية تعبدية.

و ثانيا: انّ استعمال الاجراء

و الحفظة من قبل المالك كلفة زائدة، فناسب التخفيف، فان عمل نفس المالك لا يحتسب من المؤونة.

و ثالثا: ان تقديم المؤونة بنفسه كلفة زائدة.

و رابعا: انّ الغالب علاج الزرّاع عمل السقي بأنفسهم. و عملهم لا يحتسب من المؤونة، فناسب التخفيف.

و خامسا: انّ المحصول يقلّ غالبا فيما يسقى بالدوالى. الى غير ذلك مما ذكروه في المقام.

و لكن الانصاف ان ما ذكره الشيخ شاهد قوي على عدم استثناء المؤونة. و التعبد فرع الدليل القوي على الاستثناء. و قد مرّ الاشكال في أكثر ما ذكروه دليلا لذلك. و عمدتها شهرة المسألة بين القدماء من أصحابنا و عبارة فقه الرضا. و قد عرفت ان خلاف الشيخ في الخلاف و المبسوط مما يوهن الشهرة. و عبارة فقه الرضا يحتمل فيها أن لا يراد منها المؤونة المصطلحة التي هي محل البحث، بل لعلّه كان متعارفا في تلك الاعصار عمارة الأراضي و الأنهار من قبل الحكومة، ثمّ أخذ مقدار ما يصرف فيها و في ادارة شئون القرية و حاجاتها من نفس الغلات، لقلة الاثمان في تلك الاعصار. فوزانها وزان ما يؤخذ قهرا من نفس الغلات، حيث لا يضمنه المالك. نعم، قد عرفت ان الأصل يقتضي عدم وجوب الزكاة فيما يقابل المؤونة، و لكن الأصل محكوم باطلاقات اخبار النصاب، فيشكل رفع اليد عنها إلّا فيما تعارف أخذه من نفس العين من المؤن اللاحقة كالعذق و العذقين للحارس و نحو ذلك، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 58

هل النصاب يعتبر بعد المؤن او قبلها؟
[الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروج المؤن]

كما انّ الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروجها (1)، و إن كان الأحوط اعتباره قبله.

______________________________

(1) بناء على استثناء المؤونة فهل يعتبر النصاب بعدها فلا زكاة فيما اذا نقص باستثنائها عن النصاب، أم قبلها، فيزكى الباقي و

ان قلّ اذا كان المجموع نصابا، أم يفصّل بين ما سبق على التعلق، فيعتبر النصاب بعده و بين ما تأخّر عنه فيعتبر قبله؟ وجوه، بل أقوال. أشهرها، بل المشهور كما في الجواهر الأول. و في التذكرة، و عن المدارك و الذخيرة موافقتها الثاني. و في المسالك و عن الروضة و جامع المقاصد و الايضاح و غيرها الثالث.

قال في التذكرة: «الأقرب انّ المؤونة لا تؤثر في نقصان النصاب و ان أثرت في نقصان الفرض. فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤونة و اذا سقطت المؤونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة، لكن لا في المؤونة، بل في الباقي» «1».

و لكن في المنتهى: «المؤونة تخرج وسطا من المالك و الفقراء. فما فضل و بلغ نصابا أخذ منه العشر و نصفه» «2».

فهو في المنتهى وافق المشهور، و في التذكرة خالفهم.

و أقوى الأقوال الثلاثة أوّلها، فانّه مقتضى أكثر ما استدلّ به على استثناء المؤونة، اذ

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 220.

(2)- المنتهى 1/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 59

..........

______________________________

مقتضى أصل البراءة و أدلّة نفي الضرر و العسر و الحرج و ظاهر عبارة فقه الرضا و الهداية و المقنع و الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و الغنية و اشارة السبق و السرائر اعتبار النصاب بعد المؤونة، بل و كذا ما دلّ على انّه يترك للحارس العذق و العذقان و الثلاثة.

نعم، مقتضى قاعدة الشركة بضميمة عدم القول بالفصل اعتباره قبلها، كما لا يخفى.

ففي فقه الرضا بعد ذكر النصاب: «فاذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية اخرج منه العشر ...» «1».

و في كتب الصدوق: «بعد خراج السلطان و مئونة القرية».

و الظاهر تعلق الظرف بالفعل الذي

قبله، أعني قوله: «بلغ ذلك و حصل»، لا بما بعده، أعني قوله: «أخرج منه العشر». فيستفاد منها كون النصاب بعد المؤونة. و كذا سائر الكتب المشار اليها.

و بالجملة عمدة الدليل على استثناء المؤونة الأصل، و الشهرة، و عبارة فقه الرضا، و روايات استثناء العذق و العذقين. و مفادها كما ترى اعتبار النصاب بعد المؤونة.

و استدلّ الشيخ الأعظم في زكاته «2» على هذا القول بان ظاهر أدلّة اعتبار النصاب ثبوت العشر في مجموع النصاب. فما دلّ على استثناء المؤن لا بدّ ان يجعل مقيّدا لأدلّة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن، ليحفظ اطلاق وجوب العشر في النصاب و ظهوره في كون العشر في جميعه.

توضيح ذلك انّ قوله- عليه السلام- مثلا في صحيحة زرارة: «ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر ...» «3»، بعد تقييده بما بعد المؤونة يحتمل أن يراد به ما بلغ هذا المقدار بعد وضع المؤن كلّها ففيه العشر. فالقيد رجع الى الموضوع و بقى الحكم، أعني قوله: «ففيه العشر» على اطلاقه، و يكون المراد ثبوت عشر في مجموع النصاب مطلقا. كما يحتمل ان

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 22.

(2)- زكاة الشيخ/ 493.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 60

..........

______________________________

يرجع القيد الى الحكم، و يكون المراد ان ما بلغ خمسة أوساق مطلقا ففيه العشر بعد وضع المؤن، أعني عشر ما بقى بعد وضعها.

و حيث ان الاحتمال الثاني مستلزم إمّا لتخصيص الحكم ان فرض استيعاب المؤونة للنصاب، أو للاستخدام، أعني رجوع الضمير في قوله: «ففيه العشر» الى بعض النصاب، أعني

ما زاد منه على المؤونة، و كلاهما خلاف الظاهر، فان الظاهر رجوع الضمير الى مجموع النصاب و ثبوت العشر في مجموعه مطلقا فلا محالة يرجع القيد الى الموضوع. و مقتضاه بلوغ النصاب بعد المؤونة. و قد ذكر الشيخ نحو ذلك في خمس المعدن و الكنز أيضا، فقال انّ ظاهر الحديث المتعرض للنصاب فيهما وجوب الخمس في مجموع العشرين دينارا، فيكون وضع المؤونة فيهما قبل النصاب «1».

و أورد عليه في مصباح الفقيه بما حاصله «انّ ارجاع القيد الى الموضوع ليس باولى من العكس، لاحتمال ارجاعه الى الحكم ابقاء لإطلاق الموضوع، حيث انّ ظاهر الحديث بلوغ مجموع ما انبتت الأرض خمسة أوسق، لا الباقي منه بعد المؤونة. فليس ارتكاب أحد التقييدين بأهون من الآخر، بل الاحتمالان متكافئان. و المرجع بعد تساقطهما اصالة براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص عن خمسة أوسق بعد اخراج المؤونة عنه. فالنتيجة نفس ما أراده الشيخ، و لكن من ناحية الأصل، لا من ناحية اطلاق الحكم.

لا يقال: انّ مقتضى عمومات ثبوت الزكاة في الغلات من مثل قوله: «فيما سقته السماء العشر»، ثبوت الزكاة في مطلق ما انبتت الأرض، قليلا كان أو كثيرا، و قد تخصص ذلك بما دلّ على اعتبار النصاب و لكن لم يعلم انّ المراد اعتباره قبل المؤونة أو بعدها، فيكون من قبيل المخصص المجمل المردد بين الأقل و الأكثر. و مقتضى القاعدة في مثل المقام الاقتصار في رفع اليد عن العموم على القدر المتيقّن. فالمرجع في المقام اصالة العموم و الاطلاق، لا اصالة البراءة، فتكون النتيجة ثبوت الزكاة في مورد الشك و لازمه اعتبار النصاب قبل المؤونة.

لأنّا نقول: ليس المقام من قبيل التخصيص بالمجمل المردد بين الأقل و الأكثر،

فان

______________________________

(1)- خمس الشيخ/ 526 و 527.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 61

..........

______________________________

ما دلّ على استثناء المؤونة بنفسه مخصص لتلك العمومات، سواء كان هناك دليل آخر يدلّ على اعتبار النصاب فيما يجب فيه الزكاة، أم لا. و بعد ورود دليل اشتراط النصاب لم يعلم انّه هل اعتبر هذا الشرط في نفس ما فيه العشر، أي ما بقى بعد المؤونة، أو بانضمامه الى ما قابل المؤونة، اذ المفروض كون لفظ الدليل محتملا للأمرين. فلا بدّ في مورد الاجمال من الرجوع الى الاصول العملية، لا العموم الذي علم اجمالا بعدم ارادة ظاهره منه. فالفرق بين ما نحن فيه و بين العام المخصص بالمجمل المردد بين الأقل و الأكثر هو انّ العام له ظهور في ارادة كلّ فرد فرد، فلا يرفع اليد عن ظاهره بالنسبة الى المشكوك، للشك في أصل التخصيص بالنسبة اليه. و أمّا فيما نحن فيه فقد علم في مورد الشك أيضا بعدم كون العام باقيا على ظاهره من الاطلاق، أي عدم كون الوجوب المتعلّق به وجوبا مطلقا بل مشروطا بشرط غير معلوم التحقق، فلا مسرح للرجوع الى اصالة العموم أو الاطلاق بعد العلم بعدم كون العموم أو الاطلاق مرادا بالنسبة الى فاقد هذا الشرط الذي لم يعلم بتحققه» «1».

أقول: هذا محصل ما أفاده في مصباح الفقيه بطوله.

أمّا ما ذكره في جواب الشيخ «ره» من تكافؤ الاطلاقين و تعارضهما فهو صحيح.

و امّا ما ذكره في الاشكال من عموم قوله: «فيما سقته السماء العشر»، ففيه ما سبق من عدم كونه في مقام البيان من كلّ جهة، حتّى يتمسك باطلاقه. فانّه ليس إلّا في مقام بيان مقدار الزكاة من العشر أو نصفه، و ليس في مقام بيان ما

فيه الزكاة. نعم، يكون في باب الخمس عموم قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ ...»، محكّما في موارد الشك، فيكون في باب الكنز و المعدن اعتبار النصاب قبل المؤونة، كما حرّرناه في محلّه «2».

و امّا ما ذكره في جواب الاشكال فلم يظهر لي مراده- قدس سرّه- اذ لو فرض العموم أو الاطلاق في الفوق، ثمّ خصص بمنفصل و شك فيه بحسب القلة و الكثرة ففي غير القدر المتيقن

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 67.

(2)- كتاب الخمس/ 53.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 62

..........

______________________________

يكون رفع اليد عن العموم بلا وجه، و من قبيل رفع اليد عن الحجة بغير الحجة، من غير فرق بين كون منشأ الشك اجمال المخصص كما اذا قال: «أكرم العلماء»، ثمّ قال: «لا تكرم الفسّاق من العلماء» و شك في كون المراد منهم مرتكبي الكبيرة فقط أو الأعم منهم و من مرتكبي الصغيرة، أو كون منشأه الشك في تقيد أحد القيدين بالآخر بعد العلم بتقيد العام بهما كما في المقام، حيث انّ عموم الفوق قيد تارة بما بعد المؤونة و اخرى بالنصاب و لم يعلم تقيد النصاب أيضا بكونه بعد المؤونة، فان اختلاف منشأ الشك لا يكون فارقا بعد كون الشك في كليهما بحسب القلة و الكثرة و كون الشبهة حكمية.

و ما قال اخيرا من عدم كون الوجوب في المقام مطلقا بل مشروطا بشرط غير معلوم التحقق فيرد عليه تحقق ذلك في الأول أيضا. فان موضوع وجوب الاكرام فيه ليس هو العالم باطلاقه، بل يكون مشروطا بعدم الفسق الذي لا يعلم بتحققه في مرتكب الصغيرة.

و كما لا يوجب هذا في هذا المثال سقوط العام عن الحجية بالنسبة الى المشكوك فيه

بعد انعقاد ظهوره فكذا في المقام.

و بالجملة فالفرق بين المقامين مشكل. فالعمدة في المقام ما مرّ من عدم العموم أو الاطلاق في الفوق. فيكون المرجع بعد تكافؤ اطلاق الموضوع و الحكم اصالة البراءة، لا اطلاق الفوق و عمومه، فتدبّر.

و في المستمسك استشكل على تكافؤ الاطلاقين بما محصله «ان اطلاق الحكم مترتب على اطلاق الموضوع، فاذا سقط اطلاق الموضوع عن الحجية لم يبق مجال لإطلاق الحكم. فاذا دار الأمر بين تقييد أحد الاطلاقين فقد علم تفصيلا بعدم حجية اطلاق الحكم إمّا للتخصيص أو للتخصص، فيبقى اصالة اطلاق الموضوع بلا معارض» «1».

و أجاب عن هذا الاشكال المرحوم آية اللّه الميلاني في زكاته «2» بما محصله بتوضيح منّا: انّ جريان الاطلاق في الموضوع و حجيته ممّا يلزم من وجوده عدمه، حيث انّه يرتفع بسببه

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 160.

(2)- كتاب الزكاة، لآية اللّه الميلاني 1/ 346.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

التقيد بالتبع في ناحية الحكم، فلا يكون تقيد الحكم معلوما بالتفصيل، فلا ينحل العلم الإجمالي، فلا تكون الشبهة في الموضوع بدوية حتى يجري فيه الاطلاق بلا معارض.

و بعبارة اخرى: يلزم من اطلاق الموضوع عدم اطلاقه، و من انحلال العلم الإجمالي عدم انحلاله. نظير ما ذكره في الكفاية في باب الأقلّ و الأكثر الارتباطين من الاشكال في الانحلال. و السرّ في ذلك ان الانحلال انّما يصحّ فيما اذا حصل العلم التفصيلي في احد الطرفين بنحو الاطلاق، و لم يتوقف المعلوم فيه على هذا الفرد المشكوك فيه أصلا. هذا.

و لا يخفى انّ جميع ما ذكرناه بطوله انّما هو على فرض اجمال القيد و تردّده بين الرجوع الى الموضوع أو الحكم.

و لكن قد عرفت انّ عمدة الدليل على استثناء المؤونة عبارة

فقه الرضا، و الشهرة المحقّقة، و ما دلّ على استثناء العذق و العذقين مضافا الى اصالة البراءة. و مقتضى الجميع رجوع القيد الى الموضوع، فيكون اعتبار النصاب بعد المؤونة، كما اختاره المصنف. و مع قطع النظر عن ذلك و بقاء الشك فان فرض اطلاق في الفوق فهو، و إلّا كان المرجع الأصل، و نتيجة الأول وجوب الزكاة في مورد الشك، و نتيجة الثاني عدم وجوبها، فتدبر.

هذا كلّه فيما يرتبط بالقول الأول.

و استدل للقول الثاني، أعني اعتبار النصاب قبل المؤونة، بظهور أدلّة النصاب في كون البلوغ الى النصاب علّة تامة و تمام الموضوع لوجوب الزكاة في جميع النصاب، و قد علم بما دلّ على استثناء المؤونة عدم وجوبها فيما يقابل المؤونة منه، فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة الى ما يقابل المؤونة و يعمل في الباقي على حسب ما يقتضيه.

و بعبارة اخرى: قد دلّت الأدلّة الأوّلية على وجوب الزكاة في جميع الغلات و قد ورد عليها تقييدان: الاوّل: التقييد بما بعد المؤونة. الثاني: التقييد بالنصاب. و اذا ورد على مطلق تقييدان فكلاهما واردان على المطلق في عرض واحد، و لا دليل على تقييد أحد القيدين بالآخر، فلا يتقيد النصاب بما بعد المؤونة. و مقتضى ذلك وجوب الزكاة اذا بلغت الغلة نصابا مطلقا، غاية الأمر عدم وجوبها فيما يقابل المؤونة، فتجب في الباقي.

و يرد على ذلك توقفه على ثبوت الاطلاقات الأوّلية، و إلّا فاصل البراءة يقتضي عدم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 64

..........

______________________________

الوجوب في مورد الشك. و اطلاق الموضوع، أعني النصاب معارض باطلاق الحكم، كما مرّ تفصيله.

و استدل للقول الثالث، أعني التفصيل بين المؤن السابقة و اللاحقة، أمّا بالنسبة الى المؤن السابقة فبما ذكره الشيخ من

انّ الظاهر من الأحاديث ثبوت العشر في جميع النصاب.

و لازمه ارجاع القيد الى الموضوع، و اعتبار النصاب بعد المؤونة. و أمّا بالنسبة الى المؤن اللاحقة فلان اخراجه من الوسط لا يكون منافيا لاعتبار النصاب قبله، لأنّه من مقتضيات قاعدة الشركة.

و يرد عليه أولا: انّ ما ذكره من اطلاق الحكم، أعني ثبوت العشر في جميع النصاب يقتضي اعتباره بعد المؤن مطلقا من غير فرق بين السابقة و اللّاحقة.

و ثانيا: انّ اطلاق الحكم معارض باطلاق الموضوع، كما مرّ تفصيله.

و ثالثا: انّ الشركة تقتضي استثناء المؤونة وسطا و كونها عليهما بالنسبة، لا كون اعتبار النصاب قبلها أو بعدها.

و رابعا: ان كون تعلق الزكاة بنحو الشركة غير ثابت و لا يلتزمون بلوازمها في المقام.

فالحق بناء على استثناء المؤونة كون اعتبار النصاب بعدها مطلقا، كما هو مختار المصنف، لان ذلك مقتضى عمدة ما استندوا اليه لاستثنائها، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 65

ما هو المراد بالمؤن؟
[المؤن اللاحقة ليست من المؤونة]

بل الأحوط عدم اخراج المؤن (1) خصوصا اللاحقة (2). و المراد بالمئونة كلّ ما يحتاج اليه الزرع و الشجر (3) من اجرة الفلاح و الحارث

______________________________

(1) لما عرفت من الاشكال في أدلّة استثنائها بكثرتها، فراجع «1».

(2) لا خصوصية للّاحقة، بل ان كانت فللسّابقة.

(3) في المسالك: «و المراد بالمؤن ما يغرمه المالك على الغلّة ممّا يتكرر كلّ سنة عادة و ان كان قبل عامه كأجرة الفلاحة و الحرث و السقي و الحفظ، و اجرة الأرض و ان كانت غصبا و لم ينو اعطاء مالكها أجرها، و مئونة الاجير و ما نقص بسببه من الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها. و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع. و عين البذر ان كان من ماله

المزكى. و لو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه و عينه. و كذا مئونة العامل المثلية، أمّا القيمية فقيمتها يوم التلف، و لو عمل معه متبرّع لم يحتسب اجرته، اذ لا تعدّ المنّة مئونة عرفا.

و لو وزع مع الزكوي غيره قسّط ذلك عليهما. و لو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي بالعرض لم يحتسب الزائد. و لو كانا مقصودين ابتداء وزّع عليهما ما يقصد لهما، و اختص أحدهما بما يقصد له. و لو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد تمام العمل لم يحتسب من المؤن. و لو اشترى الزرع احتسب ثمنه و ما يغرم بعد ذلك دون ما سبق على ملكه. و حصة السلطان من المؤن اللاحقة لبدو الصلاح فاعتبار النصاب قبلها» «2».

______________________________

(1)- ص 46 الى 53.

(2)- المسالك 1/ 44.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

و في الروضة: «و المراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلة من ابتداء العمل لأجلها و ان تقدّم على عامها الى تمام التصفية و يبس الثمرة، و منها البذر. و لو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة ... و لو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المؤونة. و لو اشتراها مع الأصل وزّع الثمن عليهما، كما يوزّع المؤونة على الزكوي و غيره لو جمعهما. و يعتبر ما غرمه بعده و يسقط ما قبله، كما يسقط اعتبار المتبرع و ان كان غلامه أو ولده» «1».

و عن فوائد الشرائع: «كلّ ما يحتاج اليه الزرع عادة فهو من المؤن، سواء تقدم على الزرع كالحرث و الحفر و عمل الناضح و نحو ذلك، أو قاربه كالسقي و الحصاد و الجذاذ و تنقية مواضع الماء ممّا يحتاج اليه في كلّ سنة،

لا اعيان الدولاب و الآلات و نحو ذلك. نعم، يحسب نقصها لو نقصت. و البذر من المؤونة، فيستثنى لكن اذا كان مزكّى سابقا أو لم تتعلّق به الزكاة سابقا. و لو اشتراه لم يبعد ان يقال: يجب (يحسب ظ) أكثر الأمرين من ثمنه و قدر قيمته» «2».

و عن الموجز و كشفه: «و الضّابط كلّ ما يتكرر كلّ سنة بسبب الثمرة ... و ليس له اخراج اجرة عمله بيده من المؤونة، و لا اجرة العوامل كالثيران التي يسقى عليها و يحرث عليها، و لا اجرة سهم الدالية و هو الجذع المركب على العين، و لا اجرة الأرض المملوكة أو المستعارة.

و لو استأجر جميع ذلك أو غصب الأرض احتسب الاجرة» «3». الى غير ذلك من كلماتهم في المقام.

أقول: قد اختلفت كلماتهم في مبدأ اشتقاق كلمة «المؤونة». و تفسّر بالقوت، و بالثقل و الشدة. و يقال: «ما مأنت له» أي ما تهيأت له. و «مأن الشي ء»: هيّأه.

و يقرب الى الذهن ان المراد بالمئونة ما يهيأ الشخص أو الشي ء لفعله و نشاطه، أو ما يهيّأ للشي ء أو الشخص لرفع حوائجه. و المقصود بها هنا الخسارة المالية، أو مطلق ما يغرمه المالك للثمرة أو الزرع.

______________________________

(1)- الروضة البهية 2/ 36.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 101.

(3)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 102.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

قال في مصباح الفقيه بعد نقل عبارة المسالك ما محصّله: «و الاولى ايكالها الى العرف.

فما يعدّ عرفا من مصارف هذه الزراعة بحيث لو سئل عن مقدار ما صرفه في تحصيلها لأجاب بكذا و كذا فهو مئونتها. و ما في صدر العبارة من تقييد موضوع المؤونة بما يتكرر في كلّ سنة لعله للاحتراز

عن مثل حفر الآبار و كري الأنهار و نحوها مما يعدّ عرفا من أسباب عمارة الأرض. فهي كثمن الأرض التي يشتريها لا يعدّ عرفا من مئونة اشخاص الزراعات الحاصلة فيها. فما في كلمات بعض من بسط مثل هذه المؤن على السنين المتكررة لا يخلو من مناقشة. نعم، لو دعاه الى حفر بئر أو قناة خصوص زراعة لعدّت عرفا من مئونتها، كما لو اشترى أرضا لذلك أيضا.

و كيف كان فقد عرفت انّه لم يرد في شي ء من النصوص الواصلة إلينا التصريح باستثناء المؤونة عدا عبارة فقه الرضا من التعبير بلفظ المؤونة من غير اضافتها الى الزرع أو الغلة، كما هو المدّعى، بل الى القرية.

و انّما التزمنا باستثنائها بدعوى استكشافه من الشهرة المعتضدة بالإجماعات المحكية، فان استكشفنا بهذا الدليل كون لفظ المؤونة بمنزلة كونها واردة في نصّ معتبر في وجوب الرجوع الى العرف في تشخيص مفهومها فنقول انّ هذه الكلمة لا تخلو من اجمال. و القدر المتيقن من ذلك ما ينفقه على نفس هذه الزراعة من مثل البذر و اجرة الحرث أو اجارة الأرض في تلك المدة و تسطيح الأرض و تنقية النهر، ممّا لا يبقى له بازائه مال بعد استيفاء الحاصل. و امّا مثل ثمن الأرض، أو العوامل التي يشتريها للزراعة، أو الآلات الّتي يستعملها فيها ممّا تبقى عينها في ملكه بعد استيفاء الحاصل فهي خارجة عن ذلك، بل لا يعدّ شي ء من مثل ذلك نفقة الزراعة، بل الزراعة تعدّ من فوائدها» «1».

و قد اجاد فيما أفاد، حيث فرّق بين ما يعدّ مئونة للزرع و الثمر و بين ما يعدّ مقوّما لإحياء الأرض من حفر البئر و القناة و احداث الجدران و نحوها.

فما في الجواهر من

عدّ استنباط المستقى و بناء الجدران للبستان و حفر النهر الذي هو

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الزكاة/ 68.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 68

و الساقي، و اجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و اجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و اجرة الحفظ و الحصاد و الجذاذ و تجفيف الثمرة.

و اصلاح موضع التشميس و حفر النهر (1). و غير ذلك كتفاوت نقص الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها.

و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع عليهما بالنسبة.

[قيمة البذر من المؤن]

[مسألة 17]: قيمة البذر اذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن (2).

______________________________

العمود مما يبقى سنوات من المؤن، و تقوية خروجها أجمع من الثمرة في سنة أو سنتين ممنوع أشدّ المنع.

نعم لو فرض أن شراء الأرض أو العوامل كان لزرع خاص أو ثمرة خاصة فالظاهر عدّهما نفقة و مئونة له. و سيأتي لذلك توضيح في المسألة التاسعة عشر، فانتظر.

و لو شك في كون شي ء من مؤن الزرع أو الثمرة إمّا لإجمال مفهوم المؤونة كما ادعاه في المصباح، أو لأنّ الدليل على الاستثناء، أعني الشهرة و الاجماع المدّعى دليل لبّي و لم يثبت كون معقدهما لفظ المؤونة فالمرجع عموم ما دلّ على وجوب العشر فيما بلغ خمسة أوسق أو اطلاقه. و مقتضى ذلك عدم استثنائه. و لو أبيت العموم أو الاطلاق فالمرجع اصالة البراءة، و مقتضاها استثناؤه. و سيأتي لذلك و لسائر الفروع مزيد توضيح في المسائل التالية.

(1) لا يخلو اطلاقه من نظر، فان حفر النهر الاصلي الدخيل في احياء الأرض معدود من مقدمات الاحياء، لا من مؤمن الزرع. نعم، حفر النهر الموقت لزرع خاص أو تنقيته له يعدّ من المؤونة عرفا.

(2)

بل هو من المؤن مطلقا، فيستثنى مطلقا. و كأنّ المصنّف أراد انّه اذا كان من ماله الذي تعلّق به الزكاة و لم يؤدّها فلا فرق بين استثنائه و عدمه، لوجوب الزكاة فيه في الحالين.

و لكن فيه كما في المستمسك افتراق الحالتين بوجهين: الأول: ان مقدار البذر اذا كان متمما للنصاب فاستثناؤه يوجب نقص النصاب و انتفاء وجوب الزكاة بالمرّة في غير البذر،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 69

و المناط قيمته يوم تلفه (1) و هو وقت الزرع.

______________________________

بناء على كون اعتبار النصاب بعد المؤونة.

الثاني: انّه اذا اختلف البذر و المحصول الفعلي في كيفيّة السقي فسقي أحدهما بالمطر و الآخر بالدلو مثلا فان مقدار الزكاة يختلف فيهما و ان وجبت في كليهما، فيعتبر البذر مستثنى مطلقا و يترتب آثار استثنائه ثمّ يحكم على كلّ من البذر و المحصول الفعلي حكمه.

و هنا أمر آخر و هو انّ البذر لو كان من ماله الذي تعلّق به الزكاة و لم يزك و قلنا بانّ التعلّق بنحو الشركة في العين كان المحصول الفعلي مشتركا بين المالك و الفقراء بنسبة سهمهما في البذر ثمّ يتعلّق الزكاة ثانيا بسهم المالك ان كان بنفسه بمقدار النصاب، فتدبّر.

(1) قال في البيان: «لو اشترى بذرا فالأقرب انّ المخرج أكثر الأمرين من الثمن و القدر. و يحتمل اخراج القدر خاصّة، لأنّه مثليّ. أمّا لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت و لم يكن قد عاوض عليه فان المثل معتبر قطعا» «1».

و في المسالك: «و لو اشتراه (البذر) تخيّر بين استثناء ثمنه و عينه» «2».

و في الروضة: «و منها البذر و لو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة» «3».

و عن فوائد الشرائع: «و البذر من المؤونة ... و لو

اشتراه لم يبعد أن يقال: يجب (يحسب. ظ) أكثر الأمرين من ثمنه و قدر قيمته» «4».

و في الجواهر الاشكال في التخيير فقال: «الّذي يعدّ انّه من مؤن الزرع و صار هو سببا لإتلافه عين البذر لا ثمنه. و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر. و بالجملة التخيير المزبور لا يخلو من نظر أو منع» «5».

و لكن في المستمسك توجيهه بما حاصله: «انّه كما يحتاج الزرع الى البذر يحتاج الى ثمنه الذي يشترى به أيضا. غاية الأمر انّ احدهما مقدمة للآخر. فكلّ منهما مئونة، لا في عرض

______________________________

(1)- البيان/ 180.

(2)- المسالك 1/ 46.

(3)- الروضة البهية 2/ 36.

(4)- مفتاح الكرامة، ج 3 كتاب الزكاة/ 102.

(5)- الجواهر 15/ 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 70

[اجرة العامل من المؤن]

[مسألة 18]: اجرة العامل من المؤن. و لا يحسب للمالك اجرة (1) اذا

______________________________

واحد، بل أحدهما في طول الآخر. و استثناؤهما معا غير ممكن. و استثناء أحدهما بعينه ترجيح بلا مرجح، فيلزم التخيير. و هكذا الحال في جميع المقدمات الطولية. اللهم إلّا أن يقال: ليس المراد من المؤونة مطلق ما يحتاج اليه الزرع، بل خصوص الخسارة المالية له، أعني ما صرف له فعلا و هو نفس البذر التالف بنثره في الأرض» «1».

أقول: الاولى احالة المسألة الى حكم العرف. فلو ملك البذر بالارث أو الهبة أو نحوهما فما غرمه و صرفه في الزرع عين البذر فله أخذ مثله، إلّا اذا قوّمه على نفسه عند النثر في الأرض فقيمته المتعارفة يوم النثر. و كذلك اذا اشتراه لا للبذر ثمّ بدا له جعله بذرا. و أمّا اذا اشتراه للبذر فما يعدّ مئونة الثمن المسمّى و إن كان أكثر من قيمته اذا اضطرّ الى

اشترائه كذلك، و إلّا فقيمته المتعارفة.

و لعلّه لذا قال الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي في حاشيته عند قول المصنف:

«قيمة البذر» قال: «بل مثله. نعم، اذا كان اشتراه للزرع فالمعتبر ثمنه المسمّى، لا مثله و لا قيمته».

و كذا الكلام في اجرة العامل و العوامل اذا جعلها من الغلّات، فتدبر جيدا.

(1) في المستمسك: «لما عرفت من انّ المراد منها الخسارة المالية. و عمل العامل (المالك ظ.) ليس منها. و كذا عمل المتبرّع، من ولده أو زوجته أو أجنبي. و كذا اجرة الأرض و العوامل، فان ذلك من قبيل فوات منفعة، لا خسارة مالية» «2».

أقول: عدم حساب الاجرة للمالك و ولده و زوجته و المتبرّع و كذا املاكه من الأرض و العوامل قطعي لا ريب فيه، اذ لم يعهد حساب ذلك في عصر من الأعصار، بل لعلّ حسابها يوجب عدم وجوب الزكاة إلّا فيما قلّ و ندر، لكون الخرج على هذا أكثر من الفائدة غالبا.

و لكنّ الاولى جعل هذا المعنى دليلا على عدم اخراج المؤونة، لا عدم كونها من المؤونة.

ألا ترى انّه لو أراد بيع زرعه لغيره أو تشريك غيره فيه أو تقسيمه مع شريكه فقيل له احسب جميع ما خسرته و صرفته لهذا الزرع و خذ ثمنه أو ثمن نصفه مثلا. فالمعهود حساب عمل نفسه

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 162.

(2)- المستمسك 9/ 163.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 71

كان هو العامل. و كذا اذا عمل ولده أو زوجته بلا أجرة. و كذا اذا تبرّع به أجنبي. و كذا لا يحسب اجرة الأرض التي يكون مالكا لها، و لا اجرة العوامل اذا كانت مملوكة له.

[لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة]

[مسألة 19]: لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة (1). و كذا لو ضمن النخل

و الشجر. بخلاف ما اذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر (2). كما انّه لا يكون ثمن العوامل اذا اشتراها منها.

[لو كان مع الزكوي غيره فالمؤونة موزعة]

[مسألة 20]: لو كان مع الزكوي غيره فالمؤونة موزعة عليهما اذا كانا

______________________________

و عوامله أيضا، كما هو المعهود في نقل سهم الزرّاع الى المالكين أيضا ان أرادوا فسخ المزارعة، و كذلك اذا أراد بيع داره أو تشريك غيره فيها بما صرفه و خسره في عمرانها، فتدبّر.

(1) بعد اخراج قيمة التبن منه.

(2) في المستمسك: «فان ذلك ليس معدودا من مئونة الزرع، بل من مئونة ملك الأرض. و كذا ثمن العوامل، فان ما يعدّ مئونة عملها، لا نفسها، و لا ثمنها. فالمال المبذول بازاء العمل من المؤونة، و المال المبذول بازاء العين ليس منها» «1».

أقول: لو كان اشتراء الأرض أو الأشجار أو العوامل لزرع خاصّ أو ثمرة خاصّة في سنة أو سنتين مثلا فكون ثمنها من مئونتهما عرفا واضح.

هذا، مضافا الى ما في المستمسك من عدم وضوح الفرق بين المؤونة في المقام و بين مئونة السنة التي تستثنى في الخمس. فاذا بنى على استثناء العين الّتي يحتاج اليها هناك كالدار و المركب و نحوهما كان اللازم البناء عليه هنا أيضا. و عدم كون استثنائها في المقام معهودا في عصر من الاعصار، بل كونه موجبا لعدم وجوب الزكاة إلّا فيما قلّ و ندر ممّا يؤيّد عدم جواز استثناء المؤونة، لا عدم كونها من أفراد المؤونة، كما مرّ في المسألة السابقة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 163.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 72

مقصودين و اذا كان المقصود بالذات غير الزكوي، ثمّ عرض قصد الزكوي بعد اتمام العمل لم يحسب من المؤن، و اذا كان بالعكس حسب منها (1).

______________________________

(1) قد مرّ مضمون

هذه المسألة من المسالك، فراجع.

و يمكن أن يناقش بانّ مئونة الشي ء ما صرف فيه خارجا، قصد أم لم يقصد، فضلا عمّا تبدل القصد فيه. فلو ألقى السماد في الأرض بقصد الذرة مثلا ثم بدا له فزرع الحنطة معتمدا على السماد الملقى فكون السماد ممّا صرف في تحصيل الحنطة أمر واضح، فيعدّ من مئونته عرفا، فتأمّل.

تنبيه: في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- ما حاصله: «ان ما يصرف في الغلات على ضربين:

أحدهما ما تختص به الغلة كأجرة حراستها بعد حصولها و اجرة الجذاذ و الاقتطاف و نحوها. و هذا لا اشكال في استثناء ما يعادله من نفس الغلات.

ثانيهما ما يصرف في نبات الزرع كأجرة الحرث و الفلاحة و السقي و العوامل و آلات الزراعة و نحو ذلك. و حينئذ فان وفت قيمة التبن لذلك فهل يقال هذه بهذه و ما خسره في الزرع قد استوفاه و لا يستثنى شي ء منها من نفس الغلة فانّها من عوائد الزرع و قد استوفى الخسارة المالية التي تحملها للزرع بالتبن، أو تقسم المؤونة عليهما بالنسبة، أو يقال انّها صرفت لأجل تحصيل الغلة و هي المقصود الأصلي فيستثنى منها فقط؟ وجوه.

الظاهر انّ الأخير لا وجه له، فانّ المصروف فيه في الخارج هو نبات الزرع. و كون الداعي هو الغلة لا يغير الخارج عن حقيقته. و المسامحة العرفية في عدها مئونة الغلة لا وجه للاعتماد عليها. نعم، المؤونة مصروفة فيها بالتبع و في الرتبة المتأخرة، و لكن مع استيفائها و تداركها في الرتبة المتقدمة تخرج عن كونها مئونة الغلة.

و التوزيع أيضا لا وجه له، لأنّ الغلة من عوائد الزرع، و المؤونة صرفت في الزرع لا في الغلة، فلم تحصل من قبل

هذه العائدة خسارة مالية مع وفاء قيمة التبن بالمئونة. فتعين المصير الى الوجه الأوّل. نعم، لو نقصت قيمة التبن عنها يستثنى الباقي من نفس الغلة، فانّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 73

[الخراج الذي يأخذه السلطان يوزّع على الزكوي و غيره]

[مسألة 21]: الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزّع على الزكوي و غيره (1).

[اذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة]

[مسألة 22]: اذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة (2) لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى، و إن كان الأحوط التوزيع (3) على السنين.

[اذا شك في كون شي ء من المؤن أو لا]

[مسألة 23]: اذا شك في كون شي ء من المؤن أولا لم يحسب منها (4).

______________________________

التدارك اذا لم يحصل في الرتبة المتقدمة تصل النوبة الى ما هو بالتبع» «1».

أقول: ما ذكره نحو دقّة عقيلة يشكل مساعدة العرف عليه بعد كون المقصود الأصلي نفس الغلة.

(1) ان كان موضوعا عليهما، أو على الأرض. و أمّا اذا وضع على الزكوي فقط فلا وجه للتوزيع.

(2) يجب أن يكون محل الكلام ما يعمل بقصد الزرع أو الثمر سنة أو سنتين أو سنين معدودة كحرث الأرض أو تسميدها لزرع سنتين مثلا لا ما يعمل بقصد أصل الاحياء للأرض و تملكها كحفر القنوات و احداث الأنهار الكبيرة مثلا، كما مرّ تفصيل ذلك.

(3) في كونه أحوط اشكال، لإمكان أن يصير المحصول في الثانية انقص من النصاب على فرض التوزيع، فلا تكون فيها زكاة. و لو استثنى المؤونة من السنة الاولى ثبت في الثانية الزكاة. و الظاهر هو التوزيع على فرض العمل بقصد الجميع، و الاخراج من الاولى اذا كان بقصدها فقط، فتأمل. و الأحوط عدم احتساب ما زاد على حصة السنة الاولى أصلا.

(4) اذا كانت الشبهة حكمية بان يقال: ثبت بالإجماع و الشهرة اجمالا استثناء بعض الأشياء و لم ينعقدا على عنوان المؤونة فشك في مورد، أو يقال: انعقدا على خصوص عنوان

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 1/ 340.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 74

..........

______________________________

المؤونة و لكن اشتبهت مفهوما، فالمرجع حينئذ اطلاق دليل النصاب، أعني قوله: «ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر». اللهم إلّا ان ينكر الاطلاق

فيكون المرجع اصالة البراءة. و امّا اذا كانت الشبهة موضوعية و لم يمكن الفحص فالأصل البراءة، لعدم جواز التمسّك بالعام فيها، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 75

حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة و النخل الذى يثمر في السنة مرتين

[حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد]

[مسألة 24]: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد. فيضمّ الثمار بعضها الى بعض و إن تفاوتت في الادراك، بعد ان كانت الثمرتان لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

و على هذا فاذا بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه، ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر.

و إن كان الذي أدرك أولا أقلّ من النصاب، ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع.

و كذا اذا كان نخل يطلع في عام مرتين يضمّ الثاني الى الأول، لأنّهما ثمرة سنة واحدة. لكن لا يخلو عن اشكال، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين، كما قيل (1).

______________________________

(1) هنا مسألتان، جمع بينهما المصنف في هذه المسألة: الاولى: انّ الفصل المكاني أو الزماني لا يوجب تعدد الموضوع و الحكم في النخيل و الزروع، فتضم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة بعضها الى بعض و ان تفاوتت ادراكا اذا كانت لعام واحد.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

الثانية: انّه اذا كان هنا نخل يثمر في السنة مرتين فهل تضمّ الثانية الى الاولى، أو تكونان في حكم ثمرة عامين؟

و قد تعنون المسألة الثانية في كلماتهم بنحو آخر أيضا و هو انّه اذا كان نخيل يثمر في السنة مرة، و آخر يثمر مرتين، فالمرة الاولى منهما تضمّ الى الآخر. و هل تضمّ الثانية أم لا؟.

و بعضهم كالشيخ في المبسوط جمع بين العنوانين. و مرجعهما واحد. فهنا مسألتان:

و الأولى اجماعية بين

المسلمين. و الثانية مختلف فيها.

فلنذكر بعض الكلمات: فالشيخ في المبسوط تعرض للمسألة الاولى بنحو التفصيل و حكم بضمّ الثمار المختلفة بحسب المكان و الزمان، سواء اتّفقت اطلاعا و ادراكا، أو اختلفت فيهما، أو اتّفقت اطلاعا و اختلفت ادراكا، أو بالعكس، ثمّ تعرض للمسألة الثانية بالعنوانين، فقال: «و ان كان له ثمرة بتهامة و ثمرة بنجد، فادركت التهامية و جذّت، ثمّ اطلعت النجدية، ثمّ اطلعت التهامية مرة اخرى لا تضمّ النجدية الى التهامية الثانية، و انّما تضمّ الى الاولى، لأنّها لسنة واحدة. و التهامية الثانية لا تضمّ الى الاولى و لا الى النجدية، لأنّها في حكم سنة اخرى ... و النخل اذا حمل في سنة واحدة دفعتين كان لكلّ حمل حكم نفسه لا يضمّ بعضه الى بعض، لأنّها في حكم سنتين» «1».

و في الوسيلة لابن حمزة: «و التمر ضربان امّا اختلف زمان ادراكها في السنة أو حمل شجرها كلّ سنة مرتين فالأوّل يضمّ بعضها الى بعض، و الثاني لا يضمّ. فيكون لكلّ حمل حكم نفسه» «2».

و في التذكرة: «مسألة: تضمّ الزروع المتباعدة و الثمار المتفرقة في الحكم، سواء اتّفقت في الايناع أو اختلفت، و سواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت اذا كانت لعام واحد ... فانّه يضمّ بعضها الى بعض، لتعذّر ادراك الثمرة في وقت واحد و إن كانت في نخلة واحدة.

فلو اعتبر اتحاد وقت الادراك لم تجب الزكاة غالبا و قد اجمع المسلمون على ضمّ ما يدرك الى

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 215.

(2)- الجوامع الفقهية/ 680.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

ما تأخّر ... و لو كان له نخل يطلع في السنة مرتين قال الشيخ: لا يضمّ الثاني الى الأوّل، لأنّه في حكم ثمرة سنتين. و

به قال الشافعي. و قيل: تضمّ، لأنّها ثمرة عام واحد. و هو الأقوى» «1».

و في المنتهى: «لو كان له نخل يتفاوت ادراكه بالسّرعة و البطء بأن يكون في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر فيدرك الثمرة في الأسخن قبل ادراكها في الآخر فانّه تضمّ الثمرتان اذا كان لعامّ واحد و ان كان بينهما شهر أو شهر ان أو أكثر، لأنّ اشتراك ادراك الثمار في الوقت الواحد متعذر و ذلك يقتضي اسقاط الزكاة غالبا. و لا نعرف في هذا خلافا» «2»

و في المنتهى أيضا: «لو كان له نخيل يطلع في السنة مرتين قال الشيخ: لا تضمّ إحداهما الى الاخرى، لأنّها في حكم ثمرة سنتين. و ليس بالوجه. و الأقرب الضمّ، لأنّهما ثمرة عام واحد» «3».

و في الشرائع: «الثانية اذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ضممنا الجميع و كان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد. و ما ادرك و بلغ نصابا أخذ منه ثمّ يؤخذ من الباقي، قلّ أو كثر. و ان سبق ما لا يبلغ نصابا تربّصنا في وجوب الزكاة ادراك ما يكمل نصابا، سواء اطلع الجميع دفعة أو ادرك دفعة أو اختلف الأمران» «4».

و فيه أيضا: «الثالثة: اذا كان له نخيل يطلع مرة و آخر يطلع مرتين قيل: لا يضم الثاني الى الأوّل، لأنّه في حكم ثمرة سنتين. و قيل: يضمّ. و هو أشبه» «5».

و في المغني لابن قدامة في فقه الحنابلة: «و تضم ثمرة العام الواحد بعضها الى بعض، سواء اتّفق وقت اطلاعها و ادراكها أو اختلف ... فان كان له نخيل يحمل في السنة حملين ضمّ أحدهما الى الآخر. و قال القاضي: لا يضمّ. و هو

قول الشافعي» «6».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 220.

(2)- المنتهى 1/ 499.

(3)- المنتهى 1/ 499.

(4)- الشرائع 1/ 154.

(5)- الشرائع 1/ 154.

(6)- المغني 2/ 558.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

فهذه بعض الكلمات في المسألتين.

أقول: امّا المسألة الاولى فقد عرفت عن التذكرة اجماع المسلمين عليها، و عن المنتهى عدم معرفة الخلاف فيها. و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين» «1». و في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه، لإطلاق الأدلة و عمومها» «2» و لا دليل على اعتبار وحدة البلد أو الزمان، و انّما يعتبر الملكيّة و التمكن من التصرّف و النصاب. و المفروض حصولها بأجمعها.

و قد عرفت من التذكرة و المنتهى التعليل أيضا بتعذر ادراك الثمرة في وقت واحد. فالحكم بحمد اللّه واضح.

و امّا المسألة الثانية فقد عرفت كونها خلافية بيننا و بين مذهب السنة أيضا. و استدل عليها في الجواهر باطلاق الأدلّة، و بكونه باعتبار اتحاد العام كالبستانين المختلف إدراك ثمرتهما أو طلوعها، و في المغني التعليل بانّهما ثمرة عام واحد، فيضمّ بعضها الى بعض، و بانّ الحمل الثاني يضمّ الى الحمل المنفرد لو لم يكن حمل أوّل فكذا اذا كان، فان وجود الحمل الاوّل لا يصلح أن يكون مانعا.

و لكن في الجواهر: «لكنّ الانصاف عدم خلوّ المسألة عن اشكال، ضرورة عدم تعليق الحكم في شي ء من النصوص على اتحاد المال بمجرد كونه في عام واحد و أهل العرف لا يشكّون في صدق التعدّد عليهما، خصوصا اذا حصل فصل بين الثمرتين بزمان معتدّ به» «3».

و ردّ ذلك في مصباح الفقيه بما حاصله: «لا مدخلية لصدق وحدة المال أو تعدده عرفا في هذا الباب، و إلّا فصدق التعدد على ثمرة نخلين أحدهما بالعراق و الآخر بالحجاز خصوصا مع

اختلاف صنفيهما أوضح من صدقه على ثمرة نخلة واحدة حاصلة في زمانين. فالمدار على صدق بلوغ ما انبتت الأرض خمسة أوسق و هو حاصل» «4».

و كيف كان فالحقّ ما اختاره المصنّف أوّلا. اذ المعتبر كما عرفت الملكيّة و التمكّن

______________________________

(1)- المدارك/ 306.

(2)- الجواهر 15/ 243.

(3)- الجواهر 15/ 243.

(4)- مصباح الفقيه/ 71.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

و النصاب، و هي حاصلة. و لا دليل على اعتبار وحدة الملكية مكانا أو زمانا، بل المقطوع عدمه، كما يظهر بالتأمّل فيما مرّ.

نعم، لا يضمّ محصول عامّ الى عامّ آخر، لدلالة الاخبار و السيرة العملية على كون الزكاة، بل و سائر الماليات الاسلاميّة سنوية، فتدبّر جيّدا.

بقى هنا شي ء و هو انّ صاحب الجواهر بعد نقل عبارة الشرائع في المسألة الاولى قال:

«نعم، يعتبر بقاء الناقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزكاة من الملكيّة و نحوها الى أن يدرك ما يكمله كذلك، كما هو واضح» «1».

و استشكل عليه في مصباح الفقيه بما حاصله: «أقول: استفادة اعتبار بقاء الناقص في ملكه و عدم اتلافه الى أن يدرك ما يكمل به النصاب في وجوب الزكاة من النصوص و الفتاوى لا يخلو من خفاء، بل قد يقال انّ مقتضى اطلاقهما انّه متى بلغ نماء زروعه و ثمرة نخيله و كرومه بعد المؤونة خمسة أوسق فما زاد يجب فيها الزكاة، سواء أدرك الجميع دفعة أو تدريجا، و سواء بقى ما أدرك تدريجا في ملكه حتّى يكمل النصاب أو باعه أو أكله أو غير ذلك من التصرّفات الاختيارية، لصدق انّه بلغ ما حصل في يده في هذه السنة خمسة أوسق.

و دعوى انسباق ارادة المجتمع في الملكيّة الى الذهن من اطلاق قوله «ع» ما أنبتت الأرض من

الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر ممنوعة. نظير ما لو نذر ان يتصدق بعشر ما يحصل له من ثمرة الأشجار المملوكة له في هذه السنة على تقدير بلوغها الى هذا الحد، فانّ مفادها عرفا ليس إلّا بلوغ مجموع ثمرتها من اوّل حصولها الى آخره الى هذا الحد لا بوصف الاجتماع. و قضية ذلك التربّص في الحكم بوجوب العشر من حين الأخذ في الادراك الى أن يكمل النصاب. فاذا كمل وجب التصدق بعشره مع بقاء عينه.

و على تقدير الاتلاف بمثله أو قيمته. و اشتراط التمكن من التصرّف في وجوب الزكاة ليس منافيا لذلك اذ المقصود بذلك الاحتراز عن مثل المغصوب و الغائب الذي لا يدله عليه، لا مثل المقام الذي جرت يده عليه و تصرّف فيه باختياره، فانّه بحكم الباقي عنده في كونه

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 243.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 80

..........

______________________________

مشمولا لأدلّة الزكاة، فان التصرف الاختياري مؤكّد للتمكن لا مناف له.

و كيف كان فالقول بعدم اعتبار اجتماع مجموع النصاب في ملكه مع انّه أحوط أوفق بظواهر النصوص و الفتاوى. و على تقدير الالتزام باعتباره فالمتجه عدم الفرق- بالنسبة الى ما أدرك أخيرا بعد اخراج السابق عن ملكه في نفي تعلّق الزكاة به- بين كون ما ادرك سابقا و اتلفه نصابا أو أقلّ، اذ الزكاة وضعت على ما بلغ خمسة أوسق، فهذا الاخيران لوحظ بنفسه فهو أقلّ من النصاب، و ان لوحظ مضافا الى السابق فالمفروض عدم بقائه. و كون السابق نصابا لا يكفي لهذه الملاحظة، فانّه موجب لوجوب عشره لا عشر ما لم يوجد بعد» «1». هذه خلاصة ما ذكره في المصباح.

و ردّه المرحوم آية اللّه الميلاني-

قدّس سرّه- في زكاته بما حاصله: «القضية الشرطية ليست في مالكية المكلّف، اذ لم يرد: اذا ملك خمسة أوسق فعليه الزكاة، حتّى يعمّ اطلاقه التملك الدفعي و التدريجي، بل تلك القضية في نفس الغلة اذا بلغت كذا ... نظير قوله «ع» في الغنم: فاذا بلغت عشرين و مأئة. و في الذهب: فاذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار. و الشرط عنوان لموضوع الحكم، و الوصف يحتاج الى الموصوف بالفعل. فالثلاثة أوسق المدركة سابقا اذا بقيت و ضمّ اليها الوسقان لا حقا يتّصف المجموع في هذا الحين بانّه بالغ خمسة أوسق. و لا معنى لان يقال: يتّصف تدريجا، بل الغلة تزيد تدريجا و لكنّه تتّصف بكذا دفعة. و بالجملة الازدياد في الكمية تدريجي، و امّا الاتصاف بالبلوغ الى هذا الحد فدفعي، و الاتّصاف لا بدّ له من المتّصف بالفعل.

و الحاصل ان الخمسة أوسق كيل خاص- نظير الكر- فكما لا يصحّ الاطلاق في قوله:

الماء اذا بلغ قدر كرّ لم ينجسه شي ء بالاضافة الى ما وجد و تلف تدريجا فكذلك في المقام.

و امّا مثال النذر فان كان قد نذر انّه اذا بلغ ما يملكه بالفعل مجتمعا الى حدّ كذا فلا يشمل التدريجي. و إن كان قد نذر بنحو التعليق بمعنى انّه اذا ملك تدريجا ما لو بقى المتدرج كان كلّه كذا، كان نذره منعقدا، ثمّ انّه لو شك في وجوب الزكاة في المقام فالأصل البراءة» «2».

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 70.

(2)- كتاب الزكاة، لآية اللّه الميلاني 2/ 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 81

..........

______________________________

أقول: بعد غلبة اختلاف الزروع و الثمار في الادراك و الايناع بحسب الزمان اذا قيل:

ما انبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ

خمسة أوساق ففيه العشر لا يتبادر الى الذهن إلّا كون مجموع محصوله و استفادته في هذه السنة بهذا المقدار و ان اينع تدريجا و أكل أو بيع. و لو قيل لأحد الى كم بلغ ثمرة بستانك في هذه السنة يحسب المجموع من أوّل وقت الايناع و الادراك الى آخر ما حصل له في هذه السنة و ان لم يجتمع الجميع في آن واحد.

فهذا أمر عرفي يعرفه كلّ من راود الزرّاع في محاسباتهم. و على هذا الأساس أيضا محاسبة سهم الملّاك في المزارعة و المساقاة و سهم الشريك في الشركة و الضرائب المقررة من قبل الحكومات العرفية. فالتعبير بالبلوغ رائج في هذه المقامات و ان تدرجت الثمرة في الادراك و الصرف فلم تجتمع في آن واحد.

و لزوم الاجتماع في باب الانعام و النقدين انّما هو لاشتراط الحول فيها، بخلاف باب الغلات. و لزومه في باب الكرّ بالقرينة الواضحة، حيث انّ العاصمية من آثار الماء المجتمع، فلا يقاس عليه المقام. كيف؟ و لو اشترط الاجتماع صحّ ما ذكره في المصباح أخيرا من لزوم عدم ضمّ ما أدرك أخيرا الى ما سبقه مع عدم بقائه و ان بلغ السابق النصاب، و الالتزام بذلك مشكل.

فالأقوى عدم لزوم الاجتماع في زمان واحد، كما أفتى به في المصباح.

و العجب من المصنّف و من المحشّين حيث لم يتعرّضوا لهذا الفرع مع كثرة الابتلاء به.

نعم، تعرّض له الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي حيث علّق على قول المصنّف:

«ينتظر به حتى يدرك الآخر»، فقال: «ان احتمل عدم بلوغ المجموع حد النصاب بعد الادراك، و الإجازة، بل وجب اخراج زكاة ما ادرك منها و بلغ وقت الأداء». و ان اشكل الالتزام بما أفتى به أيضا.

و حاصل

الكلام هنا ان المحتملات في قول المصنّف: «ينتظر به»، و قول المحقّق:

«تربّصنا في وجوب الزكاة» ثلاثة:

الأول: انّ الحكم بالوجوب يتوقّف على بقاء ما أدرك أولا الى أن يحصل النصاب مجتمعا بالفعل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

الثاني: انّ الحكم بالوجوب يتوقّف على أن يدرك المكمّل للنصاب خارجا و ان لم يبق السابق. فلا يلزم الاجتماع، و لكنّ الوجوب لا يتحقّق ما لم يدرك المكمل خارجا، فاذا أدرك يزكّى السابق أيضا و ان لم يبق.

الثالث: انّ وجوب التربّص يكون طريقيا. فاذا علم بلوغ النصاب في ظرفه تحقّق الوجوب من أوّل الأمر، فيكون اشتراط النصاب بنحو الشرط المتأخر. و هذا هو الّذي اختاره الاستاذ- طاب ثراه- و لعلّه خلاف الظاهر، فالالتزام به مشكل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 83

فروع

[مسألة 25]: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على انّه فرضه (1)، و إن كان بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من

______________________________

(1) كأنّ المصنّف في هذه المسألة تعرّض لمسألتين:

الاولى: هل يجزي اعطاء الثمرة الرطبة عن اليابسة و بالعكس أم لا؟

الثانية: هل الواجب اعطاء الفريضة من النصاب أو يجوز اعطاء مثلها من الخارج أيضا بعنوان الأصل لا بعنوان القيمة.

و كيف كان فليست المسألة من المسائل الأصلية المتلقاة، و لم تذكر في الكتب الموضوعة لنقل هذا القبيل من المسائل، بل من المسائل التفريعية المستنبطة.

قال الشيخ في المبسوط: «متى أخذ الساعي الرطب قبل أن يصير تمرا وجب عليه ردّه على صاحبه، فان هلك كان عليه قيمته. فاذا ردّه أو قيمته أخذ الزكاة في وقتها. فان لم يردّه و شمّس عنده فصار تمرا نظر، فان كان بقدر حقّه فقد استوفاه، و ان كان دونه

وفّى، و إن كان فوقه وجب عليه ردّه» «1».

و في الشرائع: «الرابعة: لا يجزي أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبيب.

و لو أخذه الساعي و جفّ ثمّ نقص رجع بالنقصان» «2».

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 217.

(2)- الشرائع 1/ 155.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

و في القواعد: «و لا يجزي أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبيب. و لو أخذه الساعي رجع بما نقص عند الجفاف» «1».

أقول: لا تخلو هذه الكلمات و لا سيّما كلام المبسوط من الاشكال، اذ يظهر منها عدم صحّة ما أخذه الساعي أوّلا و عدم وقوعه زكاة، فلا يجوز للساعى حسابه زكاة بعد الجفاف، لبقائه على ملك مالكه، و الزكاة أمر عبادي يتقوّم بالقصد، فيجب تجديد النيّة.

اللهم إلّا أن يقال ان مرادهم اجزاء الرطب أيضا، و لكن لا بحساب الرطبية، بل بحساب التمرية، فيجزي ما جفّ منه و يجبر النقص. و لكن ظاهر عبارة المبسوط يأبى هذا التوجيه.

هذا.

و في المنتهى: «لو دفع المالك الرطب عن التمر لم يجزه و لو كان عند الجفاف بقدر الواجب إلّا بالقيمة السوقية، لأنّه غير الواجب. و عندي فيه اشكال من حيث تسمية الرطب تمرا لغة، فاذا أخرج ما لو جفّ كان بقدر الواجب فالأقرب الإجزاء» «2».

و يرد عليه أوّلا: منع صدق التمر على الرطب حقيقة. و ثانيا: انّه لو سلّم هذا لزم منه الاجتزاء به و ان لم يبلغ مقدار الفريضة مع الجفاف، كما لا يخفى.

و اذا عرفت هذا فنقول: المشهور بين من عنون المسألة عدم اجزاء الثمرة الرطبة عن اليابسة، و بالعكس، اذا كان بنيّة الأصل و الاجزاء بعنوان القيمة.

و لا يخفى انّه ان بنى على كون زمان التعلّق التسمية تمرا أو

زبيبا فلا مجال لتوهّم الاجزاء، لانتفاء الاسم في العنب و الرطب؛ و ان بنى على كون زمان التعلّق بدوّ الصلاح و وجوب الزكاة في الرطب و العنب فان كان النصاب من الرطب مثلا اجزأ الرطب عنه اذا كان من النصاب، و لكن بحساب الجفاف و التمرية، كما يجزي الرطب و التمر معا عن النصاب الملتئم منهما بحسب النسبة. و أمّا اجزاء الرطب عن التمر و بالعكس فيبتنى على كون تعلّق الزكاة بنحو الاشاعة، أو الكلّي في المعين، أو بنحو الحقّ.

______________________________

(1)- القواعد/ 55.

(2)- المنتهى 1/ 502.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 85

التمر. و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به.

نعم، يجوز دفعه على وجه القيمة. و كذا اذا كان عنده زبيب لا يجزي عنه دفع العنب إلّا على وجه القيمة. و كذا العكس فيهما.

نعم، لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة. و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة.

و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر و الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة اولا؟ لا يبعد الجواز، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضا، لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده.

و كذا الحال في الحنطة و الشعير اذا أراد أن يعطى من حنطة اخرى أو شعير آخر (1).

______________________________

فعلى الأوّل، لا يجزى أحدهما عن الآخر و لا عن المختلط منهما، بل يجب الأداء من العين و ان كانت مختلطة فبالنسبة. اللهم إلّا أن يكون بعنوان القيمة.

و على الثاني، يجزي من العين مطلقا و لا يجب رعاية الخصوصيات، فيجزى في المختلط من الصنفين من أيّهما أراد، و لكن يحسب مقداره بعد الجفاف و التمرية أو الزبيبية في النصاب و الفريضة

معا، لما مرّ من انّ الرطب و العنب و ان قيل بتعلّق الزكاة بهما و لكن بحساب التمرية و الزبيبيّة.

و على الثالث، يكون الثابت في ذمّته الكلّي المنطبق على العين و غيرها، غاية الأمر كون العين بمنزلة الرهن له، فيجوز الدفع من غير العين أيضا بنيّة الأصل.

و البحث عن كيفية التعلّق يأتي في المسألة 31 إن شاء اللّه- تعالى-.

(1) هذه هي المسألة الثانية و هو انّه هل يجب كون الفريضة من عين النصاب أو يكفي دفعها من المماثل له؟ و الملاك فيها ما ذكرناه في المسألة الاولى. فان كان التعلّق بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعين تعين الدفع من العين، و ان كان بنحو الحقّ اجزأ المماثل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 86

[اذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة]

[مسألة 26]: اذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الربا بل هو من باب الوفاء (1).

______________________________

قال في التذكرة: «و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصته، لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد و عن الفقراء بأخذ الرديّ. و هو قول عامة أهل العلم. و قال مالك و الشافعي: اذا تعدّد الأنواع أخذ من الوسط. و الاولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء» «1».

و العجب من المصنّف، فانّه مع اختياره كون التعلّق بنحو الكلّي في المعين- كما يأتي- و مع تصريحه هنا بكون الوجوب متعلّقا بما عنده كيف لم يستبعد الجواز؟ نعم، في باب الانعام الثلاثة- حيث انّ الفريضة قد لا تكون من جنس النصاب، كما في قوله: «في خمس من الابل شاة»، و قد تكون أخصّ منه، كما في قوله: «في ست و عشرين من الابل بنت مخاض»، حيث انّ الابل قد لا

تكون بنت مخاض، و كما في قوله: «في أربعين شاة شاة»، حيث انّ الفريضة يجب أن تكون ثنيّة أو جذعة و النصاب أعمّ- فلا محالة لا تكون الفريضة مقيدة بكونها من عين النصاب. و على القول بالاشاعة يجب أن نلتزم بان الشارع قدّر بنفسه الحصّة المشاعة بما جعله فريضة.

و امّا في المقام فلا الزام بهذا الالتزام. فالأحوط، بل الأقوى دفع المماثل بعنوان القيمة لا بنيّة الأصل، فتدبر.

(1) في الجواهر: «و لا ربا في متحد الجنس بعد ان لم يكن ذلك من المعاوضة، بل هو من قبيل امتثال التكليف. و لذا لم يعتبر التراضي في دفع القيمة» «2».

أقول: الظاهر صحة ذلك، إذ الربا انّما يجري في القرض أو المعاوضة. و المعطى للقيمة في زكاة المال أو الفطرة لا يقصد المعاوضة، بل يقصد الزكاة و ينوى القربة بنفس اعطاء القيمة. فالقيمة بنفسها زكاة، لا انّها عوض عن الزكاة. فكأنّ الواجب اعطاء مالية

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 221.

(2)- الجواهر 15/ 246.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 87

..........

______________________________

الشي ء المتحقق باعطاء نفسه أو قيمته. نعم، لو ثبت بالدليل انّ الواجب أوّلا هو العين و انّ القيمة من باب المعاوضة فاجازة الشارع الذي هو وليّ مصارف الزكاة كافية، و لا يحتاج الى التراضي بعد اجازته. و لكن المستفاد من الدليل كون القيمة بنفسها زكاة. و لذا يشترط في أدائها القربة، كما في العين.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 88

هل تسقط الزكاة بموت المالك أم لا؟

[لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب]

[مسألة 27]: لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب (1).

امّا لو مات قبله و انتقل الى الوارث فان بلغ نصيب كل منهم النصاب وجب على كلّ زكاة نصيبه، و ان بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على

من بلغ نصيبه، و ان لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم (2).

______________________________

(1) في المعتبر: «السادس: لا تسقط الزكاة بموت المالك. و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: تسقط و لا تجب إلّا أن يوصى بها، لأنّها عبادة فتسقط بالموت كالصلاة و الصوم.

لنا ان الزكاة حقّ للآدمي فلا تسقط بالموت كالدين، و لأنّه دين للّه فيجب قضاؤه، لقوله «ع»: دين اللّه أحقّ أن يقضى» «1».

و الظاهر وضوح المسألة، كما ذكره المحقّق لأنّ الزكاة ليست عبادة محضة، بل هي حقّ مالي شرّعها اللّه لسدّ خلات المسلمين. و لعلّ ذلك يستفاد من خلال الأخبار المختلفة أيضا فتتبع.

(2) لما مرّ في المسألة الثالثة من زكاة الانعام من عدم الاعتبار بالخلطة عندنا، خلافا لأكثر فقهاء السنة، فراجع.

______________________________

(1)- المعتبر/ 271.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 89

[لو مات الزارع و كان عليه دين]
[صور المسألة]

[مسألة 28]: لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين فامّا أن يكون الدين مستغرقا أو لا. ثمّ امّا أن يكون الموت بعد تعلّق الوجوب أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا (1).

______________________________

نعم، يبقى هنا اشكال أشرنا اليه في أوائل زكاة الغلات و هو ان التفصيل بين ما سقي سيحا و ما سقى بالدلاء لعلّه يستفاد منه انّ المخاطب بالزكاة هنا المتصدّون للزرع و سقى الأشجار. و من انتقل اليه الزرع أو الثمرة قبل وقت التعلّق لا يتفاوت بحاله كيفية سقيها، بل لعلّها لا تحتاج الى السقي بعد الانتقال اصلا. فحال الزراعة هنا حال الأنعام المشتراة في الشهر الحادي عشر، حيث لا زكاة فيها لا على البائع و لا على المشتري، فتدبر.

هل يكون مقدار الدين أو الوصية باقيا على ملك الميت اولا؟

(1) شقوق المسألة كما ترى ستة. و قبل تحقيقها ينبغي بيان مسألة اخرى مناسبة للمقام. و هي انّ مقدار الدّين أو الوصية من تركة الميّت هل يكون باقيا على ملك الميّت أو ينتقل الى الورثة و يكون بمنزلة الرهن للدين و الوصيّة، أو ليس ملكا له و لا لهم، بل هو موقوف بلا مالك الى أن يصرف فيهما. و قد تعرض للمسألة صاحب الجواهر في كتاب الحجر «1».

و محصّل ما ذكره في طرح المسألة و بيان الأقوال فيها: «ان الإجماع بقسميه على تعلّق الدّيون بالتركة في الجملة و على عدم انتقالها الى الديّان. كما انّ الاجماع بقسميه أيضا على انتقالها الى الوارث مع عدم الدّين و الوصيّة، بل حكاه بعضهم أيضا على انتقال الفاضل عن الدين و الثلث الموصى به إليهم. إنّما الكلام في انتقال المقابل لهما. فخيرة الحلّي و المحقّق و العلّامة في الارشاد و

الشهيد و محكى المقنع و النهاية و المبسوط و الخلاف و جماعة اخرى البقاء على ملك الميّت، و في المسالك و المفاتيح نسبته الى الأكثر.

و في وصايا السرائر: «اذا كان على الميّت دين يحيط بالتركة فانّها بلا خلاف بيننا لا تدخل في ملك الغرماء و لا ملك الورثة، و الميّت قد انقطع ملكه و زال، فينبغي أن تكون

______________________________

(1)- الجواهر 26/ 84.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 90

..........

______________________________

موقوفة على انقضاء الدّين».

خلافا لقواعد الفاضل و جامع المقاصد و التحرير و التذكرة و جماعة اخرى، فاختاروا الانتقال الى الورثة، بل ربّما استظهر من بعضهم انّه المشهور. و من التذكرة الاجماع عليه حيث قال: «الحق عندنا انّ التركة تنتقل الى الوارث، لمعلومية عدم بقاء المال بلا مالك، كمعلومية عدم كونه في المقام للغرماء للإجماع بقسميه و غيره، بل و الميت، ضرورة كون الملك صفة وجودية لا تقوّم بالمعدوم، كالمملوكية. و لذا لم يدخل في ملكه جديدا، اذ لا فرق بين الابتداء و الاستدامة. و قضاء الدّين من ديته و مما يقع في شبكته بعد موته أعمّ من ملكيّته لذلك. فتعين كونه للوارث، و لأنّها لو لم تنتقل اليهم لما شارك ابن الابن مثلا عمّه لو مات أبوه بعد جده و حصل الابراء من الدّين، و التالي باطل اجماعا، و لأنّ الحالف مع الشاهد انّما هو الوارث المخاصم في مال الميت، فلولا الانتقال لساوى الغريم في عدم الثبات ما الغير بيمينه؛ و تعلّق الحقّ لو سلّم لا يسوغ ذلك، و لأنّه لا خلاف في انّ الورثة احقّ باعيان التركة من غيرهم، بل الاجماع بقسميه عليه. و من هنا حكى عن بعضهم انّ النزاع في القيمة، لا في نفس الأعيان».

انتهى

كلام التذكرة. و به انتهى ما حكيناه عن الجواهر ملخصا.

أقول: فالأقوال في المسألة على ما حكاه ثلاثة. و ما حكاه من الاجماع على انتقال الفاضل عن مقدار الدّين و الوصية يأتي ما فيه، اذ الظاهر من البعض عدم انتقال الفاضل عنهما أيضا ما لم يؤدّيا.

و ما في التذكرة من عدّ الميت معدوما فيه أولا، عدم كونه معدوما عندنا.

و ثانيا، الملكيّة أمر اعتباريّ يمكن ان تعتبر حتّى للجمادات أيضا كالمسجد و الحسينيّة و نحوهما. فلا اشكال في اعتبارها للموجود اعتبارا أيضا.

و في قوله بعدم حصول الملك للميت جديدا نحو مصادرة، فانّ الدية و كذا الصيد الواقع في شبكته بعد موته تصيران ملكا له. و لذا تقضى منهما ديونه و تنفذ منهما وصاياه. و القول بتعين صرفهما فيهما مع كونهما للوارث خلاف الأصل و الظاهر. و نحو ذلك دية الجنايات الواقعة على جنازة الميت، حيث انّها ليست لورثته، بل يحجّ بها عنه أو يتصدّق بها أو تصرف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 91

..........

______________________________

في سبل الخير، كما في الحديث.

و مشاركة ابن الابن عمّه، و كذا سائر الشواهد المذكورة يأتي توجيهها حتى مع القول بعدم الانتقال الى الوارث.

و كيف كان فالأقوى في النظر عاجلا البقاء على ملك الميّت. و يشهد لذلك أمور:

الأول: ما ورد في آيات الارث من كونه بعد الدين و الوصيّة. و الاستدلال به يتوقّف على بيان المحتملات فيه. و لعلّها خمسة:

الأول: ان يراد به مقدار الدّين و الوصيّة حين الموت. و لازمه انتقال البقيّة الى الوارث من حينه. و مقتضاه انّه لو تلف بعض التركة قبل أدائهما لا عن تفريط يقع النقص عليهما و على الورثة بالنسبة. و الالتزام بذلك بعيد، بل نقطع بفساده.

الثاني: ان

يراد به بعد أدائهما خارجا، بعدية زمانية. و لازمه انّه لو أوصى بدرهم أو كان مديونا بدرهم و لم يؤدّ بقى المال و ان كان آلاف آلاف درهم في ملك الميّت أو بلا مالك الى الأبد، و ان لا يتعلّق به الزكاة و الخمس أيضا، لعدم تعلّقهما بمال الميّت، كما تعرّض لذلك في مفتاح الكرامة، فانّه بعد ما حكى عن التحرير و المنتهى و الموجز و كذا الشرائع عدم الزكاة على الوارث و لو فضل النصاب عن الدين قال: «قلت: و على هذا لو مات المالك و عليه درهم واحد و خلّف نخيلا فظهرت ثمرتها ألف وسق لم يكن فيها زكاة، قضى الدين أولا. و لو لم يقض الدين أبدا لم يكن في نخيله زكاة أبدا، لأنّها على حكم مال الميّت. و هذا لا أظنّ أحدا يقول به» «1».

الثالث: أن يراد به بعد ما هو مصرفهما من التركة في نفس الأمر، أي ما يجب صرفه فيهما خارجا، بعديّة رتبيّة، لا زمانية. فلو فرض الابراء من الدين أو اداء الغير له انتقل مقداره الى الورثة. و لو تلف بعض التركة لم يرد النقص على الدين و الوصيّة، بل على الوارث. فالمراد من الآية كون الارث متأخرا بحسب الرتبة عمّا يجب ان يصرف من التركة خارجا في الدين و الوصيّة بنحو الشرط المتأخّر، فما زاد عليهما ينتقل من أول الأمر الى الورثة.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 92

..........

______________________________

و الحاصل انّ المراد ليس هو الترتيب الزماني، بل الترتيب بمعنى الترجيح و الأهميّة.

و لا محالة يختص بصورة التزاحم، فينتقل الزائد عن الدين و الوصية الى الوارث قهرا، لعدم التزاحم فيه. فتأمّل حتى

تميّز البعدية الرتبيّة عن البعدية الزمانية و لا تخلط بينهما.

الرابع: ان يراد به كما في الجواهر تعيين مخرج السهام فقط، دفعا لتخيّل كون الثلث أو الربع مثلا من أصل المال، كما هو ظاهر قوله مثلا: «و لهنّ الربع ممّا تركتم» «1»، حيث أضيف الربع الى جميع التركة. فعلى هذا لا تعرض في الآية لمالك ما يقابل الدين أو الوصيّة، و انّه الميّت أو الوارث. فنحكم بكونه للوارث، بمقتضى عموم قوله: «من ترك مالا فلورثته» «2».

أقول: يرد عليه- مضافا الى كونه خلاف الظاهر، اذ الظاهر من الآية عدم كون مقدار الدين و الوصيّة ميراثا- انّ كونه ميراثا إن كان بنحو التسهيم الجاري في الزائد عليهما فليس مخرج الكسور المقدار الزائد، بل جميع المال. و ان كان بنحو التساوي بين الوراث فهو ممّا لا يظنّ التزام أحد به، حتى صاحب الجواهر نفسه.

الخامس: ان يراد به تعليق جواز التصرّف و استقرار الملك، لا أصل الملكية. و بعبارة اخرى: الملك المجدي للوارث هو المقدار الزائد على الدين و الوصيّة، فلا ينافي ثبوت أصل الملكية في الجميع.

و يرد عليه انّ الظاهر من الآية، و كذا الاخبار الآتية تعليق أصل الملكية و تأخّرها، لا استقرارها.

اذا عرفت هذا فنقول: قد ظهر لك من بيان المحتملات الخمسة و لوازمها كون الأصحّ هو الثالث منها، أعني الترتيب بحسب الأهميّة فتتأخّر الميراث عن الدين و الوصيّة رتبة، لا زمانا.

فلا توارث في مقدارهما الذي يصرف أو يجب أن يصرف فيهما خارجا من التركة، و ينتقل الزائد عليهما الى الورثة من اوّل الأمر. و النقص الوارد على التركة يقع قهرا على الميراث. كما

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 15.

(2)- الوسائل، ج 13، الباب 3 من أبواب أحكام الضمان،

الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 93

..........

______________________________

انّ الزيادة و الفضل أيضا يقع للوارث و ينكشف المقدار المنتقل اليهم بعد تحقق وفاء الدين و الوصيّة خارجا، فتدبّر.

الثاني: الأخبار المساوقة لمضمون الآية كرواية السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

اوّل شي ء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدّين، ثمّ الوصيّة، ثمّ الميراث.

و صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع» قال: قال أمير المؤمنين «ع»: انّ الدين قبل الوصيّة، ثمّ الوصيّة على أثر الدين، ثمّ الميراث بعد الوصيّة، فانّ أولى القضاء كتاب اللّه «1».

و رواية عباد بن صهيب أو موثقته، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل فرّط في اخراج زكاته في حياته، فلمّا حضرته الوفاة حسب جميع ما فرّط فيه ممّا لزمه من الزكاة، ثمّ أوصى ان يخرج ذلك، فيدفع الى من يجب له. قال: فقال: جائز، يخرج ذلك من جميع المال. انّما هو بمنزلة الدين لو كان عليه ليس للورثة شي ء حتّى يؤدّى ما أوصى به من الزكاة ... «2».

و صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قضى عليّ «ع» في دية المقتول انّه يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم اذا لم يكن على المقتول دين ... «3». الى غير ذلك من الروايات. و الكلام فيها الكلام في الآية حرفا بحرف.

الثالث: السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء الدين، و هي مستلزمة لبقائها على حكم مال الميّت.

و يؤيّدها قضاء الدين و انفاذ الوصايا من ديته، كما تدلّ عليه الأخبار «4» و كذا ممّا يقع في شبكته بعد موته، بل و كذا صرف دية الجناية الواردة على جنازته في الحجّ و الخيرات له، كما في الحديث «5»، اذ يستفاد من

جميع ذلك قابلية الميّت للمالكية الجديدة. و بقاء الملكيّة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 28 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1 و 2.

(2)- الوسائل، ج 13، الباب 4 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 13، الباب 31 من أبواب أحكام الوصايا.

(5)- الوسائل، ج 19، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 94

..........

______________________________

السابقة أخفّ مئونة من ذلك، بل لا بدّ من التزام ذلك في الوصيّة بالثلث للعبادات و نحوها.

و شاع بين الموصين التعبير بان ثلث مالي لنفسي و في خبر أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يموت ماله من ماله؟ فقال: له ثلث ماله، و للمرأة أيضا «1».

و يبعد جدّا في هذه الموارد التزام كون المال للورثة و تعيّن صرفه في تلك المصارف.

فالأقوى كما عرفت بقاء مقدار الدين و الوصيّة على حكم مال الميّت. و عموم قوله: «من ترك مالا فلورثته»، يخصّص بظاهر الآية و الروايات و السيرة المذكورة. و لو نوقش في السيرة بمنعها أو منع حجيتها لعدم احراز استمرارها الى عصر المعصومين- عليهم السلام- كفت الآية و الروايات.

و استدلّ القائل بانتقال مقدارهما أيضا الى الورثة بعموم هذا الحديث.

و بأنّ الورثة أحقّ بأعيان التركة من غيرهم بالإجماع بقسميه، كما مرّ من التذكرة.

و بأنّه لو وقعت المخاصمة في مال الميت فالحالف مع الشاهد هو الوارث المخاصم.

فلولا انتقاله اليه لم يكن فرق بينه و بين مخاصمه الأجنبي.

و بأنّه لو لم ينتقل الى الورثة لما شارك ابن الابن عمّه لو مات أبوه بعد جدّه ثمّ حصل الابراء من الدين.

و بأنّ الملكية صفة وجوديّة، فلا تقوم بالمعدوم، أعني

الميت. و لا يبقى المال بلا مالك و ثبت الاجماع بقسميه على عدم انتقاله الى الغرماء، فتعين انتقاله الى الورثة.

أقول: يرد على ما ذكر ان عموم الحديث قد خصّص، كما عرفت. و الأحقيّة أعمّ من ملكية الرقبة. و مرجعها الى كون الباقي على ملك الميّت بنحو الكلّي في المعيّن، فتكون التعيّنات و التشخّصات للورثة. نظير بيع الصاع من الصبرة، أو جعل مقدار عشرين دينارا من ماله لزيد بالعهد و اليمين و نحوهما من دون اعتبار شي ء من المشخّصات.

و تكفي الأحقيّة في جواز المخاصمة و الحلف أيضا و لا نسلّم عدم جواز الحلف في جميع الحقوق.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 10 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 95

..........

______________________________

و مشاركة ابن الابن عمّه إمّا لثبوت الحق من أوّل الأمر حين موت الجدّ، أو لما مرّ منّا من انّ المقدار الذي لا يجب أن يصرف واقعا و خارجا في الدين ينتقل من اوّل الأمر الى الورثة. فبالإبراء انكشف انتقال المال بعد فوت الجد بلا فصل الى ابنيه.

و الميّت ليس معدوما عندنا، مضافا الى كون الملكيّة صفة اعتبارية، و يكفي للوصف الاعتباري الموصوف الاعتباري.

ثمّ انّ القائل بانتقال المال الى الورثة يلتزم بتعلّق حقّ الوصيّة و الغرماء به.

و هل يكون تعلّق حقّ الغرماء من قبيل حقّ الرهانة و يكون مانعا من التصرفات، أو من قبيل حقّ الجناية الثابت في العبد الجاني لورثة المقتول الملازم له و ان انتقل الى الغير، أو يكون قسما ثالثا و نتبع في جواز التصرّف و عدمه ما اقتضته الأدلّة؟ وجوه. و لعلّ الأظهر هو الثالث.

و يستفاد من بعض الأخبار عدم جواز التصرّف اذا استوعب الدين، و جوازه اذا لم يستوعب.

ففي صحيحة البزنطي باسناده انّه سأل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و ان لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال.

و في خبر عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن- عليه السلام- مثله، إلّا انّه قال: ان كان يستيقن انّ الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق، و ان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1». و البزنطي من أصحاب الاجماع، و يبعد جدا روايته عن غير الامام- عليه السلام- فلا بأس بالأخذ بالخبرين. و لعلّ المستفاد منهما كون الانفاق بنحو لا يضر بالدين.

و يستفاد منهما انتقال الزائد على الدين الى الورثة و جواز التصرف فيه أيضا بنحو لا يزاحم الدين. فلعلّ الباقي على ملك الميّت- كما أشرنا اليه- يكون بنحو الكلّي في المعين كالصاع المبيع من الصبرة، لا بنحو الاشاعة. و لو فرض الاشاعة فللشارع الوليّ على الجميع اجازة التصرّف تسهيلا فيما يبتلى به أكثر الناس.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 29 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 96

لو مات مالك النصاب و عليه دين

______________________________

اذا عرفت هذه المسألة بنحو الاجمال فلنعد الى مسألتنا في باب الزكاة. و قد رأيت ان شقوقها كما في المتن ستة، اذ التعلّق امّا قبل الموت أو بعده، و على الثاني فامّا ان يكون ظهور الثمر أيضا بعد الموت أو يكون قبله، و على الشقوق الثلاثة فامّا ان يكون الدين مستوعبا أم لا.

قال في الخلاف (المسألة 81): «اذا كان له نخيل و عليه بقيمتها دين ثمّ مات قبل قضاء الدين لم ينتقل النخيل الى الورثة، بل تكون

باقية على حكم ملكه حتى يقضى دينه.

و متى بدا صلاح الثمرة في حياته فقد وجب في هذه الثمرة حقّ الزكاة و حقّ الديّان. و ان بدا صلاحها بعد موته لا يتعلّق به حقّ الزكاة، لان الوجوب قد سقط عن الميّت بموته و لم يحصل بعد للورثة فتجب فيه الزكاة عليهم. و به قال أبو سعيد الاصطخري من أصحاب الشافعي.

و قال الباقون من أصحابه: انّ النخيل تنتقل الى ملك الورثة و يتعلّق الدين بها كما يتعلّق بالرهن. و قالوا ان بدا صلاحها قبل موته فقد تعلّق به حقّ الدين و الزكاة. و ان بدا صلاحها بعد موته كانت الثمرة للورثة و وجب عليهم فيه الزكاة و لا يتعلّق به الدين» «1».

ثم استدلّ الشيخ لما ذكره من بقاء التركة على ملك الميّت بالآية الدّالة على كون الفرائض بعد الدين و الوصيّة.

و في المبسوط: «اذا كان له نخيل و عليه دين بقيمتها و مات لم ينتقل النخيل الى الورثة حتى يقضى الدين. فاذا ثبت ذلك فان اطلعت بعد وفاته أو قبل وفاته كانت الثمرة مع النخيل، يتعلّق بها الدين، فاذا قضى الدين و فضل شي ء كان للورثة. فاذا بلغت الثمرة النصاب الذي تجب فيه الزكاة لم تجب فيها الزكاة، لأنّ مالكها ليس بحيّ و لم يحصل بعد للورثة و لا تجب في هذا المال الزكاة. و متى بدا صلاح الثمرة قبل موت صاحبه وجب فيه الزكاة و لم تسقط الزكاة بحصول الدين، لأنّ الدين في الذمة، و الزكاة تستحق في الأعيان

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 299.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 97

..........

______________________________

و يجتمع الدين و الزكاة في هذه الثمرة و يخرجان معا و ليس أحدهما بالتقديم أولى من صاحبه.

فان

لم يسع المال الزكاة و الدين كان بحساب ذلك» «1».

أقول: قوله: «فان اطلعت بعد وفاته أو قبل وفاته»، أراد به عدم الفرق بين كون ظهور الثمر قبل وفاته أو بعد وفاته. و هو صحيح على مبناه من بقاء الملك على حكم مال الميت.

و امّا على ما اختاره بعض الشافعية و بعض منّا من انتقاله الى الورثة فبينهما نحو فرق، اذ لو ظهر الثمر قبل وفاته صار تابعا لأصله في تعلّق حقّ الغرماء به، و امّا لو ظهر بعده فيمكن القول بكونه ملكا طلقا للوارث من دون تعلّق حقّ الغرماء به، كما حكاه في الخلاف عن الشافعية.

و في قوله: «فاذا قضى الدين و فضل شي ء» مع كون مفروضه الدين المستوعب يمكن ان يكون الفضل لظهور الثمر، أو لترقّي قيمة النخيل، أو لأداء الدين أو بعضه من الخارج.

و يظهر من كلامه و غيره تسلّم عدم تعلّق الزكاة بمال الميّت. و لا يخفى ان أدلّتها و ان انصرفت عنه و لكن لأحد أن يقول ان الزكاة ضريبة اسلامية، و الضرائب انّما تتعلّق عادة بكلّ ما يستفيد من امكانات الحكومة و خدماتها، كما هو المعمول في الضرائب الدارجة في الدول، و لا ريب ان املاك الموتى و بساتينهم أيضا تستفيد منها، كما لا يخفى.

و قوله: «انّ الدين في الذمّة، و الزكاة تستحق في الأعيان»، أمر صحيح و هو العمدة في تقديم الزكاة على الدين مع التزاحم و عدم سعة المال، سواء كان التعلق بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعيّن أو الحق. امّا على الأوّلين، فواضح، لأنّ حق الغرماء انّما يتعلّق بمال الميّت لا بمال الفقراء. و امّا على الثالث، فلأنّ حقّ الزكاة يتعلّق بالمال في حياة المالك، و حقّ

الغرماء يتعلّق بالمال بعد موته، فلا يمكن ان يزاحم الحقّ الثابت من قبله. نعم، لو تلف المال بالتفريط في حياة المالك فانتقلت الزكاة الى ذمّته، أو قلنا بان الزكاة لا تتعلق بالعين أصلا بل بالذّمّة فقط ثبت التحاصّ بالنسبة بين الزكاة و سائر الديون.

و بما ذكرنا يظهر الاشكال فيما ذكره أخيرا من قوله: «كان بحساب ذلك»، ان أراد به

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 218.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 98

..........

______________________________

التحاصّ بالنسبة. نعم، يحتمل بعيدا ان يريد به ما ذكره قبله من عدم سقوط الزكاة بحصول الدين مع ما علّله به، فتدبّر.

و كيف كان فمفروض المسألة في الخلاف و المبسوط الدين المستوعب، و كذا في المعتبر، حيث قال: «الخامس: لو مات و عليه دين و له نخيل بقيمته فهي باقية على حكم مال الميت ...» «1».

و في التذكرة «لو مات و معه نخيل و عليه دين مستوعب ...» «2». و كذا في القواعد.

و لكن في الشرائع: «الخامسة: اذا مات المالك و عليه دين فظهرت الثمرة و بلغت نصابا لم يجب على الوارث زكاتها. و لو قضى الدين و فضل منها النصاب لم تجب الزكاة، لأنّها على حكم مال الميت. و لو صارت تمرا و المالك حيّ ثمّ مات وجبت الزكاة و لو كان دينه يستغرق تركته. و لو ضاقت التركة عن الدين قيل يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة و الديان. و قيل: تقدم الزكاة لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدين بها. و هو الأقوى» «3».

و نحو ذلك في المنتهى أيضا. فأطلق الدين فيهما بحيث يشمل غير المستوعب أيضا.

و كذلك عن التحرير و الموجز، كما في مفتاح الكرامة معقبا ذلك بقوله: «قلت: و على هذا لو مات المالك و

عليه درهم واحد و خلف نخيلا فظهرت ثمرتها ألف وسق لم يكن فيها زكاة، قضى الدين أولا. و لو لم يقض الدين أبدا لم يكن في نخيله زكاة أبدا، لأنّها على حكم مال الميّت. و هذا لا أظنّ أحدا يقول به» «4».

و حيث لا يظنّ بأحد الالتزام بذلك حمل جماعة عبارة الشرائع على ارادة الدين المستوعب و نزّلوا قوله: «و فضل منها النصاب»، على حصول الفضل بزيادة القيمة السوقية.

قال في المدارك: «الظاهر حمله على المستوعب، كما ذكره في المعتبر، لأنّ الدين اذا لم يستوعب التركة ينتقل الى الوارث ما فضل منها عن الدين عند المصنّف، بل و غيره أيضا

______________________________

(1)- المعتبر/ 271.

(2)- التذكرة 1/ 220.

(3)- الشرائع 1/ 155.

(4)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 99

[إن كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب اخراجها]

فان كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب اخراجها، سواء كان الدين مستغرقا أم لا، فلا يجب التحاصّ مع الغرماء (1)، لأنّ الزكاة متعلقة بالعين.

______________________________

ممّن وصل إلينا كلامه من الأصحاب. و على هذا فتجب زكاته على الوارث مع اجتماع شرائط الوجوب، خصوصا ان قلنا انّ الوارث انّما يمنع عن التصرّف فيما قابل الدين من التركة خاصّة، كما اختاره الشارح و جمع من الأصحاب. و قوله: «و لو قضى الدين و فضل منها النصاب لم تجب الزكاة» تنبيه على الفرد الأخفى. و المراد انّه لو اتّفق زيادة قيمة أعيان التركة بحيث قضى منها الدين و فضل للوارث نصاب بعد ان كان الدين محيطا بها وقت بلوغها الحد الذي تتعلّق به الزكاة لم تجب على الوارث، لأنّ التركة كانت وقت تعلّق الوجوب بها على حكم مال الميت، و اذا انتفى وجوب الزكاة مع قضاء الدين و بلوغ

الفاضل النصاب وجب انتفاؤه بدون ذلك بطريق أولى» «1».

و قد عرفت منّا انّ مفاد الآية و الروايات البعدية الرتبيّة و الترجيح و الأهميّة، لا البعديّة الزمانيّة. فيكون الفاضل عن مقدار الدين و الوصية خارجا منتقلا الى الورثة من اوّل الأمر، فتدبّر.

(1) كما نسب الى المشهور. خلافا لما يظهر من ذيل عبارة المبسوط الّتي حكيناها، حيث يظهر منه التحاصّ. و هو في محله لو قيل بتعلّق الزكاة من أوّل الأمر بالذمة و عدم تعلّقه بالعين أصلا، أو فرض تلف العين في حياته بالتفريط فانتقلت الى الذمة، كما مرّ.

و امّا على ما اختاره أصحابنا من تعلّقها بالعين فلا وجه للتحاصّ مع الغرماء، سواء قيل بالاشاعة أو الكلّي في المعيّن أو بنحو حقّ الرهانة و نحوها. امّا على الأولين فواضح، لعدم كون مقدار الزكاة مملوكا للميت حتّى يتعلّق به حقّ الغرماء. و امّا على الثالث فلان تعلّق حقّ الزكاة بالعين في حياته يمنع من تعلّق حقّهم بها بعد وفاته، لقاعدة السلطنة على الحقوق.

______________________________

(1)- المدارك/ 306.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 100

نعم، لو تلفت في حياته بالتفريط (1) و صار في الذمة، وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة و بين الغرماء كسائر الديون.

[إن كان الموت قبل التعلّق و بعد الظهور]

و إن كان الموت قبل التعلّق و بعد الظهور فان كان الورثة قد أدّوا الدّين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب (2) و عدمه. و إن لم يؤدّوا الى وقت التعلّق ففي الوجوب و عدمه اشكال. و الأحوط الاخراج مع الغرامة للديان أو استرضائهم (3).

______________________________

و بالجملة مرجع حقّ الغرماء الى تضييق سلطنة الوارث في غير الوفاء، فاذا كانت قاصرة من قبل تبعا لقصور سلطنة المورّث في حياته لم يبق مورد لحقّ

الغرماء. نظير ما اذا نذر في حياته صرف المال المعين في مورد خاصّ ثمّ مات، حيث انّ حقّ الغرماء لا يتعلّق بمورد النذر.

نعم، لو قيل بكون التعلّق من قبيل حقّ الجناية بنحو لا يمنع من التصرّف و لكنّه يسري مع العين اينما سرت أمكن تعلّق حقّ استيفاء الدّين به، و لكنّ الزكاة لا تسقط، فيجوز استيفاؤها حتّى من الدائن الّذي استوفى حقّه من العين.

و بالجملة على القول بتعلّق الزكاة بالعين بانحائه تكون الزكاة مقدمة على الدين و لا وجه للتحاصّ أصلا.

(1) اذ مع عدم التفريط لا ضمان على المالك و لا تشتغل بها ذمّته.

(2) لانتقال التركة اليهم قبل التعلّق فيلاحظ بلوغ حصّة كلّ واحد منهم النصاب لبطلان الخلطة عندنا.

نعم لو لم يحتج بعد الانتقال الى السقي فالتعلّق لا يخلو من شوب اشكال كما مرّ.

(3) ظاهر المصنّف هنا و فيما بعده اطلاق الحكم لصورة استغراق الدين للتركة و عدمه. و لا يخفى انّه مع الاستغراق لا وجه لتعلّق الزكاة و وجوبها على الوارث، سواء قلنا ببقائها على ملك الميّت، أو اخترنا انتقالها الى الوارث و تعلّق حقّ الغرماء بها. امّا على الأول فواضح، لعدم الملكيّة. و امّا على الثاني فلعدم جواز تصرّف الورثة فيها إلّا باداء جميع قيمتها، كما دلّ عليه صحيحتا البزنطي و عبد الرحمن بن الحجاج السابقتان. و لا تجب الزكاة في مال

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

لا يجوز لمالكه التصرّف فيه إلّا بأداء جميع قيمته، لما مرّ من اشتراط تماميّة الملك و التمكّن من التصرّف في تعلّق الزكاة. و أي نقص في الملكية أعظم من ان لا يجوز لمالكه التصرّف فيه إلّا بأداء قيمته؟ فهذا النحو من الملك يساوق ملك الغير

و يساويه.

و بذلك يظهر الحكم فيما قابل الدين من غير المستغرق أيضا. و امّا فيما فضل عنه فالظاهر تعلّق الزكاة بالنسبة الى من بلغت حصّته النصاب، لما مرّ من انّ الزائد على الدين ينتقل الى الورثة من أوّل الأمر، من غير فرق بين ان نقول بجواز التصرّف فيه، كما اخترناه و دلّت عليه الصحيحتان، أو نقول بعدمه، كما تقتضيه القاعدة على القول بالاشاعة بينهم و بين الميّت.

اذ على القول بالحجر أيضا- حيث انّه يقدر على ازالته بوفاء الدين من التركة أو من مال آخر- تصدق فيه التماميّة بالنسبة الى المقدار الفاضل. فهو ملك طلق يتمكّن الوارث ان يتصرّف فيه بأنواع التصرّفات. فليس مثل هذا الحجر مانعا عن تعلّق الزكاة به و لا عن تنجّز سائر التكاليف الشرعية أو العرفية الثابتة للشخص المليّ كوجوب الحجّ و وفاء الدين و الانفاق على واجب النفقة. و قد صرّح بذلك في مصباح الفقيه، و مرّ منّا أيضا تقوية تعلّق الزكاة بالعين المرهونة التي يمكن فكّها بسهولة، فراجع.

فان قلت: كون ما يفضل عن الدين ملكا طلقا للوارث على اجماله لا يكفي في ايجاب الزكاة عليه اذا كان نصابا و لو على القول بجواز تصرّفه فيه، اذ لو بنينا على انّ الميّت أحقّ بتركته في مقدار الدين من غير فرق بين عين التركة و نمائها كما قوّيناه فما يقابل الدين على اجماله بحكم مال الميّت، و الفاضل عنه و ان انتقل الى الوارث و لكنّه لا يتشخّص ما لم يتميّز حق الميّت بصرفه في دينه، حيث انّ ما يستحقه الميّت من هذا المال أمر كلّي يمكن أن ينطبق على كلّ جزء. فالنّصاب لا يتمحّض للوارث إلّا بوفاء الدين من غيره، اذ

من الممكن صرف النصاب أيضا في الدين. فلا يصير شي ء من النماء و التركة بخصوصه ملكا للوارث إلّا بعد وفاء الدين من غيره. نعم، لو فرض كون النصاب بعينه ممّا يفضل عن الدّين على أيّ تقدير- كما لو كان الدين يسيرا جدّا بحيث لو و في جميعه من النماء أيضا لزاد عليه مقدار النصاب- صحّ القول بتعلّق الزكاة به قبل الوفاء.

قلت: الاجمال و الابهام انّما هو فيما يستحقه الميّت، لا فيما يملكه الوارث. فانّ التركة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 102

..........

______________________________

تنتقل بأجمعها الى الوارث عدا ما يقابل الدين على اجماله، حتّى انّ ولاية التعيين أيضا للوارث. فحال الوارث بالنسبة الى التركة حال من باع صاعا من صبرته، أو جعل لزيد في أمواله الكثيرة بعهد أو يمين ما يعادل عشرين دينارا مثلا من غير اعتبار شي ء من العوارض المشخصة. ففي مثل هذه الموارد تكون التشخصات بأجمعها للناقل و لا يؤثّر ما يستحقّه الغير نقصا في ملكيّته بحيث يمنعه عن التصرّف فيه.

و بالجملة كون الباقي في ملك الميّت بنحو الكلّي في المعين يوجب بقاء التشخّصات في ملك الوارث و جواز تصرّفه في غير مقدار الدين، و لا يوجب نقصا في ملكيته بالنسبة الى الفاضل عن الدين أصلا.

هذه خلاصة ما حقّقه هنا في مصباح الفقيه «1». و بهذا البيان يوجّه جواز تصرّف الوارث في التركة في صورة عدم استيعاب الدين، كما قوّيناه و دلّت عليه الصحيحتان. و كذلك مسألة كون الورثة احقّ بأعيان التركة، كما مرّت من التذكرة، و مسألة كون التلف قبل وفاء التلف واردا على الوارث لا على حقّ الغرماء، كما هو الحقّ المصرّح به في كلماتهم. فهذه الأحكام تصير كلّها على طبق القاعدة.

و لكن

ذكر الأستاذ- مدّ ظلّه- في حاشيته انّ: «مقدار الدين من التركة أصلا و نماء بحكم مال الميّت، بنحو الاشاعة بينه و بين مال الورثة، و لا تجب فيما يقابله، و يحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل و الثمرة، فان زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع و بلغت النصاب تجب عليه الزكاة. و لو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّي منه الدين و عدم كونه بحكم مال الميّت و كان ما له فيما سوى التالف واقعا» «2».

و كأنّه يرى في ما ذكره نحو تهافت، اذ الاشاعة تقتضي كون التلف عليهما، لا على الورثة فقط. كما انّ مقتضاها كون أعيان التركة لهما و عدم جواز التصرّف في غير المستوعب أيضا.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 73.

(2)- العروة الوثقى 2/ 297.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 103

[إن كان الموت قبل الظهور]

و امّا إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة، بناء على انتقال التركة الى الوارث و عدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه (1)، و انّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به.

______________________________

اللهم إلّا ان يقال: انّ الكلّي في المعين، كما يأتي تفصيله لا خارجية له. فالشركة في العين لا تتصور إلّا بنحو الاشاعة. و احقيّة الورثة بأعيان التركة من قبيل الحقّ. و لا مانع من اعتباره من قبل الشرع ارفاقا بهم. كما انّ جواز التصرّف أيضا مجهول لهم تسهيلا. و كون التلف عليهم، لا على الميّت من جهة طولية الملك و ترتيبه، كما أشار اليه و مرّ تحقيقه.

فالأقوى توزيع الدين على الأصل و الثمرة معا، و توقف وجوب الزكاة على بلوغ سهم كلّ واحد من الورثة من فاضل النماء بحد النصاب.

(1)

مرّ انّ الأقوى بقاء مقدار الدين و الوصيّة بحكم مال الميّت، فيتبعه النماء أيضا.

و لعلّ جريان السيرة على صرف النماء أيضا فيهما شاهد على ذلك.

و امّا على القول بانتقال التركة جميعا الى الوارث فالنماء الحادث بعد الموت يصير ملكا طلقا له، و لا دليل على تعلّق حقّ الغرماء به. و مقتضاه انّه لو صار ظهور النماء موجبا لسقوط الأصل عن الماليّة كما في الزرع سقط حقّ الغرماء بالكلية. و الالتزام بذلك مشكل جدّا.

فهذا أيضا يكشف عن بقاء مقدار الدين بحكم مال الميّت و عدم انتقاله الى الوارث. و اللّه العالم بحقيقة الحال.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 104

لو ملك النخل او الزرع قبل تعلق الزكاة

[مسألة 29]: إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها (1) قبل تعلّق الزكاة فالزكاة عليه بعد التعلّق (2) مع اجتماع الشرائط. و كذا اذا انتقل اليه بغير الشراء.

______________________________

(1) و كذا اذا اشترى نفس الثمرة في مورد الجواز، كما اذا اشتراها مع الضميمة، أو اشترى ثمرة سنتين أو أكثر.

قال في الشرائع: «اذا ملك نخلا قبل ان يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه. و كذا لو اشترى الثمرة على الوجه الذي يصحّ. فان ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المالك. و الأولى الاعتبار بكونه تمرا لتعلّق الزكاة بما يسمّى تمرا لا بما يسمّى بسرا» «1».

و في الجواهر بعد الفرع الأوّل قال: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص جميعا متناولة له» «2».

(2) في حاشية الاستاذ- مدّ ظلّه-: «فيما اذا نمت في ملكه فالزكاة عليه على الأقوى، و في غيره على الأحوط» «3».

أقول: قد مرّ في أوائل زكاة الغلات ان المستفاد من التفصيل في الاخبار و الفتاوى بين

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 155.

(2)- الجواهر 15/

252.

(3)- العروة الوثقى 2/ 298.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 105

..........

______________________________

ما سقى سيحا و ما سقى بالدلاء مثلا و ايجاب العشر في الأوّل و نصف العشر في الثاني اعتبار كون الغلة بجميع مراحلها أو عمدة مراحلها من أوّل تكونها الى وقت ايناعها في ملك الانسان. فكما يعتبر الحول في الأنعام و النقدين فكذلك يعتبر في الغلات أيضا هذا الأمر.

و كأنّه نحو حول لها، اذ المشتري للغلّة بعد حصول عمدة نمائها في ملك البائع لا يتفاوت بحاله كونها مسقية سيحا أو بالدلاء، بل لعلّها بعد الشراء لا تحتاج الى السقي أصلا. فيكون وزان الغلة المشتراة في هذه الصورة وزان الأنعام أو النقدين اذا انتقلت الى الغير في أواخر الشهر الحادي عشر مثلا، حيث لا تجب الزكاة حينئذ لا على البائع و لا على المشتري.

و بالجملة فالتفصيل بين نحوي السقي يوجب التشكيك في وجوب الزكاة فيما اذا انتقلت الغلة بالشراء أو الارث أو نحوهما قبل التعلّق و بعد استغنائها عن السقي.

و لعلّ هذا منشأ ترديد الاستاذ- مدّ ظلّه- و ان كان الأشبه التعبير بالاحتياج الى السقي و عدمه، لا بالنمو و عدمه.

و يمكن أن يكون منشأ ترديده أيضا الاتفاق المذكور في المعتبر و المنتهى.

ففي المعتبر: «لا تجب الزكاة في الغلات إلّا اذا نمت في الملك، لا ما يبتاع ثمرا، و لا ما يستوهب و عليه اتفاق العلماء» «1». و نحو ذلك أيضا في المنتهى.

و لكن الظاهر انّ مرادهما اشتراط التملك بالزراعة في قبال ما يتملك بعد التعلّق، فراجع ما حرّرناه في أوائل بحث الغلات «2».

ثمّ انّ مقتضى تعلّق الزكاة بمن انتقل المال اليه قبل التعلّق وجوب الزكاة على الساقي و كذا عامل المزارعة و ان كان البذر

للمالك اذا بلغ نصيبهما النصاب لكون الساقي أو العامل شريكا في الغلة و الثمرة قبل تعلق الزكاة بهما.

قال في آخر المساقاة من المبسوط: «فامّا في المساقاة في الناس من قال انّه كالقراض و أصحّهما عندهم ان الزكاة عليهما و الثمرة اذا ظهرت كان بينهما، و الّذي نقوله: انّ الثمرة

______________________________

(1)- المعتبر/ 269.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 344.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 106

..........

______________________________

الزكاة فيها عليهما اذا بلغ نصيب كلّ واحد منهما نصابا ...» «1».

و لكن في مساقاة الغنية: «فامّا الزكاة فانّها تجب على مالك البذر و النخل، فان كان ذلك لمالك الأرض فالزكاة عليه، لأنّ المستفاد من ملكه نماء أصله و ما يأخذه المزارع أو المساقي كالأجرة عن عمله، و لا خلاف انّ الأجرة لا يجب فيه الزكاة. و كذا ان كان البذر للمزارع، لأنّ ما يأخذه مالك الأرض كالأجرة عن أرضه، فان كان البذر منهما فالزكاة على كلّ واحد منهما اذا بلغ مقدار سهمه النصاب» «2».

قال في الجواهر: «و لقد سبقه الاجماع و لحقه» «3».

و في مزارعة السرائر بعد نقل كلام الغنية، و انّه شاهد ابن زهرة و كاتبه و اعترض عليه ذلك، فاعتذر باعذار غير صحيحة قال: «و من جملة معاذيره و معارضاته لي في جوابه ان المزارع مثل الغاصب للحب اذا زرعه، فان الزكاة تجب على ربّ الحبّ دون الغاصب، و هذا من أقبح المعارضات و أعجب التشبيهات ...» «4».

أقول: و يمكن ان يستدل لابن زهرة بصحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصّته زكاة؟ قال:

لا ...». و كذا مرسلة ابن بكير «5».

و لكن- مضافا الى عدم دلالتهما على ما اختاره من

كون الزكاة على صاحب البذر- يعارضهما صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم و صحيحة البزنطي و كذا خبره من هذا الباب، فراجع.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 106

و قد تقرّر في محله انّ المحصول بين المالك و الزارع، و كذا بينه و بين الساقي بنحو الاشاعة و الشركة، فكما تصحّ الشركة في رأس المال شرعا فيكون الربح لهما تصح الشركة في رأس

______________________________

(1)- المبسوط 3/ 220.

(2)- الجوامع الفقهية/ 602.

(3)- الجواهر 15/ 252.

(4)- السرائر/ 265.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

المال و العمل أيضا، كما في المضاربة و المزارعة و المساقاة. فالربح حيث انّه حاصل رأس المال و العمل معا صحّت الشركة فيهما.

بل ربّما ينقدح في الذهن الغاء الخصوصية من العقود الثلاثة فتصحّح الشركة بين صاحب السيارة و سائقها، أو المكائن و عمّالها أيضا. و كذا امثالها من الشركات الّتي يساعد عليها العرف. و للبحث في هذه المسائل محل آخر، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 108

لو شك المشتري في ان البائع، ادى الزكاة أم لا؟

[إذا كان ذلك بعد وقت التعلّق]

و إذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع فان علم بأدائه أو شكّ في ذلك ليس عليه شي ء (1).

______________________________

(1) قد يشكل ذلك في صورة الشك، لأصالة عدم أداء الزكاة و بقائها في المال. و لذا قال المصنّف في المسألة الخامسة من ختام الزكاة فيما اذا علم الوارث انّ مورثه كان مكلّفا باخراج الزكاة و شك في أدائها: «نعم، لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال: الأصل بقاء الزكاة فيه» «1».

و كذلك الكلام في باب الخمس.

و قد يجاب عن الأصل المذكور بوجهين: الأوّل: قاعدة الصحة الجارية في المعاملة و نحوها. الثاني: قاعدة اليد، حيث انّها امارة على الملكيّة.

و لكن في المستمسك استشكل على الأوّل: بأن قاعدة الصحة تختصّ بالشك الحادث بعد المعاملة، بل قد قيل باختصاصها بخصوص صورة احتمال التفاته حين المعاملة و علمه بوجوب الأداء، فلا تجري في غير تلك الصورة فضلا عمّا اذا كان الانتقال بالموت و نحوه من الأسباب التي لا تتّصف بالصحة و الفساد «2».

أقول: لعلّ في كلامه- قدس سرّه- نحو خلط بين اصالة الصحة الجارية في عمل

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 338.

(2)- المستمسك 9/ 171.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 109

..........

______________________________

النفس، و اصالة الصحة الجارية في عمل الغير. اذا الاولى لا تجري إلّا بعد الفراغ من العمل، بل بعد الدخول في الغير أيضا على الأحوط، كما هو المستفاد من بعض أخبار المسألة كقوله في موثقة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: اذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء ... «1» كما انّ الأحوط لو لم يكن أقوى اختصاصها بصورة احتمال التفاته حين العمل و علمه بوجوب الأداء، كما يستفاد من قوله- عليه السلام- في موثقة بكير: «... هو حين يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ» «2»، و في صحيحة محمد ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع»: «... و كان حين انصرف أقرب الى الحقّ منه بعد ذلك» «3».

بحث في اصالة الصحة

و امّا اصالة الصحّة الجارية في عمل الغير فلا تختصّ بما بعد العمل، بل تجري في حينه أيضا. فانّ بناء الناس على اختلاف مذاهبهم على حمل أعمال الناس في عقودهم و ايقاعاتهم

و نكاحهم و طلاقهم على وقوعها بنحو تصحّ عندهم. و يحمل أعمال المسلم على الصحيح عند المسلمين و لا تختص بما بعد العمل.

ألا ترى انّه يحمل عمل المتصدّي لتجهيز الميّت المشتغل به على الصحة، فيكتفى به، و عقد الوكيل و ايقاعه على الصحّة فيعتنى بهما، و ايجاب الموجب على الصحّة فيعقب بالقبول، و صلاة الامام على الصحة فيقتدى به. الى غير ذلك من الأمثلة.

نعم، لهم في اصالة الصحّة الجارية في معاملات الناس كلام. و محصّله انّ الشكّ امّا أن يكون في أركان العقد و ما هو من مقوّماته عند العرف، كما اذا احتمل وقوع البيع بلا ثمن أو بثمن لا ماليّة له، و امّا ان يكون في شرائطه الشرعيّة بعد العلم بحصول أركانه و مقوّماته العرفيّة. و على الثاني فامّا أن يكون الشكّ في شرائط نفس العقد كالماضويّة مثلا،

______________________________

(1)- الوسائل، ج 1، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 1، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.

(3)- الوسائل، ج 5، الباب 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 110

..........

______________________________

أو في شرائط المتعاقدين كالبلوغ، أو في شرائط العوضين كاعتباره بالكيل أو الوزن أو العدد.

ففي الفرائد، عن جامع المقاصد: «انّ الأصل في العقود الصحّة بعد استكمال أركانها ليتحقّق وجود العقد، امّا قبله فلا وجود له» «1».

و السيد الاستاذ- مدّ ظلّه- أيضا نفى الاشكال في عدم جريان الأصل في هذه الصورة، بتقريب انّ الصحّة و اللّاصحة في الرتبة المتأخّرة عن وجود العمل، و مع الشك في تحقّقه لا معنى لإجراء اصالة الصحة «2».

و قد يظهر من بعض التفصيل بين ما كان الشك في شرائط أصل العقد و بين ما

يرجع الى شرائط العوضين أو المتعاملين، فيجرى الأصل في الأوّل دون الثاني، بتقريب انّ الدليل على اصالة الصحّة هو الاجماع، و المتيقّن من مورده ذلك.

أقول: أصالة الصحة أصل عقلائي، و دليلها بناء العقلاء و سيرتهم. و موردها عمل الغير بما انّه عمل له، سواء كان عقدا أو ايقاعا أو عملا آخر. و محصّلها انّهم يحملون العمل الصادر عن العاقل المختار على صدوره على طبق الموازين العقلائية للأهداف العقلائية، و العمل الصادر عن المقيّد بشرع خاصّ على صدوره على طبق الموازين العقلائية و الشرعية للأهداف العقلائيّة المشروعة. فلا يختلف في ذلك بين أنحاء الشكّ في الشي ء حتّى الشكّ في أركانه. اذ لو كان المجرى صحّة العقد بما انّه عقد صحّ ما قالوه من انّ الشكّ في الصّحة و الفساد يرجع الى الشكّ في وصف الشي ء و الهليّة المركبة، فلا يشمل الشكّ في الأركان، لرجوعه الى الشكّ في أصل الوجود و الهليّة البسيطة.

و لكن المجرى ليس صحّة العقد بما هو عقد، بل صحّة العمل الصادر عن العاقل المقيّد بشرع خاص، فيحمل عمله على صدوره على طبق الموازين العقلائية المشروعة للأهداف المشروعة لهذا العمل. فحيث انّه كان في عمله هذا بصدد ايجاد العقد فلا محالة صدر عنه

______________________________

(1)- فرائد الأصول/ 417.

(2)- الرسائل 1/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

على طبق الموازين، فوجد جامعا للأركان و الشرائط معا.

و يدلّ على ما ذكرنا وجود السيرة على جراء اصل الصحّة في معاملات المسلمين و ان احتمل فقدانها لبعض الأركان، فضلا عمّا اذا رجع الشكّ الى شرط المتعاقدين أو العوضين.

و الحاصل انّ مجرى اصالة الصحّة اعمال الناس بما هي اعمال صادرة عن العاقل المختار. فيحمل كلّ عمل على صدوره على طبق

الموازين للأهداف المتوقعة منه. و من مصاديق الأعمال الصادرة عنهم عقودهم و ايقاعاتهم. فعليك بالتفكيك بين العناوين و الحيثيّات.

و هذا نظير ما قلنا في باب المفاهيم من انّ دلالة القيد على الدخالة و المفهوم ليس من قبيل دلالة اللفظ بما هو لفظ حتى يسأل عن كونها من أيّ قسم من الدلالات الثلاث، بل هي من قبيل دلالة الفعل الصادر عن العاقل المختار على صدوره عنه عن التفات للهدف العقلائي و الغاية الطبيعية له. و الغاية الطبيعية للقيد هو الدخالة في الموضوع. و لازمه الانتفاء عند الانتفاء، فتدبّر.

و كيف كان فأصل الصحّة يجري في عقد الغير و لو كان الشكّ راجعا الى شرط العوضين، كما في المقام، حيث يشكّ في وجود الزكاة أو الخمس فيما ينقله.

فان قلت: الشكّ في المقام ليس في صحّة عقد الغير، بل في صحّة العقد الجاري بينه و بين نفس الشاكّ.

قلت: قد عرفت انّ المجرى ليس صحة العقد، بل صحّة عمل الغير. و العمل الصادر عنه هنا هو الايجاب. و العاقل المختار المتشرع لا يوجد الايجاب بحسب الغلبة إلّا بنحو يترتّب عليه الأثر بعد لحوق القبول و انضمامه اليه. و هذا هو معنى الصحة فيه. فلا محالة وجد في المحل القابل للنقل، فافهم. هذا ما أردنا ذكره في قاعدة الصحة في المقام.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 112

بحث في قاعدة اليد

______________________________

و امّا قاعدة اليد المتمسّك بها في المقام ففي المستمسك: «ظاهر المشهور عدم حجية اليد اذا كانت مسبوقة بكونها أمانة أو عادية، لاستصحاب كونها كذلك» «1».

أقول: الشهرة المفيدة هي الشهرة القدمائية الكاشفة عن تلقّي المسألة عن المعصومين- عليهم السلام- كما نقّحناه كرارا، لا الشهرة الحاصلة بين الأصوليين المتأخّرين في أمثال هذه المسائل الاستنباطية.

و الظاهر

انّ نظره- قدّس سرّه- الى ما ذكره المحقق النائيني في أصوله. و محصّله: «انّ اليد امارة على الملكيّة اذا لم يعلم كيف حدثت، و احتمل ان يكون حدوثها من اوّل الأمر بنحو الملكية. و امّا اذا علم حالها و ان حدوثها كان على وجه الغصب أو الأمانة أو الاجارة مثلا ثمّ احتمل انتقال المال بعده الى صاحب اليد فلا ينبغي الاشكال في سقوط اليد و وجوب العمل على ما يقتضيه استصحاب حال اليد، فانّ اليد امارة على الملك اذا كانت مجهولة الحال غير معنونة بعنوان الاجارة أو الغصب. و استصحاب حال اليد يوجب تعنونها بأحدهما، فلا تكون كاشفة عن الملكية. فلا ينبغي الاشكال في حكومة الاستصحاب على اليد اذا استصحب حالها. و على ذلك يبتنى قبول السجلات و أوراق الاجارة و ينتزع المال عن يد مدّعي الملكيّة اذا كان في يد الطرف ورقة الاجارة و نحوها، كما عليه عمل العلماء في سالف الزمان» «2».

و أجاب في المستمسك عن ذلك بما محصّله بتوضيح منّا: «انّه لو كان موضوع الحكم مقيّدا بقيد كقوله أكرم العالم العادل مثلا، و كان للقيد في مورد حالة سابقة وجودا أو عدما جاز احرازه بالاستصحاب بلا اشكال. و لكنّ الموضوع للحجية في المقام ليست هي اليد مقيّدة بعدم كونها امانيّة أو عادية حتّى يكون استصحابهما رافعا لموضوع الحجيّة. كيف؟ و اليد

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 171.

(2)- فوائد الأصول 4/ 225.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

حجّة مطلقا و لو احتمل كونها يد أمانة أو عدوان. غاية الأمر انّه في صورة العلم بكونها إحداهما قد علم بعدم الملكيّة. فلا مجال لجعل الحجيّة، لأنّ مورد الامارة هو الشكّ، لا انّ موضوع الحجيّة اليد التي ليست

يد أمانة أو عدوان.

اذ فيه أولا: انّ هذا غير معقول، اذ أمر اليد واقعا دائرة بين كونها يد ملك أو أمانة أو عدوان. فمع عدم الأخيرتين تكون الاولى مقطوعة. فلا مجال للحكم الظاهري.

و بعبارة اخرى: عدم الأخيرتين من لوازم اليد و الاستيلاء الملكيّ الواقعي، لا من قيود اليد الظاهريّة الّتي جعلت امارة.

و ثانيا: انّ مقتضى تقيّد الموضوع بذلك عدم جواز التمسّك باليد على الملكيّة، لأنّ الشكّ في الملكيّة ملازم للشكّ في الأمانة و العدوان و مع الشكّ في عنوان العامّ لا يجوز التمسّك بالعام.

نعم، يمكن أن يقال: انّ حجيّة اليد عند العقلاء مختصّة بما اذا لم تكن مسبوقة بالأمانة و العدوان، و لا تشمل المسبوقة بذلك. و عليه يشكل التمسّك بالقاعدة في الموارد التي تعارف فيها القبض بالسوم قبل الشراء، و في الأعيان الّتي تكون بأيدي الدلالين اذا علم حدوث أيديهم بالوكالة ثم جهل الحال بعد ذلك» «1».

أقول: لعلّ المحقق النائيني أيضا لا يقول بكون الموضوع للحجية اليد التي ليست يد أمانة و عدوان حتى يرد عليه ما ذكر، بل يريدان موضوع الحجية اليد التي لم يحرز حالها. و المسبوقة بالأمانة و العدوان يحرز حالها بالاستصحاب، فتخرج عن موضوع الحجية. و لعلّ ما استدركه المستمسك أخيرا بقوله: «نعم»، أيضا يراد به هذا. اذ عدم حكم العقلاء بالحجية في اليد المسبوقة لا يكون إلّا بلحاظ الحالة السابقة و لا معنى للاستصحاب إلّا ذلك.

و لكن يرد على ذلك أولا: انّه لم يؤخذ الجهل و عدم الاحراز قيدا في موضوع الحجية العقلائية. فان قاعدة اليد من الامارات، و ليس الشك و عدم الاحراز مأخوذا في موضوع الامارات و إن كان موردها ذلك. نعم، موضوع الأصول العملية هو الشك،

كما لا يخفى.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 171.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 114

..........

______________________________

و ثانيا: انّ الاستصحاب حكم شرعي تعبّدي، و ليس حكم العقلاء معلقا على عدم جريان الحكم الشرعي.

و قال السيد الأستاذ، الامام- مدّ ظلّه- في جواب المحقق النائيني ما حاصله: «انّ تحكيم الاستصحاب على بعض الأدلة بتنقيح أو رفع انّما هو في الأدلة اللفظية، لا في مثل بناء العقلاء. فانّه ان ثبت بناؤهم في مورد مسبوقية اليد بالاجارة و نحوها فلا تأثير للاستصحاب. و ان لم يثبت سقطت عن الحجية، كان هنا استصحاب شرعي، أولا.

و تعليق بنائهم على عدم قيام حجة شرعية كما ترى» «1».

و الاولى أن يقال: انّ اليد امارة عقلائية امضاها الشارع. و قوله: «من استولى على شي ء منه فهو له»، أيضا ليس إلّا ارشادا الى ذلك. و مبنى حكم العقلاء غلبة كون اليد و الاستيلاء الكامل بنحو الملكيّة، و حيث انّ هذه الغلبة لا توجد في اليد المسبوقة بالأمانة أو العدوان، بل تكون بالعكس فلا تكون امارة في هذه الصورة قهرا و لا بناء لهم. و لا أقلّ من الشّكّ، فلا تثبت الحجية. نعم، لو قيل بكونها امارة تأسيسية من قبل الشارع، أو أصلا عمليا اعتمادا على الأحاديث الواردة فيمكن أن يقال: انّ عموم قوله: «من استولى على شي ء فهو له» محكّم. و لكن الظاهر كما عرفت كونها امارة عقلائية. فالمتبع بناؤهم و سيرتهم، فتدبّر.

ثمّ اعلم ان الاستاذ- مدّ ظلّه- قال في المقام ما حاصله: «اذا علم حال اليد و انها حدثت على وجه الغصب أو الأمانة فتارة لا يكون في مقابل ذي اليد مدّع، و تارة يكون و لم يرفع أمره الى الحاكم، و ثالثة رفع اليه.

امّا في الصورة الاولى: فتارة

يدّعى ذو اليد الملكيّة و الانتقال اليه، و تارة لا يدّعى. فان ادّعاها فلا يبعد ان يترتّب على ما في يده آثار الملكيّة في غير الغاصب. و امّا فيه فالظاهر عدمه. و هل يكون ترتيب الآثار من جهة انّه مدّع بلا معارض، أو من جهة قبول دعوى ذي اليد، أو من جهة اليد المقارنة للدّعوى؟ الظاهر انّه من جهة احدى الأخيرتين. و لهذا

______________________________

(1)- الرسائل 1/ 282.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

لو عارضه غير المالك الأوّل يعدّ مدّعيا و تطالب منه البيّنة. و امّا مع عدم دعوى الملكيّة أو عمل يظهر منه دعواها فلا يحكم بالملكيّة. كلّ ذلك من جهة بناء العقلاء و سيرتهم».

ثمّ تعرّض لكلام النائيني- قدّس سرّه- و أجاب عنه بما مرّ ثمّ قال:

و امّا في الصورة الثانية: فان كان المعارض غير المالك فلا تسقط يده عن الاعتبار في غير الغاصب. و ان كان المالك يسقط اعتبارها لدى العقلاء لعدم بنائهم على ترتيب آثارها على ما في يده.

و امّا في الصورة الثالثة: أي صورة رفع الأمر الى الحاكم و مقام تشخيص المدعى من المنكر فان كان في مقابله المالك الأول تسقط يده عن الاعتبار و يقدّم استصحاب حال اليد على قاعدة اليد، لأنّه أصل موضوعي حاكم عليها» «1».

أقول: امّا مع ادّعاء الملكيّة و عدم المعارض فترتيب آثار الملكيّة بلا اشكال. و يدلّ عليه مضافا الى سيرة العقلاء خبر منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي. فلمن هو؟ قال: للذي ادّعاه «2». و لكن لا دخالة

لليد في ذلك، بل يكفي نفس الادّعاء مع عدم المعارض، كما في مثال الكيس. نعم، لو عارضه غير المالك السابق و قلنا بتقدّمه كان هذا بسبب اليد و لكن المسألة لا تخلو من اشكال.

ثمّ انّه- مدّ ظلّه- حكم في الصورة الثالثة بجريان الاستصحاب و حكومته على القاعدة.

مع انّه ذكر في ردّ المحقق النائيني ان تحكيمه عليها انّما هو في الأدلّة اللفظيّة، و امّا بناء العقلاء فأمره دائر بين النفي و الثبوت، فان ثبت في مورد اليد المسبوقة فلا مجال للاستصحاب، و ان لم يثبت سقطت اليد عن الحجيّة، كان هنا استصحاب، أم لا. فهل لا يكون بين كلاميه- مدّ ظلّه- تهافت بيّن؟! فتدبّر.

و قد تحصل ممّا ذكرناه انّه في صورة الشك في المسألة و ان كان مقتضى اصالة عدم

______________________________

(1)- الرسائل 1/ 281.

(2)- الوسائل، ج 18، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

أداء الزكاة بقاءها في المال، و لكن مقتضى اصالة الصحّة صحّة المعاملة و عدم وجوب الزكاة. و امّا قاعدة اليد فجريانها في المقام محل اشكال إلّا ان يصدر منه ادّعاء المالكيّة.

و كيف كان فالأقوى ما ذكره الماتن.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 117

فروع [بيع مال الزكوي]

و إن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة الى مقدار الزكاة فضولي (1) فان اجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن (2) بالنسبة الى مقدار الزكاة. و إن دفعه الى البائع رجع- بعد الدفع الى الحاكم- عليه.

______________________________

(1) بناء على كون التعلّق بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعيّن أو حقّ الرهانة. و امّا ان كان بنحو حقّ الجناية فالمعاملة صحيحة و ان كان للحاكم تتبع العين ان لم يؤد البائع الزكاة. و سيأتي في

محلّه.

قال في المدارك: «ثمّ ان كان التمليك بعد الضمان نفذ في الجميع، و ان كان قبله نفذ في نصيبه. و في قدر الواجب يبنى على ما سلف، فعلى الشركة يبطل البيع فيه و كذا على الرهن، و على الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة، فان اداها نفذ البيع، و إلّا تتبع الساعي العين» «1».

أقول: مشروعيّة الضمان و كفايته في نفوذ المعاملة في الجميع تحتاج الى دليل. و حكمه ببطلان البيع على الشركة أيضا محلّ منع إلّا أن يريد بذلك توقّفه على الاجازة، لا البطلان المحض.

(2) أى المشتري ان لم يجز اقباضه الى البائع أو لم يقبضه اياه، و الّا طالبه البائع. ثمّ

______________________________

(1)- المدارك/ 307.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 118

و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع (1).

و إن أدّى البائع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة الى الاجازة من الحاكم اشكال (2).

______________________________

لو أخذه من المشتري رجع به على البائع مع الاداء اليه، و له خيار تبعض الصفقة مع الجهل.

فلا يلزم بقبول اجازة الحاكم.

ثمّ انّ هذا كلّه على القول بالاشاعة أو الكلّي في المعيّن. و امّا على الرهن فلا وجه للمطالبة بالثمن بل تشكل الاجازة ما لم يأخذ الزكاة، كما هو واضح.

(1) و ليس للمشتري دفع القيمة، فانّ المتيقّن ممّا دلّ على جواز دفعها هو المالك.

اللهم إلّا ان يرضى بها الحاكم.

و هل للحاكم الرجوع على البائع مع وجود العين عند المشتري؟ قيل: لا، و استظهر ذلك من صحيحة عبد الرحمن «1» الآتية. و لكن القاعدة تقتضي الجواز، بمقتضى قاعدة تعاقب الأيدي الغاصبة، فيطالبه ببدل الحيلولة و لو لم يمكن الأخذ من المشتري فجواز المطالبة البائع بلا اشكال، لتفويته

الزكاة.

(2) لا وجه للتوقّف على اجازة الحاكم، اذ بعد دفع البائع للزكاة يسقط التكليف بها، فلا وجه للرجوع الى الحاكم. و لعلّ العبارة: «من البائع»، بدل: «من الحاكم».

و بيان المسألة يتوقّف على اشارة اجمالية الى مسألة «من باع ثمّ ملك»، فان المقام من مصاديقها بالنسبة الى مقدار الزكاة.

فنقول: على القول بصحّة الفضولي بالاجازة اللاحقة فالقدر المتيقّن منه صورة كون المجيز جائز التصرّف عند العقد. غاية الأمر تأخّر اجازته عنه. فلو لم يجز تصرّفه حال العقد، لعدم كونه مالكا أو لكونه محجورا أو لتعلّق حقّ الغير، ثمّ صار مالكا أو زال الحجر أو سقط الحقّ، ففي الأخير الأقوى الصحّة بلا احتياج الى الاجازة. كما لو كان المال رهنا فباعه الراهن ثمّ فكّ رهنه، اذ المقتضى للنقل و هو العقد مع شرائطه قد وجد أوّلا و بالفكّ ارتفع

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 119

..........

______________________________

المانع، فيؤثّر. بل و كذا في الثاني ان كان الحجر للإفلاس.

و امّا في الأول، كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه أو ورثه مثلا فهل يبطل البيع مطلقا، كما عن التّذكرة و تعليق الإرشاد و اختاره في المقابس، أو يصحّ قهرا بلا احتياج الى اجازة لا حقة، كما قواه فخر الإسلام في الايضاح، أو يصح مع تعقّب الاجازة، كما عن الدروس و الصيمري و اختاره الشيخ في المكاسب و أوضحه، أو يفصل فعلى النقل يصحّ مع الاجازة و على الكشف لا يصحّ؟ في المسألة وجوه.

و بالجملة فهل تكون المسألة أسوأ حالا من مسألة الفضولي، أو أحسن حالا منها، أو تكون مثلها، بل من مصاديقها؟

فعن التذكرة: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملّكها

و يمضي ليشتريها و يسلّمها. و به قال الشافعي و احمد. و لا نعلم فيه خلافا» «1».

و وجّه البطلان في المقابس «2» بسبعة وجوه حكاها الشيخ في المكاسب و أجاب عنها، فراجع «3».

و وجه القول بالصحّة قهرا و عدم الاحتياج الى الاجازة اللاحقة هو ان العقد وجد مع رضاية العاقد، و انّما لم يؤثر لعدم الملكيّة. فبحصولها يتمّ المؤثّر للنقل.

و الأقوى كما اختاره الشيخ الصحّة مع تعقّب الاجازة، للعمومات بعد ما أثبتنا بأدلّة صحّة الفضولي عدم اشتراط اقتران الرضى بالعقد. و المعتبر رضاء من هو المالك حال الرضا، اذ لا تقتضي قاعدة سلطنة الناس على أموالهم و عدم حلّية مال الغير إلّا بطيب نفسه أكثر من ذلك. و امّا كونه مالكا حين العقد فلا دليل على اعتباره، و الأصل عدمه. و لا يكفي في المقام رضاه حين العقد، فان التزامه حين العقد بكون المال لغيره ليس إلّا التزاما بكون مال غيره له. فمقتضى قاعدة السلطنة و اعتبار طيب نفس المالك اعتبار الاجازة بعد ما ملكه. و بالجملة فلا فرق بين المسألة و مسألة الفضولي. فملاكهما و دليلهما واحد.

______________________________

(1)- مقابس الأنوار/ 134، الموضع الخامس من بيع الفضولي.

(2)- مقابس الأنوار/ 134، الموضع الخامس من بيع الفضولي.

(3)- المكاسب للشيخ الأنصاري/ 137.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 120

..........

______________________________

و امّا التفصيل بين القول بالنقل و الكشف فمبناه عدم امكان القول بالكشف هنا كما في المقابس، اذ يلزم عليه خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه.

و أجاب عنه الشيخ بمنع كون الاجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد، بل مقدار كشف الاجازة تابع لصحّة البيع. فهي في المقام كاشفة عن خروجه عن ملكه من أوّل

أزمنة قابليّته و هو زمان انتقال الملك الى البائع، فتدبّر.

اذا عرفت الأقوال و القول المختار في مسألة «من باع ثمّ ملك» اجمالا، فلنرجع الى مسألتنا، فنقول:

قال في باب زكاة الغنم من المبسوط: «من كان عنده نصاب من مال، فحال عليه الحول و وجبت فيه الزكاة، فباع ربّ المال النصاب كلّه فقد باع ما يملك و ما لا يملك من حقّ المساكين، لأنّا قد بيّنا انّ الحقّ يتعلّق بالعين، لا بالذمة، فيكون العقد ماضيا فيما يملكه و فاسدا فيما لا يملكه. فان أقام عوضا للمساكين من غيره مضى البيع صحيحا، لأنّ له أن يقيم حقّ المساكين من غير ذلك المال» «1».

و فيه أيضا: «اذا وجبت الزكاة في ماله فرهن المال قبل اخراج الزكاة منه لم يصح الرهن في قدر الزكاة، و يصحّ فيما عداه. و كذلك الحكم لو باعه صحّ فيما عدا مال المساكين، و لا يصحّ في مالهم. ثمّ ينظر فان كان للراهن مال غيره و اخرج حقّ المساكين منه سلم الرهن جميعه. و كذلك البيع» «2».

و قال في المعتبر: «لو باع النصاب قبل اخراج الزكاة أو رهنه صحّ فيما عدا الزكاة، فان اغترم حصّة الفقراء قال الشيخ: صحّ الرهن في الجميع و كذا البيع. و فيه اشكال، لأنّ العين غير مملوكة له، و اذا ادّى العوض ملكها ملكا مستأنفا و افتقر بيعها الى اجازة مستأنفة.

كمن باع مال غيره ثم اشتراه» «3».

و في المدارك بعد نقل كلام المعتبر قال: «و هو جيّد. و على هذا فلا ينفذ البيع في نصيب

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 207.

(2)- المبسوط 1/ 208.

(3)- المعتبر/ 276.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 121

..........

______________________________

الزكاة و الحال هذه إلّا مع اجازة المالك بعد الاخراج» «1».

و

في الجواهر: «و لو ادّى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحّة، ضرورة عدم الملك حال البيع. اللهم إلّا أن يجعل الشرط الملك و لو متأخّرا عنه. و فيه بحث أو منع» «2».

و محصّل الكلام ان تعلّق الزكاة ان كان بنحو الحقّ كحقّ الرهانة فالظّاهر عدم الاحتياج الى الاجازة بعد أداء الزكاة، نظير ما مرّ في فك الرهن. و امّا ان قلنا بانّه بنحو الملكيّة فالمسألة كما ذكره المحقّق من مصاديق من باع ثمّ ملك، فيحتاج الى الاجازة اللاحقة. و قد يتوّهم ان أخذ القيمة من البائع بمنزلة اجازة العقد.

و فيه مضافا الى اختصاصه بأخذ الامام أو نائبه دون الفقير لعدم الولاية له ان مقتضى الاجازة الرجوع الى الثمن بالنسبة. اللهم إلّا ان يكون معاوضة بين الثمن و القيمة، و هو كما ترى. هذا كلّه مع قطع النظر عن صحيحة عبد الرحمن الواردة في المسألة، فقد روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزكّ ابله أو شاته عامين فباعها. على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع» «3».

أقول: ربّما تتوهّم دلالة الصحيحة على صحّة المعاملة بعد أداء البائع للزكاة و عدم الاحتياج الى الاجازة، بل دلالتها على ذلك في مسألة من باع ثمّ ملك مطلقا.

و لكن لأحد منع ذلك أوّلا: بأن المسؤول عنه خصوص مسألة الزكاة، لا صحّة المعاملة و فسادها. فالصحيحة ساكتة عن صحّة المعاملة و انّها تحتاج الى الاجازة أم لا، فيعمل فيها على القاعدة.

و ثانيا: يحتمل أن يكون تعلّق الزكاة من قبيل الحق، فلا يستفاد منها عدم الاحتياج الى

الاجازة في مسألة من باع ثمّ ملك. فما ذكره المصنّف من الاشكال في استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة الى الاجازة في محلّه. و اللّه العالم.

______________________________

(1)- المدارك/ 307.

(2)- الجواهر 15/ 142.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 122

لو تعدّد انواع التمر اخذ من كل نوع بحصته

[مسألة 30]: إذا تعدّد أنواع التمر مثلا و كان بعضها جيدا أو أجود، و بعضها الآخر ردئ أو أردى فالأحوط الأخذ من كلّ نوع بحصته (1).

و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيد (2) و إن كان مشتملا على

______________________________

(1) كما هو مقتضى القول بكون التعلّق بنحو الاشاعة و الشركة. قال في التذكرة:

«و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصّته لينتفى الضرر عن المالك بأخذ الجيد و عن الفقراء بأخذ الرديّ. و هو قول عامة أهل العلم. و قال مالك و الشافعي: اذا تعدّد الأنواع أخذ من الوسط. و الاولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء» «1».

(2) بناء على ما يختاره المصنّف من كون التعلّق بنحو الكلّي في المعيّن. و كذا على القول بكونه من قبيل الحقّ، لصدق الفريضة على الجيّد و لو فرض وجود الأجود.

و لأنّ المنهي عنه في الآية و الروايات كما يأتي دفع الخبيث و الرديّ فقط. فلو لزم الدفع من كلّ نوع بحصّته وجب بيانه في مقام الحاجة. و لعل السيرة في جميع الأعصار أيضا استقرّت على عدم المطالبة من الأنواع المختلفة مع تعدّدها غالبا في البساتين و المزارع.

و لأنّ الفرد الوسط يكفي في الانعام، لما مرّ من اطلاق الفريضة و عدم تقيّدها بكونها من النصاب. بل قد مرّ ان تقويم الحصّة المشاعة في البين بفرد من الجنس أو غيره يقتضى حمله

______________________________

(1)-

التذكرة 1/ 221.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 123

الأجود. و لا يجوز دفع الردي عن الجيد و الأجود على الأحوط (1).

______________________________

على الوسط، لئلّا يحتمل الزيادة و النقصان، فيحمل على الانعام غيرها، اذ الظاهر كون الجميع على وزان واحد.

و لكن مع ذلك كلّه يشكل الأمر فيما اذا كان تفاوت القيمة و الرغبة فاحشا. و حمل العشر على العشر بحسب الوزن فقط دون القيمة و الرغبة مشكل. فالأحوط الأخذ من كلّ نوع بحصته. و الأفضل إعطاء الأجود مطلقا، لقوله- تعالى-: «لَنْ تَنٰالُوا الْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا مِمّٰا تُحِبُّونَ» «1».

(1) بل على الأقوى، لقوله- تعالى-: «وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» «2».

و لما ورد في الاخبار المستفيضة من النهي عن دفع الأنواع الرديّة كرواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ». قال: كان رسول اللّه «ص» اذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردإ التمر، يؤدّونه من زكاتهم تمرا يقال له: الجعرور و المعافارة، قليلة اللحا، عظيمة النوى. و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه «ص»: لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشي ء. و في ذلك نزل: و لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون و لستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه. و الاغماض ان يأخذ هاتين التمرتين. و نحوها غيرها من الروايات، فراجع «3».

و لعلّ احتمال كون الآية و الرواية في مقام التنزيه، أو كون النهي فيهما عن الخبيث و الأردإ دون مطلق الرديّ

أوجب جعل المصنف الحكم بنحو الأحوط دون الأقوى، فتدبّر.

______________________________

(1)- سورة آل عمران، الآية 93.

(2)- سورة البقرة، الآية 267.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 124

كيفية تعلق الزكاة

[الأقوى انّ الزكاة متعلّقة بالعين]

[مسألة 31]: الأقوى انّ الزكاة متعلّقة بالعين (1).

______________________________

(1) قد حرّرنا المسألة سابقا في المسألة (75) من كتاب الخمس، و نعيدها هنا،

[المحتملات في المسألة]
اشارة

فنقول: قبل نقل الأقوال و كلمات الأصحاب في كيفية التعلّق و بيان ما هو الحقّ منها نتعرّض للمحتملات في المسألة. و الظاهر انّها تسعة:

الأوّل: ان يكون المجعول حكما تكليفيّا محضا من دون ان يستعقب حكما وضعيا. فوزان الزكاة وزان سائر الواجبات المالية كالكفارات و كالإنفاق على الوالدين مثلا من دون ان يثبت للفقراء ملك و لا حقّ، غاية الأمر ثبوت استحقاق العقوبة على مخالفته. نظير سائر الواجبات التكليفيّة. فالمال باق على ملك مالكه و تصحّ المعاملات الواقعة عليه.

الثاني: أن يكون المجعول ثبوت مال في ذمّة المالك كسائر الديون من دون ان ينتقل شي ء من النصاب الى الفقراء أو يتعلّق به حقّ لهم. و مقتضاه بقاء الذمة و ان تلف جميع النصاب بلا تفريط، و تكرّر الوجوب بتكرّر الحول على النصاب الأوّل و غير ذلك.

الثالث: ان يثبت الملك بنحو الشركة و الاشاعة. و لازمها طبعا عدم جواز تصرّف المالك في النصاب إلّا باذن الحاكم مثلا، و كون التقسيم برضاية الطرفين، و كون المعاملة بدون اذن الطرف فضولية، و تعيّن دفع الزكاة من العين أو التبديل بالتراضي، و وقوع التلف بلا تفريط عليهما بالنسبة، و كون النماء لهما كذلك و نحو ذلك.

و في تصوير الاشاعة ثبوتا بحث. فهل تكون هنا اضافة ملكيّة واحدة لاثنين بملك واحد كحبل واحد اتّصل أحد طرفيه بوتد و الآخر بوتدين، أو اضافتان لاثنين بجميع الملك،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 125

..........

______________________________

فيكون كلّ واحد منهما مالكا للجميع بملكيّة ضعيفة بحسب مراتب الاشاعة و نسبها، أو يكون كلّ منهما مالكا مستقلا لبعض الملك

كالنصف أو الثلث أو غيرهما؟.

لا يخفى صحّة الاخير، كما يساعده اعتبار العقلاء. فكلّ منهما يجد نفسه مالكا للنصف مثلا بملكية تامّة، لا الجميع بملكيّة ناقصة. و ليس هنا ملكيّة واحدة، بل ملكيّتان و مالكان و مملوكان.

ثمّ انّ المحقّق الاصفهاني- قدّس سرّه- قال في حاشية المكاسب ما حاصله: «ان الشي ء القابل للقسمة في نفسه موجود واحد، و وجوده بالفعل وجود الأقسام بالقوّة.

فالأقسام موجودات خارجيّة، لكنّها قبل الافراز وجودها على حدّ الامور الانتزاعيّة. فمنشأ الانتزاع موجود بالفعل و الأقسام موجودة بالقوّة بنحو وجود المقبول بوجود القابل، فهي خارجيّة بخارجيّة القابل، أعني الجسم القابل للقسمة» «1».

أقول: وجود الكسر كالنصف مثلا انّما يكون قبل الافراز، فانّه مضاف الى الكلّ.

و بعد الافراز لا يبقى الكلّ حتّى يكون له نصفان، اذ بالتقسيم يصير الشي ء شيئين مستقلين. سلّمنا و لكنّ الموجود بعد الافراز لا يبقى على الاشاعة. فالنصف المشاع فعليّته و خارجيّته قبل الافراز و في ضمن الكلّ فقط، و المفروض ان الموجود في الخارج واحد حقيقة، فانّ الوجود مساوق للوحدة.

و يمكن أن يقال: انّ الكسر المشاع أمر اعتباري يعتبره العقلاء في الموجود الوحداني و ان كان المتّصف بهذا الأمر الاعتباري أمرا خارجيّا، نظير نفس الملكيّة الاعتباريّة الّتي توصف بها الشي ء الخارجي. و بالجملة فالكسر المشاع كالملكيّة القائمة به كلاهما أمران اعتباريان اتّصف أحدهما بالآخر. و لكن لأحد ان يقول: ان الاعتبارات العقلائية ليست بلا منشأ تكويني، فلعلّ منشأ اعتبار الكسر المشاع وجود قوّة الانقسام الخارجيّ في الجسم، فافهم.

و لتحقيق المسألة مقام آخر، فراجع.

الرابع: أن يكون الملك بنحو الكلّي في المعيّن كمن باع صاعا من صبرة معيّنة. فتكون

______________________________

(1)- حاشية الكمباني على المكاسب 1/ 202.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 126

..........

______________________________

التشخّصات و

العوارض المشخّصة بأجمعها للمالك و بعهدته تطبيق الكلّي على الفرد المؤدّي، و تعيينه باختياره. و يجب طبعا أن يكون الاداء من العين، و تلف بعض الصبرة يقع على المالك قهرا، كما في خبر بريد الوارد في من اشترى عشرة آلاف طنّ من القصب من انبار فيه ثلاثون ألف طن، فاحترق القصب و بقى منه بمقدار المبيع. حيث حكم الامام- عليه السلام- بكون الباقي للمشتري «1».

و اعلم انّ في باب الزكاة أمورا ثبتت لنا بحسب الأدلّة: كجواز الاداء من القيمة، و كون اختيار التقسيم بيد المالك، و كون التّلف بلا تفريط منهما معا لا من المالك فقط و غير ذلك. و القول بكون التعلّق بنحو الكلّي في المعيّن لا يلائم بعض هذه الفروع و ان لائم بعضها.

ثمّ انّ الظاهر من كلماتهم في هذا الباب و في باب بيع الصاع من الصبرة كون الكلّي في المعيّن أمرا خارجيّا، و كونه مع خارجيّته كليّا قابل الصدق على كثيرين. و يترتب على خارجيّته كون النماء لهما، و جواز تصرّف المالك إلّا في مقدار الزكاة أو المبيع، و كون المعاملة بالنسبة اليه فضوليّة.

و لا يخلو ذلك من اشكال، اذ ما في الخارج ليس إلّا المتشخّصات. و الشي ء ما لم يتشخّص لم يوجد. و ليس في الخارج أمر يقبل الصدق على كثيرين، و انّما الصدق خاصّية المفاهيم. و الكلّي المقيّد و ان صارت دائرته أضيق من المطلق و لكنّه لا يخرج بذلك عن الكليّة و لو انضمّ اليه ألف قيد، بل و ان انحصر في فرد. و خارجية القيد لا توجب خارجية المقيد. فصاع من حنطة قم مثلا كلّي و ان كانت بلدة قم موجودا خارجيّا.

فالصاع من الصبرة الخارجيّة ان اريد

به الصاع الكلّي في ذمّة البائع مثلا بشرط ان يؤدّى من هذه الصبرة فهو صاع كلّي ذمّي. غاية الأمر انّ اشتراطه بشرط يوجب تخلفه الخيار. و ان أريد به الصاع الموجود خارجا، فالموجود في الخارج هي الافراد و ليس للكلّي وجود وراء وجودها. و ان أريد به الكلّي غير المنطبق فعلا على شي ء في الخارج و انّما

______________________________

(1)- الوسائل، ج 12، الباب 19 من أبواب عقد البيع، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 127

..........

______________________________

خارجيّته بخارجيّة الصبرة فهو باق بعد بنعت الكليّة، مثل الكلّي الذميّ، غاية الأمر كون ظرف الكلّي في الأوّل الصبرة و في الثاني ذمة الشخص. و ان شئت قلت: ان ظرف الأوّل ذمّة الصبرة في مقابل ذمّة الشخص، نظير اشتغال ذمّة تركة الميّت بدين الغرماء. و بالجملة فلم يحصل للصاع تعيّن إلّا تعيّن الاضافة الى الصبرة الخارجيّة و لزوم اخراجه منها هذا.

و لكن يمكن ان يقال ان العرف يحكم في مثله بان له نحو خارجيّة، نظير ما مرّ في خارجيّة السهم المشاع، و يترتّب عليها قهرا آثار الخارجيّة من الشركة في النماء و الربح و عدم جواز تصرّف المالك في الجميع. فلو باع صاعا من صبرة ثمّ باع الصبرة بأجمعها لآخر يحكمون بكون المعاملة الثانية بالنسبة الى مقدار الصاع فضوليّة واقعة على ملك الغير.

و السرّ في ذلك انّ اعتبار الكلّي مالا باعتبار سهولة أدائه و وجود معتمد عقلائي له.

فالكلّي الذمّي لا يعتبر مالا إلّا بكون صاحب الذمّة فردا معتبرا معتمدا عليه. و الكلّي المضاف الى صبرة خارجيّة يكون اعتباره و كونه ذا قيمة باعتبار الصبرة و قيمتها. فهو أمر متقوّم معتبر بالاضافة الى الصبرة، و يكون خارجيّا بخارجيّته. و اعتباره و الاعتماد

عليه أقوى من اعتبار الكلّي الذمّي، فتدبّر.

ثمّ انّه يرد على من جعل تعلّق الزكاة من قبيل الكلّي في المعيّن كالمصنّف أمران:

الأوّل: انّ الكلّي كالصاع مثلا مقيّد بالصبرة الخارجيّة، فيجب أن يخرج منها و لا يلزم ذلك في باب الزكاة، لجواز أدائها من مال آخر.

الثاني: انّه لو تلف بعض الصبرة لا يقع التلف على مشتري الصاع و ليس كذلك باب الزكاة، فان التلف بغير تفريط يقع عليهما بالنسبة، فتدبّر.

الخامس: أن يكون التعلّق بنحو الحقّ كحقّ الرهانة. و مقتضاه ثبوت الزكاة في الذمّة و كون النصاب رهنا لها، فيكون الثابت أمران. و لا يجوز التصرّف في العين ما لم يؤدّ الزكاة، فان العين بما انّها ملك لها الشخص صارت رهنا لما في الذمّة، فلا يجوز اخراجها عن ملكه ما دام تكون متعلّقة لحقّ الغير. اللهم إلّا ان يقال ان العين ليست بتمامها رهنا، بل بمقدار الزكاة منها، اذ المتعارف ان يكون الرهن بمقدار الدين، فيجوز التصرّف في الزائد منها.

السادس: ان يكون من قبيل حقّ الجناية الثابتة في العبد الجاني، فانّ العبد ان قتل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 128

..........

______________________________

الحرّ عمدا كان الخيار لورثة المقتول. فان شاءوا قتلوه و ان شاءوا استرقّوه. و ان قتله خطأ كان الخيار لمولاه. فان شاء ادّى الدية و ان شاء دفعه الى الورثة ليسترقّوه. و في كلتا الصورتين لم يخرج العبد عن ملك مولاه، بل تصحّ معاملته عليه، و لكنّه متعلّق لحقّ الورثة لا بما انّه ملك لهذا الشخص، بل بذاته و ان انتقل الى غيره. فاينما وجدوه استرقوه.

و بالجملة فليس العبد ملكا فعليّا للورثة، بل يملكون استرقاقه و تملّكه. و لعلّ المقام من قبيل الجاني خطأ، فانّ المالك في المقام

يجوز له دفع الزكاة من القيمة، كما لمولى العبد ان يفتدى العبد. ففي الحقيقة يكون حقّ أولياء المقتول هو الجامع بين نفس العبد و قيمته، فلا يقوم الحقّ بشخص العين، بل بماليّتها الجامعة بين العين و القيمة، كما في المقام.

و في زكاة المرحوم، آية اللّه الميلاني جعل المقام من قبيل الجاني عمدا. و لعلّه من جهة انّ ملكيّة الاسترقاق فعلا انّما تكون في العمد لا في الخطأ، فافهم.

و الحاصل ان الثابت على هذا الفرض استحقاق التملّك، لا فعليّته. فالفقراء ملكوا ان يملكوا مقدار الزكاة.

السابع: ان يكون من قبيل حقّ الغرماء المتعلّق بتركة الميّت، فليست ذمّة الشخص مشغولة، بل العين بنفسها مورد للحقّ. ففي الحقيقة ذمّة العين مشغولة بمقدار الزكاة، كما انّ ذمّة التركة مشغولة بالدين، و الدين أمر كلّي ظرفه ذمّة العين، فيمكن ابراؤها بما يقع مصداقا لهذا الكلّي و لو من مال آخر.

و قد عرفت منّا انّ الكلّي في المعيّن أيضا ليس أمرا خارجيّا، بل مرجعه الى اشتغال ذمّة النصاب بالفريضة، و لكن بينهما فرق من جهة تقيّد الصاع الكلّي مثلا بالصبرة هناك دون المقام، لجواز الدفع من مال آخر. نعم، يشتركان معا في انّ الحقّ قائم بالمجموع.

فلو تلف بعض الصبرة أو التركة وجب أداء الحقّ بأجمعه من الباقي. و لا نظنّ أحدا يلتزم بكون باب الزكاة من هذا القبيل، اذ لو تلف بعض النصاب بغير تفريط يقع التلف عليهما بالنسبة، لا من المالك فقط. فهذا اشكال يرد على من جعل تعلّق الزكاة من قبيل الكلّي في المعيّن، أو من قبيل حقّ الغرماء.

الثامن: ان يكون من قبيل حقّ الزوجة في الاشجار و الأبنية، حيث قالوا بتعلّقه بماليّتها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 129

..........

______________________________

لا

بعينها. و ماليّة الشي ء و قيمته كمملوكيّته أمر اعتباري يعتبره العقلاء عرضا له. ففي المقام أيضا يكون الثابت للفقراء مالية بعض النصاب، لا عينه. و انّما يجزي اداء العين أيضا بما انّه اداء للماليّة. و يشترك المالك مع الفقراء في ماليّة النصاب، كما تشترك الزوجة مع الورثة في ماليّة الأبنية. و العرف يرى اداء كل من العين و القيمة اداء لمالية الشي ء، فيكون اداء القيمة أيضا اداء لنفس الزكاة، لا اداء للبدل. هذا.

و لكن لو فرض اعتبار العرف ماليّة الشي ء و قيمته عرضا له فهو عرض قائم بنفس هذا الشي ء، و لا يكون اداؤه إلّا باداء نفس المعروض، أعني العين. فكيف يجعل أداء القيمة من الخارج أداء لنفس ماليّة هذا الشي ء؟ و الظاهر ان اعتبار الاشتراك في الماليّة لا في العين أيضا ليس ممّا يساعد عليه العقلاء، و انّما هو أمر حدث في المدرسة، و الزوجة انّما تشارك الورثة في نفى الأبنية، غاية الأمران المالك الحقيقي اجاز للورثة اداء القيمة تسهيلا و ارفاقا من جهة دفع ضرر تزوّج الزوجة و الاتيان بزوجها الجديد في محيط حياة الورثة.

نعم، لو سلّمنا اعتبار العقلاء لذلك أمكن الاستيناس له في المقام بقوله: «في خمس من الإبل شاة»، حيث ان الثابت في الآبال ليست نفس الشاة، بل ماليّتها. و لكن صاحب الجواهر كما عرفت في محلّه حمل ذلك على التقويم الشرعي، فقال ان الشارع قوّم الحصة المشاعة من الآبال بالشاة.

ثمّ انّ الشركة في الماليّة على فرض اعتبارها يمكن أن تفرض بنحو الاشاعة، و يمكن ان تفرض بنحو الكلّي في المعيّن، كما لا يخفى. و المعتبر في باب أرث الزوجة و في المقام يكون بنحو الاشاعة، و لذا يقع التلف بغير

تفريط من الطرفين، فتدبّر.

التاسع: ان يكون من قبيل ما نذر التصدّق به. بناء على ان حكم الشارع بوجوب الوفاء بهذا النذر يستعقب ثبوت حكم وضعيّ، أعني ثبوت حقّ للفقراء متعلّق بهذه العين، و هو ملكهم لان يملكوه بدفعه اليهم.

[البحث عن ماهيّة النذر]

أقول: قد مرّ منّا في مبحث اشتراط التمكّن من التصرّف، البحث عن ماهيّة النذر، و ان المحتملات فيه أربعة:

الأوّل: أن يكون اعتباره تمليك العمل المنذور للّه- تعالى- فتكون اللام للملك،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 130

..........

______________________________

و الظرف مستقرّا. فان كان العمل هو التصدّق فالعمل ملك للّه و المتصدّق به متعلّق لحقّه- تعالى-.

الثاني: ان يكون اعتباره التعجيز. فمن يقدر على انحاء التصرّف في مال خاصّ يعجز نفسه عن جميعها إلّا التصدّق به مثلا.

الثالث: ان يكون معاهدة مع اللّه- تعالى- نظير المعاهدات المتعارفة بين الناس.

الرابع: ان يكون عبارة عن ايجاب الانسان عملا على نفسه، نظير ايجابه على غيره.

فيكون حقيقة النذر هو قوله: «عليّ كذا».

و كيف كان فالشارع الزم الانسان بالوفاء بما نذر و بترتيب الاثر عليه. فعلى الاحتمال الأوّل- و هو الأقوى- يصير متعلّق العمل و هو المال متعلّقا لحقّ اللّه. و امّا على المحتملات الاخر فلا يستتبع النذر ملكا للغير و لا حقّا له. نعم، وجوب الوفاء بالنذر يستتبع وجوب حفظ المال ليتصدّق به. و مخالفته تستتبع استحقاق العقوبة.

و كيف كان فليس سوى وجوب الوفاء الذي هو حكم تكليفيّ ملك للفقراء أو حقّ لهم، فان الحقّ أيضا مرتبة ضعيفة من الملكيّة، و اعتباره اعتبار سلطنة لذي الحقّ على موضوعه، و هذا اعتبار عقلائيّ أو شرعيّ زائد على الحكم التكليفيّ يتوقّف على الثبوت و الاثبات، و الأصل عدمه.

و على الاحتمال الأول و ان سلّمنا الحقّ و لكنّه للّه-

تعالى- لا للفقراء، فراجع ما ذكرناه في تلك المسألة تجده وافيا بالمقصود.

و العجب من الشيخ الأعظم، حيث أراد استفادة التمليك و الملكيّة في باب النذر، و كذا الزكاة و الخمس من صرف الحكم التكليفيّ الثابت فيها. قال في مبحث اعتبار التمكّن من التصرّف من زكاته ما ملخّصه: «انّ النذر ان تعلق بالتصدّق بمعنى التمليك بقصد القربة فلا يحصل الملك بصرف النذر، بل بالعمل به. و ان تعلّق بالتصدّق بمعنى الدفع الى المستحقّ فيكون مأمورا بالدفع الى المستحق. و اطلاق الأمر بالدفع من المالك الحقيقيّ يدلّ على خروج ما أمر بدفعه عن ملكيّة الناذر. و لذا استفيد خروج الزكاة و الخمس عن ملك المالك الى ملك الفقراء من الأمر بدفع بعض النصاب اليهم، و إلّا فلم يرد في أدلّة تشريع الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

حكم وضعيّ في تملّك الفقراء لحصّتهم. و ما ورد من ان اللّه- تعالى- شرّك بين الأغنياء و الفقراء في أموالهم فليس إلّا مأخوذا عن الحكم التكليفيّ، لا انّه ملّك الفقراء أوّلا، ثمّ أمر الأغنياء بدفع ملكهم اليهم على حدّ التكليف باداء الأمانة، بل الظاهر العكس و استفادة التملّك من الأمر بالدفع» «1».

هذه هي الأنحاء التسعة المتصوّرة لتعلّق الزكاة.

[فروع مسلّمة عند أصحابنا]

و ليعلم انّ هنا فروعا مسلّمة عند أصحابنا لا تلائم بعض هذه الأنحاء، فلنسردها اجمالا، فنقول: لو وجبت الزكاة في الذمّة لتكرّرت في النصاب الواحد بتكرّر الحول، و وجب التحاصّ مع الغرماء اذا قصرت التركة عن الدين مع بقاء عين النصاب، و لم يجز للساعي تتبع العين لو باعها المالك، و لم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط. و هذه اللوازم باطلة اتفاقا، كما في المدارك، و عن المفاتيح و المصابيح

أيضا.

و يدلّ على تتبّع الساعي للعين صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزك ابله أو شاته عامين فباعها. على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟

قال: نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع «2».

و يدلّ على السقوط بتلف النصاب مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يكون له ابل أو بقر أو غنم أو متاع فيحول عليها الحول فتموت الابل و البقر و الغنم و يحترق المتاع. قال: ليس عليه شي ء «3». و كذلك سائر الأخبار الدالّة على عدم ضمان المالك، فراجع الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة من الوسائل. فيستفاد من ذلك عدم كون الزكاة في الذمّة.

و كذلك يستفاد من السقوط بتلف النصاب بطلان القول بكونها من قبيل حق الرهانة أيضا، اذ المفروض فيه اشتغال الذمّة أيضا، كما مرّ. نعم، لا يترتب عليه اللوازم الاخر، اذ بتعلق الحقّ بالعين يخرج الملك عن التماميّة، و يقدّم حقّ الزكاة على حق الغرماء، و يجوز

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 467.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 132

..........

______________________________

للساعي تتبّع العين. فهذا ما يرد على احتمال الذمّة و على احتمال حقّ الرهانة.

و يرد على الاشاعة انّ مقتضاها عدم جواز الاداء من مال آخر، و لزوم كون التصرّف و التقسيم برضاية الطرفين، و لزوم الشركة في النماءات كالصوف و اللبن و النتاج و نحوها.

و اللوازم باطلة و لم يعهد من السعاة في وقت مطالبة النماءات، و ليس في صحيحة عبد

الرحمن أيضا اشعار بمطالبة الساعي بها.

و يرد على الكلّي في المعيّن انّ مقتضاه تعيّن الاداء من العين، و وقوع تلف البعض من المالك فقط كمن باع صاعا من صبرة و لا يلتزمون بهما في باب الزكاة.

و يرد على كونه من قبيل حقّ الغرماء ان تعلّقه بالمجموع لا الجميع بنحو التوزيع. و لذا يقع التلف على الورثة فقط و ليس باب الزكاة كذلك.

و يرد على كونه من قبيل منذور التصدّق به ان مقتضاه تعيّن الاداء من العين، كما في المنذور. و يردّ احتمال التكليف المحض ما دلّ على كونها بمنزلة الدين، يخرج من جميع المال كخبر عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه «ع» «1». و الظاهر افتاؤهم به.

و بالجملة فهنا فروع يلتزم بها الأصحاب، و يستفاد أكثرها من الروايات. و لا تلائم هذه الفروع ما ذكرناه من الأنحاء الستّة إلّا بتوجيه و تأويل. فيبقى احتمال الحكم التكليفيّ المحض، و كون التعلّق من قبيل حقّ الجناية أو ميراث الزوجة، فتدبّر.

و كيف كان فلنذكر بعض كلمات الأصحاب و الفقهاء في المسألة. ففي الخلاف (المسألة 28): «اذا حال على المال الحول فالزكاة تجب في عين المال. و لربّ المال أن يعيّن ذلك في أيّ جزء شاء. و له أن يعطي من غير ذلك أيضا مخيّر فيه ... و به قال الشافعي في الجديد و هو أصحّ القولين عند أصحابه. و به قال أبو حنيفة. و القول الثاني: تجب في ذمة ربّ المال و العين مرتهنة بما في الذمة، فكان جميع المال رهنا بما في الذمّة. دليلنا اجماع الفرقة ...» «2». ثمّ استدل ببعض الأخبار الظاهرة في كون النصاب ظرفا للفريضة.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 21 من أبواب المستحقّين

للزكاة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 1/ 280.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

و في المبسوط: «و الزكاة تجب في الأعيان التي تجب فيها الزكاة، لا في الذمّة، لما روي عنهم «ع»: الغنم اذا بلغت أربعين ففيها شاة ...، و لأنّه لا خلاف انّه لو تلف المال كلّه بعد الحول لم يلزمه شي ء. فدلّ على انّ الفرض يتعلّق بالأعيان، لا بالذمّة» «1».

و في الانتصار في مقام الردّ على وجوب الزكاة في مال التجارة قال: «و أيضا فانّ أصول الشريعة تقتضي انّ الزكاة انّما تجب في الأعيان، لا في الأثمان. و عروض التجارة عندهم انّما تجب في أثمانها، لا أعيانها و ذلك مخالف لأصول الشريعة» «2». فكأنه- قدّس سرّه- يرى المسألة من ضروريات الإسلام.

و في الشرائع في ذيل زكاة الأنعام: «و امّا اللواحق فهي ان الزكاة تجب في العين، لا في الذمّة» «3».

و في المنتهى: «الزكاة تجب في العين، لا في الذمة. ذهب اليه علماؤنا أجمع، سواء كان المال حيوانا، أو غلّة، أو اثمانا. و به قال أكثر أهل العلم. و للشافعي قولان. و عن احمد روايتان» «4».

و في التذكرة: «الزكاة تجب في العين، لا في الذمّة عند علمائنا. و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي في الجديد و أحمد في أظهر الروايتين ... و قال الشافعي في القديم: انّها تتعلّق بالذمم، و العين مرتهنة بذلك».

و فيها أيضا: «الزكاة تتعلّق بالعين عندنا و عند أبي حنيفة، إلّا ان أبا حنيفة قال:

لا يستحق بها جزء منها، و انّما تتعلّق بها كتعلّق الجناية بالعبد الجاني» «5».

و فيها أيضا: «قد بيّنا ان الزكاة متعلّق بالعين، لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل امكان الأداء، و لقوله: في أربعين شاة شاة.

و هل يصير أهل السهمين بقدر الزكاة شركاء

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 201.

(2)- الجوامع الفقهية/ 111.

(3)- الشرائع 1/ 148.

(4)- المنتهى 1/ 505.

(5)- التذكرة 1/ 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

لربّ المال؟ الأقرب المنع. و هو أحد قولي الشافعي، و إلّا لما جاز للمالك الاخراج عن غيره.

و يحتمل ضعيفا الشركة. و به قال مالك و الشافعي في الآخر ... فعلى عدم الشركة لا خلاف في انّ الزكاة متعلّق بالمال. فيحتمل تعلّق الدين بالرهن، اذ لو امتنع المالك من الأداء و لم يشتمل المال على الواجب باع الامام بعض النصاب فيه، كما يباع المرهون في الدين.

و تعلّق الأرش برقبة الجاني لأنّها تسقط بهلاك النصاب، كما يسقط الأرش بهلاك الجاني.

و الأخير مرويّ عن أبي حنيفة و احمد» «1».

و فيها أيضا: «الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة بالبيع و الهبة و أنواع التصرّفات. و ليس للساعي فسخ البيع و لا شي ء من ذلك، لأنّه مالك فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه. و تعلّق الزكاة به ليس بمانع، سواء قلنا الزكاة تجب في العين أولا، لأنّ تعلقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرّف في جزء من النصاب، فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية» «2».

و فيها أيضا: «لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصّته، لينتفى الضرر عن المالك بأخذ الجيّد و عن الفقراء بأخذ الرّديّ. و هو قول عامّة أهل العلم. و قال مالك و الشافعي اذا تعدّد الأنواع أخذ من الوسط. و الاولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء» «3».

و لا يخفى التهافت بين كلامه الأخير و ما قبله. اللهم إلّا ان لا يريد بالأخير كونهم شركاء حقيقة.

و في القواعد: «الزكاة تجب في

العين، لا الذمّة» «4».

و فيها أيضا: «و في تعلّق الزكاة بالعين احتمال الشركة، لأخذ الامام منها قهرا لو امتنع، و عدمها لجواز اخراج القيمة ...» «5».

و في الايضاح: «الزكاة تتعلّق بالعين باجماع الاماميّة، بمعنى ملك الفقير بالفعل، لقول النبي «ص»: في أربعين شاة شاة» «6».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 226.

(2)- التذكرة 1/ 224.

(3)- التذكرة 1/ 221.

(4)- القواعد 1/ 55.

(5)- القواعد 1/ 60.

(6)- الايضاح 1/ 207.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 135

..........

______________________________

و فيه أيضا في مبحث إجزاء بنت المخاض عن خمس شياة: «و يعضده اختيار الأصحاب، و هو تعلّق الزكاة بالعين تعلّق الشركة» «1».

و في مفتاح الكرامة: «مقتضى الأدلّة الدّالّة على وجوب الزكاة في العين و كلام القائلين بذلك ما عدا المصنّف في التذكرة في غاية الظهور في الشركة؛ بل لا يحتمل غيرها» «2».

و في زكاة الشيخ الأعظم: «الظاهر انّه لا خلاف بين الاماميّة في تعلّق الزكاة بالعين.

و صرّح في الايضاح باجماع الاماميّة على ذلك. و حكى دعوى الوفاق عن غير واحد» «3».

و في البيان: «السادسة: وجوب الزكاة في العين. و نقل ابن حمزة عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمّة. و الفائدة في تكرّرها بتكرّر الحول، و في سقوطها بتلف النصاب بغير تفريط بعد الحول» «4».

أقول: لم أجد ما ذكره في الوسيلة. نعم، فيها في مقام بيان زكاة مال التجارة: «و قال قوم من أصحابنا تجب في قيمته الزكاة» «5». و عدم ارتباطه بالمقام واضح. هذا.

و في الأمّ للشافعي (باب المال يحول عليه أحوال في يدي صاحبه): «اذا كانت لرجل خمس من الإبل فحال عليها أحوال و هي في يده لم يؤدّ زكاتها فعليه فيها زكاة عام واحد، لأنّ الزكاة في أعيانها» «6».

و فيه أيضا (باب رهن الماشية):

«و ان كان المرتهن باع الراهن على ان يرهنه هذه الماشية التي وجبت فيها الزكاة كان له فسخ البيع، لأنّه رهنه شيئا قد وجب لغيره بعضه، فكان كمن رهن شيئا له و شيئا ليس له» «7».

______________________________

(1)- الايضاح 1/ 177.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 111.

(3)- زكاة الشيخ/ 487.

(4)- البيان/ 186.

(5)- الجوامع الفقهية/ 679.

(6)- الامّ 2/ 45.

(7)- الامّ 2/ 21.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

أقول: عبارته الاولى صريحة في تعلّقها بالعين. و الثانية ظاهرة فيه. و قد مرّ من الخلاف و التذكرة ان قوله الآخر التعلّق بالذمّة مع كون العين مرتهنة بها. فليس هو قائلا بالذمّة المحضة و ان أوهم ذلك بعض النقول عنه.

و في الشرح الكبير لابن قدامة الحنبلي: «الزكاة تجب في عين المال اذا تمّ الحول، في احدى الروايتين عن احمد و أحد قولي الشافعي. و هذه الرواية هي الظاهرة عند أكثر الأصحاب ... و الرواية الثانية انّها تجب في الذمّة. و هو القول الثاني للشافعي، و اختيار الحزقي» «1».

و في المحلى لابن حزم (المسألة 664): «مسألة: و الزكاة واجبة في ذمّة صاحب المال، لا في عين المال» «2».

أقول: فليس في الخاصّة من يقول باشتغال الذمّة، و لكن العامة يختلفون في المسألة.

و استدل القائلون منهم بكونها في العين بالاخبار الّتي يستفاد منها كون النصاب ظرفا للفريضة، و القائلون بكونها في الذمّة بأنّها لو كانت في العين لم يجز اخراجها من غير النصاب، و لم يجز للمالك التصرّف في العين، و لتمكّن المستحقون من إلزام المالك بدفعها من العين، و لسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط كسقوط أرش الجناية.

هذه بعض الكلمات في المقام. و قد طال البحث في الانحاء المحتملة و نقل

الكلمات.

فلنرجع الى البحث عن أصل المسألة.

فنقول: قد يستدلّ على كون الزكاة في العين بالإجماع. و قد مرّ من الخلاف نسبته الى اجماع الفرقة، و من الانتصار الى اصول الشريعة، و من المنتهى الى علمائنا أجمع، و في التذكرة الى علمائنا، و ادّعى فيها عدم الخلاف أيضا، و في الايضاح اجماع الامامية، و في زكاة الشيخ عدم الخلاف بينهم، بل في الايضاح ان اختيار الأصحاب كون التعلّق بنحو الشركة.

و لكن ليعلم ان المسألة ليست من المسائل الأصليّة المأثورة حتى يكون الاجماع أو الشهرة

______________________________

(1)- ذيل المغني 2/ 463.

(2)- المحلى، ج 3، الجزء الخامس/ 262.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 137

[تعلق الزكاة على وجه الكلّي في المعيّن]

لكن لا على وجه الاشاعة (1)، بل على وجه الكلّي في المعيّن.

______________________________

فيها كاشفا عن تلقيها عن المعصومين «ع»، بل هي من المسائل التفريعية الاستنباطية. و لذا لم تذكر في الكتب المعدّة لنقل المسائل الأصليّة المأثورة كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و المراسم و نحوها. و لكن ذكرها الشيخ في خلافه، و كذا في مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي. و لا يفيد الاتفاق في الفتوى في هذا السنخ من المسائل شيئا، اذ الاجماع ليس عندنا حجّة بما هو اجماع و اتّفاق، بل بما هو كاشف عن فتوى الأئمة «ع» و تلقي المسألة منهم.

و في الشرائع أيضا ذكرها في اللواحق، لا في عداد المسائل الأصليّة.

فاثبات هذا العنوان، أعني كون الزكاة في العين بالإجماع مشكل. نعم، يمكن دعوى الاجماع على فروع فقهية ربّما أنتجب عند بعض كون الزكاة في العين. و لأحد منع انتاجها ذلك، فافهم.

(1) بعد ما عرفت الانحاء المحتملة في كيفية تعلّق الزكاة، و بعض العبارات و الكلمات في المسألة فاعلم ان المشهور بيننا كون

الزكاة في العين. و لعلّ المشهور كونها بنحو الشركة في الملك أيضا. و قد مرّ من الايضاح نسبتها الى اختيار الأصحاب، مشعرا باجماعهم على ذلك. و مر من مفتاح الكرامة ان مقتضى الأدلّة و كلام القائلين بكونها في العين ما عدا التذكرة الظهور في الشركة.

و لا يخفى ان مرادهم بالشركة في الملك كان هي الاشاعة، فانّ الكلّي في المعين أمر حدث أخيرا في المدرسة. و قد عرفت منّا المناقشة في خارجيّة الكلّي في المعيّن و ان وجّهناه بوجه، فراجع.

فعلى فرض تصوير الكلّي في المعيّن و خارجيّته يمكن أن يقال انّ بعض ما استدلّ به على الاشاعة ممّا يمكن تطبيقه على الكلّي في المعيّن أيضا.

[استدلّ به على الشركة بأمور]

و على أيّ حال فما استدلّ به على الشركة أمور:

الأول: خبر أبي المعزا، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: انّ اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم «1». و ظهوره في الشركة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 138

..........

______________________________

في الملكيّة، بل و كونها بنحو الاشاعة واضح. نعم، يمكن ان يطلق على صرف الحقّ أو التكليف المحض أيضا لفظ الشركة بنحو من العناية و لكنّه خلاف الظاهر.

الثاني: صحيحة بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه! انطلق ... ثمّ قل لهم:

يا عباد اللّه! أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم ... فاذا اتيت ماله فلا تدخله إلّا باذنه، فانّ أكثره له ... فاصدع المال صدعين، ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما

اختار فلا تعرّض له، ثمّ اصدع الباقي صدعين ثم خيّره، فايّهما اختار فلا تعرّض له، و لا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله ...». و نحو ذلك ما عن نهج البلاغة «1».

و ظهور قوله «فان أكثره له» في عدم كون الجميع له و كون الأقل لغيره واضح. و الأمر بصدع المصدّق للمال صدعين ظاهر في الاشاعة، اذ لو كان بنحو الكلّي في المعيّن كان تعيين الواجب باختيار المالك كمن باع صاعا من صبرة. و لا ينافي الاشاعة تخيير المالك في الاختيار، فانّه أمر اخلاقي اريد به الإرفاق بالمالكين.

و قد يجاب عن الاستدلال بالصحيحة بما في صدرها و ذيلها من التعبير بحق اللّه، بتقريب ان اضافة الحقّ اليه- تعالى- تدلّ على انّ الزكاة واجب مالي قد فرض اللّه أدائها. و لو كانت ملكا لأربابها لعبّر «ع» بأخذ حقّهم و بالوفاء لحقّهم. و يراد بحقّه- تعالى- المال الذي أوجب التصدّق به، لا المال الذي أخرجه عن ملك مالكه و أدخله في ملك نفسه.

أقول: كما يصحّ اطلاق حقّ اللّه على ما أوجب اللّه ايتاءه و التصدّق به يصحّ اطلاقه على ما جعله اللّه- تعالى- بتشريعه ملكا للفقراء، ثمّ أمر المالكين بايتائها. و كونه حقّا للفقراء لا ينافي اطلاق حقّ اللّه عليه أيضا من جهة ثبوته بجعله و تشريعه. و بالجملة فليس في لفظ:

«حق اللّه» ظهور ينقض الاستدلال. و حمل قوله: «فان أكثره له» على ارادة السلطنة التامّة، لا أصل الملكيّة خلاف الظاهر جدّا، لا يصار اليه إلّا بدليل.

الثالث: مرسلة علي بن أبي حمزة الثمالي، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام،

الحديث 1 و 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 139

..........

______________________________

الزكاة تجب عليّ في مواضع لا تمكنني ان أؤدّيها؟ قال: اعزلها. فان اتّجرت بها فانت لها ضامن و لها الربح. و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء. فان لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها «1».

و ظهور ذيل الحديث في الشركة في الملكيّة واضح، فانّ من آثار الشركة في العين كون النماء و الربح بين الشركاء بالنسبة. و لا ينافي ذلك كون المعاملة فضولية، لاحتمال امضاء الشارع الذي هو وليّ الجميع و الفقراء لذلك، كما ورد نظيره في الأخبار المستفيضة الواردة في التجارة بمال اليتيم و قد مرّت في أوائل الزكاة. و يحتمل ان يراد أيضا صورة اجازة الحاكم للمعاملة، فانّ له الردّ أيضا و أخذ الزكاة من نفس العين، كما يدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن الآتية. و لا يجوز له الاجازة إلّا مع الربح دون الوضيعة، لعدم الغبطة.

نعم، عمدة الاشكال ضعف الحديث بالارسال، و جهل بعض الرواة. فالاعتماد عليه مشكل. اللهم إلّا يقال ان نقل الكليني له مع تضمينه في ديباجة الكافي صحة ما ينقله لا يقلّ عن تصحيح النجاشي و غيره من علماء الرجال.

ثمّ انّ الحديث يلائم كلا من الاشاعة و الكلّي في المعيّن على فرض تصويره، فان الشركة في النماء و الربح من آثار الشركة في العين الخارجية مطلقا، كما لا يخفى.

الرابع: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزكّ ابله أو شاته عامين فباعها. على من اشتراها ان يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم، تؤخذ منه زكاتها و

يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع «2». بتقريب ان الزكاة لو لم تكن في العين لم تؤخذ من المشتري، بل كان المصدّق يرجع الى البائع ابتداء و يطالبه بالزكاة.

و أورد عليها بان قوله: «أو يؤدّي زكاتها البائع»، يفيد ان ما يؤدّيه البائع بنفسه زكاة، و انّه يوجب صحّة المعاملة على مقدار الزكاة، و هذا ينافي الشركة بقسميها، اذ مقتضى الشركة وقوع المعاملة بالنسبة الى مقدار الزكاة فضوليّة. فلعلّ التعلّق كان بنحو الحقّ،

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 140

..........

______________________________

و يسقط قهرا باداء الزكاة من الخارج.

أقول: ما قيل أو يمكن أن يقال في الصحيحة أمور:

الأول: ان البائع بعد اداء الزكاة من الخارج يصير مالكا لمقدار الزكاة. فيصير ممّن باع ثمّ ملك. و قد مرّ من الايضاح صحة المعاملة قهرا و عدم الاحتياج الى اجازة لا حقة، لأنّ العقد وقع منه برضاه فاذا لحقه الملكيّة تمّ بأركانه و شرائطه.

الثاني: ان يقال انّ محط نظر السائل هو حكم زكاة هذا المال، و جواب الامام أيضا ناظر الى ذلك. و امّا حكم المعاملة الواقعة من جهة الصحّة قهرا أو الاحتياج الى اجازة لا حقة فمسكوت عنه. فلعلّها تحتاج الى اجازة البائع بعد ما ملك مقدار الزكاة، كما هو الأقوى في مسألة من باع ثمّ ملك، كما مرّ.

الثالث: ان أخذ الزكاة من البائع من مال آخر كأنّه اجازة للمعاملة الواقعة على مقدار الزكاة. و بالجملة فالأخذ من المشتري ردّ للمعاملة، و الأخذ من البائع اجازة لها.

لا يقال: مقتضى الاجازة الأخذ من الثمن لا من مال آخر.

فانه يقال: لعلّه

أخذ بدلا من الثمن برضاهما، فتأمّل. اذ الآخذ للزكاة لا يتعيّن ان يكون هو الامام أو نائبه. و كون الفقير الخاص وليّا في اجازة المعاملة الواقعة على ملك عنوان الفقراء محلّ منع.

الرابع: ان يكون التعلّق بنحو الحقّ. فاذا سقط باداء البائع للزكاة تصحّ المعاملة قهرا.

كما اذا باع العين المرهونة، ثمّ فكّ الرهن. حيث لا يحتاج في مثله الى اجازة لا حقة.

فالمحتملات أربعة. و على الثلاثة. الأول تثبت الملكيّة. و على الأخير يثبت الحقّ فقط. و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. فالاستدلال بالحديث للشركة بلا وجه.

الخامس: صحيحة ابن مسكان و غير واحد جميعا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ان اللّه- عزّ و جلّ- جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم. و لو لا ذلك لزادهم. و انّما يؤتون من منع من منعهم «1». بتقريب انّ «اللام» للتمليك، و «في» للظرفية. فيكون الجعل جعلا للملكيّة،

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

و الزكاة ملكا للفقراء، و ظرف الملك أموال الأغنياء، فتكون بالشركة، إمّا بنحو الاشاعة أو الكلّي في المعيّن.

و يمكن أن يورد على ذلك بانّ اللام لمطلق الاختصاص، فيشمل الحقّ و مطلق النفع.

و الظرفية أعمّ من ظرف الملك و موضوع الحقّ و موضوع الحكم التكليفي، حيث انّ الموضوع ظرف للحكم، و الجعل أعمّ من الوضعيّ و التكليفيّ. و مع الاحتمال لا يصحّ الاستدلال، مضافا الى ما ورد في الروايات المستفيضة من: «ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم»، و «ان اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به»، و «ان اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا

يحمدون إلّا بادائها و هي الزكاة» «1»، و الفرض تكليف لا يتعلّق بالعين، بل بالعمل و هو الأداء. فهذه الروايات و أمثالها قرينة على كون الجعل في الحديث المذكور أيضا بنحو التكليف، فلا يستفاد منه الملكيّة و لا الحقّ.

السادس: ظواهر النصوص الكثيرة المشتملة على لفظة «في»، الظاهرة في ظرفيّة النصاب لنفس الواجب كقوله في الغلات: «ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالى و النواضح ففيه نصف العشر. و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر»، و في الذهب: «في كلّ عشرين دينارا نصف دينار»، و في الفضّة: «في كلّ مأتين خمسة دراهم»، و في الشاة:

«في كلّ أربعين شاة شاة» «2» الى غير ذلك من الاخبار. فيستفاد منها انّ الزكاة كائنة في عين النصاب، إمّا بنحو الاشاعة، أو بنحو الكلّي في المعيّن و ان كان ظهور لفظ العشر و نصف العشر في الاشاعة أقوى، كما انّ ظهور لفظ الشاة في الشاة الكاملة، أعني الكلّي في المعيّن أقوى.

و اجيب عن ذلك أوّلا، باحتمال كون كلمة «في» للسببيّة، لا الظرفيّة، كما في قوله:

«انّ امرأة دخلت النار في هرّة حبستها ...» «3»، و قولهم: «في القتل خطأ الدية، و في العين نصف الدية».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2 و 3 و 10.

(2)- الوسائل، ج 6، ص 120، 93، 97 و 78.

(3)- مسند احمد، ج 2/ 507.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

و يؤيّد ذلك عدم تعقّل الظرفية الحقيقيّة في مثل قوله: «في خمس من الابل شاة».

و حمله على ارادة الحصّة المشاعة في المجموع المساوية لقيمة شاة يوجب كون الشاة بدلا عن الفريضة لا نفسها و هو خلاف الظاهر.

و

ثانيا، بانه يظهر من كثير من النصوص كون الظرف لغوا، و كون كلمة: «في» متعلّقة بفعل ظاهر أو مقدّر مثل يجب أو فرض أو نحو ذلك. فيكون مدخولها ظرفا لذلك الفعل، لا مستقرّا متعلّقا بكائن، كما قد يتوهّم في بادئ النظر حتى يكون مدخول: «في» ظرفا لنفس الواجب.

ففي صحيح زرارة: «جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كلّ شي ء انبتت الأرض إلّا ما كان ...» «1».

و في صحيحة الفضلاء: «فرض اللّه- عزّ و جلّ- الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه «ص» في تسعة أشياء» «2».

و فيها أيضا: «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه. فاذا حال عليه الحول وجب عليه» «3».

و في خبر ابن الطيار، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عمّا تجب فيه الزكاة، فقال: في تسعة أشياء» «4».

و في خبر اسحاق بن عمّار: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السخل متى تجب فيه الصدقة؟

قال: اذا اجذع» «5».

و في خبر المفضّل: «قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» فسأله رجل في كم تجب الزكاة من المال؟ فقال له: ... ففي كلّ ألف خمسة و عشرون درهما» «6».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 143

..........

______________________________

و

في خبر زرارة: «ليس في النّيف شي ء حتّى يبلغ ما يجب فيه واحد» «1».

و في خبر الحسين بن يسار «قال: سألت أبا الحسن «ع» في كم وضع رسول اللّه «ص» الزكاة؟ فقال: في كلّ مأتي درهم خمسة دراهم» «2». الى غير ذلك ممّا ذكر فيه متعلّق الظرف من أفعال الجعل و الوضع و الوجوب و الفرض، بل لعلّ قوله: «في القتل خطأ الدية»، أيضا من هذا القبيل، اذ حمل: «في» على السببيّة خلاف الظاهر.

و ممّا يشهد لعدم كون المراد الظرفيّة لنفس الزكاة ما في كثير من النصوص من الجمع بين: «على» و «في»، كما مرّ في صحيحة الفضلاء من قوله: «فلا شي ء عليه فيه»، و كما في موثقة سماعة في الدين من قوله: «ليس عليه فيه زكاة حتّى يقبضه. فاذا قبضه فعليه الزكاة» «3». اذ مع كون الزكاة في نفس المال لا معنى ظاهر لقوله: «عليه». و كذا ما في كثير من النصوص من التعبير بحرف الاستعلاء بدل الظرفية، كما في رواية ابن شاذان:

«و الزكاة على تسعة أشياء»، و في رواية الحضرمي: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء» «4»، و في صحيح الفضلاء: «انّما الصدقات على السائمة الراعية» «5». الى غير ذلك. حيث انّ الظاهر من النصوص الأخيرة كون الزكاة شيئا موضوعا على المال خارجا عنه كالضرائب المتعارف جعلها على الأملاك في هذه الأزمنة. حيث لا يريدون جعل جزء من الملك ملكا للحكومة.

و يؤيد ذلك بعض النصوص المشتملة على التعبيرين معا، كما في صحيح زرارة:

«ليس على ما يعلف شي ء، انّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل. فامّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء» «6».

و بالجملة فالجمع بين النصوص

يقتضي حمل الظرفيّة على كونها «لغوا» متعلّقا بالأفعال

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2 و 5.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 144

..........

______________________________

المذكورة، ظاهرة أو مقدّرة. فلا يستفاد منها إلّا الحكم التكليفي بوجوب الأداء أو مرتبة من الحقّ فقط.

هذا بعض ما قيل في بيان الظرفيّة في المقام.

أقول: الاستدلال بالظرفية المذكورة لكون الزكاة في العين، لا في الذمّة مذكور في الخلاف، كما أشرنا اليه. و كذا في كلمات كثير من أصحابنا، و كثير من فقهاء السنة.

فينبغي البحث عنها من وجهين:

الأول: لا يخفى انّ لفظة «في» للظرفية مطلقا، سواء أريد بها ظرفيّة النصاب حقيقة للفريضة فكان ظرفا مستقرّا لها، أو اريد بها السببيّة، أو جعلت ظرفا لغوا. اذ على الثاني أيضا يعتبر السبب ظرفا للمسبّب، لتولده منه. و على الثالث يعتبر الموضوع ظرفا للحكم أو الحقّ، كما هو واضح.

و الظاهر انّه في كلّ من المحتملات الثلاثة يحتمل كلّ من الملك، و الحقّ، و الحكم التكليفيّ.

اذ مفاد الأوّل كما في المستمسك: «انّ الزكاة شاة كائنة في النصاب» «1». و هذا أعمّ من ان تكون الشاة الكائنة في النصاب ملكا لأرباب الزكاة، أو حقا لهم، أو ممّا يجب أداؤه إليهم.

و على الاحتمال الثاني يكون النصاب سببا امّا لملكية الفريضة

للفقراء، أو لحقيّتها، أو لوجوبها التكليفيّ المحض.

و على الثالث، يجب أداء الفريضة، إمّا لكونها ملكا لأرباب الزكاة، أو لكونها حقّا لهم، أو تكون تكليفا محضا.

و بالجملة الظرفية على المحتملات الثلاثة أعمّ من الملكيّة و الحقيّة و التكليف المحض.

نعم، مقتضى الظرفيّة مطلقا كون الزكاة في العين، لا الذمّة. و الظاهر انّ نظر الشيخ في الخلاف و كذا علماء الفريقين في الاستدلال بالظرفيّة أيضا ليس إلّا نفي الذمّة الّتي قال بها

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 178.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 145

..........

______________________________

بعض. و امّا كونها في العين بنحو الملكيّة فلعلّه لم يكن محطّ نظر المستدلّين، فتدبّر.

الوجه الثاني: على فرض كون الظرف مستقرّا و دلالتها على الملكيّة فهل تحمل على الاشاعة أو الكلّي في المعيّن؟ ظاهر العشر و نصف العشر الاشاعة. و ظاهر الشاة في قوله:

«في أربعين شاة شاة»، الكلّي في المعيّن. اذ الظاهر منها شاة واحدة، لا أربعون جزء من أربعين شاة. و كذلك الدراهم في قوله: «في مأتي درهم خمسة دراهم».

و لكن يرد عليه ما مرّ في زكاة الأنعام من اطلاق الفريضة، و عدم تقيّدها بالنصاب، اذ الفريضة يجب أن تكون ثنية أو جذعة، و لعلّ النصاب لا يشتمل عليهما. و كذلك في قوله:

«في ست و عشرين من الابل بنت مخاض»، لعلّ النصاب لا يشتمل على بنت المخاض.

و المصنف أيضا اختار جواز الأداء من غير النصاب. و ظاهره كونه نفس الفريضة، لا بدلا عنها. فعلى هذا لا يلائم هذه الجملات الكلّي في المعيّن.

و امّا قوله: «في خمس من الابل شاة» فلا يلائم الكلّي، و لا الاشاعة أصلا. و صاحب الجواهر حمل هذه الجملات على الاشاعة، بتقريب انّ الزكاة حصّة مشاعة من العين، سارية فيها، قدّرها الشارع بالفريضة

المعيّنة. و لا يخفى كونه مخالفا للظاهر لا يصار اليه إلّا بدليل يحوجنا اليه.

ثمّ انّ ظهور لفظ العشر و نصف العشر في الاشاعة لعلّه أقوى من ظهور الشاة أو الدرهم في الكلّي، اذ حملهما على الاشاعة أيضا ممكن. و لعلّ العرف يساعد عليه. و قد مرّ انّ لفظ الإشراك في خبر أبي المعزا أيضا في الاشاعة أظهر، بل قد عرفت انّ الشركة في العين كانت عند الأصحاب منحصرة في الاشاعة، و الكلّي في المعيّن أمر حدث في المدرسة، و قد ناقشنا في أصل خارجيّته، فراجع.

هذا، مضافا الى انّ مقتضى الكلّي في المعيّن وقوع تلف بعض النصاب على المالك فقط و ان كان بغير تفريط، و يشكل التزام المصنّف و أمثاله به، بل مرّ من المصنّف في المسألة العاشرة من زكاة الأنعام عدم ضمان المالك اذا تلف البعض و كون التلف عليهما، فراجع.

فالى هنا تكون الاشاعة أظهر من الكلّي في المعيّن. فلا نرى وجها لترجيح المصنّف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 146

..........

______________________________

إيّاه. و التفصيل بين الموارد و القول بالاشاعة في الغلات و الكلّي في المعيّن في الأنعام واضح البطلان بعد ظهور اخبار التسعة في كونها على وزان واحد، فراجع الاخبار المتعرضة لوضع رسول اللّه «ص» الزكاة في التسعة «1».

السابع: ممّا يستدلّ به على الملكيّة و الشركة في العين خبر الوشاء، عن أبي الحسن الرضا «ع» قال: قيل لأبي عبد اللّه «ع»: لأيّ شي ء جعل اللّه الزكاة خمسة و عشرين في كلّ ألف و لم يجعلها ثلاثين؟ فقال: ان اللّه- عزّ و جلّ- جعلها خمسة و عشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفى به الفقراء. و لو اخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد «2».

و

مورد الاستدلال أمران: الأول: قوله: «اخرج من أموال الأغنياء ...»، اذ الظاهر منه ان اللّه- تعالى- بتشريعه الزكاة اخرج مقدارها من ملك الاغنياء و ملّكها للفقراء.

و الحاصل ان الاخراج ليس خارجيّا، بل تشريعيّا، و يراد به الاخراج من الملكيّة.

الثاني: قوله: «و لو اخرج الناس زكاة أموالهم»، اذ يستفاد منه انّ الزكاة بوصف الزكاتية داخلة في أموال الناس، فتخرج منها اخراج المظروف من الظرف. و هذا يناسب الملكيّة، اذ على التكليف المحض يصير المال بالأداء زكاة فلا يناسب التعبير بالاخراج.

و بهذا يعلم امكان الاستدلال بجميع روايات الاخراج و العزل، فراجع الباب 52 و 53 من أبواب المستحقين للزكاة من الوسائل. فقوله «ع» في رواية يونس بن يعقوب مثلا: «اذا حال الحول فاخرجها من مالك» ظاهر جدّا في كون الزكاة غير ماله داخلة فيه فامر باخراجها منه، فتأمّل.

و لو منع دلالة امثال ذلك على الملكيّة فدلالتها على كون الزكاة في العين و عدم كونها في الذمّة واضحة غير قابلة للإنكار.

و قد تلخّص ممّا ذكرنا انّ ظاهر بعض الاخبار تحقّق الملكيّة بنحو الاشاعة، فيفسّر به جميع اخبار الباب الساكتة عن كيفيّة التعلّق.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 147

[يرد على القول بالملكيّة أمور]

______________________________

نعم، يرد على القول بالملكيّة أمور بعضها سهل الجواب، و بعضها ممّا يعسر الجواب عنه. و بعض هذه الأمور يرد على القول بالحقّ أيضا:

الأوّل: قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»، حيث يظهر منه انّ المأخوذ ليس مالا للفقير، بل من أموال المأخوذ منه.

الثاني: تسمية الزكاة في هذه الآية و سائر الآيات و الروايات صدقة، فانّ الصدقة

قبل الأداء ملك للمتصدّق يؤدّيها قربة الى اللّه- تعالى- و بالاعطاء تصير ملكا للمتصدّق عليه.

الثالث: عدم تصوير الملكيّة في الزكوات المستحبة مع وحدة سياق الروايات المتعرضة للزكوات الواجبة و المستحبة و ظهور الجميع في تعلّقها بالعين، بل اشتمال بعضها على كليهما، كالروايات المتعرضة لثبوت الزكاة في الغلات بأجمعها من الأربعة و غيرها، فراجع. و الجامع بين الجميع مطلوبيّة اعطائها للمصارف الثمانية، فلا ملك و لا حقّ قبل الاعطاء.

الرابع: اتفاقهم على اشتراط القربة في الزكاة و كذا الخمس، و عدم وقوع المدفوع زكاة اذا لم يقصد القربة. و لو كان ملكا أو حقّا للمصرف لم يعقل بقاؤه مع أدائه و وصوله الى مصرفه.

الخامس: ظهور النصّ و الفتوى في جواز اخراج الزكاة من غير النصاب، و كونه زكاة لا بدلا منها، بل الفريضة في بعضها من غير جنس النصاب كالشاة من الابل. و قد مرّ في صحيحة عبد الرحمن قوله: «أو يؤدّي زكاتها البائع» «1». فسمّى ما أداه البائع من غير العين زكاة.

و في صحيحة منصور بن حازم الواردة في زكاة القرض: «ان كان الذي أقرضه يؤدّى زكاته فلا زكاة عليه» «2».

و في صحيحتي الحلبي و ابن سنان انّ الباقر «ع» باع أرضه و اشترط على المشتري ان يزكّي الثمن «3».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 148

..........

______________________________

و في اخبار كثيرة جواز تعجيل الزكاة بان يؤدّي المال قرضا ثمّ يحتسب زكاة. و في بعض الاخبار جواز دفع القيمة. و

ظاهرها كونها بنفسها زكاة، لا وقوع معاملة في البين.

و بالجملة فجميع هذه و أمثالها تدلّ على عدم الملكيّة، و عدم كون الزكاة متمحّضة في العين.

السادس: انّ مقتضى الاشاعة كون التقسيم برضا الطرفين، و كون المعاملة على العين قبل اداء الزكاة فضوليّة، و على فرض اجازة الحاكم وقوع مقدارها من الثمن زكاة. و هذا خلاف صحيحة عبد الرحمن السابقة الحاكمة بكفاية أداء البائع للزكاة.

السابع: انّ الشركة تقتضي تبعيّة النماء للعين، بل و ضمان المالك له مع التأخير و ان لم يستوفه. مع انّ ظاهر النصّ و الفتوى و السيرة العملية في جميع الأعصار خلافه. فمورد السؤال في صحيحة عبد الرحمن رجل لم يزك ابله أو شاته عامين. و الابل و الشاة لا تخلو ان من الولد و الصوف و اللبن. و لم يتعرّض الحديث لضمانها. و في بعض الأخبار جواز تأخير الزكاة شهرين أو أكثر من غير تعرض لنمائها «1». و لم ينقل مطالبة السعاة لنماء الأنعام مع اختلافها في حلول الحول، و كون وصول السعاة الى محالّها بتقديم و تأخير، كما لا يخفى. و قد افتى الفقهاء بانّه لو مضى على النصاب أحوال متعدّدة لم يلزمه إلّا زكاة واحدة و لم يتعرّضوا لحكم النماء أصلا. فهذه أمور سبعة نوقشت بها الاشاعة.

و لكن يمكن ان يجاب عن الأوّل: بان اطلاق أموالهم باعتبار كونها سابقا لهم أو باعتبار كون الأكثر لهم و الأقلّ شايعا ساريا فيه.

و عن الثاني: بانّه يكفى في اطلاق الصدقة على مقدار الزكاة سبق ملكه له، و كونه في اختياره و وجوب أدائه في سبيل اللّه قربة اليه.

و عن الثالث: بمنع اقتضاء السياق الشركة في جميع الخصوصيات، بل يكفي فيه اشتراكها في المطلوبية و

كونها صدقة في سبيل اللّه و اتّحادها في المصرف.

و عن الرابع: بانّ مقتضى الاشاعة كون التقسيم و تعيّن المؤدّى زكاة برضا الطرفين، أو

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 149

..........

______________________________

باجازة الشارع الذي هو وليّ المصارف. و بالإجماع على اشتراط القربة يستكشف لزومها و عدم تعيّن المؤدّى لكونه زكاة و سهما للمصارف الثمانية إلّا مع القربة. و بعبارة اخرى:

الشارع و ان اجاز للمالك التقسيم و التعيين و لكنّه قيد الاجازة بما اذا كان التعيين و الافراز بقصد القربة، فتأمّل. اذ لو فرض اداء جميع المال أيضا لا يكفي بدون القربة.

و عن الخامس: بانّه لا مانع من ثبوت الاشاعة مطلقا، و لكنّ الشارع قدّر الحصّة المشاعة في البعض بما جعله فريضة او اجاز الأداء من الخارج، تسهيلا للمالكين. و هو ولّى المصارف الثمانية. و الزكاة اسم لكلّ ما يؤدّى بهذا العنوان قربة الى اللّه- تعالى- سواء كان من العين أو من الخارج.

و عن السادس: بانّ الشارع و كلّ الملّاك في التقسيم و الافراز، كما أجاز لهم الاداء من الخارج. و نسلّم كون المعاملة قبل اداء الزكاة فضوليّة. و قد مرّ ان المحتملات في صحيحة عبد الرحمن أربعة: منها صيرورة المعاملة بعد اداء البائع للزكاة صحيحة قهرا، بناء على عدم الاحتياج الى الاجازة اللاحقة في من باع ثمّ ملك. و منها انّ محطّ النظر في الصحيحة سؤالا و جوابا مسألة الزكاة. فهي ساكتة عن حكم صحة المعاملة. فلعلّها لا تصحّ إلّا مع الاجازة اللاحقة من البائع.

و عن السابع: بأنّ عدم تعرّض النصوص المشار اليها لحكم النماء لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة لا تدلّ على عدم تبعيّة

النماء، بل المستفاد من رواية أبي حمزة الحاكمة بثبوت قسطها من الربح لها تبعية النماء أيضا. و عدم مطالبة السعاة للنماء لعلّه كان للإرفاق أو لحسابه في قبال مصارف الرعى و الحفظ و نحو ذلك و هو أمر عرفي.

تتمة للبحث

قد عرفت انّ الانحاء المحتملة في كيفيّة تعلّق الزكاة تسعة: 1- التكليف المحض. 2- الذمّة محضا. 3- الاشاعة. 4- الكلّي في المعيّن. 5- انه من قبيل حقّ الرهانة. 6- من قبيل حقّ الجناية في العبد الجاني خطأ. 7- من قبيل حقّ غرماء الميّت. 8- من قبيل ميراث الزوجة من الأبنية. 9- من قبيل منذور التصدّق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 150

..........

______________________________

و ادعى عدة منّا الاجماع على انّ الزكاة تتعلّق بالعين. و به قال أكثر فقهاء السنة أيضا.

و قال بعضهم انّها في الذمة. و لكن المسالة ليست من المسائل الأصليّة المأثورة، بل من المسائل التفريعية، فلا يفيد فيها الاجماع. و مقتضى ثبوتها في الذمّة عدم سقوطها بتلف العين بلا تفريط و هو خلاف الأخبار و الفتاوى. فبطل احتمال الذمّة محضا و الذمّة مع كون العين رهنا لها. و الكلّي في المعيّن مع الاشكال في خارجيّته و مع عدم احتماله في مثل قوله: «في خمس من الابل شاة» يقتضي تعيّن كون الفريضة من العين و كون تلف البعض من المالك فقط. و لا يلتزم بذلك المصنّف أيضا. كما ان مقتضى كونه من قبيل حقّ الغرماء أيضا وقوع التلف من المالك فقط. و كونه من قبيل منذور التصدّق يقتضي تعيّن الأداء من العين و لا نقول به.

و قد سردنا سبعة أدلّة للدلالة على الملكيّة. و الظاهر من أكثرها الاشاعة. و سردنا سبعة وجوه لنقض ذلك، لكن وجّهناها.

فالأحوط ان لم

يكن أقوى ترتيب آثار الاشاعة من عدم جواز التصرّف ما لم يخرج الزكاة، و كون المعاملة عليها فضوليّة، و شركتهما في النماء.

نعم، يستقلّ المالك بالتقسيم. كما انّه يجوز له الدفع من الخارج لما ثبت بالدليل.

و الى هذا أيضا يرجع ما تراه من كثير من المعلّقين على العروة، حيث قالوا بالشركة في الماليّة، كما في أرث الزوجة من الاشجار و الأبنية، فانّ الحقّ فيه أيضا انّ الزوجة شريكة في التركة، كما يقتضيه عموم الآية. و لذا لا يجوز التصرّف فيها قبل اداء حقّها إلّا باذنها. إلّا انّ الشارع اجاز للورثة اداء القيمة ارفاقا بهم من جهة احتمال مزاوجتها للأجنبي و الإتيان به في حيطانهم.

و القوم قالوا انّها لا ترث من ذات الابنية، بل من ماليتها. و بعبارة اخرى: ترث منها بما انّها تسوّى كذا درهما مثلا. فيجزى دفع العين و القيمة لصدق دفع المالية في كليهما.

و فيه انّ الماليّة وصف اعتباريّ لهذا الشي ء قائمة به، و لا يمكن اداء الصفة إلّا باداء الموصوف، فاداء القيمة ليس اداء لمالية هذا الشي ء، بل اداء لما يسوّى ماليّته.

و الحاصل ان ما ترثه الزوجة ليس هو الماليّة المطلقة، بل ماليّة هذا الشي ء، و هي قائمة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 151

[على الإشاعة لو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب]

و حينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ (1) اذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده. بخلاف ما اذا باع الكلّ، فانّه بالنسبة الى مقدار

______________________________

به. فما يؤدّى من الخارج بدل عنها، لا عينها.

فالحق ما ذكرناه من شركتها في العين مع اختيار الورثة في اداء العين و القيمة، كما في باب الزكاة على ما قوّيناه. و تلف البعض بلا تفريط يقع على الطرفين، كما في المقام أيضا.

و لعلّ

القوم أيضا لا يريدون إلّا هذا، فسمّوه بحسب الصناعة شركة في الماليّة. و نحن لا نقيد أنفسنا بالأسامي، بل نوضح المراد، فسمّه ما شئت.

و لو تنزّلنا عن ذلك فالظاهر انّ التعلّق من قبيل حقّ الجناية في العبد الجاني خطأ، حيث يكون الملك باقيا بملك المالك و لكن ورثة المقتول يستحقون ان يملكوا العين أو القيمة.

و لا يمنع هذا الحقّ من التصرّفات الناقلة، اذ الحق لم يتعلّق بالعين بما هو ملك لهذا المالك، كما في حقّ الرهانة، بل بما هو جان لهذه الجناية، فيجوز انتقاله الى الغير، و الحقّ قائم به اينما وجد. نعم، للمشتري الخيار مع الجهل.

و امّا اذا منعنا الملك و الحقّ معا و قلنا بكون التعلّق بنحو التكليف المحض بالأداء من دون أن يستعقب الوضع فلازمه عدم جواز أخذ الساعي من الممتنع قهرا عليه. نعم، يجوز للحاكم الشرعي إلزامه على الأداء حسبة، كما في جميع الواجبات و المحرمات. و مقتضى صحيحة عبد الرحمن السابقة جواز الأخذ من المشتري قهرا، فالظاهر ثبوت نحو من الحقّ، فتدبّر.

(1) و امّا على الاشاعة فيكون فضوليّا. ثمّ انّ صحّة بيع البعض كما تترتّب على الكلّي في المعيّن تترتّب على كونه بنحو حقّ الجناية أيضا، بل عليه يصحّ بيع الكلّ أيضا، اذ الحق تعلّق بالعين بذاتها، لا بما انّها ملك لهذا الشخص. فالحقّ يدور معها أينما دارت. بل على فرض كونه بنحو حقّ الرهانة أيضا يمكن القول بصحّة بيع الزائد على مقدار الزكاة، اذ لا دليل على كون جميع المال رهنا لما في الذمّة. و المتعارف كون الرهن بمقدار الدين.

ثمّ انّه على فرض كونه متعلّقا بجميع المال فلا يجوز بيع البعض و لو مشاعا. و امّا على الاشاعة فيجوز

ذلك، كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 152

الزكاة يكون فضوليّا محتاجا الى اجازة الحاكم (1) على ما مرّ.

و لا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط (2).

______________________________

(1) فان اجاز صارت حصّة من الثمن زكاة. و امّا بناء على كونه بنحو حقّ الرهانة فالاجازة توجب فكّ العين و بقاء الزكاة في الذمّة فقط. و امّا بناء على كونه بنحو حقّ الجناية فلا يحتاج الى الاجازة، بل المعاملة وقعت صحيحة فان ادّى المالك الزكاة فهي، و إلّا أخذت من العين أينما وجدت، و للمشتري خيار الفسخ مع الجهل بذلك.

(2) اذ لا دليل على كفاية العزم أو التعهّد من المالك في فكّ العين، بل يجب الأداء أو العزل. و كون اختيار الافراز بيد المالك شرعا و جواز الأداء من غير العين أيضا لا يدلّ على كفاية العزم و التعهّد منه. اللهم إلّا ان يستدل لذلك بذيل موثقة يونس بن يعقوب الدالّة على كفاية العزل، حيث قال: قلت: فان أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال: نعم، لا يضرّك «1». حيث يستفاد منها كفاية الضبط و التضمين في جواز التصرّف في المال، فراجع. و لو أدّاها بعد البيع من مال آخر فالأحوط اجازته للمعاملة السابقة، لأنّه يصير من قبيل من باع شيئا ثمّ ملكه. و الأقوى فيه الاحتياج الى الاجازة اللاحقة. و صحيحة عبد الرحمن لا يستفاد منها صحة البيع بصرف أداء الزكاة، اذ محطّ النظر فيها سؤالا و جوابا هو الزكاة. فهي ساكتة عن حكم البيع الواقع. نعم، لو منعنا الملكية و قلنا بكون التعلّق بنحو الحقّ فاداء الزكاة يوجب فك الملك، فيصير البيع صحيحا بلا احتياج الى الاجازة.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6،

الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 153

حكم خرص الثمر و الزرع

[يجوز للساعي خرص ثمر النخل و الكرم]

[مسألة 32]: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم (1).

______________________________

(1) بلا خلاف أجده بيننا، بل في الخلاف و المعتبر و غيرهما الاجماع عليه. كذا في الجواهر.

أقول: هل يجوز من قبل الساعي خرص غلّات الناس، أو انّه تصرّف في مال الغير و لعلّهم لا يريدون أن يطلع على أموالهم أحد، و أمر الزكاة محوّل الى أنفسهم؟

ثم هل يكون الخرص لتخويف العمّال و الأكرة فقط، لئلّا يسرقوا من الثمرة أو يلزمه حكم شرعا؟

و على الثاني فهل يكون امارة على الوزن و الكيل فقط ما لم ينكشف الخلاف، أو يكون معاملة شرعية لازمة الوفاء، انكشف الخلاف أم لا؟

ثمّ هل يختصّ بالثمرة أو يجري في الزرع أيضا؟

فهذه أمّهات جهات البحث في المسألة.

قال في الخلاف (المسألة 72): «يجوز الخرص على أرباب الغلات و تضمينهم حصّة المساكين.

و به قال الشافعي و عطا و الزهري و مالك و أبو ثور، و ذكروا انّه اجماع الصحابة. و قال الثوري و أبو حنيفة لا يجوز الخرص في الشرع، و هو من الرجم بالغيب، و تخمين لا يسوغ العمل به، و لا تضمين الزكاة ... دليلنا اجماع الفرقة، و فعل النبيّ «ص» بأهل خيبر. و كان يبعث

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 154

..........

______________________________

في كل سنة عبد اللّه بن رواحة حتّى يخرص عليهم. و روت عائشة، قالت: كان رسول اللّه «ص» يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصا الى خيبر. فاخبرت عن دوام فعله. و روى الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن غياث انّ النبيّ «ص» قال في الكرم يخرص كما يخرص النخل، ثمّ تؤدّي زكاته زبيبا كما

تؤدّي زكاة النخل تمرا». «1»

فاطلاق كلام الشيخ و الاجماع الذي أدّعاه يشملان الزرع أيضا. كما انّ الظاهر ادّعاء الاجماع على التضمين أيضا، و ظاهره المعاملة لا صرف كونه امارة متّبعة ما لم ينكشف الخلاف.

و في الخلاف المطبوع، و كذا المعتبر لفظ: «غياث»، و الظاهر انّه غلط و الصحيح:

«عتّاب» بالعين المهملة و التاء المثنّاة من فوق المشدّدة و الباء الموحّدة.

ففي سنن أبي داود (باب خرص العنب) باسناده عن عتاب بن اسيد، قال: امر رسول اللّه «ص» ان يخرص العنب كما يخرص النخل، و تؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا.

و امّا حديث خرص عبد اللّه بن رواحة لنخل خيبر فهو و ان دلّ على جواز الخرص اجمالا و لكنّ الظاهر انّ خرص خيبر كان لتشخيص سهم رسول اللّه «ص»: عن سهم اليهود، حيث خارجهم «ص» على النصف، و امّا كونه لأخذ الزكاة فلا يستفاد منه.

و في المعتبر: «يجوز الخرص على أرباب النخيل و الكروم و تضمينهم حصّة الفقراء. و به قال الشافعي و مالك و احمد. و قال أبو حنيفة: لا يجوز الخرص، لأنّه تخمين و خرص لا يجوز العمل به. و من أصحابه من أنكره عنه، و زعم انّه يجوّز، لكن لا يلزم. لنا ما روي انّ النبي «ص» بعث عبد اللّه بن رواحة يخرص على يهود نخلهم حين يطيب الثمار، و ما رواه غياث بن اسيد (عتّاب بن اسيد) انّ النّبيّ «ص» كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم. و ما احتجّوا به ضعيف، لأنّه تخمين مشروع، فكان كقيم المتلفات» «2».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 294.

(2)- المعتبر/ 268.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

و في التذكرة: «يجوز الخرص على أرباب الغلات و

الثمار بان يبعث الإمام ساعيا اذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحبّ ليخرصها و يعرف قدر الزكاة و يعرّف المالك ذلك. و به قال الحسن و عطا و الزهري و مالك و الشافعي و احمد و ابو عبيد و ابو ثور و أكثر العلماء، لأنّ النّبيّ «ص» كان يبعث الى الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم. و قال الشعبي:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 155

الخرص بدعة. و قال أصحاب الرأي: انّه ظنّ و تخمين لا يلزم به حكم، و انّما كان الخرص تخويفا للأكرة لئلّا يخونوا. فامّا ان يلزم به حكم فلا» «1».

و ظاهره أيضا جواز الخرص في الزرع أيضا و ان لم تشمله الرواية المنقولة.

و كيف كان فجواز الخرص و مشروعيته في الثمار اجمالا اجماعيّ عندنا. و يدلّ عليه- مضافا الى الاجماع المدّعى، و ما مرّ من الاخبار- خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»، قال: كان رسول اللّه «ص» اذا أمر بالنخل ان يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردإ التمر، يؤدّونه من زكاتهم تمرا، يقال له: الجعرور و المعافارة، قليلة اللحاء، عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه «ص» لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل:

«وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»، و

الاغماض ان يأخذ هاتين التمرتين «2».

و عن العيّاشي، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه. «إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»، فقال: ان رسول اللّه «ص» بعث عبد اللّه بن رواحة فقال: لا تخرصوا أم جعرور و لا معافارة.

و كان اناس يجيئون بتمر سوء، فانزل اللّه: «وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ». و ذكر انّ عبد اللّه خرص عليهم تمر سوء فقال رسول اللّه «ص»: يا عبد اللّه لا تخرص جعرورا و لا معافارة. و نحوه خبر اسحاق بن عمار «3».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 221.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1، 4 و 5.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1، 4 و 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 156

[يجوز خرص الزرع على المالك]

بل و الزرع على المالك (1).

______________________________

فيستفاد من هذه الأخبار اجمالا مشروعية الخرص في ثمر النخل، و وقوعه بأمر النبي «ص».

و في صحيحة سعد الأشعري، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن العنب هل عليه زكاة، أو انّما تجب عليه اذا صيّره زبيبا؟ قال: نعم، اذا خرصه اخرج زكاته «1». فيستفاد منها مشروعية الخرص في العنب أيضا، بناء على كون: «خرصه»، بالخاء المعجمة. فيكون الخرص كناية عن بلوغ النصاب. فالمراد انّه اذا خرصه و ثبت بذلك كونه نصابا وجب اخراج زكاته اجمالا في وقت الاخراج. و امّا بناء على كونه بالمهملة من قبيل: «حرص المرعى» اذا لم يترك منه شيئا فلا يفيد في المقام.

(1) قد مرّ انّ ظاهر الخلاف و التذكرة جواز الخرص فيه أيضا، و يشمله اجماع الخلاف. و عن التلخيص انّه المشهور. و لكن في المعتبر: «الثامن: ظاهر كلام الشيخ جواز الخرص في الزرع، كما

هو في النخل و الكرم. و انكر ذلك احمد و مالك و خصّه بالنخل و الكرم اقتصارا على ما فعله سعاة النبي «ص». و لعلّ ما ذكره مالك أشبه بالمذهب. و به قال ابن الجنيد منّا» «2».

و في المنتهى: «الأقرب اختصاص الخرص بالنخل و الكرم. و به قال مالك و احمد و اختاره ابن الجنيد» «3».

و استدلّ المانعون بأنّ الخرص ظنّ و تخمين، فالعمل به خلاف القاعدة. و النّصّ لا يشمله. و حمله على النخل و الكرم قياس. و بأنّ الزرع منه مستتر، و ثمر النخل و الكرم ظاهر، فالخرص فيه أقرب الى اصابة الحقّ دون الزرع. و بأنّ اصحاب النخل و الكرم قد يحتاجون الى تناوله رطبا قبل جذاذه، و ليس الزرع كذلك، لقلّة الاحتياج الى الفريك.

اقول: في صحيحة سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا «ع» قال سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: اذا ما صرم و اذا

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.

(2)- المعتبر/ 269.

(3)- المنتهى 1/ 501.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 157

..........

______________________________

ما خرص «1». فلو كان قوله: «خرص»، بالخاء المعجمة و قيل برجوعه الى جميع المذكورات دلّت الصحيحة على ثبوت الخرص في الزرع أيضا، و يراد بالجملتين ان من أراد الصرم اخرج زكاته حين الصرم، و من لم يرده، بل اراد ابقاء المحصول فعلا فعليه اخراجها حين الخرص، أو يراد التخيير مطلقا. و امّا اذا قرء بالمهملة من قوله: «حرص المرعى» اذا لم يترك فيه شيئا فلا تفيدنا هنا. و عليه يمكن ان يرجع الصرم الى التمر و الحرص الى الحنطة و الشعير. هذا.

حكم تقبيل احد الشريكين حصّته

و

لكن يمكن الاستعانة لهذا الباب و بعض فروعه ببعض اخبار التقبيل، اذ المقام أيضا بناء على الاشاعة من مصاديقه. و تقبيل احد الشريكين حصته من الثمر، أو الزرع الى شريكه بعد تشخيص الحصة بالخرص جائز و ان أبطلنا بيع المزابنة و المحاقلة. و لعلّه عقد برأسه غير البيع و الصلح. و لذا يقع بلفظ التقبيل و ما يفيد معناه، و لا يضره احتمال الربا.

و يدلّ على صحّته اخبار مستفيضة، بعضها واردة في الاشجار، و بعضها في الزرع. ففي صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا ان تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّى و تعطيني نصف هذا الكيل امّا زاد أو نقص، و امّا ان آخذه انا بذلك. قال: نعم، لا بأس به.

و في صحيحة الحلبي قال: اخبرني أبو عبد اللّه «ع» انّ أباه حدّثه انّ رسول اللّه «ص» أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها. فلمّا ادركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليه قيمة و قال لهم: إمّا ان تأخذوه و تعطوني نصف الثمر (الثمن خ. ل)، و إمّا اعطيكم نصف الثمر. فقالوا بهذا قامت السّماوات و الأرض. و نحوها صحيحتا أبي الصباح و يعقوب بن شعيب الاخرى.

و في مرسل محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه، قال: قلت لأبي الحسن «ع»: انّ لنا اكرة فنزارعهم فيجيئون فيقولون انّا قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا فاعطوناه و نحن نضمن لكم ان نعطيكم حصّتكم على هذا الحزر. قال: و قد بلغ؟ قلت: نعم. قال: لا بأس بهذا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 2، ص: 158

..........

______________________________

قلت: انّه يجي ء بعد ذلك فيقول: انّ الحزر لم يجئ كما حزرت و قد نقص؟ قال: فاذا زاد يردّ عليكم؟ قلت: لا. قال: فلكم ان تأخذوه بتمام الحزر. كما انّه ان زاد كان له كذلك اذا نقص كان عليه «1».

و الحزر بالحاء المهملة و الزاء المعجمة بعدها الراء المهملة: الحدس و التخمين. و لا يخفى انّ مورد المرسل الزرع، و مورد صحيحة الحلبي خيبر: ارضها و نخلها. و المراد بارضها الزرع.

و لذا استدلّ أئمتنا- عليهم السلام- على بعض أهل الخلاف المنكرين لصحة المزارعة بما صنعه النبي «ص» في خيبر، حيث قبل أرضها و نخلها «2».

و فقهاؤنا أفتوا بصحة التقبيل في الثمار و الزرع معا. فكأنّه استثناء من المزابنة و المحاقلة المحرّمتين.

ففي الشرائع في باب بيع الثمار: «اذا كان بين اثنين نخل أو شجر فتقبّل احدهما بحصة صاحبه بشي ء معلوم كان جائزا» «3».

و في التذكرة: «يجوز ان يتقبّل أحد الشريكين بحصّة صاحبه من الثمرة بشي ء معلوم منها لا على سبيل البيع» «4».

و في الدروس: «و يجوز تقبيل الشريك بحصّة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم و ان كان منها. و هو نوع من الصلح، لا بيع. و قراره مشروط بالسلامة» «5».

و في مزارعة الشرائع: «يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع. و الزارع بالخيار في القبول و الردّ. فان قبل كان استقرار ذلك مشروطا بالسلامة، فلو تلف الزرع بآفة سماوية أو أرضية لم يكن عليه شي ء» «6».

و قد وقع البحث بينهم بعد الاتفاق على صحّة التقبيل في جهات:

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 10 من أبواب بيع الثمار.

(2)- الوسائل، ج 11، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ.

(3)- الشرائع 2/ 55.

(4)- التذكرة 1/ 510.

(5)- الدروس/ 351.

(6)-

الشرائع 2/ 153.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 159

..........

______________________________

الاولى: هل هو بيع، أو صلح، أو عقد برأسه؟ و لعلّ الأقوى هو الأخير.

الثانية: الظاهر من الاخبار و الفتاوى لزوم العقد. و هو الأقوى. نعم، يظهر من بعضهم الترديد في ذلك.

الثالثة: ظاهر الأخبار و الفتاوى انّه لو ظهر النقص كان على المتقبّل، كما انّ الزيادة له، فانّه مقتضى المعاملة الواقعة. و لكن يظهر من بعض الكلمات الترديد في ذلك.

الرابعة: المشهور بينهم كما مرّ من الدروس و الشرائع أيضا كون القرار مشروطا بالسلامة، و انّه لو تلف الثمر أو الزرع بآفة لم يكن على المتقبّل شي ء. و تردّد فيه في التذكرة و جامع المقاصد و المسالك.

ففي المسالك: «المعلوم من الرواية انّه معاملة على الثمرة و انّه لازم، بحيث يملك المتقبّل الزائد و يلزمه لو نقص. و يلزم ذلك أن يكون مضمونا في يده، و لعموم على اليد ما أخذت، و لأنّه لم يدفعه مجانا بل بعوض. و لو قلنا بانّ المقبوض بالسّوم مضمون فهذا أولى. و في الدروس انّ قراره مشروط بالسلامة، حتّى لو هلكت الثمرة بأجمعها فلا شي ء على المتقبّل.

و دليله غير واضح. و ربّما وجّه بان العوض اذا كان من المعوّض و رضى به المقبّل فقد رضى بكون حقّه في العين لا في الذمّة. فاذا تلف بغير تفريط احتاج ثبوت بدله في الذمّة الى دليل. و فيه نظر» «1».

أقول: المقدار المخروص الذي يجعل عوضا عن الحصّة إمّا ان يجعل في ذمّة المتقبّل، أو في العين الخارجية بنحو الكلّي في المعيّن، أو بنحو الاشاعة. فمقتضى الأوّل كونه بعهدة المتقبّل و ان تلفت العين. و مقتضى الثاني كون تلف البعض على المتقبّل ما دام يبقى مقدار العوض لكن

لا ضمان عليه لو تلف الجميع، لكونه بحكم الامانة في ضمن الكلّ. و على الثالث يكون تلف البعض و كذا الجميع عليهما بالنسبة.

و بالجملة بناء على كون العوض من نفس العين لا وجه لاشتغال ذمّة المتقبّل ببدله، فانه امانة عنده في ضمن الكلّ لا يضمنه إلّا بالتفريط. نعم، لو جعل العوض من الجنس

______________________________

(1)- المسالك 1/ 207.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 160

..........

______________________________

أعم من العين و غيرها أو من غيرها فقط يشكل عدم الضمان إلّا أن يؤخذ بقاء العين سالما بنحو الشرط المتأخّر شرطا في المعاوضة. و أكثر اشكالا من ذلك ما اذا جعل العوض من غير الجنس، فتأمّل.

اذا عرفت بعض فروع التقبيل ملخّصا فنقول: مسألتنا هذه في باب الزكاة تقرب من مسألة التقبيل، أو تكون من مصاديقه بناء على الاشاعة.

فبملاحظتها يظهر. أوّلا، ثبوت الخرص في الزرع أيضا كما في التقبيل.

و ثانيا، يكون الخرص مقدّمة للمعاملة بين المالك و الساعي. و هو المراد ظاهرا من التضمين الوارد في كلماتهم.

و به قال في الجواهر، حيث قال: «و لا يشترط في الخرص صيغة، بل هو معاملة خاصّة يكتفى فيها بعمل الخرص و بيانه. و لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى. و هو معاملة غريبة، لأنّها تتضمّن وحدة العوض و المعوّض و ضمان العين. ثمّ ان زاد ما في يد المالك كانت الزيادة له و ان قيل انّه يستحب له بذل الزيادة، و ان نقص فعليه تحقيقا لفائدة الخرص» «1».

و تبعه المصنّف أيضا و ان كان في التعبير نحو مسامحة، فان الخرص بمعنى التخمين ليس بنفسه معاملة، بل يكون مقدّمة للتقبيل الذي هو المعاملة.

و لكن يظهر من بعض، منهم الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه عدم تحقق المعاملة، بل

يكون الخرص امارة لتشخيص مقدار الزكاة. قال- قدّس سرّه- في ضمن كلام طويل في مناقشة كلام المحقّق ما حاصله: «ان التعويل على الخرص انّما يصحّ لدى عدم انكشاف مخالفته للواقع. أمّا بعد الانكشاف فالحكم يدور مدار واقعه، كما في سائر الطرق الظنية.

اللهم إلّا ان يلتزم باعتبار الخرص على جهة الموضوعيّة و السببيّة، لانقلاب التكليف الى ما أدّى اليه نظر الخارص، أو يقال بانّ مرجع تضمينهم حصّة الفقراء بما أدّى اليه نظره الى المصالحة معهم. فيتّجه على هذا ما حكى عن مالك. من القول بانّه لو تلفت الثمرة بآفة سماوية بغير تفريط لم يسقط ضمانه. و شي ء منهما مما لا يساعد عليه دليل، اذ لم يعلم ممّا دلّ

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 258.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 161

..........

______________________________

على انّ النبيّ «ص» كان يبعث من يخرص عليهم كرومهم و نخيلهم، و لا من غيره ممّا دلّ على شرعية الخرص في باب الزكاة أزيد من ارادة معرفة حقّ الفقير بطريق التخمين، و جواز التعويل على هذا الطريق ما لم ينكشف الخلاف. فما في كلماتهم من التعبير بتضمينهم حصّة الفقراء يراد منه الزامهم بالعمل بمقتضى خرصه على جهة الطريقيّة، أي التعويل عليه ما لم يتبيّن خلافه» «1».

و فيه ما مرّ من انّ المقام من قبيل التقبيل المذكور في كلماتهم في باب بيع الثمار و المزارعة، و هو المراد من التضمين ظاهرا.

و ثالثا، مقتضى المعاملة و لزومها كون الزيادة للمتقبّل و النقص عليه، كما مرّ من الجواهر و يأتي من المصنّف. فلا وجه لتردّد المحقّق في المعتبر في ذلك.

و رابعا، لو تلف البعض أو الكلّ بآفة سماوية أو ظلم ظالم فالظاهر عدم الضمان، لكونها امانة، بل الظاهر انّ الأمر هنا

أوضح، لأنّ وقت الاخراج كما مرّ في المسألة السادسة حين الاقتطاف و الحصاد. فقرارها بالبقاء الى وقت الاخراج، فلا ضمان قبله. اللهم إلّا مع التفريط، فراجع ما حرّرناه في تلك المسألة.

و في التذكرة: «و لو تلفت بجائحة من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص و الضمان عن المتعهّد اجماعا، لأنها تلفت قبل استقرار الزكاة» «2». هذا.

فروع [في الخرص]

و المناسب هنا نقل بعض الفروع التي تعرض لها في المعتبر. قال بعد عنوان المسألة كما مرّت عبارته:

«فروع: الأول: وقت الخرص حين يبد و صلاح الثمرة، لأنّه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا، و لما روى انّ النّبيّ «ص» كان يبعث عبد اللّه خارصا للنخيل حين يطيب.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 75.

(2)- التذكرة 1/ 221.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

الثاني: يجزى خارص واحد، لأنّ الأمانة معتبرة فيه، فلا يتطرّق اليه التّهمة، و لأنّ النّبيّ «ص» اقتصر على الواحد.

الثالث: صفة الخرص ان يقدّر الثمرة لو صارت تمرا، و العنب لو صار، زبيبا. فان بلغ الأوساق وجبت الزكاة، ثمّ خيّرهم بين تركه امانة في يدهم، و بين تضمينهم حقّ الفقراء، أو يضمن لهم حقّهم فان اختاروا الضمان كان لهم التصرّف كيف شاءوا و ان أبوا جعله امانة. و لم يجز لهم التصرّف بالأكل و البيع و الهبة، لأنّ فيها حقّ المساكين.

الرابع: لو تلفت الثمرة بغير تفريط منهم مثل عروض الآفات السماوية و الأرضية أو ظلم ظالم سقط ضمان الحصّة، لأنّها امانة فلا تضمن بالخرص. و قال مالك: يضمن ما قال الخارص، لأنّ الحكم انتقل الى ما قال. و ليس بوجه. و لو تلف بعضها لزمه زكاة الموجود حسب.

الخامس: لو ادّعى المالك غلط الخارص فان كان قوله محتملا اعيد الخرص، و ان

لم يكن محتملا سقطت دعواه.

السادس: لو زاد الخرص كان للمالك. و يستحب بذل الزيادة. و به قال ابن الجنيد.

و لو نقص فعليه، تحقيقا لفائدة الخرص. و فيه تردّد، لأنّ الحصة في يده أمانة، و لا يستقرّ ضمان الأمانة كالوديعة.

السابع: لا يستقصى الخارص، بل يخفّف ما يكون به المالك مستظهرا و ما يجعل للمارّة.

و قال جماعة من الجمهور منهم احمد بن حنبل يترك الثلث أو الربع، لما روى سهل بن أبي خيثمة ان رسول اللّه «ص» كان يقول: اذا خرصتم فخذوا و دعوا الثلث، فان لم تدعوا الثلث فدعوا الربع. لنا ما رواه أبو عبيدة باسناده ان النبي «ص» كان اذا بعث الخراص قال: خفّفوا على الناس، فانّ في المال العرية و الواطئة و الآكلة ....

الثامن: ظاهر كلام الشيخ جواز الخرص في الزرع ...» «1».

قلت: البحث عن الفرع الأول يأتي عن قريب.

______________________________

(1)- المعتبر/ 269.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 163

..........

______________________________

و يرد عليه كما في الحدائق و غيره صحّة ذلك على القول بكون وقت تعلّق الزكاة بدوّ الصلاح، كما نسب الى المشهور. و لكنّ المحقّق ذهب في كتبه الثلاثة الى كون وقت التعلّق صدق الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. فكيف يصحّ ما ذكره في هذا الفرع و سائر الفروع؟

اللهم إلّا ان يكون على وجه التنزّل عن مبناه.

و امّا ما ذكره في الفرع الثاني من كفاية الواحد فهو الأقوى، لعمل النبيّ «ص» و السيرة، بل الظاهر كفايته في جميع الامور الاجتهادية التخصّصية كالمقلد و الطبيب و العالم الفلكي و اللغوي و نحو ذلك مع الوثوق و الامانة، لاستقرار السيرة عليه، بل لا يترك الاحتياط في موارد شهادة الثقة العدل أيضا، لاحتمال اختصاص البيّنة بباب المرافعات و

القضاء، فتأمل فان موثقة مسعدة موردها أعمّ.

و ظاهر التضمين في الفرع الثالث هو التقبيل، كما عرفت. و هو نحو معاملة. و يأتي البحث عن حكم التصرّف بدونه.

و ما ذكره في الفرع الرابع من عدم الضمان مع التلف هو الأقوى، كما مرّ. بل عرفت انّ الأمر في باب الزكاة أوضح من باب التقبيل. و لعلّ قول مالك مبنيّ على الذمّة. و نحن نمنعها، فانّ العوض في العين. و امّا حكمه بكون تلف البعض عليهما فيكون مبنيّا على جعل العوض بنحو الاشاعة، لا الكلّي في المعيّن، كما لا يخفى و قد مرّ بيانه.

و امّا ما ذكره في الفرع السادس من التردّد و التعليل له ففيه انّ المفروض التضمين المستلزم لتبديل الحصّة بالعوض، لا جعل الحصّة امانة. و بالجملة فالأمانة عبارة عن العوض، لا المعوض. و لعلّه- قدّس سرّه- ينكر كون التضمين معاملة. و يردّ عليه- مضافا الى ما مرّ منّا من كون المقام من مصاديق التقبيل و هو نوع من المعاملة- انّه لو لم يكن معاملة فأيّ فرق بينه و بين تركه امانة، المجعول قسيما له في الفرع الثالث؟

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 164

فائدة الخرص

و فائدته جواز التصرّف للمالك (1)

______________________________

(1) أي بعد التضمين، كما مرّ في الفرع الثالث من المعتبر، حيث انّه بعد ذكر التخيير بين جعله امانة عند المالك، أو تضمينه حقّهم، أو تضمين حقّه قال: «فان اختاروا الضمان كان لهم التصرّف كيف شاءوا. و ان أبوا جعله امانة و لم يجز لهم التصرّف بالأكل و البيع و الهبة، لأنّ فيها حقّ المساكين» «1».

و في المبسوط بعد ذكر التخيير بين الثلاثة قال: «فمتى كان امانة لم يجز لهم التصرّف فيها بالأكل و البيع و الهبة،

لأنّ فيها حقّ المساكين. و ان كان ضمانا جاز لهم ان يفعلوا ما شاءوا» «2» و نحو ذلك في التذكرة و في المنتهى.

و في المنتهى أيضا: «لو أكل المالك رطبا فان كان بعد الخرص و التضمين جاز اجماعا، لأن فائدة الخرص اباحة التناول «3»».

و بالجملة ظاهر كثير من الكلمات عدم جواز التصرّف قبل التضمين و جوازه بعده، و ظاهر التضمين كما عرفت هو المعاملة، فيجوز التصرّف بعد وقوع المعاملة و لا يجوز قبلها.

و الظاهر انّهم كانوا يقولون بالإشاعة، اذ لو كان بنحو الكلّي في المعيّن كان مقتضاه جواز التصرّف ما بقى مقدار الزكاة. و لو منع كون الخرص و التضمين معاملة دار جواز التصرّف

______________________________

(1)- المعتبر/ 269.

(2)- المبسوط/ 216.

(3)- المنتهى 1/ 502.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 165

بشرط قبوله (1) كيف شاء.

______________________________

قبله و بعده مدار الخلاف في كيفية التعلّق، كما مرّ في المسألة السابقة.

ثمّ انّ ما ذكره المصنّف هنا لا يلائم ما مرّ منه من كون التعلّق بنحو الكلّي في المعيّن، اذ مقتضاه جواز التصرّف في الزائد على مقدار الزكاة و ان لم يكن خرص و لا معاملة. اللهم إلّا ان يريد هنا التصرّف في الجميع.

(1) فانّه مقتضى كون الخرص معاملة. قال في الجواهر: «و فائدة الخرص انّ للمالك مع قبوله التصرّف كيف شاء، بخلاف ما ذا لم يقبل، فانّه لا يجوز له التصرف فيه على ما نصّ عليه جماعة. لكن قد يقوى جوازه مع الضبط» «1».

أقول: صاحب الجواهر قائل بالإشاعة. و مقتضاها عدم جواز التصرّف ما لم يفرز حقّ الفقير. و صرف الضبط لا يكفي في الجواز و كون الافراز محوّلا الى المالك لا يدلّ على جواز التصرّفات المتلفة أو الناقلة.

و اعلم انّ المستفاد

من ظواهر الأخبار انّ النّبيّ بمقتضى حكومته و ولايته على حقّ الفقراء كان يرسل عبد اللّه بن رواحة أو غيره للخرص. و بعد الخرص كما مرّ كانوا يخيّرون بين الثلاثة، و ليس في شي ء من الآثار اسم من القبول و عدمه. فلعلّ هذه المعاملة كانت الزاميّة، حفظا لأموال الفقراء من التلف و الضياع و لم يكن للمالكين عدم القبول، فتدبّر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 256.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 166

وقت الخرص و كيفيّته

و وقته بعد بدوّ الصلاح و تعلّق الوجوب (1)، بل الأقوى جوازه من

______________________________

(1) اذ الخرص كان لتعيين الزكاة. و قبل بدوّ الصلاح لم تتعلّق بعد. و قد تقدّم في صحيحة سعد: «اذا خرصه أخرج زكاته». هذا، مضافا الى السيرة المتعارفة في وقته. و سرّ ذلك انّه قبل بدوّ الصلاح لا يحصل الأمن غالبا من الحادثة و التلف. فلو أراد الناس بيع ثمارهم أو تقبيلها يخرصونها و يعاملون عليها بعد ما بدا صلاحها.

و في سنن أبي داود عن عائشة انّها قالت و هي تذكر شأن خيبر: «كان النبي «ص» يبعث عبد اللّه بن رواحة الى يهود فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه» «1».

و في مصباح الفقيه: «وقت الخرص حين بدوّ الصلاح على ما صرّح به غير واحد، بل عن المحقّق البهبهاني في شرح المفاتيح دعوى ظهور الاجماع عليه ... و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف في انّ وقت الخرص هو بدوّ الصلاح» «2». هذا.

و لكنّ الظاهر عدم كون المسألة من المسائل الأصليّة المعنونة بين قدماء أصحابنا حتّى يحصل فيها الاجماع المفيد. فالعمدة ما ذكرناه من السيرة. نعم، يمكن أن يقال انّه لم تكن الثمار غالبا بنحو يبدو صلاح الجميع في وقت واحد، لاختلافها بحسب وقت

الادراك، و الصبر الى ان يبدو صلاح الجميع يوجب فساد ما أدرك أوّلا، و كان المعمول خرص ثمار

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 110، كتاب الزكاة، باب متى يخرص التمر، الحديث 1606.

(2)- مصباح الفقيه/ 74.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 167

المالك بنفسه (1) إذا كان من أهل الخبرة.

أو بغيره من عدل أو عدلين (2) و إن كان الأحوط الرجوع الى الحاكم

______________________________

بستان واحد في وقت واحد. فلعلّ بدوّ صلاح الأغلب يكفي لخرص الجميع حتّى النادر الذي لم يبد بعد صلاحه.

و هنا اشكال مرّ الاشارة اليه، و هو ان مثل المحقق و المصنّف و غيرهما ممّن بقول انّ وقت التعلّق صدق الاسم كيف يجعلون وقت الخرص بدوّ الصلاح مع عدم تعلّق الزكاة بعد؟ و لعلّ المالك يريد صرف الثمار أو بيعها قبل صدق الاسم، فأيّ مجوّز لخرص ثماره و تضمينه الزكاة؟

(1) كما قوّاه في الجواهر، و حكى عن الفاضلين و الشهيد و المقداد و الصيمري النصّ عليه و على جواز اخراجه عدلا يخرصه له. قال: و لعلّه لمعلوميّة عدم خصوصيّة خرص الساعي، و اطلاق قوله- عليه السلام- في صحيح سعد: «اذا خرصه أخرج زكاته»، و قوله:

«اذا ما صرم و اذا ما خرص» «1».

و فيه ان هذا لا يلائم جعل الخرص معاملة بين المالك و الساعي. اللهم إلّا أن يعتمد الساعي على خرص المالك، فتقع المعاملة بين الطرفين. و ولاية عدول المؤمنين انّما هي عند الضرورة الموجبة لتعطيل الزكاة و ضياع الحقوق. و ليس عدم خرص الساعي موجبا للتعطيل، اذ من الممكن للمالك أن يزكّي كلّما أراد صرفه أو بيعه. و الاطلاق في الخبرين ممنوع، لكونهما في مقام بيان وقت الاخراج فقط. فلعلّ الخرص من المالك كان بإذن

الساعي.

و الحاصل انّ الخرص مقدمة لوقوع التقبيل، فيجب أن يكون من قبل الساعي أو باذنه.

فلا أثر لخرص المالك بنفسه أو بغيره بلا رجوع الى الساعي. اللهم إلّا أن لا يراد المعاملة و لا التصرّف قبل أداء الزكاة، بل كان لتشخيص مقدارها حتّى تؤدّى. و حيث انّ المأمور بالأداء هو المالك فله تعيين المقدار بالخرص بدل الكيل أو الوزن، كما انّ له التقسيم و افراز مقدار الزكاة.

(2) مرّ انّ الأقرب كفاية العدل الواحد في الأمور الاستنباطية التخصصية اذا كان

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 168

أو وكيله مع التمكّن.

و لا يشترط فيه الصيغة (1)، فانّه معاملة خاصّة و إن كان لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى (2).

ثمّ ان زاد ما في يد المالك كان له، و إن نقص كان عليه (3).

و يجوز لكلّ من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش (4).

و لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا جاز (5). و يجوز للحاكم أو

______________________________

أمينا و حصل الوثوق من قوله، لاستقرار السيرة على ذلك، و النّبيّ «ص» كان يبعث عبد اللّه بن رواحة للخرص و هو واحد.

(1) اللام كأنّها للعهد. فالمراد صيغة البيع أو الصلح، و إلّا فكونه معاملة خاصّة لا يقتضى عدم اشتراط الصيغة أصلا. و المعاطاة على القول بكفايتها لا فرق فيها بين البيع و الصلح و غيرهما. ثمّ انّك عرفت انّ الظاهر كون المقام من مصاديق التقبيل المذكور في باب بيع الثمار و في المزارعة.

(2) قد مرّ عن الدروس قوله في التقبيل: «و هو نوع من الصلح لا بيع». و لكنّ الظاهر كونه عقدا برأسه.

(3) لما مرّ من كون المقام من مصاديق التقبيل.

و قد دلّت صحيحة يعقوب بن شعيب، و كذا مرسل محمد بن عيسى على كون الزيادة للمتقبل و النقيصة عليه، فراجع «1».

و امّا على ما اختاره في مصباح الفقيه من عدم كون الخرص معاملة، بل هو امارة محضة لتشخيص مقدار الزكاة فمقتضاه حجيّته ما لم ينكشف الخلاف. فاذا انكشفت الزيادة أو النقص كان الحكم دائرا مدار الواقع المنكشف.

(4) لما ذكروه في محلّه من ثبوت خيار الغبن في جميع المعاملات. و قد استدلّوا له بحديث لا ضرر و هو عامّ. و لو أنكرنا كون الخرص معاملة كان الحكم دائرا مدار الواقع المنكشف.

(5) لأنّ الحقّ بينهما. و لكن يبتنى هذا على كون وقت التعلّق بدوّ الصلاح، لا صدق

______________________________

(1)- ص 160.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 169

وكيله بيع نصيب الفقراء (1) من المالك أو من غيره.

______________________________

اسم الزبيب و التمر. و المصنّف قوّى الأخير. و نحن حكمنا بمراعاة الاحتياط.

(1) لعموم ولاية الحاكم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 170

حكم الاتجار بالمال قبل اداء الزكاة

[مسألة 33]: اذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها، يكون الربح للفقراء بالنسبة (1). و إن خسر يكون خسرانها عليه.

______________________________

(1) أقول: التجارة قد تقع بعين ما فيه الزكاة، بأن يبيعها بشخصها أو يجعل شخصها ثمنا في المعاملة، و قد تقع بثمن كلّي في الذمّة مقارنة لقصد افراغها بهذا المشخص، و قد تقع بثمن كلّي و يصادف بعد ذلك افراغ الذمّة بهذا المشخص.

ففي الصورة الاولى تصدق التجارة بهذا المشخص. و يلحق بها على الأحوط الصورة الثانية أيضا، اذ لعلّ القصد المقارن يوجب كون الثمن مشخصا، لا كلّيّا. و العرف أيضا يحكم في هذه الصورة بوقوع التجارة بهذا المال. و قد مرّ تفصيل المسألة في مسألة التجارة بمال اليتيم في أوائل

الزكاة.

و امّا في الصّورة الثالثة فالتجارة وقعت بتمامها للمالك، و الربح له. غاية الأمر عدم فراغ ذمّته باداء هذه العين، كما لا يخفى.

ثمّ انّ التجارة قد تقع بتمام هذا المال، و قد تقع ببعضه. فعلى الاشاعة لا فرق بين الصورتين. و امّا على ما اختاره المصنّف من الكلّي في المعيّن كالصاع من الصبرة فمقتضاه جواز التجارة بالبعض و التصرّف فيه ما دام مقدار الزكاة باقيا، و يكون الربح للمالك.

فلعلّ المصنّف أراد صورة وقوع التجارة بجميع المال. ثمّ انّه حكم في ذيل المسألة «31» بكون المعاملة بالنسبة الى مقدار الزكاة فضولية محتاجة الى اجازة الحاكم، و حكم هنا بنحو

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 171

..........

______________________________

الاطلاق بكون الربح للفقراء. فبينهما تهافت. اللهم إلّا ان يريد هنا صورة اجازة الحاكم، و لم يتعرّض لها لوضوحها. و على الاشاعة يحتاج الى الاجازة، سواء باع الكلّ أو البعض.

ثمّ انّ اطلاق العبارة يشمل ما اذا أوقع المعاملة بقصد نفسه أو بقصد الشركة بالنسبة.

و الأقوى في الفضولي صحّتها بالاجازة اللاحقة، سواء قصد الفضولي بيعه لنفسه أو للمالك، كما يدلّ على ذلك أكثر أدلّة الصحّة، بل لعلّ الظاهر كون مورد صحيحة محمد بن قيس الواردة في من باع وليدة أبيه «1» صورة قصد البائع نفسه. و لا أقلّ من ترك الاستفصال المفيد للعموم. فلا وجه لما في حاشية الاستاذ الإمام- مدّ ظلّه- من الاشكال في هذه الصورة.

هذا كلّه اذا اريد البحث عن المسألة وفق القاعدة، و لكن ورد فيها مرسلة أبي حمزة.

و لعلّ المصنّف اعتمد عليها.

ففي الوسائل، عن الكافي، عن عليّ بن محمّد، عمّن حدّثه، عن يعلي (معلّى) بن عبيد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال:

سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني ان أؤدّيها؟ قال: اعزلها. فان اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح. و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء. فان لم تعزلها، فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها «2». و المراد بأبي حمزة هو الثمالي، لا البطائني الواقفي.

و يدلّ على المسألة صدر الخبر، و ذيله أيضا. و ظاهره عدم الاحتياج الى الاجازة. فكأنّ الشارع بما انّه وليّ الأولياء اجاز هذا السنخ من المعاملة بنحو العموم. نظير ما مرّ في التجارة بمال اليتيم من ورود اخبار مستفيضة بكون الربح لليتيم و الضمان على التاجر. أو يقال:

إنّه مع فرض الربح تثبت الاجازة قهرا إمّا عن الوليّ أو الحاكم أو عدول المؤمنين، لعدم جواز الاستنكاف عنها مع المصلحة. و اطلاق الرواية يشمل ما اذا قصد التاجر وقوع المعاملة لنفسه أو للشركة بالنسبة. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 14، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 172

..........

______________________________

و لكن الرواية مرسلة. و يعلى أو معلّى لم يذكر في كتب الرجال اصلا. و لم أر في كتب القدماء من أفتى بمضمون الرواية، حتّى يجبر بذلك ضعفها. اللهم إلّا أن يقال: انّ ما في ديباجة الكافي من قوله: «بالآثار الصحيحة عن الصادقين- عليهم السلام- و السنن القائمة التي عليها العمل»، يستفاد منه اعتماد الكليني على ما جمع في الكافي، و هو لا يقلّ عن تصحيح مثل الكشّي و النجاشي و الشيخ. فالأحوط الأخذ بمضمون الرواية بلا احتياج الى الاجازة

اللاحقة، و من غير فرق بين أن يوقع المعاملة بقصد نفسه أو لمصلحة الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 173

جواز عزل الزكاة و فائدته

[مسألة 34]: يجوز للمالك عزل الزكاة (1) و افرازها،

______________________________

(1) هل العزل يفيد، و به تنعزل الزكاة كما هو المشهور، أم لا؟ و على الأوّل فهل يجب، كما هو ظاهر المقنعة و النهاية، أو يستحب، كما هو المصرّح به في التذكرة و المنتهى و هو الظاهر من الشرائع، أو الثابت هو الجواز فقط، كما في المتن و موضع من المنتهى؟

ثمّ هل يفيد مطلقا، أو مع عدم المستحق فقط؟

ثمّ هل يتعين كونه من العين، أو يكفي من مال آخر أيضا؟ فهذه جهات من البحث.

و لا يخفى انّه على الإشاعة- كما لعلّها المشهور- فالقاعدة تقتضي عدم كفاية العزل، اذ مقتضاها وقوع التقسيم برضاية الطرفين. نعم، ثبت إذن الشارع للمالك في مباشرة الأداء.

فبه يحصل التقسيم قهرا، و لكن كفاية صرف العزل في تمحّض المعزول للزكاة، و خروجه عن ملك المالك يحتاج الى دليل آخر. و نظير ذلك الدّين. حيث انّ صرف تعيين المديون شيئا لأداء الدين لا يوجب تمحّضه للدين و وقوعه ملكا للدائن ما لم يقبضه.

نعم، هنا أخبار في زكاة المال و زكاة الفطرة يظهر منها تمحّض المعزول بقصد الزكاة في وقوعه زكاة. فلنذكر بعض الكلمات و نعقّبها بذكر اخبار المسألة.

ففي المقنعة: «و ان جاء الوقت فعدم صاحب المال عنده مستحقّ الزكاة عزلها من جملة ماله الى ان يجد من يستحقّها من أهل الفقر و الايمان» «1».

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 174

..........

______________________________

و في النهاية: «و متى لم يجد من تجب عليه الزكاة مستحقّا لها عزلها من ماله و انتظر بها مستحقّها» «1».

و في الشرائع: «اذا

لم يجد المالك لها مستحقا فالأفضل له عزلها» «2».

و في التذكرة: «يستحب له حال حول الحول عزل الزكاة عن ماله، لأنّه نوع اخراج و شروع في الدفع ...» «3».

و في المنتهى: «لو لم يجد المستحقّ استحبّ له عزلها، لأنّه مال لغيره فلا يتصرّف فيه» «4».

و فيه أيضا: «يجوز للمالك عزل الزكاة بنفسه و تعيينها و أفرادها من دون اذن الساعي، لأنّ له ولاية الاخراج بنفسه، فيكون له ولاية التعيين قطعا، و لأنّ الساعي يخير المالك في اخراج أيّ فرد شاء من أفراد الواجب، و لأنّه أمين على حفظها، اذ الزكاة تجب في العين فيكون أمينا على تعيينها و أفرادها، و لأنّ له دفع القيمة و تملّك العين فله أفرادها، و لأنّ منعه من أفرادها يقتضي منعه من التصرّف في النصاب و ذلك ضرر عظيم، و لأنّ له دفع أيّ قيمة شاء فيتخيّر في الأصل.» «5».

و لا يخفى انّ موضوع الحكم في المقنعة و النهاية و الشرائع و موضع من المنتهى عدم المستحقّ، و في موضع منه و في التذكرة مطلق. و ما ذكره في المنتهى من الأدلّة بعضها قابل للخدشة. فالعمدة أخبار الباب:

فمنها موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: زكاتي تحلّ عليّ في شهر.

أ يصلح لي أن احبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال: اذا حال الحول فاخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ اعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و اثبتّها يستقيم لي؟ قال: نعم، لا يضرّك «6».

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- الشرائع 1/ 166.

(3)- التذكرة 1/ 238.

(4)- المنتهى 1/ 529.

(5)- المنتهى 1/ 511.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 175

..........

______________________________

و الظاهر انّ مورد السؤال صورة وجود المستحق، و لكنّه يريد ان يحبس شيئا منها لمستحقّ خاصّ، بل قلّ مورد لا يوجد المستحقّ و لو من سائر الأصناف كسبل الخير و الرقاب و نحوها. و لو ابيت فترك الاستفصال يقتضي العموم. فالموثقة دليل على العزل، سواء وجد المستحقّ أم لا.

و ظاهر الأمر بالإخراج و ان كان هو الوجوب و لكن حيث انّ الانعزال بالعزل و جواز التأخير خلاف القاعدة و الأصل فكأنّ الأمر في مقام توهّم الحظر. فلا يستفاد منه الوجوب و لا الندب، بل صرف الجواز، هذا، مضافا الى ما قيل من ظهور الأمر في الارشاد الى ما يترتّب على العزل من عدم الضمان بالتلف لا في وجوبه تعبّدا، و الى انّ الظاهر من ذيل الحديث عدم تعين العزل، و كفاية الكتابة و الضبط. فيكون الحديث دليلا على كفاية تضمين المالك أيضا في جواز تصرّفه في المال و ان كان مقتضى الاشاعة عدم الجواز. اللهم إلّا ان يقال انّ المقصود بالذيل كتابة المعزول و اثباته، لا الزكاة المشاعة، فتأمّل.

ثمّ انّ قوله: «فاخرجها من مالك» يشمل بإطلاقه الإخراج من العين أو من مال آخر.

و سيأتي بيانه.

و من الاخبار أيضا خبر أبي حمزة، الذي مرّ في المسألة السابقة، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني ان أؤدّيها. قال: أعزلها. فان اتّجرت بها فانت لها ضامن و لها الربح. و ان تويت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء. فان لم تعزلها، فاتّجرت بها في جملة مالك، فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها «1».

و مورد السؤال

صورة عدم المستحقّ، و لكنّه لا يقيّد به اطلاق الموثقة، لأنّه في كلام السائل لا كلام الامام. و ظاهر قوله: «اعزلها» الوجوب، و لكن عرفت انّ كونه في مقام توهّم الحظر يرفع الظهور، فلا يستفاد منه إلّا الجواز. و قد يقال انّ قوله في الذيل: «فان لم تعزلها» أيضا يستفاد منه عدم تعيّن العزل. و فيه منع ذلك، لاحتمال وقوعه عن عصيان.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 176

من العين أو من مال آخر (1) مع عدم المستحق، بل مع وجوده أيضا على الأقوى (2).

______________________________

ثمّ انّ الظاهر من الحديث تعيّن المعزول، لكونه زكاة بحسب الوضع بمعنى صيرورته ملكا للمستحقّ، لحكمه بكون ربحه له. هذا. و لكن الرواية ضعيفة، كما مرّ.

و منها أيضا صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» انّه قال في الرجل يخرج زكاته، فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس بها (لها خ. ل) المواضع، فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر. قال: لا بأس «1».

و منها صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» قال: اذا اخرج الرجل الزكاة من ماله، ثمّ سمّاها لقوم، فضاعت، أو أرسل بها اليهم فضاعت فلا شي ء عليه.

و منها صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» انّه قال: اذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برأ منها «2» الى غير ذلك من الاخبار.

و لا يخفى ظهور الأخيرتين أيضا في تعين المعزول وضعا لكونه زكاة و صيرورته بالعزل ملكا للمستحقّ، و إلّا فلا وجه لعدم ضمان المالك بتلفه و ضياعه.

(1) أقول: بعد ما ثبت بالأخبار المستفيضة جواز أداء الزكاة من مال آخر،

سواء كان بعنوان الفريضة، كما في الأنعام الثلاثة، أو بعنوان القيمة فلا محالة يشمل إطلاق أخبار العزل- و لا سيّما قوله في الموثقة: «فاخرجها من مالك»- الإخراج من غير العين أيضا.

و قد عبّر عن القيمة أيضا بلفظ الزكاة كقوله في صحيحة عبد الرحمن السابقة: «أو يؤدّى زكاتها البائع» «3»، و في زكاة القرض: «ان كان الذي أقرضه يؤدّى زكاته فلا زكاة عليه» «4».

و الحاصل انه لا وجه لرفع اليد عن اطلاق المال في قوله: «فاخرجها من مالك» بعد ما ثبت بالأدلة عدم تعين الأداء من العين.

(2) قد مرّ في شرح موثقة يونس بيان ظهورها في العموم لصورة وجود المستحقّ أيضا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 53 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 و 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 177

و فائدته صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين قهرا (1)، حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف، و يكون أمانة في يده. و حينئذ لا يضمنه إلّا مع التفريط (2) أو التأخير مع وجود المستحق (3). و هل يجوز للمالك

______________________________

فلا وجه للتخصيص بصورة العدم و ان وقع في كلام الأكثر. نعم، عبارة التذكرة و المنتهى مطلقة، كما عرفت.

(1) كما هو ظاهر الفتاوى و النصوص. فليس تعيّن المعزول بحسب التكليف فقط، بأن يجب اداؤه فقط زكاة، بل بحسب الوضع و الملكيّة. فصار بالعزل خارجا عن ملك المالك و داخلا في ملك المستحقين. و لذا يتبعه الربح، كما في خبر عليّ بن أبي حمزة، و يكون تلفه

من ملك المستحقّ، كما في صحيحتي أبي بصير و عبيد و غيرهما، فراجع «1».

(2) كما يدلّ عليه خبر أبي حمزة. و عليه مدار الأمانات.

(3) كما هو المشهور. و عن المنتهى و المدارك الاجماع عليه.

و يدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها. و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان ...».

و في صحيح زرارة: «... قلت: فانّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال:

لا، و لكن ان عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» «2». و على التفصيل فيهما يحمل اطلاق صحيحتي أبي بصير و عبيد بن زرارة السابقتين الحاكمتين بعدم الضامن بنحو الاطلاق. و قد مرّ تفصيل المسألة في المسألة العاشرة من زكاة الانعام، فراجع.

و لا ينافي ذلك جواز التأخير المستفاد من موثقة يونس و صحيحة ابن سنان السابقتين، اذ لا مانع من إجازة التأخير بنحو المتعارف مع الحكم بالضمان لو تلف. و الضمان في

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 و الباب 39 منها، الحديث 3 و 4.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 178

ابدالها بعد عزلها؟ اشكال و إن كان الأظهر عدم الجواز (1). ثمّ بعد العزل يكون نمائها للمستحقّين (2)، متّصلا كان أو منفصلا.

______________________________

الصحيحتين مترتّب على وجدان المستحقّ بنحو الاطلاق، لا خصوص المستحقّ الذي قصده المالك و أخّر الزكاة بقصده. و

بالجملة لا منافاة بين جواز التأخير تكليفا و التضمين لو تلف، فتدبّر.

(1) اذ بعد خروجها عن ملكه و صيرورتها زكاة لا دليل على ولايته على التبديل، و الأصل يقتضي العدم. و كون اختيار التعيين و التبديل بالقيمة أوّلا بيده لا يدلّ على جواز التبديل بعد تعيّنه زكاة.

(2) لما عرفت انّها بالعزل صارت ملكا للمستحقّين، و النماء تابع للأصل. و يدلّ عليه خبر أبي حمزة، حيث حكم بكون الربح لها، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 179

[5 فصل ما يستحب فيه الزكاة]

اشارة

ما يستحب فيه الزكاة و هو على ما أشير إليه سابقا امور:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 181

1- زكاة مال التجارة

اشارة

الأوّل مال التجارة (1)

______________________________

(1) اقول: المشهور بين اهل السنة وجوب الزكاة في مال التجارة و المشهور بين اصحابنا استحبابها. و يظهر من بعضهم الوجوب. و يظهر من الوافي و الحدائق حمل اخبار المسألة على التقية و انكار الاستحباب أيضا. فلنحك بعض الكلمات، ثمّ نتعرّض لاخبار المسألة.

[كلمات الأصحاب]

ففي الخلاف (المسألة 105): «لا زكاة في مال التجارة عند المحصّلين من اصحابنا، و اذا باع استأنف به الحول. و منهم من قال: فيه الزكاة اذا طلب برأس المال أو بالربح. و منهم من قال: اذا باعه زكاة لسنة واحدة. و وافقنا ابن عباس في انّه لا زكاة فيه. و به قال اهل الظاهر كداود و اصحابه. و قال الشافعي هو القياس. و ذهب قوم الى انّه ما دامت عروضا و سلعا لا زكاة فيه، فاذا قبض ثمنها زكاه لحول واحد. و به قال عطاء و مالك. و ذهب قوم الى انّ الزكاة تجب فيه يقوّم كلّ حول و يؤخذ منه الزكاة. و به قال الشافعي في الجديد و القديم. و اليه ذهب الأوزاعي و الثوري و ابو حنيفة و اصحابه. دليلنا الأخبار ...» «1»

و ظاهر كلامه عدم الزكاة فيها اصلا. اللّهم إلّا ان يحمل كلامه على نفي الوجوب.

و لعلّ مراده بالمحصّلين المجتهدون، في قبال المحدّثين المفتين على طبق ظواهر الأخبار بلا توجه الى المعارضات. و قوله: «استأنف الحول»، ردّ على العامة حيث يكملون حول مال التجارة بالنقدين و بالعكس.

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 307.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 182

..........

______________________________

و في المختلف: «قال ابن ابى عقيل: اختلف الشيعة في زكاة التجارة، فقال طائفة منهم بالوجوب، و قال آخرون بعدمه، و هو الحقّ عندي» «1».

و في المغني لابن قدامة، المؤلّف على

فقه الحنابلة: «تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة في قول اكثر اهل العلم. قال ابن المنذر: اجمع اهل العلم على انّ في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة اذا حال عليها الحول ... و حكى عن مالك و داود انّه لا زكاة فيها، لأنّ النّبيّ «ص» قال: عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق. و لنا ما روى ابو داود باسناده عن سمرة بن جندب، قال: كان رسول اللّه «ص» يأمرنا ان نخرج الزكاة ممّا نعدّه للبيع» «2».

اقول: هذا الخبر عمدة دليلهم على الوجوب. و سمرة حاله عندنا معلوم. ففي صحيحة زرارة، عن ابي جعفر «ع» ما حاصله انّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار، و كان منزل الانصاري بباب البستان، فكلّمه الانصاري ان يستأذن اذا جاء، فابي فجاء الانصاري الى رسول اللّه «ص» فشكا اليه، فطلب منه رسول اللّه «ص» ان يستأذن، فابى، فساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء اللّه، فابى ان يبيع، فقال: لك بها عذق في الجنّة، فابى ان يقبل، فقال رسول اللّه للأنصاري اذهب فاقلعها و ارم بها اليه، فانّه لا ضرر و لا ضرار «3». و نحوها غيرها.

و في شرح نهج البلاغة ما محصّله «انّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مأئة الف درهم ليروى انّه نزلت هذه الآية: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ يُشْهِدُ اللّٰهَ عَلىٰ مٰا فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصٰامِ» في امير المؤمنين، و قوله: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ» في ابن ملجم، فابى ان يقبل، فبذل له مأتى الف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة الف درهم فلم يقبل، فبذل

له أربعمائة الف درهم فقبل و روى ذلك» «4».

______________________________

(1)- المختلف 1/ 179.

(2)- المغني 2/ 622.

(3)- الوسائل، ج 17، الباب 12 من ابواب احياء الموات، الحديث 3.

(4)- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 4/ 73.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

و في تنقيح المقال عن تاريخ الطبرى في أحداث سنة الخمسين انّ زيادا استخلف سمرة على البصرة، فقتل بها ثمانية آلاف من الناس في ستة اشهر. فهذا بعض ما ذكروه في الرجل. و التفصيل يطلب من محلّه.

و في الفقيه: «و اذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي لك بذلك الفضل فعليك زكاته اذا حال عليه الحول. و ان لم يطلب منك المتاع برأس مالك فليس عليك زكاته» «1».

و نحو هذه العبارة في المقنع. و كذا في فقه الرضا الذي احتملنا كونه رسالة عليّ بن بابويه «2». و ظاهرها الوجوب.

و في المقنع أيضا: «اعلم انّه ليس على مال اليتيم زكاة الّا ان يتّجر به، فان اتجر به فعليه الزكاة». و لكن في اوّل زكاة المقنع: «باب ما يجب الزكاة عليه: اعلم انّ الزكاة على تسعة اشياء ... و عفا رسول اللّه «ص» عمّا سوى ذلك» «3». فالجمع بين كلماته يقتضى حمل الأوليين على السنة المؤكّدة، لا الوجوب.

و في المقنعة: «و كلّ متاع في التجارة طلب من مالكه بربح او برأس ماله فلم يبعه طالبا للفضل فيه، فحال عليه الحول ففيه الزكاة بحساب قيمته اذا بلغت ما يجب في مثله من المال الصامت الزكاة، سنة مؤكّدة على المأثور عن الصادقين «ع». و متى طلب بأقلّ من رأس ماله، فلم يبعه فلا زكاة عليه و ان حال عليه حول و احوال،

و قد روى انّه اذا باعه زكاه لسنة واحدة. و ذلك هو الاحتياط».

و في المقنعة أيضا: «لا زكاة عند آل الرسول في صامت اموال الأطفال و المجانين من الدراهم و الدنانير الّا ان يتجرّ الوليّ لهم او القيّم عليهم بها، فان اتّجر بها و تركها وجب عليه اخراج الزكاة منها» «4».

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه 2/ 11.

(2)- فقه الرضا/ 23.

(3)- الجوامع الفقهية/ 13.

(4)- المقنعة/ 40 و 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 184

..........

______________________________

و لا يخفى عدم وجود القائل بالوجوب في مال اليتيم و المجنون، و عدم الوجوب في غيرهما.

فبقرينة العبارة الاولى يجب ان يحمل الوجوب على كونه بمعنى الثبوت.

و في النّهاية: «فان كان معه مال يديره في التجارة استحبّ له اخراج الزكاة منه اذا دخل وقتها و كان رأس المال حاصلا او يكون معه الربح، فان كان قد نقص ماله او كان ما اشتراه طلب بأقل من رأس المال فليس عليه فيه شي ء، فان بقي عنده على هذا الوجه احوالا ثمّ باعه اخرج منه الزكاة لسنة واحدة».

و فيها أيضا في اموال الأطفال و المجانين: «فان اتّجر متّجر باموالهم نظرا لهم يستحبّ له ان يخرج من اموالهم الزكاة» «1».

و في الانتصار: «و ممّا ظنّ انفراد الاماميّة به نفي الزكاة عن عروض التجارة.

و قد وافقهم في ذلك داود بن علىّ. و هو قول ابن عباس بما يروونه عنه. و ابو حنيفة و اصحابه يوجبون في عروض التجارة الزكاة اذا بلغت قيمتها النصاب. و هو قول الثوري و الأوزاعي و ابن حيّ و الشافعي» «2».

و في الغنية: «فزكاة الاموال تجب في تسعة اشياء ... و لا تجب فيما عدا ما ذكرناه، بدليل الاجماع».

و فيها أيضا: «و امّا المسنون

من الزكاة ففي اموال التجارة اذا طلبت برأس المال او الربح ... بدليل الاجماع» «3».

و حيث عرفت بعض الكلمات فلنذكر اخبار المسألة.

و اعلم انّهم ذكروا للوجوب أو الاستحباب في المقام شروطا. فالواجب الالتفات اليها حتّى تظهر لنا دلالة الأخبار عليها أم لا:

الاوّل: النصاب، و انّه نصاب النقدين.

الثاني: الحول.

______________________________

(1)- النهاية/ 176 و 174.

(2)- الجوامع الفقهية/ 111.

(3)- الجوامع الفقهية/ 566 و 569.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

الثالث: ان يطلب في جميع الحول برأس المال أو بزيادة. فلو طلب في بعضه و لو في يوم بنقيصة فلا زكاة. نعم، لو باعه حينئذ زكّاه لسنة واحدة.

الرابع: ان يكون ملكه بالمعاوضة عليه بقصد الاسترباح فلو ملكه بالهبة أو الإرث أو نحوهما فلا زكاة و ان اعدّه للتجارة و الاسترباح، ذكره المشهور و ان استشكل فيه بعض كما يأتي.

[اخبار المسألة]

و كيف كان فمن اخبار المسألة ما رواه الكليني بسند صحيح، عن اسماعيل بن عبد الخالق، قال: سأله سعيد الاعرج و أنا اسمع، فقال: انا نكبس الزيت و السمن، نطلب به التجارة فرّبما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال: ان كنت تربح فيه شيئا او تجد رأس مالك فعليك زكاته، و ان كنت انّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة حتّى يصير ذهبا أو فضّة، فاذا صار ذهبا أو فضّة فزكّه للسنة الّتي اتّجرت فيها.

و رواه في قرب الاسناد، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن اسماعيل بن عبد الخالق، قال سأل سعيد الاعرج السّمان ابا عبد اللّه «ع» و ذكر مثله إلّا انّه قال: السنتين و السنين ان كنت تربح منه او يجي ء منه رأس ماله فعليك زكاته. و قال في آخره: فزكّه للسنة

التي يخرج فيها. «1»

و يظهر من قرب الاسناد ان المسؤول في نقل الكليني ابو عبد اللّه «ع». و الكبس بمعنى الضغط و العصر. و يظهر من ذكر السنة في الحديث اعتبارها، و انّ الزكاة امر سنوي، و لكن النصاب لا يستفاد منه.

و لا يستفاد من قوله: «تربح فيه شيئا او تجد رأس مالك» اعتبار كونه في تمام الحول كذلك، بل يظهر من مقابله، اعني قوله: «و ان كنت انّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة»، كفاية الربح و لو في بعض السنة. فانّ نقيض السلب الكلّى الايجاب الجزئي، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 186

..........

______________________________

و قوله في آخر الرواية: «فزكّه للسنة التي اتّجرت فيها»، يحتمل فيه امران: الأوّل: ان يراد ما ذكروه من استحباب الزكاة لسنة واحدة في فرض النقيصة بعد ما باعه. الثاني: ان يراد زكاة النقدين الواجبة. فيكون المراد بعد مضي الحول على النقد. و لم يذكره لعدم كونه في مقام بيان شرائط زكاة النقدين من الحول و النصاب و السكّة و نحوها.

و قوله: «تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك»، لعلّه كما قيل يستفاد منه كون ملكه بالمعاوضة عليه، لعدم صدق الربح و رأس المال إلّا في هذه الصورة، فتدبّر.

و من اخبار المسألة أيضا صحيحة محمد بن مسلم، قال سألت ابا عبد اللّه «ع» عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد زكّى ماله قبل ان يشترى المتاع متى يزكّيه؟ فقال:

ان امسك متاعه يبتغى به رأس ماله فليس عليه زكاة، و ان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما

امسكه بعد رأس المال. قال: و سألته عن الرجل توضع عنده الاموال يعمل بها، فقال: اذا حال عليه الحول فليزكّها «1».

و مورد السؤال صورة الاشتراء، و لكنّ المورد غير مخصّص.

و لكن يمكن ان يقال: انّ رأس المال لا يصدق إلّا في صورة كون ملكه بالمعاوضة المالية عليه.

و لا تدلّ هذه الصحيحة أيضا على اعتبار وجدان رأس المال أو الربح في تمام السنة، كما لا يخفى.

و يمكن ان يراد بذيل الصحيحة ما اذا وضع المال عنده ليعمل به و لكنّه صادف عدم العمل به. فيكون المراد زكاة النقدين.

و منها أيضا روايته الاخرى انّه قال: كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول. قال يونس: تفسيره انه كلّ ما عمل للتجارة من حيوان و غيره فعليه فيه الزكاة «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 187

..........

______________________________

و لعلّ الرواية أيضا صحيحة، و الترديد في اسماعيل بن مرّار. نعم، الرواية مقطوعة.

و لعلّها فتوى محمد بن مسلم. اللّهم الّا ان يقال انّه لا يفتى الّا بما سمعه من الامام «ع».

و لا يخفى انّ موضوع الحكم في الرواية اعم من ان يكون ملك بالمعاوضة او بغيرها.

و منها موثقة سماعة، قال: سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين و اكثر من ذلك، قال: ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلّا ان يكون اعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل. فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة. و ان لم يكن اعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتّى

يبيعه، و ان حبسه ما حبسه، فاذا هو باعه فانّما عليه زكاة سنة واحدة «1».

و الكلام فيه هو الكلام في صحيحتى اسماعيل بن عبد الخالق و محمد بن مسلم. الى غير ذلك من الأخبار، المذكورة في الباب 13 و 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، و الأخبار المستفيضة الواردة في التجارة بمال الطفل او المجنون، الحاكمة بتزكيته ان اتجر به، فراجع «2».

و اظهرها في الوجوب رواية محمد بن الفضيل، قال: «سألت ابا الحسن الرضا- عليه السلام- عن صبية صغار، لهم مال بيد ابيهم او اخيهم هل يجب على ما لهم زكاة؟ فقال:

لا يجب في ما لهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة، فامّا اذا كان موقوفا فلا زكاة عليه».

اللّهم إلّا ان يفسّر الوجوب بالثبوت لا الوجوب الاصطلاحي. و احتمال وجوب الزكاة في مال التجارة للطفل و المجنون و عدم وجوبها في مال غيرهما ممّا لم يقل به احد فيما اعلم. و يقرب ان يكون الزكاة في خبر ابي بصير «3» و بعض اخبار الباب الرابع عشر من ابواب المستحقّين أيضا من باب زكاة التجارة. و لذا يأمر بصرفها في التوسعة على العيال، فراجع، هذا.

و لكن في قبال هذه الاخبار المستفيضة، بل المتواترة اجمالا الدالّة على الوجوب روايات

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 و 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

مستفيضة تكون نصّا في عدم الوجوب، بل لعلّ الظاهر من بعضها عدم الاستحباب أيضا:

فمنها صحيحة زرارة، قال: كنت قاعدا عند ابي

جعفر «ع» و ليس عنده غير ابنه جعفر «ع» فقال: يا زرارة انّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه (ص) فقال عثمان:

كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول، فقال ابو ذر: امّا ما يتّجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة، انّما الزكاة فيه اذا كان ركازا أو كنزا موضوعا، فاذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك الى رسول اللّه (ص)، قال: فقال: القول ما قال ابو ذر. فقال ابو عبد اللّه «ع» لأبيه ما تريد إلّا ان يخرج مثل هذا فيكف الناس ان يعطوا فقرائهم و مساكينهم، فقال ابوه: إليك عنّي لا اجد منها بدّا «1».

و ظاهر الصحيحة عدم ثبوت الزكاة في مال التجارة اصلا، لا بنحو الوجوب، و لا بنحو الاستحباب.

و منها صحيحة سليمان بن خالد، قال: سئل ابو عبد اللّه «ع» عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه، فقال: هذا متاع موضوع، فاذا احببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي و افضل منه هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟ قال: لا، حتّى يبيعه قال: فهل يؤدّي عنه ان باعه لما مضى اذا كان متاعا؟ قال: لا «2»

و منها صحيحة زرارة الاخرى، عن ابي جعفر «ع» انّه قال: الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه «3».

و منها موثقة اسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام: الرجل يشتري الوصيفة، يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة؟ قال: لا، حتى يبيعها. قلت:

فان باعها أ يزكّي ثمنها؟ قال: لا، حتّى يحول عليها الحول

و هو في يده «4».

و منها خبر ابن بكير و عبيد و جماعة من اصحابنا، قالوا: قال أبو عبد اللّه «ع»: ليس في المال المضطرب به زكاة. فقال له اسماعيل ابنه: يا ابه جعلت فداك اهلكت فقراء اصحابك، فقال: اي بنيّ حقّ اراد اللّه ان يخرجه فخرج «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 189

[الجمع بين الأخبار]

______________________________

و استدلّ على عدم الوجوب أيضا مضافا الى هذه الأخبار بالأخبار الكثيرة، الحاصرة لما فيه الزكاة بالتسعة، الحاكمة بأن رسول اللّه «ص» وضع الزكاة عليها و عفا عمّا سواها، و بما مرّ من الغنية من الاجماع، و من الانتصار من ظن انفراد الاماميّة.

و الشيخ على ما هو من عادته جمع في التهذيبين بين الأخبار بحمل الأخبار الاولة على الاستحباب. و تقدّمه على ذلك استاذه المفيد في المقنعة. و تبعهما من تأخّر عنهما من اصحابنا:

و لكن ناقش في ذلك في الوافي، فقال: «في هذه الأخبار ما يشعر بأنّ الأخبار الأولة انّما وردت للتقية، إلّا ان صاحب التهذيبين و جماعة من الاصحاب حملوها على الاستحباب» «1».

و تبعه على ذلك صاحب الحدائق، فقال في ضمن كلام له: «الاستحباب حكم شرعي يتوقّف على الدليل الواضح. و مجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك، كما لا يخفى على المنصف. و مع

ذلك فانّه لا ينحصر الجمع بين الاخبار فيما ذكروه، بل لا يبعد حمل الروايات المتقدّمة على التقيّة، حيث انّ الوجوب مذهب ابي حنيفة و الشافعي و احمد على ما نقله في المعتبر و في صحيحة زرارة و موثقة ابن بكير و عبيد و جماعة من اصحابنا ما يشير الى ذلك».

و قد مرّ من صاحب الحدائق نظير ذلك في الاخبار الدالّة على ثبوت الزكاة في الغلّات غير الأربع.

و محصّل كلامه بتوضيح منّا انّ صرف الجمع التبرعيّ لا يكون ملاكا للفتوى بشي ء.

و الاستحباب أيضا مثل الوجوب حكم شرعي يحتاج الى الدليل، و الجمع المعتبر هو الجمع الذي يساعد عليه العرف، كما هو الحال بين العامّ و الخاص و المطلق و المقيد و كالأمر بشي ء ثمّ الترخيص في تركه، حيث يحمل الأمر حينئذ على الاستحباب. و ليس المقام كذلك، بل مفاد احد الدليلين ثبوت الزكاة بنحو الوضع و مفاد الآخر نفيها من غير اشعار فيه بثبوتها بنحو الاستحباب: فالدليلان متناقضان متباينان، فيجب الأخذ بما خالفهم «2».

______________________________

(1)- الوافي، ج 2، م 6/ 16.

(2)- الحدائق 12/ 108.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

و اجاب عن ذلك في الجواهر ما حاصله: «انّه لا تنافي بين التقية و بين الندب على ان تكون التقية بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتمادا على قرينة خارجيّة و جمعا بين التقيّة و الواقع. و دعوى انّ المراد بالامر حينئذ الوجوب تقيّة فلا دليل على الندب يدفعها اصالة حجيّة قول المعصوم، و انّه في مقام بيان حكم شرعي واقعي. و كما انّ التقيّة في مقام العمل تقتصر فيها على أقلّ ما تندفع به كذلك المستعمل فيها من قول المعصوم. و من ذلك ما نحن فيه، ضرورة

امكان كون التقيّة في ذلك التعبير الذي ذكرناه، فيبقى الندب بعد معلومية عدم ارادة الوجوب» «1».

و محصّل كلامه انّ مفاد الامر ينحلّ الى الطلب، و خصوصيّة الوجوب. و التقيّة تندفع برفع اليد عن خصوصيّة الوجوب، فيبقى اصل الطلب مرادا، اذ الضرورات تتقدّر بقدرها.

اقول: مبنى كلامه استعمال الامر في الوجوب، و كونه مركبا من اصل الطلب و المنع من الترك كما اشتهر. و كلاهما فاسدان، اذ الوجوب و الاستحباب ليسا مفادا للّفظ بحيث يستعمل فيهما، بل الصيغة وضعت للبعث و الترحيم القولي في قبال التحريك العملي. و ان شئت قلت: وضعت للطلب و هو امر بسيط.

نعم، البعث و الطلب من قبل المولى موضوع لحكم العقل بلزوم الاطاعة و استحقاق العقاب على المخالفة، إلّا ان يرخّص المولى بنفسه في الترك. فما وضع له اللّفظ و استعمل فيه هو البعث، و الوجوب حكم العقل يحكم به على الطلب المجرّد عن الترخيص. كما انّ الاستحباب ينتزع عن الطلب المقارن للترخيص.

و لو سلم تركب الوجوب فهو تركيب عقليّ تحليلي، فلا تسري التقيّة في بعض اجزائه دون الآخر ..

نعم، لو كان هنا لفظان و دار الامر بين حمل احدهما على التقيّة أو كليهما صحّ ما ذكره من ان الضرورات تتقدّر بقدرها، فيحفظ اصالة الجهة في احدهما، فتأمّل.

و الحاصل انّ اشكال صاحب الحدائق قويّ، و لا يندفع بما في الجواهر، و لا يلزم ان تكون

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 74.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

التقيّة من الفقهاء و المفتين، و لا بلحاظ حفظ الائمة عليهم السلام بل بلحاظ حفظ شيعتهم من شرّ السلاطين و الحكّام الجباة للزكوات بعنف و شدّة، فإنّها كانت اساس اقتصادهم.

فلعلّ الأئمة- عليهم السلام- ارادوا تقيّد الشيعة عملا باداء

الزكاة ممّا تعارف مطالبتها منه، دفعا لشرّ السلاطين و تخلّصا من مكائدهم. فانّ وظيفة القائد لقوم ملاحظة محيطهم و ما يكون دخيلا في حفظهم من كيد الاعداء.

نعم، هنا شي ء و هو انّ فقهاء السنة يوجبون الزكاة في مطلق مال التجارة، سواء طلب برأس المال، أم لا، و لم أر في كلماتهم اشتراطها بهذا الشرط.

و في المعتبر: «وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة و استحبابها. فلو نقص رأس المال و لو قيراطا في الحول كلّه أو في بعضه لم تجب الزكاة و ان كان ثمنه اضعاف النصاب. و عند بلوغ رأس المال يستأنف الحول. و على ذلك فقهاؤنا اجمع. و خالف الجمهور» «1».

فيظهر منه عدم اشتراط احدهم لهذا الشرط. و قد عرفت انّ عمدة دليلهم على الوجوب خبر سمرة. و ليس فيه أيضا اشعار باشتراطه، و لكن اخبارنا يستفاد من اكثرها اجمالا اشتراط ان يطلب برأس المال أو بزيادة. و لو صدرت تقيّة، لوجب ان تكون بنحو توافق فتاواهم و عملهم. فيظهر من ذلك عدم كونها للتقيّة.

و امّا ما في مصباح الفقيه من انّ صدور هذه الاخبار المتكاثرة لإظهار خلاف الواقع من غير سبق سؤال ملجئ لذلك في غاية البعد «2».

ففيه انّ اكثر الأخبار المذكورة هنا في الباب 13 مسبوقة بالسؤال. ثمّ انّ التقيّة لحفظ الشيعة لا تتوقف على وجود السؤال، بل عليه «ع» ايجاب الزكاة عليهم ابتداء بداعي حفظهم، كما عرفت.

و يمكن ان يوجّه الاستحباب في المقام بالآيات و الروايات الظاهرة في مطلوبية الانفاق

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

(2)- مصباح الفقيه/ 21.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 192

..........

______________________________

من كلّ شي ء.

كقوله تعالى: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»* «1» و قوله: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا

أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» 2 حيث ان الموصول للعموم، و قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «3» حيث انّ الجمع المضاف للعموم و تطهير النفوس و تزكيتها يترتب على كل انفاق. و عموم التعليل يقتضي عموم الحكم.

و ورد في اخبار مستفيضة انّ رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة و عفا عمّا سواها «4» و العفو لا يكون إلّا مع وجود المصلحة و المقتضي، فيظهر من ذلك وجود المصلحة في تزكية كلّ شي ء، فيثبت الاستحباب لوجود الملاك و انّما رفع الالزام تسهيلا. الى غير ذلك من الآيات و الروايات.

و قال الشيخ في النهاية: «و كلّ ما يملكه الانسان ممّا عدا التسعة الاشياء التي ذكرناها فانّه يستحبّ له ان يخرج منه الزكاة» «5».

و بالجملة فالزكاة ليست إلّا عبارة عن الانفاق في سبيل اللّه، و هي مطلوبة في كلّ الاشياء و منها مال التجارة، و لكن مقتضى هذا البيان عدم اعتبار النصاب، و لا الحول، و لا أن يطلب برأس المال و زيادة. اللهم إلّا ان يحكم بكون الاستحباب ذا مراتب و يعتبر الشروط في بعض مراتبه، فتأمّل.

و كيف كان فالقول بالاستحباب لا يخلو عن قوّة. و الاحسان حسن على كلّ حال.

______________________________

(1) (1، 2)- سورة البقرة، الآية 3 و 267.

(3)- سورة التوبة، الآية 103.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

(5)- النهاية/ 176.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 193

تعريف مال التجارة
[هو المال الذي أعدّه للتجارة و الاكتساب به]

و هو المال الذي تملّكه الشخص و أعدّه للتجارة و الاكتساب به، سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة أو بمثل الهبة أو الصلح المجاني أو الارث على الأقوى. و اعتبر بعضهم كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة، و سواء كان قصد الاكتساب

به من حين الانتقال إليه أو بعده و ان اعتبر بعضهم الأول (1). فالأقوى انّه مطلق المال الذي أعدّ للتجارة، فمن حين قصد

______________________________

(1) اقول: التجارة اخص من الكسب، فانّ الكسب عبارة عن الحرفة و الشغل الذي يتّخذه الانسان لجلب المال و تحصيله و ان لم يكن له رأس مال. فيصدق على انحاء الصناعات و الحرف و الاعمال اليدويّة.

و امّا التجارة فانّما تصدق على المعاوضة الواقعة بين المالين بقصد الاسترباح. فكأنّها تتقوّم بمعاوضتين: إحداهما بالفعل و الأخرى بالقصد، فيعطى رأس ماله و يعاوضه بالفعل بمال آخر بقصد ان يعاوضه في مكان آخر أو زمان آخر، فيرجع اليه رأس ماله بالربح.

و في قوله- تعالى: «تجارة عن تراض»، دلالة على اخذ المعاوضة في مفهومها، اذ التراضي من باب التفاعل، فيكون قائما باثنين فلا تصدق على ما لا معاوضة فيه كالهبة و الصدقة أو لم تكن بين مالين كالصداق و عوض الخلع. كما انّ الظاهر عدم صدقها على المعاوضة بقصد القنية كمن اشترى دارا لسكناه.

و هل يشترط في صدقها كون العوضين عينين أو تصدق أيضا على ما اذا كان المعوض

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

من الحقوق المالية كمن بادل رأس ماله بمثل حقّ التحجير و نحوه بقصد ان يعاوضه باكثر منه فيربح؟ وجهان.

[لو اعدّ ما تملكه بغير المعاوضة للتجارة و الاسترباح]

و لو اعدّ ما تملكه بغير المعاوضة للتجارة و الاسترباح فهل يصدق عليه بصرف هذا الاعداد و النيّة عنوان مال التجارة أم لا؟ فيه كلام بين الاعلام. يظهر من المعتبر صدق ذلك و تبعه الشهيدان و بعض المتأخرين منهم المصنّف، و لكن المشهور بين الفريقين خلاف ذلك. فلنذكر بعض الكلمات في المسألة.

ففي الشرائع في تعريف مال التجارة: «هو المال الذي ملك بعقد معاوضة و

قصد به الاكتساب عند التملّك. فلو انتقل اليه بميراث أو هبة لم يزكّه. و كذا لو ملكه للقنية. و كذا لو اشتراه للتجارة ثمّ نوى به القنية» «1».

و ظاهر كلامه انّ مال التجارة اسم للمعوض الذي ملكه فعلا، و لكن الظاهر من الاخبار انّ موضوع الزكاة المال الذي حرّكه و اضطرب فصار بصورة المعوض بقصد الاسترباح في مقابل المال الصامت غير المتحرك. فكأنّ المال اسم للنقدين، اذ بهما تقدر مالية الاشياء. و المال قد يكون ثابتا، و قد يصير متحركا. ففي الأوّل تجب الزكاة، و في الثاني تستحب. فمن اعطى الدينار و اشترى به الحنطة بقصد الاسترباح فصورة الحنطة غير ملحوظة لديه، و اما ينظر اليها بما انّها حافظة لما له و مربحة له. ففي بعض الاخبار: «اذا حرّكته فعليك زكاته»، و في بعضها «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة»، و في التجارة بمال الطفل:

«لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة». الى غير ذلك من الاخبار.

قال في مصباح الفقيه: «فالأولى تفسير مال التجارة بانّه المال الذي عووض بمال آخر و قصد به الاكتساب عند المعاوضة»، اي المال المتّجر به، لأنّ هذا هو الذي اخذ موضوعا للحكم في الاخبار دون المال الذي وقع عوضا. فتفسيره بالمال الذي ملك بعقد معاوضة كما في المتن و غيره لا يخلو من مسامحة» «2».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 156.

(2)- مصباح الفقيه/ 75.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 195

..........

______________________________

و كيف كان ففي الشرائع اعتبر وقوع المعاوضة فعلا و مقارنة قصد الاكتساب له. و نحوه في القواعد و غيره.

و في زكاة الشيخ الأنصاري «ره»: «المراد بمال التجارة على ما ذكره جماعة ما ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب

به عند التملك. قيل ان هذا اصطلاح فقهي: و فيه نظر، فانّ الظاهر انّه معنى عرفي مستفاد من الأخبار الدالة على رجحان الزكاة في المال اذا اتّجر فيه، فانّ الظّاهر من التجارة بالمال المعاوضة عليه بقصد الاسترباح» «1»، هذا.

و في الخلاف (المسألة 116): «اذا ملك سلعة للقنية ثمّ نواها للتجارة لم تصر للتجارة بمجرد النيّة. و به قال الشافعي و ابو حنيفة و مالك. و قال الحسين الكرابيسي من اصحاب الشافعي تصير للتجارة بمجرد النيّة. و به قال احمد و اسحاق» «2».

و في المبسوط: «اذا كانت معه سلعة للتجارة فنوى بها القنية سقطت زكاته. و ان كانت عنده للقنية فنوى بها التجارة لا تصير تجارة حتّى يتصرّف فيها للتجارة» «3».

و في المعتبر: «مسألة: يشترط في وجوب الزكاة نيّة الاكتساب بها عند تملّكها. و هو اتّفاق العلماء، و ان يكون اكتسابها بفعله كالابتياع و الاكتسابات المحلّلة. و هل يشترط ان يكون تملّكها بعوض؟ فيه تردّد. اشبهه انّه شرط. فلو ملكه بهبة أو احتطاب أو احتشاش لم يجب، لما روى محمد بن مسلم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان امسك متاعه يبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة، و ان حبسه و هو يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما امسكه بعد رأس ماله، و ما رواه ابو الربيع الشامي، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان امسكه التماس الفضل على رأس ماله فعليه الزكاة. و هذا يدلّ على اعتبار رأس المال فيه ... فرع: قال الشيخ لو نوى بمال القنية التجارة لم يدر في حول التجارة بالنيّة. و به قال الشافعي و ابو حنيفة و مالك، لأنّ التجارة عمل فلا يصير كذلك بالنيّة، كما لو نوى

سوم المعاملة و لم يسمها. و قال اسحاق:

يدور في الحول بالنيّة. و به رواية عن احمد، لما رواه عن سمرة، قال: امرنا رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 494.

(2)- الخلاف 1/ 311.

(3)- المبسوط 1/ 222.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

ان نخرج الصدقة ممّا نعدّه للبيع، و بالنيّة يصير كذلك. و هذا عندي قويّ، لأنّ التجارة هو ان يطلب به زيادة على رأس ماله و ينوي بها البيع كذلك. فيجب الزكاة بظاهر الروايتين اللّتين سبقتا و قولهم: التجارة عمل. قلنا لا نسلّم انّ الزكاة تتعلّق بالفعل الذي هو البيع، بل لم لا يكفي اعداد السلعة لطلب الربح؟ و ذلك يتحقّق بالنيّة، و لأنّه لو نوى القنية بأمتعة التجارة صحّ بالنيّة اتفاقا، فكذا لو نوى الاكتساب» «1».

و في المدارك بعد نقل ما قواه في المعتبر قال: «و الى هذا القول ذهب الشهيد في الدروس و الشارح في جملة من كتبه. و لا باس به» «2».

و في الجواهر بعد ذكر مقارنة قصد التكسّب لحال التملّك قال ما حاصله: «ظاهر المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما ذلك، بل في المدارك: «ذهب علماؤنا و اكثر العامّة الى اعتبارها». و عن المعتبر: «انّه موضع وفاق». لكنّ الذي يقوي في النظر عدمه، لإطلاق الأدلّة، و لصدق التجارة عليه عرفا بذلك، و لأنّه كما يقدح نيّة القنية في التجارة فكذا يقدح نيّة التجارة في القنية، و لأنّ المؤثّر حال التملّك نيّة التجارة فلا فرق».

ثم حكى كلام المعتبر، ثم قال: «بل ان لم ينعقد اجماع على اعتبار الملك بعقد معاوضة لأمكن المناقشة فيه، بصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبة، بل بارث مع نيّة التجارة به اذا كان هو كذلك عند المنتقل

منه. و رأس المال الموجود في النصوص لا يعتبر فيه كونه من مالك العين، اذ المراد به ثمن المتاع في نفسه و ان كان من الواهب و المورّث. و ظهور بعض النصوص في ذلك مع انّه مبنيّ على الغالب ليس هو على جهة الشرطية كي ينافي ما دلّ على العموم» «3». ثمّ ذكر روايات محمّد بن مسلم، و الكرخي، و شعيب الآتية دليلا للعموم.

اقول: لا يخفى ان المسألة ليست من المسائل الاصليّة المعنونة في الكتب الاصليّة حتى تفيد فيها دعوى الاجماع أو الاتّفاق. فلا ترى في المقنع و الهداية و المقنعة و النهاية تعريف مال التجارة و لا مسألة كفاية النيّة فيها، نعم، تعرّض لها الشيخ في مبسوطه و خلافه، حيث

______________________________

(1)- المعتبر/ 272.

(2)- المدارك/ 308.

(3)- الجواهر 15/ 290.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 197

..........

______________________________

كانت معنونة عند فقهاء السنة كما عرفت. و الاصل الأوّلي يقتضي عدم الزكاة إلّا فيما ثبت بالدليل. و ثبوت اطلاق الادلّة أو العموم فيها محل تأمّل، كما يأتي.

و عنوان مال التجارة و ان امكن اطلاقه على ما اعدّ للتجارة بعلاقة الأول و المشارفة أو لأنّه في الاضافة يكفي ادنى ملابسة و لكنّ اطلاقه ينصرف الى المال المستعمل فعلا في عمل التجارة، لا مطلق ما اعدّ لها، كما يظهر من ملاحظة النظائر كمال الاجارة و المضاربة و نحوهما.

و لو سلّم فليس هذا العنوان موضوعا للحكم في اخبار المسألة، بل هي بين ما هو ظاهر في اعتبار العمل و الاتجار بالفعل و بين ما يكون مورده ذلك.

امّا الروايات المستفيضة الواردة في مال اليتيم و المجنون ففي صحيحة محمّد بن مسلم منها:

«هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: لا، إلّا ان يتّجر به أو تعمل

به». و في خبر السمان:

«ليس في مال اليتيم زكاة إلّا ان يتّجر به». و في خبر ابي العطارد: اذا حرّكته فعليك زكاته»، و في خبر محمّد بن الفضيل: «لا يجب في ما لهم زكاة حتى يعمل به فاذا عمل به وجبت الزكاة، فامّا اذا كان موقوفا فلا زكاة فيه». و في صحيحة زرارة و بكير: «ليس على مال اليتيم زكاة إلّا ان يتّجر به، فان اتّجر به ففيه الزكاة». و في صحيحة عبد الرحمن: «ان كان عمل به فعليها زكاة، و ان لم يعمل به فلا». و في خبر موسى بن بكر: «ان كان اخوها يتجر به فعليه زكاة» «1».

فالموضوع في الجميع هو الاتجار أو العمل و الظاهر منها تحقّق العمل و الاتّجار خارجا.

و امّا اخبار استحباب الزكاة في مال التجارة «2» فقوله في صحيحة اسماعيل: «نطلب به التجارة» و ان كان يوهم كفاية الاعداد و النيّة و لكن قوله بعد ذلك: «ان كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته ...»، يستفاد منه وقوع المعاوضة عليه فعلا بقصد الاسترباح، لشهادة الربح و الوضيعة و رأس المال بذلك.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 2 و 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 198

..........

______________________________

و حمل رأس المال على ثمن المتاع في نفسه و ان كان من الواهب أو المورث كما في الجواهر خلاف الظاهر جدّا، و لا سيما مع اضافته الى كاف الخطاب.

و يأتي هذا البيان في اكثر اخبار الباب، مضافا الى كون المورد في بعضها صورة الاشتراء و الكساد، فراجع اخبار الباب. فانّ المستفاد من رأس المال و

الربح و الفضل و الوضيعة و النقصان و البوار و الكساد المذكور فيها تحقّق المعاوضة فعلا بقصد الاسترباح.

فلا يستفاد منها صورة الاعداد فقط. هذا.

و قد تمسك في الجواهر «1» للعموم كما عرفت بخبر محمّد بن مسلم انّه قال: كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول. قال يونس: تفسيره انّه كلّ ما عمل للتجارة من حيوان و غيره فعليه فيه الزكاة. و بخبر خالد بن حجاج الكرخي، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة فقال: ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلا على فضلك فزكّه، و ما كانت من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي ء آخر «2» و بخبر شعيب، قال: قال ابو عبد اللّه «ع»: كلّ شي ء جرّ عليك المال فزكه، و كلّ شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به «3».

اقول: امّا الأوّل فمضافا الى كونه مقطوعا و احتمال كونه من فتاوي محمّد بن مسلم يرد عليه انّه على الخلاف ادلّ، اذ الظاهر منه المال الذي وقع العمل عليه خارجا، و المراد من العمل المعاوضة كما يظهر بالتدبّر في موارد استعماله. و كذا الكلام في تفسير يونس.

كما انّ الظاهر من لفظ التجارة في خبر الكرخي التجارة الفعليّة، و من لفظ الفضل فيه الزيادة على رأس ماله الذي عاوض عليه.

و امّا خبر شعيب ففيه أولا: انّ الظاهر منه وقوع جرّ المال للربح خارجا، فيراد منه المال الذي عووض بمال آخر بقصد الاسترباح، ثمّ وقعت معاملة ثانية على العوض فحصّل الربح فعلا. فهو اخصّ من المال الذي وقعت التجارة عليه. فيراد من الخبر انّ المال الذي جرّ

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 291.

(2)- الوسائل، ج

6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8 و 5.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 199

..........

______________________________

الربح فعلا يزكّى و ان لم يبق المال الأوّل بشخصه طول السنة، و امّا المال الذي ورثته أو وهب لك فلا تتعلّق الزكاة به إلّا اذا بقي بشخصه طول السنة، اعني زكاة النقدين. هذا على فرض نصب المال.

و ثانيا: ان المحتمل كما يظهر من عنوان الوسائل أيضا رفع المال فاعلا و تقدّم المفعول.

فيكون المراد عدم اعتبار الحول في الربح زائدا على اصل المال، بل يكون في الحول تابعا للأصل. كما افتى به بعض السنة و سيجي ء البحث عنه. فمفاد الخبر انّ الربح لا يعتبر فيه الحول بخلاف الهبة و الارث. و لعلّ هذا الاحتمال اظهر، فتدبّر.

و بالجملة الاخبار الثلاثة لا شهادة فيها لما في الجواهر.

نعم، يمكن الاستدلال للتعميم بموثقة سماعة عن ابي عبد اللّه «ع» قال: «ليس على الرقيق زكاة إلّا رقيق يبتغي به التجارة، فانّه من المال الذي يزكّى» «1»، حيث انّ الظاهر منها كفاية الابتغاء و الطلب فتشمل الارث و الهبة و القنية اذا اعدّت لأن يتّجر بها. و يؤيّد ذلك بما رواه ابو داود بسنده عن سمرة بن جندب، قال: «امّا بعد فانّ رسول اللّه «ص» كان يأمرنا ان نخرج الصدقة من الذي نعدّه للبيع» «2» و قد مرّ ان هذا الخبر عمدة ما استدل به الجمهور على وجوب الزكاة في مال التجارة. و استدلّ به احمد على كفاية الاعداد و النيّة.

و الحقّ معه في محيط فقههم. و لا يخفى ان في نقل الجواهر هذا الخبر عن المعتبر اشتباها بينا، حيث

اضاف الى ذيله كلمة: «بالنيّة»، فراجع الجواهر «3» و ما حكيناه عن المعتبر في المسألة.

و يمكن ان يقرّب التعميم أيضا بادّعاء الغاء الخصوصية و العلم بعدم دخالة سبب التملّك و كونه معاوضة و كذا مقارنة قصد التكسّب له. بل بالدقّة في الاخبار يمكن ان يستفاد انّ الملاك كلّ الملاك هو حبس المال بقصد ازدياد الفضل. فمن له الغنم فعليه الغرم. نظير ما قلنا في زكاة النقدين من انّهما وضعا للدوران و الانتاج. فمن حبسهما سنة فجزاؤه ان يزكّيهما. و بالجملة لا يرى وجه لدخالة خصوصيّة المعاوضة أو مقارنة القصد، بل المؤثر هو نيّة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- سنن ابي داود 2/ 95، كتاب الزكاة، باب العروض اذا كانت للتجارة، الحديث 1562.

(3)- الجواهر 15/ 290.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 200

الاعداد يدخل في هذا العنوان، و لو كان قصده حين التملّك- بالمعاوضة أو بغيرها- الاقتناء و الأخذ للقنية.

[لا فرق فيه بين أن يكون ممّا يتعلّق به الزكاة و بين غيره]

و لا فرق فيه بين أن يكون ممّا يتعلّق به الزكاة المالية- وجوبا أو استحبابا- و بين غيره كالتجارة بالخضروات مثلا (1)، و لا بين أن يكون من

______________________________

الاتّجار و الاسترباح. و لعلّه اشار الى هذه النكتة في الجواهر حيث قال كما مرّ: «و لأنّ المؤثّر حال التملّك نيّة التجارة فلا فرق» «1».

و الحاصل انّ الاصل يقتضي عدم التعميم. و عمدة اخبار المسألة أيضا تختص ظهورا أو موردا بصورة وقوع المعاوضة فعلا، و لكن موثقة سماعة ظاهرة في كفاية الاعداد و النيّة.

و يؤيّدها خبر سمرة، و تقرّب بهذا التقريب الاعتباري. هذا.

و قد يجاب عن الموثقة كما في مصباح الفقيه اوّلا، بأنّ المنساق منها ارادة العبد المقصود بتملّكه الاتّجار، لا

الخدمة. مثل ما يشتريه النخاس الذي عمله الاتّجار بالرقيق. و ثانيا.

بانّ سوق الرواية يشهد بكون اطلاقها مسوقا لبيان العقد السلبيّ، فلا ظهور لها في ارادة الاطلاق بالنسبة الى العقد الاثباتي اعني المستثنى «2».

اقول: ظاهر الموثقة كون تمام الموضوع نفس الابتغاء. و الانصراف يمكن منعه، فيجب الأخذ بالاطلاق. و لا نسلم عدم كونها في مقام البيان بالنسبة الى العقد الاثباتي، فان تعقيب المستثنى بقوله: «فانّه من المال الذي يزكّى»، يوجب الظهور في كونها في مقام بيان العقدين معا، فتدبّر.

(1) كما صرّح به في المسالك «3» و يقتضيه اطلاق النصوص. و ليس النظر هنا الى صورة تحقّق شرائط الزكاتين و تزاحمهما، فانّ البحث عنها يأتي في المسألة الاولى الآتية، بل المراد كون جنس مال التجارة من الاجناس التسعة أو من غيرها، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 290.

(2)- مصباح الفقيه/ 76.

(3)- المسالك 1/ 57.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 201

الأعيان أو المنافع (1) كما لو استأجر دارا بنية التجارة.

______________________________

(1) في البيان: «و لو استأجر دارا بنيّة التجارة أو آجر امتعة التجارة فهي تجارة» «1».

و في المسالك: «و يدخل فيه العين و المنفعة و ان كان في تسمية المنفعة مالا خفاء.

فلو استأجر عقارا للتكسّب تحقّقت التجارة» «2».

اقول: لا خفاء في كون المنفعة مالا، فانّ المراد بالمال ماله قيمة و يبذل بازائه المال، و انما الخفاء في كون التكسب بها تجارة، لما عرفت من ان الكسب اعم من التجارة و ظاهر التجارة المعاوضة على العين بقصد الاسترباح و شمول قوله في خبر محمّد بن مسلم: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة» للمنافع كما في المستمسك ممنوع، اذ الظاهر من العمل التجارة كما يظهر من موارد استعماله في الاخبار.

قال في

الجواهر بعد نقل ما في البيان و المسالك: «قلت: قد يناقش في استفادة ذلك من الادلّة، ضرورة ظهورها في الامتعة و نحوها، كما نصّ على ذلك بعض مشايخنا، بل هو الظاهر من المقنعة و غيرها. و حينئذ فما يأتي من مسألة العقار المتّخذ للنماء قسم مستقلّ لا يندرج في مال التجارة» «3».

نعم يمكن الاستدلال للاستحباب في المنافع بعموم قوله- تعالى-: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ». و لكن كونه من افراد مال التجارة ممنوع، فتدبّر.

______________________________

(1)- البيان/ 188.

(2)- المسالك 1/ 57.

(3)- الجواهر 15/ 263.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 202

شروط الزكاة في مال التجارة
اشارة

و يشترط فيه امور:

1 الأول: النصاب

الأول: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين (1)، فلا زكاة فيما لا يبلغه.

______________________________

(1) في الشرائع: «الاول: النصاب، و يعتبر وجوده في الحول كله، فلو نقص في اثناء الحول و لو يوما سقط الاستحباب» «1».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة و غيرها الإجماع عليه، بل عن صريح نهاية الاحكام ذلك، بل في المعتبر و محكى المنتهى و كشف الالتباس و غيرها انه قول علماء الإسلام» «2».

و في الحدائق: «احدها بلوغ النصاب، و هو نصاب النقدين ... و هو مجمع عليه من الخاصة و العامة». ثم قال: «و المسألة لا تخلو من اشكال، فان ظاهر الروايات الإطلاق» «3».

و الإشكال ناش من طريقته بالخدشة في اصل حجية الإجماع. هذا.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 156.

(2)- الجواهر 15/ 265.

(3)- الحدائق 12/ 146.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

و في المعتبر: «مسألة: بلوغ القيمة نصابا شرط في الوجوب. و عليه علماء الإسلام.

فلو ملك ما ينقص عن النصاب ثمّ تمّ في اثناء الحول استأنف الحول من حين بلوغه. و هو قول الشافعي، و ابي حنيفة، و احمد، و مالك؛ ثم اختلفوا. و الذي يختار الاصحاب اعتبار وجود النصاب من اول الحول الى آخره ... و به قال الشافعي، و احمد. و قال مالك: ينعقد الحول على ما دون النصاب، فاذا تم الحول و قد كمل نصابا وجبت الزكاة. و قال ابو حنيفة:

يعتبر النصاب في اول الحول و آخره لا في وسطه» «1».

و في المنتهى: «و يشترط في ثبوت الزكاة بلوغ النصاب، و هو قول علماء الإسلام.

فلو ملك دون النصاب و حال عليه الحول لم يثبت الزكاة اجماعا» «2».

و كيف كان فاخبار زكاة مال التجارة بكثرتها خالية

عن ذكر النصاب. و ما قيل او يمكن ان يقال في مقام الاستدلال عليه امور:

الأوّل: اصالة عدم الثبوت فيما قلّ عن النصاب.

و فيه عدم المجال للأصل بعد اطلاق الاخبار.

الثاني: اجماع علماء الإسلام كما مرّ في كلماتهم، و هو العمدة و ان استشكل فيه صاحب الحدائق كما مرّ.

الثالث: ان الظاهر من اخبار الباب هو ان هذه الزكاة بعينها زكاة المال و لكن المتحرك منه، فكأن المال المتبلور في النقدين منقسم الى قسمين: ثابت صامت، و متحرك دائر. ففي الاول تجب الزكاة و في الثاني تستحبّ. فقوله: «ليس في مال اليتيم زكاة إلّا ان يتجر به»، و قوله: «اذا حرّكته فعليك زكاته»، و قوله: «لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة، فامّا اذا كان موقوفا فلا زكاة عليه» «3»، و قوله: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة» «4»، و قوله: «كل شي ء جرّ عليك المال فزكه، و كل شي ء

______________________________

(1)- المعتبر/ 272.

(2)- المنتهى 1/ 507.

(3)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 204

..........

______________________________

ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «1»، الى غير ذلك من الاخبار. يستفاد من ذلك كلّه ان زكاة التجارة هي زكاة نفس المال الأوّل المتحرك في التجارة المحفوظة ماليته ضمن ابداله، فهي في الحقيقة زكاة النقدين فيثبت فيها ما ثبت فيهما و من جملة ذلك النصاب.

الرابع: ان خلوّ النصوص مع كثرتها و كونها في مقام البيان عن بيان النصاب دال على الاعتماد في ذلك على نصاب النقدين.

و فيه انه لو ذكر النصاب فيها اجمالا امكن

الاعتماد في مقداره على نصابهما، و لكن السكوت المطلق عنه يمكن ان يكون لعدم اعتبار النصاب اصلا.

الخامس: ان الاخبار المستفيضة الدالّة على عدم الزكاة في الذهب حتى تبلغ عشرين دينارا، و في الفضّة حتى تبلغ مأتي درهم تشمل باطلاقها الاحوالي للزكاة المستحبة أيضا فيما اذا صارتا مال تجارة، فيتمّ في غيرهما بعدم الفصل.

و فيه عدم حجية ذلك إلّا ان يرجع الى القول بعدم الفصل، و على فرض ذلك فلا يزيد هذا الاجماع المركب عن الاجماع البسيط الذي مرّ.

السادس: موثقة اسحاق بن عمّار، عن أبي ابراهيم- عليه السلام- قال: قلت له:

تسعون و مأئة درهم و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال: اذا اجتمع الذهب و الفضّة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة لأن عين المال الدراهم، و كلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات «2».

و لا يخفى ان نصاب الغلات بالاوساق، و الانعام بالعدد، فالعرض المردود في الزكاة الى الدراهم ينحصر في مال التجارة. فذيل الرواية دال على المقصود. و لعل الذيل يشهد بكون المورد في الصدر أيضا صورة كون النقدين مال التجارة، و إلّا فمن الواضح الثابت بالاخبار و الفتاوى عندنا عدم تتميم نصاب احد النقدين بالآخر. و قد مرّ في محلّه في المسألة العاشرة من زكاة النقدين.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 205

و الظاهر انّه كالنقدين في النصاب الثاني أيضا (1).

______________________________

و على ما احتملناه من كون الذهب مال التجارة أيضا يمكن ان يحمل صحيحة

محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: اذا بلغ قيمته مأتي درهم فعليه الزكاة «1». و إلّا فالذهب له نصاب مستقل.

و كيف كان فاعتبار النصاب في مال التجارة و كونه عين نصاب النقدين واضح بعد ما ذكرنا و ان توسوس فيه بعض المتأخرين كما في الجواهر.

(1) كما عن غير واحد التصريح به، و كأنه مفروغ عنه عندنا. نعم، عن الشهيد الثاني التأمل فيه. قال سبطه في المدارك: «ما ذكره جدّي في حواشي القواعد من انه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا و ان العامّة صرحوا باعتبار الاول خاصة غير جيد، لان الدليل على اعتبار الاول هو بعينه الدليل على اعتبار الثاني، و الجمهور انما لم يعتبروا الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين كما ذكره في التذكرة» «2».

أقول: و لقد اجاد فيما افاد. و قد مرّ في زكاة النقدين ان ابا حنيفة منهم قائل بالنصاب الثاني فيهما، و انكره الباقون، فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- المدارك/ 308.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 206

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 206

2: الحول

الثاني: مضيّ الحول عليه (1).

______________________________

(1) في المعتبر: «اما اشتراط الحول فعليه اتفاق علماء الإسلام. و يؤيده قوله «ص»:

لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» «1».

و في المنتهى: «الحول شرط في زكاة التجارة، سواء قلنا بالوجوب أو الاستحباب: و هو قول علماء الإسلام» «2».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه»

«3».

و استدل عليه مضافا الى ذلك بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: ...

و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها. فقال: اذا حال عليه الحول فليزكّها «4».

و لا يخفى ان قوله: «يعمل بها» لا صراحة له في وقوع العمل بالفعل، لاحتمال ان يكون معناه ان الوضع عنده كان للعمل. و حينئذ فيكون المقصود حلول الحول على نفس المال الموضوع عنده قبل ان يعمل به. فالزكاة زكاة النقدين الواجبة لا زكاة مال التجارة.

و استدل أيضا بخبر محمّد بن مسلم انّه قال: كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول «5».

______________________________

(1)- المعتبر/ 271.

(2)- المنتهى 1/ 507

(3)- الجواهر 15/ 270.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 207

من حين قصد التكسب (1).

______________________________

و ظهوره في مال التجارة واضح، و لكن الخبر مقطوع. و يحتمل كونه فتوى محمّد بن مسلم اخذها من الصحيحة.

و استدل أيضا بصحيحة علي بن يقطين، عن ابي ابراهيم «ع» قال: قلت له: انّه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته) فيبقى نحوا من سنة أ نزكّيه؟ فقال: لا، كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء «1» ...

و يمكن ان يقال ان كون ذيل الحديث مرتبطا بزكاة النقدين يمكن ان يصير قرينة على كون المراد بالشي ء المسؤول عنه احد النقدين، فلا عموم في الجواب. هذا.

و في سنن ابي داود، عن عليّ «ع» عن النبي «ص»: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» «2».

و

في التاج، عن ابن عمر، عن النبي «ص»: «من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه. رواه الترمذي و ابو داود» «3».

و كيف كان فالمسألة واضحة اجمالا. و انما الاشكال في ان اللازم بقاء عين السلعة حولا، أو بقاء رأس المال و ان تبدل بابدال مختلفة؟ و سيأتي بيانه في الشرط الرابع.

(1) بناء على كفاية القصد و النية، كما قواه المصنف. و لو اعتبر وقوع المعاوضة عليه فعلا بهذا القصد فالابتداء من حين وقوعها.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- سنن ابي داود، ج 2، باب زكاة السائمة، الحديث 1573.

(3)- التاج، ج 2، الباب 3 من ابواب الزكاة، الحديث الاخير.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 208

3: بقاء قصد الاكتساب

الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحلول، فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم (1)،

______________________________

(1) في المبسوط: «اذا كانت معه سلعة للتجارة فنوى بها القنية سقطت زكاته» «1».

و في الشرائع: «فلو نقص رأس ماله، أو نوى به القنية انقطع الحول» «2».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه» «3».

و في المعتبر في الاستدلال على كفاية النيّة قال: «و لأنه لو نوى القنية بأمتعة التجارة صح بالنيّة اتفاقا، فكذا لو نوى الاكتساب» «4». و بالجملة ادعى على المسألة الاتفاق و عدم الخلاف، و لكن استكشاف قول المعصوم بذلك مع عدم كون المسألة معنونة بين القدماء في الكتب الاصلية مشكل.

و في المستمسك: «و يقتضيه ما دل على اعتبار الحول، فان الظاهر منه حولان الحول على المال بماله من الخصوصيات المعتبرة فيه التي منها قصد الاسترباح» «5».

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 222.

(2)- الشرائع 1/ 157.

(3)- الجواهر 15/ 270.

(4)- المعتبر/ 272.

(5)-

المستمسك 9/ 202.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 209

و إن عاد الى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه (1).

______________________________

أقول: لأحد ان يقول: ان اشتراط حكم بشروط لا يستلزم اشتراط الشروط بعضها ببعض، فالحول شرط في عرض سائر الشروط. و من المحتمل ان يكون عنوان التجارة بحدوثها كاف في تحقق الحكم و بقائه. و يقتضيه الاستصحاب أيضا. هذا.

و لكن الظاهر من قوله في خبر محمد بن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» رجوع الضمير المجرور بعلى الى المال مع وصف كونه معمولا به، فتأمّل.

(1) بناء على كفاية القصد، و إلّا اعتبر وقوع المعاوضة عليه ثانيا و الابتداء منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 210

4. بقاء رأس المال طول الحول

الرابع: بقاء رأس المال بعينه (1) طول الحول.

______________________________

(1) في العبارة احتمالان: الاول: ان يراد اشتراط بقاء عين السلعة المعاوض عليها بقصد الاسترباح أو المقصود بها ذلك في قبال كفاية بقاء المالية و ان تبدلت العين.

الثاني: ان يراد اشتراط بقاء رأس المال و لو بابداله طول الحول، في قبال فتوى ابي حنيفة القائل بكفاية وجود النصاب في اوّل الحول و آخره و ان نقص في الوسط.

و الظاهر ارادة المصنف الأوّل بقرينة ما يأتي منه في المسألة الثانية من القول بسقوط زكاة التجارة أيضا بالمعاوضة في اثناء الحول.

و كيف كان فظاهر المفيد و المحقق و المدارك اشتراط بقاء عين السلعة طول الحول و جعله في الحدائق اظهر القولين، و لعله ظاهر الصدوق أيضا.

و صريح العلامة و ولده و الشهيدين كفاية بقاء المالية و ان تبدلت العين، بل في التذكرة و الايضاح الاجماع و الاتفاق على ذلك، و اختاره في الجواهر و مصباح الفقيه و الشيخ الاعظم في

زكاته، و يظهر من الفقه على المذاهب الاربعة اختيار الشافعية أيضا لذلك، و هو الاقوى.

فالاولى نقل بعض الكلمات و يظهر في ضمن الكلام حكم المسألة الثانية الآتية أيضا.

ففي المقنعة: «و كل متاع في التجارة طلب من مالكه بربح أو برأس ماله فلم يبعه طالبا للفضل فيه فحال عليه الحول ففيه الزكاة ...» «1». فظاهر هذه العبارة حول الحول على

______________________________

(1)- المقنعة/ 40.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 211

..........

______________________________

عين المتاع.

و في المقنع: «اذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته اذا حال عليه الحول» «1». و نحو ذلك في الفقيه و فقه الرضا، كما مرّ. فان رجع الضمير المجرور الى المتاع كان مفاده مثل ما في المقنعة، و لكن من المحتمل رجوعه الى المال، فيكفي بقاء المالية.

و في المعتبر في مسألتي اشتراء مال التجارة بالنقدين و بيعه بهما حكم باستيناف الحول.

قال: «لأن الحول معتبر في السلعة، و اذا نض الثمن كان غيرا لها، فلا يكون حول احدهما حولا للآخر» «2». و ظاهره اعتبار الحول في شخص السلعة.

و في الشرائع: «لو عاوض اربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية و التجارة و استأنف الحول فيهما. و قيل بل يثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة، لان اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك و الاول اشبه» «3».

و الظاهر منه بقرينة التعبير بالسقوط كون الأربعين الاولى أيضا للتجارة، فيظهر منه اشتراط بقاء العين في التجارة و عدم كفاية بقاء المالية فقط.

و لكن في المسالك احتمل تعلق الجارّ، اعني قوله: «للتجارة» بالأربعين الثانية فقط، و حمل الأولى على القنية، و حمل سقوط

التجارة على الارتفاع الاصلي و هو انتفاؤها. قال:

«و غايته ان يكون مجازا، و هو اولى من اختلال المعنى مع الحقيقة، أو يقدّر لوجوب التجارة عامل محذوف غير السقوط» «4».

أقول: ما احتمله هو و غيره توجيهات غير ظاهرة لا داعي للالتزام بها.

و ما حكاه الشرائع من القول لعله ناظر الى كلام الشيخ في المبسوط. قال فيه: «اذا كان عنده اربعون شاة سائمة للتجارة ستة أشهر فاشترى بها أربعين شاة سائمة للتجارة كان

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 14.

(2)- المعتبر/ 272.

(3)- الشرائع 1/ 158.

(4)- المسالك 1/ 58.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 212

..........

______________________________

حول الاصل حولها في اخراج زكاة مال التجارة، و لا يلزمه زكاة العين، لأنه لم يحل على كل واحد منهما الحول. و على ما قلناه انه يتعلق الزكاة بالعين ينبغي ان نقول انه يؤخذ زكاة العين، لأنه بادل بما هو من جنسه، و الزكاة تتعلق بالعين و قد حال عليه الحول» «1».

و انت ترى ان الشيخ أيضا ممن لا يعتبر بقاء العين في زكاة التجارة، و اما في زكاة المالية فأفتى أوّلا باعتبار بقائها حولا ثمّ ناقش في ذلك، و اذا فرض وجوب المالية سقطت زكاة التجارة، لا لانقطاع الحول، بل لما يأتي من عدم وجوبهما معا و تقدم المالية على التجارة.

هذا.

و يظهر ذلك مما في التذكرة. قال: «لو اشترى اربعين سائمة للتجارة فعاوض بها في اثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضا فان شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت و ثبتت زكاة التجارة لعدم المانع، و إلّا أوجبنا زكاة المال» «2».

و في التذكرة أيضا: «لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول اجماعا، بل قيمتها و بلوغ القيمة النصاب» «3».

و في القواعد: «و لو عاوض اربعين سائمة

بمثلها للتجارة استأنف حول المالية على رأي» «4».

قال: في الايضاح في شرح العبارة: «و اعلم ان قوله: استأنف حول المالية، لا يريد به ابطال حول التجارة، فان الفريقين اتّفقا على ان حول التجارة باق» «5».

و فيه أيضا: «اذا كانت الاولى للتجارة و المسألة بحالها ثم عاوضها بمثلها للتجارة أيضا فلا خلاف بين الكل في بناء حول التجارة على حول الاولى، و انما النزاع في بناء حول القنية» «6».

و بالجملة في المسألة قولان. و استدل للقول الاول بظهور ما دل على اعتبار الحول.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 223.

(2)- التذكرة 1/ 229.

(3)- التذكرة 1/ 229.

(4)- القواعد 1/ 56.

(5)- الايضاح 1/ 187.

(6)- الايضاح 1/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 213

..........

______________________________

فقوله: «كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة»، يشمل باطلاقه المالية و التجارة معا، و ظاهره حول الحول على الشخص.

و استدل عليه أيضا- كما في المدارك- بان مورد النصوص المتضمنة لثبوت هذه الزكاة السلعة الباقية طول الحول.

ففي صحيحة اسماعيل بن عبد الخالق: «انا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة، فربما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال: ان كنت تربح فيه شيئا، أو تجد رأس مالك فعليك زكاته، و ان كنت انما تربص به لأنك لا تجد الا وضيعة فليس عليك زكاة» «1».

و في صحيحة محمد بن مسلم: «قال: سألت ابا عبد اللّه عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد زكى ما له قبل ان يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال: ان كان امسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة و ان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة» «2».

و في موثقة سماعة: «سألته عن الرجل يكون عنده المتاع

موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين و اكثر من ذلك ...» «3» الى غير ذلك من اخبار الباب: (الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة). هذا.

و لكن الاقوى- كما عرفت- هو القول الثاني، اذ الموضوع للحكم في هذه الزكاة ليس نفس السلعة التي ملكت بالمعاوضة حتى يعتبر بقاؤها بشخصها و ان اوهم ذلك ما مرّ منهم من تعريف مال التجارة بما ملك بعقد المعاوضة بقصد الاكتساب به عند التملك، بل الموضوع المال الذي يقع عليه العمل و الاتجار و يسمى برأس المال. فكأنّ المال المتبلور في النقدين على قسمين: ثابت و متحرك، فتجب الزكاة في الاول و تستحب في الثاني. و ليس المراد بما يعمل و يتجر به شخصه قطعا، لان التاجر يدفعه الى صاحب المتاع الذي يشتري.

فبقاؤه حولا و ثبوت الزكاة فيه لا بد ان يكون بلحاظه عاريا عن خصوصياته، فيراد به ماليته السارية في اعواضه و ابداله.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 214

..........

______________________________

و السرّ في ذلك ان التاجر لا نظر له الى المتاع بشخصه، بل الى ماليته الباقية مع التبدل أيضا، و حينئذ فلا يبقى فرق بين تبدل واحد و تبدلات.

و يشهد لذلك قوله «ع» في خبر محمّد بن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1»، و الاخبار المستفيضة الواردة في مال اليتيم و المجنون الحاكمة بعدم الزكاة فيه إلّا ان يتجر به أو يعمل به:

ففي خبر

محمد بن الفضيل: «لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة» «2».

و في خبر ابي العطارد: «قلت لأبي عبد اللّه «ع» مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به، فقال: اذا حركته فعليك زكاته. قال: قلت: فاني أحرّكه ثمانية اشهر و أدعه اربعة اشهر؟

قال: عليك زكاته» «3»، الى غير ذلك من اخبار البابين: (الباب 2 و 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة). و لا تخفى صراحة خبر أبي العطارد في المسألة و إن ضعف سندا بجهل أبي العطارد.

و يشهد له أيضا موثقة سماعة، قال: سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة، هل عليه في ذلك المال زكاة اذا كان يتّجر به؟ فقال: ينبغي له ان يقول لأصحاب المال زكّوه، فان قالوا: انا نزكّيه فليس عليه غير ذلك، و ان هم امروه بان يزكّيه فليفعل. قلت: أ رأيت لو قالوا: انا نزكّيه و الرجل يعلم انهم لا يزكّونه؟ فقال: اذا هم اقّروا بانهم يزكّونه فليس عليه غير ذلك، و ان هم قالوا: انا لا نزكّيه فلا ينبغي له ان يقبل ذلك المال و لا يعمل به حتى يزكّيه (يزكّوه) «4». فظاهر قوله: «اذا كان يتّجر به» وقوع التجارة مستمرة و متكررة على المال و مع ذلك تضاف التزكية الى هذا المال.

بل يشهد لهذا القول أيضا النصوص التي حملها الأصحاب على نفي الوجوب جمعا بينها

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 15 من ابواب ما

تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 215

..........

______________________________

و بين ما دل على الوجوب، كقول الصادق- عليه السلام-: «ليس في المال المضطرب به زكاة» «1»، و قول ابي جعفر «ع»: «يا زرارة: ان ابا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه «ص» فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار به و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول. فقال ابو ذر: اما ما يتّجر به، أو دير و عمل به فليس فيه زكاة.

انما الزكاة فيه اذا كان ركازا أو كنزا موضوعا ...» «2».

فدلالة هذه النصوص على كون موضوع البحث في زكاة التجارة المال الذي تقع عليه المعاوضات و المبادلات واضحة. و هو موضوع الندب عندنا. بل الغالب في مال التجارة التقلب و الدوران، فحمل الاخبار على الأمتعة الباقية باشخاصها طول السنة حمل على افراد نادرة.

و اما ما مرّ من النصوص الظاهرة في كون المورد في الاسئلة السلعة الباقية طول الحول، ففيه ان المورد غير مخصّص، فلا ترفع اليد بهذه النصوص عن الاطلاقات. و لعل وجه السؤال يخيل السائل سقوط الزكاة بالمكث سنة أو سنتين لابتناء مال التجارة على التقلب و التبدل، فاجيب بثبوتها مع عدم الوضيعة و النقصان.

و كيف كان فقد تلخص ممّا ذكرنا ان الحول يعتبر هنا بحسب المالية أو النصاب، دون شخص السلعة و المتاع، فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 216

5: ان يطلب برأس المال او بزيادة

الخامس: ان يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول (1)، فلو كان

______________________________

(1) الظاهر عدم وجود

خصوصية للطلب و ان عبّر به في المقنعة و المقنع و الشرائع و نحوها، و انّما أخذ طريقا. فالمراد ان لا تنقص قيمته السوقية عن رأس ماله، و إلّا فقد لا يوجد راغب بالفعل في يوم أو يومين، أو يوجد من يطلبه بأقلّ و لكن القيمة السوقية لم تتنزل، بحيث لو وجد المشتري اشتراه عادة برأس المال فما زاد، و لا يستفاد من الروايات أكثر من ذلك.

و كيف كان ففي المعتبر: «وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة و استحبابها، فلو نقص رأس المال و لو قيراطا في الحول كلّه أو في بعضه لم تجب الزكاة و إن كان ثمنه اضعاف النصاب، و عند بلوغ رأس المال يستأنف الحول. و على ذلك فقهاؤنا أجمع، و خالف الجمهور» «1».

و في التذكرة: «يشترط وجود رأس المال من أوّل الحول الى آخره، فلو نقص رأس المال و لو حبة في اثناء الحول أو بعضه لم تتعلق الزكاة به، و ان عادت القيمة استقبل الحول من حين العود عند علمائنا اجمع، خلافا للجمهور كافة» «2». و نحو ذلك في المنتهى أيضا «3».

و استدلوا لذلك- مضافا الى الإجماع- باخبار الباب. قال في الجواهر: «للنصوص

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

(2)- التذكرة 1/ 227.

(3)- المنتهى 1/ 507.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 217

..........

______________________________

السابقة التي منها موثق سماعة، فانه كالصريح في كون الشرط على الوجه الذي ذكرها الاصحاب» «1».

أقول: بالرجوع الى كلمات المتأخرين من اصحابنا يظهر تسالمهم على اعتبار هذا الشرط، و على دلالة اخبار الباب عليه، حيث اعتبروا الطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول، و استدلوا عليه بالإجماع و الأخبار. و لم أر من محشّي العروة أيضا من يناقش في ذلك سوى

السيد الاستاذ- مدّ ظله العالي- و لكني كلّما تأملت أخبار الباب و كلمات القدماء من الأصحاب لم يظهر لي إلّا دلالتها على اعتبار هذا الشرط اجمالا و بنحو الاهمال لا تحققه طول الحول، بل الظاهر من الأخبار كفايته اجمالا. نعم، يشترط بقاء النصاب عندنا طول الحول، وفاقا للشافعي و احمد، و خلافا لأبي حنيفة و مالك، كما مرّ تفصيله.

ففي المقنعة: «و كل متاع في التجارة طلب من مالكه بربح أو برأس ماله فلم يبعه طالبا للفضل فيه فحال عليه الحول ففيه الزكاة ...، و متى طلب بأقل من رأس ماله فلم يبعه فلا زكاة عليه و ان حال عليه حول و احوال» «2».

و في النهاية: «فان كان معه مال يديره في التجارة استحب له اخراج الزكاة منه اذا دخل وقتها و كان رأس المال حاصلا أو يكون معه الربح، فان كان قد نقص ما له أو كان ما اشتراه طلب بأقل من رأس المال فليس عليه فيه شي ء ...» «3».

و في المقنع و الفقيه وفقه الرضا: «اذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته اذا حال عليه الحول، فان لم يطلب منك المتاع برأس مالك فليس عليك زكاته» «4».

و في الخلاف (المسألة 105): «و فيهم (أي: في اصحابنا) من قال فيه الزكاة اذا طلب

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 268.

(2)- المقنعة/ 40.

(3)- النهاية/ 176.

(4)- الجوامع الفقهية/ 14، الفقيه 2/ 11 و فقه الرضا/ 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 218

..........

______________________________

برأس المال أو بالربح» «1».

و في المبسوط: «اذا طلب بربح أو برأس المال، فأما اذا طلب بنقصان فلا خلاف بينهم انه ليس فيه الزكاة» «2».

بل في الشرائع

أيضا: «الثاني: ان يطلب برأس المال أو بزيادة، فلو كان رأس ماله مأئة فطلب بنقيصة و لو حبّة لم يستحب» «3».

نعم، قال بعد ذلك: «و لا بدّ من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول الى آخره» «4».

و الغرض من نقل هذه الكلمات ان المستفاد من كلماتهم في الكتب المعدّة للمسائل المتلقاة و غيرها اعتبار وجود رأس المال و زيادة، في مقابل ما اذا لم يطلب إلّا بنقيصة، و اما اعتبار وجود رأس المال طول الحول فلا يستفاد. و بالجملة مفادها مفاد القضيّة المهملة، كما هو مفاد الأخبار أيضا. فقوله «ع» في صحيحة اسماعيل بن عبد الخالق: «ان كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته، و ان كنت انما تربّص به لأنك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة» «5»، يظهر من الجملة الاولى منه بقرينة المقابلة ان تحقق الربح أو رأس المال في وقت ما يكفي لتعلق الزكاة، و انما المانع عنه تحقق الوضيعة في جميع المدّة.

و كذلك الكلام في سائر أخبار الباب (الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة)، حتى موثق سماعة المذكور في الجواهر. ففيه: «ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلّا ان يكون اعطى به رأس ما له فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، و ان لم يكن اعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه، و ان حبسه ما حبسه ...» «6».

و بالجملة الظاهر من فتاوى قدماء الأصحاب، و من أخبار المسألة انّه ان لم يجد إلّا وضيعة و لم يكن اعطى به رأس ماله أصلا بنحو السلب الكلّي فليس عليه زكاة، و نقيض

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 307.

(2)- المبسوط

1/ 220.

(3)- الشرائع 1/ 157.

(4)- الشرائع 1/ 157.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 219

رأس ماله مأئة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة- و لو حبّة من قيراط- يوما منها سقطت الزكاة.

و المراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع (1).

______________________________

السلب الكلّي هو الايجاب الجزئي. فوجود الربح أو رأس المال بنحو الاهمال يكفي في التعلق.

و كل من الحول و وجود رأس المال شرط مستقل للتعلق، و اشتراط شي ء بشروط في عرض واحد لا يدل على اشتراط بعض الشروط ببعض، اللهم إلّا اذا ثبت بدليل آخر، كما التزمنا باشتراط النصاب بالحول، كما مرّ.

و بما ذكرنا يوهن الإجماع المدعى في المعتبر و غيره، فانه نقل لفتاوى الأصحاب، و المفروض عدم دلالة كلمات الأصحاب المأخوذة من الروايات على اعتبار ذلك في طول الحول، اللّهمّ إلّا ان يرجع الإجماع الى اعتبار اصل وجود رأس المال في قبال العامة الساكتين عنه دون وجوده طول الحول، فانه ممّا استظهره المحقق و العلامة بأنفسهما، و نظير ذلك كثير في عباراتهم، بل المحقق في المعتبر بعد ادعاء اجماع فقهائنا قال: «لنا ان الزكاة شرعت ارفاقا للمساكين، فلا تكون سببا لا ضرار المالك، فلا تجب مع الخسران» «1». فنفس هذا الدليل التبرعي أيضا شاهد على ان المانع من التعلق وجود النقيصة في تمام السنة، فان الإضرار المذكور لا يتحقق إلّا في هذا المورد. و الحاصل ان وجود رأس المال أو الزيادة معتبر اجمالا و راء النصاب، و امّا اعتبار تحقّقه طول الحول. فلا دليل عليه. و اطلاق الأخبار ينفي

ذلك، فالأخذ بالإطلاق لازم، فتدبّر.

(1) أو قيمة المتاع حين ما قصد الاكتساب به بناء على ما تقدم منه من تعميم الموضوع.

فروع

الأوّل: الثمن في المعاوضة ان كان من النقدين و الاثمان المتعارفة فهو الملاك اذ به يقدر مالية الاشياء و الربح و الخسران، و ان كان من العروض كما اذا اشترى حنطة

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 220

..........

______________________________

بالأرز مثلا بقصد التجارة فهل يكون الاعتبار في الربح و الخسران بالارز، كما هو ظاهر المتن لأنه الثمن في المعاملة، أو بقيمته من الأثمان؟ يمكن ان يقال انه في التجارات لا نظر الى العروض بما هي هي، بل بحساب ماليتها المعتبرة بالنقد الرائج. اللهم إلّا اذا فرض في محل عدم الالتفات الى القيم و الأثمان اصلا، و تعارف بينهم مبادلة الأجناس بعضها ببعض. و بالجملة فالاعتبار بما يعدّه العرف ملاكا لتشخيص الربح و الخسران، فتدبر.

الثاني: هل يراد برأس المال خصوص الثمن المقابل للمتاع في المعاوضة- كما هو ظاهر المصنّف- أو جميع ما يغرمه الانسان في التجارة للاسترباح فيشمل مئونة النقل، و الحفظ، و الثبت في الديوان، و الماليات المرسومة المأخوذة، و اجرة المقوم، و الدلال و نحو ذلك؟ الظاهر الثاني. فانّه الظاهر من الروايات المفصلة بين أن يربح فيه شيئا أو يجد رأس ماله و بين غيره. و التجار في مقام حساب الربح و الخسران يحسبون جميع ذلك، كما لا يخفى.

الثالث: في الجواهر ما حاصله: «ان الأمتعة التي اشتريت صفقة واحدة و اريد بيعها بتفرقة فرأس المال في كل منها ما خصه من الثمن. نعم، قد يقوى جبر خسران احدها بربح الآخر خصوصا مع ارادة البيع صفقة لكون الجميع تجارة واحدة، اما اذا كانا تجارتين

فالظاهر عدم الجبر، فلا يكفي في ثبوت الزكاة في ما طلب به بنقيصة طلب الآخر بربح يجبر تلك النقيصة، بل تتعلق الزكاة باحدهما دون الآخر و ان بيعا صفقة واحدة. و جبر احدى التجارتين بالاخرى في باب الخمس على تقدير التسليم لا يستلزمه هنا بعد ظهور نصوص المقام في خلافه» «1».

أقول: ان قلنا ان زكاة التجارة تتعلق بخصوص السلعة الباقية بشخصها طول الحول- كما استظهر من عبارة المقنعة، و افتى به بعض- فتشخيص الموضوع سهل للتاجر كما لا يخفى، و اما اذا قلنا ان الموضوع لهذه الزكاة المال المتحرك و ان تبدل بابدال مختلفة- كما قويناه و قواه صاحب الجواهر أيضا و ادعى عليه الاجماع العلامة و ولده، كما مرّ- فالسنة حيث لا يعتبرون وجود رأس المال أو الربح فتشخيص الموضوع أيضا سهل لهم، و امّا على ما اخترناه من اعتبار وجود رأس المال أو الربح فاذا فرض ان احدا يتّجر بماله في شعب

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 269.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 221

..........

______________________________

مختلفة و اجناس متفرقة كما هو المتداول كثيرا، فالبزاز يوجد في دكانه أقمشة مختلفة و كل يوم يشتري نوعا منها و يبيع في كل يوم من انواع مختلفة، و رب تاجر يوجد في متجره خمسون نوعا من الأجناس و كل يوم يشتري انواعا و يبيع انواعا فهل يمكن لهذا الشخص ضبط رأس المال، اعني الثمن المقابل للمتاع لكل من الأجناس المشتراة بتبدلاته الطارية عليه الى آخر السنة، و حساب الربح و الخسران في كل واحد من هذه المسلسلات؟ و هل لا يقتضي ذلك استخدام كتّاب كثيرين؟ و هل الشارع يكلف ذلك و لو ندبا؟.

فلعل المراد برأس المال مجموع المال الذي اعدّه للتجارة

في متجره و دكانه و ان اشترى به اجناسا مختلفة في اوقات مختلفة، فالجميع بحكم تجارة واحدة، و يحسب الربح و الخسران في آخر السنة بلحاظ الجميع. و مقتضى ذلك جبر الخسران في بعضها بالربح في الاخرى كما قوينا ذلك في باب الخمس أيضا، فيكون المراد برأس المال الجنس الشامل للمتحرك في الشعب المختلفة.

نعم، لو فرض جعل التاجر كل شعبة مستقلة بحسب الحساب و الكتاب و الدخل و الخرج امكن القول حينئذ بما في الجواهر من عدم الجبر، و ان منعنا هذا أيضا في باب الخمس بتقريب ان الموضوع للخمس ربح السنة و غنيمتها فيجبر النقصان في إحداهما بالربح في الاخرى.

و الحاصل ان الذي لا يشترط بقاء عين السلعة، بل يحكم بالزكاة في المال المتحرك طول السنة و ان تعاقب عليه تبدلات و معاملات كثيرة كيف يحكم بحساب كل تجارة مستقلا مع ان وقت التعلق آخر الحول؟ و هل يمكن ذلك عادة و يمكن التكليف به و لو ندبا؟! هذا.

و امّا جبر تلف البعض بربح البعض الآخر أو بالنتاج في تجارة واحدة فسيأتي البحث عنه في المسألة الثالثة.

الرابع: لو كانت قيمة الجنس في السوق أقلّ من رأس المال و لكن اشترى منه بمقدار الثمن، أو اكثر للضرورة أو لملاحظة شخص البائع ففي المسألة احتمالان. و كون الملاك الاشتراء الفعلي اقوى، لصدق وجود رأس المال أو الربح، فيصدق قوله «ع»: «ان كنت

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 222

و قدر الزكاة فيه ربع العشر كما في النقدين (1).

______________________________

تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته» «1».

الخامس: لو كان الربح أو رأس المال موجودا و هو لم يطلع عليه بل كان يظن الوضيعة فهل الاعتبار بالواقع

أو بعلمه؟ وجهان. و لعل المستفاد من قوله «ع» في موثق سماعة:

«إلّا ان يكون اعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة» «2»، و في خبر ابي الربيع: «ان كان امسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» «3» كون الاعتبار بعلم التاجر و اطلاعه، فتأمّل.

(1) و ان كان مما فيه العشر أو غيره كالغلات و الانعام الثلاثة اذا صارت مال التجارة. و الظاهر اتفاق الفريقين في المسألة و وضوحها عندهم. و وجه ذلك ما مرّ في اعتبار النصاب فيه و ان نصابه نصاب النقدين. و محصله ان موضوع الزكاة هنا أيضا كأنه النقدان. غاية الامر ان الموضوع هناك المال الثابت، و هنا المال المتحرك الدائر، فراجع ما حررناه هناك.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 223

زكاة مال التجارة تتعلق بالعين

و الأقوى تعلّقها بالعين كما في الزكاة الواجبة (1).

______________________________

(1) في الخلاف (المسألة 108): «على مذهب من اوجب الزكاة في التجارة تتعلق الزكاة بالقيمة و تجب فيها. و به قال الشافعي. و قال ابو حنيفة تتعلق بالسلعة و تجب فيها لا بالقيمة، فان اخرج العرض فقد اخرج اصل الواجب» «1».

و في المنتهى: «قال الشيخ: زكاة التجارة تتعلق بالقيمة و تجب فيها. و هو قول احمد و الشافعي في احد قوليه. و قال في الاخرى: هو مخير بين الإخراج من العين و من القيمة. و به قال ابو حنيفة. و قال أبو يوسف و

محمّد الواجب الإخراج من العين» «2».

و في الشرائع: «زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه» «3».

و في الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المفاتيح نسبته الى اصحابنا» «4». هذا.

و لكن في المعتبر بعد ما حكى عن ابي حنيفة تعلقها بالعين قال: «ما قاله ابو حنيفة انسب بالمذهب» «5».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 309.

(2)- المنتهى 1/ 508.

(3)- الشرائع 1/ 157.

(4)- الجواهر 15/ 272.

(5)- المعتبر/ 273.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

و في التذكرة: «لا بأس بهذا القول» «1». و في المدارك: «هو حسن» «2». و عن المفاتيح:

«انه اصحّ».

و استدلوا للتعلق بالقيمة بوجوه: الاول: الشهرة العظيمة، كما في الجواهر.

الثاني: استصحاب خلوّ العين عن الحق و عدم تعلقه بها.

الثالث: اصالة عدم التعلق بخصوص العين لأنه قيد زائد.

الرابع: ان الاستحباب مناف لملك العين.

الخامس: ان موضوع هذه الزكاة مالية الشي ء لا عينه، كما مرّ.

السادس: انّ النصاب هنا يعتبر بالقيمة، كما مرّ.

السابع: ما في الجواهر من إشعار اعتبار البيع في زكاة سنة واحدة في صورة الوضيعة و النقصان، كما في موثق سماعة و غيره بذلك، اذ الظاهر عدم الفرق في كيفية التعلق في الجميع و ان اختلف في السنة الواحدة و الأزيد.

الثامن: قوله- عليه السلام- في خبر اسحاق بن عمّار، عن ابي ابراهيم- عليه السلام:

«لان عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات» «3». و في الخلاف (المسألة 108): «روى اسحاق بن عمّار في حديث الزكاة اوردناه في تهذيب الأحكام عن ابي عبد اللّه «ع» انه قال: كل عرض فهو مردود الى الدراهم و الدنانير». و الظاهر انه عين سابقه و وقع الوهم في الإمام

المروي عنه، و في اضافة الدنانير في آخره. هذا.

و يرد على الوجه الاول ان المسألة ليست من المسائل الأصلية المعنونة في الكتب المعدّة لذلك، كالمقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و نحوها، حتى تكشف الشهرة فيها عن تلقيها عن الأئمة- عليهم السلام- بل هي من المسائل التفريعية الاستنباطية، و في مثلها لا يكون الإجماع حجة فضلا عن الشهرة.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 228.

(2)- المدارك/ 309.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 225

..........

______________________________

و يرد على الثاني- مضافا الى معارضته باستصحاب عدم التعلق بالقيمة- انه محكوم بظاهر الأخبار، كما يأتي. و بذلك يجاب عن الثالث أيضا.

و يرد على الرابع ان التعلق بالعين لا ينحصر في الملكية، لاحتمال كونه بنحو الحق أو بنحو التكليف بالاداء منها، و الحق مقول بالتشكيك يتصور في المستحب أيضا. مضافا الى عدم ورود ذلك على القول بالوجوب، كما فرضه في الخلاف.

و يرد على الخامس ان هذا لا يقتضي التعلق بالقيمة بنحو الذمة بل بمالية هذا الشي ء التي هي وصف قائم به. اللّهم إلّا ان يراد بالقيمة في كلماتهم. هذا. و سيأتي توضيحه في آخر المسألة.

و يرد على السادس عدم الملازمة بين اعتبار النصاب بالقيمة و بين كونها هي المتعلق للزكاة. و بعبارة اخرى الدليل اعم من المدّعي.

و يرد على السابع ان الاستحباب في صورة الوضيعة مقيد بالبيع، بخلاف المقام. فلا يقاس احدهما بالآخر.

و يرد على الثامن- مضافا الى ما قيل من عدم كون صدر الخبر معمولا به إلّا مع تأويله بكون النقدين مال التجارة له، كما في الصيارفة- انه لا يخلو من اجمال، لاحتمال ان يكون المراد رد العرض الى الدرهم لمعرفة

النصاب لا لكونه المتعلق للزكاة.

و استدلوا للتعلق بالعين أيضا بوجوه: الأوّل: ظواهر أخبار الباب المشرعة لها، اذ مساقها مساق اخبار الزكاة الواجبة. كقوله «ع» في موثق سماعة: «إلّا ان يكون اعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة» «1» و في خبر محمّد بن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة» «2» اذ الظاهر منهما ظرفية نفس المال للزكاة. و في موثق سماعة الآخر الوارد في المضاربة: «و ان هم قالوا انا لا نزكّيه فلا ينبغي له ان يقبل ذلك المال و لا يعمل به حتى يزكّيه (يزكوه)» «3». بناء على كون المراد به زكاة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 15 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

التجارة. فعدم قبول المال ليس إلّا لكون الزكاة فيه و إلّا فلا وجه لعدم قبوله.

الثاني: ان زكاة التجارة كما مرّ هي زكاة المال أيضا و لكن المال المتحرك، فكما ان زكاة المال تتعلق بالعين فكذلك زكاة التجارة.

الثالث: ان الشارع اذا اوجب صنفا من طبيعة، كالصلاة أو الصوم أو الحج أو الزكاة و نحوها، ثم ندب الى صنف آخر من هذه الطبيعة يتبادر عرفا ان المندوب اليه بحسب الأجزاء و الكيفيات و الشرائط و الموانع مماثل للواجب إلّا ما ثبت خلافه. و على هذا فالزكاة المندوبة مسانخة للواجب بحسب المتعلق و المصرف و الشرائط و غيرها. هذا.

و في الجواهر اجاب عن الوجه الاول بالفرق بين المقام و

بين أخبار الزكاة الواجبة، ضرورة صراحة تلك الأدلة في العين، خصوصا ما جاء منها بلفظ العشر و نصفه و ربع العشر.

و من لحظ الأدلة مع التأمّل يجد الفرق بين المقامين، حتى لفظ «في» في المقام. فانه ليس بذلك الظهور في ارادة العينية، بل الخبر المشتمل عليها قد اشتمل على لفظ «عليه» و نحوه مما يقتضي خلافه. و موثق سماعة مع انه بلفظ «ينبغي» محتمل لإرادة المال الذي يراد به المضاربة لا مال التجارة، الى آخر ما ذكره في الجواهر «1».

هذا ما استدلوا به لطرفي المسألة. و قالوا ان فائدة الخلاف يظهر على الوجوب في جواز التصرف في العين قبل اداء الزكاة من دون ضمان، و فيما لو ارتفعت القيمة بعد الحول، و في التحاص مع الغرماء و عدمه مع قصور التركة.

قال في الدروس: «و تتعلق بالقيمة لا بالعين، فلو باع العين صحّت. و لو ارتفعت قيمتها بعد الحول اخرج ربع عشر القيمة عند الحول» «2».

اقول: التحقيق في المسألة ما في مصباح الفقيه. «3» و حاصله بتوضيح منا و تقريب: ان القائلين بتعلقها بالقيمة ان ارادوا بذلك تعلقها بمفهوم كلي متصادق مع النقد المساوي لمالية المتاع متعلق بذمة المكلف- كما هو مقتضى بعض كلماتهم- ففيه ان هذا خلاف

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 273.

(2)- الدروس/ 61.

(3)- المصباح/ 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

المنساق من ادلّتها، فان الظاهر من اخبار الباب كما عرفت تعلق الزكاة بنفس الأعيان الخارجية المستعملة في التجارة و تحقق الزكاة فيها كما هو المستفاد من لفظة: «في»، و لا ينافي ذلك لفظة: «على» لجواز استعمالها في كل مكلّف و في كل موضوع، اذا لحكم ثابت على المكلف و على الموضوع و له نحو علوّ

بالنسبة اليهما.

و ان ارادوا بذلك ان الزكاة و ان تعلقت بالأعيان الخارجية و لكن لا بما انّها أنواع خاصة، كما في زكاة التسعة، بل من حيث ماليتها. و لذا تبقى و ان تبدلت الخصوصيات. فالملحوظ جهة ماليتها لا ذواتها. و الثابت فيها ربع العشر بملاحظة ماليتها بخلاف التسعة، فان الملحوظ ذواتها موضوعا و فريضة، فهو حقّ صريح كما مرّ بيانه في الشرط الرابع و لكن لا يجدي هذا في تفريع الفروع الثلاثة التي مرّت، اذ مالية هذا المال وصف اعتباري قائم بهذا المال، و لا يمكن اداء الوصف إلّا باداء الموصوف. و ليست القيمة الخارجية عينها بل بدلها.

و يجري هذا البيان في ميراث الزوجة أيضا لو سلم شركة الزوجة في مالية البناء و الاشجار و نحوهما، و لذا يمكن الاشكال في جواز التصرف فيها بدون رضاها، و في حرمانها من ارتفاع قيمتها ما لم يؤدّ حقها.

بل الامر في المقام آكد إشكالا من باب ميراث الزوجة، اذ المذكور في أخبار ارثها ان لها قيمة البناء و نحوه، فيمكن ان تمنع شركتها في العين و يقال باستقرار القيمة في ذمّة الوارث، و لكن المذكور في المقام كون الزكاة في هذا المال، فيمكن على القول بالوجوب منع التصرف في العين قبل أداء الزكاة و القول بالشركة في ارتفاع القيمة، و منع القول بالتحاص. و لازم ذلك عدم ضمان انخفاض القيمة بعد الحول ان لم يكن فرّط، و امّا على القول باشتغال الذمّة بالقيمة عند الحول فهي ثابتة مطلقا ارتفعت بعد ذلك أو انخفضت.

هذا على الوجوب. و اما على الاستحباب فيكون التعلق بالعين بنحو الحق الضعيف أو بنحو التكليف المحض، اذ لا يفرض الندب مع الملكية. و بهذا أيضا

تفترق الزكاة المندوبة عن الواجبة.

فاتضح بما ذكرناه ان الزكاة في المقام أيضا تتعلق بالعين، كما في المتن و لكن لا بحسب ذاتها بل بلحاظ ماليتها القائمة بها، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 228

لو بلغ النصاب باحد النقدين دون الآخر

و اذا كان المتاع عروضا فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر (1).

______________________________

(1) قد مرّ ان نصاب مال التجارة نصاب احد النقدين، و هما يتلازمان بناء على مساواة الدينار الواحد لعشرة دراهم، كما كان في عصر صدور الروايات، و اما اذا وقع الاختلاف كما تراه في اعصارنا من صيرورة الفضّة ارخص فهل يكون الاعتبار بالأدنى، أو الأعلى، أو بما اشترى به المتاع، أو بنقد البلد، أو بالدرهم مطلقا، أو يفصل؟ في المسألة وجوه.

قال في الشرائع: «تفريع: اذا كانت السلعة تبلغ النصاب باحد النقدين دون الآخر تعلقت بها الزكاة لحصول ما يسمى نصابا» «1».

و في الخلاف (المسألة 113): «اذا اشترى سلعة للتجارة بنصاب من جنس الاثمان، مثلا اشتريها بمأتي درهم أو بعشرين دينارا ثم حال الحول قوّمت السلعة بما اشتريها به، و لا يعتبر نقد البلد ...، و وافقنا ابو يوسف في انه يقوّم بالنقد الذي اشتراها به، و قال محمّد:

يقوّم بغالب نقد البلد. و به قال ابن الحدّاد. و قال ابو حنيفة: يقوّم بما هو احوط للمساكين» «2».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 157.

(2)- الخلاف 1/ 310.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 229

..........

______________________________

و في المعتبر: «الثاني: اذا حال الحول قومت بالثمن الذي اشتريت به، سواء كان نصابا أو أقل، و لا يقوّم بنقد البلد. و فرق الشافعي. و قال ابو حنيفة يقوّم بالأحوط للمساكين».

و في المعتبر أيضا: «لو بلغت السلعة باحد النقدين نصابا و قصرت بالآخر وجبت الزكاة، لأنه بلغ نصابا بأحد

النقدين فتجب فيه الزكاة» «1».

اذا عرفت هذا فنقول: يحتمل في المسألة وجوه: الاوّل: ما في الشرائع و المعتبر من كون الاعتبار بالأدنى قيمة، لما مرّ من ان النصاب في مال التجارة يعتبر بأحد النقدين، و المفروض تحقق هذه الطبيعة.

و فيه انه لم يرد هذا العنوان في آية او رواية حتى يقال بان الكلي الطبيعي يوجد بوجود فرد مّا من افراده، بل أخبار المسألة بكثرتها ساكتة عن ذكر النصاب، و انما ثبت بالإجماع اعتباره اجمالا. و لم ينعقد على لفظ خاص حتى يؤخذ باطلاقه. فلا مجال للأخذ بما يسمى نصابا.

الثاني: ان يكون الاعتبار بالأعلى قيمة، لاستصحاب عدم جعل الزكاة فيما بلغ النصاب بالأدنى.

و فيه ما يأتي من تقدّم العمومات على الاستصحاب.

الثالث: ان يكون الاعتبار بالدرهم مطلقا، و لعله الأدنى غالبا لموثقة اسحاق بن عمّار السابقة و فيها: «لأن عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة و الديات» «2».

و فيه ان صدر الخبر مشتمل على تكميل كل من النقدين بالآخر في تحصيل النصاب، و هو خلاف الاجماع عندنا، و لو سلم حمله على زكاة مال التجارة و كون النقدين منه فإجماعنا قائم على استقلال كل من الذهب و الفضة في زكاة مال التجارة و في الديات أيضا. فالخبر غير معمول به.

______________________________

(1)- المعتبر/ 273.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

الرابع: ان يعتبر ما اشترى المتاع به من الذهب أو الفضة، بتقريب ان المعتبر في الباب عندنا وجود رأس المال أو الربح، كما في الروايات، و لا يمكن ان يعرف رأس المال إلّا

ان يقوم بما اشتراه به، كما في الخلاف.

و فيه أولا ان اعتبار رأس المال و بقاؤه امر، و اعتبار النصاب امر آخر. فلعل المقياس في احدهما غير ما هو المقياس في الآخر.

و ثانيا يمكن ان يقال ان كلا من النقدين ان كان نقدا متعارفا للبلد و معيارا للمالية عندهم- كما كان في تلك الأعصار- صحّ ما ذكر. و اما اذا فرض رواج احدهما و تعارفه، و هجر الآخر و صيرورته كأحد الأمتعة، فلا نسلم كونه مما يعرف به رأس المال. فكما ان الثمن للمعاملة لو كان من العروض- كما اذا اشترى الحنطة بالأرز للتجارة- فالمقياس في تشخيص الربح و رأس المال قيمة هذا العرض حين المعاوضة لا عينه، لما مرّ من ان المعيار لمالية الأشياء النقد الرائج، و في التجارة لا يلحظ إلّا المالية فكذلك اذا صار احد النقدين من قبيل أمتعة التجارة، و خرج عن كونه نقدا رائجا تعتبر به مالية الاشياء.

الخامس: ما في الدروس. قال: «و العبرة في التقويم بالنقد الذي اشتريت به لا بنقد البلد. فلو اشترى بدراهم و باعها بعد الحول بدنانير قومت السلعة بدراهم. و لو باعها قبل الحول قوّمت الدنانير دراهم عند الحول. و قيل لو بلغت بأحد النقدين النصاب استحبّت و هو حسن ان كان رأس المال عرضا» «1».

و ملخص كلامه انه ان اشترى باحد النقدين فبما اشترى به، و ان اشترى باحد العروض فبأدنى النقدين.

و يرد عليه ما ورد على الوجه الاول و الرابع.

السادس: انه ان اشترى المتاع باحد النقدين فبما اشترى به، و ان اشترى بعرض فبالنقد الغالب ان كان و إلّا تخيّر بين النقدين. هذا.

و الحق ان يقال: ان صح تفسير رأس المال بما اشترى

به المتاع فهو، و إلّا

______________________________

(1)- الدروس/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 231

..........

______________________________

فالاستصحاب يقتضي عدم تشريع الزكاة في مورد الشك. اللّهمّ إلّا ان يقال ان النصاب لم يذكر في اخبار الباب و انما ثبت بالإجماع و هو دليل لبيّ، فعموم الاخبار و اطلاقها يقتضي ثبوت الزكاة في مورد الشك لجواز التمسك بالعمومات في الشبهة المصداقية للمخصص، حينئذ و لا مجال للاستصحاب مع الدليل.

و ناقش في ذلك في مصباح الفقيه بان العمومات الواردة في هذا الباب بظاهرها مسوقة لبيان اصل المشروعية، فليس لها اطلاق احوالي بالنسبة الى مصاديقها. و لذا لم يقع التعرض فيها لشرطية النصاب و غيره، فليتأمّل.

أقول: هذه المناقشة تجري في المطلقات و لا تجري في مثل قوله في خبر محمّد بن مسلم:

«كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1» لان عموم قوله: «كل مال» يشمل مورد النزاع قطعا، اذ عموم لفظ كل بالوضع، فلا يحتاج الى مقدمات الحكمة.

و لعله لذا امر بالتأمّل. نعم، الخبر مقطوع غير مسند الى المعصوم- عليه السلام- فيمكن الترديد في حجيته. و كيف كان فما في المتن ان لم يكن اقوى. فلا ريب في انه احوط.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 232

لو تاجر بنصاب زكوى فهل تجتمع زكاتان؟

[مسألة 1]: إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين دينارا، أو نحو ذلك فان اجتمعت شرائط كلتيهما وجب اخراج الواجبة و سقطت زكاة التجارة (1)،

______________________________

(1) اذا اجتمعت شرائط زكاة العين و زكاة التجارة في مال واحد فهل تجتمعان معا، أو تسقط إحداهما؟ و على الثاني فايهما تسقط؟.

ففي الخلاف

(المسألة 119): «اذا ملك مالا فتوالى عليه الزكاتان: زكاة العين، و زكاة التجارة ... فلا خلاف انه لا تجب فيه الزكاتان معا و انما الخلاف في ايّهما تجب؟ فعندنا انه تجب زكاة العين دون زكاة التجارة. و به قال الشافعي في الجديد. و قال في القديم تجب زكاة التجارة و تسقط زكاة العين. و به قال اهل العراق» «1». فصريح الخلاف عدم الخلاف في سقوط إحداهما، و ظاهره اتفاق الشيعة على كون الساقط زكاة التجارة و ان قلنا بوجوبها.

و في المعتبر: «مسألة: لا تجمع زكاة التجارة و العين في المال الواحد اتفاقا، و لقوله «ص»:

«لا ثنا في الصدقة». فلو ملك اربعين شاة للتجارة و حال الحول و قيمتها نصاب فان قلنا باستحباب التجارة سقطت هنا لان الواجب مقدم على الندب، و ان قلنا بالوجوب قال

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 312.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

الشيخ في الخلاف و المبسوط: تجب زكاة العين دون التجارة. و به قال الشافعي في الجديد، لان وجوبها متفق عليه، و لان وجوبها مختص بالعين. و في القديم: تجب زكاة التجارة. و به قال ابو حنيفة و احمد، لأنها احظّ للمساكين، و الحجتان ضعيفتان ...» «1».

و في التذكرة: «لا تجتمع زكاة التجارة و المالية في مال واحد اتفاقا» «2».

و في المنتهى: «لا تجمع زكاة العين و التجارة في مال واحد اجماعا» «3».

و في الشرائع: «الثانية: اذا ملك احد النصب الزكوية للتجارة، مثل اربعين شاة، أو ثلاثين بقرة سقطت زكاة التجارة و وجبت زكاة المال و لا تجتمع الزكاتان. و يشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة. و قيل يجتمع الزكاتان هذه وجوبا و هذه استحبابا» «4».

و في المدارك في شرح العبارة:

«هذا القول مجهول القائل، و قد نقل المصنف في المعتبر الاجماع على خلافه» «5».

و في الجواهر في شرحها: «بلا خلاف كما في الخلاف، بل في الدروس و محكى التذكرة و المعتبر و المنتهى الاجماع عليه، و في المسالك: ذكر جماعة ان لا قائل بثبوتهما» «6». فهذه بعض كلماتهم في المقام.

و استدل على عدم اجتماع الزكاتين بما مرّ من حكاية عدم الخلاف، و الاجماع، و الاتفاق، و بما رواه الجمهور من قوله «ص»: «لاثنا في الصدقة».

ففي نهاية ابن الاثير في لغة «ثنا»: فيه (اي: في الحديث): «لاثنا في الصدقة، اي لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة».

و في الدعائم: «عن جعفر بن محمّد، عن ابيه، عن آبائه، عن علي- عليه السلام- ان رسول اللّه «ص» نهى ان تثني عليهم في عام مرّتين، و ان لا يؤخذوا بها في كل عام إلّا مرّة

______________________________

(1)- المعتبر/ 272.

(2)- التذكرة 1/ 229.

(3)- المنتهى 1/ 509.

(4)- الشرائع 1/ 157.

(5)- المدارك/ 309.

(6)- الجواهر 15/ 279.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 234

..........

______________________________

واحدة» «1»، و بصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل مالا قرضا، على من زكاته: على المقرض أو على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض. قال: قلت فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكى المال من وجهين في عام واحد» «2».

أقول: اما الاجماع ففيه مضافا الى احتمال استناد المجمعين الى ما ذكر من الاخبار ان المسألة ليست من المسائل الاصلية المأثورة، بل من المسائل التفريعية الاستنباطية و لذا لم تذكر في مثل المقنعة و النهاية و المقنع و الهداية و نحوها. و الاجماع في مثلها على فرض الثبوت لا يكشف عن قول

المعصوم- عليه السلام- كما مرّ منّا مرارا.

و اما الخبر فمضافا الى عدم ثبوته عندنا يمكن ان يقال ان مفاده النهي عن تكرار الزكاة في عام واحد بالنسبة الى موضوع واحد، فلا يفيد في المقام، لتعدد الموضوع و الحكم هنا حيث ان الموضوع لإحداهما العين بذاتها، و للأخرى ماليتها المتبدلة، كما ان الفريضة في إحداهما مصداق من الذات، و في الاخرى ربع العشر بحسب المالية.

نعم، التمسك بالصحيحة بلا اشكال، حيث صرح فيها بعدم تزكية مال واحد من وجهين كما في المقام، و ظاهر النفي نفي الحقيقة الشامل باطلاقه للواجب و المندوب. فاحتمال كون المراد من الخبر و معاقد الإجماعات خصوص الواجبتين فاسد، كما لا يخفى.

فما حكاه في الشرائع من القول باجتماع الزكاتين- مضافا الى كونه مجهول القائل- مردود بالصحيحة، و بعمل الاصحاب، و الاجماعات المحكية. و لو لا ذلك لكان اشبه بالقواعد، كما في مصباح الفقيه. فان مقتضى عموم مثل قوله «ع»: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «3»، ثبوت ربع العشر في مالية هذا المال بما انه مال معمول به، و مقتضى اطلاق قوله «ع»: «في اربعين شاة شاة» مثلا وجوب شاة فيها بعد حول الحول. و لا معارضة بين الدليلين و لا تنافي بينهما لو لا قوله: «لا يزكى المال من وجهين

______________________________

(1)- دعائم الإسلام، ج 1، ص 252، و المستدرك ج 1 الباب 12 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 235

..........

______________________________

في عام واحد»، لاختلافهما موضوعا و حكما،

اذا لموضوع في احدهما ذوات الاربعين شاة، و في الاخرى ماليتها بما انها تسوّى عشرين دينارا، و الفريضة في إحداهما شاة و في الاخرى ربع العشر.

و بذلك يظهر عدم كون المسألة من قبيل مسألة تداخل الأسباب التي اختلفوا في ان الاصل فيها التداخل أو عدمه- نظير قوله: «اذا بلت فتوضأ»، و قوله: «اذا نمت فتوضأ»- بل هي من قبيل المسبّبين المختلفين اللذين قد يمكن تصادقهما، نظير قوله: «اكرم عالما»، و قوله:

«اضف هاشميا». و في المقام أيضا يمكن تصادق الفريضتين، كما لو وجد شاة تكون قيمتها ربع عشر النصاب: و لعل اطلاق الدليلين يقتضي الإجزاء في هذه الصورة في مقام الامتثال، اذ المتعلق في كل منهما مطلق غير مقيد بعدم اجتماعه مع الآخر. و كيف كان فإطلاق أدلة الزكاتين يقتضي اجتماعهما لو لا التعبد المذكور.

ثم انه بعد الحكم بعدم اجتماعهما يظهر من الاصحاب- منهم المصنف- تعيّن سقوط زكاة التجارة. و علّلوه بان الواجب مقدم على الندب.

و اورد عليه في الجواهر بما حاصله بتوضيح و تعقيب منا ان ذلك على فرض التزاحم في الاداء بعد معلومية وجوب الواجب و ندبيّة المندوب، لا في المقام الذي اقتضى اطلاق الدليلين ثبوتهما بلا تعارض بينهما بالذات و لكن علمنا بدليل خارجي عدم مشروعية احدهما المعين في الواقع المبهم عندنا. اذ لا بد حينئذ من دليل معتبر يعين الساقط منهما، و لا يكفي الظن الناشي من اعتبارات و نحوها. و بالجملة فالمقام مقام تعارض الدليلين و لكن بالعرض بلحاظ الصحيحة و الخبر. و المتّجه حينئذ- ان لم يثبت اجماع- التوقف في الحكم بسقوط احدهما على التعيين، كما انّ المتجه الرجوع في العمل الى اصل البراءة، لاحتمال كون الساقط هو الوجوب. كما

انه على القول بالوجوب أيضا يشكل تعيين الساقط منهما.

فيتجه التوقف في الحكم و العمل بالاحتياط، لمعلومية انقطاع البراءة بتعين الشغل، فيؤدّي زكاة واحدة غيرنا و خصوص احدهما، مقتصرا على اقلهما قدرا، لنفي الزائد بالأصل.

فان قلت: العلم بسقوط احد الحكمين في مرتبة الفعلية لا ينافي حجية كلا الاطلاقين في الكشف عن المصلحة و الاقتضاء، و حيث ان المصلحة في الواجب شديدة، و في الندب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 236

..........

______________________________

ضعيفة، فلا محالة يتعين الندب للسقوط.

قلت: ليس الاختلاف بين الوجوب و الندب دائما ناشئا من اختلاف المصلحة بالشدة و الضعف، بل ربما يكون ناشئا من الاختلاف في وجود مقتضى الترخيص و عدمه، فان وجد مقتضى الترخيص صار الطلب ندبيا و ان كانت المصلحة قوية، و ان لم يوجد المقتضى للترخيص صار الطلب وجوبيا و ان لم تبلغ المصلحة هذه القوة.

هذا، مضافا الى ان المصلحة قد تكون في الجعل لا في المجعول، و قد يكون مقتضى الاباحة اقوى من مقتضى الوجوب أو الحرمة فكيف بمقتضى الاستحباب «1». هذا.

و في المصباح ما حاصله ان كلام صاحب الجواهر انما يصح اذا كان مفاد الصحيحة و الخبر نفي تشريع احدى الزكاتين في مقام الجعل. و لا نسلم ذلك، بل لعلّ مفادهما نفي مشروعية تكرير الصدقة في مقام الامتثال، لإمكان ان يكون من باب تداخل المسببات من جهة عدم صلاحية المطلوب للتكرر خارجا. فيكون المقصود بالأصالة من تشريع كل من الزكاتين ايصال شي ء من هذا المال المفروض اربعين شاة الى الفقير باي وجه من الوجهين، فاذا دفع ربع عشره بقصد زكاة التجارة، أو شاة منه بقصد زكاة العين فقد حصل الغرض من الامرين و اجزأ عنهما، فيكون حال تزكية المال حال

تطهير الثوب و البدن عن القذارات الشرعية التي تجب ازالة بعضها و تندب ازالة البعض، كبول الانسان و الدواب في كون الغسل المزيل لأحدهما مزيلا للآخر قهرا، أو كحال الاغسال المتداخلة المجتمعة من الواجبة و المندوبة، حيث انه يجزيه غسل واحد من غير ان يستلزم ذلك ارتكاب تخصيص أو تقييد في شي ء من ادلتها.

و الحاصل انه لا يستفاد من الصحيحة و غيرها ورود تخصيص أو تقييد على اطلاق دليلي الزكاتين و عمومهما، اذ لا مانع من ارادة العموم من كل منهما و كون تصادق العنوانين على مورد موجبا لتأكد مطلوبية الزكاة فيه، كتأكد مطلوبية غسل الثوب الذي اصابه بول انسان و بول حمار. و لكن كما ان التطهير لا يتكرر خارجا- اذ المطهّر لا يطهّر- فتزكية المال

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 279.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 237

و إن اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها (1).

دون الاخرى.

______________________________

التي هي نحو تطهير له أيضا لا تتكرر خارجا في مقام الامتثال. فهذا هو مفاد الصحيحة.

فالتشريعان باقيان باطلاقهما. فما ذكره صاحب الجواهر من ان المتجه بناء على الندب الرجوع في مقام العمل الى اصالة البراءة لا يخلو من نظر، فليتأمّل.

و كيف كان فالأحوط اتيان مصداق الواجب بقصده بناء على الندب، و على الوجوب يمكن القول بالتخيير بينهما، كما يمكن القول بتقدم زكاة العين، لما قيل من ان وجوبها متفق عليه.

هذا كله فيما اذا اتحد حول الزكاتين، و اما اذا اشتركتا في بعض الحول، كما لو لم نعتبر في زكاة التجارة بقاء العين و كان مبدؤها أوّل المحرم ثم بدل العين بعد ستة اشهر باربعين شاة سائمة للتجارة، فعند انقضاء حول التجارة يتنجز في حقه زكاة التجارة، و بعد

ستة اشهر ينقضي حول العين. و بالعكس: لو ملك اربعين شاة للقنية و بعد ستة اشهر نوى بها التجارة بناء على كفاية النية فحينئذ ينقضي حول العين قبل التجارة فاذا اخرج الزكاة الاولى فعند حول الحول الثاني هل تثبت زكاة اخرى لاختلاف الحولين، أولا لاشتراكهما في بعض الحول؟ وجهان بل قولان، كما في الجواهر. و الاقرب كما في المصباح الثاني فان اختلاف العامين في البداية و النهاية فقط لا يجعلهما عامين مستقلين «1»، بداهة ان العام اسم لاثنى عشر شهرا و ظاهر الصحيحة ان الزكاة أمر سنوي.- نظير سائر الماليات المرسومة من قبل الدول- و لازم ذلك تباين العامين و عدم اشتراكهما اصلا، فتدبر.

نعم، لو لم تكن احدى الزكاتين مما يعتبر فيها الحول كالغلات اذا انتقلت اليه للتجارة قبل تعلق الزكاة بها. فالاستدلال لعدم التكرار فيها بالصحيحة مشكل. نعم، يمكن الاستدلال فيها بقوله: «لا ثنا في الصدقة» اذا اغمضنا عن سنده.

(1) لإطلاق دليلها.

______________________________

(1)- المصباح/ 80 و 81.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 238

[إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة]

[مسألة 2]: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة، سقط كلتا الزكاتين (1) بمعنى انّه قطع حول كلتيهما، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول فلا بدّ أن يبتدئ الحول من حين تملك الثانية.

[إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال على ربّ المال]
اشارة

[مسألة 3]: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع بلوغه النصاب- على ربّ المال (2).

______________________________

(1) مرّ شرح المسألة في ضمن بيان الشرط الرابع، و مرّ ان المعتبر في زكاة التجارة بقاء المالية أو النصاب لا بقاء عين السلعة، فراجع «1».

(2) بلا خلاف و لا اشكال كما في الجواهر لأنّ رأس المال ملك للمالك فتكون زكاته عليه، و يستفاد هذا من اخبار مختلفة أيضا.

ثم ان الأنسب قبل شرح المسألة تقديم امرين:

حكم زيادة مال التجارة في اثناء الحول

الأمر الأوّل: لو زاد على مال التجارة في اثناء الحول باشتراء سلعة اخرى للتجارة، أو بالنتاج، أو بزيادة متصلة كالسمن أو اعتبارية كزيادة القيمة فهل للزيادة حول مستقل، أو تكون في الحول تابعة للأصل، أو يفصّل بين اقسام الزيادة؟.

ففي الشرائع: «و لو مضى عليه مدّة يطلب فيها برأس المال ثم زاد كان حول الاصل من حين الابتياع و حول الزيادة من حين ظهورها» «2». و ظاهره ارادة زيادة القيمة و اذا كان لمثلها حول مستقل فلغيرها بطريق اولى، كما لا يخفى.

و في الجواهر: «و لا يبني حول الربح على حول الاصل بلا خلاف اجده بين من تعرض له منّا لمنافاته لما دل على اعتبار الحول، ضرورة ان الزيادة مال مستقل يشمله ما دل على

______________________________

(1)- ص 213.

(2)- الشرائع 1/ 156.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 239

..........

______________________________

اعتبار الحول. و الغاء ما مضى من حول الاصل و استينافه للجميع من حين ظهور الربح مناف لحق الفقراء. و تكرار الزكاة للأصل من تمام حوله و عند تمام حول الزيادة مناف لمراعاة حق المالك و لما دل على ان المال لا يزكى في الحول مرّتين، فلم يبق إلّا مراعاة الحول لكل منهما كما سمعت نحوه

في السخال» «1».

و في الخلاف (المسألة 106): «على قول من قال من اصحابنا ان مال التجارة فيه الزكاة اذا اشترى مثلا سلعة بمائتين ثم ظهر فيها الربح ففيها ثلاث مسائل: أوليها: اشترى سلعة بمائتين فبقيت عنده حولا فباعها مع الحول بألف لا يلزمه أكثر من زكاة المائتين لأنّ الربح لم يحل عليه الحول. و قال الشافعي حول الفائدة حول الأصل قولا واحدا ... الثالثة:

اشترى سلعة بمائتين فلما كان بعد ستة أشهر باعها بثلاثمائة فنضت الفائدة منها مأئة، فحول الفائدة من حين نضت و لا تضم الى الأصل. و به قال الشافعي ...» «2».

و في المعتبر: «لو كان عنده ما قيمته نصاب فزاد في اثناء الحول وجبت الزكاة عند تمام الحول في الاصل و لم تجب في الزيادة. و قال أبو حنيفة و الشافعي و احمد يزكي الجميع، لان حول الفائدة حول الاصل. لنا ان الفائدة لم يحل عليها الحول، فلا يجب فيها الزكاة. و قولهم:

حول الفائدة حول الاصل دعوى مجرّدة عن حجة. و لو قاس على النتاج منعنا الاصل كما نمنع الفرع ...» «3».

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة: «و اذا كان في ملكه نصاب للزكاة فاتجر فيه فنمى ادّى زكاة الاصل مع النماء اذا حال الحول» «4».

و في المغني في شرح هذه العبارة: «و جملته ان حول النماء مبنى على حول الاصل، لأنه تابع له في الملك فتبعه في الحول. كالسخال و النتاج. و بهذا قال مالك و اسحاق و ابو يوسف:

و اما ابو حنيفة فانه بنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماء كان أو غيره. و قال

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 266.

(2)- الخلاف 1/ 308.

(3)- المعتبر/ 271.

(4)- راجع المغني 2/ 632.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 2، ص: 240

..........

______________________________

الشافعي: ان نضّت الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب و استأنف حولا، لقوله «ص»: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، و لأنها فائدة تامة لم تتولد مما عنده فلم يبن على حوله، كما لو استفاد من غير الربح. و ان اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فانه يضمّ الفائدة و يزكّي عن الجميع» «1».

و في المغني أيضا: «و اذا ملك نصبا للتجارة في أوقات متفرّقة لم يضم بعضها الى بعض لما بينا من ان المستفاد لا يضم الى ما عنده في الحول ...» «2».

و الشيخ في الخلاف تعرض لملكية السلع في اوقات متفرقة في المسألة «110» و حكم بان لكل منها حولا. «3»

و بالجملة المشهور بين فقهاء السنة في النصب المتملكة في أوقات متفرقة عدم ضم بعضها الى بعض، و في النتاج و النماء و زيادة القيمة الضم و كون حول الزيادة حول الاصل.

و قد عرفت من الجواهر عدم الخلاف منا في عدم الضم في زيادة القيمة و لازمه العدم في غيرها بطريق أولى.

و اما ما في البيان من قوله: «و نتاج مال التجارة منها على الاقرب، لأنه جزء منها.

و وجه العدم انه ليس باسترباح. فلو نقصت الأمّ ففي جبرها به نظر من حيث انه كمال آخر، و من تولده منها. و يمكن القول بان الجبر متفرع على احتسابه من مال التجارة، فان قلنا به جبر و إلّا فلا» «4».

فالظاهر انه لا يريد بذلك تبعية النتاج للأصل في الحول، بل يريد بذلك ان نتاج مال التجارة أيضا يعدّ جزء من مال التجارة و من فوائد رأس المال عرفا بحيث لو سئل التاجر عمّا صار

اليه رأس ماله عدّ النتاج و الفوائد المنفصلة أيضا في عرض زيادة القيمة من فوائد تجارته، كما لا يخفى. فيتعلق بها الزكاة أيضا كما يتعلق بالربح. و السرّ في ذلك ان الموضوع للزكاة هنا ليس نفس

______________________________

(1)- المغني 2/ 632.

(2)- المغني 2/ 625.

(3)- الخلاف 1/ 309.

(4)- البيان/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

السلعة، بل المال المتحرك الذي وقعت المعاوضة عليه بقصد الاسترباح و الانتفاع. فهو الذي تبدّل في الحقيقة الى السلعة بربحها و نتاجها و فوائدها.

و بعبارة اخرى: فوائد مال التجارة أيضا تتلون بلون التجارة عرفا، و كما ان الخسران و النقص في مال التجارة يجبر بالربح يجبر بالنتاج و نحوه أيضا. فهذا ما اراده الشهيد، لا انه يريد التبعية في الحول أيضا.

و الشاهد على ذلك انه قال في الدروس: «و نتاج مال التجارة منها و يجبر منه نقصان الولادة» «1»: و مع ذلك قال في الدروس أيضا: «و لو زاد اعتبر له حول من حين الزيادة» «2».

و كيف كان فظاهر اصحابنا ان الزيادة لها حول مستقل. و لكن ليعلم ان المسألة ليست من المسائل الأصلية المتلقاة حتى تصير الشهرة أو الإجماع حجة فيها، بل هي من المسائل التفريعية الاستنباطية. و لذا لا تجدها في مثل المقنعة و النهاية و كتب الصدوق و نحوها.

و المحتملات في المسألة خمسة:

الأوّل: ان لا يكون للزيادة حول و لا فيها زكاة بتقريب ان الموضوع للزكاة هنا ما ملك بعقد المعاوضة أو المال الذي عووض بمال آخر للاسترباح، و الربح المتجدد ليس واحدا منهما.

الثاني: ان يكون لكل من الأصل و الزيادة حول مستقل، و اذا تعددت الزيادات في ازمنة متفرقة فلكل منها حول برأسه.

الثالث: ان تكون الزيادة تابعة للأصل في حوله.

الرابع: ان

يلغى ما مضى من حول الأصل و يستأنف الحول للأصل و الزيادة من حين ظهور الربح.

الخامس: ان يزكى الاصل عند حوله و يزكى الاصل و الزيادة معا عند حول الزيادة.

و قد ذكرت الاحتمالات الأربعة الأخيرة في عبارة الجواهر التي مرّت.

______________________________

(1)- الدروس/ 61.

(2)- الدروس/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 242

..........

______________________________

و يرد على الأوّل ان المراد بمال التجارة كما عرفت ليس هو المتاع الموجود، بل المال الذي وقعت المعاملة عليه بقصد الاسترباح و الزيادة و يكون محفوظا بحفظ ماليته في التبدلات المختلفة. و المتاع بماله من القيمة بدل عنه و يزكّى لذلك. فالزكاة تتعلق بجميع المتاع جملة واحدة فيكون الربح منضما الى الاصل في الزكاة و الحول معا. و هو المستفاد من الاخبار أيضا. و سيأتي توضيح ذلك.

و يرد على الثاني انه لو شرطنا في زكاة التجارة بقاء عين المتاع حولا- كما هو ظاهر الشرائع و غيره، كما مرّ- انحصرت هذه الزكاة في موارد خاصّة، فامكن ضبطها و ضبط ارباحها.

و اما اذا قلنا بان المعتبر بقاء المالية فقط و ان وقع على المال تبدلات كما اخترنا ذلك فالضبط مشكل جدّا.

فلو فرض ان تاجرا جعل رأس ماله في تجارة البزّ مثلا فاشترى خمسين صنفا من الأقمشة كما هو المتعارف بين البزازين فانت ترى انّ شراء جميع الأقمشة و بيعها و ارتفاع قيمتها لا يقع في يوم واحد ليسهل ضبطها، بل يقع كل من الشراء و البيع و ارتفاع القيمة في كل منها تدريجا و يوما فيوما بل ساعة فساعة، و قد يقع على رأس المال من اول الحول الى آخره تبدلات كثيرة في معاملات متفرقة، و قد يقع في بعضها خسران و في بعضها ربح. و لا

يخفى ان ضبط جميع ذلك و جعل الحول لكل واحد من الأصناف و لكل زيادة مما يعسر بل يمتنع عادة. و ربما يحتاج الى كتّاب كثيرين و دفاتر كثيرة. و هكذا في سائر أنواع التجارات و اصنافها.

و كأن المفتين بجعل الحول لكل معاملة و لكل زيادة حكمية لم يلتفتوا الى ما هو واقع عمل التجار و الكسبة.

فالظاهر ان التاجر كالبزاز الذي جعل مأئة الف درهم مثلا في تجارة البّز، يعدّ رأس ماله واحدا، و تجارته تجارة واحدة و ان تبدلت المعاملات و تدرجت الزيادات. و يشمله قوله «ع»: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1». فيكون للمجموع حول واحد، لا انه لكل معاملة جزئية و لكل ارتفاع قيمة حول مستقل. و لا محالة يجبر

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 243

..........

______________________________

الخسران في بعضها، بالربح في الآخر أيضا.

نعم، لو كان له ثلاثمائة الف درهم مثلا فجعلها في ثلاث شعب من التجارة و جعل لكل منها حسابا و كتابا مستقلا امكن القول باختلاف الحول فيها و بعدم جبر بعضها ببعض، كما قد يقال هذا في خمس الأرباح أيضا و ان منعناه و اخترنا الجبر و لو في الشعب المختلفة، بتقريب ان المدار في خمس الأرباح ربح السنة و غنيمتها. نظير ما هو المعمول و المتداول في الماليات و الضرائب السنوية المجعولة من قبل الحكومات العرفية في جميع الاعصار و الامصار.

و يرد على الاحتمال الرابع- مضافا الى كونه منافيا لحق الفقراء، كما في الجواهر- كونه مخالفا لإطلاق ما دل على ثبوت الزكاة في المال اذا حال عليه الحول.

و يرد على

الخامس ما مرّ من دلالة الصحيحة على عدم تكرر الزكاة في عام واحد و انها ضريبة سنوية.

فالحق هو الاحتمال الثالث، اعني تبعية النماء للأصل في الزكاة و في الحول معا. و لعله المستفاد من الأخبار الدالة على ثبوت الزكاة في المال المطلوب به برأس المال أو بالربح في قبال ما لا يطلب به إلّا بنقيصة، حيث ان الظاهر منها ثبوت زكاة واحدة في المال بربحه اذا حال الحول عليه، لا ان كلا من المال و الربح ملحوظ مستقلا و له حول مستقل.

فقوله «ع» في رواية الكرخي: «ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلا على فضلك فزكّه» «1»، ظاهر في لحاظ الأصل و الفضل موضوعا واحدا و لا محالة له حول واحد بعد ما دل الدليل على اعتباره.

و بهذا صرّح في الجواهر أيضا حيث انه بعد نقل كلام الاصحاب قال: «هذا كله مما شاة للأصحاب، و إلّا فقد يتوقف في اصل الحكم باعتبار ظهور النصوص في زكاة المال المطلوب برأس المال أو بالربح الشامل للزيادة، فلا تحتاج الى حول مستقل» «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الجواهر 15/ 267.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

ثم استدل بخصوص خبري شعيب، و عبد الحميد بن عواض. ففي الأوّل قال: قال:

ابو عبد اللّه «ع»: «كل شي ء جرّ عليك المال فزكّه، و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «1» و الظاهر منه بقرينة المعاملة ان الربح لا يعتبر فيه الحول و لكن الارث و الهبة يعتبر فيها الحول، و لا محالة تكون زكاتهما زكاة النقدين. و في الثاني عن ابي عبد اللّه

«ع» قال في الرجل يكون عنده المال فيحول عليه الحول ثم يصيب مالا آخر قبل ان يحول على المال الأوّل الحول، قال: اذا حال على المال الأوّل الحول زكّاهما جميعا «2». و اطلاق الخبر و ان شمل زكاة الأنعام و النقدين و لا نقول بذلك فيهما كما مرّ و لكن نقول بمضمونه في التجارة اذا عدّ عرفا تجارة واحدة و شعبة واحدة منها. و كذا في مثل النتاج في المقام بناء على عدّه من فوائد التجارة و ارباحها، كما مرّ. بخلاف النتاج في زكاة الانعام، لاستقلاله، كما مرّ في محله.

و في الدروس بعد ذكر الخبرين قال: «و فيهما دلالة على ان حول الاصل يستتبع حول الزائد في التجارة و غيرها إلّا السخال، ففي رواية زرارة عنه- عليه السلام- حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج» «3».

اقول: الظاهر ان حساب السخال في زكاة العين غير حسابها في زكاة التجارة، اذ الموضوع في الاول الشخص و في الثاني المال و ان تبدل و زاد. و كما يحسب الربح متحدا معه تحسب السخال من فوائده و توابعه أيضا.

و في مصباح الفقيه ما حاصله: «ان الزيادة الحاصلة في أثناء الحول ان عدّت عرفا مالا مستقلا اجنبيا عن ماله الاصلي الذي تقلب في التجارة- كما قد يتوهم في مثل الثمرة و النتاج دون الزيادة القيمية التي هي كسمن الدابة- فلا دليل على تعلق الزكاة بها ما لم تكن بنفسها من الاجناس الزكوية، لأنها مال ملكه لا بعقد معاوضة بل بالنماء و الولادة. و ان عدّت تابعة لما انتقل اليه بعقد معاوضة كما هو الحق، فلو سئل عن مال اليتيم يقال انه استعمله في

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من

ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(3)- الدروس/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 245

..........

______________________________

التجارة حتى بلغ كذا و كذا مبلغا، فيعدّ مجموع ما ملكه اليتيم باستعماله في التجارة من الابدال و ثمراتها هو الذي دار اليه ماله، فمقتضاه عدم استقلال ابعاضه بالحول و دوران تعلق الزكاة بالمجموع مدار حول المال الذي دار اليه» «1».

فمن كلامه يظهر اختياره التبعية في مثل النتاج و الثمر. ففي الزيادة المتصلة و الحكمية التبعية اوضح، فتكون تابعة في الزكاة و الحول معا. و لعله اقوى كما مرّ، بل تعدّ جميع المعاملات المتدرجة المتشعبة على مال واحد تجارة واحدة إلّا اذا جعل لكل من الشعب حسابا و كتابا مستقلا، فتدبر.

كيفية المضاربة و ربحه

الامر الثاني من الامرين انه لا بد هنا من بيان نكت تتعلق بالمضاربة اجمالا و التفصيل في محله:

الاولى: المتيقن من المضاربة ان يدفع انسان ماله الى غيره ليتجر به و يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها. و لعلها مأخوذة من الضرب في الارض، لضرب العامل فيها للتجارة، و المالك سبب لضربه، فكأن الضرب تحقق منهما.

و اما لو دفع رأس ماله اليه ليصرفه في الزراعة أو الصناعة، أو دفع اليه سيّارته ليكريها أو شبكته ليصيد بها و يكون المستفاد بينهما فهل يكون من المضاربة أولا؟ و على الثاني فهل يصح و ان لم يطلق عليه المضاربة اولا؟.

يمكن أن يقال بصحته، لشيوع هذه المعاملات بين العقلاء، فيشملها عموم قوله- تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و حمله على العقود المتعارفة حين نزول القرآن بلا وجه بعد ظهوره في ان العقد، اعني العهد الواقع بين اثنين، بطبعه يقتضي الوفاء. فهو قضية حقيقية لا خارجية

و لذا نستدل به على صحة عقد التأمين مع كونه حادثا. مضافا الى امكان تعارف بعض هذه العقود في تلك

______________________________

(1)- المصباح/ 77.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 246

..........

______________________________

الاعصار أيضا.

و يمكن ان يستأنس للصحة أيضا بالغاء الخصوصية، فان المضاربة و المزارعة و المساقاة كلها من واد واحد و من قبيل الشركة في رأس المال و العمل، فبالغاء الخصوصية نستفيد ان كون رأس المال و الوسيلة لأحد و العمل لآخر مما امضاه الشارع. و حكمته ان الفائدة نتيجة كليهما، و الناس في ادامة حياتهم يحتاجون الى هذا القبيل من الشركة، كما يحتاجون الى الشركة في رأس المال فقط، فتأمّل.

الثانية: المشهور صحة عقد المضاربة و استحقاق العامل الحصة المتفق عليها من الربح.

و اخبارنا متظافرة بذلك. و بها قال فقهاء السنة أيضا.

و لكن يظهر من المقنعة و النهاية و تبعهما جماعة ان الربح كله للمالك و يستحق العامل اجرة المثل لان النماء تابع للمال، و لجهالة الحصة.

و فيه مضافا الى النقض بالمزارعة و المساقاة انه اجتهاد في مقابل النص.

الثالثة: اتفقوا على انها جائزة من الطرفين و انّه لو اشترط فيها الاجل لم يلزم. و التفصيل موكول الى مجله.

الرابعة: في الشرائع: «و العامل يملك حصته من الربح بظهوره و لا يتوقف على وجوده ناضّا» «1».

و قال في المسالك: هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل لا يكاد يتحقق فيه مخالف و لا نقل في كتب الخلاف عن احد من اصحابنا ما يخالفه» «2».

و حكى في الايضاح «3» عن والده العلامة اربعة اقوال في المسألة:

الاول: انه يملك بمجرد الظهور. قال: و هو الأصحّ. الثاني: انّه يملك بالانضاض.

الثالث: انّه يملك مستقرا بالقسمة. الرابع: ان القسمة كاشفة عن ملك العامل.

و استدل للأول بانه

مقتضى الشرط في العقد. و بانه مملوك لا بدّ له من مالك و ليس هو

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 141.

(2)- المسالك 1/ 286.

(3)- الايضاح 2/ 322.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 247

و يضمّ إليه حصّته من الربح (1). و يستحب زكاته أيضا اذا بلغ

______________________________

ربّ المال فيكون للعامل. و لأنه لو لم يملك بالظهور لم يملك المطالبة بالقسمة لكن التالي باطل اجماعا. و لأنه لو لم يملك لم ينعتق عليه ابوه لو اشتراه و ظهر الربح و قد دلت الصحيحة على انعتاقه، ففي صحيحة محمد بن قيس قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل دفع الى رجل الف درهم مضاربة فاشترى اباه و هو لا يعلم؟ فقال: يقوّم فاذا زاد درهما واحدا اعتق و استسعى في مال الرجل «1». هذا.

و لكن نوقش هذا القول بان الربح قبل الانضاض مقدّر موهوم، و المملوك يجب ان يكون موجودا خارجا و بانه لو صار ملكا للعامل لم يكن وقاية لرأس المال اذا اتفق الخسران بعد ذلك مع انه وقاية اتفاقا ما دامت المضاربة باقية. و بانه لو صار ملكا له اختص بربح الربح، فلو كان رأس المال عشرة فربح في المعاملة الاولى عشرين، و في الثانية ثلاثين، و اتفقا على النصف لزم ان يكون له ثلاثون من الربح، و يبقى للمالك عشرون من الربح، مع ان الربحين بينهما بالتناصف، فيكون لكل منهما خمس و عشرون.

و الجواب عن المناقشة الاولى ان الزيادة الحكمية مما يعتبره العقلاء، و الملكية امر اعتباري يكفي في متعلقها ذلك. و عن الاخيرتين بان الملكية و ان ثبتت بمجرد الظهور و لكنها متزلزلة، فان مقتضى الشرط في العقد كون الربح وقاية و كون مجموع الارباح بينهما و

لا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه. و بعبارة اخرى: ماهية المضاربة يقتضي هذين الامرين:

حكم زكاة مال المضاربة و ربحه

اذا عرفت ما قدمناه من الامرين في المسألة فلنشرع في اصل المسألة، اعني مسألة الزكاة في ربح المضاربة، و هي معنونة بين العامة أيضا. و الشيخ تعرض لها في الخلاف في الزكاة (المسألة 122) و في المضاربة (المسألة 11)، فراجع «2».

(1) قد مرّ ان زكاة رأس المال على المالك، لأنه ملكه. و اما الربح فحصة المالك

______________________________

(1)- الوسائل، ج 13، الباب 8 من ابواب المضاربة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 1/ 313؛ 2/ 196.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 248

النصاب و تمّ حوله، بل لا يبعد كفاية مضيّ حول الأصل. و ليس في حصة العامل من الربح زكاة إلّا اذا بلغ النصاب مع اجتماع الشرائط (1)،

______________________________

تنضم الى اصلها. و قد مرّت الاحتمالات في زكاة الربح و النماء، و المناقشة في صدق مال التجارة عليه، و لكن قربنا تبعية النماء للأصل في الزكاة و الحول معا بمقتضى الاخبار العامة و خصوص خبر شعيب و عبد الحميد، فراجع.

و على فرض ثبوت الزكاة و عدم التبعية في الحول فهل يعتبر في كل منهما النصاب الاول، او يكفي في النماء بلوغه النصاب الثاني أو الثالث؟ وجهان. و كيف كان فلو لم يكن الأصل نصابا كمّل بالربح، و لا محالة تعتبر اول الحول من حين ظهور الربح على ما اخترناه من اعتبار النصاب في جميع الحول، خلافا لبعض اهل الخلاف.

(1) لو قلنا ببطلان المضاربة و كون جميع الربح للمالك فزكاة الجميع عليه و اجرة العامل عليه، كالدين. و هو لا ينفي الزكاة، كما يأتي في المسألة لآتية.

و ان قلنا بصحة المضاربة كما هو المختار فان قلنا بعدم ملك

العالم قبل الانضاض أو القسمة فهل تثبت على المالك زكاة حصة العامل اولا؟ وجهان: من انها ملك له فعلا، و من عدم استقرارها له قطعا، لأنها اما ان تصير جابرة لرأس المال، أو تصير ملكا للعامل.

و اما على المشهور من ملكه بمجرد الظهور فالمشهور ان زكاتها على العامل مع اجتماع الشرائط.

قال في الشرائع: «اذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الاصل على رب المال لانفراده بملكه، و زكاة الربح بينهما. تضم حصة المالك الى ماله، و يخرج منه الزكاة (قلت أو كثرت) لان رأس المال نصاب. و لا يستحب في حصة الساعي الزكاة إلّا ان تكون نصابا» «1». و هو اختيار المصنف أيضا.

و لكن في جامع المقاصد ان المتّجه عدم الزكاة في حصة العامل «2». و قواه في الايضاح «3».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 158.

(2)- جامع المقاصد 1/ 150.

(3)- الايضاح 1/ 189.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 249

..........

______________________________

و استظهره في المدارك أيضا «1». و مال اليه بعض آخر.

و جميع ما ذكروه لعدم الزكاة في حصته امور:

الاول: عدم ملكه لها قبل الانضاض أو القسمة.

و فيه ما عرفت من انه يملك بمجرد الظهور. و يدلّ عليه الصحيحة. و به أفتى الأصحاب و كونها وقاية و عدم الاختصاص بربح الربح لا ينافيان ذلك، كما مرّ.

الثاني: عدم تمامية الملك لاحتمال طروّ الخسران المتدارك بالربح. فهو وقاية لرأس المال. و اصالة عدم طروّ الخسران لا يرفع التزلزل بالوجدان. فوزانه وزان العين المرهونة.

و فيه ما عرفت من كون المضاربة من العقود الجائزة، فلكل منهما فسخها مهما اراد.

فالعامل حين ما ظهر الربح يقدر على الفسخ و المطالبة بالتقسيم. و قد مرّ منّا ان القدرة على التمكن من التصرف كافية. و لذا ناقشنا في مانعية الرهن مع القدرة على فكه.

الثالث: عدم

امكان التصرف قبل القسمة للشركة.

و فيه ان صرف الشركة لا تمنع من تعلق الزكاة لتعلقها بالمال المشترك اذا بلغ نصيب كل من الشركاء نصابا. و هذا واضح.

الرابع: ما في مصباح الفقيه من انه و ان صدق على حصة العامل انها مال ملكه بالتجارة و لكنه لا يصدق عليها انها مال ملك بعقد المعاوضة بقصد الاسترباح، بل هي بنفسها ربح التجارة المتعلقة بمال الغير، و قد ملكه العامل بعقد المضاربة لا بعقد المعاوضة.

مثل ما ملكه الاجير «2».

و ان شئت قلت: انه لا يصدق عليه انه مال اتجر به، أو عمل به. و حصة المالك و ان كانت كذلك و لكنك عرفت فيما سبق ان الأشبه عدم ملحوظية النماء مستقلا و تبعيته للأصل في الزكاة و الحول، و إلّا فهو بنفسه غير مندرج في عناوين الأدلة.

و اجيب عن ذلك بما مرّ من المصنف من ان مال التجارة اعم من الأعيان و المنافع،

______________________________

(1)- المدارك/ 310.

(2)- المصباح/ 83.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

و عمل العامل من قبيل الثاني.

و يمكن ان يستدل أيضا للتعميم هنا بالغاء الخصوصية، بل بالأولوية. فان ربح التاجر مع جعل رأس ما له في معرض الخطر و الخسران- اذا ثبت- فيه الزكاة، فربح العامل بطريق أولى. و الزكاة ضريبة اسلامية جعلت على عوائد الناس و منافعهم، فتأمّل.

الخامس: و هو العمدة موثقة سماعة، قال: سألته عن الرجل يربح في السنة خمسمائة و ستمائة و سبعمائة، هي نفقته، و اصل المال مضاربة. قال: ليس عليه في الربح زكاة «1».

و اجيب اولا بان الرواية تنفي زكاة الربح مطلقا حتى من المالك و لا نقول به. و قوله:

«اصل المال مضاربة» لا دلالة فيه على كون المراد ربح العامل.

و ثانيا

ان ظاهر قوله: «هي نفقته» انه لا يحول عليها الحول، فلا يثبت المدعي.

اقول: الموثقة مذكورة في الكافي في ذيل الموثقة الاخرى لسماعة: «قال: سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة» «2» فلعل الصدر قرينة على كون المراد في السؤال ربح العامل، لا مطلق الربح. اللّهمّ إلّا ان يقال: ذكرهما معا في الكافي لا يدلّ على صدورهما عن الامام «ع» في مجلس واحد. هذا.

و اما الجواب الثاني فلا يخلو عن اشكال، اذ ظاهر جواب الامام- عليه السلام- ان كونه ربحا يوجب نفي الزكاة. و حمل اللام على العهد الذكري- مشيرا بها الى ما هي نفقته- ثم حمل النفقة على عدم بقاء شي ء منها طول الحول خلاف الظاهر جدّا. فظاهر الموثقة عدم زكاة الربح على العامل و ان بقي حولا، و اما المالك فمقتضى قوله «ع»: في خبر شعيب:

«كل شي ء جرّ عليك المال فزكّه» ثبوت الزكاة في حصّته، فتدبر.

تنبيه:

لا يخفى انّه يختلج في الذهن نكتة ينبغي ان ينبّه عليها. و هي انّه لو قلنا باختصاص زكاة التجارة بالسلعة الباقية بعينها طول الحول فلا كلام. و اما اذا قلنا بأن

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 15 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 251

[ليس له التأدية من العين إلّا بإذن المالك]

لكن ليس له التأدية من العين (1) إلّا بإذن المالك أو بعد القسمة.

______________________________

المال المتحرك في التجارة تتعلق به الزكاة و ان وردت عليه معاملات و تبدلات فزكاة التجارة تتعلق باكثر اموال التجارة، و اكثر التجار و الكسبة. فالحول يعتبر في اصل المالية، لا في خصوص العين و انت ترى ان المعمول المتداول بين التجار و الكسبة ادارة مؤنهم اليومية و حوائجهم التدريجية من ناحية الأرباح التدريجية يوما فيوما، من غير حساب لجزئياتها، و ضبط ما يصرف منها في المؤن التدريجية، و انما يحسبون في آخر السنة ما حصل لهم زائدا على المؤونة، فيقايسونه مع ما كان لهم في اول السنة من رأس المال، فيحكمون حينئذ بكون تجارتهم في هذه السنة رابحة أو خاسرة. و لازم ذلك كون مئونة السنة مستثناة في زكاة التجارات، كما هو المعمول و المقرر في خمس ارباح المكاسب و الزام الناس بعدم الاستثناء و حساب ما يصرف من الأرباح في المؤونة يوما فيوما الزام بامر غير متعارف شاقّ، و لم يتعارف ذلك حتّى عند فقهاء السنة القائلين بوجوب زكاة التجارات.

و لا يخفى ان الزكاة ضريبة اسلامية، و المتعارف في الضرائب المجعولة من قبل الحكومات العاديّة أيضا لحاظ ما حصل لأبناء شعبهم في آخر السنة بعد استثناء مؤنهم

اليومية، فيجعلون الضرائب على الزائد عن مئونة السنة. و لكن الى الآن لم اجد من افتى باستثناء مئونة السنة في زكاة التجارة، فتتبع.

ثم لا يخفى أيضا ان زكاة التجارة لو قلنا بتكررها كل سنة، كما في النقدين و الانعام- كما لا يبعد- فمقدارها و ان قلّ بالنسبة الى خمس الأرباح و لكن الخمس لا يتكرر. فالزكاة بتكررها لعلها تبلغ الخمس، أو تزيد عليه.

و لعل القول بوجوب الخمس و الزكاة معا في مال واحد في آخر السنة مما يبعد الالتزام به. فلعل خمس الأرباح جعل من قبل ائمتنا- عليهم السلام- بما انهم حكّام من قبل اللّه، و هم ساسة العباد، بعنوان ضريبة اسلامية، قابلة الانطباق على جميع الاعصار و الامصار، و على جميع عوائد الناس و مناشئ ثرواتهم، و هو يجبر نقص جميع الضرائب الأخر. و عليك بمراجعة ما حررناه في باب خمس الارباح من كتاب الخمس.

(1) اقول: في المبسوط: «فاما العامل فلا يجوز له اخراجه بنفسه إلّا بعد القسمة لان ربحه وقاية لما لعلّه يكون من الخسران. و لو قلنا ان ذلك له كان احوط، لأن المساكين

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 252

..........

______________________________

يملكون من ذلك المال جزءا، و اذا ملكوه خرج من ان يكون وقاية للخسران بعرض» «1».

و الظاهر ان ذلك على القول بالوجوب و التعلق بالعين أو بماليتها الخاصة.

و في الشرائع: «و هل يخرج قبل ان ينضّ المال؟ قيل: لا، لأنه وقاية لرأس المال. و قيل:

نعم، لان استحقاق الفقراء له اخرجه عن كونه وقاية، و هو اشبه» «2». يريد بذلك انه اشبه بالقواعد بناء على الوجوب و التعلق بالعين، اذ مقتضاه الخروج عن ملك العامل و الدخول في ملك الفقراء، فتبطل الوقاية ضرورة

كونها في ملك العامل أو من بحكمه كالوارث، لا في مال الفقير. و استصحابها مع تغير الموضوع غير متّجه.

و لكن في مصباح الفقيه ما حاصله: «و هو لا يخلو عن نظر لان خروجه عن كونه وقاية مناف لما تقتضيه المضاربة، فان مقتضاها كون ملكية العامل للحصة مراعاة بعدم ورود خسارة على رأس المال، فكيف يصح ان يملك الفقير ازيد مما يملكه العامل؟ مع ان ملكية الفقير متفرعة على ملكية العامل. فالفقير يستحق جزءا مما يملكه العامل على النهج الذي يملكه، فيكون حق الفقير أيضا مراعي بسلامة رأس المال الى الانضاض و القسمة» «3».

و بالجملة محصل البحث تنافي حق الفقير و حق المالك و تزاحمهما.

و لكن العلامة في القواعد اراد رفع التنافي فقال: «و الأقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق و الوقاية، فيضمن العامل الزكاة لو تمّ بها المال» «4».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 252

و في الايضاح في شرح العبارة: «لان الوقاية له الآن بالامكان و يمكن ان لا يحصل لعدم الخسران. و سبب استحقاق الفقراء موجود بالفعل الآن و لا مانع إلّا حقّ المالك، و هو يندفع بضمان العامل اياه. كالمهر اذا حال عليه الحول قبل الدخول. و انما ضمنه العامل لحصول الثواب له. و التحقيق ان النزاع في تعجيل الإخراج بغير اذن المالك بعد تسليم ثبوت الزكاة ليس بمتوجه، لان امكان ضرر المالك بامكان الخسران باعساره لا يعارض استحقاق

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 224.

(2)- الشرائع 1/ 158.

(3)- المصباح/ 83.

(4)- القواعد 1/ 56.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 253

..........

______________________________

الفقراء بالفعل، لان امكان احد المتنافيين لو نفى ثبوت

الآخر فعلا لما تحقق شي ء من الممكنات» «1».

و ردّ عليه آية اللّه الميلاني في زكاته بقوله: «و فيه ان حق الشرط من المالك مقدم على حق الزكاة، فلا تخرج الزكاة قبل الانضاض» «2». هذا.

و في الجواهر: «نعم، قد يتوقف في تأديتها من خصوص مال المضاربة من غير اذن المالك، باعتبار كونه مشتركا و لا يجوز التصرف فيه من غير اذن الشريك مع احتماله حينئذ باعتبار كون الزكاة حينئذ من المؤن التي تلزم المال، كأجرة الدلال و الوزّان و ارش جناية العبد و فطرته. لكن قد يدفعه موثق سماعة المشتمل على امره اهل المال بالتزكية، و اجتنابه ان لم يفعلوا. بل يدفعه أيضا وضوح الفرق بين المقامين» «3». و ما ذكره واضح. و لعله اليه نظر المصنف فالحاصل ان لإثبات هذا الفرع طريقين، و الطريق الاخير اوثق و اوضح.

______________________________

(1)- الايضاح 1/ 189.

(2)- كتاب الزكاة لآية الميلاني 2/ 60.

(3)- الجواهر 15/ 287.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 254

تقدم الزكاة الواجبة على الدين
[الزكاة الواجبة مقدمة على الدين]

[مسألة 4]: الزكاة الواجبة مقدمة على الدين (1) سواء كان مطالبا به أو لا ما دامت عينها موجودة.

______________________________

(1) في الشرائع: «الدين لا يمنع من زكاة التجارة، و لو لم يكن للمالك وفاء إلّا منه.

و كذا القول في زكاة المال لأنها تتعلق بالعين» «1».

و في الخلاف (المسألة 124): «اذا ملك نصابا من الأموال الزكاتية: الذهب أو الفضة أو الابل أو البقر أو الغنم أو الثمار أو الحرث أو التجارة، و عليه دين يحيط به فان كان له مال غير هذا بقدر الدين كان الدين في مقابلة ما عدا مال الزكاة، سواء كان ذلك عقارا أو عرضا أو اثاثا أو اي شي ء كان، و عليه الزكاة في النصاب. و ان لم

يكن له مال غير النصاب الذي فيه الزكاة فعندنا ان الدين لا يمنع من وجوب الزكاة. و اختلف الناس فيه على اربعة مذاهب» «2».

ثم حكى عن جماعة منهم الشافعي في الجديد و الأمّ ان الدين لا يمنع وجوب الزكاة، و عن جماعة منهم احمد و اسحاق و الشافعي في القديم انه يمنع، و عن مالك و الاوزاعي المنع في الأثمان و مال التجارة و العدم في غيرهما، و عن ابي حنيفة و اصحابه المنع في غير الحرث

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 158.

(2)- الخلاف 1/ 314.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 255

..........

______________________________

و الثمار فكأنه يقول: الدين يمنع الزكاة و لكن العشر خراج لا زكاة.

و كيف كان فيظهر من الخلاف اجماع اصحابنا على عدم المنع مطلقا.

و في التذكرة: «الدين لا يمنع الزكاة عند علمائنا اجمع» «1».

و في المنتهى: «الدين لا يمنع الزكاة، سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن، و سواء استوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه، و سواء كانت اموال الزكاة ظاهرة كالنعم و الحبوب أو باطنة كالذهب و الفضة. و عليه علماؤنا اجمع» «2». ثم حكى اقوال العامة.

و بالجملة فالمسألة مجمع عليها بين اصحابنا و ان اختلف فيها غيرنا.

و يستدل لها مضافا الى الإجماع بان الزكاة تتعلق بالعين كما مرّ حتى زكاة التجارة لما مرّ من تعلقها بمالية هذه العين لا بالمالية المطلقة حتى تكون في الذمة، فلا منافاة بين الزكاة و بين اشتغال ذمة المالك بأضعاف أضعاف النصاب من الدين.

و اطلاقات أدلة الزكاة في الموارد المختلفة مع كونها في مقام البيان من غير اشارة فيها الى استثناء الدين أيضا تقتضى عدم استثنائه.

و في المنتهى أيضا: «ان سعاة النبي «ص» كانوا يأخذون الصدقات من

غير مسألة عن الدين، و لو كان مانعا لسألوا عنه» «3». هذا.

مضافا الى صحيحة زرارة، عن ابي جعفر و ضريس، عن ابي عبد اللّه- عليهما السلام- انهما قالا: ايما رجل كان له مال موضوع حتّى يحول عليه الحول فانه يزكيه، و ان كان عليه من الدين مثله و اكثر منه فليزكّ ما في يده «4».

نعم، الظاهر ان المال الموضوع في مقابل المال المتحرك، فلا تشمل الصحيحة مال التجارة، بل الظاهر من المال الموضوع خصوص النقدين. و لعلّ الصحيحة لردّ مثل مالك القائل باستثناء الدين في الأثمان، و اما الحرث و الأنعام فهو أيضا قائل فيهما بعدم

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 202.

(2)- المنتهى 1/ 506.

(3)- المنتهى 1/ 506.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 10 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 256

..........

______________________________

الاستثناء، فتدبر.

و يدل على عدم استثناء الدين أيضا الاخبار المستفيضة الحاكمة بكون زكاة القرض على المقترض مع كونه مديونا للمقرض. «1»

ففي صحيحة زرارة: قلت لأبي عبد اللّه «ع» رجل دفع الى رجل مالا قرضا على من زكاته؟ على المقرض أو على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها ان كانت موضوعة عنده حولا على المقترض.

و في موثقة عبد الرحمن، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل عليه دين و في يده مال لغيره هل عليه زكاة؟ فقال: اذا كان قرضا فحال عليه الحول فزكّه «2» الى غير ذلك من اخبار الباب (الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة).

نعم، في مرسلة ابان، عمن اخبره قال: سألت احدهما- عليهما السلام- عن رجل عليه دين، و في يده مال و في بدينه، و المال لغيره هل عليه زكاة؟ فقال: اذا استقرض فحال عليه

الحول فزكاته عليه اذا كان فيه فضل «3». فالظاهر منها ثبوت الزكاة فيما فضل عن الدين.

و احتمال كون المراد مال التجارة، و كون اشتراط الفضل باعتبار انه يشترط في زكاته وجود رأس المال أو الزيادة خلاف الظاهر، اذ لا يشترط في زكاته خصوص الفضل. و يحتمل الحمل على التقية. مضافا الى كون الخبر مرسلا، اللّهمّ إلّا ان يقال ان ابان من اصحاب الإجماع. و بالجملة فعمدة الدليل على عدم منع الدين عن الزكاة بنحو الإطلاق- مضافا الى اجماع اصحابنا- اطلاقات الأدلة في الأبواب المختلفة.

و لكن هنا اخبار ضعاف تدل على الخلاف. منها ما في الجعفريات باسناده عن أمير المؤمنين «ع»، قال: من كان له مال و عليه مال فليحسب ماله و ما عليه، فان كان ماله فضل على مأتي درهم فليعط خمسة دراهم، و ان لم يكن فضل على مأتي درهم فليس عليه شي ء «4». و في متن الرواية اغتشاش، و لكن نقلها الشهيد في البيان كما يأتي بنحو آخر، و لعله

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

(4)- المستدرك، ج 1، الباب 8 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

اصح و لا اغتشاش فيه.

و منها ما رواه الكيدري في شرح نهج البلاغة في ذيل الخطبة الشقشقية قال: قال صاحب المعارج: و وجدت في الكتب القديمة ان الكتاب الذي دفعه اليه رجل من اهل السواد كان فيه مسائل ...، و منها: رجل عليه من الدين

الف درهم، و له في كيسه الف درهم، فضمنه ضامن له الف درهم، فحال عليهما الحول فالزكاة على ايّ مالين تجب؟

فقال: ان ضمن الضامن باجازة من عليه الدين فلا زكاة عليه، و ان ضمنه من غير اذنه فالزكاة مفروضة في ماله «1». وجه الدلالة انه ان ضمن باجازة صار المضمون عنه مديونا للضامن فلا زكاة عليه و ان ضمن بلا اجازة فدينه السابق ارتفع و لم يصر مديونا للضامن فتثبت الزكاة.

و في المغنى لابن قدامة عند قول المصنف: «و اذا كان معه مأتا درهم و عليه دين فلا زكاة عليه»: روى بسند عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه «ص»: «اذا كان لرجل الف درهم و عليه الف درهم فلا زكاة عليه».

و لكن الأخبار لضعفها لا يمكن الاعتماد عليها.

و يمكن حملها على زكاة مال التجارة و القول بعدم استحبابها أو عدم تاكد استحبابها مع الدين، و لا سيما اذا كان رأس المال بنفسه دينا، لبعد استحبابها على من كان اصل رأس ماله للناس.

و يؤيده مفهوم قوله في صحيحة زرارة و ضريس «ايما رجل كان له مال موضوع». اذ الظاهر ان المال الموضوع كما مرّ في مقابل المال المتحرّك في التجارة.

و قد اشار الى هذا الحمل الشهيد في بيانه فقال: «و الدين لا يمنع من زكاة التجارة كما مرّ في العينية و ان لم يمكن الوفاء من غيره لأنّها و ان تعلقت بالقيمة فالأعيان مرادة ...

نعم، يمكن ان يقال: لا يتأكد إخراج زكاة التجارة للمديون لأنه نفل يضر بالفرض. و في الجعفريات، عن امير المؤمنين «ع»: من كان له مال و عليه مال فليحسب ماله و ما عليه،

______________________________

(1)- المستدرك، ج 1، الباب 9 من ابواب من

تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 258

..........

______________________________

فان كان له فضل مأتي درهم فليعط خمسة. و هذا نصّ في منع الدين الزكاة. و الشيخ ما تمسّك على عدم منع الدين إلّا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة» «1».

و لكن ناقشه في المدارك فقال بعد نقل كلامه: «هذا كلامه. و نحن قد بينا وجود النص الدال على ذلك صريحا. و ما نقله عن الجعفريات مجهول الاسناد، مع اعراض الاصحاب عنه و اطباقهم على ترك العمل به» «2».

و في مصباح الفقيه بعد نقل كلام الشهيد قال: «و كأنّ غرضه من الاستشهاد بالرواية الاستدلال لنفي تأكد الاستحباب في خصوص محل الكلام، اي زكاة التجارة، كما لعله هو المنساق من ألفاظها، لا مانعية الدين عن الزكاة مطلقا حتى في زكاة المال، كما فهمه في المدارك ... و قد اشرنا الى ان خبر الجعفريات بحسب الظاهر وارد في مال التجارة، لا خصوص النقد الموضوع الذي حال عليه الحول كما هو مورد خبر زرارة و ضريس فلا معارضة بينهما» «3» و لا بأس بما ذكره.

ثم ان ما ذكرناه من عدم استثناء الدين و عدم مزاحمته للزكاة انما هو على فرض تعلقها بالعين ملكا أو حقا، و اما بناء على تعلقها بذمة المالك مطلقا أو في خصوص زكاة التجارة فتصير في عرض سائر الديون، و قد تحقق المزاحمة في صورة قصور المال عن الوفاء بالجميع لدى موت المالك او حجره بالإفلاس فيكون مستحق الزكاة كأحد الدائنين في المحاصّة، و لكن المبنى فاسد عندنا.

تتمة

في زكاة المرحوم آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- ما حاصله: «انه اذا اجتمع الدين و الزكاة فاما ان يكون الدين مطالبا به أولا، و على الاول فاما ان

يمكنه الجمع بين اداء الدين و ايتاء الزكاة اولا فهذه ثلاثة اقسام. و على التقادير فاما ان تكون الزكاة واجبة أو

______________________________

(1)- البيان/ 191.

(2)- المدارك/ 311.

(3)- المصباح/ 84.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 259

..........

______________________________

مندوبة فالاقسام ستة. فان كان الدين غير مطالب به أو استطاع الجمع بين ادائه و ايتاء الزكاة فمن الواضح عدم معارضة الدين للزكاة- وجبت الزكاة أو استحبت- فهذه اربعة شقوق.

و اما اذا وجبت الزكاة و الدين مطالب به و لم يستطع الجمع بينهما فيختلف الحكم على الأقوال في كيفية تعلق الزكاة، فان قيل بتعلقها بالعين بنحو الملكية فمن البديهي عدم منع الدين عن الزكاة لأن الكسر المشاع من العين ملك لأرباب الزكاة فلا معنى لصرفه في الدين. و كذا على القول بكون الزكاة حقا ماليا.

و ان قيل بتعلقها بالذمة فقد ذهب الأصحاب الى ان القاعدة تقتضي التقسيط لأنه من موارد التزاحم، و حكم المتزاحمين في الامور المالية التقسيط بالحصة، و في الافعال التخيير.

و هذا صحيح لو كانت القدرة شرطا عقليا في كليهما، في حين ان المستفاد من قوله- تعالى: «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» ان القدرة على الوفاء مأخوذة في موضوع اداء الدين، و قد قلنا في مبحث الترتب انه لو اخذت القدرة في موضوع احد المتزاحمين فما لم تؤخذ القدرة فيه يقدم عليه، و النتيجة هنا تقدم الزكاة على الدين.

و السرّ في ذلك انه لو اخذت القدرة في الموضوع شرعا فالقدرة متقدمة على الحكم في الرتبة و دخيلة في الملاك، في حين ان القدرة العقلية متأخرة عن التكليف و لا دخالة لها في الملاك و ان كان انعدامها يمنع عن فعلية التكليف. و لمّا كان وجود القدرة منوطا

بعدم فعلية المزاحم (لأنه لو اصبح فعليا كان تعجيزا مولويا) فلا يبقى موضوع لذلك التكليف فيسقط و يتقدم ما ليست القدرة مأخوذة فيه.

و اما اذا كانت الزكاة مستحبة و الدين مطالبا به و لا يفي المال بكليهما فالقاعدة تقتضي تقدم الدين لأنه واجب و يتوقف على اعطاء هذا المال، فيجب مقدمة. و مع هذا الوجوب المقدمي لا استحباب» «1».

اقول: ما ذكره- قدّس سرّه- مع اشتماله على تحقيق لا يخلو من انظار.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية الميلاني 2/ 61.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

الأوّل: ان ما ذكره من عدم منع الدين عن الزكاة على فرض كون التعلق بنحو الملكية أو الحق انما يصح على فرض ثبوت الاطلاق في دليل الزكاة لمفروض البحث، فكان عليه- قدّس سرّه- مضافا الى التشقيق لمقام الثبوت اثبات كون الأدلة الواردة في الموارد المختلفة في مقام البيان من هذه الجهة حتى يثبت اطلاقها لصورة مزاحمة الدين.

الثاني: ان القدرة إذا اخذت في موضوع الحكم فهي تنصرف الى القدرة العرفية التكوينية، و صرف الأمر بالمزاحم لا يوجب سلب القدرة تكوينا. و ما اشتهر بينهم من ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا لا دليل عليه. فالاستطاعة في باب الحج مثلا تنصرف الى الاستطاعة التكوينية، اعني المالية و البدنية و السربية، و اما المزاحمة بواجب أو محرم آخر فلا توجب سلب الاستطاعة عرفا حتى يكون دليله واردا على دليل الحج و رافعا لموضوعه، بل الظاهر ان باب المزاحمة انما يجري بين وجوب الحج و الواجب أو المحرم الآخر، فتأمّل.

الثالث: ان ما ذكره من ان انعدام القدرة العقلية يمنع عن فعلية التكليف ممنوع، فان القدرة العقلية كالعلم من شرائط التنجز لا الفعلية اذ التنجز من احكام العقل و

هو مشروط عنده بالعلم و القدرة لاستحالة انبعاث الجاهل و العاجز، و اما في ناحية المولى فالحكم تام فعلي بتحقّق موضوعه، و ليس للشارع تقييد الموضوع بما لا دخل له في الملاك فانه جزاف، كما انه ليس للعقل تقييد الموضوع اذ لا معنى لأن يتصرف حاكم في موضوع حكم غيره كيف و لو كانت القدرة العقلية دخيلة في فعلية الحكم جاز إجراء البراءة مع الشك في القدرة بل جاز سلب القدرة اختيارا كما يجوز جعل المسافر حاضرا و بالعكس و لا يلتزم بذلك احد.

لا يقال: اذا تعذر الانبعاث تعذر البعث أيضا لأنهما متضائفان، و المتضائفان متكافئان قوة و فعلا.

فانه يقال: هذا في البعث الشخصي بنحو القضية الشخصية، و اما الأحكام الكلية القانونية فلا تتضمن بعثا شخصيا و إرادة شخصية بالنسبة الى كل فرد فرد، و ليس في ناحية المولى و لا سيما مولى الموالى حالة تجدد البعث و الارادة و قبضهما و بسطهما بتطور حالات العبيد بالعلم و الجهل و القدرة و العجز، و انما التطور و التجدد في حكم العقل بالتنجز و صحة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 261

بل لا يصحّ وفاؤه بها بدفع تمام النصاب (1). نعم، مع تلفها و صيرورتها في الذمّة حالها حال ساير الديون (2).

[زكاة التجارة الدين المطالب به مقدّم عليها]

و امّا زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدّم عليها حيث انّها مستحبة سواء قلنا بتعلّقها بالعين أو بالقيمة.

و امّا مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضا، بل مع المطالبة أيضا

______________________________

العقوبة و عدمهما من دون ان تمس كرامة الحكم، و يكفي في جعل الحكم الكلي و حسن الخطاب به امكان انبعاث البعض. كيف؟! و إلا لزم عدم تحقق التكليف بالنسبة الى الكفار و العصاة

لعدم تحقق الانبعاث منهم.

و يترتب على ما ذكرنا فعلية الحكمين في صورة التزاحم و عدم وجود قصور في الحكم من ناحية المولى، بل يتنجزان أيضا لقدرة العبد على كل واحد منهما. نعم، مع صرف القدرة في الأهمّ يرتفع تنجّز المهم، و في المتكافئين يرتفع التنجز في المتروك منهما اذا صرف القدرة في الآخر. هذا و للتفصيل في المسألة محل آخر.

الرابع: ان ما ذكره اخيرا من نفي الاستحباب فيما اذا تزاحم الواجب و المستحب ممنوع جدا، فمن ترك الحج الواجب و صرف وقته في زيارة الحسين- عليه السلام- فالزيارة المأتى بها مستحبة قطعا و واجدة لملاك الاستحباب و ان عصى بترك الواجب. و المقدمة واجبة بالوجوب العقلي لا الشرعي. و لو سلم فيصير من قبيل مسألة الاجتماع، و لا مانع من كون الشي ء واجبا بالوجوب المقدمي لوجوب اداء الدين و مستحبا بملاك الاستحباب الكائن فيه لاختلاف العنوان، فتدبر.

(1) لما مرّ من عدم جواز التصرف في النصاب قبل اداء الزكاة. اللّهمّ إلّا ان يستفاد من قوله «ع» في موثقة يونس بن يعقوب: «فان انا كتبتها و اثبتها يستقيم لي؟ قال: نعم لا يضرك» «1» جواز التصرف مع الضمان.

(2) اللّهمّ إلّا ان يقال بتقديمها على الدين لاشتمالها على حق الناس و حق اللّه معا و لكنه مشكل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 52 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 262

اذا أدّاها صحّت و أجزأت (1) و إن كان آثما من حيث ترك الواجب.

______________________________

(1) لبقاء الاستحباب بفعليتها اذ المقام من باب التزاحم لا التعارض، كما لا يخفى.

و قد مرّ آنفا بيانه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 263

فروع
[إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية]

[مسألة 5]: إذا كان مال التجارة أحد النصب

المالية و اختلف مبدأ حولهما فان تقدّم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة (1)، و إن انعكس

______________________________

(1) المسألة من لواحق المسألة الاولى. و الفرق بينهما ان مفروض البحث في المسألة الأولى اتفاق مبدأ الحولين و في المقام اختلاف مبدئهما، و الظاهر شمول قوله «ص»:

«لاثنا في الصدقة»، و قوله: «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد» لهذه المسألة أيضا لما مر في تك المسألة من ان العام اسم لاثنى عشر شهرا و الزكاة ضريبة سنوية، فظاهر الحديثين ان كل زكاة تقتضي سنة مستقلة، و لازمه اشتراط تباين الحولين و لا يكفي الاختلاف في المبدأ فقط، فاحدى الزكاتين تسقط قطعا.

و الظاهر ان مفروض المسألة عند المصنف صورة كون المال أحد النقدين و كون النصاب النصاب الاول بحيث لو أدّى احدى الزكاتين نقص المال عن النصاب فلا يبقى موضوع للأخرى اصلا و لا يحتاج الى الاستدلال بالحديثين.

و الفرق بين زكاة المالية و زكاة التجارة ان مقدار الزكاة في الأولى ينتقل بصرف التعلق الى الفقراء فاذا تقدمت لا يبقى النصاب للتجارة في ملكه، و اما زكاة التجارة فلا تخرج- بناء على الاستحباب- عن ملك المالك ما لم يخرجها، فلو تقدمت فان اعطاها لم يبق النصاب للمالية، و إلّا تعلقت المالية أيضا بعد حلول حولها، فتقدم المالية قهرا لتقدم الوجوب على الاستحباب، فافهم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 264

فان أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت، و إلّا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط مال التجارة.

[لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول]

[مسألة 6]: لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول، استأنف الحول عند بلوغه (1).

[إذا كان له تجارتان]

[مسألة 7]: إذا كان له تجارتان، و لكلّ منهما رأس مال، فلكلّ منهما شروطه و حكمه (2)، فان حصلت في إحداهما دون الاخرى استحبت فيها فقط و لا يجبر خسران إحداهما بربح الاخرى.

______________________________

(1) النصاب عندنا يراعى من اول الحول الى آخره في الماشية و الأثمان و التجارات.

و عند ابي حنيفة يراعى في طرفي الحول و ان نقص فيما بينهما مطلقا و اصحاب الشافعي على قولين: فعند بعضهم يراعي في جميع الحول مطلقا، و عند بعضهم يراعى في جميع الحول إلّا في التجارات فيراعي آخر الحول، فراجع الخلاف (المسألة 117). و ظاهر اخبار الحول في الأنعام اعتبار وجود النصاب في جميع الحول، فراجع «1». و صريح صحيح زرارة في الدراهم أيضا ذلك، فراجع «2». و قد مرّ ان نصاب مال التجارة نصاب النقدين، بل عرفت انّه ليس إلّا المال المتحرك. فالمال الساكن تجب فيه الزكاة، و المتحرك تستحب فيه. فالنصاب فيه أيضا يعتبر في جميع الحول كالنقدين. و على اي حال فالمسألة مما لا خلاف فيها عندنا.

(2) قد مرّ منا في المسألة الثالثة انه اذا قلنا في زكاة التجارة بان المعتبر بقاء المالية و ان وقع على المال تبدلات، كما هو المختار. ففي مثل البزّاز الذي يشتري برأس ماله خمسين صنفا من الاقمشة مثلا و في كل يوم بل كل ساعة يبيع بعضا منها و يشتري بعضا آخر يكون ضبط كل صنف و ربحه و حوله بالاستقلال مشكلا جدّا.

و المتعارف في مثله جعل حول واحد للجميع و جبر خسران البعض بربح الآخر بل

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6،

الباب 8 و 9 من ابواب زكاة الانعام.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 6 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 265

..........

______________________________

اخراج مئونة السنة أيضا من الجميع تدريجا فيعد الجميع تجارة واحدة و رأس مال واحد.

نعم، لو كان له ثلاثمائة الف درهم مثلا فجعلها في ثلاث شعب مختلفة مستقلة بالحساب و الكتاب كان لكل من الشعب الثلاث حكمها، و لا يجبر الخسران في بعضها بالربح في الآخر، بل يصير كل منها مشمولا لقوله: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة اذا حال عليه الحول» «1»، فراجع ما حررناه هناك.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 266

2- زكاة كل ما يكال او يوزن مما ينبت من الارض

الثاني ممّا يستحبّ فيه الزكاة: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض (1)، عدا الغلات الأربع فانّها واجبة فيها، وعدا الخضر كالبقل و الفواكه و الباذنجان و الخيار و البطّيخ و نحوها ففي صحيحة زرارة: «عفا رسول اللّه «ص» عن الخضر. قلت: و ما الخضر؟ قال: كلّ شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك مما يكون سريع الفساد».

و حكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحبّ فيه الزكاة حكم الغلات الأربع في قدر النصاب و قدر ما يخرج منها و في السقي و الزرع و نحو ذلك (2).

______________________________

(1) قد مرّ البحث عن المسألة مفصلا في فصل الأجناس التي تتعلق بها الزكاة، و تبين ان المشهور عند فقهاء السنة الوجوب في جميع الحبوب، و المشهور عندنا الاستحباب في غير الاربع. و عن يونس و ابن الجنيد الوجوب. و السيد المرتضى و صاحب الحدائق و صاحب الوافي حملوا

اخبار المسألة على التقية، فلا وجوب عندهم و لا استحباب. و منشأ الاختلاف اختلاف الاخبار، فراجع ما حرزناه هناك «1».

(2) قد مرّ بيان ذلك في اوائل فصل زكاة الغلات، فراجع «2».

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 147، 169.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 333.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 267

3- زكاة الخيل الاناث

الثالث: الخيل الاناث بشرط أن تكون سائمة و يحول عليها الحول (1).

______________________________

(1) في الخلاف (المسألة 62): «لا زكاة في شي ء من الحيوان إلّا في الا بل و البقر و الغنم وجوبا. و قد روى اصحابنا ان في الخيل العتاق على كل فرس دينارين، و في غير العتاق دينارا على وجه الاستحباب. و قال الشافعي: لا زكاة في شي ء من الحيوان إلّا في الثلاثة الأجناس. و به قال مالك و الاوزاعي و الليث بن سعد و الثوري و ابو يوسف و محمد.

و قال ابو حنيفة: ان كانت الخيل ذكورا فلا زكاة فيها و ان كانت اناثا ففيه روايتان، اصحهما فيها الزكاة و ان كانت ذكورا و اناثا ففيها الزكاة لا تختلف الرواية عنه و لا يعتبر فيها النصاب ... دليلنا اجماع الفرقة فان ما فصلناه مجمع عليه عندهم. و روى ابو يوسف عن غورك السعدي، عن جعفر بن محمد، عن ابيه، عن جابر بن عبد اللّه ان النبي «ص» قال:

في كل فرس دينار اذا كانت راعية» «1».

و في المغني نقل الخبر الأخير هكذا: «في الخيل السائمة في كل فرس دينار»، و ذكر اعتماد ابي حنيفة عليه ثم رده بان غورك السعدي ضعيف. و استدل على عدم الزكاة في الخيل بما رواه ان النبي «ص» قال: «ليس على المسلم في فرسه و غلامه صدقة». و قال أيضا: «عفوت لكم عن صدقة

الخيل و الرقيق» «2».

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 291.

(2)- المغنى 2/ 491.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 268

..........

______________________________

و كيف كان فالشيخ في الخلاف ادّعى اجماع الفرقة على التفصيل الذي ذكره.

و في الغنية: «و اما المسنون من الزكاة ... و في الإناث من الخيل في كلّ رأس من العتاق ديناران، و من البراذين دينار واحد. و شرائط الاستحباب مثل شرائط الوجوب.

و يسقط في الخيل اعتبار النصاب ... و ذلك كله بدليل الاجماع الماضي ذكره» «1».

و في التذكرة: «لا تجب الزكاة في الخيل باجماع اكثر العلماء» «2». و غرضه عدم الوجوب إلّا عند ابي حنيفة.

و في التذكرة أيضا: «اجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة:

السوم و الأنوثة و الحول» 3.

و في المنتهى ما حاصله: «و يستحب الزكاة في الخيل. و لها شروط اربعة: الملك و السوم و الحول و الأنوثة» و الثلاثة الاول مجمع عليه بين القائلين بالوجوب أو الاستحباب، و اما الرابع فهو اجماع علمائنا» «4».

و في المقنعة: «و تزكى الخيل العتاق الإناث السائمة و البراذين الإناث السائمة سنة غير فريضة» «5».

و في النهاية: «و اما الخيل ففيها الزكاة مستحبة اذا كانت إناثا سائمة، فان كانت معلوفة فليس فيها شي ء» «6».

و في الشرائع: «الخيل اذا كانت اناثا سائمة و حال عليها الحول ففي العتاق عن كل فرس ديناران، و في البراذين عن كل فرس دينار استحبابا» «7».

و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه» «8».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 569.

(2) (2- 3)- التذكرة 1/ 230.

(4)- المنتهى 1/ 510.

(5)- المقنعة/ 40.

(6)- النهاية/ 177.

(7)- الشرائع 1/ 159.

(8)- الجواهر 15/ 292.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

و قد تلخص من جميع ما ذكر اجماع اصحابنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة:

السوم و الحول و الانوثة.

و امّا فقهاء السنّة فالمشهور بينهم عدم الزكاة فيها: و قال أبو حنيفة بوجوب الزكاة فيها بشرط السوم و الحول دون الأنوثة، لقوله بالزكاة في ما اذا كانت ذكرانا و اناثا. فهو يخالفنا في جهات: الاول انه قائل بالوجوب. الثاني انه لا يشترط الانوثة. الثالث انه لا يفصل في المقدار، بل يقول بدينار واحد مطلقا. و نحن نفصل بين العتاق و البراذين.

و اعلم اني الى الآن لم اجد في كلمات اهل السنة بحثا عن الزكاة الاستحبابية، بل اما يوجبون الزكاة أو ينفونها، فراجع. فهذه هي أقوال المسألة.

و اما الاخبار فمنها صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عنهما- عليهما السلام- قالا: وضع امير المؤمنين- عليه السلام- على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا. و رواه المفيد مرسلا إلّا انه قال: و جعل على البراذين السائمة الإناث في كل عام دينارا «1».

و لا يخفى ان مفاد الصحيحة حكاية فعل امير المؤمنين «ع» اجمالا من غير دلالة على ان وضعه- عليه السلام- كان لزمانه أو لجميع الأعصار، بنحو الوجوب أو بنحو الاستحباب، بعنوان الزكاة أو بعنوان الجزية مثلا، كما احتمل انه كان في خيل المجوس جزية أو عوضا عن انتفاعهم بمراتع المسلمين. فالاستدلال بالصحيحة للاستحباب الشرعي الثابت في جميع الأعصار مشكل.

ثم لا يخفى ان الصحيحة من الشواهد لما سمعته منا كرارا بنحو الاحتمال من كون اصل ايجاب الزكاة حكما الهيا شرعيا، و اما ما فيه الزكاة فتشخيصه محوّل الى الحاكم الحق، لتبدل اموال الناس و منابع ثروتهم و اختلاف حوائج الناس و الحكومات باختلاف الأعصار و الأمصار.

و يؤيد ذلك أيضا التعبير الوارد في بعض الاخبار.

منها صحيحة الفضلاء و فيها:

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

«فرض اللّه الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنّها رسول «ص» في تسعة اشياء، و عفا عما سواهن» «1». و في بعضها: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة اشياء ... و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك «2»» فكأنه «ص» بما انه كان حاكما للمسلمين في عصره لحظ ما هي عمدة ثروة العرب في عصره، فوضع الزكاة عليها، و عفا عما سوى ذلك مع وجود الاقتضاء فيه. فهذا احتمال ربما ينقدح في الذهن، و لكن الاعتماد عليه مشكل، فتدبّر.

و من أخبار المسألة أيضا صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: هل في البغال شي ء؟ فقال: لا. فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال: لان البغال لا تلقح و الخيل الاناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء. قال: قلت: فما في الحمير؟

قال: ليس فيها شي ء. قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟

فقال: لا، ليس على ما يعلف شي ء. انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فاما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء.

و نحوه عن المفيد في المقنعة إلّا إنه قال: و ليس على الخيل الذكور اذا انفردت في الملك و ان كانت سائمة شي ء «3».

و هل ما نقله المفيد في الموضعين نقل بالمعنى لما رواه الكليني، أو انه روى من الأصول و الجوامع الأولية بالفاظها؟ كلاهما محتمل.

و التعبير بالصدقة في الصحيحة تدل على ان الشي ء المسؤول عن ثبوته كان هو الزكاة.

فهي دالة اجمالا على

ان ثبوت الزكاة في الخيل في عصر الإمام الصادق- عليه السلام- كان أمرا واضحا مفروغا عنه. فتصير قرينة على انّ ما وضعه أمير المؤمنين «ع» أيضا كان هو الزكاة و كان لجميع الأعصار، فتأمّل.

و يستفاد من الصحيحة أيضا اعتبار السوم و الحول و الأنوثة.

انما الإشكال في استفادة الاستحباب. و لعل لكلمة «على» في الصحيحتين ظهورا ما

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 271

و لا بأس بكونها عوامل (1)، ففي العتاق منها- و هي التي تولدت من عربيين- كلّ سنة ديناران، هما مثقال و نصف صيرفي. و في البراذين من كلّ سنة دينار: ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي. و الظاهر ثبوتها حتى مع الاشتراك، فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.

______________________________

في الوجوب و ان لم يكن بحدّ الظهور الثابت فيما اذا دخلت على المكلف و الشخص. فربما يستدلّ للاستحباب بالإجماعات المنقولة التي مرّت، و بالأخبار المستفيضة بل المتواترة الحاكمة بان الزكاة في تسعة، و انه ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف، يعني الابل و البقر و الغنم، و بما رواه الرضا- عليه السلام- عن النبي «ص» قال: «عفوت لكم عن زكاة (صدقة) الخيل و الرقيق»، فراجع الوسائل «1» و قد مرّ نقل الخبر الأخير عن المغني أيضا.

فان قلت: الأخبار الدالة على كون الزكاة في تسعة و انه ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير الثلاثة عام، و اخبار زكاة الخيل خاص فيخصص العام

به فيحكم بالوجوب في الخيل أيضا.

قلت: انما يقدم الخاص على العام لأظهريته في مفاده، و إلّا فلم يرد بذلك آية أو رواية. و في المقام ليس الخاص أظهر في مفاده من العام، بل الأخبار المشار اليها في نفي الوجوب عن غير التسعة و الثلاثة أظهر لما عرفت من ضعف ظهور اخبار الخيل في الوجوب، فتدبّر.

(1) قد مرّ اشتراط الاستحباب في الخيل بالسوم و الأنوثة و الحول.

و هل يشترط مع ذلك عدم كونها عوامل، و عدم الاشتراك في واحد، و عدم كون المالك صغيرا أو مجنونا؟ وجهان: من اطلاق الدليل، و من استيناس الاشتراط من الاشتراط في الأنعام الثلاثة.

قال في البيان: «و في اشتراط الانفراد و منع استعمالها عندي نظر. و اشتراطهما قريب

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 و 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 272

..........

______________________________

و خصوصا الانفراد، فلو ملك اثنان فرسا فلا زكاة» «1».

و في الدروس: «و الاقرب انه لا زكاة في المشترك حتى يكون لكل واحد فرس. و في اشتراط كونها غير عاملة نظر. اقربه نعم، لرواية زرارة» «2».

و في المسالك: «يشترط مع ذلك ان لا تكون عوامل و ان يكمل للمالك الواحد فرس كاملة و ان كانت بالشركة كنصف اثنتين» «3». و نحو ذلك عن جامع المقاصد و غيره.

أقول: ان كان مراد الدروس برواية زرارة روايته عن احدهما «ع» قال: «ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و كل شي ء من هذه الاصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء» «4» كما لعله يظهر من الجواهر «5».

ففيه- مضافا الى عدم ارتباطها بالخيل- أن المنفى فيها الوجوب، فلا تفيد

في المقام.

و ان اراد بها قوله في الصحيحة السابقة: «قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للجرل يركبهما شي ء؟ قال: لا»! «6».

ففيه ان تعقيب ذلك بقوله: «ليس على ما يعلف شي ء، انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها» يدل على ان المانع العلف، لا العمل.

نعم، هنا شي ء و هو انك قد عرفت منا الإشكال في مانعية العمل في الأنعام الثلاثة أيضا، فلو فرض سائمة عاملة يشكل القول بعدم الزكاة فيها، فراجع ما حررناه هناك. هذا.

و ملخص الكلام في المقام أن صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و ان كان ظاهرها الإطلاق و العموم و لكنها كما عرفت في مقام نقل فعل امير المؤمنين: «ع»، فلا يعلم انه لزمانه أو لجميع الاعصار، و انه زكاة أو جزية، و انه كان بنحو الوجوب أو الندب. و بالجملة الفعل لا لسان له.

______________________________

(1)- البيان/ 192.

(2)- الدروس/ 61.

(3)- المسالك 1/ 59.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 6.

(5)- الجواهر 15/ 294.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

و اما صحيحة زرارة فلا إطلاق فيها أصلا اذ المسؤول عنه هي زكاة البغال. نعم، يستفاد منه اجمالا مفروغية زكاة الخيل. فالقدر المتيقن صورة التكليف و الانفراد في الملكية و عدم العمل، مضافا إلى ان اشتراطها في الزكاة الواجبة يستأنس منه كما عرفت اشتراطها في المندوب أيضا، كما مرّ ان المتبادر من الأدلة في باب الصلاة و الصوم و الحج و غيرها كون المندوب بحسب الماهية و الشرائط مثل الواجب إلّا ما ثبت بالدليل خلافه.

هذا، مضافا الى ان الظاهر من الأخبار و الفتاوى ان الموضوع الفرس، لا

نصف الفرس، و المكلف الشخص الواحد، فان مجموع الشخصين امر اعتباري لا يتعلق به تكليف وجوبي و لا استحبابي. فلو كان فرس لشخصين فلا زكاة، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 274

4- زكاة حاصل العقار و المساكن

اشارة

الرابع: حاصل العقار المتخذ للنماء من البساتين و الدكاكين و المساكن و الحمامات و الخانات و نحوها (1).

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) في الجواهر: «لا خلاف اجده ... و ان كان لم يذكره في الجمل و الوسيلة و الغنية و الإشارة و السرائر» «1».

و لم يذكر في المقنع و الهداية و المقنعة أيضا. نعم، ذكره الشيخ و المحقق و العلامة و الشهيدان و آخرون. فلنذكر بعض العبارات.

ففي النهاية: «و كل ما يملكه الإنسان مما عدا التسعة الأشياء التي ذكرناها فانه يستحب له ان يخرج منه الزكاة ... و ليس على الانسان زكاة فيما يملكه من خادم يخدمه أو دار يسكنها إلّا ان تكون دار غلّة، فان كان كذلك يستحب ان يخرج منها الزكاة» «2».

و هل يعود الضمير الى الدار أو الغلة؟ كلاهما محتمل. و لعل الدار من باب المثال، فيكون المراد كلّ ما له غلّة.

و في المبسوط: «العقار و الدكاكين و الدور و المنازل إلّا ما كانت للغلة فانه يستحب ان يخرج منه الزكاة. و رحل البيت و القماش و الفرش و الآنية من الصفر و النحاس و الحديد

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 291.

(2)- النهاية/ 176.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 275

..........

______________________________

و الزيبق، و في الماشية البغال و الحمير كل هذا لا زكاة فيه بلا خلاف» «1».

و في الشرائع: «العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله .. و لو بلغ نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة. و لا تستحب في المساكن و لا في الثياب و الآلات و الأمتعة المتخذة للقنية» «2».

و في التذكرة: «مسألة: العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله. و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب، للعموم. بل يخرج مما يحصل منه ربع العشر.

فان بلغ نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة لوجود المقتضى. و لا تستحب الزكاة في شي ء غير ذلك من الأثاث و الأمتعة و الأقمشة المتخذة للقنية بإجماع العلماء» «3».

و في البيان: «العقار المتخذ للنماء كالدكان و الخان و الدّار. و يستحب الزكاة في حاصله» «4».

و في الدروس: «و العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله ... و لا زكاة في الفرش و الآنية و الأقمشة للقنية» «5».

و في المسالك: «العقار المتخذ للنماء كالدكان و الخان و الحمام ملحق بالتجارة، غير ان مال التجارة معدّ للانتقال و التبدل و ان لم يتبدل، و هذا قارّ» «6». و ظاهره كون الزكاة في عين العقار لا في حاصله.

و في المدارك: «العقار لغة الأرض، و المراد هنا ما يعمّ البساتين و الخانات و الحمامات و نحو ذلك على ما صرّح به الأصحاب. و استحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم.

و لم أقف له على مستند و قد ذكره العلامة في التذكرة و المنتهى مجردا عن الدليل» «7»

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 227.

(2)- الشرائع 1/ 158.

(3)- التذكرة 1/ 230.

(4)- البيان/ 192.

(5)- الدروس/ 61.

(6)- المسالك 1/ 59.

(7)- المدارك/ 311.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 276

[ما استدل به على استحباب الزكاة في المقام]

______________________________

اقول: و استدل على استحباب الزكاة في المقام بوجوه:

الأوّل: الاجماع أو الشهرة

و فيه مضافا الى منع تحققهما مع عدم تعرّض كثير من الأصحاب للمسألة عدم كونهما بنحو يوثق بفتوى المعصوم- عليه السلام-.

الثاني: ما في الجواهر و يظهر من المسالك أيضا من إلحاقه بمال التجارة و كونه في الحقيقة قسما منه. قال في الجواهر: «قلت: قد يقوى في الذهن انه من مال التجارة بمعنى التكسب عرفا، اذ هي فيه اعم من التكسب بنقل العين و استنمائها،

فان الاسترباح له طريقان عرفا: احدهما بنقل الاعيان، و الثاني باستنمائها مع بقائها. و لذا تعلق فيه الخمس كغيره من افراد الاسترباح. و من ذلك يتجه اعتبار الشرائط السابقة فيه» «1».

و فيه انه ان اراد جعل نفس العقار المتخذ للنماء من مال التجارة فله وجه اذا كان ملكه بالمعاوضة عليه بهذا القصد، و لكن مقتضاه كون الزكاة في نفس العقار لا في حاصله، و ان اراد جعل الحاصل من مال التجارة ففساد ذلك ظاهر، فلا يشمله اخبار الزكاة في مال التجارة.

ثم ان التجارة، كما مرّ في محله اخص من التكسب، فيمكن منع صدق التجارة اذا كان المقصود الاستفادة بالنماء لا بالربح، فتأمّل.

الثالث: خبر شعيب، قال: قال ابو عبد اللّه «ع»: كل شي ء جرّ عليك المال فزكه، و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به «2». بناء على رفع المال ليكون فاعلا.

و أورد عليه كما في المصباح «3» بأن في الخبرين احتمالين: رفع المال، و نصبه، و على الثاني لا يفيد في المقام. هذا، مضافا الى عدم افتاء الأصحاب بثبوت الزكاة في مطلق الأرباح و النماءات. هذا.

و لكن الأظهر في الخبر الرفع ليصير قوله: «كل شي ء» مفعولا. يشهد بذلك سياق قوله:

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 291.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 16 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(3)- المصباح/ 84.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

«و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به».

الرابع: الآيات و الأخبار العامة. مثل قوله- تعالى: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ»* «1»، و قوله:

«أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» «2»، و قول ابي عبد اللّه «ع» في خبر ابي المعزا: «ان اللّه- تبارك و تعالى- اشرك بين

الأغنياء و الفقراء في الاموال، فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم» «3».

أقول: اما قوله: أشرك ... فاشارة الى الموضوعات التي شرّع فيها الزكاة. و لا يراد به الاشراك في جميع الأموال. و المقصود بالخبر مفاد ذيله، فيراد به ان الفقراء في موارد الزكاة شركاء، فلا يجوز ان يصرف حقهم في غير المصرف.

و اما آيات الإنفاق و رواياته فمفادها غير الزكاة، اذا المراد بالزكاة- واجبة كانت أو مندوبة- المقدار المعين من قبل الشارع من العشر أو نصف العشر أو ربعه و نحو ذلك. إلا ترى ان الحق المعلوم و حق الحصاد و الجذاذ مع دلالة الآيات و الروايات الكثيرة عليهما و الإفتاء باستحبابهما لم يعدّا من الزكاة المندوبة، بل في موثقة سماعة: «و لكن اللّه- عز و جل- فرض في اموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة» «4».

و قد مرّ عن النهاية و المبسوط و الشرائع و التذكرة و الدروس نفي الزكاة في أشياء مع استحباب الإنفاق فيها قطعا. فالاستدلال بآيات الإنفاق و التصدق و رواياتهما للمقام مشكل.

الخامس: احاديث من بلغ كقوله «ع» في صحيحة هشام بن سالم قال: «من سمع شيئا من الثواب على شي ء فصنعه، كان له، و ان لم يكن على ما بلغه» «5». بناء على شموله للفتوى الصادر من العلماء، اذ الإخبار بالحكم إخبار بالثواب بالملازمة.

و فيه ان الحكم بالاستحباب الشرعي بمثل ذلك مشكل، اذ الفتوى بالاستحباب مثل

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 3 و 267.

(2)- سورة البقرة، الآية 3 و 267.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(5)- الكافي 2/ 87.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 278

[اشتراط النصاب و الحول]

و الظاهر اشتراط النصاب و الحول. و القدر المخرج ربع العشر مثل النقدين (1).

______________________________

الفتوى بالوجوب تحتاج الى دليل شرعي يدل عليه، و مفاد اخبار من بلغ ليس إلّا ان العامل بما بلغه لما كان عمله كاشفا عن حالة انقياده و خضوعه للمولى فلا محالة لا يحرمه المولى، بل يثيبه بانقياده. و هذا لا يستلزم صيرورة العمل مستحبا شرعيا. و بالجملة اقامة الدليل على الاستحباب في المسألة مشكلة و ان مرّ تقريب دلالة خبر شعيب عليه، فتدبر.

(1) ليس في النهاية و المبسوط و الشرائع ذكر للنصاب و الحول و المقدار، و مرّ من التذكرة قوله: «و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب للعموم بل يخرج مما يحصل منه ربع العشر» «1». و لا يعلم مراده بالعموم هل هو عموم الفتاوى أو عموم خبر شعيب أو آيات الإنفاق و رواياته؟.

ثم انه يمكن ان يورد على المصنف بانه ان كان ملحقا بمال التجارة لزم ثبوت الحول و النصاب و المقدار فيه، و ان لم يكن ملحقا به فما الدليل على ربع العشر.

و في الدروس: «قيل و لا يشترط فيه النصاب و لا الحول. و المخرج ربع العشر» «2».

و في المسالك بعد الحكم بكون المقام ملحقا بمال التجارة في الاستحباب قال: «و في إلحاقه به في اعتبار الحول و النصاب قولان. و عدم اشتراطهما متوجه. و هو خيرة التذكرة» «3».

و لكن في البيان: «و الظاهر انه يشترط فيه الحول و النصاب عملا بالعموم. و يحتمل عدم اشتراط الحول اجراء له مجرى الغلات» «4». و لا يعلم مراده بالعموم. اللّهمّ إلّا ان يريد مثل قوله: «و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه».

و قد ورد مثل هذا المضمون عن النبي «ص» في أخبار السنة.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 230.

(2)- الدروس/ 61.

(3)- المسالك 1/ 59.

(4)- البيان/ 192.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 279

..........

______________________________

و في المدارك: «قال في التذكرة: و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب للعموم. و استقرب الشهيد في البيان اعتبارهما. و لا بأس به اقتصارا فيما خالف الاصل على موضع الوفاق ان تمّ» «1».

و عن المصابيح: «ان عدم تعرضهم لذكر قدر هذه الزكاة و وقت الإخراج و كيفيته اصلا قرينة على كونها كزكاة التجارة. و كون القدر ايّ قدر يكون و ان الوقت دائما في جميع أوقات السنة لعله مقطوع بفساده، بل كون النماء اي قدر يكون لعله كذلك».

قال في مفتاح الكرامة بعد نقل ذلك: «قلت: قد تعرضوا لذكر قدر هذه الزكاة، ففي التذكرة و الدروس و الموجز الحاوى و كشف الالتباس و فوائد الشرائع و مجمع البرهان و غيرها ان المخرج ربع العشر. و صرح في التذكرة و الموجز و شرحه و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و المسالك بعدم اعتبار الحول و النصاب و نسبه في مجمع البرهان الى الاكثر» «2».

و في الجواهر في ردّ ذلك ان مراد المصابيح عدم التعرض في جملة من كتب الاصحاب كالكتاب و غيره «3» فهذه كلماتهم في المقام.

اقول: لو كان الدليل للزكاة في المسألة الالحاق بمال التجارة، كما يظهر من المسالك، أو كونه قسما منه كما في الجواهر لزم اعتبار النصاب و الحول و كون المقدار ربع العشر، و ان كان الدليل لها الآيات و الاخبار العامة أو خبر شعيب أو اخبار من بلغ لم يكن دليل على اعتبارهما و لا على المقدار المخرج. اللّهمّ إلّا ان يقال بالاقتصار

على القدر المتيقن في ما خالف الاصل هذا.

و لكن ظاهر خبر شعيب بمقتضى المقابلة لما ورثه أو وهب له عدم اعتبار الحول.

و كيف كان فيرد على التذكرة ان نفيه للنصاب و الحول يقتضي عدم إلحاقه بمال التجارة، فمن اين حكم بكون المقدار المخرج ربع العشر؟.

______________________________

(1)- المدارك/ 311.

(2)- مفتاح الكرامة (كتاب الزكاة) 3/ 129.

(3)- الجواهر 15/ 291.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 280

..........

______________________________

و يرد على المسالك ان حكمه بكونه ملحقا بمال التجارة يقتضي اعتبار النصاب و الحول فلم نفاهما؟.

ثم على فرض اعتبار الحول و النصاب في الحاصل لو كان الحاصل من النقدين اللذين ثبتت زكاتهما فلا مجال للزكاة المندوبة، اذ لاثنا في الصدقة. فتنحصر الزكاة المندوبة فيما اذا كان الحاصل من العروض. اللّهمّ إلّا ان يحمل الخبر و كذا صحيحة زرارة على نفي الثنا في الزكاة الواجبة، فلا يكون مانع من اجتماع الواجب و المندوب، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 281

5- زكاة الحليّ

الخامس: الحليّ و زكاته اعارته لمؤمن (1).

______________________________

(1) ففي مرسل ابن ابي عمير الذي هو بحكم المسند عند اصحابنا عن ابي عبد اللّه «ع» قال: زكاة الحلي عاريته «1».

و في فقه الرضا: «و ليس على الحلي زكاة و لكن تعيره مؤمنا اذا استعار منك. فهو زكاته» «2». و لعله الدليل على التقييد بالمؤمن في المتن. و المرسل لا اطلاق له من هذه الجهة كما لا يخفى، و إلّا فلو كان له اطلاق من حيث المصرف لم يحمل المطلق على المقيد، اذ الحمل انما يكون مع احراز وحدة الحكم، فلا يجري في المستحبات لاحتمال تعدد المطلوب و اختلاف مراتب الاستحباب، كما ذكر في محله.

ثم ان الظاهر ان التعبير بالزكاة في المقام بنحو من التشبيه و المسامحة.

______________________________

(1)-

الوسائل، ج 6، الباب 10 من ابواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(2)- فقه الرضا/ 23.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 282

6 زكاة المال الغائب أو المدفون

السادس: المال الغائب أو المدفون الذي لا يتمكّن من التصرّف فيه اذا حال عليه حولان أو أحوال فيستحبّ زكاته لسنة واحدة بعد التمكّن (1).

[7 السابع: اذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار]

السابع: اذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة فانّه يستحبّ اخراج زكاته بعد الحول (2).

______________________________

(1) مرّ البحث عنه في المسألة الرابعة عشرة من الشرائط العامة للزكاة، و مرّ الاشكال في الاستحباب فيه، فراجع «1».

(2) و كذا اذا جعل النقدين حليّا أو سبائك في اثناء الحول بقصد الفرار. و الدليل عليه اخبار تدل على ثبوت الزكاة فيه المحمولة على الاستحباب، جمعا بينها و بين ما تدل على عدم الوجوب، فراجع ما حررناه في المسألة التاسعة من زكاة الانعام «2».

[8- الغلات الأربع من غير البالغ]

الثامن من موارد الاستحباب: الغلات الأربع من غير البالغ. و قد مر في المسألة الأولى من الشرائط العامة، و مرّ ان الأقوال في غلاته ثلاثة: الوجوب و الاستحباب و عدم الوجوب و لا الاستحباب، فراجع «3».

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 122 و 123.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 246 و 254.

(3)- كتاب الزكاة 1/ 59 و 81.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 283

[9- مال التجارة اذا لم تطلب برأس المال]

______________________________

التاسع: مال التجارة اذا لم تطلب برأس المال أو بزيادة بل طلبت بنقيصة. ففي النهاية:

«فان بقى عنده على هذا الوجه أحوالا ثمّ باعه اخرج منه الزكاة لسنة واحدة» «1». و نحوه في المقنعة و الشرائع «2» مسندا الى الرواية.

و يستفاد ذلك من كثير من اخبار زكاة التجارة. فراجع الباب 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة من الوسائل. ففي ذيل موثق سماعة: «و ان لم يكن أعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه و ان حبسه ما حبسه. فاذا هو باعه فانما عليه زكاة سنة واحدة». و في ذيل صحيحة اسماعيل: «و ان كنت انّما تربص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فاذا صار ذهبا أو فضة فزكّه للسنة اتجرت فيها».

أقول: يأتي في هذه الأخبار الاحتمالان الآتيان في الأخبار الحاكمة بزكاة سنة واحدة في المال المفقود بعد وجدانه: احدهما: استحباب زكاته في آخر السّنة فورا، كما فهمه القوم.

الثاني: وجوب زكاة سنة واحدة بعد استجماع الشرائط التي منها الحول. فالمقصود انّه بعد البيع لا تثبت زكاة الأحوال، السابقة بل زكاة سنة البيع فقط. و هذا لا ينافي اشتراط الحول. كما لا ينافي اشتراط النصاب. و الزكاة زكاة النقدين الواجبة، فراجع ما حرّرناه بالنسبة الى المال المدفون

في المسألة الرابعة عشرة من الشرائط العامة. و بالجملة فالاستحباب في هذا الفرع أيضا لا يخلو من اشكال.

[10- زكاة الإبل العوامل و معلوفها]

العاشر: زكاة الإبل العوامل و معلوفها لخبر اسحاق بن عمّار، قال: سألت ابا ابراهيم «ع» عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال: نعم، عليها زكاة. و خبره الآخر قال:

سألته عن الابل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال: نعم «3». و ظاهرهما و ان كان هو الوجوب و لكن يحملان على الندب جمعا بينهما و بين ما دلّ على عدم الزكاة في العامل و المعلوف.

[11- استحباب الزكاة في الرقيق]

الحادي عشر: استحباب الزكاة في الرقيق في كل حول بصاع من تمر، لصحيحة زرارة

______________________________

(1)- النهاية/ 176.

(2)- المقنعة/ 40 و الشرائع 1/ 157.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 8 و 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 284

..........

______________________________

و محمد بن مسلم، عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه «ع» انهما سألا عما في الرقيق فقالا: ليس في الرأس شي ء أكثر من صاع من تمر اذا حال عليه الحول. و ليس في ثمنه شي ء حتى يحول عليه الحول «1».

و ظاهرها و ان كان هو الوجوب، و لكن تحمل على الاستحب اب جمعا بينها و بين موثقة سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ليس على الرقيق زكاة إلّا رقيق يبتغى به التجارة، فانه من المال الذي يزكّى «2».

و ظاهرها بقرينة الاستثناء نفي الندب أيضا، و لكن تحمل بقرينة الصحيحة على نفي التأكد. و احتمال حمل الصحيحة على زكاة الفطرة ينافيه اعتبار الحول فيها. اللّهمّ إلّا ان يقال انها زكاة سنوية أيضا غاية الامر كون حلولها ليلة الفطر، فتأمّل.

[12- الحلي المحرم لبسه]

الثاني عشر: قال الشيخ في الجمل في عداد ما يستحب فيه الزكاة: «خامسها: الحلي المحرم لبسه، مثل حلي النساء للرجال و حلي الرجال للنساء ما لم يفر به من الزكاة، فان قصد الفرار به من الزكاة وجبت فيه الزكاة» «3».

و قال في الحدائق: «الخامس: الحلي المحرم كالخلخال للرجل. ذكره الشيخ و تبعه الجماعة. و لم نقف له على دليل مع ورود الأخبار بانه لا زكاة في الحلي. و هي مطلقة شاملة للمحلل و المحرم» «4».

فهذه ما وقفنا عليه من موارد استحباب الزكاة. و لو نفينا العاشر بعدم العمل بالخبرين، و الحادي عشر بالحمل على زكاة

الفطرة، و الثاني عشر بعدم الدليل يبقى تسعة. فتجب الزكاة في تسعة، و تستحب في تسعة. فهذا آخر ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب.

و الحمد للّه. و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين. 7 شعبان 1404 حسين علي المنتظري.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- راجع الرسائل العشر للشيخ/ 205.

(4)- الحدائق 12/ 153.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 287

[6- فصل في أصناف المستحقّين للزكاة]

اشارة

فصل في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها ثمانية (1):

______________________________

(1) بجعل الفقراء و المساكين صنفين، كما هو ظاهر الآية و اقتضته النصوص و الفتاوى و الاجماعات المنقولة. ففي التذكرة: «اصناف المستحقين للزكاة ثمانية باجماع العلماء» «1».

و في المنتهى: «مستحق الزكاة ثمانية اصناف بالنص و الاجماع ... و لا خلاف بين المسلمين في ذلك» «2».

و في الغنية: «فالفقراء هم الذين لهم دون كفايتهم، و المساكين هم الذين لا شي ء لهم بدليل الاجماع المشار اليه» «3».

و في النهاية: «الذي يستحق الزكاة هم الثمانية الاصناف الذين ذكرهم اللّه- تعالى- في القرآن» «4».

و بالجملة التعبير بالثمانية يوجد في اكثر كتب الفتاوى، حتى المعتبر و المختصر النافع للمحقق.

نعم، في الشرائع: «اصناف المستحقين للزكاة سبعة: الفقراء و المساكين، و هم الذين

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 230.

(2)- المنتهى 1/ 517.

(3)- الجوامع الفقهية/ 568.

(4)- النهاية/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 288

..........

______________________________

تقصر اموالهم عن مئونة سنتهم. و قيل من يقصر ماله عن احد النصب الزكوية. ثم من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد. و منهم من فرق بينهما في الآية. و الاول أشبه» «1». فجعل الفقراء و المساكين صنفا واحدا لترادفهما أو تلازمهما مصداقا.

و ظاهره الاول.

و في مجمع البيان: «و اختلف في الفرق بين الفقير و المسكين على قولين: احدهما انهما صنف واحد و انّما ذكر الصنفان تأكيدا للأمر. و هو قول أبي علي الجبائي. و اليه ذهب أبو يوسف و محمد، فقالا في من قال: ثلث مالي للفقراء و المساكين و فلان، ان لفلان نصف الثلث و نصفه الآخر للفقراء و المساكين لأنّهما صنف واحد. و الآخر و هو قول الأكثرين انّهما صنفان. و هو قول الشافعي و أبي حنيفة.» «2».

و يدل على كون المصارف ثمانية- مضافا الى ما ادعى من الاجماع و عدم الخلاف و الى ظاهر الآية، اذ التأكيد خلاف الأصل- الأخبار الآتية الدالة على اختلاف اللفظين بحسب المعنى، و خصوص مرسلة حماد الطويلة. ففيها بعد ذكر العشر و نصف العشر قوله: «فاخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية اسهم: للفقراء و المساكين ... و لا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطى اهل كل سهم ثمنا، و لكن يقسمها على قدر من يحضره من اصناف الثمانية» «3» و لا ثمرة مهمّة لهذا الفرع إلّا على القول بلزوم البسط على الاصناف.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 159.

(2)- مجمع البيان 5/ 41.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 289

1 و 2- الفقير و المسكين

اشارة

الأول و الثاني: الفقير و المسكين (1).

[معنى المسكين و الفقير]

______________________________

(1) قال اللّه- تعالى- في سورة التوبة: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ». أي هو عليم بخلات المسلمين و حوائجهم و يكون تشريعه على طبق الحاجة و المصلحة. فاللّه- تعالى- حكيم بالحكمة العلمية و العملية معا. و حيث كان بعض من لا حاجة له ينتظر من الصدقات و يلمز النبي «ص» فيها حصرها اللّه- تعالى- في المصارف الثمانية. و اللام للملك أو الاستحقاق.

و حيث ان الاربعة الأول يعطون من الصدقات تمليكا اتي فيها باللام، بخلاف الرقاب و سبيل اللّه، فانهما بنحو المصرف. و لعل الغارمين أيضا كذلك، اذ لا يتعين دفع الزكاة الى الغارم بل يجوز اداء دينه بها و يحتمل عطفه على الفقراء أيضا، كما هو المحتمل في ابن السبيل أيضا فانه ممن يملّك. و لكن يبعّد الاحتمال الفصل بمدخول في.

و في المجمع عن الزجاج ان «فَرِيضَةً» منصوب على التوكيد، لان قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لهؤلاء» كقولك: «فرض اللّه الصدقات لهؤلاء» «1».

و يمكن ان يقال ان قوله: «فَرِيضَةً» ليس مصدرا ليكون تأكيدا، بل هو صفة بمعنى مفروضة، فيكون النصب على الحالية.

______________________________

(1)- مجمع البيان 5/ 41.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 290

..........

______________________________

قيل و الترتيب في الثمانية لبيان الأحق فالأحق، على قاعدة فصحاء العرب من تقديم الأهم فالأهم. و اما معنى الفقير و المسكين ففي المفردات للراغب: «اصل الفقير هو المكسور الفقار.

يقال: فقرته فاقرة، اي داهية تكسر الفقار ... و قيل هو من الفقرة، اي الحفرة ... و فقرت الخرز ثقبته، و افقرت البعير ثقبت خطمه»

«1».

و فيه أيضا: «المسكين قيل: هو الذي لا شي ء له. و هو ابلغ من الفقير. و قوله- تعالى: اما السفينة فكانت لمساكين فانه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة، أو لأن سفينتهم غير معتد بها في جنب ما كان لهم من المسكنة» «2».

و في لسان العرب: «الفقر و الفقر ضد الغنى مثل الضعف و الضعف ... و الفقر: الحاجة و فعله الافتقار و النعت فقير» «3».

و فيه أيضا: المسكين و المسكين ... الذي لا شي ء له و قيل: الذي لا شي ء له يكفي عياله. قال أبو اسحاق: المسكين الذي اسكنه الفقر، أي قلّل حركته ...، و اصل المسكين في اللغة: الخاضع. و اصل الفقير: المحتاج ... الاصل في المسكين انه من المسكنة. و هو الخضوع و الذل ... قال ابن الاثير: و قد تكرر ذكر المسكين و المساكين و المسكنة و التمسكن. قال:

و كلها يدور معناها على الخضوع و الذلة و قلة المال و الحال السيئة» «4».

و المستفاد من مجموع الكلمات و الاستعمالات ان الفقر بمعنى الحاجة في مقابل الغنى حاجة وجودية أو علمية أو اخلاقية أو مالية أو غيرها و لكن كثر استعماله في الحاجة المالية.

و كأنه مأخوذ من الفقرة بمعنى الحفرة، اذ الفقير كأنه وجد في حياته و عيشته حفرة و خلّة.

و المسكين من اصابه الزمانة و انقطع بذلك من الحركة. فهو مبالغة من السكون كالمنطيق، ثم كثر استعماله في من اصابه الزمانة. بفقد المال، و الغالب في امثال هؤلاء الخضوع و السؤال لتحصيل المال، فلذا قد يفسر باهل الزمانة، و قد يفسر بالخضوع، و قد يفسر باهل السؤال. و ذكر اللفظ و ارادة اللازم رائج في استعمالات العرب.

______________________________

(1)- المفردات/ 397.

(2)- المفردات/ 243.

(3)- لسان

العرب 5/ 60.

(4)- لسان العرب 13/ 214.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 291

الفرق بين الفقير و المسكين
اشارة

و الثاني أسوأ حالا من الأول (1).

[دليل القول بكون الفقير أسوأ حالا]

______________________________

(1) هل الفقير و المسكين مترادفان، أو متغايران مفهوما مع التساوي، أو التباين المطلق أو من وجه، أو العموم و الخصوص المطلق؟.

قد مرّ نفي الترادف، بل التلازم و قلنا انهما صنفان و الظاهر عدم القول بالتباين بقسميه.

فيبقى الأخير، فيكون أحدهما اسما للأسوأ حالا منهما. و هل الفقير أسوأ حالا أو المسكين؟

قولان. فالشيخ ذهب في النهاية الى كون المسكين أسوأ حالا، و في الخلاف و المبسوط و الجمل الى العكس.

ففي الخلاف (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 10): «الفقير أسوأ حالا من المسكين لان الفقير هو الذي لا شي ء له، أو معه شي ء يسير لا يعتد به. و المسكين الذي له شي ء فوق ذلك غير انه لا يكفيه لحاجته و مئونته. و بما قلناه قال الشافعي و جماعة من اهل اللغة. و قال ابو حنيفة و اصحابه: المسكين أسوأ حالا من الفقير. فالمسكين عنده على صفة الفقير عندنا، و الفقير على صفة المسكين. و بهذا قال الفراء و جماعة من اهل اللغة» «1».

و في المبسوط: «قال قوم- و هو الصحيح- ان الفقير هو الذي لا شي ء له و لا معه، و المسكين هو الذي له بلغة من العيش لا يكفيه. و فيهم من قال بالعكس من ذلك. و الأوّل أولى» «2».

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 349.

(2)- المبسوط 1/ 246.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 292

..........

______________________________

و في الجمل: مستحق الزكاة ثمانية اصناف: الفقراء و هم الذين لا شي ء لهم، و المساكين و هم الذين لهم بلغة من العيش لا تكفيهم» «1».

و لكن في النهاية: «فاما الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. و المسكين الذي لا شي ء معه» «2».

و في المقنعة: «الفقراء و هم

الذين لا كفاية لهم مع الاقتصاد. و المساكين و هم المحتاجون السائلون لشدة ضرورتهم» «3».

و في المراسم: «الفقراء و هم المحتاجون الذين لا يسألون و المساكين المحتاجون السائلون» «4».

و في الغنية: «فالفقراء و هم الذين لهم دون كفايتهم، و المساكين هم الذين لا شي ء لهم بدليل الاجماع المشار اليه» «5».

و في التذكرة نسب الى الشيخ و الشافعي و الاصمعي كون الفقير أسوأ حالا، و الى ابي حنيفة و الفراء و تغلب و ابن قتيبة و ابي اسحاق كون المسكين أسوأ «6».

و نسب الأخير في المنتهى الى يونس و ابي زيد و ابي عبيدة و ابن دريد أيضا، ثم قال:

«و قول هؤلاء حجة» «7».

و ان شئت تفصيل القائلين باحد القولين و ادلة الطرفين فراجع لسان العرب. و نقول اجمالا انه استدل لكون الفقير أسوأ، بانّه- تعالى- بدأ به، و الابتداء يدل على شدة الاهتمام في لغة العرب، و بقوله- تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» «8» فسماهم مساكين مع انهم كانوا يملكون سفينة بحرية، و لان الفقير مشتق من كسر الفقار و ذلك

______________________________

(1)- راجع الرسائل العشر للشيخ/ 206.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- المقنعة/ 39.

(4)- الجوامع الفقهية/ 643.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568.

(6)- التذكرة 1/ 230.

(7)- المنتهى 1/ 517.

(8)- سورة الكهف، الآية 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

مهلك، و لان النبي «ص» استعاذ من الفقر و قال: «اللّهمّ احيني مسكينا و امتني مسكينا و احشرني في زمرة المساكين» «1»، و لأنه «ص» قال: «ليس المسكين الذي يردّه الأكلة و الأكلتان و التمرة و التمرتان و لكن المسكين الذي لا يجد غنيا فيغنيه و لا يسأل الناس شيئا و لا يفطن به فيتصدق عليه» «2».

[دليل القول بكون المسكين أسوأ حالا]

و استدل للقول

الآخر بقوله- تعالى: «أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ» «3». و هو المطروح على التراب لشدة حاجته، و لأنه يؤكد به الفقير فيقال: «فلان فقير مسكين»، و لقول الشاعر:

«اما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال و لم يترك له سبد»

. و قال يونس: «قلت لأعرابي أ فقير انت، فقال لا و اللّه بل مسكين». الى غير ذلك مما سرده الطرفان.

[دليل المشور هو الروايات]

و المشهور بين اصحابنا و المروي عن اهل البيت- عليهم السلام- كون المسكين اجهد.

ففي صحيحة محمد بن مسلم، عن احدهما- عليهما السلام- انه سأله عن الفقير و المسكين، فقال: الفقير الذي لا يسأل. و المسكين الذي هو اجهد منه الذي يسأل «4».

و في صحيحة ابي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: قول اللّه- عزّ و جل: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ؟ قال: الفقير الذي لا يسأل الناس. و المسكين اجهد منه. و البائس اجهدهم «5». و دعوى اختصاص تفسيرهما بباب الزكاة ممنوعة، اذ لا دليل على الاختصاص في الاولى و الثانية و ان كان موردها آية الزكاة، و لكن ذكر البائس قرينة على عدم الاختصاص.

و روى الشيخ، عن علي بن ابراهيم في تفسيره قال: فسّر العالم- عليه السلام- فقال:

الفقراء هم الذين لا يسألون و عليهم مئونات من عيالهم. و الدليل على انهم هم الذين لا يسألون قول اللّه- تعالى: «لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً».

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 230 و لسان العرب 13/ 216.

(2)- مجمع البيان، 5/ 41، ذيل آية الصدقة من سورة التوبة.

(3)- سورة البلد، الآية 16.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- الوسائل،

ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 294

..........

______________________________

و المساكين هم اهل الزمانات و قد دخل فيهم الرجال و النساء و الصبيان «1» ...

و في تفسير علي بن ابراهيم: «و المساكين هم اهل الزمانة من العميان و العرجان و المجذومين و جميع اصناف الزمنى: الرجال و النساء و الصبيان» «2».

فالمسألة واضحة على طريقتنا من حجية اخبار اهل البيت. و الاخبار الّتي استدل بها للقول الآخر كلها قابلة للتأويل و التفسير. و لا يترتب على تحقيق ان الفقراء و المساكين صنفان أو صنف واحد، و ان الاسوأ ايّهما، ثمرة في باب الزكاة بعد عدم وجوب البسط على الأصناف.

و لعل الظاهر من الأخبار و الفتاوى التي حكيناها كون اللفظين متباينين، و لكن الظاهر ارادة كون احدهما اخصّ من الآخر. و بهذا صرح الشيخ الانصاري في زكاته، فجعل المسكين اخص من الفقير «3».

و قال في مصباح الفقيه ما حاصله: «الاظهر الاشهر، بل المشهور نصا و فتوى ان المسكين أسوأ حالا لا بمعنى ان بين مفهوميهما المباينة بحيث يصير كل منهما صنفا مغايرا للآخر، بل الفقر الذي هو في الاصل بمعنى الحاجة و يطلق عرفا في الحاجة الخاصة قد يشتدّ الى ان يوقعه في مذلّة السؤال و شبهه، فيقال له المسكين من المسكنة بمعنى الذلة. و لا يطلق في العرف على كل ذليل بل على الذليل من فقره. فالمسكين اخصّ موردا في العرف من الفقير، اذ لا يطلق على الفقير المتعفف، و لا على الفقير الذي يتكفل غيره نفقته بعزّ لفظ المسكين» «4».

ثم تعرض للأخبار ثم قال ما حاصله: «و لا يخفى عليك ان المقصود بالأخبار و كلمات الاصحاب بيان المائز بين

اللفظين بأخصيّة المسكين من الفقير الموجبة لإرادة مورد الافتراق من الاخير لدى اجتماعه مع الاول في اللفظ. و لذا قالوا اذا اجتمعا افترقا، و إلّا فمن

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(2)- تفسير علي بن ابراهيم (القمي) 1/ 298.

(3)- زكاة الشيخ/ 497.

(4)- المصباح/ 85.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 295

..........

______________________________

الواضح عدم صحة سلب اسم الفقير عمن لا يملك شيئا اصلا و التجأ الى تحمل ذلك السؤال» «1».

و الظاهر صحّة ما ذكره. و محصله ان الفقير بمعنى المحتاج، و المسكين عبارة عن المحتاج الذي اوقعه الاحتياج في الذلة، فيكون اخص منه. و لذا يؤكد به، فيقال فقير مسكين.

فيكون ذكر المسكين في الآية الشريفة بعد الفقير من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام.

[الافتراق بين اللفظين انما هو مع اجتماعهما]

و كيف كان فقد اشتهر بينهم ان الافتراق بين اللفظين بحسب المعنى انما هو مع اجتماعهما، كما في آية الزكاة. و اما اذا ذكر احدهما فيدخل فيه الآخر. و بعبارة أخصر: اذا اجتمعا افترقا، و اذا افترقا اجتمعا.

قال في المبسوط: «الفقير اذا أطلق دخل فيه المسكين. و كذلك لفظة المسكين اذا أطلق دخل فيه الفقير، لأنهما متقاربان في المعنى. فاما اذا جمع بينهما كآية الصدقة و غيرها ففيه خلاف بين العلماء» «2».

و في وصايا المبسوط: «فان اوصى لصنف واحد، مثل ان يقول ثلثي يفرق في الفقراء، أو اصرفوا في المساكين فلا خلاف انه يجوز صرفه الى الصنفين معا» «3».

و في المسالك: «اعلم ان الفقراء و المساكين متى ذكر احدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف. نصّ على ذلك جماعة، منهم الشيخ و العلّامة، كما في آية الكفارة المخصوصة بالمسكين، فيدخل فيه الفقير. و انما الخلاف فيما لو جمعا،

كما في آية الزكاة لا غير. و الأصحّ انهما حينئذ متغايران، لنصّ اهل اللغة، و صحيحة ابي بصير، عن ابي عبد اللّه «ع»، قال:

الفقير الذي لا يسأل الناس. و المسكين اجهد منه. و لا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك، للاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكرا، و دخول احدهما تحت الآخر حيث يذكر احدهما.

و انما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو اوصى لأسوئهما حالا، فان الآخر لا يدخل فيه

______________________________

(1)- المصباح/ 85.

(2)- المبسوط 1/ 246.

(3)- المبسوط 4/ 34.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 296

..........

______________________________

بخلاف العكس» «1».

و في الروضة: «الاجماع على ارادة كل منهما من الآخر حيث يفرد» «2».

و في الحدائق: «ظاهر الاصحاب انه متى ذكر احدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف، كما في آية الكفارة المخصوصة بالمسكين، فيدخل فيه الفقير» «3». هذا.

و لكن استشكل فيما ذكر جماعة، منهم صاحب الحدائق بانه متى ثبت تغاير اللفظين بحسب المفهوم كما هو المشهور فدخول احدهما في الآخر مجاز لا يصار اليه إلّا بالقرينة.

و قد ذكرنا ان مقتضى الاخبار و كلماتهم كون احدهما اعم من الآخر، فاذا ذكر الاعم دخل فيه الاخص و لا عكس.

و ما ادعوه من الاجماع و عدم الخلاف يمكن منع تحققهما بنحو يكشف بهما حكم الشارع. و لذا قال في كفارات القواعد: «و هل يجزي الفقراء؟ اشكال إلّا ان قلنا بانهم أسوأ حالا» «4».

و في وصايا القواعد: «و لو اوصى للفقراء دخل فيهم المساكين، و بالعكس على اشكال» «5».

و في الايضاح: «و الاولى عدم الدخول لأنه مشكوك فيه، فيقتصر على المعنى المطابقي» «6».

و في وصايا الدروس: «و لو اوصى للفقراء بربع و للمساكين بخمس وجب التمييز. و لو أطلق احد اللفظين

ففي دخول الآخر خلاف سبق» «7».

و في البيان: «قال الشيخ و الراوندي و الفاضل يدخل كل منهما في اطلاق لفظ الآخر.

فان ارادوا به حقيقة ففيه منع» «8».

______________________________

(1)- المسالك 1/ 59.

(2)- الروضة 2/ 42.

(3)- الحدائق 12/ 155.

(4)- القواعد 2/ 148.

(5)- القواعد 1/ 294.

(6)- الايضاح 2/ 497.

(7)- الدروس/ 244.

(8)- البيان/ 193.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 297

..........

______________________________

و في المدارك بعد نقل ما مرّ من المسالك قال: «قوله: ان الفقراء و المساكين متى ذكر احدهما خاصّة دخل فيه الآخر بغير خلاف مشكل جدّا بعد ثبوت التغاير، لان اطلاق لفظ احدهما و ارادة الآخر مجاز لا يصار اليه إلّا مع القرينة، و مع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته ... و ما ذكره من عدم تحقق الخلاف في ذلك لا يكفي في اثبات هذا الحكم، لان عدم العلم بالخلاف لا يقتضي العلم بانتفاء الخلاف» «1».

و لكن في الجواهر و المصباح تصديا لرفع الاشكال. قال في المصباح ما حاصله: «و الذي ينبغي ان يقال في حل هذا الاشكال ان اطلاق لفظ المسكين أو الفقير على الأسوإ حالا ليس لكون هذه الخصوصية مأخوذة في مفهوم لفظه، بل هما وصفان كليان أخذ أحدهما من الفقر بمعنى الحاجة و الآخر من المسكنة بمعنى الذلة، و هما وصفان متلازمان. فاطلاق المسكين في العرف على من يسأل بملاحظة ظهور وصف المسكنة و الالتجاء الى الغير فيه، لا كون السؤال مأخوذا في مفهومه. فالفقير المتعفف أيضا هو في نفسه مسكين و ان لم يظهر عليه اثره، اذ الفقر و الحاجة في نفسه من اقوى أسباب الذلة. فكل من يحتاج في نفقته الى غيره فهو في نفسه مسكين و ان انصرف عنه اطلاق لفظه في المحاورات العرفية

ما لم يظهر عليه اثره. و لكن هذا الانصراف العرفي فيما اذا لم يكن المقام مناسبا لإرادة الاعم، كما في موارد الامر بالتصدق على المساكين. حيث ان المناسبة مقتضية لأن يكون نفس الفقر و الحاجة بنفسها هي الملحوظة بهذا التكليف، لا خصوصية وصف المسكنة. فمتى اجتمع اللفظان في كلام واحد لا يتبادر من لفظ المساكين إلّا ارادة اهل السؤال و نحوهم ممن ظهر عليه آثار المذلة، بخلاف ما اذا انفردت المساكين بالذكر كما في آية الخمس و الكفارة. فان المتبادر من اطلاقه في هذه الموارد ليس إلّا ما يتبادر من اطلاق الفقير» «2».

أقول: بعد ما أشار هنا و صرح قبله من كون المسكين أخصّ موردا في العرف، و انّه لا يطلق عرفا على الفقير المتعفف و لا على الفقير الذي يتكفل الغير نفقته بعزّ وجب حمل كلام

______________________________

(1)- المدارك/ 311.

(2)- المصباح/ 85.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 298

..........

______________________________

الشارع على ما هو المتفاهم من اللفظ عرفا، لا على الموضوع له بحسب اللغة.

و احتمال كون الموضوع للكفارة خصوص الأسوإ حالا قريب جدّا، لقلة مقدار الكفارة و احوجيّة المسكين و تعفف غيره منها غالبا. فما ذكره من ان المناسبة مقتضية لان يكون نفس الفقر و الحاجة بنفسها هي الملحوظة في هذا التكليف قابل للمنع.

نعم، لما كان الخمس عوضا عن الزكاة ناسب كون المسكين في آية الخمس يراد به الاعم، و إلا لزم كون الفقير الهاشمي محروما من الخمس و الزكاة معا. و هو مقطوع الفساد، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 299

معنى الفقر و الغنى الشرعى
[القول الأول الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله]

و الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله، و الغني الشرعي بخلافه (1).

______________________________

(1) الحد المسوّغ لأخذ الزكاة في الفقراء و المساكين عدم الغنى

الشامل لهما. و الظاهر ان بين الفقر و الغنى تقابل العدم و الملكة. فالغني من لا خلّة مالية في معيشته و تكون معيشته مليئة. و الفقير من وجد في معيشته حفرة و خلّة مالية. فكأنّ الغنى امر وجودي و الفقر عدمي مع الملكة.

و قد يقال انهما متضادان. و لعله اريد التضاد بالمعنى الاعم الشامل للملكة و العدم.

و كيف كان فلا اشكال في عدم استحقاق الغني لهذين السهمين، كما دل عليه مضافا الى وضوحه الاخبار المستفيضة. منها صحيحة زرارة، عن ابي جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ». فراجع الباب الثامن من أبواب المستحقين من الوسائل.

انما الاشكال في المراد من الغنى و الفقر شرعا. فالمشهور مطلقا أو بين المتأخرين من الاصحاب ما ذكره المصنف، اعني كون الفقير من لا يملك مئونة السنة لنفسه و لعياله، و الغني بخلافه. و قد ينسب هذا القول أيضا الى محققي المذهب، أو الى عامة الاصحاب عدا النادر منهم.

و الظاهر ان مرادهم الاعم من الملكية بالفعل أو بالقوة القريبة منه، كمن تفي حرفته،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 300

..........

______________________________

أو نماء ضيعته، أو ربح تجارته بمؤونته. كما ان المراد كون المملوك المال الذي من شأنه ان يصرف في المؤونة، لا مثل الدار و العقار و رأس المال و نحوها مما تعارف بقاؤها و الاستفادة من منافعها أو نمائها أو ربحها. كما سيأتي بيان ذلك.

[القول الثاني: ان الفقير من لا يملك احد النصب الزكوية]

القول الثاني: ان الفقير من لا يملك احد النصب الزكوية، و الغني من يملكه.

و حكي عن المفاتيح انه اختار قولا ثالثا حاكيا اياه عن المبسوط. و هو ان الفقير من لم يقدر على

كفايته و كفاية عياله على الدوام. و لكن سيأتي توجيه كلام المبسوط و ارجاعه الى القول الاول.

و في البيان: «الاتفاق واقع على انه يشترط فيهما ان يقصر مالهما عن مئونة السنة لهما و لعيالهما، أو عن نصاب، أو قيمته على اختلاف القولين. و الاول اقوى» «1». فيظهر منه كون المسألة ذات قولين فقط بالاتفاق.

و كيف كان ففي الخلاف (المسألة 24 من كتاب قسمة الصدقات): «حد الغني الذي يحرم معه الزكاة عليه ان يكون له كسب يعود عليه بقدر كفايته لنفقته و نفقة من تلزمه النفقة عليه، اوله عقار يعود عليه ذلك القدر، أو مال يكتسب به ذلك القدر.

و في اصحابنا من احلّه لصاحب السبعمائة و حرّمه على صاحب الخمسين بالشرط الذي قلناه و ذلك على حسب حاله. و به قال الشافعي إلّا انه قال: ان كان في بعض معايشه يحتاج ان يكون معه الف دينار أو الفان دينار متى نقص عنه لم يكفه لاكتساب نفقته جاز له ان يأخذ الصدقة. و قال قوم من ملك خمسين درهما حرمت عليه الصدقة. و روي ذلك عن علي «ع» و عمر و سعد بن ابي وقاص. و هو قول الثوري و احمد. و ذهب ابو حنيفة الى ان حدّ الغني الذي يحرم به الصدقة ان يملك نصابا تجب فيه الصدقة، اما مأتي درهم، أو عشرين دينارا، أو غير ذلك من الاجناس التي تجب فيها الزكاة ... و ذهب قوم من اصحابنا الى ان من ملك النصاب حرمت عليه الزكاة» «2».

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- الخلاف 2/ 353.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 301

..........

______________________________

و هل المراد بلزوم النفقة في كلامه و كلام غيره اللزوم الشرعي او العرفي، فيشمل من لا يجب

نفقته من العيال العرفي كالضيف و الاخوة و الاخوات الصغار اذا عدّوا من عائلته؟

وجهان. و لعل الثاني اظهر.

و في قسمة الصدقات من المبسوط: «و الغني الذي يحرم معه أخذ الصدقة ان يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزمه كفايته على الدوام. فان كان مكتفيا بصنعة و كانت صنعته ترد عليه كفايته و كفاية من تلزمه نفقته حرمت عليه. و ان كانت لا ترد عليه حلّ له ذلك. و هكذا حكم العقار. و ان كان من أهل الصنائع (ظ: البضائع) احتاج أن يكون معه بضاعة ترد عليه قدر كفايته. فان نقصت عن ذلك حلّت له الصدقة. و يختلف ذلك على حسب اختلاف حاله، حتى ان كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج الى بضاعة قدرها الف دينار أو الفا دينار فنقص عن ذلك قليلا حلّ له اخذ الصدقة. هذا عند الشافعي. و الذي رواه اصحابنا انها تحل لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين. و ذلك على قدر حاجته الى ما يتعيش به. و لم يرووا اكثر من ذلك. و في اصحابنا من قال: ان من ملك نصابا تجب عليه فيه الزكاة كان غنيا و تحرم عليه الصدقة. و ذلك قول أبي حنيفة» «1».

قال في المختلف: «الظاهر ان مراده بالدوام هنا مئونة السنة» «2».

أقول: و فيما ذكره بعد. و يحتمل ان يراد الدوام في مثل العقار و رأس المال المكتفي بنائهما، حيث يتعارف في مثلهما ملاحظة الدوام. و يحتمل أيضا ان يتعلق قوله: «على الدوام» بقوله «تلزمه» لا بالكفاية، فيراد من تلزم نفقته على الدوام، في قبال مثل الضيف و الاجير المشترط نفقته يوما ما مثلا.

و في السرائر: «اختلف اصحابنا في من يكون معه مقدار من

المال و يحرم عليه بملك ذلك المال اخذ الزكاة. فقال بعضهم: اذا ملك نصابا من الذهب و هو عشرون دينارا فانه يحرم عليه اخذ الزكاة. و قال بعضهم: لا تحرم على من يملك سبعين دينارا. و قال بعضهم: لا

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 256.

(2)- المختلف 1/ 183.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 302

..........

______________________________

اقدره بقدر، بل اذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمئونته طول سنة على الاقتصار فانه يحرم عليه اخذ الزكاة. سواء كان نصابا، أو أقلّ من نصاب، أو اكثر من النصاب. فان لم يكن بقدر كفايته سنة فلا يحرم عليه اخذ الزكاة. و هذا هو الصحيح. و اليه ذهب شيخنا ابو جعفر في مسائل خلافه» «1».

و في التذكرة: «مسألة قد وقع الاجماع على ان الغني لا يأخذ من الزكاة من نصيب الفقراء. للآية، و لقوله «ع»: لا تحل الصدقة لغنيّ. لكن اختلفوا في الغني المانع من الاخذ.

فللشيخ قولان: احدهما حصول الكفاية حولا له و لعياله. و به قال الشافعي و مالك. و هو الوجه عندي ... و القول الثاني للشيخ ان الضابط من يملك نصابا من الاثمان، أو قيمته فاضلا عن مسكنه و خادمه. و به قال ابو حنيفة ... و قال احمد ان ملك خمسين درهما لم يجز له ان يأخذ. لقوله «ع»: من سأل و له ما يغنيه جاء يوم القيامة و في وجهه خدوش. قيل يا رسول اللّه! ما الغنى؟ قال: خمسون درهما. و قال الحسن البصري و ابو عبيد: الغني من يملك اربعين درهما. لما روى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه «ص»: من سأل و له قيمة اوقية فقد الحف. و الاوقية اربعون درهما. و لا دلالة

فيه ...» «2».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 302

أقول: ليس في كلام الشيخ في الخلاف و لا في المبسوط اسم الحول و السنة. بل في المبسوط ذكر الدوام، كما مرّ. و لكن في السرائر و التذكرة نسبا اليه- كما ترى- الحول و السنة. و لعل اطلاق الكفاية عندهما منصرف الى السنة، لان المعتاد و المتعارف تقدير المعيشة بالسنة.

و لا نعلم في ايّ كتاب وجد العلامة القول الثاني من الشيخ؟!. و في مفتاح الكرامة:

«نظرت «الخلاف» مرة بعد اولى، و كرة بعد اخرى فلم اجد فيه تصريحا بشي ء من النقلين إلّا قوله في باب الفطرة: تجب زكاة الفطرة على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة، أو قيمة نصاب. و به قال أبو حنيفة و أصحابه «3». و على هامش المبسوط كما سمعت انّ القائل به هو

______________________________

(1)- السرائر/ 107.

(2)- التذكرة 1/ 231.

(3)- الخلاف 1/ 331، كتاب زكاة الفطرة، المسألة 28.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 303

..........

______________________________

المفيد و السيد. فان صحّت النسبة فلعله في غير ما حضرني من كتبهما» «1».

فيظهر من مفتاح الكرامة انه لم يجد القائل بالقول الثاني منّا اصلا. و كلام الشيخ في الفطرة لا يدل على كونه تفسيرا للغنى، اذ لم يصرّح بكون الموضوع المفطرة عنده عنوان الغنى.

ثم ان الظاهر من الخلاف و المبسوط كون الملاك في القول الثاني مالكية احد النصب الزكوية. و هذا يخالف ما حكاه في التذكرة و كذا البيان من مالكية النصاب أو قيمته فاضلا عن مسكنه و خادمه. اللّهمّ إلّا ان يوجّه- كما في المصباح- بانه ليس لخصوصية تعلق الزكاة بالفعل

و تحقق شرائطه مدخلية في صدق الغنى قطعا. فيكشف ذلك عن ان من ملك هذا المقدار من المال فاضلا عن مسكنه و خادمه المحتاج اليهما من اي جنس يكون هو غني عند الشارع و ان لم يجب الزكاة عليه بالفعل، فتدبر.

و كيف كان ففي المسألة قولان على ما قالوا.

[الدليل على القول الأوّل]

و استدل للقول الاول المشهور- مضافا الى ان الكفاية في العرف منصرف الى كفاية السنة، اذ المتعارف بين الناس تقدير المعيشة و الدخل و الخرج بالسنة، فعليها تحمل الأخبار المطلقة- باخبار خاصة:

فمنها صحيحة ابي بصير، قال سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة اذا لم يجد غيره. قلت: فان صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة. قال: زكاته صدقة على عياله. و لا يأخذها إلّا ان يكون اذا اعتمد على السبعمائة انفذها في أقلّ من سنة. فهذا يأخذها. و لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ الزكاة «2».

و منها ما رواه في العلل بسند صحيح، عن علي بن اسماعيل الدغشي، قال: سألت ابا الحسن «ع» عن السائل و عنده قوت يوم أ يحل له ان يسأل؟ و ان اعطي شيئا من قبل ان يسأل يحل له ان يقبله؟ قال: يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنها انما هي من سنة الى سنة «3». هكذا في الوسائل. و لكن في العلل المطبوع سابقا: «قال: يأخذه و عنده قوت شهر و ما يكفيه لستة اشهر من الزكاة. لأنها انما هي من سنة الى سنة». و علي بن

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب الزكاة/ 132.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)-

الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 304

..........

______________________________

اسماعيل الدغشي مجهول، لم يذكر بمدح و لا قدح. و لكن السند الى صفوان صحيح و هو من اصحاب الاجماع.

و منها ما في المقنعة، مرسلا عن يونس بن عمّار، قال: سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول:

تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة. و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة «1» ...

و المنساق من القوت في هذه الموارد مطلق المؤونة، لا خصوص المأكول. فيفهم من الحديث و ما قبله حلية الزكاة لمن لم يكن عنده قوت السنة.

لا يقال: لا اعتداد بمفهوم الوصف.

فانه يقال لما كان في مقام التحديد ناسب ارادة الانتفاء عند الانتفاء.

فالمستفاد من هذه الروايات ان الملحوظ مئونة السنة. فمن وجدها لنفسه و عياله كان غنيا شرعا و تحرم عليه الزكاة و من لم يجد مئونة السنة بل يكون ما عنده بحيث يصرف في أقلّ من سنة كان له اخذ الزكاة.

و يشهد لذلك أيضا قوله في مرسلة حماد الطويلة بعد ذكر الزكاة و المصارف الثمانية:

«يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير» «2».

بل يمكن حمل المطلقات أيضا على كفاية السنة. حيث ان المعمول و المتعارف بين الناس لحاظ مئونة السنة و تأمينها.

و الى هذا يرجع التعليل الوارد في ذيل خبر علي بن اسماعيل. حيث ان التعليل يقع بامر مركوز عند العقلاء. فمن ملك مئونة سنته لا يعد فقيرا عندهم، بخلاف من وجد أقلّ منها، و ان كان لا يخلو هذا من اشكال.

و في مصباح الفقيه: «لو لا دلالة النصوص و الفتاوى على اندراج من يقصر ماله عن مئونة سنته لأشكل الجزم

بذلك بالنسبة الى من كان بالفعل مالكا لمقدار معتدّ به من المال، و اف بمؤونة ستة اشهر أو سبعة مثلا» «3».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- المصباح/ 86.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 305

..........

______________________________

و التحقيق ان يقال: ان الفقر بمعنى الحاجة، و كذا الغنى عند العرف مقول بالتشكيك، و هما نسبيان بحسب الأزمة و الأمكنة. فالفقير الكامل من لم يجد حتى قوت يومه و احتاج في الآن الى ما يقوته و ينجيه من الموت. و من وجد قوت يومه فليس فقيرا مطلقا، بل فقير بالنسبة الى ما بعد اليوم. و على هذا فمن وجد قوت السنة أيضا فقير بالنسبة الى ما بعد السنة و لا سيما بالنسبة الى من يظن بقاؤه بعد السنة و تكثر عائلته يوما فيوما. فمن هنا نحتاج الى تحديد شرعي للفقر و الغنى في باب اخذ الزكاة. و لذا عبر المصنف و غيره بالفقير الشرعي و الغني الشرعي. و قد دلت الأخبار التي مرّت على ان الملاك عند الشارع وجدان مئونة السنة لنفسه و عياله. هذا.

[الدليل على القول الثاني]

و اما القول بان الفقير من لم يملك احد النصب الزكوية أو قيمته فاستدل له أيضا بوجوه:

الاول: ما رواه ابن عباس ان النبي «ص» بعث معاذا الى اليمن، فقال: انك تأتي قوما اهل كتاب فادعهم الى شهادة ان لا إله إلّا اللّه، و اني رسول اللّه. فان هم اطاعوا لذلك فأعلمهم ان اللّه افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة. فان هم اطاعوا لذلك فأعلمهم ان اللّه افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من اغنيائهم فتردّ

في فقرائهم. فان هم اطاعوا لذلك فاياك و كرائم أموالهم «1». اذ المستفاد منه ان من تؤخذ منه الزكاة غني، و باطلاقه يشمل من لم يجد مئونة سنته. و قد ورد بهذا المضمون في رواياتنا أيضا مستفيضا.

كقوله: «ان اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم». فراجع الباب الأوّل من زكاة الوسائل. و حيث انّه يقطع بعدم خصوصية للأجناس التسعة الزكوية، و لا الوجوب الفعلي للزكاة في صدق مفهوم الغنى فيثبت بذلك صدق الغنى على من وجد أحد النصب الزكوية، أو قيمته و لو من الأجناس الاخر.

و اجيب عن الرواية أولا: بضعف السند.

و ثانيا: بالحمل على الغلبة. فان الغالب تعلق الزكاة بالأغنياء الواجدين لمئونة سنتهم.

______________________________

(1)- سنن ابن ماجه 1/ 568، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 306

..........

______________________________

و ثالثا: كما في المدارك- ان الغنى الموجب للزكاة غير المانع من اخذها. و اطلاق اللفظ عليهما بالاشتراك اللفظي.

أقول: ضعف السند لا يجري فيما اشرنا اليه من الروايات الواردة بطرقنا. و الاشتراك اللفظي بعيد جدّا. فكان الأولى ان يقول بالاشتراك المعنوي، لما عرفت من كون الفقر و الغنى مقولين بالتشكيك. و هما نسبيّان بحسب الأزمنة و الأزمنة و الأمكنة. فلعل الموجب للزكاة مرتبة من الغنى، و المانع من اخذها مرتبة اخرى منه. و الاحسن ما ذكر من الحمل على الغلبة و الاكثرية.

الوجه الثاني: المنافاة بين جواز اخذ الزكاة و وجوب دفعها.

و فيه منع التنافي. كيف؟! و ربما يكون الشخص واجدا للنصاب بقرض و يكون مديونا بأضعافه. و قد عرفت ان الدين لا يمنع القرض. فلو فرض انه استقرض عشرين دينارا و حال عليها الحول عنده، أو اشترى مقدار النصاب من احدى الغلات قبل بدوّ صلاحها

بثمن في ذمته ثمّ بدا صلاحها و لم يكن له شي ء يفي به دينه، أو يصرف في نفقته فهل يمكن القول بكونه غنيّا عند الشارع؟.

الثالث: موثقة زرارة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: لا تحل لمن كانت عنده اربعون درهما يحول عليها الحول عنده ان يأخذها، و ان اخذها اخذها حراما «1».

و فيه- مضافا الى عدم الدلالة، اذ المدعي ملكية النصاب الاول لا الثاني- انه يمكن ان يقال ان المراد بالرواية من كان له كفاية السنة و زاد عليها اربعون درهما. فهو غنيّ بالمعنى الاول قطعا.

الرابع: ذيل صحيحة ابي بصير السابقة، اعني قوله: «و لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ الزكاة» «2».

و فيه ان الموضوع فيه مركب من الاحتراف و مالكية النصاب. و لعل المانع من الاخذ

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 307

[من كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش تقوم بكفايته]

فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك، تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة، لا يجوز له أخذ الزكاة (1). و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤونته، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله و إن كان لسنة واحدة.

[إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته]

و امّا إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها. و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية و نقص عنه- بعد صرف بعضه في أثناء السنة- يجوز له الأخذ. و لا يلزم أن يصبر الى آخر السنة حتى يتم ما

______________________________

احترافه، و مالكية النصاب ذكرت مؤكدة لذلك.

و كيف كان فهذا القول ضعيف. و مثله القول بكون الغني من وجد كفايته على الدوام، كما مرّ عن المفاتيح و ظاهر المبسوط، بتقريب ان المستفاد من الأخبار انّ الغني من وجد كفايته بنحو الاطلاق. و يظهر ضعف ذلك بما مرّ من اخبار السنة، و حمل المطلقات أيضا عليها، و ادعاء البيان الاتفاق على القولين، و كون عبارة المبسوط ذات احتمالين.

(1) المقصود صورة كفاية نمائها و حاصلها مع بقاء اصلها. و لا اشكال في الحكم.

و يدل عليه مضافا الى ما مرّ موثقة سماعة، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: نعم، إلّا ان تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. فان لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقد حلّت له الزكاة. فان كانت غلّتها تكفيهم فلا «1». اذ المنساق من الكفاية الكفاية طول السنة، لما عرفت من انصراف المطلقات هنا الى

كفاية السنة.

فان المتعارف تنظيم المعيشة سنة فسنة. حيث ان العمدة في الاستفادات كانت هي المحصولات الزراعية. و هي تحصل سنة فسنة غالبا. و سيأتي البحث عن صورة عدم كفاية النماء أو الربح لمئونة السنة في المسألة الاولى، فانتظر.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 308

عنده (1)، ففي كلّ وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ.

______________________________

(1) كل ذلك لما مرّ من الأخبار الدالة على جواز الأخذ لمن لم يكن عنده قوت السنة.

و لا يتعين مبدأ خاص للسنة بل في كل وقت رأى ان ما عنده يكون بحيث لو صرف ينفذ في أقلّ من سنة فله ان يتممها بالزكاة، كما دلت عليه صحيحة ابي بصير السابقة. فلو اخذ في اول رمضان مقدار مئونة سنته فبعد انقضاء شهرين لا يوجد عنده إلّا ما يكفي لعشرة اشهر، فيجوز له اخذ المتمّم.

اللّهمّ إلّا ان يقال- كما اشرنا اليه- ان اعتبار السنة في تنظيم المعيشة و تقسيم الزكاة كان من جهة ان عمدة المحصولات الزراعية كانت تحصل سنوية. فمبدأ السنة مبدأ حصول المحصولات الزراعية، و هو المبدأ عند الناس في ادّخار قوت سنتهم. و يشهد لذلك أيضا ما دلّ من أخذ رسول اللّه «ص» الصدقات و تقسيمها بين أهل البوادي و أهل الحضر بقدر ما يستغنون في سنتهم. فانه كان في وقت حصول المحصولات الزراعية، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 309

حكم من كان ذا صنعة او كسب

و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصل منهما مقدار مئونته (1).

______________________________

(1) هنا مسائل ثلاث: الاولى: من يكون ذا صنعة و حرفة مشتغلا بها و يحصل منها مقدار مئونته تدريجا.

الثانية: من يكون ذا حرفة

أو صنعة و لكنه لا يشتغل بها تكاسلا.

الثالثة: من لا يجيد صنعة و لكنه يقدر ان يتعلّمها.

و يشترك الثلاثة في ان احدا منهم لا يكون بالفعل واجدا لمئونة السنة و لكنه واجد لها بالقوة القريبة أو البعيدة. و المصنف تعرض للأوليين هنا، و للثالثة في المسألة السادسة.

اما المسألة الاولى: ففي الخلاف (المسألة 11 من كتاب قسمة الصدقات): «الاستغناء بالكسب يقوم مقام الاستغناء بالمال في حرمان الصدقة. فاذا كان رجل جلد مكتسب يكسب ما يحتاج اليه لنفقته و نفقة عياله حرمت عليه الصدقة. و به قال الشافعي، و في الصحابة عبد اللّه بن عمر و بن العاص، و في الفقهاء ابو ثور و اسحاق. و قال ابو حنيفة و أصحابه: الصدقة لا تحرم على المكتسب، و انّما تحرم على من يملك نصابا من المال الذي تجب فيه الزكاة، أو قدر النصاب من المال الذي لا تجب فيه الزكاة. و قال محمّد: أكره دفع الصدقة الى المكتسب إلّا انّه يجزى. و به قال قوم من أصحابنا. دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

فظاهره ان بعضا من اصحابنا افتى بجواز دفع الزكاة الى المكتسب الذي يكسب فعلا بمقدار مئونته. و لكنه لم يعلم القائل به، و هو أيضا بلا فصل ادعى اجماع الفرقة على خلافه.

فلعله اراد بالإجماع الشهرة، أو اجماع اهل عصره فانه ممن يقول بحجية اجماع عصر واحد من باب اللطف. أو يريد الاجماع على القاعدة، فان مقتضى عقائد الشيعة حجية قول المعصومين «ع»، و المفروض هنا وجود اخبار تدلّ على خلاف هذا القول.

و كيف كان فيدل على حرمة الزكاة على من له حرفة او صنعة فعلية وافية بمؤونته- مضافا الى الاجماع المدعى

و الشهرة المحققة- خبر محمّد بن مسلم، أو غيره، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: تحلّ الزكاة لمن له سبعمائة درهم اذا لم يكن له حرفة. و يخرج زكاتها منها و يشتري منها بالبعض قوتا لعياله و يعطى البقية اصحابه. و لا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوت بها عياله «1».

و نحوها موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما. فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال: اذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله. و امّا صاحب الخمسين فانّه يحرم عليه اذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه ان شاء اللّه «2».

و يدل عليه أيضا الاخبار الآتية في الفرع التالي. مضافا الى ان من كان له حرفة لائقة بحاله وافية بمؤونته على سبيل الاستمرار لا يعدّ في العرف فقيرا حتى يشمله الآية، بل هو لدى العرف أغنى من غير المحترف المالك لمئونة سنة أو سنتين فقط من غير أن يكون له ممرّ عيشة مستمرة.

و لعل القائل بجواز اخذه للزكاة يستدل بانه غير مالك فعلا، لا للنصاب و لا لمئونة سنته، فيكون فقيرا على القولين السابقين في تعريف الفقير.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 311

[الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا]

و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا (1).

______________________________

و يمكن ان يستدل أيضا بذيل صحيحة ابي بصير السابقة، اعني قوله: «و لا تحل

الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ الزكاة». بتقريب ان المستفاد منه عدم كفاية مجرد الاحتراف في حرمانه من الزكاة ما لم يكن مالكا للنصاب.

أقول: قد مرّ ان المراد بالملك لمئونة السنة اعم من الملك فعلا او شأنا، و لا سيما الشأنية القريبة من الفعلية. و الفقير مأخوذ من الفقر بمعنى الحاجة. و الكاسب و المحترف الذي يكسب مقدار مئونته لا يكون محتاجا عرفا. هذا مضافا الى كون هذا اجتهادا في مقابل النصوص التي مرّت و تأتي. و بهذا يظهر الجواب عن ذيل صحيحة ابي بصير أيضا.

(1) هذه هي المسألة الثانية من المسائل الثلاث التي أشرنا إليها. فمن كان بناء أو معمارا أو خياطا أو حائكا أو نحو ذلك و يقدر على العمل بنحو يفي بمؤونته و يليق بشأنه أيضا و لكنه تركه تكاسلا فهل يحل له اخذ الزكاة، أم لا؟.

ظاهر الاخبار و الفتاوى عدم الحلّية. و قد نسب الى المشهور. و لكن صاحب الجواهر «1» استظهر من المقنعة و الغنية و السرائر و غيرها المنع، و من النهاية و التحرير و الدروس و البيان الحلية، و قواها و وجّهها بوجوه تأتي. و الاولى نقل بعض الكلمات.

قال في المقنعة: «و لا تجوز الزكاة في اختصاص الصنفين إلّا لمن حصلت له حقيقة الوصفين، و هو ان يكون مفتقرا اليها بزمانة تمنعه من الاكتساب أو عدم معيشة تغنيه عنها، فيلتجئ اليها للحاجة و الاضطرار» «2».

و في المبسوط: «تحرم الصدقة على من يقدر على التكسب الذي يقوم بأوده و أود عياله» «3».

و في الغنية: «و ان لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه ... بدليل الاجماع المتكرر و طريقة الاحتياط» «4».

______________________________

(1)- الجواهر 15/

312 و 313.

(2)- المقنعة/ 39.

(3)- المبسوط 1/ 247.

(4)- الجوامع الفقهية/ 568.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 312

..........

______________________________

و في السرائر: «و ان لا يقدر على الاكتساب الحلال بقدر ما يقوم بأوده و سدّ خلّته و أود من يجب عليه نفقته» «1».

و في القواعد: «و يمنع القادر على تكسب المؤونة بصنعة أو غيرها» «2».

قال في مفتاح الكرامة في شرحه: «هذا مما لا خلاف فيه كما في تخليص التلخيص، إلّا ما حكاه في الخلاف. و هو مع معروفيته نادر، في الخلاف و الناصرية الاجماع على خلافه، كما في الرياض و الغنية الاجماع عليه» «3».

و في الشرائع: «و من يقدر على اكتساب ما يمون نفسه و عياله لا يحلّ له، لأنه كالغنى.

و كذا ذو الصنعة. و لو قصرت عن كفايته جاز ان يتناولها» «4».

قال في المدارك: «هذا هو المشهور بين الاصحاب» «5».

و في الجواهر: «بلا خلاف معتدّ به أجده في الأخير. بل يمكن تحصيل الاجماع عليه. بل و الأوّل اذا كان محترفا فعلا» «6». فهذه العبارات- سوى ما في الجواهر- ربّما يظهر منها المنع في المسألة.

و لكن في نهاية الشيخ: «و لا يجوز ان يعطى الزكاة لمحترف يقدر على الاكتساب ما يقوم بأوده و أود عياله. فان كانت حرفته لا تقوم به جاز له ان يأخذ ما يتسع به على اهله» «7».

فالمحترف في كلامه ظاهر في المشتغل فعلا. اللّهمّ إلّا ان يحمل على الملكة، فيشمل غير المشتغل بحرفته أيضا.

و في الناصريات: «عندنا ان من كان مكتسبا محترفا لقدر كفايته و قادرا لصحّته و قوته على الاكتساب فهو كالغني في ان الصدقة لا تحل له ... دليلنا الاجماع المتقدم

______________________________

(1)- السرائر/ 106.

(2)- القواعد 1/ 57.

(3)- مفتاح الكرامة، ج 3، كتاب

الزكاة/ 135.

(4)- الشرائع 1/ 159.

(5)- المدارك/ 312.

(6)- الجواهر 15/ 312.

(7)- النهاية/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 313

..........

______________________________

ذكره» «1». و ظهوره في المشتغل اقوى.

و في التحرير: «لو كان ذا كسب يكفيه حرم عليه اخذها. «2»

و فيه أيضا: «لو كان له كفاية باكتساب او صناعة لم يجز له اخذ الزكاة» «3».

و في الدروس: «و يمنع من يكتفي بكسبه و لو ملك خمسين، كما لا يمنع من لا يكتفي به و لو ملك سبعمائة درهم. و كذا ذو الصنعة و الضيعة» «4».

و في البيان: «و يعطى صاحب الخادم و الدابة مع الحاجة اليهما، و ذو الحرفة و الصنعة اذا قصر اعن حاجته أو شغلاه عن طلب العلم على الاقرب» «5».

و كيف كان فاكثر العبارات تشمل ذا الحرفة غير المشتغل فعلا. و بعضها ظاهر في المشتغل.

و الاقوى في المسألة المنع و ان اصرّ صاحب الجواهر على الجواز. و المصنف جعل المنع احوط.

و يدل على الحكم الاخبار المستفيضة الواردة بطرق الفريقين. و لنجعلها ثلاث طوائف:

اما الطائفة الاولى: فمنها ما رواه الكليني بسند صحيح، عن زرارة، عن ابي جعفر «ع» قال: سمعته يقول: ان الصدقة لا تحل لمحترف، و لا لذي مرّة سويّ قويّ. فتنزهوا عنها «6».

قال في النهاية: «فيه: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ. المرّة: القوة و الشدة.

و السويّ: الصحيح الأعضاء». و ليس في قوله: «فتنزهوا» ظهور في الكراهة. و لو سلم فظهور قوله: «لا تحلّ» في الحرمة اقوى.

و منها أيضا ما عن معاني الاخبار بسند صحيح، عن زرارة، عن ابي جعفر «ع» قال:

قال رسول اللّه «ص»: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ.

قلنا: ما معنى هذا؟

قال: لا يحلّ له ان يأخذها و هو يقدر على ان يكف نفسه عنها «7».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 206 (المسألة 124).

(2)- التحرير 1/ 68.

(3)- التحرير 1/ 68.

(4)- الدروس/ 62.

(5)- البيان/ 193.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(7)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

و قد ذكر الامام- عليه السلام- في ذيل الحديث ما هو الملاك و الجامع لعدم الحلّية.

حيث انّ الحرفة و القوة لا موضوعية لهما. اذ من الممكن كونه مشتغلا قويا و لكن لا يفي كسبه بمؤونته. و ربّما لا يكون مشتغلا و لكنه يقدر أن يشتغل فيكفّ نفسه عنها. فالملاك كلّ الملاك قدرته ان يكفّ نفسه عنها و ان لم يكن مشتغلا فعلا و لا واجدا لمئونته أو للنصاب.

و منها أيضا خبر ابي البختري، عن جعفر، عن ابيه، عن علي «ع» انه كان يقول: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ «1».

و في سنن ابي داود بسنده عن النبي «ص» في حديث: «لا حظّ فيها لغني، و لا لقوي مكتسب». و بسنده عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبي «ص» قال: «لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرة سويّ». قال أبو داود: «و رواه شعبة، عن سعد. قال: لذي مرّة قوي. و الأحاديث الأخر عن النبي «ص» بعضها: لذي مرّة قويّ، و بعضها: لذي مرة سويّ. و قال عطاء بن زهير انه لقى عبد اللّه بن عمر و فقال: ان الصدقة لا تحل لقوي، و لا لذي مرة سوي» «2».

و في سنن ابن ماجة بسند، عن ابي هريرة قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تحل الصدقة

لغني، و لا لذي مرّة سويّ» «3». فهذا المضمون مرويّ بطرق الفريقين.

و اما الطائفة الثانية: فمنها ما رواه الكليني صحيحا، عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: يروون عن النبي «ص» ان الصدقة لا تحلّ لغنيّ، و لا لذي مرّة سويّ.

فقال ابو عبد اللّه «ع»: لا تصلح لغني «4».

و منها ما رواه الشيخ في الموثق، عن هارون بن حمزة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

يروى عن النبي «ص» انه قال: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سويّ؟ فقال: لا تصلح لغنيّ «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(2)- سنن ابي داود 2/ 118، باب من يعطى الصدقة و حد الغنى.

(3)- سنن ابن ماجة 1/ 588، باب من سأل عن ظهر غنى.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 315

..........

______________________________

أقول: في جواب الامام- عليه السلام- في الخبرين احتمالات:

منها: حصر قول النبي في ذلك و انه لم يقل إلّا ذلك.

و منها: اناطة الحكم بالغني، و انه لم يقصد بقوله: «و لا لذي مرة سوى» امرا مغايرا له.

حيث ان القوي ان قدر على مئونة نفسه و عياله فهو من مصاديق الغني أيضا و إلّا جاز له اخذ الزكاة. فاراد الامام- عليه السلام- بيان ان الملاك مطلقا هو الغني.

و منها: رعاية جهة التقية مع بيان الحكم الواقعي أيضا. فلعله كان في محضره- عليه السلام- بعض من اصحاب ابي حنيفة القائل بان الملاك في منع الزكاة مالكية النصاب، و ان المحترف و ذو المرة يجوز له اخذ الزكاة.

و كيف كان

فلا يتعين في جواب الامام الاحتمال الاوّل حتى يعارض الروايات السابقة و ينفيها.

و اما الطائفة الثالثة: فمنها مرسلة الفقيه: قيل للصادق- عليه السلام-: ان الناس يروون عن رسول اللّه «ص» انه قال: ان الصدقة لا تحل لغنيّ و لا لذي مرّة سويّ؟ فقال:

قد قال: لغني و لم يقل: لذي مرة سويّ «1».

و منها مرسلة المعاني، عن الصادق- عليه السلام- انه قال: قد قال رسول للّه «ص»: ان الصدقة لا تحل لغني و لم يقل: و لا لذي مرّة سويّ «2».

قال في المصباح: «لا وثوق بهذا الحديث المرسل، بل الغالب على الظن كما اعترف به في الجواهر، كونه اشارة الى صحيحة معاوية بن وهب، و رواية هارون بن حمزة» «3».

و قد عرفت عدم دلالتهما على نفي صدور ذلك الكلام من رسول اللّه «ص»، بل لعله اراد بيان كون الملاك مطلقا هو الغني. فصحيحة زرارة المروية في الكافي و المعاني المؤيدة بغيرها مما رواه الفريقان حجة بيننا و بين اللّه. و يستفاد منها- و لا سيما مع التفسير الذي في رواية المعاني- ان من يقدر على ان يكف نفسه عن الزكاة لا يحلّ له اخذها. فالحكم في المسألة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 9

(3)- المصباح/ 88.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 316

..........

______________________________

واضح. و قد عرفت ظهور اكثر عبارات الاصحاب أيضا في ذلك. و غيرهم أيضا لم يفتوا بالجواز فيه و لم يصرحوا به. و عرفت اجماع الغنية و ادعاء الشهرة من المدارك، و عدم الخلاف من مفتاح الكرامة أيضا.

و لكن خالف في المسألة صاحب الجواهر، و قويّ جواز اخذ غير

المشتغل فعلا للزكاة و ان كان قادرا على الاكتساب «1».

و ما قيل للجواز امور: الاول: ما مرّ من ان الغني من يملك مئونة السنة، أو احد النصب الزكوية على القولين في حدّه و المفروض في المقام عدمهما.

الثاني: ان الظاهر من مرسلة الصدوق المشتملة على انكاره «ع» ان رسول اللّه «ص» قال ذلك جواز تناولها لذي القوة.

الثالث: ما ربما يظهر من بعضهم من الاجماع على جواز اعطاء ذي الصنعة اذا أعرض عنها و ترك التكسب بها.

الرابع: اطلاق ما دل على جواز الأخذ لمن لا يملك قوت سنته و ترك الاستفصال فيه عن انه يقدر على التكسب، أم لا.

الخامس: السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على اعطائها للأقوياء القادرين على الاكتساب.

السادس: صدق اسم الفقير عليه بمجرد عدم ملكه لما يمون نفسه و عياله، و عدم تلبسه بما يقوم بذلك.

أقول: يرد على الاول ما مر من ان الملكية لمئونة السنة اعم من الفعلية و القوة القريبة.

و لذا افتى هو أيضا بالمنع في المحترف فعلا و ان لم يملك فعلا. مضافا الى ان هذا اجتهاد في مقابل النصوص التي مرّت.

و يرد على الثاني- مضافا الى ان المرسل لا حجية فيه و لا يقاوم النصوص التي مرت- ما مرّ من جريان الاحتمالات الثلاثة فيه.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 312.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 317

..........

______________________________

و يرد على الثالث منع الاجماع. بل ظاهر عبارات الاصحاب المنع كما مرّ.

و يرد على الرابع ان الاطلاق يقيد بالنصوص في المقام، فيعلم بها كفاية الملكية بالقوة أيضا و يرد على الخامس منع حجية السيرة إلّا مع احراز اتصالها الى عصر المعصومين- عليهم السلام- و عدم ردعهم عنها. و الاتصال لم يثبت. و لعل النصوص في المقام

أيضا كافية في الردع. مضافا الى ان السيرة لعلها كانت في صورة حاجتهم الفعلية و ان كانت بسبب ترك التكسب المقدور في وقته.

و يرد على السادس المنع عن صدق الفقير عليه شرعا بما مرّ من النصوص و ان سلّم صدقه عرفا. بل هو أيضا ممنوع، فتدبر. هذا.

و في مصباح الفقيه بعد تقويته قول المشهور قال: «و لكن قد يشكل ذلك بان مجرد القدرة على ذلك ما لم يتلبس بحرفة أو كسب لائق بحاله واف بمؤونته لا يجعله غنيا، بل لا يخرجه عرفا عن موضوع الفقير ... اللّهمّ إلّا ان يقال ان هذا انما هو بالنظر الى حال احتياجه و عدم قدرته على ان يكف نفسه عنها، و لا كلام في جواز تناوله منها. و انما الكلام في اباحتها له حال قدرته على تحصيل مقدار حاجته بكسبه، و هو في هذا الحال بحكم الغني في العرف و لا يعدّ فقيرا. و لكن جعل شيخنا المرتضى محل الاشكال حال عجزه عن الاكتساب، فقال ما لفظه: و لو ترك المحترف الحرفة فاحتاج في زمان لا يقدر عليها- كما لو ترك العمل نهارا فاحتاج ليلا، و كما لو ترك البنّاء عمل البناء في الصيف و احتاج في الشّتاء مع عدم حصول ذلك العمل له- فيه اشكال: من صدق الفقير و انه لا يقدر في الحال على ما يكف به نفسه عن الزكاة، فيعمّه ادلة جواز الاخذ. و من صدق المحترف و ذي المرّة السويّ عليه، فيشمله ادلة المنع. و هو الأقوى، لعدم معلومية صدق الفقير عليه، و إلّا لصدق على المحبوس الغني، و لم يجعل ابن السبيل قسيما للفقير في الكتاب و السنة. نعم، لا بأس بالصرف اليه من

سهم سبيل اللّه. لكن الانصاف انه لو لم ينعقد الاجماع على الخلاف قوى القول بجواز الدفع الى كل محتاج في آن حاجته و ان كان عرض له في زمان يسير و لو بسوء اختياره» «1».

______________________________

(1)- المصباح/ 88.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 318

..........

______________________________

أقول: لا يخفى صحة ما ذكره اخيرا، و كونه انصافا. و لم ينعقد الاجماع و لا الشهرة على خلافه. اذ محط نظر الاصحاب في كلماتهم التي مرّ بعضها صورة قدرة ذي المرة على تحصيل حاجته. و ليس الملاك في المنع عنوان المحترف و ذي المرة، بل عنوان الغني و القدرة على كف نفسه عن الزكاة. كما دلّ على ذلك صحيحتا زرارة، و معاوية بن وهب، و غيرهما. و الملاك في الاستحقاق الفقر و المسكنة، كما في الآية. و قد عرفت ان الفقر بمعنى الحاجة، أو من الفقرة بمعنى الخلة و الحفرة. فالمحتاج في حال احتياجه و اضطراره مشمول للآية و ان تحقق ذلك بسوء اختياره. و المتبادر من قوله: «ذي مرّة» من امكن له إعمال مرّته و قدرته. نعم، في صورة القدرة لا تحلّ له، كما قوّيناه. فلا يجوز دفعها الى البطالين، و اهل السؤال القادرين على كثير من الصنائع و الحرف اللائقة بحالهم في حال قدرتهم و تهيؤ الأسباب لهم.

بل يشكل دفعها الى من امكن له تعلم الصنعة و الحرفة بلا مشقة و حرج. و هي المسألة الثالثة من المسائل الثلاث التي ذكرناها في صدر البحث، و يتعرض لها المصنف في المسألة السادسة، فانتظر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 319

هل تعطى الزكاة لمن كان له رأس مال أو ضيعة؟
اشارة

[مسألة 1]: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤونته، لكن عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها في مئونته بل يجوز

له ابقاؤه للاتجار به و أخذ البقية من الزكاة. و كذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤونته، و لكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها و صرف العوض في المؤونة بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقية المؤونة (1).

______________________________

(1) قد مرّ ان الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله، و الغني الشرعي بخلافه. و استدللنا لذلك بصحيحة ابي بصير، و خبر علي بن اسماعيل، و مرسلة يونس بن عمّار. مضافا الى استيناس ذلك من العرف أيضا.

و لكن ناقش في هذا التحديد صاحب المدارك و الحدائق. ففي المدارك: «لكن لا يخفى ان هذا الاطلاق مناف لما صرح به الأصحاب، كالشيخ و المصنف في النافع و العلامة و غيرهم من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة يستغلّها اذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية. اذ مقتضاه ان من كان كذلك كان فقيرا و ان كان بحيث لو انفق رأس المال المملوك له لكفاه طول سنته.

و المعتمد ان من كان له مال يتجر به، أو ضيعة يستغلّها فان كفاه الربح أو الغلة له و لعياله لم يجز له اخذ الزكاة، و ان لم يكفه جاز له ذلك و لا يكلف الانفاق من رأس المال و لا من ثمن الضيعة. و من لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور امواله عن مئونة السنة له

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 320

..........

______________________________

و لعياله» «1». و نحو ذلك في الحدائق «2» أيضا.

أقول: قد مرّ ان مرادهم بالمملوك في الحدين المال الذي من شأنه أن يصرف في المؤونة، لا المال الذي يتوقّف تعيشه عادتا على حفظه

و التعيش بنمائه، كرأس المال و الضيعة و آلات الكسب.

و المحكى عن المحقق الأردبيلي انه نسب الى الاصحاب جواز التناول اذا لم يكف الربح و ان كان رأس المال يكفيه. و قد مرّ من الخلاف و المبسوط ان الملاك في رأس المال و العقار كفاية الربح و النماء. و يدل على ذلك اخبار مستفيضة.

اما العقار فيدل عليه موثقة سماعة. قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: نعم، إلّا ان تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. فان لم يكن الغلة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقد حلّت له الزكاة. فان كانت غلتها تكفيهم فلا «3». و لا خصوصية للدار. فتشمل كل ملك ثابت له نماء أو اجرة. و اطلاقها يقتضي جواز اخذ الزكاة لصاحب الدار التي لا تفي غلّتها بالمئونة، سواء كانت عينها على فرض البيع وافية بها أم لا.

و يدل على حكم آلات الكسب خبر اسماعيل بن عبد العزيز، عن ابيه قال: دخلت انا و ابو بصير على ابي عبد اللّه «ع» فقال له ابو بصير ان لنا صديقا و هو رجل صدوق يدين اللّه بما ندين به فقال: من هذا يا با محمد! الذي تزكيه؟ فقال: العباس بن الوليد بن صبيح.

فقال: رحم اللّه الوليد بن صبيح. ماله يا با محمد؟ قال: جعلت فداك دار تسوّي اربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين الى الاربعة سوى علف الجمل، و له عيال. أله ان يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم. قال: و له

هذه العروض؟! فقال يا ابا محمد! فتأمرني ان آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع خادمه الذي يقيه الحرّ و البرد و يصون وجهه و وجه عياله، أو آمره ان يبيع غلامه و جمله و هي

______________________________

(1)- المدارك/ 312.

(2)- الحدائق 12/ 157.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 321

..........

______________________________

معيشته و قوته؟ بل يأخذ الزكاة و هي له حلال. و لا يبيع داره، و لا غلامه، و لا جمله «1».

و اطلاقه أيضا يشمل كون قيمة الجمل و الغلام على فرض البيع وافيا بمؤونة السنة أم لا.

و يدل على حكم رأس المال صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها. أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال: لا، بل ينظر الى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها «2».

و موثقة هارون بن حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: يروى عن النبي «ص» انه قال:

لا تحل الصدقة لغنيّ، و لا لذي مرّة سويّ. فقال: لا تصلح لغنيّ. قال فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال، فان اقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها.

قال: فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله «3».

و الظاهر ان التعبير في الروايتين تعبير عرفي لا يراد به التفكيك بين مصارف الربح و مصارف الزكاة التي

يأخذها و يراعي لكل منهما حساب مستقلّ.

و صحيحة ابي بصير قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن رجل له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفّاف و له عيال كثير. أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: يا ابا محمّد! أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم. قال: كم يفضل؟ قال: لا ادري. قال: ان كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و ان كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة. قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى. قال: قلت: كيف يصنع؟

قال: يوسّع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم، و يبقى منها شيئا يناوله غيرهم. و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس «4».

و حيث ان ماله مما يدار و يتّجر به فلعل زكاته كانت زكاة التجارة غير الواجبة. و لذا امر بصرفها في التوسعة على العيال. أو لعل التوسعة عليه مما تجوز مطلقا، كما تدل عليه

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 9 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 322

..........

______________________________

اخبار. و زيادة نصف القوت أيضا لعلها كانت للتوسعة عليهم، أو لسائر المصارف غير القوت من اللباس و الدواء و غيرهما. فكأن المتعارف فيها كان مقدار نصف القوت، أو لعلّها كانت ذخيرة للمصارف الاتفاقية التي تحدث قهرا في طول السنة.

و كيف كان فدلالة الأخبار الثلاثة على كون الاعتبار في مالكية مئونة السنة بالربح لا باصل رأس

المال واضحة.

و الظاهر ان اطلاقها يشمل صورة كون رأس المال بانفراده بمقدار مئونة السنة أو اكثر.

و لا يعارض ذلك قوله «ع» في صحيحة ابي بصير السابقة: «و لا يأخذها إلّا ان يكون اذا اعتمد على السبعمائة انفذها في أقلّ من سنة» «1» اذ ليس فيها كون السبعمائة رأس المال الذي يتجر به، بل الظاهر منها خلافه. هذا.

و لكن في المستمسك بعد رواية هارون بن حمزة: «لكن الظاهر منه صورة كفاية رأس المال بضميمة الربح، لان موضوع السؤال الدراهم المشغولة بضاعة، فلا يشمل صورة كفاية رأس المال وحده في مئونة السنة. و الظاهر ان مثله صحيح معاوية بن وهب ... و اما خبر ابي بصير فظاهره مخالف للإجماع» «2».

أقول: امّا اوّلا فقوله: «الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة» مطلق يشمل كونها بمقدار مئونة السنة أو أكثر أو أقل. و ترك الاستفصال يفيد العموم. و قوله: «اكلها عياله» لا يدلّ على أكلها مع ربحها في سنة، بل هذا التعبير عرفي يراد به ان الربح اذا لم يف بمؤونته فلا محالة يجبر النقص من رأس المال فينفد رأس المال بالأخرة.

و ثانيا اذا فرض كفاية رأس المال بضميمة الربح لمئونة السنة و مع ذلك جاز له اخذ الزكاة فليس ذلك إلّا لأن المعتبر و الملحوظ هو الربح فقط دون رأس المال. و على هذا فلا فرق بين هذه الصورة و بين كفاية رأس المال فقط. اذ الملاك هو عدم كفاية الربح و كون رأس المال مما يبقى و لا يصرف عادة، فتأمّل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المستمسك 9/ 216.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 323

فروع
[الاول: فيما لو باع رأس المال كفى في نفقته]

______________________________

الاول: يظهر من قوله «ع» في

خبر اسماعيل بن عبد العزيز: «أو آمره ان يبيع غلامه و جمله و هي معيشته و قوته؟» ان آلات الكسب، أو الارض، أو رأس المال اذا لم تكن مؤثرة في معيشته و قوته- بان كانت الآلات كثيرة، أو رأس المال كثيرا و اتفق لجهات قلة نمائها و ربحها بحيث لا يفي بمؤونته و لكن يمكن بيع بعضها بقيم كثيرة و تأمين المعيشة منها ما دام العمر أو السنين من دون نقص فاحش في الربح أو النماء- لم يجز له اخذ الزكاة. بل لا يطلق على مثل هذا الشخص عنوان الفقير. و كذا اذا فرض ان نماء ارضه أو غلة داره لا تفي بمؤونته و لكن كانت قيمة ارضه أو داره نظرا الى موقعها كثيرة، بحيث يمكن له تبديلها بأضعاف منها بحسب الاصل و النماء، بحيث لا يحتاج اصلا الى اخذ الزكاة.

و قد تعرض لهذا الفرع في الجواهر، و في زكاة الشيخ «1»، فراجع.

[الثاني: اعتبار الاستنماء الفعلي من الأرض]

الثاني: ان الظاهر من الاخبار و الفتاوى هو اعتبار الاستنماء الفعلي من الأرض أو الآلات أو رأس المال في كونها مستثناة، لا مجرد القابلية و ان لم يعمل بها و لم يستفد منها للعجز أو التكاسل. فلو فرض عدم الاسترباح و الاستنماء منها و كونها متروكة و تكفي قيمتها لمئونة سنته يشكل له اخذ الزكاة ما دامت هي موجودة و امكنه بيعها و صرفها.

[الثالث: لو فرض في منطقة من الارض كون الاشجار مثمرة في سنة دون اخرى]

الثالث: لو فرض في منطقة من الارض كون الاشجار مثمرة في سنة دون اخرى، و الارض مزروعة سنة و متروكة اخرى فتعارف ان الناس يدّخرون قوتهم لسنتين- بحيث يعسر للشخص تأمين المعيشة في رأس كل سنة- فهل يكون الملاك في الغنى و الفقر في مثل هذه البلاد أيضا من سنة الى سنة، أو ان ذكر السنة كان من جهة الغلبة و التعارف، فاذا تعارف رعاية السنتين في مكان فالغنى و الفقر أيضا يلحظان كذلك؟ فقوله: في مرسلة حماد: «يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير» «2» كان من

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 320؛ زكاة الشيخ/ 498.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 324

..........

______________________________

جهة انه في رأس السنة كان يوجد الحاصل الجديد، و إلّا فالوالي يقسم بينهم على نحو ما تعارف من ادخار الناس لمئونتهم.

لا يبعد الثاني. و يمكن اسراء هذا الامر الى باب الخمس بالنسبة الى استثناء المؤونة أيضا، فتدبر.

[الرابع: الظاهر التعميم الى من يعدّ من عائلته عرفا]

الرابع: قد يظهر من تعبير الخلاف و المبسوط و غيرهما عن العيال ب «من تلزمه نفقته» انحصاره في واجب النفقة شرعا. و لكن الظاهر التعميم الى من يعدّ من عائلته عرفا بحيث يلزمه في العادة ادارة معيشته، كالضيوف، و الإخوة الصغار اذا مات ابوهم و لم يكن لهم كفاية، و غير ذلك. فانه المتبادر من لفظ العيال المذكور في الأخبار السابقة و غيرها.

[الخامس: هل المراد بالسنة هنا القمرية، أو الشمسية؟]

الخامس: هل المراد بالسنة هنا القمرية، أو الشمسية؟ وجهان: من تعارف القمرية في لسان الشرع، و من ان تأمين مئونة السنة كان من جهة ان المحصولات الزراعية الغذائية كانت سنوية، و من المعلوم كونها شمسية. و يمكن الارجاع الى المتعارف في كل بلد و صقع، فيختلف باختلافها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 325

قدر ما يعطى الفقير من الزكاة
[يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة]

[مسألة 2]: يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة (1).

______________________________

(1) قد مرّ ان مصارف الزكاة ثمانية و منها الفقراء فلا يجوز اعطاء هذا السهم للغني.

و الظاهر ان التقابل بينهما بنحو العدم و الملكة. و الغنى عرفا من له التمكن المالي. و له عندهم مراتب كثيرة. و له اصطلاح شرعي أيضا.

و قد مرّ ان اصحابنا في معنى الغنى الشرعي على قولين: فالمشهور انه من يملك مئونة السنة لنفسه و عياله. و استدل له بأخبار ابي بصير، و علي بن اسماعيل، و يونس بن عمّار، فراجع الوسائل «1». و نسب الى قوم من اصحابنا انه من يملك احد النصب الزكوية. و قد مرّ البحث عن ذلك.

و اما فقهاء السنة فمنهم من عرفه بمن يملك الكفاف. و منهم من عرفه بمن يملك اربعين درهما. و منهم من عرفه بمن يملك خمسين درهما. و منهم من عرفه بمن يملك احد النصب الزكوية. و استندوا في هذه الاقوال الى روايات.

اذا عرفت هذا فنقول: هنا مسألتان تعرض لهما الاصحاب في كلماتهم معا، اعني أقلّ ما يعطى الفقير و اكثره. فناسب لنا أيضا التعرض لهما معا. و المصنف أيضا تعرض لهما في

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1، 7 و 10.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 2، ص: 326

..........

______________________________

المسألة الثامنة عشرة من فصل بقية احكام الزكاة، و لكن هنا تعرض للثانية فقط.

و الجمهور لم يتعرضوا للمسألة الاولى. و اقوالهم في المسألة الثانية ثلاثة:

الاول: انه يعطى دون حد الغنى. و هو احد الروايتين عن احمد.

الثاني و هو المشهور بينهم: انه يعطى الى حد الغنى.

الثالث: انه يجوز ان يعطى فوق حد الغنى. و به قال اصحاب الرأي.

و اما اصحابنا فقالوا انه لا حدّ لأكثره. و قد يعبرون بانه يعطى ما يغنيه و ما يزيد على غناه.

بل في السرائر: «و ليس لأكثر ما يعطى الفقير حد محدود، بل اذا اعطاه دفعة واحدة فجائز له ما اراد و لو كان الف قنطار» «1». و ظاهر اكثر كلماتهم كون المراد بالغنى هنا العرفي منه لا الشرعي.

و اما في طرف الاقل فالمشهور بين اصحابنا انه لا يعطى أقلّ مما يجب في النصاب الاول إما في جميع الاجناس، أو في خصوص النقدين.

و قد يقال بجواز ان يعطى ما يجب في النصاب الثاني من النقدين.

و قد يقال بانه لا يحد في طرف القلة أيضا بحدّ. و به قال ابن ادريس «2» و حكاه عن السيد المرتضى أيضا في جمل العلم و العمل.

فلنذكر بعض العبارات. قال في المقنعة: «و أقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة المفروضة خمسة دراهم فصاعدا، لأنها أقلّ ما يجب في الحد الاول من الزكاة. و ليس لأكثره حدّ مخصوص، لتفاوت الناس في كفاياتهم، و جواز اخراج غنى الفقير اليه من الزكاة» «3».

و في النهاية: «و أقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة خمسة دراهم، أو نصف دينار. و هو اول ما يجب في النصاب الاول. و ليس لأكثره حدّ. و لا بأس ان يعطى الرجل

زكاته لواحد يغنيه بذلك» «4».

______________________________

(1)- السرائر/ 107.

(2)- السرائر/ 107.

(3)- المقنعة/ 40.

(4)- الناية/ 189.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 327

..........

______________________________

و في المقنع: «و لا يجزى في الزكاة ان يعطى أقلّ من نصف دينار» «1». و مثله في الفقيه «2» عن رسالة ابيه.

و في فقه الرضا: «و لا يجوز في الزكاة ان يعطى أقلّ من نصف دينار» «3».

و قد استظهرنا كون فقه الرضا رسالة ابيه، كما مرّ منا مرارا.

و في الانتصار: «مسألة: و مما انفردت به الامامية القول بانه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقلّ من خمسة دارهم. و روى ان الاقل درهم واحد. و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك و يجيزون اعطاء القليل و الكثير من غير تحديد. و حجتنا على ما ذهبنا اليه اجماع الطائفة، و طريقة الاحتياط، و براءة الذمة أيضا» «4».

و في الغنية: «و اما مقدار المعطى منها فاقله للفقير الواحد ما يجب في النصاب الاول، فان كان من الدنانير فنصف دينار، و ان كان من الدراهم فخمسة دراهم. و كذا في الأصناف الباقية بدليل الاجماع. و طريقة الاحتياط ... و يجوز ان يدفع اليه منها الكثير و ان كان فيه غناه بدليل الاجماع المذكور» «5».

فالسيدان ادعيا في المسألة الاجماع على خمسة دراهم. و مورده في الغنية جميع الأصناف التسعة.

نعم، في المختلف، عن السيد المرتضى في المسائل المصرية: «أقلّ ما يجزى من الزكاة درهم، للاحتياط، و اجماع الفرقة المحقة» «6».

و عنه في الجمل: «و يجوز ان يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل و الكثير.

و قد روى انه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقلّ من خمسة دراهم. و قد روى ان الاقل درهم واحد» «7».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 14.

(2)- الفقيه

2/ 10.

(3)- فقه الرضا/ 22.

(4)- الجوامع الفقهية/ 112.

(5)- الجوامع الفقهية/ 568.

(6)- المختلف 1/ 186.

(7)- المختلف 1/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 328

..........

______________________________

و في المراسم: «أقلّ ما يجزى اخراجه من الزكاة ... اقله ما يجب في نصاب. فمن اصحابنا من قال: اقله نصف دينار، أو خمسة دراهم. و منهم من قال: اقله قيراطان، أو درهم. فالأولون قالوا بوجوب النصاب الاول، و الآخرون قالوا بالثاني. و الأثبت الاول.

و كذلك في سائر ما تجب فيه الزكاة. فاما اكثر ما يعطى فلا حدّ له. و يجوز ان يعطى الفقير غناه و يزاد على ذلك إلّا انه يعطى ضربة واحدة، لأنه اذا استغنى لم يجز صرف الزكاة الواجبة اليه» «1».

و في الوسيلة لابن حمزة: «و لا يجوز ان يعطى من زكاتهما (النقدين و المواشي) المستحق باقل من نصاب. و يجوز ان يعطى قدر غناه» «2».

و في الشرائع: «السادسة: أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الاول: عشرة قراريط، أو خمسة دراهم. و قيل ما يجب في النصاب الثاني، و هو قيراطان، أو درهم. و الأول أكثر. و لا حدّ للأكثر اذا كان دفعة. و لو تعاقب العطية فبلغت مئونة السنة حرم عليه الزائد» «3».

و في المنتهى: «و أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الاول و هو خمسة دراهم، و نصف دينار. قاله الشيخان، و ابنا بابويه، و اكثر علمائنا. و قال سلّار يجوز الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني، و هو درهم، أو قيراطان. و به قال ابن الجنيد. و لم يقدر علم الهدى، و لا الجمهور. و الأشهر في الروايات ما ذكره الشيخان» «4». و نحو ذلك في المعتبر.

و في المنتهى أيضا: «يجوز ان

يعطى الفقير ما يغنيه، و ما يزيد على غناه. و هو قول علمائنا اجمع. و به قال اصحاب الرأى. و قال الثوري. و مالك، و الشافعي و ابو ثور يعطى قدر ما يغنيه من غير زيادة. و به قال احمد في احدى الروايتين. و في الأخرى: لا يجوز ان يدفع اليه قدر غناه بل دونه» «5». و قريب من ذلك ما في المعتبر «6».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 643.

(2)- الجوامع الفقهية/ 681.

(3)- الشرائع 1/ 166.

(4)- المنتهى 1/ 530

(5)- المنتهى 1/ 528

(6)- المعتبر/ 284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 329

..........

______________________________

و لا يخفى ان احمد ممن فسّر الغنى بان يملك خمسين درهما، و ابا حنيفة فسره، بمن يملك حدّ النصاب، اعنى مأتين. فمقتضى الرواية الثانية عن احمد انه لا يجوز ان يعطى فقير واحد خمسون درهما. و المروي عن اصحاب الرأي و امامهم ابي حنيفة انه يجوز ان يعطى الفا و اكثر اذا كان محتاجا، فشرط الاحتياج في ذلك.

و في المعتبر و المنتهى «1» و كذا في التذكرة عن سلّار ان الاعتبار في الاقل بالنصاب الثاني.

مع انك عرفت من المراسم انه قال: «و الأثبت الأول». فلعله ذكر ما حكوه في كتاب آخر لا نعرفه.

و أيضا في الكتب الثلاثة ان علم الهدى لم يقدره بقدر كالجمهور. مع انك عرفت انه في الانتصار اختار الاعتبار بالنصاب الاول، و ادعى عليه الاجماع. و في المسائل المصرية اختار الاعتبار بالدرهم، و ادعى عليه الاجماع. نعم، في الجمل اختار عدم التقدير.

ثم ان ظاهر كلمات اكثر الاصحاب كون التقدير بنحو الوجوب و التعين. بل صرح في المراسم بالوجوب. و صرح بعضهم بانه لا يجزى الاقل، أو لا يجوز، كما مرّ. حتى ان الظاهر من العلامة

في منتهاه أيضا ذلك.

و لكنه قال في التذكرة: «و لا حدّ للإعطاء، إلّا انه يستحب ان لا يعطى الفقير أقلّ مما يجب في النصاب الاول، و هو خمسة دراهم، أو عشرة قراريط. قاله الشيخان، و ابنا بابويه، و اكثر علمائنا. لقول الصادق «ع» لا يعطى احد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم. و قال سلار: أقلّ ما يجب في النصاب الثاني، و هو درهم، أو قيراطان، و به قال ابن الجنيد.

و لم يقدره علم الهدى، و لا الجمهور بقدر. و ما قلناه على الاستحباب، لا الوجوب اجماعا ...

و اما الاكثر فلا حدّ له. فيجوز اعطاء الفقير غناه دفعة و دفعات بلا خلاف، لان المقتضى الحاجة، و ما دون الغنى حاجة، فجاز الصرف فيها، و لقول النبي «ص»: خير الصدقة ما ابقت غنى ...» «2».

______________________________

(1)- المعتبر/ 284 و المنتهى 1/ 530.

(2)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 330

..........

______________________________

أقول: هذه بعض كلماتهم في المسألتين. و الاصل فيهما الأخبار الواردة. فلنتعرض لهما، و لأخبارهما.

أقلّ ما يعطى الفقير
اشارة

اما المسألة الاولى، اعنى التحديد في ناحية الاقل فاخبارها طائفتان:

الاولى: ما دلت على خمسة دراهم. كصحيحة ابي ولّاد الحناط، عن ابي عبد اللّه «ع» قال:

سمعته يقول: لا يعطى احد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم. و هو أقلّ ما فرض اللّه- عز و جل- من الزكاة في اموال المسلمين. فلا تعطوا احدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا «1».

و خبر معاوية بن عمّار، و عبد اللّه بن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه «ع» قال: لا يجوز ان يدفع من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فانها أقلّ الزكاة «2» و ظهورهما- و لا سيما الثاني- في كون الحكم بنحو الالزام و

عدم جواز الاقل واضح.

و مفاد التعليل في الخبرين هو ان الخمسة دراهم هي أقلّ مصداق الزكاة المفروضة، و الاقل منها ليس زكاة، فلا يجزى دفعه الى المستحق. اذ الواجب دفع ما يكون زكاة. هذا.

و في قبال هذين الخبرين صحيحة محمد بن ابي الصهبان، قال: «كتبت الى الصادق- عليه السلام: هل يجوز لي يا سيدي ان اعطى الرجل من اخواني من الزكاة الدرهمين، و الثلاثة الدراهم. فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب: ذلك جائز.

و في الفقيه عن محمد بن عبد الجبار ان بعض اصحابنا كتب على يدي احمد بن اسحاق الى علي بن محمد العسكري- عليه السلام: اعطى الرجل من اخواني من الزكاة الدرهمين، و الثلاثة؟ فكتب: افعل ان شاء اللّه- تعالى «3».

و اعلم ان ابا الصهبان كنية عبد الجبار. فمحمد بن ابي الصهبان هو بعينه محمد بن عبد الجبار. فاحتمال بعض الأعلام ان يكون المراد ببعض اصحابنا في المكاتبة الثانية محمد بن ابي الصهبان لترجع المكاتبتان بذلك الى واحدة واضح البطلان. و الرجل من

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5 و 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 331

..........

______________________________

الطبقة السابعة المعاصرة للإمام الهادي- عليه السلام- فلعله عبر عنه «ع» بالصادق تقية. اذ لا يمكن نقله عن الامام الصادق- عليه السلام- بلا واسطة. و يحتمل كون كلمة: «كتبت» مصحف «كتب» مجهولا. فبذلك ترجع المكاتبتان الى واحدة.

و كيف كان فصراحة المكاتبتين في اجزاء الاقل من خمسة دراهم واضحة. ففي التهذيب حمل المكاتبة على النصاب الذي يلي النصاب الاول. قال: «لان النصاب

الثاني و الثالث و ما فوق ذلك ربما كان الدرهمين و الثلاثة حسب تزايد الأموال، فلا بأس باعطاء ذلك لواحد. فاما النصاب الاول فلا يجوز ذلك فيه» «1». و نحوه ما في الاستبصار «2». و مراده لا محالة صورة كون وقت التعلق للنصاب الثاني متأخرا عن وقت النصاب الاول، كما لا يخفى.

و في المعتبر رجح الطائفة الاولى بانها مشافهة و اقوى سندا. ثم احتمل ما ذكره الشيخ، ثم قال: «و اما قول علم الهدى فلم اجد به حديثا يستند اليه. و الاعراض عن النقل المشهور مع عدم المعارض اقتراح» «3».

و في الوسائل حمل المكاتبة على الجواز، و الطائفة الاولى على الكراهة «4». و به قال كثير من المتأخرين. و لكن لا يخفى ان حمل قوله: «لا يجوز» على الكراهة مشكل جدّا و الجمع بين الخبرين يجب ان يكون بنحو يساعد عليه العرف. و العرف يرى التنافي بين الجواز و عدم الجواز.

و قد يحتمل حمل المكاتبتين على التقية، لما عرفت من اتفاق اهل الخلاف على عدم التقدير في ناحية الاقل. و يؤيد ذلك قوله- عليه السلام- في المكاتبة الثانية: «ان شاء اللّه- تعالى». فانه يدل على وجود نحو تزلزل في الحكم.

أقول: قد رأيت ان القدماء من اصحابنا قد تعرضوا للمسألة في كتبهم المعدّة لنقل الاصول المتلقاة عن المعصومين، كالمقنع و المقنعة و النهاية و المراسم و الغنية و غيرها، و اعتبروا التقدير بخمسة دراهم. و ادعى في الغنية و الانتصار عليه الاجماع. و ظاهرهم كون الحكم

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 63.

(2)- الاستبصار 2/ 38.

(3)- المعتبر/ 284.

(4)- الوسائل، ج، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

بنحو الالزام. و هو الظاهر من التهذيب و

المعتبر و المنتهى أيضا. و لذا صاروا بصدد التأويل للمكاتبة. و جعل في المعتبر الإعراض عن النقل المشهور اقتراحا. فرفع اليد عن ظاهر صحيحة ابي ولّاد، و خبر معاوية بن عمّار، و هذه الفتاوى المذكورة في هذه الكتب المؤيدة بالإجماع المنقول في الكتابين بالمكاتبتين المحتمل فيهما التقية غير المعتنى بهما عند القدماء في مقام العمل مشكل جدّا. و قاعدة الشغل أيضا تقتضي رعاية الاحتياط. فلا يترك الاحتياط إلّا اذا كان الواجب عليه أقلّ من خمسة، كما اذا حال الحول على النصاب الثاني بعد ما ادى فريضة النصاب الاول. هذا.

و في الجواهر «1»- بعد استظهار تعيّن الخمسة دراهم من عبارات الاصحاب و معقد اجماعي الانتصار و الغنية، و نقل اجماع التذكرة على الندب، و الاشكال عليه بكونه خلاف ظاهرهم جميعا بل صريح بعضهم كسلّار و ابن حمزة- جعل التحقيق الندب. وفاقا للمرتضى في جمله، و ابن ادريس، و الفاضل في جملة من كتبه، للأصل، و اطلاق الادلة، و اجماع التذكرة، و المكاتبتين، و قوله في حسن عبد الكريم بن عتبة، عن الصادق- عليه السلام- «ليس عليه في ذلك شي ء موقت موظف» «2»، و في مرسل حماد: «ليس في ذلك شي ء موقوت و لا مسمى و لا مؤلف. انّما يصنع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم» «3»، و في حسن الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قلت: له: ما يعطى المصدق؟ قال: ما يرى الامام و لا يقدر له شي ء «4».

أقول: الاصل مقطوع بالدليل. مضافا الى ما مرّ من ان الاصل هنا الاشتغال. كما ان الاطلاق على فرض وجوده يقيد بالدليل. و ما في الجواهر من قصور

الخبرين عن معارضة الاصل و الاطلاق عجيب. اللهم إلّا ان يراد سقوط الخبرين بمعارضة المكاتبتين، فيرجع الى الاصل و الاطلاق.

و اما اجماع التذكرة، فمضافا الى معارضته بظاهر اجماعي الانتصار و الغنية يرد عليه كونه

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 448 و 449.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 23 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 333

..........

______________________________

خلاف ظاهر الاصحاب، بل خلاف تصريح بعضهم، كما مرّ. و قد مرّ حمل المكاتبتين على التقية.

و مورد حسن الحلبي هو المصدق، لا الفقير. و كلام الاصحاب في الفقير. مضافا الى ان المصدق من العاملين، و حقوقهم اكثر من خمسة دراهم اضعافا مضاعفة. كما لا يخفى.

و كلامه- عليه السلام- في حسن عبد الكريم في مقام نفى القول بوجوب البسط على الأصناف الثمانية بالتساوى، على ما ادعاه عمر و بن عبيد. و كذا في مرسل حماد، فراجع.

اللّهمّ إلّا ان يقال كما في الجواهر ان الحكم كلي، و المورد غير مخصص. و لكن الاطمينان بالشمول لمورد البحث مشكل، فتدبر. هذا بالنسبة الى القول الاول.

و اما التقدير بدرهم كما عن الاسكافي، و المرتضى في المصريات، بل نسب الى سلار أيضا كما مرّ فلم اجد له دليلا، كما في الجواهر «1».

تنبيهات
اشارة

و ينبغي التنبيه على امور:

[الاول: هل تعين الخمسة دراهم بنحو الوجوب]

الاول: قد عرفت ان الظاهر من الخبرين و الفتاوى تعين الخمسة دراهم، و كون الحكم بنحو الوجوب. و هو المصرح به في بعض الفتاوى. و لكن في التذكرة «2» ادعى الاجماع على الندب، و نسبه في المسالك «3» الى الشهرة. و لم نر في كلمات القدماء من يصرح به. نعم، ظاهر كلام ابن البراج الندب، حيث قال كما في المختلف:

«أقلّ ما ينبغي دفعه من الزكاة الى مستحقها هو ما يجب في نصاب واحد» «4». بناء على ظهور «ينبغي» في الاستحباب.

[الثاني: هل خمسة دراهم تساوي بنصف دينار]

الثاني: المذكور في اكثر كلمات الأصحاب و في الخبرين التعبير بخمسة دراهم. و في بعض الكلمات التعبير بنصف دينار تعيينا، أو تخييرا بينه و بين خمسة دراهم. و لعله

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 448.

(2)- التذكرة 1/ 244.

(3)- المسالك 1/ 62.

(4)- المختلف 1/ 186.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 334

..........

______________________________

لتساويهما قيمة في تلك الاعصار. كما يظهر من الابواب المختلفة، و منها تقدير الدية. و لكن الظاهر كون الاعتبار بخمسة دراهم، فانها المذكورة في الدليل.

[الثالث: خمسة دراهم و نصف دينار يؤذن بان ذلك مختص بزكاة النقدين]

الثالث: قال في المسالك: «و التقدير بخمسة دراهم و نصف دينار يؤذن بان ذلك مختص بزكاة النقدين، فلا يتعدى الحكم الى غيرها و ان فرض فيه نصاب اول و ثان، و إلا لزم اخراج القيمة أو استحبابه و لا يقولون به. و قيل: يتعدى. فلا يدفع للفقير أقلّ مما في النصاب الاول أو الثاني على حسبه. و يحتمل تقدير أقلّ ما يعطى بقدر زكاة النقدين، عملا بظاهر الخبر، فيعتبر قيمة المخرج ان لم يكن من النقدين باحدهما. و هذا هو الاجود ...

و لو لم يكن للمال الانصاب واحد كالغلّات ففي اعتبار المخرج بقيمة النقدين كما مرّ الوجهان» «1».

أقول: فالاقوال في المسألة ثلاثة. اختار الاول بعض المتأخرين فقال: «التحقيق في المقام ان يقال بعدم التحديد في ما عدى النقدين، لعدم ورود الرواية في ذلك. فيؤخذ باطلاق وجوب ايتاء الزكاة» «2».

و ظاهر بعض العبارات هو القول الثاني. اي الاعتبار بالنصاب الاول من كل شي ء بحسبه. ففي اشارة السبق: «و أقلّ ما يعطى مستحقها ما يجب في اول نصاب من انصبتها» «3».

و هو الظاهر مما مرّ من ابن البراج أيضا و مال اليه في الجواهر أيضا.

و اما ما في الغنية حيث قال: «و كذا في الاصناف

الباقية» «4»، و ما في المراسم: «و كذلك في سائر ما تجب فيه الزكاة» «5» فمحتمل لذلك و للقول الثالث، كما لا يخفى.

و يمكن ان يستدل لهذا القول بالتعليل الواقع في الخبرين، بتقريب كون مفاده أقلّ ما يجب دفعه الى الفقير هو الاقل فرضا في كل شي ء. اذا الاقل منه ليس زكاة، و الواجب دفعه يجب ان يكون مصداقا للزكاة المفروضة. فالخمسة دراهم في الخبرين ذكرت من باب المثال.

و اما القول الثالث الذي جعله في المسالك اجود فهو الظاهر عندي من الخبرين. اذ

______________________________

(1)- المسالك 1/ 62.

(2)- راجع كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 188.

(3)- الجوامع الفقهية/ 83.

(4)- الجوامع الفقهية/ 568.

(5)- الجوامع الفقهية/ 643.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

الزكاة في قوله: «لا يعطى احد من الزكاة» و نحوه مطلق يعم زكاة النقدين و غيرهما. و ليس قوله: «خمسة دراهم» قرينة على اختصاص الحكم بزكاة النقدين. فان التقدير في جميع الاشياء قد تعارف بالدنانير و الدراهم، كما هو المتعارف في اعصارنا أيضا حيث يقدرون الاشياء كلها بالأثمان المتعارفة. و ليس مقتضى ذلك وجوب اخراج القيمة أو استحبابه على ما في المسالك. اذ المراد بخمسة دراهم مقدارها، و قد اخذت لا بشرط. فمن اعطى شاة فقد اعطى مقدار خمسة دراهم قطعا، حيث ان الشاة في تلك الاعصار كانت تساوى عشرة دراهم. و هكذا التبيع، و الابل، و نصف الوسق من الغلّات. فخمسة دراهم أقلّ المقدرات المفروضة بعنوان الزكاة. فالمقصود من الخبرين تعيّن إعطاء مقدار خمسة دراهم عينا أو قيمة و لا يجزى الاقل، فانها أقلّ ما فرضه اللّه بعنوان الزكاة. و قد اختار هذا الاحتمال الاستاذ المرحوم، آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه في حاشيته على العروة

حيث قال: لا يترك بعدم النقصان عن خمسة دراهم مطلقا عينا أو قيمة»، فتدبر.

[لو فرض ان ما عنده أقلّ من خمسة دراهم]

الرابع: لو فرض ان ما عنده أقلّ من خمسة دراهم، كما اذا حال الحول على النصاب الثاني من النقدين بعد ما ادى فريضة النصاب الاول، أو وجب عليه شاة لا تساوي خمسة دراهم، اكتفى بدفع ما عنده من غير كراهة و لا تحريم. و وجهه واضح.

اكثر ما يعطى الفقير

فاما المسألة الثانية، اعني التحديد في ناحية الاكثر فقد عرفت ان الاقوال فيها عند فقهاء السنة ثلاثة:

الأوّل: تعين الاعطاء دون حد الغنى. و هو احدى الروايتين عن احمد.

الثاني: جواز الاعطاء بمقدار الغني. و به قال أكثرهم.

الثالث: جواز الاعطاء فوق حد الغنى كالألف و الاكثر اذا كان محتاجا اليه. و به قال اصحاب الرأي كما في المغني «1» و لا يخفى ان حد الغنى عند احمد هو ان يملك خمسين درهما،

______________________________

(1)- المغني 2/ 524.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 336

..........

______________________________

و عند اصحاب الرأي ان يملك مأتي درهم.

و اما اصحابنا فالمشهور عندهم انه لا حدّ للأكثر. فيجوز ان يغنيه بالغنى العرفي مطلقا.

و هو مقول بالتشكيك، فيشمل ما فوق الكفاية أضعافا مضاعفة.

و قد مرّ عن ابن ادريس جواز ان يعطى الف قنطار، و عن المراسم: «يجوز ان يعطى الفقير غناه و يزاد على ذلك» «1»، و عن التذكرة: «جواز ان يعطى اكثر من غناه دفعة» «2»، و عن المنتهى: «ما يغنيه و ما يزيد على غناه و هو قول علمائنا اجمع» «3».

و لم يفرق المشهور في كلماتهم بين المتكسب و غيره، و لا بين واجد الشي ء و فاقده، و هو المختار للمصنف أيضا. و اختار بعض المتأخرين عدم جواز الزيادة عن مئونة السنة مطلقا.

و هو الأحوط. فيحمل الغنى في الاخبار و بعض الفتاوى على الغنى الشرعي، أعني ملك مئونة السنة.

و هنا قول

ثالث فصل بين المتكسب و غيره: ففي البيان: «و يأخذ الفقير و المسكين غناهما دفعة، و ذو التكسب القاصر على خلاف. و قيل يأخذ التتمة. و هو حسن. و ما ورد في الحديث من الاغناء بالصدقة محمول على غير المتكسب» «4».

و في المنتهى: «لو كان معه ما يقصر عن مئونته و قوته و قوت عياله حولا جاز له اخذ الزكاة، لأنه محتاج و لا يتقدر بقدر. و قيل انه لا يؤخذ زائدا عن تتمة المؤونة حولا. و ليس بالوجه» «5». فلعل هذا القول المحكى في المنتهى بضميمة ما مرّ منه من الاجماع يكون تفصيلا بين واجد الشي ء و فاقده.

و كيف كان فاستدل للقول المشهور- مضافا الى الاجماع المحكى في المنتهى و غيره، و اطلاق ادلة ايتاء الزكاة- باخبار كثيرة مستفيضة: كصحيحة سعيد بن غزوان، عن ابي

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 643.

(2)- التذكرة 1/ 244.

(3)- المنتهى 1/ 528.

(4)- البيان/ 193.

(5)- المنتهى 1/ 518.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 337

..........

______________________________

عبد اللّه «ع» قال: سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ قال: «اعطه من الزكاة حتى تغنيه» «1».

و صحيحته الأخرى، عنه «ع» قال: «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه» «2». و المظنون اتحادهما.

و موثقة اسحاق بن عمّار، عن ابي الحسن موسى «ع» قال: قلت له: اعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال: نعم و زده. قلت: اعطيه مأئة؟ قال: نعم و اغنه ان قدرت ان تغنيه «3».

و خبر اسحاق بن عمّار، قال: قلت: لأبي عبد اللّه «ع»: اعطى الرجل من الزكاة مأئة درهم؟ قال: نعم. قلت: مأتين؟ قال: نعم. قلت: ثلاثمائة؟ قال: نعم. قلت: أربعمائة؟

قال: نعم. قلت: خمسمائة؟ قال: نعم حتى تغنيه «4».

و موثقة عمّار بن موسى، عن ابي عبد

اللّه «ع» انه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟

قال: قال ابو جعفر «ع»: اذا اعطيت فاغنه «5».

و عن المقنعة عن ابي جعفر «ع»: انه قال: اذا اعطيت الفقير فاغنه «6».

و خبر زياد بن مروان، عن ابي الحسن موسى «ع» قال: اعطه الف درهم «7».

و مرسلة بشر بن بشار، قال: قلت للرجل، يعني ابا الحسن «ع»: ما حدّ المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف. ثم قال: أو عشرة آلاف. و يعطى الفاجر بقدر. لان المؤمن ينفقها في طاعة اللّه، و الفاجر في معصية اللّه «8».

و «بشر» من اصحاب ابي الحسن الهادي- عليه السلام- و حاله مجهول.

و تقريب الاستدلال بهذه الاخبار ان الظاهر من الغني فيها هو المعنى اللغوي و العرفي منه. و هي حقيقة ذات مراتب. و اطلاقه يشمل جميعها. مضافا الى ان اطلاق المقادير المذكورة في الروايات يشمل كونها بقدر مئونة السنة، أو ازيد. بل الظاهر في مثل ثلاثة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(7)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(8)- الوسائل، ج 6، الباب 17 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 338

..........

______________________________

آلاف، أو عشرة آلاف كونها ازيد منها. كما ان اطلاقها و اطلاق كلمات الاصحاب يشمل المتكسب و غيره،

و واجد شي ء و فاقده.

و قد تؤيد هذه الروايات بصحيحة ابي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» ان شيخا من اصحابنا يقال له عمر سأل عيسى بن اعين و هو محتاج، فقال له عيسى بن اعين: اما ان عندي من الزكاة و لكن لا اعطيك منها، فقال له: و لم؟ فقال: لأني رأيتك اشتريت لحما و تمرا، فقال: انما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما و بدانقين تمرا، ثم رجعت بدانقين لحاجة. قال: فوضع ابو عبد اللّه «ع» يده على جبهته ساعة، ثم رفع رأسه، ثم قال: ان اللّه نظر في اموال الاغنياء، ثم نظر في الفقراء فجعل في اموال الاغنياء ما يكتفون به. و لو لم يكفهم لزادهم. بلى، فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوج و يتصدق و يحج «1». اذ ليس فيها اسم للسنة. فتدل باطلاقها على جواز اعطاء مقدار الاكتفاء لسنين متعددة و ان ظهر منها عدم جواز الاعطاء لما فوق الكفاف.

و في المستمسك انها غير ظاهرة في سهم الفقراء. و فيه ان ذكر الفقراء في قبال الاغنياء في الرواية ربما يستفاد منه كون المعطى من سهم الفقراء.

و توهم عدم جواز اعطاء مقدار الحج و التصدق من سهم الفقراء مدفوع بان الفقير يعطى مقدار مئونته العرفية بحيث يعيش كسائر الناس. و الحج و التصدق المتعارفان يعدّان من المؤونة عرفا. ألا ترى استثناء هما من غنائم السنة و ارباحها بقوله: الخمس بعد المؤونة، فتأمّل. هذا.

و في قبال هذه الروايات اخبار يستفاد منها عدم جواز الاعطاء إلّا لمئونة السنة.

منها صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم و له عيال،

و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، و يأخذ الزكاة؟ قال: لا. بل ينظر الى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 41 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 339

..........

______________________________

و نحوها موثق سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» و فيه: «اذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله» «1» و موثق هارون بن حمزة، عنه «ع» فيمن له بضاعة لا يكفيه ربحها قال «ع»: «فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله» «2».

اذ الظاهر من هذه الاخبار هو الرخصة في اخذ البقية خاصة من الزكاة.

نعم، موردها المحترف و من له بضاعة ما. و من المحتمل الفرق بين ذلك، و بين من لم يجد شيئا، كما مرّ من البيان و ما حكاه في المنتهى مضافا الى ما في المستمسك من ان الامر باعفاء نفسه، أو نفسه و بعض عياله فيها محمول على الاستحباب اجماعا. اذ لا كلام في جواز تناوله من الزكاة لنفسه أيضا. و يشير الى ذلك التعبير بالعفة في موثقة سماعة.

فاستفادة المحدودية في طرف الكثرة من هذه الاخبار لا يخلو من اشكال.

و منها ما دلت على كون المعطى مقدار مئونة السنة. كقول الصادق «ع» في خبر عبد الرحمن بن الحجاج: «فان الناس انما يعطون من السنة الى السنة، فللرجل ان يأخذ ما يكفيه و

يكفي عياله من السنة الى السنة» «3».

و خبر علي بن اسماعيل الدغشي، قال: سألت ابا الحسن «ع» عن السائل و عنده قوت يوم أ يحلّ له ان يسأل، و ان اعطى شيئا من قبل ان يسأل يحل له ان يقبله؟ قال: يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنها انما هي من سنة الى سنة «4».

و في مرسلة حماد بن عيسى الطويلة، عن العبد الصالح «ع» في تقسيم الوالي للزكاة:

«يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فان فضل من ذلك شي ء ردّ الى الوالي ... و كان رسول اللّه «ص» يقسم ... و لكن يقسمها على قدر من يحضره من اصناف الثمانية على قدر ما يقيم (يغنى) كل صنف منهم بقدر سنته» «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 12 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 24 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 340

..........

______________________________

و منها الاخبار المستفيضة الدالة على ان اللّه فرض للفقراء في اموال الاغنياء ما يسعهم، و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم «1».

اذ يستفاد منها انه- تعالى- لم يجعل لهم ازيد من مقدار حاجتهم. و لو فرض جواز اعطاء الف قنطار مثلا لفقير واحد و عدم المحدودية في جانب الكثرة اصلا لم يكن المجعول بحسب التشريع بنحو يسع جميع الفقراء.

و الانصاف ان دلالة مجموع هذه الاخبار الكثيرة على وجود محدوديّة

ما في جانب الكثرة، بل عدم جواز الاعطاء ازيد من مئونة السنة واضحة غير قابلة للمنع. فيجب حمل الغنى في الطائفة الاولى من الاخبار على الغنى الشرعي المفسر بمؤونة السنة، لا العرفي المقول بالتشكيك بمراتبه حتى يشمل الف قنطار من الذهب مثلا، كما مرّ من السرائر.

و لو سلم فيحمل على الغنى بمعنى الاكتفاء، لا بمعنى اليسار الذي له مراتب فوق حدّ الاحصاء.

و بالجملة ليس ظهور الطائفة الاولى في الغنى بمعنى اليسار بمراتبه بأقوى من ظهور الطائفة الثانية في اعتبار مئونة السنة، بل الثانية اظهر أو صريحة، فيفسّر بها الاولى.

فما في المصباح بعد ذكر الطائفة الثانية من الاخبار من قوله: «و يتوجه على جميع ما ذكر انه لا ينبغي الالتفات الى شي ء من مثل هذه الاشعارات الغير البالغة مرتبة الدلالة في مقابل المعتبرة المستفيضة المتقدمة. و لو سلمت دلالتها على المدعي فغايتها الظهور الغير الناهض لمكافئة تلك الاخبار التي كادت تكون صريحة في جواز دفع الزائد عن مئونته» «2» واضح المنع.

فكيف سمّى «قده» الدلالات الواضحة بالاشعارات؟! و كيف حكم بصراحة الطائفة الاولى؟! مع جعل الملاك في استحقاق الزكاة و عدم استحقاقه في اخبار ابي بصير، و الدغشي، و يونس بن عمّار عدم وجدان مئونة السنة و وجدانه. و هما الملاك في الفقر

______________________________

(1)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب ما تجب فيه الزكاة (باب وجوبها).

(2)- المصباح/ 90.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

و الغنى الشرعيين، كما مرّ شرح ذلك عند تعرض المصنف لهما فراجع.

و الغنى في كلمات القدماء من اصحابنا أيضا يمكن ان يحمل على الغنى الشرعي أو على الكفاية، لا اليسار بمراتبه حتى يشمل مثل الف قنطار.

و قولهم: «ليس لأكثره حدّ» لعلّه بقرينة

المقابلة لحدّ القلة، اعنى خمسة دراهم. يراد به عدم تحديد الكثرة بمقدار خاص و عدد مخصوص كأربعين أو خمسين أو مأتي درهم مما فسر بها الغنى في كلمات فقهاء السنة. و لا يراد به جواز اعطاء آلاف ألوف مثلا لفقير واحد.

و يشهد بذلك قول الصادق «ع» في خبر محمد بن مسلم، أو غيره: «تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم اذا لم يكن له حرفة ... و لا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوت بها عياله» «1».

و بالجملة حيث ان المشهور بين فقهاء السنة كان جواز الاعطاء بقدر الغنى مع تفسيره باربعين أو خمسين أو مأتي درهم اراد الائمة- عليهم السلام- و كذا الفقهاء ردّ هذا المعنى و انه في طرف الكثرة لا يوجد حدّ و لا مقدار مخصوص كما في طرف القلة، بل الملاك حصول الغنى فيحمل على معناه الشرعي أو اللغوي بمعنى الكفاية.

نعم، من ذكر منهم الغنى و ما يزيد عليه، أو فرّق بين الاعطاء دفعة أو دفعات فهو لا محالة يحمل الغنى في الاخبار. على المعنى العرفي منه لا الشرعي.

و كيف كان فالجمع بين الاخبار يقتضي الاقتصار على اعطاء مئونة السنة لا ازيد من دون فرق بين المكتسب القاصر و غيره، و بين واجد شي ء و فاقده، لإطلاق الاخبار و كلمات الاصحاب، كما مرّ. و امّا اجماع المنتهى و غيره على جواز الاعطاء للزياة فمع احتمال كون مدركه ما استظهره بنفسه من الكلمات و الاخبار من ارادة الغنى العرفي بمراتبه يسقط عن الاعتبار قهرا.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 342

[الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤونة سنته]

و كذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه

بمؤونة سنته، أو صاحب الضيعة التي لا تفي حاصلها، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤونة سنته.

و لا يلزم الاقتصار على اعطاء التتمّة (1) بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل

______________________________

(1) قد مرّ عن البيان التفصيل بين المتكسب و غيره، فقال: «و ما ورد في الحديث من الاغناء بالصدقة محمول على غير المتكسب» «1».

و في المدارك: «هذا الحمل ممكن إلّا انه يتوقف على وجود المعارض، و لم نقف على نص يقتضيه. نعم، ربما اشعر به مفهوم قوله «ع» في صحيحة معاوية بن وهب: و يأخذ البقية من الزكاة. لكنها غير صريحة في المنع من الزائد» «2».

أقول: مرّ ان اخبار الاغناء، و كذا ما دل على انها من سنة الى سنة و انهم يعطون ما يستغنون به في سنتهم، و كذا كلمات الاصحاب كلها مطلقة لم يفرق فيها بين المكتسب القاصر و بين غيره و ان الجمع بين الاخبار يقتضي الاقتصار على مئونة السنة مطلقا، فراجع.

و في زكاة الشيخ الاعظم بعد تقوية اعطاء التتمة فقط للمكتسب قال ما حاصله:

«لكن الانصاف انه لو قلنا بجواز اعطاء غير المكتسب زائدا على مئونة السنة لم يكن فرق بينه و بين المكتسب، إلّا ان يفرق بينهما بان اغناء غير المكتسب باعطائه مئونة سنتين أو ثلاث سنين لا ينافي كون الزكاة موضوعة لقوت الفقراء، اذ لا فرق في نظر الشارع بين اعطائه مئونة السنة الثانية في السنة الاولى أو في نفس السنة الثانية، بخلاف المكتسب فان فتح باب اعطائه الزائد يوجب جواز ان يأخذ ما يغنيه عن كسبه فلا يجبر على التكسب في بقية السنة الثانية، فانحصر منعه عن التصرف في قوت الفقراء بازيد من مقدار فقره في منعه عن

ازيد من تتمة سنة واحدة حتى يشتغل في كل سنة لبعضها و يؤخذ الزكاة للباقي» «3».

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- المدارك/ 313.

(3)- زكاة الشيخ/ 499.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 343

يجوز جعله غنيا عرفا و إن كان الأحوط الاقتصار (1). نعم، لو أعطاه دفعات لا يجوز- بعد ان حصل عنده مئونة السنة- ان يعطى شيئا و لو قليلا ما دام كذلك (2).

______________________________

(1) لا يترك الاحتياط بالاقتصار على مئونة السنة مطلقا من غير فرق بين المكتسب و غيره. و قد مرّ وجهه.

(2) لصيرورته بذلك غنيا شرعيا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 344

مسائل حول ما يعطى الفقير
[الأمور المحتاج اليها بحسب حاله لا يمنع من اعطاء الزكاة و أخذها]

[مسألة 3]: دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج اليها بحسب حاله- و لو لعزّه و شرفه- لا يمنع من اعطاء الزكاة و أخذها (1)، بل و لو كانت

______________________________

(1) في التذكرة: «لا نعلم فيه خلافا» «1». و في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه» «2».

و يدل على ذلك اخبار مستفيضة مذكورة في الباب التاسع من ابواب المستحقين للزكاة من الوسائل.

ففي موثقة سماعة «قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: نعم، إلّا ان تكون داره دار غلة، فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. فان لم يكن الغلة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقد حلّت له الزكاة. فان كانت غلتها تكفيهم فلا».

و لا يخفى كون الدار و الخادم من باب المثال. فالمراد كل ما يحتاج اليه من مرافق الحياة و التعيش. و لا محالة تختلف ذلك باختلاف الاشخاص و الاعصار و الامكنة.

و في صحيح ابن اذينة، عن غير واحد، عن ابي جعفر و

ابي عبد اللّه «ع» «انهما سئلا عن

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- الجواهر 15/ 318.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 345

متعددة مع الحاجة اليها. و كذا الثياب و الألبسة الصيفية و الشتوية، السفرية و الحضرية و لو كانت للتجمل، و أثاث البيت، من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج اليه، فلا يجب بيعها في المؤونة.

بل لو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها. و كذا يجوز اخذها لشراء الدار و الخادم و فرس الركوب و الكتب العلمية و نحوها مع الحاجة

______________________________

الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل الزكاة؟ قالا: نعم، ان الدار و الخادم ليسا بمال».

و كأن المراد بالمال ما كان يقع عليه التبادل و التعامل و كان يبذل بازائه المال و الدار و الخادم من جهة الاحتياج الى عينهما ليسا مما يتعامل عليهما و يشتري بهما لوازم التعيش حتى يصير الانسان بهما غنيا. و التعليل يسري الى كل ما يحتاج الانسان الى بقاء عينه من لوازم التعيش و الحياة.

و في خبر سعيد بن يسار «قال سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول: تحل الزكاة لصاحب الدار و الخادم. لان ابا عبد اللّه «ع» لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا». و الظاهر ان التعليل من الراوي.

و في خبر على بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر «ع» «قال: سألته عن الزكاة أ يعطاها من له الدابة (المائة- بحار)؟ قال: نعم، و من له الدار و العبد، فان الدار ليس نعدّها مالا».

و في خبر اسماعيل بن عبد العزيز، عن ابيه، قال: «دخلت انا و ابو بصير على ابي عبد اللّه «ع» فقال له ابو بصير ان لنا صديقا (الى ان قال:) و

له دار تسوى اربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقى على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين الى الاربعة سوى علف الجمل، و له عيال أله ان يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم. قال: و له هذه العروض؟

فقال: يا با محمد! فتأمرني ان آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع خادمه الذي يقيه الحر و البرد و يصون وجهه و وجه عياله، أو آمره ان يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته؟ بل يأخذ الزكاة، فهي له حلال. و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله». و بالجملة المسألة واضحة نصا و فتوى.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 346

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 346

اليها (1). نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته- بحسب حاله- وجب صرفه في المؤونة (2)، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه (3).

______________________________

(1) لأنها من النفقة و المؤونة.

(2) اي لا يجوز له اخذ الزكاة مع وجوده و كفايته. و كذا صاحب الدار الزائدة. و اما وجوب صرف الزائد، أو وجوب بيعه فلا وجه له إلّا اذا توقف عليه حفظ النفس او الانفاق الواجب عليه.

(3) الزيادة إما ان تكون منفردة مستقلة، و إما ان تكون جزء من مقدار الحاجة، كما اذا اشتملت الدار على اربعة بيوت مثلا و كفاه ثلاثة، و إما ان تكون الزيادة بحسب القيمة فقط. لا اشكال في عدم جواز اخذ الزكاة في

الصورة الاولى مع كفاية الزيادة و انما الاشكال في الاخيرتين.

قال في التذكرة: «أ: لو كانت دار السكنى تزيد عنه و في بعضها كفاية له ففي بيعه بسبب الزيادة اذا كانت قيمتها تكفيه حولا اشكال. ب: لو كانت حاجته تندفع باقل منها قيمة لم يكلف بيعها و شراء الادون. و كذا في العبد و الفرس» «1».

و في المدارك: «و لو كانت دار السكنى تزيد عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة حولا و امكنه بيعها منفردة فالاظهر خروجه بذلك عن حدّ الفقر. اما لو كانت حاجته تندفع باقل منها قيمة فالاظهر انه لا يكلف بيعها و شراء الادون، لإطلاق النص، و لما في التكليف بذلك من العسر و المشقة. و به قطع في التذكرة. قال و كذا الكلام في العبد و الفرس» «2».

أقول: قد عرفت ان الصور ثلاث. ففي الاولى، اعنى ما اذا كان الزائد مستقلا منفردا و لو مثل البناء العالي و السافل المستقلين- كما في اعصارنا- لا اشكال في الحكم.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 236.

(2)- المدارك/ 313.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 347

بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة، فالأحوط بيعها (1) و شراء الأدون. و كذا في العبد، و الجارية، و الفرس.

[إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه]

[مسألة 4]: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه، كما لو كان قادرا على الاحتطاب و الاحتشاش غير اللائقين بحاله، يجوز له أخذ الزكاة (2). و كذا إذا كان عسرا و مشقّة من جهة كبر أو مرض أو ضعف

______________________________

و اما في الاخيرتين- و لا سيما الاخيرة- فوجوب افراز الزائد، أو تبديل اصل العين غير واضح، بل الظاهر عدم الوجوب إلّا اذا خرجت الزيادة العينية، أو زيادة القيمة عن المتعارف بحيث

يعدّ الإبقاء اسرافا و يخطّئه العقلاء في عمله. فلو فرض ان داره أوسع من دار جاره، أو كانت في وسط البلد و قريبة من مرافقها فتكون ازيد قيمة فهل يجوز لنا ان نحكم عليه بتبديلها بدار بعيدة أو كانت له امة جميلة، أو فاضلة فهل يحكم عليه بوجوب تبديلها بالأدون منها؟ نعم، لو فرض الاحتياج الى داره لبناء معمل تجاري مثلا و صارت قيمتها ازيد من دار مثلها قريبة منها بأضعاف مضاعفة بحيث يخطئه العقلاء في عدم التبديل ففي مثله لا يصدق على هذا الشخص انه فقير محتاج.

(1) قد مرّ آنفا عدم الوجوب إلّا في ما اذا عدّ عدم التبديل اسرافا منه. ثم الاولى التعبير بعدم جواز اخذ الزكاة لا وجوب البيع، اذ لا وجه له كما مرّ إلّا مع توقف حفظ النفس أو الانفاق الواجب عليه.

(2) قال في المصباح: «و اما القدرة على الكسب و الصنعة الغير اللائقين بحاله فليست مانعة عن تناولها جزما، فلا يكلف الرفيع ببيع الحطب و الحرث و الكنس و خدمة من دونه في الشرف و اشباه ذلك مما فيه مذلة في العرف و العادة، فان ذلك اصعب من بيع خادمه و داره الذي قد سمعت في خبر اسماعيل المتقدم التصريح بعدم لزومه مع ما فيه من الحرج المنفي بادلتها» «1».

أقول: ما ذكره صحيح في الجملة.

______________________________

(1)- المصباح/ 88.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 348

فلا يجب عليه التّكسب حينئذ (1).

[إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها]

[مسألة 5]: إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات، أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة (2).

______________________________

و لكن ليعلم ان كثيرا من الشئون من الامور الموهومة، التي يخطّؤها العقل و العقلاء.

و قد

توهّمها ضعفة النفوس و جعلوها اغلالا على انفسهم! أ لم يكن النبي «ص» و امير المؤمنين و الائمة- عليهم السلام- من الشرفاء؟ و قد ورد ان امير المؤمنين- عليه السلام- اعتق الف مملوك من كدّ يده، و ان ابا الحسن، موسى بن جعفر «ع» كان يعمل في ارض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقيل له اين الرجال؟ فقال: قد عمل باليد من هو خير مني و من ابي في ارضه. فقلت: و من هو؟ فقال: رسول اللّه «ص» و امير المؤمنين «ع» و آبائي كلهم كانوا قد عملوا بايديهم، و هو من عمل النبيين و المرسلين و الاوصياء و الصالحين.

و في رواية الشيباني، قال: رأيت ابا عبد اللّه «ع» و بيده مسحاة و عليه إزار غليظ يعمل في حائط له، و العرق يتصابّ عن ظهره، فقلت جعلت فداك: أعطني أكفك فقال: اني احبّ ان يتأذّى الرجل بحرّ الشمس في طلب المعيشة.

و في صحيحة هشام بن سالم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: كان امير المؤمنين «ع» يحتطب و يستقي و يكنس، و كانت فاطمة تطحن و تعجن و تخبز. الى غير ذلك من الأخبار، فراجع «1».

(1) وجهه واضح بعد فرض كونه عسرا و مشقة. و ليس المراد بالقدرة في قوله «ع»:

«لا يحل له ان يأخذها و هو يقدر على ان يكف نفسه عنها» «2» القدرة العقلية، بل العادية العرفية. كيف؟ و صاحب الدار و الخادم و الغلام و الجمل يقدر عقلا على ان يكف نفسه عنها و مع ذلك جاز له ان يأخذ الزكاة، كما مرّ.

(2) لصدق الفقير عليه. و مع فقد الآلات جاز اخذها لكل من الآلة أو المؤونة إلّا اذا كان احدهما

انفع لبيت المال و أقلّ ضررا له، فالاحوط تقديمه حينئذ.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 12، الباب 9 و ما بعده من أبواب مقدمات التجارة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 349

[إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة]

[مسألة 6]: إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة، ففي وجوب التعلّم (1) و حرمة أخذ الزكاة بتركه اشكال (2)؛ و الأحوط التعلّم و ترك الأخذ بعده.

نعم ما دام مشتغلا بالتعلّم لا مانع من أخذها (3).

[من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلّا في يوم]

[مسألة 7]: من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلّا في يوم أو

______________________________

(1) لا دليل على وجوب التعلم إلّا اذا توقف عليه الواجب من حفظ النفس أو الانفاق الواجب، كما مرّ نظيره.

(2) قد مرّ ان الفقير الشرعي في مقابل الغنى الشرعي، و ان الغني الشرعي من يملك مئونة سنته إما بالفعل أو بالقوة، و ان للقوة ثلاث مراتب: قريبة و متوسطة و بعيدة. فالقريبة هو المحترف الشاغل بالفعل، و المتوسط هو العالم بالحرفة غير الشاغل تكاسلا، و البعيدة الجاهل بها مع التمكن من تعلمها بمراتبه. و قلنا ان المحترف الشاغل بالشغل الكافي لا يجوز له الاخذ بلا اشكال و ان اختار ابو حنيفة الجواز اذا لم يملك فعلا مقدار النصاب.

و استظهرنا في المحترف التارك تكاسلا أيضا عدم الجواز، و قد نسب الى المشهور أيضا، و جعله المصنف احوط. و خالف فيه صاحب الجواهر و ذكرنا ادلة الطرفين بالتفصيل. فعلى قوله يجوز الاخذ في المقام أيضا، بل بطريق اولى. فهو على مبناه في سعة في هذه المسألة و المسألتين التاليتين.

و اما على ما قلناه من جعل الملاك قوله- عليه السلام- في صحيحة زرارة: «لا يحل له ان يأخذها و هو يقدر ان يكف نفسه عنها» «1»، ففي المقام أيضا يشكل الاخذ، بل لا يبعد عدم الجواز اذا سهل التعلم و قلّ زمانه، لتحقق القدرة عرفا.

(3) لو صدق عرفا انه يقدر ان يكف نفسه عنها و

لو بالاستدانة بلا منّة لسهولة الوفاء بعد التعلم مع قرب المدة فجواز الاخذ مشكل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 350

اسبوع مثلا (1) و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة، فتركه و بقى طول السنة لا يقدر على الاكتساب، لا يبعد جواز أخذه (2) و إن قلنا انّه عاص (3) بالترك في ذلك اليوم أو الاسبوع، لصدق الفقير عليه حينئذ.

______________________________

(1) كمن شغله التطويف في ايام الحج مثلا أو الصيد في شهر خاص من السنة.

(2) يشكل الاخذ لمن كان بناؤه على ذلك. نعم، لو اتفق له ذلك صدقة جاز له الأخذ.

(3) العصيان فرع الوجوب. و قد مرّ الاشكال فيه إلّا اذا توقف الواجب كحفظ النفس مثلا عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 351

هل يجوز لطالب العلم اخذ الزكاة؟

[مسألة 8]: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة إذا كان ممّا يجب تعلمه عينا أو كفاية، و كذا إذا كان ممّا يستحب تعلمه كالتفقّه في الدين اجتهادا أو تقليدا (1).

______________________________

(1) هل يجوز له اخذ الزكاة مطلقا، كما هو الاقوى و سيأتي بيانه، أو لا يجوز مطلقا، أو يفصل بين العلم الواجب و غيره، أو بين الواجب عينا و غيره، أو بين الواجب أو المستحب و بين غيرهما؟ وجوه، بل لعلها اقوال:

قال في المنتهى: «و لو كان التكسب يمنعه من التفقه فالوجه عندي جواز اخذها، لأنه مأمور بالتفقه في الدين اذا كان من اهله» «1». و قوله: «مأمور به» و ان كان ظاهرا في الوجوب و لكن يمكن حمله على الاعم منه و من الندب، اذ ليس التفقه واجبا على كل من

يقدر.

و في التحرير: «لو كان كسبه يمنعه عن التفقه في الدين فالاقرب عندي جواز اخذها» «2».

و في الدروس: «و لو اشتغل بالفقه و محصّلاته عن التكسب جاز الأخذ» «3».

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 519.

(2)- التحرير 1/ 68.

(3)- الدروس/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 352

..........

______________________________

و في البيان في بيان من يعطى من الزكاة: «و ذو الحرفة و الصنعة اذا قصرا عن حاجته أو شغلاه عن طلب العلم على الاقرب» «1».

و في الروضة: «و لو اشتغل عن الكسب بطلب علم ديني جاز له تناولها و ان قدر عليه لو ترك». «2»

و الظاهر من الجميع عدم الفرق بين العلم الواجب و المستحب. نعم، ظاهرهم الاقتصار على الفقه و العلوم الدينية فقط، مع ان غيرها كالطّب و غيره أيضا قد يجب و لو كفاية.

و عن نهاية الإحكام: «لو كان لا يتأتى له تحصيل العلوم لبلادته لم تحلّ له الزكاة مع القدرة على التكسب. و كذا لو اشتغل بنوافل العبادة ...» «3».

و المصنف اخذ هذه المسألة عن المستند، و تبعه في تقسيم العلم الى ثلاثة اقسام و التفصيل بين الواجب أو المستحب و بين غيرهما. ففي المستند بعد الحكم بجواز الاخذ لمن اشتغل بالعلم الواجب، و عدم الجواز لمن اشتغل بما لا يجب و لا يستحب قال: «و ان كان يستحب كالتفقه في الدين تقليدا أو اجتهادا فظاهر الذخيرة عدم جواز الاخذ. و هو ظاهر حواشي القواعد للشهيد الثاني. و عن التحرير و المنتهى و الدروس و البيان و الروضة و المسالك و حواشي النافع للشهيد الثاني و المهذب جوازه. و هو الاقرب، للأمر به و لو استحبابا المستلزم لطلب ترك الحرفة المستلزم لجواز اخذ الزكاة. و كذا مقدمات علم التفقه»

«4».

و ردّ عليه الشيخ الاعظم في زكاته. و الاولى نقل كلامه بطوله. قال: «لاشكال في حرمة الاخذ حال القدرة على التكسب إلّا اذا ترك التكسب للاشتغال بامر واجب و لو كفاية كتحصيل علم. و يحتمل تعين الواجب الكفائي على من لا يحتاج الى الكسب، لان المحتاج اليه مشغول الذمة بواجب عيني. و لو كان طلب العلم مما يستحب في حق الطالب فالظاهر انه لا يسوغ ترك التكسب كما في سائر المستحبات، لصدق الغني و المحترف

______________________________

(1)- البيان/ 193.

(2)- الروضة 2/ 45.

(3)- مفتاح الكرامة 3/ 135 (كتاب الزكاة).

(4)- المستند 2/ 45.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 353

..........

______________________________

و القادر على ما يكف نفسه عن الزكاة. و الإذن في طلب العلم، بل الامر الاستحبابي به لا يوجب الاذن في ترك التكسب. بل طلب تركه المستلزم لجواز اخذ الزكاة- كما عن بعض مشايخنا المعاصرين- لا وجه له. اذ بعد عمومات تحريم الزكاة على القادر على التكسب يصير واجبا لأجل حفظ نفسه و عياله. فلا يزاحمه استحباب ذلك، لان المستحب لا يزاحم الواجب اجماعا. و دعوى ان تسليم حرمة الاخذ المستلزم لوجوب التكسب مبنى على تقدم ادلّتها على ادلة استحباب ذلك المستحب، لم لا يجوز العكس؟ مدفوعة اجمالا بان المقرر في محله ان استحباب المستحب لعموم دليله لا يزاحم عموم وجوب الواجبات ...» «1».

أقول: الاقوى كما يظهر من المصباح أيضا جواز اخذ المشتغل بالعلم النافع غير المحرم، و ان فرض عدم وجوبه و لا استحبابه، و حصر العلم النافع في العلوم الدينية بعيد ممن توجّه الى احتياجات البشر، و لا سيما في العصر الحاضر.

و قد حرّر المسألة في المصباح و بيّنها بوضوح، فلنذكر حاصل ما ذكره بتوضيح و تعقيب منّا.

قال «قده» بعد نقل كلام الشيخ الاعظم ما محصله: «لا يخفى عليك ان حفظ النفس لا يتوقف على خصوص الاكتساب، فضلا عن كونه بمقدار يخرجه عن حدّ الفقر، فانه يكفي في حفظ النفس تحصيل قوت يسدّ به رمقه. سواء كان بالاكتساب، أو الاستدانة، أو الاستعطاء من الاصدقاء و الاقارب، أو الالتقاط من حشيش الارض، أو ببيع داره و غيرها. فلا يتنجز عليه التكليف بخصوص الاكتساب مقدمة لحفظ نفسه إلّا اذا علم بكون الاخلال به موجبا لتلفها. و متى احرز ذلك لم يجز له الاشتغال بالواجبات العينية أيضا فضلا عن الكفائية. و اما من لم يحرز ذلك و كان عنده مقدار ما يسدّ به رمقه فيجوز له ترك التكسب و الاشتغال بالاعمال المباحة، فضلا عن المستحبة و لا سيما تحصيل العلوم الدينية. و ليس يختص وجوب التفقه أو استحبابه بالاغنياء و الفقراء العجزة فقط. فاذا ترك القادر على الاكتساب كسبه، و قنع باقل القوت، و صبر على الفاقة، و اشتغل بتحصيل العلوم و تهذيب الاخلاق و العمل بالآداب الشرعية فقد زهد في دنياه و فاز في آخرته. فهذا

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 499.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

مما لا مجال للارتياب في رجحانه.

و لكن لا ملازمة بينه و بين جواز اخذ الزكاة، اذ لا ينفي ذلك قدرته على الاكتساب كي يحل له اخذ الصدقة. فيصير حاله كحال كثير من الفقراء المشتغلين بالعلم الذين لا يعطيهم احد شيئا من الزكاة و مع ذلك لا يموتون من الجوع. هذا.

و لكن لمانع ان يمنع اطلاق مانعية القدرة على التكسب عن اخذ الزكاة على وجه يتناول المقام، إذ لا يراد بالقدرة في قوله: «و هو يقدر ان يكف نفسه عنها»

القدرة العقلية، و إلّا لم يجز اخذها لصاحب الدار و الغلام و الجارية و الجمل. بل المراد كونه بالفعل مع الوضع العقلائي الذي انتخبه لنفسه من الاشغال الإنتاجية أو العلمية المتعارفة عند العقلاء متمكنا من القيام بنفقته و نفقة من يعوله بحيث يراه العرف غنيّا أو بحكمه.

فمثل طلبة العلم الذين جعلوا شغلهم التحصيل للعلوم النافعة غير المحرمة شرعا اذا قصر ما لهم عن مئونتهم غير مندرجين في هذا الموضوع.

و قدرتهم على ان يكفّوا انفسهم عن الزكاة باشتغالهم بالكسب بعد ما اتخذوا تحصيل العلم حرفة لأنفسهم كقدرة ارباب الحرف التي يقصر ربحهم على تغيير الكسب و اتخاذ حرفة اخرى، غير ملحوظة لدى العرف في اعتبار الغنى و الفقر» «1».

و اما القادر على الكسب التارك له تكاسلا بلا عذر عقلائي و اشتغال علمي فيعدّ قادرا عرفا على ان يكف نفسه عن الزكاة.

فالموضوع للمنع، القدرة العرفية للشخص مع وضعه الفعلي العقلائي المستحسن عندهم.

و نظير طالب العلم من جعل نفسه وقفا لخدمة المساجد و المعابد و الخدمات الاجتماعية و الرفاهية و نحو ذلك. فانهم مع كون أشغالهم أشغالا مستحسنة محترمة لدى العقلاء لو احتاجوا مع الوضع الفعلي في معيشتهم جاز لهم اخذ الزكاة و الخمس قطعا.

و بالجملة الفقر و الغنى يعتبران بلحاظ الوضع المشروع العقلائي الفعلي الذي انتخبه الانسان لنفسه بحسب ذوقه و سليقته.

______________________________

(1)- المصباح/ 89.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 355

و إن كان ممّا لا يجب و لا يستحب كالفلسفة و النجوم و الرياضيّات و العروض و العلوم الأدبية (1) لمن لا يريد التفقّه في الدين (2) فلا يجوز أخذه.

______________________________

هذا كله على فرض كون الاداء بلحاظ الفقر. و اما اعطاؤه من سهم سبيل اللّه فلا اشكال فيه اذا

كان العلم راجحا شرعا، بناء على كون المراد به كل قربة. كما انه لا اشكال في المسألة على مبنى صاحب الجواهر من جواز الاعطاء لتارك الشغل و لو تكاسلا، كما مرّ منه، فتدبر.

و في المستمسك فصّل بين وجوب الاشتغال بالعلم عليه عينا و بين غيره. قال ما حاصله: «لان الوجوب كذلك يوجب صدق كونه غير قادر على ان يكف نفسه عنها، اذ المراد من القدرة ما يعم القدرة الشرعية. و لذا يجوز اخذها لمن لا يقدر على المال الحلال و ان كان يقدر على المال الحرام. و مجرد الاستحباب فضلا عن الاباحة غير كاف في سلب القدرة» «1». و قد ظهر مما ذكرنا الجواب عما ذكره.

و اما القول بالمنع مطلقا فوجهه إما حمل القدرة على التكوينية فقط و المفروض وجودها لطالب العلم و اما لكون حفظ النفس اهم، فيقدّم على العلم الواجب أيضا، فيثبت قهرا القدرة على الكسب تكوينا و شرعا.

و كيف كان فالمشتغل بالعلوم و لا سيما الدينية منها يجوز له اخذ الزكاة قطعا ما دام مشتغلا بها مع الاحتياج. و اللّه العالم.

(1) في اكثر الامثلة مناقشة. فانها علوم نافعة للبشر، بل كثير منها مبتلي بها في تحكيم المعارف الاسلامية، و كذا في نظام الحياة الاجتماعية، فعدم الاعتناء و الاهتمام بها بعيد، و لا سيما من صاحب المستند الذي كان هو بنفسه اهلا لها و مستفيدا منها. و المصنف اخذ العبارة و الامثلة من المستند «2».

(2) يظهر منه حصر وجوب المقدمة أو استحبابها فيما اذا اتى بها بقصد الايصال، لا مطلقا.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 227.

(2)- المستند 2/ 45.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 356

هل يجوز لمن شك في كفاية ما بيده اخذ الزكاة؟

[مسألة 9]: لو شك في انّ ما بيده كاف لمئونة سنته

أم لا (1) فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ، و مع سبق العدم و حدوث ما يشك في كفايته (2) يجوز، عملا بالأصل في الصورتين.

______________________________

(1) للشك في بقاء ماله كما كان، أو تلف بعضه، أو احتمال الغلاء في لوازم الحياة فيما يأتي الى آخر السنة، أو كثرة العائلة و الاضياف فيما يأتي، أو غير ذلك. و الاستصحاب حجة مطلقا و لو بالنسبة الى الآتية، و لو رجع في بعض الصور الى الشك في المقتضى.

(2) كاحتمال كفاية ما ملكه جديدا بضميمة ما عنده و كموت بعض العائلة، أو خروجه عن عيلولته، أو احتمال سقوط القيمة في لوازم الحياة، أو موت بعض الأرحام و الوراثة منه فيما يأتي الى آخر السنة، أو غير ذلك.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 357

هل يقبل قول من ادعى الفقر؟
اشارة

[مسألة 10]: المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، و إن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين، و مع سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء (1) إلّا مع الظنّ بالصدق خصوصا في الصورة الاولى.

[كلمات الأصحاب في المسألة]

______________________________

(1) في الشرائع: «و لو ادعى الفقر فان عرف صدقه أو كذبه عومل بما عرف منه.

و ان جهل الامران اعطى من غير يمين، سواء كان قويا أو ضعيفا. و كذا لو كان له اصل مال. و قيل بل يحلف على تلفه» «1».

و في المدارك- في شرح قوله: «و ان جهل الامران»-: «هو المعروف من مذهب الاصحاب، بل ظاهر المعتبر و العلامة في جملة كتبه الثلاثة انه موضع وفاق» «2».

و في الجواهر: بلا خلاف معتدّ به اجده فيه» «3».

و في الحدائق: «و ان جهل حاله فالمشهور، بل ظاهرهم الاتفاق عليه انه يصدق في دعواه و لا يكلف يمينا و لا بيّنة» «4».

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 160.

(2)- المدارك/ 313.

(3)- الجواهر 15/ 320.

(4)- الحدائق 12/ 163.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

أقول: الظاهر ان المسألة ليست من المسائل الاصلية المأثورة عن الائمة- عليهم السلام- بل من المسائل التفريعية الاستنباطية. و لذا لا تجدها في الكتب الموضوعة لنقل المسائل المأثورة كالنهاية و المقنعة و الهداية و المقنع و المراسم و الغنية و نحوها. و انما تعرض لها الشيخ في خلافه و في مبسوطه الموضوع للتفريعات على ما صرح به في اول المبسوط. و قد ذكرنا غير مرة عدم حجيّة الإجماع و الاتفاق في هذا السنخ من المسائل المستنبطة من القواعد و الاصول باعمال النظر، نظير المسائل العقلية النظرية. فاتمام المسألة من طريق الاجماع و الاتفاق فضلا عن الشهرة

مشكل.

و العجب من صاحب الحدائق مع انكاره لحجية الاجماع من رأس ذكر من ادلة المسألة هنا اتفاق الاصحاب على الحكم، فراجع.

و كيف كان ففي الخلاف (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 12): «اذا طالب من ظاهره القوة و الفقر، و لا يعلم انه قادر على التكسب اعطى من الزكاة بلا يمين. و للشافعي فيه قولان: احدهما مثل ما قلناه، و الثاني انه يطالب بالبينة على ذلك. دليلنا ما قلناه في المسألة الاولى سواء» «1».

و في المسألة 11 قال: «دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم» 2. و لكن لا ربط لتلك المسألة بمسألتنا.

و المعتاد من الشيخ ارجاع احدى المسألتين الى الاخرى اذا كانتا متناسبتين، و كأنهما شقا مسألة واحدة. فمن المحتمل سقوط مسألة هنا، فقد كان قبل مسألتنا هذه مسألة مطالبة الشخص الذي ظاهره الضعف، ثم عنون هنا مطالبة من ظاهره القوة.

و في المبسوط: «فالفقراء و المساكين اذا ادعى انسان انه منهم و طلب ان يعطى من الصدقة فان لم يكن عرف له مال فالقول قوله و يعطى من غير بينة و لا استحلاف، لان الاصل عدم المال. و ان عرف له مال و ادّعى ذهابه و تلفه لم يقبل قوله إلّا ببينة، لان الاصل بقاء المال» «3».

______________________________

(1) (1- 2)- الخلاف 2/ 350.

(3)- المبسوط 1/ 253.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 359

..........

______________________________

و فيه أيضا: «اذا جاء رجل الى الامام أو الساعي و ذكر انه لا مال له و لا كسب و سأله ان يعطيه شيئا من الزكاة فان عرف الامام صدقه اعطاه. و ان عرف كذبه لم يعطه.

و ان جهل حاله نظر، فان كان جلدا في الظاهر اعطاه. و قيل انه يحلف لأنه يدعي امرا يخالف الظاهر. و قيل

انه لا يحلف و هو الاقوى. و اما اذا كان ضعيفا في الظاهر فانه يعطيه من الصدقة و لا يحلفه، لان الظاهر موافق لما يدعيه. فان ادعى هذا السائل انه يحتاج الى الصدقة لأجل عياله فهل يقبل قوله؟ قيل فيه قولان: احدهما يقبل قوله بلا بينة. و الثاني لا يقبل إلّا ببينة، لأنه لا يتعذر. و هذا هو الاحوط. هذا فيمن لا يعرف له اصل مال، فاذا عرف له اصل مال فادعى انه تلف و انه محتاج لا يقبل قوله إلّا ببينة، لان الاصل بقاء المال» «1».

و قد تعرض للمسألة في المعتبر و التذكرة و المنتهى و المختلف بالتفصيل، فراجع «2».

و مما في المنتهى قوله: «و لو ادعى المريض أو الشيخ أو الشاب الذي هو ضعيف البنية للعجز عن الحركة و الاكتساب قبل قوله اجماعا، لأنه يدعى ما يشهد له الظاهر بصدقه».

و ظاهره كون المراد بالإجماع اجماع المسلمين. و كأنه يظهر من الكلمات التسالم على قبول الدعوى اجمالا في الضعيف بالنسبة الى نفسه مع عدم سبق المال، و كأنهم متفقون في هذه الصورة.

و انما الخلاف فيمن سبق له المال، و في القويّ، و فيمن طالب الصدقة لعياله. هذا.

و في المقنع لابن قدامة: «ان ادعى الفقر من عرف بالغنى لم يقبل قوله إلّا ببينة، و ان ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله، لان الاصل عدم الغنى «3».

[استدلوا لقبول الدعوى بوجوه]

فاذا عرفت بعض الكلمات في المقام فنقول استدلوا لقبول الدعوى بوجوه كثيرة.

الاول: اصالة عدم المال، كما في المبسوط و المنتهى.

و فيه اولا: عدم الاطّراد، لعدم جريانه فيمن كان له مال فادعى تلفه.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 247.

(2)- المعتبر/ 278؛ التذكرة 1/ 231؛ المنتهى 1/ 526؛ المختلف 1/ 185.

(3)- المغني

2/ 706.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

و ثانيا: ان عدم المال و ان كان له حالة سابقة في الازل و لكنه انتقض غالبا، اذ يبعد جدّا عدم تموّل الشخص بمال الى حين ادعائه. و لعل اول مال تموّله كان بحد الغنى.

و ثالثا: ان الموضوع للحكم ليس هو المال و عدمه بل الفقر و الغنى. و اللازم كون مصبّ الاصل ما هو موضوع الحكم. فالأولى تبديله باصالة عدم الغنى.

و رابعا: انه مثبت، فان الفقر ليس صرف عدم المال أو عدم الغنى بالسلب المحصل بل بنحو المعدولة، اذ التقابل بين الغنى و الفقر بالملكة و عدمها عمن من شأنه ان يكون كذلك.

فالغنى من له مال فعلا أو قوة، و الفقير من عدم ذلك مع شأنيته. و من المحتمل أيضا ان يكون الامر بالعكس، فالفقير من في معيشته خلّة، و الغنى بخلافه. و كيف كان فاثبات الفقر باصالة العدم مشكل. نعم، لا يرد هذا الإشكال على من يجعل الاستصحاب امارة، كالقدماء من اصحابنا.

الثاني: اصالة العدالة في المسلم، كما في المعتبر و المنتهى.

و فيه ان العدالة عبارة عن ملكة وجودية محتاجة الى الاثبات، و استصحاب عدم العصيان لا يثبتها. اللّهمّ إلّا ان يمنع ذلك، و تجعل عبارة عن حسن الظاهر، أو يجعل حسن الظاهر امارة لها. و لكن هذا أيضا اخص من المدعى، اذ المدّعى قبول قول المدعى و ان لم يتصف بحسن الظاهر، فتدبر.

الثالث: اصالة الصحة في دعوى المسلم و اخباره. و مرجعه الى اصالة الصحة في عمل المسلم، فان القول من الاعمال أيضا. و استدل بها في التذكرة في رد الشيخ القائل بالاحتياج الى البينة فيمن كان له مال فادعى تلفه.

و فيه ان عمل المسلم لو

كان موضوعا لحكم شرعي لنا فباصالة الصحة في عمله نرتب الاثر الشرعي. كما لو شككنا في صحة عقده و فساده حملناه على الصحة. و لو شككنا في صحة صلاته جاز الاقتداء به.

بل لا تختص الصحة بعمل المسلم، اذ العقلاء يرتّبون على العقود و المعاملات الواقعة بين الناس من ايّ ملّة كانوا آثار الصحة، كما يشهد به سيرتهم في تجاراتهم و معاشراتهم.

و لكن الموضوع للحكم في المقام ليس هو قول المدعى و عمله، بل الفقير، فيجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 361

..........

______________________________

احرازه. ثم ليس صدق المدعى و كذبه صحة و فسادا لدعواه، كما لا يخفى.

الرابع: ان مطالبة المؤمن بالبينة أو اليمين اذلال له، و هو منهى عنه.

و فيه انه لا الزام لنا بمطالبته البينة أو اليمين، بل لا نعطيه إلّا اذا ثبت قهرا استحقاقه و فقره.

الخامس: انه مسلم ادعى ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه، كما في المعتبر و التذكرة.

و بعبارة أخرى: هو مدّع بلا معارض، فيسمع دعواه، كما دل على ذلك خبر منصور بن حازم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه الف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟

قال: للذي ادعاه «1».

و فيه ان الكيس في مفروض الحديث ليس لأحد عليه يد، و ليس في ضمان احد بخلاف المقام، فان الزكاة امانة في يد المالك و هو مأمور بايصاله الى اهله، فيجب عليه احرازه. و قد يقال: ان الكيس في يد الجميع، و منهم المدعى، فاذا سقط ايدي غيره بانكار الملكية حكم بملكية المدعى بمقتضى يده. و لكن الأظهر في الجواب ما قلناه.

السادس: ان

الفقر و الغنى من الحالات التي يتعذر إقامة البينة عليها غالبا، و لا تعرف عادة إلّا من قبل نفس الشخص، نظير دعوى المرأة كونها خلية من الزوج أو الحيض، أو محللة بالزواج بعد التطليق ثلاثا، أو دعوى الانسان اخراج زكاة ماله أو خمسه، أو ابدال النصاب أو بعضه في اثناء الحول، أو كون المال انقص من مقدار الخرص، أو كونه مديونا لزيد مثلا و لم يكذبه غريمه، أو الكتابة و لم يكذبه السيّد، و نحو ذلك فيكون قول الشخص و دعواه حجة في هذه الموارد.

قال في الحدائق: «و قد انهى شيخنا الشهيد الثاني جملة منها تزيد على عشرين موضعا، ثم قال: و ضبطها بعضهم بان كل ما كان بين العبد و بين اللّه و لا يعلم إلّا منه و لا ضرر فيه على الغير، أو ما تعلق به الحدّ أو التعزير» «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 18، الباب 17 من ابواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2)- الحدائق 12/ 167.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 362

..........

______________________________

أقول: ففي خبر ميسر «قال: قلت: لأبي عبد اللّه «ع»: القى المرأة بالفلاة التي ليس فيها احد فاقول لها لك زوج؟ فتقول: لا، فاتزوجها؟ قال: نعم، هي المصدقة على نفسها» «1».

و في خبر الاشعري «قال: قلت للرضا «ع»: الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه ان لها زوجا؟ فقال: و ما عليه؟ أ رأيت لو سألها البينة كان يحد من يشهد ان ليس لها زوج؟» «2».

و في صحيحة بريد بن معاوية ان امير المؤمنين- عليه السلام- امر مصدقه ان يقول لصاحب الاموال: هل للّه في اموالكم من حقّ فتؤدّوه الى وليّه؟ فان قال لك قائل: لا، فلا تراجعه «3» ...

و في صحيحة حمّاد، عن ابي

عبد اللّه «ع» في رجل طلّق امرأته ثلاثا فبانت منه فاراد مراجعتها، فقال لها: اني اريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري، فقالت له قد تزوجت زوجا غيرك و حلّلت لك نفسي، أ يصدق قولها و يراجعها؟ و كيف يصنع؟ قال: اذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها «4». هذا و لكن اشترط قبول الدعوى في هذه الرواية بكونها ثقة. و لعله لاستصحاب عدم التحلّل.

و في الحدائق: «قال بعض مشايخنا «رض»: المراد بكونها ثقة اي موثوق باخبارها غير متهمة، لا الثقة بالمعنى المصطلح. و هو كذلك» «5». اقول: لم يظهر لي مرادهما و هل الثقة بالمعنى المصطلح غير ما ذكره من المعنى؟.

و كيف كان فالظاهر ان هذا الدليل بضميمة السيرة المتصلة الى عصر المعصومين- عليهم السلام- اقوى الأدلة في المسألة. و سنعود اليه في آخرها.

السابع: استمرار السيرة خلفا عن سلف على صرف الصدقات فيمن يدعى الاستحقاق بلا مطالبة بالبينة أو اليمين.

و هذا في الجملة واضح، و لكن جريانها فيمن ظاهره القوة و لا سيما مع سبق الغنى مشكل.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 14، الباب 10 من ابواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 14، الباب 10 من ابواب المتعة، الحديث 5.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 15، الباب 11 من ابواب اقسام الطلاق، الحديث 1.

(5)- الحدائق 12/ 166.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 363

..........

______________________________

الثامن: استلزام العسر و الحرج على الفقير لو كلف باقامة البينة.

التاسع: ما رواه في الفقيه، قال: و قال النبي «ص»: المؤمن وحده حجة، و المؤمن وحده جماعة «1» و هذا التعبير من الصدوق يدل على وثوقه بصدور الخبر و الا لقال: «روى عنه».

أقول: ليس مفاد الخبر حجية قول المؤمن

و وجوب ترتيب الاثر عليه، بل لعل المراد ان وجود المؤمن في قرية أو منطقة حجة على اهلها، بحيث لا يمكنهم مع وجوده ادعاء القصور و عدم اطلاعهم على الأحكام الشرعية.

العاشر: ما جعله في الحدائق أمتن الأدلة و اظهرها. و محصله ان مورد البينة و اليمين الدعاوى الجارية بين اثنين، و في الاخبار الكثيرة: البينة على المدعى و اليمين على من انكر.

و لا دلالة في الأخبار على تكليف من ادعى شيئا و ليس له من يقابله و ينكر دعواه بالبينة أو اليمين. قال في المسالك بعد نقل خبر منصور بن حازم الوارد في حكم الكيس: و لأنه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعى منه، و لا لطلب البينة منه، و لا لإحلافه، اذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك «2».

أقول: يرد عليه اولا ان حجيّة البينة في باب الترافع و المخاصمات لا تنافي حجيتها في غيرها أيضا. و بناء الفقهاء في الابواب المختلفة، كإحراز العدالة و الطهارة و النجاسة و غيرها، على الاعتماد عليها. و تدل على حجيتها مطلقا موثقة مسعدة بن صدقة الحاكمة بحلّية ما شك في حرمته، و فيها: «و الاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» «3».

و ثانيا ان البحث في حجية دعوى الفقر و الدين و الكتابة و غيرها، لا في حجية البينة و اليمين. فلو فرض عدم حجيتهما فهذا لا يدل على حجية نفس الدعوى، اذ لأحد نفي حجيّة الجميع. و حيث ان موضوع الحكم هو الفقير و نحوه بوجوده الواقعي فلا محالة يجب احرازه بالعلم أو الوثوق المتاخم له.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 5، الباب 4 من ابواب صلاة الجماعة، الحديث 5.

(2)- الحدائق

12/ 165.

(3)- الكافي، ج 5، باب النوادر من كتاب المعيشة، الحديث 40.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

الحادي عشر: قوله- تعالى: «قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» «1» بضميمة ما ورد في تفسيره من الخبرين. ففي احدهما، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: «اني اردت ان استبضع بضاعة الى اليمن، فاتيت ابا جعفر «ع» فقلت له: اني اريد ان استبضع فلانا، فقال لي: اما علمت انه شرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين انهم يقولون ذلك، فقال لي:

صدقهم، فان اللّه يقول: يؤمن باللّه و يؤمن للمؤمنين» «2».

و في الآخر ان ابا عبد اللّه «ع» قال لابنه اسماعيل: يا بنيّ ان اللّه- عز و جل- يقول في كتابه: يؤمن باللّه و يؤمن للمؤمنين. يقول يصدق اللّه و يصدق للمؤمنين، فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» «3».

و فيه ان المورد مما يقتضي الاحتياط فيه ترتيب الاثر على قول القائل، و لعل بناء العقلاء أيضا على الاحتياط فيمن يريدون تسليطه على اموالهم. و لكن الاحتياط في المقام بالعكس، كما لا يخفى فتأمّل.

الثاني عشر: الاخبار الواردة في حكم من نذر جارية للكعبة، فراجع الوسائل ج 9 الباب 22 من ابواب مقدمات الطواف.

منها ما عن علي بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر «ع» قال: سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة؟ فقال: مر مناديا يقوم على الحجر فينادي الا من قصرت به نفقته، أو قطع به، أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و مره ان يعطي اولا فاولا حتى ينفد ثمن الجارية».

اذ يستفاد من هذه الاخبار قبول دعوى المدّعى من دون احتياج الى مثبت من يمين أو بينة.

و فيه اولا: انه جاء في خبر منها: «قم

على الحجر فناد هل من منقطع به، و هل من محتاج من زوارها؟ فاذا أتوك فسل عنهم و اعطهم و اقسم فيهم ثمنها». و هذا تقييد لبقية الاخبار.

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 61.

(2)- نور الثقلين، 2/ 237، الحديث 218.

(3)- نور الثقلين، 2/ 237، الحديث 219.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

و القول بأن السؤال عنهم لتشخيص كونهم من الزوّار في قبال اهل مكة، لا لتشخيص احتياجهم دعوى بلا دليل.

و ثانيا: انه يحتمل الخصوصية للمورد، فلا يتعدى منه الى باب الزكاة، اذ لعل الحجاج وافدون الى الكعبة، فلهم مطلقا نحو انتساب اليها، فيجوز اعطاؤهم مما نذر لها، نظير الإطعامات المتعارفة في المشاهد المشرفة. فيكون الاحتياج و الفقر فيها بنحو الداعي، لا التقييد. و هذا بخلاف المقام المقيد بالفقر و نحوه من الموضوعات الواقعية التي يجب احرازها.

الثالث عشر: الأخبار الحاكية لعمل النبي «ص» و الائمة- عليهم السلام- حيث كانوا يقسمون الصدقات و يعطونها لمن ادعى الفقر، أو الغرم بلا مطالبة باليمين أو البينة:

ففي خبر عامر بن جذاعة، قال: جاء رجل الى ابي عبد اللّه «ع» فقال له: يا ابا عبد اللّه «ع» قرض الى ميسرة، فقال له ابو عبد اللّه «ع»: الى غله تدرك؟ فقال الرجل: لا و اللّه. قال:

فالى تجارة تؤب؟ قال: لا و اللّه. قال: فالى عقدة تباع؟ فقال: لا و اللّه، فقال ابو عبد اللّه «ع»: فأنت ممّن جعل اللّه له في اموالنا حقّا، ثم دعا بكيس فيه دراهم فادخل يده فيه فناوله منه قبضة، ثم قال له: اتق اللّه و لا تسرف و لا تقتّر و لكن بين ذلك قواما، ان التبذير من الإسراف. قال اللّه- عزّ و جلّ: و لا تبذّر تبذيرا «1».

و

لا يخفى انه قضية في واقعة خاصة. فلعله كان في البين قرينة دالة على صدق الرجل، و الامام- عليه السلام- وثق بقوله. و «الحق» لا يتعين في الزكاة، فان اللّه فرض في اموال الاغنياء حقوقا غير الزكاة، كما في موثق سماعة «2». و ذلك مثل حق الحصاد و الجذاذ و الحق المعلوم، كما مرّ في اوائل الزكاة. هذا.

و في مرسلة العزرمي، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: جاء رجل الى الحسن و الحسين- عليهما السلام- و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا: ان الصدقة لا تحل إلّا في دين موجع، او غرم مفظع، أو فقر مدقع «3» ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فاعطياه. و قد كان الرجل سأل

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(3)- المدقع: المذلّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 366

..........

______________________________

عبد اللّه بن عمر و عبد الرحمن بن ابي بكر فاعطياه و لم يسألاه عن شي ء فرجع اليهما فقال لهما:

ما لكما لم تسألاني عما سألني عنه الحسن و الحسين «ع»، و اخبرهما بما قالا فقالا: انهما غذيا بالعلم غذاء «1».

و هل المراد بالصدقة في الخبر الزكاة أو الاعم؟ كلّ محتمل.

و استشكل في الذخيرة عليها بضعف السند، و عدم موافقة الحصر المفهوم منها لما ثبت بالادلة.

و اجاب في الحدائق عن الاول بانا لا نرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث، و بانه مجبور بالشهرة بل الاتفاق، و عن الثاني بان المراد الحصر بالنسبة الى هذا السائل لا مطلقا «2». هذا.

و في سنن ابي داود عن عبيد اللّه بن عدي بن خيار، قال: اخبرني رجلان انهما

اتيا النبي «ص» في حجة الوداع و هو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر و خفضه، فرآنا جلدين فقال: ان شئتما اعطيتكما، و لا حظّ فيها لغني و لا لقوي مكتسب «3». و لعل الظاهر من الخبر اعطاؤه «ص» اياهما بلا تصريح بذلك.

و لكن في التذكرة روى هذا المضمون ثم قال: «و دفع اليهما و لم يحلفهما» «4». الى غير ذلك من الاخبار الحاكية لصدقات النبي «ص» و الأئمة- عليهم السلام- الخالية عن مطالبتهم اليمين أو البينة، فيعلم بذلك قبول دعوى الفقر و نحوه بلا احتياج اليهما فتأمّل.

الرابع عشر: ما في الحدائق، و محصله «انه لو كانت البيّنة أو اليمين شرطا لخرج عنهم- عليهم السلام- فيه خبر دالّ على ذلك و لنقل لكثرة الابتلاء به و ليس، فليس. و هذا يرجع الى الاستدلال بالبراءة الاصلية على ما قدمناه في غير موضع. و محصله ان المحدث الماهر اذا تتبع الأخبار الواردة في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها و لم يظفر بذلك يحصل له العلم أو الظن المتاخم له بعدم ذلك الحكم» «5».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- الحدائق 12/ 164.

(3)- سنن ابي داود 2/ 118 كتاب الزكاة باب من يعطى من الصدقة.

(4)- التذكرة 1/ 231.

(5)- الحدائق 12/ 164.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 367

..........

______________________________

أقول: صدر كلامه لا بأس به، و اما ارجاعه الى البراءة الاصلية فواضح البطلان. اذ الاصل في المقام هو الاشتغال لا البراءة، اذ ليس المجعول في باب الزكاة شركة الفقير فقط من دون تكليف على صاحب المال، بل هو مأمور بايصال الزكاة الى اهلها و هي في يده امانة لا

يخرج عن عهدتها ما لم يعمل بوظيفته فيها.

و العجب من صاحب الجواهر حيث قال ما محصله: «الثابت من التكليف ايتاء الزكاة، لا ايتاؤها للفقير مثلا، و قوله تعالى: انما الصدقات الى آخره لا يفيد إلّا كونها لهم في الواقع، لا ان المكلف يجب عليه احراز الصفات في الدفع. فهي في الحقيقة كالمال المطروح الذي لا يد لا حد عليه» «1».

و بطلانه ظاهر، كما لا يخفى.

فهذه اربعة عشر دليلا ذكروها لقبول دعوى الفقر و نحوه بلا احتياج الى يمين أو بينة.

و اكثرها و ان كان قابلا للخدشة كما مرّ و لكن الفقيه الذي خلا ذهنه من الوسوسة ربما يطمئن بالتأمل في مجموعها بصحة المدعى، و لا سيما مع فرض حصول الظن من مشاهدة حال المدعى، لكثرة الابتلاء بهذا الموضوع و تعذر اقامة البينة أو تعسّرها غالبا، فيجرى دليل الانسداد الصغير بمقدماته، بل لا نحتاج الى الظن أيضا اذ الزكاة شرعت لسدّ الخلات بحيث لو اعطى الناس زكواتهم لم يبق فقير و لا غارم، كما نطقت به الاخبار، و لا تترتب هذه المصلحة العامة اذا فرض التضييق في مقام الاعطاء و التقسيم، اذ يبقى الأعفّاء محتاجين و محرومين كما لا يخفى.

نعم، يشكل الامر مع الظن بالخلاف و لا سيما مع سبق غنى المدّعى و قوّته.

و قال في مصباح الفقيه: «و عمدة ما يصح الاعتماد عليه في اثبات المدعى هي ان إخبار الشخص بفقره أو غناه كإخباره بسائر حالاته من الصحة و المرض معتبر عرفا و شرعا، و إلّا فلا طريق لتعرّف حاجة المحتاجين في الغالب سوى اخبارهم، فلو لم يقبل دعوى الفقر من اهله لتعذر عليه غالبا اقامة البينة عليه أو اثباته بطريق آخر غيرها اذ الاطلاع

على فقر

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 323.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 368

..........

______________________________

الغير و عدم كونه مالكا لما يفي بمؤونته من غير استكشافه من ظاهر حال مدّعيه أو مقاله في الغالب من قبيل علم الغيب الذي لا يعلمه إلّا اللّه، فلو بنى على الاقتصار في صرف الزكاة و سائر الحقوق التي جعلها اللّه للفقراء على من ثبت فقره بطريق علمي أو ما قام مقامه من بينة و شبهها لبقى جلّ الفقراء و المساكين الذين شرّع لهم الزكاة محرومين عن حقوقهم، و هو مناف لما هو المقصود من شرعها بل لا ينسبق عرفا من الامر بصرف المال الى الفقراء في باب الاوقاف و النذور و نظائرها الا ارادة صرفه فيمن يظهر من حاله او مقاله دعوى الفقر، كأرباب السؤال و نظائرهم ... و لذا استقرت السيرة خلفا عن سلف على صرف الصدقات فيمن يدعى الاستحقاق من غير مطالبة بالبينة ...» «1». و قد ادّى «قده» في عبارته هذه حق المسألة فتدبر.

ثم انه قد مرّ من الشرائع قوله: «و كذا لو كان له اصل مال، و قيل بل يحلف على تلفه» «2». و ظاهره وجود القائل بالحلف منّا، و قد ينسب الى الشيخ أيضا. و لكن المذكور في المبسوط كما عرفت لزوم البينة في الفرض، لا اليمين «3».

نعم، في التذكرة و المنتهى عن الشافعي لزوم الاحلاف في المدعى القوى البنية «4».

و قد يستدل على حجية اليمين في المقام بما دل على وجوب الرضا باليمين، كخبر ابي ايوب الخزّاز، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: من حلف باللّه فليصدق، و من لم يصدق فليس من اللّه في شي ء، و من حلف له باللّه فليرض، و من لم يرض فليس

من اللّه. و نحوه غيره فراجع الوسائل ج 16 الباب 6 من كتاب الأيمان.

و لكن يرد عليه كما في زكاة الشيخ الاعظم ان هذا لا يتم و إلّا لثبت كثير مما يتأمّل في ثبوته بقول مخبر مدع أو غير مدع بمجرد حلفه، و هذا يفتح بابا عظيما كأنه معروف الانسداد عند الفقهاء «5».

______________________________

(1)- المصباح/ 91.

(2)- الشرائع 1/ 160.

(3)- المبسوط 1/ 253.

(4)- التذكرة 1/ 231 و المنتهى 1/ 526.

(5)- زكاة الشيخ/ 500.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

فالظاهر ان المراد بالحلف في هذه الروايات الحلف في الموارد المقررة له، فيختص بمقام المخاصمة فتأمّل.

و قد اطلنا البحث في المسألة، و لعله أوجب الملال للقرّاء، و لكن المسألة مورد للابتلاء جدّا في باب مصارف الزكاة و الخمس و الوصايا و الاوقاف و النذور و نحوها، فهي جديرة بالبسط و الاهتمام بجوانبها المختلفة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 370

جواز احتساب الدين زكاة
اشارة

[مسألة 11]: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حيّا أو ميّتا (1).

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) المسألة بباب سهم الغارمين انسب. و المصنف ذكرها هنا و اعادها في ذيل سهم الغارمين في المسائل 24 و 25 و 26. و لعل غرضه من تعرضها هنا جواز الاحتساب من سهم الفقراء أيضا بناء على وجوب التقسيط بين الاصناف الثمانية.

و لا يخفى ان الغارمين في الآية الشريفة ذكروا بعد قوله: «وَ فِي الرِّقٰابِ»، فالظاهر كونهم بعنوان المصرف و لا يلزم التمليك لهم.

و يحتمل بعيدا كونه عطفا على الفقراء فيدخل عليه لام الملك.

فعلى الاول لا يقع الاشكال في اداء دين الغارم حيا و ميتا بلا اذن منه.

و اما على الثاني فيمكن الاشكال بان الملكية تقتضي تمليك الغارم ليؤدي بنفسه دينه.

و كيف كان ففي المقنع: «فان احببت ان تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج بها عن مؤمن فاجعله دينا عليه، فاذا حلت عليك الزكاة فاحسبها زكاة فتحسب لك من زكاة مالك» «1».

و في المقنعة: «و لا بأس ان يقضى بالزكاة عن المؤمن في حياته و بعد موته الديون» «2».

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 14.

(2)- المقنعة/ 42.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

فظاهر المقنع صورة كون الدين لمن عليه الزكاة، فيحسب نفس الدين زكاة من باب القيمة. و ظاهر المقنعة صورة كون الدين لغير من عليه الزكاة، فتصرف نفس الزكاة في اداء دينه.

و الشيخ في النهاية تعرض لجميع الصور فقال: «و اذا كان لك على انسان دين و لا يقدر على قضائه و هو مستحق له جاز لك ان تقاصّه من الزكاة. و كذلك ان كان الدين على ميت جاز لك ان تقاصّه منها. و ان كان على اخيك المؤمن دين

و قد مات جاز لك ان تقضيه عنه من الزكاة. و كذلك ان كان دين على والدك أو ولدك أو والدتك جاز لك ان تقضيه عنه من الزكاة» «1». فلم يفرق بين كون الدين لمن عليه الزكاة أو لغيره، و بين واجب النفقة و غيره.

و الظاهر من المقاصّة ان يعيّن بعضا مما فيه الزكاة للزكاة و يجعلها للمدين ثم يأخذها مقاصّة عمّاله عليه، كما في المسالك «2». و هذا بخلاف الاحتساب، اذ المراد به جعل نفس الدين زكاة من باب القيمة.

و في المدارك فسّر المقاصة بالقصد الى اسقاط ما في ذمة الفقير للمزكي من الدين على وجه الزكاة، ثم حكى تفسير الشهيد و استبعده «3».

أقول: ظاهر المقاصة ما ذكره الشهيد، و الاستبعاد بلا وجه مع قيام الدليل. هذا.

و في الشرائع: «و كذا لو كان للمالك دين على الفقير جاز ان يقاصّه. و كذا لو كان الغارم ميتا جاز ان يقضي عنه و ان يقاصّ. و كذا لو كان الدين على من تجب نفقته جاز ان يقضي عنه حيّا و ميتا، و ان يقاصّ» «4».

و قال في المدارك: «و هذا الحكم، اعنى جواز مقاصة المديون بما عليه من الزكاة مقطوع به في كلام الاصحاب، بل ظاهر المصنف في المعتبر، و العلامة في التذكرة و المنتهى انه لا

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

(2)- المسالك 1/ 60.

(3)- المدرك/ 317.

(4)- الشرائع 1/ 161.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

خلاف فيه بين العلماء» «1».

و لعله اراد بالعلماء العلماء من اصحابنا، و إلّا فبعض فقهاء السنة يخالف بالنسبة الى الميت.

قال في المعتبر: «و يجوز ان يقضي الدين عن الحي، و ان يقاص بما عليه للمزكى.

و يقضي الدين عمن تجب نفقته مع عجزه عنه

لدخوله تحت العموم و لان القضاء هو مصرف النصيب لا تمليك المدين. و كذا لو كان الدين على ميت قضى عنه. و قال احمد و جماعة من الجمهور: لا يقضي، لان الغارم هو الميت و لا يمكن الدفع اليه، و الغريم ليس بغارم فلا يدفع اليه» «2».

أقول: يظهر منه انه جعل الغارمين في الآية معطوفا على قوله: «فِي الرِّقٰابِ»، فيكون الغارم مصرفا. و كان احمد جعله معطوفا على الفقراء فادخل عليه لام الملك. و يظهر من تعبيره أيضا انه اراد بالمقاصة ما ذكره في المدارك كما لا يخفى.

و كيف كان فالظاهر انه لا اشكال عندنا في اصل المسألة، بل في الجواهر بالنسبة الى الميت: «بلا خلاف اجده في ذلك بل الاجماع بقسميه عليه» «3».

[الاخبار الواردة]
اشارة

و العمدة هي الاخبار الواردة، و هي على طوائف: الاولى: ما وردت بالنسبة الى الحي.

الثانية: ما وردت بالنسبة الى واجب النفقة.

[الاولى: ما وردت بالنسبة الى الحي]

اما الاولى: فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت ابا الحسن الاول- عليه السلام- عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي ان ادعه فاحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم» «4».

و منها موثقة سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد ان يعطيه من الزكاة. فقال: ان كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين،

______________________________

(1)- المدارك/ 317.

(2)- المعتبر/ 280.

(3)- الجواهر 15/ 365.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 373

..........

______________________________

من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجوان يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، فان لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فيعطيه من زكاته و لا يقاصّه بشي ء من الزكاة» «1».

و ما في هذه الرواية من التفصيل- كالأمر بالاعطاء من زكاته لخصوص هذا الشخص- محمول على الاستحباب جزما. و قد خيّر فيها بين المقاصة و الاحتساب، و قد عرفت الفرق بينهما.

و لو لا هذه الرواية امكن الاشكال في المقاصة، فان الزكاة ما لم تصر ملكا للغارم لم يصدق التقاص منه. و ولاية الشخص على تمليك الزكاة للغارم، ثم الاخذ منه مقاصة بلا اذن منه و لا امتناع من قبله لأداء الدين خلاف الاصل.

و الاولى اختيار

الاحتساب، لان الدين من اموال من عليه الزكاة و هو مقبوض للغارم، و قد مرّ عدم تعين اداء الزكاة من العين و جواز الاداء من القيمة و بتمليكه زكاة يسقط الدين قهرا. و المصنف أيضا عبّر بالاحتساب، كالمقنع. و لكن الشيخ و المحقق عبّرا بالمقاصة، كما مرّ.

و من الروايات أيضا خبر عقبة بن خالد قال: دخلت انا و المعلى و عثمان بن عمران على ابي عبد اللّه «ع» فلما رآنا قال: مرحبا مرحبا بكم. وجوه تحبّنا و نحبّها. جعلكم اللّه معنا في الدنيا و الآخرة، فقال له عثمان جعلت فداك، قال ابو عبد اللّه «ع»: نعم مه؟ قال: اني رجل موسر، فقال له: بارك اللّه لك في يسارك. قال: و يجئ الرجل فيسألني الشي ء و ليس هو ابان زكاتي؟ فقال له ابو عبد اللّه «ع»: القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة.

و ما ذا عليك اذا كنت- كما تقول- موسرا اعطيته، فاذا كان ابان زكاتك احتسبت بها من الزكاة. يا عثمان! لا تردّه، فان ردّه عند اللّه عظيم الحديث «2».

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 374

..........

______________________________

و منها أيضا مرسل الصدوق قال: و قال الصادق «ع» نعم الشي ء القرض، ان أيسر قضاك، و ان أعسر حسبته من الزكاة «1».

[الثانية: ما وردت بالنسبة الى واجب النفقة]

و امّا الطائفة الثانية: فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن رجل عارف فاضل توفّى، و ترك عليه دينا قد ابتلى به، لم يكن بمفسد و لا بمسرف، و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟

قال: نعم «2».

و منها خبر ابراهيم بن السندي، عن يونس بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول:

قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر «خير»، ان أيسر قضاك، و ان مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة «3».

و منها خبر ابراهيم بن السندي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، ان أيسر ادّى، و ان مات احتسب من زكاته «4». و الظاهر اتحاد الخبرين و سقوط يونس من سند الثاني، كما لا يخفى.

و منها خبر هيثم الصيرفي و غيره، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: القرض الواحد بثمانية عشر، و ان مات احتسب بها من الزكاة «5».

و منها خبر موسى بن بكر، عن ابي الحسن «ع» في حديث قال: من طلب الرزق فغلب عليه فليستدن على اللّه- عزّ و جل- و على رسوله ما يقوت به عياله، فان مات و لم يقض كان على الامام قضاؤه، فان لم يقضه كان عليه وزره، ان اللّه يقول: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْغٰارِمِينَ، فهو فقير مسكين مغرم «6».

و كيف كان فالمسألة واضحة بعد ما مرّ من الاخبار، فيجوز قضاء دين الغارم و الاحتساب عليه حيّا و ميّتا. و تدل عليه الآية الشريفة أيضا بعد ما مرّ من عطف الغارمين على الرقاب و كونهم بعنوان المصرف، فلا يجب تمليكهم و تملكهم حتى يشكل الأمر

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 16.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل، ج 6،

الباب 49 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(6)- الوسائل، ج 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 375

لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه (1) و إلّا لا يجوز.

______________________________

بالنسبة الى الاموات أو الاحياء بلا اذن منهم، فتدبر.

[الثالثة من الاخبار ما وردت بالنسبة إلى واجب النفقة]

و امّا الطائفة الثالثة من الاخبار: فتأتي في الحاشية التالية.

(1) كما عن المبسوط و الوسيلة و التذكرة و التحرير و الدروس و البيان و المدارك التصريح به، خلافا لصريح المختلف و ظاهر المنتهى و نهاية الشيخ و ابن ادريس و الشرائع و اللمعة، فجوزوا الوفاء مطلقا كما قيل.

ففي المبسوط بعد ما حكم بدخول قضاء الدين عن الحي و الميت في سبيل اللّه قال:

«و سواء كان الميت الذي يقضي عنه اذا لم يخلف شيئا كان ممن يجب عليه نفقته في حياته أو لم يكن» «1».

و فيه أيضا فيما اذا استسلف الوالي بعيرا لزميلين، قال: «و ان ماتا قبل الحول و قبل الوجوب فان الزكاة لا تقع موقعها إلّا ان يكون لم يخلفا شيئا فعندنا يجوز ان يحتسب به من الزكاة» «2».

و في التحرير: «و الظاهر ان جواز المقاصة انما هو مع قصور التركة» «3».

و في الدروس: «و يجوز مقاصة غريم المستحق حيا و ميتا اذا لم يترك ما يصرف في دينه» «4».

و لكن قال في المختلف: «قال ابن الجنيد: و لا بأس أيضا ان يحتسب المزكي بما كان اقرضه الميت من ماله من الزكاة اذا عجز الميت عن اداء ذلك. و الأقرب عندي عدم الاشتراط. لنا عموم الامر بجواز احتساب الدين على الميت من الزكاة، و لأنه بموته انتقلت التركة الى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا» «5». و

الظاهر مما حكاه عن ابن الجنيد عجز تركة الميت لا عجزه بنفسه عند حياته.

و كيف كان ففي المسألة قولان: الاول: ما ذكره المصنف تبعا للشيخ و غيره من

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 252.

(2)- المبسوط 1/ 229.

(3)- التحرير 1/ 69.

(4)- الدروس/ 62.

(5)- المختلف 1/ 183.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 376

..........

______________________________

الاشتراط، و هو الاقوى.

و يدل عليه صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل حلّت عليه الزكاة و مات ابوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين ابيه و للابن مال كثير؟ فقال: ان كان ابوه اورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته، و ان لم يكن اورثه مالا لم يكن احد احقّ بزكاته من دين ابيه، فاذا ادّاها في دين ابيه على هذه الحال اجزأت عنه «1».

هذا مضافا الى ان الظاهر من الآية الشريفة و المنساق منها كون المراد بالغارم الغارم الذي ليس له بازاء دينه ما يوفّى به، فلا يشمل الغارم المتمكن من اداء دينه بلا تعب و مشقة. و حيث ان مفاد آيات الميراث كون رتبة الارث بعد الدين و الوصية فتركة المتوفي اذا كانت وافية بدينه فلا محالة تقع بازائه، من غير فرق بين كونها من مستثنيات الدين و غيرها، و بين احتياج الورثة و غيره. فان المستثنيات انما هي بالنسبة الى الأحياء المحتاجين، و لا تجري بالنسبة الى الميت. و احتياج الورثة لا يوجب انتقال الارث اليهم قبل الدين و الوصية، فيجب صرف التركة في الدين و تأمين الورثة من بيت المال.

هذا.

و كون مورد الصحيحة واجب النفقة لا يوجب الاختصاص به. و استثناء واجب النفقة من

مصرف الزكاة انما هو بالنسبة الى سهم الفقراء و المساكين دون الغارمين، اذ ليس اداء الدين من النفقة الواجبة على القريب، كما يدل على ذلك موثقة اسحاق بن عمّار أيضا قال: سألت ابا عبد اللّه «ع» عن رجل على ابيه دين و لأبيه مئونة أ يعطى اباه من زكاته يقضي دينه؟ قال نعم، و من احقّ من ابيه؟ «2».

و اما القول الثاني فهو مختار العلامة في المختلف، و يقتضيه اطلاق الفتاوى في النهاية و الشرائع و اللمعة و غيرها و ان لم يصرحوا بالاطلاق. و قد مرّ استدلال العلامة عليه بوجهين:

الاول: عموم اخبار الاحتساب، بتقريب انها في مقام البيان، فلو كان عدم التركة

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 18 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 377

نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة أو غيرهم- فالظاهر الجواز (1).

______________________________

شرطا له لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. بل قلّ ما لا يوجد شي ء ما للميت، فحمل الأخبار على صورة عدم التركة، حمل على فرد نادر.

الثاني: ما ذكره على مبناه من انتقال جميع التركة الى الوارث، فيكون الميت عاجزا.

و يرد على الاول منع كون اخبار الاحتساب في مقام البيان من كل جهة. و لو سلّم فالاطلاق فيها يقيد بصحيحة زرارة. و بناء الفقه في جميع الابواب على تخصيص العمومات، و تقييد المطلقات و ان كان العام و المطلق في لسان النبي «ص» مثلا، و الخاص و المقيد في لسان العسكري «ع».

و يرد على الثاني منع انتقال مقدار الدين و الوصية الى الوارث، بل هو يبقى على ملك الميت.

و قد حققناه فيما سبق. و لو سلم فلا يكون مقدارهما ملكا طلقا للوارث، بل يجب اخراج الدين و الوصية منه قطعا بمقتضى آيات الارث، و يكون رهنا عليهما. فلا تفاوت بين القولين من هذه الجهة. هذا.

و مقتضى اطلاق كلام المختلف جواز الاداء و ان كانت تركة الميت آلاف ألوف، و كان الورثة متمكنين جدا و باذلين غير مستنكفين. و الالتزام بذلك مشكل جدّا، بل يبعد جدا التزام العلامة أيضا بذلك.

(1) في البيان: «نعم لو اتلف الوارث المال و تعذر الاقتضاء لم يبعد جواز الاحتساب و القضاء» «1».

و في المسالك: «نعم لو لم يعلم الوارث بالدين و لم يمكن للمدين اثباته شرعا، أو اتلف الوارث التركة و تعذر الاقتضاء منه جاز الاحتساب على الميت قضاء و مقاصة» «2». و نحو ذلك في الروضة. و نفى عنه البعد في الجواهر اقتصارا في تقييد المطلق على محل اليقين.

______________________________

(1)- البيان/ 195.

(2)- المسالك 1/ 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 378

..........

______________________________

و اورد عليه في المستمسك «بان التقييد لم يكن بدليل لبي ليقتصر فيه على محل اليقين، بل انما كان بدليل لفظي فيجب الاخذ باطلاقه، و هو شامل للفرض، إلّا ان يكون المراد دعوى الانصراف الى صورة اقدام الورثة على الوفاء» «1».

أقول: و الانصراف ظاهر، اذ المال الذي لا يستفاد منه استفادة مالية يكون وجوده كالعدم. و لو فرض كون الحي مالكا لآلاف ألوف و لكن تسلط عليها الظالم و حجبه عنها و لم يمكن له انقاذها فهل لا يجوز اعطاؤه من الزكاة لمئونته، أو دينه؟ و اذا فرضنا الجواز في الحي ففي الميت اولى، اذ الحي له قدرة ما على احقاق حقّه و اعلان الظلم الواقع عليه، و الميّت

عاجز عن ذلك، فلو منعنا الجواز في الميت لزم كونه أسوأ حالا من الحيّ، و هو كما ترى.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 232.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 379

هل يجب اعلام الفقير أنّ ما أعطاه زكاة؟
اشارة

[مسألة 12]: لا يجب اعلام الفقير أنّ المدفوع اليه زكاة (1)، بل لو كان ممّن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحق، يستحب دفعها اليه على وجه الصلة ظاهرا، و الزكاة واقعا.

[كلمات الأصحاب]

______________________________

(1) كما عن جمع كثير التصريح به، بل عن غير واحد الاجماع عليه. كذا في المستمسك «1».

و قال في النهاية: «فان عرفت من يستحق الزكاة، و هو يستحي من التعرض لذلك، و لا يؤثر ان تعرفه جاز لك ان تعطيه الزكاة و ان لم تعرفه انه منها، و قد اجزأت عنك» «2».

أقول: و يدل على عدم وجوب الإعلام مضافا الى اطلاق الادلة صحيحة ابي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام: الرجل من اصحابنا يستحيي ان يأخذ من الزكاة فاعطيه من الزكاة و لا اسمى له انها من الزكاة؟ فقال: اعطه و لا تسمّ له، و لا تذلّ المؤمن «3».

و سند الكليني فيه سهل، و لكن الامر فيه سهل. و سند الصدوق صحيح.

و دعوى ضعفه باشتراك ابي بصير بين الثقة و غيره يردها- مضافا الى منع ذلك، كما

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 232.

(2)- النهاية/ 188.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 58 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 380

..........

______________________________

قيل- ان الراوي عنه هنا عاصم بن حميد، فيتعين بذلك ارادة ليث المرادي منه، و هو ثقة قطعا.

و كيف كان فاصل عدم وجوب الإعلام مما لا اشكال فيه. و يدل عليه اطلاق الادلة و صحيحة ابي بصير، و لا يعارضها في ذلك شي ء.

نعم في المستمسك بعد نقل الصحيحة قال: «نعم يعارضه مصحح ابن مسلم: قلت لأبي جعفر «ع» الرجل يكون محتاجا فيبعث اليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك

ذمام و استحياء و انقباض، فيعطيها اياه على غير ذلك الوجه و هي منا صدقة؟ فقال: لا اذا كانت زكاة فله ان يقبلها، و ان لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها اياه، و ما ينبغي له ان يستحيي ممّا فرض اللّه، انما هي فريضة اللّه له فلا يستحيي منها «1».

لكن اعراض الاصحاب عنه مانع عن صلاحيته للمعارضة، مع ان الاول نص في الجواز، فلا يقوى الثاني على صرفه و ان كان ظاهرا في المنع كما لا يخفى» «2».

اقول: لا ادري اي معارضة بين الصحيحتين حتى يحمل الظاهر على النص؟ فان الشرط في التعارض كون مصبّ الاثبات و النفي امرا واحدا و ليس الامر هنا كذلك. اذ المرخص فيه في الاولى عدم الإعلام، و الممنوع عنه في الثانية الإعطاء على غير وجه الزكاة، كالصلة و نحوها. و المنع عن ذلك لا يلازم وجوب الإعلام.

نعم ربما يقتضي اطلاق الاولى جواز الاعطاء على غير وجه الزكاة أيضا، و لكنه صرف اطلاق بدويّ، تعارضه صراحة الثانية في المنع.

و اجاب في الحدائق عن صحيح محمّد بن مسلم بما حاصله: «انه غير معمول به على ظاهره و لا قائل به، بل الاخبار و كلام الاصحاب على خلافه، و لا يعول عليه و ان صح سنده، مع مخالفته للأخبار و كلام الاصحاب بل اتفاقهم. و الصحة في التحقيق، انما هي باعتبار المتون و مطابقتها للقواعد الشرعية و الاخبار المروية و اتفاق الاصحاب، فلا بد من

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 58 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- المستمسك 9/ 233.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 381

..........

______________________________

ارتكاب التأويل في الخبر المذكور. و الأظهر حمل قوله في الجواب: «لا» على الاضراب عن الكلام

السابق، لا على نفى اعطائها اياه على غير ذلك الوجه، و يكون ما بعد «لا» بيان ما هو الاولى، فبين انها اذا كانت زكاة فله ان يقبلها و لا ينبغي له ان يستحيي، فان لم يقبلها على هذا الوجه فلا تلزمه بها و تعطيها اياه على وجه الزكاة. و يفهم منه جواز الاعطاء لا على الوجه المذكور» «1».

و في المدارك حمل الصحيحة على الكراهة «2» و حملها في الوسائل على احتمال كون الامتناع لعدم الاحتياج و انتفاء الاستحقاق «3».

و عن الوافي: «انه انما نهى عن اعطائها اياه لأنه ان كان مضطرا اليها فقد وجب عليه اخذها، و ان لم يأخذها فهو عاص، و هو كمانع الزكاة و قد وجبت عليه، و ان لم يضطر اليها و لم يقبلها فلا وجه لإعطائها اياه» «4».

أقول: الحمل على الكراهة خلاف الظاهر لا يصار اليه إلّا بدليل. و ما في الوسائل خلاف ما فرضه الراوي من كون الرجل محتاجا.

و يرد على ما في الوافي ان الاحتياج أعم من الاضطرار الموجب للأخذ بحيث يكون تركه عصيانا كما لا يخفى.

و اما ما في الحدائق ففيه انه لو ثبت الإعراض عن الصحيحة فهو، و اما مخالفتها للأخبار و اتفاق الاصحاب بحيث تسقط بذلك عن الحجية فغير واضحة، اذ صحيحة ابي بصير كما مرّ لم يذكر فيها الّا عدم وجوب التسمية و الاعلام، و لم تتعرض لجواز الإعطاء بغير وجه الزكاة.

كما ان الاصحاب أيضا في كتبهم الموضوعة لنقل المسائل المأثورة لم يتعرضوا لجواز ذلك، فقد رأيت ان الشيخ في نهايته لم يتعرض الّا لعدم وجوب الإعلام.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 172.

(2)- المدارك/ 213.

(3)- الوسائل 6/ 219.

(4)- الوافي 2 (م 6)/ 31.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص:

382

..........

______________________________

نعم قال في مبسوطه الذي وضعه لبيان المسائل التفريعية: «و يجور ان يعطي الزكاة لمن كان فقيرا و يستحيي من اخذه على وجه الصلة و ان لم يعلم انه من الزكاة المفروضة» «1».

و في الشرائع: «و لا يجب اعلام الفقير ان المدفوع اليه زكاة، فلو كان ممن يترفع عنها و هو مستحق جاز صرفها اليه على وجه الصلة» «2».

و في التذكرة: «و لا يجب إعلام المدفوع اليه انها زكاة، فلو استحيى الفقير من اخذها علانية استحب ايصالها اليه على وجه الهدية و لا يعلم انها زكاة لما في الإعلام من اذلال المؤمن و الاحتقار به، و لان أبا بصير ... و لا نعلم في ذلك خلافا» «3»

و لا يخفى ان دليله، و كذا خبر ابي بصير لا يستفاد منهما إلّا عدم وجوب الإعلام. فمن المحتمل رجوع عدم الخلاف أيضا الى ذلك، لا الى استحباب الايصال على وجه الهدية.

و كيف كان فجواز الإعطاء على وجه الصلة و الهدية أو استحبابه ممّا لم نجد فيه خبرا و لا فتوى من القدماء في الكتب المعدّة لنقل المسائل المأثورة حتى يثبت فيه الإجماع أو الاتفاق المفيد.

و قد عرفت منا مرارا عدم حجية الاجماع و الاتفاق في المسائل التفريعية، مضافا الى عدم احرازهما في المقام.

و العجب من الحدائق، فانه لا يعتنى بالإجماعات المتحققة في المسائل الاصلية المأثورة، و يدعى عدم حجيتها- كما فصل ذلك في مبحث صلاة الجمعة- فكيف اعتنى هنا بما سماه اتفاق الاصحاب، و ترك العمل بصحيحة محمد بن مسلم الصريحة في عدم جواز الاعطاء على غير وجه الزكاة كالصلة و الهدية و نحوهما «4».

و لا ادري باي دليل افتى العلامة في التذكرة، و المصنف في المقام

بالاستحباب؟! مع ان الاستحباب كالوجوب حكم شرعي يحتاج الى دليل معتبر يدل عليه، و صحيحة ابي

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 247.

(2)- الشرائع 2/ 160.

(3)- التذكرة 1/ 237.

(4)- الحدائق 12/ 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 383

..........

______________________________

بصير لم تدل إلّا على عدم وجوب التسمية فقط.

[تتمة: شقوق المسألة في كلام السيد الميلاني]

تتمة: اعلم ان المرحوم، آية اللّه الميلاني- طاب ثراه- انهى شقوق المسألة الى اثنى عشر قسما، قال: لان الدافع اما ان يعطى بعنوان الزكاة و يسميها، أو لا يسمّى الزكاة و لكنه يقصدها، أو يعطى بعنوان الصلة و يقصد الزكاة، أو يعطى بعنوان الصلة. فهذه اربعة اقسام. و الآخذ اما ان يترفع عن الزكاة سميت أو لم تسم، أو لا يترفع عنها و ان سميت، أو يترفع عن التسمية و لكنه يقبل الزكاة. فهذه ثلاثة، تضرب في الاربعة «1».

و الشيخ الاعظم في زكاته ذكر خمسة شقوق ترجع الى ستة، فقال ما حاصله: «حاصل صور المسألة خمس: احدها: ان يدفعها على وجه الزكاة على وجه الإعلام، و يأخذ القابض كذلك. و لا اشكال فيه.

الثانية: ان يدفعها بقصد الزكاة من غير إعلام بانها زكاة، و يأخذها القابض عالما بانها زكاة. و لا اشكال فيها أيضا.

الثالثة: ان يدفعها بقصد الزكاة بعنوان الصلة و الهدية، و يأخذها القابض على وجه الزكاة. و لا اشكال فيها، و لا في استحبابها من جهة استحياء الفقير.

الرابعة: الصورة بحالها و لكن يأخذها القابض بالعنوان الذي دفع اليه، فان كان ممّن لا يمتنع عنها اذا اطلع على كونها زكاة فمقتضى العمومات الجواز، بناء على ان قبض الزكاة ليس كالقبول الفعلي للعقود يعتبر فيه المطابقة للإيجاب، بل المقصود قبول تملكه على اي نحو كان. و ان امتنع اذا اطلع على كونها زكاة

فهذا هو الذي دلت الحسنة على النهي عن اعطائه، فان اخذنا بظاهرها و لم نحملها على الكراهة أشكل الامر في هذا القسم، بل القسم الاول منها، لاشتراك القسمين في وقوع القبول على غير وجه الصدقة و إن امكن الفرق بينهما بان القابض في القسم الاول قبض المدفوع اليه على وجه مطلق التمليك و التملك المطلق، بخلاف القسم الثاني فانه يقصد التملك الخاص المقابل لوجه الزكاة.

الخامسة: ان يدسّها في مال الفقير من غير اطلاعه. و مقتضى بعض ما يستفاد منه ان

______________________________

(1)- كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني 2/ 96.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 384

..........

______________________________

المقصود الوصول الى المستحق، و ما دل على انها بمنزلة الدين هو الجواز، إلّا انه يشكل من جهة عدم تملك الفقير له، فهو مال المالك» «1».

أقول: لا اشكال في صحة الأوليين، لما مرّ من دلالة الاطلاقات و صحيحة ابي بصير على عدم وجوب التسمية و الاعلام.

و كذا في اصل صحة الثالثة، لقصد كليهما وجه الزكاة. نعم في جواز اظهار عنوان الصلة قولا أو عملا مع كونه كذبا محرما بصرف استحياء الآخذ- فضلا عن استحبابه- كلام بل منع. اذ ارتكاب المحرم لا يجوز إلّا مع تحقق مصلحة ملزمة اقوى أو مساوية لمفسدة المحرم، و الاستحباب يحتاج الى دليل شرعي كما مرّ، و لكن لا يضر ذلك بصحة الزكاة كما لا يخفى.

و اما الرابعة فان فرض صيرورة عنوان الصلة داعيا لقبول الآخذ و تملكه المطلق بلا تقييد فالظاهر الصحة، لعدم الدليل على وجوب قصد الآخذ خصوص الزكاة. و اما اذا فرض قبوله بنحو التقييد بعدم كونه زكاة فيصير وزانه وزان الصورة الخامسة في عدم تحقق التمليك و التملك. المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم

المنع من الإعطاء على غير وجه الزكاة، و مقتضاه اعتبار قصد القابض للزكاة و لو اجمالا، بحيث ينافيه قصد العنوان المباين لها.

اللّهمّ ان يقال باعراض الاصحاب عن الصحيحة، و اننا لا نحتاج في باب الزكاة و كذا الخمس و المظالم و نحوها الى التمليك و التملك اصلا، بل يكفي صرفها في المصارف المعينة، و لا سيما بملاحظة شيوع استعمال الصدقة في الاوقاف العامة و الخاصة و الكفارات الحاصلة بالاشباع. فمفاد الصدقة التي منها الزكاة تتحقق بصرف المال في كل وجه خيري، سواء كان بنحو التمليك، أو الصرف بنفسه، أو بمنافعه. و لذا جاز الاحتساب على الحي و الميت كما مرّ. و اللام في الآية ليست للتمليك بل لبيان المصرف فقط، و لذا لا يجب التوزيع على الاصناف أيضا. فيكفي أيضا الدس في مال الفقير و ان لم يتوجه اليه اصلا. هذا.

و لكن رفع اليد عن ظاهر الصحيحة مشكل، و قد عرفت عدم منافاتها لمفهوم صحيحة ابي بصير.

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 501.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 385

[لو اقتضت المصلحة التصريح بعدم كونها زكاة]

بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز (1) إذا لم يقصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة بل قصد مجرد التملك (2).

______________________________

و قد يستدل لكفاية صرف الوصول الى المستحق باي عنوان كان- كما اشار اليه الشيخ- بموثقة سماعة، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: اذا اخذ الرجل الزكاة فهي كما له، يصنع بها ما يشاء. قال: و قال: انّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها، و هي الزكاة فاذا هي وصلت الى الفقير فهي بمنزلة ماله، يصنع بها ما يشاء. فقلت:

يتزوج بها و يحجّ منها؟ قال: نعم، هي ماله ... «1».

و لا يخفى

ضعف الاستدلال، اذ الموثقة في مقام بيان عدم محدودية الفقير في الصرف، لا في كفاية صرف الوصول بأيّ نحو كان فتدبّر.

(1) قد مرّ عدم كفاية كل مصلحة لتسويغ الكذب الذي هو احد الكبائر. اللّهمّ إلّا ان تكون مصلحة ملزمة.

(2) يظهر من المصنف الاعتماد على صحيحة محمد بن مسلم، حيث شرط عدم قصد القابض لعنوان آخر، و هو الاحوط. و لكن منع كثير من المحشين دخالة قصد القابض و كون قصد عنوان آخر مضرا، فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 41 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 386

لو دفعها باعتقاد الفقر فبان كونه غنيا
اشارة

[مسألة 13]: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا، فان كانت العين باقية ارتجعها (1)، و كذا مع تلفها إذا كان القابض عالما

[وظيفة الآخذ]

______________________________

(1) وجوبا اذا تعين كون المدفوع زكاة بالعزل و نحوه، أو توقف عليه اداء الزكاة لانحصار ماله فيه، و جوازا في غيرهما.

و كيف كان فلا وجه لعدم جواز الارتجاع مع بقائها و عدم انتقالها الى الآخذ و ذلك لنيّة الدافع الزكاة و عدم كونه مصرفا لها، سواء صرفها اليه بعنوان الصلة، أو اجمل وجهها، أو صرح بكونها زكاة. و اظهار خلاف وجهها الواقعي يجعله معذورا في التصرف، لا منتقلا اليه الملك حقيقة.

و لكن في المبسوط: «فان شرط حالة الدفع انها صدقة واجبة استرجعها، سواء كانت باقية أو تالفة ... و اما ان دفعها مطلقا و لم يشرط انها صدقة واجبة فليس له الاسترجاع، لان دفعه محتمل للوجوب و التطوع، فما لم يشرط لم يكن له الرجوع» «1». و نحو ذلك في المنتهى أيضا «2».

و في المعتبر: «فان عرفه انها زكاة ارتجعت ... و ان دفعها مطلقا لم ترتجع، لان الظاهر انها صدقة» «3».

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 261.

(2)- المنتهى 1/ 527.

(3)- المعتبر/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 387

بكونها زكاة (1).

و إن كان جاهلا بحرمتها للغني (2)، بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها

______________________________

و لكن يرد على ذلك انّ التعويل على الظاهر فضلا عن الاحتمال انّما هو في مرحلة الظاهر، و الكلام انّما هو في وظيفة الدافع وجوبا أو جوازا بحسب الواقع.

نعم لو وقع التخاصم بينهما فادّعى القابض انها كانت صدقة مندوبة، أو هبة لازمة بمقتضى الظاهر أو اصالة الصحة، و ادعى الدافع كونها زكاة امكن القول بتقديم قول الآخذ، اخذا بالظاهر أو

اصل الصحة. كما يمكن القول بتقديم قول الدافع، لأنّه أبصر بنيّته، و لا تعرف إلّا من قبله.

و لكن البحث في المقام انما هو في حكم الواقعة بنفسها، لا في مرحلة التخاصم.

و لعلّ نظر الشيخ و العلامة و المحقق فيما ذكروه الى مرحلة التخاصم.

و يؤيد ذلك ان الشيخ في المبسوط ذكر التفصيل المذكور فيما اذا كان الدافع هو المالك، و قال فيما اذا كان الدافع هو الامام: «فان كانت الصدقة باقية استرجعت، سواء كان الامام شرط حال الدفع انها صدقة واجبة، أو لم يشرط» «1». حيث ان التخاصم و الترافع يقع مع المالك دون الامام، فانه هو الحاكم المحكّم.

و كيف كان ففي صورة بقاء العين ترتجع وجوبا أو جوازا بلا اشكال، من غير فرق بين شقوقه: سواء كان دفعها بعنوان الصلة، أو الزكاة، أو بنحو الاجمال، و سواء علما بحرمتها للغني، أو جهلا ذلك، أو جهل احدهما، أو اشتبه لهما أو لأحدهما مفهوم الغني، فتدبّر.

(1) لقاعدة الإتلاف لو اتلف، و لعموم قوله: «على اليد ما اخذت حتى تؤدي» المسلّم عند الفريقين، و ان لم يوجد بطرقنا. نعم رواه سمرة عنه «ص» كما في كتاب البيوع من ابي داود و الترمذي، و كتاب الصدقات من ابن ماجة. و يؤيده كون مضمونه مرتكزا عند العرف و العقلاء، كما لا يخفى.

(2) اذا الجهل بالحكم الشرعي لا يمنع من عموم دليل الضمان و ان منع عن الإثم بالقبض اذا كان عن قصور. و مثله لو كان جاهلا بكونه غنيا للشبهة الحكمية، أو الموضوعية

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 260.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 388

زكاة فانّه لا ضمان عليه (1). و لو تعذّر الارتجاع، أو تلفت بلا ضمان أو معه و لم

يتمكّن الدافع من أخذ العوض كان ضامنا، فعليه الزكاة مرة اخرى (2).

______________________________

كما في المستمسك «1».

(1) مقتضى عموم قاعدة الإتلاف و قاعدة اليد الضمان هنا أيضا، غاية الامر انه لو كان مغرورا من قبل الدافع كما اذا اعطاها بعنوان الصلة استقر الضمان على الغارّ.

و كذا لو كان مغرورا من قبل الثالث. و لا يخفى عدم صدق الغرور في بعض موارد الجهل، كما اذا دفعها و لم يسم كونها زكاة أو صلة.

[وظيفة الدافع]

(2) أقول: الكلام في المسألة تارة في حكم الآخذ و وظيفة الدافع بالنسبة اليه، و تارة في حكم الدافع نفسه و انه يضمن الزكاة أم لا. اما الاول فقد مرّ.

و اما الثاني فنقول: الدافع قد يكون هو الامام أو نائبه، و قد يكون هو المالك. و يظهر منهم عدم الاختلاف في الاول، و انه لا ضمان و سيجي ء.

و اختلفوا في الثاني على اقوال ثلاثة: فاختار المفيد و الحلبي الضمان مطلقا. و الشيخ و المحقق في الشرائع عدمه مطلقا، و في الجواهر: «قيل انه المشهور» «2». و في المعتبر و المنتهى التفصيل بين صورة الاجتهاد و غيرها، و في الجواهر: «لعله المشهور بين المتأخرين» «3». فلنذكر بعض العبارات.

ففي المقنعة: «و من اعطى موسرا شيئا من الزكاة و هو يرى انه معسر ثم تبين بعد ذلك يساره فعليه الإعادة، و لم يجزه ما سلف في الزكاة. و من اعطى زكاته رجلا من اهل الخلاف لم يجزه، و كان عليه الاعادة، إلّا ان يكون اجتهد في الطلب فاعطاها على ظاهر الايمان ثم علم بعد ذلك بالخلاف، فلا شي ء عليه» «4».

و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «فان اخرجها الى من يظن به تكامل صفات

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 236.

(2)- الجواهر

15/ 329.

(3)- الجواهر 15/ 331.

(4)- المقنعة/ 42.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

مستحقها ثم انكشف له كونه مختل الشروط رجع عليه بها، فان تعذر ذلك فكان المنكشف هو الغني وجب اعادتها ثانية، و ان كان غير ذلك فهي مجزية» «1». و يظهر منهما- رحمهما اللّه- الاعتماد و الاخذ بمرسلة حسين بن عثمان الآتية كما لا يخفى.

و قال في الخلاف كتاب قسمة الصدقات (المسالة 28): «اذا دفع صاحب المال الصدقة الى من ظاهره الفقر ثم بان انه كان غنيا في الباطن لا ضمان عليه. و به قال ابو حنيفة. و للشافعي فيه قولان منصوصان: احدهما: لا ضمان عليه كالإمام، و الثاني:

عليه الضمان. دليلنا ان ايجاب ذلك يحتاج الى دليل، و الاصل براءة الذمة».

و (المسألة 29): «اذا دفعها الى من ظاهره الإسلام ثم بان انه كان كافرا، أو الى من ظاهره الحرّية فبان انه كان عبدا، أو دفعها الى من ظاهره انه ليس من آل النبي «ص» ثم بان انه كان من آله لم يكن عليه ضمان، سواء كان المعطي الامام، أو رب المال. و قال ابو حنيفة: عليه الضمان في جميع ذلك. و للشافعي فيه قولان ... دليلنا ما قلناه في المسألة الاولى سواء. و انما قلنا ذلك لان المأخوذ عليه ان لا يعطى الصدقة إلّا لمن ظاهره الفقر و الإسلام و الحرّية. و البواطن لا طريق اليها، فاذا دفعها الى من ظاهره كذلك فقد امتثل المأمور به. و ايجاب الضمان عليه بعد ذلك يحتاج الى دليل، و الاصل براءة الذمة» «2».

أقول: و لم يعنون فيه مسألة دفع الامام الى من ظاهره الفقر ثم ثبت غناه، فيظهر من ذلك عدم الخلاف فيها بين جميع المسلمين فضلا

عن عدم الخلاف فيها بيننا، كما سيأتي.

ثم ان التمسك بالبراءة في المقام مع كون الانسان مكلفا بايتاء الزكاة و ايصالها الى اهلها و المفروض عدم تحققه مشكل. و المأخوذ على المكلف اعطاؤها لواجد الشرائط واقعا لا لواجدها ظاهرا و انما العلم و الامارات طرق الى الواقع و ليست مأخوذة جزءا للموضوع أو تمام الموضوع.

______________________________

(1)- الكافي/ 173.

(2)- الخلاف 2/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 390

..........

______________________________

نعم يمكن القول بالإجزاء في الاصول الشرعية و الامارات المجعولة شرعا الواردة في اجزاء الموضوعات الشرعية و شرائطها و موانعها و كيفياتها، لاستظهار الاجزاء من ادلة جعلها و حجيتها في مقام الاثبات، فيكون لسانها لسان توسعة الموضوعات مثل الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و نحوها، و تكون حاكمة على الادلة الاولية المتعرضة للاجزاء و الشرائط كما قربنا ذلك في كتاب نهاية الاصول «1».

و لكن لا يجري هذا البيان في العلم و لا في الامارات العقلائية التي لا جعل فيها شرعا، فالقول بالإجزاء فيها بلا وجه، و عدم التقصير و القصور لا يوجب الإجزاء مع كشف الخلاف كما في سائر موارد تخلف الطرق عن الواقع، مثل ما لو كان عليه دين لزيد فشهدت البينة بان هذا زيد فدفع المال اليه ثم انكشف خلافه.

و بالجملة فاستدلال الشيخ لعدم الضمان مخدوش و ان اخذ به كثير من اتباعه أيضا.

و قال في المبسوط: «و اذا تولّى الرجل اخراج صدقته بنفسه فدفعها الى من ظاهره الفقر ثم بان انه غنيّ فلا ضمان عليه أيضا، لأنه لا دليل عليه» «2».

و في الشرائع: «و لو دفعها على انه فقير فبان غنيا ارتجعت مع التمكن. و ان تعذر كانت ثابتة في ذمة الآخذ و لم يلزم الدافع

ضمانها، سواء كان الدافع المالك أو الامام أو الساعي» «3».

و في المنتهى: «لو كان الدافع هو المالك قال الشيخ في المبسوط: لا ضمان. و به قال الحسن البصري و ابو حنيفة. و قال ابو يوسف: لا يجزيه. و به قال الثوري و الحسن بن صالح بن حيّ و ابو المنذر. و للشافعي قولان. و عن احمد روايتان. و الاقرب سقوط الضمان مع الاجتهاد، و ثبوته مع عدمه. لنا انه امين، في يده مال لغيره، فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها الى مالكها» «4». و نحو ذلك في المعتبر أيضا «5».

______________________________

(1)- نهاية الاصول/ 129.

(2)- المبسوط 1/ 261.

(3)- الشرائع 1/ 160.

(4)- المنتهى 1/ 527.

(5)- المعتبر/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 391

..........

______________________________

قال في المدارك: «ان اريد بالاجتهاد القدر المسوّغ لجواز الدفع و لو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلّا ان مثل ذلك لا يسمّى اجتهادا، و مع ذلك فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار الى ما اطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا، و ان اريد به البحث عن حال المستحق زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب اجماعا على ما نقله جماعة» «1».

و في الجواهر: «قد يقال: لا منافاة بين عدم وجوبه و ترتب الضمان على عدمه» «2».

أقول: ما في الجواهر صحيح في حد نفسه. و نظيره عدم وجوب الاستظهار على من يريد الصوم مع الشك في بقاء الليل و مع ذلك لا يجب القضاء مع الاستظهار، و يجب بدونه.

و لكنك ترى ان ظاهر المنتهى و كذلك المعتبر وجوب الاجتهاد و الاستظهار، فلا يكون كلامهما تفصيلا في المسألة، اذ البحث فيمن ادّى وظيفته بحسب الظاهر و لم يقصّر.

و كيف

كان فالمسألة ذات قولين، أو ثلاثة، و اختلف فيها السنة أيضا.

و استدل القائل بعدم الضمان بما مرّ من الخلاف من ان المأخوذ عليه ان لا يعطى الصدقة إلّا لمن ظاهره الفقر و الإسلام و الحرية. و البواطن لا طريق اليها، فاذا دفعها الى من ظاهره كذلك فقد امتثل المأمور به.

و قد مرّ الجواب عن ذلك بان الإجزاء على القول به انّما يجري فيما اذا كان هنا حكم ظاهري مجعول، كما في الاصول العملية و الامارات المجعولة شرعا، فلا يجري في العلم و الامارات العقلائية اذا انكشف الخلاف.

و لكن قد يقال كما في المصباح: «ان المنساق من الامر بصرف الزكاة الى اهل الولاية أو العدالة أو الفقراء أو غير ذلك من المتصفين باوصاف لا طريق غالبا الى العلم بواقعها ارادة الموصوفين بها في الظاهر، لا بأن يكون للظاهر موضوعية و لو مع العلم بمخالفته للواقع، بل من باب الطريقية للواقع. فالظاهر بما انه طريق اخذ موضوعا، حيث ان انحصار الطريق

______________________________

(1)- المدارك/ 314.

(2)- الجواهر 15/ 331.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 392

..........

______________________________

لدى العرف و العقلاء و تعذر التكليف بالمتّصفين بالصفات في الواقع أوجب صرف أدلة التكاليف الى ارادة الموصوفين بها في الظاهر، و لذا ينسبق من الامر باحضار الفقراء أو المؤمنين أو العدول مثلا، أو الامر باكرامهم أو صرف ثلث ماله فيهم ارادة من كان في الظاهر مندرجا تحت هذه العناوين بالطرق الظاهرية. و لا ينافي ذلك ما تقرر في محله من ان الامر الظاهري لا يقتضي الإجزاء مع انكشاف الخلاف، لان هذا فيما اذا كان هناك امر واقعي وراء ما تحققت اطاعته، و المفروض هنا ان المنساق من الادلة كون الموضوع للأمر الواقعي هو المتصف

بهذه الصفات بحسب الظاهر أصاب أم أخطأ، و قد أتى بما كلف به فيكون مجزيا قطعا. و لا ينافي ذلك الالتزام بوجوب ارتجاع العين مع الامكان، لان ذلك بحكم العقل بعد الالتفات الى تخلف الطريق عن الواقع و كونه قادرا على تداركه بارتجاع الحق و ايصاله الى مستحقه» «1»

أقول: اثبات ذلك مشكل، فانه خلاف ظاهر الأدلة حيث ان الظاهر منها كون الاحكام ثابتة للموضوعات الواقعية بواقعيتها و الطرق العقلائية طرق محضة.

و لو سلم فلا تجري في جميع الصفات، بل في الصفات الخفية التي يتعذر الاطلاع على واقعها غالبا، فلا يجري في مثل كونه من غير واجبي النفقة مثلا فتدبر.

ثم ان ما ذكره في الذيل من قوله: «و لا ينافي ذلك ...» يهدم ما اسّسه، اذ لو فرض ان الظاهر بما انه طريق اخذ موضوعا يكون هذا حكما واقعيا، فكما لا ضمان مع التخلف لا يجوز الارتجاع أيضا معه و بالجملة فعدم المنافاة ممنوع.

[دليل القائل بالضمان مطلقا]

و استدل القائل بالضمان مطلقا كما في زكاة الشيخ الاعظم «2» و غيره باصالة اشتغال الذمة، و بعموم ما دل على كون الزكاة كالدين فلا تسقط ما لم تصل الى مستحقها، و بمقتضى قاعدة الشركة في العين، و بان الموضوع في غير موضعه بمنزلة العدم، و بما دل من الروايات المستفيضة على وجوب اعادة المخالف زكاته، معللا بانه وضعها في غير موضعها «3».

______________________________

(1)- المصباح/ 94.

(2)- زكاة الشيخ/ 502.

(3)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 3 من ابواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 393

..........

______________________________

و بمرسلة الحسين بن عثمان، عمن ذكره، عن ابي عبد اللّه «ع» في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى انه معسر فوجده موسرا؟ قال: لا يجزي عنه

«1». و الراوي عن ابن عثمان هو ابن ابي عمير، و الظاهر انه المرسل، و مراسيله كالمسانيد عند الاصحاب، و قد رأيت اعتماد المفيد و الحلبي في المقنعة و الكافي على هذه المرسلة.

و يؤيد ذلك أيضا موثقة ابي المعزا، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الاغنياء و الفقراء في الاموال، فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم «2».

أقول: اكثر ما ذكر كما قيل قابل للخدشة، اما اشتغال الذمة فان اريد به اشتغالها بالاداء فهو فرع بقاء موضوعه و هو الزكاة، و ان اريد اشتغالها بالعين فهو مبني على كونها في الذمة لا في العين الخارجية.

و اما كونها كالدين مطلقا فممنوع، و انما دلّ النص على كونها بمنزلة الدين في الاخراج من اصل التركة اذا انتقلت الى ذمة المالك باتلافها. ففي خبر عباد بن صهيب، عن ابي عبد اللّه «ع» في رجل فرّط في اخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرّط فيه مما لزمه من الزكاة ثم أوصى به ان يخرج ذلك فيدفع الى من تجب له؟ قال: جائز.

يخرج ذلك من جميع المال. انما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شي ء حتّى يؤدّوا ما اوصى به من الزكاة «3».

و اما قاعدة الشركة فانما تقتضي المنع من التصرف في المشترك بدون اذن الشريك، و المفروض في المقام جواز ذلك للمالك، فانه المأمور بدفع الزكاة، غاية الامر خطأه في الدفع قصورا. و اقتضاء ذلك للضمان أوّل الكلام.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 2، ص: 393

و كون الموضوع

في غير محله بمنزلة العدم المحض مطلقا ممنوع، لاحتمال الإجزاء مع امتثال التكليف الظاهري.

نعم تبقى المرسلة بضميمة عموم التعليل في اخبار اعادة المخالف زكاته.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 21 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 394

..........

______________________________

و يؤيد ذلك ما عن الجعفريات باسناده عن جعفر بن محمّد عن ابيه ان عليّا- عليه السلام- كان يقول: الزكاة مضمونة حتى توضع مواضعها «1».

و ما عن الدعائم، عن جعفر بن محمّد «ع» انه قال: الزكاة مضمونة حتى يضعها من وجبت عليه موضعها «2».

مضافا الى ان الزكاة بعد تعلقها و كونها في العين أو في الذمة فسقوطها بالاداء لغير المستحق يحتاج الى دليل قويّ، فاستصحاب بقاء التكليف محكّم.

نعم يقع البحث فيما اذا كانت معزولة، و سيأتي الكلام فيه.

[دليل القائل بالتفضيل]

و استدلوا للتفصيل بين ما اذا اجتهد في الطلب و اخطأ، و بين غيره، بصحيحة عبيد بن زرارة، عن ابي عبد اللّه «ع» (في حديث) قال: قلت له: رجل عارف ادّى زكاته الى غير اهلها زمانا، هل عليه ان يؤدّيها ثانية الى اهلها اذا علمهم؟ قال: نعم. قال: قلت: فان لم يعرف لها أهلا فلم يؤدّها، أو لم يعلم انها عليه فعلم بعد ذلك؟ قال: يؤديها الى أهلها لما مضى. قال: قلت له: فانه لم يعلم اهلها فدفعها الى من ليس هو لها بأهل، و قد كان طلب و اجتهد، ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: ليس عليه ان يؤديها مرّة اخرى. و عن زرارة مثله غير انه قال: ان اجتهد فقد برئ،

فان قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا «3».

أقول: المحتملات في صدر الحديث بحسب النظر البدوي ثلاثة:

الاول: ان يكون ادّى زكاته الى غير اهلها عن علم.

الثاني: ان يكون اداها عن اشتباه و جهل بالشبهة الموضوعية.

الثالث: ان يكون ادّاها لشبهة حكمية.

و لعل الأوّل خلاف الظاهر، اذ لا يعطي الانسان زكاته لمن يعلم بعدم كونه اهلا لها، فيدور الامر بين الاخيرين. و الظاهر هو الثالث، بقرينة قوله: «اذا علمهم». اذ الانسب في الشبهة الموضوعية ان يقال: «اذا عرفهم». و الظاهر من قوله: «رجل عارف» انه ادّى

______________________________

(1)- المستدرك، ج 1، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة.

(2)- دعائم الإسلام، 1/ 251. و المستدرك، ج 1، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 2 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 395

..........

______________________________

زكاته الى غير العارف، فيكون السؤال عن العارف الذي ادّى زكاته الى غير العارف جهلا بالمسألة.

و المحتملات في الذيل أيضا ثلاثة ترجع الى ستة.

الأوّل: ان يراد انه حيث لم يعرف و لم يجد لها اهلا ادّاها الى غير الاهل مع العلم بكونه غير الاهل، كمن اجتهد في طلب من يعرف فلما لم يجد من يعرف ادّاها الى غيره بتخيل جوازه.

الثاني: انه ادّاها الى غير الاهل اشتباها بالشبهة الموضوعية، بان تخيل كونه ممن يعرف ثم بان خلافه.

الثالث: انه ادّاها الى غير الاهل اشتباها بالشبهة الحكمية، بان لم يعلم ان مصرفها من يعرف فاداها الى غير من يعرف ثم بان له الحكم.

و في كل من الثلاثة اما ان يراد بالاهل و غير الاهل مطلقهما فيشمل الفقير و الغني أيضا، و اما ان يراد بقرينة السياق خصوص من يعرف و من لا يعرف.

و

الاستدلال بالحديث لمسألتنا، اعني من اعطى بظن الفقر فبان غنيا، يتوقف على ترجيح الاحتمال الثاني و حمل الاهل و غير الاهل على مطلقهما، فيكون الحديث دليلا على التفصيل بين من اجتهد و غيره.

و لكن يرد عليه أولا: عدم الدليل على ترجيح الاحتمال الثاني.

و ثانيا: انه لو سلم فالظاهر من السياق ارادة خصوص من يعرف و من لا يعرف، لا مطلق الشروط. و بعبارة اخرى: النظر في الحديث صدرا و ذيلا الى شرط الايمان فقط، و قد رأيت ان المفيد في المقنعة أيضا حمل الحديث على الشبهة الموضوعية بالنسبة الى شرط الايمان، فلا يعارض الحديث للمرسلة لاختلاف موردهما.

و ثالثا: لو سلم الاطلاق فالنسبة بين الحديث و المرسلة عموم من وجه. و في مادة اجتماعهما و هو الاشتباه في الاهلية من حيث الفقر مع الاجتهاد تقدم المرسلة، لأظهريتها، و على فرض التكافؤ تتساقطان، فيرجع الى اصالة الاشتغال، و عموم التعليل بانه وضعها في غير موضعها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 396

..........

______________________________

و بالجملة فالاستدلال بالحديث ساقط.

و قد يتوهم حمل الحديث على الاحتمال الاول و استفادة المقام منه بالفحوى و الاولوية بتقريب انه اذا اجزأ الاداء الى غير الاهل مع العلم بكونه غيره فمع الاشتباه اولى.

و فيه انه من الممكن إجزاء الاداء الى غير المؤمن مع فقد المؤمن واقعا، بخلاف صورة اشتباه الفقر فانه لا يجزي مع كشف الخلاف، فتأمّل.

ثم ان الظاهر من الاحتمالات في الحديث هو الاحتمال الثالث، و كون المورد خصوص شرط الايمان. اذ قوله: «فانه لم يعلم اهلها» ظاهر في الجهل بالحكم، و إلّا قال: «فانه لم يعرف اهلها». و السياق شاهد على كون المورد شرط الايمان فقط، فيرجع ذيل الحديث الى صدره، و يكون تفصيلا

فيه بين من اجتهد في الحكم ثم بان خلافه، و بين من لم يجتهد.

نعم يمكن ان يقال كما اختاره الشيخ بعدم التفرقة بين الشبهتين، فاذا قلنا بالاجزاء في الشبهة الحكمية مع الاجتهاد و كشف الخلاف قلنا به في الشبهة الموضوعية أيضا، بل هي اولى بالمعذورية. اذ الجهل بالحكم الشرعي لا يخلو عن تقصير ما و ان اجتهد، و لكن مع ذلك لا يرتبط الحديث بمسألة الفقر و الغني فتدبر.

تتميم: قد ظهر ان مقتضى مرسلة حسين بن عثمان، و عموم التعليل في اخبار اعادة المخالف زكاته- مضافا الى اصالة الاشتغال- هو الضمان مطلقا.

نعم يمكن ان يقال بانه لو اعتمد على اصل شرعي أو امارة مجعولة شرعا كان الظاهر من دليل حجيته هو الإجزاء و عدم الضمان كما بين في محله. و لا يجري هذا فيما لا جعل فيه كالعلم و الامارات العقلائية. و قوله في المرسلة: «و هو يرى انه معسر» لعل الظاهر منه هو العلم، فلا يشمل الاصول الشرعية و الامارات المجعولة. و قد اختار هذا التفصيل الاستاذ- مدّ ظله .. في حاشيته على المتن، فراجع.

و في المستمسك بعد تقريب العمل بالمرسل قال ما حاصله: «نعم لو كانت الزكاة معزولة فضمانها بالدفع المذكور الذي لا تفريط فيه لكونه جريا على القواعد الشرعية الظاهرية غير ظاهر و مثله دعوى الضمان بالإتلاف، اذ لا اتلاف بالدفع المذكور و المتحصل انه لو كانت الزكاة متعينة فلو دفعها الى غير المستحق اعتمادا على حجة فالاصل البراءة من

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 397

[لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه]

نعم، لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه لا ضمان عليه (1) و لا على المالك الدافع إليه.

______________________________

ضمانها، و لو كانت غير متعينة بل

كانت في ذمته أو في النصاب فدفعها الى غير المستحق فالاصل يقتضي عدم حصول التخليص بذلك. و ظاهر المرسل الضمان في جميع الصور» «1».

و ما ذكره من التفصيل بين الزكاة المعزولة و غيرها تفصيل آخر.

و يرد عليه اجمالا صحة الدعوى التي اشار اليها من الضمان بالاتلاف أو الحيلولة و ان كانت الزكاة معزولة، نظير ما اذا كان كتاب زيد عنده امانة فادّاه الى عمر و اشتباها و لو بحجة شرعية ثم بان الاشتباه، فان الظاهر ثبوت الضمان لو تلف الكتاب أو لم يمكن ارجاعه.

و استثناء اليد الأمينة مع عدم التعدي و التفريط انما هو في ضمان اليد الثابت بالتلف في يده، لا في ضمان الإتلاف كما لا يخفى. هذا.

و لكن يمكن ان يستأنس لعدم الضمان بالاخبار المستفيضة الدالة على عدم الضمان فيما اذا بعث زكاة. ماله لتقسم فضاعت، و قد دل بعضها على عدم الضمان مطلقا، و بعضها على عدمه ان لم يجد عنده من يدفعها اليه و لا سيما تعليل عدم الضمان في صحيحة محمّد بن مسلم بقوله: «لأنها قد خرجت من يده». فراجع الوسائل ج 6 الباب 39 من ابواب المستحقين.

و اطلاقها يشمل المعزولة و غيرها. اللّهمّ إلّا ان يقال بتحقق العزل بذلك قهرا فتدبّر.

(1) قال في المبسوط: «اذا دفع الامام الصدقة الواجبة الى من ظاهره الفقر ثم بان انه كان غنيا في تلك الحال فلا ضمان عليه، لأنه امين و ما تعدى، و لا طريق له الى الباطن» «2».

و في المنتهى: «و لو دفع الامام أو نائبه الى من يظنه فقيرا فبان غنيا لم يضمن الدافع و لا المالك بلا خلاف. اما المالك فلانه ادّى الواجب و هو الدفع الى الامام فيخرج

عن

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 238.

(2)- المبسوط 1/ 260.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 398

..........

______________________________

العهدة، و اما الدافع فلانه نائب عن الفقراء و امين لهم لم يوجد منه تفريط من جهة فلا يضمن، و لأنه فعل المامور به لان الواجب الدفع الى من يظهر منه الفقر اذ الاطلاع على الباطن متعذر فيخرج عن العهدة. و لا نعلم فيه خلافا» «1»

و في زكاة الشيخ الاعظم: «ان كان الدافع هو الامام أو نائبه الخاص أو العام أو وكيلهم فالظاهر عدم الضمان، لأصالة البراءة، و كونهم مأذونين من المالك الحقيقي و من طرف الفقراء في هذا الدفع الخاص، و لا يترتب على التلف الحاصل من دون تفريط منهم ضمان، مع ان الضمان لو كان ففي بيت مال المسلمين فيكون الغرامة أيضا في مال الفقراء ... و الاجود الاعتماد على الاجماع كما يظهر من العلامة. هذا كله بالنسبة الى الدافع، و اما المالك فلا اشكال في براءة ذمته من الزكاة، لإيصالها الى يد وكيلهم فبرئت ذمته» «2».

و في المصباح: «لان يده يد امانة و احسان فلا يتعقبه ضمان ما لم يكن هناك تعدّ أو و تفريط، و قد رخص شرعا في دفعها الى من ثبت لديه فقره بطريق ظاهري، و قد عمل على وفق تكليفه» «3».

أقول: الظاهر عدم الخلاف في المسألة بيننا كما في المنتهى، بل بين عامة المسلمين كما يظهر من عدم عنونتها في الخلاف مع عنونة الفرع السابق فيه. و لكن الادلة المذكورة في كلماتهم قابلة للخدشة كما يظهر من الشيخ أيضا، اذ المقام مقام اصالة الاشتغال لا اصالة البراءة. و عدم ضمان اليد الامينة انما هو في ضمان اليد لا في الاتلاف أو الحيلولة. و مثله قاعدة

الاحسان المستفادة من قوله- تعالى: «مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ». فلو قبل زيد امانة من عمرو لحفظها فادّاها الى بكر بزعم انه عمرو بحجة شرعية و لم يمكن استرجاعها، أو اتلفها في حال النوم مثلا فهل يمكن الالتزام بعدم ضمان زيد بتقريب انه امين و محسن؟

و قد بيّنا ان الدفع الى من يظهر منه الفقر بعنوان الطريقية لا الموضوعية، فلا اجزاء مع

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 527.

(2)- زكاة الشيخ/ 501.

(3)- المصباح/ 93.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 399

..........

______________________________

كشف الخلاف. اللّهمّ إلّا في الاصل الشرعي و الامارة الشرعية كما مرّ بيانه.

نعم، يمكن ان يقال- كما اشار اليه الشيخ- ان الزكاة و كذا الخمس من بيت المال و اموال الحكومة الاسلامية، و الامام ولي امر المسلمين، و كذا الفقيه في عصر الغيبة و هو المتصدي لأخذ أموال الحكومة و تقسيمها، و كأنه صاحبها و مالكها، و الفقراء و نحوهم مصارف لها. فالمالك اذا ادّى الزكاة الى الامام أو نائبه فكأنه أدّاها الى مالكها و ولي امرها فبرئت ذمته. و ولي امرها اذا صرفها بلا تفريط فكأنه صرف مال نفسه فانه ولي امرها فلا مالك غيره حتى يضمن له.

نعم، لو اداها المالك الى المجتهد لا بما انه ولي امرها، بل وكّله في ايصالها الى الفقراء و ساير المصارف من قبل المالك، فحينئذ حكمه حكمه، كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 400

فرع لو دفع الزكاة الى غني جاهلا بحرمتها عليه

[مسألة 14]: لو دفع الزكاة الى غني جاهلا بحرمتها عليه أو متعمدا استرجعها مع البقاء (1)، أو عوضها مع التلف (2) و علم القابض، و مع عدم الامكان يكون عليه مرّة اخرى (3). و لا فرق في ذلك بين المعزولة و غيرها. و كذا في المسألة

السابقة (4). و كذا الحال لو بان انّ المدفوع إليه كافر، أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة، أو ممن تجب نفقته عليه، أو هاشمي اذا كان الدافع من غير قبيله (5).

______________________________

(1) وجوبا أو جوازا بلا اشكال لعدم ملكه لها بالقبض.

(2) أو الإتلاف لقاعدة اليد، و لقاعدة الإتلاف. و كذا مع احتمال القابض لكونها زكاة. نعم لو دفعها بعنوان الصلة مثلا فلا ضمان على الآخذ لصدق الغرور. و بالجملة الضمان ثابت مطلقا إلّا مع صدق الغرور.

(3) مرّ تفصيل ذلك في المسألة السابقة، و ان الجهل بالحكم الشرعي لا يمنع من عموم دليل الضمان و ان منع عن ثبوت الاثم مع القصور.

(4) و قد مرّ عن المستمسك التفصيل بين المعزولة و غيرها «1»، و مرّ الاشكال عليه فراجع.

(5) الظاهر وحدة الملاك و الحكم في جميع الشرائط. فكل ما مرّ في مسألة الفقر

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 238.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 401

..........

______________________________

و الغنى يجري في هذه الشروط أيضا. و الشيخ أيضا في الخلاف «1» و كذا في المبسوط ساوى بين الجميع، و حكم في الجميع بعدم الضمان فراجع ما مرّ من المسألتي 28 و 29 من الخلاف.

و في المبسوط بعد ذكر مسألة الفقر و الغنى قال: «و اذا دفعها الى من ظاهره الإسلام ثم بان انّه كان كافرا، أو الى من ظاهره الحرية فبان انه عبد، او الى من ظاهره العدالة ثم بان انّه كان فاسقا، أو بان انه من ذوي القربى كان الحكم فيه مثل ما قلناه في المسألة الاولى» «2».

و في الشرائع أيضا بعد ما حكم بعدم الضمان في مسألة الفقر و الغنى قال: «و كذا لو بان ان المدفوع اليه كافر، أو فاسق، أو

ممن تجب نفقته، أو هاشمي و كان المدفوع اليه من غير قبيله» «3».

و لكن يظهر من العلامة في المختلف كون الاولى مختلفا فيها، و كون هذه اجماعية. قال في مقام الاستدلال على عدم الضمان فيمن ظهر غناه: «و لأنّ القول بعدم الإجزاء هنا مع القول بالإجزاء في باقي الشرائط مما لا يجتمعان، و الثاني ثابت بالإجماع فينتفي الاول» «4».

و يظهر من كثير من المتأخرين الاعتماد على هذا الاجماع.

و لكن لا يخفى- مضافا الى منع تحقق الاجماع، لعدم كون المسألة معنونة في كثير من الكتب- ان المسألة ليست من المسائل الاصلية المأثورة حتى يفيد فيها الاجماع أو الشهرة، بل من المسائل التفريعية التي أرادوا اثباتها بالقواعد من اجزاء الامتثال الظاهري، أو كون الظاهر موضوعا للحكم الواقعي، أو قاعدة الاحسان، أو نحو ذلك. و قد مرّ الاشكال في جميعها. و قد يستدل للاجزاء فيما اذا ظهر عدم الايمان بصحيحتي زرارة و عبيد السابقتين، و يلحق به غيره بالإجماع المركب، أو الاولوية، كما في زكاة الشيخ «5». و لكن فيه اولا ما مرّ

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 354.

(2)- المبسوط 1/ 261.

(3)- الشرائع 1/ 160.

(4)- المختلف 1/ 20.

(5)- زكاة الشيخ/ 502.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 402

[إذا دفع الزكاة باعتقاد انه عادل فبان فقيرا فاسقا]

[مسألة 15]: إذا دفع الزكاة باعتقاد انه عادل فبان فقيرا فاسقا: أو باعتقاد انّه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمروا، أو نحو ذلك، صحّ و اجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد بل كان من باب الاشتباه في التطبيق (1)، و لا يجوز استرجاعه حينئذ و إن كانت العين باقية (2). و امّا

______________________________

من احتمال كون المراد بهما اعطاء الزكاة لغير المؤمن لعدم وجدانه للمؤمن، فلا ترتبطان بصورة الاشتباه. و لو سلّم فالظاهر

كون المراد بهما الشبهة الحكمية، لا الموضوعية. اللّهمّ إلّا ان يقطع باتحاد حكم الشبهتين، بل كون الموضوعية اولى بالمعذورية، كما مرّ.

و ثانيا بمنع الاجماع المركّب بنحو يفيد، اعني القول بعدم الفصل، اذ لا يفيد صرف عدم القول بالفصل كما ان الاولوية أيضا ممنوعة،

و كيف كان فالظاهر كون المسألة كسابقتها حكما و ملاكا، فتدبر.

(1) الظاهر ان الصور أربع:

الاول: ان يقصد الدفع لهذا الشخص الخاص الخارجي و كان اعتقاد الوصف المتوهم اعتقادا مقارنا فقط من دون كونه داعيا أو قيدا.

الثاني: ان يقصد ذلك و لكن كان الوصف المتوهم داعيا بوجوده العلمي من دون دخالة في الموضوع.

الثالث: ان يقصد الدفع للمتصف بالوصف فيكون معتبرا قيدا و لكن بنحو تعدد المطلوب، فينحل قصده الى قصدين: قصد اعطاء الزكاة مطلقا، و قصد اعطائه للمقيد ليكون افضل مثلا.

الرابع: ان يكون كذلك بنحو وحدة المطلوب بحيث لا يريد الامتثال إلّا مقيدا و بنحو التبعيض في الامتثال، و يرجع الى عدم قصد اعطاء الزكاة لفاقد الوصف بل قصد عدمه.

لا اشكال في الصحة في الاوليين، بل الثالثة أيضا. اذ الواجب وقوع الاعطاء بالنية مع القربة و كون الآخذ اهلا لها شرعا، و المفروض تحقق ذلك و اما في الرابعة فالظاهر عدم الصحة، لاعتبار النية و القصد، و المفروض ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

(2) لخروجها عن ملكه و وصولها الى المصرف فخرجت عن اختياره

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 403

إذا كان على وجه التقييد (1) فيجوز، كما يجوز نيتها مجددا مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامنا، بان كان عالما (2) باشتباه الدافع و تقييده.

______________________________

(1) بنحو وحدة المطلوب بحيث يرجع الى عدم قصد الامتثال مع فقد الوصف.

(2) بل

و ان كان محتملا لذلك. و بالجملة الضمان ثابت إلّا مع صدق الغرور، كما مرّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 404

3- العاملون

اشارة

الثالث: العاملون عليها، و هم المنصوبون من قبل الامام (1)، أو نائبه الخاص، أو العام (2) لأخذ الزكوات و ضبطها و حسابها و ايصالها إليه أو إلى الفقراء على حسب اذنه (3)، فان العامل يستحق منها سهما في مقابل

[كلمات الأصحاب في العاملين]

______________________________

(1) بلا خلاف و لا اشكال. و يشهد به سيرة الرسول «ص» و الأئمة «ع» و الروايات التي يأتي بعضها.

(2) لعدم سقوط هذا السهم في عصر الغيبة كما يأتي من المصنف و يأتي شرحه.

(3) في المقنعة: «وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و هم السعاة في جبايتها» «1».

و في النهاية: «هم الذين يسعون في جباية الصدقات» «2». و نحو ذلك في المبسوط و الغنية و المراسم و نحوها من كتب القدماء.

و لكن في البيان: «و هم السعادة في جبايتها بولاية و كتابة و قسمة و حساب و عرافة و حفظ» «3».

و في اللمعة و شرحها: «و هم السعاة في تحصيلها و تحصينها بجباية و ولاية و كتابة و حفظ

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- النهاية/ 184.

(3)- البيان/ 194.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 405

عمله و إن كان غنيّا (1).

______________________________

و حساب و قسمة و غيرها» «1».

فقد فصّلا و ذكر المصاديق و منها القسمة. و نحو ذلك كتب المتأخرين.

و الظاهر من القسمة انها القسمة بين الفقراء و غيرهم من المصارف، و ان احتمل بعيدا ارادة القسمة مع المالك.

و في الجواهر عن شرح الفاضل: «و القسمة مما لها مدخلية في ذلك، لأنها تحصيل الزكاة لمستحقيها و تحصين لها عن غيره و عن استبداد البعض بجميعها» «2».

و كيف كان فالظاهر صدق لفظ العمل على جميع من ذكر. و التعدية ب «على» من جهة ان الموضوع لجميع هذه الاعمال هو الزكاة. و بالجملة فعموم اللفظ في

الآية و الاخبار و الفتاوى يشمل جميع ذلك حتى القسمة.

و في الجواهر ان قوله- عليه السلام- في خبر علي بن ابراهيم المروي عن تفسيره:

«وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا هم السعاة و الجباة في اخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها الى من يقسمها» «3» ظاهره خروج القسمة عن العمل «4». و لكن الظاهر حمل ما في الخبر على المثال، اذ لا وجه للتخصيص بعد اطلاق لفظ العمل. و لعل التقسيم و التوزيع في تلك الاعصار كان بتصدي نفس النبي «ص» و الائمة لقلة الزكوات الواصلة اليهم فلم يحتاجوا الى المقسم، بل في خبر محمّد بن خالد قال له ابو عبد اللّه «ع»: مر مصدقك ... فاذا اخرجها فليقسّمها فيمن يريد «5». فيعلم منه ان التقسيم أيضا ربما كان من أعمال نفس المصدق.

(1) هنا مسألتان متعانقتان تعرض لهما المصنف:

الاولى: ان ما يأخذه العامل صدقة و زكاة استحقها بجعل الشارع له، لا اجرة للعمل.

الثانية: عدم اشتراط الفقر فيه.

______________________________

(1)- الروضة البهية 2/ 45.

(2)- الجواهر 15/ 333.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(4)- الجواهر 15/ 333.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 406

..........

______________________________

فالاولى، مختار اصحابنا و اكثر فقهاء السنة. و خالف فيها ابو حنيفة.

و الثانية، كأنها اجماعية لا خلاف فيها.

قال في الخلاف (كتاب قسمة الصدقات، المسألة 23): «خمسة اصناف من اهل الصدقات لا يعطون إلّا مع الفقر بلا خلاف، و هم الفقراء، و المساكين، و الرقاب، و الغارم في مصلحة نفسه، و ابن السبيل المنشئ لسفره. و اما العامل يعطى مع الفقر و الغنى بلا خلاف. و عندنا انه يأخذ الصدقات صدقة دون الاجرة. و به

قال الشافعي. و قال ابو حنيفة: يأخذه اجرة ... دليلنا اجماع الفرقة و عموم الآية ... و اما الدليل على ان سهم العامل صدقة دون الاجرة انه لا خلاف ان آل الرسول لا يجوز ان يتولوا الصدقة، و لو كان ذلك اجرة لجاز لهم ان يتولوها كسائر الاجارات».

و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية: «ما يستحقه العامل انما يستحقه بطريق العمالة، لا بطريق الزكاة. بدليل انه يعطى و ان كان غنيا بالإجماع. و لو كان ذلك صدقة لما حلّت للغنى. و بدليل انه لو حمل زكاته بنفسه الى الامام لا يستحق العامل منها شيئا» «1».

اقول: لا يخفى الخدشة في دليليه. اذ المحرم للغنى هو سهم الفقير و المسكين لا مطلقا، و لذا لا يشترط الفقر في سبيل اللّه و ابن السبيل أيضا. و الموضوع هو العامل، و مع انتفاء العمل ينتفي الموضوع قهرا.

و استدل في المعتبر على كونها صدقة بالآية الشريفة، قال: «فمقتضى النص التسوية بين الفقراء و العاملين في الاستحقاق. و لأنها لو كانت اجرة لافتقر الى تقدير العمل أو المدة أو تعيين الاجرة، و كل ذلك منفي بعمل النبي «ص» و الأئمة «ع» بعده. و لأنه لو كان اجرة لما منع منها آل الرسول» «2».

و كيف كان فظاهر الآية و الروايات و فتاوى الاصحاب ان سهم العامل كسهم الفقير صدقة و زكاة استحقها بجعل اللّه- تعالى. و كونه في قبال عمله لم يخرجه عن عنوان الصدقة

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 2/ 44.

(2)- المعتبر/ 278.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 407

..........

______________________________

و لونها. بل ما ذكره ابو حنيفة اجتهاد في مقابل النص، فتدبّر.

[عدم اشتراط الفقر في العامل]

و اما المسألة الثانية، اعني عدم اشتراط الفقر في العامل فالظاهر كما عرفت

كونها اتفاقية بين الفريقين.

و يدل عليه مضافا الى ذلك عموم الآية. اذ ظاهر العطف المغايرة، و لو اشترط الفقر كان من قبيل عطف الخاص على العام و هو خلاف الظاهر.

و يدل عليه أيضا خبر الدعائم، عن جعفر بن محمّد، عن ابيه، عن آبائه عن رسول اللّه «ص» انه قال: لا تحل الصدقة لغني إلّا لخمسة: عامل عليها، أو غارم و هو الذي عليه الدين، أو تحمل الحمالة، أو رجل اشتراها بماله، أو رجل اهديت اليه «1». هذا.

و لكن يمكن ان يتوهم اشتراط الفقر فيه و يستدل له بوجوه:

الأوّل: الاخبار الناطقة بان اللّه- تعالى- أشرك بين الاغنياء و الفقراء، و انه جعل الزكاة خمسة و عشرين في كل الف اخرج من اموال الاغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء، و انه حسب الاموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كل الف خمسة و عشرين «2».

الثاني: الخبر المروي بطرق الفريقين مستفيضا من قوله: «ان الصدقة لا تحل لغني» «3».

الثالث: قول الحسنين «ع» لمن سألهما: «ان الصدقة لا تحل إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع» «4».

الرابع: قاعدة الشغل. لدوران الامر بين التعيين و التخيير، و الاصل فيه الاشتغال.

و يرد على الاول، ان صدور هذه الاخبار من جهة كون الفقراء عمدة المصارف و اهمها، و الا لوقع النقض بابن السبيل و في سبيل اللّه أيضا.

و بذلك يظهر الجواب عن الثاني أيضا.

و عن الثالث، ان الحصر غير حاصر قطعا. و لعله كان بلحاظ حال السائل، حيث انه

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 261، و المستدرك، ج 1، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 3 من ابواب زكاة الذهب و الفضة.

(3)- راجع الوسائل، ج

6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 408

[لا يلزم استيجاره من الأول]

و لا يلزم استيجاره من الأول أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة، بل يجوز أيضا ان لا يعين له و يعطيه بعد ذلك ما يراه (1).

______________________________

لم يحتمل في حقه إلّا العناوين الثلاث المذكورة.

و عن الرابع، ان الاصل لا يقاوم الدليل من عموم الآية و نحوها.

فتلخص مما ذكرنا كون ما يأخذه العامل صدقة، و انه لا يشترط فيه الفقر. و لا يريد المصنف من قوله: «في مقابل عمله» خروجه عن كونه صدقة و وقوعه اجرة محضة، و ان أو همت عبارته ذلك. بل المراد كون السهم للعامل و لا يسمى عاملا حتى يقع منه العمل.

مضافا الى ان الإعطاء اجرة لا ينافي عنوان الصدقة، كما يأتي.

(1) ليست المسألة من المسائل الاصلية المعنونة في الكتب المعدّة لنقل المسائل الاصلية المأثورة، و انما عنونوها في الكتب المعدّة لذكر التفريعات الاستنباطية.

ففي المبسوط: «فالامام في العامل بالخيار ان شاء استأجره مدّة معلومة و ان شاء عقد معه عقد جعالة، و اذا و فى العمل دفع اليه العوض الذي شرط له» «1».

و في الشرائع: «و الامام مخير بين ان يقدر لهم جعالة مقدرة أو اجرة عن مدّة مقدرة» «2».

و في المدارك «3» بعد نقله: «لا ريب في جواز كل من الامرين مع ثالث و هو عدم التعيين و اعطائهم ما يراه الامام كباقي الاصناف، لما رواه الكليني في الحسن عن ابي عبد اللّه «ع» قال: قلت له: ما يعطي المصدق؟ قال: ما يرى الامام و لا يقدر له شي ء» «4».

اقول: و يقرب من الرواية ما رواه في

الدعائم، عن جعفر بن محمّد «ع» انه قال في قول اللّه- عزّ و جل: وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، قال: هم السعاة عليها، يعطيهم الامام من الصدقة بقدر ما يراه، ليس في ذلك توقيت عليه «5». هذا.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 248.

(2)- الشرائع 1/ 161.

(3)- المدارك/ 315.

(4)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(5)- المستدرك، ج 1، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 409

..........

______________________________

و قد مرّ عن المعتبر في ردّ ابي حنيفة قوله: «و لأنها لو كانت اجرة لافتقر الى تقدير العمل أو المدة أو تعيين الاجرة، و كل ذلك منفي بعمل النبي «ع» و الأئمة بعده».

و المصنف أيضا كما ترى خيّر بين الاستيجار و الجعالة و عدم التعيين. و هو الاقوى، بل مما لا ريب فيه كما في المدارك. هذا.

و لكن يظهر من الجواهر التنافي بين ما ذكرناه سابقا من كون سهم العامل صدقة و بين التعيين بنحو الأجرة، قال: «حيث تقدر للعامل اجرة يخرج عن كونه مصرفا للزكاة، ضرورة ملكه لها بعقد الاجارة، و لذا وجب الإتمام من بيت المال. بل لو لم يأت بشي ء، أو ذهب ما جاء به اخذ من الامام «ع» ما يستحقه. و من المعلوم ان المراد من الآية اعطاء العامل من الصدقات على وجه الصدقة، و هو الذي لم يقدر له شي» «1».

و توهّم هذا التنافي و اوضحه و فصّله في المستمسك بما حاصله: «ان مقتضى الآية الشريفة- و لا سيما بقرينة السياق- كون استحقاق العامل منها بجعل الشارع فيعطى مجانا، لا بجعل الامام بعنوان المعاوضة. و حينئذ فلو جعل الامام للعامل شيئا بطريق الجعالة أو الاجارة لم يكن ذلك مما هو مجعول

بالآية الشريفة، بل كان تصرفا منه نافذا حسب ولايته، نظير اجرة المكان و قيمة العلف. و حينئذ يشكل ما ذكره الاصحاب من التخيير بين الاجارة و الجعالة، و لا سيما بملاحظة ما في صحيح الحلبي ... و العمل في الآية يراد منه الولاية الخاصة المجانية، كما يقتضيه سياقها و اجماع الاصحاب على اعتبار شروط خاصة فيه، و إلّا فلا ينبغي التأمّل في جواز استيجار من يفقد جميع هذه الشروط. و الولاية هنا كسائر الموارد نظارة على العمل، لا نفس العمل الذي يبذل بازائه الاجر و الجعل. و يشهد له تعديته ب «على». فهذه الولاية من شئون ولاية الامام ليست ملحوظة مالا ليبذل بازائها المال، و إلّا كان حال العامل حال السائس و الراعي و البيطار و نحوهم ممن اجرة عمله كأجرة المكان و اجرة النقل من المصارف التي لا يعطى مالكها بقصد التصدق عليه بل بقصد أداء حقه» «2».

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 338.

(2)- المستمسك 9/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 410

..........

______________________________

أقول: ما ذكراه من التنافي ممنوع فان الزكوات و الاخماس و غيرهما من الماليات الاسلامية و ان جعلت و شرّعت لها مصارف خاصة من قبل اللّه- تعالى- و لكن كلها ضرائب للحكومة الاسلامية، و جعل وليّ امر المسلمين وليّا عليها، و اليه فوّض كيفية صرفها في مصارفها حسب ما يراه من المصلحة. كما تدل عليه الاخبار، كصحيحة الحلبي و خبر الدعائم المتقدمتين و غيرهما. و لذا وجب في عصر النبي «ص» و الأئمة «ع» تحويلها اليهم و لم يجز للمالكين الاستبداد بصرفها إلّا باذنهم.

و على هذا فيجوز للإمام ان يستأجر العامل، و ان يجعل له جعلا، و ان يعطيه صلة و هدية بعد ما عمل

تبرعا و نحوه الفقيه في عصر الغيبة، فان الحكومة الاسلامية لا تتعطل و يجب تشكيلها و ادارتها في كل عصر و مكان، و يصدق على جميع انحاء الصرف أنها صرف هذه الضريبة الخاصة. فلو فوّض الى احد ادارة مؤسسة، أو حوزة علمية، أو جامعة علمية، و جعل لذلك ميزانية وسيعة، و جعلت تحت اختياره فهو يصرفها فيها على حسب ما يراه مصلحة، فقد يستأجر الصنّاع أو الاساتذة أو الأمكنة، و قد يجعل لهم جعالة، و قد يهدي الى عظمائهم منها بعد ما عملوا امرا مهما. و كل ذلك يصدق عليه انه صرف لهذه الميزانية.

و كأننا لتعودنا على عدم البرنامج و النظم في امورنا، نتوهم ان ادارة الحكومات و المؤسسات و صرف ميزانياتها يجب ان تكون بلا نظم و ترتيب و حساب، و ان التعيين و التقدير لمدّة الاعمال أو الاجور ينافي طبع الميزانيات المعينة و صرفها في مصارفها الخاصة.

مع ان نطاق الحكومة اذا اتسعت فلا مجال لترك البرنامج و النظم فيها.

و لا يراد بصحيحة الحلبي ان الإمام يجب ان يعطى اجر المصدق بلا تعيين، بل المراد ان الشارع لم يقدر له مقدارا خاصا لا يزيد و لا ينقص.

و لعل النظر في هذه الصحيحة و رواية الدعائم و نحوهما الى ردّ ما افتى به الزهري و غيره و تبعهم الشافعي من تعين الثمن للعامل و انّه يجب البسط على الاصناف الثمانية على السواء.

و بالجملة التنافي بين كون ما يعطى للعامل زكاة و بين كونها بنحو الأجرة أو الجعل ممنوع، فان التعيين يعود الى وليّ امر الزكاة، و الاصناف الثمانية مصارف للزكاة لا ملّاك لها. و لو سلّم فمالكيتهم نظير مالكية الصغار حيث ان اختيار اموالهم بيد

القيم لهم، يصرفها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 411

..........

______________________________

فيهم بنحو ما يراه مصلحة.

و ما في المستمسك من جعل العمل ولاية خاصة و حصره في الأمين العام و الناظر المتصدّي للأمر و النهي فقط ممنوع، بل يشمل جميع الاعمال المرتبطة بالزكاة الواقعة عليها من نظارة و جباية و حساب و وزن و حفظ و حمل و قسمة و نحوها، كما مرّ. و في الجميع يصدق الاستعلاء، فان موضوع جميع هذه الاعمال هي الزكاة، و الاعمال واقعة عليها. و اعتبار الشروط في العمال يأتي البحث عنه. و الاجماع فيها ممنوع كما يأتي.

و لو استأجر الامام على الزكاة، أو جعل لأحد جعلا ثم تلفت الزكاة وجب اداء الأجرة، أو الجعل من بيت المال. و هذا لا يدل على عدم صدق الزكاة لو فرض ادائهما من نفس الزكاة كما لا يخفى، فتدبر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 412

شروط العاملين
اشارة

و يشترط فيهم التكليف بالبلوغ و العقل و الايمان، بل العدالة و الحرية أيضا على الأحوط (1).

[كلمات الأصحاب حول المسألة]

______________________________

(1) في المبسوط: «و اذا اراد الامام ان يولّي رجلا على الصدقات احتاج ان يجمع ست شرائط: البلوغ و العقل و الحرية و الإسلام و الامانة و الفقه، فان اخلّ بشي ء منها لم يجز ان يولّيه» «1».

و في الشرائع: «و العاملون، و هم عمّال الصدقات. و يجب ان يستكمل فيهم اربع صفات: التكليف و الايمان و العدالة و الفقه. و لو اقتصر على ما يحتاج فيه جاز. و ان لا يكون هاشميا. و في اعتبار الحرية تردّد» «2».

و لا يخفى ان الشيخ لم يذكر الايمان و العدالة، و انما ذكر بدلهما الإسلام و الامانة.

قال في المدارك في شرح عبارة الشرائع: «لا ريب في اعتبار استجماع العامل لهذه الصفات، لان العمالة تتضمن الاستيمان على مال الغير، و لا امانة لغير العدل. و لقول امير المؤمنين- عليه السلام- في الخبر المتقدم: «فاذا قبضته فلا توكل به إلّا ناصحا شفيقا امينا حفيظا. و انما يعتبر الفقه فيمن يتولى ما يفتقر اليه. و المراد منه معرفته بما يحتاج اليه من

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 248.

(2)- الشرائع 1/ 160.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 413

..........

______________________________

قدر الواجب و صفته و مصرفه. و يختلف ذلك باختلاف حال العامل بالنسبة الى ما يتولاه من الأعمال. و يظهر من المعتبر الميل الى عدم اعتبار الفقه في العامل و الاكتفاء فيه بسؤال العلماء، و استحسنه في البيان. و لا بأس به». انتهى ما في المدارك «1».

و مراده بقول امير المؤمنين «ع» ما في صحيحة بريد، قال: سمعت ابا عبد اللّه «ع» يقول:

بعث امير المؤمنين «ع» مصدقا من الكوفة الى

باديتها فقال له: يا عبد اللّه انطلق ... و كن حافظا لما ايتمنتك عليه، راعيا لحق اللّه فيه، حتى تأتي نادي بني فلان ... حتى تأخذ حق اللّه في ماله فاذا قبضته «2» ...

و في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه، رافقا بمال المسلمين، حتى يوصله الى وليهم فيقسمه بينهم. و لا توكل بها إلّا ناصحا شفيقا و امينا حفيظا غير معنف و لا مجحف ...» «3».

و لا يخفى عدم دلالة الصحيحة على اعتبار التكليف و لا العدالة المصطلحة، بل على اعتبار الأمانة و كون الشخص حفيظا للمال. نعم قوله «ع» في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه» لعله يدل على اعتبار العدالة بالمعنى الاخص الذي يعتبر فيه الايمان أيضا، مضافا الى الإسلام.

و في الجواهر بالنسبة الى اعتبار التكليف قال: «بلا خلاف اجده فيه و لا اشكال. فلا يجوز عمالة الصبي و المجنون و لو باذن وليهما، لأنها نيابة عن الإمام في الولاية على قبض مال الفقراء و حفظه لهم، و هما قاصران عن ذلك».

و بالنسبة الى اعتبار الإيمان قال: «لعدم جواز هذه الولاية لغيره، اذ هي غصن من شجرة العهد الذي لا يناله الظالمون، مضافا الى عموم ما دل على عدم جواز اعطائهم الصدقات و الى عدم عدالتهم» «4».

______________________________

(1)- المدارك/ 315.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 1.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 14 من ابواب زكاة الانعام، الحديث 7.

(4)- الجواهر 15/ 334.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 414

..........

______________________________

و حكى عن الروضة و المفاتيح ادعاء الاجماع على اعتبار العدالة في العاملين.

و في مصباح الفقيه ما حاصله: «قد يظهر من كلماتهم التسالم على اعتبار

هذه الشرائط، فان تم الاجماع فهو، و إلّا فالأظهر إناطته بنظر الوالي، فان كان الامام الاصل فهو اعرف بوظيفته، و ان كان غيره كالفقيه في زمان الغيبة فاذا رأى صبيا، أو فاسقا بصيرا بالامور حاذقا بامر السياسة و الرئاسة و جزم بكونه ناصحا شفيقا امينا حفيظا و ان كان فاسقا غير متحرز عن جملة من المعاصي فلا مانع من نصبه لجباية الصدقات و ضبطها و كتابتها و غير ذلك اذ رأى المصلحة في ذلك» «1».

أقول: هذه عمدة كلماتهم في المقام بنحو يظهر منها مشربهم و ادلّتهم.

و لكن يجب ان يلتفت الى امرين:

الأوّل: ان هذه الشرائط للعمّال لم تذكر في الكتب المعدّة لنقل المسائل المأثورة الاصلية كالمقنعة و المقنع و النهاية و نحوها، و انما تعرض لها اولا الشيخ في مبسوطه الذي وضع للمسائل التفريعية الاستنباطية، و تبعه المتأخرون له في التعرض لها.

و قد عرفت منا مرارا ان الإجماع الكاشف عن تلقي المسألة عن المعصومين- سلام اللّه عليهم- انما يتحقق في المسائل المأثورة، فيكون حجة فيها، بل يعتمد فيها على الشهرة أيضا.

و اما المسائل التفريعية التي اعمل فيها الاجتهاد و الاستنباط فوزانها وزان المسائل العقلية، فلا يفيد فيها الاجماع و لا الشهرة. فالتمسك بالإجماع في المقام بلا وجه.

الثاني: ان العامل في المقام لا ينحصر في الذي جعله الإمام امينا عاما للزكوات و الأخماس، نظير وزير الماليات في الحكومات الدارجة، و ان كان يوهم ذلك بعض كلماتهم التي مرّت و مرّ من المستمسك أيضا، بل المراد بالعامل كل من له عمل واقع على الزكاة من حينما تؤخذ من المالك الى ان تصل الى المستحقين. فيشمل الأمين العام، و الجابي، و الحاسب، و الكاتب، و الوزّان، و المحافظ،

و القسام، و نحو ذلك. فلو فرض كون الأوّل غصنا من شجرة العهد و الولاية فلا يصدق على من بعده عنوان الولاية حتى لا يجوز

______________________________

(1)- المصباح/ 94.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 415

..........

______________________________

للمولّى عليه أو لغير المؤمن تصديها.

اذا عرفت هذا فلنرجع الى بيان الشرائط التي تعرض لها المصنف، و الاستدلال عليها.

فنقول:

[ما استدل به على اعتبار التكليف]

اما التكليف فاستدل على اعتباره، أولا: بالإجماع. و ثانيا: بان العمالة ولاية، فلا يتصدى لها من يكون محجورا مولّى عليه. و ثالثا: بعدم كونه حفيظا، و قد اشترط في صحيحة بريد و عبارة نهج البلاغة.

أقول: قد مرّ الاشكال في الاجماع، و في كون جميع اقسام العمل من قبيل الولاية.

و عدم الحفظ في المراهق، بل و بعض أقسام المجانين ممنوع.

[ما استدل به على اعتبار الايمان]

و اما الايمان، فاستدل عليه اولا بالإجماع. و ثانيا بان العمالة نيابة عن الامام و غصن من شجرة الولاية التي لا ينالها الظالمون. و ثالثا بعدم العدالة. و رابعا بالأخبار المستفيضة الدالة على اشتراط الايمان، و المنع عن وضع الزكاة فيمن لا يعرف.

أقول: قد مرّ الجواب عن الاولين. و يرد على الثالث توقفه على اشتراط العدالة بالمعنى الاخص. و سيأتي البحث عنها و على الرابع ظهور الأخبار في كون محطّ النظر فيها سهم الفقراء و المساكين، فلا تشمل العمّال عليها، فراجع الوسائل ج 6 الباب الخامس من ابواب المستحقين.

نعم، ربما يستفاد من صحيحة زرارة، و محمّد بن مسلم اعتباره في العمال أيضا، فانهما قالا لأبي عبد اللّه- عليه السلام: أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى: انّما الصدقات ...

أكل هؤلاء يعطى و ان كان لا يعرف؟ فقال: ان الامام يعطى هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة. قال زرارة: قلت فان كانوا لا يعرفون؟ فقال: يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و انما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فاما اليوم فلا تعطها انت و اصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فاعطه دون الناس، ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم و سهم

الرقاب عام، و الباقي خاص ... «1»

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 416

..........

______________________________

يظهر من الصحيحة ان الامام يعطى من لا يعرف من سهم المؤلفة و ان سهم غير المؤلفة و الرقاب خاصّ بخصوص من يعرف فسهم العاملين أيضا يختص بمن يعرف. و احتمال كون المراد العموم و الخصوص بحسب الإسلام و الكفر خلاف ظاهر السياق فتدبر.

[ما استدل به على اعتبار العدالة]

و اما العدالة، فاستدل عليها تارة بما حكى من الاجماع، و اخرى بعدم كون الفاسق امينا مع وضوح اشتراط الأمانة، و اشتراطها صريحا في صحيحة بريد و عبارة نهج البلاغة.

أقول: قد مرّ الكلام في الإجماع. و استلزام الامانة للعدالة ممنوع، اذ قد يفرض كون الشخص امينا موثوقا به مع ارتكابه لبعض المعاصي غير المرتبطة بعمله.

نعم، يمكن دلالة قوله «ع» في نهج البلاغة: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه» على اعتبار العدالة بالمعنى المصطلح، بل على اعتبار الايمان أيضا. فالاحوط اعتبارهما.

و لكن يمكن ان يقال ان المستفاد من العبارة اعتبار العدالة و الايمان فيمن يستأمن على المال، و يجعل زمام اختياره بيده، فلا تشمل العمال الذين لا مساس لهم مستقيما بنفس المال و لا يتمكنون من سرقتها و الخيانة فيها، فتدبر.

[ما استدل به على اعتبار الحرّية]

و اما الحرّية، فقد مرّ عن المبسوط اعتبارها، و عن الشرائع التردد فيه. و في المعتبر:

«و عندي في اشتراط الحرية و الفقه تردّد، اذ الغرض يحصل باذن المولى و سؤال العلماء. لا يقال: العامل يستحق نصيبا، و العبد لا يملك، و مولاه لم يعمل. لأنا نقول: عمل العبد كعمل المولى» «1».

و في المختلف: «شرط الشيخ في المبسوط كون العامل حرّا، و الاقوى عدم الاشتراط. لنا انه نوع اجارة، و العبد من اهلها، فجاز من العامل ان يكون عبدا» «2».

أقول: ما يمكن ان يستدل به على اعتبار الحرية امور:

الأوّل: ما مرّ في نظيرها من ان العمالة ولاية فلا تناسب الرقية، مع كون الرق بنفسه مولّى عليه.

______________________________

(1)- المعتبر/ 279.

(2)- المختلف 1/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 417

نعم لا بأس بالمكاتب (1).

[يشترط معرفة المسائل المتعلقة بعملهم]

و يشترط أيضا معرفة المسائل المتعلقة بعملهم

______________________________

و فيه عدم كونها بمراتبها من الولاية، كما مرّ. مضافا الى منع عدم تناسب الرقية للولاية.

الثاني: ان العبد لا يملك، فكيف يملك سهم العاملين؟ و قد ذكر هذا الدليل في عبارة المعتبر كما مرّ.

و فيه اولا: منع ذلك، بل نفس الاخبار المستفيضة الحاكمة بعدم الزكاة في مال العبد تدلّ على مالكيته «1» نعم مالكيته في طول مالكية المولى، فهو بنفسه يملك ماله، و مولاه يملك نفسه و يملك ماله من طريق ملك نفسه. نظير مالكيته- تعالى- لنا و لما نملكه تكوينا بفعلنا.

و ثانيا: لا يجب كون اعطاء الزكاة بنحو التمليك، بل يجوز بنحو الصرف فيه. و الأصناف الثمانية مصارف للزكاة.

و ثالثا: ما اشار اليه المعتبر و المختلف، و هو ان سهم العامل في مقابل العمل. فكل من يملك العمل يملك هذا السهم، و حيث ان عمل العبد ملك لمولاه

فيصير المولى مالكا لهذا السهم.

الثالث: موثقة اسحاق بن عمّار، عن ابي عبد اللّه «ع» و فيها: «و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا» «2» و في خبر علي بن جعفر، عن اخيه قال: سألته عن المملوك يعطى من الزكاة؟ فقال: لا «3».

و فيه كما في المصباح «4» ان المنساق من الخبرين الاعطاء مجانا من حيث الفقر، كما يؤمى اليه قوله- عليه السلام- في صحيحة ابن سنان: «و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا» «5».

و كيف كان فالإفتاء باشتراط الحرية مشكل، و ان افتى به في المبسوط كما مرّ. و لعل الاقوى كما في المختلف عدم الاشتراط.

(1) في الجواهر: «اما هو فلا ريب في جواز عمالته، لأنه صالح للملك

______________________________

(1)- راجع الوسائل، ج 6، الباب 4 من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 44 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل، ج 6، الباب 44 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- المصباح/ 95.

(5)- الوسائل، ج 6، الباب 44 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2 و الباب 4 من ابواب من تجب عليه الزكاة الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 418

اجتهادا أو تقليدا (1)،

[يشترط ان لا يكونوا من بني هاشم]

و ان لا يكونوا من بني هاشم (2).

______________________________

و التكسب» «1».

(1) مرّ عن المبسوط و الشرائع اعتبار الفقه في العامل، و عن الشرائع جواز الاقتصار على ما يحتاج فيه، و عن المعتبر التردد في اعتباره لحصول الغرض بسؤال العلماء، و قال في المدارك: «استحسنه في البيان، و لا بأس به» «2».

و كيف كان فاللازم العلم بما يتوقف عليه العمل الصحيح اجتهادا أو تقليدا و لو بالسؤال حين العمل. و اما اعتبار كونه فقيها فلا دليل عليه و لا سيما

اذا اريد به كونه مجتهدا، بل يبعد جدّا اعتباره مع سعة العمل و كونه ذا مراتب كما مرّ.

(2) بلا خلاف اجده كما في الجواهر «3». و في المبسوط: «فان كان من اهل ذوي القربى، فانه لا يجوز ان يتولى العمالة، لأنه لا يجوز له ان يأخذ الصدقة. و قال قوم: يجوز ذلك، لأنه يأخذ على وجه العوض، فهو كسائر الاجارات. و الاول اولى، لان الفضل بن عباس، و المطلب بن ربيعة سألا النبي «ص» ان يولّيهما العمالة فقال لهما: الصدقة انما هي اوساخ الناس، و انها لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد» «4».

قال في المختلف: «الظاهر ان القوم الذين نقل الشيخ عنهم من الجمهور. اذ لا اعرف قولا لعلمائنا في ذلك، و اكثرهم منع من اعطاء بني هاشم مطلقا» «5» و الخبر الذي رواه الشيخ مرويّ في كتاب الزكاة من صحيحي مسلم و النسائي، و فيهما: «عبد المطلب بن ربيعة»، فراجع.

و كيف كان فيدل على اعتبار عدم كون العاملين من بني هاشم- مضافا الى عدم الخلاف فيه بيننا، و ما مرّ من قصة الفضل و عبد المطلب- خصوص صحيحة عيص بن القاسم، عن ابي عبد اللّه «ع» قال: ان اناسا من بني هاشم اتوا رسول اللّه «ص» فسألوه ان

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 336.

(2)- المدارك/ 315.

(3)- الجواهر 15/ 335.

(4)- المبسوط 1/ 248.

(5)- المختلف 1/ 184.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 419

..........

______________________________

يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه- عزّ و جل- للعاملين عليها، فنحن اولى به، فقال رسول اللّه «ص»: يا بني عبد المطلب (هاشم)! ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم، و لكني قد وعدت الشفاعة (الى ان قال):

أ تروني مؤثرا عليكم غير كم «1»؟.

هذا، مضافا الى الأخبار المطلقة المستفيضة، بل المتواترة اجمالا، المروية بطرق الفريقين، الحاكمة بعدم حلية الصدقة على بني هاشم أو آل محمّد، المعمول بها عند الفريقين. فان اطلاقها يشمل العاملين أيضا.

و النسبة بينها و بين كل واحد من الاصناف كالعاملين مثلا و ان كانت بنحو العموم من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع اعني العامل الهاشمي مثلا و مقتضى القاعدة سقوطهما.

و لكن يمكن ان يجاب عن ذلك اولا بان الاصل بعد التساقط هنا الاشتغال.

و ثانيا بان الظاهر ملاحظة النسبة بين هذه الأخبار و بين مجموع الاصناف الثمانية و لحاظها موضوعا موحدا، فيصير موضوع هذه الاخبار خاصا بالنسبة اليها، و الا لزم طرح هذه الاخبار و عدم بقاء مورد لها. نظير ما ذكروه في ملاحظة النسبة بين ادلة نفي العسر و الحرج و الضرر، و بين الادلة الاولية على فرض انكار حكومتها عليها. و قد يعبر عن ذلك بالتوفيق العرفي بين الدليلين، أو تقديم ظهور الخاص على العام.

و لعله الى ما ذكرنا اشار في الجواهر حيث قال: «و التعارض بينه و بين الآية و ان كان من وجه لكن يرجح عليه من وجوه» «2».

و يحتمل ان يكون مراده كون الآية عامة بالنسبة الى الهاشمي و غيره، و خاصة بالصدقة الواجبة، و الأخبار عامة بالنسبة الى الواجبة و المندوبة، و خاصة بالنسبة الى الهاشمي، فيقع التعارض في الصدقة الواجبة بالنسبة الى الهاشمي.

______________________________

(1)- الوسائل، ج 6، الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الجواهر 15/ 335.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 420

نعم يجوز استيجارهم من بيت المال أو غيره (1)، كما يجوز عملهم

______________________________

و لكن فيه منع كون الآية خاصة بالصدقة الواجبة فقط،

اذ المورد غير مخصص.

ثم انه يظهر من صحيحة عيص، بعد تطبيقه «ص» قوله: «ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم» على العاملين ان هذه العبارة الواردة في اكثر أخبار الباب لا تختص بالفقراء، بل تكون عامة. و مقتضاه حرمة سائر السهام أيضا على الهاشمي. نعم يشكل الالتزام بذلك في سهم سبيل اللّه، فلو فرض بناء مسجد، أو مستشفى، أو عمارة طريق من الزكاة فهل يمكن الالتزام بعدم جواز استفادة الهاشمي منه؟ و هل يمكن الالتزام بعدم جواز استيجار البناء الهاشمي له من الزكاة؟ اللّهمّ إلّا ان يفرق بين صورة الإعطاء و التمليك، و بين صرف الزكاة في المصرف. و لا تمليك في سبيل اللّه، بل هو مصرف محض. و هذا بخلاف العامل و ابن السبيل مثلا. و لعلنا نعود الى المسألة عند بيان شرائط المستحقين، فانتظر.

(1) يعني من غير الزكاة لما مرّ في إعطاء الزكاة للعامل من عدم الفرق بين انحاء الإعطاء من التعيين بنحو الاستيجار، أو الجعالة، أو الإعطاء بعد العمل مجانا. و لكن في الجواهر في ذيل البحث عن اعتبار الحرية ما لفظه: «كما انه ينبغي ان يعلم ان المراد في المقام و نظائره صيرورته عاملا مندرجا في آية الزكاة، لا انه غير قابل لأصل العمل في الزكاة، فانه لا اشكال في صحة استيجاره من بيت المال، و تبرّعه لو اذن له سيّده بلا عوض، بل قد يقال بجواز اجارته من الزكاة، بل من الزكاة التي يستأجر للعمل فيها، لعدم كونه من العاملين الذين هم بعض مصارف الزكاة. و كذا الكلام في الهاشمي. ضرورة عدم كون ذلك اخذا من الزكاة على وجه التصدق بها عليهم، بل هي اجرة على عمل قد وقعت

ممن له الولاية على الفقراء. و هو واضح بادنى تامّل، كوضوح عدم البأس في العبد و غيره حتى الصبيان اذا كانوا من توابع العمل و ليسوا بعمّال نوّاب من الامام «ع» أو نائبه بحيث يندرجون في مصارف الزكاة» «1».

أقول: قد مرّ منا ان العامل لا ينحصر في الولي و الامين العام المنصوب مستقيما من قبل الامام بل له مراتب كثيرة، فكل من صدر عنه ادنى عمل على الزكاة من حين تؤخذ من المالك الى ان

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 336.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 421

تبرعا (1).

______________________________

تصل الى مصرفها يصدق عليه عنوان العامل، فكأن الشارع اراد بجعل السهم للعاملين ان لا تكون الزكاة محتاجة الى مئونة خارجة عن ذاتها بل تكون كافية بنفسها لنفسها، نظير ما يراعي في الموقوفات أيضا. و يصدق على الأنحاء الثلاثة من الإعطاء كون الزكاة مصروفة فيها، كسائر الميزانيات التي تعين لمصارف خاصة كما مرّ شرح ذلك فراجع.

(1) اذ المحرم أخذهم من الزكاة لا نفس العمل، بل هو راجح شرعا اذا وقع تبرعا بقصد الخدمة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 422

عدم سقوط سهم العاملين في زمان الغيبة

و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة (1) مع بسط يد نائب الامام «ع» في بعض الاقطار.

______________________________

(1) قال الشيخ في النهاية: «و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم الجهاد، لان هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الامام. لان المؤلفة قلوبهم انما يتألفهم الامام ليجاهدوا معه، و السعاة أيضا انما يكونون من قبله في جمع الزكوات، و الجهاد أيضا انما يكون به أو من نصبه الامام فاذا لم يكن هو ظاهرا و لا من نصبه فرّق في من عداهم» «1».

و في المبسوط: «و سهمهم (المؤلفة) مع سهم

العامل ساقط اليوم» «2».

اقول: اطلاق العاملين يشمل المنصوب من قبل النائب العام أيضا بعد تسليم نيابته.

و التخصيص بحال الظهور بلا وجه بعد الالتزام بولاية الفقيه في عصر الغيبة، و عدم تعطل الحكومة الاسلامية و احكامها و ميزانياتها التي منها الزكاة بحسب اصل الشرع. و التعبير بالامام في بعض النصوص و الكلمات اما باعتبار كونه الولي الاصلي، أو باعتبار معناه اللغوي الشامل للحاكم بالحق مطلقا، كما لا يبعد ارادة ذلك في كثير من ابواب الفقه. بل

______________________________

(1)- النهاية/ 185.

(2)- المبسوط 1/ 249.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 423

..........

______________________________

لو لم يوجد الفقيه و تصدى عدول المؤمنين لإدارة شئون الحكومة و تنظيم المجتمع بقدر الامكان- بناء على وجوب ذلك حسبة، كما لا يبعد- جاز لهم تعيين العمال لجمع الزكوات و ايصالها الى مصارفها التي منها بعض مصارف الحكومة، بل قد يجب ذلك اذا توقف حفظ نفوس الفقراء، أو الدفاع عن بيضة الإسلام مثلا على ذلك، و لا محالة يعطون اجر العمّال من الزكاة. بل لو لم يتصدوا لإدارة شئون الحكومة و لم يقدروا عليها و لكن قدروا على جمع الزكوات في منطقة خاصة و صرفها في مصارفها امكن القول بوجوب ذلك حسبة، اذ ليس تأمين الفقراء مثلا باهون عند الشارع من سائر الامور الحسبية الجزئية.

و لقد اجاد في المستند في المقام فقال ما ملخصه: «و اما زمان الغيبة فعلى القول بوجوب دفع الزكاة الى النائب العام يجوز له نصب العامل و تشريكه للفقراء، بل قد يجب. و كذا على القول باستحبابه. و امّا على غير ذلك فان علم النائب بتقصير في اداء الزكاة، أو في تقسيمها جاز له نصب العامل من باب الامر بالمعروف و الاعانة على البر،

بل قد يجب و يجعل له نصيبا من الزكاة. بل يجوز ذلك، أو يجب لآحاد المؤمنين أيضا. بل يجوز لشخص علم ذلك عمله بنفسه و اخذ اجرة عمله من الزكاة. و اما بدون العلم بذلك ففيه اشكال، و لا يبعد جوازه للنائب العام، أو عدول المؤمنين سيما اذا كان فيه نوع مصلحة للأصل و تشريكه للإطلاق» «1».

أقول: و يمكن الاستدلال على جواز ما ذكره بشقوقه- مضافا الى ما ذكره من ادلة الامر بالمعروف، و آية التعاون- بالخبر الصحيح عن رسول اللّه «ص»: «كل معروف صدقة» «2».

و لكن يجب ان يلتفت الى ان اعمال ما ذكر كثيرا ما يستلزم الهرج و سوء استفادة بعض العناصر غير الصالحة و تسلطهم على اموال الناس باسم اخذ الزكوات و الاخماس. فهذا وجه آخر من وجهي الموضوع و المسألة. فتشخيص موارد الجواز التي لا يترتب عليها مفسدة اهم، يحتاج الى مزيد دقّة و إعمال كياسة، فتدبر.

______________________________

(1)- المستند 2/ 46.

(2)- الوسائل، ج 6، الباب 41 من ابواب الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 424

نعم يسقط بالنسبة الى من تصدّى بنفسه (1) لإخراج زكاته و ايصالها الى نائب الامام- عليه السلام- أو الى الفقراء بنفسه.

______________________________

(1) اذ يجب عليه بنفسه ايصال الزكاة الى مصرفها، فلا عمل له غير ايتاء الزكاة الواجب بنفسه. هذا، مضافا الى انصراف العاملين عن مثله. اللّهمّ إلّا يعمّم الحكم له بالملاك.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين- 5 ربيع الثاني 1405- تم المجلد الثاني من كتاب الزكاة و يتلوه إن شاء اللّه المجلد الثالث.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 425

مراجع التحقيق

لما كانت أكثر مصادر بحثنا ذات طبعات مختلفة مما قد يتعب القارئ في

الرجوع الى المصادر، رأينا ادراج المصادر في آخر الكتاب مع ذكر طبعاتها و خصوصيّاتها.

الاستبصار للشيخ الطوسي، في اربع مجلدات، طبع ايران دار الكتب الاسلاميّة، الطبعة الثالثة 1390 ه. ق.

الايضاح «إيضاح الفوائد في شرح القواعد» لفخر المحققين، في اربع مجلدات، طبع قم مطبعة العلمية، الطبعة الاولى 1388- 1389 ه. ق.

الام للشافعي، سبعة اجزاء في اربع مجلدات، «و بهامشه مختصر ابي اسماعيل بن يحيى المزني الشافعي» طبع القاهرة دار الشعب 1388 ه. ق.

بدائع الصنائع لابن مسعود الكاساني الحنفي، في سبع مجلدات، طبع بيروت دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1394 ه. ق.

البيان للشهيد الاول، طبع قم مجمع الذخائر الاسلامية «بخط محمد حسن الگلپايگاني 1322 ه. ق.»

التاج الجامع للأصول في احاديث الرسول للشيخ منصور علي ناصف، في خمس مجلدات، طبع بيروت دار احياء التراث العربي.

التحرير «تحرير الاحكام» للعلامة الحلي، طبع ايران مؤسسة آل البيت «بخط محمد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 426

حسن بن محمد علي الگلپايگاني 1314 ه. ق».

التذكرة «تذكرة الفقهاء» للعلامة الحلي، في مجلدين، طبع ايران المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

تفسير القمي «تفسير علي بن ابراهيم»، في مجلدين، طبع النجف منشورات مكتبة الهدى.

التهذيب «تهذيب الاحكام» للشيخ الطوسي، في عشر مجلدات، طبع ايران دار الكتب الاسلامية، الطبعة الثالثة 1390 ه. ق.

جامع المقاصد للمحقق الكركي، في مجلدين، طبع طهران انتشارات جهان «من طبعة سنة 1395 ه. ق».

الجوامع الفقهية لعدة من الفقهاء المتقدمين، طبع طهران انتشارات جهان «بخط محمد رضا الخوانساري و ابنه محمد علي 1276 ه. ق.»

الجواهر «جواهر الكلام» للشيخ محمد حسن النجفي المشهور بصاحب الجواهر، في اثنين و اربعين مجلدا، طبع ايران دار الكتب الاسلامية 1392- 1400 ه. ق.

حاشية الكمپاني على المكاسب للشيخ محمد حسين الغروي

الاصفهاني، في جزءين، طبع ايران «بخط محمد علي بن الحاج ميرزا محمود التبريزي الغروي 1363- 1364 ه. ق».

الحدائق «الحدائق الناضرة» للشيخ يوسف البحراني، خرج منه حتى الآن اثنان و عشرون مجلدا من اوّل كتاب الطهارة الى آخر كتاب الوصايا، سنة 1376- 1405 ه. ق.

خمس الشيخ «كتاب الخمس» للشيخ الانصاري، المطبوع في اواخر كتاب الطهارة، طبع ايران «بخط احمد الطباطبائي الاردستاني 1299 ه. ق».

كتاب الخمس للمؤلف، طبع قم مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الاولى.

الخلاف للشيخ الطوسي، في ثلاث مجلدات، طبع ايران.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 427

الدروس للشهيد الاول، طبع قم انتشارات صادقي، تصحيح و تعليق السيد مهدي اللازوردي الحسيني «بخط ابو القاسم محمد صادق الحسيني 1269 ه. ق».

دعائم الإسلام للقاضي ابي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، في مجلدين، طبع القاهرة دار المعارف.

الرسائل للإمام الخميني «مدّ ظلّه»، في جزءين، طبع قم، الطبعة الاولى 1384 ه. ق.

الرسائل العشر للشيخ الطوسي، طبع قم مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

الروضة البهية «الروضة» للشهيد الثاني، في عشر مجلدات، طبع منشورات جامعة النجف الدينية، باشراف من السيد محمد كلانتر، الطبعة الثانية 1395- 1396 ه. ق.

زكاة الشيخ «كتاب الزكاة» للشيخ الانصاري، المطبوع في اواخر كتاب الطهارة، طبع ايران «بخط احمد الطباطبائي الاردستاني 1298 ه. ق».

كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني، في مجلدين، طبع ايران، الطبعة الاولى 1396 ه. ق.

كتاب الزكاة للمؤلف، المجلد الاول، طبع قم مكتب الاعلام الاسلامي، الطبعة الاولى 1404 ه. ق.

السرائر لابن ادريس الحلي، طبع ايران انتشارات المعارف الاسلاميّة، الطبعة الثانية 1390 «بخط السيد حسن الموسوي 1270 ه. ق».

سنن ابن ماجة، في مجلدين، طبع بيروت دار احياء التراث العربي 1395 «تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي».

سنن ابي داود، في

اربع مجلدات، طبع دار احياء السنة النبوية «تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد».

الشرائع للمحقق الحلي، اربعة اجزاء في مجلدين، طبع مطبعة الآداب في النجف الاشرف، الطبعة المحققة الاولى 1389 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 428

شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد، في عشرين مجلدا، طبع القاهرة دار احياء الكتب العربية، الطبعة الاولى 1378- 1383 ه. ق.

الصحاح للجوهري، في ست مجلدات، طبع بيروت دار العلم للملايين «تحقيق احمد عبد الغفور عطّار»، الطبعة الثانية 1399 ه. ق.

صحيح البخاري، ثمانية اجزاء في اربع مجلدات، طبع دار الفكر «مصور من طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول 1315 ه. ق».

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، في مجلدين، «و بهامشها تعليقات اعلام العصر و مراجع الشيعة الامامية» طبع ايران المكتبة العلمية الاسلامية 1399 ه. ق.

فرائد الاصول للشيخ الانصاري، طبع ايران مكتبة المصطفوي 1376 ه. ق. «بخط مصطفى النجم آبادي 1326 ه. ق».

فقه الرضا، طبع ايران دار الطباعة 1274 ه. ق.

فوائد الاصول للشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، اربعة اجزاء في مجلدين، طبع ايران من منشورات مكتبة المصطفوي، بخط احمد الزنجاني 1352 ه. ق.

القواعد «قواعد الاحكام» للعلامة الحلي، جزء ان في مجلد واحد، طبع قم منشورات الرضي «الجزء الاول بخط الميرزا السيد حسن بن الحاج الميرزا علي نقي المدرس الحسني اليزدي سنة 1330 و الجزء الثاني بخط محمد بن الميرزا عبد العلي سنة 1315 ه. ق.

الكافي للكليني، في ثماني مجلدات الاصول و الفروع و الروضة، طبع ايران دار الكتب الاسلامية «تصحيح و تعليق علي اكبر الغفاري».

كشف الغطاء للشيخ كاشف الغطاء، طبع اصفهان منشورات المهدوي.

لسان العرب لابن منظور، مع الملحقات في ستة عشر مجلدا، طبع قم نشر ادب الحوزة 1405 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 2، ص: 429

المبسوط للشيخ الطوسي، ثمانية اجزاء، طبع ايران المكتبة المرتضوية، الطبعة الثانية 1387- 1393 ه. ق.

مجمع البيان للشيخ الطبرسي، في خمس مجلدات، طبع قم «مصور من طبعة صيدا في مطبعة العرفان 1356 ه. ق».

المحلى لابن حزم الاندلسي، احدى عشر جزءا في ثماني مجلدات، طبع بيروت دار الفكر.

المختلف «مختلف الشيعة في احكام الشريعة» للعلامة الحلي، جزء ان في مجلد واحد، طبع ايران بتصدي الشيخ احمد الشيرازي 1323- 1324 ه. ق.

المدارك للسيد محمد بن السيد علي الطباطبائي المشهور بصاحب المدارك، طبع ايران «بخط السيد حسين بن محمد الحسيني الخوانساري 1322 ه. ق. مع تصحيح رقم صفحاته».

المسالك «مسالك الافهام في شرح شرايع الإسلام» للشهيد الثاني، في مجلدين، طبع ايران «بخط كلب علي بن عباس الشرندي القزويني 1313 ه. ق».

المستدرك «مستدرك الوسائل» للحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي المشهور بالمحدث النوري، في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الاسلاميّة بطهران و المكتبة العلمية بالنجف، طبع مصور في مطبعة الاسلامية سنة 1382 ه. ق. «بخط محمد صادق بن محمد رضا التويسركاني 1318 ه. ق».

المستمسك «مستمسك العروة الوثقى» لآية اللّه الحكيم، في اربعة عشر مجلدا، طبع قم دار الكتب العلمية «مصور من طبعة النجف بمطبعة الآداب».

المستند «مستند الشيعة» للمولى احمد النراقي، في مجلدين، طبع ايران منشورات المكتبة المرتضوية 1325 ه. ق.

مسند احمد بن حنبل «و بهامشه منتخب كنز العمال» في ست مجلدات، طبع بيروت المكتب الاسلامي، الطبعة الثانية 1398 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 430

المصباح «مصباح الفقيه» للفقيه الهمداني، كتاب الزكاة، طبع قم مكتبة المصطفوي «بخط طاهر بن عبد الرحمن، خوشنويس، 1364 ه. ق».

المعتبر في شرح المختصر للمحقق الحلي، طبع ايران منشورات مجمع الذخائر الاسلاميّة، مصور من طبعة سنة 1318

ه. ق.

المغني لابن قدامة على مختصر ابي القاسم الخرقي و يليه الشرح الكبير على متن المقنع، في اثنى عشر مجلدا، طبع بيروت دار الكتاب العربي 1392 ه. ق».

مفتاح الكرمة للسيد محمد جواد الحسيني العاملي، في عشر مجلدات، طبع منه ثمان مجلدات في مصر و اثنان آخران في ايران 1324- 1376 ه. ق.

المفردات للراغب الاصفهاني، طبع طهران المكتبة المرتضوية.

مقابس الأنوار للشيخ اسد اللّه الدزفولي الكاظمي، طبع ايران مؤسسة آل البيت «مصورة من طبعة سنة 1322 ه. ق. بخط ميرزا عبد اللّه الحائري الطهراني».

المقنعة للشيخ المفيد، طبع قم منشورات مكتبة الداوري «مصورة من طبعة سنة 1274 ه. ق. في دار الطباعة الآقا محمد تقي التبريزي بخط احمد بن علي الخوانساري».

المكاسب للشيخ الانصاري، طبع التبريز مطبعة الاطلاعات، الطبعة الثانية «بخط طاهر ابن عبد الرحمن، خوشنويس، 1376 ه. ق».

المنتهى «منتهى المطلب» للعلامة الحلي، في مجلدين، طبع ايران سنة 1333 ه. ق.

من لا يحضره الفقيه «الفقيه» للشيخ الصدوق، في اربع مجلدات، طبع طهران دار الكتب الاسلاميّة، الطبعة الخامسة 1390 ه. ق.

نور الثقلين للشيخ عبد علي الحويزي، في خمس مجلدات، طبع قم دار الكتب العلمية، «تصحيح و تعليق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي».

نهاية الاصول للمؤلف، طبع قم مطبعة الحكمة 1375 ه. ق.

النهاية «النهاية في مجرد الفقه و الفتاوى» للشيخ الطوسي، طبع بيروت دار الكتاب العربية

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 2، ص: 431

1390 ه. ق.

الوافي للفيض الكاشاني، في ثلاث مجلدات، طبع طهران المكتبة الاسلاميّة «بخط محمد حسن بن محمد علي الاصفهاني 1323 ه. ق».

الوسائل «وسائل الشيعة» للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، في عشرين مجلدا، طبع طهران المكتبة الاسلاميّة 1383- 1389 ه. ق.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز

جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.