الزکاه فی الشریعه الاسلامیه الغراء المجلد 2

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر،1208 -

عنوان و نام پديدآور : الزکاه فی الشریعه الاسلامیه الغراء/ تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر : قم : موسسه الامام الصادق علیه السلام، 1424ق. = 1382.

مشخصات ظاهری : 2 ج.

شابک : 964-357-019-3

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14.

موضوع : زکات.

شناسه افزوده : موسسه امام صادق(ع).

رده بندی کنگره : BP188/4/س 2ز8 1382

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : م 83-5208

[تتمة زكاة الأموال]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ التوبة: 122

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 5

[الفصل السادس في أصناف المستحقّين للزكاة]

اشارة

الفصل السادس في أصناف المستحقّين للزكاة أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها ثمانية: الأوّل و الثاني: الفقير و المسكين، و الثاني أسوأ حالا من الأوّل.* (1)

______________________________

(1)* في أصناف المستحقّين للزكاة

و هي ثمانية:

[الأول و الثاني الفقير و المسكين]

اشارة

تبعا للذكر الحكيم، قال سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. «1»

و نشير إلى ما في الآية من نكات:

1. ابتدأ سبحانه الآية بلفظ «الحصر» و قال: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لأجل ردّ لمز المنافقين و غيرهم كما وصفهم سبحانه بقوله: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ. «2»

فردّ عليهم ببيان مصارف الصدقات الثمانية و انّها لهم أو فيهم و ليس للنبي

______________________________

(1). التوبة: 60.

(2). التوبة: 58.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 6

..........

______________________________

التجاوز عنه.

2. انّ المعطوف عليه في الفقراء، و اللام للتمليك، فالجميع يملك بحكم اللام المذكور في المعطوف عليه، أو المقدّر كما في المعطوف المجرّد عنها، إلّا ما قورن بلفظة «في» فتدلّ على أنّه مصرف لها لا مالك، و هذا كما فِي الرِّقٰابِ بناء على أنّ العبد لا يملك و فِي سَبِيلِ اللّٰهِ كالجهاد و بناء المساجد و القناطر.

3. قوله: فَرِيضَةً فلعلّها مفعول مطلق لفعل مقدّر يدلّ عليه قوله:

إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ أي فرض اللّه الصدقات فريضة، و يحتمل أن تكون منصوبة لكونها حالا، أي فريضة مؤكّدة لا تعصى.

4. ختم الآية باسمين شريفين عَلِيمٌ حَكِيمٌ إشعارا، بأنّ تشريع هذه الضريبة، صدر عن علم و حكمة، و محاسبة دقيقة، و أنّ أصحاب الأموال لو قاموا بواجبهم، لسدّوا خلّة الفقر بين الأمّة.

ثمّ إنّ

أصناف المستحقّين للزكاة ثمانية تبعا للآية و بعض الروايات، ففي مرسلة حمّاد بن عيسى، عن العبد الصالح عليه السّلام: «لا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطي أهل كلّ سهم ثمنا». «1» و عليها الأصحاب في كتبهم إلّا المحقّق في «الشرائع» حيث قال: «أصناف المستحقّين للزكاة سبعة» يعدّ المساكين و الفقراء صنفا واحدا و عرّفهما بقوله: «و هم الذين تقصر أموالهم من مئونة سنتهم». «2» و نقله الطبرسي عن الجبّائي و صاحبي أبي حنيفة. «3» و المعروف عدم ترادفهما و اختلافهما مفهوما و مصداقا- كما سيوافيك-.

و تظهر ثمرة النزاع في الموارد التالية:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(2). الجواهر: 15/ 266.

(3). مجمع البيان: 3/ 41.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 7

..........

______________________________

أ. إذا قيل بوجوب البسط أو استحبابه، فعلى القول باختلافهما مفهوما و مصداقا، فيبسط على ثمانية أصناف؛ بخلاف القول الآخر، فيبسط وجوبا أو استحبابا على سبعة أصناف.

ب: إذا نذر للفقير أو المسكين فعلى القول بالاختلاف، يلزم صرف ما نذره في مورده، دون القول بالوحدة فيصرف في مطلق المحتاج.

ج: في مورد كفّارة الإفطار للمطيق قال سبحانه: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ «1»، و كفارة الظهار: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً «2»، و كفّارة اليمين فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. «3»

أما الفرق بينهما فيمكن استظهاره من المصادر التالية:

1. الذكر الحكيم.

2. الروايات.

3. قول أهل اللغة.

فإليك دراسة الكلّ.

الرجوع إلى الذكر الحكيم

أمّا الأوّل فقد ورد لفظ المسكين مفردا و جمعا مرفوعا و منصوبا في القرآن الكريم ثلاثا و عشرين مرة، كما ورد لفظ الفقير كذلك ثلاث عشرة مرّة، و الإمعان في الآيات يوضح بأنّ المسكين يتميّز عن الفقير

بأحد الأمرين:

______________________________

(1). البقرة: 184.

(2). المجادلة: 4.

(3). المائدة: 89.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 8

..........

______________________________

1. كونه أسوأ حالا من الفقير، يقول سبحانه: يَتِيماً ذٰا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ «1» أي يتيما ذا قربى من قرابة النسب و الرحم، أو مسكينا قد لصق بالتراب من شدّة فقره و ضرّه، فوصف المسكين به دون الفقير.

و أمّا الفقير فيستعمل في مقابل الغني حيث يقول سبحانه: لَقَدْ سَمِعَ اللّٰهُ قَوْلَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِيٰاءُ «2» يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «3» و المعلوم أنّ لسلب الغنى مراتب كثيرة، و ليس كلّ من ليس بغني مسكينا ذليلا لاصقا بالتراب، بخلاف المسكين.

2. كون المسكين من يسأل الناس دون الفقير، و يدلّ عليه قوله سبحانه: لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ- إلى أن يقول- لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً «4» أي لا يسألون الناس أصلا كما في «المجمع» «5»؛ بخلاف المسكين فهو من يسأل الناس، قال سبحانه: فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخٰافَتُونَ* أَنْ لٰا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ «6»، فدخول المسكين آية السؤال.

هذا ما يستفاد من الذكر الحكيم.

و أمّا الروايات فإليك نقلها.

الرجوع إلى الروايات

و الذي استظهرناه من الآيات هو المستفاد من الروايات و انّ الفقير يفارق المسكين بوجهين مذكورين، و قد ورد في ذلك صحيحة و خبران.

أمّا الأولى، فقد روى محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام انّه سأله عن الفقير

______________________________

(1). البلد: 15- 16.

(2). آل عمران: 181.

(3). فاطر: 15.

(4). البقرة: 273.

(5). مجمع البيان: 1- 2/ 666.

(6). القلم: 23- 24.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 9

..........

______________________________

و المسكين، فقال: «الفقير الذي لا يسأل، و المسكين- الذي هو أجهد منه- الذي يسأل».

«1»

و أمّا الآخران، فهو خبر أبي بصير- يعني: ليث بن البختري- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ قال:

«الفقير: الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم». 2

و خبر علي بن إبراهيم في تفسيره، قال: لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً. و المساكين هم أهل الزمانات، قد دخل فيهم الرجال و النساء و الصبيان. 3

و وصفنا الثاني بالخبر، لوقوع عبد اللّه بن يحيى في السند، و هو مهمل في الرجال و ليس مجهولا، و ليس المراد منه عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، لأنّه من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السّلام، و من البعيد أن يروي من هو في طبقة أصحاب الإمام الجواد عليه السّلام عمّن هو من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السّلام.

و العجب من بعض المعاصرين حيث وصف الخبر بالصحّة!!

و أمّا وصف الثالث بكونه خبرا، فلعدم العبرة بتفسير علي بن إبراهيم، و قد حقّقناه في كتابنا «كلّيات في علم الرجال».

و أمّا الزمانات فهو من «زمن» الذي دام مرضه. قال الفيوميّ: زمن الشخص زمنا زمانة و هو مرض يدوم زمانا طويلا، و القوم زمنى مثل مرضى. «4»

و المستفاد من مجموع الروايات كون الفرق بينهما بالسؤال و عدمه، و كثرة

______________________________

(1) (1، 2، 3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2، 3 و 7.

(4). المصباح المنير: 1/ 310، مادة «الزمان».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 10

..........

______________________________

الجهد و قلّته.

و هل السؤال في هذه الروايات عن مطلق الفقير و المسكين، أو عنهما بوصف ورودهما

في آية الزكاة؟ و الظاهر هو الأوّل، و الشاهد عليه أمران:

1. ورود البائس في خبر أبي بصير.

2. تفسير الإمام لقوله سبحانه: لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ.

و هذان دليلان على أنّ المسئول عنه هو مطلق الفقير و المسكين.

نعم يمكن أن يقال: المراد هو تفسير الفقير و المسكين الوارد في الشريعة المقدسة- أعني: الكتاب و السنّة- لا عن معنييهما اللغويّين.

الرجوع إلى كلمات اللغويّين

اختلفت كلمات اللغويين في الفرق بينهما إلى قولين، نقلهما ابن منظور في «لسان العرب»، قال: قال ابن السكّيت: الفقير الذي له بلغة من العيش، قال الراعي يمدح عبد الملك بن مروان و يشكو إليه سعاته:

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد

الحلوبة عبارة عن الإبل أو الغنم التي تعطي حليبا.

قال الفيومي في مصباحه: «و ناقة حلوب وزان رسول، أي ذات لبن يحلب، فإن جعلتها اسما أتيت بالهاء، فقلت: هذه حلوبة فلان مثل الركوب و الركوبة. «1»

ترى أنّ الشاعر يفسّر الفقير بمن يساوي حليبه حاجة عياله فلا يترك له شيئا.

و قال: و المسكين الذي لا شي ء له.

و قال يونس: الفقير أحسن حالا من المسكين، قال: و قلت لأعرابي مرّة:

______________________________

(1). المصباح المنير: 1/ 178، مادة «حلب».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 11

..........

______________________________

أ فقير أنت؟ قال: لا و اللّه بل مسكين. فالمسكين أسوأ حالا من الفقير.

و في مقابل هذا القول قول آخر، روي عن الأصمعي و هو انّ المسكين أحسن حالا من الفقير.

و الدليل عليه انّ اللّه تعالى سمّى من له الفلك مسكينا، و قال عزّ و جلّ:

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ «1» و هي تساوي جملة.

قال: و الذي احتجّ به يونس من أنّه قال لأعرابي: أ فقير أنت؟ فقال: لا

و اللّه بل مسكين، يجوز أن يكون أراد: لا و اللّه بل أنا أحسن حالا من الفقير.

و البيت الذي احتجّ به ليس فيه حجّة. «2»

و لا يخفى ضعف حجّة الثاني.

أمّا أوّلا فلأنّ وصف أصحاب السفينة بالمساكين الذي يساوي الأذلّاء، فلأجل ذلّتهم أمام الملك الجائر فصاروا أذلّاء من هذه الجهة لا من جانب المال كما هو الحال في وصف اليهود بالمسكنة.

قال سبحانه: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ «3». فكان وصف شخص بالمسكين بأحد الملاكين: المال، أو الذلّة و الخضوع. و الملاك في الآية هو الثاني.

و أمّا تفسير قول الأعرابي، فهو تفسير خاطئ، فإنّ القسم دليل على العكس، إذ لو كان المراد ما ادّعاه الأصمعي لاستغنى عن القسم، لأنّه عندئذ لم يدع شيئا فوق الفقر حتى يحلف عليه و إنّما يحسن الحلف إذا ادّعى أمرا فوق الفقر و هو انّه لا يملك شيئا أبدا.

______________________________

(1). الكهف: 79.

(2). لسان العرب: 5/ 60، مادة «فقر».

(3). البقرة: 61.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

و مع ذلك كلّه فبين أصحابنا من يرجّح القول الثاني، قال الشيخ في «الخلاف»: الفقير أسوأ حالا من المسكين، لأنّ الفقير هو الذي لا شي ء له، أو معه شي ء يسير يعتد به؛ و المسكين الذي له شي ء فوق ذلك، غير انّه لا يكفيه لحاجته و مئونته. و بما قلناه قال الشافعي، و جماعة من أهل اللغة.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: المسكين أسوأ حالا من الفقير، فالمسكين عنده على صفة الفقير عندنا. و الفقير على صفة المسكين، و بهذا قال الفرّاء، و جماعة من أهل اللغة.

دليلنا: قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فسمّاهم مساكين مع أنّهم يملكون سفينة بحرية، و ذلك يدلّ على

ما قلناه، و لأنّ اللّه تعالى بدأ في آية الصدقة بالفقراء، و من شأن العرب أن يبتدئ بالأهم. «1»

إشكال و إجابة

أمّا الإشكال فلو صحّ ما ذكر من الفرق من أنّ المسكين أشدّ حالا يكون بينهما من النسبة هو التباين، فيجب أن نقتصر في كفّارة اليمين و الظهار و الصوم بمن لا يملك شيئا مع أنّ أحدا من الفقهاء لم يشترطه حيث إنّهم أفتوا بكفاية مطلق الفقر.

و أمّا الإجابة عنه فبوجهين:

الأوّل: اختصاص التفريق بما ذكر بآية الزكاة، حيث ورد فيه الفقير، مقترنا بالمساكين، فقالوا: إنّ الفرق بينهما هو كون الثاني أجهد من الأوّل و الثاني يسأل دون الأوّل، و أمّا كونهما كذلك في عامّة الموارد من الآيات و الروايات فلا. و هذا هو الظاهر من المحقّق الخوئي.

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 229، كتاب الصدقات، المسألة 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

قال: لا ينبغي التأمّل في عدم كونه عليه السّلام بصدد بيان المفهوم من اللفظ لغة أو عرفا ليكون منافيا مع ما قدّمناه، بل لم نعهد حتّى رواية واحدة تكون واردة لبيان شرح اللفظ و بيان مفهومه اللغوي أو العرفي، لخروج ذلك كلّه عن شأنه و منصبه الساميّين. فالصحيحة واردة لا محالة لبيان المراد من هاتين الكلمتين الواقعتين في الآية المباركة- أعني قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ- فهي تفسير للآية لا بيان لمفهوم اللفظ بما هو، و لا ضير في ذلك، فيلتزم بأنّ مصرف الزكاة هو مطلق من لا مال له سأل أم لم يسأل، فأريد من المسكين الأوّل و من الفقير الثاني. «1»

يلاحظ عليه: بأنّه كيف تكون الروايات واردة لبيان المراد من هذين اللفظين في خصوص آية الصدقات، مع أنّ خبر أبي بصير يفسّر-

مضافا إلى الفقير و المسكين- البائس الذي ورد في سورة الحجّ وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ الْفَقِيرَ. «2»

كما أنّ خبر تفسير القمي يفسّر قوله سبحانه: لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ .... «3»

الثاني: انّ الفقير يفارق المسكين إذا اجتمعا في كلام واحد كما في آية الصدقات، و أمّا إذا ما تفرّقا فلم يرد في الكلام إلّا واحد منهما كما في آيات الكفّارات فيراد منه كلا المعنيين، فهما إذا اجتمعا افترقا، و إذا تفرّقا اجتمعا، كالظرف و الجار و المجرور، فإذا اجتمعا يراد من الظرف غير الجارّ و المجرور، و إذا تفرّقا يطلق الظرف على الجار و المجرور أيضا.

______________________________

(1). المستند في شرح العروة: 24/ 3- 4.

(2). الحج: 28.

(3). البقرة: 273

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 14

و الفقير الشرعيّ من لا يملك مئونة السنة له و لعياله و الغنيّ الشرعيّ بخلافه.* (1)

______________________________

و على هذا فالمراد من المساكين في آية الكفّارات هو كلا المعنيين، و لعلّ هذا الجواب أوضح.

(1)* اختلفت كلمتهم في تفسير الفقير، إلى أقوال:

الأوّل: ما هو المشهور بين المتأخّرين و هو الذي ذكره المصنّف، و انّ المراد به من لا يملك مئونة السنة له و لعياله و الغني الشرعي بخلافه، فبذلك أصبح الفقير ممّا له حقيقة شرعية- مضافا إلى اللغويّة-.

فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة، و نسب ذلك القول في «الجواهر» إلى المشهور بين المتأخّرين من الأصحاب، و انّ عليه عامّتهم ما عدا النادر الذي لا يعبأ بخلافه، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة من غير تقييد، و عن آخر نسبته إلى محقّقي المذهب، و حكاه في «المعتبر»

عن الشيخ في باب قسم الصدقات. «1»

و لعلّ إلى هذا القول يشير الشيخ في خلافه، يقول:

الاستغناء بالكسب يقوم مقام الاستغناء بالمال في حرمان الصدقة، فإذا كان رجل جلد مكتسب يكسب ما يحتاج إليه لنفقته و نفقة عياله حرمت عليه الصدقة. و به قال الشافعي، و في الصحابة: عبد اللّه بن عمرو بن العاص، و في الفقهاء: أبو ثور و إسحاق. «2»

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 304.

(2). الخلاف: 4/ 230، كتاب الصدقات، المسألة 11. و لاحظ أيضا المسألة 24 فانّ كلامه فيها أبسط.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 15

..........

______________________________

و قد فهم ابن إدريس هذا المعنى من عبارة «الخلاف» أيضا حيث قال:

و قال بعضهم: لا أقدّره بقدر، بل إذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمئونة طول سنته على الاقتصاد فانّه يحرم عليه أخذ الزكاة، سواء كانت نصابا أو أقلّ من نصاب أو أكثر من النصاب، فإن لم يكن بقدر كفاية سنته فلا يحرم عليه أخذ الزكاة. قال: و هذا هو الصحيح، و إليه ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل الخلاف. «1»

و على هذا فانّ عبارة الشيخ في «الخلاف» و إن لم يرد فيها لفظ السنة و لكنّه منصرف إليها.

الثاني: الفقير من لا يملك نصابا من النصب، و على هذا فالصدقة لا تحرم على المكتسب و إنّما تحرم على من يملك نصابا من المال الذي يجب فيه الزكاة، أو قدر النصاب من المال الذي لا يجب فيه الزكاة، و هو خيرة أبي حنيفة و أصحابه.

و على هذا إذا ملك نصابا من الذهب و هو عشرون دينارا حرم عليه أخذ الزكاة. «2»

الثالث: انّ الفقير من لا يملك قوته و قوت عياله طيلة حياته لا خصوص السنة الواحدة

فيعتبر في الغني القدرة على ما يكفيه دائما.

و قد نسب إلى الشيخ في «المبسوط» حيث قال:

الغني الذي يحرم عليه أخذ الصدقة باعتبار الفقر هو أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من تلزمه كفايته على الدوام، فإن كان مكتفيا بصنعة و كانت صنعته

______________________________

(1). السرائر: 1/ 462.

(2). الخلاف: 2/ 230؛ مختلف الشيعة: 3/ 215.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 16

..........

______________________________

تردّ عليه كفايته و كفاية من تلزمه نفقته حرمت عليه، و إن كانت لا تردّ عليه حلّ له ذلك. «1»

ثمّ إنّ ابن إدريس حمل الدوام هنا على مئونة السنة. فهذه هي الأقوال المعروفة، و إليك دراستها واحدا بعد الآخر.

أدلّة القول الأوّل

استدلّ على قول المشهور بروايات أربع و ربما أيّدت بروايتين أخريين:

الأولى: صحيحة أبي بصير حيث قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره» قلت: فانّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال: «زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها، و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة». «2»

أمّا فقه الحديث فنوضحه ببيان أمور:

هل المراد من الزكاة في قوله: «فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة» هو زكاة النقدين أو زكاة التجارة؟ الظاهر من الراوي انّه حمله على زكاة النقدين، و لأجل ذلك تعجّب من أخذ الزكاة، لأنّه إنّما يجب عليه الزكاة إذا حال عليه الحول، و حيلولة الحول مع بقاء المبلغ المزبور آية الغنى، فكيف يجوز له أخذ الزكاة؟

و الظاهر انّ الإمام وافقه في ذلك، و لكن دفع تعجبه بأنّه ينفد ذلك المبلغ في

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 256.

(2).

الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 17

..........

______________________________

أقل من سنة و لذلك يأخذ الزكاة، فالإمام و الراوي متوافقان على كون المبلغ موردا لزكاة النقدين، لكن الراوي يحمله على حيلولة الحول دون الإمام.

2. انّ ظاهر الرواية انّ المحترف لا تحلّ عليه الزكاة إذا كان عنده ما تجب فيه الزكاة، و هو بظاهره غير تام، لأنّ المحترف إذا لم يف ما يكسبه لمئونة سنته يجوز له أخذ الزكاة، سواء أ كان عنده ما تجب فيه الزكاة أم لا مع أنّ الرواية خصّت الجواز بما إذا لم يكن عنده ما تجب فيه الزكاة، فما وجهه؟

و الجواب: انّ للمحترف أمورا ضرورية و أخرى كمالية، فربّما لا تفي أجرة المحترف إلّا بسدّ حاجة الأمور الضرورية دون الكمالية، و لذلك قيّد الإمام عليه السّلام حرمة الأخذ بما إذا كان عنده ما تجب فيه الزكاة حتّى يسد حاجة أموره الكمالية، فمجرّد احتراف الإنسان لا يحرم عليه الزكاة.

3. الظاهر انّ قوله: «لا يأخذ الزكاة» في ذيل الحديث زائد و غير موجود في طبعات «الكافي» و إنّما هو موجود في نسخة «الوسائل».

إذا عرفت هذه الأمور، فظاهر الرواية انّه إذا كان ما يكسبه الإنسان غير واف بمئونة سنته يجوز له أخذ الزكاة، و لذلك جوّز الإمام لصاحب السبعمائة أخذ الزكاة لأنّها تنفد في أقلّ من سنة.

الثانية: صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال: «لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه

و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرّف بهذه لا ينفقها». «1»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

الضمير في قوله: «بل ينظر إلى فضلها» يرجع إلى الدراهم و المراد من الفضل ما يستحصلها بهذه الدراهم من طريق الكسب.

قوله: «و يأخذ البقية من الزكاة» أي بقية السنة.

فتفيد الرواية انّ من لا يملك مئونة سنته فعلا أو قوة يحلّ له إكمال مئونته من الزكاة.

قوله: «و يتصرف بهذه و لا ينفقها» يريد انّه لا ينفق رأس ماله في النفقة، بل يكتسبها و يأخذ البقية من الزكاة.

الثالثة: موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما» فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال:

«إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أمّا صاحب الخمسين فانّه تحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه». «1»

و الرواية و إن كانت خالية عن لفظ السنة لكن الكفاية و عدم الكفاية ينصرف إلى كفاية مئونة السنة، لأنّ المؤن تحاسب حسب السنوات كما هو الرائج بين الفلّاحين، و يوضح ذلك روايته الأخرى.

الرابعة: موثّقته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: «نعم، إلّا أن تكون داره دار غلة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد

حلّت له الزكاة، فإن كانت

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 19

..........

______________________________

غلّتها تكفيهم فلا». «1»

قوله: «الغلّة» الدخل من كراء دار و فائدة أرض و غيره، و الرواية و إن كانت خالية عن لفظ السنة و لكن يستفاد منها بشهادة قوله: «إلّا أن تكون داره دار غلّة»، إذ المراد بدار الغلّة ما هو المعدّ للانتفاع بالإيجار و غيره في مقابل المسكن الذي لا يؤجر، و من المعلوم استقرار السيرة على إيجار الدار سنويا لا أسبوعيا و لا شهريا، فالتعبير بالغلّة كأنّه تعبير آخر عن الانتفاع سنة، مضافا إلى قوله:

«ما يكفيه لنفسه و لعياله» حيث إنّ الكفاية و عدمها عرفا منصرفة إلى الكفاية في سنة.

هذه الروايات بين صحيحة و موثّقة كافية في المقام، و هناك روايتان دونهما في الحجية.

الخامسة: خبر علي بن إسماعيل الدغشي، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن السائل و عنده قوت يوم، أ يحلّ له أن يسأل؟ و ان أعطي شيئا من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟ قال: «يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة». «2»

السادسة: مرسلة «المقنعة» عن يونس بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة، و هي سنّة مؤكّدة على من قبل الزكاة لفقره، و فضيلة لمن قبل الفطرة لمسكنته، دون السنّة المؤكدة و الفريضة». 3

إلى هنا تمّ ما دلّ على القول الأوّل، فلنذكر حجّية القول الثاني.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2) (2 و

3). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7 و 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 20

حجّة القول الثاني

______________________________

قد عرفت أنّ من الأصحاب من يقول بأنّ الغني هو من يملك أحد النصب التي فيها الزكاة، فقد استدلّ عليه بوجوه:

الأوّل: ما ورد في طرقنا عن الصادق عليه السّلام انّه قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم». «1»

و في حديث آخر: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به». 2

و رواه البيهقي في سننه و فيه: «فاعلمهم- يا معاذ- انّ اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم». «3»

فالواجد لأحد النّصب غنيّ حسب هذه الروايات، و الغنيّ يحرم عليه أخذ الصدقة، فينتج: الواجد لأحد النصب يحرم عليه أخذ الصدقة.

يلاحظ عليه: أوّلا: بأنّه لا ملازمة بين صدق الغنى و حرمة أخذ الزكاة بشهادة أمرين:

1. انّ المقترض إذا حال الحول تجب عليه زكاة الدرهم و الدينار اللّذين اقترضهما مع أنّه ربما يكون فقيرا مديونا يجوز عليه أخذ الزكاة لأداء دينه.

2. العامل يأخذ الزكاة و في الوقت نفسه ربّما تجب عليه الزكاة إذا ملك النصاب.

و ثانيا: انّ الغناء الموجب للزكاة غير الغناء المانع عنه، لا بمعنى انّ للغناء معنيين مختلفين حتّى يكون اللفظ مشتركا لفظيا، بل بمعنى انّ للغناء معنى واحدا

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2 و 3.

(3). سنن البيهقي: 4/ 96.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

مقولا بالتشكيك، فمرتبة منه موجبة للزكاة و مرتبة أخرى مانعة عنه، فالموجب من يملك أحد النصب، و المانع من يملك مئونة السنة لنفسه

و لعياله.

الثاني: ما في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تحلّ لمن عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها، و إن أخذها أخذها حراما». «1»

وجه الدلالة: انّ «أربعون درهما» هو النصاب الثاني للدرهم (بعد كون النصاب الأوّل هو مائتا درهم) فمن ملكه حرمت عليه الزكاة.

يلاحظ عليه: أنّ قوله: «أربعون درهما يحول عليها الحول» كناية عن الغنى، أي من فاض من مئونته في سنة أربعون درهما، فمثل هذا كان مالكا لمئونة السنة و أزيد- أعني: أربعون درهما- حيث لم يصرفه بل ادّخره، و ليس المراد من لا يملك في مجموع السنة إلّا أربعين درهما كما هو نظر المستدل.

الثالث: ما في خبر أبي بصير: «لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة». «2»

يلاحظ عليه: أنّ المراد بالمحترف الذي يملك مئونة السنة مع شي ء زائد و هو ما تجب فيه الزكاة من النصب، تحرم عليه الزكاة لا انّ من لا يملك إلّا أحد النصب فقط تحرم عليه الزكاة، فقد تبيّن من ذلك انّه لا دليل على القول الثاني.

و أمّا القول الثالث- أعني: من يملك مئونة عمره و مئونة من يعينهم- فقد عرفت أنّه لا قائل به، و انّ عبارة الشيخ محمولة على السنة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 22

فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة، و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمئونته، أو كان له من النقد

أو الجنس ما يكفيه و عياله، و إن كان لسنة واحدة، و أمّا إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها.

و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية و نقص عنه بعد صرف بعضه في أثناء السنة يجوز له الأخذ و لا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتى يتمّ ما عنده ففي كل وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ.

و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصّل منهما مقدار مئونته، و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا.* (1)

______________________________

(1)*

قد أشار المصنّف إلى فروع ستة:
اشارة

1. من كان عنده ضيعة أو عقار تقوم غلّتها بكفايته.

2. من كان له رأس مال يقوم ربحه بمئونته.

3. من كان له من النقد و الجنس ما يكفيه و عياله سنة واحدة.

4. من كان له من النقد و الجنس أقلّ من مقدار كفاية سنته.

5. من كان ذا صنعة أو كسب يحصل منها مقدار مئونته.

6. حكم المحترف أو الكاسب إذا ترك الحرفة و الكسب تكاسلا.

و إليك بيان أحكامها:

[الأول من كان عنده ضيعة أو عقار تقوم غلتها بكفايته]

أمّا الأوّل فواضح، لعدم صدق حدّ الفقير عليه، مضافا إلى ما في موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟

فقال: «نعم، إلّا أن تكون داره، دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 23

..........

______________________________

و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا». «1»

و مورد الرواية و إن كان الدار و لكن بعد إلغاء الخصوصية يكون الميزان انّ ما يستحصله بأي نحو كان كافيا له و لعياله.

و ربّما تتوهّم المعارضة بين مفاد موثّقة سماعة و ما رواه الصدوق بإسناده إلى أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف، و له عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمّد، أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله، و يفضل؟»، قال: نعم، قال: «كم يفضل؟» قال: لا أدري.

قال: «إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة». «2»

فانّ ظاهر الحديث

انّ الربح إذا كان وافيا بالقوت فهو لا يمنع من أخذ الزكاة إلّا إذا كان مشتملا على زيادة بمقدار نصف القوت، فيقع التعارض بينها و بين موثّقة سماعة التي اكتفى في المنع عن أخذ الزكاة بكفاية غلّة الدار بما يحتاج إليه.

و يمكن الجواب- مضافا إلى أنّ في طريق الصدوق إلى أبي بصير علي بن حمزة البطائني- انّه لا تعارض بينهما لا لأجل انصراف «القوت» إلى الأكل و الشرب كما قيل. «3» و ذلك لأنّ القوت كناية عن المأكل و الملبس و المسكن، فيدخل

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

(3). مستند العروة الوثقى: 24/ 15.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 24

..........

______________________________

فيه وراء الشرب و الأكل ما يحتاج إليه الإنسان من الملابس و السكن.

بل لأجل انّ القوت حتى بالمعنى الذي ذكرناه لا يسدّ حاجة الإنسان أحيانا، إذ ربّما يحتاج إلى بذل مصارف في معالجة مرضه أو مرض عياله أو في الترفيه أو غير ذلك من الكماليات المتناسبة لشخصية الإنسان، فلعلّ اشتراط الفضل- وراء ما يقوت- لأجل وجود فضل يرفع به تلك الحاجات، و على ذلك لو افترضنا عدم الحاجة إلى هذه الحاجات الكمالية لكفى في منع الزكاة كون الربح وافيا بالقوت.

الفرع الثاني: لو كان عنده رأس مال يقوم ربحه بمئونته

لا يجوز له أخذ الزكاة، و ذلك لعدم صدق الفقير عليه.

الفرع الثالث: إذا كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله و إن كان سنة واحدة

، فلا يجوز له أخذه، و ذلك لعدم صدق الفقير عليه.

الفرع الرابع: إذا كان عنده بمقدار الكفاية لكن نقص عنه بعد صرف بعضه

في أثناء السنة يجوز له الأخذ و لا يلزم الصبر إلى آخر السنة حتى يتم ما عنده لانقلاب الموضوع و تبدّل الغني بالفقير بعد الصرف المزبور.

الفرع الخامس: إذا كان الرجل ذا صنعة أو كسب يحصل منها مقدار مئونته

تحرم عليه الزكاة، لعدم صدق الفقير عليه حيث افترضنا انّه شاغل بحرفته و كسبه، و يكفي ما يحصل منهما بمئونته.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 25

..........

______________________________

مضافا إلى ما ورد من حرمة الزكاة على المحترف.

ففي صحيحة زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سمعته يقول:

«إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف، و لا لذي مرّة سوي، قوي، فتنزّهوا عنها». «1»

و في رواية أخرى عنه، عن أبي جعفر قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تحلّ الصدقة لغني، و لا لذي مرة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقوي»، قلنا: ما معنى هذا؟

قال: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها». 2

و الحكم واضح لا غبار عليه.

الفرع السادس: تلك الصورة و لكنّه لا يشتغل تكاسلا

فهو محترف و كاسب بالقوة لا بالفعل، فهل تحلّ له الزكاة نظرا إلى حاجته الفعلية أو لا، لأجل تمكّنه من تحصيل ما يكفي لمئونة نفسه و عياله؟

و محلّ النزاع فيما إذا كان وقت الاكتساب باقيا لا ما إذا كان الوقت زائلا، لأجل كون العمل محدّدا بوقت خاص و خرج الوقت لأجل تكاسله، و يظهر من غير واحد من الأصحاب عدم الجواز.

قال الشيخ في «النهاية»: و لا يجوز أن يعطي الزكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده و أود عياله. «3»

و قال في «الغنية»: و أن لا يكون ممّن يمكنه الاكتساب لما يكفيه. «4»

و قال ابن إدريس في «السرائر»: و أن لا يقدر على اكتساب الحلال بقدر ما

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2 و 8.

(3). النهاية: 187. الأود: الكدّ و التعب.

(4). الغنية: 1/ 124.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 26

..........

______________________________

يقوم بأوده و سدّ خلّته. «1»

و قال المحقّق في «الشرائع»: فمن يقدر على اكتساب ما يمون نفسه و عياله لا يحلّ له أخذها، لأنّه كالغني، و كذا ذو الصنعة. «2»

و قال العلّامة في «القواعد»: و يمنع القادر على تكسب المئونة بصنعة أو غيرها. «3»

و يدلّ عليه ما سبق من الروايات من أنّ الصدقة لا تحل لمحترف و لا لذي مرة سويّ.

و المرّة قوة الخلق و شدّته.

نعم ربّما يتصوّر التعارض بينه و بين سائر الروايات.

1. روى الصدوق في «الفقيه» مرسلا، قيل للصادق عليه السّلام: إنّ الناس يروون عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: إنّ الصدقة لا تحلّ لغني و لا لذي مرّة سويّ؟ فقال:

«قد قال: لغني، و لم يقل: لذي مرّة سويّ». «4»

2. ما رواه أيضا مرسلا في «معاني الأخبار» عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ الصدقة لا تحلّ لغنيّ، و لم يقل: و لا لذي مرّة سوي». 5

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ ما رواه الصدوق مرسل لا يعادل المسند و إن كانت مراسيله يعتمد عليها خصوصا إذا قال: قال الصادق عليه السّلام، و لكن إذا لم يكن مبتلى بالمعارض.

و ثانيا: نفترض انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا تحلّ لغني و لم يقل «لذي مرّة سوي»

______________________________

(1). السرائر: 1/ 459.

(2). الشرائع: 1/ 159.

(3). القواعد: 1/ 348.

(4) (4 و 5). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5 و 9.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 27

[المسألة 1: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمئونته لكن عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها في مئونته]
اشارة

المسألة 1: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمئونته لكن

عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها في مئونته بل يجوز له إبقاؤه للاتّجار به و أخذ البقيّة من الزكاة، و كذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمئونته و لكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها و صرف العوض في المئونة بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقيّة المئونة.* (1)

______________________________

و لكن عدم قوله به لا يوجب جواز الأخذ لدخوله في الغني، فلعلّ رسول اللّه اكتفى بجملة تامة- أعني: «لا تحلّ لغني»- كما في المرسل الثاني و هو يشمل الغني بالفعل و الغني بالقوة القريبة إلى الفعل.

إلى هنا تمّ الكلام في الفروع التي ذكرها المصنّف في صدر الفصل، و إليك المسائل التي ابتدأ بها، فقال:

(1)* للمسألة صورتان تعرّض لإحداهما المصنّف دون الأخرى، و إليك بيانهما:

1. لو كان ربح رأس ماله لا يقوم بمئونته و لكن لو صرف عينه تكفيه سنة، و هكذا لو كان صاحب صنعة أو ضيعة لا يكفيه الحاصل منهما لكن لو باع آلات الصنعة أو رقبة الضيعة يقوم ثمنهما بمئونته.

2. تلك الصورة و لكن رأس المال وحده يكفي أقلّ من مئونة سنته، و هكذا ثمن الآلات أو ثمن الضيعة لا يقوم بمئونة سنته.

فيقع الكلام في أنّه هل يجب عليه صرف رأس المال في المئونة؟ و هل يجب بيع الآلات و رقبة الضيعة و صرف ثمنها في مئونته أو لا يجب، بل يبقى الكلّ على حاله و يأخذ بقية المئونة من الزكاة؟

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

و الفرق بين الصورتين واضح حيث يشتركان في جميع القيود غير أنّ ما يملك، يكفيه مئونة سنة في الصورة الأولى دون الأخرى.

ثمّ إنّ السبب لعنوان هذه المسألة هو

انّهم عرّفوا الغني بمن يملك مئونة سنته، فعندئذ يكون المالك في الصورة الأولى غنيّا لافتراض كفاية ما يملك لمئونة السنة، و على ذلك فلا يجوز له أخذ الزكاة بل يجب صرف ما يملك في مئونته مع أنّ الأصحاب ذهبوا إلى خلاف ذلك، قال الشيخ في «المبسوط»:

و الغناء الذي يجوز معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزم كفايته على الدوام.

فإن كان مكتفيا بصنعة و كانت صنعته تردّ عليه كفايته و كفاية من تلزمه و نفقته حرمت عليه، و إن كانت لا تردّ عليه، حلّ له ذلك؛ و هكذا حكم العقار، و إن كان من أهل البضائع احتاج أن يكون معه بضاعة ترد عليه حقّ كفايته، فإن نقصت عن ذلك، حلّت له الصدقة. «1»

و نقل صاحب الحدائق عن المحقّق في «النافع» و العلّامة و غيرهم جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة أو دار يستغلّها إذا كانت الغلّة و النماء يعجز عن كفايته، و إن كان بحيث يكفيه رأس المال و ثمن الضيعة أو الدار لكفاية سنته فانّه لا يكلّف بالإنفاق من رأس ماله و لا بيع ضيعته و داره، بل يأخذ التتمة من الزكاة. «2»

و الظاهر عدم التعارض بين تعريف الغني و جواز تناول هؤلاء من الزكاة تتمة، و ذلك لأنّ المراد من قولهم الغني من يملك مئونة السنة له و لعياله، هو

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 256، و في المصدر «أهل الصنائع»، و الصحيح ما أثبتناه.

(2). الحدائق: 12/ 157.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 29

..........

______________________________

الملك الذي من شأنه أن يصرف في المئونة لا من شأنه أن يبقى و يتعيّش بنمائه و ريعه.

فعلى ذلك فرأس المال

أو آلات الصنعة و رقبة الضيعة خارجة عن التعريف، إذ ليس من شأنها صرفها في المئونة، و الروايات تؤيّد موقف المشهور و انّه لا يجب على هؤلاء صرف رأس المال أو بيع الآلات و الضيعة للصرف في المئونة، بل يجوز لهم صرف الحاصل منها في المئونة و أخذ الزكاة للتتميم.

ما ورد في رأس المال و الأدوات و الضيعة

و تدلّ على حكم رأس المال، صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟

قال: «لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكاة، و يتصرّف بهذه لا ينفقها». «1»

و الرواية تعمّ الصورتين، بل هي ظاهرة في الصورة الأولى، فانّ أربعمائة درهم في العصور السابقة كانت تكفي للأسر الثرية فضلا عن غيرها.

على أنّ ترك الاستفصال كاف للاحتجاج بها على كلتا الصورتين، فما عن السيد الحكيم في «المستمسك» من أنّ القدر المتيقّن صورة عدم كفاية رأس المال فلا تشمل صورة كفاية رأس المال وحده في مئونة السنة غير ظاهر. «2»

و ذلك لأنّ قوله: «بل ينظر إلى فضلها» دليل على أنّ الميزان هو كفاية ما

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). المستمسك: 9/ 216.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 30

..........

______________________________

يفضل على أربعمائة درهم التي هي رأس المال و عدمها، فإن كان الفضل كافيا تحرم عليه الزكاة و إلّا فلا، سواء أ كان رأس المال كافيا أم لا.

و يدلّ على حكم آلات الكسب التي هي قريبة من آلات الصنعة، خبر

إسماعيل بن عبد العزيز، عن أبيه قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له أبو بصير: انّ لنا صديقا- إلى أن قال:- و له دار تسوى أربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: «نعم»، قال: و له هذه العروض؟ فقال: «يا أبا محمد، فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه؟

أو ببيع خادمه الذي يقيه الحر و البرد و يصون وجهه و وجه عياله؟! أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته؟! بل يأخذ الزكاة فهي له حلال، و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله». «1»

ثمّ إنّ قوله: «أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته» يختصّ بما إذا كان بيعها أو بيع شي ء منها يوجب نقصا في الربح أو النماء، و أمّا إذا كان بيع قسم منها غير مؤثر في نقص الربح و النماء يجب عليه بيعه و صرفه في مئونته.

و تدلّ على حكم العقار موثّقة سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: «نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا». «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(2). الوسائل: 6، الباب

9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 31

[المسألة 2: يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة]
اشارة

المسألة 2: يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة، و كذا في الكاسب الّذي لا يفي كسبه بمئونة سنته، أو صاحب الضيعة الّتي لا يفي حاصلها، أو التاجر الّذي لا يفي ربح تجارته بمئونة سنته لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمّة، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل يجوز جعله غنيّا عرفيّا و إن كان الأحوط الاقتصار. نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن حصل عنده مئونة السنة أن يعطي شيئا و لو قليلا ما دام كذلك.* (1)

______________________________

(1)* لا شكّ انّ الفقير أحد الأصناف الثمانية و قد اختلفوا في مقدار ما يعطى له من حيث القلّة و الكثرة، و قد طرح المصنّف جانب القلّة في المسألة 18 في فصل «بقية أحكام الزكاة» و نحن أيضا نقتفيه، إنّما الكلام في جانب الكثرة، فللأصحاب هنا أقوال ثلاثة:

الأوّل: لا يتقدّر بقدر و هو المنقول عن المشهور.

قال المحقّق: قيل يعطى ما يتمّم كفايته، و ليس ذلك شرطا. «1»

و قال العلّامة في «المنتهى»: الثالث: يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه. و هو قول علمائنا أجمع، و به قال أصحاب الرأي، و قال الثوري و مالك و الشافعي و أبو ثور: يعطى قدر ما يغنيه من غير زيادة، و به قال أحمد في إحدى الروايتين، و في الأخرى لا يجوز أن يدفع إليه قدر غناه بل دونه. «2»

و قال في موضع آخر: السابع: لو كان معه ما يقصر عن مئونته و قوته و قوت

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 315، قسم

المتن.

(2). المنتهى: 1/ 528. و قد أشار العلّامة إلى أقوال الآخرين و انّها ثلاثة فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 32

..........

______________________________

عياله حولا جاز له أخذ الزكاة، لأنّه محتاج و لا يتقدّر بقدر، و قيل: إنّه لا يؤخذ زائدا عن تتمة المئونة حولا و ليس بالوجه. «1»

و قال في «التذكرة»: لو قصر التكسّب عن مئونته و مئونة عياله جاز أن يأخذ الزكاة إجماعا، و اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: يأخذ قدر التتمة لا أزيد، لأنّه حينئذ يصير غنيا فتحرم عليه الزيادة.

و قال آخرون: يجوز أن يأخذ أزيد. و هو الأقوى، كما يجوز دفع ما يزيد على الغنى إلى الفقير دفعة، و الغنى إنّما يحصل بالدفع. «2»

الثاني: انّه لا يأخذ أزيد من مئونة سنة. و قد حكاه المحقّق و العلّامة في كتابيهما كما عرفت.

الثالث: ما اختاره المصنّف انّه يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة، و أمّا لو أعطاه دفعات فلا يجوز بعد ان حصلت عنده مئونة السنة أن يعطى شيئا و لو قليلا ما دام كذلك.

ثمّ إنّ الظاهر انّ محط البحث هو الأعمّ من ذي الكسب القاصر و الفقير المطلق، و قد نقل في «الحدائق» عن بعضهم انّ الخلاف في جانب الكثرة في الكسب القاصر، و أمّا غيره فلا خلاف في أنّه يجوز أن يعطى أكثر من سنة. «3»

ثمّ إنّ ما ورد في كلماتهم من عدم التقدير، ردّ لما عليه فقهاء أهل السنّة حيث قدّره بعضهم بمقدار معيّن لا جامع و لا مانع، و على كلّ تقدير فلهم أقوال ثلاثة:

أ: قال ابن قدامة: يجوز أن يعطي له إذا لم يخرجه إلى الغنى المانع من أخذ

______________________________

(1). المنتهى: 1/ 518، الطبعة الأولى.

(2). التذكرة:

5/ 276.

(3). الحدائق: 12/ 160.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 33

..........

______________________________

الزكاة، و هذا هو ظاهر الخرقي في رسالته.

ب: و قال ابن قدامة: يجوز أن يدفع إليه ما يغنيه من غير زيادة، ثمّ أوّل كلام الخرقي.

ج: و قال أصحاب الرأي، يعطى ألفا أو أكثر إذا كان محتاجا إليه و يكره أن يزداد عن المائتين. «1»

نعم انّ الغني عند أصحابنا غيره عندهم، فانّ الغني عندنا من يملك مئونة سنته و مئونة عياله، و أمّا عندهم ففيه اختلاف نقله ابن قدامة في «المغني»، و قال:

اختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها، و نقل عن أحمد فيه روايتان:

أظهرهما: ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب، و الرواية الثانية انّ الغنى ما تحصل به الكفاية.

و قال الحسن و أبو عبيد: الغنى ملك أوقية و هي أربعون درهما.

و قال أصحاب الرأي: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها، و هو:

ملك نصاب تجب فيه الزكاة من الأثمان. «2»

[استدلّ على قول المشهور بروايات تدلّ على جواز الإعطاء لحد الغنى]

إذا عرفت ذلك فقد استدلّ على قول المشهور بروايات تدلّ على جواز الإعطاء لحد الغنى، و المراد من الغنى هو الغنى العرفي لا الغنى الشرعي الذي يراد من ملك مئونة سنته، نظير:

1. صحيحة سعيد بن غزوان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه». «3»

2. و في رواية أخرى له أيضا: «اعطه من الزكاة حتى تغنيه» و هما رواية

______________________________

(1). المغني: 2/ 530.

(2). المغني: 2/ 524.

(3). الوسائل: 6، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 34

..........

______________________________

واحدة. «1»

3. ما رواه إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: قلت له: أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال: «نعم و زده»

قلت: أعطيه مائة؟ قال: «نعم، و أغنه إن قدرت أن تغنيه». 2

4. ما رواه عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل: كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال أبو جعفر: «إذا أعطيت فأغنه». «3»

5. ما رواه إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أعطي الرجل من الزكاة مائة درهم؟ قال: «نعم»، قلت: مائتين؟ قال: «نعم»، قلت: ثلاثمائة؟

قال: «نعم»، قلت: أربعمائة؟ قال: «نعم»، قلت: خمسمائة؟ قال: «نعم حتى تغنيه». 4

6. ما رواه المفيد في «المقنعة» عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: «إذا أعطيت الفقير فأغنه». «5»

و قد جعلت الغاية في هذه الروايات هو حصول غناه المنصرف إلى الغنى العرفي.

و هناك لون آخر من الاستدلال، و هو انّ الإمام سمح في بعض الروايات بأن يعطى الفقير ألف درهم أو عشرة آلاف، و من المعلوم أنّ هذا المقدار من الدراهم فوق مئونة سنة لمتوسطي الحال؛ ففي خبر زياد بن مروان، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «أعطه ألف درهم». 6

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5 و 3.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4 و 7.

(5) (5 و 6). الوسائل: 6، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 11، 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 35

..........

______________________________

و في خبر بشر بن بشار، قال: قلت للرجل- يعني أبا الحسن عليه السّلام-: ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثمّ قال: أو عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه و الفاجر في معصية اللّه». «1»

و ربّما يؤيد ذلك بما

رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللّه نظر في أموال الأغنياء ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحج». «2»

غير انّ التأييد لا يخلو من نظر، لأنّ الحجّ و التصدّق المتعارفين يعدّان من المئونة في باب الزكاة و الخمس فلا يدلّ جوازهما على المدّعى.

و الحقّ انّ دلالة الروايات على المدّعى أمر لا ينكر، غير أنّ هنا نكتة و هي انّ المراد من الغنى و إن كان هو الغنى العرفي و هو أوسع دائرة ممّن يملك قوت سنته، لكن لا بدّ أن يراعى أحوال الناس و ما هم عليه من الرفعة و الضعة، فمن كان من أهل البيوتات الرفيعة يختلف حاله مع من لم يكن كذلك، فيعطى لكلّ حسب شأنه و مكانته الاجتماعية، فلا يلزم من القول بجواز الإعطاء للفقير إلى حدّ الغنى حرمان سائر الفقراء و الأصناف كما ربّما يتوهم.

ثمّ إنّ لفيفا من المشايخ خالف القول المشهور كالسيد الحكيم، و السيد الشاهرودي و السيد الخوئي- قدس اللّه أسرارهم- و ما هذا إلّا لحمل الغنى في الروايات، على ما يقابل الفقر الذي من أجله كان مصرفا للزكاة، فبقرينة المقابلة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

(2). الوسائل: 6، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

يراد به ما يخرجه من تلك المصرفية، فيكون المقصود هو الغنى الشرعي المفسّر في تلك الأدلّة بمن يملك مئونة السنة دون الغنى العرفي لكي يجوز الإعطاء أكثر من مئونة سنة. «1»

يلاحظ

عليه: أنّ الحمل المزبور يتوقّف على ثبوت الحقيقة الشرعية للفظ الغنى في عصر صدور الروايات على نحو جاز للإمام أن يستعمله في المعنى المنقول إليه بلا قرينة، و أنّى لنا إثبات ذلك، و يؤيّد ما ذكرنا انّ ما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّما هو رواه الإمام عن أبيه أبي جعفر الباقر عليه السّلام حيث قال: «إذا أعطيت فاغنه».

و أمّا استلزامه حرمان الآخرين من الفقراء، فقد عرفت أنّ المراد، هو الدفع حسب مكانته الاجتماعية.

حجّة القول الثاني

أمّا القول الثاني و هو عدم جواز الإعطاء لأزيد من مئونة السنة فقد وصفه المحدّث البحراني بقوله: فلم أقف له على حجّة، و قال الشهيد في «البيان»- و هو ممّن اختار هذا القول بالنسبة إلى من قصر كسبه عن مئونة سنته-: و أمّا ما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة فمحمول على غير المكتسب. «2»

و مع ذلك كلّه فقد استدلّ بالروايات التي ليست صريحة في المقصود و إنّما تثبت جواز الإعطاء لمقدار ما يكفيه من مئونة سنته و لا يدلّ على عدم جواز الزيادة، و إليك ما ورد في ذلك:

1. صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

______________________________

(1). المستمسك العروة الوثقى: 9/ 222؛ المستند في شرح العروة: 24/ 21.

(2). الحدائق الناضرة: 12/ 161.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 37

..........

______________________________

يكون له ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم و له عيال، و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال: «لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة، و يتصرّف بهذه لا ينفقها».

«1»

وجه الاستدلال: انّ الإمام خصّص الأخذ بالبقية، فهو يكشف عن عدم كونه مرخصا في الأخذ إلّا بمقدار الحاجة و بما يكون مكمّلا.

يلاحظ على الاستدلال: أوّلا: بوروده في الكسب القاصر، فلا يصلح للاستدلال للفقير الذي لا يملك شيئا، فالمناسب لهذا المورد، هو الأخذ بمقدار الحاجة.

و ثانيا: أنّ الرواية وردت مجرى العادة، حيث إنّه يعطى الفقير ما يكفيه مئونة سنته، و أمّا إعطاء ما يزيد عليها فهو أمر نادر فلا يدلّ على حرمة الزائد على المئونة.

2. موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في حديث: «إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله و أمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه». «2»

وجه الاستدلال: بأنّ تخصيص الأخذ بكونه للعيال بعد الأمر بعفّة النفس دالّ على المطلوب.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1. و الضمير في فضلها يعود إلى ثلاثمائة درهم، و المراد: الربح الحاصل منها.

(2). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

يلاحظ عليه:- مضافا إلى وروده في الكسب القاصر بقرينة المقابلة مع صاحب الخمسين المفروض كونه محترفا به- بأنّه على خلاف المطلوب أدلّ، لاتّفاقهم على جواز أخذه لنفسه أيضا، لعدم الفرق بين تعفّفه منها و أكل غيره منها أو العكس، لأنّ المئونة تقسم على الربح الحاصل من السبعمائة و الزكاة المأخوذة غير أنّه يتعفّف لها تنزيها لا تحريما.

و أمّا تحريمها على صاحب الخمسين فلافتراض انّه محترف يصيب منها ما يكفيه.

3. موثّقة هارون بن حمزة

عنه عليه السّلام فيمن له بضاعة لا يكفيه ربحها، قال عليه السّلام: «فلينظر ما يستفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله». «1»

وجه الاستدلال: انّه يأكل عمّا يفضل من الربح و من يسعه و أمّا من لم يسعه فيأخذ من الزكاة، فخصّ الأخذ بمن لم يسعه لا من وسعه.

يلاحظ عليه:- مضافا إلى ورودها في الكسب القاصر-: انّها واردة فيما هو الغالب من إعطاء ما يكفيه مئونة سنته ففي مثله يقول الإمام يأخذ من الزكاة لمن لم يسعه، و أمّا الفرد النادر، فهو إغناء الفقير مرة واحدة إغناء عرفيا، فليست الرواية ناظرة إليه.

4. خبر الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، أنّ عليّا كان يقول: «يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كلّ ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف، فأمّا الفقراء فلا يزاد أحدهم على خمسين درهما، و لا يعطى أحد له خمسون درهما أو

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 39

..........

______________________________

عدلها من الذهب». «1»

يلاحظ عليه:- مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون حكما في واقعة، كما هو الحال في بعض الأحكام المروية عن الإمام علي عليه السّلام- أنّه موافق لفتوى أحمد، قال ابن قدامة: اختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها، و نقل عن أحمد فيه روايتان:

أظهرهما انّه ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب. «2»

5. صحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ شيخا من أصحابنا يقال له عمر، سأل عيسى بن أعين و هو محتاج فقال له عيسى بن أعين «3»: أما إنّ عندي من الزكاة و لكن لا أعطيك منها،

فقال له: و لم؟ فقال: لأني رأيتك اشتريت لحما و تمرا، فقال: إنّما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما و بدانقين تمرا، ثمّ رجعت بدانقين لحاجة.

قال: فوضع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده على جبهته ساعة، ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال:

«إنّ اللّه نظر في أموال الأغنياء، ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ». «4»

وجه الدلالة: انّه اقتصر- و هو في مقام البيان و التحديد- على ما يحتاج إليه نوع الإنسان من مؤن السنة من الأخذ بالحدّ النمط- و هي المصاريف المشار إليها أخيرا- فلا تلزم المداقة بحيث يتخيّل انّ الدرهم المشتمل على ستة دوانيق مانع عن الأخذ.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 24 من أبواب المستحقّين، الحديث 10.

(2). المغني: 2/ 530.

(3). وثّقه النجاشي، و قال الطوسي: له كتاب، و له ثلاث روايات في الكتب الأربعة، يروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

(4). الوسائل: 6، الباب 41 من أبواب المستحقّين، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 40

..........

______________________________

و لو صحّ الاستدلال بها، لصحّ الاستدلال بما دلّ من جواز الإعطاء من السنة إلى السنة.

يلاحظ عليه: أنّ تجويز ذلك الحدّ من التوسعة الذي هو في مقابل الضيق الذي توهّمه عيسى بن أعين، لا يدلّ على انحصار التوسعة بهذا الحد، و قد عرفت أنّ هذه الروايات ناظرة إلى الفرد الشائع من إغناء الفقير سنة واحدة، و لا يدلّ على عدم جواز غيره على وجه يخرج اسمه من ديوان الفقراء المستحقّين للزكاة ببذل مال، يستغلّه في معيشته و يغنيه عن السؤال و أخذ الزكاة.

ثمّ إنّ صاحب هذا القول

أيّد مقاله بوجهين:

1. لو فرضنا انّ مئونته السنوية مائة دينار فدفع إليه مائتين دفعة واحدة فقد ارتفع فقرة بأحد المائتين، و معه لا مسوّغ لأخذ المائة الأخرى لزوال فقره مقارنا لنفس هذا الانسان فلم يكن فقيرا عند تسلّمه.

يلاحظ عليه: بأنّ الاستدلال يناسب التدريج في التمليك لا الدفعة، فليس هنا تمليكان حتّى يستغني بأحدهما عن الآخر.

2. انّ الزكاة إنّما شرّعت لعلاج مشكلة الفقر و دفعه عن المجتمع كما أشير إليه في النصوص المزبورة، و من البيّن أنّ دفع زكوات البلد التي ربما تبلغ الألوف أو الملايين لفقير واحد- و لو دفعة واحدة- و جعله من أكبر الأثرياء مع إبقاء سائر الفقراء على حالهم لا يجامع مع تلك الحكمة بل يضادها و ينافيها كما لا يخفى.

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّ المراد من الغنى هو إغناؤه حسب مكانته الاجتماعية، فلا بدّ من الاقتصار على ما يناسب حاله و جرت عليه سيرة أبناء نوعه في تملك ما يزيد على مئونة سنته.

و أمّا القول الثالث:- أعني: قول المصنّف- فقد ظهر وجهه ممّا ذكرنا، فيجوز دفعة دون التدريج، لما عرفت من الدليل.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 41

[المسألة 3: دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله]

المسألة 3: دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله- و لو لعزّه و شرفه- لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها. بل و لو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها، و كذا الثياب و الألبسة الصيفيّة و الشتويّة السفريّة و الحضريّة لو كانت للتجمّل، و أثاث البيت من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج إليه، فلا يجب بيعها في المئونة، بل لو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها.

و كذا يجوز أخذها لشراء الدار

و الخادم و فرس الركوب و الكتب العلميّة و نحوها مع الحاجة إليها، نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته- بحسب حاله- وجب صرفه في المئونة.

بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه.

بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة فالأحوط بيعها و شراء الأدون. و كذا في العبد و الجارية و الفرس.* (1)

______________________________

و مع ذلك فالقول الثاني هو الأحوط و إن كان الأقوى هو الأوّل فلا يترك مهما أمكن.

(1)* في المسألة فروع:

1. ما يحتاج إليه الإنسان في حياته كالدار و الخادم و فرس الركوب لا يمنع من أخذ الزكاة.

2. لو كان فاقدا لها يجوز أخذ الزكاة لشرائها.

3. لو كان عنده من المذكورات زائدا على مقدار الحاجة، يمنع عن أخذ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 42

..........

______________________________

الزكاة إذا كانت قيمته تكفيه حولا، و هذا القيد معتبر في عامّة الفروع التالية.

4. لو كان عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد، يمنع من أخذ الزكاة.

5. إذا كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة، فالأحوط عدم أخذ الزكاة، و كذا في العبد و الجارية.

و إليك الكلام فيها واحدا تلو الآخر:

أمّا الأوّل: فقد تعلّقت مشيئته سبحانه على حفظ كرامة الفقراء و حفظ مستوى معيشتهم و سدّ خلّتهم على النحو المتعارف فلهم حق العيش كسائر الناس، فلذلك لا تمنع دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليه حسب حاله من إعطاء الزكاة و أخذه، فإنّ الجميع من مصاديق الحاجة و هي لا تختص بالأكل و الشرب، بل تعمّ كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في حياته حسب

شأنه، فلذلك لا تكون الدار و أمثالها مانعة من أخذ الزكاة.

قال العلّامة: يجوز دفع الزكاة إلى صاحب دار السكنى، و عبد الخدمة، و فرس الركوب، و ثياب التجمل، و لا نعلم فيه خلافا، لإمساس الحاجة إلى هذه الأشياء، و عدم الخروج بها عن حدّ الفقر إلى الغنى.

و لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: «نعم إلّا أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، و إن كانت غلّتها تكفيهم فلا» «1». «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). التذكرة: 5/ 275، المسألة 188.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 43

..........

______________________________

و قد تضافرت الروايات على هذا المضمون ففي مرسلة عمر بن أذينة، عن غير واحد، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام انّهما سئلا عن الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل الزكاة؟ قالا: نعم، إنّ الدار و الخادم ليس بمال. «1»

و المراد انّهما ليسا بمال يباع و يصرف أو يتّجر بهما، بل يبقيان لينتفع به المالك.

و في رواية سعيد بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «تحلّ الزكاة لصاحب الدار و الخادم، لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا». «2»

و نظيره رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام. 3

و أمّا الثاني: أعني انّه لو كان فاقدا لها جاز أخذ الزكاة لشرائها فوجهه واضح، لأنّها من الحاجات شرّعت

الزكاة لرفعها.

و أمّا الثالث: لو كان عنده من هذه المذكورات (الفرس و الخادم حسب تمثيل المصنّف) أزيد من مقدار حاجته نظير ما إذا كان عنده دورات من كتاب الجواهر و لا يحتاج إلّا إلى دورة واحدة، أو كانت عنده مفروشات متعدّدة، خارجة عن إطار الحاجة فتمنع من أخذ الزكاة. لأنّه يملك مئونة سنته أو شيئا منها فلا يجوز له أخذ الزكاة لها أو له.

و أمّا الرابع: إذا كان عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد عن حاجته فتمنع من أخذ الزكاة، هذا فيما إذا كان الزائد دارا مستقلة أو طابقا مستقلا و لا شكّ انّها تمنع، و أمّا إذا كان محتاجا إلى الإفراز، كما إذا كان عنده دار ذات غرف ستة يمكن تبديلها إلى دارين من خلال إحداث جدار، ففي كونه

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4 و 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 44

..........

______________________________

مانعا عن أخذ الزكاة وجهان، أقواهما العدم، كيف و قد ورد في الروايات: «من سعادة الرجل سعة داره»؟ و للفقير أن يعيش كسائر الناس و لم يكلّف بالعيش على الحدّ الأقلّ، إلّا أن يكون إبقاء الدار بهذه الصورة أمرا على خلاف المتعارف بحيث يذمّه العقلاء على إبقاء الدار بهذه الصورة، و يعدّ إسرافا.

و أمّا الخامس: كما إذا كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها، قيمة. فاحتاط المصنّف ببيعها و شراء الأدون، و عطف على الدار، العبد و الجارية و الفرس.

و الفرق بين الفرع الرابع و الخامس هو انّ الزيادة في الرابع عينية و هناك حكمية، فهل يجب الإبدال

أو لا؟ فيه وجهان، قال العلّامة: فروع:

1. لو كانت دار السكنى تزيد عنه و في بعضها كفاية له، ففي منعه بسبب الزيادة إذا كانت قيمتها تكفيه حولا، إشكال.

2. لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة لم يكلّف ببيعها و شراء الأدون، و كذا في العبد و الفرس. «1»

و أولى بالعدم هذه الصورة، لأنّ بناء الشارع في باب الزكاة على اليسر دون العسر.

اللّهمّ إلّا أن يعدّ إبقاء الدار في بعض الظروف عملا غير عقلائي، كما إذا أنشئت بنايات تجارية أحاطت بداره على نحو تشترى منه بأضعاف قيمتها، فإنّ إبقاء الدار في هذه الظروف يعدّ إسرافا. «2» و يمنع من أخذ الزكاة و عليه بيع الدار و ابتياع دار أخرى مناسبة لشأنه و صرف باقي الثمن في مئونته.

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 275.

(2). و في موثّقة سماعة: في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 45

[المسألة 4: إذا كان يقدر على التكسّب لكن ينافي شأنه]

المسألة 4: إذا كان يقدر على التكسّب لكن ينافي شأنه، كما لو كان قادرا على الاحتطاب و الاحتشاش غير اللائقين بحاله يجوز له أخذ الزكاة، و كذا إذا كان عسرا و مشقّة- من جهة كبر أو مرض أو ضعف- فلا يجب عليه التكسب حينئذ.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فرعان:

الأوّل: إذا كان التكسّب غير لائق بشأنه كالاحتطاب و الاحتشاش و تنظيف دور المياه.

الثاني: إذا كان التكسّب عسرا و مشقة.

أمّا الأوّل فيكفي في ذلك قول الإمام في رواية أبي بصير: «يا أبا محمد! فتأمرني أن آمره يبيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع خادمه الذي هو يقيه الحر و البرد و يصون وجهه و وجه عياله». «1»

فإذا كان صون وجهه و وجه عياله أمرا مطلوبا

فكيف يؤمر بالتكسب بشي ء على جانب النقيض من ذلك؟!

نعم، ربما يعدّ شغل على خلاف الشأن في ظرف و دونه في ظرف آخر.

و ربّما يتصوّر انّ هذه الشئون العرفية من الأمور الموهومة بشهادة انّ النبي و الأئمّة عليهم السّلام من الشرفاء، و لكن كانوا يعملون بأيديهم في أراضيهم «2» و الظاهر انّهم عليهم السّلام كانوا يعملون لأنفسهم، و لا يعدّ العمل للنفس في الدار و البساتين و المزارع عملا على خلاف الشأن، بخلاف العمل للغير، و قد قلنا في كتاب

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(2). لاحظ الوسائل: 12، الباب 9 و ما بعده من أبواب مقدّمات التجارة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 46

[المسألة 5: إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها]

المسألة 5: إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب، جاز له أخذ الزكاة.* (1)

[المسألة 6: إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقّة، ففي وجوب التعلّم]

المسألة 6: إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقّة، ففي وجوب التعلّم و حرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال، و الأحوط التعلّم و ترك الأخذ بعده، نعم ما دام مشتغلا بالتعلّم لا مانع من أخذها.* (2)

______________________________

المضاربة: إنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكن أجيرا لخديجة بل مضاربا لها. «1»

على أنّ كون العمل على وفاق الشأن أو خلافه من الأمور الاعتبارية التي تتغيّر حسب تغيّر الظروف.

و أمّا الثاني فلحكومة أدلّة العسر و الحرج على لزوم الكسب.

(1)* و وجهه واضح لصدق الفقير عليه و عدم التمكّن من الاشتغال إمّا لعدم المقتضي كفقد الآلات، فعندئذ يجوز له أخذ الزكاة؛ أو لعدم من ينتفع به، كما إذا كان له مهنة قد هجرت مع تقدّم الزمان.

و يحتمل الاقتصار على أخذها لتحصيل الآلات.

(2)* الميزان في جواز الأخذ و عدمه هو ما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تحلّ الصدقة لغني، و لا لذي مرّة سوي، و لا لمحترف، و لا لقوي» فقلنا: ما معنى هذا؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها». «2»

فالموضوع لحرمة الأخذ هو القادر على كفّ نفسه عن أكل الزكاة، فلو كان

______________________________

(1). نظام المضاربة: 4، و لاحظ السيرة النبوية: 1/ 199.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 47

[المسألة 7: من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلّا في يوم أو أسبوع مثلا]

المسألة 7: من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلّا في يوم أو أسبوع مثلا و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة، فتركه و

بقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب، لا يبعد جواز أخذه، و إن قلنا:

إنّه عاص بالترك في ذلك اليوم أو الأسبوع لصدق الفقير عليه حينئذ.* (1)

______________________________

المحترف شاغلا أو غير شاغل تكاسلا فيحرم عليه الأخذ لقدرته على كفّ نفسه عن الزكاة.

و أمّا إذا لم يكن محترفا لا بالفعل و لا بالقوة بل يتمكن أن يتعلّم، فلو أمكنه التعلّم كسائر الناس الذين يتعلّمون الحرف يحرم عليه أخذ الزكاة. لصدق قوله: «يقدر على أن يكفّ نفسه» على مثله.

نعم ما دام مشتغلا بالتعلّم لا مانع من أخذها، و أمّا إذا ترك التعلم بتاتا و هو قادر عليه كسائر الناس فيحرم عليه الأخذ. و هو أشبه بالمحترف المتكاسل الذي تقدّمت حرمة الزكاة عليه.

و أمّا إذا كان التعلّم أمرا شاقا عليه كما إذا كبر أو كانت حرفته حرفة شاقة، فالظاهر انصراف الدليل عنه.

(1)* و هذا كمن شغله الحملدارية أو التطويف في أيّام الحجّ فتركه تكاسلا، فلم يقدر على التكسّب بسوء الاختيار و لكنّه لا يخرجه عن كونه فقيرا يجوز له أخذ الزكاة، و إن عصى في عمله لوجوب حفظ النفس و الإنفاق على العيال. إذا انحصر سبب الحفظ و الإنفاق على العيال في التكسّب دون ما إذا تمكّن المكلّف من حفظها و الإنفاق عليها من طرق أخرى كالاستقراض و نحوه فلا يكون بترك التكسّب عاصيا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 48

[المسألة 8: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة]

المسألة 8: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة إذا كان ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفاية، و كذا إذا كان ممّا يستحبّ تعلّمه كالتفقّه في الدين اجتهادا أو تقليدا.

و إن كان ممّا لا يجب و لا يستحبّ- كالفلسفة و النجوم و

الرياضيات و العروض و العلوم الأدبيّة لمن لا يريد التفقّه في الدين- فلا يجوز أخذه.* (1)

______________________________

(1)* حاصل كلامه تقسيم العلوم إلى ثلاثة: واجب عينا أو كفاية، مستحب، و مباح. يجوز أخذ الزكاة في تحصيل الأوّلين إذا كان التحصيل مانعا من الكسب، دون الثالث.

و عليه العلّامة في «المنتهى» بشرط تفسير «المأمور به» في كلامه بالأعمّ من الواجب و المستحب، قال: و لو كان التكسّب يمنعه من التفقّه، فالوجه عندي جواز أخذها، لأنّه مأمور بالتفقّه في الدين إذا كان من أهله. «1»

و قال في «التحرير»: لو كان ذا كسب يكفيه، حرم عليه أخذها، و لو كان كسبه يمنعه عن التفقّه في الدين، فالأقرب عندي جواز أخذها. «2»

و منع الشيخ الأنصاري فيما إذا كان طلب العلم مستحبا بوجهين:

1. و لو كان طلب العلم ممّا يستحبّ في حقّ الطالب، فالظاهر انّه لا يسوغ ترك التكسّب كما في سائر المستحبات، لصدق الغنى و المحترف و القادر على ما يكفّ به نفسه عن الزكاة.

2. الإذن في طلب العلم، بل الأمر الاستحبابي لا يوجب الإذن في ترك التكسّب، بل طلب ترك التكسّب المستلزم لجواز أخذ الزكاة- كما زعمه بعض

______________________________

(1). المنتهى: 1/ 519.

(2). تحرير الأحكام: 1/ 403، رقم المسألة 1367.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

مشايخنا المعاصرين «1»- لا وجه له؛ إذ بعد عمومات تحريم الزكاة على القادر على التكسّب، يصير الكسب واجبا لأجل حفظ نفسه و عياله، فلا يزاحمه استحباب ذلك، لأنّ المستحب لا يزاحم الواجب إجماعا. «2»

يلاحظ على الأوّل بأنّ المراد من القدرة في صحيح زرارة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها» «3» هو القدرة العرفية لا العقلية، و إلّا يلزم

حرمة أخذها لمن ملك الدار و الغلام و الجارية و فرس الركوب و الألبسة للتجمّل، فإذا كان الميزان هو القدرة العرفية، فلا تصدق إلّا على القادر الفارغ، و أمّا الشاغل بعلم ينتفع به المجتمع في عاجله و آجله، ممّا استحب تعلّمه أو أبيح كالنجوم و الرياضيات و الآداب فلا يصدق- و الحال هذه- قوله: أن يكفّ نفسه عنها.

مثلا لو وقف نفسه لخدمة المساجد و المعابد، و سائر الأمور الاجتماعية كالتمريض جاز له أخذ الزكاة، فقوله: «و هو يقدر على أن يكف نفسه عنها» ناظر إلى إخراج المتكاسل البطّال الذي يأكل و يشرب و يمشي في الأسواق و الشوارع، دون أن يشتغل بشي ء يعود نفعه إلى نفسه أو المجتمع. فعلى ذلك فكلّ عمل أو علم مباح ينتفع به المجتمع، يجوز الاشتغال به، و التعيش بالزكاة من غير فرق، بين علم دون علم ما دام الشرع لا يخالفه و يستحسنه العقلاء و ينتفع به المجتمع.

و على الوجه الثاني: انّ التكسّب ليس بواجب، إذا أمكن له حفظ نفسه و عياله بطرق مختلفة من الاستدانة أو الاستعطاء من الأصدقاء و الأقارب أو الالتقاط من حشيش الأرض أو ببيع داره و غيرها، نعم لو انحصر الطريق

______________________________

(1). مستند الشيعة: 2/ 45.

(2). كتاب الزكاة، للشيخ الأنصاري: 271.

(3). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 50

..........

______________________________

بالاكتساب لوجب مقدّمة لحفظ النفس و الإنفاق على الأهل الواجبين.

و بما ذكرنا يظهر ضعف ما أفاده المحقّق الخوئي حيث خصّ الجواز بالواجب العيني، و قال: أمّا في فرض الوجوب العيني فالأمر كما ذكر، إذ الوجوب الشرعي يجعله عاجزا عن الاكتساب فلا قدرة له عليه شرعا، و لا

فرق في العجز المحقّق للعجز بين التكويني و التشريعي.

و أمّا في فرض الوجوب الكفائي فحيث لا إلزام عليه بشخصه لفرض وجود من به الكفاية، فهو متمكّن من الكسب شرعا و عقلا و ذو مرّة سويّ، و مجرد الوجوب الكفائي لا يستوجب العجز.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 50

و لم يرد دليل في إخراج طلبة العلم عمّا دلّ على منع الزكاة عن ذي مرّة سوي، و منه يظهر الحال في طلب العلم المستحب فضلا عن المباح لوحدة المناط بل بطريق أولى. «1»

لما عرفت من أنّ المراد من القادر، هو القدرة العرفية، لا العقلية، و الشاغل بالعلوم النافعة و الناجعة ليس قادرا على أن يكفّ نفسه.

نعم لو اشتغل بعلم لا ينتفع به إلّا نفسه و إن كان مباحا و لا يعود نفعه إلى المجتمع، فهو خارج عن محطّ البحث.

هذا كلّه إذا أريد الإعطاء من باب الفقر، و أمّا إذا أريد الإعطاء من باب «سبيل اللّه» فلا شكّ فيما إذا كان العمل راجحا مفيدا للمجتمع الإسلامي.

و العجب انّ المصنّف أخرج الرياضيات و العلوم الأدبية عن كونها علوما مستحبة، مع أنّها علوم نافعة تدور عليها رحى الحضارة الإنسانية

فتلخّص ممّا ذكرنا: انّ الإنسان ما دام يشتغل بعلم نافع للمجتمع، يجوز له

______________________________

(1). مستند العروة: كتاب الزكاة: 2/ 32.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 51

[المسألة 9: لو شكّ في أنّ ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا]

المسألة 9: لو شكّ في أنّ ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ، و مع سبق العدم و حدوث ما يشكّ

في كفايته يجوز، عملا بالأصل في الصورتين.* (1)

[المسألة 10: المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به]
اشارة

المسألة 10: المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، و إن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين، و مع سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء، إلّا مع الظنّ بالصدق، خصوصا في الصورة الأولى.* (2)

______________________________

أخذ الزكاة من غير فرق بين الواجب العيني و الكفائي و المستحب و المباح.

(1)* تارة يكون الحال السابق هو كفاية ما بيده لمئونة سنته، و لكن طرأ الشكّ لأجل طروء الغلاء أو كثرة العيال، أو غير ذلك، فيعمل بمقتضى الاستصحاب، فيحرم عليه الأخذ.

و أخرى يكون الحال السابق عدم كفايته و إنّما يحتمل الكفاية لأجل تنزّل الأسعار، أو خروج بعض الأفراد عن عيلولته أو تملك ما لم يكن مالكا له، من طريق الوراثة إلى غير ذلك، فيعمل وفق الاستصحاب.

و التمسّك بالاستصحاب في المقام فرع حجّيته في الشك في المقتضى الذي هو كذلك في المقام، و هو الحقّ كما أوضحنا حاله في محلّه.

(2)* لمدّعي الفقر حالات أربع:

أ: يعلم صدق كلامه أو كذبه.

ب: يجهل حاله مع سبق فقره.

ج: يجهل حاله مع سبق الغنى.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 52

..........

______________________________

د: تجهل حالته السابقة.

لا كلام إذا علم صدقه أو كذبه، كما لا كلام فيما إذا جهل الأمران و كانت الحالة السابقة هي الفقر، فمع الصدق يعطى و مع الكذب يمنع، و مع الجهل بصدق كلامه يعطى، إذا كانت الحالة السابقة هي الفقر.

إنّما الكلام في الحالتين الأخيرتين- أعني: سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة- فذهب المصنّف إلى عدم جواز الإعطاء إلّا مع الظن بالصدق، و لعلّ مراده من الظن الوثوق، لوضوح انّ الظنّ ليس بحجّة ما لم يدلّ على حجّيته

دليل.

و المسألة معنونة منذ عصر الشيخ الطوسي إلى يومنا هذا.

قال الشيخ: إذا طلب من ظاهره القوة و الفقر و لا يعلم أنّه قادر على التكسّب أعطي من الزكاة بلا يمين، و للشافعي فيه قولان أحدهما: مثل ما قلناه.

و الثاني: انّه يطالب بالبيّنة على ذلك. «1»

و قد خصّ الكلام بمجهول الحال من غير فصل بين كون الحالة السابقة معلومة بالفقر أو الغنى أو مجهولة، فحكم في الجميع بجواز الإعطاء بلا يمين.

و قال المحقّق في «الشرائع»: و لو ادّعى الفقر فإن عرف صدقه أو كذبه عومل بما عرف منه، و إن جهل الأمران أعطي من غير يمين، سواء كان قويا أو ضعيفا، و كذا لو كان له أصل مال، و قيل بل يحلف على تلفه. «2»

فقد حكم بجواز الإعطاء عند الجهل بصدقه أو كذبه و إن كانت الحالة السابقة هي الغنى حيث قال: و كذا لو كان له أصل مال.

و قال العلّامة في «المنتهى»: إذا ادّعى شخص الفقر فإن عرف كذبه منع، و إن عرف صدقه أعطي، و إن لم تعلم حاله قبلت دعواه و لم يكلف بيّنة و لا يمينا،

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 231، كتاب الصدقات، المسألة 12.

(2). الشرائع: 1/ 160.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

لأنّه يدّعي الأصل و هو عدم المال، و الأصل عدالة المسلم فكان قوله مقبولا، أمّا لو عرف انّ له مالا و ادّعى تلفه، قال الشيخ: تكلّف بيّنة على التلف «1»، لأنّ الأصل بقاء المال، و الأقرب انّه لا يكلّف بيّنة عملا بعدالته. «2»

و قال في «المختلف»: لو ادّعى الفقر و لم يعلم كذبه أعطي من غير يمين، سواء علم صدقه أو جهل الأمران، و سواء كان قويا أو ضعيفا،

و سواء كان له أصل مال أو لا، و قيل: يحلف على تلفه.

لنا: الأصل عدالة المسلم و عدم إقدامه على الكذب، و الظاهر صدقه، و قد أمرنا بالأخذ بالظاهر. و لأنّه لو وجب اليمين هنا لوجب في صورة العاجز إذا لم يعرف له أصل مال، و التالي باطل بالإجماع فكذا المقدّم.

بيان الشرطية: أنّ المقتضي لإيجاب اليمين هنا تجويز الكذب في إخباره بفقره، و هو ثابت في صورة النزاع. احتجّ المخالف بأنّ الأصل بقاء المال، فلا بدّ من اليمين. و الجواب: المنع من الملازمة، فانّ عدالة المسلم كافية. «3»

و ظاهره هو الحكم بجواز الإعطاء في عامّة الصور إلّا إذا علم كذبه، فلو علم صدقه أو جهل واقع كلامه يعطى، سواء أ كانت الحالة السابقة هي الفقر أو الغنى أو جهلت الحالة السابقة.

و هناك قول بأنّه لو كانت الحالة السابقة هي الغنى يؤمر بالحلف أو بالبيّنة.

ثمّ إنّ أوّل من ناقش في نظرية المشهور هو سيد المدارك «4» فناقش أدلّة المتقدّمين في جواز الإعطاء.

______________________________

(1). كلامه في «الخلاف» لا يوافق هذا المنقول، و لعلّه ذكره في سائر كتبه.

(2). المنتهى: 1/ 526، الطبعة الحجرية.

(3). المختلف: 3/ 222.

(4). المدارك: 5/ 202.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 54

..........

______________________________

و قال المحدّث البحراني: قد صرّح الأصحاب بأنّ من ادّعى الفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، و هو ممّا لا إشكال فيه، و إن جهل حاله فالمشهور بل ظاهرهم الاتّفاق عليه، انّه يصدّق في دعواه و لا يكلّف يمينا و لا بيّنة كما يظهر من «المعتبر» و «المنتهى» و غيرهما.

و ربّما علّل بعضهم قبول قوله في الصورة المذكورة بأنّه مسلم ادّعى أمرا ممكنا، و لم يظهر ما ينافي دعواه فكان قوله

مقبولا، كما في «المعتبر»؛ و ربما علّل بأنّه ادّعى ما يوافق الأصل و هو عدم المال و انّ الأصل عدالة المسلم، فكان قوله مقبولا كما في «المنتهى». «1»

و أمّا الأقوال فالمحصّل من كلماتهم ممّا سردنا و ما لم نسرده ثلاثة:

1. قبول قوله مطلقا ما لم يظهر كذبه. و هو المنقول عن المشهور.

2. عدم قبول قوله مطلقا إلّا إذا كانت الحالة السابقة الفقر. و هو مختار المصنّف.

3. قبول قوله إلّا إذا كان له أصل مال- أي إذا كانت الحالة السابقة هي الغنى- فلا يقبل إلّا بالبيّنة، و هو المنقول عن الشيخ الطوسي.

و هو الظاهر من المحقّق الخوئي حيث قال: يقبل قوله إذا كانت الحالة السابقة هي الفقر أو جهلت، و عدم القبول في غيرهما، أي إذا كانت الحالة السابقة هي الغنى.

و قد ذكر الشيخ الأنصاري وجوها لقول المشهور تبلغ اثني عشر وجها و ناقش في كثير منها، و قال: و في أكثر هذه الوجوه نظر. «2» بل أكثرها واهية، و إليك دراسة حكم الصورتين:

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 162.

(2). كتاب الزكاة: 277، المسألة 33.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 55

إذا كانت الحالة السابقة هي الغنى

______________________________

و القول الحاسم أن يقال: هو انّه إذا كانت الحالة السابقة هي الغنى يستصحب كونه غنيا، و يكون الاستصحاب منقّحا لمرفوع دليل اجتهادي، أعني:

«لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه منها»، و مع هذا الدليل المؤلّف من أصل منقّح الموضوع، و دليل اجتهادي مبيّن للحكم لا تصل النوبة إلى الوجوه التي نقلها صاحب الجواهر و الشيخ و غيرهما من أصالة الصحة في دعوى المسلم، أو انّ مطالبة البيّنة و اليمين إذلال للمؤمن منهي عنه، أو لعموم ما دلّ على وجوب تصديق

المؤمن، أو للزوم الحرج أو غير ذلك ممّا ذكروه، فإنّ هذه الوجوه لا تقاوم الدليل الاجتهادي الحاكم بعدم جواز الإعطاء، فانّها أشبه بالأصول التي يرجع إليها عند فقد الدليل الاجتهادي. فلا ترفع اليد عن الاستصحاب الموضوعي باليمين على الفقر، إلّا إذا قامت البيّنة عليه. نعم المهم فيما إذا جهلت الحالة السابقة، فهل يجوز الإعطاء أو لا؟

فيما إذا جهلت الحالة السابقة

فربما يقال بسماع قوله، نظرا إلى أنّ الفقر مرجعه إلى عدم الغنى، و هذا العدم متحقّق سابقا بالإضافة إلى كلّ إنسان، و لا أقلّ من حين الولادة فانّه يولد و لا مال له- إلّا شاذا- و يطرؤه الغنى بعد ذلك بالكسب أو الإرث، فالغنى أمر حادث مسبوق بالعدم دائما، فيستصحب، فسماع دعوى الفقر في هذه الصورة مستند إلى الاستصحاب و لا خصوصية للدعوى، و لعلّ السيرة العملية القائمة على السماع في هذا الفرض مستندة لدى التحليل إلى الاستصحاب المزبور، و إلّا فمن المستبعد جدّا قيام سيرة تعبّديّة كاشفة عن رأى المعصوم عليه السّلام كما

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 56

..........

______________________________

لا يخفى. «1»

يلاحظ عليه: أنّ المستصحب لو كان هو الفقر المقرون مع الولادة فهو مشكوك ليس بمقطوع و ربما يتولّد الإنسان و هو ثريّ ذو مال وراثة من أبيه و أمّه و غيرهما، فيكون المستصحب شبهة مصداقية للاستصحاب.

و إن أريد الفقر المقرون مع عدم وجوده حيث لم يكن موجودا فلم يكن عينيّا، لعدم الموضوع فالأصل مثبت لعدم وحدة القضية المتيقّنة، مع القضية المشكوكة، فانّ المتيقّنة من القضيتين هو العلم بالفقر، مع عدم الموضوع، و المشكوكة هو إبقاء الفقر، مع وجود الموضوع و أيّ أصل مثبت أوضح من هذا، حيث إنّ العقل يحكم بأنّ بقاء الفقر، مع انقلاب

الموضوع لا بد و أن يكون في ضمن وجود الموضوع.

و الموضوع في لسان الأدلّة، هو الفقير، أي من لا يملك مئونة سنته و مئونة عياله، و أين هذا ممّن لا يملك لعدم وجوده؟! قال سبحانه إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا ... «2» و الموضوع في الجميع: الإنسان الموجود و الموصوف بصفات خاصة.

هذا من جانب، و من جانب آخر انّه يجب على مالك الزكاة أن يدفع الزكاة إلى الفقير الواقعي الذي ثبت فقره بالعلم أو بحجة شرعية، فلو قامت هناك حجة على فقره يعطى، و إلّا فيمنع.

فنخرج بهذه النتيجة:

1. إذا كانت الحالة السابقة هي الغنى، لا يعطى عملا بالاستصحاب.

2. إذا كانت الحالة السابقة مجهولة يمنع لعدم إحراز الموضوع، إلّا إذا

______________________________

(1). المستند في شرح العروة الوثقى: 2/ 35.

(2). التوبة: 60.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 57

..........

______________________________

قامت البيّنة على الفقر، أو حصل الوثوق الذي هو علم عرفيّ، و أمّا كفاية الظن كما عليه المصنّف فلا يكفي، لعدم حجّيته إلّا ما خرج بالدليل.

دراسة الوجوه المجوزة للإعطاء

و هناك أمور استند إليها أكثر المتأخّرين في إثبات الموضوع- أعني: كون المدّعي فقيرا- و نحن نستعرضها على وجه الإيجاز.

1. أصالة الصحة في دعوى المسلم.

يلاحظ عليه: أنّها لا تثبت لوازمه، و غاية ما يترتّب عليه انّه صادق في دعواه، فما للصدق- لو كان- من أثر شرعي يترتّب عليه، و أمّا إثبات الموضوع (الفقر) و التكليف لصاحب المال فهي قاصرة عنه.

2. مطالبة البيّنة أو اليمين إذلال للمؤمن.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كانت إقامة البيّنة أمرا سهلا، فأيّ إذلال في ذلك، و قد راجت في عصورنا مؤسسات خيرية تتبنّى سدّ خلّة الفقراء بعد التحقيق و الفحص.

و أمّا اليمين فلا موضوع له، لأنّ مورده

هو المخاصمة و حسم الدعوى، و المورد خارج عنه.

3. انّه ادّعى استحقاق شي ء لا ينكره عليه غيره، فيشبه مسألة الكيس المحكوم بأنّه لمن ادّعاه، و قد ورد في خبر منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 58

..........

______________________________

«للّذي ادّعاه». «1»

يلاحظ عليه: أنّما يصدق إذا ادّعى استحقاق شي ء ليس عليه أي يد، لا يد مالكة و لا يد أمانة، فيدفع إليه كما في مسألة الكيس، بخلاف المقام فانّ على الزكاة يد المالك و هو يد أمانة يجب أن يوصله المالك إلى صاحبه.

4. لعموم ما دلّ على تصديق المؤمن الوارد في تفسير قوله تعالى: يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ. «2»

و قد ورد في الحديث انّ أبا عبد اللّه عليه السّلام نهى ابنه إسماعيل عن دفع الدنانير إلى رجل مشهور انّه يشرب الخمر، فقال إسماعيل: يا أبت إنّي لم أره يشرب الخمر، إنّما سمعت الناس يقولون. فقال: «يا بني إنّ اللّه يقول في كتابه: يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ.

و مثله حديث آخر يقرب مضمونه من ذلك. «3»

يلاحظ عليه: بأنّ المراد من التصديق هو الأخذ بالاحتياط لا التصديق العملي بشهادة انّ الإمام أبا الحسن عليه السّلام يأمر محمد بن فضيل بتصديق الأصرح و تكذيب القسامة، فلو كان المراد هو التصديق العملي لزم ترجيح المرجوح على الراجح، و هذا دليل على أنّ المراد هو التصديق الأخلاقي لا العملي. قال الإمام الكاظم عليه السّلام: «يا محمد كذّب سمعك و بصرك عن أخيك، فإن شهد

عندك خمسون قسامة و قال لك قولا، فصدّقه و كذّبهم». «4»

______________________________

(1). الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2). التوبة: 61.

(3). البرهان: 2/ 138، تفسير الآية 61 من سورة التوبة، الحديث 1 و 2؛ تفسير العياشي: 2/ 95، الحديث 83.

(4). الوسائل: 8، الباب 157 من أبواب العشرة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 59

..........

______________________________

5. و لتعذر إقامة البيّنة عليه، فيشمله ما يستفاد منه سماع دعوى يتعذّر إقامة البيّنة عليها، كما يرشد إليه قول الإمام الرضا عليه السّلام في المرأة المدّعية لكونها بلا زوج: «أ رأيت لو سألها البيّنة، كان يجد من يشهد ان ليس لها زوج». «1»

و لكنه مخصّص بما ورد في بعض النصوص انّه يقبل قولها إذا كانت ثقة؛ ففي صحيحة حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طلّق امرأته ثلاثا فبانت منه، فأراد مراجعتها، فقال لها: إنّي أريد مراجعتك فتزوّجي زوجا غيري، فقالت له: قد تزوّجت زوجا غيرك و حلّلت لك نفسي، أ يصدق قولها و يراجعها؟ و كيف يصنع؟

قال: «إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها». «2»

و مع غض النظر، فقياس المقام بالأمور الراجعة إلى المرأة ممّا لا يعلم إلّا من جانبها، قياس مع الفارق يعلم بالتأمّل.

6. لزوم الحرج لو كلّف الفقير بإقامة البيّنة.

يلاحظ عليه:- مضافا إلى أنّه ممنوع، إذ في إمكان مدّعي الفقر أن يطلع أقوامه أو جيرانه أو أصدقاءه على حاله- أنّه يتحدّد جواز الإعطاء عندئذ بلزوم الحرج الشخصي لا النوعي مع أنّ المنقول عن المشهور غير ذلك.

7. ما ذكره صاحب الحدائق و وصفه بأنّه أمتن الوجوه و أظهرها و أوجهها، قال: لا يخفى على من تأمّل الأخبار الواردة بالبيّنة و اليمين في

أبواب الدعاوي انّه لا عموم فيها فضلا عن الخصوص على وجه يشمل مثل ما نحن فيه، فانّ موردهما إنّما هو ما إذا كانت الدعوى بين اثنين: مدّع و منكر، و لا دلالة فيها على من ادّعى شيئا و ليس له من يقابله و ينكر دعواه بأنّه يكلّف البيّنة أو اليمين، و في الأخبار

______________________________

(1). الوسائل: 14/ 457، الباب 10 من أبواب نكاح المتعة، الحديث 5.

(2). الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 60

..........

______________________________

الكثيرة: «البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر». «1»

يلاحظ عليه: أنّ اختصاص اليمين بما ذكره و إن كان غير بعيد لكن اختصاص البيّنة بالدعاوي غير تام، كيف و قد ورد في موثّقة مسعدة ما يستفاد منه عمومية حجّيتها في غير مورد المخاصمة، قال عليه السّلام بعد ذكر أمثلة: «... أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك و الأشياء كلّها على هذا حتى تستبين لك أو تقوم به البيّنة». «2»

8. أصالة العدالة في المسلم، فإنّ الأصل في كلّ مسلم هو أن يكون عادلا.

يلاحظ عليه: أنّه مبنيّ على ما ذكره الشيخ في «الخلاف» بأنّ الإسلام أو الإيمان مع عدم ظهور الفسق، عدالة بحيث يساوي الإسلام و الإيمان مع العدالة بشرط عدم ظهور الفسق، و هو غير تام، لظهور انّ العدالة غير الإيمان و الإسلام، و على ذلك جرت سيرة الفقهاء في مبحث عدالة القاضي و الشاهد و غير ذلك، فشرطوا وراء الإسلام و الإيمان، العدالة. و في رواية سليمان بن خالد عند تعارض الحكمين الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما. «3» فلو كانت العدالة نفس الإسلام و الإيمان فما معنى التفضيل؟

كما أنّ الظاهر من رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «4» انّ العدالة ملكة تصدّ الإنسان عن ارتكاب الكبيرة.

و قد حقّقنا الموضوع في كتاب «نظام القضاء و الشهادة» عند البحث عن عدالة القاضي و الشاهد.

______________________________

(1). الحدائق الناضرة: 12/ 165.

(2). الوسائل: 12، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(3). الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(4). الوسائل: 18، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 61

..........

______________________________

9. ما ورد فيمن نذر جارية للكعبة؛ ففي رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة؟ فقال:

«مر مناديا يقوم على الحجر فينادي: ألا من قصرت به نفقته، أو قطع به، أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و مره أن يعطي أوّلا فأوّلا حتى ينفد ثمن الجارية». «1»

يلاحظ عليه: أنّه يحتمل أن يكون من مختصات نذر الكعبة و الهدية إليها، فلا يكون دليلا على سماع دعوى الفقر في سائر المقامات.

10. ما تضافر من الروايات على سيرة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام من استماع دعوى مدّعي الفقر، و هي كثيرة نكتفي منها بالأقل:

ما ورد في خبر العزرمي من أنّه جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما جالسان على الصفا فسألهما، فقالا: «إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شي ء من هذا؟» قال: نعم، فأعطياه. «2»

و ما في مصحّح عامر بن جذاعة قال: جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له: يا أبا عبد اللّه، قرض إلى ميسرة، فقال له أبو عبد اللّه

عليه السّلام: «إلى غلّة تدرك؟»، فقال الرجل: لا و اللّه، قال: «فإلى تجارة تئوب؟» قال: لا و اللّه.

قال: «فإلى عقدة تباع؟» فقال: لا و اللّه، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «فأنت ممّن جعل اللّه له في أموالنا حقّا» ثمّ دعا بكيس فيه دراهم. «3»

يلاحظ عليه: أنّ القرائن تدلّ على أنّه حصل للإمام الاطمئنان بفقر

______________________________

(1). الوسائل: 9، الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 1 و 7.

(2). الوسائل: 9/ 211، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6. المدقع: الفقر الملصق بالتراب، كناية عن الذلّة.

(3). الوسائل: 9/ 45، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 62

[المسألة 11: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة]
اشارة

المسألة 11: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حيّا أو ميّتا.

لكن يشترط في الميّت أن لا يكون له تركة تفي بدينه، و إلّا لا يجوز.

نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة أو غيرهم- فالظاهر الجواز.* (1)

______________________________

السائل، فلذلك قال: «فأنت ممّن جعل اللّه له في أموالنا حقّا»، فلا يكون دليلا على الآخرين.

و بالجملة هذه الوجوه غير ناهضة لإثبات قاعدة كلّية على خلاف ما ثبت من الكتاب و السنّة.

(1)*

في المسألة فروع ثلاثة:
اشارة

1. جواز احتساب الدين زكاة من غير فرق بين كون المديون حيّا أو ميّتا.

2. إذا كان المديون ميّتا يشترط أن لا تفي تركته بدينه.

3. إذا امتنعت الورثة عن أداء الدين يجوز الاحتساب و إن كانت تركته وافية بالدين.

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر، و إن كان الأنسب البحث فيها عند البحث في الغارمين، حيث طرح المصنّف هناك بعض الفروع في المسألة الرابعة و العشرين.

إذا عرفت ذلك فلندرس الفروع الثلاثة:

1. احتساب الدين زكاة حيّا كان الغارم أو ميّتا
اشارة

إنّ الغارمين أحد المصارف الثمانية للزكاة، فلو قلنا بأنّ الفقير و المسكين

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

و العاملين عليها و المؤلّفة قلوبهم يتملّكون الزكاة بشهادة لفظة «لام» في المعطوف و المعطوف عليه، لكن الرقاب و الغارمين بشهادة دخول كلمة «في» عليهما لا يتملّكون، بل الزكاة تصرف في مصالحهم، قال سبحانه: وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ

ثمّ الصرف في المصالح كما يتحقّق بالأداء يتحقّق بالاحتساب، و قد عرفت أنّ المزكّي يقوّم الزكاة، فعندئذ تعود نفس القيمة زكاة.

ثمّ إنّ المزكّي تارة يكون صاحب الدين و أخرى غيره، فلو دفع القيمة إلى صاحب الدين من جانب المديون فقد قضى دينه، فيصدق قوله سبحانه في «الغارمين».

هذا إذا كان المزكّي غير صاحب الدين، و أمّا إذا كان هو صاحب الدين فبما انّ القيمة مقبوضة للغارم، فبالاحتساب تبرأ ذمّة المزكّي كما تبرأ ذمّة الغارم، فيصدق أيضا و في الْغٰارِمِينَ.

و الحاصل: انّ القضاء عن الغارم أو الاحتساب عليه كلاهما صرف للزكاة في طريق إفراغ ذمّة الغارم، و لكن يختلف حسب اختلاف صاحب الدين، فلو كان المزكّي و صاحب الدين مختلفين فالصرف بالقضاء، و لو كان واحدا فالصرف بالاحتساب، فنفس الآية كافية في تجويز الاحتساب من دون حاجة إلى دليل

آخر و إن ورد في المقام روايات.

ثمّ الغارم تارة يكون حيّا و أخرى ميّتا و يجوز الاحتساب في كلا الموردين.

أمّا الاحتساب على الغارم الحي، فيكفي في ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 64

..........

______________________________

عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم». «1»

2. و خبر عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث أنّ عثمان بن عمران قال له: إنّي رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي؟ فقال له أبو عبد اللّه: «القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا تردّه فانّ ردّه عند اللّه عظيم». «2»

لكن ورد في بعض الروايات التفصيل بين تمكّن الفقير من أداء الدين و لو ببيع بعض المستثنيات، و من لا يقدر حتى على هذا النحو، فيحتسب في الأوّل و يعطى في الثاني.

روى سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة؟ فقال:

«إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلّب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة، أو يحتسب بها.

فإن لم يكن عند الفقير وفاء و

لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فيعطيه من زكاته و لا يقاصه شي ء من الزكاة». «3»

و لكن التفصيل محمول على الاستحباب لكي لا يحرم المسكين البائس من إعطاء الزكاة، و إلّا فيجوز الاحتساب في هذه الصورة أيضا، لعدم وجوب دفع الزكاة إلى الشخص المعيّن.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(3). الوسائل: 6، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 65

..........

______________________________

هذا كلّه حول الاحتساب على الحي، و أمّا الاحتساب على الميت ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل عارف، فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به، لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة: الألف و الألفان؟ قال: «نعم». «1»

و مورد الرواية هو قضاء الدين عن الميت، و هذا إنّما يصدق إذا كان المزكّي غير صاحب الدين، غير انّ العرف يساعد على إلغاء الخصوصية، لأنّ الغاية هو إبراء ذمّة الغارم، فكما يحصل الإبراء بالقضاء فكذلك يحصل بالاحتساب إذا كان المزكّي هو صاحب الدين.

و يؤيّده روايات أخرى:

1. خبر إبراهيم بن السندي، عن يونس بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة». «2»

2. خبر هيثم الصيرفي و غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «القرض الواحد بثمانية عشر، و إن مات احتسب بها من الزكاة». 3

إكمال

و ليعلم أنّ المصنّف اكتفى فيما إذا كان المزكّي هو الدائن بصورة واحدة

و هو الاحتساب، و قال: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، مع أنّه ذكر في مبحث الغارمين قسما آخر حيث قال: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

1. جاز له احتسابه عليه زكاة، 2. بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصة. «1» و عندئذ يقع الكلام في معنى التقاص، و سيوافيك توضيحه.

إلى هنا تبيّن أمور ثلاثة:

1. قضاء الدين بالزكاة، و ذلك إذا كان المزكّي غير الدائن.

2. احتساب الدين زكاة، و ذلك إذا كان المزكّي و الدائن واحدا.

3. احتساب ما عنده من الزكاة وفاء للدين أخذها مقاصة.

و سوف يوافيك توضيح القسم الثالث في الغارمين.

2. اشتراط عدم وفاء التركة بالدين في الميّت

هذا هو الفرع الثاني و حاصله: انّه يشترط في الاحتساب على الميت عدم وفاء تركته بدينه و إلّا لا يجوز، و قد أفتى به الشيخ في «المبسوط»، و العلّامة في «التحرير» خلافا له في «المختلف»، قال في «المبسوط»:

و سواء أ كان الميت الذي يقضى عنه- إذا لم يخلّف شيئا- كان ممّن يجب عليه نفقته في حياته أو لم يكن. «2»

و الشيخ و إن كان بصدد نفي التفصيل بين كون الغارم واجب النفقة على المزكّي أو لا، و لكنّه يذكر القيد (إذا لم يخلّف شيئا) كأنّه أمر مسلم في جواز القضاء.

و قال العلّامة في «التحرير»: و الظاهر انّ جواز المقاصّة إنّما مع قصور التركة. «3»

______________________________

(1). لاحظ المسألة 24 من الغارمين.

(2). المبسوط: 1/ 252.

(3). تحرير الأحكام: 1/ 408، رقم المسألة 1394.

الزكاة

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

و لكنّه ذهب في «المختلف» إلى عدم الاشتراط، قال: قال ابن الجنيد: لا بأس أيضا أن يحتسب المزكّي بما كان أقرضه الميت من ماله من الزكاة إذا عجز الميت عن أداء ذلك. و الأقرب عندي عدم الاشتراط. لنا: عموم الأمر بجواز احتساب الدين على الميت من الزكاة، و لأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا. «1»

و الحقّ ما ذكره في «التحرير» و ذلك لوجهين:

الأوّل: انّ التركة لا تنتقل إلى الورثة إلّا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ*، فمقدار الدين باق على ملك الميت فيملكه الغارمون، تملّكا بلا منازع.

الثاني: انّ عنوان الغارم غير عنوان الفقير، فدفع الزكاة إلى الفقير يشترط فيه عجزه عن مئونة سنته، و أمّا الغارم فلا يشترط فيه الفقر بهذا المعنى و إنّما يشترط فيه العجز عن أداء الدين، و لأجل ذلك يعرّفه المحقّق في الشرائع بقوله: «الغارمون هم الذين علّتهم الديون في غير معصية» فإذا كان قادرا على أداء الدين فكيف يدفع إليهم الزكاة أو يقضى عنهم أو يحتسب عليهم و هم غير عاجزين عن القيام بأداء الدين؟!

و يدل على ذلك وراء الآية صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال عليه السّلام: «إن كان أبوه أورثه مالا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها من دين أبيه على هذه الحال أجزأت

عنه». «2»

______________________________

(1). المختلف: 3/ 212.

(2). الوسائل: 6، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 68

..........

______________________________

و مورد الصحيحة هو الأب الذي هو واجب النفقة، و لكنّه لا يوجب تخصيص الحكم بمورده، إذ ليس أداء الدين من النفقة الواجبة على الولد.

و أمّا القول الآخر فقد استدلّ عليه العلّامة بوجهين قاصرين:

أ: عموم الأمر بجواز احتساب الدين على الميت من الزكاة.

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّ تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلّية و ان صرف الزكاة في سبيل الغارمين لأجل عجزهم عن الأداء.

ب: انتقال التركة للورثة فصار في الحقيقة عاجزا.

يلاحظ عليه: أنّه على خلاف ظاهر الآية و انّه ينتقل إليهم ما سوى ما وصّى به و ما يقضى به الدين، أضف إلى ذلك صحيحة زرارة و هو يكفي في تقييد المطلقات، و لو قلنا بظاهر كلام العلّامة فلا بدّ من القول بجواز صرف الزكاة في ديون الأثرياء الذين ماتوا و تركوا ثروة طائلة.

3. إمكان استيفاء الدين من التركة

هذا هو الفرع الثالث و انّ التركة إنّما تمنع من صرف الزكاة في الدين إذا أمكن استيفاؤه منها، و أمّا إذا لم يمكن الاستيفاء منها لامتناع الورثة لعدم إمكان إثبات الدين مع كونه كذلك في الواقع، فقد استظهر المصنّف الجواز وفاقا للشهيدين.

قال الشهيد: نعم لو أتلف الوارث المال و تعذّر الاقتضاء لم يبعد جواز الاحتساب و القضاء. «1»

و قال في «المسالك»: نعم لو لم يعلم الوارث بالدين و لم يمكن للمدين إثباته

______________________________

(1). البيان: 195.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 69

..........

______________________________

شرعا أو أتلف الوارث التركة و تعذّر الاقتضاء منه، جاز الاحتساب على الميت قضاء و مقاصة. «1»

و قال في «الجواهر»: لا يبعد جواز الاحتساب مطلقا إذا تعذر

الاستيفاء من التركة إمّا لعدم إمكان إثباته أو لغير ذلك كما صرّح به في المسالك، و كذا الروضة اقتصارا في تقييد المطلق على محل اليقين. «2»

فإن قلت: إنّ مقتضى إطلاق صحيحة زرارة هو عدم الجواز حيث قال:

«إن كان أبوه أورثه مالا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث» «3» و المفروض انّه ترك مالا، فالمقتضي من جانب الميت تام و المانع من جانب الورثة.

قلت: الصحيحة منصرفة إلى ما إذا أمكن الاستيفاء، و لذلك قال: «لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه» فهو ظاهر في أنّ الورثة على أهبة الوفاء غير انّهم لم يعلموا به، فلا يعمّ صورة الامتناع. و بذلك يظهر انّ مراده من «محلّ اليقين» هو انصرافها إلى ما إذا أمكن الاستيفاء.

و الذي يقرّب ذلك انّه لو كان الحي مالكا لما يتمكّن به من أداء دينه غير أنّه صودرت أمواله من قبل الظالم، فيجوز صرف الزكاة في أداء دينه، فإذا كان الحي كذلك فالميت أولى به.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 418.

(2). الجواهر: 15/ 366.

(3). الوسائل: 6، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 70

هل يجب إعلام الفقير، أنّ المعطى زكاة؟

[المسألة 12: لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة]
اشارة

المسألة 12: لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، بل لو كان ممّن يترفّع و يدخله الحياء منها و هو مستحقّ يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة ظاهرا و الزكاة واقعا، بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز، إذا لم يقصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة، بل قصد مجرّد التملّك.* (1)

______________________________

(1)*

في المسألة فروع أربعة:
اشارة

1. لا يجب إعلام الفقير بأنّ الموضوع زكاة.

2. إذا كان ممّن يترفّع يستحب دفعها على وجه الصلة ظاهرا و الزكاة واقعا.

3. إذا اقتضت المصلحة يجوز التصريح بأنّه ليس بزكاة كذبا.

4. إذا قصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة.

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر.

1. عدم وجوب الإعلام للفقير

اتّفق الفقهاء على عدم وجوب الإعلام للفقير بأنّ المدفوع زكاة، قال الشيخ الطوسي: فإن عرفت من يستحق الزكاة و هو يستحيي من التعرض لذلك و لا يؤثر ان تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزكاة و إن لم تعرّفه انّه منها، و قد أجزأت عنك. «1»

و قال المحقّق: لا يجب إعلام الفقير انّ المدفوع إليه زكاة. «2»

______________________________

(1). النهاية: 188.

(2). الجواهر: 15/ 324، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 71

..........

______________________________

و قال العلّامة في «التذكرة»: و لا يجب إعلام المدفوع إليه انّ هذا زكاة. «1»

و يدلّ على الجواز إطلاقات الأمر بأداء الزكاة من غير تقييد بإعلام المدفوع بأنّه زكاة، و يكفي في الامتثال قصد الدافع عنوان الزكاة، و أمّا إعلام المدفوع إليه بالعنوان أو لزوم أخذه به فلم يدلّ عليها دليل.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة [أ] فأعطيه من الزكاة و لا أسمّي له أنّها من الزكاة؟ فقال: «أعطه و لا تسمّ له و لا تذلّ المؤمن». «2»

و الشاهد في قوله: «أعطه و لا تسمّ له» و كون المورد من يستحيي من أخذ الزكاة، لا يكون دليلا على اختصاصه به، بل هو الداعي لأجل عدم إعلام الموضوع، إذ لو لم يكن كذلك فلا داعي لكتمان الموضوع، و من المعلوم أنّ الداعي لا يكون قيدا للحكم، فيجوز عدم

إعلامه مطلقا، سواء كان مستحييا من أخذها أم لا.

و ليس في السند سوى سهل بن زياد، و الأمر فيه سهل، و رواه الشيخ عن الكليني بنفس هذا السند.

نعم رواه الصدوق باسناده عن عاصم بن حميد و سنده إليه صحيح.

و العجب من المحدّث البحراني حيث زعم أنّ الرواية حسنة لأجل إبراهيم بن هاشم مع أنّه ليس في السند منه عين و لا أثر. «3»

و أمّا أبو بصير فهو ثقة من غير فرق بين الأسدي و غيره.

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 287، المسألة 203، كتاب الزكاة.

(2). الوسائل: 6، الباب 58 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(3). الحدائق: 12/ 171.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 72

2. استحباب دفع الزكاة على وجه الصلة ظاهرا

______________________________

يظهر من العلّامة الحلّي انّ الاستحباب موضع وفاق، قال: فلو استحيا الفقير من أخذها علانية استحبّ إيصالها إليه على وجه الهدية، و لا يعلم أنّها زكاة، لما في الإعلام من إذلال المؤمن و الاحتقار به- ثمّ ذكر بعد رواية أبي بصير:- و لا نعلم في ذلك خلافا. «1»

و لعلّ قوله: «و لا نعلم في ذلك خلافا» يرجع إلى ما ذكره من استحباب الإيصال على وجه الهدية.

و قال المحدّث البحراني: قد صرّح الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- من غير خلاف يعرف بأنّه لو كان الفقير ممّن يستحيي من قبول الزكاة جاز دفعه إليه على وجه الصلة. ثمّ استدلّ برواية أبي بصير الماضية. «2»

يلاحظ عليه: أنّ رواية أبي بصير إنّما تدلّ على الفرع الأوّل و هو عدم لزوم الإعلام، و أمّا استحباب الدفع إليه على وجه الصلة فهو خارج عن مدلول الرواية.

و عندئذ يقع الكلام في أمرين:

الأوّل: استحباب الإعطاء بهذا العنوان

الثاني: إجزاء الإعطاء على وجه الصلة.

أمّا الأوّل: فلا يستفاد من رواية أبي بصير سوى

النهي عن التسمية و كراهته، و أمّا استحباب الإعطاء بعنوان آخر فلا يدلّ عليه.

و أمّا الثاني: فالظاهر هو الإجزاء، لأنّ الواجب هو إيصال حقّ الفقير إليه

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 287.

(2). الحدائق: 12/ 171.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

و جعله تحت يده و تملّكه له، و المفروض انّه حصل ذلك، و استدلّ على ذلك بما في رواية سماعة قال: إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما يشاء، قال: «إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلّا بأدائها و هي الزكاة، فإذا وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء». «1»

يلاحظ عليه: أنّ الرواية بصدد بيان انّ الفقير له التقلّب في الزكاة كيف ما شاء، و أمّا كفاية مطلق الوصول إليه و لو بعنوان الصلة فليست الرواية بصدد بيانها فلا بدّ من التماس دليل آخر.

و يمكن الاستدلال عليه بجواز إعطاء الزكاة للأيتام الصغار مع أنّهم لا يعرفون الموضوع، ففي الصحيح عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال:

«نعم حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم».

فقلت: إنّهم لا يعرفون؟ قال: «يحفظ فيهم ميّتهم و يحبّب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتموا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم». «2»

و هذه الروايات تدلّ على أنّ إبراء الذمّة يحصل بوصول المال إلى الفقير و تملّكه، غاية الأمر يكون قصد الهدية من جانب المعطي في الظاهر أمرا زائدا غير مخلّ بالإجزاء و إنّما أريد به حفظ كرامة الفقير مع كون الجدّ على خلاف الظاهر.

و ربما يتصوّر وجود المعارضة

بين رواية أبي بصير الماضية و صحيحة محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل يكون محتاجا فيبعث إليه بالصدقة فلا

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1؛ و لاحظ الحديث 2 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 74

..........

______________________________

يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض، فنعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه و هي منّا صدقة؟

فقال: «لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه». «1»

يلاحظ عليه: أنّ الحديثين مختلفان موضوعا، فالأوّل ناظر إلى عدم وجوب إعلام الموضوع للفقير، و الحديث الثاني ناظر إلى المنع عن دفع الزكاة بعنوان الصلة لمن يتأبّى عن أخذ الزكاة، فلا وحدة في الموضوع حتى يتعارضان، نعم ظاهره النهي عن دفع الزكاة بعنوان الهديّة إذا كان الفقير من يأخذه انقباض إذا عرف انّ المدفوع زكاة، و على ذلك يجب دراسة الحديث و فهم معناه مع قطع النظر عن المعارضة التي عرفت انتفاءها، فنقول:

إنّ بعث الزكاة بعنوان الهبة إلى الفقير يتصوّر على وجوه ثلاثة:

الأوّل: أن يدفعها بقصد الزكاة تحت عنوان الصلة و الهدية و يأخذها القابض على وجه الزكاة، و هذا لا إشكال فيها، و في استحبابها من جهة استحياء الفقير المتجمّل من أن يطّلع عليه أحد، لكونه ممّن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف، ما عرفت من عدم الدليل عليه، و هذا الوجه خارج عن مصبّ الرواية.

الثاني: الوجه نفسه و لكن يأخذه القابض بالعنوان الذي دفع إليه ظاهرا، و لكن لا يمتنع عنها إذا اطّلع على كونها زكاة، فلا إشكال في

الإجزاء كما سيوافيك في الفرع الرابع.

الثالث: ذلك الوجه و لكن يمتنع عنها إذا اطّلع على كونها زكاة، و هذا الوجه هو مصبّ الرواية، و الإمام ينهى عن ذلك، و لعلّ النهي إرشادي للحيلولة دون

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 58 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

لغوية العمل، لأنّه إذا بعثها بعنوان الهدية و وقف هو من خلال القرائن انّها زكاة، يردّها على الدافع أو يتأذّى من عمل الدافع و ليس النهي تحريميا أو تنزيهيا. و على ضوء هذا لو بعث إليه زكاته و قبل زعما منه انّه صلة، يكون مبرئ للذمّة، لما عرفت من أنّ النهي إرشاديّ.

ثمّ إنّ الأصحاب مالوا يمينا و شمالا في تفسير الرواية.

قال المحدث البحراني: إنّ الحديث غير معمول به على ظاهره و لا قائل به، بل الأخبار و كلام الأصحاب على خلافه، فلا يلتفت إليه في مقابلة ما ذكرنا. «1»

و قال في «الجواهر» بعد ذكر الرواية: لم نجد عاملا به على ظاهره، و إن كان قد يظهر من «الدروس» نوع توقّف في الحكم من جهته. «2»

و قد عرفت أنّ النهي إرشادي، و الغاية صيانة العمل عن اللغوية و ليس نهيا تحريميا أو تنزيهيا.

3. إذا اقتضت المصلحة يجوز التصريح بأنّه ليس بزكاة كذبا

إنّ الكذب من الكبائر الموبقة، لا يسوّغه إلّا إذا كانت هناك مصلحة أقوى من مفسدة الكذب، و إلّا فيحرم، و إحراز تلك المصلحة مشكل جدّا إلّا في موارد نادرة.

4. إذا قصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة

يظهر من المصنّف انّه لا يقول بالإجزاء إذا قصد القابض عنوانا غير الزكاة، و لعلّه اعتمد في ذلك على صحيحة محمد بن مسلم حيث شرط عدم قصد

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 172.

(2). الجواهر: 15/ 325.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 76

[المسألة 13: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا]
اشارة

المسألة 13: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا، فإن كانت العين باقية ارتجعها، و كذا مع تلفها إذا كان القابض عالما بكونها زكاة و إن كان جاهلا بحرمتها للغنيّ.

بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة فإنّه لا ضمان عليه. و لو تعذّر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه و لم يتمكّن الدافع من أخذ العوض كان ضامنا، فعليه الزكاة مرّة أخرى.

نعم لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه، لا ضمان عليه، و لا على المالك الدافع إليه.* (1)

______________________________

القابض لعنوان آخر.

و لكنّه غير تامّ، لما عرفت من أنّ النهي في الصحيحة إرشادي و ليس تحريميا أو تنزيهيا.

و الظاهر الإجزاء و إن قصد القابض غير عنوان الزكاة، لأنّ العبرة بقصد الدافع لا بقصد القابض، و المفروض انّه دفعه بعنوان الزكاة.

(1)*

في المسألة فروع ثلاثة، و للفرع الثالث شقوق:
اشارة

1. لو تبيّن كون القابض غنيا و كانت العين باقية.

2. تلك الصورة و لكن كانت العين تالفة، و كان القابض عالما بالموضوع و انّها زكاة. سواء أ كان عالما بالحكم (حرمة الزكاة على الغني) أم لا.

3. إذا كان القابض جاهلا بالموضوع و انّها زكاة فله شقوق:

أ: كانت العين باقية و لكن تعذّر الارتجاع.

ب: لو تلفت العين بلا ضمان كما إذا تلف بآفة سماوية.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

ج: تلفت مع الضمان و لم يتمكّن الدافع من أخذ العوض، فعلى من الضمان؟

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر في ضوء القواعد العامة ثمّ دراسة ما ورد في المقام من الروايات:

1. لو تبيّن غنى القابض و كانت العين باقية

لو دفع الزكاة إلى من يعتقد بأنّه فقير ثمّ بان كون القابض غنيا و كانت العين باقية، يسترجع العين سواء أ كان القابض عالما أم جاهلا، دفعها بعنوان الزكاة أم لا، و ذلك لأنّ العين لا تخلو إمّا ملك للدافع أو للفقير، فلو كانت ملكا للدافع يجوز الارتجاع، و لو كانت ملكا للفقير يجب. كما لو عزل الزكاة و أفرزها من ماله فقد تعيّن انّه للفقير فيجب ارتجاعها.

نعم لو دفعه بلا إفراز، فربّما يقال بأنّه لا يتعيّن للزكاة نظرا إلى أنّ الموضوع لا يتشخّص في الزكاة إلّا بقبض الفقير الواقعي المنفي حسب الفرض، فهو أولى بما له و باق تحت سلطنته، فله الإبقاء كما له الإرجاع. «1»

يلاحظ عليه: أنّ كلّ دفع مشتمل على العزل قبله و لو آنا ما دائما، فيتعيّن كونه ملكا للفقير و يكفي ذلك في تعيّنه له سواء أقبضه أم لا، قبضه الفقير الواقعي أم لم يقبضه.

و الحاصل: انّه إذا دفع عينا معيّنة بعنوان الزكاة فتحصل العزل قبل الإقباض و

هذا يكفي، و لذلك أطلق المصنّف و قال: ارتجعها.

و المفروض انّه ليس له الولاية على تبديل العين بعين أخرى.

______________________________

(1). حكاه المحقّق الخوئي عن مصباح الفقيه و لم نعثر عليه فيه، لاحظ ج 13 ص 521- 526.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 78

2. إذا تلفت العين و كان القابض عالما بالموضوع

______________________________

إذا دفع الزكاة باعتقاد انّ القابض فقير و كان القابض عالما بأنّها زكاة، سواء أ كان عالما بحرمة الزكاة على الغني أم لا فأتلف أو تلفت العين عنده، فالقابض ضامن لعموم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» و المفروض انّ يده ليست يدا أمينة، إذ ليست أهلا لأخذ الزكاة.

3. كان القابض جاهلا بالموضوع

لو أخذ الزكاة و هو غني و لكنّه جاهل بأنّ المأخوذ زكاة بل أخذه بما انّه هدية، فلا ضمان عليه، لأنّه مغرور من جانب الدافع، و المغرور يرجع إلى الغار.

إنّما الكلام في تكليف الدافع فهنا شقوق:

أ: لو كانت العين باقية و تعذّر الارتجاع.

ب: لو تلفت العين بلا ضمان، كما إذا تلفت بحادثة سماوية.

ج: لو تلفت مع الضمان، كما إذا أتلفه الغير عمدا أو سهوا و لكن لم يتمكّن الدافع من أخذ العوض.

ففي هذه الشقوق الثلاثة ينصبّ الكلام على ضمان الدافع دون القابض لمعلومية حكمه من حيث عدم الضمان لكونه مغرورا، و لأجل ذلك نركّز الكلام على ضمان الدافع دون القابض، لما عرفت من عدم ضمانه، و نذكر ما هو مقتضى القواعد أوّلا، ثمّ ندرس الروايات الواردة في المقام ثانيا.

ضمان الدافع في الصور الثلاث على ضوء القواعد
اشارة

اختلفت كلمتهم في ضمان الدافع على أقوال ثلاثة:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 79

1. القول بعدم الضمان

______________________________

ذهب الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «الشرائع» إلى عدم ضمان الدافع.

قال في «المبسوط»: و إذا تولّى الرجل إخراج صدقته بنفسه فدفعها إلى من ظاهره الفقر، ثمّ بان أنّه غني، فلا ضمان عليه أيضا، لأنّه لا دليل عليه. «1»

و قال في «الشرائع»: و لو دفعها على أنّه فقير فبان غنيا، ارتجعت مع التمكّن، و إن تعذر كانت ثابتة في ذمّة الآخذ و لم يلزم الدافع ضمانها، سواء كان الدافع، المالك أو الإمام أو الساعي. «2»

2. القول بالضمان

ذهب المفيد و تلميذه الحلبي إلى القول بالضمان، قال في «المقنعة»: و من أعطى موسرا شيئا من الزكاة و هو يرى أنّه معسر ثمّ تبيّن بعد ذلك يساره، فعليه الإعادة و لم يجزه ما سلف من الزكاة. «3»

و قال في «الكافي في الفقه»: فإن أخرجها إلى من يظن به تكامل صفات مستحقّها، ثمّ انكشف له كونه مختل الشروط، رجع عليه بها، فإن تعذر ذلك فكان المنكشف هو الغنى وجب إعادتها ثانية. «4»

3. سقوطه مع الاجتهاد و ثبوته مع عدمه

ذهب العلّامة في «المنتهى» إلى التفصيل، قال: الأقرب سقوط الضمان مع الاجتهاد و ثبوته مع عدمه. لنا: إنّه أمين، في يده مال لغيره فيجب عليه الاجتهاد

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 261.

(2). الشرائع: 1/ 160.

(3). المقنعة: 259.

(4). الكافي: 173.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 80

..........

______________________________

و الاستظهار في دفعها إلى مالكها. «1»

هذه هي الأقوال، و الأولى دراسة دليل القائل بالضمان، إذ بسقوط أدلّته يتعيّن القول الأوّل، و أمّا التفصيل بين الاجتهاد و عدمه فقد اعتمد فيه على صحيحة حريز «2»، و سيأتي الكلام فيها عند البحث في مقتضى الروايات فانتظر.

أدلّة القول بالضمان

استدلّ الشيخ الأنصاري بوجوه، و قال: الأقوى هو عدم الإجزاء، وفاقا للمحكي عن المفيد و الحلبي و ذلك:

أ. لأصالة اشتغال الذمّة.

ب. عموم ما دلّ على أنّها كالدين.

ج. عدم الإجزاء مقتضى قاعدة الشركة في العين.

د. وضع الزكاة في غير موضعها بمنزلة العدم.

ه. ما دلّ على وجوب إعادة المخالف زكاته معلّلا بأنّه لم يضعها في موضعها.

و. مرسلة الحسين بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في الرجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنّه معسر فوجده موسرا؟ قال: «لا يجزئ عنه». «3»

لكن الجميع لا يخلو من ضعف.

أمّا الأوّل- أعني: أصالة الاشتغال-: فهي غير واضحة، لأنّه إن أريد منه الاشتغال بالأداء فهو فرع بقاء موضوعه، و المفروض انّه ليس بمتناول المالك، و إن

______________________________

(1). المنتهى: 1/ 527، الطبعة الحجرية.

(2). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

(3). كتاب الزكاة: 288- 289.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 81

..........

______________________________

أريد اشتغال ذمّته بأداء الزكاة فقد ثبت انّها تتعلّق بالعين لا بالذمّة.

و أمّا الثاني- أعني: كونها كالدين-: فوجه الشبه هو لزوم إخراجه من التركة، كقوله

سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «1» فالزكاة أيضا مثله لا انّ الزكاة دين على الذمّة.

و أمّا الثالث- أعني: قاعدة الشركة-: فهي إنّما تمنع إذا لم يكن للشريك حقّ الإفراز، و المفروض خلاف ذلك، إذ للمالك ولاية الإخراج و الأداء.

و أمّا الرابع- أعني: كون الموضوع في غير موضعه بمنزلة العدم، فهو ليس قاعدة كلّية، و إنّما هو يتمّ إذا لم يكن هناك دليل على الإجزاء، كما سيوافيك.

و أمّا مرسلة الحسين بن عثمان، فسيوافيك الكلام عنها عند البحث عن مقتضى الروايات.

دليل القول بالإجزاء

الظاهر عدم ضمان الدافع في الصور الثلاث إذا سلك مسلك العقلاء في صرف ما لديهم من الأموال العامّة من الموقوفات و المنذورات و أموال الصغار و القصّر.

إذ لا شكّ انّ المالك له الولاية في الإفراز كما له الولاية في الأداء، و بما انّه مأمور بأداء الزكاة إلى الفقير الواقعي، كان عليه أن يتفحّص عن الموضوع كسائر الموضوعات التي يتعلّق بها الأحكام و الأغراض، فلو تفحّص عن الموضوع حسب الموازين العقلائية و اعتقد بأنّ المدفوع إليه واجد للملاك فدفع الزكاة، ثمّ بان خلافه يجزي قطعا. و ذلك لوجود الملازمة بين أمر الشارع بالدفع، و الإجزاء عند

______________________________

(1). النساء: 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

ظهور الخلاف.

توضيحه: انّ الشارع أعطى له الولاية في الإفراز و صرفها في مواضعها فهو مخاطب بكلا الأمرين: فإذا افترضنا انّه جدّ و اجتهد حسب الموازين العقلائية و وقف على أنّ المورد فقير، فهذه الصغرى إذا انضمت إلى الكبرى الماضية ينتج انّ الشارع يخاطبه خطابا بالأداء، و من المعلوم وجود الملازمة العرفية بين الخطاب بالأداء و الاجتزاء عند ظهور الخلاف نظير الملازمة في باب العمل بالأمارات و الإجزاء عند

التخلّف حيث قلنا: إنّ لسان الأمارات و إن كان لسان الكشف و الطريقية لكن الظاهر من ملاحظة إمضاء الشارع العمل بها، هو الملازمة بين الأمر بالعمل بها و إجزائها في مقام العمل، نظير ذلك إذا أمر المولى عبده بأن يهيّئ له دواء و أمره بأن يسأل صيدليا له خبروية بنوعية أجزائه و كمّيته و كيفية تركيبه، فاتّبع العبد إرشاد الصيدلي ثمّ بان خطأه، فانّ العرف يعدّون العبد ممتثلا و عمله مسقطا للتكليف، إلّا أن يأمره المولى مجدّدا و نظيره المقام، فإنّ إعطاء الولاية للمالك و أمره بالأداء و إمضاء تشخيصه الموضوع (الفقير) كلّها يلازم الإجزاء و يثبت بأنّ الشارع اكتفى في امتثال أوامره بما يؤيّده الوثوق، فأوجبت المصلحة التسهيلية رفع اليد عن الحكم الواقعي عند موارد التخلّف.

نعم إذا كان الدافع مفرطا في المقدّمات و مقصّرا في تشخيص الفقير فهو ضامن، لأنّ الأمر بالإفراز و الأداء محدّد بعدم التفريط في تشخيص الموضوع و صرفها فيه.

و يؤيّد ما ذكرنا ما رواه زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «إن اجتهد فقد برئ، و إن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا». «1»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 83

..........

______________________________

و بما ذكرنا يظهر ضعف ما استند إليه بعض المعاصرين في القول بالضمان حيث قال: «إنّ الظاهر من الأدلّة كون الأحكام ثابتة للموضوعات الواقعية بواقعيتها و الطرق العقلائية طرق محضة، فيكون المعيار هو المطابقة و عدمها»، و ذلك لما عرفت من وجود الملازمة العرفيّة بين إمضاء العمل بالوثوق أو الأمارة و إجزائه عند التخلّف، و لذلك قلنا في محلّه بالإجزاء عند تخلّف الأصول و الأمارات من غير

فرق بين تعلّقها بالأجزاء و الشرائط أو بأصل التكليف.

و هناك بيان آخر ذكره المحقّق الخوئي في إثبات الإجزاء حيث قال:

إنّ الدافع، المكلّف بأداء الزكاة له الولاية على تطبيقها حيثما شاء كما تقدّم، فهو إذن ولي على المال، و لا ينبغي التأمّل في أنّ الولي الغير المقصّر في أداء وظيفته أمين لا يضمن بشي ء، كما هو الحال في الأولياء على الأيتام و الصغار و المجانين و القاصرين و الغائبين، أو على الأوقاف، و كذا الحاكم الشرعي أو المأذون من قبله في تصدّي تقسيم الزكوات- مثلا- و إيصالها إلى محالّها، فإنّ شيئا من هؤلاء لا يضمنون لو انكشف الخلاف بعد بذل جهدهم، فلو قامت البيّنة- مثلا- لدى الحاكم الشرعي على فقر زيد فدفع إليه الزكاة ثمّ انكشف غناه، أو باع الولي مال اليتيم معتقدا بحسب الموازين غبطته و صلاحه و بعد يوم ارتفعت القيمة السوقية ارتفاعا فاحشا، لم يكن ضامنا يقينا، و إلّا لما استقرّ حجر على حجر، و لما قام للمسلمين سوق كما لا يخفى.

و على الجملة: فالدافع ولي، و الولي القائم بوظيفته لا ضمان عليه، فينتج بعد ضم الصغرى إلى الكبرى عدم ضمان الدافع في المقام. «1»

و الفرق بين البيانين واضح، فالأوّل يعتمد على الملازمة بين الأمر بالعمل

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 2/ 49.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

و إجزائه عند التخلّف، و الثاني يعتمد على أنّ المالك أمين و لا ضمان على الأمين.

هذا كلّه على ضوء القواعد.

حكم المسألة على ضوء الروايات

و أمّا الروايات فهي بين قاصرة سندا أو قاصرة دلالة.

أمّا الأولى فهي صحيحة ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يعطي زكاة ماله رجلا

و هو يرى أنّه معسر فوجده موسرا؟ قال: «لا يجزئ عنه». «1»

و مقتضى هذه الرواية هو عدم الإجزاء.

يلاحظ عليه: أنّها مرسلة لا يحتجّ بها، و إنّما يحتجّ بمراسيل ابن أبي عمير لأنّه لا يروي و لا يرسل إلّا عن ثقة، لا بمرسلة الحسين بن عثمان و إن روى عنه ابن أبي عمير، لأنّ روايته عنه دليل وثاقة المرويّ عنه، لا حجّية مراسيله أيضا، خصوصا انّها على خلاف القواعد، و مثله يحتاج إلى رواية صحيحة متكاملة الجوانب، و احتمال انّ المرسل هو نفس ابن أبي عمير غير ظاهر.

و أمّا الثانية فهي صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث:

1. قال: قلت له: رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زمانا، هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: «نعم».

2. قال: قلت: فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدّها، أو لم يعلم أنّها عليه، فعلم بعد ذلك؟ قال: «يؤدّيها إلى أهلها لما مضى».

3. قال: قلت له: فانّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل، و قد

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 85

..........

______________________________

كان طلب و اجتهد ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: «ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أخرى». «1»

ففي الرواية أسئلة ثلاثة ندرسها.

أمّا السؤال الثاني، فلا صلة له بما نحن فيه حيث سئل عمّن لم يعرف أهل الزكاة فأمسك عن الأداء، أو زعم عدم وجوبها عليه، ثمّ علم بوجوبها عليه، فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه يؤدّيها إلى أهلها.

بقي الكلام في السؤالين: الأوّل و الثالث، فأجاب الإمام عليه السّلام عن الأوّل بالضمان مطلقا، و عن

الثالث بالتفصيل بين الجد و الاجتهاد و عدمه.

و لأجل إيضاح الحال ندرسهما كالتالي.

أمّا الأوّل فحاصله: انّه دفع زكاته إلى غير أهلها، و المراد من غير الأهل، هو غير العارف، لا الفقير بقرينة صدر الحديث «رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها».

فهل أدّى زكاته إلى غير العارف علما بالموضوع (المصداق) و الحكم؟

أو أدّى، جهلا بالموضوع دون الحكم؟

أو أدّى جهلا بالحكم دون الموضوع؟

لا سبيل إلى الاحتمال الأوّل، لأنّ الشيعي العارف بالموضوع و الحكم لا يدفع زكاته لمن يعلم أنّه ليس أهلا لها. و الظاهر هو الاحتمال الثاني، أي كان عارفا بالحكم دون المصداق ثمّ عرفهم بقرينة قوله: «إذا علمهم»، أي إذا عرف أهل المعرفة أو عرف أنّ القابضين ليسوا بأهل المعرفة، و يستعمل العلم بمعنى العرفان و يتعدّى إلى مفعول واحد، يقول ابن مالك:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 86

..........______________________________

لعلم عرفان و ظن تهمة تعدية لواحد ملتزمة

و حمل السؤال على الاحتمال الثالث- أي صورة الجهل بالحكم فقط دون المصداق- بعيد جدّا لا قرينة عليه، و إلّا كان عليه أن يقول: «أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علم» لا إذا علمهم.

فإذا كان ظاهرا في الاحتمال الثاني- أعني: ما كان عالما بالحكم دون المصداق- فلو قلنا بإلغاء الخصوصية بين الشروط- الفقر و المعرفة- يكون الصدر دليلا على القول بالضمان في المقام أيضا، و أمّا إذا لم نقل بذلك، لاحتمال وجود خصوصية في شرط «المعرفة»- و لذلك يقضي المخالف زكاته إذا استبصر- فلا، و ينحصر الحكم بالضمان بما إذا جهل أهل المعرفة (لا ما جهل كون القابض فقيرا)، و دفعها إلى غيرهم فيؤدّيها ثانيا.

و أمّا الثالث، ففيه

احتمالان:

أ. انّ مورده هو نفس مورد السؤال الأوّل حيث أدّى زكاته- عالما بالحكم، جاهلا بالمصداق- إلى غير أهل المعرفة، لكن بعد الجد و الجهد، ثمّ تبيّن الخلاف، فحكم الإمام انّه ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أخرى. و عندئذ يستدلّ على الإجزاء في المقام بالفحوى و الأولوية، فإذا كان في مثله مجزيا، يكون في المقام أولى بالإجزاء، و يكون شاهدا للمسألة و مؤيّدا لمفاد القاعدة.

و لكن الذي يبعّد ذلك انّه يصف عمله بالسوء، و ليس فيه أيّ سوء في هذه الحالة.

ب. انّ مورده هو العالم بالحكم و الموضوع و قد جدّ و اجتهد و لم يعثر على الأهل، فدفع زكاته إلى المستضعفين من غير أهل المعرفة.

و لعلّ هذا هو الظاهر لأجل وقوعه بعد السؤال الثاني، فكأنّ لثاني الأسئلة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 87

..........

______________________________

صورتين:

الأولى: إذا عرف الحكم و الموضوع- و لم يجد الأهل- فأمسك عن الدفع، و هذا هو السؤال الثاني.

الثانية: إذا عرف الحكم و المصداق فلم يمسك فصرفها في غير الأهل- مع العلم بالحكم و الموضوع ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع- إذا كان واجبه الإمساك، لا التقسيم بين غير أهل المعرفة و إن لم يجد أهلا.

ففي هذه الصورة حكم الإمام بالإجزاء إذا جد و اجتهد و لم يجد أهلا فدفعها إلى المستضعفين من غير أهل المعرفة، و عندئذ لا صلة له بالموضوع، لأنّ البحث فيما جهل الموضوع (زعم الغني فقيرا) و المفروض في هذا الفرض، العلم بالحكم و الموضوع- لكن- بعد الفحص.

على كلّ تقدير فالحديث بما فيه من الإجمال غير قابل للاحتجاج.

إذا كان الدافع هو المجتهد أو المأذون

إذا كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه، لا ضمان عليه و لا على المالك الدافع إليه، قال

الشيخ في «المبسوط»:

إذا دفع الإمام الصدقة الواجبة إلى من ظاهره الفقر ثمّ بان بأنّه كان غنيا في تلك الحال، فلا ضمان عليه، لأنّه أمين و ما تعدّى، و لا طريق له إلى الباطن. «1»

و قال العلّامة في «المنتهى»: و لو دفع الإمام أو نائبه إلى من يظنه فقيرا فبان غنيا لم يضمن الدافع و لا المالك بلا خلاف. أمّا المالك فلأنّه أدّى الواجب و هو الدفع إلى الإمام فيخرج عن العهدة، و أمّا الدافع فلأنّه نائب عن الفقراء و أمين لهم لم يوجد منه تفريط من جهة فلا يضمن، و لأنّه فعل المأمور به، لأنّ الواجب الدفع

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 260.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 88

[المسألة 14: لو دفع الزكاة إلى غنيّ جاهلا بحرمتها عليه أو متعمّدا، استرجعها مع البقاء]

المسألة 14: لو دفع الزكاة إلى غنيّ جاهلا بحرمتها عليه أو متعمّدا، استرجعها مع البقاء، أو عوضها مع التلف و علم القابض، و مع عدم الإمكان يكون عليه مرّة أخرى. و لا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها، و كذا في المسألة السابقة، و كذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة، أو ممّن تجب نفقته عليه، أو هاشميّ إذا كان الدافع من غير قبيلة.* (1)

______________________________

إلى من يظهر منه الفقر، إذ الاطّلاع على الباطن متعذّر فيخرج عن العهدة، و لا نعلم فيه خلافا. «1»

الظاهر انّ الملاك في عدم الضمان هو ما ذكرنا من اكتفاء الشارع في نيل أغراضه بما يوافق الأساليب العقلائية، فإن وافق الواقع فهو، و إلّا اقتصر بما وافق، و قد أيّده المحقّق الهمداني ببيان آخر و قال: إنّ يده يد أمانة و إحسان، فلا يتعقّبه ضمان ما لم يكن هناك تعدّ أو تفريط، و قد

رخّص الشارع في دفعها إلى من ثبت لديه فقره بدليل ظاهري و قد عمل على وفق تكليفه. «2»

و لو صحّ ما ذكره فليصحّ في حقّ المالك أيضا إذا دفع فبان خطأه إذا لم يكن هناك تقصير و تعدّ.

و الإمام و المجتهد و المأذون و المالك في هذا المقام على حدّ سواء، و إن كان للإمام و المجتهد مقامات و مناصب أخرى.

(1)* في المسألة فرعان:

1. إذا دفع الزكاة إلى غنيّ مع العلم بغناه لكن جاهلا بحرمة دفع الزكاة

______________________________

(1). المنتهى: 1/ 527.

(2). مصباح الفقيه: 13/ 523.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 89

..........

______________________________

إليه أو مع العلم بها أيضا.

2. لو دفع الزكاة إلى شخص بزعم انّه مسلم، عادل غير واجب النفقة أو غير هاشمي ثمّ بان خلافه.

و الفرق بين الفرع الأوّل و ما سبق في المسألة السابقة (13) هو انّ دفع الزكاة هناك كان بزعم الفقر، و أمّا المقام فدفعها هنا مع العلم بغناه سواء كان مع العلم بالحرمة أو مع الجهل.

و أمّا الفرع الثاني فهو نفس المسألة السابقة غير انّ الشرط المفقود هناك هو الفقر، و أمّا المقام فهو الإسلام و العدالة أو كونه غير واجب النفقة أو غير هاشمي، فنقول:

أمّا الفرع الأوّل فلا شكّ انّ الدافع ضامن، لأنّه أعمل ولايته فيما ليس له ولاية حيث دفع الزكاة إلى الغني مع العلم بغناه، فلأجل ذلك لو كانت العين باقية تسترجع، و لو كانت تالفة يسترجع عوضها إذا كان المدفوع إليه عالما فانّه زكاة، و مع عدم الإمكان يؤدّي الزكاة مرة أخرى.

و أمّا الفرع الثاني فحاصل الكلام فيه ما ذكرناه في نظيره، و هو:

إنّ للمالك الولاية في الإفراز و الصرف و قد منحها له الشارع و

سمح إعمالها على الأساليب العقلائية، فلو جدّ و اجتهد على نحو ثبت له الوثوق بأنّ المدفوع إليه مسلم أو عادل أو غير واجب النفقة أو غير هاشمي ثمّ بان خلافه فقد عمل بوظيفته حسب ما سمح به الشارع، و هذا بخلاف ما لو فرّط و دفع الزكاة بلا تحقيق و لا تفحّص فقد اتخذ في إعمال الولاية غير الأسلوب العقلائي فيكون ضامنا.

الضابطة انّه إذا تبع المالك الأسلوب العقلائي في إعمال الولاية ثمّ بان

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 90

..........

______________________________

الخلاف لا يكون ضامنا من غير فرق بين شرط و شرط.

فإن قلت: إذا كان كتاب زيد عند رجل أمانة فأدّاه إلى عمرو اشتباها و لو بحجّة شرعية ثمّ بان الاشتباه، فانّ الظاهر ثبوت الضمان لو تلف الكتاب أو يمكن إرجاعه.

قلت: ما ذكره صحيح فيما إذا كانت العين ملكا شخصيا و لم يكن للرجل ولاية، و أمّا الأموال العامّة كالصدقات و النذور و الأخماس و الزكوات فهي أموال عامّة لا يملكها شخص، و الفقيه و المالك ممّن له الولاية في تقسيمها و إيصالها إلى أصحابها، فإعطاء الولاية، ثمّ الإذن في إعمالها حسب الأساليب العقلائية يلازم شرعا مع عدم الضمان، و أين هذا من الكتاب الذي يتملّكه إنسان خاص و يكون أمانة عند شخص و لم تكن له ولاية في الإيصال.

ثمّ إنّه يظهر من غير واحد من الفقهاء عدم الفرق بين الشروط المتخلّفة، قال في «المبسوط» بعد ذكر الفقر و الغنى: و إذا دفعها إلى من ظاهره الإسلام، ثمّ بان انّه كان كافرا، أو إلى من ظاهره الحرية فبان انّه كان عبدا، أو إلى من ظاهره العدالة ثمّ بان أنّه كان فاسقا، أو بان أنّه من

ذوي القربى كان الحكم فيه مثل ما قلناه في المسألة الأولى. «1»

و في «الشرائع» أيضا بعد ما حكم بعدم الضمان في مسألة الفقر و الغنى قال: و كذا لو بان انّ المدفوع إليه كافر، أو فاسق، أو ممّن تجب نفقته، أو هاشمي و كان الدافع من غير قبيله. «2»

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 261.

(2). الشرائع: 1/ 160.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 91

[المسألة 15: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا]

المسألة 15: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا، أو باعتقاد أنّه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمرا، أو نحو ذلك صحّ و أجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد، بل كان من باب الاشتباه في التطبيق، و لا يجوز استرجاعه حينئذ و إن كانت العين باقية، و أمّا إذا كان على وجه التقييد فيجوز، كما يجوز نيّتها مجدّدا مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامنا بأن كان عالما باشتباه الدافع و تقييده.* (1)

______________________________

(1)* هذه المسألة هي المسألة المعنونة في باب الجماعة.

قال المصنّف في كتاب الصلاة: إذا نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان عمرا و كان عادلا ففي المسألة صورتان:

إحداهما: أن يكون قصده الاقتداء بزيد و تخيّل انّ الحاضر هو زيد، ففي هذه الصورة تبطل جماعته و صلاته أيضا إن خالفت صلاة المنفرد.

الثانية: أن يكون قصده الاقتداء بهذا الحاضر و لكن تخيّل انّه زيد فبان عمرا، و في هذه الصورة الأقوى صحّة جماعته و صلاته، فالمناط ما قصده لا ما تخيله من باب الاشتباه في التطبيق.

و الفرق بين الصورتين واضح.

ففي الصورة الأولى يريد الاقتداء بزيد على نحو لو علم أنّ الإمام الحاضر غيره لا يقتدي به و لا يدخل في الجماعة، ففي هذه الصورة تبطل جماعته لعدم

النيّة، لأنّه اقتدى بنية انّ الإمام زيد، و قد بان خلافه، و تكون صلاته صلاة منفرد، فإذا كانت جامعة لشرائط المنفرد تصحّ و إلّا فلا، كما إذا زاد ركنا، فهو مغتفر في الجماعة دون الانفراد.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 92

..........

______________________________

و في الصورة الثانية انّه يريد الاقتداء بالإمام الحاضر لعلمه بأنّه لا يمارس الجماعة في هذا المسجد إلا الإمام العادل، و لكن تخيّل انّه صديقه زيد ثمّ بان عمرو على نحو لو علم بأنّ الإمام هو عمرو لدخل في الجماعة أيضا، ففي هذا تصحّ جماعته و صلاته، لأنّ الملاك هو قصده و المفروض انّه قصد الاقتداء بالإمام الحاضر ثمّ طبق الإمام الحاضر على زيد في مرحلة سابقة. و على ضوء هذا التخلّف في الصورة الأولى من باب تخلّف القيد، فالذي نوى الاقتداء به لم يكن إماما، و من كان إماما لم يقتد به.

و أمّا الصورة الثانية فالذي اقتدى به جدّا هو الإمام الحاضر و هو لم يتخلّف و الذي تخلف هو تطبيق الحاضر على صديقه الذي يقال له من قبيل اختلاف الداعي.

و على ضوء هذه المسألة يظهر حكم المقام أيضا، فلو فرضنا انّ العدالة ليست شرطا في الفقير بل هي شرط كمال كالعلم في المثال الثاني و لكنّه يريد أن يدفع زكاته إلى الأفضل من أصناف الفقير- أعني: العادل و العالم- أو يريد أن يدفع لمن فيه ملاك خاص كالرحم، فهناك يأتي القسمان السابقان.

فتارة يريد أن يملك العادل و العالم و الرحم ما في يده من الزكاة، و يتصوّر انّ المدفوع إليه عادل أو عالم أو زيد الذي هو من أرحامه فيتبيّن خلافه، ففي هذا المقام لا يجزي، بل يجب استرجاع العين إذا

كانت باقية.

و أخرى يريد أن يدفع الزكاة إلى المستحق كائنا من كان و لكن تخيّل انّ المدفوع إليه عادل و عالم.

أمّا الأوّل فلا يجزي، و ذلك لأنّ الاجزاء فرع دخول الزكاة في ملك الفقير، و المفروض انّه لم يدخل لعدم النيّة، لافتراض انّ ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 93

..........

______________________________

و بعبارة أخرى: انّ التمليك كان مقيدا بقيد غير حاصل و مع فقده فالتمليك غير متحقّق.

و أمّا الثاني فالمفروض انّه ملك الزكاة للفقير تمليك بلا قيد غاية الأمر كان هناك وراء التمليك داع للعمل قد تخلّف و هو أمر زائد على التمليك المطلق و لا يوجب تخلّفه خللا في النيّة.

ثمّ إنّ سيّد مشايخنا المحقّق البروجردي أفتى بالصحّة في الأوّلين مطلقا و فصّل في المورد الثالث، و لعلّه لأجل عدم تصوير القسمين في الأوّلين- أعني:

العادل و العالم- و لذلك يقول السيد الشاهرودي في تعليقته بأنّ تصوير القسمين في المثالين مشكل.

تمّ الكلام في الصنفين الأوّلين الفقير و المسكين و إليك الكلام في الصنف الثالث و هو العاملون عليها

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 94

[الثالث: العاملون عليها]

اشارة

في الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا

* الثالث: العاملون عليها. و هم المنصوبون من قبل الإمام عليه السّلام أو نائبه الخاصّ أو العامّ لأخذ الزكوات و ضبطها و حسابها و إيصالها إليه، أو إلى الفقراء على حسب إذنه. فإنّ العامل يستحقّ منها سهما في مقابل عمله و إن كان غنيّا، و لا يلزم استئجاره من الأوّل، أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة، بل يجوز أيضا أن لا يعيّن له و يعطيه بعد ذلك ما يراه.* (1)

______________________________

(1)* هناك فروع خمسة:

1. من هم العاملون على الزكاة؟

2. ما

هو عملهم؟

3. هل يشترط في العامل الفقر؟

4. ما يأخذه العامل صدقة أو أجرة؟

5. ما هي الطرق لدفع الزكاة إلى العامل عليها؟

أمّا الفرع الأوّل: فلا شكّ انّ العامل على الزكاة أحد الأصناف الثمانية بنصّ الكتاب العزيز حيث قال: وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا و لا محيص- في الحكومة الإسلامية- من وجود جهاز يأخذ على عهدته جباية تلك الضريبة المالية.

قال العلّامة: يجب على الإمام أن يبعث ساعيا في كلّ عام لتحصيل الصدقات من أربابها، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يبعثهم في كلّ عام، فيجب اتّباعه، و لأنّ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 95

..........

______________________________

تحصيل الزكاة غالبا إنّما يتمّ به، و تحصيل الزكاة واجب، فيجب ما لا يتمّ إلّا به. «1»

و يدلّ على لزوم كون العامل منصوبا من جانب الإمام أو نائبه الخاصّ أو العام انّ العامل يتصرف في مال الغير فيحتاج إمّا إلى الإذن من جانب المالك أو من له الولاية في مورد الصدقات، و حيث إنّ الأوّل منتف فيتعيّن الثاني.

و ليست الآية في مقام بيان شرطية الإذن و عدمه حتّى يتمسّك بإطلاقه، كيف و قد جرت السيرة العقلائية في جمع الضرائب على تعيين من يتولّى هذه المهمة.

و أمّا الفرع الثاني- أعني: تعيين الوظائف المحولة إليهم-: فهي عبارة عن أخذ الزكاة و ضبطها و حسابها و إيصالها إلى الإمام أو إلى الفقراء حسب إذنه، و قد اختلف كلمتهم في تحديد وظيفتهم، فمنهم من أدخل التقسيم فيها، و منهم من لم يذكره منها، و بما انّ الموضوع هو «العامل على الزكاة» يدخل فيه كلّ ما يعدّ عملا لتحصيلها و صرفها في محالها، و لذلك لا يمكن حصر وظيفتهم في مورد خاص.

اللّهمّ إلّا أن

يحدّده الإمام بمورد، و لذلك يقول الشهيد الثاني في «الروضة»:

و هم السعاة في تحصيلها و تحسينها بجباية و ولاية و كتابة و حفظ و حساب و قسمة و غيرها. «2»

بل يمكن أن يقال انّ وظائفهم تختلف باختلاف المستجدات و تطورات الحياة، فربّما تتوقّف الجباية في العصور الحاضرة على أمور لم تكن من ذي قبل، و الأولى ترك التعرّض لمصداقية هذه الوظائف و تخويلها إلى العرف.

و أمّا ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره من أنّ العالم عليه السّلام فسّر الأصناف

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 246.

(2). الروضة البهية: 2/ 45.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 96

..........

______________________________

الثمانية إلى أن قال: «وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا: هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتّى يؤدّوها إلى من يقسّمها». «1» فلا يكون دليلا على خروج القسمة، و لعلّ الرائج يوم ذاك هو تبنّي الإمام لهذه المهمة بنفسه.

على أنّ في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن محمد بن خالد دخول التقسيم في وظائفهم، فانّه روى انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة؟ فقال: «إنّ ذلك لا يقبل منك»، فقال: إنّي أحمل ذلك في مالي، قال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «مرّ مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء- إلى أن قال:- ثمّ ليأخذ صدقته، فإذا أخرجها فليقسّمها فيمن يريد». «2»

و حصيلة الكلام: انّ الشريعة الإسلامية الغرّاء بما انّها شريعة خاتمة يجب أن تتمتع بمرونة تنطبق على متغيّرات الحياة، و لا يتحقّق ذلك إلّا بأن تتعرّض إلى الكلّيات لا الجزئيات، كما عليه الذكر الحكيم حيث قال: وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و أمّا الجزئيات فتترك إلى مقتضى الظروف و الحاجات.

و أمّا الفرع الثالث- أي عدم اشتراط الفقر-:

فيدفع إليه و إن كان غنيا، لأنّه يستحقّ الزكاة لأجل تصدّيه لجباية الصدقات، و لعلّ في تعليق الحكم على وصف «العاملين» نوع إشعار و ظهور في أنّ للعمل مدخلية تامة في التعلّق و انّه يستحقّ سهما من الزكاة في مقابل عمله، و لذلك لا يشترط فيه الفقر، فانّه يأخذ ثمن الجهود التي بذلها، قال الشيخ في «الخلاف»:

خمسة أصناف من أهل الصدقات لا يعطون إلّا مع الفقر بلا خلاف و هم:

الفقراء، و المساكين، و الرقاب، و الغارم في مصلحة نفسه، و ابن السبيل المنشئ لسفره.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

(2). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 97

..........

______________________________

و أمّا العامل يعطى مع الفقر و الغنى بلا خلاف. «1»

فإذا كان الملاك لصرف الزكاة فيه، هو عمله و جهده، لا يشترط فيه الفقر، و إلّا فالفقير مصرف لها، سواء عمل عليها أم لا.

و أمّا الفرع الرابع: فهو عبارة عن أنّ ما يأخذه العامل، هل هو من الزكاة أو أجرة في مقابل عمله؟ فيه قولان:

1. انّها أجرة في مقابل العمل. و هو خيرة أبي حنيفة و أتباعه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 97

2. انّها صدقة و لا يستحقّ إلّا بالعمل. و هو خيرة الشيخ و المحقّق.

قال الشيخ في «الخلاف»: و أمّا العامل، فعندنا انّه يأخذ الصدقات دون الأجرة، و به قال الشافعي. 2

و قال أبو حنيفة: يأخذ أجرة.

استدلّ للقول الأوّل بوجهين:

الأوّل: انّه لا يعطى إلّا مع العمل و الزكاة تدفع استحقاقا

لا عوضا.

الثاني: انّ العامل يأخذها مع الغنى و الصدقة لا تحلّ لغني. «3»

يلاحظ على الدليل الأوّل: أنّه لا مانع من أن يستحقّ فريق من الأصناف الثمانية بشرط العمل، فاشتراط العمل لا ينافي كونها صدقة.

و على الثاني بأنّه لا تحلّ الصدقة لغني من سهم الفقراء و المساكين، و أمّا من سائر السهام فلا مانع في ظروف خاصة، كابن السبيل فانّه ربما يكون غنيا في بلده و مع ذلك تباح له الصدقة، و هكذا من في الرقاب ربّما يكون له مال لكن يكون محجوبا من التصرف، فيعتق من الزكاة حتى يتصرف في ماله.

______________________________

(1) (1 و 2). الخلاف: 4/ 237، كتاب الصدقات، المسألة 23.

(3). تذكرة الفقهاء: 5/ 246.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 98

..........

______________________________

و إلى ما ذكرنا يشير العلّامة في «التذكرة» حيث يقول:

و لا يلزم من توقّف الإعطاء على العمل سقوط الاستحقاق، و المدفوع ليس عوضا، بل استحقاقا مشروطا بالعمل، و نمنع عدم الدفع إلى الغني مطلقا، لأنّ العامل لا يأخذ باعتبار الفقر، و ابن السبيل يأخذ و إن كان غنيا في بلده فكذا هنا. «1»

و استدلّ المحقّق للقول الثاني بالوجوه التالية:

1. كون المأخوذ صدقة مقتضى النصّ حيث إنّ ظاهره التسوية بين الفقراء و العاملين في الاستحقاق.

2. و لأنّها لو كانت أجرة لافتقر إلى تقدير العمل أو تعيين الأجرة، مع أنّهما- كما سيوافيك- غير معتبرين، بل يعمل فيعطى حسب ما يرى الإمام.

3. لو كان أجرة لما منع منها آل الرسول.

4. لو كان أجرة يلزم الضمان للحاكم عند تلف الزكاة و هو شي ء غير معهود. «2»

و هذه الوجوه أيضا غير تامّة.

أمّا الأوّل: فلأنّ النصّ لبيان مصارف الزكاة و انّ الزكاة تصرف في هذه الأصناف الثمانية، و أمّا

كيفية الصرف و انّها هل تدفع إلى العامل نظير الدفع إلى الفقير و المسكين أو بعنوان الأجرة؟ فليست الآية بصدد بيانها، بل يمكن أن يقال انّ ما ادّعي من الظهور للآية ظهور بدوي محكوم بظهور أقوى، و هو تعليق الحكم على الوصف حيث يقول: وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و كأنّ ما يأخذه العامل في مقابل

______________________________

(1). تذكرة الفقهاء: 5/ 246.

(2). المعتبر: 2/ 570.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 99

..........

______________________________

عمله.

و أمّا الثاني: فلأنّ عدم تعيين حدّ العمل و الأجرة لأجل انّ عمل العامل عمل عبادي، فيناسب عدم التحديد بشي ء و كفاية إعطاء الإمام بقدر ما يراه.

و أمّا الثالث: فلأنّ منع الهاشميّين من التدخّل في أمر الزكاة حظر سياسي، لأجل إبعاد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن تهمة الاستئثار لنفسه و لأقربائه، و لو لا ذلك لجاز لهم أخذ الزكاة من دون فرق بين سهم الفقراء و سهم الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و لا ينافي ما ذكرنا من تعليل الحظر في الروايات بأنّ الزكاة من أوساخ الأموال، إذ لا مانع أن يكون للحظر وجهان.

و أمّا الرابع: فربما يقال انّ الملازمة ممنوعة إمّا في فرض عدم التعيين بإجارة أو جعالة، فلأجل انّ ظاهر العمل انّ العامل يعطى بإزاء عمله من الزكاة أي من نفس العين، و لم يبق لها موضوع حتّى يعطى منه حسب الفرض، فلا موجب لضمان الحاكم بأن يعطي من ماله مثلا.

و أمّا في فرض التعيين بأحد الأمرين، فالظاهر انّ الآمر أيضا كذلك، إذ قد عيّنت له الأجرة أو الجعل من نفس الزكاة لا من مال آخر، فلا استحقاق مع التلف و انتفاء الموضوع، و لا مقتضي لضمان الحاكم لا من ماله الشخصي و

لا من بيت مال المسلمين، و منه تعرف انّه لا أثر عملي تفترق به هذه الموارد، بل في جميعها لو تلفت الزكاة لا ضمان على الحاكم. «1»

و لكن الظاهر هو الالتزام بالنتيجة، و ذلك لأنّه يتمّ فيما إذا كان هناك اتّفاق بين الحاكم و فرد خاص على جباية زكاة محل خاص، فانّ ظاهر الأمر انّ أجرته محدّدة بزكاة ذلك المحل، و أمّا إذا كان هناك دولة إسلامية كريمة و كان لها جهاز

______________________________

(1). مستند العروة، كتاب الزكاة: 2/ 61.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 100

..........

______________________________

كبير لجباية الزكوات و قد عين الحاكم لكلّ مخصصات مالية، فانّ معنى ذلك انّه ضمن تلك المخصصات إمّا من نفس الزكوات أو من بيت المال، و لا يصلح تلف الزكاة- عند العرف و العقلاء- دليلا على حرمان الموظفين من حقوقهم المالية.

قال الشهيد في «البيان»: لو عيّن له أجرة فقصر السهم عن الأجرة، أتمّه الإمام من بيت المال أو من باقي السهام، و لو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقّين. «1» و كلامه هذا و إن كان مبنيا على وجوب البسط على الأصناف على وجه السوية و هو غير معتبر عندنا «2» لكن فيه إلماعا إلى ما ذكرنا من ضمان الحاكم لحقوق الموظفين.

و أمّا الفرع الخامس- أي كيفية تمتع العامل من الصدقات-: فقد أفتى المصنّف بأنّ الحاكم مخيّر بين أمور ثلاثة:

1. الاستيجار من الأوّل.

2. تعيين مقدار له على وجه الجعالة.

3. أن لا يعيّن له و يعطيه بعد ذلك ما يراه.

أمّا الأوّلان فقد ذكرهما الشيخ في «المبسوط» «3» و المحقّق في «الشرائع» «4» و أمّا الثالث فذكره في المدارك و قال: لا ريب في جواز كلّ من الأمرين مع ثالث

و هو عدم التعيين و إعطائهم ما يراه الإمام كباقي الأصناف «5»، لما رواه الكليني في الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

قال: قلت له: ما يعطي المصدّق؟ قال: «ما يرى الإمام، و لا يقدّر له شي ء». «6»

______________________________

(1). البيان: 194.

(2). المدارك: 5/ 213.

(3). المبسوط: 1/ 248.

(4). الشرائع: 1/ 161.

(5). المدارك: 5/ 213.

(6). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى القاعدة هو الأوّلان، لما عرفت من أنّ ما يأخذه العامل أجرة لا زكاة، و أمّا تجويز الثالث فلو ثبتت السيرة، كما هو كذلك فلأجل انّ الزكاة من الأمور القربيّة، فالعامل و الحاكم يتقرّبان بعملهما إلى اللّه سبحانه، فناسب عدم التحديد بشي ء، و كفاية إعطاء الإمام بقدر ما يراه؛ و في «الدعائم» عن جعفر بن محمد عليه السّلام أنّه قال في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا قال:

«هم السعاة عليها، يعطيهم الإمام من الصدقة بقدر ما يراه، ليس في ذلك توقيت عليه». «1»

ثمّ إنّ السيد الحكيم قد أفاض الكلام في المقام و رأى انّ ما يأخذه العامل زكاة لا أجرة، و لكنّه له نظر خاص في تفسير العاملين و حاصل ما أفاد بطوله: انّ القائمين بعملية الجباية على صنفين:

الأوّل: الذين لهم الإشراف التام على العمل، و هم الذين يشترط فيهم التكليف و البلوغ و العقل و الإيمان و العدالة و الحرية، فلهم ولاية على العمل و هي ولاية خاصة مجانيّة.

الثاني: الذين يقومون بأعمال الجباية، كالراعي و السائق و البيطار إلى غير ذلك من العمال، الذين لهم دور في عمل الجباية في محلّ الزكاة و نقلها إلى الحاضرة الإسلامية، و ربّما يقومون

بأعمال أخرى كالرعي و الحراسة، فهؤلاء هم الأجراء، فيصحّ تعيين الأجرة عن طريق الإجارة و الجعالة.

هذا ما ذكره السيد الحكيم بطوله. «2»

______________________________

(1). المستدرك: 1/ 104، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 10.

(2). المستمسك: 9/ 242.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 102

شروط العاملين
اشارة

و يشترط فيهم التكليف بالبلوغ و العقل و الإيمان، بل العدالة و الحرية أيضا على الأحوط. نعم لا بأس بالمكاتب. و يشترط أيضا معرفة المسائل المتعلّقة بعملهم اجتهادا أو تقليدا، و أن لا يكونوا من بني هاشم، نعم يجوز استئجارهم من بيت المال أو غيره، كما يجوز عملهم تبرّعا.* (1)

______________________________

يلاحظ عليه: بأنّه يخالف التفسير الوارد حول العاملين حيث فسر الإمام الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا بالقائمين بنفس العمل لا خصوص المشرفين عليه، حيث قال:

«وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتّى يؤدّوها إلى من يقسمها». «1»

(1)* ذكر المصنّف شروطا للعاملين على الزكاة، و هي عبارة عن:

1. البلوغ.

2. العقل.

3. الإيمان.

4. العدالة.

5. الحرية و ألحق بها العبد المكاتب.

6. معرفة المسائل المتعلّقة بعملهم اجتهادا أو تقليدا.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 103

..........

______________________________

7. عدم كونهم من بني هاشم مع تجويز استئجارهم من بيت المال.

هذه هي الشروط المذكورة في كلام المصنّف، و ذكرها غيره أيضا على اختلاف في العدد و التعبير.

قال الشيخ في «المبسوط»: و إذا أراد الإمام أن يولّي رجلا على الصدقات احتاج أن يجمع ست شرائط: البلوغ، و العقل، و الحرية، و الإسلام، و الأمانة، و الفقه؛ فإن أخلّ بشي ء منها لم يجز أن يولّيه. «1»

و قال في «الشرائع»: و العاملون و هم عمّال الصدقات، و يجب أن يستكمل

فيهم أربع صفات: التكليف و الإيمان و العدالة و الفقه، و لو اقتصر على ما يحتاج فيه جاز، و أن لا يكون هاشميا، و في اعتبار الحرية تردّد. «2»

و قد عبّر الشيخ بالإسلام و الأمانة و لكن المحقّق عبّر بالإيمان و العدالة.

و على كلّ تقدير فإقامة الدليل على لزوم هذه الشرائط مشكل جدا، و النصوص الواردة في المقام قليلة و في الوقت نفسه غير وافية بإثباتها.

ففي صحيحة بريد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه انطلق- إلى أن قال:- و كن حافظا لما ائتمنتك عليه، راعيا لحقّ اللّه فيه، حتى تأتي نادي بني فلان- إلى أن قال:- حتى تأخذ حقّ اللّه في ماله». «3»

و قال الإمام علي عليه السّلام في «نهج البلاغة»: «و لا تأمننّ عليها إلّا من تثق بدينه،

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 248.

(2). الشرائع: 1/ 160.

(3). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 104

..........

______________________________

رافقا بمال المسلمين، حتى يوصله إلى وليّهم فيقسّمه بينهم، و لا توكل بها إلّا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا غير معنف و لا مجحف». «1»

و على ضوء هذين الحديثين و ما سيمر عليك ندرس الشروط السالفة الذكر.

1. شرطية البلوغ

أمّا الشرط الأوّل- أعني: البلوغ- فقد وصفه صاحب الجواهر بقوله: بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال، فلا يجوز عمالة الصبي و المجنون و لو بإذن وليّهما، لأنّها نيابة عن الإمام عليه السّلام في الولاية على قبض مال الفقراء و حفظه لهم، و هما قاصران عن ذلك. «2»

يلاحظ عليه: أنّ العمل على الزكاة لا يتوقّف فى أكثر الموارد على

الولاية، فانّ جبايتها أو حملها و نقلها من مكان إلى مكان و ضبطها في سجلّات إلى غير ذلك من الأمور الجزئية التي لا تحتاج إلى الولاية، فالمدّعى أعمّ و الدّليل أخص.

نعم فيما يحتاج إلى المصالحة مع المالك و تبديل عين بآخر، فلا شكّ انّه فرع الولاية و هي فرع التكليف.

2. شرطية العقل

و أمّا الشرط الثاني- أعني: العقل- فقد ظهر حاله ممّا سبق، فيجوز استخدام المجنون إذا لم يلحق خسارة بمال الجباية.

3. شرطية الإيمان

و أمّا الشرط الثالث- أعني: الإيمان- و المراد منه كونه من أهل المعرفة، فقد

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 7.

(2). الجواهر: 15/ 334.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 105

..........

______________________________

استدلّ عليه بوجهين:

1. عدم جواز هذه الولاية لغيره، إذ هي غصن من شجرة العهد الذي لا ينالها الظالمون.

2. عموم ما دلّ على عدم جواز إعطائهم الصدقات و إلى عدم عدالتهم. «1»

يلاحظ على الأوّل: أنّ عمل العامل- كما مرّ- لا ينحصر بما يتوقّف على الولاية، كما هو الحال في حمل الزكاة من مكان إلى مكان و مل ء الأكياس و ضبطها في سجلات إلى غير ذلك من الأمور التي لا صلة لها بغصن الولاية.

و يلاحظ على الثاني: من أنّ ما دلّ على اشتراط الإيمان و الولاية في مستحقّ الزكاة إلّا في المؤلّفة و الرقاب و الأطفال محمول على دفع الزكاة إلى غير المؤمن مجّانا، فلا تعمّ دفعها إليه في مقابل العمل كما هو الحال في صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري، عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الزكاة فيمن لا يعرف؟ قال: «لا، و لا زكاة الفطرة». «2» و صحيحة زرارة و ابن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:

«الزكاة لأهل الولاية، قد بيّن اللّه لكم موضعها في كتابه». 3 فالممنوع هو دفع الزكاة إليهم كدفعها إلى الشيعة بلا قيد و شرط.

و على ضوء ذلك فيؤخذ بإطلاق قوله: «وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» الشامل للمؤمن و غيره.

و بعبارة أخرى: الروايات المانعة ناظرة إلى إخراج غير المؤمن من تحت الفقير و

المسكين، لا الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، فإطلاقه يقتضي جواز الدفع لأجل العمل.

نعم يجب أن يكون مؤتمنا عليه، كما عرفت في صحيحة بريد عن أبي عبد

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 334.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 9.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 106

..........

______________________________

اللّه عليه السّلام حيث قال: «و كن حافظا لما ائتمنتك عليه».

و كما يقول الإمام في «نهج البلاغة»: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه».

فإذا كان أمينا في الأمور المالية تجوز عمالته، و يدخل تحت قوله: «وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا».

و على هذا لا صلة بين قوله: «الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» و الروايات المانعة عن دفع الزكاة إلى المخالف، لأنّها ناظرة إلى صورة الدفع بلا عمل.

فإن قلت: إنّ النسبة بين إطلاق الآية في قوله: «وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» و مفاد الروايات المانعة عن دفع الزكاة إلى غير أهل المعرفة عموم من وجه، فالآية عامّة تعمّ المؤمن و المخالف و خاصة بالعامل، و الأخبار عامّة بالنسبة إلى العامل و غيره و خاصّة بالمخالف، فيقع التعارض في دفع الصدقة إلى المخالف بعنوان العمل عليها، فما هو الوجه في تقديم الرواية على الآية؟

قلت: إنّ السؤال مبنيّ على وجود الإطلاق في الروايات المانعة، و لو قلنا باختصاصها بالدفع من باب الفقر كما هو الحقّ، فلا موضوع لهذا السؤال، الشاهد عليه، انّ دفع الزكاة إلى العامل عليها من شأن الحاكم، لا الفرد و المفروض انّ السائل في هذه الروايات آحاد الناس الذين لا صلة بينهم و بين العاملين، نعم لو قلنا بإطلاق الروايات المانعة فيمكن الجواب عن السؤال بأنّ الموضوع في الآية المباركة هم الأصناف الثمانية، فقد تعلّق بها حكم واحد و هو جواز صرف الزكاة

فيها، و على ذلك يجب أن تلاحظ النسبة بين الأصناف الثمانية لا العامل بالخصوص، و عندئذ تنقلب النسبة من العامّين من وجه إلى عام و خاص مطلق، فتكون الآية عامة لأنّها عامّة تعمّ المؤمن و المخالف، و الروايات خاصة لأنّها تختص بالمخالف، و كأنّه سبحانه قال: إنّما الصدقات للأصناف

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

الثمانية إلّا المخالف.

[4 العدالة]

و أمّا الشرط الرابع- أي العدالة- فلا دليل عليها إلّا أن يحتجّ بما في «نهج البلاغة» في قوله: «إلّا من تثق بدينه» و هو موضع تأمّل، و يحتمل أن يكون المراد- بمناسبة الحكم و الموضوع- أمينا في الأمور المالية.

[5 الحرية]

و أمّا الشرط الخامس- أعني: الحرية- فقد استدلّ عليه المحقّق في «المعتبر» بقوله: إنّ سهم العامل في مقابل العمل، فكلّ من يملك العمل يملك هذا السهم، و حيث إنّ عمل العبد ملك لمولاه، فيصير المولى مالكا لهذا السهم.

يلاحظ عليه: أنّه مبني على عدم مالكية العبد، و لكنّه غير تام، بل هو يملك و في الوقت نفسه يملكه المولى و ما ملكه، فهناك ملكيّتان طوليّتان.

و ممّا يدلّ على مالكيّته، ما دلّ من الروايات من عدم وجوب الزكاة على العبد، فلو لم يكن مالكا فما معنى نفي الوجوب عنه؟

ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا». «1»

فإن قلت: إنّ ذيل الخبر دليل على المدّعى من حيث قال: و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا.

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر من الرواية هو المنع عن الإعطاء مجانا لأجل الفقر.

[6 معرفة المسائل المتعلقة بعملهم اجتهادا أو تقليدا]

و أمّا الشرط السادس- أي معرفة السائل المتعلّقة بعملهم اجتهادا و تقليدا- فهو على وفق القاعدة، لأنّه يمارس عملا له أحكام في الشرع فيجب عليه أن يعرف أحكامه تقليدا و اجتهادا، بل يكفي معرفة شي ء من الأحكام على نحو لو ابتلى بموضوع جديد يسأل الفقيه.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 108

و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط يد نائب الإمام عليه السّلام في بعض الأقطار. نعم يسقط بالنسبة إلى من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته و إيصالها إلى نائب الإمام عليه السّلام أو إلى الفقراء بنفسه.* (1)

[7 عدم كونهم من بني هاشم مع تجويز استئجارهم من بيت المال]

______________________________

و أمّا الشرط السابع- أي عدم كونه من بني هاشم- فقد استدلّ عليه بما ورد من منع بني هاشم من الصدقات و عدم اتخاذهم عمّالا عليها.

ففي صحيحة عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا:

يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم، و لكنّي قد وعدت الشفاعة- إلى أن قال:- أ تروني مؤثرا عليكم غيركم». «1»

و لو لا هذه الرواية لاحتملنا انّ المنع يختصّ بما إذا كان الدفع لأجل الفقر، و أمّا إذا كان الدفع لغاية العمل فلا، غير أنّ صراحة الرواية تصدّنا عن ذلك.

نعم، لو كان الهاشمي موظفا في إحدى مؤسسات الدولة الإسلامية، التي لا تمت

لدائرة الزكاة بصلة، جاز دفع الزكاة إليه راتبا شهريا، و هذا المورد خارج عن حدود الآية.

(1)* اختلفت كلمتهم في سقوط هذا القسم كسقوط سهم المؤلّفة قلوبهم الآتي، قال الشيخ في «النهاية»:

و يسقط سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام، لأنّ المؤلّفة قلوبهم يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه،

______________________________

(1). وسائل الشيعة: 6، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 109

[الرابع] في المؤلّفة قلوبهم

اشارة

الرابع: المؤلّفة قلوبهم من الكفّار الذين يراد من إعطائهم ألفتهم و ميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفّار أو الدفاع.

و من المؤلّفة قلوبهم: الضعفاء العقول من المسلمين، لتقوية اعتقادهم، أو لإمالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع.* (1)

______________________________

و السعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جمع الزكوات، و الجهاد أيضا إنّما يكون به أو من نصبه الإمام، فإذا لم يكن هو ظاهرا و لا من نصبه، فرّق في من عداهم. «1»

و لكنّه مبني على تفسير الإمام بالإمام المعصوم في قولهم: «و هم المنصوبون من قبل الإمام» و هو كما ترى فانّ أحكام الإسلام أحكام خالدة لا تختصّ بعصر دون عصر.

فإذا كان هناك حاكم مبسوط اليد قادر على جمع الزكاة و صرفها في محالّها يجب عليه القيام بهذا العمل بحكم النيابة عن الإمام، و من المعلوم أنّ جباية الزكاة رهن جهاز قائم بأمر الجباية بعامة شئونها، فكيف يكون ساقطا في عصر الغيبة؟!

و الحاصل: انّ إطلاق الآية هو الحجة، و الفقيه الجامع للشرائط يقوم بمهمة الإمام المعصوم إلّا ما خرج بالدليل، و ليس هناك دليل على الاختصاص.

(1)*

يقع الكلام في مقامين:
اشارة

______________________________

(1). النهاية: 185.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 110

..........

______________________________

الأوّل: في تفسير المؤلّفة قلوبهم.

الثاني: في سقوط حقّهم بعد رحيل النبي أو بقائه.

و إليك البحث في المقامين:

المقام الأوّل: في تفسير المؤلّفة قلوبهم
اشارة

اختلفت كلمتهم في تفسير المراد من قوله سبحانه: وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، و أساس الاختلاف يرجع إلى تعيين الغاية من التأليف، فهل الغرض من التأليف الاستعانة بهم في الجهاد فيعم كلّ من يستمال بشي ء من الصدقات ليستعان بهم على قتال أهل الشرك من غير فرق بين كون المستعان كافرا أو مسلما؟ أو انّ الغاية من التأليف هو بقاؤهم على الدين و ثباتهم عليه حتى يخرجوا من التزلزل و يستقر الدين في قلوبهم؟ و لأجل الاختلاف في الغاية اختلفت أقوالهم إلى ثلاثة:

1. الكافر المستعان به أو المستمال

خصّ غير واحد من الفقهاء المؤلّفة قلوبهم بالكافر الذي يستعان به للقتال أو يستمال بها إلى الإسلام؛ فهناك من خصّ الغاية بالاستعانة كالشيخ في «الخلاف» «1»، و ابن حمزة في «الوسيلة» «2»، و المحقّق في «الشرائع». «3»

و منهم من عمّمها إلى الاستعانة أو الاستمالة.

قال الشيخ في «المبسوط»: المؤلّفة قلوبهم عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام و يتألّفون، ليستعان بهم على قتال أهل

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 233، كتاب الصدقات، المسألة 16.

(2). الوسيلة: 128.

(3). الشرائع: 1/ 167.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

الشرك، و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام- إلى أن قال:- و سهمهم مع سهم العامل ساقط. «1»

غير أنّ الوارد في كلام الأكثر هو الغاية الأولى، أي الاستعانة بالكافر للقتل أو مثله.

2. من يستعان به للجهاد

و هناك من خصّ الغاية بالجهاد و لكن عمّم المستعان إلى الكافر و المسلم؛ منهم المفيد في «المقنعة» «2»، و الشيخ في «النهاية» «3»، و سلّار في «المراسم» «4»، و العلّامة في «التذكرة». «5»

قال الأخير: و المؤلّفة قلوبهم لهم نصيب من الزكاة بالنص و الإجماع، و هم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإسهام و إن كانوا كفّارا، و حكمهم باق عند علمائنا، و به قال الحسن البصري و الزهري، و أحمد، و نقله الجمهور عن الباقر عليه السّلام للآية، فإنّه تعالى سمّى المؤلّفة في الأصناف الذين سمّى الصدقة لهم.

ثمّ إنّه- بعد ما نقل عن المفيد انّه قال: و المؤلّفة ضربان: مسلمون و مشركون-، قال: و هو الأقوى عندي، لوجود المقتضي و هو المصلحة الناشئة من الاجتماع و الكثرة على القتال. «6»

3. ضعفاء العقيدة

و منهم من خصّ المؤلّفة قلوبهم بالمسلمين ضعفاء العقيدة فيعطى لهم

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 249.

(2). المقنعة: 241.

(3). النهاية: 184.

(4). المراسم: 132.

(5). التذكرة: 5/ 249.

(6). المصدر نفسه: 5/ 249 و 251.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

الزكاة تثبيتا للعقيدة، و يظهر ذلك من الشيخ المفيد في كتاب «الإشراف»، و ابن الجنيد على ما نقله عنه في «المختلف» و إليك نصوصهما:

فقال المفيد: هم الداخلون في الإيمان على وجه يخاف عليهم معه مفارقته فيتألّفهم الإمام بقسط من الزكاة لتطيب نفوسهم بما صاروا إليه و يقيموا عليه، فيألفوه و يزول عنهم بذلك دواعي الارتياب. «1»

و قال ابن الجنيد: المؤلّفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم بيده، و كان معهم إلّا قلبه. «2»

و يظهر من صاحب الحدائق انتخاب هذا المعنى و قد حرر المسألة بحماس.

و قال فيما قال: و العجب من أصحابنا في هذا

الخلاف و الاضطراب و أخبار أهل البيت بذلك مكشوفة النقاب مرفوعة الحجاب قد رواها ثقة الإسلام في «الكافي» و عنونها بابا على حدة و قال: باب المؤلّفة قلوبهم. «3»

و أمّا فقهاء السنّة:

قال ابن قدامة: و هم السادة المطاعون في عشائرهم ممّا يرجى إسلامه، أو يخشى شرّه، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممّن لا يعطيها، أو الدفع عن المسلمين.

ثمّ فصّل في أقسام المؤلّفة قلوبهم من الكفّار و المسلمين فمن أراد فليرجع إليه. «4»

______________________________

(1). الإشراف: الجزء 9 من مصنّفات الشيخ المفيد المطبوعة: 390، و نقله عنه في الجواهر أيضا: 15/ 339.

(2). المختلف: 3/ 200.

(3). الحدائق الناضرة: 12/ 175.

(4). المغني: 2/ 697.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

هذه هي الأقوال و إليك دراستها:

أمّا القول الأوّل- أي تخصيصها بالكافر- ممّا لا دليل عليه بعد إطلاق الآية؛ فإنّ المراد من تأليف القلوب إمّا تبديل العداء بالمحبة و الألفة، أو ترغيبهم على الاجتماع على فكرة واحدة.

أمّا الأوّل قال سبحانه: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدٰاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوٰاناً. «1»

و أمّا الثاني قال سبحانه: وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مٰا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. «2»

فإذا كان المراد من التأليف هو هذا، فلا وجه لتخصيصه بالكافر، بل يعمّه و المسلم، بل المسلم أولى، لأنّ الزكاة شرّعت أوّلا و بالذات لصالح المسلمين و رفع حاجاتهم فلو شملت الكافر فإنّما هو أيضا لصالحهم.

أضف إلى ذلك انّ الزكاة وسيلة بيد الحاكم لإدارة المجتمع الإسلامي، فإذن لا وجه لتخصيصه بمورد دون مورد مع اشتراك الغاية، فإطلاق الآية يؤيد القول الثاني، سواء أ

كانت الغاية الاستعانة به للجهاد، أم لدفع الشر، أم الاستمالة إلى الإسلام.

نعم يظهر من سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم انّه كان يعطي من الغنائم (لا الزكاة) للكافر لاستمالته إلى الإسلام.

قال ابن هشام: أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم المؤلّفة قلوبهم و كانوا أشرافا من أشراف الناس يتألّفهم و يتألّف به قومهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير- إلى أن قال:- و أعطى عيينة بن حصين مائة بعير، و الأقرع بن حابس مائة بعير، و أعطى

______________________________

(1). آل عمران: 103.

(2). الأنفال: 63.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 114

..........

______________________________

صفوان بن أمية مائة بعير. «1»

و يظهر من مكان آخر انّ عيينة و الأقرع لم يكونا يوم ذاك مسلمين، يقول ابن هشام: إنّ قائلا قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أصحابه: يا رسول اللّه، أعطيت عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس مائة مائة، و تركت جعيل بن سراقة الضّمري؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

«أما و الذي نفس محمّد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض، كلّهم مثل عيينة بن حصن، و الأقرع بن حابس، و لكنّي تألّفتهما ليسلما، و وكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه». «2»

و يؤيّد العموم ما رواه صاحب الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السّلام أنّه قال:

في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قال: «هم قوم يتألّفون على الإسلام من رؤساء القبائل، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يعطيهم ليتألّفهم، و يكون ذلك في كلّ زمان، إذا احتاج إلى ذلك الإمام فعله». «3»

إلى هنا اتّضح انّ القول

الثاني هو الموافق للتحقيق.

و أمّا القول الثالث، فهو تخصيصه بضعفاء العقيدة من المسلمين، فقد استند إلى روايات نقلها الكليني في «الكافي» في باب خاص وصفه بالمؤلّفة قلوبهم، و هي بين صحيح و غير صحيح.

و إليك سردها:

1. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، قال: «هم قوم وحّدوا اللّه عزّ و جلّ و خلعوا عبادة من

______________________________

(1). السيرة النبوية: 2/ 493.

(2). السيرة النبوية: 2/ 496.

(3). المستدرك: 7، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

يعبد من دون اللّه و شهدوا أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فأمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يتألّفهم بالمال و العطاء، لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقرّوا به». «1»

وجه الاستدلال: هو وجود ضمير الفصل- هم قوم- المفيد للحصر، و الظاهر انّ الحديث لبيان أحد المصاديق لا الحصر فيه

2. ما رواه موسى بن بكر، عن رجل قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما كانت المؤلّفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم، و هم قوم وحّدوا اللّه و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قلوبهم و ما جاء به، فتألّفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تألّفهم المؤمنون بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و

سلم لكيما يعرفوا. «2»

و الحديث مرسل لا يمكن الاحتجاج به.

3. ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه السّلام أنّه قال في حديث:

«و المؤلّفة قلوبهم: هم قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من دون اللّه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتألفهم و يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا». «3»

و الحديث مضافا إلى أنّه مرسل يحتمل اتّحاده مع ما رواه الكليني عن زرارة و إن كان بين المتنين اختلاف طفيف، فلم تبق في الباب إلّا رواية واحدة هي و إن كانت صحيحة، لكن لا يمكن تقييد إطلاق القرآن بخبر الواحد كما حقّقنا في محلّه.

______________________________

(1). الكافي: 2/ 411، باب المؤلّفة قلوبهم من كتاب الإيمان و الكفر، حديث 2. و ما رواه برقم 1 هو نفس هذا الحديث، لوحدة الراوي (زرارة) و المروي عنه (أبي جعفر).

(2). الكافي: 2/ 412 باب المؤلّفة قلوبهم من كتاب الإيمان و الكفر، الحديث 1.

(3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

و أمّا ما نقله الكليني في ذلك الباب برقم 3 و 4 فلا صلة لهما لما نحن فيه، فما ادّعاه في «الحدائق» من أنّ أخبار أهل البيت عليه السّلام في ذلك الباب يكشف النقاب و الحجاب كأنّه ليس في محله، لأنّ الأخبار بين ما لا صلة لها بالمقام و ما له صلة غير صحيح أو صحيح لكنّه خبر واحد لا يصحّ إطلاق تقييد الكتاب به.

و يؤيّد ما ذكرنا ما ورد

في رواية زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال بعد تفسير الآية: «سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم الرقاب عام، و الباقي خاص». «1» فهل المراد من العموم هو شمولهما لأهل المعرفة و غيرهم؟ أو شمولهما للمسلم و الكافر؟ وجهان.

فخرجنا بتلك النتيجة: انّ المؤلّفة قلوبهم مفهوم عام من حيث غاية التأليف و المؤلّف، و هو أداة بيد الحاكم لإدارة المجتمع بالاستعانة بالكافر و المسلم، لدفع الشر أو جذب الخير أو تثبيت عقائد الضعفاء.

المقام الثاني: في سقوط سهم المؤلّفة قلوبهم

قد أسقطت مدرسة الخلافة سهم المؤلّفة قلوبهم حيث جرت سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على دفع السهام إليهم لكن لما ولي أبو بكر جاء المؤلّفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم.

هذا جريا على عادتهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فكتب أبو بكر لهم بذلك، فذهبوا بكتابه إلى عمر ليأخذوا خطه عليه، فمزّقه، و قال: لا حاجة لنا بكم فقد أعز اللّه الإسلام و أغنى عنكم، فإن أسلمتم و إلّا فالسيف بيننا و بينكم؛ فرجعوا إلى أبي بكر، فقالوا له: أنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء اللّه تعالى، و أمضى ما فعله عمر. «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). الجوهرة النيرة على مختصر القدوري في الفقه الحنفي: 1/ 164 كما في النص و الاجتهاد: 107.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 117

..........

______________________________

فاستقر الأمر لدى الخليفتين، و من يرى رأيهما على منع المؤلّفة قلوبهم من سهمهم هذا، و صرفه إلى من عداهم من الأصناف المذكورين في الآية.

ثمّ إنّ أهل السنّة برّروا عمل الخليفتين بتغيّر المصلحة بتغيّر الأزمان، و نحن لا نحوم حول ذلك الموضوع،

لأنّه لا يمكن إبطال النصّ القرآني بالمصالح المزعومة، إنّما الكلام وجود القول بسقوط سهمهم عند بعض أصحابنا كالشيخ في «الخلاف» «1» و «المبسوط» «2» و «النهاية» «3» و «الوسيلة» «4». و قد مرّ نصّ «المبسوط»، و سيوافيك توجيهه.

و قال المحقّق في «المعتبر»: هل سقط هذا القسم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال الشيخ في «الخلاف»: نعم، و به قال أبو حنيفة و الشافعي، لأنّ اللّه أعزّ الدين فلا يحتاج إلى التألّف- إلى أن قال:- و الظاهر بقاء حكم المؤلّفة و انّه لم يسقط، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يعتمده إلى حين وفاته و لا نسخ بعده. «5»

و قال العلّامة في «التذكرة»: و هل يعطون بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قولان:

أحدهما: المنع. و به قال أبو حنيفة لظهور الإسلام، و لأنّ أحدا من الخلفاء لم يعط شيئا من ذلك.

و الثاني: يعطون، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطى، و أعطى أبو بكر عدي بن حاتم- و قد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة- ثلاثين بعيرا.

و حينئذ هل يعطون من الصدقات من سهم المؤلّفة للآية أو من سهم

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 233، كتاب الصدقات، المسألة 16.

(2). المبسوط: 1/ 249.

(3). النهاية: 184.

(4). الوسيلة: 128.

(5). المعتبر: 2/ 574.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 118

..........

______________________________

المصالح، لأنّه منها؟ قولان. «1»

الظاهر هو القول الأوّل، إذ لا وجه لسقوط ما أثبته النبي بعد وجود الموضوع.

و أمّا ذهاب الشيخ إلى السقوط، فلعلّ وجهه هو حصر المؤلّفة قلوبهم بمن يؤلّف لغاية الجهاد الابتدائي، و هو عنده مختصّ بالإمام المعصوم، فلو قلنا ببقاء حكم الجهاد ابتدائيا و

دفاعيا فما كان هناك وجه للسقوط حتى على القول باختصاصها بالكافر.

أضف إلى ذلك ما عرفت من أنّ الغاية أعمّ من الاستعانة للجهاد و الاستمالة إلى الإسلام أو لتثبيت العقيدة في القلوب.

ثمّ إنّ هنا كلاما للمحقّق الهمداني يعرب عن عدم الجدوى في البحث لا في تحقيق الموضوع و لا في حكمه، قال:

الذي يظهر بالتدبّر في الآثار و الأخبار و كلمات الأصحاب انّ المؤلّفة قلوبهم الذين جعل لهم نصيبا من الصدقات أعمّ من الجميع، بل يتناول أيضا الكفّار الذين يقصد بتأليف قلوبهم دخولهم في الإسلام، و لكن لا يترتّب على تحقيق ذلك ثمرة مهمة بعد ما تقرر من أنّه يجوز للوالي أن يصرف من الزكاة في مثل هذه الوجوه التي فيها تشييد الدين، و أنّه لا يجب التوزيع و البسط على الأصناف، غاية ما في الباب: أنّه لو لم يكن الكافر الذي يتألّف قلبه إلى الإسلام أو إلى الجهاد مندرجا في موضوع المؤلّفة قلوبهم الذين جعل لهم هذا السهم- كما زعمه صاحب الحدائق- اندرج ما يصرف إليه بهذا الوجه في سهم سبيل اللّه.

و كذا البحث عن سقوط هذا السهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بناء على اختصاصه بالكفّار الذين يستمالون إلى الجهاد كما لا يخفى. «2»

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 253.

(2). مصباح الفقيه: 13/ 537.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 119

[الخامس الرقاب]

اشارة

في الرقاب الخامس: الرقاب، و هم ثلاثة أصناف: الأوّل: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة مطلقا كان أو مشروطا، و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم.

ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال، و يتخيّر بين الدفع إلى كلّ من المولى و العبد لكن إن دفع إلى المولى و اتّفق عجز العبد عن باقي

مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرق يسترجع منه، كما أنّه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه بإبراء أو تبرّع أجنبيّ يسترجع منه. نعم يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيرا، و لو ادّعى العبد أنّه مكاتب أو أنّه عاجز فإن علم صدقه أو أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا ففي قبول قوله إشكال.

و الأحوط عدم القبول، سواء صدّقه المولى أو كذّبه، كما أنّ في قبول قول المولى مع عدم العلم و البيّنة أيضا كذلك، سواء صدّقه العبد أو كذّبه، و يجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء إذا كان عاجزا عن التكسّب للأداء، و لا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر.* (1)

______________________________

(1)* عبّر سبحانه عن هذا الصنف بقوله: وَ فِي الرِّقٰابِ بتغيير السياق عن «اللّام» إلى «في» إشعارا بأنّ الزكاة تصرف في طريق مصالحهم من فكّهم و عتقهم دون التمليك لهم كما في الأصناف الأخرى المتقدّمة، و لذلك فسّره الطبرسي بقوله:

«في فك الرقاب من العتق» و هم ثلاثة أصناف:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 120

..........

______________________________

الأوّل: المكاتب مطلقا أو مشروطا.

الثاني: العبد تحت الشدة.

الثالث: مطلق عتق العبد مع عدم وجود المستحق للزكاة.

هذه الأصناف الثلاثة ذكرها المصنّف في المتن، و ربّما زيد صنفان آخران سيوافيك البحث فيهما بعد الفراغ عمّا ذكره المصنّف، و نقدّم الكلام في الصنف الأوّل و قد ذكر فيه المصنّف فروعا عشرة:

[فروع البحث]
اشارة

1. صرف الزكاة في المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة مطلقا كان أو مشروطا.

2. حكم إعطاء الزكاة للمكاتب قبل حلول النجم.

3. التخيير بين دفع الزكاة إلى المولى و دفعها إلى العبد

4. حكم

الدفع إلى المولى- إذا عجز المكاتب عن أداء باقي مال الكتابة- حيث يردّ العبد إلى الرقّ.

5. حكم الدفع إلى العبد إذا لم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه عنه بالإبراء و التبرّع.

6. جواز احتساب ما أخذه لفكّ رقبته و استغنى عنه من باب سهم الفقراء.

7. إذا ادّعى العبد انّه مكاتب عاجز عن أداء مال الكتابة.

8. إذا وصفه المولى بأنّه عبد مكاتب عاجز عن أداء دينه.

9. إعطاء المكاتب من سهم الفقراء إذا كان عاجزا عن التكسّب للأداء.

10. اعتبار إذن المولى في الدفع إلى المكاتب و عدمه.

هذه الفروع العشرة كلّها حول القسم الأوّل من هذا الصنف، و إليك دراستها واحدا تلو الآخر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 121

الفرع الأوّل: دفع الزكاة إلى المكاتب العاجز

______________________________

هذا المورد من الموارد الثلاثة المذكورة في المتن هو القدر المتيقن حسب الآراء لاتّفاقها على جواز صرفها فيه، بل يظهر من الشافعي اختصاص صرف الزكاة في هذا النوع من الرقبة فقط و ان ذهب الآخرون إلى الأعم.

قال الشيخ في «الخلاف»: سهم الرقاب يدخل فيه المكاتبون و العبيد إذا كانوا في شدّة، يشترون من مال الصدقة و يعتقون.

و قال الشافعي: الرقاب هم المكاتبون إذا كانوا جيران الصدقات فقط.

و روي ذلك عن علي عليه السّلام، و في التابعين: سعيد بن جبير و النخعي، و في الفقهاء: الليث، و الثوري، و أبو حنيفة و أصحابه.

و قال قوم: إنّ الرقاب هم العبيد فحسب، يشترون و يعتقون من سهم الصدقات، ذهب إليه ابن عباس و الحسن و مالك و أحمد. «1»

و قد أشار قدس سرّه في كلامه هذا إلى الأصناف الثلاثة التي أشير إليها في المتن أيضا، فأشار إلى العبد المكاتب عند نقل كلام الشافعي، كما أشار إلى العبد تحت الشدّة في صدر

المسألة، و أشار إلى مطلق العبد عند نقل نظرية ابن عباس و الحسن و إن لم يذكر قيده، أعني: عدم وجود المستحقّ لها.

و الدليل على جواز صرف الزكاة في هذا القسم أمران:

الأوّل: إطلاق الآية حيث إنّ دفع الزكاة إلى المكاتب ليسدّد به مال الكتابة من المصاديق البارزة لقوله سبحانه فِي الرِّقٰابِ من غير فرق بين دفعه إلى المالك أو العبد كما سيوافيك.

الثاني: مرسلة الصدوق، قال: سئل الصادق عليه السّلام عن مكاتب عجز عن

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 234، كتاب الصدقات، المسألة 17.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 122

..........

______________________________

مكاتبته و قد أدى بعضها؟ قال: «يؤدّى عنه من مال الصدقة، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه: وَ فِي الرِّقٰابِ». «1»

و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، عن الصادق عليه السّلام مثله. 2

و المراد من أبي إسحاق هو إبراهيم بن هاشم والد علي بن إبراهيم، و هو لا يروي عن الإمام الصادق عليه السّلام مباشرة، و قد كنّى عن الواسطة بقوله بعض أصحابنا.

و الرواية مرسلة تصلح للتأييد لا للاحتجاج.

و أمّا قيد العجز فقد ورد في سؤال الراوي لا في جواب الإمام و لكنّه شرط لازم، و ذلك لأنّ الغاية من الزكاة سدّ الحاجات، و إذا قدر العبد بنفسه على أداء مال الكتابة بلا مشقة لم يجز صرف الزكاة فيه لعدم الملاك.

اللّهمّ إلّا إذا كانت الأقساط كثيرة، لا تنتهي إلّا بمرور سنين، فلا بأس بالأخذ بإطلاق الآية و تجويز دفع الزكاة إليه أو إلى مولاه.

كما أنّه لا فرق بين المكاتب المطلق و المكاتب المشروط، و الفرق بينهما انّ المطلق من المكاتب ينعتق حسب ما يدفع من مال

الكتابة من عشر أو تسع قيمته بخلاف المشروط فلا ينعتق منه أي جزء ما لم يدفع جميعه.

الفرع الثاني: إعطاء الزكاة قبل حلول النجم

إذا افترضنا انّ المولى فرض عليه أن يدفع إليه في آخر كلّ شهر مائة درهم، فهل يجوز دفعها إليه في أواسط الشهر؟ احتاط المصنّف بعدم الدفع إلّا بعد حلول

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 44 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، و ذيل الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 123

..........

______________________________

النجم، و لعلّ الوجه عدم صدق العجز ما لم يأت الأجل المحدّد.

اللّهمّ إلّا إذا علم أنّه عاجز إلى آخر الشهر فيجوز قبل حلول النجم.

الفرع الثالث: التخيير في الدفع

إنّ مالك الزكاة مخيّر بين أن يدفعها إلى كلّ من المولى و العبد، أخذا بإطلاق الآية إذا صدق على كلّ من الدفعين انّه في طريق فكّ الرقاب. ثمّ إنّ الدفع إلى المولى على وجهين:

1. اشتراء الرقبة منه ثمّ عتقها، و لو كان المشتري هو الفقيه فهو، و إلّا فيحتاج إلى إجازة منه لعدم الولاية له.

2. دفع الزكاة إلى البائع من باب مال المكاتبة، فينعتق العبد قهرا.

و أمّا الدفع إلى العبد فهو بمعنى توكيله لأن يسدّد به مال الكتابة فيترتّب عليه العتق قهرا.

الفرع الرابع: إذا دفع إلى المولى و عجز العبد

إذا دفع المالك الزكاة إلى المولى و لكن عجز العبد عن أداء الباقي و ردّ إلى الرقّيّة، فهل يتملّكها المولى أو يسترجع؟

الظاهر هو الثاني، لأنّ التمليك كان لغاية فكّه عن الرقّيّة على وجه لو لا ترتّب هذه الغاية على التمليك لم يكن يملّكها له، فإذا تخلّفت الغاية عن الفعل كشف عن عدم تحقّق التمليك فيسترجع، لأنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

فإن قلت: إنّ المولى ملك الزكاة بالقبض فكيف يخرج من ملكه؟

قلت: إنّ التمليك كان تمليكا مشروطا بتحقّق الحرية و لو بالشرط المتأخّر، و المفروض عدم تحقّقه.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 124

الفرع الخامس: إذا دفع إلى العبد و استغنى العبد بإبراء أو تبرّع

______________________________

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا أعطي المكاتب شيئا ليصرفه في مال كتابته، فلم يصرفه فيه، أو تطوع إنسان عليه بمال كتابته، أو أسقط عنه مولاه ماله، فانّه لا يسترجع منه ما أعطي. و كذلك القول في الغارم و في سبيل اللّه و ابن السبيل لا يسترجع منهم ما يفضل من نفقتهم إذا ضيّقوا على أنفسهم، أو لم ينفقوه فيما لأجله استحقّوه.

و قال الشافعي: يسترجع منهم كلّهم إلّا الغازي، فانّه يأخذ أجرة عمله فلا يسترجع منه ما يفضل من نفقته، و إن بدا له من الغزو استرجع منه بلا خلاف. «1»

يلاحظ عليه: أنّه لو قيل بعدم جواز الاسترجاع فيما إذا دفع إلى المولى، يتعيّن القول بجوازه هنا، و ذلك لأنّ المولى تملّك هناك بالقبض- و إن قلنا: إنّ التملّك كان مشروطا- و أمّا المقام فالعبد لم يتملّك ما أخذ و إنّما صار وكيلا لصرفه في طريق تحرير رقبته بدفعها كأقساط إلى المولى، فعندئذ كان الأخذ من باب الوكالة و الوكيل يردّ ما أخذ إذا لم يصرف في مورد الوكالة، و معه لا محيص

من الرد.

الفرع السادس: احتسابها على العبد من باب الفقر

إذا أخذ المكاتب شيئا من الزكاة ليدفعه إلى المولى كأقساط للخروج عن الرقّيّة و قد افترضنا انّه استغنى عن صرف الزكاة في تلك الغاية إمّا إبراء من المالك أو بوجود متبرع، فحينئذ يقع الكلام في إمكان احتساب ما أخذه من باب سهم الفقراء إذا كان فقيرا أو لا.

ذهب المصنّف إلى الجواز و قال: نعم يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 235، كتاب الصدقات، المسألة 18.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 125

..........

______________________________

الفقراء إذا كان فقيرا، غير أنّ كلامه مجمل، فهل يريد الاحتساب بعد الفك و صيرورته حرّا؟ و لو أراد ذلك، فلا إشكال في الاحتساب إذا كان فقيرا، لأنّ العبد بعد ما صار حرّا يصبح حاله حال سائر الفقراء.

و أمّا الاحتساب حال كونه رقّا، فبما انّ نفقته على المولى فلا يوصف بالفقر؛ و لذلك جاء في موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يعطى العبد من الزكاة شيئا». «1»

و في صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شي ء». 2

نعم يمكن أن يقال: إذا كان العبد مديونا لأجل إتلاف مال الغير يمكن القول بجواز صرفه في دينه أو دفع الزكاة إليه لأجل الفقر، و ذلك لأنّ الروايات المانعة عن صرف الزكاة في العبد ظاهرة في صرفها فيه من باب النفقة لا صرفها فيه لرفع مشاكله التي ليس للمولى فيها تكليف، إذ الواجب على المولى هو دفع نفقته لا أداء قروضه و ديونه الحاصلة من إتلاف مال الغير.

الفرع السابع: في ادّعاء العبد الكتابة و الفقر

لو ادّعى العبد انّه مكاتب أو انّه عاجز فله صور:

أ. يعلم صدقه.

ب. يعلم كذبه.

ج. أقام بيّنة على قوله.

فلا شكّ

انّه يعمل في هذه الموارد حسب ما علم أو ثبت بالحجّة الشرعية.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 126

..........

______________________________

د. إذا جهل الحال و هو على وجوه: إمّا يصدّقه المولى، أو يكذّبه، أو يسكت. فهل يقبل دعوى العبد الكتابة و العجز أو لا؟ أو يفصل بين الحلف و عدمه؟ أو يفصل بين تصديق المولى و تكذيبه؟ وجوه:

قال في «التذكرة»: إذا ادّعى المكاتب الكتابة، فإن صدقه مولاه قبل، لأنّ الحقّ في العبد له، فإذا أقرّ بالكتابة قبل، و هو أحد وجهي الشافعية.

و الثاني: لا يقبل لإمكان التواطؤ، و ليس بجيد، لأصالة العدالة. و إن كذّبه السيد لم يقبل قوله إلّا بالبيّنة، و إن تجرّد عنهما إمّا لبعده أو لغير ذلك احتمل قبول قوله، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن فقبل قوله كالفقير، و العدم؛ لإمكان إقامة البيّنة عليه، و به قال الشافعي. «1»

و حاصل كلامه: انّه يقبل دعوى العبد المكاتب في الموردين التاليين:

1. إذا ادّعى المكاتب الكتابة و صدّقه المولى.

2. إذا تجرّد المولى عن التصديق و التكذيب.

أمّا الأوّل: فقد علّله بقوله: «لأنّ الحقّ في العبد له، فإذا أقر بالكتابة قبل».

و الظاهر انّه يشير إلى أنّ المورد من مصاديق القاعدة المعروفة: «من ملك شيئا ملك الإقرار به» و لكنّها مختصّة بالإقرار لا لصالحه؛ و أمّا إذا كان الإقرار لصالح المقرّ، فلا يسمع و المقام من قبيل القسم الثاني، لإمكان التواطؤ بينهما.

و أمّا الثاني: فقد علّله بقوله: «لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن» فيقبل قوله و هو كما ترى.

و الظاهر كما سبق الكلام في ادّعاء الفقر انّه إذا جهلت الحالة السابقة

يتوقّف حتى يثبت الموضوع، و هو انّ هذا عبد مكاتب و عاجز عن أداء مال

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 281.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 127

..........

______________________________

الكتابة، لوجوب إحراز الموضوع إمّا بالعلم أو بالحجة الشرعية و منها الوثوق الشخصي بصدق قول العبد، لما عرفت من أنّ الوثوق علم عرفي.

و أمّا تعليل لزوم الأخذ بقوله بالاستصحاب حيث كان مسبوقا بالعجز و إنّما نشكّ في طروء القدرة، فقد علمت أنّ مثل هذا الاستصحاب مثبت، فالمتيقّن هو العدم الأزلي الذي يعبّر عنه بالنفي التام و الذي هو موضوع للأثر هو الموجبة السالبة المحمول على أنّ العدم الأزلي (عدم الغناء أو الفقر) انتقض في العبد بالتولّد حيث صار واجب النفقة على المولى.

الفرع الثامن: لو ادّعى المولى ان عبده مكاتب أو عاجز

الكلام فيه نفس الكلام و إن جهل الحال لا يترتب الأثر على ادّعائه إلّا بالبيّنة أو الوثوق الشخصي.

الفرع التاسع: إعطاء المكاتب من سهم الفقراء

إذا افترضنا انّه كاتب المولى و صار عاجزا عن التكسّب للأداء، فقد أفتى المصنف بجواز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء.

لا إشكال في جواز الدفع من سهم فِي الرِّقٰابِ و أمّا الدفع إليه من باب سهم الفقراء، فالمانع هو رواية إسحاق بن عمار و عبد اللّه بن سنان «1» الدالّتين على عدم جواز دفع الزكاة إلى العبد، و لكنّك عرفت أنّ القدر المتيقّن هو دفع الزكاة إلى العبد من باب النفقة و أمّا دفع الزكاة إليه لأجل دفع الأقساط من باب الفقر فلا مانع منه، غير أنّ الفرع عديم الفائدة لعدم لزوم البسط في صرف الزكاة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 128

الثاني: العبد تحت الشدّة، و المرجع في صدق الشدّة العرف، فيشترى و يعتق، خصوصا إذا كان مؤمنا في يد غير المؤمن.

الثالث: مطلق عتق العبد مع عدم وجود المستحقّ للزكاة.

و نيّة الزكاة في هذا و السابق عند دفع الثمن إلى البائع، و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.* (1)

الفرع العاشر: عدم اشتراط إذن المولى

______________________________

لا يشترط في دفع الزكاة إلى العبد لتأدية أقساطه إذن المولى، لأنّ الإذن في الكتابة إذن فيما يتوقّف عليه من التكسّب و أخذ المتبرّعات و الزكوات.

تمّ الكلام في القسم الأوّل من قوله سبحانه: وَ فِي الرِّقٰابِ، بقي الكلام في القسم الثاني، قال قدّس سرّه:

(1)* و قد أشار المصنّف إلى أمور:

قد علمت أنّ فِي الرِّقٰابِ أحد المصارف في الزكاة، و هم أقسام:

الأوّل: الدفع إلى المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة، فقد سبق تفصيله.

الثاني: العبد تحت الشدة يدفع إليه الزكاة لتحريره.

الثالث: مطلق عتق العبد و إن لم يكن مكاتبا أو تحت الشدة.

ثمّ إنّه أشار إلى

وقت النيّة، فلندرس الأمور الثلاثة واحدا تلو الآخر.

أمّا الصنف الثاني- أي العبد تحت الشدّة- فيدلّ عليه ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عمرو، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟ فقال: «إذا يظلم قوما آخرين

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 129

..........

______________________________

حقوقهم» ثمّ مكث مليّا ثمّ قال: إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه» «1» و الاستدلال بالحديث رهن صحّة السند و وضوح الدلالة.

أمّا السند فعلى ما رواه الكليني، صحيح إلى علي بن الحكم، و أمّا المروي عنه له- أعني: «عمرو»- فهو مجهول.

نعم رواه الشيخ في «التهذيب» في باب زيادات الزكاة «2» عن عمرو بن أبي نصر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فلو صحّت نسخة «التهذيب»، فالرواية صحيحة، لأنّ عمرو بن أبي نصر ثقة مولى للسكوني ثمّ لغيره، و قد وثّقه النجاشي و ذكر انّ له كتابا و هو من أهل بيتنا؛ لكن النسخة غير ثابتة، كيف و قد أخذه الشيخ عن الكليني و الموجود في «الكافي» كما عرفت هو «عمرو» لا «عمرو بن أبي نصر» فالرواية ضعيفة على نقل الكليني و صحيحة على نسخة «التهذيب».

و أمّا الدلالة فهو في بدء الأمر يدلّ على جواز صرف الزكاة في العبد تحت الشدة حسب تعبير الفقهاء أو العبد في ضرورة.

نعم لا يستفاد من الرواية انّ للشدّة موضوعية و هي بما هي هي موضوع لصرف الزكاة فيها، بل يظهر من الرواية انّ صرفها في مطلق العتق جائز بالذات لو لا الابتلاء بالمانع و هو

حرمان الآخرين، إلّا أن يكون هناك مرجّح على الحرمان و هو نجاة العبد من الشدة، فصرفها في مورده لاقترانه بالمرجّح لا انّه موضوع خاص، و على كلّ تقدير فسواء أصح ما ذكرناه أم لم يصحّ يجوز صرف الزكاة في عتق الرق تحت الشدة، نعم لم يثبت انّه موضوع خاص مضافا إلى إطلاق الآية و لعلّ إطلاقها كاف في المقام.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). التهذيب: 4، باب زيادات الزكاة، الحديث 16.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 130

..........

______________________________

و أمّا الصنف الثالث- أي صرف الزكاة في عتق الرقبة على وجه الإطلاق- فهو مشروط- كما عليه المصنّف- بعدم وجود المستحقّ للزكاة.

و استدلّ عليه بموثّقة عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: «نعم لا بأس بذلك»، قلت: فإنّه لمّا أن أعتق و صار حرا اتّجر و احترف فأصاب مالا كثيرا ثمّ مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة، لأنّه إنّما اشتري بما لهم». «1»

غير أنّ الكلام في دلالة الرواية، فانّ القيد (عدم المستحقّ أو عدم موضع آخر لصرف الزكاة فيه) وارد في كلام الراوي دون الإمام.

ما هو المختار في المقام؟

فالأولى أن يقال: إنّ الحقّ هو القول الرابع الذي هو جامع لهذه الأصناف الثلاثة و غيرها، و هو انّ الموضوع لصرف الزكاة هو عتق مطلق الرقبة من غير قيد أو شرط، سواء أ كان مكاتبا أو لا، كان تحت

الشدة أو لا، وجد موضع لصرف آخر الزكاة أو لا. و يدلّ على هذا مضافا إلى إطلاق الآية صحيحة أيّوب بن الحر أخي أديم بن الحر، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، أشتريه من الزكاة و أعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و أعتقه». قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال: «ميراثه لأهل الزكاة، لأنّه اشتري بسهمهم». «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

و ربّما يقال بصرفها في صنف خاص، و هو من وجب عليه العتق كفّارة و لم يجد ما يكفّر، فيدفع إليه الزكاة ليشتري عبدا و يعتق عن نفسه.

و استدلّ له بما رواه علي بن إبراهيم بقوله: وَ فِي الرِّقٰابِ قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفّرون و هم مؤمنون، فجعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم. «1»

يلاحظ عليه أوّلا: مضافا إلى ضعف السند، أنّ الرواية ظاهرة في جواز صرف الزكاة في مطلق الكفّارة و إن لم تكن هي العتق، لشهادة جواز صرفها في قتل الصيد في الحرم و كفّارته بدنة لا العتق.

و ثانيا: أنّ دفع الزكاة إلى من عليه الكفّارة ليشتري به العبد و يعتق عنه فهو أشبه بصرف الزكاة في الكفّارة لا في الرقاب. و لا يعدّ مثله من صرف الزكاة في الرقاب، و إنّما يعدّ منه إذا دفع ثمنا إلى البائع ليعتقه أو يشتريه و يعتقه أو يدفع شيئا إلى المكاتب ليسدد به

مال الكتابة ليترتّب عليه العتق قهرا.

و ممّا ذكرناه علم أنّ الحقّ هو القول الرابع لا الثلاثة المذكورة في المتن و لا الوجه الخامس.

وقت النيّة في الموارد الثلاثة

إنّ الغالب في صرف الزكاة في الرقاب هو إفرازها بصورة القيمة السوقية و تعيّنها في الدرهم و الدينار؛ و على هذا فما يدفعه من الثمن، هو زكاة لما عرفت من أنّه يجوز إخراجها من النقدين على وجه يكونان نفس الزكاة.

و على هذا فالذي يرجع إلى المالك هو صرفها في مواردها مع النية، و أمّا وقت

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 132

[السادس: الغارمون]

اشارة

في الغارمين السادس: الغارمون: و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم، و يشترط أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية، و إلّا لم يقض من هذا السهم، و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء، سواء تاب عن المعصية أو لم يتب، بناء على عدم اشتراط العدالة في الفقير، و كونه مالكا لقوت سنته لا ينافي فقره، لأجل وفاء الدّين الذي لا يفي كسبه أو ما عنده به.

و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه. و لو شك في أنّه صرفه في المعصية أم

______________________________

النيّة في الصنف الأوّل فهو نفس الوقت الذي يدفع الثمن إلى المولى ليحبسها من أقساط العبد المفروضة عليه، أو إلى العبد ليسدّد به مال الكتابة.

إنّما الكلام في القسمين الآخرين- أعني: اشتراء العبد تحت الشدة، أو مطلق العبد إذا لم يوجد مستحق- ففيه وجوه ثلاثة:

1. نيّة الزكاة في العبد الذي يشترى من الزكاة وقت دفع الثمن إلى البائع، لأنّه وقت صرف الزكاة. «1»

2. انّها مقارنة للعتق، قال في الجواهر: و لعلّ الثاني لا يخلو من قوّة، لأنّ دفع الثمن خصوصا إذا كان بعد إجراء الصيغة لكونه مقتضى البيع، و من هنا ينتقل

العبد إلى أهل الصدقة، و لذا كان ولاؤه لهم كما صرّح به غير واحد من الأصحاب فيكون إيصاله إلى الفقراء بعتقه عنهم. «2»

3. أو يتخير بين الأمرين.

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 543.

(2). الجواهر: 15/ 346.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 133

لا فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم، و إن كان الأحوط خلافه. نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية. و لو كان معذورا في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس بإعطائه. و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون، و لا فرق في الجاهل بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم.* (1)

______________________________

و لعلّ الوجه الثاني- كما قوّاه صاحب الجواهر- هو الأظهر، لأنّه باشتراء العبد ليس إلّا تبديل الزكاة بالعبد و صيرورته زكاة بمقتضى البدلية و لا يعد مثل ذلك صرفا للزكاة في طريق فكّ الرّقاب إلّا بعتقهم.

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

1. تعريف الغارمين، و انّه هل يشترط فيهم العجز عن الأداء، أو يشترط الفقر في المعيشة؟

2. يشترط في جواز صرف الزكاة في قضاء الدين أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية، و إلّا فيقضى من سهم الفقراء.

3. إعطاؤه من سهم الفقراء.

4. لو شكّ انّه صرفه في المعصية أو لا، هل يجوز الدفع؟

5. لو كان معذورا في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان فلا بأس بإعطائه.

6. لو صرفه في المعصية و لم يكن مكلّفا كالطفل و المجنون.

7. هل هناك فرق في الجهل بين الجهل بالموضوع أو الجهل بالحكم.

هذه فروع سبعة ندرسها واحدا بعد الآخر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 134

الأوّل: اشتراط العجز أو الفقر

______________________________

لا شكّ انّ الغارم يشتق من الغرم، و هو في اللغة بمعنى الضرر و المشقّة، و كأنّ الدين أمر شاق يتحمّله المديون، يقال: تغرّم تحمّل و تكفّل الغرامة.

و على كلّ تقدير فالمراد هنا هو المديون الذي ركبه الدين و علاه.

إنّما الكلام في أنّ الموضوع هو الغارم الفقير، أو الغارم العاجز عن أداء دينه سواء كان فقيرا أم لا.

و بين القيدين من النسب عموم و خصوص من وجه، إذ ربّما يكون فقيرا و ليس له دين، كما أنّه ربّما يكون عاجزا عن أداء دينه و لا يكون فقيرا بالنسبة إلى مئونة عياله، و ثالثة يجتمعان كما هو واضح.

ظاهر الآية هو الثاني حيث جعلت الغارمين، قسيما للفقراء و المساكين لا قسما له، فلو قلنا باشتراط الفقر فيه يلزم أن يكون قسما من الفقراء و المساكين، و هو خلاف ظاهر الآية.

و أمّا كلمات أصحابنا فقد اختلفت تعبيراتهم.

فمنهم من عبّر بالعجز عن الأداء، و منهم من عبّر بالفقر، و منهم من جمع بين العجز و الفقر.

و يمكن إرجاع الفقر في كلماتهم إلى العجز عن الأداء لا الفقر المصطلح في باب الزكاة، و إليك بعض الكلمات:

قال الشيخ: الغارم الذي عليه الدين و أنفقه في طاعة أو مباح لا يعطى من الصدقة مع الغنى.

و للشافعي فيه وجهان: أحدهما: يعطى، و الآخر: لا يعطى.

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضا جواز إعطائه مع الفقر مجمع عليه، و لا دليل

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 135

..........

______________________________

على جواز إعطائه مع الغنى. «1»

ترى أنّه يشترط الفقر و يرى الغنى مانعا، و يحتمل أن يكون مراده من الفقر هو العجز عن الأداء و من الغنى هو استطاعة الأداء، بشهادة ما ذكره في «النهاية» و «المبسوط».

فقد اشترط فيه عدم القدرة على القضاء.

قال في «النهاية»: إذا كان على إنسان دين و لا يقدر على قضائه و هو مستحق، جاز لك أن تقاصه من الزكاة. «2»

و قال في «المبسوط»: فأمّا الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم و معروف في غير معصية ثمّ عجزوا عن أدائه، فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف. «3»

و قال العلّامة في «التذكرة»: الغارمون صنفان: أحدهما: من استدان في مصلحته و نفقته في غير معصية و عجز عن أدائه و كان فقيرا، فانّه يأخذ من سهم الغارمين إجماعا ليؤدّي ذلك.

و إن كان غنيا لم يجز أن يعطى عندنا، و هو أحد قولي الشافعي، و لأنّه يأخذ لا لحاجتنا إليه، فاعتبر فقره كالمكاتب و ابن السبيل. «4»

و الأولى حمل الفقر في كلماتهم على العجز على الأداء.

و بعبارة أخرى: حمل الفقر على الفقر اللغوي الذي يصدق مع العجز عن الأداء، لا الفقر الشرعي- أعني: ما لا يملك مئونة سنته- فإطلاق الآية مع ما هو المرتكز في هذا

المقام من عجز المديون عن الأداء لا عجزه عن المعيشة هو

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 235، كتاب الصدقات، المسألة 19.

(2). النهاية: 188.

(3). المبسوط: 1/ 251.

(4). التذكرة: 5/ 258.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

المحكّم.

و يؤيّده ما في موثّقة الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السّلام انّ عليّا عليه السّلام كان يقول: «يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كلّه ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف». «1»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المضمار.

نعم ربما يتوهّم شرطية الفقر في المعنى المصطلح في صرف الزكاة عن الدين مستدلا بما رواه ابن إدريس عن مشيخة الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل منّا يكون عنده الشي ء (يتبايع) يتبلّغ به و عليه دين، أ يطعمه عياله حتّى يأتيه اللّه تعالى بميسرة فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان و شدة المكاسب؟ أو يقضي بما عنده دينه و يقبل الصدقة؟ قال: «يقضي بما عنده و يقبل الصدقة». «2»

حيث إنّ ظاهر الرواية تقديم قضاء الدين بما عنده على قبول الصدقة حيث قال: «يقضي بما عنده و يقبل الصدقة» فلو جاز العكس لما كلّفه بما فيه العسر. و لا محيص من حمل الرواية على الاستحباب دون اللزوم، لعدم صحّة تقييد الآية بمثل هذه الرواية التي لم يثبت لها سند صحيح.

نعم ربما يستدلّ أيضا بالروايات الماضية من عدم جواز الصدقة على الغني أو المحترف.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تحلّ الصدقة لغني و لا لذي مرّة سوي، و لا لمحترف، و لا لقوي».

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 48 من أبواب

المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 47 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

قلنا: ما معنى هذا؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها». «1»

يلاحظ عليه: أنّ هذه الروايات مع كثرتها ناظرة إلى عدم جواز صرف الزكاة من باب الفقر و المسكنة في الغني، و أين هذا من صرف الزكاة للغني الشرعي بعنوان الغارمين؟!

و بعبارة أخرى: انّ هذه الروايات مع كثرتها ناظرة إلى أنّ من يملك مئونة سنته لنفسه و لعياله ليس فقيرا حتّى يصرف في حقه الزكاة التي تصرف في حقّ الفقراء و المساكين، و أين هذا من جواز صرفها في حقّ هؤلاء بعنوان آخر كالغارم أو ابن السبيل أو العامل عليها أو غير ذلك؟!

على أنّه يمكن أن يقال: انّ من لا يملك أداء دينه فهو فقير و ليس بغني، لأنّ قضاء الدين من الحاجات التي لا بدّ أن تسدّ، فلو قلنا بشرطية الفقر، فهذا النوع من الغارمين، من الفقراء الذين لا يقدرون على مئونة سنتهم إذا لم يكن الدين مصروفا في المعصية.

هذا كلّه حول «الغني» في الرواية، و أمّا «المحترف» فالحقّ فيه أن يقال: إذا كان محترفا قادرا على مئونة سنته و لم يكن قادرا على أداء دينه، فتصرف الزكاة في أداء دينه؛ و مثله ما إذا كان قادرا على أداء دينه بالتكسّب و لكن الدين حال لا يمكنه تحصيل المال فعلا لقضاء دينه.

نعم لو كان مؤجّلا أو حالا غير مطالب، فهو قادر على قضاء الدين عن طريق التكسّب و الاحتراف، فلا يصرف في حقّه الزكاة مطلقا.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 138

الثاني: أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية

______________________________

اتّفقت كلمة الفقهاء من الشيعة و لفيف من السنّة على أنّه يشترط في صرف الزكاة في قضاء الدين أن لا يكون مصروفا في المعصية على نحو يصفه في «الجواهر» بقوله: لا أجد فيه مخالفا.

قال العلّامة في «التذكرة»: و هم المدينون في غير معصية، و لو استدان للمعصية لم يقض عند علمائنا أجمع، لأنّه دين استدانه للمعصية فلا يدفع إليه، كما لو لم يثبت، و لما فيه من الإغراء بالمعصية، إذ الفاسق إذا عرف أنّه يقضى عنه ما استدانه في معصية، أصرّ على ذلك، فيمنع حسما لمادّة الفساد.

و قال أبو إسحاق من الشافعية: يدفع إليه، لأنّه لو كان قد أتلف ماله في المعاصي و افتقر، دفع إليه من سهم الفقراء، و كذلك إذا خرج في سفر معصية، ثمّ أراد أن يرجع دفع إليه من سهم ابن السبيل.

و الفرق: أنّ متلف ماله يعطى للحاجة في الحال، و هنا يراعى الاستدانة في الدين و كان للمعصية، فافترقا. «1»

و قال ابن قدامة: لكن من غرم في معصية مثل أن يشتري خمرا أو يصرفه في زنا أو قمار أو غناء أو نحوه لم يدفع إليه قبل التوبة شي ء، لأنّه إعانة له على المعصية. «2»

و يظهر من سؤال بعض الرواة- كما سيوافيك- انّ المسألة كانت معروفة عند ذاك حيث ورد القيد في أسئلتهم، و هذا يعرب عن شهرة الحكم بين أصحاب الأئمّة.

ثمّ إنّ أكثر الروايات الواردة في الموضوع غير نقية السند، و لكن المجموع من

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 257.

(2). المغني: 2/ 699.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 139

..........

______________________________

حيث المجموع مضافا إلى بعض الصحاح بينها كاف في إثبات المطلوب و مورث للوثوق، و

إليك ما وقفنا عليه:

1. عبد اللّه بن جعفر بسنده عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أنّ عليّا كان يقول: «يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كلّه ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف». «1»

و الحسين بن علوان ثقة بلا إشكال، وثّقه النجاشي. «2» كما أنّ الحسن بن ظريف الذي يروي الحديث عن الحسين بن علوان ثقة، و الرواية مأخوذة من كتاب «عبد اللّه بن جعفر بن الحسن الحميري شيخ القميّين».

و بذلك يعلم أنّ وصف البعض الرواية بالخبر مشعرا بالضعف لا يخلو من إشكال.

2. صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل عارف، فاضل توفي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، قال: هل يقضى عنه من الزكاة الألف أو الألفان؟ قال:

«نعم». «3»

و القيد و إن ورد في سؤال السائل و هو لا يلازم التخصيص لكنّه يعرب عن شهرة القيد في زمانه.

3. ما رواه الكليني في «الكافي» باسناده عن صباح بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «أيّ مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 48 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). رجال النجاشي: 1/ 161، برقم 115.

(3). الوسائل: 6، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 140

..........

______________________________

فساد أو إسراف فعلى الإمام أن يقضيه». «1»

و الرواية غير صحيحة، لأنّ صباح بن سيابة لم يوثّق، و لكن يصلح للتأييد خصوصا، لأجل وحدة التعبير: «من غير إسراف».

4. ما رواه الشيخ عن

علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه السّلام: «وَ الْغٰارِمِينَ قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات». «2»

و الرواية ضعيفة، و قد أوضحنا حال تفسير علي بن إبراهيم في كتابنا «كلّيات في علم الرجال».

5. رواية محمد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد، قال:

سأل الرضا عليه السّلام رجل و أنا أسمع، فقال له: جعلت فداك إنّ اللّه جلّ و عزّ يقول:

وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «3» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها اللّه عزّ و جلّ في كتابه- إلى أن قال:- قال الرضا عليه السّلام: «نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، فإن كان أنفقه في معصية اللّه عزّ و جلّ فلا شي ء له على الإمام». «4»

و الرواية مرسلة لكنّها صالحة للتأييد.

6. ما رواه الكليني في «أصول الكافي» بسنده عن رجل من طبرستان يقال له محمد، قال: سمعت علي بن موسى عليه السّلام يقول: «المغرم إذا تديّن أو استدان في

______________________________

(1). الكافي: 1/ 407، الحديث 7.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

(3). البقرة: 280.

(4). الوسائل: 13، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

حقّ- الوهم من معاوية «1»- أجلّ سنة فإن اتّسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال». «2»

فهذه الروايات الست كافية في الإفتاء بمانعية الصرف في المعصية عن قضاء دينه في الزكاة.

ثمّ إنّ لسان الروايات على النحو

التالي:

أ. إذا استدانوا في غير سرف (الحديث 1).

ب. لم يكن بمسرف و لا بمفسد (الحديث 2).

ج. لم يكن في فساد أو إسراف (الحديث 3).

و هذه التعابير ظاهرة في مانعية الصرف في المعصية لا في شرطية الصرف في الطاعة.

لكن بعض التعابير ظاهرة في شرطية الصرف في الطاعة.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 141

د. أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف (الحديث 4).

ه. أنفقه في طاعة (الحديث 5).

و. استدان في حقّ (الحديث 6).

و الرواية الأخيرة مجملة، فإنّ الاستدانة في حقّ يناسب كلا اللسانين.

و الرواية الرابعة جمعت بين اللسانين، أي شرطية الطاعة و مانعية المعصية، و من المعلوم أنّ الجمع بين الجعلين لغو، فيجوز التصرف فيه ببركة ما سبق من الروايات من أنّ الإسراف مانع دون أن تكون الطاعة شرطا.

______________________________

(1). الوارد في السند: عن معاوية بن حكيم عن محمد بن أسلم عن رجل من طبرستان يقال له محمد قال: قال معاوية: و لقيت الطبريّ محمّدا بعد ذلك فأخبرني قال: سمعت.

(2). أصول الكافي: 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية، الحديث 9.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

فلم يبق إلّا الرواية الخامسة و هي مؤوّلة بحكم ما سبق، و الحقّ أن يقال: انّ الصرف في المعصية مانع لا انّ الطاعة شرط.

بشهادة انّه لو استدان في الطاعة و لكن سرق قبل الصرف يؤدّى دينه من الزكاة مع أنّه لم يصرفه في طاعة لما عرفت من أنّه سرق قبل الصرف.

الثالث: إعطاؤه من سهم الفقراء

إذا صرف الدين في المعصية، هل يعطى من سهم الفقراء، أو

سهم سبيل اللّه مطلقا، أو بعد التوبة، أو لا يعطى كذلك؟ ذهب المصنّف إلى جواز الإعطاء و إن لم يتب.

قال في «المبسوط»: و إن كان فقيرا نظر، فإن كان مقيما على المعصية لم يعطه، لأنّه إعانة على المعصية، و إن تاب فانّه يجوز أن يعطى من سهم الفقراء و لا يعطى من سهم الغارمين. «1»

و قال المحقّق في «الشرائع»: نعم لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء، و جاز أن يقضي هو. «2»

و ربما يقال بالمنع مستدلا بأنّ الموضوع سهم الفقراء هو الفقير الشرعي المفسّر بمن لا يملك قوت سنته، فالمالك له غني شرعا لا يحقّ له الأخذ من هذا السهم و إن كان فقيرا عرفا لثبوت ديون عليه، فإنّ العبرة بالأوّل لا بالثاني. «3»

يلاحظ عليه: بأنّه قد ناقض كلامه في موضع آخر حيث قال: بل يمكن أن يقال: إنّ أداء الدين من مئونة السنة فإنّها بمعنى الحاجة و هو منها، بل قد يكون

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 251.

(2). الشرائع: 1/ 161.

(3). مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 24/ 94.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 143

..........

______________________________

أهمّها، فإذا لم يكن لديه ما يفي بالأداء كان فقيرا شرعا، و إن كان مالكا لقوت سنته فيحقّ له حينئذ أخذ الزكاة. «1»

ثمّ إنّ ما ذكره أوّلا هو الذي اختاره الشهيد الثاني في «المسالك» حيث قال:

إنّ الدين لا يدخل في سهم الفقراء و إلّا لم يكن الغرم قسيما للفقر بل قسما منه.

و أورد عليه في «الجواهر»: انّ الملاك في الفقر و الغنى ليس هو قوت السنة فقط، بل الملاك مطلق الحاجات في إدامة الحياة، و الغرم من أشدّ الحاجات، فيعطى المالك لقوت سنته من حيث الفقر بسبب ما عليه من

الدين و دين المعصية و إن كان لا يقضى من سهم الغارمين، و لكنّه يعطى من جهة الفقر لكن بشرط التوبة، لاعتبار العدالة أو اجتناب الكبائر. «2»

و الذي يصدّنا عن القول بجواز الدفع لأجل الفقر هو لزوم اللغوية في التشريع، لأنّه إذا جاز الإعطاء من باب الفقر يصبح المنع عن إعطائه من باب الغرم أمرا لغوا. و ليس سهم الغارمين شيئا معزولا عن سهم الفقراء، لأنّ القوم اتّفقوا على عدم وجوب البسط بين الأصناف، فعدم الإعطاء من الشي ء لعنوان و في الوقت نفسه إعطاؤه من نفس ذلك الشي ء بعنوان آخر أشبه باللغز.

أضف إلى ذلك انّه يستلزم حمل الروايات المانعة على المنع النسبي لا المنع المطلق و هو كما ترى، و منه يعلم أنّه لا يجوز صرف الزكاة في قضاء دينه، لا من باب سهم الفقراء و لا من باب سبيل اللّه، خصوصا الثاني، لما سيأتي تفسيره غير المناسب للمقام.

و من ذلك يعلم عدم جواز الدفع من هذين الصنفين سواء أ كان تائبا أم لا.

______________________________

(1). مستند العروة، كتاب الزكاة: 24/ 88.

(2). الجواهر: 15/ 360.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 144

الرابع: لو شكّ في صرفه في المعصية

______________________________

لو شكّ في أنّه صرفه في المعصية، فقد ذهب المصنّف إلى أنّ الأقوى جواز إعطائه من هذا السهم، و إن كان الأحوط خلافه.

قال الشيخ في «النهاية»: فيقضي الإمام دينه عنه من سهم الغارمين إذا كان قد استدانه و أنفقه في طاعة. و إن كان لا يعلم في ما ذا أنفقه أو علم أنّه أنفقه في معصية، لم يجب عليه القضاء عنه، بل إذا وسع اللّه عليه قضى عن نفسه. «1»

و قال في «التذكرة»: لو لم يعلم في ما ذا أنفقه، قال الشيخ: يمنع، لأنّ

رجلا من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد سأل الرضا عليه السّلام، قلت: فهو لا يعلم في ما ذا أنفقه في طاعة أو معصية؟ قال: «يسعى في ماله فيردّه عليه و هو صاغر». و لأنّ الشرط- و هو الإنفاق في الطاعة- غير معلوم.

و قال أكثر علمائنا: يعطى، بناء على أنّ ظاهر تصرفات المسلم إنّما هو على الوجه المشروع دون المحرّم، و لأنّ تتبّع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره، و في سند الرواية ضعف. «2»

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ الصرف في المعصية مانع و ليس الصرف في الطاعة شرطا، و استظهرنا ذلك من لسان الروايات، و على ذلك فلو شكّ في وجود المانع فربما يقال بأنّ الأصل عدمه.

لكنّك عرفت فيما سبق انّ الأصل في هذه الموارد مثبت، لأنّ المتيقّن هو عدم

______________________________

(1). النهاية: 306.

(2). التذكرة: 5/ 258؛ لاحظ الوسائل 13، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3؛ و في الرواية: قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه من طاعة اللّه أم في معصية؟ قال:

«يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر». و الرواية ضعيفة كما قال المصنّف.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 145

..........

______________________________

الصرف في المعصية بصورة السالبة بانتفاء الموضوع مثلا كان صغيرا أو مراهقا أو بالغا لم يرتكب العمل، و إنّما المشكوك هو السالبة بانتفاء المحمول، أي الإنسان البالغ الذي ارتكب عملا و نشكّ في كيفيته، فإثبات الثاني بالأوّل من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

فمقتضى القاعدة في ذلك المقام كسائر المقامات هو إحراز عدم المانع بالحجة الشرعية.

اللّهم إلّا أن يتمسّك بجريان السيرة على قضاء ديون الميت مع عدم التفحّص عن كيفية صرفه المال في

أيّة جهة من الجهات. و يلحق به الحيّ بعدم القول بالفصل.

الخامس: لو كان معذورا في الصرف لجهل

المتبادر من الروايات انّ حرمانه من الزكاة تقريع له، و هو منصرف إلى ما إذا لم يكن معذورا في الصرف، دون ما إذا كان مضطرا أو ناسيا أو جاهلا، فهو عندئذ معذور لا يعمّه دليل المنع.

نعم يشترط أن يكون جهله بالحكم عن قصور، و إلّا فالجاهل بالحكم عن تقصير، كالعامد.

و منه يظهر حال الفرعين الأخيرين السادس و السابع: أعني: إذا صرفه في المعصية و لم يكن مكلّفا، كالطفل و المجنون.

و عدم الفرق بين الجهل بالموضوع أو الحكم بشرط أن يكون الجهل بالحكم عن قصور.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 146

[المسألة 16: لا فرق بين أقسام الدين من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك]
اشارة

المسألة 16: لا فرق بين أقسام الدين من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك، كما لو كان من باب غرامة إتلاف، فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا و لم يتمكّن من أداء العوض جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان.* (1)

______________________________

(1)* هل هنا فرق بين الدين الحاصل من قرض و غيره، أو انّ عنوان الغارمين يعمّ الجميع؟ مقتضى الجمود على ما ورد في صحيحة الحسين بن علوان هو الأوّل حيث ورد فيه: «انّ عليّا كان يقول: يعطى المستدينون من الصدقة» لكن مقتضى إطلاق الآية «الغارمين» و لسان أكثر الروايات هو مطلق الدين نظير:

1. في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «توفّي و ترك دينا قد ابتلى به».

2. في رواية صباح بن سيابة: «مسلم مات و ترك دينا».

3. في رواية علي بن إبراهيم: «فيقضى عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين».

4. في المرسل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء». «1»

و على

هذا لا فرق بين قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح و نحو ذلك، و مثله ما إذا كان من باب غرامة إتلاف إذا كان عن جهل أو نسيان و لم يتمكّن من أداء العوض فيجوز إعطاؤه من هذا السهم.

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 4. و قد مرّ مصادر الباقي في صدر البحث.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 147

..........

______________________________

نعم يشترط في ضمان المال امتناع المضمون عنه عن الأداء أو عدم تمكّنه منه، أو ضمن تبرعا بشرط أن يكون الضمان موافقا لشأنه.

الإتلاف على وجه العمد و العدوان

إذا أتلف مال الغير عمدا و عدوانا على نحو يصدق انّه إتلاف عن عصيان، فلا يقضى مثل هذا الدين من هذا الصنف، لما عرفت من أنّه يشترط أن لا يكون الدين في المعصية، قال الفقيه الهمداني: لا فرق على الظاهر بين كون الدين مصروفا في المعصية بأن صرفه في الملاهي و شرب الخمور مثلا، كما هو المنساق من الروايات المزبورة، و بين كونه حاصلا بنفس المعصية، كأكل أموال الناس ظلما و عدوانا، الموجب لاستقرار مثله أو قيمته في ذمّته لهم، أو إثبات جنايات عمدية موجبة لثبوت ديتها عليهم، فإنّ هذا القسم من الدين أولى بعدم جواز صرف الزكاة فيه من القسم الأوّل. «1»

و يمكن الاستدلال عليه بوجهين:

الأوّل: بما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فقد جاء فيها: قال محمد ابن خالد: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقات، فقال: «اقسمها فيمن قال اللّه عزّ و جلّ، و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا»، قلت:

و ما نداء الجاهلية؟ قال: «هو الرجل يقول يا آل بني فلان، فيقع بينهما

القتل و الدماء فلا يؤدّوا ذلك من سهم الغارمين، و لا الذين يغرمون من مهور النساء، و لا أعلمه إلّا قال: و لا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال الناس». «2»

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 559.

(2). الوسائل: 6، الباب 48 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 148

[المسألة 17: إذا كان دينه مؤجّلا فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله]

المسألة 17: إذا كان دينه مؤجّلا فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله، و إن كان الأقوى الجواز.* (1)

______________________________

الثاني: بالأولوية، فانّه إذا كان الدين متقدّما على الصرف و كان الصرف في المعصية المتأخّرة عن الدين مانعا من قضائه في الزكاة، ففيما إذا حصلت المعصية بنفس الصرف يكون المنع أقوى.

و على ذلك فلا فرق بين أن يستدين و يصرف في سبيل المعصية و بين أن تكون المعصية سببا للدين.

و بذلك يعلم عدم تمامية ما أفاده السيد الحكيم قدّس سرّه حيث قال:

اللّهمّ إلّا أن يقال: الظاهر من الدين في المعصية، الدين في سبيل المعصية، لا الدين المسبب عن المعصية، فانّه معصية في الدين، فيكون المقام من قبيل ثمن البيع وقت النداء إذا كان ثمن المبيع دينا. «1»

(1)* لا شكّ انّه إذا كان الدين حالّا، يجوز الإعطاء من سهم الغارمين، و أمّا إذا كان الدين مؤجّلا فقد قوّى المصنّف الجواز متمسّكا بإطلاق الغارم في الكتاب و السنّة و شموله لأنواع الدين من الحال و المؤجّل، و لكن الأقوى خلافه، لأنّ المتبادر من الغارمين هو العاجز عن أداء الدين المطالب، فلو افترضنا انّه قادر على أداء دينه عند أجله فلا عجز عن أداء الدين في وقته، فلا يكون هناك ملاك لدفع الزكاة، فالأولى التفصيل بين من نعلم أنّه عاجز عن قضاء دينه عند

حلول أجله و من لا يكون كذلك، فيقضى في الأوّل دون الثاني.

بل يظهر ممّا رواه الكليني عن رجل من طبرستان انّ الدين الحال يؤجّل سنة ثمّ يقضى بالزكاة قال: «أجّل سنة فإن اتّسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 259.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 149

[المسألة 18: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان الديّان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم]

المسألة 18: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان الديّان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم، و إن لم يكن مطالبا فالأحوط عدم إعطائه.* (1)

______________________________

المال» فإذا كان هذا شأن الحال، فكيف بالمؤجّل.

(1)* كان الموضوع في المسألة السابقة الدين المؤجّل و لكن الموضوع في هذه المسألة الدين الحال، لكن المديون يقدر على أداء دينه بالتدريج لو أمهله الديّان، فهل يجوز قضاء دينه من الزكاة أو لا؟

فقد فرّق المصنّف بين ما إذا كان الديّان مطالبين بمعنى انّهم رفضوا الاستمهال، فيصدق عليه العجز عن أداء الدين فيقضى منه؛ بخلاف ما إذا لم يكن الديّان مطالبين بمعنى رضوا بالإمهال و أخذ الدين أقساطا فلا يقضى، لعدم صدق العجز بعد تمكنه من أداء دينه على التدريج.

و ربما يقال: بأنّه إذا كان المديون غير قادر على أداء الدين فليس للدائن المطالبة، لقوله سبحانه: وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «1» و للحاكم الشرعي منعه من ذلك.

يلاحظ عليه: أنّ الموضوع ليس جواز الضغط على المديون و عدمه، إنّما الكلام في جواز إعطاء الزكاة في بعض الظروف، يعني: الدين مطالب و المديون عاجز و الدائن ممنوع من الضغط بحكم الشرع، فعند ذلك يجوز قضاء الدين من الزكاة، و لو منع من الصرف في هذه الصورة، يلزم عدم جواز صرفها فيه مطلقا، فلاحظ.

______________________________

(1). البقرة: 280.

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 150

[المسألة 19: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه]

المسألة 19: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه، إلّا إذا كان فقيرا فإنّه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء و كذا إذا تبيّن أنّه غير مديون، و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين.* (1)

______________________________

(1)* للمسألة صور ثلاث:

أ. إذا دفع الزكاة للغارم ثمّ بان انّ دينه كان في معصية.

ب. إذا تبيّن انّه غير مديون.

ج. إذا أبرأه الدائن بعد أخذ الزكاة لوفاء الدين.

فيقع الكلام في هذه الصور في ضمان القابض.

فالظاهر انّ حكم الصور الثلاث واحد، و هو إذا كانت العين باقية نسترجع.

و إن كانت تالفة و كان القابض عالما بالموضوع غير مغرور من جانب الدافع يضمن مثله أو قيمته.

نعم لو كان مغرورا من جانب الدافع، كما لو كان ظاهر الدفع هدية أو حصة و كان في الواقع زكاة لا يضمن القابض.

ثمّ إنّ هنا أمرا إذا كان القابض ضامنا غير قادر على الخروج عن العهدة، فهل يمكن الاحتساب من باب سهم الفقراء أو سهم الغارمين أو لا؟

أمّا الصرف من سهم الفقراء- إذا لم يقدر على الخروج عن العهدة- فالظاهر جواز الصرف لصدق الفقر، و قد مرّ انّ أداء الدين من المئونة و هو عاجز عنه.

نعم لو قلنا باشتراط العدالة في الفقير، يجوز الدفع في الصورة الثالثة مطلقا، لعدم صدور المعصية إذا كان جاهلا بالحكم، أي بلزوم إرجاع العين إلى المالك.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 151

[المسألة 20: لو ادّعى أنّه مديون فإن أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا فالأحوط عدم تصديقه]

المسألة 20: لو ادّعى أنّه مديون فإن أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا فالأحوط عدم تصديقه و إن صدّقه الغريم، فضلا عمّا لو كذّبه أو لم يصدّقه.* (1)

______________________________

و أمّا الدفع في الصورتين الأوليين فهو رهن التوبة، و أمّا الدفع من باب

الغارمين فالظاهر عدم اشتراط العدالة فيهم، فيجوز مطلقا حتّى الصورة الأولى.

و ذلك للفرق بين الدين الأوّل و الثاني، فالأوّل منها كان استدانة في سرف، بخلاف الثاني فإنّما صرفه في أداء الدين الأوّل، و لا يوصف مثل ذلك الأداء، صرفا له من غير سرف.

(1)* لا شكّ انّ المديون لو أقام بيّنة أو علم صدق دعواه، يصدّق فيقضى دينه من الزكاة، إنّما الكلام في الصور التالية:

1. إذا ادّعى و لم يكن معه بيّنة لكن صدّقه الغريم.

2. إذا ادّعى الدين و تجرد عن تصديق الغريم و تكذيبه.

3. إذا ادّعى الدين و كذّبه الغريم.

فقد ذهب المحقّق إلى قبول دعواه في الصورتين الأوليين دون صورة التكذيب، قال: و لو ادّعى أنّ عليه دينا قبل قوله إذا صدّقه الغريم، و كذا لو تجرّدت دعواه عن التصديق و الإنكار، و قيل لا يقبل، و الأوّل أشبه. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: لو ادعى الغارم الغرم، فإن كان لإصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر، فإذا علمه الإمام دفع إليه، و إن كان لخاص نفسه قبل قوله إن صدّقه المالك، و هو أحد وجهي الشافعي، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن؛ و في الآخر: لا يقبل لجواز التواطؤ. و لو كذّبه لم يقبل قوله لظنّ كذبه، و إن تجرّد عن

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 162.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 152

..........

______________________________

الأمرين قبل.

و قال الشافعي: لا يقبل إلّا بالبيّنة، لأنّه مدّع، فلا يقبل إلّا بالبيّنة. «1»

أقول: قد تقدّم الكلام في نظير هذه المسألة، أعني: العبد المدّعي انّه مكاتب و عاجز، و ذكرنا هناك الصور المقبولة و المرفوضة و خرجنا بالنتيجة التالية:

انّه لا يقبل قول المدّعي بلا علم و لا بيّنة و لا وثوق شخصي

غير أنّ المشهور قبول قول المدّعي في المقامات الثلاثة، أعني: دعوى الفقر و الكتابة و الغرم، و لمّا كان صاحب الجواهر من أبرز الممثّلين لهذا الاتّجاه حاول إثبات ذلك في تلك المقامات بوجوه غير واضحة نقلها عن بعضهم، و إليك نصّ كلامه:

1. انّ الحاصل من الكتاب و السنّة وجوب دفع الزكاة لا وجوب دفعها للفقير أو للغارم أو للمكاتب، و قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ إلى آخره إنّما يدلّ على كون الصدقات لهم لا أنّ التكليف دفعها إليهم.

2. نعم ورد: «لا تحلّ الصدقة لغني» و نحوه ممّا يقضي بعدم جواز دفعها لغير الأصناف الثمانية، و هو كذلك في المعلوم أنّه ليس منهم، أمّا غير المعلوم فيتحقّق امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع إليه، لكونه أحد أفراد الإطلاق، و لم يعلم كونه من أفراد النهي، بل أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه يقتضي خروجه عنها.

3. و بالجملة الغنى مانع لا أنّ الفقر شرط، و لو سلّم كونه شرطا فهو محل لتناول الزكاة لا لدفعها ممّن وجبت عليه، لعدم الدليل، بل مقتضى الإطلاق خلافه، و على هذا يتّجه ما ذكره الأصحاب من قبول دعوى الفقر و الكتابة و الغرم. «2»

يلاحظ على الأوّل:- مضافا إلى أن لا معنى لكون الواجب «دفع الزكاة» بما

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 282، المسألة 196.

(2). جواهر الكلام: 15/ 367- 368.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 153

..........

______________________________

هو هو من دون بيان المدفوع إليه- أنّ ظاهر الأدلّة هو الثاني، فلاحظ ما نقله صاحب الوسائل في الباب الأوّل من أبواب وجوب الزكاة في حديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:

«إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم- إلى أن قال- و لو

انّ الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير» «1» إلى غير ذلك من الروايات، الظاهرة في أنّ الواجب هو أداء الزكاة إلى الفقراء، لا انّ ذمّة المالك مشغولة فقط بحكم وضعيّ أو تكليفي.

بل ظاهر قوله سبحانه: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ «2» هو وجوب إيتاء الزكاة الذي هو عبارة أخرى عن الدفع إلى الفقير، و لا يضرّ احتمال ورود الآية في الصدقات المستحبة، فانّ التفريق بينها و بين الواجبة منها فيما هو المطلوب بعيد غاية البعد.

و يلاحظ على الثاني: أنّه لا معنى للتفكيك بين الفقير الوارد في العام، و الغني الوارد في المخصص، بحمل الأوّل على مطلق الفقير، و الثاني على الغنى المعلوم بحيث يكون المجهول من حيث الفقر و الغنى باقيا تحت العام، فانّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة، لا المعلومة فكما أنّ الخاصّ ليس بحجّة في الفرد المجهول من حيث الفقر و الغنى، فهكذا العام (إنّما الصدقات للفقراء) ليس بحجّة فيه إلّا أن يكون المستدلّ ممّن يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص.

و على الثالث نفرض انّ الفقر ليس بشرط، و إنّما الغنى مانع، لكنّه ليس مؤثّرا في المقام، إذ كما يجب إحراز الشرط، هكذا يجب إحراز المانع، فلو كان

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2). البقرة: 271.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 154

[المسألة 21: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره ارتجع منه]

المسألة 21: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره ارتجع منه.* (1)

______________________________

مسبوقا بعدم الغنى على نحو الموجبة الجزئية، فهو، و إلّا فما دام لم يحرز انّه مديون، أو غير غني، لا يصحّ التمسك بالعموم فيه.

(1)* الكلام في

المقام نفس ما تقدّم في العبد المكاتب، حيث قال المصنّف هناك: «لو دفع الزكاة إلى العبد و لم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه- بإبراء أو تبرّع أجنبي- يسترجع منه»، و ذكرنا هناك كلام الشيخ في «الخلاف»، و له قدّس سرّه أيضا في هذا المقام كلام أيضا قال:

إذا أعطى الصدقة الغارمين و المكاتبين لا اعتراض عليهم فيما يفعلون به.

و قال الشافعي: يراعى ذلك، فإن صرفوه في قضاء الدين و مال الكتابة و إلّا استرجعت منهم. «1»

و قال المحقّق في «الشرائع»: و لو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع منه. «2»

و علّله المحقّق الهمداني بقوله: لأنّ للمالك الولاية على صرفه في الأصناف، و قد عيّنه للصرف في قضاء دينه و لم يفعل، و لم يجعل ملكا طلقا له كي يجوز له التصرّف فيه كيفما شاء. «3»

و علله في مورد المكاتب بأنّه لم يضعه في محلّه. «4»

و حاصل الاستدلال: أنّ المالك له الولاية لتمليك ما عنده من الزكاة لواحد

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 229، كتاب الصدقات، المسألة 9.

(2). الشرائع: 1/ 162.

(3). مصباح الفقيه: 13/ 572.

(4). مصباح الفقيه: 13/ 547.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

من الأصناف، فما لم يملّكه لا يتملّكه أصحاب الزكاة فإذا ملّكه مشروطا بصرفه في قضاء دينه، فإذا تخلّف الشرط تخلّف المشروط، و مثله إذا ما أعطاه و وكّله في أداء دينه من دون أن يملّكه و تخلّف الوكيل فصرفه في غير ما وكّل فيه؛ و يدلّ عليه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها و هو ممّن تحلّ له الصدقة؟

قال: «لا بأس

أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، قال: و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه». «1»

و الرواية صحيحة، و في السند محمد بن عيسى بن عبيد، و هو ثقة على الأقوى و إن استثناه ابن الوليد عن رجال «نوادر الحكمة»، و لكن الأصحاب اعترضوا عليه في هذا الاستثناء.

حكى النجاشي عن شيخه ابن نوح قال: و قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه و تبعه أبو جعفر ابن بابويه رحمه اللّه على ذلك، إلّا في محمد بن عيسى بن عبيد، فلا أدري ما رابه فيه، لأنّه كان على ظاهر العدالة و الثقة. «2»

ثمّ إنّ لزوم الاسترجاع فيما إذا لم يكن فيه ملاك أخذ الزكاة و صرفها و إلّا فيجوز احتساب ما أخذ منها.

هذا إذا كانت العين موجودة، و أمّا إذا أتلفها فلو كان مستحقا للزكاة يحتسب عليه من باب سهم الفقراء خصوصا إذا كان صرفه في مئونة سنته و لم يكن مالكا لها، و إن لم يحتسب فهل القابض ضامن في هذه الصورة (أخذ لأداء الدين،

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 40 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(2). رجال النجاشي: 2/ 244 برقم 940.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 156

[المسألة 22: المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة]

المسألة 22: المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة، فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم، و في العكس بالعكس.* (1)

[المسألة 23: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين]

المسألة 23: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال، و إن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن، أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محلّ آخر ثمّ قضاؤه بعد التمكّن.* (2)

______________________________

صرفه في مئونة سنته و المالك لا يحتسب) أو لا؟ فيه تأمّل.

(1)* و يدلّ عليه- مضافا إلى أنّ القصد أمر طريقي إلى الصرف و ليس له موضوعية- لسان قسم من الروايات: ففي رواية صباح بن سيّابة: «و ترك دينا لم يكن في فساد أو إسراف». و في رواية علي بن إبراهيم: «انفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف». و في رواية محمد بن سليمان: «إذا أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ». إلى غير ذلك من الروايات التي مرّت سابقا.

نعم في صحيحة حسين بن علوان، قوله: «إذا استدانوا في غير سرف» الظاهرة في كون الميزان هو القصد حين الاستدانة، و لكنّها مؤوّلة و المراد إذا استدانوا و صرفوا في غير سرف.

(2)* مرّ الكلام في المسألة الثامنة عشرة و هي نظيرة المقام، قال المصنّف هناك:

«لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان الدّيان مطالبا «1» فالظاهر

______________________________

(1). كذا في عامّة النسخ، و الصحيح: مطالبين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 157

[المسألة 24: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة]

المسألة 24: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصّة و إن لم يقبضها المديون و لم يوكّل في قبضها و لا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه

أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصّة.* (1)

______________________________

جواز إعطائه من هذا السهم، و إن لم يكن مطالبا فالأحوط عدم إعطائه» حيث جعل المناط في الجواز و عدمه كون المدين مطالبا أو غير مطالب، و قلنا هناك: إنّ مقصوده من «المطالب» هو رفض الديّان الإمهال و لم يرضوا إلّا بقضاء الدين، فعلا.

و على ضوء ذلك فللمسألة صور:

1. إذا كان الدين مؤجّلا.

2. إذا كان حالّا غير مطالب.

و في هاتين الصورتين لا يجوز القضاء بالزكاة.

3. إذا كان الدين حالّا مطالبا و للمديون مال لا يحتاج إليه على نحو لو باعه لما كان عليه حرج و لا عسر، فيقدّم بيع ماله على أداء الدين.

4. إذا كان الدين حالّا مطالبا و لكن يمكن أن يستدين من شخص آخر فيقضي دينه و يؤدّي الدين الجديد بالتدريج فلا يقضى بالزكاة. نعم إذا عجز عن الأداء بأيّ طريق ممكن إلّا القضاء بالزكاة، يؤدّي منها.

(1)* قد تعرض المصنّف لهذه المسألة عند البحث عن الفقير و قال في المسألة الحادية عشرة: «لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة سواء كان حيّا أو ميّتا، لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه، و إلّا لا يجوز. نعم لو كان

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 158

..........

______________________________

له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة أو غيرهم- فالظاهر الجواز».

أقول: إنّ صرف الزكاة من سهم الغارمين له صورتان:

الأولى: أن يكون المزكّي غير الدائن.

الثانية: أن يكون المزكّي هو نفس الدائن.

أمّا الأولى فيتحقّق الصرف بوجهين:

1. دفع الزكاة إلى المديون لصرفها في أداء دينه.

2. دفع الزكاة إلى الدائن وفاء عن المديون بما عنده من الزكاة.

و اللفظ المستعمل في هذا النوع من صرف الزكاة أحد اللفظين:

أ.

قضاء الدين بالزكاة.

ب. دفع الزكاة إلى الدائن وفاء لدين المديون.

و أمّا الثانية فقد ذكر المصنّف لها وجهين أيضا:

1. احتسابه عليه زكاة.

2. جعلها وفاء و أخذها مقاصة.

و المقصود من الوجه الأوّل- أعني: الاحتساب- جعل ما في ذمّة المديون من الدين بدلا عمّا عليه من الزكاة فيحتسب أحدهما مكان الآخر.

و صرف الزكاة في الغارمين كما يصدق بالقضاء (دفعها إلى الغريم ليصرفها في أداء دينه، أو بالدفع إلى الدائن وفاء عن الغريم)، كذلك يصدق بالاحتساب بأن يكون له دين على الفقير، و عليه زكاة في ماله فيحتسبه عنها. و عندئذ لا يكون ما في ذمّة الغارم بدلا عن الزكاة بل يكون نفس الزكاة، لما عرفت من أنّ للمالك الولاية من الدفع من الجنس و القيمة، و قد تقدّم بيانه في المسألة الحادية عشرة عند البحث في الفقير.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 159

..........

______________________________

إنّما الكلام في تفسير الوجه الثاني حيث جمع المصنّف بين الوفاء و أخذ الزكاة مقاصّة، فقد أشكل عليه كثير من المعلّقين.

قال سيد مشايخنا المحقّق البروجردي في تعليقته: لا حاجة إلى اعتبار المقاصّة بعد احتسابه وفاء للدين، بل لا معنى لها.

و قال السيد الحكيم: و عبارة المتن لا تخلو من تسامح، لأنّ قوله «ان يحتسب ...» ظاهر في أن يقضى عن المديون بما عنده من الزكاة فيجعله وفاء عمّا في ذمّته، كما لو كان مديونا لغير المالك فأراد المالك دفع الزكاة إلى الدائن وفاء عنه، و حينئذ لا معنى للمقاصّة بالمعنى المتقدّم لحصول الوفاء بالتملّك.

توضيحه: انّه ذكر المصنّف لما إذا كان دين الغارم لمن عليه الزكاة صورتين:

الأولى: احتساب دين الغارم زكاة، فالمحتسب زكاة، هو نفس ما في ذمة الغارم.

الثانية: احتساب ما عنده من الزكاة- لا

ما في ذمّة الغارم- وفاء للدين، و قد عرفت أنّ لفظة الوفاء نظير لفظ القضاء يستعمل فيما إذا كان المزكّي غير الدائن، فاستعماله في المقام الذي اتّحد فيه المزكي و الدائن لأجل انّ من عليه الزكاة يوصف بعنوانين باعتبارين مختلفين.

فباعتبار انّه من عليه الزكاة يفرزها و يؤمر بالدفع، و باعتبار انه داين، يأخذها لنفسه وفاء لماله على المديون- كما إذا كانا متعدّدين- فإذا أخذها لنفسه متملّكا له، لا يبقى للتقاصّ مجال.

و بالجملة فالوفاء في المقام يلازم تملّك المزكى بعد الإفراز. و لا يبقى مجال لتملّك الغريم ليتحقق موضوع التقاص.

نعم يمكن تصوير التقاص- بدون الوفاء- فيما إذا أفرد الزكاة و ملكها

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 160

[المسألة 25: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها]

المسألة 25: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها و لو بدون اطّلاع الغارم.* (1)

______________________________

للغريم، ثمّ تملّكها تقاصّا له عليه من الدين.

قال الشهيد في «المسالك»: و لو كانت الزكاة على صاحب الدين قاص بها المديون بأن يحتسبها عليه و يأخذها مقاصّة من دينه. «1»

و على كلّ تقدير فيدلّ على الاحتساب صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم». «2»

و أمّا التمليك ثمّ التقاص فيدلّ عليه موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة؟ فقال:

«إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو

يعالج عملا يتقلّب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة، أو يحتسب بها، فإن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا فيعطيه من زكاته و لا يقاصه بشي ء من الزكاة». «3»

(1)* قال الشيخ في «النهاية»: و إن كان على أخيك المؤمن دين و قد مات جاز

______________________________

(1). المسالك: 1/ 417.

(2). الوسائل: 6، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(3). الوسائل: 6، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 161

..........

______________________________

لك أن تقضي عنه من الزكاة. «1»

و قال المحقّق في «الشرائع»: و كذا لو كان الغارم ميتا، جاز أن يقضى عنه و أن يقاصّ. و كذا لو كان الدين على من يجب نفقته، جاز أن يقضى عنه حيا أو ميّتا و أن يقاص. «2»

و قد تضافرت الروايات على ذلك من غير فرق بين كون القاضي هو الإمام أو غيره و المقضي عنه هو الحي أو الميت.

المراد من الوفاء هو قضاء الدين بدفعه إلى الدائن دون المديون، من غير فرق بين أن يكون القاضي هو الإمام أو غيره، و من غير فرق بين أن يكون المقضي عنه هو الحيّ أو الميّت.

أمّا الميت فيكفي في ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل عارف فاضل توفي و ترك عليه دينا قد ابتلي به، لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: «نعم». «3»

و أمّا الحيّ فيكفي في ذلك خبر محمد بن سليمان، عن الرضا

عليه السّلام في حدّ إنظار المعسر قوله: «نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه من الدين من سهم الغارمين». «4» إلى غير ذلك من الروايات.

و ربما يظهر من ابن قدامة الترديد في جواز هذا النوع من القضاء، أي تمليك الزكاة للدائن دون تمليكه للمديون بغية دفعه إلى الدائن، قال في «المغني»: و إذا

______________________________

(1). النهاية: 188.

(2). الشرائع: 1/ 161.

(3). الوسائل: 6، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(4). الوسائل: 13، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 162

[المسألة 26: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه]

المسألة 26: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه، و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته.* (1)

______________________________

أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلّمها إليه ليدفعها إلى غريمه، و ان أحبّ أن يدفعها إلى غريمه قضاء عن دينه فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: يجوز ذلك، و الثانية: لا يجوز دفعها إلى الغريم، قال أحمد: أحبّ إليّ أن يدفعه إليه حتّى يقضي هو عن نفسه، قيل: هو محتاج يخاف أن يدفعه إليه فيأكله و لا يقضي دينه؟ قال:

فقل له: يوكله حتّى يقضيه ... و يحتمل أن يحمل هذا على الاستحباب و يكون قضاؤه عنه جائزا، و إن كان دافع الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله، لأنّ للإمام ولاية كلية في إيفاء الدين. «1»

و على كلّ تقدير ففي إطلاق الروايات غنى و كفاية في الجواز و عدم شرطية اطّلاع الغارم.

(1)* قال العلّامة في «التذكرة»: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يعطى من يجب نفقته من غير سهم الفقراء و المساكين، و هل

يعطى لو كان مؤلّفا؟ قال الشيخ: نعم. «2»

و قال في «المنتهى»: لو كان الأب غازيا أو عاملا أو ابن سبيل أو مكاتبا جاز أن يدفع إليه من الصنف بصنفه، و كذا كلّ من يجب نفقته عليه، لأنّ ما يأخذ الغازي و العامل كالأجرة. «3»

و وجهه: انّ أداء الدين لا يعدّ من النفقة فالولد بالنسبة إلى دين الأب كغيره

______________________________

(1). المغني: 7/ 325. و في المصدر «إبقاء الدين» و هو تصحيف.

(2). التذكرة: 5/ 359، المسألة 269.

(3). المنتهى: 1/ 528.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 163

[المسألة 27: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم]

المسألة 27: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم، ثمّ يحسب عليه، بل يجوز له أن يحسب ما على الديّان وفاء عمّا في ذمّة الغارم، و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة.* (1)

______________________________

بالنسبة إليه فيقضى بأحد طريقين أشار إليهما المصنّف، قال:

1. إعطاؤه له لوفاء دينه.

2. أو الوفاء عنه بإعطائه للدائن.

و يدلّ على الأوّل موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال: «نعم، و من أحقّ من أبيه». «1»

فقوله: «أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه» فيه إشارة إلى الوجه الأوّل.

و أمّا الوجه الثاني ففي صحيحة زرارة: «و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه». 2

(1)* صورة المسألة:

نفترض انّ زيدا مديون لعمرو، و هو دائن، و هو في الوقت نفسه مديون لخالد الذي عليه الزكاة، فيجوز عندئذ أن يحيل الدائن (عمرو) دينه لخالد الذي هو صاحب الزكاة إلى زيد الذي هو المديون.

فهناك محيل و هو الدائن (عمرو)

و محال عليه و هو (المديون)، فإذا قبل خالد تلك الحوالة ينتقل الدين من ذمّة عمرو إلى ذمّة زيد، فيكون زيد هو المديون و خالد هو الدائن، و بما انّ عليه الزكاة يصحّ له احتساب دينه من الزكاة، فيكون

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2 و 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 164

..........

______________________________

من مصاديق المسألة 24 حيث قال: «لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه».

و بذلك يظهر انّ معنى قول المصنّف: جاز له إحالته على الغارم، أي جاز للديان (حسب تعبيرنا الدائن) إحالة من عليه الزكاة على الغارم ثمّ يحسب من عليه الزكاة على الغارم.

و يظهر من صاحب الجواهر انّه يصحّح الاحتساب بصور ثلاث قال: و هو كذلك إذا كان قد حوّله به، أو أذن له في احتسابه على جهة الوفاء له عمّا عليه، بل له احتساب ما على الديّان زكاة وفاء له عمّا له في ذمّة الفقير. «1»

أمّا الأوّل فهو الذي ذكره بقوله: «و هو كذلك إذا كان قد حوّله به» و هذا هو الذي ذكره المصنّف في المتن.

الثاني: ما أشار إليه بقوله: «أذن له في احتسابه على جهة الوفاء له عمّا عليه».

و حاصله: أن يأذن الدائن لمن عليه الزكاة في احتساب ما في ذمّة الغارم زكاة عوضا عمّا في ذمة الدائن لمن عليه الزكاة، و هذا ما سكت عنه المصنّف، و إنّما أشار إلى الوجه الثالث و هو أن يحتسب من عليه الزكاة ما، له في ذمّة الدائن زكاة و يجعله وفاء لما في ذمّة الفقير للدائن، و هذا هو الذي جوّزه المصنّف و إن قال:

الأحوط أن يكون ذلك

بعد الإحالة.

وجهه- كما في المستمسك-: إلحاقا للاحتساب بالأداء، فكما يجوز الأداء للدائن وفاء عمّا في ذمّة الغارم، يجوز احتساب ما في ذمّته كذلك، لما يستفاد من النصوص من أنّ الاحتساب بمنزلة الإعطاء حتّى في مثل هذا الفرض. «2»

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 364- 365.

(2). المستمسك: 9/ 265.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 165

..........

______________________________

و بعبارة أخرى: انّ الاحتساب كالإعطاء فكما يجوز إعطاء الزكاة للدائن وفاء عمّا في ذمّة الغارم، كذلك يجوز احتساب الدين الذي يملكه صاحب الزكاة عنها، سواء ملكه في ذمّة الغارم مباشرة- فيما لو كان الغارم مدينا لنفس المزكّي- أم ملكه في ذمّة من يكون الغريم مدينا له، و عندئذ يحصل التهاتر القهري على الثاني. «1»

لأنّ احتساب ما في ذمّة الدائن للمزكّي، زكاة يوجب براءة الذمم الثلاث، إذ احتسابه زكاة يلازم فراغ ذمّة المزكّي أوّلا، و فراغ ذمّة المزكّي من الزكاة يلازم براءة ذمّة الدائن له ثانيا، إذ لا تجتمع المحاسبة مع كون الدائن مديونا للمزكّي أيضا، كما يلازم سقوط ذمّة الغارم للدائن، في مقابل براءة ذمّته للمزكّي ثالثا.

و ربما يقال: صرف الزكاة في الدين عبارة عن احتساب ما في ذمّة الغارم لصاحب الزكاة من دين، زكاة، و هذا غير متحقّق في المقام، لأنّ المفروض في كلتا الصورتين هو احتساب من عليه الزكاة ماله في ذمّة الدائن زكاة ثمّ جعله وفاء لما في ذمّة الفقير للدائن، و مثل هذا الاحتساب خارج عن النص.

و الحاصل: انّه لو كان الغارم مدينا لنفس المزكّي يصدق انّه صرف زكاته في قضاء الدين، و أمّا إذا كان الغارم مديونا لغير من عليه الزكاة فلا يصدق احتساب من عليه الزكاة ما له في ذمّة الديان، صرف الزكاة في الغارمين و

إن جعل ذلك الاحتساب وفاء لما في ذمّة الفقير بالنسبة للديان. و القدر المتيقّن الذي دلّت النصوص المتقدّمة عليه إنّما هو احتساب صاحب الزكاة دينه الذي على ذمّة الغارم زكاة. و أمّا الدين الذي له على ذمّة شخص آخر فلا دليل على احتسابه منها، إلّا بعد صدور عملية الحوالة المتقدّمة و انتقال الدين إلى ذمّة الغريم مباشرة

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 24/ 108.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 166

[المسألة 28: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا لمصلحة مقتضية لذلك]

المسألة 28: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا لمصلحة مقتضية لذلك مع عدم تمكّنه من الأداء و إن كان قادرا على قوت سنته يجوز الإعطاء من هذا السهم، و إن كان المضمون عنه غنيّا.* (1)

______________________________

حسبما عرفت. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره دقّة عقلية حيث لا يرى العقل ذلك النوع من الأداء، صرفا له في أداء دين الغارم مباشرة، و لكنّه في نظر العرف يعدّ صرفا للزكاة في الغارمين، حيث إنّه بعمله هذا فكّ ذمّة الغارم عن الدين للدائن (أو الديّان حسب تعبير المصنّف). فكما أنّه لو أخذ ما يملكه في ذمّة الدائن ثمّ دفعه إليه وفاء عن دين الغارم يصدق انّه صرفه في الغارمين، فهكذا إذا احتسبه بلا عملية الأخذ و الدفع، أو الحوالة فيصدق على الجميع صرف الزكاة للدين الغارم عرفا.

(1)* القيود المأخوذة في المسألة عبارة:

الف: إذا استدان للضمان عن الغير تبرعا من دون إذن المضمون، عنه فلا يمكن له الرجوع إليه بعد الأداء.

ب: أقدم على الضمان لمصلحة شخصية جزئيّة لا يعدّ فوق شأنه.

ج: عجز عن الأداء و إن كان مالكا لقوت سنته و لم يكن فقيرا شرعا.

د: كان الضمان في غير طريق المعصية و السرف، و كان على المصنّف أن يذكره،

لكنّه تركه اعتمادا على ما ذكره من الضابطة.

فيجوز قضاء دينه من سهم الغارمين لإطلاق الآية و الرواية، سواء كان

______________________________

(1). و يكون المورد من مصاديق المسألة 25، أعني قوله: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز وفاؤه عنه بما عنده منها و لو بدون اطّلاع الغارم.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 167

..........

______________________________

المضمون عنه فقيرا أو غنيا، لأنّ ضمانه تبرّعي لا يرجع إليه بعد الأداء، ففقره و غناه لا يؤثران في ذلك.

و إلى هذا القسم أشار الشيخ في «المبسوط» و قال: و أمّا الغارمون فصنفان:

صنف استدانوا في مصلحتهم و معروف في غير معصية ثمّ عجزوا عن أدائه، فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف. «1»

و قال في «الخلاف»: خمسة أصناف من أهل الصدقات لا يعطون إلّا مع الفقر بلا خلاف، هم: الفقراء و المساكين و الرقاب و الغارم في مصلحة نفسه و ابن السبيل المنشئ لسفره. «2»

و أشار إليه العلّامة في «التذكرة» و قال: الغارمون صنفان: أحدهما من استدان في مصلحته و نفقته .... «3»

و يظهر من الكلمات تسالمهم على الحكم، و انّه يدفع مع الفقر، لا مع الغنى.

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 251.

(2). الخلاف: 4/ 237، كتاب الصدقات، المسألة 23.

(3). التذكرة: 5/ 258، المسألة 173 من كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 168

[المسألة 29: لو استدان لإصلاح ذات البين كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله]
اشارة

المسألة 29: لو استدان لإصلاح ذات البين كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله و كاد أن يقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل، فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم، و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامّة، و أمّا لو تمكّن من الأداء فمشكل. نعم لا يبعد جواز الإعطاء من سهم

سبيل اللّه و إن كان لا يخلو عن إشكال أيضا، إلّا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك.* (1)

______________________________

(1)* الفرق بين المسألتين مع اشتراكهما في أغلب القيود، هو أنّ الاستدانة في المسألة السابقة كانت تبرعا لمصلحة شخصية، لكنّها في المقام لمصلحة دينية اجتماعية، و لا شكّ انّه يجوز الدفع من سهم الغارمين، إنّما الكلام في أنّه هل يشترط العجز عن الأداء كالمسألة السابقة، أو لا بل يدفع مع غناه إذا كانت الاستدانة لمصالح عامّة؟

قال الشيخ في «المبسوط»: و قد ألحق بهذا قوم أدانوا مالا في دم بأن وجد قتيل لا يدرى من قتله و كاد تقع بسببه فتنة، فتحمّل رجل ديته لأهل القتيل، فهؤلاء يعطون أغنياء كانوا أو فقراء، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمس ... في سبيل اللّه، أو عامل أو غارم» و ألحق به أيضا قوم تحمّلوا ضمان مال بأن يتلف مال الرجل و لا يدري من أتلفه و كاد أن يقع بسببه فتنة، فتحمّل رجل قيمته و اطفأ الفتنة. «1»

و قال في التذكرة: (القسم الثاني من الغارمين): من تحمّل حمالة لإطفاء الفتنة، و سكون نائرة الحرب بين المتقاتلين، و إصلاح ذات البين، و هو قسمان:

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 251.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 169

..........

______________________________

أحدهما: أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما، فيتحمّل رجل ديته لإصلاح ذات البين، فهذا يدفع إليه من الصدقة ليؤدّي ذلك، لقوله تعالى: وَ الْغٰارِمِينَ. و لا فرق بين أن يكون غنيا أو فقيرا لقوله عليه السّلام: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلّا لخمس: غاز في سبيل اللّه، أو عامل عليها، أو غارم ...».

الثاني: أن يكون سبب

الفتنة إتلاف مال و لا يعلم من أتلفه و خشي من الفتنة، فتحمّل ذلك المال حتى سكنت النائرة، فإنّه يدفع إليه من سهم الغارمين، لصدق اسم الغرم عليه، و للحاجة إلى إصلاح ذات البين، و هو أصحّ وجهي الشافعية. «1»

لا كلام انّه يعطى مع الفقر، إنّما الكلام في الإعطاء مع الغنى، و ما استدلّ من الرواية غير وارد في أصولنا على النحو المذكور، بل الوارد هو صدر الحديث:

«انّ الصدقة لا تحلّ لغني» «2» نعم رواه في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام» «3» و لا يحتجّ بأحاديثه.

و كيف يمكن التمسّك بإطلاق قوله: «إلّا لخمس، ... أو غارم» و إلّا يلزم جواز أداء ديون أثرياء العالم من هذا السهم و إن لم يصرفه في المصالح العامّة أو إصلاح ذات البين؟!

و يمكن أن يقال: إذا كان المستدين ممّن خوّلت إليه إدارة المجتمع كالفقيه الجامع للشرائط، و كانت في الاستدانة مصلحة كبيرة، و في تركها فساد عظيم، يدخل المورد في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، في نطاق واسع يختصّ

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 259.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(3). المستدرك: 7، الباب 27 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 170

..........

______________________________

بأقوياء الأمّة- كما في بعض روايات ذلك الباب-. «1»

و من الواضح انّ ديون الإمام و من قام مقامه تؤدّى من بيت المال، زكاة كانت أو غيرها، و لو فرض الولاء لعدول المؤمنين فيما إذا لم يكن هناك فقيه جامع للشرائط يكون استدانتهم كاستدانة الإمام أو الفقيه الجامع للشرائط، من غير فرق بين كونه غنيا أو فقيرا، لأنّه لم يستدن لصالح شخصه، بل لصالح الإسلام و مصالح المسلمين فتكون

الأمّة هي المسئولة.

الإعطاء من سهم سبيل اللّه

قد عرفت قوة جواز الإعطاء من سهم الغارمين غير أنّ من استشكل فيه حاول حلّ الإشكال عن طريق آخر و هو الإعطاء من سهم سبيل اللّه، من غير فرق بين قصده الأداء من ماله تبرعا أو من الزكاة بناء على أنّ المراد من سبيل اللّه كلّ عمل قربي، و أيّ عمل قربي أوضح من إطفاء نائرة الحرب و سفك الدماء، و مع ذلك فقد أورد عليه المحقّق الخوئي بأنّ الموضوع سهم سبيل اللّه هو الصرف فيه، و أمّا المقام فالزكاة لا تصرف في سبيله، بل تصرف في تسديد دين كان هو المصروف في سبيل اللّه من غير فرق بين الصورتين، لأنّ القصد لا يغيّر الواقع و لا يحصل غير الجائز جائزا.

يلاحظ عليه: بما سبق ذكره انّه دقّة عقلية، فانّ للبدل حكم المبدل، فإذا كان المبدل مصروفا في سبيل اللّه و هو كلّ عمل قربي، فالبدل القائم مقامه يكون حكمه حكمه. و لو صرف الزكاة من بدء الأمر في هذا المورد تصدق انّه صرفه في

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 11، الباب 2 من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 11. و فيه «إنّما هو على القويّ المطاع».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 171

[السابع: سبيل اللّه]

اشارة

في سبيل اللّه السابع: سبيل اللّه، و هو جميع سبل الخير كبناء القناطر و المدارس و الخانات و المساجد و تعميرها، و تخليص المؤمنين من يد الظالمين، و نحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين، و دفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين، و كذا إعانة الحجّاج و الزائرين و إكرام العلماء و المشتغلين مع عدم تمكّنهم من الحجّ و الزيارة و الاشتغال و نحوها من أموالهم، بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في

كلّ قربة، مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة، بل مع تمكّنه أيضا، لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه.* (1)

______________________________

سبيله، فهكذا إذا استدان لتلك الغاية، فيقوم البدل مقام المبدل في الصدق العرفي.

نعم هنا كلام و هو أنّ قضاء مثل هذا الدين من سهم «سبيل اللّه» مبني على صدقه لكلّ عمل قربي كما عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه و سيوافيك بيانه.

(1)* اتّفق المسلمون على أنّ سبيل اللّه أحد المصارف الثمانية للزكاة تبعا للذكر الحكيم و السنّة القطعية، و سيرة المسلمين، إنّما الكلام في تحديد مفهومه من حيث السعة و الضيق فهنا أقوال:

الأوّل: انّ المراد منه الجهاد في سبيل اللّه، و عليه أكثر أهل السنّة و لفيف من فقهائنا.

و قال الخرقي في متن المغني: و سهم في سبيل اللّه، و هم الغزاة يعطون ما

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 172

..........

______________________________

يشترون به الدواب و السلاح و ما يدفعون به عمل العدوّ، إن كانوا أغنياء. «1»

و قال الماوردي: و السهم السابع سهم سبيل اللّه تعالى، و هم الغزاة يدفع إليهم من سهمهم قدر حاجتهم في جهادهم، فإن كانوا يرابطون في الثغر دفع إليهم نفقات ذهابهم و ما أمكن من نفقات مقاماتهم. «2»

و قد نسب صاحب الحدائق هذا القول إلى الصدوق و المفيد و الشيخ من أصحابنا و النسبة صحيحة. «3»

قال الصدوق في «الفقيه»: و سبيل اللّه هو الجهاد. «4»

و قال الشيخ المفيد في «المقنعة»: و في سبيل اللّه و هو الجهاد. «5»

و قال الشيخ في «النهاية»: و في سبيل اللّه و هو الجهاد. «6»

و قد تبعهم غيرهم كسلّار في مراسمه «7» و الحلبي في «إشارة السبق».

و في الأخير: و في سبيل اللّه و

هو الجهاد الحقّ. «8»

غير انّ هذا القول و إن كان غير شاذ لكن الأكثر ذهبوا إلى خلافه.

الثاني: عطف الحج على الجهاد نقله الشيخ عن أحمد، قال: سبيل اللّه يدخل فيه الغزاة في الجهاد و الحاج. «9»

قال الخرقي: و يعطى أيضا في الحجّ و هو في سبيل اللّه. «10»

و قال ابن قدامة في شرحه: يروى هذا عن ابن عباس، و عن ابن عمر: الحجّ في سبيل اللّه، و هو قول إسحاق لما روي أنّ رجلا جعل ناقة له في سبيل اللّه فأرادت

______________________________

(1). المغني: 7/ 322.

(2). الأحكام السلطانية، للماوردي: 822.

(3). الحدائق: 12/ 196.

(4). الفقيه: 2/ 3، الباب 1 من أبواب الزكاة، ذيل الحديث الرابع.

(5). المقنعة: 241.

(6). النهاية: 184.

(7). المراسم: 132.

(8). إشارة السبق: 112.

(9). الخلاف: 4/ 236، كتاب الصدقات، المسألة 21.

(10). المغني: 7/ 326.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 173

..........

______________________________

امرأته الحج، فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: اركبيها فانّ الحجّ في سبيل اللّه. «1»

و قال القرطبي في تفسيره: و في سبيل اللّه، و هم الغزاة و موضع الرباط يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء. و هذا قول أكثر العلماء، و هو تحصيل مذهب مالك، و قال ابن عمر: الحجاج و العمّار، و يؤثر عن أحمد و إسحاق انّهما قالا: سبيل اللّه الحجّ. «2»

و لم نجد في كلمات أصحابنا من يحصره في الحجّ، نعم الإحجاج من مصارف سبيل اللّه، كما سيوافيك في الروايات و في كلام الشيخ في الخلاف و الاقتصاد و المبسوط.

الثالث: مصالح المسلمين و الأعمال التي يعود نفعها إلى المجتمع الإسلامي، فيخرج قضاء الديون، و مساعدة الزائرين.

قال الشيخ في «الخلاف»: سبيل اللّه يدخل فيه الغزاة في الجهاد

و الحج و قضاء الديون عن الأموات و بناء القناطر و جميع المصالح. «3»

و لو لا قوله: «و قضاء الديون عن الأموات» لاختصّ بالمصالح العامّة، و لكن ذكره في عداد ذلك يعرب عن سعة الموضوع عنده.

و قريب من ذلك كلامه في «المبسوط»، قال: و يدخل في سبيل اللّه: مئونة الحاج، و قضاء الديون عن الحي و الميت، و جميع سبل الخير و المصالح، و يدخل فيه معونة الزوّار و الحجيج و عمارة المساجد و المشاهد و إصلاح القناطر، و غير ذلك من المصالح. «4»

______________________________

(1). المغني: 7/ 327.

(2). تفسير القرطبي: 8/ 185.

(3). الخلاف: 4/ 236، كتاب الصدقات، المسألة 21.

(4). المبسوط: 1/ 252.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 174

..........

______________________________

و قال في «الاقتصاد»: و في سبيل اللّه، و هو الجهاد و يدخل فيه جميع مصالح المسلمين. «1»

و قال ابن البراج: أمّا سبيل اللّه، فهو الجهاد و ما فيه صلاح للمسلمين، مثل عمارة الجسور و القناطر و ما جرى مجرى ذلك. «2»

و عبارة هذين الفقيهين صريحة في القول الثالث و سيأتي انّه أيضا خيرة المحقّق البروجردي في تعليقته و قال: المصالح العامّة الدينية.

و قال المحقّق في «الشرائع»: و في سبيل اللّه، و هو الجهاد، و قيل: يدخل فيه المصالح كبناء القناطر و الحجّ و مساعدة الزائرين و بناء المساجد و هو الأشبه. «3» إلى غير ذلك من الكلمات التي تركز أكثر الأمثلة على أنّ المراد المصالح العامة لا المصالح الشخصية فيخرج قضاء الديون أو مساعدة الزائرين عن ذلك.

الرابع: ما اختاره صاحب الجواهر كلّ وسيلة إلى تحصيل رضا اللّه، و على ذلك فكلّ عمل قربي يرجى به الثواب، قال: إذ السبيل هو الطريق فإذا أضيف إلى اللّه سبحانه

كان عبارة عن كلّ ما يكون وسيلة إلى تحصيل رضا اللّه و ثوابه، فيتناول الجهاد و غيره. «4»

و على ذلك فكلّ عمل قربي، كتزويج العزاب، و الإنفاق على الأيتام و ما يشابههما يعدّ من سبيل اللّه.

الخامس: ما يستفاد من الآيات من أنّ المراد، «سبيل دين اللّه» فتصرف الزكاة في كلّ ما فيه دعم لدين اللّه و إقامة لدعائمه كبناء المساجد و نشر الكتب و غيرها، و هذا احتمال خامس لم يذكره الأصحاب.

______________________________

(1). الاقتصاد: 282.

(2). المهذب: 1/ 169.

(3). الشرائع: 1/ 162.

(4). الجواهر: 15/ 368.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 175

..........

______________________________

هذه هي الوجوه الخمسة التي يمكن تحصيلها من الإمعان في العبارات المفسّرة لسبيل اللّه الوارد في آية الزكاة.

أقول: إنّ تحقيق الحقّ يرجع إلى دراسة الآيات الواردة فيها لفظة «سبيل اللّه» أوّلا، و دراسة الروايات الواردة حول الآية ثانيا.

لا شكّ انّ لفظة «سبيل اللّه» وردت في مورد الجهاد كثيرا، لكنّها ليست دليلا على كونها موضوعا للجهاد في سبيل نشر الدين، و من فسره به و نفى غير ذلك فقد خلط بين المفهوم و المصداق، فالجهاد من أحد مصاديقه لا انّه هو الموضوع له.

و من حسن الحظ انّ أكثر الآيات التي أريد فيها من «سبيل اللّه» الجهاد مقرونة بالقرائن، مثل قوله: «قاتلوا» أو «جاهدوا» إلى غير ذلك، قال سبحانه: وَ لٰا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتٌ بَلْ أَحْيٰاءٌ وَ لٰكِنْ لٰا تَشْعُرُونَ. «1»

و في الوقت نفسه استعمل في سبيل اللّه و أريد منه غير الجهاد بوفرة، نذكر من ذلك شيئا قليلا:

1. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ثُمَّ لٰا يُتْبِعُونَ مٰا أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لٰا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ

لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ «2» أي لا يتبعون على المنفق عليه بقولهم مثلا قد أحسنت إليه و جبرت حاله، و لا يذكرون ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه و نحوه، و من المعلوم أنّ المن و الأذى يتصوّر في الإنفاق على الفقراء لا الإنفاق في الجهاد، إذا المنفق عليه في الجهاد جيش المسلمين، و كيف يتمكّن الإنسان من أذاهم و المنّ عليهم؟!

2. قال سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ

______________________________

(1). البقرة: 154.

(2). البقرة: 262.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 176

..........

______________________________

وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ. «1»

و المراد من سبيل اللّه هو سبيل دينه لا الجهاد، لأنّ الجهاد فيه حرام، و قد رتّب على القتال في الشهر الحرام أمورا أربعة:

الأوّل: انّ القتال فيه كبير، أي عظيم وزرا.

الثاني: و صدّ للناس عن سبيل اللّه، أي سبيل دينه، و ليس المراد هو الحجّ، لأنّه ورد في الأمر الرابع.

الثالث: و كفر باللّه.

الرابع: و صدّ عن المسجد الحرام.

3. قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهٰا عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَدٰاءُ وَ مَا اللّٰهُ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ. «2»

و معنى الآية لم تصرفون من آمن عن سبيل اللّه، أي دينه، و أنتم تطلبون سبيلا عوجا معوجا مائلا عن الحقّ.

4. وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمٰا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوٰاءً فَلٰا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيٰاءَ حَتّٰى يُهٰاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ. «3»

و المراد من سبيل اللّه هو سبيل دينه، و المراد الهجرة لأجل اعتناق الإسلام اعتناقا صحيحا.

5. و قال سبحانه: وَ مَنْ يُهٰاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرٰاغَماً كَثِيراً «4» و المراد سبيل دينه.

6. قال سبحانه: وَ لٰا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا

مِنْ دِيٰارِهِمْ بَطَراً وَ رِئٰاءَ النّٰاسِ

______________________________

(1). البقرة: 217.

(2). آل عمران: 99.

(3). النساء: 89.

(4). النساء: 100.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 177

..........

______________________________

وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ. «1»

و الآية ناظرة إلى قريش حيث خرجوا لقتال المسلمين و صدّ الناس عن دين اللّه.

إلى غير ذلك من الآيات التي تدلّ على أنّ المراد سبيل دينه، و هذا المعنى أخصّ ممّا ذهب إليه صاحب الجواهر أي كلّ ما فيه مرضاة اللّه، فإنّ في تزويج العزّاب و الإنفاق على الأيتام رضا الربّ و مرضاته و لكن لا يعدّ الإنفاق عليهما إنفاقا في سبيل دين اللّه.

فتحصّل من ذلك: انّ المتبادر من قوله: «في سبيل اللّه» حسب هذه الآيات و غيرها ممّا لم نذكر «2» هو سبيل دينه.

و على ذلك يكون مصرف هذا السهم كلّ ما فيه تشييد للدين و نشر له و تعضيد للشريعة، كبناء المدارس العلمية و نشر الكتب الدينية و تربية الناشئين لتبليغ الدين و بناء المساجد إلى غير ذلك ممّا يرجع نفعه إلى دين اللّه. و على ذلك فتخرج المصالح العامة التي لا تمت إلى دينه سبحانه بصلة كبناء المستشفيات و القناطر، فضلا عمّا فيه مصالح شخصية كقضاء الديون و الإنفاق على الأيتام و غير ذلك.

و هنا احتمال خامس لم يذكره الأصحاب، و الجزم به رهن عدم العمومية في الروايات و معاقد الإجماع و الشهرة.

هذا هو حسب الذكر الحكيم، فلنرجع إلى الروايات فلو استفدنا منها ما هو أوسع من ذلك و إلّا فلنقتصر على ما ذكرنا، و الروايات على قسمين:

[الروايات على قسمين]
اشارة

1. ما يستفاد منه انّه عبارة عن صرف الزكاة في الجهاد و الحجّ.

2. ما يدلّ على أنّ الموضوع أوسع من ذلك. و إليك القسمين:

______________________________

(1). الأنفال: 47.

(2). لاحظ

النحل: 94؛ الحج: 9؛ ص: 26؛ المنافقون: 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 178

أ. ما هو ظاهر في الجهاد و الحجّ

______________________________

1. روى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب انّ رجلا كان بهمدان ذكر انّ أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت، و أوصى أن يعطى شي ء في سبيل اللّه، فسئل عنه أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف نفعل، و أخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر، فقال: «لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما، انّ اللّه تعالى يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ «1» فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر- يعني: بعض الثغور- فابعثوا به إليه». «2»

و ربما يستدلّ بها على كونه منحصرا في الجهاد، غير أنّ الاستدلال ضعيف، بل الرواية على الخلاف أدلّ، و ذلك لأنّ تخصيص الإمام المال بالجهاد لأجل أنّ الموصي كان غير عارف و المشهور عندهم هو انّ سبيل اللّه هو الجهاد، فكأنّه أوصى بصرف المال في الجهاد و لا محيص عن تنفيذ الوصية، و لو لا هذا لما ألزمه الإمام بالصرف فيه فقط، و انّ الباعث للحصر هو الوصية، و يشير إلى ذلك قوله: «لو انّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما».

2. ما رواه الصدوق عن محمد بن سليمان، عن الحسين بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ رجلا أوصى إليّ بمال في السبيل، فقال لي: اصرفه في الحجّ، قلت: أوصى إليّ في السبيل، فقال: «اصرفه في الحجّ فإنّي لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحجّ». «3»

و لكنّه ليس

دليلا على الحصر، بل دليلا على أنّه أفضل السبل.

______________________________

(1). البقرة: 181.

(2). الوسائل: 13، الباب 33 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 4.

(3). الوسائل: 13، الباب 33 من أحكام الوصايا، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 179

..........

______________________________

روى الصدوق باسناده عن علي بن يقطين، أنّه قال لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام:

يكون عندي المال من الزكاة أ فأحجّ به موالي و أقاربي، قال: «نعم لا بأس». «1»

غير أنّ الرواية لا تدلّ على الحصر و إنّما تدلّ على أنّ الحجّ من أحد مصاديقه. و الرواية و إن خلت عن لفظة «سبيل اللّه» لكنّه معلوم بالقرائن، إذ لا يعطى الفقير من الزكاة أزيد من مئونته. و مثله غيره 2، إذ ليس فيه شي ء يشير إلى أنّ الدفع من باب الفقر.

إلى هنا تبيّن انّ الجهاد و الحجّ من سبل اللّه، إنّما الكلام في الأوسع من ذلك و يمكن أن يستفاد من الروايات التالية و إن كان بعضها سقيم.

ب: ما يدلّ على أنّ المراد كلّ سبل الخير

1. ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه السّلام.

«و في سبيل اللّه: قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوّون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحجّ و الجهاد». «3»

و لو صحّت الرواية لعمّ جميع سبل الخير، غير أنّ «تفسير القمّي» لا يحتجّ به.

2. ما رواه الحسن بن راشد، قال: سألت أبا الحسن العسكري عليه السّلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّه؟ قال: «سبيل اللّه شيعتنا». «4»

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 42 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1. و بهذا المضمون الحديث 2 و

3 و 4.

(3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

(4). الوسائل: 13، الباب 33 من أبواب الوصايا، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 180

..........

______________________________

و في السند محمد بن عيسى بن عبيد و هو ثقة، عن الحسن بن راشد، و هو المكنّى بأبي علي مولى لآل المهلب و قد وثّقه الشيخ في رجاله، فالسند معتبر.

و المراد هو رفع حوائج الشيعة، المشروعة، و هو نفس سبل الخير كلّه.

3. و في «فقه الرضا عليه السّلام»: و من أوصى بماله أو ببعضه في سبيل اللّه من حجّ أو عتق أو صدقة أو ما كان من أبواب الخير، فانّ الوصية جائزة لا يحلّ تبديلها. «1»

4. و في «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمد عليه السّلام أنّه قال: «و في سبيل اللّه في الجهاد و الحجّ، و غير ذلك من سبل الخير». «2»

حجّة القول الرابع

قد تعرّفت على الأقوال الأربعة، مضافا إلى ما يستفاد من القرآن من أنّ المراد هو سبيل دينه و تشييد شريعته و نشره بين الناس.

أمّا القولان الأوّلان- أعني: اختصاصه بالجهاد، أو الحجّ- فقد عرفت أنّ الروايات لا تدلّ على الاختصاص، و إنّ تطبيق العنوان عليهما كونه مقصود الموصي، أو لكونه أفضل الأفراد، أمّا الاختصاص بها فلا دليل عليه.

فيدور الأمر بين القول الثالث الذي هو خيرة المحقّق البروجردي- أعني:

المصالح العامة الدينيّة- و القول الرابع الشامل لعامة القربيّات، فيمكن ترجيح القول الرابع بالوجوه التالية:

1. ما مرّ من الروايات، فإنّ أكثرها و إن كانت ضعيفة إلّا رواية الحسن بن

______________________________

(1). فقه الرضا: 298.

(2). مستدرك الوسائل. 7/ 105، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 13.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 181

..........

______________________________

راشد فهي صحيحة، و

غيرها يعضد بعضها بعضا.

2. الشهرة المحقّقة بين المتأخرين، بل في «الخلاف» و «الغنية» الإجماع عليه.

3. السبيل هو الطريق، فإذا أضيف إلى اللّه سبحانه كان عبارة عن كلّ ما يكون وسيلة إلى تحصيل رضا اللّه و ثوابه، فيتناول كلّ خير قربي.

و لأجل ذلك قوّاه صاحب الجواهر و قال: الأقوى عمومه لكلّ قربة، فيداخل حينئذ جميع المصارف و يزيد عليها، و إنّما يفارقها في النية، ضرورة شموله لجميع القرب من بناء خانات و تعمير روضة أو مدرسة أو مسجد أو إحداث بنائها، أو وقف أرض أو تعميرها، أو وقف كتب علم أو دعاء و نحوها، أو تزويج عزاب أو غيرهم، أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شي ء من آلات العبادة، أو إحجاج أحد أو إعانة على زيارة أو في قراءة أو تعزية، أو تكرمة علماء أو صلحاء أو نجباء، أو إعطاء أهل الظلم و الشر لتخليص الناس من شرّهم و ظلمهم، أو إعطاء من يدفع ظلمهم و يخلص الناس من شرّهم، أو بناء ما يتحصّن به المؤمنون عنهم، أو شراء الأسلحة لدفاعهم، أو إعانة المباشرين لمصالح المسلمين من تجهيز الأموات أو خدمة المساجد و الأوقاف العامة أو غير ذلك. «1»

حجّة القول الثالث

قد استدلّ على هذا القول بأنّ قوله: «في سبيل اللّه» يصدق على المصالح العامة و الجهاد و الحج، و لكنّه لا يصدق على القربات الشخصية كتزويج العزاب

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 370.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 182

..........

______________________________

مثلا. و قيل في تقريب ذلك:

إنّ الظاهر من «سبيل اللّه» هو ما كان كذلك بالحمل الشائع لا بمجرّد قصد القربة، من حيث إعانة المؤمن و إدخال السرور في قلبه و نحو ذلك.

و المصالح العامة كالمساجد

و القناطر و نحوه، تعدّ من السبيل و الجهاد و الحج كذلك.

و أمّا الأشخاص فيشكل فيهم الأمر، إذ فرق بين أن يعطى من الكسوة الطعام للشخص قربة إلى اللّه تعالى و بين أن يصرف شي ء في سبل اللّه قربة إليه، فمن صرف مالا في تزويج شخص أو أعطى له مالا لأن يتزوج و قصد بذلك القربة، فقد سلك سبيل الخير و حصل له الأجر، لكن حيث لا يعدّ التزويج من سبيل اللّه تعالى، فلم يصرف المال في ذلك. «1»

و حاصل كلامه: انّ تزويج العزّاب صرف الزكاة في سبيل الأشخاص، بخلاف بناء المساجد فانّه صرف الزكاة في سبيل اللّه سبحانه دون الأشخاص.

يلاحظ عليه: أوّلا: بالنقض بالإحجاج، فانّه إحسان في حقّ الشخص لأن يحجّ، و ليس صرفا لها في سبيل اللّه سبحانه، مع تضافر الروايات على أنّ الإحجاج من مصاريفه.

و ثانيا: إذا فسّر «سبيل اللّه» بالسبيل الذي فيه رضاه، فلا فرق بين المصالح الفردية أو العامّة، فالقول الرابع هو الأقوى.

و أمّا الاحتمال الخامس- أعني: سبيل دينه و ما فيه تشييد و تعضيد لشريعته- فهو الأحوط، لو لا الدليل على كفاية كلّ ما فيه رضاه سبحانه، سواء كان في طريق تعضيد الدين أو لا.

______________________________

(1). كتاب الزكاة للسيد الميلاني: 3/ 128.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 183

هل يشترط الحاجة في سبيل اللّه؟ [هنا وجوه]
اشارة

______________________________

إنّ المرتكز في الأذهان هو انّ الزكاة شرعت لرفع الحاجات، و على ذلك يقع الكلام في أنّه هل يشترط الحاجة في صرف الزكاة في سبيل اللّه كإحجاج الغني، أو دفع الزكاة إلى الأثرياء للجهاد في سبيل اللّه أو لا؟ وجوه:

1. جواز دفعها إلى الغازي الغني

يظهر من العلّامة و غيره جواز صرف الزكاة في الغازي الغني قال:

لا يشترط في الغازي الفقر، و به قال الشافعي للعموم، و لأنّه كالأجرة، و كذا الغارم لإصلاح ذات البين.

و قال أبو حنيفة: يشترط، لقوله عليه السّلام: أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم.

و هو لا يقتضي اختصاصها بالفقراء، و ينتقض بابن السبيل، فإنّه يعطى و إن كان غنيا في بلده، قادرا على الاستدانة في سفره و معارض بعموم وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ و بما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لثلاثة» و ذكر من جملتهم الغازي. «1»

2. اشتراط الفقر في الغازي و الحاج

و اختار الشهيد الثاني اشتراط الفقر، قال: و يجب تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل في شي ء من الأصناف الباقية فيشترط في الحاج و الزائر، الفقر، أو كونه ابن سبيل أو ضيفا، و الفرق بينهما حينئذ و بين الفقراء انّ

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 280- 281.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 184

..........

______________________________

الفقير لا يعطى الزكاة ليحجّ بها من جهة كونه فقيرا و يعطى لكونه في سبيل اللّه. «1»

3. اشتراط الحاجة دون الفقر

و هناك احتمال ثالث و هو انّه لا يشترط الفقر بمعنى كونه غير مالك لمئونة سنته، بل تعطى الزكاة لمثل هذا الشخص للغزو و الحج، و إنّما يشترط فيه الحاجة بمعنى كونه غير قادر على الغزو و الحجّ إلّا بالإعطاء، و لعلّه إلى ذلك تنظر عبارة الشيخ في «الخلاف»، قال: و الغارم لمصلحة ذات البين و الغازي لا يعطى إلّا مع الحاجة عند أبي حنيفة و عند الشافعي عند الغناء، و هو الصحيح. «2»

هذه هي الأقوال و إليك دلائلها:

استدلّ للقول الأوّل بإطلاق الآية، و لأنّها كالأجرة كما في سهم العاملين، و بما أشار إليه العلّامة من أنّه روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمسة: رجل عامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو رجل مسكين تصدّق عليه به فأهداها لغني، أو ... أو غاز في سبيل اللّه».

و الكلّ كما ترى، أمّا إطلاق الآية فهو فرع كونه في مقام البيان لهذه الجهة.

و أمّا كونه كالأجرة في سهم العاملين فهو أشبه بالقياس.

و أمّا الرواية فلم يثبت عندنا إلّا صدرها.

استدلّ للقول الثاني بوجوه:

1. بما في رواية القمّي عن العالم عليه السّلام قال: «و في سبيل اللّه

قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به ...». «3»

______________________________

(1). المسالك: 1/ 220.

(2). الخلاف: 4/ 237، كتاب الصدقات، المسألة 23.

(3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

2. ما رواه الفريقان: «لا تحلّ الصدقة لغني».

3. ما رواه في «التذكرة» عن أبي حنيفة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أمرت ان آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم. غير أنّ الاستدلال بهذه الوجوه الثلاثة غير تام.

أمّا رواية القمّي فمرسلة لا يحتجّ بها.

و أمّا ما نقله الفريقان عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم «لا تحل الصدقة لغني» ناظر إلى سهم الفقراء فلا يعطى الغني من هذا السهم، و أمّا إعطاؤه من سهام أخرى كالعاملين عليها و الغارمين و في سبيل اللّه فلا ينفيه.

و منه يظهر ضعف ما استند إليه أبو حنيفة و غيره، فإنّ حديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم ناظر إلى سهم الفقراء.

و لعلّ القول الثالث هو الأقوى، و هو خيرة الماتن حيث قال: «الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة، بل مع تمكّنه أيضا لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه»، مثلا إذا رأى الحاكم مصلحة في إعزام الغزاة إلى الجهاد و كان الغازي غنيا لا يقوم بتلك المهمة إلّا بدفع شي ء من الزكاة إليه، جاز لوجود المصلحة.

فالموضوع هو الحاجة في الجهة التي يصرف فيها الزكاة لا الفقر، و على ضوء ذلك فلو فرض حاجة المجتمع إلى المساجد و المدارس و المستشفيات يجوز صرف الزكاة فيها و ينتفع منه جميع الأمّة من غير فرق

بين الفقير و الغني، لأنّ الملاك المجوز لصرف الزكاة هو حاجة المجتمع بما هو هو لا حاجة الفرد، و لأجل ذلك يشارك الأغنياء و الفقراء في المشاريع العامة و التسهيلات الاجتماعية إذا أسّست بالزكاة.

إذا فرضنا انّ الغازي أو الحاج غنيا و لكن لا يقوم بمهمة الغزو و الحجّ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 186

[الثامن: ابن السبيل و هو المسافر الّذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته]

اشارة

في ابن السبيل الثامن: ابن السبيل و هو المسافر الّذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنيّا في وطنه، بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك.

و بشرط أن لا يكون سفره في معصية فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله، من الملبوس و المأكول و المركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما.

______________________________

إلّا بجعل داع في ذهنه إلى العمل و رأى الفقيه وجود المصلحة في دفع الزكاة في تلك الجهة فيجوز الصرف و إلّا يلزم ترك المصلحة المهمة.

نعم من يريد الغزو و الحجّ بنفسه و ليس هناك أي حاجة إلى بذل الزكاة و صرفه فيه فلا يجوز بذل الزكاة، لأنّ الغاية من الزكاة هي سدّ الحاجات و المفروض عدمه.

و لشيخنا الأنصاري هنا كلمة جامعة يقول:

إنّ السبيل المصروف فيه الزكاة قد يجعل نفس إعانة الغني لأنّه من الأمور الراجحة، و قد يجعل نفس الفعل و الذي اعتبرنا فيه الحاجة هو الأوّل لا الثاني.

و من هنا يعلم انّ حكمهم بأنّه يعطى الغازي من الزكاة و إن كان غنيا إنّما ينافي ما دلّ على عدم حلّية الصدقة للغني إذا كان الدفع

من باب معونة الغازي،

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 187

و لو فضل ممّا أعطي شي ء و لو بالتضييق على نفسه أعاده على الأقوى، من غير فرق بين النقد و الدابّة و الثياب و نحوها فيدفعه إلى الحاكم و يعلمه بأنّه من الزكاة.

و أمّا لو كان في وطنه و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل. نعم لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم. و إن لم يتجدّد نفاد نفقته، بل كان أصل ماله قاصرا، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل. نعم لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء.* (1)

______________________________

و أمّا إذا كان من باب حصول دفع العدو الحاصل من مال المزكّي و بدن الغازي، فليس فيه منافاة للأدلّة. «1»

*** (1)*

هنا فروع سبعة:
اشارة

1. من هو ابن السبيل؟

2. اشتراط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحوهما.

3. اشتراط عدم كون سفره معصية.

4. المقدار الذي يعطى له.

5. حكم ما لو فضل شي ء ممّا أعطي نقدا كان أو جنسا.

6. إذا أنشأ السفر المحتاج إليه و هو في وطنه و لا قدرة له من أوّل الأمر.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 187

______________________________

(1). كتاب الزكاة، للشيخ الأنصاري: 314.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

7. تلك الصورة و لكن تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ابن السبيل.

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر:

الأوّل: من هو ابن السبيل؟

لقد جاء ابن السبيل في الذكر الحكيم ضمن آيات الزكاة و الخمس و الأنفال.

أمّا الزكاة فقد عرفته. و أمّا الخمس فقال سبحانه: فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ. «1»

و أمّا الأنفال فقال تعالى ذكره: مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «2» و إضافة الابن إلى السبيل إشارة إلى تمحّضه في ذلك و قد انقطع عن كلّ شي ء سوى السبيل، مثل قولك «ابن الحرب» أي ليس له شغل سوى مصارعة الأبطال في ميادين الحرب.

قال ابن منظور: قال ابن سيد: ابن السبيل: ابن الطريق، و تأويله الذي قطع عليه الطريق- إلى أن قال- قال ابن بري: ابن السبيل، الغريب الذي أتى به الطريق.

قال الشاعر:

و منسوب إلى من لم يلده كذاك اللّه نزل في الكتاب

و قال: و ابن السبيل المسافر الذي

انقطع به و هو يريد الرجوع إلى بلده و لا يجد ما يبلغ به فله في الصدقات نصيب. «3»

و قد تضافر تفسيره بالمنقطع في كلمات فقهائنا نذكر بعضها:

______________________________

(1). الأنفال: 41.

(2). الحشر: 7.

(3). اللسان 11، مادة «سبل».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 189

..........

______________________________

1. قال المفيد: ابن السبيل و هو المنقطع به في الأسفار. «1»

2. و قال الشيخ في «النهاية»: و ابن السبيل و هو المنقطع به، و قيل: إنّه الضيف الذي ينزل بالإنسان و يكون محتاجا في الحال و إن كان يساره في بلده و موطنه. «2»

و لعلّ ذكر الضيف من باب ذكر الخاص بعد العام و لا خصوصية له.

و قال ابن زهرة: ابن السبيل هو المنقطع به و إن كان في بلده غنيا. «3»

إلى غير ذلك من الكلمات، و لذلك أضيف إليه لفظ الابن ليعلم أنّه لا صلة له مع أي شي ء سوى السبيل، فانقطع عن كلّ ما كان له.

و قد فسرّه العالم عليه السّلام في مرسلة علي بن إبراهيم، قال: «و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات». «4»

و لا يشترط في السفر كونه بمقدار المسافة الشرعية، لإطلاق الدليل أوّلا، و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، انّها تدفع إلى المنقطع عن كلّ شي ء، سواء أ كانت وظيفته القصر أم التمام ثانيا.

نعم، يظهر من الشيخ في «المبسوط» و العلّامة في «التذكرة» عدم إتيانه لمن أقام عشرة أيام، إذ لا يصدق عليه انّه مسافر، قال في الأوّل:

و إن أقام به يوما أو يومين إلى عشرة أيام أعطي نفقته، و إن أقام أكثر من ذلك لم يعط،

لأنّه يخرج من حكم المسافر. «5»

و قال العلّامة في «التذكرة»: يعطى ابن السبيل ما يبلغه البلد الذي يريده

______________________________

(1). المقنعة: 241.

(2). النهاية: 184.

(3). غنية النزوع: 2/ 124.

(4). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

(5). المبسوط: 1/ 256.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

لمضيّه و عوده على ما بيّناه، فإن أراد أن يقيم في البلد الذي قصده دون عشرة أيّام، أخذ نفقة ذلك لأنّه في حكم المسافر، و إن نوى إقامة عشرة لم يأخذ فيها من سهم ابن السبيل، لأنّه مقيم. و الشافعي شرط إقامة ثلاثة لا أزيد. «1»

يلاحظ عليه: أنّ إقامة عشرة أيّام و إن كان قاطعا لموضوع السفر لكنّه بضرب من التأويل بحكم الشارع، و إلّا فلا ريب في أنّه يعدّ مسافرا من أبناء السبيل، و العجب انّ العلّامة في «المختلف» ذكر حجّة القائل بخروجه عن ابن السبيل و ردّ عليه! و إليك نصّه:

احتج بأنّه خرج عن كونه مسافرا بالنيّة، فلا يصدق عليه ابن السبيل.

أمّا المقدّمة الأولى: فلوجوب الإتمام عليه، المنوط بالإقامة المنافية لاسم السفر، لامتناع صدق المتقابلين على ذات واحدة.

و أمّا الثانية: فلأنّ المسألة جزء من مسمّى ابن السبيل، فلا يصدق عليه المقيم.

و الجواب: المنع من صدق المقدّمتين و وجوب الإتمام، و إن أخرجه عن كونه مسافرا سفرا يجب فيه القصر، فلا يخرجه عن كونه مسافرا مطلقا. «2»

الثاني: اشتراط عدم تمكّنه من الاستدانة

يعتبر في صدق ابن السبيل عجزه عن الاستدانة و كذا التصرف في ماله الغائب بالبيع أو ماله الحاضر، و ذلك لعدم صدق الانقطاع إلّا به، و مثل ذلك غني داخل تحت قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تحلّ الصدقة لغني»، كما هو داخل تحت قوله في صحيحة

زرارة: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يكف نفسه عنها».

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 355، المسألة 266.

(2). مختلف الشيعة: 3/ 206.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

و للمحقّق الهمداني هنا كلام جامع، قال: و الذي ينبغي أن يقال: إنّه إن كانت الاستدانة أو التصرّف في أمواله بالبيع و نحوه أمرا ميسورا له كأغلب التجّار المعروفين في البلاد النائية، فمثل هذا الشخص لا يعدّ من أرباب الحاجة إلى الصدقة، بل و لا ابن سبيل في العرف، و بحكمه القوي السويّ المتمكّن من الاكتساب في الطريق بما يناسب حاله و شأنه. «1»

و بذلك يظهر ضعف ما في «المعتبر» «2» و «المسالك» «3» من عدم اعتباره عملا بإطلاق النصّ.

نعم لو كانت الاستدانة أو البيع أمرا حرجيا فهو في حكم غير القادر و المنقطع.

الثالث: اشتراط عدم كون سفره معصية

يشترط أن لا يكون سفره معصية.

قال المحقّق: و لا بدّ أن يكون سفرهما (ابن السبيل و الضيف) مباحا، فلو كان معصية لم يعط.

و قال في «المدارك»: لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدفع إلى المسافر من سهم ابن السبيل إذا كان سفره معصية، لما في ذلك من الإعانة على الإثم و العدوان. «4»

و يظهر من ابن قدامة اتّفاق فقهائهم على هذا الشرط، قال: لكن يشترط كون السفر مباحا إمّا قربة كالحج و الجهاد و زيارة الوالدين، أو مباحا كطلب

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 584.

(2). المعتبر: 2/ 578.

(3). مسالك الأفهام: 1/ 420.

(4). المدارك: 5/ 236.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 192

..........

______________________________

المعاش و التجارات، فأمّا المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها، لأنّه إعانة عليها و التسبب إليها فهو كفعلها، فانّ وسيلة الشي ء جارية مجراه. و إن كان السفر للنزهة ففيه وجهان: أحدهما يدفع

إليه لأنّه غير معصية، و الثاني لا يدفع إليه لأنّه لا حاجة به إلى هذا السبيل. «1»

و يدلّ على الاشتراط أمران:

1. ما في مرسل القمّي: و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم. «2»

الظاهر انّ مراده من الطاعة كونه غير سفر المعصية. و بعبارة أخرى:

يشترط كونه مباحا.

2. انّ الإعطاء إعانة على الإثم إذا كانت الغاية معصية و هو بعد في الطريق، و أمّا إذا قضى حاجته المحرّمة فحاول الإياب ففيه وجهان:

1. لا يصدق على الإعطاء انّه إعانة على الإثم سواء تاب أم لم يتب.

2. انّ في الإعطاء تشويقا للظالم في ظلمه و تقريرا للعاصي في عمله، و هو بعيد عن روح الشريعة المقدسة.

نعم لو تاب عند الإياب فصار ابن السبيل فيجوز الإعطاء له، لأنّ التائب من ذنبه كمن لا ذنب له.

يقول ابن قدامة: و من سافر لمعصية فأراد الرجوع إلى بلده لم يدفع إليه ما لم يتب، فإن تاب احتمل جواز الدفع إليه، لأنّ رجوعه ليس بمعصية فأشبه رجوع غيره، بل ربّما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية و إقلاعا عنها كالعاق يريد

______________________________

(1). المغني: 7/ 328.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

الرجوع إلى أبويه، و الفارّ من غريمه أو امرأته يريد الرجوع إليهما، و يحتمل أن لا يدفع إليه لأنّ سبب ذلك المعصية فأشبه الغارم في المعصية. «1»

و مثله إذا لم يتب و لكن بعد ما قضى حاجته أنشأ سفرا آخر مباحا أو في طاعة و لا يعدّ إيابا من ذلك السفر.

الرابع: المقدار الذي يعطى له

قال المحقّق: و يدفع إليه قدر الكفاية إلى بلده. «2»

إنّ تعليق

الحكم بالوصف مشعر بالعلّية، فكما أنّ الغارم يعطى بمقدار الغرم، و في الرقاب يعطى بمقدار الفك، و في سبيل اللّه يعطى بمقدار حاجة المورد؛ فهكذا ابن السبيل يعطى بالمقدار الذي يوصله إلى بلده أو البلد الذي يتمكّن فيه من التصرف في أمواله أو الاستدانة أو غير ذلك.

و في مرسل القمي: فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.

هذا كلّه فيما إذا صار ابن السبيل في إيابه؛ و أمّا لو افترضنا انّه صار كذلك و هو في طريقه إلى مقصده فهل عليه الفسخ و ترك السفر إذا كان أمرا عقلائيا، أو يجوز له الإعطاء إلى أن يقضي وطره من سفره بالذهاب إلى المقصد و الإياب عنه؟

وجهان:

و الظاهر ممّا نقلناه من «اللسان» انّ ابن السبيل هو المنقطع عند الإياب بعد قضاء وطره، و أمّا المنقطع عند الذهاب مع إمكان الرجوع إلى بلده فلا يطلق عليه ابن السبيل.

______________________________

(1). المغني: 7/ 329.

(2). الشرائع: 1/ 163.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

و ما يعبّر عنه بالفارسية ب (وامانده) أو (درمانده در راه) يناسب ما ذكره صاحب اللسان.

و لو افترضنا جواز الإعطاء فلا بدّ أن يكون السفر قصيرا غير طويل، و أمّا من حاول أن يسافر إلى أقاصي العالم و قد صار منقطعا بعد خروجه عن الوطن بمقدار عشرة فراسخ، فكونه من مصاديق ابن السبيل مشكل.

الخامس: حكم ما لو فضل شي ء عنده نقدا كان أو جنسا

إذا فضل ممّا أعطي له من سهم ابن السبيل شي ء سواء كان الفضل لأجل التضييق على النفس أو لا، فهل يجب إرجاعه إلى المالك أو الحاكم؟

ذهب الشيخ في «الخلاف» إلى عدم الرجوع، قال: إذا أعطي المكاتب شيئا ليصرفه في مال كتابته، فلم يصرفه فيه، أو تطوّع إنسان عليه بمال كتابته، أو أسقط

عنه مولاه ماله، فانّه لا يسترجع منه ما أعطي. و كذلك القول في الغارم و في سبيل اللّه، و ابن السبيل لا يسترجع منهم ما يفضل من نفقتهم إذا ضيّقوا على أنفسهم، أو لم ينفقوه فيما لأجله استحقّوه.

و قال الشافعي: يسترجع منهم كلّهم إلّا الغازي، فانّه يأخذ أجرة عمله، فلا يسترجع منه ما يفضل من نفقته، و إن بدا له من الغزو استرجع منه بلا خلاف. «1»

و مع ذلك فقد ذهب الشيخ في «المبسوط» إلى خلافه فقال: و إن دفع إليه قدر كفايته فضيّق على نفسه حتى فضل له فضل و وصل إلى بلده، استرجع منه، لأنّه غني في بلده. «2» و مبنى المسألة هو انّ ابن السبيل يتملّك ما يعطى كتملّك

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 235، كتاب الصدقات، المسألة 18.

(2). المبسوط: 1/ 253 في أصناف المستحقّين للزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 195

..........

______________________________

الفقير و المسكين و العامل و المؤلّفة قلوبهم، أو انّ ابن السبيل مصرف من مصارف الزكاة، فإذا زاد عن المصرف يرجع إلى أصله.

الظاهر هو الثاني بشهادة تغيير السياق حيث جاء في الأصناف الأربعة الباقية كلمة «في» وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.

فإذا كان كلّ واحد من هذه الأصناف الأربعة مصرفا فيباح لهم فيها التصرف ما دام الموضوع (ابْنِ السَّبِيلِ)، لأنّ الظاهر انّ العنوان مسوغ حدوثا و بقاء.

و بذلك يظهر عدم الفرق بين المتاع و الدابة و النقد، و ذلك لأنّ التفريق مبني على أنّ المزكّي يملّك العين للمستحق، و قد عرفت أنّ العناوين الأربعة مصارف، و المسوغ للتصرف انطباق العنوان على الشخص.

و أقصى ما يمكن أن يقال: انّه يتملّك ما دام كونه ابن السبيل، فإذا

خرج عنه يخرج عن ملكه و يرجع إلى الأصل.

اللّهمّ إلّا أن يقال: انّ إرجاع الأمتعة و الألبسة أمر منكر عرفا.

ثمّ على القول بالرجوع هل يدفع إلى المالك أو يدفع إلى الحاكم؟

قال الشهيد في «الروضة»: و يجب رد الموجود منه و إن كان مأكولا على مالكه أو وكيله، فإن تعذر فإلى الحاكم، فإن تعذر صرفه بنفسه إلى مستحقّ الزكاة. «1»

الظاهر تعيّن الإرجاع إلى الحاكم، سواء قلنا بمالكية ابن السبيل، أو قلنا بأنّ المالك هو العنوان، أو قلنا بأنّ المالك الإمام و الشخص مصرف، أو قلنا بأنّها لا مالك لها.

______________________________

(1). الروضة: 2/ 50.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

فعلى كلّ وجه انقطعت صلة المالك و ولايته عن الزكاة، و استصحاب بقاء ولايته غير صحيح، لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين، لأنّه بعد إفراز الزكاة و دفعه إلى ابن السبيل انقطعت ولايته، فإذا استغنى ابن السبيل لا تعود ولايته، بل يجب أن يدفع إلى من يتصدّى إلى الأمور الحسبية.

السادس: إذا كان في وطنه و أراد إنشاء السفر

إنّ هنا صورا تختلف وضوحا و خفاء:

الأولى: من اجتاز في سفره و قضى وطره و هو على جناح الرجوع إلى بلده، فسرق ماله أو تلف أو نفد، فلا شكّ انّه من أوضح مصاديق ابن السبيل.

الثانية: من اجتاز و قطع مقدارا من المسافة دون أن يصل إلى الغاية المطلوبة، فسرق ماله أو تلف أو نفد، فهو أيضا من مصاديقه، إلّا أنّ الكلام في المقدار اللازم دفعه إليه. و قد عرفت التفصيل بين السفر القصير و الطويل.

الثالثة: من هو في بلده و وطنه و عزم على السفر، و ليس عنده زاد السفر فهل هو أيضا من مصاديق ابن السبيل؟ فيه خلاف.

ذهب الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» إلى خروج الثالث منه

وفاقا للمسالك، غير انّ الظاهر من الشهيد في «الدروس»، و الشهيد الثاني في «الروضة» دخوله فيها، و إليك بعض النصوص.

قال الشيخ في «الخلاف»: ابن السبيل هو المجتاز دون المنشئ لسفره من بلده. و به قال مالك.

و قال أبو حنيفة، و الشافعي: يدخلان جميعا فيه. «1»

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 236، كتاب الصدقات، المسألة 22.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 197

..........

______________________________

و قال في «المبسوط»: و أمّا ابن السبيل فعلى ضربين: أحدهما المنشئ للسفر من بلده، الثاني: المجتاز بغير بلده، و كلاهما يستحقّ الصدقة عند أبي حنيفة و الشافعي، و لا يستحقّها إلّا المجتاز عند مالك، و هو الأصحّ لأنّهم عليهم السّلام فسّروه، فقالوا: هو المنقطع به و إن كان في بلده ذا يسار، فدلّ على أنّه المجتاز. «1»

و قال في «الدروس»: و ابن السبيل و هو المنقطع به في غير بلده و إن كان غنيا في بلده فيأخذ ما يبلغه بلده، و لو فضل أعاده. و قيل: منشئ السفر كذلك و هو حسن. «2»

و قال في «الروضة»: و منشئ السفر مع حاجته إليه، و لا يقدر على مال يبلغه ابن سبيل على الأقوى. «3»

لا شكّ انّ الصورة الأولى من مصاديق ابن السبيل فيعطى له حتى يصل إلى بلده، و مثله الصورة الثانية و هو من أبناء السبيل، و لكنّ الغاية من دفع الزكاة إليه إخراجه عن هذه الحالة، فيدفع إليه ما يستطيع معه الرجوع إلى بلده، لا أزيد.

و يؤيّد ما قلناه في الصورتين ما في مرسلة علي بن إبراهيم: «ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات». «4»

فقوله: «يردهم

إلى أوطانهم» شاهد على ما قلناه، كما يشهد على أنّ المقدار اللازم دفعه في الصورة الثانية هو تمكّنه من الرجوع إلى وطنه لا الوصول إلى

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 252.

(2). الدروس: 62.

(3). الروضة: 2/ 50.

(4). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 198

المسألة 30: إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف، بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.* (1)

______________________________

مقصده و قضاء وطره ثمّ الرجوع إلى وطنه.

و أمّا الثالث فليس من مصاديقه، لأنّ ابن السبيل من تلبّس بالسفر و عجز عن الاستمرار فيه لتلف المال أو سرقته أو نفاده.

و أمّا المنشئ للسفر العالم بفقده ما يحتاج إليه في السفر فلا يعد ابن السبيل، و ليس الغاية من التشريع إلّا صيانة المسلم المضطر، و أمّا من ليس بمضطر و إنّما يريد سفرا ينتهي إلى الاضطرار فلا يعدّ من أبناء السبيل.

السابع: تلك الصورة و لكن تلبّس بالسفر

إذا افترضنا انّه تلبس بالسفر و الحال هذه و اجتاز مقدارا من الطريق و وقف في الطريق يلتمس عون اللّه تبارك و تعالى، فأقصى ما يمكن أن يقال أن يعطى له ما يردّه إلى وطنه، لا إلى مقصده.

نعم يجوز الدفع إليه من باب سهم الفقراء إذا كان السفر مناسبا لشأنه.

[المسألة 30: إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة]

(1)* سيوافيك انّ البسط على الأصناف الثمانية غير واجب، بل يجوز دفع جميع الزكاة إلى صنف واحد كما سيأتي. و على ذلك فما هو الواجب هو إيصال الزكاة إلى هذه الأصناف، و أمّا قصد عناوينها فلم يدلّ عليه دليل.

لأنّها عنوانات مشيرة إلى محالّ صرف الزكاة من دون لزوم قصدها، فقوله

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 199

[المسألة 31: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا لجهة راجحة أو مطلقا ينعقد نذره]

المسألة 31: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا لجهة راجحة أو مطلقا ينعقد نذره، فإن سها فأعطى فقيرا آخر أجزأ، و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية، بل لو كان ملتفتا إلى نذره و أعطى غيره متعمّدا أجزأ أيضا و إن كان آثما في مخالفة النذر و تجب عليه الكفّارة، و لا يجوز استرداده أيضا لأنّه قد ملك بالقبض.* (1)

______________________________

صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلواتكم» «1»، ظاهر في أنّ الواجب هو دفع الضريبة إلى هذه الأصناف لا قصد ماله من العنوان.

أضف إلى ذلك انّه لو كان قصد العنوان واجبا لورد في نصّ من النصوص، لأنّها من الأمور التي تغفل عنها العامة فلو كان واجبا لما ترك ذكره.

و بذلك يظهر انّه لو كان الشخص حائزا لكلتا الجهتين لا ملزم لتعيين الجهة. «2»

(1)* هنا فروع:

1. إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا، هل ينعقد أو لا؟

2. تلك الصورة إذا سها فأعطى فقيرا آخر هل يجزي أو لا؟

3. تلك الصورة و لكنّه أعطى غيره متعمدا فهل يجزي أو لا؟ فهل عليه الكفّارة أو لا؟ و هل يجوز استرداده أو لا؟

أمّا الفرع الأوّل فله موردان:

أ. أن يشتمل المورد على جهة راجحة وراء كون أصل العمل راجحا، كما لو نذر إعطاء

الزكاة لفقير من أرحامه كقضاء ديون الوالد الذي عدّ في النصّ من

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2). لاحظ التذكرة: 5/ 274 برقم 187، فقد ذكر فيها ما يفيدنا في المقام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 200

..........

______________________________

أفضل الموارد. «1»

ب. أن لا يكون فيه جهة راجحة، كما إذا نذر أن يعطي الزكاة لفقير خاص ليس فيه مزية على غيره، فلا شكّ في أنّ النذر ينعقد في الأوّل، و إنّما الكلام في انعقاد النذر في الثاني فانّا قلنا بكفاية الرجحان في أصل العمل (دفع الزكاة) فينعقد و إلّا فلا.

فلو نذر إنسان أن يصلّي في بيته، فلو قلنا بأنّ رجحان طبيعة الفعل (الصلاة) كاف في انعقاد النذر، ينعقد النذر و يجب الوفاء به، و أمّا لو قلنا بلزوم الرجحان في طبيعة الفعل و القيد المأخوذ في النذر يكون النذر لغوا، كما إذا نذر أن يصلّي في هذا البيت دون البيت الآخر، أو أن يصلّي في المسجد جنب هذه الاسطوانة دون الاسطوانة الأخرى مع تساويهما في الفضيلة، و التفصيل في محله.

و أمّا الفرع الثاني، أي لو سها و أعطى فقيرا آخر مع القول بانعقاد النذر، فيقع الكلام في الإجزاء أوّلا، و عدم تعلّق الكفارة ثانيا، و عدم جواز الاسترداد ثالثا، فنقول:

أمّا الأوّل- أي الإجزاء- فلأجل انّ المنذور له و غيره أمام إطلاق الدليل سواء، فقوله سبحانه إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ عام يشمل الفردين و غيرهما، و أمّا نذر الناذر فإنّما يحدث تكليفا عليه و لا يغيّر الواقع عمّا هو عليه و لا يخرج غير المنذور له عن تحت الدليل، فلو دفع إليه فقد صدر من أهله و وقع في محلّه.

و بذلك

يعلم عدم تعلّق الكفارة، لأنّه فرع صدق الحنث، و الحنث انّما هو في المخالفة العمدية، و أمّا المخالفة السهوية فلم يتعلّق بتركها النذر بل هي على ما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 6، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 201

..........

______________________________

عليها من الحكم قبل النذر.

و أمّا الثالث فلأنّ الفقير قد ملكه بالقبض و معه لا موضوع للنذر، فلا مجال لاسترداده بعد ما ملكه الفقير و صار كسائر أمواله.

فإن قلت: إنّ المالك إنّما دفع الزكاة إلى الغير و ملّكها إيّاه من حيث إنّه المنذور له، على نحو لو علم فقدان الحيثية، لما ملّكها إيّاه، فيكون المقام مثل ما إذا كان مديونا لزيد فدفع دينه إلى عمرو بزعم انّه زيد، فلا يملكه القابض مطلقا، فيكون المثال و الممثل من قبيل الخطأ في التطبيق، لأنّه في الحقيقة ملّك المنذور له و الدائن، ثمّ طبق العنوانين على غيرهما.

قلت: ما ذكرته صحيح في المثال فلا يملك عمرو لعدم استحقاقه لا بالذات و لا بالعرض، بخلاف المقام فانّ غير المنذور أيضا فقير مستحق للزكاة قابل لتملّكها إذا ملك و المفروض حصول التمليك، غاية الأمر انّ المالك قد كلّف نفسه بالنذر إلى إعطائه لزيد، فلم يتوقّف للامتثال، و هذا لا يخرج القابض عن الاستحقاق و قابلية التملك.

أمّا الفرع الثالث: تلك الصورة و لكن أعطاه غيره متعمّدا؛ فيقع الكلام أيضا في الإجزاء أوّلا، و تعلّق الكفّارة ثانيا، و الاسترداد ثالثا.

أمّا الأوّل فقد ذهب المصنّف إلى الإجزاء، و لعلّ وجهه ما عرفت و هو انّ النذر لا يغيّر الواقع عمّا هو عليه، و لا يخرج غير المنذور له عن تحت الدليل، و إنّما النذر يحدث تكليفا بالنسبة

إلى الناذر و لا يخرج غيره عن تحت الدليل، فقد صدر من أهله و وقع في محلّه.

هذا و يمكن تقريب عدم الإجزاء بوجوه ثلاثة ذكرها السيد الحكيم قدّس سرّه:

الأوّل: انّ الظاهر من النذر في أمثال المقام أنّه راجع إلى نذر أن لا يفرغ ذمّته إلّا بهذا المصداق، فتفريغ الذمّة بغير المصداق المذكور مخالفة للنذر، فيبطل

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 202

..........

______________________________

لكونه محرما، فلا يصحّ عبادة. كما لو نذر أن لا يصلّي في الحمام فصلّى فيه.

يلاحظ عليه: بأنّ متعلّق النذر هو إفراغ الذمّة بالمصداق المعيّن لا عدم إفراغه بغير هذا المصداق، و ما ذكره مبني على أحد الأمور الثلاثة غير التامّة:

1. أن يكون الأمر بأحد الضدّين مستلزما للأمر بترك الضدّ الآخر.

2. أن يكون الأمر بأحد الضدّين مستلزما للنهي عن الضدّ الآخر.

3. لزوم اشتراك المتلازمين في الحكم، و المجموع غير ثابت، بل الثابت خلافه.

و أمّا قياس المقام بما إذا نذر أن لا يصلّي في الحمام فلو صلّى تكون صلاته باطلة، فهو قياس مع الفارق، و ذلك لأنّ الصلاة في الحمام نقيض المنذور (ترك الصلاة) و يعدّ حنثا مباشريّا للنذر و يكون مبغوضا.

بخلاف المقام فإنّ المنذور إفراغ الذمّة بهذا المصداق و نقيضه عدم إفراغه بهذا المصداق، و أين هو من إفراغ الذمّة بمصداق آخر؟ فهو من لوازم النقيض و ليس نفسه، فانّ عدم إفراغ الذمة بهذا المصداق تارة يتحقّق بعدم دفع الزكاة بتاتا و أخرى بدفعها إلى غير ذلك المصداق.

الثاني: ما يظهر أيضا من كلماته قدّس سرّه من أنّ مفاد النذر ثبوت حق له تعالى، لأنّ الحقّ يوجب قصور سلطنته على الإعطاء.

و بتعبير آخر: انّ مفاد صيغة النذر جعل حقّ اللّه تعالى، فقبل النذر كان

المالك مختارا في إعطاء زكاته لأي فقير كان، و لكنّه بالنذر حدّد سلطنة نفسه و حصرها في الإعطاء لخصوص المنذور له و نفذه الشارع بإيجاب الوفاء، فصار الفعل حقّا للّه تعالى و المال متعلّقا لحقّه فلا يقع ما أعطى لغيره زكاة. «1»

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 272.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ اللام في قوله: «للّه عليّ» لا للتمليك و لا لجعل الحق للّه سبحانه، بل هو كاللام في قوله: أصلّي للّه و كأنّه يقول: لو قضيت حاجتي فأقوم بإعطاء الزكاة إلى فلان للّه سبحانه، فأين التحديد؟!

الثالث: انّ دفع الزكاة إلى غير الفرد المنذور له مصداق عملي للتعجيز عن امتثال الواجب و الوفاء بالنذر و هو أمر حرام.

و بعبارة أخرى: انّ إفراغ الذمّة بغير المنذور سلب قدرة على امتثال ما نذر، فيقع مبغوضا فلا يكون مقربا. «1»

و لعلّ هذا الوجه أوضح الوجوه، فالقول بعدم الإجزاء في صورة الالتفات هو الأقوى.

و منه يظهر حكم الاسترداد مع بقاء العين، و ذلك لأنّ الدافع إنّما ملّك القابض بزعم صحّة الدفع و فراغ ذمّته بهذا العمل، و قد تبيّن عدمه فلا يكون مالكا لتخلّف شرط التمليك.

و أمّا ضمانه فهو فرع عدم الغرور و التفات القابض إلى الحال، و إلّا فلا يضمن.

و أمّا الكفّارة فهو فرع الحنث و المفروض تحقّقه.

و ربما يقال بأنّه لا يصحّ نذر المالك من رأس، لأنّ النذر فيما يملك، و هو لا يملك الزكاة لأنّها ملك للأصناف، و لو صحّ نذر المالك لصحّ نذر الحاكم بأن يدفع الزكاة، إلى الشخص الخاص.

يلاحظ عليه: بالفرق بين المالك و الحاكم، لأنّ المالك يملك الزكاة قبل الدفع غير أنّه مأمور، بإخراجها عن ملكه فيصحّ له النذر؛ بخلاف

الحاكم فهو

______________________________

(1). كتاب الزكاة: 3/ 158.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 204

[المسألة 32: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه جاز له الاسترجاع]

المسألة 32: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية، و أمّا إذا شكّ في وجوبها عليه و عدمه فأعطى احتياطا ثمّ تبيّن له عدمه فالظاهر عدم جواز الاسترجاع و إن كانت العين باقية.* (1)

______________________________

غير مالك، بل مأمور بتقسيم الزكاة و صرفها إلى مصارفها و له الولاية على الصرف و هي لا تكفي في النذر.

(1)* هنا فرعان:

الأوّل: إذا أعطى الزكاة فقيرا باعتقاد انّ عليه الزكاة ثمّ بان خلافه.

الثاني: إذا أعطى فقيرا الزكاة احتياطا باحتمال انّ عليه الزكاة.

أمّا الأوّل: فيسترجع إذا كانت العين موجودة، و ذلك لكشف فراغ ذمّته عن الزكاة عن عدم التمليك واقعا لما عرفت من أنّه أعطاه الزكاة باعتقاد اشتغال ذمّته على نحو لو لا الاشتغال لما ملّكه. و بعبارة أخرى: انّه دفعه بعنوان أنّه زكاة فإذا تبيّن الخلاف و تبيّن عدم وجود العنوان فهو يكشف عن عدم التمليك واقعا.

و أمّا الثاني: فهو إعطاء الزكاة للفقير باحتمال اشتغال ذمّته و على نحو الرجاء و الاحتياط فلا يسترجع، و ذلك لأنّه لم يملكه بزعم كون الذمّة مشغولة ليتصوّر فيه كشف الخلاف، بل ملّكه بداعي الاحتمال، و هو يجتمع مع كلتا الصورتين:

الاشتغال و عدمه، و عندئذ لا يتصوّر فيه كشف الخلاف و فقدان العنوان- مضافا- إلى ما في موثقة الحسين بن علوان عن جعفر، عن أبيه، انّ عليّا كان يقول: «من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، و لا يجوز له إلّا إنفاقها، إنّما منزلتها بمنزلة العتق للّه، فلو أنّ رجلا أعتق عبدا للّه فردّ ذلك

العبد لم يرجع في الأمر الذي

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 205

..........

______________________________

جعله للّه، فكذلك لا يرجع في الصدقة». «1»

و الحاصل: انّ المالك في الصورة الأولى دفع المال إلى الفقير بقيد انّه زكاة لاعتقاده باشتغال ذمّته لها. فإذا تخلّف العنوان، يكشف عن عدم تملّكه من بدء الأمر نظير ما إذا ملّك شيئا لزيد باعتقاد أنّه صديقه، على وجه لو لا علمه به لما ملّكه، ثمّ تبيّن انّه رجل أجنبي.

لكنّه في الصورة الثانية دفع المال للفقير بعنوان الاحتياط اشتغلت ذمّتها بها أم لم تشتغل، فيكون التمليك مطلقا غير مقيد بشي ء، فإذا تبيّنت براءة ذمّته، لم يكن هنا كشف خلاف، إذ لم يكن معتقدا باشتغال ذمّته حتّى يتصور فيه كشف الخلاف، و منه يظهر حال فرعين آخرين:

1. إذا دفع المال بنيّة الصدقة، واجبة كانت (إذا كانت ذمّته مشغولة بالزكاة) أو مندوبة (إذا لم يكن كذلك). و بعبارة أخرى: دفع المال إلى الفقير بنية امتثال الأمر الفعلي، فلا يجوز الاسترداد لعدم جواز استرداد الصدقة مطلقا، واجبة كانت أو مستحبة. و ما دفعه مردّد بين الواجبة و المستحبّة.

2. إذا دفع المال إلى الفقير بنيّة الصدقة إذا كانت ذمّته مشغولة، أو الهبة إذا لم يكن كذلك، فتبيّن عدم الاشتغال، يجوز الاسترجاع، لجواز الرجوع في الهبة إذا كان الموهوب له من غير ذوي الرحم.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 206

[الفصل السابع في أوصاف المستحقّين]

اشارة

الفصل السابع في أوصاف المستحقّين و هي أمور: الأوّل: الإيمان، فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه، و لا لمن يعتقد خلاف الحقّ من فرق المسلمين، حتّى المستضعفين منهم إلّا من سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم سبيل اللّه في الجملة،

و مع عدم وجود المؤمن و المؤلّفة و سبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكّن.* (1)

______________________________

(1)* قد ذكر المصنّف في أوصاف المستحقّين أمورا أربعة:

الأوّل: الإيمان، و سيوافيك تفسيره.

الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء للقبيح.

الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي.

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره. و إليك البحث فيها واحدا تلو الآخر.

الأمر الأوّل: الإيمان

[فروع البحث]
اشارة

أمّا الوصف الأوّل: فقد ذكر في المقام الفروع التالية:

1. يشترط في القابض الإسلام و الإيمان بمعنى الاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثني عشر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 207

..........

______________________________

2. يجوز دفع الزكاة إلى المخالف من باب سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم سبيل اللّه.

3. إذا لم يتمكّن من صرف الزكاة فيما سبق يحفظ إلى حال التمكّن.

[الفرع الأول يشترط في القابض الإسلام و الإيمان]

أمّا الفرع الأوّل- أي اشتراط الإسلام- فهو ما اتّفق عليه المسلمون و أمّا اشتراط الإيمان بالمعنى الذي عرفت فهو ما اتّفقت عليه كلمة فقهائنا.

قال الشيخ في «الخلاف»: لا يجوز أن يعطى شي ء من الزكاة إلّا المسلمين العارفين بالحقّ. و لا يعطى الكفّار لا زكاة المال، و لا زكاة الفطرة، و لا الكفّارات.

و قال الشافعي: لا يدفع شي ء منها إلى أهل الذمّة. و به قال مالك و الليث بن سعد و أحمد و إسحاق و أبو ثور.

و قال ابن شبرمة: يجوز أن يدفع إليهم الزكوات، زكاة الفطرة و الكفّارات. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: و شرط علماؤنا أيضا الإيمان، فلا يعطى غير المؤمن عندنا- خلافا للجمهور فانّهم اقتصروا على الإسلام خاصة- لأنّ مخالف الحقّ محادّ للّه و رسوله فلا تجوز مودّته، و الزكاة معونة و مودّة فلا تصرف إليه.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السّلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر، و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال:

«ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها و إنّما موضعها، أهل الولاية». «2»

و هذا الحديث حسن الطريق. «3»

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 223، المسألة 2 من كتاب قسمة الصدقات.

(2). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(3). تذكرة الفقهاء: 5/ 263، المسألة 176.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 208

..........

______________________________

و قال المحقّق: الوصف الأوّل: الإيمان، فلا يعطى كافرا، و لا معتقدا بغير الحقّ. «1»

إلى غير ذلك من الكلمات و لم نجد مخالفا في المسألة.

و قد تضافرت الروايات على اشتراط الإيمان و الولاية في مستحقّ الزكاة، و قد عقد صاحب الوسائل بابا خاصا لهذا. «2»

و ليس الدليل منحصرا فيما نقله في ذلك الباب، بل يستفاد أيضا من الروايات التي يأمر المستبصر بإعادة الزكاة دون سائر العبادات معلّلا بأنّه وضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية. «3»

فلنذكر بعض الروايات:

1. صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري، عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: «لا و لا زكاة الفطرة». «4»

2. صحيحة علي بن بلال قال: كتبت إليه أسأله: هل يجوز أن أدفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك». 5

3. صحيحة زرارة و ابن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام انّهما قالا:

«الزكاة لأهل الولاية قد بيّن اللّه لكم موضعها في كتابه». 6

4. ما رواه الصدوق بأسانيده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام- في

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 163.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة. و قد نقل فيه ما يناهز 16 حديثا.

(3). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 2، 3.

(4) (4 و 5 و 6). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث

1، 4، 9.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 209

..........

______________________________

كتابه إلى المأمون- قال: «لا يجوز أن يعطى الزكاة غير أهل الولاية المعروفين». «1»

إلى غير ذلك من الروايات المبثوثة في البابين و غيرهما.

الفرع الثاني: جواز دفع الزكاة إلى المخالف من بعض السهام
اشارة

قد عرفت تضافر الروايات على شرطية الإيمان في المستحق فلا يدفع إليه مقصرا كان أو قاصرا، لإطلاق الأدلّة، و لذلك قال المصنّف: حتى المستضعفين منهم.

المستثنى من ضابطة الإيمان
اشارة

قد اختلفت كلمة فقهائنا في المستثنى من الإيمان- بعد اتّفاقهم على شرطيته في الصنفين الأوّلين: الفقراء و المساكين- و دونك الأقوال مع ما يمكن أن يكون دليلا لها.

1. المؤلّفة قلوبهم و سبيل اللّه

لقد اختار صاحب الجواهر انّ الخارج من الضابطة، هو سهم المؤلّفة قلوبهم، و سهم سبيل اللّه؛ و تبعه المصنّف غير أنّه قيّد الأخير بقوله: «في الجملة».

أمّا خروج الأوّل، فلأنّ إطلاق الآية يعمّ الكافر و المسلم، و المسلم يعمّ المخالف و المؤالف.

و أمّا الثاني فلأنّه موضوع لا يتصوّر فيه الإيمان و الكفر. «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 10.

(2). الجواهر: 15/ 380.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 210

2. المؤلّفة قلوبهم و العاملون

______________________________

ذهب صاحب الغنية إلى أنّ الخارجين عن الضابطة هم المؤلّفة قلوبهم و العاملون حيث قال: و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية- إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا- الإيمان و العدالة. «1»

قال في «الجواهر»: و لعلّه لاحظ انّ الدفع إليهم من قسم الأجرة التي لا تفاوت فيها بين المؤمن و غيره. «2»

3. اعتباره في الفقراء و المساكين فقط

و هناك من ذهب إلى اعتبار الإيمان في خصوص سهم الفقراء و المساكين خاصة دون ما في الأصناف، نقله صاحب الجواهر من دون أن يسمّي القائل، و أورد عليه بقوله:

إنّ مقتضاه جواز الدفع للغارمين من المخالفين و في فكّ رقابهم، و لابن السبيل منهم زيادة على العاملين و لا ريب في بطلانه، لقوة ما دلّ على اعتبار الإيمان في دفع الزكاة من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، حتّى أنّه ورد في بعض النصوص «3» طرحها في البحر مع عدم المؤمن، و انّ أموالنا و أموال شيعتنا حرام على أعدائنا، و أنّك لا تعطيهم إلّا التراب، إلى غير ذلك ممّا لا يصغى معه إلى دعوى كون التعارض بين الأدلّة من وجه. «4»

______________________________

(1). الغنية: 124.

(2). الجواهر: 15/ 380.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8 و 6.

(4). الجواهر: 15/ 381.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 211

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ ما أيّد به شمول الشرطية لعامّة الأصناف و إن كان قويا لكن ما استدلّ به على اعتبار الإيمان ظاهر في المنع إذا كان الدفع بعنوان الفقر و المسكنة، و إليك بعض العناوين:

أ. سألته عن الزكاة هل توضع فيما لا يعرف؟

ب. فكتب: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك».

ج. لا يجوز أن يعطى الزكاة غير أهل الولاية المعروفين.

«1»

إلى غير ذلك من العنوانات الواردة في الباب الخامس من أبواب المستحقّين للزكاة، و هكذا ما ورد في الباب الثالث منه، فإنّ المتبادر منها انّ المزكّي كان يعطي زكاته لجيرانه و أقوامه أو لمواطنيه لسدّ فاقتهم.

و أمّا إذا كان الدفع بغير ملاك الفقر و المسكنة فشمول الأدلّة موضع تأمّل.

نعم التعليلات التي أشار إليها صاحب الجواهر تصدّ الفقيه عن الإفتاء بهذا التفصيل، أي اشتراط الإيمان في الصنفين الأوّلين دون الأصناف الستة الباقية.

4. الاستحقاق بالذات و الاستحقاق بالعنوان

و هناك من فصّل بين الاستحقاق بالذات و الاستحقاق بعنوان من العنوانات، فإنّ الأصناف الثمانية على أقسام ثلاثة:

قسم منهم يستحقّ الزكاة بما هو هو، و هذا كالفقير و المسكين و الرقاب وَ الْغٰارِمِينَ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، فيدفع إليهم الزكاة استحقاقا.

و قسم منهم لا يستحقّ الزكاة بما هو هو، بل لأجل قيامهم بأعمال تصبّ في صالح الإسلام و المسلمين، و هذا كالعاملين عليها، حيث يجبون الزكاة، و المؤلّفة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 4، 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 212

..........

______________________________

قلوبهم حيث يدفعون شر الأعداء عن المسلمين.

و قسم ثالث لا يوصف بالإيمان و الكفر و إنّما يستفيد منه المؤمن و في ظله المخالف، و هذا كسهم سبيل اللّه. فما ذكره صاحب الجواهر من التعليلات ربما ترجع إلى القسم الأوّل دون الأخيرين، و لا يخالف ذلك التفصيل.

5. عدم اعتباره في المؤلّفة وَ فِي الرِّقٰابِ
اشارة

و يظهر ممّا رواه زرارة و محمد بن مسلم عدم اعتباره في المؤلّفة وَ فِي الرِّقٰابِ و اعتباره في الآخرين حيث جعل سهمهما عامّين دون الباقين.

روى زرارة و محمد بن مسلم أنّهما قالا لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت قول اللّه تبارك و تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنّهم يقرّون له بالطاعة» قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟

فقال: «يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه،

فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس، ثمّ قال: سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم الرقاب عام، و الباقي خاص».

قال: قلت: فإن لم يوجدوا، قال: «لا تكون فريضة فرضها اللّه عزّ و جلّ و لا يوجد لها أهل».

قال: قلت: فإن لم تسعهم الصدقات، فقال: «إنّ اللّه فرض للفقراء في مال

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 213

..........

______________________________

الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم، إنّهم لو يؤتوا من قبل فريضة اللّه عزّ و جلّ، و لكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم، لا ممّا فرض اللّه لهم، فلو أنّ الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير». «1»

و الحديث يصلح أن يكون ردّا للقول الرابع حيث اعتبر الإيمان في الأصناف الثمانية إلّا الإيمان فيمن يستحقّ بالذات و منهم فِي الرِّقٰابِ، و لكن الحديث يقول بأنّ الحكم فيه عامّ.

حكم الإمام غير حكم المزكّي

يستفاد من الرواية انّ الإمام يعطي الجميع لأجل إطاعتهم له و انّ حكم الإمام غير حكم المزكّي، فالمزكّي لا يدفع إلّا للمؤمن إلّا فيما استثني، و أمّا الإمام الحاكم الذي انقادت له الأمّة موافقهم و مخالفهم فهو يعطي الجميع من عامة السهام لأجل تسليمهم.

اللّهم إلّا أن يقال: انّ الإمام يدفع للمخالف من باب سهم المؤلّفة لا سهم الفقير و المسكين، لكنّه خلاف ظاهر الرواية و إن كان الإمام المعصوم أعرف بوظيفته من غيره.

و أمّا الحاكم الشرعي إذا أنشأ دولة إسلامية و انقادت له الأمّة فعليه إدارة المجتمع على النحو الأصلح، و إذا جاز للإمام المعصوم إعطاء الجميع من عامّة السهام جاز للحاكم الإسلامي في القائم مقامه أيضا و إلّا فيعطى غير المؤمن من

سهم المؤلّفة أو سهم سبيل اللّه.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 214

الفرع الثالث: إذا لم يتمكّن من صرف الزكاة في محلّها

______________________________

قد عرفت أنّ الزكاة تصرف في الموافق من عامة السهام و أمّا المخالف فيصرف لهم من سهم المؤلّفة أو سبيل اللّه على قول المصنّف و غيره. و قد عرفت الأقوال فلو افترضنا عدم الجميع فقد ذهب المصنّف إلى حفظها إلى حال التمكّن.

قال المحقّق في «المعتبر»: و إذا لم يوجد المؤمن هل يصرف إلى غيرهم؟ فيه قولان أشبههما انّ زكاة المال لا تدفع إلى غير أهل الولاية. «1»

و قال في «الجواهر»: فمع عدم المؤمن و عدم مصرف شرعي آخر تحفظ إلى حال التمكّن منه و لا تعطى للمخالف بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، لإطلاق أدلّة المنع و ظهور جملة منها و صراحة آخر في ذلك. «2»

و يدلّ عليه بالخصوص خبر إبراهيم الأوسي، عن الرضا عليه السّلام قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال: إنّي رجل من أهل الري ولي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا، فقال: أ ليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إنّي لا أعرف لها أحدا، فقال: فانتظر بها سنة، قال: فإن لم أصب لها أحدا، قال: انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين، ثمّ قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرها صررا و اطرحها في البحر فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا». «3»

و بما انّ الخبر لا يخلو من الغرابة إذ في طرحها في البحر إضاعة للمال، حاول

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 580.

(2). الجواهر: 15/ 381.

(3). الوسائل: 6،

الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 215

..........

______________________________

الحر العاملي تفسيره بقوله: لعلّ هذا من تعليق المحال على المحال لما تقدّم من أنّها لا تكون فريضة فرضها اللّه لا يوجد لها موضع «1»، أو على وجه المبالغة في منع غير المؤمن، و معلوم أنّ فرض عدم وجود المؤمن و عدم إمكان الوصول إليه في أربع سنين محال عادة، و على تقديره فباب سبيل اللّه واسع، و الرقاب و المستضعفون قريب من ذلك، و اللّه أعلم. «2»

و يمكن أن يقال: انّ الانتظار بما انّه حكم طريقي لصيانة أموال الفقراء و حقوقهم يختصّ بالأزمنة كان الانتظار طريقا صالحا للحفظ، و أمّا إذا كان الانتظار مظنّة التلف فأمام المزكّي أحد الطريقين:

1. أن يدفع الزكاة إلى الحاكم، فله الولاية على أموال الفقراء و حقوقهم كالإمام المعصوم، و قد مرّ الإمام يعطي من يعرف و من لا يعرف، فالحاكم يتمتع باختيار أوسع من اختيار المزكّي، فيصرفها كما يصرفها الإمام المعصوم.

2. أن يصرفها في المستضعفين من المخالفين، و قد وردت الرواية لصرف زكاة الفقراء منهم و عمل به الشيخ و أتباعه لموثّقة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان جدي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعطي فطرته الضعفة، و من لا يجد، و من لا يتولّى». قال:

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب، و لا تنقل من أرض إلى أرض». «3»

و خبر يعقوب بن شعيب الحداد، عن العبد الصالح عليه السّلام قال: قلت له:

الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في

______________________________

(1). الوسائل:

6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، تعليقة على الحديث 8.

(3). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 216

[المسألة 1: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين و مجانينهم]
اشارة

المسألة 1: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين و مجانينهم من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى و لا بين المميّز و غيره إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم، و إمّا بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسّط أمين إن لم يكن لهم وليّ شرعيّ من الأب و الجدّ و القيّم.* (1)

______________________________

إخوانه و أهل ولايته»، قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم»، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: «يدفعها إلى من لا ينصب»، قلت: فغيرهم؟ قال: «ما لغيرهم إلّا الحجر». «1»

غير أنّ الأصحاب أعرضوا عنه، قال المحقّق في «المعتبر» بعد نقل الرواية، و هي نادرة و في طريقها أبان بن عثمان و فيه ضعف. «2»

و قال بمثله العلّامة في «المنتهى». «3»

و ذكر صاحب الجواهر انّه مطروح أو محمول على مستضعفي الشيعة و نحو ذلك. «4»

و الظاهر انّ ضعف السند لأجل إبراهيم بن إسحاق النهاوندي المعروف بالأعجمي، و هو لم يوثّق.

و لو لا الاتّفاق، لكان مقتضى القاعدة- على فرض صحّة السند- تقديم الخاص على العام.*

في المسألة فرعان:
اشارة

1. جواز دفع الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين، من غير فرق بين

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

(2). المعتبر: 2/ 580.

(3). المنتهى: 1/ 523.

(4). الجواهر: 15/ 381.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 217

..........

______________________________

الذكر و الأنثى و الخنثى و لا بين المميز و غيره.

2. انّ طريق الصرف إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم، و إمّا بالصرف عليهم مباشرة أو بواسطة أمين.

و إليك دراسة الفرعين واحدا بعد الآخر:

الفرع الأوّل: صرف الزكاة في أطفال المسلمين أو المؤمنين

فهو ممّا اتّفق عليه فقهاؤنا و أكثر فقهاء أهل السنّة.

قال الشيخ في «النهاية»: و لا بأس أن تعطى الزكاة أطفال المؤمنين و لا تعطى أطفال المشركين. «1»

و قال المحقّق: و تعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم. «2»

و قال العلّامة في «التذكرة»: تعطى الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم، و لا يشترط عدالة الأب لعموم الآية، و لقول الصادق عليه السّلام: و قد سأله أبو بصير: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟: «نعم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم». «3»

إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يكون قد أكل الطعام أو لا، عند علمائنا و هو إحدى الروايتين عن أحمد، لأنّه فقير فجاز الدفع إليه كالذي طعم، و لأنّه يحتاج إلى الزكاة لأجل رضاعه و كسوته و سائر مئونته فيدخل في عموم النص، و عنه رواية أخرى انّه لا يجوز دفعها إلّا إلى من أكل الطعام و هذا ليس بشي ء.

و قال ابن قدامة في «المغني»: فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي، فظاهر كلام أحمد انّه لا يجوز دفع زكاته إليه، لأنّه ينتفع

______________________________

(1). النهاية: 186.

(2). المعتبر: 2/ 568.

(3). التذكرة: 5/ 279.

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 218

..........

______________________________

بدفعها إليه لإغنائه لها عن مئونته. و الصحيح- إن شاء اللّه- جواز دفعها إليه، لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين للزكاة و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس صحيح، فلم يجز إخراجه عن عموم النصّ بغير دليل. و قد روى البخاري أنّ امرأة عبد اللّه سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بني أخ لها أيتام في حجرها فتعطيهم زكاتها؟ قال:

«نعم».

فإن قيل: فهو ينتفع بدفعها إليه.

قلنا: قد لا ينتفع به، لإمكان صرفها في مصالحه التي لا يقوم بها الدافع، و إن قدر الانتفاع به فانّه نفع لا يسقط به واجبا عليه و لا يجتلب به مالا إليه، فلم يمنع ذلك الدفع كما لو لم يكن من عائلته. «1»

و يظهر من العلّامة اتّفاق الفقهاء على الجواز. قال: الإجماع دلّ على إلحاق الطفل بأبيه في الإيمان و إجرائه في حكمه عليه دون العدالة. «2»

و يدلّ عليه من النصوص صحيحة أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال: «نعم، حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم» فقلت: إنّهم لا يعرفون؟ قال:

«يحفظ فيهم ميّتهم و يحبّب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم». «3»

و خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ذرّية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتّى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطوا». 4

______________________________

(1). المغني: 2/ 713.

(2).

مختلف الشيعة: 3/ 210.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 219

..........

______________________________

و خبر يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى انّ ذلك خير لهم؟ قال:

فقال: «لا بأس». «1»

و العنوانات الواردة فيها عبارة عن:

أ. يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟

ب. ذرية الرجل المسلم.

ج. عيال المسلمين.

و هي تشتمل على كلّ من يعوله المسلم فعلا أو شأنا من كبير أو صغير، أو ذكر أو أنثى، مميّز أو غير مميّز، عاقل أو مجنون.

و العجب مع ورود هذه النصوص بنى الشهيد الثاني الجواز و عدمه على أنّ العدالة شرط أو الفسق مانع.

فعلى الأوّل لا تعطى، لعدم صحّة وصف الطفل بالإيمان و الفسق خصوصا إذا كان رضيعا.

و على الثاني يعطى لعدمه.

قال قدس سرّه: هذا إذا لم نعتبر العدالة في المستحق، أمّا لو اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتّصافهم بها، و الجواز لأنّ المانع الفسق و هو منفي عنهم، لأنّه عبارة عن الخروج عن طاعة اللّه فيما دون الكفر و هم غير مخاطبين بالطاعة. و مبنى الإشكال على أنّ العدالة هل هي شرط أو الفسق مانع؟

فعلى الأوّل يحتمل الأوّل للدليل الدالّ على اعتبار العدالة، و لأنّه لو اكتفى بعدم

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 220

..........

______________________________

الفسق لزم جواز إعطاء المجهول حاله عند مشترط العدالة، لعدم تحقّق المانع فيعمل المقتضي عمله، و هو لا يقول به. و يحتمل الثاني حملا للاشتراط على من يمكن في حقّه ذلك

و هو منفي في الطفل. «1»

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ منصرف الأدلّة- كما نبّه به في ذيل كلامه- هو من كان موضوعا للتكليف و تشترط فيه العدالة أو يكون الفسق مانعا، و أمّا من لم يكن موضوعا للتكليف فأدلّة الاشتراط منصرفة عنه.

و ثانيا: انّ العنوانات في النصوص تعمّ ما يعوله المسلم من كبير أو صغير، و مميز و غيره، و عاقل و مجنون، و كان ما ذكره أشبه بالاجتهاد أمام النص.

ثالثا: أنّ الغاية من تشريع الزكاة رفع حاجات المسلمين، فإذا مات الرجل و له عيال بين مميز و غيره أو بالغ و غير بالغ، فهل يتصوّر حرمانهم من الزكاة بحجة فقدان العدالة فيهم لصغرهم مع أنّ الغاية من تشريعها سدّ الفاقة و رفع الخلّة.

هذا كلّه حول الفرع الأوّل.

الفرع الثاني: طريق مصرف الزكاة في حقّهم

قد سبق انّ طريق صرفها فيهم أحد أمرين:

إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم، و إمّا بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسط أمين.

لا شكّ في جواز الأوّل، إنّما الكلام في جواز الصرف عليهم بلا تمليك لهم.

هناك أقوال ثلاثة:

1. عدم جواز الصرف و انحصار الطريق بالتمليك، لهم بدفعها إلى الولي.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 421- 422.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 221

..........

______________________________

و هذا خيرة صاحب الجواهر و قد أصرّ عليه. «1»

2. جواز الصرف عليهم مطلقا، سواء أ كان هناك ولي أو لا، سواء صرفه بنفسه أو بغيره، و هذا ما نقله صاحب الجواهر عن بعض المعاصرين، قال: بل ربما ظهر من بعض المعاصرين الميل إلى جواز ذلك مع التمكّن من الولي. 2

3. التفصيل بين وجود الولي و غيره. فالتمليك في الأوّل دون جواز الصرف، و الصرف في الثاني، و هذا هو الظاهر من المصنّف حيث قال: و أمّا بالصرف عليهم مباشرة أو

بتوسط أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي من الأب و الجد و القيّم.

و هذا هو الظاهر أيضا من العلّامة في «التذكرة».

قال: لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره، فإنّ الدفع إلى الولي، فإن لم يكن ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله. «3»

دليل منع الصرف

ذهب صاحب الجواهر إلى منع الصرف بالمباشرة أو بواسطة فرد آخر أمين، و عمدة كلامه يرجع إلى مشكلة تملّك الصبيّ، إذ يجب على الحاكم أو المزكّي تمليك الزكاة للمستحقّ بالإقباض و القبض، و قد سلب الشارع أفعال الأطفال و أقوالهم فلا يترتب التمليك على قبضهم.

قال في الجواهر: فإذا أراد الدفع إليهم من سهم الفقراء مثلا سلّم بيد وليّهم، لأنّ الشارع سلب أفعالهم و أقوالهم، فلا يترتّب ملك لهم على قبضهم، و معلوم اعتبار الملك في هذا السهم. «4»

______________________________

(1) (1 و 2). جواهر الكلام: 15/ 385.

(3). التذكرة: 5/ 280.

(4). الجواهر: 15/ 384.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 222

..........

______________________________

يلاحظ عليه بما ذكره المحقّق الهمداني حيث قال: فانّ ما دلّ على سلب أفعال الصبي و أقواله إنّما يدلّ عليه في عقوده و إيقاعاته و نظائرها ممّا فيه إلزام و التزام بشي ء على وجه يترتّب على مخالفته مؤاخذة لا مطلق أعماله، و لذا قوّينا شرعية عباداته، و كذا معاملاته التي لم يكن فيها إلزام و التزام، بل مجرّد اكتساب، كحيازة المباحات و تناول الصدقات و نظائرها.

ألا ترى قضاء الضرورة بعدم جواز السرقة ممّا حازه الصبي من المباحات الأصلية و غيرها ممّا يجوز حيازتها بقصد الاكتساب، فكذا الشأن في ما يتناول من وجوه الصدقات. «1»

و كلام المحقّق الهمداني يعرب عن لزوم التمليك و التملّك في مورد الزكاة، و انّ

التملّك يحصل بقبض الطفل المميّز.

و يمكن أن يجاب عن الإشكال بوجه آخر، و هو: ادّعاء عدم الدليل على لزوم التمليك و التملّك في أمر الزكاة، بل يكفي الصرف، و ذلك لأنّ الظاهر انّ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّة و الحاجة، فهذه الغاية تتحقّق تارة بالتمليك و أخرى بالصرف.

نعم يشترط في الصرف في مورد الصبي أن يصرفه و لا يتلفه، و المفروض هو الصورة الأولى لا الثانية.

و العجب انّ صاحب الجواهر ينظر إلى الزكاة نظرة عبادية بحتة، فيفرّق بين التمليك و الصرف مع حصول الغرض و الغاية في كلا الموردين.

قال الشيخ الأنصاري: هل يجوز للمالك صرف الزكاة للطفل و هو مع وجود الولي، كأن يطعمه في حال جوعه و إن لم يعلم بذلك أبوه؟ الظاهر عدم الجواز من

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 13/ 601.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 223

[المسألة 2: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا و إن كان يحجر عليه بعد ذلك]

المسألة 2: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا و إن كان يحجر عليه بعد ذلك، كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل الله، بل من سهم الفقراء أيضا على الأظهر من كونه كسائر السهام أعمّ من التمليك و الصرف.* (1)

[المسألة 3: الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن]

المسألة 3: الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن خصوصا إذا كان هو الأب. نعم لو كان الجدّ مؤمنا و الأب غير مؤمن ففيه إشكال، و الأحوط عدم الإعطاء.* (2)

______________________________

سهم الفقراء، لأنّ الظاهر من أدلّة الصرف في هذا الصنف هو تمليكهم إيّاه. نعم يجوز من سهم سبيل اللّه، و يحتمل الجواز من سهم الفقراء بدعوى انّ الظاهر من تلك الأدلّة استحقاقهم للزكاة، لا تملّكهم لها، فالمقصود هو الإيصال. «1»

و على ما ذكرناه يجوز الصرف في اليتيم الفقير و إن كان له وليّ، لأنّ الغاية سدّ الخلّة و قضاء الحاجة، و هو حاصل في كلا الصورتين.

(1)* و الفرق بين السفيه و غيره انّ السفيه محجور من التصرّف و ليس محجورا عن الأخذ و التملّك، فلو قبض ملكه ثمّ يحكم عليه بالحجر.

و أمّا الصرف عليه من سهم سبيل اللّه فهو مبني على أنّ المراد منه كلّ عمل قربي، و أمّا صرفه من سهم الفقراء فيجوز بالتمليك و بالصرف عليه.

(2)* انّ هنا مسائل ثلاث:

1. إذا كان أحد الأبوين حرا و الآخر رقّا، حكم بتبعيّة الولد للحرّ منهما و لو كان هو الأم.

2. إذا كان أحد الأبوين مسلما حكم بإسلامه و إن كان المسلم هو الأمّ،

______________________________

(1). كتاب الزكاة، للشيخ الأنصاري: 322- 323.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

و كذا لو أسلم أحد الأبوين و هو طفل.

3. إذا كان أحد الأبوين مؤمنا عارفا، فهل يحكم بلحوق

الطفل بالمؤمن منهما و لو كان المؤمن هو الأمّ، أو يختصّ الحكم بالإيمان بما إذا كان الأبوان أو الأب هو المؤمن؟

أمّا المسألة الأولى، فالظاهر من الفقهاء هو التبعيّة و لو كان الحرّ هو الأمّ، و قد وردت فيها روايات مستفيضة نكتفي برواية واحدة، ففي رواية الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان أحد والديه حرا فالولد حرّ». «1»

و أمّا المسألة الثانية، فالظاهر من المحقّق و الشهيد الثاني هو اللحوق.

قال الأوّل في كتاب الميراث: إذا كان أحد أبوي الطفل مسلما، حكم بإسلامه، و كذا لو أسلم أحد الأبوين و هو طفل. «2»

و قال الشهيد الثاني: و في إلحاق إسلام أحد الأجداد و الجدات بالأبوين وجهان أظهرهما ذلك، سواء أ كان الواسطة بينهما حيّا أو ميّتا. «3» و لكن ليس في المقام دليل على التبعية و لا على تغليب جانب الأمّ على جانب الأب سوى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه». «4»

و سوى قول الإمام الصادق عليه السّلام: «ما من مولود يولد إلّا على الفطرة فأبواه اللّذان يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه». «5»

غير أنّ دلالتهما على التغليب غير واضحة، و التفصيل في المسألتين في محلهما.

______________________________

(1). الوسائل: 14، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

(2). الشرائع: 4/ 13.

(3). المسالك: 13/ 29.

(4). الوسائل: 17، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.

(5). الوسائل: 11، الباب 48 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 225

..........

______________________________

لكن الكلام في المقام في المسألة الثالثة- أعني: تبعية الطفل في الإيمان لأشرف الوالدين و إن كان هو الأمّ- فقد اختاره المصنّف في المتن.

نعم استشكل فيما

إذا كان الجدّ مؤمنا و الأب غير مؤمن. «1»

و على كلّ تقدير، فقد دلّ الدليل على التبعية فيما إذا كان المؤمن هو الأب سواء أ كانت الأمّ مؤمنة أم لا؛ كصحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟

قال: «نعم، حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم» فقلت: إنّهم لا يعرفون؟ قال: «يحفظ فيهم ميّتهم و يحبّب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم». «2»

2. و معتبرة أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتّى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطوا». 3

فإنّ المراد من المسلم في الرواية هو المؤمن بقرينة الذيل.

إنّما الكلام فيما إذا كان الأب مخالفا و الأمّ مؤمنة، فيمكن أن يقال بكفاية إسلام الأم في التبعية بما رواه يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أنّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال: «لا بأس». «4»

______________________________

(1). و سياق العبارة يقتضي أن يقول: و الأبوان غير مؤمنين.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 2.

(4). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 226

[المسألة 4: لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين فضلا عن غيرهم من هذا السهم]

المسألة 4: لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين فضلا عن غيرهم من هذا السهم.* (1)

______________________________

فانّ المراد من المسلمين هو

الأعمّ من المسلم و المسلمة؛ كما في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه»، و قوله: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم و مسلمة».

فإذا كانت الأمّ مؤمنة تربّي طفلها، فالرواية شاملة لها.

و هناك وجه آخر لو صحّ لخرجنا بنتيجة كليّة، و هي: انّ ما دلّ على اختصاص الزكاة بالمؤمن سواء أقلنا بشرطية الإيمان أو مانعية عدمه، فالظاهر انّها منصرفة إلى المكلّف بالإيمان، و أمّا الطفل الرضيع الفقير فخارج عن تحتها.

و إن شئت فلاحظ قول الإمام الرضا عليه السّلام:

«لا يجوز أن يعطى الزكاة غير أهل الولاية المعروفين». «1»

و قوله عليه السّلام: «من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئا». 2

و قوله عليه السّلام: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك». 3

إلى غير ذلك من الروايات المنصرفة إلى المكلّفين دون الطفل الرضيع و دون غيره إذا كان غير مميّز فالظاهر حسب القواعد انّ غير المميّز إذا كان فقيرا يعطى من الزكاة إذا لم يكن هنا مانع ككفر الوالدين؛ و أمّا المميّز فلو أظهر الإيمان فيعطى له، و إلّا فلا.

(1)* إنّ ابن الزنا على قسمين:

ابن الزنا قد يكون صغيرا، و قد يكون مميزا أو بالغا.

______________________________

(1) (1، 2 و 3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 10، 11، 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

أمّا الصورة الثانية فالملاك هو نفسه، فإن كان مؤمنا فتعطى له الزكاة لكونه مسلما و عارفا، و إن كان غير عارف فتحرم؛ إنّما الكلام فيما إذا كان الوالدان مؤمنين و قد ولد منهما أو من الوالد المؤمن، فهل يتبع الوالد المؤمن فيحكم بإيمانه فتعطى له الزكاة، أو يكون النسب منقطعا؟

قال في «الجواهر»:

ولد الزنا من المؤمنين كولده من الكافرين لا تبعية فيه لأحدهما، بناء على كونها في النكاح الصحيح، فدفع الزكاة إليه حينئذ مبني على كون الإيمان فعلا أو حكما شرطا فلا يعطى، أو أنّ الكفر فعلا أو حكما مانع فيعطى. «1»

لا شكّ انّ ولد الزنا ولد عرفي و ليس بولد شرعي فيجب التفكيك بين الآثار التي تترتب على الولد الشرعي و ما تترتب على الولد العرفي.

أمّا التوارث فقد دلّت الأحاديث على حرمانه منه، لانقطاع النسب شرعا، فالوارثة من آثار الولد الشرعي فهي منتفية.

إنّما الكلام في غيره من الآثار، فهل هي أيضا منتفية أو لا؟ الظاهر ترتّب سائر الآثار غير التوارث عليه، و لذلك يجب على الأب نفقته و تحرم نكاح الوليدة من الزنا، و يجوز النظر إليها، إلى غير ذلك من الآثار.

كيف و قد أطلق عليه الولد في بعض الروايات، ففي رواية الأشعري، قال:

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام معي، يسأله عن رجل فجر بامرأة، ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خلق اللّه به، فكتب بخطّه و خاتمه: «الولد لغيّة لا يورّث». «2»

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 384.

(2). الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 228

[المسألة 5: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعادها]
اشارة

المسألة 5: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعادها، بخلاف الصلاة و الصوم إذا جاء بهما على وفق مذهبه، بل و كذا الحجّ و إن كان قد ترك منه ركنا عندنا على الأصحّ، نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر أجزأ، و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.* (1)

______________________________

فترى أنّه عليه السّلام يسمّيه ولدا ثمّ يصفه بأنّه

لغيّة، و المراد من قوله: «لغيّة» أي ولد الزنا.

و على ذلك فالظاهر انّ ابن الزنا و غيره إذا كان الوالد أو الأمّ مؤمنا يعطى له الزكاة، فالبنوّة العرفية كافية في التبعية، و قد عرفت أنّه يجب بذل نفقته و حرمة تزويجه و جواز النظر إلى غير ذلك من الآثار.

على أنّك قد عرفت أنّ ما يدلّ على شرطية الإيمان أو مانعية الخلاف فهو منصرف إلى المكلّف بالإيمان.

و إن أبيت عن فقدان التبعية فالظاهر انّ إظهار المميز للإيمان كاف في صدق الإيمان.

(1)*

هنا فروع ثلاثة:
اشارة

الأوّل: إذا أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعاد الزكاة.

الثاني: إذا صلّى غير المؤمن أو صام و حجّ على وفق مذهبه ثمّ استبصر لا يعيد حتّى و لو ترك ركنا من الأركان.

الثالث: لو دفع الزكاة إلى المؤمن و هو غير مؤمن ثمّ استبصر أجزأ.

و إليك دراسة الكلّ واحدا بعد الآخر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 229

الفرع الأوّل: إعادة المخالف الزكاة

______________________________

إذا أعطى المخالف الزكاة أهل نحلته ثمّ استبصر تجب عليه إعادة الزكاة.

قال الشيخ في «النهاية»: و لو انّ مخالفا أخرج زكاته إلى أهل نحلته ثمّ استبصر كان عليه إعادة الزكاة. «1»

و قال المحقّق: و لو أعطى مخالف زكاته لأهل نحلته ثمّ استبصر أعاد. «2»

و قال العلّامة: و لو كان الدافع غير مؤمن ثمّ استبصر أعاد أيضا للرواية. «3»

و قد ادّعى في «الجواهر» عدم وجدان الخلاف فيه. «4»

و قد تضافرت الروايات على الحكم.

1. رواية الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة، لا بدّ أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية». «5»

2. و صحيحة ابن أذينة قال: كتب إليّ أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ كلّ عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثمّ منّ اللّه عليه و عرّفه هذا الأمر فإنّه يوجر عليه و يكتب له إلّا الزكاة، فإنّه يعيدها لأنّه وضعها في

غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية، و أمّا الصلاة و الصوم فليس عليه قضاؤهما». 6

______________________________

(1). النهاية: 185.

(2). الشرائع: 1/ 163.

(3). التذكرة: 5/ 399، المسألة 300.

(4). الجواهر: 15/ 386.

(5) (5 و 6). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

و الظاهر سقوط الواسطة بين ابن أذينة و أبي عبد اللّه عليه السّلام بشهادة رواية الشيخ لنفس الرواية: عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: كلّ عمل عمله .... الخ

و على كلّ تقدير انّ التعبير الوارد في الروايات يدلّ على قضاء كلّ واجب مالي وضعه في غير موضعه من غير فرق بين الزكاة و غيرها كالكفّارات.

[الفرع الثاني عدم وجوب إعادة الصلاة و الصوم و الحج للمستبصر]

و أمّا الفرع الثاني- أي عدم وجوب إعادة الصلاة و الصوم و الحجّ- فقد ظهر من تلك الروايات و غيرها، و قيّد المصنّف الصحّة بقوله: «إذا جاء بهما على وفق مذهبه بل و كذا الحجّ» و لعلّ دليله هو القدر المتيقّن. لكن ذهب المحقّق الهمداني إلى الصحة فيما إذا أتى بها على وفق مذهبنا، قال:

و لو أتى بها على وفق مذهبنا على وجه تأتى منه قصد القربة، كما لو جهل بشي ء فسأل المفتي مثلا فأرشده إلى ما يوافق الحقّ فعمل به بقصد التقرب، فهل يلحق بالفاسدة في وجوب قضائها لكونها فاسدة عندهم من حيث المخالفة لمذهبهم و عندنا أيضا لكونها فاقدة شرط الولاية المعتبرة لدينا في قبول الأعمال؟

وجهان، أوجههما العدم، فإنّ ما دلّ على مضي أعمالهم بعد الإسلام يدلّ عليه في مثل الفرض بالفحوى بل شمول قوله عليه السّلام في صحيحة الفضلاء و ابن أذينة:

«و كلّ عمل عمله»

لمثل الفرض أوضح من شموله للعبادات الفاسدة الواقعة على وفق مذهبهم مع أنّ شرطية الولاية لقبول الأعمال على الظاهر ليس على وجه يكون منافيا لذلك، فلا ينبغي الاستشكال فيه. «1»

ثمّ إنّه لا فرق بين ترك الركن و عدمه و إطلاق الروايات.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 230

و من العجب ما حكي من العلّامة حيث إنّه بعد ما روى صحيحة الفضلاء قال:

______________________________

(1). مصباح الفقيه: كتاب الصلاة: 2/ 601.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 231

..........

______________________________

و هذا الحديث حسن الطريق و هل هو مطلق؟ نصّ علماؤنا على أنّه في الحجّ إذا لم يخلّ بشي ء من أركانه لا يجب عليه الإعادة، أمّا الصوم و الصلاة ففيهما إشكال من حيث إنّ الطهارة لم تقع على الوجه الصحيح و الإفطار قد يقع منهم في غير وقته، و يمكن الجواب بأنّ الجهل عذر كالتقية، فصحّت الطهارة، و الإفطار قبل الوقت إذا كان لشبهة قد لا يستعقب القضاء كالظلمة الموهمة فكذا هنا، و بالجملة فالمسألة مشكلة.

و أورد عليه في «الجواهر» و قال: إذ هو كما ترى كأنّه اجتهاد في مقابلة النص. «1»

الفرع الثالث: إذا دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر فهل هو يجزي أو لا؟

اختار المصنّف الإجزاء.

قال في «الجواهر»: لو أعطى الزكاة أهل الولاية لا يعيد إذا استبصر تمسّكا بظاهر التعليل. 2

و مراده من التعليل قول الإمام الصادق عليه السّلام: «لأنّه وضعها في غير موضعها» «3» و قول الباقر و الصادق عليهما السّلام: «لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها». 4

فالعلّة كما تعمّم فهكذا تخصّص، فالأمر بالإعادة و إن كان مطلقا لكن التعليل خصّصه بما إذا وضع في غير موضعها، و

المفروض انّه وضعها في موضعه مع تمشّي القربة.

______________________________

(1) (1 و 2). الجواهر: 15/ 387- 388.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 232

[المسألة 6: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ]

المسألة 6: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ إذا كان على وجه التمليك، و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف.* (1)

[المسألة 7: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين]
اشارة

المسألة 7: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلّا بهذا اللفظ، أو النبيّ أو الأئمّة كلّا أو بعضا أو شيئا من المعارف الخمس و استقرب عدم الإجزاء، بل ذكر بعض آخر أنّه لا يكفي معرفة الأئمّة بأسمائهم، بل لا بدّ في كلّ واحد أن يعرف أنّه من هو، و ابن من، فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره، و أن يعرف الترتيب في خلافتهم، و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا؟ يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفي الإقرار الاجماليّ بأنّي مسلم مؤمن و اثنا عشريّ، و ما ذكروه مشكل جدّا، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجماليّ، و إن لم يعرف أسماءهم أيضا فضلا عن أسماء آبائهم و الترتيب في خلافتهم، لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنّه من المؤمنين الاثني عشريّين، و أمّا إذا كان بمجرّد الدعوى و لم يعلم صدقه و كذبه فيجب الفحص عنه.* (2)

______________________________

(1)* قد عرفت أنّ دفع الزكاة إمّا بالتمليك أو بالصرف، و على ذلك فوقت النّية على الأوّل عند التمليك و على الثاني عند الصرف.

و المراد من الصرف هو تسليطهم على الزكاة على نحو ينتفعون بها في حاجاتهم.

(2)* قد فصّل المصنّف في هذه المسألة على خلاف السيرة التي جرى عليها، فنقل عن بعض العلماء الإشكال في جواز إعطاء الزكاة لعوامّ المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلّا بهذا اللفظ، ثمّ نقل عن بعض آخر وجوب المعرفة التفصيلية و عدم

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

كفاية المعرفة الإجمالية لأسماء الأئمّة.

أمّا الأوّل فهو صاحب الحدائق قال فيه:

نعم يبقى الإشكال في جملة من عوامّ الشيعة الضّعفة العقول من لا يعرفون اللّه سبحانه إلّا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو؟ لربّما قال: محمد أو علي، و لا يعرف الأئمّة عليه السّلام كملا، و لا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا فضلا عن التصديق بها، و الظاهر انّ مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم و إن حكم بإسلامهم و إجراء أحكام الإسلام عليهم في الدنيا، و أمّا في الآخرة فهم من المرجئين لأمر اللّه إمّا يعذبهم و إمّا يتوب عليهم، و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال، لاشتراط ذلك بالإيمان، و هو غير ثابت، و ليس كذلك النكاح و الميراث و نحوهما فإنّ الشرط فيها الإسلام و هو حاصل، و بالجملة فالأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم. «1»

و أمّا الثاني فهو صاحب المستند فانّه بعد ان استجود مقالة «الحدائق» أضاف قائلا:

بل و كذلك لو عرف الكلّ بأسمائهم فقط، يعني مجرّد اللفظ و لم يعرف أنّه من هو؟ و ابن من؟ إذ لا يصدق عليه انّه يعرفه و لا يتميّز عن غيره.

و الحاصل: أنّه تشترط معرفته بحيث يعيّنه في شخصه و يميزه عن غيره، و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم، و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما تلزم معرفته أم لا فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر: نعم إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة و لا يكفي الإقرار الإجمالي بأنّي مسلم مؤمن اثنا عشري. «2»

أقول: إذا كانت الضعفة على حدّ ربّما يتوهّم انّه سبحانه هو محمد و علي فالحكم عليه بالإسلام مشكل فضلا عن كونه

مؤمنا، بل لا بدّ من الاعتقاد باللّه

______________________________

(1). الحدائق الناضرة: 12/ 206.

(2). مستند الشيعة: 9/ 299- 300.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 234

..........

______________________________

سبحانه و أنبيائه و خاتم رسله، و أوصيائه و يوم ميعاده على نحو الإجمال، و إلّا فلا يصدق عليه انّه شيعي اثنا عشري إلّا الانتماء إلى قبيلة شيعية و هو غير كاف.

نعم ما ذكره في «المستند» من لزوم الاعتقاد التفصيلي بالأئمّة فهو ممّا لا دليل عليه، و القول الوسط هو اعتقاده إجمالا بالأصول الثلاثة التوحيد و النبوة و المعاد ثمّ الاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثني عشر، مبتدئا بعلي و منتهيا بالإمام الثاني عشر، و أمّا الزائد على ذلك فهو فضل غير لازم في أخذ الزكاة.

و لو شككنا في لزوم المعرفة التفصيلية، فالبراءة هي الحاكمة على عدم لزوم المعرفة التفصيليّة، خصوصا انّ المخصص منفصل (شرط الإيمان) مردّد بين كونه على وجه التفصيل أو الأعمّ منه و الإجمال، فيأخذ بالعام وراء ما ورد الدليل القطعي على اعتباره و هو المعرفة الإجمالية.

فرع

إذا ادّعى انّه مؤمن مع أنّه شيعي اثنا عشري فهل يجوز دفع الزكاة إليه بمجرّد الادّعاء، أو لا بدّ من الفحص؟

الظاهر هو الثاني، فإنّ هذه المسألة كوزان سائر المسائل المتقدّمة من ادّعاء انّه فقير أو غارم أو ابن السبيل، فإنّ ترتّب الحكم فرع إحراز الموضوع بالدليل الشرعي و هو البيّنة أو الوثوق الذي هو علم عرفي، و في غير تينك الصورتين لا تدفع إليه الزكاة.

نعم ادّعى المحقّق النراقي في المستند «1» عدم وجوب الفحص لقيام سيرة العلماء على عدمه، و جريان السيرة على سماع الدعوى.

______________________________

(1). مستند الشيعة: 9/ 299- 300.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 235

[المسألة 8: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمّ تبيّن خلافه]

المسألة 8: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثمّ تبيّن خلافه، فالأقوى عدم الإجزاء.* (1)

______________________________

لكن القدر المتيقّن من السيرة اقتران الادّعاء بقرائن تؤيّد هذه الدعوى، كما إذا ثبت انّه من بلد غالب عليه التشيّع أو قبيلة شيعية أو غير ذلك من القرائن التي تؤثر في الاطمئنان بصدق الدعوى، و أمّا الاكتفاء بمجرّد الدعوى فهو كما ترى.

و يقول السيد الشاهرودي في تعليقته: بل يقبل إقراره فيما لم يكن في البين ما يصلح للقرينيّة على المكر و الخدعة، كما اتّفق كثيرا ممّن ادّعى ذلك ثمّ بعد مدّة تبيّن خلافه و صار بصدد الطعن علينا.

(1)* قد مرّ الكلام في المسألة الثالثة عشرة- أعني: دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا- و قد قلنا هناك: إنّه إذا دفع إلى الفقير بحجّة شرعية، كالخبر الواحد بناء على حجّيته في الموضوعات أو البيّنة فيجزي قطعا، و ذلك لما ذكرنا من أنّ الأمر بالعمل بخبر الواحد أو البيّنة يلازم عرفا اجتزاء الشارع في تحصيل أغراضه بما أدّى إليه الخبر أو البيّنة برفع اليد

عن الواقع فيما خالف الطريق، و قد أثبتنا ذلك في مبحث الإجزاء في الأصول.

و مقتضى هذا هو الإجزاء في المقام أيضا، و ربّما يقال بالإجزاء اعتمادا على ترخيص الشارع و إذنه في الدفع لمن أعطى و مع صدور الإجازة ممّن بيده الأمر لا موجب للإعادة.

يلاحظ عليه: بأنّ مجرّد الترخيص و الإذن لا يكون دليلا على الإجزاء- ما لم يكن هناك ملازمة بين الأمر بالعمل بخبر الواحد و الاجتزاء في تحصيل المقاصد بما

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 236

..........

______________________________

أدّت إليه الأمارة- و إلّا فيرد على ذلك الدليل بأنّ الترخيص المزبور حكم ظاهري أو خيالي، و على التقديرين فهو مغيا بعدم انكشاف الخلاف. و المفروض حصول الغاية.

نعم ربما يستدلّ على الإجزاء بموثّقة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت له: فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل، و قد كان طلب و اجتهد ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: «ليس عليه أن يؤدّيها مرة أخرى». «1»

و نحوها صحيحة زرارة، غير أنّه قال: «إن اجتهد فقد برئ، و إن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا». 2

لما مرّ في السابق من أنّ موردهما ما إذا فحص عن مورد الزكاة و لم يظفر به فصرفه في غيره عامدا، و أين هو ممّن زعم انّه شيعي فبان غير شيعي؟! و قد أوضحنا مفاد الحديث فيما سبق فلاحظ.

***

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل 6، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 237

[الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم]

اشارة

الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها

لمن يصرفها في المعاصي، خصوصا إذا كان تركه ردعا له عنها، و الأقوى عدم اشتراط العدالة، و لا عدم ارتكاب الكبائر، و لا عدم كونه شارب الخمر، فيجوز دفعها إلى الفسّاق و مرتكبي الكبائر، و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الايمان و إن كان الأحوط اشتراطها، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر. نعم يشترط العدالة في العاملين على الأحوط، و لا يشترط في المؤلّفة قلوبهم، بل و لا في سهم سبيل اللّه، بل و لا في الرقاب و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.* (1)

______________________________

(1)* الأمر الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم

و فيه فروع:
اشارة

الأوّل: أن لا يكون الدفع إلى المستحقّ، إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح.

الثاني: اشتراط العدالة في سهم الفقراء، بل يجوز دفعها إلى الفسّاق. و لا أقلّ من اشتراط عدم ارتكاب الكبائر، أو عدم كونه شارب الخمر على القول بعدم شرطيّة العدالة.

الثالث: اشتراط العدالة في العاملين دون الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و «فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» و «فِي الرِّقٰابِ» و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

و قد قدّم المصنّف الكلام في الأوّل على الثاني، غير أنّ طبيعة البحث كانت تقتضي العكس حيث إنّه إذا ثبت عدم اشتراط العدالة و جواز الدفع إلى الفاسق لا يبقى موضوع للكلام في الأوّل.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الحكم بجواز الدفع إلى الفاسق مختصّ بما إذا لم نعلم

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 238

..........

______________________________

بصرفها في طريق العصيان و إلّا فيمنع، فجواز دفعها إلى الفاسق لا يغنينا عن البحث في الأوّل، و نحن نقتفي ما رسمه المصنّف.

الفرع الأوّل: عدم كون الدفع إعانة على الإثم

يشترط في صحّة الزكاة عدم كون الدفع إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح، فيستدلّ عليه بوجوه:

1. قوله سبحانه: تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ. «1»

و الاستدلال مبني على كون التعاون بمعنى مجرّد العون لا التعاون على نحو المشاركة القائمة بالطرفين بأن يعين هذا بهذا و هذا بذاك، و ظاهر الآية حرمة التعاون على نحو المشاركة لا العون بجانب واحد، كما في المقام حيث إنّ المالك بدفعه إلى الفقير يعين على الإثم، لا العكس حيث لا يعين الفقير المالك على الإثم.

2. انّ الزكاة شرّعت لرفع الحاجة و سدّ الخلّة، و المعاصي ليست من الحاجات. ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه عزّ

و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم، لزادهم، و إنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم، لا من الفريضة». «2»

3. و يمكن الاستئناس بما ورد في سهم الغارمين من أنّه لا يقضى الدين الذي صرف في المعصية من الزكاة، فإذا كان قضاء الدين الذي صرف في المعصية بالزكاة ممنوعا، فصرفها في نفس المعصية يكون أشدّ منعا و أوضح حرمة.

______________________________

(1). المائدة: 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 239

الفرع الثاني: و فيه أقوال:
1. اعتبار العدالة في المستحقّ
اشارة

______________________________

اختلفت كلمة فقهائنا في التعبير عن هذا الشرط و إن كان المجموع من حيث المجموع يدلّ على اعتبار شرطية العدالة.

و إليك تعابيرهم في اعتبار هذا الشرط، و إليك بيانها:

الف: اشتراط العدالة

1. قال الشيخ في «المبسوط»: و يعتبر مع الفقر و المسكنة الإيمان و العدالة فإن لم يكن مؤمنا أو كان فاسقا فإنّه لا يستحقّ الزكاة. «1»

و قال في «الخلاف»: إنّ زكاة الأموال لا تعطى إلّا العدول من أهل الولاية دون الفسّاق منهم. و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و قالوا: إذا أعطي الفاسق برئت ذمّته. و به قال قوم من أصحابنا. «2»

2 و 3. قال في كتابي الجمل و الاقتصاد: و يراعى فيهم أجمع إلّا المؤلفة قلوبهم، الإيمان و العدالة. «3»

4. قال السيد المرتضى في «الانتصار»: و ممّا انفردت به الإماميّة، القول بأنّ الزكاة لا تخرج إلى الفسّاق و إن كانوا معتقدين الحق، و أجاز باقي الفقهاء أن تخرج إلى الفسّاق و أصحاب الكبائر. «4»

و قال أيضا: لا تحلّ الزكاة إلّا لأهل الإيمان و الاعتقاد الصحيح، و ذوي الصيانة و النزاهة دون الفسّاق و أصحاب الكبائر. «5»

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 247.

(2). الخلاف: 4/ 224، كتاب الصدقات، المسألة 3.

(3). الجمل و العقود: 103، الاقتصاد: 282.

(4). الانتصار: 82، ط النجف.

(5). جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة): 79.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 240

..........

______________________________

5. قال أبو الصلاح: مستحق الزكاة و الفطرة، الفقير المؤمن العدل. «1»

6. قال ابن البراج في «المهذب»: و يجب أن يعتبر في سائر ما ذكرناه من هؤلاء إلّا المؤلفة قلوبهم، شروط ثلاثة: أوّلها: أن يكونوا من أهل العدالة و الإيمان المعتقدين له .... «2»

7. قال ابن حمزة: يعتبر الإيمان في جميع الأصناف

إلّا في المؤلّفة قلوبهم، و العدالة إلّا في المؤلفة و الغزاة. «3»

8. قال ابن إدريس: و الذين يفرّق فيهم الزكاة اليوم، ينبغي أن يحصل فيهم مع إحدى الصفات الأصلية، و هي المسكنة و الفقر، و كونه ابن سبيل، و كونه غارما، أن ينضاف خمس صفات أخر إلى الصفات الأصلية، فتجتمع فيه ست صفات، و هي: الفقر و الإيمان، و العدالة أو حكمهما .... «4»

9. قال المحقّق في «الشرائع»: الوصف الثاني: العدالة: و قد اعتبرها كثير، و اعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر و الزنا دون الصغائر و إن دخل بها في جملة الفسّاق، و الأوّل أحوط. «5»

10. و قال بمثله في «المختصر النافع». «6»

11. و قال ابن سعيد الحلّيّ: و لا تحلّ الزكاة لمخالف في الاعتقاد و لا لفاسق. «7»

و هذه الكلمات صريحة في شرطية العدالة، و ظاهرها هو العدالة المعتبرة في الشاهد و غيره.

______________________________

(1). الكافي في الفقه: 173.

(2). المهذب: 1/ 169.

(3). الوسيلة: 129.

(4). السرائر: 1/ 459.

(5). الشرائع: 1/ 163.

(6). المختصر النافع: 1/ 59.

(7). الجامع للشرائع: 144.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 241

ب. عارفا تقيا

______________________________

12. قال المفيد: لا يجوز لأحد من الفقراء و المساكين و لا من الستة البواقي، إلّا أن يكون عارفا تقيا. «1»

ج. عارفا عفيفا

13. قال أيضا في الرسالة الغريّة: و لا يعطى منها فقير حتّى يكون عارفا عفيفا. «2»

د. عارفا من أهل الستر و الصلاح

14. قال الشيخ في «النهاية»: و لا يجوز أن يعطى الزكاة من أهل المعرفة إلّا أهل الستر و الصلاح، فأمّا الفسّاق و شراب الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. «3»

هذه التعابير الأربعة ترجع إلى شي ء واحد، و هو اعتبار العدالة، لأنّ كون الرجل: عارفا تقيا، عارفا عفيفا، عارفا من أهل الستر و الصلاح عبارة أخرى للعدالة.

2. عدم ذكر اشتراط العدالة

و هناك من ذهب من أصحابنا إلى عدم اشتراط العدالة، منهم:

أ. علي بن بابويه القمّيّ في رسالته، قال: و إيّاك أن تعطي زكاتك لغير أهل

______________________________

(1). المقنعة: 242.

(2). المختلف: 3/ 207.

(3). النهاية: 185.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 242

..........

______________________________

الولاية، و لم يذكر العدالة. «1»

ب. ولده الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه في كتاب «المقنع» «2» و «من لا يحضره الفقيه». «3»

ج. سلّار في مراسمه، فقد ذكر شروطا أربع، و اكتفى في الشرط الأوّل بكونه معتقدا للحقّ من دون أن يذكر من العدالة شيئا. «4»

3. التصريح بعدم الاشتراط

1. العلّامة في مختلفه حيث قال: و الأقرب عندي عدم اشتراط العدالة. «5»

و قال في «المنتهى» بعد نسبة عدم اشتراطها إلى المفيد و ابني بابويه و سلّار:

و به قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد، و هو الأقرب. «6»

4. أن لا يكون مقيما على كبيرة
اشارة

قال ابن الجنيد: لا يجوز إعطاء شارب الخمر أو مقيم على كبيرة منها شيئا. «7»

و المراد من الإقامة على الكبيرة هو الإدمان على ارتكابها دون من يرتكب أحيانا.

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 208.

(2). المقنع: 52.

(3). من لا يحضره الفقيه: 2/ 22.

(4). المراسم: 132.

(5). مختلف الشيعة: 3/ 208.

(6). المنتهى: 1/ 523، الطبعة الحجرية.

(7). مختلف الشيعة: 3/ 207.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 243

..........

______________________________

هذه هي كلمات علمائنا الأبرار إلى عصر العلّامة و قد عرفت أنّ أكثرهم ذهبوا إلى القول باشتراط العدالة، و انّ قليلا منهم صرّح بعدم اشتراط العدالة، بل استظهر عدم اشتراطها من عدم ذكرها، بابني بابويه و سلّار في مراسمه و المفيد في غريّته.

و أمّا المتأخّرون فهم- كما وصفهم صاحب الجواهر- على عدم اعتبارها مطلقا، و حكاه في «الخلاف» عن قوم من أصحابنا، بعد أن عزاه إلى جميع الفقهاء من العامة.

فلا بدّ من تحليل المسألة على ضوء الكتاب و السنّة فنقول: تدلّ على عدم اعتبار العدالة الأمور التالية:

[تدل على عدم اعتبار العدالة أمور]
1. حرمان أكثر الفقراء من الزكاة

لو قلنا باشتراط العدالة و فسرناها بالملكة الراسخة الرادعة عن ارتكاب الكبائر و الإصرار على الصغائر و خلاف المروءة، يلزم حرمان أكثر الفقراء من هذه العطية الإلهية.

نعم لو فسرنا العدالة بمجرد حسن الظاهر، سواء أكشف عن وجود الملكة أم لا، يكون الحرمان أقلّ، إذ عندئذ يكفي عدم ظهور الفسق منهم، مع أنّ ذلك أيضا غير كاف في رفض الحرمان، لأنّ الأكثر غير خال عمّا يدلّ على فسقه لمن كان معاشرا.

و بالجملة الحكمة التي شرّعت لأجلها الزكاة تلزمنا على عدم اعتبار هذا الشرط، و إلّا لغى التشريع و بقيت حاجات الفقراء و المساكين بحالها.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 244

2. إطلاق الكتاب أو عمومه

______________________________

يقول سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ .... «1»

حيث بيّن مواردها من غير تقييد بالعدالة في سهم الفقراء و المساكين الذي هو محط البحث من حيث الاشتراط و عدمه، فيقتصر في تقييد الإطلاق على معرفة أمر الأئمّة.

يلاحظ عليه: بأنّ الاستدلال بإطلاق الآية في هذا المقام و غيره غفلة عن سياقها، فقد جاء قبل هذه الآية قوله سبحانه: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ. «2»

فهذه الآية تعرب عن تطاول أعناق الناس إلى أخذ الصدقات من غير فرق بين غنيّهم و فقيرهم، و من غير فرق بين الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا و غير العاملين، فكأنّ الصدقات عطية إلهية كالغنائم الحربية تصرف على المسلمين سواسية، غير أنّ للفارس سهمين و للراجل سهما واحدا. فنزلت الآية ردّا على تلك الفكرة الخاطئة بالفرق بين الغنائم و الصدقات، فالغنائم في ء للمجاهدين عامّة، و لكنّ الصدقات للطوائف الثمان لهم خصوصية تميّزهم عن غيرهم، و هي:

الفقراء و المساكين و ....

و على ما ذكرنا فالحصر إضافي لا حقيقي و الآية بصدد نقد الفكرة لا بصدد بيان تمام الموضوع للزكاة.

نعم لو قلنا بأنّ الدليل هو عموم العام (الفقراء) لا إطلاق الموضوع حتى يقال بأنّ الآية ليست في مقام البيان، لأصبحت الآية دليلا على عدم اشتراط العدالة بلا إشكال.

______________________________

(1). التوبة: 60.

(2). التوبة: 58.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 245

3. سيرة النبي و الوصي

______________________________

إنّ السير في تاريخ عهد الرسالة يثبت انّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يقسّم الزكاة بين المسلمين من دون أن يتفحّص عن عدالة القابض و عدمها، و تبعه بعده الخلفاء، فهكذا كان في عهد الخلافة الراشدة للإمام علي عليه السّلام، فكان يقسّم بلا سؤال عن عدالة الرجل و تقواه.

و فيما روي عن النبي و أهل بيته عليهم السّلام إشارة إلى أنّ الغاية من الزكاة هي سد عيلة الفقراء، فالموضوع هو الفقير بما هو فقير، فقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم انّه قال:

«إنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة». «1»

و قال الصادق عليه السّلام: «فلو انّ رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب، و ذلك انّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به». 2

بل يظهر من بعض الآيات انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يعطي الزكاة لطائفة من الناس التي كانت تلمز النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيرضون عند العطاء و يلمزون عند الحرمان، و من المعلوم أنّ تلك الطبقة لا توصف بالعدالة، قال سبحانه: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ فَإِنْ

أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ. «3»

و لأجل ذلك يأمرهم سبحانه بالرضا بتقسيم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، يقول سبحانه:

وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اللّٰهُ سَيُؤْتِينَا اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنّٰا إِلَى اللّٰهِ رٰاغِبُونَ. «4»

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الزكاة، الحديث 1 و 3. و قد جمع ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث عبد اللّه بن سنان.

(3). التوبة: 58.

(4). التوبة: 59.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 246

4. إطلاق الروايات الآمرة بدفع الزكاة إلى أهل الولاية

______________________________

إنّ في المقام روايات تحثّ على إعطاء الزكاة للأصحاب و الشيعة و أهل الولاية إلى غير ذلك من التعابير، و من المعلوم أنّ الموضوعات التي أشير إليها أعمّ من العادل، إذ من البعيد أن يكون جميع الأصحاب في عصر واحد عدولا.

و إليك هذه الروايات:

1. ففي مكاتبة علي بن بلال: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك». «1»

2. و في رواية عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «هي (الزكاة) لأصحابك». 2

3. و في رواية إبراهيم الأوسي، عن الرضا عليه السّلام: «إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا». 3

4. و في رواية زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«الزكاة لأهل الولاية». 4

5. و في رواية الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «موضع الزكاة أهل الولاية». 5

6. و في رواية علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى عليه السّلام عن الزكاة هل

هي لأهل الولاية؟ قال: «قد بيّن لكم ذلك في طائفة من الكتاب». 6

7. و في رواية أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك و له زكاة، أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته، قال: «نعم». «7»

______________________________

(1) (1، 2، 3، 4، 5 و 6). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4، 6، 8، 9، 12، 15.

(7). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 247

..........

______________________________

فلو كانت الزكاة لأهل العدل منهم لكان في وسع الإمام أن يقيد في مورد واحد أهل الولاية بالعدل.

5. إطلاق الروايات النافية لبعض الأصناف

هناك روايات تصرّح بعدم جواز الدفع إلى أصناف خاصة، كالمجبّرة «1»، و المجسّمة 2 و الواقفية 3، و الزيدية «4»، و الكافر و المنافق و الناصب. 5

فلو كان الفاسق مثل هؤلاء، لجاء التصريح بالمنع في الروايات.

6. ما يدلّ على جواز الدفع إلى الفاجر بقدر

روى بشر بن بشار، قال: قلت للرجل- يعني: أبا لحسن عليه السّلام-: ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثمّ قال: أو عشرة آلاف و يعطى الفاجر بقدر، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه و الفاجر في معصية اللّه». «6» و لو لا انّ الرواية مرسلة لكان دليلا على جواز الإعطاء حتى في صورة العلم في صرفها في معصية اللّه، إلّا أنّ الإرسال يصدّنا عن الاستدلال به.

7. سيرة الحسن و الحسين عليهما السّلام

روى عبد الرحمن العزرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما جالسان على الصفا فسألهما، فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم،

______________________________

(1) (1، 2 و 3). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 2، 4.

(4) (4 و 5). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5، 13.

(6). الوسائل: 6، الباب 17 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 248

..........

______________________________

فأعطياه». «1»

و لعلّ فيما ذكرنا من الأدلّة السبعة غنى و كفاية، خصوصا إذا قلنا بأنّ المراد من العدالة في كلمات الأصحاب هو حسن الظاهر، و عندئذ يكون الفصل بين القولين قليلا؛ بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المراد من العدالة هو حسن الظاهر الكاشف عن الملكة الراسخة الرادعة عن ارتكاب الكبائر و الإصرار على الصغائر.

أدلّة القائلين بشرطية العدالة
اشارة

استدلّ القائلون بشرطية العدالة بوجوه ذكرها صاحب الجواهر بحماس، و بذل غاية جهده في دعم الرأي المشهور، و إليك دراسة هذه الأدلّة:

1. الإجماع

قد عرفت أنّ السيد المرتضى و ابن زهرة نقلا الإجماع على هذا الشرط، فقال المرتضى في «الانتصار»: «لا تخرج إلى الفسّاق».

و قال ابن زهرة في «الغنية»: و يجب أن يعتبر فيمن تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية- إلّا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا- الإيمان و العدالة. «2»

و علّل هذا الشرط و سائر الشرائط بالإجماع في آخر كلامه.

يلاحظ عليه: أنّ المسألة ليست إجماعية، و قد عرفت خلو كلام ابني بابويه

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6. و الغرم المفظع: ما تشتد شناعته و فضاعته، و الفقر المدقع: المذلّ كأنّه لصق بالتراب

(2). غنية النزوع: 2/ 124.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 249

..........

______________________________

و المفيد و سلّار عن هذا القيد، كما عرفت أنّ العلّامة نصّ على عدم اعتبار هذا الشرط في «المختلف» بل حكى شيخنا الطوسي في «الخلاف» عدم الاعتبار عن قوم من أصحابنا.

و لو افترضنا ثبوت الإجماع، فالإجماع مدركي استند المجمعون على الأدلّة التالية، فلا قيمة لهذا الإجماع.

2. خبر أبي خديجة (سالم بن مكرم)

ففيه: «فليقسّمها- أي الزكاة- في قوم ليس بهم بأس، أعفّاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا». «1»

يلاحظ عليه: بأنّه لا دلالة لقوله: «ليس بهم بأس» على اعتبار العدالة، لأنّ المراد من البأس هو القدرة و قوله: «أعفّاء ... لا يسألون ...» كناية عن تعفّفهم عن السؤال.

3. خبر داود الصرمي «2»

قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: «لا». «3» بناء على عدم القول بالفصل بين شرب الخمر و غيره من الكبائر.

يلاحظ عليه: بأنّه قياس مع الفارق، حيث ورد النهي عن تزويج الجارية

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6.

(2). من أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام يكنّى أبا سليمان.

(3). الوسائل: 6، الباب 17 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1؛ و في التهذيب: 4/ 70 رقم 138، عن داود الصرمي.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

بشارب الخمر «1»، و قد لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الخمر عشرة. «2» و لم يرد في غيره من أصحاب الكبائر.

4. ما دلّ على منع ابن السبيل إذا كان سفره معصية

و الغارم إذا كان غرم كذلك.

يلاحظ عليه: بأنّه قياس لا نقول به، و على فرض الصحّة فهو قياس مع الفارق حيث إنّ الغارم تصرّف في أداء الدين الذي صرفه في المعصية، بخلاف المقام فإنّه يدفع للفقير بما هو فقير ليصرفه في حاجاته المحللة و ربّما يصرفها في حاجاته لا في المعصية.

نعم لو علم أنّه يصرفه في الحرام، يمكن الاستدلال على المنع بالقياس عليه.

أمّا الأوّل فالأصل فيه قوله سبحانه: لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ. «3»

و معنى الآية يوالون من خالف اللّه و رسوله، و المعنى: لا تجتمع موالاة الكفّار، مع الإيمان، و المراد به الموالاة في الدين. «4» و على ذلك لا دلالة للآية على المقصود.

أمّا أوّلا: فلأنّ الآية تنهى عن موالاة الكفّار، لا الفسّاق، و يؤيّده سياق الآية.

______________________________

(1). الوسائل: 14، الباب 29 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث

1- 5.

(2). الوسائل: 12، الباب 55، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(3). المجادلة: 22.

(4). مجمع البيان: 5/ 255 طبعة لبنان، صيدا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 251

..........

______________________________

و ثانيا: المنهي عنه هو الموالاة في الدين، لا الموالاة الفطرية التي هي من آثار الوشائج الرحمية كالأبوّة و البنوّة.

و على كلّ طريق فليس تمويل الفقير و سدّ خلته لأجل الموالاة، بل لأجل امتثال أمره سبحانه، و لولاه لأمسك عن الإنفاق مطلقا.

و أمّا الثاني فالأصل فيه قوله سبحانه: وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ. «1»

و الركون إلى الشي ء هو السكون إليه بالمحبة له و الإنصات إليه و نقيضه النفور، و المراد من الظالمين المشركون و السورة مكية، و المراد لا تميلوا إلى المشركين بشي ء من دينكم، أو لا تداهنوا الظلمة، أو الدخول معهم في ظلمهم، و أين هذا من سدّ عيلة الفقير الذي يكذب، أو يغتاب أو ينمّ أو يستمع إلى الأغاني و غير ذلك؟

و ربما يكون الحافز إلى دفع الزكاة، ردعه عن العصيان، و دفعه إلى الإطاعة.

5. ما ورد انّها تقسم على أولياء اللّه المعلوم عدم كون الفسّاق منهم

. «2» يلاحظ عليه: أنّ للولاية مراتب مختلفة، فلو أخذنا بإطلاقه فلا يشمل إلّا الأمثل فالأمثل، و لعلّ المراد منهم هو أهل الإيمان، في مقابل الكفّار، فانّ الناس بين مؤمن من أولياء اللّه سبحانه و كافر من أولياء الطاغوت، قال اللّه سبحانه:

اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ. «3»

______________________________

(1). هود: 113.

(2). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3). البقرة: 257.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 252

6. قاعدة الشغل

______________________________

و المراد منها هو انّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بالإعطاء إلى العادل.

يلاحظ عليه: أنّ التمسّك بالأصل إنّما يصحّ إذا لم يكن هناك دليل اجتهادي، و إلّا فلا تصل النوبة إلى ذلك الأصل.

و بالجملة: لا يمكن إثبات هذا الشرط بهذه الأدلّة.

و هناك من لم يشترط العدالة لكن منع عن الدفع لمرتكبي الكبائر خصوصا المتجاهر بالفسق.

و يمكن الاستدلال عليه بأنّه القدر المتيقّن من أدلّة الجواز و المنع و المراد كون الرجل متهتّكا متظاهرا بالفسق على نحو يشمئز أهل الإيمان من مخالطته و مجالسته، مضافا إلى عدم كونه شارب الخمر الذي ورد في رواية الصرمي و المراد منه هو المعتاد المدمن، و لعلّه إلى ما ذكرنا يرجع قول ابن الجنيد: «المقيم على الكبائر»، و أمّا من صدر منه العصيان لعوامل قاهرة في وقت دون وقت فهو باق تحت العمومات و لا يشمله أدلّة القائل بالتخصيص.

إلى هنا تمّ الكلام في الفرعين الأوّلين بقي الكلام في الفرع الأخير.

الفرع الثالث: اعتبار العدالة في العاملين و ...

هذا هو الفرع الثالث، و قد ذهب المصنّف إلى اعتبارها فيهم.

قد استدلّ على اعتبارها فيهم، بوجوه ثلاثة:

1. الإجماع على اعتبارها فيهم و هو الحجّة بعد اعتضاده بالتتبّع.

2. بما في العمالة من تضمن الاستيمان.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 253

..........

______________________________

3. و قد سمعت ما في الصحيح من أنّه «لا توكّل به إلّا ناصحا شفيقا أمينا» «1». «2»

و الجميع كما ترى، إذ ليس من هذا الإجماع عين و لا أثر في كلمات القدماء.

و أمّا الاستيمان فلا يقتضي سوى الوثوق لا العدالة، كما أنّ المراد من الحديث هو الوثوق لا العدالة.

على أنّه لو قلنا باعتبار العدالة فلا يعتبر في حال أخذ الزكاة لأجل العمل و إنّما يعتبر في

حال العمل.

أضف إلى ذلك انّ دفع الزكاة إليهم من باب الأجرة و الجعل فيبعد اعتبار العدالة وراء الوثوق في حال العمل فضلا عن حال الأخذ، و أقصى ما يمكن أن يقال: انّه يعتبر فيهم القوة و الأمانة كما في قوله سبحانه: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ. «3»

و أمّا قول الإمام علي عليه السّلام: «و لا تأمننّ عليها إلّا من تثق بدينه» «4» فالمراد بمناسبة الحكم و الموضوع، هو الأمانة بأن يكون ذا ملكة في مورد الأمانات حيث لا يخونها أبدا، و أمّا ترك المعاصي كلّها كاستماع الغيبة فلا تدلّ عليه.

و أمّا «ابْنِ السَّبِيلِ» و «الغارم» و «فِي الرِّقٰابِ» فقد تقدّم ما هو المعتبر فيها من عدم الصرف في المعصية، فلا يعتبر فيهم العدالة، و قد ورد في حديث العالم عليه السّلام ما هو المعتبر فيهم، فقال في الغارمين: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف».

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). الجواهر: 15/ 394. نقلا عن الإرشاد و الدروس و المهذب البارع و الروضة.

(3). القصص: 26.

(4). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 254

[المسألة 9: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل]
اشارة

المسألة 9: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالأحوج، و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهمّ فالأهمّ المختلف ذلك بحسب المقامات.* (1)

______________________________

و قال في ابن السبيل: ابن السبيل، أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه». «1»

فلا يشترط فيهم غير ما ورد في هذا الحديث، و أمّا سهم سبيل اللّه فقد عرفت أنّه لا يوصف بالإيمان و الكفر و لا بالعدالة و الفسق بل

كلّ عمل قربي أو عمل لصالح المسلمين يستفيد منه المؤمن من دون فرق بين العادل و الفاسق.

و أمّا سهم ذوي الرقاب فعدم الاشتراط واضح، فإنّ الهدف تغليب الحرية على الرقّية و إخراج أبناء البشر عن زي الرقية.

ثمّ إنّ هنا أمرا كان على المصنّف التنبيه عليه و هو انّه لو قلنا باعتبار العدالة هل يجب الفحص عنه أو لا؟

الظاهر انّه يختلف الحكم حسب اختلاف ما هو المشترط، فلو قلنا بأنّ المعتبر هي الملكة الراسخة فيجب الفحص عنها، و مثله ما لو قلنا بأنّ المعتبر هو الحسن الظاهر سواء أ كان كاشفا عن الملكة أو لا، و أمّا إذا كان الفسق أو الاستهتار مانعا فيكفي في إحرازه الأصل.

(1)* قد صرّح الأصحاب باستحباب ترجيح بعض المستحقّين على بعض لأسباب تقتضي ذلك، ككونه أفضل، أو كونه ممّن يستحيي السؤال، أو كونه رحما.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 255

..........

______________________________

و قد عقد الكليني في «الكافي» بابا «1» تحت عنوان «تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض» أورد فيه روايات.

و يقع الكلام في مقامات ثلاثة:
اشارة

1. ما هو ملاك التفضيل؟

2. هل التفضيل واجب أو مستحب؟

3. إذا كان التفضيل واجبا أو مستحبا فكيف تعالج سيرة الإمام علي عليه السّلام في تقسيم بيت المال بالسوية و أمره بذلك، و كذلك فعل السابقين عليه؟

و إليك الكلام فيها واحدا بعد الآخر.

1. ما هو ملاك التفضيل؟

يظهر ممّا رواه المشايخ في الروايات انّ ملاك التفضيل أمور ثمانية:

1. الهجرة في الدين.

2. العقل.

3. السعة.

4. تفضيل من لا يسأل على من يسأل.

5. من يخاف من جزعه و هلعه.

6. أهل الورع من حملة القرآن.

7. تقديم الأرحام على غيرهم.

8. تقديم المتجمّلين في صدقة الخف و الظلف.

و إليك نقل ما يدلّ على تلك الأمور.

______________________________

(1). الكافي: 4/ 549، تحقيق الغفاري.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 256

..........

______________________________

1. روى عتيبة، عن عبد اللّه بن عجلان السكوني، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي ربما قسّمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟

فقال: «أعطهم على الهجرة في الدين و العقل و الفقه». «1»

2. و روى عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الزكاة، يفضّل بعض من يعطى ممّن لا يسأل على غيره؟ فقال: «نعم، يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل». 2

3. روى عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «أتي النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بشي ء يقسّمه فلم يسع أهل الصفّة جميعا، فخصّ به أناسا منهم، فخاف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أن يكون قد دخل قلوب الآخرين شي ء، فخرج إليهم، فقال: معذرة إلى اللّه عزّ و جلّ و إليكم يا أهل الصفّة، إنّا أوتينا بشي ء فأردنا أن نقسّمه بينكم فلم يسعكم فخصصت به أناسا منكم خشينا جزعهم و

هلعهم». «3»

4. ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام فيما سأله الرجل اليماني، حيث قال: يا أمير المؤمنين إنّي أريد أن أتصدّق بعشرة آلاف، فمن المستحقّ لذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «فرّق ذلك في أهل الورع من حملة القرآن، فما تزكو الصنيعة إلّا عند أمثالهم، فيتقوّون بها على عبادة ربّهم و تلاوة كتابه» فانتهى الرجل إلى ما أشار به أمير المؤمنين عليه السّلام. «4»

5. روى إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: قلت له: لي

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2 و 1.

(3). الوسائل: 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(4). المستدرك: 7/ 114، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة، أ فأعطيهم منها؟ قال: «مستحقّون لها؟».

قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم». «1»

6. و يظهر من رواية عبد اللّه بن سنان تقديم المتجمّلين من المسلمين في صدقة الخفّ و الظلف على غيرهم، و تقديم الفقراء المدقعين فيما يكال بالقفيز ممّا أخرجت الأرض على غيرهم. «2»

هذه هي الروايات الواردة و لكنّها لا توافق ما ذكره المصنّف حيث قال:

«الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالأحوج»، و لا دليل على الترتيب المذكور فلا محيص من القول بتقديم الأصلح فالأصلح على غيره، و لعلّه يختلف حسب اختلاف المقامات.

2. التفضيل مستحب

ثمّ إنّ الظاهر من الشيخ المفيد لزوم الترجيح.

قال المفيد: يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه و البصيرة و الطهارة و الديانة، و الأقرب الاستحباب،

و هو المشهور. «3»

و لكن الشيخ المفيد قد انفرد في هذه الفتوى، و لم يوافقه أحد و لسان الروايات هو الاستحباب.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 26 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(3). المقنعة: 259.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 258

3. كيف تعالج الروايات الدالّة على لزوم التسوية؟

______________________________

يدلّ بعض الروايات على أنّ سيرة الوصي عليه السّلام كانت هي التسوية لا التفضيل.

روى الشيخ في «التهذيب» بسنده عن حفص بن غياث، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول، و سئل عن قسم بيت المال؟ فقال: «أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء، و فضائلهم بينهم و بين اللّه، أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص».

قال: «و هذا هو فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في بدو أمره، و قد قال غيرنا: أقدّمهم في العطاء بما قد فضلهم اللّه تعالى بسوابقهم في الإسلام، إذا كانوا بالإسلام قد أصابوا ذلك فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض، و أوفر نصيبا لقربه من الميت، و إنّما ورثوا برحمهم، و كذلك كان عمر يفعله». «1»

هذا و يمكن حمل الرواية على مال الخراج، و هو الذي علم من النبي و علي عليهما السّلام في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته و يؤيّده ما عن علي عليه السّلام في «نهج البلاغة» لمّا عوتب على التسوية في العطاء: «أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه؟! و اللّه لا أطور به ما سمر سمير، و ما أمّ نجم في السماء نجما! لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف! و إنّما

المال مال اللّه». «2»

______________________________

(1). الوسائل: 11، الباب 39 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

(2). نهج البلاغة، الخطبة 126.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 259

[الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين و إن علوا و ...]

اشارة

الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو من الإناث، و الزوجة الدائمة الّتي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعيّة، و المملوك سواء كان آبقا أو مطيعا، فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق.* (1)

______________________________

(1)*

في المسألة فروع ثلاثة:
اشارة

1. يشترط في الفقير أن لا يكون واجب النفقة بالنسبة إلى المزكّي كالأبوين و الزوجة.

2. حكم الدفع إلى واجب النفقة من باب التوسعة في المعيشة كلبس الألبسة الفاخرة، و أكل الفواكه الغالية و هكذا.

3. لو كان عند الفقير (واجب النفقة) من تجب نفقته عليه لا على المزكّي، يجوز دفع الزكاة إليه ليصرفها في نفقته، لا في نفقة نفسه.

و قبل دراسة الفروع الثلاثة نلفت نظر القارئ إلى نكتة و هي: انّ هنا مسألتين يجب التفكيك بينهما و تحرير كلّ واحدة في محلّها.

1. دفع المالك زكاته إلى من تجب نفقته عليه، و هذا هو الذي يبحث عنه في المقام.

2. دفع المالك زكاته إلى من تجب نفقته على غيره، كدفع زيد زكاته إلى والد عمرو الذي نفقته على عمرو، لا على زيد.

و قد حصل الخلط في كلام الشيخ الأعظم و غيره عند تحرير المسألة الأولى فطرحوا أمورا، تناسب المسألة الثانية لا الأولى، و لقد أحسن المصنّف حيث طرح الثانية في المسألة الحادية عشرة، فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

إذا عرفت ذلك، فلندرس كلّ واحد من هذه الفروع واحدا تلو الآخر.

الأوّل: حكم دفع المالك زكاته إلى من تجب نفقته عليه

قال في «الحدائق»: و هذا الحكم ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب. «1»

و قال في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلا عن محكيّه في التذكرة و التحرير و فوائد الشرائع و المدارك، بل في المحكي عن «المنتهى» انّه قول من يحفظ عنه العلم.

و لو كان هناك اختلاف، فإنّما هو في دفع الزوجة زكاتها إلى الزوج.

قال العلّامة في «المختلف»: قال علي بن بابويه في رسالته إلى ولده، و ولده في مقنعه: و لا تعط من أهل الولاية الأبوين و الولد و

لا الزوج و الزوجة، و المشهور الاقتصار على العمودين- أعني: الآباء و الأولاد و الزوجة و المملوك- أمّا الزوج فانّه يجوز الدفع إليه. «2»

و سيوافيك الكلام في الزوج، و لنذكر بعض الكلمات.

قال الشيخ في «النهاية»: و لا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النفقة عليه، مثل الوالدين و الولد و الجدّ و الجدّة، و الزوجة و المملوك، و لا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل و القرابات من الأخ و الأخت و أولادهما، و العم و الخال و العمة و الخالة و أولادهم. «3»

و في «المقنعة» أيضا قريب من ذلك، فراجع. «4»

و قال الخرقي في متن المغني: و لا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين و إن

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 210.

(2). المختلف: 3/ 249.

(3). النهاية: 186.

(4). المقنعة: 40.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

علوا و لا للولد و إن سفل، ثمّ قال: و لا للزوج و لا للزوجة.

و قال ابن قدامة في شرحه: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم، و لأنّ دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته و تسقطها عنه و يعود نفعها إليه، فكأنّه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه. «1»

و استدلّ له بالعقل و النقل.

أمّا الأوّل فبوجهين:

1. انّ دفع الزكاة المسقطة لوجوب الإنفاق عنه صرف للزكاة في مئونته، و هو مخالف لأدلّة الزكاة المشتملة على عنوان الإيتاء و الدفع و الإخراج.

2. انّ هنا واجبين:

الف: إيتاء الزكاة.

ب: الإنفاق على من تجب النفقة عليه. «2»

و ظاهر الدليلين هو عدم التداخل، و اقتضاء كلّ سبب امتثالا خاصا، فقيام امتثال واحد، مكان

امتثالين، يحتاج إلى الدليل.

و مع ذلك كلّه فالأولى الرجوع إلى الأدلّة الشرعية و تبيين سعة الموضوع و ضيقه، و قد وردت في ذلك روايات:

1. صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأم و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنّهم عياله لازمون له». «3»

______________________________

(1). المغني: 2/ 511.

(2). البيان: 193.

(3). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 262

..........

______________________________

2. مرفوعة عبد اللّه بن الصلت، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنّه يجبر على النفقة عليهم». «1»

3. خبر زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و لا الجدة». «2»

4. خبر إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام- في حديث- قال:

قلت: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟

قال: «أبوك و أمّك»، قلت: أبي و أمي، قال: «الوالدان و الولد». 3

و في السند عبد الملك بن عتبة، و في بعض عبد اللّه بن عتبة، و الصحيح هو الأوّل، و المراد به هو النخعي لا الليثي، لأنّه متقدّم في الطبقة على إسحاق بن عمّار. لاحظ رجال النجاشي برقم 633.

و الظاهر من سؤال الراوي وضوح المسألة عندهم و إنّ هناك من لا يجوز صرف الزكاة في حقّهم، و لذلك قال: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟

5. و خبر أبي خديجة

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تعط من الزكاة أحدا ممّن تعول». «4»

6. أخرج البيهقي في سننه عن عبد اللّه بن المختار، قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: ليس لولد و لا لوالد حقّ في صدقة مفروضة، و من كان له ولد أو والد

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3 و 2.

(4). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 263

..........

______________________________

فلم يصله فهو عاقّ. و روينا عن ابن عباس أنّه قال: لا تجعلها لمن تعول. «1»

و في هذه الروايات غنى و كفاية.

و العنوانات الواردة في هذه الروايات عبارة عن:

1. ذلك انّهم عياله لازمون له.

2. لأنّه يجبر على النفقة عليهم.

3. ممّن تعول.

و هناك روايات تعارض بظاهرها لما ذكرناه.

1. رواية عمران بن إسماعيل القمّي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام: إنّ لي ولدا رجالا و نساء، أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟

فكتب عليه السّلام: «إنّ ذلك جائز لك». «2»

2. مرسل محمد بن جزّك، قال: سألت الصادق عليه السّلام: أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال: «نعم، لا بأس». 3

3. صحيحة علي بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة، و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا؟ فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم، و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم». 4

يلاحظ على الأوّل بوجوه:

الأوّل: احتمال انّ المراد من الولد الأقارب الذين يصلح إطلاق الولد عليهم مجازا، كما عليه العلّامة

في «المنتهى».

______________________________

(1). سنن البيهقي: 7/ 28، كتاب قسم الصدقات، باب لا يعطيها من تلزمه نفقته.

(2) (2، 3 و 4). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3، 4، 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 264

..........

______________________________

الثاني: يحتمل أن يكون المراد من الزكاة، زكاة التجارة المندوبة.

الثالث: كما يحتمل أن يكون هذا الحكم مختصا بالراوي بقرينة قوله: «لك» و أمّا وجه الاختصاص فلأمر بينه و بين الإمام.

و على كلّ تقدير ليست الرواية صريحة في جواز الإنفاق من الزكاة على واجب النفقة للمزكّي من الزكاة الواجبة، فلا يمكن رفع اليد به عن الروايات الصريحة.

و يلاحظ على الثاني- مضافا إلى الإرسال-: أنّ المراد المشاورة في هبة العشر من أمواله إلى ولد بنته، و ليس سؤالا عن الزكاة، كما يحتمل أن يكون ولد البنت غير واجب النفقة على الجدّ لوجود الأب له.

و أمّا الثالث فيلاحظ عليه بخروج المورد عن وجوب النفقة بموت الأب، فلذلك يجوز دفع زكاة الوالد بعد موته إلى أولاده.

و ربما يتخيل أيضا وجود التعارض بين الأدلّة المانعة و ما دلّ على جواز دفع الرجل زكاته لقرابته أو لأهل بيته، و قد عقد صاحب الوسائل لذلك بابا «1» غير أنّ الإطلاقات المجوزة تخصّص بالأدلّة المانعة، أي الخمسة الذين لا تعطى لهم الزكاة.

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ الزوجة ممّن تجب نفقتها على الزوج فلا يجوز دفع الزكاة إليها من باب النفقة، فهل الحكم كذلك في مطلق الزوجة، أو يختصّ الحكم بمن لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو نشوز و إلّا فيجوز دفع الزكاة إليها؟

الظاهر عمومية الحكم لمطلق الزوجة، سواء أسقط وجوب نفقتها بشرط أو لا، على أنّ إسقاط النفقة بالشرط غير صحيح موضوعا، لأنّ وجوب النفقة

حكم

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 265

بل و لا للتوسعة على الأحوط، و إن كان لا يبعد جوازه إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم، نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه كالزوجة للوالد، أو الولد و المملوك لهما مثلا.* (1)

______________________________

و الحكم لا يسقط بالشرط، و ليس حقا لها، مضافا إلى أنّ الإسقاط مخالف لمقتضى العقد عند العرف أو مخالف للكتاب و السّنة، لقوله سبحانه: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللّٰهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وَ بِمٰا أَنْفَقُوا. «1»

و يمكن أن يكون مراد المصنّف من لفظة: «أو غيره من الأسباب الشرعية» النذر، كما إذا نذرت الزوجة عدم أخذ النفقة من زوجها و كان هنا رجحان في المتعلّق.

و أمّا الناشزة فنفقتها و إن كانت ساقطة لكن إطلاق الأدلّة المانعة يعمّ كلا القسمين.

إلى هنا تمّ الكلام في الفرع الأوّل.

(1)

* الفرع الثاني: دفع الزكاة لواجب النفقة للتوسعة

هل يجوز للمالك دفع الزكاة لمن عليه نفقته لغاية التوسعة في المعيشة كشراء البرّ عوض الشعير، و لبس الحرير عوض الخام؟

فيه وجوه:

فمن مجوّز مطلقا، إلى مانع كذلك، إلى مفصّل بتخصيص الجواز إذا لم يكن عند المزكّي ما يوسّع به عليهم، كما هو خيرة المصنّف.

______________________________

(1). النساء: 34.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 266

..........

______________________________

استدلّ للمنع بأنّ التوسعة و إن كانت غير واجبة على المنفق، إلّا أنّ كثيرا من أفراد التوسعة من أفضل أفراد الواجب المخير، فإنّ شراء البرّ عوض الشعير، و الحرير مكان الخام يعدّ إنفاقا و نفقة و يشملهما إطلاقات المنع خصوصا بملاحظة ندرة الاقتصار على أقلّ الواجب على المنفقين، فإنّ الاقتصار على الحدّ الأقل أمر نادر.

استدلّ القائلون بالجواز

بروايات.

أ. موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل له ثمانمائة درهم و لابن له مائتا درهم، و له عشر من العيال، و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا و ليست له حرفة بيده إنّما يستبضعها فتغيب «1» عنه الأشهر ثمّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله ليعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم، و لكن يخرج منها الشي ء الدرهم». «2»

ب. موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة؟ قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف و لا يأكل هو منه، فانّه ربّ فقير أسرف من غني» فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغني؟ فقال: «إنّ الغني ينفق ممّا أوتي، و الفقير ينفق من غير ما أوتي». «3»

______________________________

(1). أي فتغيب البضاعة عن المالك الأشهر، لعلّه يبيعها نسيئة.

(2). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(3). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 267

..........

______________________________

ج. و موثّقة أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تعط من الزكاة أحدا ممّن تعول» و قال: إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان

عياله كثيرا، قال: «ليس عليه زكاة، ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و في كسوتهم و في طعام لم يكونوا يطعمونه، و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا، و قال: لا تعطين قرابتك الزكاة كلّها، و لكن أعطهم بعضها و أقسم بعضها في سائر المسلمين، و قال: الزكاة تحلّ لصاحب الدار و الخادم و من كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال، و يجعل زكاة الخمسمائة، زيادة في نفقة عياله يوسّع عليهم». «1»

د. خبر أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟» قال: نعم، قال: «كم يفضل؟» قال: لا أدري، قال: «إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة»، قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: «بلى»، قلت: كيف يصنع؟ قال: «يوسّع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقي منها شيئا يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس». «2»

هذه هي الروايات التي استدلّ بها على الجواز في مقابل إطلاقات المنع، و الكلّ لا يخلو من تأمّل و نظر.

أمّا الأولى، فالظاهر انّ المراد من الزكاة هو زكاة التجارة بقرينة قوله: «و ليس

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 268

..........

______________________________

له حرفة بيده إنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر»، فتكون الزكاة من قسم المندوب الذي يجوز صرفه في واجب النفقة.

أضف إلى ذلك: حسب الظاهر انّ الابن عاجز غير متمكّن عن الإنفاق الواجب، فعند ذلك يجوز له تكميل النفقة بالزكاة الواجبة عليه، و الشاهد عليه قوله: «و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا».

و أمّا قوله: يتسع ففي نسخة الكافي «يسبغ»، و لعلّ المراد منها واحد، و هو إكمال النفقة.

و الحاصل: انّ الرواية ليست صريحة في الزكاة الواجبة و كون المالك قادرا على الإنفاق اللازم من غير جهة الزكاة.

و أمّا الثانية، فهي كالرواية الأولى من حيث الاحتمال، و انّ المراد من الزكاة هو زكاة التجارة بشهادة قوله: «و يكسب بماله»، و أمّا النهي عن أكل نفسه، فلأجل انّه يمنع عن صدق الدفع المستحبّ.

و أمّا الثالثة فالحقّ انّ قوله: «ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و كسوتهم و في طعام لم يكونوا يطعمونه» ظاهر في دفع الزكاة للتوسعة، لكنّه ليس صريحا في غير التجارة فانّ قوله: إذا كان لرجل خمسمائة درهم، كما يحتمل أن يكون المسئول هو زكاة النقدين يحتمل أن يكون المسئول زكاة التجارة.

و لأجل ذلك لا يمكن رفع اليد بهذا الظاهر المتزلزل عن العمومات المانعة.

و أمّا الرابعة فالرواية ظاهرة في زكاة التجارة، و أمّا التعبير باللزوم لأجل كون الاستحباب آكد.

و بالجملة لم نجد رواية صريحة في جواز دفع الزكاة الواجبة لمن تجب نفقته على المزكّي لغاية التوسعة، و لذلك يقول صاحب الجواهر:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 269

المسألة 10: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل الفقر، و أمّا من غيره من السهام

كسهم العاملين إذا كان منهم أو الغارمين أو المؤلّفة قلوبهم أو سبيل اللّه أو ابن السبيل أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه.* (1)

______________________________

و يحتمل أن يكون المراد في الجميع زكاة التجارة التي قد عرفت ندبها، فيكون المقصود أولوية استحباب التوسعة من إخراج زكاة التجارة، بل بعضها كاد يكون صريحا في ذلك، و منه يعلم الحال في غيره لكون الجميع على مذاق واحد، بل ظاهر آخر انّه لا زكاة عليه للتوسعة المزبورة، لا أنّه يخرجها و يحتسبها عليهم، على أنّه يمكن أن يكون المراد غير واجبي النفقة من عياله. «1»

و لو افترضنا دلالة الروايات، فموردها هو ما إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم، فالقول بالمنع أقوى و أحوط، و مع غض النظر عنه فالتفصيل بين التمكّن فلا يوسع و عدمه فيصرف فيها أوضح.

الفرع الثالث: دفع الزكاة إلى واجب النفقة لينفقها على من تجب نفقته عليه

، لا على المزكّي، كالزوجة لتنفقها على والدها، و ولد الوالد و مملوكه، و دليله واضح، لاختصاص أدلّة المنع بواجب النفقة، و قد عرفت لسان التعليلات الواردة فيها، و نفقة والد الزوجة ليس على عاتق الزوج.

[المسألة 10: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل الفقر]

(1)* انّ النصوص المانعة ظاهرة في دفع الزكاة لواجب النفقة من بابها فلا يدلّ على المنع عن الدفع بعنوان آخر.

قال المحقّق: لو كان من تجب نفقته: عاملا جاز أن يأخذ من الزكاة، و كذا

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 400.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

الغازي و الغارم و المكاتب، و ابن السبيل، لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية ممّا يحتاج إليه في سفره كالحمولة. «1»

و قال صاحب الجواهر قبل كلام المحقّق: فمن المعلوم أنّ منع المالك من دفع الزكاة لمن وجبت نفقته عليه إنّما هو من سهم الفقراء لا مطلقا، أمّا إذا دخلوا تحت مستحقي باقي السهام فلا خلاف معتد به كما لا إشكال في جواز الدفع إليهم من المالك و غيره، لعموم الأدلّة السالم عن المعارض بعد تنزيل النصوص السابقة على الدفع من سهم الفقراء. «2»

و يدلّ على ذلك ما دلّ على قضاء دين الأب من الزكاة، حيث إنّ الواجب نفقة الأب لا دينه، ففي رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة، أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال: «نعم، و من أحقّ من أبيه». «3»

و مع ذلك فلا يخفى ما في الأمثلة التي ذكرها المصنّف من النظر فإنّ الكلام في دفع المالك المزكّي، و العامل و المؤلّفة و الرقاب قسم المكاتب العاجز يأخذون الزكاة من الحاكم، لا المالك، و الأولى التمثيل

بالغارم فقط، فتأمّل.

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 163.

(2). الجواهر: 15/ 405.

(3). الوسائل: 6، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2، و لاحظ الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 271

[المسألة 11: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه]

المسألة 11: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه إذا لم يكن قادرا على إنفاقه، أو كان قادرا و لكن لم يكن باذلا، و أمّا إذا كان باذلا فيشكل الدفع إليه و إن كان فقيرا كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شي ء، بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل، بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعا منه، بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا.* (1)

______________________________

(1)* هذه هي المسألة التي سبق ذكرها إجمالا و الفرق بينها و بين ما سبق «1» انّ المالك في المسألة السابقة يدفع زكاته لمن وجبت نفقته عليه، و أمّا المقام فالمالك يدفع زكاته للفقير الذي تجب نفقته على الغير، كما إذا دفع زكاته إلى ولد الرجل الأجنبي أو زوجته، حيث إنّ نفقتهما على الرجل لا على المزكّي، و لكنّه يدفع الزكاة إليهما ليغنيهما عن إنفاقه.

و على ضوء هذا فهنا مسائل ثلاث متشابهة يجب التركيز على التفريق بينها:

الأولى: دفع الزكاة إلى واجب النفقة لينفقها على حوائج نفسه، و هذه هي المسألة الأصلية و قد طرحها المصنّف تحت عنوان قوله: «الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته عليه».

الثانية: دفع الزكاة إلى واجب النفقة لكن لا لينفقها على حوائج نفسه، بل لينفقها على من تجب نفقته عليه لا على المزكّي، كما إذا دفع زكاته

إلى الوالد لينفقها في مئونة زوجته و ولده حيث إنّ نفقة الوالد على المالك و ليست نفقة زوجته و ولده

______________________________

(1). أي في قوله: الثالث أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين الخ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 272

..........

______________________________

الصغير عليه، و هذه هي التي طرحها المصنّف في ذيل الثالث في قوله: «نعم يجوز دفعها إليهم (واجبي النفقة) إذا كان عندهم من تجب نفقتهم عليهم».

الثالثة: دفع الزكاة لمن تجب نفقته على الغير، كما إذا أنفق زكاته على أولاد الأثرياء و زوجاتهم بملاك انّهم فقراء و إن كان الآباء و الأزواج أثرياء. و هذه هي المسائل التي استعرضها المصنّف في المقام، فعلى الطالب أن يفرّق بينها.

إذا عرفت هذا، فنقول: إنّ الكلام في المقام في المسألة الثالثة التي أشرنا إليها، و هي دفع الزكاة إلى أولاد الأثرياء و زوجاتهم، فهاهنا أقوال أو احتمالات:

الأوّل: جواز دفع الزكاة مطلقا.

الثاني: عدم جوازه كذلك.

الثالث: الفرق بين كون المنفق (من وجبت نفقته عليه) غنيا باذلا فلا يجوز الإعطاء، و كونه فقيرا أو غنيا غير باذل فيجوز الإعطاء.

الرابع: الفرق بين الزوجة فلا تعطى و غيرها.

الخامس: الفرق بين الدفع للتوسعة في المعيشة فيجوز دون غيرها.

السادس: الفرق بين إنفاق المنفق بلا منّة و لا حرج فلا يجوز، و ما إذا كان يستتبعه المنّة و الحرج فيجوز.

هذه احتمالات ستة:

و أمّا مباني الأقوال فهو:

1. انّ وجوب إنفاق المنفق على عياله من الولد و الزوجة يرفع الفقر، سواء أنفق أو لا، فلا يجوز مطلقا.

2. انّ الحكم الشرعي بوجوب الإنفاق لا يرفع الفقر كذلك فيجوز مطلقا.

3. يفصّل بين كون المنفق غنيا باذلا فالإيجاب الشرعي رفع لعنوان الفقر

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

عن

الولد و الزوجة، و بين كونه فقيرا أو ممتنعا عن البذل فلا يرفع الفقر.

4. أو يفصّل بين كون وجوب الإنفاق مستتبعا للضمان إذا لم ينفق فيرفع الفقر، كما في مورد الزوجة فإنّه إذا أنفق الزوج فهو، و إلّا يكون دينا في ذمّته، فلا يوصف بالفقر لأجل كونه دائنا و مستحقا في ذمّته ما يكفي مئونته؛ أو كونه غير مستتبع بحكم وضعي إذا لم ينفق فلا يرفع الفقر، و على ذلك فلا يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة و إن كان الزوج فقيرا أو ممتنعا و بين غيرها فيجوز.

5. أو يفصّل بين كون الدفع للتوسعة في المعيشة فيجوز، و المراد من التوسعة الأمور الزائدة على ما يجب على الوالد و الزوج، كمصارف السفر و الضيوف و التنزّهات لعدم وجوب الإنفاق في هذه الموارد فالفقر يكون باقيا؛ و بين غيرها ممّا يعدّ نفقة واجبة على المنفق فلا يجوز.

6. أو يفصّل بين كون البذل صادرا عن منّة و حرج فلا يجب الأخذ فيوصف بالفقر، و بين كونه مجردا عنهما فيكون إيجاب البذل رافعا للفقر.

هذه هي الأقوال الستة مع مبانيها.

و الحقّ هو القول الثالث، و هو التفريق بين غنى المنفق و بذله و بين إعساره أو امتناعه، فلا يوصف بالفقر في الأوّل بخلاف الثاني، قال الشيخ الأنصاري في زكاته:

و التحقيق أن يقال: إن كان يعدّ غنيا في صورة بذل النفقة له و الوثوق بالبذل و لا يكون في عياله من تجب عليه نفقته لو تمكّن، فلا يجوز له أخذ الزكاة من المنفق اتّفاقا، بل و لا من غيره وفاقا لما عن «التذكرة» و «شرح الإرشاد» للمحقّق الأردبيلي، و اختاره في شرح المفاتيح و الغنائم لصدق الغنى عليه بعد اجتماع وصفي

وجوب الإنفاق عليه و بذل المنفق، و إن كان كلّ واحد منهما لا يكفي في نفي الفقر عنه

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 274

..........

______________________________

إلّا إذا امتنع المنفق. «1»

و قد أشار الشيخ في كلامه هذا إلى أنّ التفصيل هو خيرة العلّامة في «التذكرة» و «شرح الإرشاد» للمحقّق الأردبيلي، بل هو خيرة الشهيد في «البيان» و السيد في «المدارك»، و لا بأس بنقل نصوصهم:

1. قال العلّامة: لو كان للولد المعسر أو الزوجة الفقيرة أو الأب الفقير، والد أو زوج أو ولد موسرون، و كلّ منهم ينفق على من تجب عليه، لم يجز دفع الزكاة إليهم، لأنّ الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة، فأشبهوا من له عقار يستغني بأجرته.

و إن لم ينفق أحد منهم و تعذّر ذلك جاز الدفع إليهم، كما لو تعطّلت منفعة العقار. «2»

و ظاهر كلامه هو القول الثالث.

2. و قال الشهيد في «البيان»: و لو لم يبذل النفقة جاز من غيره قطعا. «3»

3. و قال المحقّق الأردبيلي: لا يجوز لغير من وجب نفقتهم عليه أيضا إعطاؤهم من سهم الفقراء مع كون المنفق غنيا باذلا، إذ ليس ذلك بأقل من الكاسب القادر على القوت. «4»

4. و قال السيد في «المدارك»: و لو امتنع المنفق من الإنفاق جاز التناول في الجميع قولا واحدا. «5»

و هذه النصوص ترمي إلى القول الثالث.

______________________________

(1). كتاب الزكاة: 335.

(2). التذكرة: 5/ 244، ضمن المسألة 164.

(3). البيان: 194.

(4). مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 178.

(5). المدارك: 5/ 247.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 275

..........

______________________________

فإن قلت: إنّ وجوب الإنفاق في رتبة جواز أخذ الزكاة، فكما أنّ وجوب الإنفاق يصلح لأن يرفع موضوع أخذ الزكاة (الفقير)، كذلك يمكن أن يكون

الحكم الثاني (جواز أخذ الزكاة) أو دفع الزكاة رافعا لموضوع وجوب الإنفاق.

قلت: الفرق بين وجوب الإنفاق و جواز دفع الزكاة واضح، و هو انّ موضوع وجوب الإنفاق هو عدم الاستطاعة و القدرة على مئونة نفسه، و هذا حاصل بالفعل حتّى و إن تكفّله رجل من باب الزكاة فإنّ عدم الاستطاعة لا يرتفع ببذل الغير، و أمّا جواز دفع الزكاة فموضوعه الحاجة و الفقر و هو يرتفع بالإنفاق الواجب. «1»

و حاصله: انّ موضوع الإنفاق موضوعه فعلي و مع شمول الحكم عليه، يرتفع الفقر فيرتفع الحكم الثاني بارتفاع موضوعه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 275

يلاحظ عليه: بأنّ وجوب الإنفاق بما انّه حكم تكليفي لا يخرج من وجبت نفقته عليه عن حدّ الفقر و هو انّه غير مالك لمئونة السنة. نعم لو بذل جميع مئونة السنة مرة واحدة لخرج عن الفقر إلى الغنى، و المفروض غير ذلك.

و على ذلك فكلّ من الحكمين يمكن أن يكون مانعا للآخر.

و الأولى أن يقال: انصراف أدلّة الزكاة عن مثل تلك الموارد، و ذلك لأنّ الغاية من تشريعها هو رفع الحاجات و سد الخلّات، و أمّا من وجبت نفقته على الغير و هو غني باذل فلا يقال انّه ذو حاجة و خلّة يجب رفع حاجاته، و لأجل ذلك يعدّ دفع الزكاة إلى أولاد الأثرياء و زوجاتهم أمرا منكرا.

إلى هنا تبيّن انّ القولين الأوّلين بين الإفراط و التفريط و القول الثالث هو الأوسط.

______________________________

(1). كتاب الزكاة: 336.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 276

..........

______________________________

و أمّا الوجه الرابع، أعني: الفرق بين وجوب

الإنفاق المستتبع للضمان كالزوجية و غيره فلا يجوز في الأوّل دون الثاني، فهو غير تام، لأنّه لا يخرج الزوجة عند إعسار الزوج أو امتناعه عن كونها فقيرة، فالميزان هو غنى الزوج و بذله لا كون وجوب الإنفاق مستتبعا للضمان و عدمه.

و أمّا الوجه الخامس- أعني: الفرق بين كون الدفع للتوسعة في المعيشة و عدمها- فيجوز في الأولى إذا لم يكن المنفق باذلا لها دون الثاني؛ فيمكن أن يكون وجهه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيتوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس». «1»

فقد استدلّ به العلّامة في «المنتهى» «2»، و الشهيد في «البيان» «3» و صاحب الحدائق. «4»

و قال الأخير: دلّت صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج على جواز الأخذ بالتوسعة إذا كانوا لا يوسعون عليه، فيجب الوقوف عليها و تخصيص تلك الأخبار بها. 5

لكن في دلالة الرواية نظر حيث يحتمل أن يكون المراد من التوسعة هو النفقة اللازمة في مقابل التضييق و التقتير و هو الذي اختاره الشيخ في زكاته، قال:

لكن الظاهر منها إرادة التوسعة في مقابلة التضييق لا الفضل، و لو سلم ظهورها في إرادة الفضل عن النفقة اللائقة فلا بدّ أن تحمل على ما ذكرنا، لأنّها لا

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). المنتهى: 1/ 529.

(3). البيان: 316.

(4) (4 و 5). الحدائق الناضرة: 12/ 212.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

تقاوم العمومات الكثيرة المانعة من إعطاء الغني. «1»

و الحقّ ما عليه المصنّف في المتن في الإعطاء لغاية

التوسعة، و هو التفريق بين غنى الزوج و بذله للتوسعة و مع إعساره أو تقتيره، فلا يجوز في الصورة الأولى دون الثانية، لانصراف الفقير عن الصورة الأولى دون الثانية، و قد مرّ انّ دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها حسب حاله و لو لعزّه و شرفه لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها، بل و لو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها و كذلك الثياب و الألبسة الصيفية و الشتوية، السفرية و الحضرية و لو كانت للتجمّل و أثاث البيت من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج إليه، فلو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذها للزكاة بشرائط. «2»

و على ذلك فلو امتنع عن البذل لأمثال هذه الأمور يصبح الولد و الزوجة كسائر الفقراء ممّن يحتاجون إليها، و لذلك قال المصنّف: بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا.

و أمّا الوجه السادس و هو كون البذل مرفقا بالمنّة و الحرج فيجوز ترك أخذها، و الاكتفاء بالزكاة لحكومة أدلّة الحرج على وجوب الأخذ أو انصراف الوجوب إلى غير صورة المن و الإحراج.

و بذلك ظهر انّه لا منافاة بين الوجه الثالث، و الخامس و الرابع.

______________________________

(1). الزكاة: 339.

(2). كتاب الزكاة، فصل في أصناف المستحقّين، المسألة 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 278

[المسألة 12: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها]

المسألة 12: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، و سواء كان للإنفاق أو للتوسعة. و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه. نعم لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه لا يجوز الدفع

إليها مع يسار الزوج.* (1)

______________________________

(1)* هنا فروع:

1. دفع الزكاة إلى الزوجة المنقطعة.

2. دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا أسقطت وجوب نفقتها بالشرط.

3. حكم دفع الزكاة إلى الزوجة المنقطعة إذا شرطت الإنفاق عليها في ضمن العقد.

و إليك الكلام فيها واحدا تلو الآخر.

أمّا الفرع الأوّل: فيجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المنقطعة إذا كانت فقيرة، لعدم وجوب نفقتها على الزوج.

و بعبارة أخرى: انّ الملاك للمنع هو قول الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّهم عياله لازمون له» «1»، و قوله عليه السّلام: «لأنّه يجبر على النفقة عليهم». 2 و من المعلوم عدم صدقهما على المنقطعة، إذ ليس في العقد المنقطع نفقة.

فإن قلت: وردت الزوجة في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة،

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 279

[المسألة 13: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة]

المسألة 13: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز، لتمكّنها من تحصيلها بتركه.* (1)

______________________________

و ذلك أنّهم عياله لازمون له». «1»

قلت: المراد من المرأة هي غير المنقطعة بشهادة التعليل الوارد فيها، و هو:

انّهم عياله لازمون له، و المنقطعة على طرف النقيض من التعليل.

و بهذا يعلم ضعف ما حكي عن بعضهم من عموم المنع لإطلاق النص، لما عرفت من أنّ النصّ غير مطلق بل معلّل بالتعليل.

و أمّا الفرع الثاني، أعني: جواز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه كالنشوز، فلأجل أنّها بحكم المنقطعة في عدم وجوب الإنفاق، فتخرج عن كونها لازمة للزوج.

و أمّا الفرع الثالث، أعني: إذا

وجبت نفقة المتمتّع بها من جهة الشرط أو نحوه، فلا يجوز الدفع إليها، سواء كان الدافع هو الزوج كما هو معلوم أو غيره لكن مع يسار الزوج، و الحقّ أن يقال: انّه لا يجوز الدفع إذا كان الزوج غنيا و باذلا دون ما إذا كان فقيرا أو ممتنعا.

فما عن المصنّف من الاكتفاء بقوله: «مع يسار الزوج» يجب أن يعطف عليه:

و بذله.

(1)* إذا كانت الزوجة ناشزة فقال المحقّق في «المعتبر» «2» انّها كالمطيعة، لتمكّنها من النفقة بالرجوع إلى الطاعة، و يؤيّده ما في صحيحة زرارة في تعريف

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). المعتبر: 2/ 582.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 280

[المسألة 14: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج و إن أنفقها عليها]
اشارة

المسألة 14: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج و إن أنفقها عليها. و كذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجيّة.* (1)

______________________________

الغني: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها». «1» و هي متمكنة عن كفّ نفسها عنها بسهولة بالرجوع إلى طاعة الزوج غير المحرجة.

و يمكن أن يقال: انّ المدار لمنع صرف الزكاة هو لزوم الإنفاق و كونها لازمة للزوج، أو انّ المنفق يجبر على البذل، و كلّها غير موجودة في الناشزة و قدرتها على الطاعة لا تدرجها تحت الموضوع كما في الجواهر. «2»

و لكنّه ضعيف، لأنّ المراد هو كون المورد ممّا يعد لازما للمنفق حسب الطبع، و هي كذلك لا بحسب العوارض مثل النشوز.

تتميم

لا فرق فيما ذكرنا بين وجوب الإنفاق بالأصالة و بين الوجوب بنذر و شبهه، لعموم التعليل المتقدّم و صدق الغنى معه. لا سيّما إذا قلنا بأنّ المنذور له يملك على الناذر ذلك و يستقر ذلك في ذمّته بمجرّد النذر، و منه يعلم وضوح جهة المنع فيما إذا وجب بشرط في ضمن عقد لازم.

(1)* إذا كان الزوج فقيرا مستحقا للزكاة و الزوجة ممّن عليها الزكاة، فهل يجوز أن تدفع زكاتها إلى زوجها ليصرفها في مئونته التي منها نفقة زوجته؟

و إنّما خصّ الزوجة و الزوج بالذكر و لم يذكر الآباء و الأولاد، إذ ليس الزوج واجب النفقة على الزوجة، فيصحّ فيه القول بإعطاء زكاتها له لينفقها عليها.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

(2). الجواهر: 15/ 403.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 281

..........

______________________________

بخلاف الآباء و الأولاد، لأنّ نفقة كلّ على الآخر إذا كانوا فقراء دون ما إذا كانوا أغنياء.

و على

هذا فلو كان الآباء أغنياء، فلا يستحقّون الزكاة بالذات لا من الأولاد و لا من غيرهم. و إن كانوا فقراء فهم واجبو النفقة على الأولاد، فلا يجوز دفع الزكاة إليهم، سواء كانت الغاية صرف الزكاة في الآباء لكونهم واجبي النفقة على المزكّى و لا في حقّ أولادهم لكونهم أغنياء حسب الفرض، و يأتي مثل ذلك في دفع الآباء الزكاة للأولاد.

و على كلّ تقدير قال الشيخ في «الخلاف»: يجوز للزوجة أن تعطي زكاتها لزوجها إذا كان فقيرا من سهم الفقراء. و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: لا يجوز.

دليلنا: قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ و هذا فقير، و تخصيصه يحتاج إلى دليل. «1»

و حاصل استدلال الشيخ: انّ الزوج من مصاديق الفقراء و الزكاة لهم فيجوز الدفع إليه مطلقا، سواء كان الدافع ممّن تجب نفقته عليه أو لا، و إخراج دفع من وجبت نفقته على الفقير من الآية يحتاج إلى الدليل.

و قال في «المبسوط»: إذا كانت المرأة غنية و زوجها فقيرا جاز أن تدفع إليه زكاتها من سهم الفقراء. «2»

و ما استدلّ به الشيخ واف بالمقصود، و استدلّت الشافعية على الجواز بثلاث روايات قاصرة عن إثبات المراد:

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 239، كتاب الصدقات، المسألة 25.

(2). المبسوط: 1/ 259.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 282

..........

______________________________

1. انّ زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود قالت: يا نبي اللّه إنّك أمرت اليوم بالصدقة، و كانت عندي حليّ لي فأردت أن أتصدّق به، فزعم ابن مسعود انّه هو و ولده أحقّ من تصدّقت عليهم، فقال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: صدق ابن مسعود زوجك و ولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم.

2. انّ امرأة عبد اللّه سألت النبي

صلى اللّه عليه و آله و سلم عن بني أخ، لها أيتام في حجرها أ فتعطيهم زكاتها؟ قال: نعم.

3. أتت النبي امرأة، فقالت: يا رسول اللّه إنّ عليّ نذرا أن أتصدّق بعشرين درهما و انّ لي زوجا فقيرا، أ فيجزي عني أن أعطيه؟ قال: نعم، لك كفلان من الأجر. «1»

و لكن الروايات- على فرض صحّة الاحتجاج- قاصرة الدلالة.

فانّ مورد الحديث الأوّل هو الحليّ و ليس فيها الزكاة.

و أمّا الحديث الثاني فليس فيه كلمة الزوج.

و أمّا الحديث الثالث فرواه الجوزجاني باسناده عن عطاء، و هو حديث مرسل، و الأولى الاستدلال بدخول الزوج تحت العمومات.

و استدلّ أبو حنيفة بوجوه:

1. انّه أحد الزوجين فلم يجز للآخر دفع زكاته إليه كالآخر.

2. انّها تنتفع بدفعها إليه، لأنّه إن كان عاجزا عن الإنفاق عليها تمكّن بأخذ الزكاة من الإنفاق فتنفعه، و إن لم يكن عاجزا و لكنّه أيسر بها لزمته نفقة الموسرين، فتنتفع في الحالين، فلم يجز لها ذلك.

يلاحظ على الأوّل: بأنّ الموضوع للمنع هو دفع الزكاة إلى واجب النفقة و هو

______________________________

(1). المغني: 2/ 513- 514.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 283

..........

______________________________

ينطبق على دفع الزوج زكاته للزوجة دون العكس، إذ لا يلزم نفقة الزوج على الزوجة، فكونه أحد الزوجين ليس موضوعا للحكم حتى يعمّ الطرفين.

و أمّا الثاني فالمفروض هو الصورة الأولى- أعني: كون الزوج عاجزا عن الإنفاق لا متمكّنا- لكنّ تمكّنه بعد الأخذ من الإنفاق عليها غير ضار، لأنّ الميزان لجواز الأخذ حال الأخذ، و لا دليل على أنّ انتفاع الدافع بدفع الزكاة مانع عن صحّته، بشهادة انّه يجوز دفع الزكاة إلى الغريم حتى يوفي بها دينه فينتفع الدافع.

نعم نقل العلّامة في «المختلف» عن علي بن بابويه في

رسالته إلى ولده، و ولده في مقنعه:

و لا تعط من أهل الولاية الأبوين و الولد و لا الزوج و الزوجة.

ثمّ قال العلّامة: المشهور الاقتصار على العمودين- أعني: الآباء و الأولاد و الزوجة و المملوك- أمّا الزوج فإنّه يجوز الدفع إليه.

هذا و قد استدلّ العلّامة على الجواز بما أوضحنا حاله فقال: لنا: إنّه فقير فيدخل تحت عموم قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ. و لأنّ المقتضي للوجوب موجود، و هو دفع حاجة الفقير؛ و المانع و هو القرابة، أو إيجاب النفقة مفقود، فيثبت جواز الدفع.

احتجّا بأنّ النفع في الحقيقة عائد إليها لجواز الإنفاق عليها منه.

و الجواب: لا مانع من ذلك، كما لو دفع الزكاة إلى مديونه فدفعها إليه من دينه. «1»

و مثل الزوجة من وجبت نفقته على إنسان بسبب النذر و الشرط فيجوز للمشروط له دفع زكاته إلى من وجبت نفقته عليه بالنذر، و الدليل هو إطلاق الأدلّة و ليس انتفاع الدافع بالدفع مانعا عن جوازه.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 249.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 284

[المسألة 15: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته له]

المسألة 15: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته له، فضلا عن غيره للإنفاق أو التوسعة، من غير فرق بين القريب الّذي لا يجب نفقته عليه كالأخ و أولاده و العمّ و الخال و أولادهم، و بين الأجنبيّ، و من غير فرق بين كونه وارثا له لعدم الولد مثلا و عدمه.* (1)

______________________________

(1)* إذا عال الرجل بأحد تبرعا، سواء كان المنفق عليه أجنبيا أو قريبا فهل يجوز على المنفق أن يدفع زكاته إلى المنفق عليه حتى يستغني عن الإنفاق أو لا؟

فكون العيلولة للقريب و الأجنبي لا يوجب عقد مسألتين، فإنّ الملاك هو دفع الزكاة إلى من عال بأحد تبرعا من

دون ملزم شرعي، سواء أ كان أجنبيا أو قريبا، و القريب وارثا كما في أحد الأخوين بالنسبة إلى الآخر أو غير وارث.

قال العلّامة في «التذكرة»: العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإعطاء عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء، فلو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه كيتيم أجنبي جاز أن يدفع زكاته إليه، لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين للزكاة، و لم يرد في منعه نص و لا إجماع و لا قياس، فلا يجوز تخصيصه من العمومات بغير دليل.

و عن أحمد رواية بالمنع، لأنّه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته، و لو سلّم لم يضرّ، فإنّه نفع لا يسقط واجبا عنه، إذ العيلولة ليست واجبة. «1»

ثمّ إنّ موضوع البحث هو مانعية العيلولة عن دفع الزكاة، و أمّا مانعية القرابة بما هي هي مجردة عن العيلولة فسيوافيك البحث فيها في المسألة 16.

و بذلك يعلم أنّ ما ذكره العلّامة في «التذكرة» قبيل هذا المقام يرجع إلى

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 268، المسألة 179.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 285

..........

______________________________

مانعية القرابة بما هي هي دون مانعية العيلولة، قال في ذلك المقام:

لو كان القريب ممّن لا تجب نفقته جاز الدفع إليه بأي سبب كان .... «1»

و على كلّ حال فالجواز هو الأقوى، و ذلك لأنّ المانع من الدفع وجوب النفقة على المدفوع إليه بحيث يصدق على الدافع انّ «عياله لازمون له» كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج «2»، أو انّه «يجبر على النفقة عليهم» كما في رواية العلل. 3 لكن مجرّد التعهّد على الإعطاء و العيلولة لا يجعل المنفق عليه ممّن يلزم عليه الإنفاق.

و بعبارة أخرى: انّ التبرع لا يغيّر الواقع، فهو ليس

بواجب النفقة.

و يمكن الاستدلال على المنع بروايتين:

1. معتبرة أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تعط من الزكاة أحدا ممّن تعول». «4»

فالظاهر انّ المراد ممّن وجب نفقتهم عليه، و قد عرّفهم الإمام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج بقوله: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك أنّهم عياله لازمون له». «5»

2. صحيحة محمد الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: و الوارث الصغير يعني الأخ و ابن الأخ و نحوه. «6»

و ظاهر الرواية كون الأخ و ابن الأخ ممّن يجب نفقته على الأخ الكبير فلا يجوز دفع زكاته إليه.

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 266.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 4.

(4). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6.

(5). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(6). الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب النفقات، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

يلاحظ عليه- بعد فرض صحّة الحديث-: أنّه خارج عن موضوع البحث، فإنّ موضوعه هو من عال بأحد تبرعا، و الأخ الصغير و ابن الأخ على هذا الحديث ممّن تجب نفقته على الرجل وجوبا ذاتيا لا تبرعيا.

على أنّ الحديث معرض عنه، إذ لم يقل أحد بوجوب الإنفاق عليه، و هو خارج عن الخمسة المحدّد في غير واحد من الروايات كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة و غيرهما ممّا ذكره صاحب الوسائل في أبواب النفقات. «1»

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي حمل الحديث على التقية قائلا بأنّ العامّة قالت بوجوب نفقة الوارث على الموروث. «2»

و لكنّه غير تام، لأنّ فقهاء السنّة ذهبوا

إلى أنّ نفقة الموروث على الوارث لا العكس، و لأجل ذلك ذهب أحمد إلى أنّ الموروث يدفع زكاته على الوارث دون العكس. قال العلّامة: و قال أحمد: على الوارث منهما نفقة موروثه فليس له [الوارث] دفع زكاته إليه و ليس على الموروث منهما نفقة وارثه، فلا يمنع من دفع زكاته إليه. «3»

هذا كلّه حول زكاة المنفق بالنسبة إلى من عال تبرعا، و أمّا زكاة الغير بالنسبة إليهم، فيظهر حاله ممّا ذكرناه في المسألة 11- أعني قوله: «يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه»- فالظاهر انّ التفصيل الماضي يأتي في المقام أيضا، فلو كان المتبرّع متمكّنا و باذلا فالأحوط عدم دفع الغير زكاته إليهم، لاحتمال عدم صدق الفقر مع وجود باذل لهم، بخلاف ما إذا

______________________________

(1). الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب النفقات، الحديث 1، 2، 3، 4.

(2). مستند العروة: 24/ 170.

(3). التذكرة: 5/ 267.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 287

[المسألة 16: يستحب إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم و فقرهم]

المسألة 16: يستحب إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم و فقرهم و عدم كونهم ممّن تجب نفقتهم عليه، ففي الخبر أيّ الصدقة أفضل؟ قال عليه السّلام: «على ذي الرحم الكاشح» و في آخر: «لا صدقة و ذو رحم محتاج».* (1)

______________________________

كان عاجزا أو ممتنعا فيجوز، و مع ذلك فالفرق بين المقام و ما ذكر في المسألة 11 واضح جدّا، لأنّ المفروض في المقام عدم وجود من تجب نفقتهم عليه و إنّما الموجود هو المنفق تبرعا بخلاف المذكور في المسألة الحادية عشرة، لأنّ المفروض وجود من تجب نفقتهم عليه و مع ذلك يقوم غيره بالإنفاق عليهم من الزكاة.

(1)* قال الشيخ في «النهاية»: و لا بأس أن يعطي من عدا

هؤلاء من الأهل و القرابات من الأخ و الأخت و أولادهما و العم و الخال و العمة و الخالة و أولادهم.

و الأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجتهم إلى ذلك إلى البعيد، فإن جعل للقريب قسط، و للبعيد قسط كان أفضل. «1»

و يدلّ عليه موثقة إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها؟

قال: «أ مستحقون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم».

قال: قلت: فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليهم؟

______________________________

(1). النهاية: 186.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 288

[المسألة 17: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج]

المسألة 17: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج و كذا العكس.* (1)

______________________________

قال: «أبوك و أمّك»، قلت: أبي و أمّي؟ قال: «الوالدان و الولد». «1»

و العجب من إمام الحنابلة انّه منع ذلك و إن أفتى بجوازه ابن قدامة الذي هو من تلاميذ منهجه.

قال: فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد انّه لا يجوز له دفع زكاته إليه، لأنّه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته، و الصحيح إن شاء اللّه جواز دفعها إليه، لأنّه داخل في أصناف المستحقّين للزكاة و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس صحيح، فلا يجوز إخراجه من عموم النصّ بغير دليل. «2»

(1)* الجواز و عدمه مبنيا على عدم وجوب الإعفاف و وجوبه، فالمشهور على الأوّل فلا يجب نفقة تزويج كلّ على الآخر، فيصبح كدين كلّ للآخر، أو للغير.

قال المحقّق في «الشرائع»: «و لا يجب إعفاف من

تجب النفقة له». «3»

و قال في «الجواهر» في ذيل العبارة: بلا خلاف معتد به أجده فيه، للأصل السالم عن معارضة إطلاق النفقة في الأدلّة السابقة بعد القطع أو الظن بعدم إرادة ما يشمل ذلك من النفقة المزبورة المراد منها ما هو المتعارف في الإنفاق من سدّ العوزة، و ستر العورة و ما يتبعها، و المصاحبة بالمعروف، المأمور بها في الوالدين إنّما

______________________________

(1). الكافي: 3/ 551، الحديث 1؛ الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2، و الباب 13 منها، الحديث 2.

(2). المغني: 2/ 514.

(3). الجواهر: 31/ 377، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 289

..........

______________________________

يراد بها المتعارف من المعروف، و ليس هو إلّا ما ذكرنا، لا أقل من الشكّ في ذلك، و الأصل البراءة. «1»

و الأظهر في تفسير «المصاحبة بالمعروف» بقرينة صدر الآية هو أن لا يكون الاختلاف في الدين سببا للعقوق و الخشونة، بل يعامل معهما معاملة الرفق قال سبحانه: وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَلىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلٰا تُطِعْهُمٰا وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً «2»، و أين هو من الإعفاف و دفع مصارف التزويج؟!

نعم يمكن أن يقال بدخول الإعفاف في مفهوم «النفقة» التي هي الموضوع للوجوب، ففي صحيح جميل: «لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الوالدين و الولد» «3» إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على لفظ «النفقة» و قد ثبت في محلّه انّه لا تقدير في نفقة الأقارب، بل الواجب بل الملاك ملاحظة الحال و الشأن و الزمان و المكان، فلو احتاج إلى خادم يخدمه و مركب يركبه إلى غير ذلك من ضروريات الحياة حسب الشأن و المنزلة، يجب على المنفق إنفاقهما، و ليست

الحاجة إلى الزوجة بأقلّ منهما، و لأجل ذلك قلنا في محلّه بوجوب الإعفاف من باب أداء حاجاته على وجه لو لا التزويج لما استقامت حياته. «4»

و قد احتاط السيد الأصفهاني في «الوسيلة» و قال: و إن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح و عدم قدرته على التزويج و بذل الصداق خصوصا مع الأب فتكون النتيجة، عدم جواز الدفع للوالدين أو الولد للصرف في الإعفاف.

______________________________

(1). الجواهر: 31/ 377.

(2). لقمان: 15.

(3). الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب النفقات، الحديث 2 و لاحظ الحديث 3.

(4). لاحظ «نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء»: 2/ 394.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 290

[المسألة 18: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته]

المسألة 18: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلميّة من سهم سبيل اللّه.* (1)

______________________________

و أمّا دفع الزكاة للإعفاف من باب التوسعة فهو مبني على جواز صرف الزكاة في واجب النفقة لأجلها، و قد مرّ الكلام فيه في ذيل الأمر الثالث، أعني قوله: «بل و لا للتوسعة على الأحوط و إن كان لا يبعد جوازه إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم»

فخرجنا بالنتيجة التالية: انّه إذا كان الإعفاف جزءا من النفقة الواجبة، أو تتميما لها، لا يجوز صرف الزكاة سواء تمكّن المنفق أو لا، بقول واحد. نعم لو قلنا بعدم كونه منهما، بل دخلا في التوسعة، فالجواز و عدمه مبني على جواز الصرف في التوسعة و عدمه، و قد عرفت أنّ الأقوى عدم الجواز مطلقا.

(1)* هنا فرعان:

1. دفع الزكاة إلى الولد من سهم الفقراء ليصرفها فيمن تجب نفقته عليه، لا على المزكّي.

2. دفع الزكاة إلى الولد- نفسه- لا للصرف في

حقّ الآخرين بل ليشتري بها لنفسه الكتب العلمية من سهم سبيل اللّه.

أمّا الأوّل: فهو مبني على أنّ نفقة زوجة الولد ليست جزءا من نفقة الولد، و إلّا تجب كنفقة نفس الولد، و لا يصحّ الدفع لهذا الغرض؛ و بما انّ المشهور يرى الإعفاف أمرا غير واجب، تكون نفقة الزوجة على عاتق الولد، لا على والده، فعندئذ تصبح زوجته فقيرة، تدخل تحت قوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 291

[المسألة 19: لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه]

المسألة 19: لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا.

كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضا، و إن كان يجوز لغير الإنفاق.

و كذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه و بين إعطاء تمامه، و إن حكي عن جماعة أنّه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقيّة، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة بدعوى شمولها للتتمّة، لأنّها أيضا نوع من التوسعة. لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.* (1)

______________________________

فيصبح دفعها إليها من سهم الفقراء إذا كان الولد عاجزا عن نفقتها أو ممتنعا. «1»

و أمّا الثاني- أعني: دفعها إلى الولد نفسه لشراء الكتب العلمية-: فلا يجوز من سهم الفقراء في مورد الكتب اللازمة حسب قضاء البيئة، كالكتب الكلاسيكية، لأنّها من المئونة العرفية الواجبة؛ و أمّا الزائدة منها فلا يجوز مطلقا لا من سهم الفقراء، و لا من سهم سبيل اللّه. أمّا الأوّل فلأنّه يعدّ حينئذ من مصاديق التوسعة،

و قد مرّ عدم جوازها في مورد واجب النفقة؛ و أمّا الثاني فلما مرّ من أنّه ليس كلّ عمل قربي من مصاديقه، بل العمل الصالح الذي ينتفع به أكثر الناس.

(1)* هنا ثلاثة فروع:

______________________________

(1). و قد مرّ هذا الشرط في المسألة 11 فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 292

..........

______________________________

1. لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى واجب النفقة بين كون المزكّي قادرا على إنفاقه أو لا.

2. لا يجوز الإنفاق على واجب النفقة من الزكاة بسائر العنوانات كسبيل اللّه، و أمّا الدفع لا لغاية الإنفاق كالعامل و الغارم فيجوز.

3. لا فرق في عدم جواز الإنفاق في الزكاة على واجب النفقة، بين تعلّق العجز بتمام النفقة و بين تعلّقه بإتمامه.

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر.

أمّا الأوّل: لا شكّ انّه إذا كان المزكّي قادرا على الإنفاق- من غير الزكاة- لا يجوز الإنفاق منها و قد مضى البحث فيه في الوصف الثالث- أعني: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي- إنّما الكلام إذا كان عاجزا عن الإنفاق عليهم من غير الزكاة، فهل يجوز له الإنفاق من الزكاة أو لا؟

أقول: هنا طوائف من الأدلّة:

1. الإطلاقات الدالّة على جواز دفع الزكاة إلى الفقراء، سواء كان ممّن تجب نفقته على المزكّي أو لا، أوضحها قوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ «1» و غيره.

2. ما دلّ على عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته على المزكّي مطلقا، سواء كان المزكي قادرا على الإنفاق أو لا، كروايتي إسحاق بن عمّار «2»، و زيد الشحّام، 3 من دون تقييد بالقدرة على الإنفاق من غير الزكاة.

3. ما يدلّ على عدم جواز دفع الزكاة إلى واجب النفقة، معلّلا بأنّهم «عياله

______________________________

(1).

التوبة: 60.

(2) (2، 3). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2، 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

لازمون له» «1» أو «لأنّه يجبر على النفقة عليهم» 2 و من المعلوم أنّ الإلزام و الإجبار آية القدرة على الإنفاق من غير الزكاة، فيختص المنع بصورة القدرة لا العجز.

لا كلام في أنّ مقتضى القاعدة هو تقييد الإطلاق الأوّل (الآية) بالثاني و إخراج من وجبت نفقته على المزكّي عن تحت الآية. و عندئذ يدور الأمر بين الأخذ بإطلاق المخصص الأوّل أو تقييده بمقتضى التعليل الوارد في المخصص الثاني.

و بعبارة أخرى: هل المرجع هو إطلاق المخصص الأوّل، أو التعليل الوارد في المخصص الثاني؟

فظاهر المصنّف من الإفتاء بعدم جواز الدفع، هو الأخذ بإطلاق المخصّص الأوّل، و مع ذلك ذهب السيد الحكيم قدّس سرّه إلى تقديم مقتضى التعليل قائلا: بأنّ انتفاء القدرة رافع للتكليف، فلا يصدق انّهم لازمون له، و لا انّه يجبر على نفقتهم. فإذا القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق- كغيره- للنفقة أوفق بالعمومات. «3»

و يؤيده، جواز دفع الزكاة للناشزة و للدائمة الساقطة نفقتها بالشرط مع أنّ الزوجة حسب الطبع الأوّلي تجب نفقتها على الزوج، غايته انّه سقط فعلا لمانع، و هو النشوز أو الشرط أو لأجل العجز، كما في المقام. «4»

أمّا الفرع الثاني: فمقتضى إطلاق الأدلّة المانعة، هو عدم جواز الدفع له لأجل النفقة من الزكاة مطلقا، من غير فرق بين سهم الفقراء و سائر السهام

______________________________

(1) (1، 2). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 4.

(3). المستمسك: 9/ 299.

(4). مستند العروة: 24/ 175.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 294

[المسألة 20: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير]

المسألة 20: يجوز صرف الزكاة على مملوك

الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته إمّا لفقره أو لغيره، سواء كان العبد آبقا أو مطيعا.* (1)

______________________________

فقوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة، و ذلك انّهم عياله لازمون له» ظاهر- بقرينة قوله: «إنّهم عياله»- في منع الإنفاق بدفع الزكاة إليهم مطلقا، سواء أ كان من سهم الفقراء أم غيره، فلا يجوز تأمين نفقتهم من الزكاة مطلقا.

و أمّا دفع الزكاة إليهم لا لغاية الإنفاق و تأمين النفقة، بل لقضاء الدين أو لأجرة العمل فلا مانع كما مرّ في المسألة العاشرة فلاحظ.

أمّا الفرع الثالث: فكأنّه نوع تفصيل للفرع الثاني، أعني: إذا كان المالك عاجزا عن الإنفاق على واجب النفقة على القول بالمنع، ففصّل بعضهم بين الإتمام، و دفع التمام فمنع الثاني و جوّز الأوّل، و الظاهر عدم تمامية التفصيل بعد الأخذ بإطلاق المخصص الأوّل.

(1)* ظاهر كلام المصنّف انّه إذا لم يبذل المولى نفقة العبد، فيجوز لغيره صرف الزكاة في حقّ المملوك، لا إعطاءها له، و تمليكه إيّاه.

ثمّ إنّه لا فرق في ذلك بين العبد الآبق و المطيع، لصرف الزكاة في حقّهما.

أقول: تضافرت الروايات على النهي عن إعطاء الزكاة للمملوك، و قد اختلفت كلمتهم في تفسير النهي إلى وجهين:

الأوّل: انّ سبب النهي، هو العيلولة، فانّ المملوك عيال لمولاه، تجب نفقته عليه، فلا يعطى الزكاة، لا من المولى لوجوب نفقته، و لا من الغير، لعدم صدق

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 295

..........

______________________________

الفقير بعد بذل المولى، و يدلّ على ذلك من الروايات ما يلي:

1. صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ و الولد، و المملوك و المرأة، و ذلك أنّهم عياله لازمون له». «1»

2. مرفوعة عبد اللّه بن الصلت، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنّه يجبر على النفقة عليهم». 2

و الروايتان صريحتان في أنّ السبب لمنع المولى عن دفع زكاته إليه هو العيلولة، دون الرقّية، إذ لو كانت الثانية هي السبب كان التعليل بالذاتي أولى من التعليل بالعرضيّ.

و على ضوء ذلك يظهر حكم المقام، فإذا كان المولى فقيرا أو ممتنعا عن البذل، يدخل الموضوع في المسألة الحادية عشرة من أنّه: «يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه إذا لم يكن قادرا على إنفاقه الخ».

و عندئذ كما يجوز صرفها على نفقته، يجوز تمليكه الزكاة ليصرفها في مئونته، و لا يختص الجواز بالصرف كما عليه المصنّف في المتن.

نعم يشكل المساعدة معه فيما إذا كان سبب الامتناع هو العبد نفسه كما إذا كان آبقا فهو كالزوجة الناشزة، و قد مرّ الكلام فيها، و عرفت أنّ الأقوى الجواز إذا قلنا بعدم شرطية العدالة، و مانعية التهتك.

الثاني: انّ السبب هو الرقّية التي تلازم عدم الملكية، فلا يصحّ تمليكه الزكاة و إن كان المولى فقيرا أو ممتنعا، لأنّه لا يملّك، و يظهر من الشيخ في «الخلاف» انّ عليه أصحابنا قال:

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 296

..........

______________________________

إذا ملّك المولى عبده مالا، فانّه لا يملكه و إنّما يستبيح التصرف فيه، و يجوز له الشراء- إلى

أن قال:- دليلنا: إجماع الفرقة على أنّ العبد لا يملك، فإذا ثبت ذلك فالمال للسيد فيلزمه زكاته. «1»

و يؤيد ذلك ما تضافر من الروايات من أنّ العبد لا يعطى له الزكاة.

ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا». «2»

و في موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يعطى العبد من الزكاة شيئا». «2»

و لكنّه غير تام و ذلك للأسباب التالية:

أوّلا: أنّ الظاهر من الذكر الحكيم انّ العبد ممنوع من التصرف، لا انّه لا يملك شيئا، قال سبحانه: ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ وَ مَنْ رَزَقْنٰاهُ مِنّٰا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ «4» و المراد من عدم القدرة، هو القدرة على التصرف بقرينة قوله سبحانه في مقابله: فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً، و على ذلك فما دلّ على خلاف ذلك إمّا مؤوّل، أو مرجوع علمه إليهم.

و ثانيا: أنّ صحيحة عبد اللّه بن سنان التي رواها الكليني، و موثقة إسحاق بن عمّار التي رواها الصدوق تدلّان على أنّه يملك، قال عليه السّلام: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا». «5»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 42، كتاب الزكاة، المسألة 45.

(2) (2 و 3). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 6.

(4). النحل: 75.

(5). الوسائل: الجزء 6، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 297

[الأمر الرابع: أن لا يكون هاشميا] [إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار]

اشارة

الرابع: أن

لا يكون هاشميّا إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار. و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السهام حتّى سهم العاملين و سبيل اللّه. نعم لا بأس بتصرّفه في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه. أمّا زكاة الهاشميّ فلا بأس بأخذها له من غير فرق بين السهام أيضا حتّى سهم العاملين، فيجوز استعمال الهاشميّ على جباية صدقات بني هاشم، و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشميّ له مع الاضطرار إليها و عدم كفاية الخمس و سائر الوجوه، و لكن الأحوط حينئذ الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما مع الإمكان.* (1)

______________________________

و أمّا ما في ذيلها، أو ذيل رواية إسحاق بن عمّار من أنّ العبد لا يعطى من الزكاة شيئا فمحمول على العيلولة، لأنّ نفقته على مولاه، و معها لا يعطى.

و إن أبيت إلّا عن عدم الملكية فتصل النوبة إلى صرفها في حقّ العبد بلا تمليكه، إذ لا مانع منه، سوى ادّعاء انّ اللام في «الفقراء» للملكية، و قد تقدّم انّها للانتفاع. و لعلّ هذا المقدار من البحث كاف في المقام مع عدم الابتلاء به في هذه الأزمنة.

(1)*

هنا فروع:
اشارة

1. حرمة الزكاة على الهاشمي إذا كان الدافع غير هاشمي.

2. لا فرق في عدم الجواز بين سهم الفقراء و سائر السهام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 298

..........

______________________________

3. حكم أخذ الهاشمي الزكاة من مثله.

4. أخذ الهاشمي الزكاة من غير الهاشمي مع الاضطرار.

5. ما هو شرط التناول من الزكاة عند الاضطرار؟ فهل هو مجرّد عدم التمكن من الخمس، أو من كلّ ما يحلّ لهم التصرف فيه؟

6. كيفية تناول الزكاة في صورة الاضطرار.

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر:

الأوّل: حرمة الزكاة على الهاشمي

اتّفقت كلمة الفقهاء من السنّة و الشيعة على حرمة الصدقات الواجبة على الهاشمي من غير خلاف إجمالا.

قال الشيخ في «النهاية»: و لا تحلّ الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة، و هم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و جعفر بن أبي طالب و عقيل بن أبي طالب، و عباس بن عبد المطلب، فأمّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها، و لا بأس أن تعطى صدقة الأموال مواليهم، و لا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال، و إنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم. «1»

و قال الخرقي في متن المغني: «و لا لبني هاشم و لا لمواليهم» و المراد من الموالي من اعتقهم الهاشمي.

و قال ابن قدامة في شرحه: لا نعلم خلافا في أنّ بني هاشم لا تحلّ لهم الصدقة المفروضة، و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد إنّما هي أوساخ الناس» أخرجه مسلم.

و عن أبي هريرة، قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

______________________________

(1). النهاية: 186.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

299

..........

______________________________

«كخ كخ» ليطرحها، و قال: «أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة». متفق عليه. «1»

و قال في «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل و بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواتر، كالنصوص التي اعترف غير واحد بكونها كذلك إكراما لهم بالتنزيه عن أوساخ الناس التي هي من الرجس الذي أذهب اللّه عنهم و طهرهم عنه تطهيرا، فحرّمه عليهم و عوّضهم عنه الخمس، من غير فرق بين أهل العصمة منهم و بين غيرهم. «2»

و يدلّ على ذلك- وراء الإجماع بين المسلمين- صحاح الروايات التي نذكر منها ما يلي:

1. صحيحة عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا:

يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: يا بني عبد المطلب انّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم، و لكنّي قد وعدت الشفاعة ... أ تروني مؤثرا عليكم غيركم». «3»

2. صحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، و إنّ اللّه قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه و إنّ الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب». 4

3. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم». 5

إلى غير ذلك من الروايات التي عمل بها المسلمون.

______________________________

(1).

المغني: 2/ 519.

(2). الجواهر: 15/ 406.

(3) (3 و 4 و 5). الوسائل: 6، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 2، 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 300

..........

______________________________

نعم يخالفها صحيح أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم، فإنّها تحلّ لهم، و إنّما تحرم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و على الإمام الذي من بعده و على الأئمّة عليه السّلام». «1»

و الخبر لإعراض الأصحاب ليس بحجّة، غير أنّ غير واحد من الأصحاب حاولوا أن يطبّقوا الرواية على القواعد، فقد نقل صاحب الوسائل وجوها ثلاثة و قال:

حملها الأصحاب على الضرورة، أو على زكاة بعضهم لبعض، أو على المندوبة. «2»

و الجميع لا يوافق الظاهر، و لعلّ التفريق عند الضرورة بين الإمام و غيره هو انّ الضرورة تتّفق للسادة دون النبي و الأئمّة عليه السّلام.

و على كلّ حال فالرواية ليست بحجّة، سواء أصحت هذه التأويلات أم لا.

ثمّ إنّ الموضوع في صدر الرواية الأولى و الثالثة هو «بنو هاشم» و في ذيل الأولى و الثانية «بنو عبد المطلب»، و بما انّ هاشما لم يعقب إلّا من عبد المطلب يكون مرجع الجميع واحدا.

نعم ورد في رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «لو كان العدل ما احتاج هاشميّ و لا مطّلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم». «3»

لكن المراد من المطّلبيّ هو المنتسب إلى عبد المطلب، فإنّ ياء النسبة في هذا

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

(2). المصدر السابق.

(3). الوسائل: 6، الباب 33 من أبواب المستحقّين

للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 301

..........

______________________________

النوع من المركّب يدخل الجزء الثاني، فيقال في عبد شمس: شمسيّ، و في أبي طالب: طالبيّ، و في عبد المطلب: مطلبيّ، فعندئذ يكون العطف تفسيريا، و قد مرّ انّ هاشما لم يعقب إلّا من عبد المطلب كما هو مصرح في كتب الأصحاب و التاريخ و السيرة.

يقول ابن مالك:

و انسب لصدر جملة و صدر ما ركّب مزجا، و بثان تمّما

اضافة مبدوءة بابن و أب أو ماله التعريف بالثاني وجب

قال ابن عقيل في شرحه: إذا نسب إلى الاسم المركّب فإن كان مركبا تركيب جملة أو تركيب مزج، حذف عجزه و الحق صدره ياء النسبة، فتقول في تأبط شرّا:

تأبطيّ، و في بعلبك: بعليّ؛ و إن كان مركب إضافة، فإن كان صدره ابنا أو أبا أو كان معروفا بعجزه، حذف صدره و الحق عجزه ياء النسبة، فنقول في ابن الزبير:

زبيريّ، و في أبي بكر: بكريّ، و في غلام زيد: زيديّ .... «1»

نعم حكي عن الشيخ المفيد في الرسالة الغرية تحريم الزكاة على بني المطّلب و هو (المطّلب) عمّ عبد المطلب بن هاشم، و نقل أيضا عن ابن الجنيد، و لعلّ مستند المفيد هو ما ذكرنا من الرواية مفسرا قوله: «و لا مطلبيّ» أي أبناء «مطلب» و هو أخو هاشم و عمّ عبد المطلب كما عرفت و قد عرفنا تفسيره.

______________________________

(1). شرح ابن عقيل: 2/ 391.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 302

الثاني: لا فرق بين سهم الفقراء و غيرهم

______________________________

هل المحرّم عليهم سهم الفقراء أو عامّة السهام، فيه خلاف، قال الشيخ في «الخلاف»: لا يجوز لأحد من ذوي القربى أن يكون عاملا في الصدقات، لأنّ الزكاة محرّمة عليهم. و به قال الشافعي و أكثر

أصحابه.

و في أصحابه من قال: يجوز ذلك، لأنّ ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجارات.

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضا: روي أنّ الفضل بن عباس، و المطلب بن ربيعة سألا النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أن يولّيهما العمالة، فقال لهما: أنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، و أنّها لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد. «1»

و قال في «الجواهر»: و لا فرق في الحكم المزبور بين السهام كلّها، كما صرّح به غير واحد.

ثمّ نقل صحيحة العيص بن القاسم التي مرت فيما سبق.

و قال ابن قدامة في «المغني»: و ظاهر قول الخرقي هنا انّ ذوي القربى يمنعون الصدقة و إن كانوا عاملين، و ذكر في باب قسم الفي ء و الصدقة ما يدلّ على إباحة الأخذ لهم عمالة و هو قول أكثر أصحابنا، لأنّ ما يأخذونه أجر، فجاز لهم أخذه كالحمّال و صاحب المخزن إذا آجرهم مخزنه. «2»

يمكن الاستدلال على المنع من غير السهمين (الفقراء و الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا) بوجهين:

1. إطلاق الروايات الماضية و معاقد الإجماعات فانّها تعمّ جميع الأصناف.

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 231- 232، كتاب الصدقات، المسألة 13.

(2). المغني: 2/ 520.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 303

..........

______________________________

2. إذا حرم عليهم سهم العاملين الذي هو كالعوض عن العمل فغيره أولى، و يظهر من رواية العيص انّ التحريم سياسي لئلّا يتّهم النبي أو الإمام بإيثار أقربائه على سائر الناس، و لأجل ذلك نهاهم عن أخذ هذا النوع من الضريبة، و لأجل إيجاد النفرة بينهم شبّه الزكاة بأوساخ الناس كي لا يرغب فيه أحد، كما في صحيحة زرارة.

نعم و شذ منّا صاحب كشف الغطاء حيث أحلّ جواز العطاء من الزكاة لهم من السهام الثلاثة: الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَ فِي الرِّقٰابِ، و

سَبِيلِ اللّٰهِ، على تأمّل في الأخير، و ذكر كيفية سهم «وَ فِي الرِّقٰابِ» في بني هاشم وجوها ثلاثة:

1. فرض ارتداده كسهم المؤلّفة وَ فِي الرِّقٰابِ.

2. أو كونه من ذرية أبي لهب و لم يكن في سلسلته مسلم، و الحاجة إلى الاستعانة به.

3. و بتزويجه الأمة و اشتراط رقّية الولد عليه على القول به، و سهم سبيل اللّه فعلى تأمّل.

يلاحظ عليه: مع بعد الفروض التي ذكرها انّه لم يعلم الفرق بين الغارم و فِي الرِّقٰابِ، فإنّ في كلّ، فك رقبة إمّا عن الدين و إمّا عن الرقّية، فإذا جاز فكّ الرقبة بالزكاة ففي فكّ ذمّة الهاشمي من الدين بطريق أولى، فالأولى الاجتناب مطلقا.

نعم ما يبنى من الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه يجوز للسادة الانتفاع بها، و وجهه واضح، لأنّ الممنوع هو التصرّف في الزكاة، و المؤسسات المبنيّة من الزكاة لا يصدق عليها انّها زكاة، فهو أشبه بهبة الفقير شيئا ممّا أخذ من الزكاة للسادة بعد تملّكه أو أداء دينه من الزكاة إذا كان الدائن هاشميا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 304

الثالث: أخذ الهاشمي الزكاة من مثله

______________________________

و هذه المسألة أيضا ممّا لا خلاف فيها عندنا، قال الشيخ في «الخلاف»:

صدقة بني هاشم بعضهم على بعض غير محرّمة و إن كانت فرضا. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و سوّوا بينهم و بين غيرهم. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم. «1»

و قال العلّامة: و لا يحرم صدقة بعضهم على بعض، و عليه فتوى علمائنا خلافا للجمهور كافة إلّا أبا يوسف انّه جوزه. «2»

و قال في «التذكرة»: تحلّ صدقة بعضهم على بعض عند علمائنا، و هو محكي عن أبي يوسف، لأنّ مفهوم قوله عليه السّلام: «الصدقة أوساخ

الناس» ترفّعهم عن غيرهم، و امتياز الجنس عن الجنس بعدم قبول صدقته تنزيها له، فلا ينقدح فيه امتياز أشخاص الجنس بعضها عن بعض لتساويهم في المنزلة، فلا يليق ترفّع بعضهم على بعض. «3»

و قد عقد صاحب الوسائل بابا لهذا روى فيه تسع روايات، و نقل رواية أخرى في الباب 34 من أبواب المستحقّين للزكاة.

ففي صحيحة البزنطي، عن الرضا عليه السّلام قال: سألت الرضا عليه السّلام عن الصدقة تحل لبني هاشم؟ فقال: «لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم». «4»

و في صحيحة الجعفري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قيل له: الصدقة لا تحلّ لبني هاشم؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّما ذلك محرم علينا من غيرنا، فأمّا بعضنا على بعض فلا بأس بذلك». 5 إلى غير ذلك من الروايات.

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 240، كتاب الصدقات، المسألة 27.

(2). المنتهى: 1/ 524.

(3). التذكرة: 5/ 269، المسألة 181.

(4) (4، 5). الوسائل: 6، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8 و 9. و لاحظ سائر أحاديث الباب، و لاحظ أيضا الباب 34، الحديث 4 فيكون الجميع عشرة كاملة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 305

..........

______________________________

و على ذلك يجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم فيدفع لهم سهم العاملين.

الرابع: أخذ الزكاة عند الاضطرار

قد تقدّم في الروايات انّه سبحانه جعل الخمس للهاشميّين عوض الزكاة، فلو افترض عدم كفاية الخمس للهاشميّين- لا لنقصان التشريع- بل لامتناع أصحاب الخمس من الإعطاء، فهل يجوز للهاشمي أن يأخذ الزكاة من غير الهاشمي ضرورة عند الاضطرار؟

قال الشيخ في «النهاية»: هذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم و وصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس، فإذا كانوا ممنوعين من ذلك و محتاجين إلى ما يستعينون به

على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار. «1»

و قال في «الخلاف»: تحلّ الصدقة لآل محمّد عليهم السّلام عند فوت خمسهم، أو الحيلولة بينهم و بين ما يستحقّونه من الخمس. و به قال الاصطخري من أصحاب الشافعي.

و قال الباقون من أصحابه: إنّها لا تحلّ لهم، لأنّها إنّما حرمت عليهم تشريفا لهم و تعظيما، و ذلك حاصل مع منعهم الخمس.

دليلنا: إجماع الفرقة، و أخبارهم، و أيضا قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ، و إنّما أخرجناهم في حال توسعهم إلى الخمس بدليل. «2»

______________________________

(1). النهاية: 187.

(2). الخلاف: 4/ 232، كتاب الصدقات، المسألة 14.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 306

..........

______________________________

و قال ابن زهرة: فإن كان مستحقّ الخمس غير متمكّن من أخذه، أو كان المزكّي هاشميا مثله، جاز دفع الزكاة إليه، بدليل الإجماع المشار إليه. «1»

قال العلّامة: و لو لم يحصل للهاشمي من الخمس بقدر كفايته جاز أن يأخذ الزكاة المفروضة عند علمائنا، و به قال أبو سعيد الاصطخري، لأنّ المنع إنّما كان لاستغنائهم بالخمس، و حرمت عليهم الصدقة، و جعل لهم الخمس في مقابلة ذلك، فإذا لم يحصل لهم الخمس حلّت لهم الصدقة، و لهذا قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم للفضل بن العباس: أ ليس في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس. «2»

و قال في «المنتهى»: و إذا منع الهاشميون من الخمس جاز لهم تناول الزكاة، و عليه فتوى علمائنا أجمع، و قال أبو سعيد الاصطخري من الشافعية: و أطبق الجمهور على المنع. لنا: إنّ المنع من الزكاة إنّما هو لاستغنائهم بالخمس مع التعذر و المنع المقتضي للتحريم، فيبقى على أصالة الإباحة، و يؤيّده ما

رواه الجمهور انّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال للفضل بن العباس: «في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس». «3»

إلى غير ذلك من الكلمات.

و يدلّ عليه أمران:

الأوّل: عموم ما دلّ على أنّ الاضطرار رافع للإيجاب و الحرمة.

قال الإمام الباقر عليه السّلام: «التقية في كلّ شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له». «4»

______________________________

(1). غنية النزوع: 2/ 125.

(2). التذكرة: 5/ 273، المسألة 186.

(3). المنتهى: 1/ 526.

(4). الوسائل: 11، الباب 25 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 307

..........

______________________________

مضافا إلى حديث الرفع المتضافر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم «رفع عن أمّتي تسعة أشياء: الخطأ، و النسيان، و ما أكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطرّوا إليه ...». «1»

الثاني: موثّقة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثمّ قال: إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة». «2»

و يقرب منه خبر العزرمي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «لا تحلّ الصدقة لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض». «3»

و بعد ذلك فلا عبرة بما رواه صاحب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليه السّلام- في حديث- أنّه قيل له: فإذا منعتم

الخمس هل تحلّ لكم الصدقة؟

قال: «لا و اللّه ما يحلّ لنا ما حرّم اللّه علينا بمنع الظالمين حقنا، و ليس منعهم إيّانا ما أحلّ اللّه لنا، بمحلّ لنا ما حرّم اللّه علينا». «4»

و ذلك لإعراض الأصحاب عنه كما هو واضح.

الخامس: ما هو شرط التناول؟

دلّت الإجماعات المنقولة و الروايات على جواز تناول الهاشمي من الزكاة عند

______________________________

(1). الوسائل: 11، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 33 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(3). الوسائل: 6، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

(4). المستدرك: 1/ 524، الباب 19 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 308

..........

______________________________

الضرورة، فهل المراد منها مجرّد عدم التمكّن من الخمس؟ أو المراد عدم التمكّن من كلّ ما يجوز لهم التصرّف فيه كالصدقات المندوبة، أو الواجبة غير الزكاة بناء على حلّها لهم، أو الهبات و العطايا التي ربما تقدّم إليهم؟ فأكثر العبارات هو الاكتفاء بعدم التمكّن من الخمس.

ففي «النهاية»: فإذا كانوا ممنوعين من ذلك (الخمس). «1»

و في «الخلاف»: عند فوت خمسهم. «2»

و في «الغنية»: إذا كان مستحقّ الخمس غير متمكّن من أخذه. «3»

و في «الشرائع»: لو لم يتمكّن الهاشمي من كفايته من الخمس، جاز له أن يأخذ من الزكاة. «4»

و في «المنتهى»: و إذا منع الهاشميون من الخمس جاز لهم تناول الزكاة. «5»

فمعقد الفتاوى هو كفاية الحرمان من الخمس و إن كان باب الانتفاع من سائر الأموال المباحة مفتوحا.

لكن الاعتماد على هذا الظهور مشكل، لاحتمال أن يكون ذكر الخمس من باب المثال الشاخص و إلّا فالمناط هو الاضطرار المبيح للحرام.

نعم استدلّ المرتضى في «الانتصار» على كفاية مجرّد عدم التمكّن من الخمس بقوله: و ممّا انفردت به

الإمامية القول بأنّ الصدقة إنّما تحرم على بني هاشم إذا تمكّنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضا عن الصدقة فإذا حرموه حلّت لهم الصدقة، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه: الإجماع

______________________________

(1). النهاية: 187.

(2). الخلاف: 4/ 232، كتاب الصدقات، المسألة 14.

(3). الغنية: 2/ 125.

(4). الشرائع: 1/ 163.

(5). المنتهى: 1/ 526.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 309

..........

______________________________

المتردّد، و يقوى هذا المذهب بظاهر الأخبار، و بأنّ اللّه حرّم الصدقة على بني هاشم و عوّضهم الخمس منها، فإذا سقط ما عوّضوا به، لم تحرم عليهم الصدقة. «1»

و أورد عليه في «الجواهر» بأنّ الثابت من المعاوضة بالنسبة إلى الحكم، أي حرّم عليهم الزكاة و عوّضهم بفرض الخمس على الناس من غير مدخلية للتمكّن و عدمه. «2»

و لعلّه إلى هذا الجواب يرجع ما ذكره المحقّق الخوئي من أنّ العوضية إنّما هي في الجعل و التشريع لا في متعلّق الجعل- أعني: المال الخارجي- فالزكاة جعلها اللّه سبحانه للفقراء، و بدلا عن ذلك جعل الخمس للسادة، و هذه البدلية و العوضية باقية أبدية، سواء أعطي الخمس لهم خارجا أم لا، فلا سقوط له لينتقل إلى المعوّض، لما عرفت من أنّ التعويض إنّما هو في الجعل لا في المجعول. «3»

يلاحظ على الجوابين: أنّ التعويض بين الحكمين يلازم التعويض بين العينين، خصوصا انّ الحكم منظور به و العين منظور فيها، فمصبّ المعاوضة هو الأعيان الخارجية لا الأحكام الاعتبارية، و على ذلك يمكن القول بكفاية الحرمان عن الزكاة و إن استتبّ لهم التصرف في سائر الأموال المحلّلة لهم.

هذا كلّه حول القول الأوّل، و أمّا القول الآخر، أعني: اشتراط التصرف في الزكاة و عدم التمكّن من المال الحلال

سواء كان خمسا أو صدقة مندوبة أو صدقة واجبة غير الزكاة أو الهدايا و العطايا، فيمكن الاستدلال عليه بما في ذيل رواية زرارة حيث قال:

«إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن

______________________________

(1). الانتصار: 85.

(2). الجواهر: 15/ 410.

(3). المستند: كتاب الزكاة: 2/ 186.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

لا يجد شيئا، و يكون ممّن يحلّ له الميتة».

يلاحظ عليه: أنّه لا يمكن الأخذ بظهور الذيل، لأنّ اشتراط حلّية الزكاة بعدم وجدان شي ء على الإطلاق من الحلال من الصدقة المندوبة و غيرها أمر واضح لا يحتاج إلى البيان مع أنّ الإمام بصدد بيان حكم شرعي وراء ما يحكم به العقل، فلا مناص من حمل الذيل على شدة الكراهة و لزوم الاجتناب لا انّه ملاك للحكم.

اللّهم إلّا أن يقال: انّ هنا قرينة حالية تدلّ على عدم كفاية الحرمان من الخمس في تناول الزكاة.

و هو ما أفاده المحقّق الخوئي بقوله: إنّ معظم الهاشميّين كانوا محرومين من الخمس في عصر صدور هذه الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، لابتلائهم بخلفاء الجور و غيرهم من أبناء العامّة المعاندين لهم و المانعين حقّهم من الخمس، بل أنّ كثيرا من خواصّهم لقلّة ابتلائهم به لم يكونوا يعرفون كثيرا من أحكامه، و مع ذلك فقد صدرت هذه الأخبار و منعتهم عن أخذ الزكاة، و هذا كما ترى خير شاهد على أنّ مجرّد منعهم عن الخمس و حرمانهم عنه لا يكون مجوّزا لأخذ الزكاة ما لم يصل حدّ الضرورة الملحّة البالغة حدّ أكل الميتة كما تضمّنه النصّ. «1»

السادس: مقدار الأخذ

فإذا حلّ للهاشمي أخذ الزكاة، فهل يكتفي بمقدار سد الرمق، أو له أخذ مئونة السنة غاية

الأمر إن استغنى في أثناء السنة يرد ما أخذه إلى بيت المال؟

وجهان:

______________________________

(1). المستند: كتاب الزكاة: 2/ 185- 186.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 311

..........

______________________________

فلو قلنا بما ذهب إليه المرتضى من حديث التعويض فيعامل الهاشمي معاملة غير الهاشمي، فيجوز لكلّ هاشمي أخذها بمقدار مئونة السنة.

و أمّا لو قلنا بالقول الثاني من عدم الجواز إلّا إذا لم يكن هناك مال حلال، ففيه احتمالان:

1. الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما مع الإمكان، كما عليه المصنّف في المتن و اختاره المحقّق الكركي.

2. ما حكي عن «جامع المقاصد» من جواز إعطاء ما يكفيه سنة.

و يمكن أن يقال بأنّ كيفية التناول تابع لمقدار الإحراز، فإن أحرز القصور في تمام السنة جاز أخذ مئونة السنة، و إن لم يحرز ذلك اقتصر على المقدار المحرز فيه الشرط لا غير، فلو أخذ أكثر لم يملكه و وجب ردّه، إلّا أن ينكشف الاحتياج إليه.

و بالجملة: المدار في جواز الأخذ واقعا على القصور كذلك، و كذلك الجواز الظاهري، فانّه تابع لثبوت القصور ظاهرا. «1»

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 307.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 312

[المسألة 21: المحرّم من صدقات غير الهاشميّ عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة]
اشارة

المسألة 21: المحرّم من صدقات غير الهاشميّ عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة.

و أمّا الزكاة المندوبة و لو زكاة مال التجارة و سائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه.

بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضا كالصدقات المنذورة و الموصى بها للفقراء و الكفّارات و نحوها كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميّين.

و أمّا إذا كان المالك المجهول الّذي يدفع عنه الصدقة هاشميّا فلا إشكال أصلا، و لكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه، و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو

مندوبة خصوصا مثل زكاة مال التجارة.* (1)

______________________________

(1)*

هنا فروع:
اشارة

الأوّل: حرمة زكاة المال الواجبة.

الثاني: زكاة الفطرة.

الثالث: زكاة المال المندوبة كزكاة التجارة.

الرابع: الصدقات الواجبة بالأصالة كالكفّارات.

الخامس: الصدقات المندوبة بالذات الواجبة بعروض عنواني النذر و الإيصاء و اللقطة و المظالم و مجهول المالك.

السادس: الصدقات المندوبة بالذات.

كان على المصنف إدخال البحث في الفروع الستة تحت عنوانين:

[الأول و الثاني حرمة زكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة]
اشارة

الأوّل: الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 313

..........

______________________________

الثاني: الصدقة.

أمّا الأوّل فيعمّ الواجب المالي أو البدني أو المستحب كزكاة التجارة.

و أمّا الثاني، كالصدقات الواجبة بالأصالة كالكفّارات، أو بالعرض كالواجب بالنذر و الشرط، أو المندوب بالذات و بالعرض.

و على ضوء ذلك نحن نبحث في مقامين:

المقام الأوّل: حكم دفع الزكاة إلى الهاشمي
اشارة

قد عرفت أنّ الزكاة تنقسم إلى مالي و بدني و مندوب، و إليك البحث في كلّ واحد تلو الآخر:

الأوّل: زكاة المال الواجبة

قد عرفت اتّفاق الفقهاء على حرمة الزكاة المالية على الهاشمي إذا كان الدافع غير هاشمي، و قد مرّ الكلام فيها مستقصى.

الثاني: زكاة الأبدان

و المراد منها زكاة الفطرة، فهل هي حرام على الهاشمي إذا كان الدافع غير هاشمي؟ فيمكن الاستدلال على الحرمة بوجوه ثلاثة:

الأوّل: إطلاق معقد الفتاوى و عمومه لزكاة المال و البدن، و إليك بعضها:

1. قال المفيد في «المقنعة»: و تحرم الزكاة الواجبة على بني هاشم جميعا من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و جعفر و عقيل و العباس (رض) .... «1»

______________________________

(1). المقنعة: 243.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

2. و قال الشيخ في «الخلاف»: النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يحرّم عليه الصدقة المفروضة و لا يحرّم عليه الصدقة التي يتطوّع بها و كذلك حكم آله. «1»

3. و قال المحقّق في «الشرائع»: الوصف الرابع أن لا يكون هاشميا- إلى أن قال:- و يجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي و غيره؛ و الذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة، من ولد هاشم خاصة على الأظهر. «2»

4. و قال العلّامة في «التذكرة»: يشترط أن لا يكون هاشميا، و قد أجمع المسلمون كافة على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم.

و قال في موضع آخر: الصدقة المفروضة محرّمة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم إجماعا. «3»

إلى غير ذلك من الكلمات التي تركّز على الصدقة الواجبة أو المفروضة، و هذه العناوين تنطبق على زكاة الفطرة.

الثاني: الاستدلال بالروايات فهي أيضا تشمل كلتا الزكاتين: المالية و البدنية.

1. صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: إنّما تلك الصدقة الواجبة

على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، هذه المياه عامّتها صدقة». «4»

و ذيل الحديث و إن كان ناظرا إلى زكاة الأموال، لكنّه لا يكون قرينة على صرف الصدر (الصدقة الواجبة) من ظاهره خصوصا قوله: (الواجبة على الناس) الذي يشمل زكاة المال و البدن و كلتاهما واجبتان على الناس على صعيد واسع.

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 240، كتاب الصدقات، المسألة 26.

(2). الشرائع: 1/ 164.

(3). التذكرة: 5/ 268- 269، كتاب الزكاة، المسألة 180 و 182.

(4). الوسائل: 6، الباب 31 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 315

..........

______________________________

2. خبر زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال: «هي الزكاة المفروضة، و لم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض». «1»

فالموضوع في هذه الروايات كمعاقد الفتاوى هو الصدقة الواجبة التي تشمل كلتا الزكاتين بلا شكّ، خصوصا انّه إذا حرمت زكاة المال لأنّها أوساخ الناس، تحرم زكاة الأبدان التي هي أوساخها بطريق أولى.

الثالث: ما يدلّ على أنّ زكاة الفطرة، من أقسام الزكاة، نظير:

1. خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «و هي الزكاة التي فرضها اللّه على المؤمنين مع الصلاة». «2»

2. خبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن صدقة الفطرة أ واجبة هي بمنزلة الزكاة؟ قال: «هي ممّا قال اللّه: أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ* هي واجبة». «3»

فهذه الروايات بمنزلة بيان الصغرى، و انّها من الزكاة و تدلّ صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي على أنّ الزكاة بإطلاقها محرّمة عليهم و هي الكبرى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟

فقال: «هي الزكاة». «4»

فتلخّص من ذلك انّ زكاة الفطرة و زكاة المال سيّان في الحرمة للوجوه التالية:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 23.

(3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10. و لاحظ الحديث 11 و 9 و 1.

(4). الوسائل: 6، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 316

..........

______________________________

أ: شمول معاقد الفتاوى و الإجماعات لها.

ب: شمول الروايات العامّة لهذا النوع من الزكاة.

ج: دلّت الروايات على أنّ الفطرة من مصاديق الزكاة، و دلّت رواية الهاشمي على أنّ الزكاة بإطلاقها حرام عليهم.

الفرع الثالث: حكم الزكوات المندوبة بالذات
اشارة

هل المحرم هو الزكاة الواجبة مالية كانت أو بدنية، أو يعمّ المندوبة بالذات كزكاة التجارة عندنا؟

المعروف اختصاصه بالواجبة دون المندوبة، غير أنّ الظاهر من بعضهم هو حرمة المندوبة عليهم أيضا.

و ممّن اختارها العلّامة في «التذكرة» حيث قال:

و أمّا المندوبة فالأقوى عندي التحريم أيضا، لعلو منصبه، و زيادة شرفه و ترفّعه، فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة، لأنّها تسقط المحلّ من القلب. «1»

خلافا للمحقّق حيث فصّل بين الواجبة و المندوبة من الزكاة و قال: و يجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي و غيره.

ثمّ إنّ العلّامة من المتحمّسين للحرمة في هذا القسم و يمكن الاستدلال على قوله:

1. ما في صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: «هي الزكاة». «2»

______________________________

(1). تذكرة الفقهاء: 5/ 269، المسألة 182.

(2). الوسائل: 6، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 317

..........

______________________________

يلاحظ عليه: بلزوم تقييده بالواجبة، و قد عرفت أنّ الموضوع في صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي «1» و خبر زيد الشحّام 2 هو الواجب أو المفروض، فيحمل المطلق على المقيد.

2. عموم قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة». «3»

يلاحظ عليه: أنّ المطلق يحمل على المقيد، و قد ورد قيد الواجبة في صحيح جعفر الهاشمي و المفروضة في رواية الشحّام، و لعلّ لفظ الصدقة في زمن صدور الرواية تنصرف إلى الزكاة الواجبة، بشهادة آية الصدقات إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.

3. ما دلّ على أنّ الزكاة أوساخ المال فيعمّ الزكاة المستحبة.

يلاحظ عليه: أنّ الاعتماد على الحكمة في مقابل صحيحة جعفر بن إبراهيم أو خبر زيد الشحّام مشكل، و إن كان الأحوط الاجتناب.

فخرجنا بالنتيجة التالية: انّ الزكاة المندوبة حلال لبني هاشم دون الواجبة بقسميها.

المقام الثاني: دفع الصدقات إلى الهاشمي

الصدقة عبارة عن العطيّة التي بها يراد المثوبة، لا المكرمة، و يقابلها الهدية فإنّها عطيّة يراد بها تكريم المعطى له.

و هي على أقسام:

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 31 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3؛ و الباب 32، الحديث 4.

(3). صحيح مسلم: 2/ 751، ذيل الحديث 1069؛ الوسائل: 6، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 318

الفرع الرابع: الصدقة الواجبة بالذات كالهدي و الكفّارات

______________________________

فإنّها صدقات واجبة و إن لم تكن من مصاديق الزكاة، فهل تحرم على الهاشمي أو لا؟

يمكن أن يقال بعدم الحرمة، لما عرفت من أنّ الموضوع للحرام هو الصدقة الواجبة على الناس كما في صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي- أي ما يجب على أكثر الناس- فخرجت الكفّارات لعدم وجوبها إلّا على قسم خاص من الناس الذين صدر عنهم موجبها، ككفّارة اليمين و النذر و الإيلاء و الظهار و كفارات الحج و الصيام.

يلاحظ عليه: أنّ ما أشير إليه لا يتجاوز عن حدّ الإشعار و لا يقاوم ما تضافر عليه من الإطلاقات من أنّ الصدقة محرمة على آل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم. «1»

و يؤيّده ما في مرفوعة أحمد بن محمد: لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة. «2»

و يؤيّده ما في «نهج البلاغة» ردا على أشعث بن قيس: «أ صلة أم زكاة أم صدقة، فذلك محرّم علينا». «3»

و هذه الوجوه و إن كانت قابلة للنقاش، لاحتمال كون المراد من الصدقة فيها، ما يخرج لأجل دفع البلاء و الآفة، فانّ هذا النوع من الصدقات لا يناسب مقامهم السامي، لكن الأحوط اجتناب الهاشمي عن هذا النوع من الصدقة.

الفرع الخامس: الصدقات الواجبة بالعرض

إذا كانت الصدقة مستحبة بالذات واجبة بالعرض، كما إذا أوصى بمال لهاشمي أو نذر أو شرطه في ضمن عقد و ما شاكلها، فهل هي داخلة في

______________________________

(1). لاحظ الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

(3). نهج البلاغة، قسم الخطب، برقم 244، ط عبده.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 319

[المسألة 22: يثبت كونه هاشميّا بالبيّنة و الشياع]
اشارة

المسألة 22: يثبت كونه هاشميّا بالبيّنة و الشياع، و لا يكفي مجرّد دعواه، و إن حرم دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره، و لو ادّعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة، لا لقبول قوله، بل لأصالة العدم عند الشكّ في كونه منهم أم لا، و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.* (1)

______________________________

الصدقات الواجبة أو لا؟ الظاهر عدم دخولها، لانصرافها إلى ما هو واجب بالذات، و أمّا المستحبّة بالذات و الواجبة بالعرض فهي خارجة عن مصب الروايات، خصوصا على ما قلنا في محلّه من أنّ الصدقة المندوبة بالذات لا تكون واجبة بالنذر و الشرط و الوصية و إنّما هي باقية على استحبابها، و الواجب هو الوفاء بالنذر و الشرط و الإيصاء، و لا يتحقّق الوفاء إلّا بدفع الصدقة المندوبة بما هي مندوبة.

و منه يعلم حكم المظالم و التصدّق بمجهول المالك، فانّ الظاهر انّ المحرم هو ما وجب على المالك، و أمّا المقام فإنّما وجب على غير المالك حيث تعلّق الوجوب بشخص آخر يتصدق عن المالك المجهول أو المعلوم الذي لا يمكن الوصول إليه.

و أمّا الكلام في الفرع السادس، و هو الصدقات المندوبة بالذات، فقد تركنا الكلام فيها، لوضوحها.

(1)*

هنا مسائل:
اشارة

1. يثبت كون الآخذ هاشميا بأمرين:

الف: البيّنة.

ب: الشياع.

2. إذا ادّعى انّه هاشمي حرم من الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 320

..........

______________________________

3. إذا ادّعى انّه غير هاشمي يعطى من الزكاة.

4. يجوز إعطاء الزكاة لمجهول النسب كاللقيط.

و إليك دراستها واحدا تلو الآخر:

المسألة الأولى: ما يثبت كونه هاشميا
ألف: ثبوت النسب بالبيّنة
اشارة

يثبت النسب بالبيّنة، فلو شهد عدلان على أنّه هاشمي يثبت الموضوع، و يترتّب عليه أثره من جواز أخذ الخمس و حرمة أخذ الزكاة إذا كان الدافع غير هاشمي إلى غير ذلك من الآثار، إنّما الكلام في حجّية البيّنة في ثبوت النسب و شمول دليل حجّيتها له فنقول: إنّ دراسة مجموع ما دلّ على حجّية البيّنة يشرف الفقيه على عدم اختصاص حجّيتها بباب دون باب، بل ينتزع منها ضابطة كلية و هي حجّيتها إلّا ما قام الدليل على عدمها. فنقول:

دلّ الذكر الحكيم على حجّية شهادة العدلين في موارد:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 320

الأوّل: في الشهادة على الطلاق، كقوله سبحانه: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ. «1»

الثاني: في الشهادة على الوصية كقوله سبحانه: شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ. «2»

الثالث: في الشهادة على الدين، كقوله سبحانه: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ. «3»

______________________________

(1). الطلاق: 2.

(2). المائدة: 106.

(3). البقرة: 282.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 321

..........

______________________________

و الغاية من الاستشهاد، هو حجّية قولها عند الإشهاد، و إلّا يلزم لغويته، و المورد أعمّ من الترافع.

و أمّا الروايات فيمكن الاستدلال بها على حجّيتها في عامّة الموارد إلّا ما خرج بالدليل منها:

1. روى الكليني عن علي بن إبراهيم، (عن أبيه)، عن هارون بن

مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة». «1»

و الرواية من ثلاثيات الكليني حيث يروي عن المعصوم بثلاث وسائط، و من ثنائيّات القمي حيث يروي عن المعصوم بواسطتين. كلّ ذلك إذا روى القمّي عن هارون بن مسلم بلا واسطة و لو صحّ ما في بعض النسخ من روايته عنه بواسطة أبيه- كما هو ليس ببعيد- ينقلب الثلاثي إلى الرباعي و الثنائي إلى الثلاثي كما لا يخفى.

أمّا السند فلا غبار عليه إلّا في آخره، فإنّ علي بن إبراهيم القميّ من المشايخ الأثبات.

قال النجاشي: و هارون بن مسلم أنباري، سكن سامراء، يكنّى أبا القاسم، ثقة، وجه، و كان له مذهب في الجبر و التشبيه، لقي أبا محمد و أبا الحسن عليهما السّلام. «2»

______________________________

(1). الوسائل: 12، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(2). رجال النجاشي: 2/ 405، برقم 1181.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 322

..........

______________________________

و التعبير بلفظ: «كان» حاك عن عدوله عنه، و إلّا كيف يكون معه ثقة؟!

و أمّا مسعدة بن صدقة العبدي، فقد وصفه الشيخ في رجاله بأنّه عامي، و عدّه الكشي من البتريّة، و لو لا تصريح النجاشي برواية هارون بن مسلم عن مسعدة، لكان لاحتمال سقوط الواسطة بينهما مجال.

و السند و إن كان غير نقي، لكن

تلوح على المضمون علائم الصدق.

إذا عرفت ذلك فانّ مفاد الحديث تقدّم البيّنة على الأمور التالية:

1. يد البائع على الثوب أو العبد الكاشفة عن الملكية.

2. يد البائع على العبد مع احتمال انّه حرّ قد باع نفسه.

3. أصالة عدم الانتساب. يد البائع على العبد مع احتمال انّه قد خدع فبيع قهرا.

4. أصالة عدم الانتساب بين الرجل و المرأة التي تحته.

فلو لا البيّنة، كانت هذه الأمور حجّة في موردها و لكن البيّنة حاكمة عليها، و مقتضى الإطلاق حجّيتها سواء أ كان هناك ترافع أم لا.

و المراد من البيّنة كما قلنا في محلها هو العدلان، و لا ينافيه كونها في اللغة بمعنى مطلق التبين، بل في القرآن أيضا كذلك كما يقول سبحانه: أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتٰابُ مُوسىٰ إِمٰاماً وَ رَحْمَةً. «1»

و لكنّها في عصر الصادقين كانت حقيقة شرعية في العدلين، بل يمكن ادّعاء ذلك في لسان الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث قال: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان». «2»

2. خبر عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ شي ء لك

______________________________

(1). هود: 17.

(2). الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 323

..........

______________________________

حلال، حتّى يجيئك شاهدان يشهدان انّ فيه ميتة». «1»

3. صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه». «2»

4. و في صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث». «3»

إلى غير ذلك من الروايات

المبثوثة في المقام.

و هذه الروايات مع ما ذكر من الذكر الحكيم تثبت حجّيتها في عامّة الموارد إلّا ما دلّ الدليل على عدمها.

أضف إلى ذلك انّه إذا كانت البيّنة حجّة في المرافعات التي ربّما تستباح بها الأموال و الأعراض، فأولى أن تكون حجّة في غيرها.

ثمّ إنّ الظاهر حجّية البيّنة، لأنّها تفيد الاطمئنان النوعي لا الشخصي في أغلب الموارد و لا يتوقف القضاء بها على إفادتها الاطمئنان الشخصي.

ثبوت النسب بالعدل الواحد

و أمّا ثبوت الموضوعات بخبر العدل، فقد قلنا في محلّه بحجّيته إلّا ما خرج بالدليل. «4» إذ الظاهر انّ ما دلّ على حجّية قول العادل لا يختص بالأحكام، بل يعمّ الموضوعات، و قد عرفت أنّ الدليل الوحيد هو بناء العقلاء، و هو يشمل عامّة موارد الحكم و الموضوع.

______________________________

(1). الوسائل: 17، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 8.

(3). الوسائل: 14، الباب 43 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(4). لاحظ كليات في علم الرجال: 158.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 324

ب: ثبوت النسب بالشياع

______________________________

الظاهر من كلمات غير واحد من الفقهاء هو حجّية الشياع- بالمعنى الذي سيوافيك- في ثبوت النسب، و المراد من الشياع في مورد النسب هو قضاء الناس بأنّ فلانا ابن فلان، و يظهر من كلمات علمائنا الأبرار انّ الشياع الذي يعبّر عنه أيضا بالسماع أخرى و الاستفاضة ثالثة، حجة في ثبوت أمور ممّا تعسر إقامة البيّنة عليها و منها «النسب»، و قد نصّ على ذلك الشيخ في «الخلاف» «1» و «المبسوط» «2»، و الكيدري في «إصباح الشيعة» «3»، و المحقّق في «الشرائع». «4»

و إليك كلام المحقّق في مبحث «الطرف الثاني فيما به يصير شاهدا».

و مستند الشهادة: إمّا المشاهدة، أو السماع، أو هما. فما يفتقر إلى المشاهدة، الأفعال، لأنّ آلة السمع لا تدركها، كالغصب و السرقة ... و ما يكفي فيه السماع فالنسب و الموت و الملك المطلق، لتعذّر الوقوف عليه مشاهدة في الأغلب.

ثمّ إنّه عرّف السماع بتوالي الأخبار من جماعة لا يضمّهم قيد المواعدة، أو يستفيض ذلك حتّى يتاخم العلم.

ثمّ إنّ الشياع في هذه الأمور الثلاثة التي أشار إليها المحقّق حجة و إن

لم يفد العلم، لأنّ تعذّر الوقوف عليها من طريق آخر صار سببا لحجّية الشياع فيها.

بخلاف الشياع المفيد للعلم في باب رؤية الهلال و غيرها فهو حجّة، لأنّه طريق مفيد للعلم فلا يختص بباب دون باب.

و على ذلك فللقاضي أن يعتمد على الشياع في هذه الأمور فيقضي، كما أنّ

______________________________

(1). الخلاف: 6/ 265، كتاب الشهادات، المسألة 15.

(2). المبسوط: 8/ 180.

(3). إصباح الشيعة: 531.

(4). الشرائع: 4/ 132- 133.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 325

..........

______________________________

للشاهد أن يعتمد عليه فيشهد على تفصيل في باب القضاء.

و يدلّ على حجّية الشياع في النسب و غيره أمور:

1. مرسلة يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم: الولايات، و التناكح، و المواريث، و الذبائح، و الشهادات؛ فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه». «1»

و رواه الصدوق في «الفقيه» و ذكر مكان المواريث: «الأنساب». «2»

و رواه في «الخصال» عن أبي جعفر المقري رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن آبائه، عن علي عليه السّلام: خمسة أشياء يجب على القاضي. «3»

و رواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم إلّا أنّه قال مكان «بظاهر الحكم»: بظاهر الحال. «4»

و لعلّ عناية المشايخ الثلاثة بنقلها، تورث الاطمئنان بصدورها و لا يضرها الإرسال و الرفع، فلو كان المراد من قوله: «أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم» أي حكم الناس، لكان دليلا على حجّية الاستفاضة في الموارد الخمسة و منها الأنساب، و لا يضر ورود المواريث مكان الأنساب في بعض الطرق، لأنّهما يرميان إلى معنى واحد.

2. ما ورد في متاع الرجل و المرأة، إذا مات أحدهما فادّعاه ورثة الحي و ورثة الميت أو

طلّقها فادّعاه الرجل و ادّعته المرأة، فقد قضى الإمام بأنّ المتاع للمرأة مستدلا بقوله: «أ رأيت إن أقامت بيّنة الحاكم إلى كم كانت تحتاج؟» فقلت:

______________________________

(1). الوسائل: 18، الباب 22 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2). الفقيه: 3/ 9، الحديث 29.

(3). الخصال: 311، باب الخمس، الحديث 88.

(4). التهذيب: 6/ 288، الحديث 798.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 326

..........

______________________________

شاهدين، فقال: «لو سألت من بين لابتيها- يعني: الجبلين، و نحن يومئذ بمكة- لأخبروك أنّ الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها، فهي التي جاءت به، و هذا المدّعي (الرجل) فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئا فليأت عليه البيّنة». «1»

يلاحظ عليه: أنّ ظاهر الحديث انّ الاعتداد بشهادة من بين لابتيها لأجل إفادته العلم و اليقين، فإنّ المتاع قد نقل على رءوس الأشهاد من بيت المرأة إلى بيت الزوج، فكيف يصحّ للزوج أن يدّعي انّه له؟! فلا صلة له بالشياع بما هو هو.

الثالث: السيرة المستمرة في زمن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى يومنا هذا من اعتماد الناس على ما استفاض بينهم في الأمور التي لها جذور في التاريخ، كالأوقاف و الأنساب ممّا تعسر إقامة البيّنة عليها في كلّ زمان، و بذلك يعلم أنّ القدر المتيقّن من حجّية الشياع هذه الأمور التي لها جذور في التاريخ و يعسر إقامة البيّنة عليها، أو ما يقرب من هذه الأمور سواء أفاد العلم أو لا.

و على كلّ تقدير فالأنساب من مصاديقه، و أمّا حجّية سعة الاستفاضة فقد فرغنا منه في كتابنا «نظام القضاء و الشهادة في الشريعة الإسلامية الغرّاء». «2»

المسألة الثانية: إذا ادّعى انّه هاشمي فهل يسمع أو لا؟

فقد عرفت فيما سبق انّه إذا ادّعى انّه فقير أو غارم لا يسمع إلّا

بالبيّنة، إذ لا عبرة بادّعاء المدّعي.

و على ذلك فلو حصل من قوله الوثوق فيترتب عليه الأثر، و إلّا فلا.

______________________________

(1). الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

(2). نظام القضاء و الشهادة في الشريعة الإسلامية الغرّاء: 1/ 159- 166.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 327

..........

______________________________

نعم إذا ادّعى انّه هاشمي حرم دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره، و ذلك لأنّ الإقرار على النفس حجّة عند العقلاء، و قد اشتهر قول جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز». «1»

نعم أشكل عليه في «المستمسك» بقوله: لكنّه غير ظاهر، إذ الإقرار إنّما يمنع من العمل بالحجّة- من أمارة أو أصل- بالإضافة إلى الأحكام التي تكون للمقر، لا بالإضافة إلى المالك و إفراغ ذمّته بذلك. «2»

يلاحظ عليه: بأنّ الأحكام التي تكون للمقرّ على قسمين:

تارة يختصّ الحكم بالمقرّ و لا يعمّ الغير، كما إذا اعترف بأنّه ليس مالكا للشي ء فيسلب منه، و أخرى يكون له صلة إلى الشخص الآخر كما في المقام، فإنّ إقراره بأنّه هاشمي يلازم إقراره بأنّه لا يملك ما أخذ و لا يصحّ له التصرّف فيه، و معه كيف يمكن لمالك الزكاة أن يدفع إليه شيئا يعترف هو بأنّه لا يملكه و لا يصحّ التصرّف فيه؟! نظير ذلك إذا اعترف انّه غني تحرم عليه الزكاة فهل يصحّ لمالكها أن يدفع إليه الزكاة؟!

المسألة الثالثة: لو ادّعى انّه ليس بهاشمي

لو ادّعى انّه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة له لا لقبول قوله، لما عرفت من أنّ دعوى المدّعي ليس بحجّة، بل لأجل دليل آخر، و هو التمسّك بالأصل الأزلي بالتقرير التالي، و هو انّا نشير إلى ماهية هذا

الرجل الذي يدّعي انّه غير هاشمي، فنقول: لم يكن موصوفا بالهاشمية و لو لأجل عدم وجودها، فإذا وجد و علمنا

______________________________

(1). الوسائل: 16، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2.

(2). المستمسك: 9/ 312.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 328

[المسألة 23: يشكل إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشمي بالزنا]

المسألة 23: يشكل إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشمي بالزنا، فالأحوط عدم إعطائه، و كذا الخمس، فيقتصر فيه على زكاة الهاشميّ.* (1)

______________________________

اتّصاف الماهية بالوجود نشك في اتّصافها بالهاشمية فيستصحب عدم كونها كذلك.

و بما انّا قد أشبعنا الكلام في عدم حجّية الأصل المثبت في البحوث الأصولية، و من أراد فليرجع إلى «المحصول» الجزء الثاني. «1»

و الظاهر انّ المرجع في هاتيك الموارد هو الشياع كما مرّ، و إلّا فالأخذ بحكم الغالب إذا كان مفيدا للوثوق، و إلّا فيمنع حتّى يثبت كونه غير هاشمي.

و منه يظهر حال المسألة الرابعة، و هي دفع الزكاة لمجهول النسب.

(1)* إنّ وليد الزنا ولد في اللغة و العرف، فالآثار المترتّبة على الولد تترتب عليه إلّا ما دلّ الدليل على عدم ترتّب أثره، فبما انّه تضافرت الروايات على أنّ ولد الزنا لا يرث لا يحكم عليه بقوله سبحانه: يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فهو محروم من الإرث، و أمّا سائر الآثار المترتّبة على عنوان الولد و الابن فلا دليل على رفع اليد عنه ما لم يكن هناك دليل قاطع، فقوله سبحانه: وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ أَوْ آبٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ «2» يعمّ وليد الزنا، فانّ الولد عبارة عمّن تكون من نطفة والديه و هو يصدق على وليد الزنا، و على ذلك فلا فرق بين طهارة المولد و طيبه و خلافه.

______________________________

(1). راجع

المحصول: 2/ 498- 512.

(2). النور: 31.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 329

..........

______________________________

نعم إذا دلّ الدليل على الحرمان مع كونه ولدا يتبع حسب ما دلّ، ففي باب القضاء يقول المحقّق: لا ينعقد القضاء لولد الزنا مع تحقّق حاله، كما لا تصحّ إمامته و لا شهادته في الأشياء الجليلة. «1»

و بالجملة حرمانه من الإرث لا يكون دليلا على عدم كونه ولدا لغة و عرفا، كما أنّ ممنوعية الولد من الإرث لأجل القتل و الكفر لا يكون سببا لسلب عنوان الولدية.

نعم ذهب صاحب الجواهر إلى انصراف دليل المنع عن مثل المقام، لانسياق المتولّد من الحلال دون الحرام، فتشمله عموم الزكاة و هو كما ترى.

تمّ الكلام في الفصل السابع و الحمد للّه ربّ العالمين

______________________________

(1). الشرائع: 4/ 76.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 331

[الفصل الثامن في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل [عشرون]:]

اشارة

الفصل الثامن في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل [عشرون]:

[الأولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط]

اشارة

الأولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، لا سيّما إذا طلبها، لأنّه أعرف بمواقعها، لكن الأقوى عدم وجوبه، فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة و التوكيل تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها.* (1)

______________________________

(1)*

للمسألة صورتان:
اشارة

الأولى: حكم حمل الزكاة إلى الإمام أو الفقيه الجامع للشرائط إذا لم يطلبها.

الثانية: حكمها إذا طلبها إماما كان أم فقيها جامعا للشرائط. و الكلام في المقام في الصورة الأولى و سندرس حكم الصورة الثانية عند كلام المصنّف فيها، فنقول:

الصورة الأولى: حمل الزكاة إذا لم يكن طلب
اشارة

إذا كان هناك إمام معصوم أو فقيه جامع للشرائط مبسوط اليد، فهل يجب حمل الزكاة إليه ليصرفها في محالها إذا لم يطلبها، أو يجوز للمالك تقسيمها في مصارفها عند عدم الطلب؟ فقد اختلفت كلمة الفقهاء في لزوم النقل إلى الحاكم،

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

فكما هو مورد خلاف بيننا، فهكذا مورد خلاف بين فقهاء السنّة فلنذكر الأقوال:

1. قال الشيخ في «الخلاف»: ذهب أبو حنيفة و مالك و الشافعي في رأيه القديم إلى أنّه يجب دفعها إلى الإمام (الحاكم العرفي) فإن تولّاها بنفسه كان عليه الإعادة.

و ذهب الشافعي في رأيه الجديد إلى أنّه يجوز له أن يخرجها بنفسه، و به قال الحسن البصري و سعيد بن جبير. «1»

2. و قال ابن قدامة في «المغني»: يستحبّ للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقّها، سواء أ كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة.

قال الإمام أحمد: أعجب إليّ أن يخرجها، و إن دفعها إلى السلطان فهو جائز.

و قال الحسن و مكحول و سعيد بن جبير و ميمون بن مهران: يضعها رب المال في موضعها.

و قال الثوري: احلف لهم و اكذبهم و لا تعطهم شيئا إذا لم يضعوها مواضعها و قال: لا تعطهم.

و قال عطاء: أعطهم إذا وضعوها مواضعها؛ فمفهومه انّه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك.

و قال الشعبي و أبو جعفر: إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة من أهلها.

و

قال إبراهيم: ضعوها في مواضعها، فإن أخذها السلطان أجزأك.

و قال سعيد: انبأنا أبو عوانة، عن مهاجر أبي الحسن قال: أتيت أبا وائل

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 225، كتاب الصدقات، المسألة 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 333

..........

______________________________

و أبا بردة بالزكاة و هما على بيت المال فأخذاها، ثمّ جئت مرة أخرى، فرأيت أبا وائل وحده، فقال لي: ردّها فضعها مواضعها.

و قد روي عن أحمد أنّه قال: أمّا صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان، و أمّا زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء و المساكين.

فظاهر هذا انّه استحب دفع العشر خاصة إلى الأئمّة، و ذلك لأنّ العشر قد ذهب قوم إلى أنّه مئونة الأرض فهو كالخراج يتولّاه الأئمّة بخلاف سائر الزكاة. «1»

و هذه الكلمات تعرب عن كون المسألة عندهم خلافية حتّى فيما إذا طلب الإمام، إمّا لعدم الوجوب مطلقا حتّى مع العلم بوضعها في مواضعها كما هو ظاهر المحكي عن أحمد، أو لأنّ السلطان لا يضعها مواضعها، كما هو ظاهر المحكي عن الثوريّ أو التفصيل بين صدقة الأرض فتحمل و صدقة المواشي فلا.

كما ظهر وجه المنع عن الدفع إلى السلطان.

كلمات أصحابنا في المسألة

اختلفت كلمات أصحابنا، فذهب المفيد و أبو الصلاح و ابن البراج إلى وجوب الإخراج إلى الإمام.

و ذهب المرتضى و الشيخ إلى أنّ الحمل أفضل و لا بأس بنقل نصوصهم:

1. قال المفيد: فرض على الأمة حمل الزكاة إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و الإمام خليفته قائم مقامه، فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه من خاصته لشيعته، فإذا عدم السفراء بينه و بين رعيّته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته. «2»

______________________________

(1). المغني: 2/ 507- 508.

(2). المقنعة: 252.

الزكاة

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 334

..........

______________________________

2. و قال أبو الصلاح: يجب على كلّ من تعيّن عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج من وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله تعالى، أو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذر و أكثر المكلّف تولّى ذلك بنفسه. «1»

3. و قال ابن البراج: و إذا كان الإمام ظاهرا وجب حمل الزكاة إليه ليفرّقها في مستحقّه، فإن كان غائبا فإنّه يجوز لمن وجب عليه أن يفرقها في خمسة أصناف. «2»

و كلامه ظاهر في اختصاص الوجوب بالإمام المعصوم، و لا يعمّ غيره.

4. و قال المرتضى: الأفضل و الأولى إخراج الزكوات لا سيّما في الأموال الظاهرة كالمواشي و الحرث و الفرس إلى الإمام أو إلى خلفائه النائبين عنه، فإن تعذر ذلك فقد روي إخراجها إلى الفقهاء المأمونين ليضعوها في مواضعها. «3»

و قال الشيخ: الأموال ضربان: ظاهرة، و باطنة. فالباطنة: الدنانير و الدراهم و أموال التجارات، فالمالك بالخيار بين أن يدفعها إلى الإمام أو من ينوب عنه، و بين أن يفرّقها بنفسه على مستحقّه بلا خلاف في ذلك.

و أمّا زكاة الأموال الظاهرة، مثل المواشي و الغلّات، فالأفضل حملها إلى الإمام إذا لم يطلبها، و ان تولّى تفريقها بنفسه فقد أجزأ عنه. «4»

و قال المحقّق: الأولى حمل ذلك إلى الإمام، و يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة. «5»

و من الأصحاب من ينكر استحباب الحمل، قال صاحب الحدائق: قد

______________________________

(1). الكافي في الفقه: 172.

(2). المهذب: 1/ 171.

(3). جمل العلم و العمل: رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة: 100.

(4). المبسوط: 1/ 244.

(5). الجواهر: 5/ 420، قسم المتن.

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

صرّح جملة من الأصحاب بأنّه يستحبّ حمل الزكاة إلى الإمام، و مع عدم وجوده فإلى الفقيه الجامع للشرائط، و انّه يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلّات، و علّلوا استحباب نقلها إلى الإمام بأنّه أبصر بمواقعها و أعرف بمواضعها، و لما في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحقّ.

ثمّ قال: إنّ الاستحباب حكم شرعي، و في ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العقلية و المناسبات الذوقية إشكال، سيّما مع ما عرفت من رواية جابر «1» و عدم قبول الإمام عليه السّلام لذلك و أمره السائل بتفريقها بنفسه.

و أمّا تأكّد الاستحباب في الأموال الظاهرة، فقد قال في «المدارك» أنّا لم نقف على حديث يدلّ عليه بمنطوقه، و لعلّ الوجه فيه ما يتضمّنه من الإعلان بشرائع الإسلام و الاقتداء بالسلف الكرام.

ثمّ أضاف و قال: لو كان الأمر كما يدّعونه من استحباب حمل ذلك إلى الإمام، فكيف غفل أصحاب الأئمّة عليهم السّلام عن ذلك مع تهالكهم على التقرب إليهم (صلوات اللّه عليهم) حتّى أنّ الصادق عليه السّلام كان يسأل شهاب بن عبد ربه من زكاته لمواليه كما تقدّم الخبر بذلك، و ما دلّ من الأخبار على أنّ أصحابهم كانوا يفرّقون زكاتهم بأنفسهم أو وكلائهم، كثير متفرق في ضمن أخبار هذا الكتاب. «2»

ما هي الضابطة الأولى في المقام؟

و قبل الخوض فيما يدلّ على جواز تصدّي المالك لتقسيم الزكاة و عدمه،

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 36 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). الحدائق الناضرة: 12/ 224. لاحظ الوسائل: 6، الباب 34 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3؛ و فيه كان أبو عبد اللّه يسأل شهابا من زكاته لمواليه و إنّما حرمت الزكاة عليهم دون مواليهم.

الزكاة في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 336

..........

______________________________

نذكر ما هو مفاد الضابطة الأولى المستفادة من الكتاب و السنّة فنقول:

هل المستفاد من النصوص انّ الزكاة فريضة على المالك و يتولّى بصرفها في مواردها نظير الديون الشخصية و الكفّارات و النذور، أو انّها فريضة مالية على المالك يدفعها إلى الحاكم ليفرّقها في مصارفها باعتباره المسئول لسدّ عيلة الفقراء و خلّة المساكين و غيرهم؟

الظاهر هو القول الثاني، و يشهد على ذلك أمور:

الأوّل: انّ العاملين على الزكاة أحد مصارفها، و المراد بهم السعاة و الجباة للزكاة المبعوثون من قبل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أو الإمام عليه السّلام إلى شتى النقاط، و هذا يعرب عن أنّ طبيعة هذه الفريضة و واقعها هو جمعها في بيت المال و تقسيمها في مصارفها تحت نظارة الحكومة الإسلامية.

الثاني: ما رواه الصدوق عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لمّا نزلت آية الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «1» في شهر رمضان، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مناديه فنادى في الناس: إنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة- إلى أن قال:- ثمّ لم يتعرض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا و أفطروا، فأمر صلى اللّه عليه و آله و سلم مناديه فنادى في المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم، تقبل صلاتكم، قال: ثمّ وجه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق. «2»

الثالث: ما رواه الكليني بسند صحيح عن بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد

اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له، و لا تؤثر دنياك

______________________________

(1). التوبة: 103.

(2). وسائل الشيعة: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1. و الطسوق جمع الطسق: خراج الأرض المقرر عليها.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 337

..........

______________________________

على آخرتك، و كن حافظا لما ائتمنتك عليه، راعيا لحق اللّه فيه ...» إلى آخر ما ذكره. «1»

كما نقل الرضي كتاب الإمام عليه السّلام الذي كان يكتبه لمن يستعمله على الصدقات، و إليك مطلعه:

«انطلق على تقوى اللّه وحده لا شريك له، و لا تروعنّ مسلما، و لا تجتازنّ عليه كارها، و لا تأخذنّ منه أكثر من حقّ اللّه في ماله، فإذا قدمت على الحيّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثمّ أمض إليهم بالسكينة و الوقار، حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم» إلى آخر ما ذكره. «2»

قال الشريف الرضي: و إنّما ذكرنا هنا جملا ليعلم بها أنّه عليه السّلام كان يقيم عماد الحقّ، و يشرع أمثلة العدل، في صغير الأمور و كبيرها و دقيقها و جليلها.

الرابع: ما روي عن زرارة و محمد بن مسلم أنّهما قالا لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أ رأيت قول اللّه تبارك و تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ «3»، أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنّهم يقرون له بالطاعة»، قال زرارة، قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟

فقال: «يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنّما يعطى من لا يعرف

ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فاعطه دون الناس». «4»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2). نهج البلاغة، قسم الرسائل و الكتب، برقم 25.

(3). التوبة: 60.

(4). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 338

..........

______________________________

و سيوافيك وجه ترخيصه لزرارة في أن يتولّى تقسيم زكاته.

الخامس: ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره فانّه بعد ما بيّن المفاهيم الثمانية، و وصل كلامه إلى الغارمين، قال:

و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات، و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوّون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد، و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات. «1»

السادس: ما رواه أبو علي بن راشد قال: سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال:

«للإمام». «2» فإذا كانت الفطرة موكولة إلى الإمام فما ظنّك بالزكاة التي هي مبالغ طائلة؟!

هذه الأمور التي ذكرناها و ما لم نذكرها تشهد بأنّ طبيعة التشريع في الزكاة تفترق عن بقية الديون و الكفّارات و النذورات، بل خوّل أداؤها إلى الحاكم القائم بالأمور الجامع فيه الشرائط الخاصة.

أضف إلى ذلك انّ الزكاة من المنابع المالية للحكومة الإسلامية، تنفّذ بها مشاريعها و

برامجها، و معها كيف يمكن أن تتخذ لنفسها صبغة فردية؟!

إنّ طبيعة الأمر كانت تقتضي أن تتّحد فيه كلمات أهل السنّة لكنّهم اختلفوا في وجوب الدفع إلى الحاكم.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

(2). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 339

..........

______________________________

و وجه ذلك كما يظهر من خلال كلماتهم: انّه لمّا دبّ الفساد إلى الكيان الإسلامي، و أخذ يتقمّص الخلافة من هو ليس بأهل لها من الأمويّين و المروانيّين، صار ذلك سببا لمنع الناس من الدفع إليهم و الترخيص لهم بتوليهم بصرفها في مواردها، و إلّا فطبيعة التشريع كانت تفتقد الصبغة الفردية، و لأجل اطّلاع القارئ على فتاوى العلماء من كلا الفريقين، نسرد كلماتهم:

ما دلّ من النصوص على جواز تولّي المالك

هناك نصوص تدلّ على جواز تولّي المالك تقسيمها لمحالها، و إليك نماذج من تلك النصوص:

1. نصوص الأمر بإيصالها إلى المستحقّين.

2. نصوص نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر.

3. نصوص شراء العبيد.

4. نصوص ما دلّ على تفريق المالك بنفسه.

5. نصوص ما دلّ على قبوله النيابة.

و إليك نماذج من كلّ قسم:

1. روى أبو المعزى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم». «1»

2. روى الصدوق باسناده عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها قال: «لا بأس». «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4. و لاحظ سائر روايات الباب.

(2). الوسائل: 6، الباب 37 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

و لاحظ سائر روايات الباب.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 340

..........

______________________________

3. روى الكليني عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟ فقال: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم»، ثمّ مكث مليّا ثم قال: «إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه». «1»

4. روى الطوسي بسند صحيح عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: و إن كان بالمصر غير واحد؟ قال: «فاعطهم إن قدرت جميعا». «2»

5. روى الكليني عن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّن يلي صدقة العشر على من لا بأس به؟ فقال: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها». «3»

6. ما رواه الصدوق عن جابر، قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر عليه السّلام و أنا حاضر، فقال: رحمك اللّه أقبض منّي هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها، فانّها زكاة مالي؛ فقال أبو جعفر عليه السّلام: «بل خذها أنت فضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنّه يقسم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن، البرّ منهم و الفاجر». «4»

وجه الجمع بين الروايات و كلمات الأصحاب

قد تبين ممّا ذكرنا اختلاف الروايات كما ظهر اختلاف كلمات الأصحاب، و يمكن أن يقال:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1. و لاحظ سائر روايات الباب.

(2). الوسائل: 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4. و لاحظ سائر روايات الباب.

(3). الوسائل: 6، الباب 35 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(4). الوسائل: 6، الباب

36 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

1. انّ الطابع السائد على الزكاة، طابع جماعي و ليس كالديون و الكفّارات ممّا يقوم به المكلّف بنفسه، بل يعدّ منبعا ماليا للحكومة الإسلامية، فلو كان هناك حكومة إسلامية برأسها الإمام أو من نصبه على نحو الخصوص أو العموم، فطبيعة التشريع تقتضي إرسالها إلى الحاكم ليتولّى تقسيمها و إن لم يطلبها، إلّا إذا أظهر عدم الحاجة.

2. انّ سيرة المسلمين في عهد الرسول و الخلفاء، هو بعثها إلى الرسول و من قام مقامه تبعا للسيرة في عهد الرسول، و لما دبّ الفساد في الخلافة الإسلامية و أخذ من ليس أهلا بزمام الحكم توقّف فقهاء السنّة من الإرسال و الإعطاء على وجه كما عرفت، و لو كانت سيرة المتأخرين كسيرة الرسول و الوصي لما توقّفوا في وجوب البعث.

3. لما أقصي أئمّة أهل البيت عليه السّلام عن منصّة الخلافة، و أخذ ينقض و يبرم في الأمور المالية أناس يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع، أمروا شيعتهم بتفريق زكواتهم بين شيعتهم و إلّا لكان الحرمان حليفا لفقراء الشيعة، و إلى هذه الصورة تحمل ما عرفت من النصوص المتضافرة على جواز إيصاله الزكاة إلى مستحقّيها.

و أمّا اختلاف فتاوى الأصحاب فيمكن الجمع بينهما بحمل ما أوجب البعث و الإرسال إلى الإمام، على ما إذا كانت هنا حكومة صالحة قائمة على الأسس الصحيحة، كما يعرب عنه كلمات المفيد و المرتضى و ابن البراج؛ و حمل ما دلّ على عدم وجوبه، فهو ناظر إلى الظروف غير الصالحة، إذ لا محيص في تلك الصورة من الامتناع عن الدفع.

بذلك علم حكم المسألة الأولى- أعني: ما إذا لم يكن هناك طلب-

و أمّا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 342

نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعا و كان مقلّدا له، يجب عليه الدفع إليه من حيث إنّه تكليفه الشرعيّ، لا لمجرّد طلبه، و إن كان أحوط كما ذكرنا، بخلاف ما إذا طلبها الإمام عليه السّلام في زمان الحضور فإنّه يجب الدفع إليه بمجرّد طلبه من حيث وجوب طاعته في كلّ ما يأمر.* (1)

______________________________

المسألة الثانية فقد أشار إليها المصنّف بما في المتن.

(1)*

الصورة الثانية: إذا كان هنا طلب

قد عرفت حكم ما إذا لم يكن هناك طلب و انّ طبيعة التشريع تقتضي وجوب البعث، و أوضح منه إذا كان هناك طلب فله قسمان:

1. إذا طلبها الإمام المعصوم.

2. إذا طلبها الفقيه الجامع للشرائط.

أمّا الأوّل: فلا شكّ انّه يجب تسليمها إليه لوجوب إطاعته، فلو صرفها بلا إذنه لم تبرأ ذمّته، فيكون بعمله هذا عاصيا.

يقول العلّامة: لو طلب الإمام الزكاة منه وجب دفعها إليه إجماعا منّا، لأنّه معصوم تجب طاعته و تحرم مخالفته، فلو دفعها المالك إلى المستحقّين بعد طلبه و إمكان دفعها إليه، فقولان لعلمائنا: الإجزاء- و هو الوجه عندي- لأنّه دفع المال إلى مستحقّه، فخرج عن العهدة، كالدين إذا دفعه إلى مستحقّه؛ و عدمه، لأنّه الإخراج عبادة لم يوقعها على وجهها، لوجوب الصرف إلى الإمام بالطلب، فيبقى

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 343

..........

______________________________

في عهدة التكليف. و لا خلاف انّه يأثم بذلك. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ عدم الإجزاء ليس لأجل انّه لم يدفع المال إلى مستحقّه، بل لأجل انّ الزكاة عمل عباديّ، فيشترط في صحّة العمل أمران:

1. إمكان تمشّي القربة من الدافع.

2. كون العمل صالحا للتقرّب. و

لو فرض وجود الشرط الأوّل فالثاني غير موجود، لأنّ نفس العمل مصداقا للعصيان و التمرد، و بذلك يفقد العمل الصحة. فلأجله قلنا ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة مع القول بجواز اجتماع الأمر و النهي، فانّ عدم المحذور من الأخذ بالإطلاقين: صلّ و لا تغصب، لا يستلزم القول بصحّة الصلاة، لعدم صلاة الفرد للتقرب.

و أمّا الثاني: أي طلب الفقيه الجامع للشرائط على وجه الإيجاب، فله قسمان:

1. أن يطلبها من أجل انّ النقل مقتضى رأيه و فتواه و حيث يرى أنّ له الولاية على الزكاة و تقسيمها بين الناس، فلا شكّ انّه يجب نقلها إليه، و إلّا فلو وزعها بلا استئذان لا يكون مبرئ للذمة قطعا.

2. ما يطلبها لا لاعتقاده بأنّ له الولاية عليها، بل يعتقد بأنّ للمالك أيضا الولاية عليها، غير أنّ الظروف الخاصة دفعت بالفقيه إلى طلبها من المالك، بإصدار الحكم الولائي، كما إذا توقّف نجاة طائفة من المسلمين على إيصال الزكاة إليهم، فدفع هذا العنوان الثانوي الفقيه إلى إصدار الحكم بلزوم نقلها إليه، فحينئذ يجب على المالك الطاعة، و لو خالف أثم.

إنّما الكلام في صحّة العمل و براءة الذمة إذا خالف، فقد ذهب المحقّق الخوئي إلى صحّة العمل قائلا بأنّ الوجوب عرضي نشأ من داع آخر مع بقاء ولاية

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 317، المسألة 225.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 344

[الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية، بل يجوز التخصيص ببعضها]

اشارة

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية، بل يجوز التخصيص ببعضها، كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت، و لا مراعاة أقلّ الجمع الّذي هو الثلاثة، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد.* (1)

______________________________

المالك على حالها، فلو باشر بنفسه فقد أدّى الواجب و إن عصى أمر

الفقيه.

يلاحظ عليه: بأنّه إذا كان أمر الفقيه واجب الطاعة يوصف عمله هذا بالعصيان و التمرد و ما يكون مصداقا له لا يصلح للتقرّب، فلا فرق بين أمر الإمام المعصوم و أمر الفقيه غاية الأمر انّ الفقيه يستمد ولايته من ولاية الإمام، فولايته انعكاس لولاية المعصوم عليه السّلام، و قد ورد في المقبولة قوله عليه السّلام: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ على اللّه و هو على حدّ الشرك». «1»

(1)* هنا مسألتان:

الأولى: هل يجب البسط على الأصناف الثمانية أو البسط على الأصناف الموجودة أو لا، بل يجوز تخصيصها بصنف خاص؟

الثانية: هل يجب البسط في كلّ صنف على جميع أفراده، أو الموجودين عند الدفع، أو يجوز التخصيص بفرد واحد؟

و قد اتّفق فقهاؤنا على عدم البسط في كلتا المسألتين، و الظاهر من فقهاء أهل السنّة عدم وجوب البسط.

نعم خالف الشافعي فأوجب البسط بين الأصناف الثمانية و لم يوجب

______________________________

(1). الكافي: 1/ 67، باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم، الحديث 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 345

..........

______________________________

البسط بين عامة أفراد الصنف الواحد، و فصّل النخعي بين كثرة الصدقة و قلّتها، فأوجب البسط في الأولى دون الثانية.

قال الشيخ في «الخلاف»: الأصناف الثمانية محلّ الزكاة، و لا يلزم تفرقة الزكاة على كلّ فريق منهم بالسوية، بل لو وضع في واحد من الأصناف كان جائزا.

و كذلك لو أعطى جميع زكاته لواحد من هذه الأصناف كان جائزا، و به قال الحسن البصري و الشعبي و مالك و أبو حنيفة و أصحابه، إلّا أنّ مالكا يقول: يخص بها أمسّهم حاجة، و أبو حنيفة يقول: يجوز أن يدفع إلى أي صنف

شاء.

و قال الشافعي: يجب تفريقها على من يوجد منهم، و لا يخصّ بها صنف منهم دون آخر و سوّى بين الأصناف، و لا يفضّل بعضهم على بعض، و أقلّ ما يعطى من كلّ صنف ثلاثة فصاعدا سوّى بينهم، فإن أعطي اثنين ضمن نصيب الثالث، إلى أن قال:

و قال النخعي: إن كانت الصدقة كثيرة وجب صرفها إلى الأصناف الثمانية كلّهم، و إن كانت قليلة جاز دفعها إلى صنف واحد. «1»

و ذكر العلّامة في «التذكرة» الأقوال بصورة مبسّطة نذكر منها ما يلي:

قال: يجوز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة، بل يجوز دفعها إلى واحد و إن كثرت، و لا يجب بسطها على الجميع عند علمائنا أجمع، و به قال الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و أحمد، و هو أيضا قول عمر و حذيفة و ابن عباس و سعيد بن جبير و النخعي و عطاء و الثوري و أبو عبيد لقوله عليه السّلام: أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم.

أخبر بأنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء و هم صنف واحد، و لم يذكر سواهم.

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 226، كتاب الصدقات، المسألة 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 346

..........

______________________________

إلى أن قال: و قال عكرمة و الشافعي: إن دفعها إلى الإمام فقد برئت ذمّته، و الإمام يفرّقها على الأصناف السبعة سوى العاملين، لسقوط حقّه بانتفاء عمله، فإن كانت السبعة موجودين، و إلّا دفعها إلى الموجودين من الأصناف يقسّمها بينهم، لكلّ صنف نصيبه، سواء قلّوا أو كثروا على السواء.

ثمّ ذكر استدلالهم بقوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ «1» فجعلها لهم بلام التمليك، و عطف بعضهم على بعض بواو التشريك، و ذلك يوجب الاشتراك.

ثمّ حكى عن النخعي أنّه

قال: إنّ المال إن كثر بحيث يحتمل الأصناف بسط عليهم، و إن كان قليلا جاز وضعه في واحد.

و قال مالك: يتحرّى موضع الحاجة منهم، و يقدم الأولى فالأولى. «2»

و قبل أن نذكر دليل فقهائنا نحلّل ما استدلّوا به على وجوب البسط، و هي أمور ثلاثة:

[نحلّل ما استدلّوا به على وجوب البسط]
الأوّل: اللام الظاهر في التمليك

يلاحظ عليه: أنّ اللام موجودة في الأصناف الأربعة الأولى دون الأربعة الأخيرة، قال سبحانه إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.

هذه هي الأصناف التي دخل عليها اللام، و أمّا الأصناف الباقية فهي مذكورة إمّا بدخول «في» أو مع عدم دخولها ظاهرا، قال سبحانه: وَ فِي الرِّقٰابِ

______________________________

(1). التوبة: 60.

(2). التذكرة: 5/ 336- 338، المسألة 248.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 347

..........

______________________________

وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «1» فلو فرض التمليك فإنّما هو في الأصناف الأربعة الأولى دون الأربعة الأخيرة، لأنّ الأخيرة مصارف يتولّى صرفها فيها الحاكم أو المالك و لا يملّكهم الزكاة، فيصرفها في عتق رقبتهم و قضاء ديونهم و يصرفها في سبيل اللّه و في صالح ابن السبيل، فلو أخذنا بظهور الآية يجب التفريق بين الأصناف الأربعة الأولى دون الأصناف الأربعة الثانية و هي كما ترى.

الثاني: وجود «واو» الاشتراك

لقد عطف سبحانه هذه الأصناف بعضها على بعض و هو يقتضي الاشتراك.

و قد ظهر جواب ذلك ممّا مرّ، فانّ الاشتراك في الصرف و المصرف دون التمليك. و تدلّ الآية على أنّ الأصناف الثمانية مصارف للزكاة و أمّا لزوم الدفع إلى كلّ مصرف فالآية ساكتة عنه.

الثالث: صيغة الجمع

إنّ صيغة الجمع ظاهرة في بسط سهم كلّ صنف بين عامّة أفراده.

يلاحظ عليه: بأنّه يكفي في صدقه بسطه في ثلاثة كما عليه الشافعي.

و بذلك يتّضح انّ الآية بصدد بيان مصارف الزكاة لا كيفية التقسيم، و إنّما هو أمر موكول إلى رعاية المصالح، فتارة تقتضي المصلحة البسط و أخرى عدمها، و أمّا الروايات فهناك ما يدلّ على عدم وجوبه.

______________________________

(1). التوبة: 60.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 348

ما يدلّ على عدم وجوب البسط

______________________________

قد علمت اتّفاق العلماء على عدم وجوب البسط، و يدلّ عليه أمور كثيرة:

الأوّل: ما ورد في صرف زكاة البوادي فيهم، و زكاة أهل الحضر فيهم. «1»

وجه الدلالة: عدم وجود الأصناف الثمانية في أهل البادية، بل ربّما لا يوجد إلّا صنف واحد و هو الفقراء.

الثاني: ما يدلّ على جواز صرفها في أقاربه، و قد عقد له الشيخ الحرّ العاملي بابا و نقل فيه روايات، منها ما رواه الكليني بسنده عن أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك و له زكاة، أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته، قال: «نعم». «2»

الثالث: ما ورد من جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، إذا لم يكن في البلد الأوّل أهل الولاية.

روى الصدوق باسناده عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟

فقال: «لا بأس». «3» إذا من البعيد وجود الأصناف الثمانية في البلد الثاني. إلّا أن يقال بأنّها تصرف في الأصناف الموجودة في البلد الثاني، فيسقط الخبر عن صلاحية الاستدلال.

الرابع: ما يصرح بعدم وجوب البسط.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 38 من أبواب المستحقّين

للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، و لاحظ بقية أحاديث الباب.

(3). الوسائل: 6، الباب 37 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، و لاحظ بقية روايات الباب.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 349

..........

______________________________

روى العياشي في تفسيره عن أبي مريم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ الآية، فقال: «إن جعلتها فيهم جميعا، و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك». «1»

و قد استدلّ العلّامة على عدم البسط بما رواه أهل السنّة، فقال: لقوله عليه السّلام:

«أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم».

أخبر بأنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء و هم صنف واحد، و لم يذكر سواهم.

ثمّ أتاه بعد ذلك مال، فجعله في صنف ثان سوى الفقراء، و هم المؤلّفة قلوبهم: الأقرع بن حابس و عيينة بن حصين و علقمة بن علاثة و زيد الخيل، قسّم فيهم ما بعثه علي عليه السّلام من اليمن.

ثمّ أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر، لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمل حمالة، و أتاه فسأله، فقال له عليه السّلام: «أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها». «2»

أضف إلى ذلك انّه لو وجب البسط على جميع الأصناف، يلزم البسط على جميع الأفراد من كلّ صنف، الموجودين في بلد الزكاة كما هو مقتضى الجمع المحلّى بالعموم: الفقراء و المساكين و ... و هو ممّا لم يقل به أحد، حتّى أنّ الشافعي اقتصر بإعطاء الثلاثة من كلّ صنف.

أضف إلى ذلك، لو كان زكاة المالك مالا متوفرا يصلح للبسط، و أمّا إذا كان قليلا كشاة من أربعين شاة أو خمسة دراهم من مائتي درهم أو عشرين دينارا،

فكيف يمكن بسطها على جميع الأصناف، إذ لازم عدم الانتفاع بها، إلّا شيئا لا يعتدّ به.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

(2). التذكرة: 5/ 336، المسألة 248.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 350

لكن يستحبّ البسط على الأصناف مع سعتها و وجودهم، بل يستحبّ مراعاة الجماعة الّتي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف منهم حتّى ابن السبيل و سبيل اللّه، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص.* (1)

______________________________

(1)*

أفتى المصنف باستحباب أمرين:
اشارة

1. بسط الزكاة على الأصناف مع سعتها و وجودهم.

2. مراعاة الجماعة من كلّ صنف التي أقلّها ثلاثة.

و إليك الكلام فيها تباعا:

1. استحباب البسط على الأصناف
اشارة

أفتى المصنّف باستحباب البسط تبعا للمحقّق في شرائعه حيث قال: و الأفضل قسمتها على الأصناف، و اختصاص جماعة من كلّ صنف. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: و يستحبّ بسطها على جميع الأصناف، و هو قول كلّ من جوز التخصيص، أو إلى من يمكن منهم. ثمّ استدلّ عليه بوجوه ثلاثة: 1. للخلاص من الخلاف، 2. و تحصيل الإجزاء يقينا، 3. تعميم الإعطاء فيحصل شمول النفع. «2»

و الكلّ لا يصلح لإثبات الاستحباب، أمّا الأوّل إذ ليس بين أصحابنا خلاف في عدم وجوب البسط حتّى تتخلّص من خلاف بعضهم، و خلاف غيرنا لا عبرة به لو لم نقل بأنّ الحقّ في خلافهم.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 426، قسم المتن.

(2). التذكرة: 5/ 338، المسألة 249.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 351

..........

______________________________

و أمّا الثاني فهو يورث الإفتاء بالاحتياط لا الإفتاء بالاستحباب.

و أمّا الثالث- أعني: شمول النفع و عموم الفائدة- فهو مدفوع بما عن بعض الأعلام بأنّ الأمر دائر بين قلّة الانتفاع و كثرة المنتفع و بين عكسه و لا ترجيح لأحدهما على الآخر.

الاستدلال بوجهين قاصرين

و ربّما يستدلّ على استحباب التقسيط على ثمانية أصناف بوجوه قاصرة نذكر منهما وجهين:

1. مرسلة حماد حيث جاء فيها: فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجهها اللّه على ثمانية أسهم. «1»

يلاحظ عليه: أنّها بصدد بيان انّها تصرف في الأصناف التي بيّنها اللّه سبحانه في الآية، لا في غيرها، و أمّا انّ البسط عليها واجب أو لا، فليست المرسلة بصدد بيانه.

2. الإفتاء بالاستحباب بأخبار «من بلغ» اعتمادا على فتوى الفقيه لوجوب البسط.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يتمّ إذا كان المفتي من أهل الحق دون غيره على أنّ «اخبار من بلغ» لا تثبت استحباب الموضوع، بل أقصى ما يستفاد منه

هو ترتّب الثواب على العمل، لا استحباب نفس العمل.

و لأجل الوهن في الأدلّة قال صاحب الحدائق: و أمّا ما ذكروه من استحباب البسط فلم أقف فيه على نص، و غاية ما علّلوه به- كما ذكره في المدارك- بما فيه من

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 352

..........

______________________________

شمول النفع و عموم الفائدة، و لأنّه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية. و لا يخفى ما فيه من الوهن و الضعف. «1»

و الأولى أن يستدلّ على لزوم البسط على عامّة الأصناف الموجودة بما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟ فقال: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» ثمّ مكث مليا ثمّ قال: «إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه» «2» حيث إنّ ظاهرها انّ التخصيص بصنف ظلم على الأصناف الأخرى و ظاهرها و إن كان هو وجوب البسط، لكن يحمل على الاستحباب للإجماع على عدمه.

و يستدلّ على استحباب البسط على أفراد خصوص صنف الفقراء بصحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: و إن كان بالمصر غير واحد؟

قال: «فاعطهم إن قدرت جميعا». «3»

2. استحباب مراعاة الجماعة في كلّ صنف

أفتى المصنّف باستحباب مراعاة الجماعة- التي أقلّها ثلاثة- في كلّ صنف أخذا بظاهر الجمع، و قد وردت الأصناف الستة بصيغة الجمع دون الصنفين الآخرين- أعني: في سبيل اللّه و ابن السبيل- لكن يحملان على الستة الأخرى.

يلاحظ عليه: أنّه إذا حملت الآية على بيان المصرف، فلا يبقى ظهور لها في

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 226.

(2). الوسائل: 6، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(3).

الوسائل: 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 353

[الثالثة: يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله]

اشارة

الثالثة: يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله، كما أنّه يستحبّ ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب، و أهل الفقه و العقل على غيرهم، و من لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال، و يستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء، لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حدّ نفسها، و قد يعارضها أو يزاحمها مرجّحات أخر فينبغي حينئذ ملاحظة الأهمّ و الأرجح.* (1)

______________________________

لزوم مراعاة الجماعة في كلّ صنف عند العرف حتّى يؤخذ به، على أنّه ربما يستعمل الجمع في الجنس كما يقال: «ركبت الخيل، أو نكحت النساء، كما في «الجواهر». «1»

(1)*

أ. استحباب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب

أفتى المصنّف باستحباب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب، غير أنّ الظاهر من المفيد في «المقنعة» هو الوجوب. قال المفيد: و يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه و البصيرة و الطهارة و الديانة. «2»

و استدلّ له بما رواه عبد اللّه بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام إنّي ربّما قسّمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم فقال: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل». «3»

قال العلّامة بعد نقل الحديث: و هذا بيان الواجب، و بيان الواجب واجب. «4» و لا يخفى ما في تعبيره من الإجمال.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 426.

(2). المقنعة: 259.

(3). الوسائل: 6، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(4). المختلف: 3/ 260.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

أمّا السند فلا بأس به، فقد رواها المشايخ الثلاثة عن عبد اللّه بن عجلان بأسانيد مختلفة أوضحها سند الشيخ فرواها كالتالي:

عن سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عتيبة بن (ميمون) بياع القصب

الثقة، عن عبد اللّه بن عجلان.

و قد وصفه بعضهم بالحسن لأجل إبراهيم بن هاشم، و هو عندنا فوق الثقة.

و أمّا عبد اللّه بن عجلان فقد ذكره الطوسي في رجال الباقر و الصادق عليهما السّلام، و عدّه ابن شهرآشوب من خواص أصحاب الصادق عليه السّلام، و ذكر الكشي روايات في مدحه، له إحدى عشرة رواية في الكتب الأربعة. «1»

أمّا الدلالة فيلاحظ على الاستدلال- مضافا إلى عدم ظهور الرواية في الزكاة- أنّ الأمر محمول على الاستحباب، لعدم القول بالوجوب على أنّ الملاكات الواردة في الرواية دليل عليه.

ب. ترجيح الأقارب على الأجانب

أفتى المصنّف باستحباب ترجيح الأقارب على الأجانب تبعا للشيخ في «النهاية» قال: و الأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجاتهم إلى ذلك إلى البعيد. «2»

و يدلّ على ذلك مضافا إلى خبر إسحاق بن عمّار «3» الماضي، خبر السكوني عن أبي عبد اللّه قال: «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذي

______________________________

(1). معجم رجال الوسائل برقم 3288.

(2). النهاية: 186.

(3). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 355

..........

______________________________

الرحم الكاشح». «1»

و المراد من الكاشح: الرحم الذي يضمر عداوته، فإذا كان ترجيح العدو مستحبا على الأجانب، فالقريب الموالي أولى بأن يكون كذلك.

و لا ينافي ما ذكرنا ما ورد من الروايات الناهية عن صرف الزكاة في الأقرباء كلّها. «2» لأنّها محمولة على ما إذا حصلت الكفاية لهم، و قد ذكر في «الوسائل» عدّة محامل لهذا القسم من الروايات.

ج: ترجيح أهل الفقه و العقل على غيرهم

إنّ العقل و نظيره تارة يكون ملاكا لتخصيص الزيادة كما مر، و أخرى لتقدّم صاحبه على غيره كما في المقام، و الدليل عليه هو معتبرة عبد اللّه بن عجلان الماضية. «3»

د: تقديم من لا يسأل على من يسأل

قال سبحانه في مدح هؤلاء: لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّٰهَ بِهِ عَلِيمٌ. «4»

و يدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الزكاة، يفضّل بعض من يعطى من الزكاة ممّن لا يسأل على غيره؟

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2؛ و الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة أيضا، الحديث 4.

(3). الوسائل: 6، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(4). البقرة: 273.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 356

..........

______________________________

فقال: «نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل». «1» و وجهه معلوم.

ه. صرف صدقة المواشي الإبل إلى أهل التجمّل

و قد عقد له صاحب الوسائل بابا أورد فيه حديثين. «2»

و ما ورد في الروايات من الملاكات للتخصيص و التقديم، نماذج يحكم به العقل السليم، فيلحق به تقديم الأحوج فالأحوج.

هذا و قد وردت روايات تأمر بالتسوية روى الشيخ في «التهذيب» بسنده عن حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: و سئل عن قسمة بيت المال؟ فقال: «أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء، و فضائلهم بينهم و بين اللّه، أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص- قال:- و هذا هو فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في بدو أمره، و قد قال غيرنا: أقدّمهم في العطاء بما قد فضّلهم اللّه بسوابقهم في الإسلام، إذا كان بالإسلام قد أصابوا ذلك فأنزلهم

على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض، و أوفر نصيبا لقربه من الميت، و إنّما ورثوا برحمهم، و كذلك كان عمر يفعله». «3»

و الظاهر انّ مورد الخبر هو مال الخراج، و هو الذي علم من النبي و الوصي، التسوية في العطاء دون الزكاة.

و حملها في «الحدائق» على الخراج و الزكاة فاستشكل فيها. «4»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 26 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 2.

(3). الوسائل 11: الباب 39 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

(4). الحدائق: 12/ 228.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 357

[الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به، بخلاف الصدقات المندوبة]

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به، بخلاف الصدقات المندوبة فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرّا.* (1)

[الخامسة: إذا قال المالك: أخرجت زكاة مالي أو لم يتعلّق بمالي شي ء]

الخامسة: إذا قال المالك: أخرجت زكاة مالي أو لم يتعلّق بمالي شي ء قبل قوله بلا بيّنة و لا يمين ما لم يعلم كذبه، و مع التهمة لا بأس بالتفحّص و التفتيش عنه.* (2)

______________________________

(1)* و تدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ «1» فقال: «هي سوى الزكاة، انّ الزكاة علانية غير سرّ» «2»، و يؤيده سائر روايات الباب، فلاحظ.

(2)* أمّا إذا قال: لم يتعلّق بمالي شي ء فيقبل قوله لمطابقة كلامه الأصل، إنّما الكلام في الصورة الأولى حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء الفريضة في ماله، و مع ذلك فقد اتّفقت كلمتهم على قبول قوله، و ذلك لأنّ للمالك الولاية على إخراج زكاته و تقسيمها بين أصحابها، و من المعلوم حجّية قول الولي فيما له الولاية عليه.

أضف إلى ذلك انّ الأداء من الأعمال التي لا تعلم إلّا من قبل المالك.

و يؤيّد كلّ ذلك تضافر الروايات على قبول قوله أي قول المالك.

روى بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له، و لا تؤثر دنياك على آخرتك، و كن حافظا لما

______________________________

(1). البقرة: 271.

(2). الوسائل: 6، الباب 54 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 358

[السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص]

اشارة

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص، و إن كان من غير الجنس الّذي تعلّقت به، من غير فرق بين وجود المستحقّ و عدمه على الأصحّ، و إن كان

الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية، و حينئذ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلّا بالتعدّي أو التفريط، و لا يجوز تبديلها بعد العزل.* (1)

______________________________

ائتمنتك عليه، راعيا لحقّ اللّه فيه حتّى تأتي نادي بني فلان، فإذا قدمت فأنزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثمّ امض إليهم بسكينة و وقار حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم، ثمّ قل لهم: يا عباد اللّه أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتأدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل: لا فلا تراجعه، و إن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيرا». «1»

و نظيره موثّقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام قال: كان علي صلوات اللّه عليه إذا بعث مصدّقه، قال له: إذا أتيت على ربّ المال، فقل: تصدق رحمك اللّه ممّا أعطاك اللّه، فإن ولى عنك فلا تراجعه. 2

(1)* استعرض المصنّف في هذه المسألة الفروع التالية:

1. يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص.

2. يجوز عزلها من غير الجنس الذي تعلّقت به الزكاة.

3. يجوز العزل مطلقا مع وجود المستحق و عدمه.

4. لا يجوز إبدالها بعد العزل.

5. إذا عزلها تكون في يده أمانة لا يضمن إلّا في صورتي: التعدّي و التفريط.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 359

..........

______________________________

و لكن اللازم بالبحث هو الشقّ الأخير في المقام، و أمّا الفروع المتقدّمة فقد فرغنا منها في المسائل السابقة.

و أمّا الفرع الخامس فقد استعرضه المصنّف في هذا الكتاب في مقامات ثلاثة:

أحدها: في المسألة الرابعة و الثلاثين من فصل زكاة

الغلّات حيث قال:

و يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها من العين أو من مال آخر مع عدم مستحق، بل مع وجوده أيضا على الأقوى، و فائدته صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين- إلى أن قال:- و لا يضمنه إلّا مع التفريط أو التأخير مع وجود المستحق.

ثانيها: في أوائل الفصل الآتي (الفصل التاسع) حيث يقول فيها: ثالثها: انّ وجوب الإخراج و لو بالعزل فوري، و أمّا الدفع و التسليم بعد تحقّقه فوري أم لا؟

أقوال- إلى أن يقول:- و لكن لو تلفت بالتأخير مع إمكان الدفع يضمن.

ثالثها: في هذا المقام أي المسألة السادسة من فصل أحكام الزكاة.

و ممّا يجدر بالذكر انّ كلامه في المقام يختلف مع المقامين الآخرين، فقد جعل سبب الضمان فيهما أمرين.

التفريط أوّلا، و التأخير مع وجود المستحقّ ثانيا.

و لكنّه في المقام اقتصر بالتفريط و التعدّي و لم يذكر التأخير مع وجود المستحق، و لعلّه من سهو القلم.

ثمّ إنّ الكلام في ضمان المعزول مع وجود المستحقّ يقع في مقامين:

الأوّل: إذا عرضه التلف في محل وجود الزكاة مع وجود المستحقّ من دون النقل، و هذا هو الذي نستعرضه في المقام.

الثاني: إذا بعث- مع وجود المستحق- إلى بلد آخر فتلف في الطريق أو في

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

البلد المنقول إليه، و هذا هو الذي طرحه المصنف في المسألة العاشرة من هذا الفصل.

إذا عرفت ذلك فلندخل في صلب الموضوع.

هل التأخير مع وجود المستحق موجب للضمان؟

إذا أخّر دفع الزكاة مع وجود المستحق فتلف من دون أن ينقل إلى مكان آخر، فهل هو يوجب الضمان أو لا؟

لا شكّ انّ التأخير إذا كان تسامحا و تفريطا في نظر العقلاء فلا شبهة في الضمان كما هو واضح، إنّما الكلام إذا لم يكن كذلك بأن

كان له غرض عقلائي في التأخير، كانتظار قدوم أحد أقاربه المستحقّين من السفر و نحو ذلك من الدواعي العقلائية، فهل يضمن أو لا؟

لا شكّ انّ مقتضى القواعد هو عدم الضمان بعد ان كان العزل جائزا و التأخير سائغا، لوجود مرجّح شرعي فلا جرم يكون المعزول أمانة شرعية عنده فلا يضمن التلف إلّا مع التفريط.

و يؤيّد ذلك إطلاقات عدم الضمان، و أخصّ منها بالذكر صحيحتين:

أ. صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه». «1»

ب. صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها». 2

و الصحيحتان تدلّان على أنّ مجرّد العزل رافع للضمان، سواء سمّى الزكاة

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3 و 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 361

..........

______________________________

لقوم أو لأحد أو لم يسمّ، و ذكر التسمية في الرواية الأولى محمول على الغالب، لأنّ العزل و التأخير يكون لغاية التسمية لقوم أو لفرد و إلّا فيخرجها فورا.

هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ على القول بعدم الضمان، فيكون الضمان منحصرا بالتعدّي و التفريط الذي هو يرجع إليه.

ما يدلّ على الضمان عند التأخير

و يمكن أن يستدلّ على الضمان مع التأخير بصحيحتين:

الأولى: صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاة ليقسّمها فضاعت؟ فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان».

قلت: فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو

فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها». «1»

و في التهذيب مكان العبارة الأخيرة: «فهو لها ضامن من حين أخرها». «2»

وجه الاستدلال انّ الرواية تشتمل على سؤالين:

1. إذا بعث المالك زكاته إلى البلد الآخر لتقسّم فضاعت إمّا في الطريق أو في البلد، فقد أجاب الإمام بأنّه ليس على المؤدّي ضمان و لا على الرسول.

و ليس في هذا السؤال و الجواب أيّ تفصيل بين وجود المستحقّ في البلد و عدمه، بل الكلام مركّز على البعث و التلف.

2. إذا لم يجد المالك في بلد الزكاة أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟

فأجاب الإمام بأنّ الميزان للضمان و عدمه وجود المستحق و الإمساك عن

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). لاحظ التعليقة في موضع الحديث من الوسائل.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 362

..........

______________________________

الدفع و عدمه، فيضمن في الأوّل دون الثاني، و ليس في السؤال و الجواب أيّ ذكر من التلف في البلد المنقول إليه الزكاة.

و أساس الاستدلال هو كون الضمير في قوله: «إذا لم يجد» هو المالك، لا الأخ المبعوث إليه كما هو واضح.

و من هنا يعلم أنّ ما استشكله السيد الخوئي على الاستدلال بالرواية في غير محلّه حيث قال: إذ المفروض فيها أنّ التلف كان عند الأخ المبعوث إليه الزكاة لا عند المالك نفسه الذي هو محلّ الكلام. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره صحيح في الشق الأوّل و قد حكم الإمام بعدم الضمان، و أمّا الشقّ الثاني فالتلف عند المؤدّي و قد حكم فيه الإمام بالتفضيل.

و الحاصل: انّ في الرواية سؤالين، السؤال الأوّل يركّز على التلف عند الأخ المبعوث إليه، و السؤال الثاني يركّز على التلف عند المالك.

و منه يظهر صحّة الاستدلال بصحيحة

محمد بن مسلم أيضا و إن كانت في الظهور دون الأولى.

قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده، و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان». «2»

______________________________

(1). مستند العروة: 24/ 220.

(2). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 363

[السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة و الخسارة عليه]

السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة و الخسارة عليه، و كذا لو اتّجر بما عزله و عيّنه للزكاة.* (1)

______________________________

وجه الاستدلال: انّ الصحيح يشتمل على سؤال واحد، و هو حكم التلف في البلد المنقول إليه، و قد فصّل فيه الإمام بين البعث مع وجود المستحق، فيضمن المالك؛ و البعث مع عدم وجوده، فلا يضمن. فالمنطوق بأسره خارج عمّا نحن فيه.

لكنّ العرف يساعد على إلغاء الخصوصية بأنّه إذا كان الضمان في التلف في البلد الآخر معلّقا على وجود المستحقّ و عدمه في محلّ الزكاة، فيكون الضمان- عند التلف في المحلّ أيضا- كذلك، يضمن لو تلف فيه مع وجود المستحق، و لا يضمن لو تلف فيه مع عدمه.

و على ضوء هاتين الصحيحتين يقيد ما دلّ على عدم الضمان بمجرّد العزل، سواء أخّر مع وجود المستحق أم لا. و إن كانت دلالة الصحيحة الأولى أوضح من الثانية.

(1)* تقدّم الكلام في هذه المسألة من المصنّف في

فصل زكاة الغلّات برقم 33 حيث قال: «فيه إذا اتّجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة و إن خسر يكون خسرانها عليه».

و قد ذكرنا هناك صور المسألة الثلاث:

1. إذا اتّجر و جعل الثمن كلّيا في ذمّته، ثمّ أدّى المال الذي فيه الزكاة بعنوان الثمن.

2. إذا اتّجر بشخص المال الذي فيه الزكاة ثمّ أدّى زكاته بعده.

3. إذا اتّجر بشخص المال الذي فيه الزكاة و لم يؤدّ زكاته، لا قبل البيع و لا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

بعده، فيقع الكلام في صحّة التجارة و ربحها.

و قد استعرض المصنّف في المقام الصورتين الأخيرتين.

و قد استند المصنّف إلى رواية علي بن أبي حمزة (الثمالي)، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا تمكنني أن أؤدّيها، قال:

«اعزلها، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها». «1»

و الرواية ضعيفة لما في سندها من مجاهيل مثل «عمّن حدثه»، «يعلى بن عبيد» أو «معلّى بن عبيد» فلا يمكن الإفتاء بمضمونها، بل يرجع إلى القواعد.

أمّا مقتضاها فيما إذا اتّجر بالمعزول، فبما انّ المعاملة فضوليّة لتعين المعزول في الزكاة، فهو انّه إذا أذن الحاكم يكون الربح و الخسارة على الفقير، و إن لم يأذن تبطل المعاملة من رأس.

و أمّا مقتضاها فيما إذا اتّجر بمجموع النصاب فالمعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولية، فإن أذن الحاكم يكون الربح و الخسارة عليهما بالنسبة بحكم كون المالك و الفقير شريكين

في النصاب، و إن لم يأذن فإن أخرج زكاة المال بعد البيع يدخل المورد فيما إذا باع شيئا (مقدار الزكاة) ثمّ ملك بإخراج الزكاة و دفع بدله إلى الفقير، و الظاهر فيه صحّة المعاملة و تمام الربح له، من دون حاجة إلى إجازة ولي الزكاة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 365

[الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله]

الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله، و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة، و لو كان الوارث مستحقّا جاز احتسابه عليه و لكن يستحبّ دفع شي ء منه إلى غيره.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فروع:

1. وجوب الوصية بأداء ما على المكلّف من الأداء و الخمس و سائر الحقوق الواجبة.

2. وجوب العزل.

3. جواز احتساب الحقّ على الوارث لو كان مستحقّا مع استحباب دفع شي ء منه إلى غيره.

أمّا الأوّل: قال المحقّق: و لو أدركته الوفاة أوصى بها وجوبا. و أضاف صاحب الجواهر قوله: على وجه تثبت به شرعا كغيرها من الأمانات و الديون بلا خلاف أجده، بل في المدارك لا ريب فيه لتوقّف الواجب عليه، و لعموم الأمر بالوصية و لكونه كالخائن و المفرط بدون ذلك. «1»

الظاهر انّ الوجوب طريقي لا نفسي فلو علم بأنّ الوارث يؤدّي الزكاة و الخمس بلا إيصاء، أو علم أنّ الإيصاء لا تأثير له في الأداء فلا وجه لوجوبه- بعد إتمام الحجّة على الوارث و انّ عليه الزكاة في ماله-. نعم لو كان لإيصائه الرسمي تأثير في المحاكم يجب عليه الإيصاء، و أمّا ما ورد من لزوم الإيصاء فمحمول على ما إذا كان للإيصاء دور في أداء الواجب؛ فقد روي عن رسول اللّه صلى اللّه

عليه و آله و سلم: «من مات بغير وصية، مات ميتة جاهلية». «2» و قد ورد في باب اللقطة من

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 443.

(2). الوسائل: 13، الباب 1 من كتاب الوصايا، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 366

..........

______________________________

الإيصاء بما وجده و عرّفه و لم يعثر على صاحبه. «1»

نعم لو علم أنّ التنفيذ يتوقّف على الإيصاء و الإشهاد و الكتابة و الإمضاء يجب عليه القيام بذلك لشهادة العقل بوجوب ما يتوقّف عليه الواجب عليه.

أمّا الثاني- أعني: العزل- فالوجوب فيه إرشادي، فلو علم أنّ الوارث سيقوم بالواجب فلا يجب العزل، و لو توقّف أداؤه على العزل وجب عقلا لحكمه بوجوب فعل ما يتوقّف عليه الواجب.

قال في «الجواهر»: بل أوجب الشهيد في «الدروس» العزل مع ذلك، و لعلّه لكونها كالدين الذي قد غاب صاحبه غيبة منقطعة. «2»

و قال المحقّق في كتاب القرض: من كان عليه دين و غاب صاحبه غيبة منقطعة، يجب أن ينوي قضاءه، و أن يعزل ذلك عند وفاته، و يوصي به ليوصل إلى ربّه، أو إلى وارثه. «3»

و الظاهر عدم الفرق بين الدين و الزكاة و غيرهما، فالذي يجب هو إيصاله إلى أهله، فلو كان للعزل تأثير في الإيصال، وجب عقلا، و إلّا فلا.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 366

و أمّا الثالث: أي جواز احتساب الحقّ على الوارث لو كان مستحقا مع استحباب ذلك؛ فيدلّ عليه صحيحة علي بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة، و

ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا، فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم، و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم». «4»

______________________________

(1). الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 13.

(2). الجواهر: 15/ 443.

(3). الشرائع: 2/ 68.

(4). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 367

..........

______________________________

و الظاهر من عبارة المصنّف انّ الاحتساب جائز، و دفع شي ء منه إلى غيره مستحب و لكن الظاهر من الرواية هو الوجوب في كلا المقامين بحكم انّ الجملة الخبرية في مقام الإنشاء.

أمّا وجوب الاحتساب فلقوله: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم»، و أمّا وجوب دفع شي ء منه إلى غيره فلقوله: «و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم».

اللّهمّ إلّا أن يقال: انّ الحديث في مقام الإرشاد و التعليم على وجه يجمع بين أداء دين الميت، مع سدّ خلّة الورثة، ففي هذا الموضع لا يستفاد منه إلّا الاستحباب.

و الذي يدلّ على استحباب خصوص الثاني (دفع شي ء إلى غير الورثة) ما ورد من جواز دفع الزكاة كلّها في حال الحياة إلى القرابة.

روى أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقولون بك و له زكاة أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته، قال: «نعم». «1»

و قريب منه رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام. 2

و احتمال اختصاص ذلك بحياة المزكّي ضعيف، و الغاية في الجميع انّه إذا كان القريب مستحقّا فالدفع إليه أفضل من الدفع إلى غيره، سواء أ كان المزكّي حيّا أم ميّتا.

ثمّ إنّ الاحتساب يتصوّر على وجهين:

الأوّل: إخراج الورثة الزكاة أوّلا، ثمّ تملّكها زكاة عن المورث.

الثاني: تولّي وصي الميت ذلك و دفعها

إلى الورثة. و إلى ذلك يشير السيد

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب المستحقّين، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 368

[التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء]

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء، خصوصا مع المرجّحات و إن كانوا مطالبين، نعم الأفضل حينئذ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن، إلّا إذا زاحمه ما هو أرجح.* (1)

______________________________

البروجردي في تعليقته و يقول: «أي تأدية ولي أمر الميت زكاته إلى وارثه من تركته».

و لعلّ ما ذكره الماتن بقوله: «لو كان الوارث مستحقا جاز احتسابه عليه» ناظر إلى الوجه الثاني، و بذلك يعلم أنّ المراد من الإخراج في صحيحة علي بن يقطين هو العزل، ثمّ ردّه إلى الورثة.

(1)* لا شكّ انّ للمالك ولاية الإخراج و العزل و التقسيم، و حضور الفقير لا يوجب التعيين، و يدلّ على ذلك ما دلّ على جواز الحبس و انتظار من يجيئه و يسأله الزكاة.

روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس». «1»

نعم، الأفضل الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن إذا طلبه، إلّا إذا لم يزاحمه ما هو أرجح.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 53 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 369

[العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه]

اشارة

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه، بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك، و لم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف، و مئونة النقل حينئذ من الزكاة و أمّا مع كونه مرجوّ الوجود فيتخيّر بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد، و إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء و عدم التمكّن من الصرف

في سائر المصارف، و أمّا معهما فالأحوط الضمان. و لا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة و إن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجّح للبعيد.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فروع ستة:

1. إذا لم يوجد في بلد الزكاة مستحق و لم يكن أيضا مرجوا في المستقبل فيجب النقل.

2. إذا وجب النقل فمئونة النقل من الزكاة.

3. إذا كان المستحق غير موجود و لكن كان مرجوّ الوجود في المستقبل، فالمالك مخيّر بين النقل و الحفظ.

4. إذا وجب النقل فلا ضمان إذا تلفت.

5. إذا جاز النقل فالمالك ضامن إذا تلفت.

6. لا فرق في النقل بين البلد القريب و البعيد مع ظن السلامة.

و قبل الخوض في دراسة الفروع نقدّم أمرا و هو:

إنّ بين هذه المسألة (العاشرة) و بين المسألة الآتية (الحادية عشرة) صلة واضحة، و خصّت الأولى بالنقل مع عدم وجود المستحق أو إذا لم يكن مرجوّ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 370

..........

______________________________

الوجود و خصّت الثانية بالنقل مع وجود المستحق؛ و لو جاز النقل في الصورة الثانية، لجاز في الأولى بطريق أولى.

ثمّ إنّ الداعي لعنوان المسألة هو انّ السيرة في عصر الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و بعده كانت مستقرة على عدم النقل و صرف زكاة كلّ بلد في مستحقّيه دون نقله إلى مكان آخر، و يعلم ذلك من الأحاديث التالية:

1. ففي صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقسّم صدقة أهل البوادي، في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر». «1»

2. و في مرسلة

حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقسم صدقات أهل البوادي في البوادي، و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر». «2»

و لكن جرت السيرة في الخراج و المقاسمة و الغنائم على النقل إلى الحكومة المركزية، و لعل الفرق، هو انّ الزكاة شرّعت أوّلا و بالذات للفقراء و سائر الأصناف السبعة، بخلاف الخراج و المقاسمة فإنّهما من شئون الإمامة و رئاسة الأمّة، و يمكن استظهاره من لسان الأدلّة.

يقول سبحانه في مورد الصدقات: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ فجعلها لهم، و هذا بخلاف غيرها حيث خصّ الدليل الخمس و الأنفال باللّه سبحانه و الرسول و ذي القربى حيث يقول: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ. «3»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(3). الأنفال: 41.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

و مثله الأنفال يقول سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ «1» و يقول سبحانه: مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ. «2»

روى أبو علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث إنّا نؤتى بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر عليه السّلام عندنا، فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي عليه السّلام بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنّة نبيّه». «3»

فالأموال التي خوّلت للإمام على نوعين: تارة يكون الموضوع هو الأصناف الخاصة من الناس و إن كان التقسيم تحت رعاية الإمام- على ما مرّ-،

و أخرى يكون الموضوع هو الإمام بما انّه قائد الأمّة و سائسها، فطبع التشريع في الأوّل يقتضي، تقسيمها بينهم دون نقلها إلى نقطة مركزية، بخلاف الثاني.

إذا عرفت ذلك فلندرس أحكام الفروع المذكورة في المسألة:

[أحكام فروع المسألة]
الأوّل: وجوب النقل إذا لم يكن المستحق مرجوّا و لا متمكّنا من الصرف
اشارة

إذا لم يكن المستحق مرجوّ الوجود، و لم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف، فقد أفتى المصنّف بوجوب النقل، مع ظن السلامة من النقل، و عندئذ الحكم بوجوب النقل- على وفق القاعدة- لانسداد عامّة الطرق لإيصال الزكاة إلى مستحقّها، إذ لو كان المستحقّ مرجوّ الوجود، يجوز الانتظار، كما أنّه لو أمكن صرفها في سائر الموارد، لما وجب النقل، إنّما الكلام إذا سدّت عامّة طرق

______________________________

(1). الأنفال: 1.

(2). الحشر: 7.

(3). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

الإيصال فالعقل يحكم باختيار الطريق الممكن. مضافا إلى إطلاق وجوب الإخراج و إيصالها إلى أربابها بعد عدم كفاية العزل في الإيصال.

نظرية تربص أربع سنين

و ربما يقال بعدم جواز النقل في كلتا الصورتين مستدلا برواية إبراهيم الأوسي، عن الرضا عليه السّلام قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوما فأتاه رجل قال: إنّي رجل من أهل الرّي ولي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا، فقال: أ ليس الصّدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال:

إنّي لا أعرف لها أحدا، فقال، فانتظر بها سنة، قال: فإن لم أصب لها أحدا؟ قال:

انتظر بها سنتين، حتّى بلغ أربع سنين ثمّ قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا و اطرحها في البحر فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا». «1»

و الحديث لا يخلو من إشكالات:

1. ضعف سنده لورود محمد بن جمهور، و إبراهيم الأوسي في السند.

أمّا الأوّل، فعرّفه النجاشي بقوله: ضعيف في الحديث، فاسد المذهب، و قيل فيه أشياء اللّه أعلم بها من عظمها، روى عن الرضا عليه السّلام. «2»

و أمّا الثاني فلم يرد في

حقّه شي ء سوى انّه روى عن الرضا عليه السّلام، و روى عنه محمد بن جمهور، و ليس له رواية في الكتب الأربعة إلّا هذه الرواية. «3»

2. انّه من الممتنع عادة أن لا يعثر الإنسان على مستحق طيلة أربع سنين.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

(2). رجال النجاشي: 2/ 225 برقم 902.

(3). معجم رجال الحديث: 1/ 182.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 373

..........

______________________________

3. ما تضمّن ذيله من طرحها في البحر فإنّه إضاعة للمال. و لذلك حمل الشيخ الحرّ الرواية في الوسائل على أنّه من تعليق المحال على المحال، لما تقدّم من أنّها لا تكون فريضة فرضها اللّه لا يوجد لها موضع، أو على وجه المبالغة في منع غير المؤمن، و من المعلوم أنّ فرض عدم وجود المؤمن، و عدم إمكان الوصول إليه في أربع سنين محال عادة، و على تقديره فباب سبيل اللّه أوسع، و الرقاب و المستضعفون قريب من ذلك.

الثاني: حكم مئونة النقل

إنّ النقل يتوقّف على إفراز الزكاة بالكيل و الوزن أوّلا، ثمّ نقل ما أفرز له إلى البلد الآخر. أمّا الأوّل فذهب المشهور إلى أنّ أجرة الكيل و الوزن على المالك مستدلا بتوقّف الدفع الواجب عليه عليهما، فيجب من باب المقدّمة؛ خلافا للشيخ في «المبسوط» فجعلها في الزكاة قائلا بأنّه سبحانه أوجب على المالك قدرا معلوما من الزكاة، فلو وجبت الأجرة لزم أن يزاد الواجب على القدر الواجب. «1»

يلاحظ عليه: أنّ إيجاب الأجرة ليس من باب الزكاة، حتّى يرد ما ذكره، بل الزكاة محدّدة لا تزيد و لا تنقص و إنّما وجبت الأجرة على المالك لوجوب دفعها إلى المستحقّ و لا يتمّ الدفع إلّا بالوزن و الكيل.

و أمّا مئونة النقل

فذهب الشهيد في «الروضة» إلى أنّها على المالك «2»، و احتمل في «الجواهر» كونها من الزكاة في ما لا سبيل له إلى الإيصال إلّا بالنقل، خصوصا مع عدم إمكان الإبقاء أمانة، لخوف و نحوه. «3» و عليه المصنّف في المتن.

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 256.

(2). الروضة: 2/ 39، ط جامعة النجف.

(3). الجواهر: 15/ 433.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 374

..........

______________________________

استدلّ في «المستمسك» على أنّ مئونة النقل في ما لا سبيل إلى الإيصال إلّا بالنقل من الزكاة بوجهين:

الأوّل: صرف الزكاة في مئونة النقل لمصلحة المستحق.

الثاني: البراءة من وجوب تحمّل المئونة.

و كلا الوجهين غير وافيين بالمقصود.

أمّا الأوّل، فلأنّ الصرف لمصلحة المستحقّ لا يلازم كون المئونة محسوبة عليه.

و أمّا الثاني، فلأنّ الأصل المزبور لا يثبت كون المئونة من الزكاة.

هذا و الأولى أن يستدلّ على أنّ المئونة من الزكاة: انّ الإفراز و جعل الزكاة في متناول المستحقّين من واجبات المالك، و لذلك قلنا بأنّ أجرة الوزان و الكيّال عليه.

و أمّا نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، لئلّا يضيع حقوق المستحقّين، فهو من الأمور الحسبية التي يقوم بها الحاكم، إذ هو المسئول في هذه الحوادث أوّلا، ثمّ عدول المؤمنين ثانيا، أو الشخص المبتلى بالواقعة ثالثا، و الأمور الحسبية على قسمين:

1. ما يعود نفعه إلى عامّة المسلمين من دون تخصيصه بصنف دون صنف.

2. ما يعود نفعه إلى شخص أو صنف خاص، كما في المقام.

فأمّا الأوّل فمئونته على بيت المال المتعلّق بعامة المسلمين، سواء قام الحاكم به أو عدول المؤمنين أو الإنسان المتعلّق بالواقعة.

و أمّا الثاني فبما انّ المنتفع صنف أو شخص معيّن، فمئونة العمل على عاتقهم.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 375

..........

______________________________

مثلا: إذا كانت الفاكهة ممّا تفسد في

ليلتها و المالك غائب، أو كانت بهيمة المالك على وشك الموت لأجل جوعها المفرط، فعلى المسلم القيام بإصلاح مال الغائب ببيعه قبل أن يفسد أو تعليف بهيمته و سقيها.

هذا في الملك الشخصي و نظيره إذا كان المالك صنفا لا عامة المسلمين كما في المقام، فالمئونة على ذلك الصنف، لا على بيت المال، لأنّ المفروض انّ المنتفع به ليس عامّة المسلمين بل صنف خاص منهم.

الثالث: جواز نقل الزكاة

ذهب المشهور إلى جواز النقل بشروط ثلاثة:

1. عدم وجود المستحق في البلد.

2. كون المستحق مرجوّ الوجود.

3. إمكان صرفه في سائر المصارف.

و أضاف العلّامة في «المنتهى» شرطا رابعا و هو ظنّ السلامة، قال: «و لو لم يوجد المستحق في بلدها جاز نقلها مع ظنّ السلامة». «1»

و الموضوع في كلام الأصحاب هو الشرط الأوّل، و الظاهر انّ المسألة مورد وفاق.

قال المحقّق: و لو لم يجد المستحق جاز نقلها إلى بلد آخر. «2»

و قال العلّامة في «التذكرة»: لو لم يجد المستحق في بلده جاز النقل إجماعا و لا ضمان لعدم التفريط. «3»

______________________________

(1). المنتهى: 1/ 529.

(2). الجواهر: 15/ 435، قسم المتن.

(3). التذكرة: 5/ 343.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 376

..........

______________________________

و قال النراقي: و أمّا مع إعواز المستحق فيجوز إجماعا، كما عن التذكرة و المنتهى. «1»

و قال في «الجواهر» بعد عبارة المحقّق الماضية: بلا خلاف و لا إشكال، بل في محكي التذكرة و المنتهى الإجماع عليه و هو الحجة. «2»

و الظاهر من عبارة العلمين الأخيرين، انّهما نقلا الإجماع عن المنتهى و التذكرة مع الواسطة، كما يدل عليه قول النراقي: «عن التذكرة و المنتهى» و لفظة:

«محكي» في عبارة «الجواهر». و الظاهر انّ الإجماع في المقام مدركي نابع عن الدليل اللفظي أو العقلي، و لذلك استند

النراقي في إثبات الجواز إلى وجوه ثلاثة:

1. الأصل، 2. و توقّف الدفع الواجب عليه، 3. و صحيحة ضريس و رواية يعقوب. «3»

أقول: أمّا الأصل فهو في المقام غير أصيل، لأنّ التصرف في أموال الناس يحتاج إلى الدليل، و الأصل هو المنع حتّى يدلّ عليه دليل.

و أمّا الثاني فإنّما يتمّ فيما إذا لم يمكن صرفه في المصارف الأخرى، أو لم يكن المستحقّ مرجوّ الوجود، فيكون دفع الزكاة متوقّفا على النقل، و إلّا فلا يكون الدفع إلى مستحقّ آخر في بلد آخر واجبا حتّى يتوقف على النقل و يجب بوجوبه، فانحصر الدليل على صحيحة ضريس، و رواية يعقوب بن شعيب الحداد.

أمّا الأولى: فروى الكليني بسند صحيح عن ضريس- الثقة- قال: سأل المدائني أبا جعفر عليه السّلام قال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟

فقال: «في أهل ولايتك» فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال:

______________________________

(1). مستند الشيعة: 9/ 355.

(2). الجواهر: 15/ 334.

(3). مستند الشيعة: 9/ 355.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 377

..........

______________________________

«ابعث بها إلى بلدهم، تدفع إليهم و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك، و كان- و اللّه- الذّبح». «1»

و هل الصحيحة ناظرة إلى هذه الصورة باعتبار انّ حملها على الصورة الأولى أعني: إذا لم يكن المستحق مرجوا، و لم يمكن صرفها في سائر المصارف، يستلزم حملها على الفرد النادر، إذ قلّما يوجد بلد لا يكون المستحقّ فيه مرجوّا و لا يمكن الصرف في سائر المصارف، كالصرف في سبيل اللّه؟

أو هي ناظرة إلى الصورة الأولى باعتبار ورود الأمر فيها- أعني: «ابعث بها إلى بلدهم»- الظاهر في الوجوب، المانع من حملها على الصورة هذه، حيث إنّ النقل

فيها جائز لا واجب؟

و الظاهر كونها ناظرة إلى هذه الصورة، لما عرفت، و أمّا الأمر، فغير ظاهر في الوجوب، لوجهين:

أ: وروده في مقام توهّم الحظر و في مثله يكون ظاهرا في الجواز.

ب: كونه ظاهرا في الإرشاد إلى كيفية إيصال المال إلى المستحق. و مع هذين الأمرين لا يكون ظاهرا في الوجوب، فتكون الصحيحة دليلا على قول المشهور.

و أمّا الثانية أعني: خبر يعقوب بن شعيب فقد روى عن العبد الصالح عليه السّلام، قال قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال:

«يضعها في إخوانه و أهل ولايته»، قلت: فإن لم يحضره منهم فيه أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم». قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: «يدفعها إلى من لا ينصب»، قلت: فغيرهم؟ قال: «ما لغيرهم إلّا الحجر». «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 378

..........

______________________________

و الدلالة تامّة غير أنّ السند غير تام، لاشتماله على إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي راوي كتاب عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، و قد عرّفه النجاشي بقوله: كان ضعيفا في حديثه، متهما في دينه، له كتب. «1»

و ذكره الشيخ في من لم يرو عنهم عليهم السّلام و قال: له كتب، و هو ضعيف. «2»

و أمّا عبد اللّه بن حماد الأنصاري قال النجاشي عنه: من شيوخ أصحابنا، له كتابان، روى عنه الأحمري. «3» نعم يصلح للتأييد، مضافا إلى ما سيوافيك في المسألة التالية من جواز النقل مع وجود المستحق.

ثمّ إنّ معنى جواز النقل هو تخيير المالك بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد و عليه العلّامة في

«الإرشاد» و قال: و يجوز النقل مع عدم المستحق و لا ضمان، و لو حفظها حينئذ في البلد حتّى يحضر المستحق فلا ضمان. «4»

أضف إلى ذلك رواية ضريس فقد عرفت أنّها محمولة على تلك الصورة، و الأمر الوارد فيها محمول على الجواز لوروده مورد توهّم الحظر فلا يفيد الوجوب.

الرابع: حكم التلف فيما إذا وجب النقل

إذا نقل الزكاة مع عدم الرجاء بوجود المستحق في بلد الزكاة في المستقبل و عدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف، فلو نقل و عطب أو سرق في الطريق فليس الناقل ضامنا. و يكفي في عدم الضمان انّ القول بالضمان، مع إيجاب النقل، يعدّ في نظر العرف أمرا متناقضا، بل يستدلّ بإيجاب النقل على عدم الضمان نظير الاستدلال بالأمر بالعمل بالأصل أو الأمارة على الإجزاء، مضافا إلى

______________________________

(1). رجال النجاشي: 1/ 94، برقم 20.

(2). رجال الطوسي، برقم 5994.

(3). رجال النجاشي: 2/ 15 برقم 566.

(4). الإرشاد: 1/ 289.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 379

..........

______________________________

قوله سبحانه: مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. «1»

و ربما يستدلّ بالروايتين التاليتين:

1. روى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده، و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان». «2»

2. روى زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت؟ فقال: «ليس

على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت:

فانّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها». «3»

و لعلّ الروايتين منصرفتان عن هذه الصورة لندرتها و عدم عرفيتها، بل ناظرتان إلى الصورة الآتية.

الخامس: حكم التلف إذا جاز النقل
اشارة

إذا كان النقل جائزا و تلفت الزكاة في الطريق أو عبره، فهل يضمن المالك أو لا؟

و قد تبيّن ممّا سبق انّ النقل يجب إذا اجتمع القيدان:

______________________________

(1). التوبة: 91.

(2). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(3). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 380

..........

______________________________

1. لم يكن المستحق موجودا و لا مرجوّا.

2. إذا لم يمكن الصرف في سائر المصارف.

فيجوز النقل عند انتفاء كلا القيدين أو أحدهما، و عليه تكون صور الجواز ثلاثا، و إليك دراسة الكل.

الف: إذا كان رجاء دون الصرف

إذا كان المستحقّ مرجوّا و كان الصرف في سائر المصارف غير ممكن، فنقل الزكاة و تلفت، فهل يكون المالك ضامنا كما عليه المصنف أو لا؟ وجهان، و الدليل الوحيد لاستظهار الضمان و عدمه صحيحتان:

1. صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان». «1»

فهل المرجوّ وجوده في المستقبل، داخل تحت الشق الأوّل (وجد لها موضعا ...) أو تحت الشق الثاني (و إن لم يجد لها من يدفعها إليه) فعلى الأوّل يضمن دون الثاني.

أقول: إنّ المتبادر من الجملة الأولى هو المستحق الموجود بالفعل دون المرجوّ فيدخل تحت الشقّ الثاني فلا ضمان.

2. صحيحة زرارة ... قلت: فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟

قال: «لا و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها». 2

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 381

..........

______________________________

و الكلام فيها نفس الكلام في السابقة فإنّ قوله: «إن لم يجد لها أهلا» أو «إذا عرف لها أهلا» ظاهر في الموجود بالفعل دون المرجوّ، فيدخل في الشق الأوّل الوارد في الحديث.

ب: إذا أمكن الصرف مع عدم المرجوّ

إذا كان المستحق غير مرجوّ و لكن يمكن صرف الزكاة في الرقاب و الغارمين و في سبيل اللّه فنقل الزكاة فضاعت في الطريق أو فسدت، فهل يضمن الناقل أو لا؟

وجهان مبنيان على أنّ الموضع و الأهل هل يعمّ المستحق و سائر الأصناف، أو لا؟ الظاهر عدم الشمول، أمّا صحيحة زرارة فلفظة «الأهل» ظاهرة في المستحق، دون المصارف كالرقاب و غيرهم.

و أمّا صحيحة ابن مسلم فلفظ «الموضع» و إن كان في حدّ نفسه يعمّ المصارف، فإنّه محلّ لصرف الزكاة لكن سائر الألفاظ الواردة فيها تخصّه بالمستحق، و هي عبارة:

1. التقسيم الوارد في قوله: «لتقسّم» و «حتّى تقسم».

2. الدفع الوارد في قوله: «لم يدفعها» و «حتى يدفعها».

3. الموصول الوارد في قوله: «من يدفعها».

ج: إذا كان رجاء و أمكن الصرف

إذا كان مرجوّ الحصول و كان الصرف في سائر المصارف ممكنا فلا ضمان، و ذلك لأنّ كلّ واحد منهما وحده إذا لم يكن مؤثرا كما عرفت فلا يكون مؤثرا عند الاجتماع.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 382

..........

______________________________

و يؤيد ما ذكرنا، إطلاق الأخبار النافية للضمان، دون أن يقيد بشي ء من القيدين.

ففي صحيحة حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أخرج الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه». «1»

و في صحيحته أيضا عن حريز، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها». «2»

فإنّ حمل الإطلاق على ما إذا لم يكن المستحقّ مرجوّا، أو لم يكن الصرف ممكنا يستلزم حمل الروايات على مورد نادر، و أقصى ما يمكن أن يقال: إنّ الإطلاق بحكم الصحيحتين،

محمول على ما إذا لم يكن المستحقّ موجودا بالفعل، و يكفي في رفع الضمان عدمه، سواء أ كان المستحقّ مرجوا أم لا، أو كان الصرف ممكنا أم لا.

السادس: عدم الفرق بين البلد القريب أو البعيد

لا فرق في جواز النقل بين البلد القريب أو البعيد مع ظنّ السلامة، لأنّ الميزان في جواز النقل و عدمه اجتماع الشروط الأربعة و عدمها، فلا فرق بين القريب و البعيد مع ظن السلامة.

نعم ربما احتمل وجوب تقديم القريب على البعيد، قال العلّامة في «التذكرة»: هل يجب عليه- مع عدم المستحقّ و اختيار النقل- القصد إلى أقرب الأماكن إلى بلده ممّا يوجد فيه المستحق؟ إشكال: ينشأ من جواز النقل مطلقا

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(2). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 383

[الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ في البلد]

اشارة

الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ في البلد، و إن كان الأحوط عدمه، كما أفتى به جماعة، و لكنّ الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضا، و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء و أبناء السبيل، و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن، كما أنّ مئونة النقل عليه لا من الزكاة، و لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن و إن كان مع وجود المستحق في البلد، و كذا بل و أولى منه لو وكّله في قبضها عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن له في نقلها.* (1)

______________________________

لفقد المستحق، و من كون طلب البعيد «نقلا» «1» عن القريب مع وجود المستحق. «2»

و قال الشهيد الثاني: فيجوز إخراجها إلى غيرها مقدّما للأقرب إليه فالأقرب، إلّا أن يخصّ الأبعد بالأمن. «3»

و الظاهر عدم الفرق إذا كان الطريق آمنا. و ما ذكره العلّامة- لو صحّ- إنّما هو إذا كان المرور إلى البعيد

عبر القريب و أمّا إذا كان طريق البعيد يغاير طريق القريب فلا يستلزم طلب البعيد، نقلها عن القريب.

(1)*

هنا فروع:
اشارة

1. جواز النقل إلى بلد آخر مع وجود المستحق.

______________________________

(1). كذا في النسخ المطبوعة قديما و حديثا، و الظاهر «نقل» أي طلب البعيد، يعدّ نقلا للزكاة من القريب مع وجود المستحقّ فيه.

(2). التذكرة: 5/ 343.

(3). الروضة: 2/ 39.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 384

..........

______________________________

2. الإجزاء إذا نقل على كلا القولين.

3. تقسّم الزكاة عند عدم النقل على الموجودين في البلد لا على خصوص أهله.

4. إذا تلفت الزكاة فالضمان على المالك على كلا القولين.

5. مئونة النقل على المالك لا على الزكاة.

6. عدم الضمان إذا كان بإذن الفقيه.

7. إذا وكّله الفقيه في القبض و النقل لا ضمان أيضا.

و إليك دراستها واحدا بعد الآخر.

1. جواز نقل الزكاة مع وجود المستحق
اشارة

اختلفت كلمتهم في جواز النقل مع وجود المستحق، على قولين: فأكثر القدماء على عدم الجواز، و الظاهر من المتأخّرين هو الجواز. فلنذكر كلمات كلا الفريقين:

1. قال الشيخ: لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحق لها في البلد، فإن نقلها و الحال على ما قلناه كان ضامنا إن هلك. و إن لم يهلك أجزأه. «1»

2. و قال المحقّق: لا يجوز أن يعدل بها إلى غير الموجود، و لا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحق في البلد، و لا أن يؤخّر دفعها مع التمكّن، فإن فعل شيئا من ذلك أثم و ضمن. «2»

3. و قال العلّامة في «التذكرة»: لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود

______________________________

(1). الخلاف: 4/ 228، كتاب الصدقات، المسألة 8.

(2). الجواهر: 15/ 430، قسم المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 385

..........

______________________________

المستحق فيه عند علمائنا أجمع، و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و طاوس و النخعي و مالك و الثوري و

أحمد، لقوله عليه السّلام لمعاذ: «فإن أجابوك فأعلمهم انّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم». «1»

و نظير ذلك في «الإرشاد» و «القواعد» حيث لم يجوّزا النقل مع وجود المستحق. «2»

4. و قال الشهيد في «الدروس»: و لا يجوز نقلها مع وجود المستحق فيضمن. «3»

و هناك من أفتى بالجواز نذكر منهم ما يلي- و إن كان بعض من أفتى بالجواز في كتاب أفتى بالتحريم في كتاب آخر-:

5. قال ابن حمزة في «الوسيلة»: و إذا وجد المستحقّ في البلد كره له نقلها إلى آخر، فإن نقل ضمن. «4»

6. و قال العلّامة في «التحرير»: في تحريم نقل الصدقة من بلدها مع وجود المستحقّ قولان، أقربهما الكراهية، و لو نقلها ضمن. «5»

7. و قال في «المنتهى»: لو نقلها مع وجود المستحق ضمن إجماعا، لأنّ المستحقّ موجود و الدفع ممكن، فالعدول إلى الغير يقتضي وجود الضمان- ثمّ قال:- الثالث: و لو قلنا بتحريم النقل فنقلها أجزأت إذا وصلت إلى الفقراء، ذهب إليه علماؤنا أجمع. «6»

ترى أنّه يذكر الضمان و لا يذكر حرمة النقل، كما أنّه يفترض حرمة النقل

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 341، المسألة 252.

(2). مجمع الفائدة: 4/ 215، حيث خصّ الجواز بعدم المستحق؛ و القواعد: 1/ 59.

(3). الدروس: 64.

(4). الوسيلة: 130.

(5). التحرير: 1/ 415، المسألة 1423.

(6). المنتهى: 1/ 522.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 386

..........

______________________________

في الفرع الثالث.

8. و قال في «المختلف»: الأقرب عندي جواز النقل على كراهية مع وجود المستحق، و يكون صاحب المال ضامنا كما اختاره صاحب الوسيلة. «1»

9. و قال الشهيد في «المسالك»: و الأصحّ جواز نقلها مع وجود المستحق بشرط الضمان. «2»

هذه هي أقوال الخاصة في الجواز و عدمه، و يظهر من «المغني»

انّ المشهور عند السنّة هو عدم الجواز.

10. قال ابن قدامة في «المغني»: المذهب على أنّه لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر. قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال: لا. قيل: و إن كان قرابته بها؟ قال: لا، و استحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها. «3»

و يمكن أن يقال: انّ مراد القائلين بعدم الجواز، هو إثبات الضمان لا الحرمة التكليفية، و بما انّ الجواز يستعقب غالبا عدم الضمان، فنفوا الجواز، لغاية إثبات الضمان.

و قد أشار إلى ذلك شيخنا الأنصاري في زكاته و قال:

و لعلّ مراد من نسب إليه المنع من النقل هو سلب الجواز الذي «4» لازمه عدم الضمان، كما في سائر التصرفات حيث إنّها لا تستعقب الضمان، و لذا ترى جملة من المانعين لا يفرعون على المنع إلّا الحكم بالضمان. «5»

و الذي يدلّ على ذلك انّ الشيخ بعد ما حكم بعدم الجواز، فرع عليه بقوله:

______________________________

(1). المختلف: 3/ 247.

(2). المسالك: 1/ 428.

(3). المغني: 2/ 531.

(4). وصف للجواز.

(5). كتاب الزكاة: 336، و النسخة مصحفة أصلحنا حسب ما في المتن.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 387

..........

______________________________

و إن نقلها و الحال على ما قلناه كان ضامنا.

و يؤيد ذلك ما ذكره في «المبسوط» حيث قال: فأمّا حمله إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ فلا يجوز إلّا بشرط الضمان. «1»

و قال الحلبي في «الكافي»: فإن كان في مصره من يستحقها فحملها إلى غيره فهي مضمونة. «2»

و هكذا سائر العبارات، فلا مانع من أن يقال من أنّ المراد بنفي الجواز هو الجواز غير المستعقب للضمان، و أمّا الجواز المستعقب له فقد اتّفقت كلمتهم عليه.

أدلّة القول بعدم جواز النقل

استدلّ على

تحريم النقل و عدم الجواز بوجوه ذكرها الشيخ في زكاته:

1. الإجماع الذي ادّعاه الشيخ في «الخلاف»، و قد عرفت أنّ العلّامة نسب عدم الجواز إلى علمائنا.

2. انّ النقل ينافي الفورية الثابتة.

3. انّه تغرير للمال و تعريض له للتلف.

4. انّه مخالف لما دلّ على سيرة النبي في تقسيم الزكاة حيث كان يقسّم صدقة أهل البوادي عليهم، و صدقة أهل الحضر عليهم، ففي صحيح الحلبي: انّه لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب للمهاجرين. «3»

و لكن الأدلّة غير وافية.

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 234.

(2). الكافي: 172.

(3). كتاب الزكاة للأنصاري: 360، المسألة 43.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 388

..........

______________________________

أمّا الأوّل، فإنّ الإجماع غير ثابت، لما عرفت من وجود المخالف حتّى أنّ فقيها واحدا كالعلّامة أفتى بالحرمة تارة و بالجواز أخرى.

و أمّا الثاني، أي منافاة النقل للفورية، فليست ضابطة كلية، إذ ربّما يكون الإيصال في النقل أسرع من الإيصال في غيره.

و قال الشيخ في الجواب: إنّ النقل بنفسه شروع في الإخراج و الأداء و لا تجب المسارعة في أسرع وقت، و إلّا لم تجز القسمة بين المستحقّين و إمكان دفعها إلى مستحقّ واحد.

مع أنّ الكلام في النقل مع قطع النظر عن الفورية.

و أمّا الثالث، أي كونه تغريرا للمال و تعريضا له للتلف، فلا يتم مع كون الطريق آمنا مع أنّ الكلام في النقل مع قطع النظر عن التغرير و الخطر، إذ بين النقل و الخطر عموم و خصوص من وجه، فربّما يكون نقل و لا خطر كما أنّه ربما يكون خطر و إن لم يكن نقل، كما إذا تعرضت الزكاة للتهديد في نفس البلد و قد يجتمعان.

و أمّا الرابع، أي مداومة النبي صلى اللّه عليه و آله

و سلم على تقسيم الزكاة فمحمول على الندب، كيف! و قد تواتر إرسال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم الجباة لنقل الصدقة إلى البلد، و قد عرفت كلام الإمام عليه السّلام للساعي الذي بعثه لجمع الزكاة.

فإن قلت: إنّ نقل النبي لا يدلّ على جواز نقل المالك.

قلت: إنّ لسان النص في صحيح الحلبيّ «1» هو: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين». انّه حكم إلهي كلّي، لا فرق فيه بين النبي و غيره؛ فلو جاز للنبي لجاز للجميع، و لو حرم على غيره لحرم عليه أيضا.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

و ربّما ترد دلالة الحديث على حرمة النقل، بأنّ موردها دفع صدقة أهل البادية إلى الحضري حتّى إذا كان موجودا في البادية، و كذلك صدقة الحضري إلى البدوي و إن كان موجودا في الحضر، فلا نظر فيهما إلى النقل نفسه بحيث يتناول الحكم نقل صدقة أهل البادية إلى بادية أخرى مثلها، أو نقل صدقة الحضري إلى حضري مثله في بلد آخر.

فالمستفاد منهما لزوم دفع صدقة كلّ صنف من البدوي و الحضري أو الأعراب و المهاجرين إلى ما يماثله في الصنف لا ما يقابله، سواء أ كان ذلك مقرونا بالنقل أم لا، فلا ارتباط لذلك بمحلّ الكلام لتتحقّق المعارضة بين الطائفتين.

و حيث لا قائل باعتبار المماثلة المزبورة فلا جرم يكون الحكم محمولا على التنزيه من الكراهة أو الاستحباب، كما يفصح عنه ما في ذيل الثانية من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس في ذلك شي ء مؤقّت موظّف» «1». «2»

يلاحظ عليه: أنّ تفسير الحديث بما ذكر خلاف الظاهر، و

لذلك خرج الحامل بنتيجة لم يقل بها أحد، فإنّ الظاهر هو التقسيم بين الموجودين في بلد المال فعلا في قبال النقل منه إلى غيره، و يشهد على ذلك انّه لو كان الغارم من الحضر و ابن السبيل متواجدين في البادية يقسّم عليهم الزكاة مع أنّهم ليسوا من هذا الصنف، و مثلهم إذا وجد الغارم و ابن السبيل من أهل البادية في الحضر، و هذا يكشف عن أنّ المراد ليس المماثلة في البداءة و الحضر، بل المراد تقسيم زكاة كلّ محل في نفسه على المتواجدين فيه.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). مستند العروة: 24/ 235، كتاب الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 390

دليل القول بجواز النقل

______________________________

إنّ هذه الوجوه شبه اجتهاد في مقابل النصّ حيث ورد النصّ على الجواز.

1. معتبرة هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: «لا بأس». «1»

2. صحيحة أحمد بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال:

«نعم». 2

فقد تحصّل ممّا ذكرنا انّه لم يقم دليل على المنع لو لم نقل بقيام الدليل على الجواز، غاية الأمر مقتضى إطلاقهما عدم الضمان، و قد مرّ ما يدلّ على الضمان فيقيّد به إطلاق الروايتين.

ثمّ إنّك عرفت أنّ صحيحة الحلبي التي تحكي عن عدم حلّية صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين محمول على الندب، لما عرفت من أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم يبعث إلى البوادي لجباية الزكاة و نقلها

إلى الحواضر.

2. الإجزاء على القول بالحرمة

لو قلنا بحرمة النقل و لكنّه نقل و قسّم، فهل يجزي أو لا؟

ظاهر بعض من قال بعدم الجواز هو الإجزاء، منهم الشيخ حيث قال: و إن لم يهلك أجزأه. «3»

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 37 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 4.

(3). الخلاف: 4/ 228، كتاب الصدقات، المسألة 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 391

..........

______________________________

و مثله عبارة «المبسوط» حيث قال: و أمّا حمله إلى بلد آخر مع وجود المستحق فلا يجوز إلّا بشرط الضمان. «1»

و قال في «المنتهى»: و لو قلنا بتحريم النقل فنقلها أجزأت. «2»

وجه الإجزاء انّ حرمة النقل لا تنافي الإجزاء فعامّة المستحقّين أمام الزكاة سواسية، غير أنّه لا يجوز تكليفا أن يرجح غير أهل البلد على أهله، فلو قدّم فقد صرف الزكاة في محلها.

نعم يظهر من صحيحة الحلبي عدم حلّيّة صدقة المهاجر للأعراب و بالعكس، و قد عرفت أنّه محمول على الكراهة، لما صدر من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من تحليل زكاة أهل البادية لأهل الحضر.

3. التقسيم على الموجودين في البلد عند عدم النقل

إنّ الممنوع- على فرض صحّة المنع- هو النقل، و أمّا التخصيص بأهاليها على نحو لا يشمل الغريب فلا بدّ له من دليل خاص، و المتبادر من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان رسول اللّه يقسّم صدقة أهل البوادي، في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر». «3» هو تقسيمها بين الموجودين في المحل و إن كان غريبا، أو ابن سبيل.

نعم ظاهر قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب للمهاجرين» 4 هو تخصيص زكاة كلّ فرقة بأهلها دون غيرها، فلو كان أعرابي في الحاضرة لا تحلّ له

زكاة المهاجرين، لكنّها محمولة على الغالب.

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 234.

(2). المنتهى: 1/ 522.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2، 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 392

..........

______________________________

بمعنى انّه تصرف زكاة كلّ محلّ فيه، و من المعلوم أنّ الغالب على منطقة المهاجرين، هو المهاجرون، و الغالب على منطقة الأعراب، هو الأعراب، فلو صرفت في الغالب صدق قوله: «لا تحل ...».

4. الضمان عند التلف

لو نقل الزكاة- مع وجود المستحق- إلى بلد آخر فتلفت بالنقل، يضمن المالك على كلا القولين، سواء أ كان النقل جائزا أم لا.

قال المحقّق: فإن فعل شيئا من ذلك (النقل مع وجود المستحق في البلد، أو التأخير في الدفع مع التمكّن) أثم و ضمن.

و قال في الجواهر- تعليلا لكلام المحقّق-: للتعدّي و للنصوص المتقدّمة في الضمان الذي لم نجد فيه خلافا على كلّ حال. «1»

و قال في الجواهر- تعليلا لكلام المحقّق-: للتعدّي و للنصوص المتقدّمة في الضمان الذي لم نجد فيه خلافا على كلّ حال. «1»

و قال العلّامة في «المنتهى»: فلو نقلها مع وجود المستحق ضمن إجماعا، لأنّ المستحق موجود، و الدفع ممكن، فالعدول إلى الغير يقتضي وجوب الضمان. «2»

و يدلّ عليه ما مرّ من صحيحتي محمد بن مسلم «3» و زرارة 4، كما مرّ أنّه يقيّد بهما ما دلّ من الروايات على عدم الضمان، لصحيحة أبي بصير 5، و صحيحة عبيد بن زرارة. 6

و أمّا حمل ما دلّ على الضمان على الاستحباب، فهو خلاف السنّة الرائجة بين الفقهاء حيث يحملون المطلق على المقيد- عند وحدة الحكم- دون أن يحملوا القيد على الاستحباب.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 434.

(2). المنتهى: 1/ 529. و لاحظ التذكرة: 5/ 343.

(3) (3، 4، 5 و 6).

الوسائل: 6، الباب 39 الحديث 1، 2، 3، 4، و لاحظ الحديث 5 و 6 من هذا الباب.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 393

5. مئونة النقل على المالك

______________________________

لو نقل المالك- مع وجود المستحق- إلى بلد آخر فالمئونة- حسب القواعد- على المالك، إذ لا إلزام من الشارع على النقل و إنّما هو عمل قام به المالك من عند نفسه، حتّى و لو كان في المنقول إليه رجحان غير موجود، في فقير البلد، لأنّ تجويز النقل لا يلازم تحمّل مئونته. نعم لو كان هنا أمر من الشارع كان له وجه.

6. عدم الضمان إذا كان النقل بإذن الفقيه

إذا كان النقل من البلد- مع وجود المستحق- بإذن الفقيه، فقد أفتى المصنّف بأنّه رافع لضمان المالك لو تلف لأجل النقل، و ربّما يعلّل بانصراف نصوص الضمان عن ذلك.

و ربّما يورد عليه بأنّ إذن الفقيه لا يزيد على إذن الشارع، فلو كان جواز النقل الثابت بأصل الشرع محكوما بالضمان بمقتضى صحيحتي محمد بن مسلم و صحيحة زرارة، فكيف يكون إذن الفقيه رافعا له؟

و الظاهر انّ المقصود ما إذا كان النقل لأجل فتوى الفقيه على أنّه يجب نقل الزكاة إليه ليقسّمها بين المستحقّين، أو لم تكن فتواه على ذلك لكن حكم بالنقل لمصالح عليا، فعندئذ لا يضمن المالك، لأنّ الإلزام من جانب الشارع المتمثّل في فتوى الفقيه أو حكمه اللّذين يجبا وفق العمل عليهما آية عدم الضمان إذا نقل.

7. عدم الضمان إذا وكّل الفقيه المالك بالقبض

إذا وكّل الفقيه المالك في قبض الزكاة عن جانبه، فعندئذ تخرج الزكاة عن ملك المالك و تصير أمانة لديه، و لا ضمان فيهما إلّا مع التفريط، و ليس النقل مع

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 394

[الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر جاز احتسابه زكاة]

الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده و لو مع وجود المستحقّ فيه، و كذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة و ليس شي ء من هذه من النقل الّذي هو محلّ الخلاف في جوازه و عدمه فلا إشكال في شي ء منها.* (1)

______________________________

أمر الفقيه تعدّيا و لا تفريطا. وجه الأولوية في كلام المصنف للتصريح بالتوكيل في هذه الصورة و الضمني في الصورة السابقة.

(1)* وجه الجواز انّ المانع من الاحتساب أحد الأمور الثلاثة و كلّها منتفية:

1. مشكلة النقل حيث ذهب بعضهم إلى حرمته تكليفا و إن قال الأكثر بالجواز مع الضمان، و المفروض عدم النقل.

2. ما روي من سيرة النبي من تقسيم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر. «1» و لكنّه إنّما ينافي إذا اختلف محلّ الزكاة مع غيره في البداوة و الحضارة، و أمّا إذا كانا من نوع واحد فلا.

أضف إلى ذلك انّه محمول على الاستحباب، لأنّ النبي و هكذا الوصي كانا ينقلان الزكاة من الأطراف إلى المدينة و الكوفة من غير فرق بين زكاة البادية أو الحضارة.

3. اختصاص زكاة كلّ بلد بمستحقّيها، و يردّه جواز النقل مع الضمان.

قال الشهيد الثاني في المسألة: فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على مستحقّيه

مع وجودهم في بلده على القول بالمنع نظر، من عدم صدق النقل

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 395

[الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف]

الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف، و لكن الأفضل صرفها في بلد المال.* (1)

[الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك]

الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك و إن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحقّ اشتباها.* (2)

______________________________

الموجب للتغرير بالمال، و جواز كون الحكمة نفع المستحقّين بالبلد. «1»

(1)* المسألة عكس المسألة الحادية عشرة فانّ الزكاة هناك تنقل من بلد المالك إلى بلد آخر، و أمّا المقام فهو على العكس، فالزكاة تنقل من بلد آخر إلى بلد المالك، و إلى ذلك يشير العلّامة في «التذكرة»: إذا كان الرجل في بلد و المال في بلد آخر، فالاعتبار بالمال، فإذا حال الحول أخرجها من بلد المال. «2»

و على أي حال فحكم المقام من حيث الجواز و الضمان و عدمه إذا كان بإذن الفقيه واحد، و إن كان الأفضل صرفها في بلدها، لما عرفت من فعل رسول اللّه في زكاة أهل البوادي و الحواضر.

(2)* إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة، لا بما انّه فقير أو غارم، برئت ذمّة المالك عن الزكاة و إن تلفت عند الحاكم بتفريط من عمّاله أو بدونه أو أعطى لغير المستحق اشتباها، ذلك إمّا لأنّ قبض الولي كقبض المولّى عليه، أو لما عرفت من أنّ الواجب أوّلا و بالذات دفع الزكاة إلى الحاكم الإسلامي حتى يقوم هو بالجهاز الموجود لديه بتقسيمها على مصارفها، فإذا دفع إليه فقد أدّى واجبه، كيف فإذا كان مجرد العزل كافيا في رفع الضمان «3»، كان العزل مع قبض الحاكم

______________________________

(1). الروضة البهية: 2/ 41.

(2). التذكرة: 5/ 342.

(3). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب

المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 396

[الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيّال و الوزّان على المالك]

الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيّال و الوزّان على المالك لا من الزكاة.* (1)

______________________________

موجبا للإبراء بطريق أولى.

(1)* قال المحقّق: إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك، و قيل: يحتسب من الزكاة، و الأوّل أشبه. «1»

و القائل بالاحتساب من الزكاة حسب ما ادّعاه صاحب الجواهر هو الشيخ. «2» غير أنّ صريحه في «المبسوط» هو عدم الجزم بواحد من القولين، قال:

و إن احتيج إلى كيّال أو وزّان في قبض الصدقة فعلى من تجب؟ قيل: فيه وجهان:

1. على أرباب الأموال، لأنّ عليهم أيضا الزكاة كأجرة الكيّال و الوزّان في البيع على البائع.

2. و الآخر أنّه على أرباب الصدقات (الفقراء)، لأنّ اللّه تعالى أوجب عليهم (أرباب الأموال) قدرا معلوما من الزكاة، فلو قلنا: إنّ الأجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب. «3»

إنّ مراده من أرباب الأموال، هو من وجبت عليه الزكاة، كما أنّ مراده من أرباب الصدقات هو الفقراء، و على هذا لا تصحّ النسبة إليه.

و ما استدلّ على كلّ من القولين لا يخلو من ضعف.

استدلّ على القول بكونها على الزكاة بأمرين:

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 166.

(2). الجواهر: 15/ 446.

(3). المبسوط: 1/ 256.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 397

..........

______________________________

1. إذا كانت الأجرة على المالك لزاد الواجب عمّا عين عليه من العشر و نصفه. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الأجرة واجبة مستقلة و ليست جزءا من الزكاة.

2. أصل البراءة من تحمّل الأجرة.

يلاحظ عليه: أنّ للمالك أيضا مثل ذلك الأصل.

و استدلّ على كونه على المالك بوجهين:

1. دفع المال واجب على المالك و لا يتمّ إلّا بأجرة الكيّال و الوزّان، و ما

لا يتم الواجب إلّا به، فهو واجب.

يلاحظ عليه: أنّه فرع القول بوجوب المقدّمة شرعا، و هو محلّ بحث.

2. انّ أجرة الكيّال و الوزان على البائع و أجرة الناقد و وزّان الثمن على المشتري، فكذا هنا فللاشتراك في العلّة. «2»

يلاحظ عليه: أنّه أشبه بالقياس، مضافا إلى أنّه مقتضى المقابلة، حيث إنّ الكيل أو الوزن على البائع في مقابل وزن الثمن على المشتري، و هي مفقودة في المقام.

و الأولى أن يقال: إنّ المالك هو المخاطب بالإيتاء و إقباض الزكاة للمستحق، و حقيقة الإيتاء عبارة عن رفع الموانع و الحوائل عن تسلّط المستحق على الصدقة، و لا يتحقّق الرفع إلّا بالإفراز بالكيل أو الوزن أو العدّ أو غير ذلك و إلّا فلا يتحقّق الإيتاء الواجب.

و يؤيد ذلك السيرة السائدة في دفع الضرائب للحكومات، فلا يقوم بهذه الأمور إلّا من حكم عليه بدفعها، و لا يختصّ ذلك ببابها، بل الحكم سائد في كلّ

______________________________

(1). المختلف: 3/ 254.

(2). المبسوط: 1/ 256.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 398

[السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيرا]

السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيرا و عاملا و غارما مثلا جاز أن يعطى بكلّ سبب نصيبا.* (1)

______________________________

شركة فيها القوي و الضعيف، فانّ مئونة الإفراز على القوي دون الضعيف، إلّا إذا توقّف الإفراز على مئونة كثيرة لا تتحمّل عرفا، فتقسّم على الشركاء.

(1)* قال العلّامة في «التذكرة»: لو اجتمع لواحد سببان يستحقّ بكلّ منهما سهما من الصدقات أو أكثر من سببين، جاز أن يأخذ بهما و بالزائد عند علمائنا- و هو أحد قولي الشافعي- لأنّ سبب الاستحقاق موجود في كلّ من النصيبين، فاستحق الأخذ، كما أنّ الغانمين إذا كان فيهم مسكين من ذوي القربى استحقّ سهم

الحضور و ذي القربى.

قال الشافعي في الآخر: لا يجوز الأخذ بهما بل تخيّر في الأخذ بأيّهما شاء، لأنّ قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ «1» يقتضي تغايرهما، و أنّ كلّ صنف غير الصنف الآخر. «2»

إنّ ما ادّعاه الشافعي من تبادر التضاد بين الأصناف لا دليل عليه، فإذا قال المولى: اعط للعالم، و الطالب، و الفقير درهما، فلو اجتمع في شخص عنوانان أو عناوين ثلاثة، فلا شك في استحقاقه بكلّ عنوان درهما.

و الذي يسهل الخطب انّ عنوان المسألة مبني على وجوب البسط، و هو غير لازم عندنا، فيجوز دفع الجميع لفرد واحد، سواء انطبق عليه عنوان واحد، أو عناوين، و على الثاني لا يلزم قصد العناوين، لأنّها عناوين مشيرة إلى كونها مصارف بلا لزوم قصد عناوينها.

______________________________

(1). التوبة: 60.

(2). التذكرة: 5/ 274- 275، في البحث الثالث من الأحكام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 399

[السابعة عشرة: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة]

السابعة عشرة: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة دون الإمام عليه السّلام و لكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط.* (1)

______________________________

بقي في المقام ما ذكره صاحب الحدائق وجها لعدم الجواز، هو انّه إذا أعطي من حيث الفقر ما يغنيه و يزيده على غناه، فكيف يعطى من حيث الغرم و الكتابة المشروطين بالعجز عن الأداء؟! «1»

يلاحظ عليه: أنّ صيرورته غنيا، لا يمنع عن أخذ الزكاة لأجل كونه غارما، لأنّ من تملّك مئونة سنته، لا ينافي كونه غارما من السنوات السابقة.

(1)* إذا أعتق مملوك و أصاب مالا ثمّ مات و لم يكن له وارث، فولاؤه للمعتق فيرثه دون الإمام عملا بقول الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم: «و الولاء لمن اعتق» «2»، هذا

إذا أعتق بغير الزكاة و أمّا إذا عتق بها، فهل يرثه أرباب الزكاة أو يرثه الإمام؟ و على الأوّل فهل تصرف تركته في الفقراء، أو يجوز صرفها في سائر السهام أيضا؟

و لخروج المسألة عن محل الابتلاء نقتصر في الكلام.

قال الشيخ في «النهاية»: فإذا لم تجد مستحقّا للزكاة و وجدت مملوكا يباع جاز لك أن تشتريه من الزكاة و تعتقه، فإن أصاب بعد ذلك مالا و لا وارث له كان ميراثه لأرباب الزكاة. «3»

و قال المحقّق في «الشرائع»: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 251.

(2). صحيح البخاري: 1/ 117 و ج 3/ 27، دار الفكر؛ صحيح مسلم: 4/ 214، دار الفكر؛ الكافي: 7/ 169 ح 1- 3؛ من لا يحضره الفقيه: 3/ 134 ح 3497.

(3). النهاية: 188.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 400

..........

______________________________

وارث له، ورثه أرباب الزكاة، و قيل يرثه الإمام و الأوّل أظهر. «1»

و يظهر من المحقّق و العلّامة انّ المسألة إجماعية.

ففي «المعتبر»- بعد عنوان المسألة-: فما له لأرباب الزكاة، و عليه علماؤنا. «2»

و في «المنتهى»- بعد عنوان المسألة-: ورثه أرباب الزكاة. «3»

و ظاهر إطلاق كلامهما عدم الفرق بين الأصناف الثلاثة التي مرّت عند البحث عن أصناف المستحقين، أعني: 1. المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة، 2. العبد تحت الشدة، 3. مطلق العبد مع عدم وجود المستحق.

و مع ذلك فقد رجّح العلّامة في آخر كلامه الوجه الثاني و انّه يرثه الإمام و هو مطابق للقاعدة، لأنّ الزكاة ليست ملكا لأرباب الزكاة، بل هي نظير «في الرقاب»، مصارف بحتة و الولاء لمن ملك العبد، ثمّ أعتقه، و أرباب الزكاة لم يكونوا مالكين للعبد- بحكم انّهم مصارف- قبل عتقه

ليثبت لهم ولاء العتق المترتّب عليه الإرث، فيصبح العبد بعد الموت ممن لا وارث له فلا يرثه إلّا الإمام.

غير أنّه لا محيص عن رفع اليد عن مقتضاه، لورود روايتين: إحداهما صحيحة، و الأخرى موثقة:

أمّا الصحيحة فهي ما رواه الصدوق في العلل عن أيوب بن الحر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، اشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و أعتقه» قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال:

«ميراثه لأهل الزكاة، لأنّه اشتري بسهمهم». «4»

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 166.

(2). المعتبر: 2/ 589.

(3). المنتهى: 1/ 531.

(4). الوسائل: 6، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 401

..........

______________________________

و أمّا الموثّقة فهي ما رواه عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة- إلى أن قال:- قلت: فإنّه لمّا أن أعتق و صار حرّا، اتّجر و احترف فأصاب مالا ثمّ مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟

قال: «يرثه الفقراء الذين يستحقّون الزكاة، لأنّه إنّما اشتري بمالهم». «1»

و مقتضى الموثّقة صرفها في الفقراء لمكان قوله: «يرثه الفقراء»، و مقتضى الصحيحة صرفها في مطلق المستحقّين لمكان قوله فيها: «ميراثه لأهل الزكاة»، و مقتضى القاعدة تقديم التعليل الوارد في الصحيحة، على الظهور الموجود في الموثّقة «يرثه الفقراء» على أنّ التعليل الوارد في نفس الموثّقة أيضا كاف في رفع اليد، عن ظهور لفظ «الفقراء»! لأنّ قوله: «لأنّه اشتري بمالهم» و من المعلوم أنّ الزكاة ليست مالا لخصوص الفقراء موجب لحمل الفقراء على بيان المثال، فيكون ذكر الفقراء لأنّهم العمدة في الصرف لا لخصوصية فيهم. «2»

و بذلك ظهر وجه

الاحتياط في كلام المصنف حيث قال: و لكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). المستمسك: 9/ 330.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 402

[الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة]

الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطي دفعة، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه، و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصا في المحترف الّذي لا تكفيه حرفته. نعم لو أعطي تدريجا فبلغ مقدار مئونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق.

و الأقوى أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضا، من غير فرق بين زكاة النقدين و غيرهما، و لكن الأحوط عدم النقصان عمّا في النصاب الأوّل من الفضّة في الفضة و هو خمسة دراهم، و عمّا في النصاب الأوّل من الذهب في الذهب و هو نصف دينار، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضا، و أحوط من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس، ففي الغنم و الإبل لا يكون أقلّ من شاة، و في البقر لا يكون أقلّ من تبيع، و هكذا في الغلات يعطي ما يجب في أوّل حدّ النصاب.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فرعان:

1. أكثر ما يعطى للفقير.

2. أقلّ ما يعطى له.

و قد تعرض المصنّف للفرع الأوّل في المسألة الثانية من فصل أصناف المستحقّين، و قد أشبعنا الكلام فيه، بقي الكلام في الفرع الثاني و نتعرض له هنا تبعا للمصنّف، و قد فصّل العلّامة في «المختلف» «1» فذكر الأقوال.

الأوّل: خمسة دراهم في زكاة الدراهم، و نصف دينار في زكاة الذهب. و هذا

______________________________

(1). المختلف: 3/

225.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 403

..........

______________________________

خيرة الشيخ المفيد في المقنعة «1»، و الرسالة الغرية «2»، و السيد المرتضى في الانتصار «3»، و الشيخ في النهاية «4»، و سلّار في المراسم «5»، و ابن البراج في المهذّب. «6»

الثاني: يجوز أن يعطى من الزكاة، الواحد من الفقراء القليل و الكثير و لا حدّ لما يعطى. قال به المرتضى في جمل العلم و العمل «7»، و ابن إدريس في السرائر «8»، حيث قال: و ذهب بعض آخر إلى أنّه يجوز أن يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل و الكثير، و لا يحد القليل بحدّ لا يجزئ غيره.

الثالث: التفصيل بين الذهب و الدرهم، فلا يجوز في الذهب إلّا نصف دينار، و يجوز في الدرهم الدرهمان و الثلاثة. و هو خيرة الصدوق في المقنع «9»، و لعلّه خيرة والده حيث إنّه اختار في الذهب أن لا يعطى أقل من نصف دينار و سكت في الدرهم. «10»

الرابع: لا يجوز أن يعطى أقلّ من درهم. و هو خيرة ابن الجنيد. «11»

و بذلك يعلم أنّ المشهور بين العلماء هو الوجه الأوّل.

نعم المشهور عند المتأخّرين هو القول الثاني أي: أيّ مقدار شاء.

و على كلّ حال فليست المسألة إجماعية، و ليس لها رصيد إلّا الروايات أو الاستظهار ببعض الاعتبارات.

أمّا الروايات فيدلّ على القول الأوّل روايتان:

______________________________

(1). المقنعة: 243.

(2). نقله عنه العلّامة في المختلف: 3/ 225.

(3). الانتصار: 82.

(4). النهاية: 192.

(5). المراسم: 133.

(6). المهذب: 1/ 172.

(7). جمل العلم و العمل: 79.

(8). السرائر: 1/ 463.

(9). المقنع: 50.

(10). من لا يحضره الفقيه: 2/ 17 ذيل الحديث 1599 و نقله أيضا العلّامة في المختلف: 3/ 225.

(11). المعتبر: 2/ 590، و نقله العلّامة عنه في المختلف.

الزكاة في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 404

..........

______________________________

1. صحيحة أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، و هو أقلّ ما فرض اللّه عزّ و جلّ من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا». «1»

فقد استدلّ الإمام عليه السّلام على أنّه لا يجوز إعطاء الأقل بأنّ أقل ما فرض اللّه هو هذا المقدار فلا يعطى أحد أقلّ منها، و الرواية ظاهرة، في المنع قابلة للحمل على الكراهة إذا كان هناك نصّ على الجواز.

2. خبر معاوية بن عمّار و عبد اللّه بن بكير جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فإنّها أقل الزكاة». 2

و الرواية صريحة في المنع غير قابلة للحمل على الكراهة، و لو كان هناك نصّ على الجواز لوقع التعارض بينهما إلّا انّ السند ضعيف، فقد ورد في السند إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم و هو موافق للتهذيب «3» و الوسائل و هو مجهول لم يرد في الكتب الرجالية؛ و لكن الوارد في «الاستبصار» هو إبراهيم بن إسحاق الأحمري و هو النهاوندي الضعيف، حيث يقول النجاشي في حقّه:

كان ضعيفا في حديثه، متّهما في دينه، له كتب. «4»

و الذي يصلح للاحتجاج هو الحديث الأوّل، و قد عرفت أنّه ظاهر في عدم الجواز و ليس نصّا خصوصا، و انّ الإمام استدلّ على الجواز بأنّ أقلّ ما فرض اللّه من الزكاة في أموال المسلمين هو خمسة دراهم، فيشبه أن يكون ذلك لأجل تقريب الحكم لذهن المخاطب.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 23 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2،

4.

(3). التهذيب: 4/ 81، باب ما يجب أن يخرج من الصدقات، الحديث 168.

(4). رجال النجاشي: 1/ 94 برقم 20.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 405

..........

______________________________

و يدلّ على القول الثاني- أي انّه لا حدّ له- روايتان صحيحتان:

1. صحيحة محمد بن عبد الجبار الثقة القميّ، قال: إنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى علي بن محمد العسكري عليه السّلام أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة؟ فكتب: «افعل، ان شاء اللّه تعالى». «1»

2. صحيحته الأخرى و هي التي رواها الشيخ في «التهذيب» باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي الصهبان- و هو نفس محمد بن عبد الجبار الماضي الذكر-، قال: كتبت إلى الصادق عليه السّلام: هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة، الدرهمين و الثلاثة دراهم فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب: «ذلك جائز». 2

و ربّما يتصوّر الإرسال في الرواية حيث إنّ محمد بن أبي الصهبان من أصحاب الهادي فكيف يمكن أن يكاتب الإمام الصادق عليه السّلام؟!

يلاحظ عليه: أنّ المراد من الصادق هو المعنى الوصفي لا العلمي، و المراد منه هو الإمام الهادي كما في المكاتبة الأولى. «3»

و تدلّ الروايتان على الجواز، فيكون قرينة على حمل النهي في رواية أبي ولّاد الحنّاط على الكراهة.

ثمّ على القول بالكراهة أو الحرمة فالحكم غير مختصّ بزكاة الدراهم، بل يعمّ زكاة الذهب و غيرها من الأنعام و الغلّات، و الشاهد على ذلك هو انّ الإمام علّل عدم جواز إعطاء الأقلّ بأنّ خمسة دراهم أقلّ ما فرض اللّه في أموال

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 23 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 5.

(3). منتقى

الجمان: 2/ 121. قال فيه: ليس المراد من الصادق هنا المعنى المعروف له، لأنّ الكاتب بعيد الطبقة عنه، و إنّما المراد أبو الحسن الهادي أو أبو محمد العسكري عليهما السّلام، لأنّه معدود في كتاب الشيخ من رجالهما.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 406

[التاسعة عشرة: يستحبّ للفقيه أو العامل أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك]

التاسعة عشرة: يستحبّ للفقيه أو العامل أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الّذي يقبض بالولاية العامّة.* (1)

______________________________

المسلمين، فلو كان الحكم خاصا بزكاة الفضة، لزم أن يقول: «إنّ خمسة دراهم أقلّ ما فرض اللّه في زكاة الفضة». و هذا دليل على أنّ المراد من خمسة دراهم هي الأعم من أن يكون نفس الزكاة أو يكون بدلا عنها، لما عرفت من أنّه يجوز تبديل الزكاة بالنقد، فإذا أراد إخراج زكاته من الأنعام أو الغلّات أو الذهب بالدرهم فعليه أن لا يعطي أقلّ من خمسة دراهم.

ثمّ إنّ المصنّف احتاط بمراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس، فلا يعطى في الغنم و الإبل أقلّ من شاة، و في البقر أقلّ من تبيع، و في الغلّات ما يجب في أوّل حدّ النصاب كالعشر أو نصف العشر في ثلاثمائة صاع استظهارا ممّا ورد في رواية أبي ولّاد الحنّاط بقوله: «هو أقل ما فرض اللّه من الزكاة في أموال المسلمين» ففي الفضة أقلّ ما فرض اللّه فيها، و في الأنعام أقلّ ما فرض في نوعها و هكذا.

(1)* الكلام في موضعين:

1. وجوب الدعاء للمالك على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و الوصي عليه السّلام عند أخذ الزكاة.

2. وجوبه على الفقيه أو العامل أو الفقير.

أمّا الأوّل فقال سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ

عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1» و المراد من الصلاة في الآية هو الدعاء.

______________________________

(1). التوبة: 103.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 407

..........

______________________________

روى السيوطي عن غير واحد من المحدّثين عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال:

كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا أتي بصدقة قال: اللّهمّ صلّ على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى. «1»

و روى العياشي عن علي بن حسّان الواسطي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن قول اللّه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا جارية هي في الإمام بعد رسول اللّه؟ قال: «نعم». «2»

و الأمر ظاهر في الوجوب، و سيرة النبي جرت على الدعاء عند أخذ الزكاة كما يدلّ على ذلك ما روي عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم في هذا المقام.

إنّما الكلام في وجوبه على الفقيه و العامل و الفقير.

فقال الشيخ في «الخلاف»: على الإمام إذا أخذ الزكاة أن يدعو لصاحبها، و به قال داود.

و قال جميع الفقهاء: إنّ ذلك مستحب غير واجب.

دليلنا: قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً- إلى قوله:- وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ و هذا أمر يقتضي الوجوب. «3»

و مع ذلك فقد أفتى بالاستحباب في كتاب الصدقات، قال:

إذا أخذ الإمام صدقة الأموال، يستحبّ له أن يدعو لصاحبها، و ليس بواجب عليه ذلك. و به قال جميع الفقهاء إلّا داود، فإنّه قال: ذلك واجب عليه. «4»

و قال المحقّق في «الشرائع» قال: إذا قبض الإمام الزكاة دعا لصاحبها

______________________________

(1). الدر المنثور: 3/ 275؛ و رواه الطبرسي في مجمع البيان كما في نور الثقلين: 2/ 260.

(2). تفسير نور الثقلين:

2/ 260، الحديث 302.

(3). الخلاف: 2/ 125، كتاب الزكاة، المسألة 155.

(4). الخلاف: 4/ 226، كتاب الصدقات، المسألة 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 408

..........

______________________________

وجوبا، و قيل: استحبابا و هو الأشهر. «1»

أقول: إنّ استفادة الوجوب من الآية في حقّ الإمام ثمّ الفقيه مبني على أنّ ثبوت الحكم للنبي لأجل كونه قائدا للمسلمين و إماما لهم، فلو ثبت ذلك لثبت في حقّ الإمام المعصوم ثمّ الفقيه.

و الظاهر انّ ثبوته في حقّ النبي لأجل ترغيب الدافع إلى بذل الزكوات، و احتمال كونه من خصائص النبي بعيد للغاية، و اختصاص العلّة إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ للنبي غير ظاهر، و ذلك لأنّ دعاء الإمام و الفقيه يؤثر في حقّ الدافع و إن كان بين دعاء المعصوم و غيره تفاوتا في مقدار التأثير.

و استدلّ على عدم الوجوب بالوجوه التالية:

الأوّل: أصالة عدم الوجوب.

الثاني: انّه لا يجب على الفقير، إجماعا حكاه في «المدارك» عن بعضهم، فنائبه أولى.

الثالث: انّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يأمر بذلك ساعيه الذي أنفذه إلى بادية الكوفة مع اشتمال وصيته التي أوصاه بها على كثير من الآداب و السنن.

يلاحظ على الأوّل: أنّ الأصل لا يعارض ظاهر الآية إذا كان الموضوع قائد الأمّة.

و يلاحظ على الثاني: أنّ عدم الوجوب على الفقير لا يقتضي عدمه على الفقيه بشهادة عدم وجوبه على الفقير مع وجوبه على النبي و الإمام.

و يلاحظ على الثالث: أنّ عدم الذكر لا يدلّ على عدم الوجوب، و لعلّ الدعاء كان معلوما غير محتاج إلى بيان.

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 166.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص:

409

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 409

[العشرون: يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة]

العشرون: يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة. نعم لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحقّ به من غيره و لا كراهة، و كذا لو كان جزءا من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك. أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير فإنّه تزول الكراهة حينئذ أيضا، كما أنّه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه من المملّكات القهريّة.* (1)

______________________________

كما أنّه استدلّ على الوجوب على الفقيه بوجهين:

1. أصالة الاشتراك.

2. التأسّي.

و لعل المراد من الأوّل هو الدعاء من وظائف القائد السائس، فيشاركه الفقيه، و أمّا الثاني فلا دليل على وجوبه في عامّة الموارد، لأنّ الفعل لا لسان له، فهو أعم من الواجب و المستحبّ.

فالظاهر وجوبه على القائد المعصوم و الفقيه الجامع للشرائط دون العامل و دون الفقير.

و أمّا كيفية الدعاء، فقد ظهر من دعاء النبي لآل أبي أوفى، مضافا إلى قوله سبحانه: أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ «1»؛ و لكن لا يتعيّن الدعاء بالصيغة المروية، بل كل دعاء يوجب السكن في المعطي و يرغّبه إلى دفع الزكاة في المستقبل.

(1)* في المسألة فروع:

______________________________

(1). البقرة: 157.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 410

..........

______________________________

1. يكره تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة أو المندوبة.

2. تزول الكراهة في الموارد التالية:

أ. لو أراد الفقير بيعه بعد التقويم كان المالك أحقّ به.

ب: لو كان جزءا مشاعا لا ينتفع به الفقير، أو لا يشتريه غيره، أو يتضرّر المالك بشراء الغير.

3. لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بإحدى المملّكات القهرية، و إليك دراسة الفروع:

الفرع

الأوّل: المشهور بين الأصحاب انّه يكره أن يشتري ما أخرجه في الصدقة أو يتملّكه بأحد الأسباب الاختيارية و به قال أبو حنيفة و الشافعي، خلافا لمالك و أحمد فقالا: لا يجوز.

قال الشيخ: يكره للإنسان أن يشتري ما أخرجه في الصدقة، و ليس بمحظور. و به قال أبو حنيفة و الشافعي.

و قال مالك: البيع مفسوخ. «1»

و قال ابن قدامة: و ليس لمخرج الزكاة شراؤها ممّن صارت إليه، و روى ذلك عن الحسن، و هو قول قتادة و مالك.

و قال الشافعي و غيره: يجوز لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: لا تحل الصدقة لغني إلّا لخمسة: رجل ابتاعها بما له، و روى سعيد في سننه انّ رجلا تصدّق على أمّه بصدقة ثمّ ماتت، فسأل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: «قد قبل اللّه صدقتك و ردّها إليك بميراث». «2»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 116، كتاب الزكاة، المسألة 137.

(2). المغني: 2/ 515.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 411

..........

______________________________

لكن الظاهر من المفيد في «المقنعة» «1» و الشيخ في «النهاية» «2» الحرمة، و حمل المحقّق النهي في «النهاية» على الكراهة و قال: و الحكمة فيه منع النفس عن متابعة ما يصرف في القرب ليقع الصدقة خالصة من معارضة الميل فيكون المنع عن استعادته أفضى إلى غرض الشارع. «3»

أقول: إنّ مقتضى القواعد العامّة هو جواز الشراء فهو بيع صادر من أهله واقع في محلّه فيشمله قوله سبحانه: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، إلّا أنّ المهمّ رواية منصور بن حازم الصحيحة التي رواها الكليني و الشيخ فهي رواية واحدة رويت بطريقين، أعني:

قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا تصدّق الرجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها، و

لا يستوهبها و لا يستردّها إلّا في ميراث» «4»

و احتمال انّ المراد من الصدقة هو الوقف بشهادة ذكرها في باب الوقوف و الصدقات بعيد، لأنّ الوقف لا يورث.

و خبر أبي الجارود الذي رواه الشيخ في «التهذيب» قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:

«لا يشتري الرجل ما تصدّق به». «5»

و هي رواية ضعيفة.

و العمدة هي صحيحة أبي منصور بن حازم و قد حملها الأصحاب على

______________________________

(1). المقنعة: 100.

(2). النهاية: 103.

(3). نكت النهاية: 3/ 135.

(4). الوسائل: 13، الباب 12 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث 1 و 5، و رواها في دعائم الاسلام: 2/ 339، الحديث 1275 كما في المستدرك: 14/ 58، الباب 8 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(5). التهذيب: 9/ 134، باب الوقوف و الصدقات، الحديث 567.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 412

..........

______________________________

الكراهة لوجوه:

الأوّل: انّ الصدقة فيها عامّة، نعم الزكاة و غيرها و الالتزام بالحرمة في عامّة الموارد، ممّا لم يلتزم به أحد.

الثاني: حمل الصدقة فيها على الوقف، و لذلك ذكرها المفيد في باب الوقوف و الصدقات في «المقنعة»، و يؤيّد ذلك ما نقل ابن قدامة في «المغني» عن عمر أنّه قال:

حملت على فرس في سبيل اللّه فأضاعه الذي كان عنده و ظننت انّه بائعه برخص، فأردت ان اشتريه، فسألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: لا تبعه و لا تعد في صدقتك و إن أعطاكه بدرهم، فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه. «1» فإنّ النهي عن البيع آية الوقف.

يلاحظ عليه: أنّ حمل الصحيحة لا يناسب استثناء الميراث، أعني قوله:

«لأنّ الوقف لا يورث»، كما أنّ الظاهر انّ رواية عمر تشتمل على موضوعين:

أحدهما: الوقف و عليه يحمل قوله:

«لا تبعه»، و الثاني: الصدقة غير الوقف و عليه يحمل قوله: «و لا تعد في صدقتك».

3. ما رواه الكليني بسند صحيح عن محمد بن خالد، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة- في حديث- قال: «فإذا أخرجها فليقسّمها «2» فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها». «3»

______________________________

(1). المغني: 2/ 515. و قال: الحديث متفق عليه، أي رواه الشيخان: البخاري و مسلم.

(2). كذا في نسخة الوسائل، و في التهذيب: «فليقوّمها». التهذيب: 4/ 98، باب من الزيادات في الزكاة برقم 276.

و حكى محقّق التهذيب: إنّ في بعض النسخ: «فيمن يزيد» مكان يريد.

(3). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب الأنعام، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 413

..........

______________________________

و محمد بن خالد راوي الحديث هو محمد بن خالد بن عبد اللّه القسري الكوفي والي المدينة، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السّلام، و يظهر ممّا رواه «الكافي» أنّه كان محبّا للإمام، روى عن مرّة مولى محمد بن خالد قال: صاح أهل المدينة إلى محمد بن خالد في الاستسقاء، فقال: انطلق إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فسله ما رأيك. «1»

4. تقدّم عن المحقّق و العلّامة الإجماع على الكراهة.

فقال الأوّل: و هو قول علمائنا أجمع. «2»

و قال الثاني: ذهب إليه علماؤنا أجمع. «3»

و لعلّ هذه الأمور الأربعة تصلح لصرف النهي إلى الكراهة.

و ممّا ذكرناه يظهر حكم المورد الأوّل من الفرع الثاني و انّ الفقير لو أراد بيعه، فالمالك أحقّ به، و يدلّ عليه خبر محمد بن خالد القسري، و لكنّها قاصرة الدلالة على زوال الكراهة.

و أمّا المورد الثاني من الفرع الثاني، و هو أن

يكون جزءا مشاعا لا ينتفع به الفقير، و لا يشتريه الغير أو يتضرّر به المالك بشراء الغير، فيشتريه المالك و لا كراهة لانصراف النصّ عن هذه الصور، لأنّ النهي لأجل صيانة مصلحة الفقير، و هي مفقودة فيها.

و أمّا الفرع الثالث، و هو التملّك بإحدى المملّكات القهرية للتصريح بها في الصحيحة و غيرها. «4»

______________________________

(1). الكافي: 3/ 462، لاحظ قاموس الرجال: 9/ 253.

(2). المعتبر: 2/ 591.

(3). المنتهى: 1/ 530.

(4). الوسائل: 13، الباب 12 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث 2 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 414

[الفصل التاسع في وقت وجوب إخراج الزكاة]

اشارة

الفصل التاسع في وقت وجوب إخراج الزكاة قد عرفت سابقا أنّ وقت تعلّق الوجوب- فيما يعتبر فيه الحول-، حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، و أنّه يستقرّ الوجوب بذلك و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأوّل لا الثاني، و في الغلّات التسمية.

و أنّ وقت وجوب الإخراج في الأوّل هو وقت التعلّق، و في الثاني هو الخرص و الصرم في النخل و الكرم، و التصفية في الحنطة و الشعير. و هل الوجوب بعد تحقّقه فوريّ أو لا؟ أقوال، ثالثها: أنّ وجوب الإخراج و لو بالعزل فوريّ.* (1)

______________________________

(1)*

هنا فروع:

اشارة

1. وقت تعلّق الزكاة فيما يعتبر فيه الحول و ما لا يعتبر.

2. وجوب العزل إذا حلّت الزكاة و عدمه.

3. وجوب الدفع و التسليم فورا و عدمه.

4. ضمان الزكاة إذا تلفت عند التأخير مع وجود المستحق.

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر.

الأوّل: وقت تعلّق الزكاة

قد مضى الكلام في تعيين وقت تعلّق الزكاة في الفصل الرابع المعقود لبيان

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 415

..........

______________________________

زكاة الغلّات، فاتّفقت كلمة الأصحاب على أنّ وقت تعلّقها فيما يعتبر فيه الحول، حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، و ذلك في النقدين و الأنعام الثلاثة.

و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول كالغلات الأربع، فالمشهور على أنّه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما، و في ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره، و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما؛ خلافا لجماعة- منهم المصنّف- حيث ذهبوا إلى أنّ وقت التعلّق هو التسمية، أي صدق الحنطة و الشعير، و التمر و الزبيب، و أمّا الإخراج ففي زمان الخرص و الصرم في النخل، و التصفية في الحنطة و الشعير. و قد مضى الكلام فيه في محلّه فلا نعود إليه، فلاحظ. «1»

الثاني: في وجوب العزل فورا

ذهب غير واحد من الفقهاء- منهم المصنّف- إلى وجوب العزل و إن لم يكن هناك دفع و تسليم، و يمكن الاستدلال عليه بما يلي:

1. صحيحة سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة ثلاثة أوقات أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها». «2»

و الاستدلال مبنيّ على أنّ المراد من الإخراج هو العزل، و إلّا فتكون دليلا على وجوب الدفع و التسليم و هو الفرع الآتي. و على فرض كون المراد منه هو العزل، انّ الأمر إرشادي- لا مولوي- لغاية صيانة الزكاة عن التلف، و ليس له موضوعيّة بل يكفي ما يمكن أن يصان به حقّ الفقراء بغير العزل، و يدلّ على

______________________________

(1). لاحظ الجزء الأوّل: الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة، فصل زكاة

الأنعام، و الشرط الثالث من شرائط زكاة النقدين، و فصل زكاة الغلّات، المسألة الأولى و السادسة.

(2). الوسائل: 6، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 416

و أمّا الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير، و الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحقّ و إمكان الإخراج إلّا لغرض كانتظار مستحقّ معيّن أو الأفضل، فيجوز حينئذ و لو مع عدم العزل الشهرين و الثلاثة بل الأزيد و إن كان الأحوط حينئذ العزل ثمّ الانتظار المذكور.* (1)

______________________________

ذلك موثّقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة»؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت».

قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟ قال: «نعم لا يضرّك». «1»

فإنّ الإمام أمر بالإخراج بمعنى العزل، غير أنّه أجاز أن يقوم مقامه كتابة الزكاة و الإيصاء بها، و هذا يعرب عن أنّ العزل و الكتابة طريقان لصيانة الزكاة، فلو كان هناك طريق ثالث و هو اطمئنان المالك بكونها محفوظة عن التلف فلا يجب الإخراج و الكتابة، فإنّ الغاية صيانة حقّ الفقراء و غيرها طرق إليها.

و بذلك يعلم أنّ ما اختاره المصنّف و غيره من معلّقي العروة من وجوب العزل و إن لم يكن هناك دفع و تسليم خال عن الدليل. نعم هو أحد الطرق للصيانة و الحفظ.

(1)*

الثالث: في وجوب الدفع فورا و عدمه
اشارة

هل الدفع و التسليم واجب فوري أو لا؟ فيه أقوال، ثالثها ما اختاره المصنّف من أنّ الإخراج بالعزل فوري، و لكن يجوز التأخير في الدفع و التسليم.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب

52 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 417

..........

______________________________

أقول: لا إشكال في بطلان القول بالتأخير إلى حدّ التهاون كالقول بالفورية و انّه إذا حلّ وقتها لا يجوز التأخير بوجه من الوجوه، ضرورة مخالفة كلا القولين بما ورد في الروايات في المقام.

إذا علمت ذلك فقد اختلفت أقوال فقهائنا و أنهاها في «الجواهر» إلى ستة أو خمسة، و الظاهر انّ الأقوال أكثر منها، و الاختلاف نابع من اختلاف الروايات في حدّ التأخير، و في فهم المراد منها، و إليك الإشارة إليها:

الأوّل: ما نسب إلى المشهور من عدم جواز التأخير إلّا لعذر، كعدم حضور المال أو المستحق أو نحو ذلك.

الثاني: ما اختاره في «الجواهر» من جواز التأخير اقتراحا و لو مع عدم العزل إلى أربعة أشهر. «1»

الثالث: ما في نهاية الشيخ من جواز التأخير مع العزل شهرا أو شهرين. «2»

الرابع: ما في «السرائر» نافيا عنه الخلاف من جوازه لإيصال مستحق غير من حضر. «3»

الخامس: ما في «الدروس» من جوازه لانتظار الأفضل أو التعميم. «4»

السادس: ما في «البيان» من جوازه لانتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب بما لا يؤدّي إلى الإهمال. «5»

السابع: ما اختاره في «المسالك» و استحسنه في «المدارك» من جوازه شهرا أو شهرين اقتراحا، فضلا عمّا يكون للبسط أو لذي المزية. «6»

الثامن: ما في «التذكرة» من جوازه للتعميم خاصة بشرط دفع نصيب

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 460.

(2). النهاية: 186.

(3). السرائر: 1/ 454.

(4). الدروس: 64.

(5). البيان: 203.

(6). المسالك: 2/ 428.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 418

..........

______________________________

الموجودين فورا. «1»

التاسع: ما اختاره الشيخ الأنصاري من جوازه إلى حدّ لا يصدق معه المسامحة و الإهمال بحيث يعدّ الرجل حابسا للزكاة و لا يبعد

أن يجوز إلى قرب السنة و لا يجوز التأخير عن السنة. «2»

هذه هي الأقوال، و لا يسعنا الاستدلال على كلّ واحد منها، و لكن نذكر ما يستفاد من الروايات، و هي على أصناف و يعلم حال عامّة الأقوال.

إذا عرفت ذلك فلندرس دليل القول المشهور من أنّ الدفع واجب فوريّ.

[أدلة القول المشهور من أن الدفع واجب فوري]
1. الدفع واجب فوري

نسب إلى المفيد أنّ الدفع و التسليم واجب فوري، و نسبه في «الحدائق» «3» إلى المشهور، غير أنّ عبارة المفيد في «المقنعة» ليست ظاهرة في ما نسب إليه، قال في «المقنعة»: قد جاء عن الصادقين عليهما السّلام رخص في تقديم الزكاة شهرين قبل محلّها، و تأخيرها شهرين عنه، و الذي أعمل عليه، و هو الأصل المستفيض عن آل محمد عليهم السّلام لزوم الوقت، فإن حضر قبله من المؤمنين محتاج يجب صلته و أحبّ الإنسان أن يقدم له من الزكاة جعلها قرضا له. «4»

و العبارة ظاهرة في عدم جواز التقديم لا التأخير.

أقول: استدلّ على عدم جواز التأخير بوجوه:

1. صحيحة عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 292، و لاحظ أيضا ص 289 و لعلّ بين كلاميه تهافتا.

(2). الزكاة: 453.

(3). الحدائق: 12/ 232.

(4). المقنعة: 240.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 419

..........

______________________________

عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال: «لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه انّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها، و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء، و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت». «1»

و الظاهر عدم دلالة الرواية على المطلوب ضرورة كون المراد منه بيان عدم جواز التقديم على أنّه زكاة لا التأخير

الذي هو محلّ البحث.

2. ما رواه ابن إدريس في «مستطرفات السرائر» من كتاب محمد بن علي بن محبوب بسنده إلى أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها». «2»

يلاحظ عليه بضعف الرواية من حيث السند، فإنّ المراد من «علي» هو علي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير و الراوي عنه، مضافا إلى أنّ الرواية وردت في غير الكتب الأربعة نظير النصّ الآتي.

3. روي في «فقه الرضا عليه السّلام» قوله عليه السّلام: إنّي أروي عن أبي العالم عليه السّلام، في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، و لا يجوز لك تقديمها و تأخيرها، لأنّها مقرونة بالصلاة، و لا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها، و لا تأخيرها إلّا أن يكون قضاء، و كذلك الزكاة. «3»

يلاحظ عليه: أنّ عبارة «فقه الرضا» ناظرة إلى صحيحة عمر بن يزيد الماضية، و قد عرفت أنّها تركّز على عدم جواز التقديم، و ليس في التأخير فيه عين و لا أثر، و معه كيف أضاف مؤلّف «فقه الرضا»، التأخير مضافا إلى التقديم؟! و

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 51 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

(3). مستدرك الوسائل: 7/ 130، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 420

..........

______________________________

قد قلنا غير مرّة انّ «فقه الرضا» إمّا تأليف علي بن بابويه القمي (المتوفّى عام 329 ه) أو تأليف الشلمغاني المصلوب عام 323 ه، و الظاهر

هو الأوّل، لأنّ أكثر ما يروي الصدوق عن رسالة والده هو نصّ عبارة «فقه الرضا عليه السّلام»، و مثل هذا الكتاب يصلح للتأييد لا للاحتجاج لا سيّما في مقابل ما سيمر عليك من جواز التأخير شهرين أو شهورا.

4. دلالة الأمر على الفورية وضعا أو انصرافا.

يلاحظ عليه: أنّه لو فرض صحّة ما ذكر فهو معلّق على عدم ورود ما يدلّ على جواز التأخير.

5. إنّ المستحقّ- أي الفقير- مطالب بشاهد الحال. كما هو الحال في الدين المطالب.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّه يدلّ لو وجب صرف الزكاة في الفقراء، و قد عرفت أنّ مصارفها ثمانية.

و ثانيا: أنّ هناك فرقا بين الدين المطالب و بين الزكاة، فإنّ كيفية أداء الدين فوريّة أو غير فوريّة تابع لكيفية طلب الدائن، بخلاف المقام فإنّ كيفية الدفع تابع لكيفية دفع معطي الزكاة، فلو كان للمالك سعة و رخصة و كان على اطمئنان بصيانة حقّ الفقراء لما كان للفقير جبره على الفوريّة.

6. إنّ ولي المستحقّ و هو الشارع مطالب بمقتضى أمره بإيتاء الزكاة.

يلاحظ عليه: أنّه اجتهاد في مقابل النص، فإنّ ولي الفقراء قد عذّر في التأخير كما سيوافيك.

7. إنّ ما دلّ على الضمان بالتأخير مع وجود المستحق الشرعي دليل على الفورية.

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع من تجويز التأخير مع الضمان.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 421

..........

______________________________

أضف إلى ذلك أنّ السيرة في عصر الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السّلام، عدم قيام المالك بإخراج الزكاة قبل أن يطلب منه الساعي و الخارص فعند ذلك يقوم المالك بالإخراج و الدفع.

إلى هنا تمّ ما استدلّ به على وجوب الدفع و التسليم فوريا.

2. جواز التأخير إذا لم يؤدّ إلى التفريط و التعدّي
اشارة

يظهر من غير واحد من الروايات جواز التأخير إلى

شهرين بل إلى خمسة أشهر، بل ربما يستفاد بأنّه إذا عزل له من التأخير ما شاء، و هذا النوع من الاختلاف في تمديد مدّة التأخير آية انّ الشهرين و الشهور كلّها رهن أمر واحد، و هو أنّ للمالك أن يؤخّر تسليم الزكاة على النحو المتعارف في كلّ بلد و قرية، حسب كثرة ابتلاء الأفراد بجمع الأموال إلى أن يصل دور إفراغ الذمّة من الفرائض.

و يدلّ على التأخير الروايات التالية:

1. ما يدلّ على جواز التأخير شهرين:

روى حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين». و الرواية صحيحة. «1»

2. ما يدلّ على جواز تأخيره ثلاثة أشهر:

روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس». «2» و الرواية صحيحة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 11.

(2). الوسائل: 6، الباب 53 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 422

3. ما يدلّ على جواز التأخير خمسة أشهر:

______________________________

روى معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس» قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم، فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال: «لا بأس». «1»

و إطلاق الرواية يعمّ ما إذا حلّ في أوّل رمضان فيجوز له التأخير إلى آخر المحرّم.

4. ما يدلّ على جواز التأخير بعد العزل بلا تحديد:

منه موثّقة يونس بن يعقوب: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ... زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت ...». «2»

و حصيلة البحث:

أنّه لم يدلّ دليل واضح على وجوب العزل.

و أمّا الدفع فقد عرفت عدم تمامية ما استدلّ به على الفورية.

و أمّا ما دلّ على جواز التأخير فقد عرفت اختلاف الأحاديث في تعيين المدة التي يجوز التأخير إليها.

فمن دالّ على جواز التأخير إلى شهرين، إلى آخر دالّ على جواز تأخيرها إلى ثلاثة أشهر، و إلى ثالث دالّ على جواز التأخير خمسة أشهر، إلى رابع دالّ على جواز التأخير كيفما شاء، فكلّ ذلك يدلّ على أنّه ليس هناك تحديد لمدّة التأخير.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 9.

(2). الوسائل: 6، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 423

و لكن لو تلفت بالتأخير مع إمكان الدفع يضمن.* (1)

______________________________

هذا من جانب و من جانب آخر نعلم علما وجدانيا بأنّ التعدّي و التفريط في حقوق الفقراء أمر محرم، كما أنّ حبس الزكاة عرفا أمر محظور، فإذا ضم هذان الأمران إلى الروايات المرخّصة يستنبط منها أنّه يجوز التأخير إلى حد عدم التفريط و التعدّي و إلى حد عدم كونه حابسا للزكاة، و هذا يختلف حسب اختلاف الأمكنة و الأزمنة، و لعلّه بذلك لم يحدّد في الشرع زمان التأخير بشكل قاطع.

(1)*

الرابع: ضمان المالك عند التلف

إذا تلفت الزكاة بالتأخير مع إمكان الدفع فالمالك ضامن، و هذا حكم وضعي، و إن لم يكن هناك إثم في التأخير فلا مانع من الإذن في التأخير بشرط الضمان، و هذا لا ينافي ما ذكرناه في محلّه من أنّ امتثال أمر الشارع موجب للإجزاء، و ذلك لورود الروايات في المقام بالضمان مع كون التأخير جائزا.

و ليعلم أنّ الكلام في الضمان إنّما هو في ما إذا تلف مع وجود المستحق، و أمّا

مع عدم وجوده فالتلف غير مضمون اتّفاقا، و قد استدلّ على الضمان في هذه الصورة بوجوه:

الأوّل: صحيحة محمد بن مسلم حيث جاء فيها: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن، حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان». «1»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 424

..........

______________________________

فإن قلت: موضوع المسألة، هو التلف عند المالك مع وجود المستحقّ و عدمه، من دون أن يبعث إلى مكان آخر، و موضوعها في الرواية هو التلف في الطريق أو عند الغير.

قلت: السبب للضمان هو التأخير في الدفع، سواء تلفت عند المالك أو عند المبعوث إليه.

الثاني: ما رواه زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت؟ فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان»، قلت: فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: «لا و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها». «1»

الظاهر انّ الضمير في قوله: «فإنّه لم يجد لها أهلا» يرجع إلى الرجل الوارد في صدر السؤال «عن رجل بعث إليه أخ» و المراد منه هو الوكيل، و على هذا فالتفصيل بين وجود المستحق و عدمه راجع إلى التلف عند الوكيل، و هو خارج عن البحث.

و يمكن أن يقال بوحدة الملاك، فإنّ السبب للتلف إنّما هو التأخير، من غير فرق بين التلف عند المالك أو الوكيل، فبما انّ التأخير يعدّ

تعدّيا على حقوق الفقراء يكون الوكيل ضامنا أو يستقر الضمان عليه إذا قلنا بأنّ المالك أيضا ضامن.

فإن قلت: إنّ مقتضى صحيحة أبي بصير هو عدم الضمان بالتأخير مع العزل مع وجود المستحق.

روى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 425

[المسألة 1: الظاهر أنّ المناط في الضمان مع وجود المستحقّ هو التأخير]

المسألة 1: الظاهر أنّ المناط في الضمان مع وجود المستحقّ هو التأخير عن الفور العرفيّ، فلو أخّر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت من غير تفريط فلا ضمان و إن أمكنه الإيصال إلى المستحقّ من حينه مع عدم كونه حاضرا عنده، و أمّا مع حضوره فمشكل خصوصا إذا كان مطالبا.* (1)

______________________________

لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه». «1»

قلت: قد تقدّم أنّ الصحيحة محمولة على عدم وجود المستحق، و إلّا فمع وجوده يضمن كما في رواية محمد بن مسلم، فقد عرفت أنّه لا فرق في التلف بين تلفه في الطريق أو عند المالك.

و منه يظهر حال صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها». 2

لأنّ الرواية تحمل على صورة عدم وجود المستحق.

هذا من غير فرق في الضمان بين العزل و عدمه، فإنّ التلف مستند إلى التأخير و لا تأثير للعزل و عدمه، فالقول بالضمان في كلتا الصورتين موجب للضمان.

(1)* قد عرفت أنّه يجوز التأخير إلى حدّ عدم صدق التعدي و التفريط لكن مع الضمان إذا تلف، و إنّما لا يضمن إذ قام بتسليم الزكاة فورا. إذا عرفت ذلك فنقول:

للمسألة صورتان:

______________________________

(1) (1 و

2). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3 و 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 426

[المسألة 2: يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحقّ]

المسألة 2: يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحقّ فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان، لأنّه معذور حينئذ في التأخير.* (1)

______________________________

1. إذا أخّر تسليم الزكاة إلى المستحق مع وجوده دون حضوره.

2. إذا أخّر تسليم الزكاة إلى المستحقّ مع حضوره.

أمّا الأوّل فالذي يوجب الضمان- لو تلف- هو التأخير عن الفور العرفي، لا التأخير عن الفور العقلي، فلو أخّر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه و إن أمكنه الإيصال من حينه.

و ذلك لأنّ الخطاب بالدفع و التسليم فورا ينزل على ما هو المتفاهم عرفا، لا عقلا، فلو تعلّق الوجوب في أثناء الليل فأخّر الدفع إلى النهار صدق انّه دفع زكاته بلا تأخير.

هذا و انّ الفورية العرفية تختلف حسب اختلاف الموارد، فلعلّ التأخير بيوم لا يضرّ في تسليم الزكاة إلى أهلها إذا كانوا موجودين و إن لم يكونوا حاضرين، لكن التأخير بأقلّ منه يضرّ في معالجة المجروحين و المصدومين.

أمّا الثاني- أعني: حضور المستحقّ خصوصا مع مطالبته- فقال المصنّف بأنّ القول بعدم الضمان مشكل، لأنّه يصدق التأخير مع حضوره فيترتب عليه الضمان، و في إطلاقه- كما إذا كانت المطالبة في وقت غير عاديّ- نظر.

(1)* وجهه: انّ الضمان فرع التمكّن من تسليم الأمانة إلى أهلها بلا تفريط و لا تعدّ، و المفروض انّه غير متمكّن من الدفع لعدم علمه بالمستحق.

و بعبارة أخرى: انّ الموضوع للضمان في الصحيحين: هما:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 427

[المسألة 3: لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف]

المسألة 3: لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط، و إن كان مع التأخير المزبور من المالك فكلّ من المالك

و الأجنبيّ ضامن، و للفقيه أو العامل الرجوع على أيّهما شاء، و إن رجع على المالك رجع هو على المتلف، و يجوز له الدفع من ماله ثمّ الرجوع على المتلف.* (1)

______________________________

«إذا وجد لها موضعا». «1»

«إذا عرف لها أهلا». 2

و مع الجهل بوجود المستحق، لا يصدق انّه وجد موضعا أو عرف أهلا.

نعم لو احتمل وجود المستحق كان عليه الفحص، لما قلنا في محلّه من لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية بمقدار لا ينتهي إلى العسر و الحرج.

(1)* لو أتلف رجل الزكاة المعزولة التي تعيّنت الزكاة فيها، أو جميع النصاب- على القول بأنّ تعلق الزكاة على العين من قبيل الكلّي في المعيّن، فلا يصدق التلف لو بقى بمقدار الزكاة، بل تتعيّن الزكاة فيه. نعم على القول بالإشاعة، إتلاف البعض، إتلاف للزكاة أيضا لكن بنسبة التالف إلى المجموع.

و على كلّ تقدير فلو أتلف متلف فله صورتان:

1. أتلفه و لم يكن أي ضمان للمالك بالنسبة إلى التالف، لعدم التأخير في الدفع، بل كان مستعدّا له فطرأ عليه التلف من قبل الأجنبي فالضمان على المتلف فقط، فلكلّ من المالك و الحاكم حقّ المطالبة منه.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 428

[المسألة 4: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصحّ]

اشارة

المسألة 4: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصحّ، فلو قدّمها كان المال باقيا على ملكه مع بقاء عينه، و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال، و للمالك احتسابه جديدا مع بقائه أو احتساب عوضه مع ضمانه، و بقاء فقر القابض، و له العدول عنه إلى غيره.* (1)

______________________________

2. تلك الصورة لكن مع التأخير الموجب للضمان من المالك، فيكون كلّ من المالك و

المتلف ضامنا، أمّا الأوّل فللتأخير و أمّا الأجنبي فلأجل الإتلاف، فللحاكم أو العامل على الزكاة، الرجوع إلى أيّهما شاء، لأنّ تلف الزكاة كان مقرونا بضمان كلّ منهما، و قد ثبت في مورد تعاقب الأيدي (ذات الضمان) على عين واحدة انّ للمالك الرجوع إلى كلّ منهما، و لكن قرار الضمان على المتلف، فلو رجع إلى المالك، يرجع هو إلى المتلف، و لو رجع إليه لم يرجع إلى المالك، لما عرفت من استقرار الضمان على المتلف.

و للمالك، الدفع من ماله بقصد الزكاة التالفة ثمّ الرجوع إلى المتلف.

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

1. لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوقت.

2. فلو قدّمها لا يملكه المستحق.

3. لو أتلفه القابض مع علمه بالحال يكون ضامنا.

4. فإذا حلّ وقت الزكاة فللمالك احتساب نفس ما أتلف، أو عوضه، زكاة مع بقاء القابض على فقره، كما أنّ له العدول عنه إلى غيره.

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 429

الأوّل: لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوقت
اشارة

______________________________

اختلفت كلمة الفقهاء في تقديم الزكاة على وقتها كالاختلاف في تأخيرها عنه. فالمشهور بين الإمامية هو عدم الجواز، خلافا لابن أبي عقيل و سلّار في مراسمه فذهبا إلى جواز التقديم.

فقال الأوّل: يستحب إخراج الزكاة و إعطاؤها في استقبال السنة الجديدة في شهر المحرم، و إن أحبّ تعجيله قبل ذلك فلا بأس. «1»

و قال الثاني: و قد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحق. «2»

لكن المشهور بين الأصحاب هو عدم الجواز.

قال المفيد: و الأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه كالصلاة، و قد جاء عن الصادقين عليهما السّلام رخص في تقديمها شهرين قبل محلّها، و تأخيرها شهرين عنه، و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة عند الحاجة إلى ذلك- إلى أن قال:- و الذي أعمل عليه، و هو الأصل المستفيض عن آل محمد عليهم السّلام من لزوم الوقت فإن حضر قبله من المؤمنين محتاج يجب صلته، [فإن] أحبّ الإنسان أن يقدّم له من الزكاة، جعلها قرضا له. «3»

و قال الشيخ في «النهاية»: «و ما روي عنهم عليهم السّلام من جواز تقديم الزكاة و تأخيرها، فالوجه أنّ ما تقدّم يجعل قرضا و ما تؤخّر فلانتظار المستحق. «4»

و قال أبو الصلاح: و يجوز إخراج الزكاة و الفطرة قبل دخولهما على جهة

______________________________

(1). نقله

عنه في المختلف: 3/ 237.

(2). المراسم العلوية: 128.

(3). المقنعة: 239.

(4). النهاية: 183.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 430

..........

______________________________

القرض. «1»

هذا ما لدى الإمامية و أمّا عند غيرهم فذهب الأئمّة الثلاثة أبو حنيفة و الشافعي و أحمد إلى جواز التقديم.

قال الشيخ في «الخلاف»: لا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول الحول إلّا على وجه القرض.

و قال الشافعي: يجوز تقديم الزكاة قبل الحول، و تقديم الكفّارة على الحنث.

و قال داود و أهل الظاهر و ربيعة: لا يجوز تقديم شي ء منهما قبل وجوبه بحال.

و قال أبو حنيفة: يجوز تقديم الزكاة قبل وجوبها و لا يجوز تقديم الكفّارة قبل وجوبها.

و قال مالك: يجوز تقديم الكفّارة قبل الحنث و لا يجوز تعجيل الزكاة قبل الوجوب. «2»

و قال العلّامة في «التذكرة»: المشهور عند علمائنا عدم جواز تقديم الزكاة، سواء وجد سبب الوجوب- و هو النصاب- أو لا، و به قال ربيعة و مالك و داود و الحسن البصري في رواية، لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال «لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول».

ثمّ نقل الجواز عن الحسن البصري، و سعيد بن جبير، و الزهري، و الأوزاعي و أبي حنيفة و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي عبيد- عند وجود السبب-. «3»

و يدلّ على قول المشهور- مضافا إلى أنّ الزكاة عبادة مؤقّتة فلا يجوز تقديمها عليه كالصلاة- روايات صحاح:

______________________________

(1). الكافي في الفقه: 173.

(2). الخلاف: 2/ 43- 44، كتاب الزكاة، المسألة 46.

(3). التذكرة: 5/ 294- 295، المسألة 208.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 431

..........

______________________________

1. صحيحة عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة فقال: «لا،

و لكن حتى يحول عليه الحول و يحل عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي إلّا لوقتها، و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء، و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت». «1»

و لا يخفى انّ تعليل الإمام عدم الجواز تارة بطريق التشبيه بالصلاة و الصيام، و أخرى بضرب قاعدة كلية و انّه: «كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت»، دليل على أنّ الإمام بصدد بيان الحكم الواقعي.

2. صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أ يزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: لا، أ يصلّي الرجل قبل الزوال». «2» و الصحيحة كسابقتها لا تخلو من عناية ببيان الحكم الواقعي.

3. صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يفيد المال؟

قال: «لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول». «3»

أضف إلى ذلك ما دلّ على اعتبار الحول، و انّه لا شي ء قبل الحول. «4»

مضافا إلى النبوي: «ليس في مال زكاة حتّى يحول عليه الحول». «5»

و الإمعان في هذه الروايات لا يبقي شكّا في أنّ الإمام بصدد بيان الحكم الواقعي، و انّه بصدد الردّ على من قال بجواز التقديم.

و الذي يوضح ذلك أيضا انّ السؤال في رواية الحلبي مجمل جدّا حيث

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 51 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 51 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(3). الوسائل: 6، الباب 51 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(4). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، و الباب 15 من أبواب النقدين.

(5). سنن البيهقي: 4، كتاب الزكاة، 9، باب لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 432

..........

______________________________

سئل بقوله:

«في الرجل يفيد المال» فإنّ السؤال عن إفادة المال يمكن أن يقع موضوعا لأحكام مختلفة، و مع ذلك فالإمام حمله على إخراج الزكاة قبل الحول، و يدلّ كثرة السؤال عن المسألة في تلك الأيّام على كثرة الابتلاء بها.

دليل القائل بجواز التقديم

استدلّ القائل بالجواز بروايات:

1. صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين». «1»

2. صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان، فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس» قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال: «لا بأس». «2»

3. صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- انّه سأله عن رجل حال عليه الحول و حلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه، و قد أتى لنصف ماله سنة و للنصف الآخر، ستة أشهر؟ قال: «يزكّي الذي مرّت عليه سنة، و يدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنة». قلت: فإن اشتهى أن يزكّي ذلك؟ قال: «ما أحسن ذلك». «3»

علاج التعارض

قد عولج التعارض بين الروايات بوجهين:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 11.

(2). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 9.

(3). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة؛ الحديث 4؛ و لاحظ الأحاديث 10، 12، 13، 15، و الأخيران منقولان من المقنعة و الفقيه، و الحديث قابل للحمل على القرض.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 433

..........

______________________________

1. إنّ الروايات المجوّزة محمولة على صورة الإقراض، ثمّ احتسابه زكاة عند ما تحلّ.

و يشهد على ذلك صحيح الأحول، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل عجّل زكاة ماله، ثمّ أيسر المعطى قبل رأس السنة، قال: «يعيد المعطى الزكاة». «1» فلو صحّ تقديم الزكاة على الحلول، لما وجبت الإعادة عند يسار القابض، لوجود الشرط عند القبض و إن فقد عند الحلول، إذ الميزان لجواز الأخذ،

هو وجوده عنده.

و قد أورد على هذا الحمل بوجوه:

الأوّل: إنّ الإعادة لا تكون دليلا على عدم تقديم الزكاة، لإمكان أن يقال:

انّه يجوز تقديم الزكاة بشرط بقاء وصف الفقر إلى وقت الحلول، فإذا فقد بقاء، يعيد المعطى الزكاة لفقدان الشرط بقاء لا حدوثا.

الثاني: ظاهر الروايات انّها زكاة معجّلة لا قرضا، حيث قال في صحيحة حمّاد بن عثمان: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» إذ لو كانت قرضا لما حدّد تقديمها بشهرين.

الثالث: انّ الروايات كما تتضمّن التقديم بشهرين، تتضمّن جواز التأخير كذلك، فإذا كان المقصود من الثاني هو تأخير الزكاة لا تأخير الإقراض فليكن التقديم أيضا كذلك.

2. حمل الروايات على التقية، ففي صحيحتي عمر بن يزيد و زرارة إشعار بذلك حيث إنّ الإمام يبذل عناية خاصة لإقناع السائل بعدم الجواز عن طريق

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 50 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 434

..........

______________________________

التمثيل و التشبيه، و تقييد الجواز بشهرين أو ثلاثة أشهر، كما في صحيحة حمّاد بن عثمان، لأجل إرشاد المكلّف إلى ارتكاب أقلّ المحاذير، على أنّه يمكن أن يكون جواز التأخير بهذا المقدار أحد الأقوال بين فقهاء السنّة فيحمل التقدير على التقية.

بل لا مانع من أخذ ما دلّ على جواز التأخير، دون ما دلّ على جواز التقديم، لكون الأخذ بالتقديم مقرونا بالمانع دون التأخير.

و قد مرّ بعض ما دلّ على التأخير فقط دون التقديم. «1» فلا يلزم من حمل هذه الروايات على التقية، عدم جواز التأخير أيضا، إذ فيما ذكر غنى و كفاية لتجويز التأخير.

و بما ذكرنا من عدم جواز التقديم يظهر حال بقية الفروع لترتّبها عليه.

الفرع الثاني: لو قدّمها، لا يملكه المستحق

، إذ لا سبب مملّك له، فما نواه- الإخراج

بنية الزكاة- غير مملّك، و ما هو مؤثر (نية القرض) لم ينوه، فهو باق على ملكه.

الفرع الثالث: ضمان القابض عند التلف

، مع علمه بالحال و انّ المأخوذ زكاة، حتى مع علم الدافع أيضا بالحال. و تصوّر انّه هتك احترام ماله بسوء اختياره؛ مدفوع بأنّ الهتك إنّما يصدق إذا دفع المال بلا قيد، و أمّا إذا دفع بقيد انّه زكاة و مع علم القابض بعدم تحقّق الشرط، فالهتك غير متحقّق.

نعم لو جهل القابض و أتلفه، فلا يضمن لقاعدة الغرور، حيث صار مغرورا من جانب الدافع، سواء علم المالك أو جهل.

الفرع الرابع: إذا حلّ وقت الزكاة فله احتساب نفس ما أتلف زكاة

أو عوضه زكاة مع بقاء القابض على فقره، كما أنّ له العدول عنه إلى غيره.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2، و الباب 53 الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 435

[المسألة 5: إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا و لم يجئ وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا]

المسألة 5: إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا و لم يجئ وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا.

فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة بشرط بقائه على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب.

و لا يجب عليه ذلك بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق، الأخذ منه و الدفع إلى غيره، و إن كان الأحوط الاحتساب عليه و عدم الأخذ منه.* (1)

______________________________

و لو أتلف القابض عمدا، مع العلم بأنّ الشرط غير متحقّق فقد عصى و ضمن، فإن تاب يجوز الاحتساب بناء على مانعية الفسق و إلّا فيحتسب مطلقا.

(1)* في المسألة فرعان:

1. يجوز إعطاء الزكاة قرضا قبل الحلول و الاحتساب عند حلوله.

2. يجوز له احتسابه بعد الحلول، بل يجوز الأخذ منه و الدفع إلى غيره و إن كان الأحوط خلافه.

أمّا الأوّل فهو على وفق القاعدة، و قد وردت روايات على جواز احتساب الدين زكاة أوّلا «1»، و كما وردت الرواية على جواز الإقراض ثمّ الاحتساب عند الحلول ثانيا.

ففي صحيحة محمد بن أبي عمير، عن هيثم الصيرفي و غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «القرض الواحد بثمانية عشر، و إن مات احتسب بها من الزكاة». «2»

يشترط في الاحتساب بقاء الأخذ على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1، 2، 3.

(2). الوسائل: 6، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 436

[المسألة 6: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة فالزيادة له لا للمالك]

المسألة 6: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة فالزيادة له لا للمالك، كما أنّه لو نقص كان النقص عليه.

فإن خرج عن الاستحقاق أو أراد المالك الدفع إلى غيره يستردّ عوضه لا عينه، كما هو مقتضى حكم القرض، بل مع عدم الزيادة أيضا ليس عليه إلّا ردّ المثل أو القيمة.* (1)

______________________________

على صفة الوجوب، و الوجه فيهما واضح.

و أمّا كون الاحتساب أوفق بالاحتياط، فلا وجه له سوى الأمر بالاحتساب في صحيحة ابن أبي عمير، و الظاهر انّه بصدد بيان كون الاحتساب جائزا، لا لازما. نعم لو لم يكن هناك مرجح للاسترداد فالأولى الاحتساب.

(1)* في المسألة فرعان:

1. لو اقترض المال الزكوي فالنماء للمقترض.

2. إذا أراد المقرض الاسترداد، فلا يجوز إجباره بدفع العين، بل ليس له إلّا ردّ المثل أو القيمة.

وجهه انّ القرض عبارة عن تمليك مال لآخر بالضمان بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته. و يشترط في صحّة القرض، القبض و الإقباض، فلا يملك المستقرض المال إلّا بعد القبض و لا يتوقف على التصرف.

و على ضوء ذلك يكون النماء للمقترض لافتراض تحقّق القبض، سواء أ كان متصلا أم منفصلا، و يظهر من الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» انّه لا يملك إلّا بالتصرف، لأنّه قدّس سرّه جوّز للمقرض أن يرجع في قرضه كما أنّ له أن يرجع في هبته. «1»

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 161.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 437

[المسألة 7: لو كان ما أقرض الفقير- في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله]

المسألة 7: لو كان ما أقرض الفقير- في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب و خرج الباقي عن حدّه سقط الوجوب على الأصحّ، لعدم بقائه في ملكه طول الحول، سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة،

فلا محلّ للاحتساب.

نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه عند الفقير، فله الاحتساب حينئذ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق.* (1)

______________________________

و قال في «الخلاف»: و منهم من قال: إن قلنا يملك بالقبض فليس له الرجوع، و إن قلنا: يملك بالتصرف فليس له الرجوع بعد التصرف- و رجح القول الثاني- و استدلّ عليه بأنّه عين ماله فكان له الرجوع فيه، لأنّ المنع يحتاج إلى دليل. «1»

و خالفه العلّامة في «المختلف» و أجاب عن استدلال الشيخ بالتشبيه بالهبة، بالمنع من المساواة بين المسألتين. «2»

و الفرق انّ الهبة عقد جائز و تمليك بالمجّان، بخلاف القرض فانّه عقد لازم و تمليك بالضمان؛ فجواز الرجوع في الأوّل لا يكون دليلا على جوازه في الثاني.

و منه يظهر حكم الفرع الثاني من أنّه إذا أراد الاسترداد، فليس عليه إلّا ردّ المثل أو القيمة سواء كانت العين باقية أم تالفة- كما هو مقتضى عقد القرض، لأنّه داخل في باب الضمان بالعقد مقابل الضمان باليد- كالمأخوذ سوما، و في مقابل الضمان بالإتلاف.

(1)* في المسألة فرعان:

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 177، في أحكام القرض، المسألة 292.

(2). المختلف: 5/ 392، فصل في القرض.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 438

..........

______________________________

1. إذا أخرج الباقي عن حد النصاب بالقرض قبل الحول سقط الوجوب.

2. إذا أعطى بعض النصاب أمانة لم يسقط الوجوب.

أمّا الأوّل فقد مرّ في أوائل كتاب الزكاة انّ لتعلق الزكاة شرائط: خامسها:

تمام التمكّن من التصرف فلا تجب في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرف فيه بأن كان غائبا و لم يكن في يده و لا في يد وكيله.

و قد فرّع عليه المصنّف في المسألة العاشرة في أوائل الكتاب و

قال: إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل، لم يجب عليه إخراج زكاته، بل و إن أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختيارا مسامحة أو فرارا من الزكاة.

و على ضوء ذلك لا تتعلّق الزكاة بالباقي لافتراض انّه خرج عن حدّ النصاب لكونه ملك المقترض عند حلول الحول، خلافا للشيخ فأوجب الزكاة في الباقي في «المبسوط» لبقاء القرض في ملك المقرض ما لم يتصرف فيه المقترض قال:

إذا كان عنده أربعون شاة فعجّل واحدة، ثمّ حال الحول جاز أن يحتسب بها لأنّها تعدّ من ملك المقرض ما دامت عينها باقية. «1» و قد عرفت ضعف المبنى و انّ القرض عقد لازم، يملكه المقترض بالقبض و الإقباض.

و لذلك قال المحقّق في «الشرائع»: و لو كان النصاب يتم بالقرض، لم تجب الزكاة، سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه. «2»

و قد استوفينا البحث فيما إذا أمكن استيفاء القرض بسهولة أو كان المديون مريدا للوفاء في محلّه فلاحظ. «3»

و منه يظهر حال الفرع الثاني و هو انّه إذا أعطى، بعض النصاب أمانة- و لو

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 231. و لاحظ الخلاف: 2/ 47، كتاب الزكاة، المسألة 54.

(2). الشرائع: 1/ 167.

(3). لاحظ الجزء الأوّل، ص 71.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 439

[المسألة 8: لو استغنى الفقير الّذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال]

المسألة 8: لو استغنى الفقير الّذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال ثمّ حال الحول يجوز الاحتساب عليه لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين، و يجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضا، و أمّا لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميّا و قلنا: إنّ المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء لم يجز الاحتساب عليه.* (1)

______________________________

بقصد الاحتساب- عند حيلولة الحول، يتعلّق

به الزكاة و يجوز الاحتساب لاجتماع الشرائط التي منها تمكّن المالك من التصرف.

(1)* هنا فرعان:

1. إذا أيسر المقترض بما اقترضه، و قد حال الحول للمقترض يحتسبه زكاة.

2. إذا أيسر المقترض بنماء ما استقرض أو بارتفاع قيمته ثمّ حال الحول على المقترض، لم يجز الاحتساب.

أمّا الأوّل فقد عنونه الشيخ في «الخلاف» و قال: إذا عجّل زكاته لغيره، ثم حال عليه الحول و قد أيسر المعطى، فإن كان أيسر بذلك المال فقد وقعت موقعها و لا يسترد، و إن أيسر بغيره استرد أو يقام عوضه. و هو مذهب الشافعي.

و قال أبو حنيفة: لا يرد على حال أيسر به أو بغيره.

ثمّ استدل عليه بقوله: إنّه قد ثبت أنّه لا يستحقّ الزكاة غني، و إذا كان هذا المال دينا عليه، إنّما يستحقه إذا حال عليه الحول، و إذا كان في هذه الحال غير مستحق، لا يجوز له أن يحتسب بذلك. «1»

و قد عنون الشيخ أيضا المسألة بكلا شقّيها في «المبسوط» و مثل لهما بمثالين

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 46، كتاب الزكاة، برقم 50.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 440

..........

______________________________

غير صحيحين؛ كما نبّه به العلّامة في «المختلف» بعد نقل كلامه في «المبسوط». «1»

و قال المحقّق: إذا استغنى بعين المال ثمّ حال عليه الحول، جاز احتسابه عليه، و لا يكلّف المالك أخذه و إعادته، و إن استغنى بغيره، استعيد القرض. «2»

أمّا الفرع الأوّل فانّ المقترض و إن استغنى بما اقترض حيث إنّ ما أخذه قد بقى في يده من غير نماء و المفروض انّ ما اقترض يكفي مئونة سنته، لكنّه ليس غنيا مطلقا، لأنّ أداء الدين المطالب من مئونة السنة و المفروض انّه غير قادر على أدائه، لأنّه ما أخذه

يصرف في مئونة السنة، فجاز للمقرض عند ما حال عليه الحول أن يحتسب من الزكاة لكونه فقيرا.

و بذلك يعلم جواب ما ذكره ابن إدريس حيث منع من الاحتساب قائلا بأنّ الزكاة لا يستحقها غني، و المدفوع إليه غني بالدفع و إن كان قرضا، لأنّ المستقرض يملك ما اقترضه. «3» لما عرفت من أنّه ليس غنيا مطلقا ممنوعا من أخذ الزكاة، بل هو من جانب أداء الدين فقير يأخذ بعض مئونة سنته.

أمّا الفرع الثاني، فهو ما إذا يسر بنماء المال كما إذا قال: ما اقترضه، ماشية فتوالدت، أو مالا فاتّجر به و ربح و ارتفعت قيمته بحيث لو باعه، يكفي ما ارتفع من القيمة لمئونة سنته، ففي هذه الصورة لا يجوز الاحتساب، لأنّه مالك لمئونة السنة، و أداء الدين فيصرف النماء أو ارتفاع القيمة في مئونة سنته، و يردّ الأصل لقضاء دينه.

نعم إنّما يصير غنيا بارتفاع القيمة لو كان الملاك في أداء الدين قيمة يوم القرض، فيكون ما ارتفع من القيمة خالصا له للمستقرض، و أمّا إذا كان المدار

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 230؛ المختلف: 3/ 244.

(2). الشرائع: 1/ 168.

(3). السرائر: 1/ 455.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 441

[الفصل العاشر الزكاة من العبادات]

اشارة

الفصل العاشر الزكاة من العبادات فيعتبر فيها نيّة القربة.* (1)

______________________________

قيمة يوم الأداء فلا، لأنّ ارتفاع القيمة يكون سببا لزيادة الدين، فتكون الزيادة للمقرض، و لا يبقى شي ء حتّى يصرف في مئونة سنته، فيجوز عندئذ الاحتساب.

(1)* قد أشار المصنّف في مقدّمة الفصل إلى أمور أربعة إمّا تصريحا أو تلويحا.

1. اعتبار صدور الفعل عن قصد و إرادة، كما هو الملاك في وصف الفعل بأنّه فعل إرادي.

2. الإتيان بالفعل لامتثال أمره سبحانه أو لأجله تعالى- إذا كان الفعل حسنا

بالذات-.

3. قصد عنوان الواجب المنطبق على الفعل من كونه زكاة أو كفّارة.

4. قصد الوجه كونه واجبا أو مندوبا.

لا شكّ في اعتبار الأوّل و عدم كفاية صدور الفعل عن غفلة، لتعلّق الأمر بالفعل الاختياري و ليس المقام من الأمور التوصلية التي يكتفى فيها بنفس وجود الفعل، كما إذا غسل الثوب النجس بإطارة الريح في الكرّ فيجوز الصلاة فيه.

و نظيره اعتبار القربة فيها كما سيوافيك تفصيله.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 442

..........

______________________________

و أمّا الثالث فقد بسط الكلام فيه بقوله: «و التعيين مع تعدّد ما عليه» الخ و ذكر تحته فروعا خمسة سنشير إليها في مقامه.

و أمّا الرابع فلا دليل على اعتباره، كما حقّق في الأصول.

و ما في كلمات الفقهاء من اعتبار «النية» يشير إلى اعتبار الثاني و الثالث، و أمّا الأمر الأوّل فهو من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى التفصيل، كما أنّ الرابع غير مطروح في كلمات الفقهاء، إلّا قليلا كابن إدريس و المحقّق و الشهيد الثاني- قدّس اللّه أسرارهم-.

و لنذكر بعض الكلمات:

قال الشيخ: النية شرط في الزكاة، و هو مذهب جميع الفقهاء إلّا الأوزاعي فانّه قال: لا تفتقر إلى النيّة. ثمّ استدلّ بوجوه ثلاثة سنشير إليها عن قريب. «1»

قال المحقّق: و حقيقتها- النية- القصد إلى القربة، الوجوب أو الندب و كونها زكاة مال أو فطرة. «2»

و في كلامه إشارة إلى الأمور الثلاثة الأخيرة.

و قال العلّامة في «التذكرة»: النية شرط في أداء الزكاة، فلا تصح من دونها عند علمائنا أجمع، و هو قول عامّة أهل العلم- إلى أن قال:- و لأنّ الدفع يحتمل الوجوب و الندب، و الزكاة و غيرها، فلا تتعيّن لأحد الوجوه إلّا بالنيّة.

و حكي عن الأوزاعي: انّ النية لا تجب في الزكاة،

لأنّها دين، فلا يجب فيها النية كسائر الديون، و لهذا يخرجها ولي اليتيم، و يأخذها السلطان من الممتنع.

ثمّ ردّ عليه بقوله: و الفرق ظاهر لانحصار مستحقه، و قضاؤه ليس بعبادة،

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 49، كتاب الزكاة، المسألة 57.

(2). الشرائع: 1/ 168.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 443

..........

______________________________

و لهذا يسقط بإسقاط مستحقّه. «1»

و إذا عرفت ذلك فالكلام في المقام مركّز على اعتبار نية القربة و لزوم إتيان الفعل بنية امتثال أمره سبحانه.

و قد استدلّ الشيخ في «الخلاف» و العلّامة في «التذكرة»، و صاحب الجواهر «2» على اعتبار نية القربة في عامّة الواجبات بالدليل من غير فرق بين الزكاة و غيرها بوجوه قاصرة جدا- و نحن نشير إلى بعضها- مع العلم بأنّ مقتضى الأصل في الأوامر، هو التوصلية، لإمكان أخذ نية القربة في متعلّق الأمر و مع الخلو نستكشف كونه توصليا، إلّا أن يدل دليل من خارج على التعبدية، كما هو كذلك في المقام.

أمّا الوجوه القاصرة فهي عبارة عن:

1. قوله تعالى: وَ مٰا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ إِلّٰا مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ* وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. «3»

استدلّ به الشيخ في «الخلاف» و قال: «و الإخلاص لا يكون إلّا بالنية».

و الأولى في الاستدلال أن يقال: انّ اللام في قوله: لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ للغاية، و يكون معنى الآية: انّ الغرض و الغاية من الأوامر المتوجّهة إلى أهل الكتاب هو عبادة اللّه سبحانه و التقرّب إليه، فإذا كانت الغاية في الأوامر هو التعبّد، فيكون الأصل في الأوامر هو التعبدية بل ظاهر الحصر انّه لم يكن هناك أمر توصلي.

أقول: الاستدلال بالآية على أنّ الأصل

في الأوامر التعبدية، أمر معروف

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 327، المسألة 238.

(2). الجواهر: 15/ 472.

(3). البيّنة: 4- 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 444

..........

______________________________

و نقله الشيخ الأنصاري في تنبيهات الاستصحاب- عند البحث في استصحاب أحكام الشرائع السماوية- التي تحكي الآية عنها. و الاستدلال بها على ذلك، نابع من عدم الإمعان في مضمون الآية.

لأنّ الاستدلال بالآية مبني على أنّها بصدد بيان الغاية لأوامره سبحانه، و انّها عبارة عن عبادته تعالى و التقرب منه و لكنّها بصدد بيان توحيد العبادة و إخلاص الطاعة للّه سبحانه- فإنّ الدين في الآية بمعنى الطاعة- و معنى الآية انّهم لم يؤمروا في مجال العبادة، إلّا بالعبادة الخالصة للّه سبحانه لا بصورة اشتراكه مع غيره و تقدير الآية: و ما أمروا- في مجال العبادة و مواردها- إلّا بأن يعبدوا اللّه وحده و مخلصين الطاعة له، لا لغيره، حنفاء غير مشركين و أين هو من المدّعى؟! و الآية نظير قوله سبحانه: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّٰهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ «1»، و قد أوضحنا مفاد الآية في بحوثنا الأصولية. «2»

*** قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّما الأعمال بالنيّات» استدلّ به الشيخ في «الخلاف» «3» و العلّامة في «التذكرة». «4» و قال في الثاني بعد نقل الحديث: «و أداؤه عمل».

يلاحظ عليه: أنّ الحديث جزء من الحديث الذي نقله الفريقان.

روى الشيخ بسنده عن الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم- في حديث- قال: «إنّما الأعمال بالنيّات، و لكلّ امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عزّ و جلّ، و من غزا

يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلّا ما نوى». «5»

______________________________

(1). الزمر: 11.

(2). لاحظ المحصول: 1/ 369- 370.

(3). الخلاف: 2/ 49، كتاب الزكاة، المسألة 57.

(4). التذكرة: 5/ 327، المسألة 238.

(5). الوسائل: 1، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10؛ و نقله البخاري في صحيحة بلفظ آخر: 1/ 2 باب كيف بدئ الوحي، و يعدّ صدر الحديث عند المحدثين من الأخبار المتواترة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 445

..........

______________________________

و مفاد الحديث انّ كلّ إنسان إنّما يؤجر حسب نيّته، فمن نوى بعمله الأمر الأخروي فله ذلك، و من نوى عرض الحياة الدنيا، فله ما نوى و ليس له في الآخرة شي ء، و أين هذا من اعتبار القربة في صحّة امتثال الأوامر؟!

3. قوله: «و لا عمل إلّا بنيّة» «1» و لعلّ المراد منه هو ما ذكرنا في الحديث السابق، أو المراد كمال العمل منوط بالنية.

و يؤيّده ما رواه أبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السّلام قال: «لا حسب لقرشي و لا عربي إلّا بتواضع، و لا كرم إلّا بتقوى، و لا عمل إلّا بنيّة، و لا عبادة إلّا بتفقّه». «2»

و الأولى الاستدلال بالكتاب بالآيتين التاليتين:

1. قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا. «3»

و الضمير يرجع إلى المزكّين، فلولا كون العمل قربيّا، كيف يحقّق دفع الزكاة تلك الغاية المثلى؟!

2. أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ «4» فإنّ أخذه سبحانه الصدقات كناية عن قبوله لها، و هو فرع إعطائه للّه سبحانه.

و يؤيد ذلك ما في صحيح سالم بن أبي حفصة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

إنّ اللّه يقول: «ما من شي ء إلّا و

قد وكّلت به من يقبضه غيري، إلّا الصدقة فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفا حتّى أنّ الرجل يتصدّق بالتمرة، أو بشق تمرة فأربّيها له كما يربّي الرجل فلو و فصيله فيأتي يوم القيامة و هو مثل أحد و أعظم من أحد». «5»

______________________________

(1). الوسائل: 1، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، لاحظ الأحاديث 1، 2، 3، 4، 9.

(2). الوسائل: 1، الباب 5 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 3.

(3). التوبة: 103.

(4). التوبة: 104.

(5). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب الصدقة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 446

..........

______________________________

و أمّا الاستدلال بالآيات «1» الناهية عن إبطال الصدقات بالمن و الأذى و الإعطاء للرياء و السمعة، فالمتبادر من التمثيلات الواردة فيها هو بطلان الثواب و عدم الانتفاع بالصدقات التي أريد بها غير وجه اللّه، و أمّا عدم سقوط التكليف معها الذي هو المقصود في المقام فلا يستفاد منها.

و أمّا السنّة فحدث عنها و لا حرج، فقد وردت روايات في كتاب الوقوف و الصدقات في الباب الرابع و الحادي عشر، و الثالث عشر، ما يدلّ بوضوح على اعتبار القربة في مقام الإعطاء نذكر منها نماذج:

1. روى الكليني بسند صحيح عن جميل الثقة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يتصدّق على بعض ولده بصدقة و هم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال: «لا، الصدقة للّه تعالى». «2» فقد حكم الإمام على الصدقة بوجه عام- و منها الزكاة- انّها للّه سبحانه، و هو فرع كون الدفع و الإعطاء لوجهه، لا لغيره.

2. روى الصدوق بسنده عن الحكم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ والدي تصدّق عليّ بدار ثم بدا له أن يرجع فيها، و انّ قضاتنا يقضون لي بها، فقال:

«نعم

ما قضت به قضاتكم، و بئس ما صنع والدك، إنّما الصدقة للّه عزّ و جلّ، فما جعل للّه عزّ و جلّ فلا رجعة له فيه، فإن أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك». «3»

3. روى الكليني عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه عز و جلّ». «4»

______________________________

(1). البقرة: 264.

(2). الوسائل: 13، الباب 4 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2.

(3). الوسائل: 13، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(4). الوسائل: 13، الباب 13 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 447

دليل القائل بعدم الاشتراط

______________________________

استدلّ الأوزاعي على عدم لزوم النية بأنّه دين؛ و أداء الدين، و حصول البراءة منه، لا يتوقّف على نيّة القربة.

يلاحظ عليه أوّلا؛ أنّ الزكاة ليست دينا، بل حق للفقراء في العين بنحو من الأنحاء.

و ثانيا: أنّ الكبرى- على كلّيّتها- غير مسلّمة، و المسلّم منه أداء القرض و الغرامة و الأرش و ما ضاهاها كأداء الثمن، و أمّا الزكاة و الكفّارات فلم يثبت شمول الكبرى لهما، على أنّه اجتهاد في مقابل النص كما عرفت.

فإن قلت: ما ذا تصنع في الموارد التي تخرج فيها الزكاة و لا يتمشّى قصد القربة، و ذلك كالموارد التالية:

1. إخراج الزكاة من مال الصبي و قد مرّ انّه مستحب.

2. إخراج الحاكم الزكاة من الممتنع بالقهر و القوة مع عدم النية.

3. إخراج الكافر زكاة ماله، مع أنّه لا يتمشّى منه القربة.

قلت: إنّ في الفقه الإسلامي موارد يؤمر بأصل الفعل- و إن كان عباديا- و إن كان مجرّدا من القربة، و ذلك كالموارد التالية:

1. إجبار الصبي بالصلاة إذا قلت بأنّ

عباداته شرعية لا تمرينية.

2. تغسيل الكافر، الميت المسلم عند فقدان الغاسل المسلم المماثل.

3. غسل المرأة الكافرة إذا طهرت من طمثها، و لم تغتسل، حيث قالوا بحرمة مسّها ما لم تغتسل.

و الجواب عن الجميع: انّ لامتثال الواجب المشروط بنية القربة مراحل، فالمرحلة الكاملة رهن نيّة القربة دون غيرها، و إذا امتنعت المرحلة الكاملة،

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 448

و التعيين مع تعدّد ما عليه بأن يكون عليه خمس و زكاة و هو هاشميّ فأعطى هاشميّا فإنّه يجب عليه أن يعيّن أنّه من أيّهما، و كذا لو كان عليه زكاة و كفّارة فإنّه يجب التعيين، بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة فإنّه يجب التعيين على الأحوط. بخلاف ما إذا اتّحد الحقّ الّذي عليه فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمّة و إن جهل نوعه، بل مع التعدّد أيضا يكفيه التعيين الإجماليّ بأن ينوي ما وجب عليه أوّلا، أو ما وجب ثانيا مثلا، و لا يعتبر نيّة الوجوب و الندب.* (1)

______________________________

فيقتصر بما أمكن.

و ربما يقال بأنّ الحاكم و الوليّ ينوي القربة في زكاة الكافر و الممتنع و الصبي و هو كما ترى، إذ لا معنى لأن يتقرّب غير المعطي بفعل الغير، أو العكس.

(1)* يقع الكلام في قصد التعيين في موردين:

الأوّل: قصد عنوان الواجب و عدمه، ككون المعطى خمسا أو زكاة، و هذا هو الذي نبحث عنه في المقام.

الثاني: قصد الجنس الذي يخرج منه الزكاة، ككونه زكاة للغلّات أو للنقدين أو للأنعام في ما إذا كان المعطى قابلا للإخراج منها، و هذا هو الذي نبحث عنه بعد الفراغ من الأوّل.

تعيين عنوان الواجب

إذا عرفت ذلك فنقول: هل يجب قصد عنوان الواجب؟ ككون المعطى خمسا أو

زكاة، كما إذا كان عليه زكاة و خمس، فيعطي زكاته للهاشمي، فهل يجب

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 449

..........

______________________________

أن يقصد أحد العنوانين أو لا؟ فقد فصّل المصنّف بين وحدة الحقّ و تعدّده، فلا يجب قصد العنوان في الأوّل و يجب في الثاني.

أمّا الأوّل، فكما إذا كان عليه حقّ واحد كالخمس فقط أو الزكاة فقط فيكفي قصد ما في الذمّة.

و أمّا الثاني، أعني: ما كان عليه حقوق كما إذا كان عليه:

الف: خمس و زكاة، و كان القابض كالمعطي هاشميّا و المال صالحا لكلّ منهما.

ب: زكاة أو كفّارة.

ج: زكاة المال أو زكاة البدن.

فيجب قصد العنوان و انّه كفارة، أو زكاة مالي أو بدني. و المصنّف يبني تفصيله على وحدة الأمر و تعدّده، فيكفي في الأوّل قصد ما في الذمّة دون الثاني فلا يتعيّن امتثال الأمر إلّا بتعيين العنوان.

و لكن ذهب السيد المحقّق البروجردي إلى لزوم قصد العنوان مطلقا من غير فرق بين وحدة ما عليه أو تعدّده قائلا بأنّ المناط في لزوم التعيين هو اشتراك صورة العمل بين عنوانين أو أكثر و احتياج تخصيصه بأحدهما إلى قصد العنوان، و هذا المناط موجود في عامة الصور، سواء اتّحد ما في الذمّة أم تعدد.

و الظاهر قوّة ما اختاره إلّا في مورد زكاة المال و الفطرة كما ستعرف.

توضيحه: أنّه يعتبر في الأمور القربية، أمور ثلاثة:

1. صدور الفعل اختيارا، فلا يكفي الصدور غفلة أو في النوم.

2. كون الصدور للّه أو لامتثال أمره.

3. قصد العنوان الذي تعلّق به الأمر، ككونه صلاة فجر أو صلاة ظهر، أو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 450

..........

______________________________

كونه زكاة و خمسا، أو زكاة و كفّارة.

و لا شكّ في اعتبار الأمرين الأوّلين، إنّما

الكلام في المقام في اعتبار الأمر الثالث، فقد فصّل الماتن بين الحقّ الواحد عنوانا و المتعدّد كذلك، و الظاهر لزوم قصد العنوان مطلقا، و ذلك لوجود الفرق بين كون العنوان أمرا تكوينيا كما لو أمر بإحضار النار و الماء، فأتى به اختيارا من دون أن يلتفت تفصيلا إلى أنّ المأتيّ به نار أو حطب فيسقط به الأمر، و بين كونه عنوانا اعتباريا ككون الركعتين معنونة بعنوان صلاة الفجر أو نافلة للفجر فلا يكفي الإتيان بركعتين، في امتثال الأمر المتعلّق بالفجر.

و الحاصل: أنّ العناوين التي تعلّق بها الأمر إذا كانت من الأمور الاعتبارية، لا محيص من قصدها، كعنوان القضاء و الأداء و النيابة.

و لكن الذي يسهّل الخطب أنّ قصد العنوان غير متوقّف على التعيين التفصيلي، بل يكفي التعيين الإجمالي، ففيما إذا كان الحقّ متّحدا يكفي أن يقصد ما في ذمّته و إن جهل نوعه، و فيما إذا كان الحقّ متعددا- كما إذا كان عليه زكاة و خمس أو زكاة و كفّارة- يكفي أن ينوي إتيان ما وجب عليه أوّلا، أو ما وجب عليه ثانيا، أو غير ذلك من العناوين.

ثمّ إنّ المصنّف احتاط فيما إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة، فقال بأنّه يجب التعيين على الأحوط، و قوّاه في «المستمسك»، و قال في وجهه: لاختلاف حقيقة الواجب، فإنّ زكاة الفطرة تغاير زكاة المال ذاتا- لاختصاص الأولى «1» بالغلّات و عموم الثانية «2» لغيرها- و موردا، و سببا، و وقتا و أحكاما. و كلّ ذلك كاشف عن اختلاف الخصوصيات المعتبرة في موضوع الأمر. «3»

______________________________

(1). في المصدر: الثانية.

(2). في المصدر: الأولى. و لعلّ ما ذكرنا أوضح فلاحظ.

(3). المستمسك: 9/ 346.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 451

و

كذا لا يعتبر أيضا نيّة الجنس الّذي تخرج منه الزكاة أنّه من الأنعام أو الغلّات أو النقدين، من غير فرق بين أن يكون محلّ الوجوب متّحدا أو متعدّدا، بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحقّ متّحدا أو متعدّدا كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فإنّ الحقّ في كلّ منهما شاة، أو كان عنده من أحد النقدين و من الأنعام فلا يجب تعيين شي ء من ذلك، سواء كان المدفوع من جنس واحد ممّا عليه أو لا، فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة، بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان حاضران أو غائبان أو مختلفان فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه و له التعيين بعد ذلك، و لو نوى الزكاة عنهما وزّعت، بل يقوى التوزيع مع نيّة مطلق الزكاة.* (1)

______________________________

الظاهر كفاية قصد عنوان الزكاة و الصدقة الواجبة من دون حاجة إلى قصد السبب الذي وجب بها لكونه زكاة مال، أو زكاة البدن، و هذا كما إذا أفطر في شهر رمضان، و ظاهر امرأته، فيجب عليه تحرير رقبتين، إحداهما لأجل الإفطار و الأخرى لأجل الظاهر، فلو أعتق رقبة واحدة، بعنوان الكفّارة، تسقط إحداهما عن ذمّته و تبقى الأخرى؛ و لو أعتق رقبتين، قاصدا عنوان الكفّارة و إن لم يخصّصها بسببها من الظهار و الإفطار، يكفي في فراغ الذمّة.

فخرجنا بالنتيجة التالية:

إنّه يجب قصد العنوان المتعلّق بالأمر من الخمس و الزكاة و الكفّارة، من غير فرق بين كون الواجب في ذمّته واحدا أو متعددا؛ و أمّا قصد عنوان السبب مضافا إلى قصد عنوان الزكاة أو الكفّارة، فلا دليل عليه.

(1)* كان الكلام في السابق في تعيين العنوان الذي تعلّق به الأمر،

و لكن

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 452

..........

______________________________

الكلام في المقام في تعيين الجنس الذي يخرج منه الزكاة كالأنعام و النقدين و الغلّات الأربع، فهل يجب قصد ذلك الجنس المخرج منه أو لا؟ و قبل الخوض في الدليل نذكر الصور التي أشار إليها الماتن فنقول:

صور المسألة خمس:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 452

1. أن يكون الجنس الذي تخرج منه الزكاة متّحدا كالحنطة فقط.

2. أن يكون الجنس الذي تخرج منه الزكاة متعدّدا و لكن نوع الواجب واحدا، كالشاة الواحدة لأربعين غنما و لخمس من الإبل.

3. أن يكون الجنس الذي يخرج منه الواجب كنفس الواجب متعدّدا، كما إذا كان عنده من أحد النقدين مائة درهم و من الأنعام أربعون غنما الذي يجب فيه الشاة.

4. إذا كان عنده مالان متساويان في الكميّة كنصابين من الحنطة أو مختلفان فيها سواء كانا غائبين أو حاضرين أو مختلفين، فأخرج الزكاة من غير تعيين أنّها لأيّ من المالين.

5. تلك الصورة لكن نوى إخراج الزكاة الواحدة عنهما.

و إليك حكم الفروع.

ذهب المصنّف في الجميع إلى عدم لزوم التعيين، تبعا لصاحب الجواهر حيث إنّه علّل عدم الوجوب بقوله: لأنّها أصناف لا أنواع، من غير فرق بين اتّحاد محلّ الوجوب أو تعدّده، و بين اتّحاد نوع الحقّ كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، و عدمه كنصاب النقدين و واحد من النعم، و بين كون المدفوع من جنس أحدهما و عدمه، و لكن لو عيّنه حال الدفع تعيّن على الظاهر. «1»

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 479.

الزكاة في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 453

..........

______________________________

إذا علمت ذلك فالظاهر خروج الفرع الأوّل من محط البحث لكون الجنس الذي يخرج منه الزكاة، أمرا واحدا، فسواء نوى الخصوصية أم لم ينو فلا يترتّب عليه أثر، إنّما الكلام في الفروع الأربعة الأخيرة.

1. إذا كان الجنس المخرج متعدّدا و مغايرا و لكن نوع الواجب واحدا كالشاة لأربعين غنما و لخمس من الإبل، فلو دفع شاة بلا قصد الخصوصية، فلا يترتّب عليه إلّا أثر الجامع بين الزكاتين؛ و أمّا أثر الخصوصية، لكلّ من الجنسين، فلا يترتّب إلّا إذا نواها.

أمّا ترتّب أثر الجامع أي سقوط إحدى الشاتين و بقاء الأخرى على ذمّته، فلأنّ الغاية من إيجاب الزكاة، تزكية النفوس، أوّلا، و سدّ عيلة الفقراء ثانيا. و الأوّل حاصل بدفعها تقرّبا إلى اللّه، و الثاني أيضا متحقّق بوصوله إلى أيدي الفقراء.

و أمّا عدم ترتّب أثر الخصوصية، فلأجل عدم نيّتها إذا كان للخصوصية أثر مثلا.

إذا قلنا بأنّ تعلّق الزكاة على النصاب على نحو الإشاعة فإن دفع الشاة بلا قصد الخصوصية لا يجوز التصرّف في واحد من النصابين، لأنّ جعلها زكاة لنصاب معين ترجيح بلا مرجح، بخلاف ما إذا قصدها و جعلها زكاة للإبل فيجوز له التصرّف في الإبل دون الغنم، و لو عكس عكس.

أو إذا تلف نصاب الإبل بلا تفريط- بعد دفع الشاة الواحدة، بلا قصد للخصوصية- فيجب عليه شاة أخرى، إذ جعلها زكاة للنصاب الموجود، ترجيح بلا مرجّح، بخلاف ما إذا قصد انّه زكاة الغنم غير التالف، فالموجود مزكّى حسب النية، و التالف لا يجب عليه زكاته، لتلفه.

و بذلك يظهر الحال في الصور الباقية إذا كان نوع الحقّ متعددا كالمحلّ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 454

..........

______________________________

الذي يخرج منه، مثلا إذا

كان عنده من أحد النقدين مائتا درهم و فيها خمسة دراهم، و من الأنعام أربعون غنما- أي الذي يجب فيه الشاة- و كانت قيمة الشاة الواحدة تساوي خمسة دراهم، فعندئذ إن كان الجنس المدفوع من نفس أحدهما كخمسة دراهم، يتعيّن المدفوع زكاة لمائتي درهم، اللّهم إلّا إذا قصد الخلاف، و هو خلاف المفروض.

و إن كان المدفوع من غير جنس الواجب في كلا الموردين، كما إذا دفع نصف دينار و هو يساوي قيمة خمسة دراهم و قيمة الشاة الواحدة، فيجري فيه ما ذكرنا.

فإن لم يقصد الخصوصية يترتّب عليه أثر الجامع و تفرغ ذمّته بالنسبة إلى نصف دينار و بقي النصف الآخر في ذمّته و لا يترتّب عليه أثر الخصوصية، و أمّا إذا قصد الخصوصية أي كونه للدراهم أو للغنم، يقع لما قصد على نحو يجوز له التصرف في النصاب الذي نوى الإخراج عنه، كما لو تلف الجنس الآخر بلا تفريط، تسقط زكاته و قد زكّى الموجود.

3. إذا كان عنده مالان متساويان في الكميّة أو مختلفان فيها سواء كانا غائبين أو حاضرين أو مختلفين، فإن أخرج الزكاة من غير تعيين لأحد المالين تسقط عن ذمّته بمقدار ما أخرج و بقي الآخر في ذمّته، و إن عيّن الخصوصية يترتب عليه أثرها.

4. إذا أخرج عن كلا النصابين زكاة واحدة، فقد احتمل المصنّف التوزيع، و هو في محلّه.

و أمّا احتمال التوزيع في الفروع السابقة بلا قصد كما قوّاه المصنّف فلا وجه له، لأنّ المفروض عدم قصده التوزيع.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 455

[المسألة 1. لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة]

اشارة

المسألة 1. لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير.

و في الأوّل ينوي الوكيل حين

الدفع إلى الفقير عن المالك، و الأحوط تولّي المالك للنية أيضا حين الدفع إلى الوكيل.

و في الثاني لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل، و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.* (1)

______________________________

(1)*

الكلام في المسألة يشتمل على فروع ثلاثة:
اشارة

1. يجوز التوكيل في أداء الزكاة كما يجوز في إيصالها.

2. في تعيين من يتولّى النية المعتبرة في صحّة العبادة من الموكّل و الوكيل.

3. في تعيين وقت النية.

و إليك الكلام فيها واحدا تلو الآخر.

الفرع الأوّل: الزكاة تقبل النيابة أداء و إيصالا
اشارة

المعروف انّ الزكاة من العبادات و الضابطة فيها هو قيام المكلّف بها مباشرة إلّا أن يدلّ عليه دليل.

قال الشهيد الثاني: فالمقصود من العبادة، فعل المكلّف ما أمر به و انقياده و تذلّله، و ذلك لا يحصل إلّا بالمباشرة، و لا يفترق الأمر في ذلك بين حالي القدرة و العجز غالبا، فإنّ العاجز عن الصلاة الواجبة ليس له الاستنابة فيها، بل يوقعها بنفسه على الحالات المقررة، و قريب منها الصوم. «1»

إنّ تحقيق ما ذكره يتم في ضمن أمور:

______________________________

(1). المسالك: 5/ 255.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 456

1. تقسيم ما يتقرّب به إلى عباديّ و قربيّ

______________________________

إنّ ما يعتبر فيه قصد القربة، ينقسم إلى: أمر عباديّ، يعبد به اللّه سبحانه كالصلاة و الصوم و الحج؛ و إلى قربيّ يتقرّب به العبد إلى اللّه سبحانه دون أن يعبد به، و ذلك كالزكاة و الكفّارات و سائر الأمور المالية القربية، فإنّ معطي الزكاة و الخمس يتقرّب بإخراج زكاة ماله و خمسه إلى اللّه سبحانه، و لكن لا يعبد به اللّه سبحانه في فطرة العقلاء. و لقد أوضحنا حال ذلك التقسيم في البحوث الأصولية عند تقسيم الأمر إلى تعبدي و توصلي، و قلنا: إنّ التقسيم ليس بثنائيّ بل ثلاثي فلاحظ. «1»

و على ضوء ذلك فما دلّ على عدم قبول العبادة النيابة و التوكيل، لا يمسّ القربيات و إنّما يختصّ بالعباديّات، و لذلك اتّفق الأصحاب على قبولها للتوكيل.

1. قال المحقّق: و للمالك أن يتولّى تفريق ما وجب عليه بنفسه، و بمن يوكّله. «2»

2. و قال في «الجواهر»: إذ لا خلاف بيننا، بل بين المسلمين كافة في قبول هذا الفعل للنيابة التي استفاضت بها النصوص أو تواترت. «3»

و لعلّ التفريق بين التعبّدي و القربي يثبت جواز التوكيل و

إن لم يكن هناك دليل سمعي فكيف معه كما سيوافيك؟ و ذلك لأنّ الغرض الاسمي في الأمور العبادية قائم بقيام المكلّف بالعمل بنفسه على نحو يكون جهده محصلا للغرض، بخلاف الأمور القربية المالية، فإنّ الغرض قائم بسدّ علية الفقراء و دفع حاجاتهم مع نيّة القربة نزيها عن الرياء و السمعة، و هذا رهن خروج المال عن ملكه مباشرة أو توكيلا مقرونا بالنيّة.

______________________________

(1). المحصول: 1/ 348.

(2). الشرائع: 1/ 164.

(3). الجواهر: 15/ 416.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 457

2. الفرق بين التوكيل في الأداء و الإيصال

______________________________

قال السيد الحكيم: الفرق بين الوكيل في الأداء، و الوكيل في الإيصال: أنّ الأوّل ينوب عن المالك في أداء العبادة، نظير النائب في الصلاة، فتتوقّف صحّة الأداء على قصد النيابة عن المالك، مع قصد التقرب بالأمر المتوجه إليه.

أمّا الوكيل في الإيصال فليس نائبا عن المالك، و لا تتوقّف صحّة الإيصال على قصد النيابة عنه، و لا قصد التقرب بالأمر المتوجه، إذ الإيصال يتحقّق و إن لم يقصد المباشر القربة، بل و إن لم يكن له شعور كالحيوان و المجنون و الريح و غيرها. «1»

و الظاهر انّ مراد المصنّف من التقسيم هو ذلك بشهادة ما سيأتي في المسألة الثالثة من «أنّه يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك أداء كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال» فإنّ المتصوّر في دفع الزكاة إلى الحاكم أداء، هو نيابة الحاكم عن المالك في أداء الزكاة و قصد التقرب بالأمر المتوجّه إليه.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّه ما ذا يريد من قوله: «مع قصد التقرّب بالأمر المتوجه إليه»؟ فإن عاد الضمير إلى المالك- كما هو الظاهر- فلا معنى لأن يقصد النائب التقرب بالأمر المتوجّه إلى المنوب عنه، و إن عاد الضمير

إلى الوكيل- على احتمال ضعيف- فالأمر المتوجّه إلى الوكيل توصّلي لا تعبّدي و لا قربي. و الحاصل: لا معنى لقصد المباشر قرب نفسه، و سيوافيك تفصيل ما ذكرنا في المسألة الثالثة و الرابعة و الخامسة الواردة حول وكالة الحاكم و الولي في أداء الزكاة عن الصبي

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 349.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 458

..........

______________________________

و المجنون، و الممتنع، و الكافر، و انّه لا معنى لقصد المباشر التقرّب. و أمّا النيابة في الحجّ أو الصلاة و الصوم حيث إنّ النائب يأتي بعامّة الأعمال بنية التقرّب، فهل يتقرب بالأمر المتوجّه إلى المنوب عنه أو النائب؟ فقد أوضحنا حاله في بحوثنا المدونة في «المواهب في تحرير أحكام المكاسب» فلاحظ.

و ثانيا: الظاهر انّ الوكالة في الأداء على قسمين:

1. ما ذكره السيد المصنّف من قيام المالك بعملية الإخراج عن المال و عزلها عنه ثمّ دفعه إلى الوكيل ليؤدّي عنه الزكاة و يصرفها في مصارفها، و الأداء بهذا المعنى يتصوّر في وكالة الحاكم التي ستوافيك في المسألة التالية.

2. النيابة عن المالك في عامّة المراحل من الإخراج، و النقل و الصرف.

3. النصوص الدالّة على جواز التوكيل

قد وردت روايات متضافرة حول التوكيل في الزكاة و مورد أكثرها هو التوكيل في الإيصال، و هي بين ما يدلّ على جواز التوكيل في الإيصال و هو الأكثر، و ما يدلّ على جواز التوكيل في الأداء و الإخراج و هو الأقل.

أمّا الأوّل فلاحظ ما نقله صاحب الوسائل في الأبواب التالية:

1. استحباب دفع الزكاة و الفطرة إلى الإمام و الثقات لتفرّق على أربابها. «1»

2. نقل الزكاة من بلد إلى آخر حتّى تقسّم هناك. 2

3. من دفع إليه الزكاة للتقسيم فيأخذ لنفسه أيضا. 3

فالأسئلة و الأجوبة تدور تارة على جواز

البعث، و أخرى على ضمان الزكاة عند التلف في الطريق، مع تسليم أصل البعث و تصدّي المبعوث إليه

______________________________

(1) (1، 2، 3). الوسائل: 6، الباب 35 و 39 و 40 من أبواب المستحقّين للزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 459

..........

______________________________

للتقسيم. ففيها غنى و كفاية.

و أمّا ما يدلّ على جواز التوكيل في الأداء، فنذكر منه ما يلي:

1. ما ورد في زكاة المضاربة من جواز قيام العامل بتزكية المال بإذن أصحاب المال.

روى الكليني بسنده عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة، هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتّجر به؟

فقال: «ينبغي له أن يقول لأصحاب المال: زكّوه، فإن قالوا إنّا نزكّيه فليس عليه غير ذلك، و إن هم أمروه بأن يزكّيه فليفعل». «1»

و المورد و إن كان من قبيل زكاة التجارة و هي مستحبة، لكن المتبادر إلى الذهن عدم الفرق بين الواجب و المستحب منها.

2. ما ورد في باب زكاة الفطرة من جواز توكيل الغير بإعطاء زكاة الفطرة.

روى الصدوق باسناده عن إسحاق بن عمّار، عن معتّب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة، و عن الرقيق أجمعهم، و لا تدع منهم أحدا، فإنّك إن تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت». «2»

3. و ما ورد في جواز تبرع المقرض زكاة مال القرض و سقوطه عن المستقرض و قد مرّ. «3» و حمله على صورة الضمان خلاف الظاهر.

و هذه الروايات منضمّة إلى السيرة الجارية في إخراج زكاة السادة من الناس حيث إنّهم لا يقومون بذلك مباشرة، بل يوكّلون العمال على الإخراج، تشرف

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث

1. و لاحظ الحديث 3.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

(3). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 460

..........

______________________________

الفقيه على القطع على جواز التوكيل في الإخراج و الأداء، كجواز التوكيل في الإيصال.

الفرع الثاني: في من يتولّى النية

لا شكّ انّ الزكاة من القربيات المتوقّفة صحّتها على نيّة القربة، فيقع الكلام في من يتولّى القربة في كلّ من القسمين من التوكيل.

أمّا التوكيل في الأداء ففيه وجهان:

1. انّ العبرة بنية الوكيل، و عليه المصنّف في المتن.

2. انّ العبرة بنية الموكّل وصول الزكاة إلى يد المستحق، و هو الظاهر من سيد مشايخنا المحقّق البروجردي حيث قال: ينوي المالك الزكاة عند دفع الوكيل إلى المستحق. «1»

و لكلّ من القولين وجه.

أمّا الأوّل: فيمكن أن يقال: انّ المتولّي لأداء الزكاة في هذا القسم هو الوكيل، لأنّ الفعل بتمامه قائم به فعليه أن يخرج الزكاة و يعزلها من مال الموكّل، و يدفعها إلى المستحق ناويا انّه زكاة، و يكفي في استناد الفعل إلى الموكّل، إذنه في ذلك حين التوكيل و لا يلزم تجديد النية عند إيصالها إلى يد الفقير.

أمّا الثاني: انّ المخاطب لأداء الزكاة هو المالك، دون الوكيل، و الغرض هو تزكية ماله و بالتالي تزكية نفسه بأداء الزكاة، فلا محيص من تولّيه النية، و أمّا الوكيل فانّما يقوم بالأعمال الخارجية من العزل و الإيصال إلى الفقير، و أمّا انطباق عنوان

______________________________

(1). تعليقة السيد البروجردي على العروة الوثقى.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 461

..........

______________________________

أداء الزكاة على المال الذي هو بيد الوكيل، فهو رهن نية المالك، فعليه النية حين دفع الوكيل الزكاة إلى الفقير. «1»

فإن قلت: ربما لا يكون المالك

واقفا على وقت الإيصال حتّى يتولّى النيّة.

قلت: لا محيص من استمرار النية من حين توكيله إلى وصول الزكاة إلى يد المستحق و عدم عزل الوكيل عمّا وكّل به.

و على هذا تكون العبرة بنية المالك، و لا عبرة بنيّة الوكيل فانّه يتولّى العمل الجارحي، من الإخراج و التأدية، لا العمل الجانحي- أعني: النية- فلا محيص من قيام المالك بها.

و مع ذلك فالأحوط الجمع بين الأمرين: أي استمرار نيّة المالك إلى إنجاز عملية الوكالة و وصول المال إلى يد المستحقّ، و نيّة الوكيل حين الدفع إلى الفقير فانّه زكاة عن المالك.

هذا كلّه حول القسم الأوّل، أعني: الوكالة في الإخراج و الأداء.

و أمّا القسم الثاني، أي التوكيل في الإيصال فقط، فالمتولّي للنيّة هو الموكّل قطعا، إذ لا دور للوكيل سوى الإيصال الذي ربما يتحقّق بغير الإنسان، أو الطفل و المجنون اللّذين لا عبرة بنيّتهما.

و تكفي النية حين الدفع و استمرارها إلى حين إنجاز عملية الوكالة من إيصال المال إلى يد المستحق، و المراد من الاستمرار عدم عزله عن التوكيل و عدم طروء البداء، فتبيّن انّ الملاك نيّة المالك في كلا القسمين.

فإن قلت: ما ورد في جملة من الأخبار من جواز بعث الزكاة إلى الوكيل

______________________________

(1). الظاهر انّ عبارة المصنف في هذا المقام من «حين الدفع إلى الوكيل» غير واف بالمقصود، و الأولى أن يقول: من حين دفع الوكيل إلى الفقير، كما أشار إليه السيد الحكيم في تعليقته، فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 462

[المسألة 2: إذا دفع المالك أو وكيله بلا نيّة القربة، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير]

المسألة 2: إذا دفع المالك أو وكيله بلا نيّة القربة، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير و إن تأخّرت عن الدفع بزمان بشرط بقاء العين في يده أو تلفها مع

ضمانه كغيرها من الديون، و أمّا مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنيّة.* (1)

______________________________

ليوزعها على المستحقّين من دون تعرض لحكم النية مع وضوح انّ الغالب عدم علم الموكّل بزمان الإيصال ليتصدّى للنية آنذاك، فإنّ هذا خير دليل على إيكال أمرها إلى ما هو المتعارف من كفاية النية حال البعث و التسبيب، أعني: زمان الدفع و التوكيل.

قلت: ما ذكرته حق و لا ينافي ما ذكرنا من لزوم استمرار النية في نفسه و عدم العدول عنها. و لو على وجه التعليق على نحو لو سئل لأجاب بالإثبات لا بالعدول.

نعم إن التوكيل في الإيصال رهن تقدّم عزل الزكاة بواسطة المالك، و أمّا ما سيأتي من المصنّف في مسائل الختام من أنّ نية العزل تكفي عن النية حال الدفع إلى المستحق فغير تام، لأنّ الواجب هو الإيتاء، و العزل مقدّمة له.

الفرع الثالث: في تعيين وقت النيّة

قد ظهر الحال في هذا الفرع ممّا ذكرنا في الفرع الثاني فلا نعود إليه.

(1)* و ذلك لأنّ المال ملك المزكّي، إذ لا يخرج عن ملكه إلّا بالدفع بعنوان الزكاة قربة إلى اللّه و المفروض فقدان النية، فالمقبوض إمّا بعينه كما إذا كان موجودا في يد المستحق، أو بمثله و قيمته كما إذا تلف مضمونا، فيجوز احتسابه مثل احتساب الدين زكاة من دون أن يكلّف بالقبض و الدفع ثانيا، و قد مرّ تفصيل

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 463

[المسألة 3: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء]

المسألة 3: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال، و يجوز بعنوان أنّه ولي عامّ على الفقراء.

ففي الأوّل يتولّى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير، و الأحوط تولّي المالك أيضا حين

الدفع إلى الحاكم، و في الثاني تكفي نية المالك حين الدفع إليه، و إبقاؤها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير، و في الثالث أيضا ينوي المالك حين الدفع إليه، لأنّ يده حينئذ يد الفقير المولّى عليه.* (1)

[المسألة 4: إذا أدّى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما، يكون هو المتولّي للنيّة]

المسألة 4: إذا أدّى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما، يكون هو المتولّي للنيّة.* (2)

______________________________

ذلك عند البحث عن احتساب الدين زكاة فلاحظ. «1»

نعم إذا تلف بلا ضمان فلا موضوع للاحتساب و النية.

(1)* إذا كان الحاكم وكيلا في الإخراج و الأداء أو في الإيصال «2»، يكون حاله كحال سائر الوكلاء، فيجري فيه ما ذكرناه في المسألة الأولى من أنّ العبرة بنية المالك في المقامين، غاية الأمر يكفي استمرار النية إمّا من زمان توكيله في أداء الزكاة أو من زمان دفعها إليه عند توكيله في الإيصال، إلى وصول الزكاة بيد المستحق، و أمّا إذا دفعه إليه بما انّه ولي الفقراء فيكون الدفع باليد كالدفع إلى نفس المستحق، فيكفي نيّة الزكاة حين الدفع إلى الفقيه الوليّ.

(2)* قد سبق في أوائل كتاب الزكاة في المسألة الأولى انّه يستحب للولي

______________________________

(1). لاحظ هذا الجزء، الفصل السادس، المسألة 24.

(2). قد سبق المراد من الأداء و الإيصال في المقام، فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 464

..........

______________________________

الشرعي إخراج الزكاة من غلّات غير البالغ يتيما كان أو لا، ذكرا كان أو أنثى، دون النقدين، و في استحباب إخراجهما من مواشيه إشكال، الأحوط الترك.

و مرّ أيضا- في المسألة الثانية- انّه يستحبّ للولي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره، من النقدين أو من غيرهما.

و على ضوء هذا فقوله: «إذا أدّى ولي اليتيم» ناظر إلى المسألة الأولى و قوله:

«أو المجنون» ناظر إلى المسألة الثانية.

ثمّ الظاهر انّ المراد

من النيّة، هو نيّة عنوان الزكاة بأن يكون الإخراج و الدفع مقرونا بنية الزكاة؛ و أمّا بنيّة القربة، فلا يتصوّر في المقام، لأنّ المنوب عنه- أعني: اليتيم غير المميز و المجنون- لا يتمشّى منهما نية القربة، و أمّا الولي فلا معنى أن يتقرّب بدفع مال الغير.

و على ذلك (نيّة الزكاة لا نيّة القربة) يحمل قول المحقّق في «الشرائع»: و الولي عن الطفل و المجنون، يتولّى النية أو من له أن يقبض منه كالإمام و الساعي. «1»

و أمّا ما في «المستمسك» بأنّ الولي نائب عنهما في الأداء، فإذا فرض توقّف صحّته على النية ناب عنهما في النية كسائر شرائط الصحّة. «2» فمنظور فيه، لأنّه إن أراد نيّة الزكاة و انّ العزل يجب أن يكون مقرونا بنيّة الزكاة فهو، و إلّا فالخطاب المتوجّه إلى الولي ليس خطابا عباديا حتّى يتقرب بدفع مال الغير. نعم لما كان خروج المال عن ملك المنوب عنه، متوقفا على إخراجه بعنوان الزكاة، لم يكن هنا بد عن إخراجه بهذه النيّة.

نعم إذا كان غير البالغ مراهقا فبما انّ عباداته شرعية يتولّى هو النية: نيّة الزكاة و نيّة القربة، و قد دلّ بعض الأخبار على صحّة صدقته إذا بلغ العشر. «3»

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 168.

(2). المستمسك: 9/ 351.

(3). الوسائل: 13، الباب 15 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 465

[المسألة 5: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه]

المسألة 5: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه.

و إذا أخذها من الكافر يتولّاها أيضا عند أخذه منه أو عند الدفع إلى الفقير عن نفسه لا عن الكافر.* (1)

______________________________

(1)* هنا فرعان:

1. إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع فينوي الحاكم عن الممتنع.

2. إذا أخذ الحاكم الزكاة

من الكافر فينوي عن نفسه لا عن الكافر عند أخذه منه أو عند الدفع إلى الفقير.

أمّا الأوّل فإن أراد من النيّة، نيّة الزكاة فهو صحيح، كإلزام المديون المتمكّن على أداء دينه، غاية الأمر انّ الدين في المقام معنون بعنوان الزكاة فإلزامه على أداء هذا النوع من الدين لا ينفك عن نيّة الزكاة، و أمّا نيّة التقرّب عن جانب الممتنع فغير معقول، نعم يصحّ للحاكم أن يتقرّب بعمله بإلزامه هذا، و أمّا التقرّب عن جانب الممتنع فهو غير تام، إذ ليس التقرّب أمرا قابلا للنيابة.

فالظاهر انّ المقام و نظائره من قبيل تعدّد المطلوب، فانّ الواجب هو قيام المكلّف بأداء زكاته إلى المستحقّ تقرّبا إلى اللّه سبحانه، فإذا لم يقم بواجبه قام الحاكم بما أمكن و سقط ما لا يمكن.

و منه يظهر الحال في الفرع الثاني، أعني: الزكاة من الكافر، فإنّ نيّة القربة مطلقا ساقطة فلا يصحّ للحاكم أن ينوي التقرّب لا عن الكافر لعدم صلاحيته للتقرّب ما دام كونه كافرا، و لا عن نفسه- كما في المتن- إذ لا معنى أن يتقرّب الحاكم بدفع مال الغير.

فالظاهر سقوط قصد القربة لعدم التمكّن منه، فمن كلّف بالتقرّب فهو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 466

[المسألة 6: لو كان له مال غائب مثلا، فنوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته]

المسألة 6: لو كان له مال غائب مثلا، فنوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته، و إن كان تالفا فهو صدقة مستحبّة صحّ، بخلاف ما لو ردّد في نيّته و لم يعين هذا المقدار أيضا فنوى انّ هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة فانّه لا يجزئ.* (1)

______________________________

مقرون بالمانع، فإنّ كفره مانع عن قصد التقرب بامتثال أمره سبحانه في المورد، و أمّا من يتمشّى منه القربة كالحاكم فالخطاب الموجّه إليه، خطاب توصّلي

ليس بعبادي.

و أمّا نيّة الزكاة فإن أخذها الحاكم بعنوان الولاية على الفقراء فيكون أخذه إيتاء فينوي عند الأخذ، و إليه أشار المصنّف بقوله: «يتولّاها عند أخذه منه» و إن أخذه بعنوان الولاية على الكافر الممتنع، فينوي عند الدفع إلى الفقراء، و إليه أشار في المتن بقوله: «أو عند الدفع إلى الفقير».

و حاصل الكلام: انّ الزكاة لمّا كان واجبا ماليا عباديا، و حقّا للفقراء في أموال الأغنياء فإذا تعذّرت القربة، يقوم الحاكم بأخذ حقوق الفقراء حسبة فقط، و هذه ضابطة في كلّ أمر مالي للناس معنون بعنوان خاص تعذّر عنوانه، فيقوم الحاكم بأخذه و إن لم يقترن بالعنوان.

(1)* في المسألة فرعان:

أ: لو قال في مال انّه لا يعلم موجود أو تالف: إن كان باقيا فهذا زكاته، و إن كان تالفا فهو صدقة مستحبة.

ب: لو قال: إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته أو نافلة، فلا يصحّ.

و المسألة معنونة في كلمات الفقهاء.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 467

..........

______________________________

قال المحقّق: لو قال: إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته، و إن كان تالفا فهي نافلة، صحّ. و لا كذا لو قال: أو نافلة. «1»

و يظهر من الشيخ الصحّة في كلتا الصورتين، قال: من كان له مال غائب يجب عليه فيه الزكاة فأخرج زكاته، و قال: إن كان مالي باقيا فهذه زكاته أو نافلة أجزأه.

و قد قيل: إنّه لا يجزيه، لأنّه لم يعيّن النية في كونها فرضا.

و إن قال: إن كان مالي باقيا سالما فهذه زكاته، و إن لم يكن سالما فهو نافلة أجزأه بلا خلاف، لأنّه أفرده بالنيّة. «2»

و ذكر في «الجواهر» وجه الفرق بأنّ الترديد في الأولى في المنوي لا في النيّة، لأنّه جازم بالوجوب

على تقدير سلامة المال، و بالنفل على تقدير تلفه، بخلاف الثانية فإنّه من قبيل الترديد في النية، و هو قادح لشرطية الجزم في النية، لأنّه على فرض واحد و هو وجود المال مردّد في جعله زكاة أو صدقة مستحبة، و هو نفس الترديد في النية، بخلاف الأوّل فانّه يجعل لكلّ من الزكاة و النافلة صورة مستقلة، و في كلّ صورة يجزم بأنّه زكاة أو نافلة. «3»

و يمكن أن يقال: انّه لا ترديد في النية و لا في المنوي أيضا في الصورة الأولى و إنّما الترديد في وصف الأمر الموجود، و ذلك لأنّه قصد امتثال الأمر الفعلي مائة بالمائة، و بذلك صار جازما في النية و المنويّ لكن لا يعلم وصفه و انّه أمر وجوبي أو استحبابي، فلا ترديد في ذات المنويّ بعد كونه متعيّنا و متقررا في الواقع، بل في صفته و خصوصياته، و ذلك نظير من علم أنّه يجب عليه صلاة رباعية مردّدة بين

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 169.

(2). المبسوط: 1/ 232.

(3). الجواهر: 15/ 479- 480 بتصرّف.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 468

..........

______________________________

الأداء و القضاء فيقصد الأمر الموجود غير أنّه يجهل وصفه، و مثل هذا يكون من قبيل الجزم في النية و المنوي و إنّما الجهل في صفة الأمر الموجود و هو الوجوب و الاستحباب.

لكن الصورة الثانية من قبيل الترديد في النية حيث إنّه على فرض واحد أي صورة وجود المال غير جازم بأنّه زكاة أو صدقة.

فإن قلت: لو كانت الصورة الأولى صحيحة لصحّت في عامّة الصور حتّى في صوم يوم الشكّ، كما إذا صام على أنّه إن كان من شعبان كان ندبا و قضاء و إن كان من رمضان كان واجبا، فقد

أفتى المشهور ببطلانه في كتاب الصوم.

قلت: الفارق هو النصّ في المورد الثاني «1» و أما ربّما يقال بأنّ الفارق بين المقام و المسألة هو الاستصحاب، فانّه يقتضي أن يصوم بنيّة شعبان و ليس له أن يصوم من رمضان و لو كان في الواقع من رمضان، و هذا بخلاف المقام فليس هناك أصل يعيّن أحد الطرفين، فضعيف، لأنّ مقتضى الاستصحاب في المقام هو بقاء المال و عدم تلفه و المفروض انّ له أثرا شرعيا.

و مع ذلك كلّه ففي النفس شي ء من التفريق بين الصورتين، و ذلك لأنّ التفريق بينهما على النحو المذكور من شأن الفقيه الذي يفرّق بينهما بأنّ الأولى من قبيل الترديد في المنوي و الأخرى من قبيل الترديد في النيّة على ما عليه المصنّف؛ أو انّه لا ترديد في الأولى لا في النية و لا في المنوي بل في وصف المنوي، بخلاف الأخرى فهو مغمور في الترديد نيّة و منويا.

و أمّا العامّي الذي لا يفرق بين الترديدين، فكيف يمكن أن يفرض عليه ما يجده الفقيه بعد الدقة؟!

______________________________

(1). لاحظ فصل النية: المسألة 17.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 469

[المسألة 7: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفا]

المسألة 7: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفا؛ فإن كان ما أعطاه باقيا له أن يستردّه، و إن كان تالفا استردّ عوضه إذا كان القابض عالما بالحال، و إلّا فلا.* (1)

______________________________

و الظاهر وحدة الصورتين في الحكم و صحّة الصورة الثانية أيضا بادّعاء انّه قصد طبيعة الأمر الجامعة بين الزكاة و الصدقة هذا المقدار من القصد كاف و إن لم ينو خصوصية الأمر، و اللّه العالم.

(1)* لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفا غير متعلّق به الزكاة فله

صور:

1. إمّا أن يكون المعطى باقيا.

2. إمّا أن يكون تالفا مضمونا على القابض.

3. إمّا أن يكون تالفا غير مضمون على القابض.

أمّا الأولى، فلأنّه لم يخرج عن ملكه فله أن يسترد ملكه. و أمّا ما دلّ على أنّ المدفوع صدقة لا تردّ، منصرف إلى الصدقة الواقعية.

و أمّا الثانية، فالمفروض انّ القابض ضامن، فله أن يستردّ عوضه.

و أمّا الثالثة، لأنّ مقتضى التسليط المطلق من المالك، للجاهل يقتضي عدم الضمان و المورد من مصاديق ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

تمّ الكلام في الفصل العاشر بقي الكلام في مسائل متفرقة و هي إحدى و أربعون مسألة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 470

[ختام فيه مسائل متفرقة]

[الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ]

اشارة

ختام فيه مسائل متفرقة الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ، و ليس من باب النيابة عن الصبيّ و المجنون، فالمناط فيه اجتهاد الوليّ أو تقليده، فلو كان من مذهبه- اجتهادا أو تقليدا- وجوب إخراجها أو استحبابه ليس للصبيّ بعد بلوغه معارضته، و إن قلّد من يقول بعدم الجواز.* (1)

______________________________

(1)*

هنا فروع:
اشارة

1. استحباب إخراج زكاة التجارة للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ و ليس من باب النيابة.

2. لو بلغ الصبيّ و قلّد من يقول بعدم جواز الإخراج، ليس له معارضة الوليّ.

3. لو عقد للصبيّ النكاح بالعقد الفارسي اجتهادا أو تقليدا و قلّد الصبيّ بعد البلوغ من يرى فساده، فليس له إفساده.

4. لو شكّ الوليّ- اجتهادا أو تقليدا- في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمه، فمقتضى الاحتياط عدم الإخراج.

5. لو قلّد الوليّ من يرى وجوب الإخراج احتياطا فهل له الإخراج أو لا؟

و إلى هذا الفرع أشار المصنّف فيما يأتي بقوله: نعم لا يبعد إذا كان الاحتياط

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 471

..........

______________________________

وجوبيا- إمّا تقليدا أو اجتهادا-.

6. نظير المقام إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبي حيث إنّه محل خلاف، و كذا سائر التصرّفات في مال الصبي.

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر.

الأوّل: استخراج الزكاة تكليف للوليّ

قد تقدّم في صدر كتاب الزكاة انّه يستحبّ أن يخرج الوليّ زكاة مال التجارة، للمجنون و الصبي، استنادا إلى الأخبار المستفيضة «1» و جاء فيها قوله: «إذا اتّجر به فزكّه» «2» أو قوله: «إذا حرّكته فعليك زكاته» «3»، فيقع الكلام في أنّ قيام الولي بإخراج الزكاة هل هو من باب النيابة عن الصبيّ و المجنون، أو هو تكليف للوليّ ما دام وليّا؟

فقال المصنّف بالثاني، لظهور انّ المحجورين ليسا بمكلّفين بشي ء من أداء الزكاة، حتى يقوم الولي عنهما نيابة، بل تكليف عليه كما هو ظاهر النص.

و أورد عليه السيد الحكيم قدّس سرّه بأنّه خلاف ظاهر الأدلّة، فإنّها ظاهرة في كون المصلحة عائدة للمالك، صغيرا كان أم كبيرا، و توجيه الخطاب بالإخراج إليه ظاهر في ثبوته له بعنوان الولاية، كالخطاب بغيره من التصرّفات. «4»

أقول: قد تقدّم

في محلّه، انّ تعلّق الزكاة بمال الصبيّ و المجنون على نحو الحكم الوضعي لا التكليفي، فالفقير شريك الصبي في ماله بنحو من الأنحاء،

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 2 و 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.

(3). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.

(4). المستمسك: 9/ 353.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 472

..........

______________________________

غير أنّ الوليّ هو المأمور بإخراج حقّ الفقير من مال الصبيّ، و بما انّه هو المكلّف بالعمل فيراعى في كلّ مورد مذهبه لأجل ولايته عليهما، فليس الخطاب في المقام تكليفا مجرّدا- كما هو ظاهر العبارة- بل تكليف نابع عن الولاية.

و إن شئت قلت: إنّ الخطاب المتوجّه إلى الولي ذاتا (بما هو هو) أو وصفا (بما هو وليّ) على أقسام ثلاثة:

1. خطابه بأداء فرائض نفسه، كالصلاة و الصوم.

2. خطابه بأداء فريضة الغير بعد كونه محكوما بها وضعا و تكليفا، كما هو الحال في السفيه، فانّه محكوم بأداء الزكاة، في مجالي الوضع و التكليف، لكنّه لما كان محجورا عن التصرف المالي، يتوجه الخطاب إلى الولي بما هو وليّ، و يقوم نيابة عنه.

3. خطابه بأداء فريضة الغير، بما هو محكوم بها وضعا لا تكليفا، كما هو الحال في المقام حيث إنّ الصبي و المجنون، غير محكومين بحكم تكليفي، لكن تتعلّق الزكاة بمالهما وضعا بوجه قهري، فيخاطب الولي بالأداء عنهما، و يكفي في صدق النيابة كونهما محكومين بالأداء وضعا لا تكليفا.

و بذلك يعلم أنّ خطاب الولي في المقام ليس خطابا مجرّدا عن الولاية، و ليس عمله منقطعا عن الصبي و المجنون، كما هو ظاهر كلام المصنّف.

نعم انّ ما ذكرنا من

تعلّق الزكاة بمال الصبي على الوجه الوضعي واضح إذا كان الإخراج واجبا لا مستحبا كما هو المفروض، و على كلّ لا تأثير للفرع فيما يأتي من الفروع.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 473

الثاني: ليس للصبي- بعد البلوغ- معارضته

______________________________

قد عرفت أنّ الزكاة تتعلّق وضعا بمال الصبي أو المحجور، و لكن المخاطب بالإخراج و الأداء إنّما هو الوليّ، فلا مناص عندئذ للولي إلّا رعاية اجتهاده أو تقليده، كما هو الحال في كلّ مورد فوّض أمر الإجارة أو المضاربة أو المساقاة إلى شخص، إذ لا محيص له في العقد، من رعاية اجتهاده أو تقليده.

و الظاهر من المصنّف انّ كون المعيار، اجتهاد الولي أو تقليده من آثار عدم نيابته عنهما، مع أنّ الأمر كذلك في النيابة أيضا، لأنّ النائب في الحجّ و الصلاة و غيرهما من العبادات يراعي اجتهاده أو تقليده إلّا إذا شرطت على النائب الكيفية الخاصة و لم تكن مبطلة، كالتأمين، و قبض اليسرى باليمنى و غيرهما، و إلّا فتبطل الصلاة، لعدم تمشّي القربة عندئذ.

و يترتّب على ذلك، انّه ليس للصبي معارضته بعد بلوغه، لو كان اجتهاده أو تقليده مخالفا لعمل الولي، كحرمة إخراج الزكاة من مال الصبي و المجنون، لأنّ أمر الولي بالعمل باجتهاده أو تقليده، يلازم عرفا عدم ضمانه حتّى لو تبيّن خلافه، بتبدّل رأيه أو رأي من قلّده فضلا عمّا إذا كان مخالفا لاجتهاد الصبي- بعد بلوغه- أو تقليده.

و قد أوضحنا ذلك في مبحث الإجزاء و قلنا: إنّ الأمر بالعمل بالأمارة مطلقا، يوجب الإجزاء للملازمة العرفية بين الأمر بالعمل، و الإجزاء، و رفع المولى يده عن مطلوبه الواقعي لمصلحة التسهيل.

مضافا إلى ما قيل من أنّه محسن و ما على المحسنين من سبيل.

و لكن الظاهر من السيد

الحكيم غير ذلك، و انّه يصحّ للصبي إذا بلغ مخاصمة الولي حيث قال: هذا غير ظاهر، إلّا إذا قام الدليل على أنّ اجتهاد الولي

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 474

..........

______________________________

أو تقليده بنفسه مأخوذ موضوعا لحكم الطفل. و لكنّه ممنوع، فإذا اختلفا في الاجتهاد أو التقليد- كما لو كان مقتضى تقليد الولي الوجوب أو الاستحباب و مقتضى تقليد الصبي عدم المشروعية- تعيّن على كلّ منهما العمل على ما يقتضيه تكليفه فإن أدّى إلى النزاع و الخصومة رجعا إلى حاكم ثالث يفصل بينهما باجتهاده.

نعم قد يكون نظر الحاكم الذي يترافعان إليه عدم الضمان في مثل ذلك، لعدم التعدّي و التفريط، فلو كان نظره الضمان، تعيّن عليه حسم الخصومة به. «1»

و تبعه السيد الخوئي و أضاف: فإن كانت العين باقية استردّها، و إلّا فله حقّ المطالبة و المعارضة، و معه يرفع النزاع إلى الحاكم الشرعي لخصمها و حسمها حسبما يؤدي إليه رأيه و نظره.

و بالجملة: وجوب الإخراج أو استحبابه حكم ظاهري متعلّق بالولي بمقتضى وظيفته الفعلية الثابتة عن اجتهاد أو تقليد، فلا ينافي جواز المعارضة من قبل الصبي بمقتضى ما تعلقت به من الوظيفة الظاهرية أيضا. «2»

يلاحظ على ما ذكره: أنّ الأمر بالعمل بما هو مقتضى اجتهاد الولي أو تقليده، ثمّ الحكم عليه بالضمان، أمران متنافيان في عرف العقلاء، فلو أمر رئيس الإدارة أحد الموظفين، بالعمل فيما يتعلّق بأموالها وفق القوانين الموجودة، و قام الموظّف به حسب ما أمر، ثمّ تبيّن وجود الخطأ في نفس القوانين فحكم عليه بالضمان، عدّ ذلك أمرا منافيا لما أمر به، و يدلّ ذلك على أنّ الأمر بالعمل على وفق القاعدة و القانون، يلازم نفي أي تبعة عليه.

و بذلك يعلم

ما في كلام المحقّق الخوئي حيث قال: الظاهر أنّه لا مانع من

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 354.

(2). مستند العروة: 24/ 287- 288.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 475

كما أنّ الحال كذلك في سائر تصرّفات الوليّ في مال الصبيّ أو نفسه من تزويج و نحوه، فلو باع ماله بالعقد الفارسيّ أو عقد له النكاح بالعقد الفارسيّ أو نحو ذلك من المسائل الخلافيّة و كان مذهبه الجواز، ليس للصبيّ بعد بلوغه إفساده بتقليد من لا يرى الصحّة.* (1)

______________________________

معارضته و لا سيّما مع بقاء عين المال، و لا منافاة بين جواز المعارضة، و وجوب الإخراج أو استحبابه للولي بمقتضى تكليفه الظاهري. «1»

إنّ مفاد ما ذكر انّ للشارع تشريع حكمين متعارضين يأمر بأحدهما باستحباب الإتلاف أو وجوبه و الآخر الحكم عليه بالتضمين بوجوب تضمينه.

أو ليس الأولى، تقييد الحكم الظاهري الثاني بما إذا لم يسبق من الولي شي ء يناقضه، أو كون اجتهاد الولي أو تقليده حجّة على الطفل و إن بلغ، و هذا هو الذي عبر عنه السيد الحكيم كون اجتهاده أو تقليده مأخوذا موضوعا لحكم الطفل.

(1)*

الثالث: حكم سائر تصرّفات الولي في أمر الصبي

هذا فرع ثالث لا صلة له بالفرع السابق، فإنّ السابق يدور حول جواز المعارضة و عدمها، و أمّا هذا الفرع فهو يدور حول نفوذ عامّة تصرّفات الولي في أمر الصبي و عدمه إذا تبيّن له- بعد البلوغ- بطلانه، كما إذا باع بالمعاطاة أو عقد له النكاح بالفارسي، فذهب المصنّف إلى أنّه ليس للصبي إفساده بتقليد من لا يرى الصحة، خلافا للسيد الحكيم حيث قال: بل يتعيّن عليه ذلك، عملا بتقليده لمن يرى الفساد. نعم لو كان رأي مجتهده كون عمل الولي- الجاري على مقتضى

______________________________

(1). مستند العروة: 24/ 287.

الزكاة في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 476

..........

______________________________

اجتهاده أو تقليده- صحيحا بالإضافة إلى عمل الصبي، جاز له ترتيب آثار الصحة حينئذ، عملا بتقليده له. «1»

و حاصل كلامه- و إن كانت عبارته غير واضحة-: انّ اجتهاد الطفل أو تقليده تارة يؤدي إلى فساد عمل الولي، دون لزوم إفساده، ففي هذه الصورة لا يجوز له الإفساد، و هذا ما أشار إليه بقوله: «نعم لو كان رأي مجتهده ...»؛ و أخرى يؤدّي إلى فساده و لزوم إفساده ففي هذه الصورة يتعيّن الإفساد.

و على كلّ تقدير فالمصنّف على عدم الإفساد خلافا لأكثر المعلّقين.

هذا و قد فصّل السيد الشاهرودي بين التصرفات المنوطة بغبطة الصبي، فالملاك هو تشخيص الولي، و لو تبيّن عدم الغبطة، لأنّ الظاهر انّ لنظر الولي موضوعية؛ و بين نفوذ ما يراه نافذا، فالمتعيّن هو وجوب العمل بما يقتضيه اجتهاده أو تقليده لا اجتهاد الولي، كما أنّ الواجب على الولي أيضا العمل على ما يقتضيه اجتهاده نفسه أو تقليده، ففي جميع المسائل الخلافية كلّ يعمل على طبق مذهبه، و ليس لأحد ترتيب الأثر على ما يطابق مذهب غيره و يخالف مذهبه، ففي مثل إجراء عقد النكاح بالفارسي ليس للصبي ترتيب الأثر مع أنّه يراه فاسدا. «2»

أقول: يجب تحرير محل النزاع، و هو انّ الكلام فيما إذا كانت الشبهة حكمية، و إلّا فلو كانت موضوعية، كما إذا عقد على جارية تبيّن انّها أخته الرضاعية أو اشترى له دارا كانت مغصوبة، فلا شكّ في الحكم بالإفساد.

إنّما الكلام فيما إذا كانت الشبهة حكمية، فإن كانت في المسائل التي لا تقبل الخلاف مع تبيين الواقع، و ظهور فساد الحكم الذي عمل على وفقه، فالظاهر

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 354- 355.

(2). تعليقة السيد الشاهرودي على العروة في

نفس المسألة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 477

..........

______________________________

الإفساد، لانتفاء أمد الحكم الظاهري بتبيّن الواقع.

إنّما الكلام فيما إذا كانت المسألة من المسائل الخلافية و الواقع بعد، غير معلوم.

فربما يقال: من أنّ مؤدّى الحجة الفعلية من الاجتهاد و التقليد لا ينحصر ببيان الوظيفة بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة فقط، بل يعمّ اللاحق و السابق على وفق ما هو الحجة عنده، لعدم حجّية اجتهاد الولي أو تقليده في حقّه.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يتمّ إذا كان هناك انكشاف قطعي بالنسبة إلى الواقع و هو خلاف المفروض، بل أقصى ما يتصوّر، انّه اجتهاد على خلاف الاجتهاد الأوّل، فالقدر المتيقّن من الاجتهاد الثاني، هو لزوم تطبيق الصبي كل ما يصدر منه من العمل على وفقه، و أمّا نقض ما صدر من غيره فدليل الأمارة و حجيّة الفتوى قاصر عن ذلك فلاحظ. فالظاهر لزوم ترتيب الأثر على عمل الولي الذي له صلة بالصبي و لو بعد البلوغ ببقاء موضوع الحكم الظاهري.

و بعبارة أخرى: كانت الفتوى الأولى حجّة فيما مارسه الولي في حقّ الطفل، و إنّما الشكّ في انقلاب الحجة عن الأولى إلى الثانية، و هو مشكوك جدّا.

و بذلك يعلم حال المسألة الثالثة و الخمسين من مسائل الاجتهاد و التقليد.

قال المصنّف: «لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحّة، ثمّ مات و قلّد من يقول بالبطلان، يجوز له البناء على الصحة».

وجهه: انّ القدر المتيقّن من حجية الاجتهاد أو التقليد الثاني، هو حجّيته فيما يأتي، لا إبطال ما سبق، لأنّ المفروض انّه حكم ظاهري، كالحكم الظاهري السابق، نعم لو انكشف الواقع كان له وجه.

و مثله: «إذا أفتى المجتهد بجواز الذبح بغير الحديد مثلا فذبح حيوانا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

478

نعم لو شكّ الوليّ- بحسب الاجتهاد أو التقليد- في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما و أراد الاحتياط بالإخراج، ففي جوازه إشكال، لأنّ الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبيّ. نعم لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيّا. و كذا الحال في غير الزكاة- كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ- حيث إنّه محلّ للخلاف. و كذا في سائر التصرّفات في ماله، و المسألة محلّ إشكال مع أنّها سيّالة.* (1)

______________________________

كذلك، فمات المجتهد و قلّد من يقول بحرمته فإن باعه أو أكله حكم بصحة البيع و إباحة الأكل» و وجهه ما ذكرنا.

نعم استثنى المصنّف إذا كان الحيوان المذبوح موجودا فقال: «لا يجوز بيعه و لا أكله» و لكن الأوفق جوازهما، لأنّ حلية الحيوان من آثار الذبح السابق و قد أمضاه الشارع كما أنّ حلية المرأة من آثار العقد السابق.

و الحاصل: انّ كلّ عمل أمضاه الشارع يترتّب عليه الأثر سابقا و لاحقا، و لا يبطله الاجتهاد الثاني، نعم لو لم يكن للعمل تأثير في الحكم الشرعي، كالكحل الموجود سابقا و لاحقا، أو الموجود لاحقا، كعرق الجنب، فالمرجع هو الاجتهاد اللاحق.

(1)*

الرابع: لو شكّ الولي في جواز الإخراج

لو شكّ الولي- اجتهادا أو تقليدا- في وجوب الإخراج أو استحبابه أو حرمته ففي الاحتياط بالإخراج إشكال، لتعارض الاحتياطين.

و الأقوى عدم الإخراج، و ذلك لأنّ الأصل في التصرف في الأموال، هو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 479

..........

______________________________

الحرمة، من غير فرق بين مال اليتيم أو غيره، كما هو الحال في كلّ موضوع محكوم بالحرمة ذاتا و طبعا فالحكم في الجميع هو التحرّز، إلّا إذا دلّ الدليل على الجواز، و هذا نظير التصرف في الأوقاف، و اللحوم و النظر إلى المرأة فانّ الحكم

الأوّلي في الجميع هو الحرمة و الجواز يحتاج إلى الدليل. من دون حاجة إلى ترجيح عدم الجواز بأنّه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبي- كما في المتن- أو ترجيحه بأنّ الاحتياط في مال الصبي بكونه مقطوع الأهمية أو محتملها- كما عليه السيد الحكيم- إذ لا تصل النوبة إلى التعارض و الترجيح بعد كون مقتضى القاعدة الأولى في الأموال و الأعراض و النفوس و الأوقاف هو الحرمة.

الخامس: لو قلّد الوليّ من يرى وجوب الإخراج احتياطا وجوبيا

ثمّ إذا كان رأي مجتهد الولي هو إخراج الزكاة احتياطا وجوبيا، كان حكمه هو نفس ما رآه مجتهده و هو وجوب الإخراج، فهو محكوم من جانب الشرع بالعمل بفتوى مجتهده، و هو يلازم عرفا رفع الضمان مطلقا.

و قد استشكل السيد البروجردي على تصوير الاحتياط وجوبيا في المقام و قال: كيف يكون وجوبيا مع احتمال حرمته، بل معه ليس من الاحتياط؟!

و فسّره السيد الشاهرودي بأنّ الاحتياط في أصل المسألة بمعنى انّ إخراج الزكاة هو محلّ للاحتياط الوجوبي.

و فسّره بعض السادة من المشايخ بأنّ مورده ما لو علم إجمالا مثلا بوجوب زكاة إبله أو غنمه فيصير الاحتياط وجوبيا لكن ليس له الاحتياط في كلّ منهما لدورانه بين المحذورين. نعم عليه إعطاء المقدار المتيقّن من أحدهما أو من ثالث برجاء ما عليه عينا أو قيمة، و لا ريب في وجوبه حينئذ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 480

[الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة بماله و شكّ في أنّه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج، للاستصحاب]

اشارة

الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة بماله و شكّ في أنّه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج، للاستصحاب، إلّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى السنين الماضية، فإنّ الظاهر جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت، أو بعد تجاوز المحلّ هذا، و لو شكّ في أنّه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحبّ إخراجها- كمال التجارة له- بعد العلم بتعلّقها به فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب، لأنّه دليل شرعيّ، و المفروض أنّ المناط فيه شكّه و يقينه، لأنّه المكلّف، لا شكّ الصبيّ و يقينه، و بعبارة أخرى: ليس نائبا عنه.* (1)

______________________________

الظاهر صحّة تفسير السيد الشاهرودي، و انّ تضارب الأدلّة في مورد زكاة الصبي، حمل المجتهد إلى القول بالاحتياط وجوبا، لا استحبابا.

السادس: إخراج الخمس من مال الصبي

إنّ المصنّف عطف إخراج الخمس من أرباح التجارة

للصبي على إخراج الزكاة من ماله، لأنّه أيضا محلّ خلاف، و بما انّا قد فرغنا من حكمه في كتاب الخمس، فنطوي الكلام فيه. «1»

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

1. إذا شكّ في إخراج الزكاة، وجب الإخراج في نفس السنة.

2. إذا شكّ بالنسبة إلى السنين فلا يجب.

3. إذا شكّ في إخراجها عن مال الصبي، فيجوز له الإخراج.

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر:

______________________________

(1). لاحظ كتاب الخمس في الشريعة الإسلامية الغراء: 383- 385.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 481

الأوّل: الشكّ في إخراج الزكاة في نفس السنة

______________________________

إذا علم بتعلّق الزكاة بماله و شكّ في أنّه أخرجها أو لا، وجب عليه الإخراج إذا كانت العين الزكوية باقية، إمّا للاستصحاب كما عليه المصنّف و بعض الشرّاح، أو لنفس قاعدة الاشتغال من دون حاجة إلى استصحاب البراءة اليقينيّة، لأنّ القاعدة تغني عن الاستصحاب، لأنّ العلم بنفس الاشتغال مع الشكّ في الإخراج كاف في الإلزام بالأداء من دون حاجة إلى لحاظ الحالة السابقة و جرّها إلى حالة الشك.

هذا كلّه مع بقاء العين الزكويّة، و أمّا مع عدم بقائها، و احتمال أداء الزكاة منها أو من غيرها، فربّما يقال بأنّ مرجع الشكّ في الأداء و عدمه، إلى الشكّ في التكليف، حيث يشكّ في انتقال أداء الزكاة بالتلف إلى الذمّة أو لا، و الأصل عدم اشتغالها.

قال السيد الخوئي: أمّا مع التلف، بحيث كان ضامنا للزكاة على تقدير عدم أدائها، فالمرجع حينئذ أصالة البراءة عن الضمان، للشكّ في تعلّق التكليف الجديد، و من المعلوم أنّ أصالة عدم أداء الزكاة لا تثبت وقوع الإتلاف حال عدم الأداء ليترتب عليه الضمان. «1»

أقول: ما ذكره مبنيّ على وجوب أداء الزكاة من العين عند بقائها، و من القيمة عند تلفها، فما دامت العين باقية فهو مكلّف بالأداء عنها فقط، و بالتلف تنتقل الزكاة إلى الذمّة، و يكون مرجع الشكّ عندئذ إلى الاشتغال الجديد، لكنّه خلاف التحقيق و خلاف مختاره، فإنّ المكلّف

مخاطب من لدن تعلّق الزكاة بماله،

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 24/ 289.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 482

..........

______________________________

بأداء الزكاة من العين أو القيمة، فالشكّ في الأداء، شكّ في بقاء هذا التكليف و عدمه، و الأصل بقاؤه، فليس هنا إلّا اشتغال واحد نشكّ في بقائه.

الثاني: الشكّ بالنسبة إلى السنين الماضية

إذا شكّ في أداء الزكاة بالنسبة إلى السنين الماضية، فهل يجب عليه الأداء؟

فلا شكّ انّ مقتضى القاعدة الأوّلية، هو أداء الزكاة، لأنّه بعد العلم بالتعلّق يشكّ في أصل الامتثال، و المرجع هو الاشتغال في الشك في السقوط.

لكن يحتمل حكومة قاعدتين أخريين عليها:

1. قاعدة الحيلولة، أي الشك بعد خروج الوقت.

2. قاعدة التجاوز.

أمّا الأولى فهو فرع كون الزكاة واجبا مؤقتا، فإذا خرج الوقت فلا يعتد بالشكّ مثل الصلاة؛ ففي صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها، صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتّى تستيقن». «1»

أقول: ليست الزكاة من الأمور المؤقتة بحيث يتصوّر فيها الأداء و القضاء، و مجرّد الفورية أو جواز التأخير إلى عدّة شهور أو عدم جواز التهاون لا يكون دليلا على أنّها من المؤقت، بل كصلاة الآيات للزلزلة، و أداء الدين مع مطالبة الدائن مع قدرة المديون، فلو أخّر فقد عصى و لكن الأمر باق.

و أمّا الثانية- أعني: قاعدة التجاوز- فإنّما تجري فيما إذا تجاوز المكلّف عن

______________________________

(1). الوسائل: 3، الباب 60 من أبواب المواقيت، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 483

..........

______________________________

المحلّ المقرر للشي ء شرعا، سواء شكّ في الإتيان أو في صحّة المأتي

به، كما إذا شكّ في الحمد بعد ما ركع، أو في الركوع بعد ما سجد.

و أمّا الزكاة فليس لها محلّ شرعي مقرر، حتّى يقال انّه تجاوز عنه.

نعم يمكن أن يقال يكفي التجاوز عن محل الشي ء عادة و لم يكن تجاوزا عن المحل الشرعي، كما إذا خرج من الحمام و شكّ في أنّه اغتسل أم لا لكن جرت عادته على الاغتسال فيه متى وجب عليه، و على ذلك لو كانت عادته على الإخراج في نفس السنة، يكفي التجاوز عنه.

لكنّه منظور فيه، لانحصار التجاوز عن المحلّ الشرعي، لا العرفي و العادي.

نعم يمكن الاستناد إلى أمر رابع و هو بناء العقلاء على عدم الاعتداد بالشكوك المتعلّقة بالأزمنة السالفة وجودا و صحّة، و لعلّ منشأ بنائهم هو لزوم العسر و الحرج، و لعلّه لذلك لم يرد سؤال عن المسألة في الروايات و ليس مرجع ذلك إلى كفاية الخروج عن المحل العادي، بل حيلولة الزمان الطويل موضوع عند العقلاء، لعدم الاعتناء بالشكوك الطارئة على أعمالهم.

الثالث: الشكّ في إخراج الزكاة عن مال الصبي

إذا شكّ في إخراج الزكاة عن مال الصبي يكون حكمه حكم الشكّ في إخراجها عن مال نفسه، فيعمل بالأصل العملي و هو الاشتغال بالتكليف استحبابا أو وجوبا مطلقا- كما هو المختار- أو في صورة بقاء العين الزكوية- كما هو المختار لصاحب مستند العروة- من غير فرق بين كون الإخراج من باب النيابة، أو كونه موردا للخطاب. أمّا الثاني فواضح، و أمّا النيابة، فلما عرفت من أنّ

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 484

[الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر و شكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه]

اشارة

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر و شكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه أو قبله حتّى يكون على المشتري، ليس عليه شي ء، إلّا إذا كان زمان التعلّق معلوما و زمان البيع مجهولا، فإنّ الأحوط حينئذ إخراجه على إشكال في وجوبه، و كذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شكّ في ذلك، فإنّه لا يجب عليه شي ء، إلّا إذا علم زمان البيع و شكّ في تقدّم التعلّق و تأخّره، فإنّ الأحوط حينئذ إخراجه، على إشكال في وجوبه.* (1)

______________________________

الغائب يعمل بوظيفة نفسه، لا وظيفة المنوب عنه، و ما في عبارة المصنّف: «ليس نائبا عنه» كأنّه ليس في محلّه. لكون الحكم واحدا في كلتا الحالتين.

و يمكن أن يقال بافتراق المقام عن الشك في عمل نفسه بأنّ الإعادة هناك موافقة للاحتياط، بخلاف المقام فلو كان الإخراج مستحبا، فالإعادة استحبابا و إن كان مقتضى الأصل لكنّه خلاف الاحتياط، لأنّه تصرّف في مال الصبي مع احتمال إخراجه قبلا، فلاحظ.

(1)*

هنا صور:
اشارة

1. إذا باع الزرع أو الثمر و كانا مجهولي التاريخ.

2. إذا كان البيع معلوم التاريخ، دون التعلّق، لم يجب على البائع شي ء منهما.

3. إذا كان التعلّق معلوم التاريخ دون البيع، فالأحوط إخراج الزكاة.

هذا كلّه حول شكّ البائع، و أمّا إذا كان الشاكّ هو المشتري فسيوافيك بيانه.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 485

الصورة الأولى: في مجهولي التاريخ

______________________________

إذا كان كلّ من البيع و التعلّق مجهول التاريخ، فإن قلنا بأنّ أدلّة الأصول منصرفة عن أطراف العلم الإجمالي- كما عليه صاحب الكفاية- فلا يجري الأصل لفقد المقتضي؛ أو قلنا بالجريان، و لكن يسقط كلّ منهما لأجل المعارضة، فأصالة عدم تعلّق الزكاة إلى حال البيع يعارض بأصالة عدم البيع إلى زمان التعلّق، كما هو مختار الآخرين، و على كلّ تقدير، فالمرجع- بعد تعارض الاستصحابين- هو البراءة.

الصورة الثانية: إذا كان البيع معلوم التاريخ

إذا كان البيع معلوم التاريخ كأوّل الشهر الثاني للربيع، و التعلّق مجهوله، فبما انّه يجري الأصل في جانب المجهول دون المعلوم، فلا يجب على البائع شي ء، فتجري أصالة عدم التعلّق إلى زمان البيع، أو أصالة عدم تعلّق الزكاة بهذا المال إلى زمان البيع، أو أصالة عدم تعلّقها ما دام كونه مالكا، فتكون نتيجته نفي تعلّق الوجوب على البائع.

و أمّا المعلوم تاريخه فلا يجري الأصل فيه، لعدم الشكّ فيه بما هو هو لعدم الجهل فيه لا تحققا و لا ارتفاعا، و الغاية من الاستصحاب إطالة عمر المستصحب بحكم التشريع و هو فرع الجهل بزمانه، و هذا إنّما يتصوّر إذا شكّ في بقاء المستصحب في فترة من الزمان و عدمه، و المعلوم تاريخا فاقد لهذه الحيثية، حيث نعلم مقدار عمره و زمان ارتفاعه.

فإن قلت: إنّ البيع و إن كان معلوم التاريخ بالنظر إلى الزمان حيث يعلم بوقوعه في أوّل شهر كذا، إلّا أنّه بلحاظ الحادث الآخر- التعلّق- سبقا و لحوقا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 486

..........

______________________________

الذي هو الموضوع للأثر، مشكوك بالوجدان فيستصحب عدمه إلى الزمان الواقعي للحادث الآخر.

قلت: إنّ الاستصحاب يستخدم لكشف الواقع- تعبّدا- و المعلوم تاريخا واضح لا ستر فيه، و تصور انّ المعلوم تاريخا مجهول من

حيث السبق و اللحوق و إن كان صحيحا، لكنّه مجهول بالعرض نابع من الجهل بتاريخ الآخر حيث إنّ الجهل بتاريخ التعلّق في عمود الزمان، صار سببا لطروء الجهل على المعلوم تاريخا من حيث السبق و اللحوق، و مثل هذا الجهل الطارئ ليس مصداقا لأدلّة الاستصحاب التي سيقت لإطالة عمر المستصحب و إبقائه في طول الزمان، و الإطالة منتفية في المقام، سواء كان البيع سابقا على التعلّق أو لاحقا، فتكون النتيجة عدم وجوب الزكاة على البائع في الصورتين التاليتين:

1. إذا كانا مجهولي التاريخ.

2. إذا كان البيع معلومه و التعلّق مجهوله.

الصورة الثالثة: إذا كان التعلّق معلوم التاريخ
اشارة

إذا كان التعلّق معلوم التاريخ و انّ الحنطة و الثمرة تعلّقت بها الزكاة في أوّل رجب، لكن كان البيع مجهوله، فلو باع قبل شهر رجب فليس عليه شي ء دون ما إذا باع بعده، فبما انّ الأصل لا يجري في ناحية التعلّق لكونه معلوم التاريخ ينحصر جريان الأصل في مجهوله، أعني: أصالة بقاء العين في ملكه إلى زمان التعلّق، و بقاء العين في ملكه موضوع لوجوب الزكاة، فعليه دفعها من القيمة لافتراض كون العين الزكوية مبيعة حيث إنّ بقاء العين في ملكه إلى زمان التعلّق موضوع لوجوب الزكاة. و بما انّ العين انتقلت إلى المشتري فلا محيص من دفع الزكاة عن القيمة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 487

..........

______________________________

و هذا هو وجه الوجوب و أمّا الإشكال- الذي أشار إليه المصنّف بقوله:

«و فيه إشكال»- فليس لتوهّم كون الأصل مثبتا، بل لأجل احتمال جريان الأصل في معلوم التاريخ و تعارضهما، و يكون المرجع هو البراءة، و قد عرفت أنّ المتعيّن هو عدم جريانه في المعلوم حتّى يكون المرجع هو البراءة.

إذا كان الشاك هو المشتري

هذا إذا كان الشاكّ هو البائع، و أمّا إذا كان الشاك هو المشتري فله أيضا صور ثلاث:

1. إذا كانا مجهولي التاريخ.

2. إذا كان الشراء معلوما و التعلّق مجهولا.

3. إذا كان التعلّق معلوما و الشراء مجهولا.

فالأصلان في الصورة الأولى متعارضان يسقطان بالتعارض.

كما أنّ الأصل في الصورة الثانية يجري في التعلّق دون الشراء، فيكون المرجع أصالة عدم التعلّق إلى زمان البيع، أو عدم الشراء إلى زمان التعلّق، و هو موضوع لعدم وجوب الزكاة إذا كان الشاك هو البائع كما تقدّم، و لو كان الشاكّ هو المشتري فهل هو موضوع لوجوبها على المشتري؟ الظاهر لا، لأنّ الموضوع هو حدوث التعلّق

في ملك المشتري و هو لازم الأصل المزبور، لأنّ عدم التعلّق إلى زمان البيع و شرائه هو حدوثه بعد البيع و الشراء عقلا.

فتلخّص انّ الصورة الثانية موضوع لعدم وجوب الزكاة على البائع و المشتري. أمّا على البائع فلما عرفت، و أمّا على المشتري فلما قلنا من أنّ الأصل مثبت فلا يثبت به حدوث التعلّق في ملكه و بعد شرائه إلّا على القول بالأصل المثبت.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 488

..........

______________________________

نعم بما انّ المشتري في الصورتين يعلم تعلّق الزكاة على العين إمّا في ملكه أو في ملك غيره، لا يجوز له التصرّف فيه إلّا بإخراج الزكاة عنها.

فإن قلت: العلم الإجمالي بأنّ أحد الرجلين مكلّف بإخراج الزكاة، غير ملزم، كما هو الحال في واجدي المني في الثوب المشترك.

قلت: فرق بين المقامين لجريان أصالة الطهارة في كلّ واحد منهما، بلا تعارض، لخروج كلّ من محلّ الابتلاء بالنسبة إلى الآخر، بخلاف المقام فانّ العين مورد ابتلاء بالنسبة إلى المشتري ففيه الزكاة إمّا لأجل تعلّقها بها في ملك البائع أو ملك المشتري، و معه لا يجوز له التصرف، فتكون النتيجة وجوب الزكاة عليه.

و الحاصل: يجب عليه إخراجها من باب العلم التفصيلي بأنّ مقدار العشر أو نصفه مستحقّ للغير إمّا قبل الشراء أو بعده، فلا مناص من إخراج حقّه من العين، و ليس له الرجوع إلى البائع بعد كون البيع محكوما بالصحة.

و أمّا الصورة الثالثة فيجري الأصل في الشراء دون التعلّق، فقد عرفت أنّ نتيجته هو تعلّق الزكاة على البائع، لأنّ بقاء العين في ملك البائع إلى زمان التعلّق كاف في إثبات تعلّق الزكاة بالبائع، فخرجنا بالنتائج التالية:

1. لا تجب الزكاة في الصورة الأولى و الثانية على الطرفين حسب

الأصول، و لكن يجب إخراج الزكاة على المشتري من باب العلم التفصيلي بتعلّق الزكاة بالعين.

2. تجب الزكاة في الصورة الثالثة على البائع دون المشتري.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 489

[الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته]

اشارة

الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته، و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة.

و إذا لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده لم يجب الإخراج من تركته، و لا على الورثة إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب، إلّا مع العلم بزمان التعلّق و الشكّ في زمان الموت، فإنّ الأحوط حينئذ الإخراج على الإشكال المتقدّم، و أمّا إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم، للعلم الإجماليّ بالتعلّق به، إمّا بتكليف الميّت في حياته، أو بتكليفه هو بعد موت مورّثه بشرط أن يكون بالغا عاقلا، و إلّا فلا يجب عليه، لعدم العلم الإجماليّ بالتعلّق حينئذ.* (1)

[صور المسألة]
اشارة

______________________________

(1)* إذا مات المالك فتارة نعلم بأنّه مات بعد تعلّق الزكاة أو مات قبله، و أخرى لا نعلم أنّ موته كان بعده أو قبله، و الكلام مركّز على الصورة الأولى.

الصورة الأولى: إذا علم تقدّم الموت أو تأخّره

إذا علم تاريخ موت المالك فله قسمان:

1. نعلم أنّه مات بعد التعلّق.

2. نعلم أنّه مات قبل التعلّق.

أمّا الأوّل، أي إذا مات بعد التعلّق، فقد مات و عليه زكاة، فإن كانت العين باقية فقد انتقلت التركة إلى الورثة و هي متعلقة لحقّ الغير، فلا يجوز لهم التصرّف فيها إلّا بتحريرها من حقّ الغير، بأداء الزكاة من العين أو القيمة أو الجنس الآخر.

و هذا من غير فرق بين من بلغت حصته من التركة حدّ النصاب أو لا.

هذا على القول بانتقال التركة برمّتها إلى ملك الوارث لكنّه يصير مأمورا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 490

..........

______________________________

بإخراج مقدار الزكاة عن ملكه، و أمّا لو قلنا بانتقال ما عدا الزكاة بحجة انّ الزكاة أيضا لم تدخل في ملك المالك حتى ينتقل منه إلى الورثة، فالحكم أوضح.

هذا إذا كانت الزكاة موجودة و أمّا إن كانت تالفة، فالزكاة تعدّ من ديون الميت التي تقدم على الإيصاء و الإرث أخذا بقوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «1» فتخرج من الأصل.

و أمّا الثاني، أي إذا مات قبل التعلق، فقد مات من دون أن تتعلّق بما له الزكاة، و أمّا الورثة فمن بلغت حصته النصاب فعليه الزكاة دون من لم تبلغ.

الصورة الثانية: إذا جهل أحدهما أو كلاهما
اشارة

اعلم أنّ الشكّ في تقدّم الموت أو تأخّره لا يؤثر في حال من بلغت سهمه حدّ النصاب، لأنّه يعلم بتعلّق الزكاة على سهمه إمّا في ملكه أو ملك مورّثه، فلا محيص له عن إخراج الزكاة و يكون العلم التفصيلي بتعلّق الزكاة بسهمه مطلقا سببا لانحلال العلم الإجمالي في بعض الموارد، إنّما الكلام فيمن لم يبلغ سهمه النصاب، فنقول هنا أقسام ثلاثة:

1. إذا كان الموت معلوم التاريخ دون التعلّق

إذا شكّ في التقدّم و التأخّر و كان الموت معلوم التاريخ و التعلّق مجهوله، فيجري الأصل في مجهوله دون معلومه فيقال: أصالة عدم تعلّق الزكاة بهذا المال الموروث إلى زمان موت المورث، و يظهر أثر الأصل في الوارث الذي لم يبلغ سهمه النصاب دون من بلغ، إذ لم يثبت تعلّق الزكاة بسهمه أمّا قبل التعلّق فقد مات المورّث بحكم الأصل، و أمّا بعد التعلّق فلأنّ المفروض عدم بلوغ حصته النصاب، و أمّا البالغ سهمه النصاب، فقد عرفت أنّه لا أثر لهذا الشكّ في حقّه

______________________________

(1). النساء: 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 491

..........

______________________________

فيجب عليه دفع الزكاة مطلقا، لأنّه يعلم تفصيلا بتعلّق الزكاة بها إمّا في ملك المورث أو ملكه.

2. إذا كان الموت مجهول التاريخ

إذا كان التعلّق معلوم التاريخ و الموت مجهوله، فقد احتاط المصنّف بإخراج الزكاة عن جميع السهام، سواء بلغت حدّ النصاب أو لا، و ذلك بفضل استصحاب بقاء الحياة إلى زمان التعلّق، فانّه كاف في ثبوت تعلّق الزكاة بالمال الذي ورثه الوارث، فتجب الزكاة سواء بلغت السهام- كلّها أو بعضها- حدّ النصاب أو لا.

و أمّا الإشكال، فلاحتمال جريان الأصل في معلوم التاريخ الذي قد عرفت عدم صحّته، فيكون الحكم بإخراج الزكاة عن التركة هو الصحيح.

3. إذا كانا مجهولي التاريخ

إذا كان كلّ من الموت و التعلّق مجهولي التاريخ مع العلم بتقدّم أحدهما على الآخر، فيدور الأمر بين الصورتين الماضيتين، اللّتين تتعلّق الزكاة في أولاهما بخصوص من بلغت حصّته النصاب و في الثانية بالجميع بلغت حصته حدّه أو لا؛ لكن القدر المتيقّن هو لزوم إخراج الزكاة ممّن بلغ سهمه حدّ النصاب، دون من لم يبلغ؛ أمّا من بلغ سهمه حد النصاب فللعلم التفصيلي بتعلّقها به، و أمّا عدم تعلّقها بسهم من لم يبلغ، فلكون العلم الإجمالي غير منجز في حقّه، لأنّه يعلم إجمالا بتعلّق الزكاة: إمّا في ملك المورث أو في ملك الوارث؛ فلو تعلّق في ملك الأوّل تجب عليه الزكاة، و لو تعلّق في ملك الثاني لا تجب عليه، فمثله لا يكون منجزا، لأنّه يشترط أن يكون العلم الإجمالي محدثا للتكليف على كلّ حال، و ليس المقام كذلك، بل يحدث على فرض دون فرض.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 492

[الخامسة: إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة و شكّ في أنّه أدّاها أم لا]

اشارة

الخامسة: إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة و شكّ في أنّه أدّاها أم لا، ففي وجوب إخراجه من تركته- لاستصحاب بقاء تكليفه- أو عدم وجوبه- للشكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميّت لا ينفع في تكليف الوارث- وجهان: أوجههما الثاني، لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميّت حتّى يتعلّق الحقّ بتركته، و ثبوته فرع شكّ الميّت و إجرائه الاستصحاب، لا شكّ الوارث و حال الميّت غير معلوم أنّه متيقّن بأحد الطرفين أو شاكّ، و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة- يد شخص أو ثوبه سابقا و هو نائم- و نشكّ في أنّه طهّرهما أم لا، حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة-

مع أنّ حال النائم غير معلوم أنّه شاكّ أو متيقّن- إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال: إنّ يده كانت نجسة و الأصل بقاء نجاستها فيجب الاجتناب عنها، بخلاف المقام حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميّت و اشتغال ذمّته بالنسبة إليه من حيث هو.

نعم لو كان المال الّذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال: الأصل بقاء الزكاة فيه، ففرق بين صورة الشكّ في تعلّق الزكاة بذمّته و عدمه، و الشكّ في أنّ هذا المال الّذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا، هذا كلّه إذا كان الشكّ في مورد لو كان حيّا و كان شاكّا وجب عليه الإخراج.* (1)

______________________________

(1)* إذا علم الوارث بأنّ مورّثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة و شكّ في الأداء، فقد ذكر المصنّف للمسألة صورتين:

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 493

..........

______________________________

1. إذا كانت العين الزكوية تالفة فاستوجه عدم وجوب الإخراج، للشكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، لأنّ استصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف الوارث بالأداء كما سيأتي تفصيله.

2. إذا كانت العين الزكوية موجودة لم يستبعد كون الأصل بقاء الزكاة. و إلى الصورة الثانية أشار بقوله: «نعم لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال ...» فجعل للمسألة صورتين، و لكن الظاهر انّ في المقام صورا أو فروعا ثلاثة:

الأوّل: أن تكون العين الزكوية باقية و نشكّ في أداء زكاتها من نفس العين أو مال آخر.

الثاني: أن تكون العين تالفة، و نشكّ في اشتغال الذمّة، لأجل احتمال أدائها حين وجود العين. و بعبارة أخرى: إذا كانت العين تالفة و لم يعلم أنّ

التلف كان عن ضمان أو لا، لاحتمال أدائها حين وجود العين إمّا منها أو من مال آخر.

الثالث: أن تكون العين تالفة مع العلم بعدم أدائها حين وجودها، و لكن نشك في أدائها بعد التلف. و بعبارة أخرى: كان التلف عن ضمان، كما إذا باعها بإذن الحاكم ناقلا زكاتها إلى الذمّة أو أتلفها بتلف مضمون عليه و لكن نشك في خروج الميت من تفريغ ذمّته بعد ذلك، كسائر الديون التي كانت عليه و نشك في أنّه هل أدّاها في حال حياته أو لا؟

إذا عرفت الفروع فلنذكر حكمها تباعا.

أمّا الأوّل: أعني: إذا كانت العين باقية، و نشك في أنّ المورّث أخرج زكاتها من العين أو مال آخر، فيكفي في وجوب الإخراج الإشارة إلى العين الزكوية و القول بأنّ هذا المال كان متعلّقا بحقّ الفقراء و يشكّ في بقائها فيجب الإخراج، كما أنّه

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 494

..........

______________________________

لو كان المورث حيّا و كان شاكّا، يجب عليه الإخراج.

أمّا الثاني: أعني ما إذا كانت العين الزكوية تالفة و لم يعلم أنّ التلف كان عن ضمان لاحتمال أداء الزكاة- حين كونها موجودة- من العين أو من مال آخر، فهل يجب الإخراج باستصحاب بقاء تكليف الميّت أو لا؟

و اختار المصنّف الوجه الثاني، قائلا بأنّ استصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف الوارث، لأنّ تكليفه بالإخراج فرع تكليف الميت حتّى يتعلّق الحقّ بتركته، و ثبوته فرع شكّ الميت و إجرائه الاستصحاب، لا شكّ الوارث، و حال الميت غير معلوم عند موته و انّه هل كان شاكّا أو متيقّنا بأحد الطرفين؟

و حاصل كلامه: انّ العبرة في إجراء استصحاب بقاء تكليف الميت أو استصحاب عدم الأداء هو يقين الميت و

شكّه، و المفروض أنّ كونه شاكّا غير معلوم، لا يقين الوارث و شكّه، فلا يجب على الوارث الإخراج ثمّ قال بأنّه فرق بين المقام و بين ما إذا علم نجاسة يد زيد أو ثوبه و هو نائم به، و شكّ في أنّه طهرهما أم لا، حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة- مع أنّ حال النائم غير معلوم انّه شاك أو متيقّن- إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال انّ هذه كانت نجسة و الأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها، بخلاف انّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت و اشتغال ذمّته بالنسبة من حيث هو.

و الحاصل: انّ نجاسة يده أو ثوبه هو موضوع تام لوجوب الاجتناب لكلّ من علم بالنجاسة ثمّ شكّ، من غير فرق بين صاحب اليد و غيره، و هذا بخلاف المقام، فإنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت، و لو لا ثبوته عليه، لما وجب إخراجه على الوارث و ثبوته على الميت فرع كونه شاكّا في الأداء حتّى يكون

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 495

..........

______________________________

محكوما بالأداء، فإذا مات و لم يؤدّ، قام الوارث مقامه فيؤدّي ما وجب عليه، و لكن المفروض عدم معلومية حاله من اليقين بالأداء أو العدم أو الشكّ فيه.

أقول: إنّ في جريان الاستصحاب في المقام أوّلا، ثمّ الإشكال الذي أورده المصنّف ثانيا نظرا.

أمّا الأوّل فالمستصحب بين قطعي الانتفاء و مشكوك الحدوث، فإن أريد من بقاء التكليف نفس حقّ الزكاة من العين- ما دامت العين موجودة- فهو قطعي الانتفاء، لأنّ المفروض عدم بقائها، و إن أريد به تكليف الميت بالبدل عند الإتلاف فهو مشكوك الحدوث، لاحتمال انّ

المالك أدّى زكاته قبل الإتلاف من مال آخر، و استصحاب بقاء التكليف الجامع بين الفردين: التكليف بالأداء من العين، و اشتغال ذمّته بالدفع ببدل الزكاة، لا يثبت اشتغال ذمّته بالبدل حين الإتلاف، لأنّه لازم عقلي لبقاء الأصل الجامع، حيث إنّ الكلّي لا يتحقّق إلّا في ضمن الفرد، فإذا كان الأوّل منتفيا قطعا فيتحقّق في ضمن الفرد الثاني بحكم العقل.

هذا كلّه حول استصحاب التكليف، و أمّا الثاني- أي إشكال المصنّف عليه، من أنّ الأثر مترتّب على يقين الميت و شكّه، و حاله غير معلوم حين الموت، لا يقين الوارث و شكّه- فمدفوع بأنّ الغرض من الاستصحاب ليس إثبات التكليف على الميت حتّى يكون الملاك يقينه و شكّه إنّما الغرض إثبات تعلّق التكليف بالوارث بإحراز موضوعه، فإنّ بقاء تكليف الميت موضوع لخطاب الوارث، بإخراج الزكاة، لأنّه بحكم الدين يجب إخراجه من أصل التركة، من غير فرق بين القول بأنّ الموروث ما سوى الدين و الوصية، أو انّ الجميع ينتقل إليه و يكلّف الوارث بأداء الدين و إنجاز الوصية من التركة أو غيرها.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 496

..........

______________________________

و العجب انّ المصنّف أفتى في كتاب الحجّ على خلاف ما أفتى في المقام، فقال في المسألة الأولى من فصل الوصية بالحج: نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب، كما إذا علم وجوب الحجّ عليه سابقا و لم يعلم أنّه أتى به أو لا، فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل.

و دعوى انّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكّه لا شكّ الوصي أو الوارث و لا يعلم أنّه كان شاكّا حين موته أو عالما، بأحد الأمرين مدفوع بمنع اعتبار شكّه، بل يكفي شكّ

الوصي أو الوارث أيضا. «1» و قد أشار بعض الأعاظم إلى المخالفة بين المقامين في تعليقته على العروة.

و أمّا الفرع الثالث، أي إذا كانت العين الزكوية تالفة مع الضمان بأن نعلم بأنّه تصرف فيها بلا أداء من العين أو من الخارج و لكن احتمل انّه أدّى زكاة المال المتعلّقة بذمّته لإتلاف العين إتلافا مع الضمان، فلا ينبغي الشكّ في جريان الأصل و هو بقاء استصحاب الشغل أو الدين، و ليس هذا من قبيل الادّعاء على الميت حتى يقال بأنّه لا يثبت بالاستصحاب بل بالبيّنة مع ضمّ العين، فانّ مصب ما دلّ على ذلك هو الدعاوي الشخصية التي تكون لصالح المدّعي، لا في مثل المقام.

إلى هنا تمّ الكلام في الفروع الثلاثة.

______________________________

(1). العروة الوثقى، الفصل الخامس من فصول كتاب الحجّ، 500.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 497

و أمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها ممّا يجري فيه قاعدة التجاوز و المضيّ، و حمل فعله على الصحّة فلا إشكال.

و كذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو كفّارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.* (1)

______________________________

(1)* إنّ المصنّف ذيّل المسألة بفرعين آخرين:

1. إذا شكّ في أداء زكاة السنة السابقة

هذا كلّه إذا كان الشكّ في أداء السنة الحالية، و أمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها، فقد أفتى المصنّف بعدم الاعتداد بالشكّ مطلقا لأجل أمرين:

أ: قاعدة التجاوز و المضي.

ب: حمل فعل المالك على الصحّة.

أقول: الظاهر انّ حكم الشكّ في السنة الحالية أو السابقة واحد، و انّه يجب الإخراج إذا كانت العين الزكوية موجودة، و يفصّل بين العلم بأنّ عدم العلم بكون التلف كان عن ضمان و العلم به، فلا تجب في الأوّل بخلاف الثاني.

و

أمّا التمسّك بقاعدتي التجاوز و الفراغ فليس بتام، لعدم كون الزكاة من المؤقّتات فلا تجري قاعدة الفراغ، و لا من ذوات الأجزاء فلا تجري قاعدة التجاوز.

و أمّا التمسّك بأصالة الصحّة فلا تثبت البراءة، لأنّه لا يخلو إمّا أن تكون العين الزكوية باقية أو لا.

فعلى الأوّل لا موضوع لأصالة الصحة، لأنّ موردها صدور فعل من الفاعل

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 498

..........

______________________________

مردّد بين الصحيح و الفاسد، و مجرّد البقاء لا ينقسم إلى الصحيح و الفاسد، بل ينقسم إلى الجائز و الحرام، و لا صلة لهما بأصالة الصحة.

و أمّا على الثاني كما إذا أتلفه بالبيع فغاية ما تثبته أصالة الصحّة، هو عدم ارتكاب الحرام، و أمّا براءة ذمّته عن الزكاة فلا، فلو تصرّف في العين الزكوية بإذن الفقيه لصحّ التصرف و لا يحرم مع كونه ضامنا للزكاة.

اللّهم إلّا أن يقال بعدم الاعتداد بالشكّ في السنة السابقة لبناء العقلاء على عدم الاعتداد، من غير فرق بين الشك في فعل النفس أو فعل الغير.

2. إذا علم باشتغاله بدين أو كفّارة أو نذر أو خمس

أقول: إذا أريد من الدين، هو دين الميت لشخص خاص، فقد ثبت في محلّه انّه لا يثبت بالاستصحاب، بل لا بدّ من البيّنة مع ضمّ اليمين من المدّعي، و بما انّ المفروض علم الوارث بكون الميت مديونا، فلا يحتاج إلى البيّنة بل يكفي يمين المدّعي.

و أمّا إخراج الكفّارة أو النذر من التركة فهو مبني على أنّه واجب مالي كالخمس، فتخرج منها، و أمّا القول بأنّه تكليف إلهي يتعلّق بالمال من غير ثبوت شي ء في ذمّته ليكون من قبيل الدين فلا وجه لإخراجه من المال، و الظاهر هو الأوّل، لإطلاق الدين في كلام الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم على الواجبات

الإلهية من قوله: «إنّ دين اللّه أحقّ أن يقضى».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 499

[السادسة: إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة، وجب عليه إخراجهما]

السادسة: إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة، وجب عليه إخراجهما، إلّا إذا كان هاشميا فإنّه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمّة.

و إن اختلف مقدارهما قلّة و كثرة أخذ بالأقل، و الأحوط الأكثر.* (1)

______________________________

(1)* هنا فروع أربعة:

1. إذا كان غير هاشمي و علم باشتغال ذمّته بدينار مردّد بين كونه خمسا أو زكاة.

2. نفس الصورة إذا كان صاحب العلم الإجمالي هاشميا.

3. إذا اختلف ما تردد بين كونه خمسا أو زكاة، قلّة و كثرة مع وحدة الجنس، كما إذا تردّد بين دينار واحد من الزكاة أو دينارين خمسا.

4. نفس الصورة مع اختلاف الجنس، كما إذا تردّد بين اشتغال ذمّته بالدينار أو بالشاة إذا كانت الشاة أغلى من الدينار مثلا.

أمّا الأوّل: فانّ مقتضى العلم الإجمالي بأنّه مدين لأحد الصنفين المتباينين هو إخراجهما لتحصيل البراءة اليقينية، و لا شكّ انّه أحوط.

إلّا أنّ هنا طرقا أخرى لإبراء الذمّة عن الاشتغال:

1. عدم الدليل على جريان قاعدة الاحتياط في الأموال فله التوزيع أو القرعة، لأنّ في إخراجهما ضررا على المكلّف، فلو علم باشتغال ذمّته بدينار و تردّد بين عشرة أفراد، فلا يجب عليه إلّا دينار واحد، لا أكثر، فله أن يوزع، أو يقرع، فالحكم بالاحتياط ضرر عليه.

2. أن يدفع إلى الوكيل عن مستحق الزكاة و الخمس.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 500

..........

______________________________

3. أن يدفع إلى الحاكم الذي له الولاية على أخذ الزكاة و الخمس.

و عندئذ يتردّد المال عندهما بين مالكين أو مستحقّين، فيعمل بما كان يعمل به المعطي من التوزيع أو القرعة. و لعلّ التوزيع أولى أخذا بقاعدة العدل و

الإنصاف، و هي قاعدة عقلائية لم يرد الردع عنها، بل أمضاها الشارع في حديث الودعي المعروف. «1» و أمّا القرعة فلاختصاصها بمواضع التخاصم و التشاح.

و أمّا الثاني: فقد ذكر المصنّف انّه يجوز له- مضافا إلى الاحتياط السابق- أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمّة فإنّه مبرئ للذمّة، سواء كان زكاة أو خمسا.

و أمّا الثالث: إذا اختلف- ما تردد بين كونه خمسا أو زكاة- قلّة و كثرة مع اتّحاد الجنس، فتردّد بين كونه دينارين خمسا أو دينارا واحدا زكاة، فأفتى المصنّف بجواز الأخذ بالأقل، و إن كان الأحوط الأكثر، و هنا صورتان:

1. إذا كان المالك غير هاشمي فمجرّد كون الدين مردّدا بين الأقل و الأكثر، لا يوجب الانحلال، كما إذا دار أمر المستحق بين شخصين فعلم أنّه مدين بدينار لزيد، أو دينارين لعمرو، فيجب عليه الاحتياط على القول بجريان قاعدة الاحتياط في الأموال، و انّه لا يعارضها قاعدة «لا ضرر» و هنا طريق آخر- كما أشرنا إليه في الفرع الأوّل- و هو دفع دينارين للوكيل عن مستحق الزكاة و الخمس أو الحاكم الشرعي فيعمل بما ذكرناه.

2. إذا كان المالك هاشميا و لعلّ كلام المصنّف ناظر إلى هذه الصورة- كما في «المستمسك»- حيث أفتى بجواز الأخذ بالأقلّ، حيث إنّه يعلم بوجوب دفع دينار أو دينارين إلى الهاشمي فيقتصر على الأقل لانحلال العلم الإجمالي.

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 12 من أبواب أحكام الصلح، الحديث 1. في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا، فضاع دينار منها، قال أبو جعفر عليه السّلام: «يعطي صاحب الدينارين دينارا، و يقسّم الآخر بينهما نصفين».

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 501

..........

______________________________

و أورد عليه في «المستمسك» بأنّ مستحقّ الأقل- و هي الزكاة- الجامع

بين الأصناف، و مستحق الأكثر خصوص الهاشميّين، و مع اختلاف المستحق يتعدّد ما في الذمّة، و لا يكون من قبيل الأقل و الأكثر، و مجرّد انطباق مستحق الزكاة على الهاشمي لا يوجب العلم التفصيلي بالأقلّ، كما ينحل العلم الإجمالي. «1»

و أيّده بعض الأعاظم في تعليقته.

أقول: إذا كان المدار في انحلال العلم الإجمالي و عدمه ما تعلّق به العلم بالذات، و المفروض انّه مردّد بين طائفتين فأين الأصناف الثمانية من الأصناف الثلاثة؟! فاليتامى المأخوذة في لسان آية الصدقات غيرها المأخوذة في آية الخمس، و على ضوء هذا يبقى العلم الإجمالي بحاله، و عليه أن يقوم بواجبين فيدفع دينارين للسادة و دينارا لأصحاب الزكاة.

و أمّا لو قلنا بأنّ الميزان للانحلال و عدمه هو المصاديق الخارجية و انّ العناوين مرآة إليها، فلو كان القابض هاشميا مثل المعطي فيعلم المعطي بأنّه يجب عليه أن يعطي له أو لأمثاله دينارا أو دينارين، فيكون الدينار الواحد قطعيا، و الأكثر مشكوكا.

ثمّ إنّ للمحقّق الخوئي من المتأخّرين بيانا آخر للانحلال هذا حاصله:

1. انّ للمالك علما إجماليا كبيرا و هو علمه بكونه مدينا لإحدى الطائفتين، إمّا دينارين خمسا، أو دينارا واحدا زكاة.

2. كما أنّ له علما تفصيليا يتولّد من الكبير و هو اشتغال ذمّته بدينار قطعا إمّا للهاشمي بما أنّه جزء الخمس، أو لغيره بما أنّه زكاة حقّ الفقير، و على كلّ تقدير يعلم بوجوب إخراج دينار و إن تردّد عنوانه بين مستحق الزكاة و الخمس فإذا دفعه

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 361.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 502

..........

______________________________

إلى الهاشمي الفقير، بقصد ما في الذمّة، فقد عمل بما اشتغلت ذمّته به قطعا، تجري البراءة عن الزائد. «1»

الرابع: تلك الصورة و لكن كان الجنس

متعدّدا، كما لو علم أنّ عليه دينارا خمسا أو شاة زكاة، فقد قال المحقّق الخوئي: فيتعيّن فيه الاحتياط، لتعارض الأصل من الطرفين بعد كونهما من قبيل المتباينين، و يتأدّى بدفع الأكثر قيمة بقصد ما في الذمة، إمّا للفقير الهاشمي لو كان هاشميا، أو للوكيل أو الحاكم الشرعي. «2»

غير أنّ ما ذكره في الفرع السابق يجري في المقام إذا أراد الدفع من القيمة، فلو كانت قيمة الشاة دينارين فهو يعلم بوجوب دفع دينار إلى الهاشمي خمسا و دينار إلى غيره زكاة، فيكون إخراج الدينار معلوما تفصيلا و إن تردّد عنوانه، فلو دفع دينارا إلى الهاشمي الفقير تحصل البراءة بما علم تفصيلا و تجري البراءة عن غيره، فلاحظ.

______________________________

(1). مستند العروة: 24/ 311.

(2). مستند العروة: 24/ 310.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 503

[السابعة: إذا علم إجمالا انّ حنطته بلغت النصاب أو شعيره و لم يتمكّن من التعيين]

السابعة: إذا علم إجمالا انّ حنطته بلغت النصاب أو شعيره و لم يتمكّن من التعيين، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما، إلّا إذا أخرج بالقيمة فإنّه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما قيمة على إشكال، لأنّ الواجب أوّلا هو العين، و مردّد بينهما إذا كانا موجودين، بل في صورة التلف أيضا، لأنّهما مثليّان. و إذا علم أنّ عليه إمّا زكاة خمس من الإبل، أو زكاة أربعين شاة، يكفيه إخراج شاة. و إذا علم أنّ عليه إمّا زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة وجب الاحتياط إلّا مع التلف، فإنّه يكفيه قيمة شاة. و كذا الكلام في نظائر المذكورات.* (1)

______________________________

(1)* في المسألة فروع ثلاثة:

1. إذا علم أنّ واحدا من حنطته أو شعيره بلغت النصاب و لم يتمكّن من التعيين.

2. إذا علم أنّ عليه إمّا زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة.

3. إذا علم أنّ عليه إمّا زكاة ثلاثين

بقرة أو أربعين شاة.

الأوّل: إذا علم إجمالا انّ حنطته بلغت النصاب أو شعيره، و لم يتمكّن من التعيين. و الفرق بينه و بين الفرع الثالث انّ طرف العلم في الأوّل مثليان و في الثاني قيميان كالبقرة و الشاة.

فإن أراد الإخراج من العين، فإن قلنا بالاحتياط في باب الديون من الأموال، كما هو الأساس لعقد هذه المسألة، يجب الإخراج من كلّ منهما، عملا بالعلم الإجمالي، و إن أراد الإخراج بالقيمة ربّما يقال بكفاية الأقل قيمة، لكونه المتيقّن فيرجع في الزائد إلى البراءة، و لكن استشكل فيه المصنّف بأنّ الواجب هو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 504

..........

______________________________

دفع الأكثر قيمة، سواء كانت العينان موجودتين، أم تالفتين. أمّا الأوّل فلأنّ الواجب بالذات هو العين، و القيمة بدل عن الواجب، و مسقط عنه و ليست بنفسها متعلّقة للوجوب حتّى يدور الأمر بين الأقل و الأكثر، و من المعلوم أنّ العين مردّدة بين المتباينين فلا مناص في مقام دفع القيمة من الاحتياط بأداء الأكثر.

و أمّا الثاني- أي صورة تلف العينين- فلأنّ المضمون في المثلي هو العين، فيكون الواجب إلى زمان دفع القيمة هو أداء العين، و لمّا امتنع أداؤها تكوينا أقيم المثل مكانها، فيدور الأمر بين المثلين المتباينين، فيكون حكم صورة التلف هو حكم صورة وجود العينين.

هذا و ما ذكرناه من كون المقام دوران الأمر بين المتباينين سواء أ كانت العينان موجودتين أم معدومتين، إنّما يصحّ إذا لم يكن إخراج القيمة في عرض الإخراج من العين، و قد عرفت في المسألة الخامسة من زكاة الأنعام خلافه و انّ الظاهر من قوله عليه السّلام في مكاتبة محمد بن خالد البرقي: «أيّهما تيسر يخرج» هو كون القيمة في عرض العين.

و

على ضوء هذا، فلو لوحظ التكليف بالنسبة إلى العين، فالأمر دائر بين المتباينين، و لو قيس إلى القيمة فالأمر يدور بين الأقل و الأكثر، و يجري هذا الكلام في الصورة الثالثة أيضا.

أمّا الثاني: أعني إذا علم انّ عليه زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة، فيكفيه إخراج شاة و إن لم يعلم سببه، إذا لم يدلّ دليل على نيّة السبب، بل تكفي نية الزكاة، و إن حاول نيّة السبب فيخرجها بنيّة الأمر المتوجّه إليه حاليا المشير به إلى السبب.

أمّا الثالث: أعني إذا علم بأنّ عليه إمّا زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة فإن

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 505

..........

______________________________

كانت العينان موجودتين، و كانت في ثلاثين «تبيعة»- و هي الداخلة في السنة الثانية، لأنّها تتبع أثر أمّها- فالواجب مردّد بين المتباينين و لا تحصل البراءة اليقينة إلّا بدفع الأكثر.

و أمّا في صورة التلف فيمكن أن يقال بكفاية الأقل، لأنّ المضمون في القيمي عند التلف هو قيمته، فيدور المضمون بين الأقل و الأكثر، فيكفي دفع الأقل.

و لكن الظاهر من أدلّة الضمان، هو ضمان نفس العين حتى في القيمي أخذا بظاهر قوله: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»، غير أنّه في مقام الامتثال يجوز الخروج عن ضمان العين بأداء القيمة فيكون المضمون بالذات حتّى في زمان الأداء، هو العين المردّدة بين المتباينين «التبيعة» و «الشاة».

و إن شئت قلت: إنّ السبب لإيجاب الأكثر هو العلم الإجمالي بدفع إحدى العينين من التبيع و الشاة، و هو منجز موجب للاحتياط و تلف العينين أو أحدهما لا يقع سببا لانحلال العلم الإجمالي.

و في تعليقة السيد الشاهرودي: التفصيل بين العلم بتعلّق الزكاة قبل التلف فيجب الأكثر، لأنّ العلم الإجمالي

قد نجّز الواقع و التلف لا يرفع حكمه؛ و بين كونه بعد التلف فيكون الشكّ في مقدار الاشتغال، فتجري البراءة في الأكثر.

يلاحظ عليه: بما قرر في محلّه من أنّ مثل هذا العلم الإجمالي و إن كان حادثا بوجوده، و لكنّه كاشف عن اشتغال الذمّة قبل التلف بوجوب دفع إحدى العينين، فيكون العلم منجّزا و لا يكون التلف سببا للانحلال إلى الأقلّ و الأكثر.

و فصّل الأستاذ بين الضمان المستند إلى الاستيلاء على العين باليد، و الضمان بالتلف؛ و لعلّه لأجل كون المضمون في الأوّل هو العين إلى زمان الامتثال أخذا

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 506

[الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه]

الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟ إشكال.* (1)

[التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة و شرط على المشتري زكاته]

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة و شرط على المشتري زكاته، لا يبعد الجواز إلّا إذا قصد كون الزكاة عليه، لا أن يكون نائبا عنه، فإنّه مشكل.* (2)

______________________________

بظاهر قوله: «على اليد» و لكن المضمون في الثاني، هو جبران الأموال الضائعة فالجبر إنّما هو بالقيمة، فيكون الواجب دائرا بين الأقل و الأكثر.

(1)* وجه الإشكال إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأمّ، و الولد، و المملوك، و المرأة، و ذلك أنّهم عياله لازمون له». «1»

يلاحظ عليه:- مضافا إلى أنّ الحديث منصرف إلى حال الحياة حتى لا تتداخل المسببات حيث إنّه يجب عليه الإنفاق أوّلا و إخراج الزكاة ثانيا-: أنّ الذيل دالّ على الجواز، لعدم وجوب الإنفاق بعد الموت فيكون الوارث كسائر الفقراء، مضافا إلى ورود النص بذلك. «2»

(2)* ذكر المصنّف في المتن فرعين:

أ. إذا باع النصاب بعد تعلّق الزكاة به و شرط على المشتري أن يدفع زكاته عن جانب البائع نيابة عنه.

ب. تلك الصورة و لكن شرط على المشتري كون الزكاة عليه على وجه الأصالة لا النيابة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 507

..........

______________________________

و لكن الظاهر انّ صور المسألة أربع:

الأولى: أن يبيع النصاب بإذن الحاكم الشرعي لينقل الزكاة إلى ذمّته، و يشترط أن يدفع المشتري ما في ذمّة البائع من الزكاة نيابة عنه.

الثانية: تلك الصورة و لكن يشترط البائع على المشتري أن ينقل ما

في ذمّته من الزكاة إلى ذمّته، و يكون هو المسئول أمام اللّه و المخاطب بالأداء فيخرج من جانب نفسه لا بعنوان النيابة.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 507

و هاتان الصورتان تشتركان في أنّ البائع باع جميع النصاب بعد انتقال الزكاة إلى ذمّته بإذن من الحاكم الشرعي.

و أمّا الصورتان الأخيرتان فالزكاة في نفس النصاب لا في ذمّته، و إليك بيانهما:

الثالثة: أن يبيع جميع النصاب، و الزكاة في العين و يشترط على المشتري أداء زكاة العين نيابة عنه، سواء أدّى من العين أو من القيمة أو من مال آخر للمشتري.

الرابعة: أن تكون الزكاة في العين و يراد بالشرط انتقال التكليف إلى المشتري و سقوطه عن البائع، بأن يكون هو المسئول في أداء الزكاة من العين بواحد من الصور الثلاثة: الأداء من العين، أو بالقيمة، أو من جنس آخر.

هذه هي الصور الأربع، و إليك دراستها:

أمّا الأولى: أعني إذا كان النصاب خاليا من الزكاة و منتقلا إلى ذمّة المالك البائع بإذن من الحاكم الشرعي لكن يشترط إفراغ ذمّته منها، فلا شكّ في صحّة البيع و الشرط، و حينئذ يكون الشرط كجزء من الثمن حيث يبيع النصاب بأرخص من قيمته السوقية باعتبار انّه يؤدّي العشر أو نصف العشر من جانب البائع، فلو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 508

..........

______________________________

تخلّف المشتري لم تبرأ ذمة البائع، لأنّ المفروض كون المسئول هو البائع و لم تنتقل المسئولية إلى المشتري.

و أمّا الثانية: فهي نفس الصورة السابقة لكن يشترط عليه انتقال ما في ذمّة البائع إلى ذمّة المشتري بنفس الشرط

في بيع النصاب، فالموضوع أشبه بشرط النتيجة، و قد اختلف في صحّته، فالقول المعروف إنّ شرط النتيجة على قسمين:

قسم ثبت من الأدلّة انّه رهن سبب خاص و عقد مستقل، كالزوجية فانّها رهن إيجاب و قبول و لا تتحقّق بالشرط، كما إذا باع داره من امرأة و شرط عليها أن تكون زوجته بلا إيجاب و قبول.

و قسم منه ما لا تتوقّف صحّة الاشتراط على سبب و عقد مستقلّ، بل يتحقّق بنفس الشرط كملكية توابع المبيع، كما إذا باع الفرس أو السيارة و اشترط عليه بملكية ما يتبع المبيع على نحو لو لا التصريح لما ملكه المشتري، فإنّ الاشتراط يكفي في نقل ما يتبع إلى المشتري.

و لعلّ انتقال ما في الذمّة إلى شخص آخر من قبيل القسم الثاني فلا يحتاج إلى سبب خاص، فيكفي الاشتراط في نفس العقد، فلو لم يؤد فليس المسئول إلّا المشتري، نعم لو لم يؤدّ يكون للبائع خيار تخلّف الشرط، فإذا فسخه بطل الانتقال و يجب عليه إخراج الزكاة.

و لعلّ هاتين الصورتين خارجتان عن مصبّ كلام المصنّف فانّ كلامه في الصورتين الأخيرتين، و إليك بيانهما:

الثالثة: إذا كانت الزكاة في العين و شرط زكاته على المشتري نيابة عن البائع، و ظاهر العبارة انّه باع جميع النصاب حتّى العشر أو نصف العشر، فيقع البيع بالنسبة إلى سهم الفقراء فضوليا، سواء أقلنا بأنّ تعلّقها بالعين بنحو الإشاعة، أم

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 509

..........

______________________________

الكلّي في المعيّن أم المالية السيّالة القابلة للانتقال إلى القيمة أو جنس آخر، فلو دفع المشتري الزكاة عنه يملك البائع الزكاة التي باعها، فيكون من قبيل ما لو باع شيئا ثمّ ملكه، و الأقوى صحّته و عدم حاجته إلى الإجازة،

فينتقل مقدار الزكاة بعد الإخراج إلى ملك المشتري.

هذا إذا كان المبيع تمام النصاب، و أمّا لو كان المبيع، ما سوى الزكاة لكنّه يوكّله في أداء الزكاة من جانبه بأحد الطرق الثلاثة:

1. من نفس العين.

2. أو من القيمة في مقابل تملّك الزكاة.

3. أو من جنس آخر كذلك.

كلّ ذلك من باب النيابة.

فالظاهر عدم الإشكال في الجميع، لأنّ إخراج الزكاة من الأمور القابلة للإخراج، فالبائع ينوي القربة لدى إخراج المشتري.

الرابعة: إذا كانت الزكاة في العين و شرط على المشتري أن يخرج الزكاة بأحد الطرق الثلاثة لكن لا نيابة عن المالك بل من قبل نفسه، و هذا هو الذي استشكل فيه المصنّف، و لعلّ الإشكال فساد الشرط حيث إنّ معناه توجّه الوجوب و تحوّله من المالك إلى غيره، و هذا يحتاج إلى دليل و ليس الشرط مشرّعا لما لم يشرّع.

و الفرق بين الرابعة و الثانية هو انّ الشرط في الرابعة انتقال تعلّق الزكاة إلى ذمّة المشتري، بخلاف الثانية فانّ الشرط إنّما هو انتقال الدين من ذمّته إلى ذمّة المشتري، و لذلك صحّ الثاني دون الأوّل.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 510

[العاشرة: إذا طلب [المالك] من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله، جاز و أجزأ عنه]

العاشرة: إذا طلب [المالك] من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله، جاز و أجزأ عنه، و لا يجوز للمتبرّع الرجوع عليه.

و أمّا إن طلب و لم يذكر التبرّع فأدّاها عنه من ماله، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه، لقاعدة احترام المال، إلّا إذا علم كونه متبرّعا.* (1)

______________________________

(1)* هنا فرعان:

1. إذا طلب من غيره أداء زكاته تبرّعا من ماله، كفى في أداء الواجب و لا يرجع المتبرّع إليه.

2. إذا طلب و لم يذكر التبرّع كفى و جاز الرجوع، إلّا إذا ثبت التبرع.

أمّا الأوّل، فقد أرسلوه إرسال المسلّمات

إلّا نادرا حيث قال السيد الحكيم:

من أنّ عدم جواز النيابة عن الحي في الواجبات إنّما كان للإجماع، و إلّا فالأصل يقتضي الجواز فيها لكونها ممّا يقبل النيابة في نظر العرف و العقلاء. و يشهد له في المقام ما تضمن جواز التوكيل في أدائها، و ما دلّ على نيابة الحاكم عن الممتنع. «1»

يلاحظ عليه: أنّ منشأ الإشكال ليس احتمال شرطية المباشرة في أداء الزكاة حتّى يقال بأنّ الأصل يقتضي قبولها النيابة و يشهد له، جواز التوكيل، بل وجه الإشكال ظهور قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «2» هو الإخراج من أموالهم، و انّ الغاية تطهيرهم و تزكيتهم بالإخراج ممّا يملكون، و إلّا فقيام الغير بالإخراج من مال نفسه، كيف يكون تطهيرا للمالك؟! و ما في كلام المحقّق الخوئي: «فإنّ المقصود الإيصال إلى الفقير كيف ما كان» «3»،

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 364.

(2). التوبة: 103.

(3). مستند العروة: 24/ 317.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 511

..........

______________________________

غير تام، لأنّه بعض المقصود لا تمامه، و لا يتحقّق بذلك التطهير و التزكية إلّا بدفع شي ء من أموالهم. نعم لو ملّك المتبرّع و جعلنا طلب البائع، قبولا مقدّما، لكان للإجزاء وجه.

و يمكن الاستدلال على الجواز بما ورد من أنّه لو أدّى المقرض زكاة مال المستقرض، فلا زكاة عليه، و ظاهر الرواية انّه يؤدّي من ماله تبرّعا لا بنيّة الرجوع إلى المستقرض.

روى منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل استقرض مالا، فحال عليه الحول و هو عنده، قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض». «1»

و يقرب من ذلك ما دلّ على جواز أداء زكاة الأخ

الميت، حيث قال الإمام الصادق عليه السّلام: «نعم، إذا تفرّج عنه». «2»

و لكن في الاستدلال بهما على المورد خفاء لوجود الفارق بين المقامين. أمّا أداء المقرض زكاة مال المستقرض، فلأجل انّ المقرض ربما يبتلي بنفس ذلك المال غير المخرجة زكاته بعنوان أداء القرض، فتجويز أداء الزكاة عليه، لغاية تطهير المال الذي سوف يتملّكه لا يكون دليلا في المقام.

و مثله الميت، فإنّ تجويز أداء الزكاة عن جانبه، لأجل انقطاع يده من الدنيا و ما فيها، و أين هو من أداء الزكاة عن المالك الحي الذي يملك النصاب؟!

فالأولى أن يملك المتبرّع ما يؤدّيه للمالك، ثمّ أداؤه زكاة عنه.

و منه يظهر حال الفرع الثاني، فلو قلنا بالجواز فالضمان موافق للقاعدة، لما

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 22 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 512

[الحادية عشرة: إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك]

الحادية عشرة: إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك، أو يجب العلم بأنّه أدّاها، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء- إذا كان الوكيل عدلا- بمجرّد الدفع إليه.* (1)

______________________________

مر في غير مورد انّ الحكم الذاتي في الأموال- كالأعراض و النفوس- هو الاحترام.

روى أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: سباب المؤمن كفر، و حرمة ماله كحرمة دمه». «1»

فهذا الأصل محكم حتّى يثبت خلافه، فإذا كان الصرف أو الإتلاف مستندا إلى أمره، يكون الفعل مستندا إلى الآمر دون المباشر، و قد عرفت أنّ الأصل هو الاحترام عند العقلاء إلّا أن يثبت خلافه.

(1)* إنّ الزكاة أمانة

شرعية بيد المالك، سبيلها، سبيل سائر الأمانات فلا بدّ من الردّ إلى أهلها، قال سبحانه: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا «2» فلأنّ العلم أو الاطمئنان بالردّ إلى أهلها، كحصول العلم أو قيام البيّنة الشرعية على الأداء، أو العدل الواحد بناء على حجّيته في الموضوعات، أو الوثوق لأنّه علم عرفي، فعندئذ يكفي وثوق الوكيل.

و يشهد له خبر شهاب بن عبد ربّه- في حديث- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها؟

قال عليه السّلام: «نعم لا بأس بذلك، أما إنّه أحد المعطين». «3»

______________________________

(1). الكافي: 2، كتاب الإيمان و الكفر، باب السباب، الحديث 2.

(2). النساء: 58.

(3). الوسائل: 6، الباب 35 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 513

[الثانية عشرة: إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فأعطى شيئا للفقير و نوى أنّه إن كان عليه الزكاة كان زكاة]

الثانية عشرة: إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فأعطى شيئا للفقير و نوى أنّه إن كان عليه الزكاة كان زكاة، و إلّا فإن كان عليه مظالم كان منها، و إلّا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له، و إلّا فمظالم له، و إن لم يكن على أبيه شي ء فلجدّه إن كان عليه و هكذا، فالظاهر الصحّة.* (1)

______________________________

و على ضوء ذلك، لا تجب العدالة في الوكيل، كما لا يكفي مجرّد الدفع إلى الفقير.

(1)* انّ لتحصيل الجزم في النيّة طرق:

الأوّل: أن يرتّب المحتملات في ذهنه، كما إذا تصوّر زكاة نفسه فمظالمها، فزكاة أبيه فمظالمه، ثمّ ينوي أوّل ماله واقعية في هذا الترتيب الذهني، على نحو لو كانت ذمّته و ذمّة أبيه مشغولتين بالزكاة يحسب زكاة ماله لا مال أبيه، لكونه متقدّما في الترتيب الذهني.

الثاني: تلك الصور لكن ينوي لما هو الواقع

حسب عمود الزمان، و على هذا لو كانت الذمّتان مشغولتين، يحسب للوالد، لتقدّم اشتغال ذمّته في عمود الزمان- غالبا- لا دائما.

و هاتان الصورتان صحيحتان و ليس فيهما تعليق.

الثالث: ما أشار إليه المصنّف أن يعلّق على ثبوت الموضوع بأن يقول: لو كانت ذمّتي مشغولة بالزكاة، فما يعطيه زكاة، و إن كانت ذمّتي مشغولة بالمظالم فهو مظالم، و إن لم تكن ذمّتي مشغولة و كانت ذمّة أبي مشغولة بالزكاة فهو زكاة، فهكذا، فليس هناك ترديد في النيّة و لا في المنوي، بل جزم في النيّة و المنويّ في كلّ مرتبة، غاية الأمر فيهما تعليق على ثبوت الموضوع، التعليق ثابت في الواقع سواء

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 514

[الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا]

الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة و زكاة الحاضرة جاز تقديم الحاضرة بالنيّة، و لو أعطى من غير نيّة التعيين فالظاهر التوزيع.* (1)

______________________________

نواه أم لا، كما في طلاق المرأة أو بيع المال إذا شكّ المطلّق أو البائع كونها زوجته أو ماله.

الرابع: ما أشار إليه السيد البروجردي من إمكان الإنشاء بلا تعليق قائلا بإمكان الجزم بالنيّة من غير تعليق فانّ العناوين القصدية أشبه شي ء بالإنشاء، فإن نوى تلك العناوين مرتّبة على نحو التنجيز كان أولى، غاية الأمر انّ تأثيرها في وقوع المنوي مرتّب على ثبوت موضوعه.

يلاحظ عليه: كيف يمكن أن ينوي انّ ما يعطيه زكاة من قبل نفسه مع الشكّ في اشتغال ذمّته بها؟ فلا بدّ في تحصيل الجزم من التعليق على ثبوت الموضوع، و الانشاء و إن كان خفيف المئونة لكن القصد و النيّة من الأمور التكوينية، لا تتمشّى النيّة إلّا بعد

العلم بالموضوع أو فرضه، فحينئذ لا بدّ في تحصيل الجزم من التعليق على ثبوت الموضوع.

(1)* هنا فرعان:

1. لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا.

2. لو أعطى من غير نيّة التعيين.

أمّا الأوّل: فمقتضى إطلاق الدليل عدم وجوب أداء ما وجب أوّلا فأوّلا، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة، و زكاة الحاضرة جاز التقديم بالنيّة، و تظهر الثمرة إذا كانت العينان باقيتين، أو إحداهما باقية، حيث يجوز التصرّف فيما نوى

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 515

..........

______________________________

دون ما لم ينو، بخلاف ما إذا كانتا في الذمّة فلا أثر لنيّة التقديم و التأخير.

هذا كلّه على القول بعدم التوقيت في أداء الزكاة، و أمّا على القول بالتوقيت شهرين أو أربعة أو ستة أشهر، فلو مضى وقت إحدى الزكاتين و الأخرى على و شك الخروج، فيقدم الثانية لتقليل المخالفة العملية.

أمّا الثاني- أعني: إذا أعطى بلا نيّة- فله صور:

1. إذا كان المخرج غير قابل للانطباق إلّا على أحدهما، كما لو كانت عليه زكاة الذهب و زكاة الغنم فأخرج شاة، فيحسب زكاة للغنم قهرا.

2. إذا كان قابلا للانطباق عليهما معا و صالحا لأن يكون امتثالا لكلّ من الواجبين، كما لو كانت عنده خمس من الإبل و أربعون شاة، و كانت الزكاة منتقلة إلى الذمّة بمصالحة شرعية من الحاكم الشرعي، فلا أثر لنيّة إحداهما دون الأخرى و على كلّ التقادير يجب عليه دفع شاة أخرى. «1»

3. تلك الصورة و كانت الزكاة في العين لا في الذمّة، كما إذا كان النصاب موجودا، فهناك أقوال:

1. ما ذهب إليه المصنّف من القول بالتوزيع، فعندئذ يجوز له التصرّف في كلّ من العينين بمقدار ما أخرج زكاته، فلو كان ما أخرجه يساوي

زكاة النصف من كلّ نصاب، يجوز له التصرّف في نصف كلّ منهما.

و يؤيّده جريان سيرة المتشرعة على أداء الزكاة من دون قصد الخصوصيات حين الإيصاء، أو غيره، و بهذا يستكشف صحّة الأداء بهذا النحو.

و عندئذ الأمر يدور، كون المدفوع محسوبا لأحدهما المعيّن، و هو ترجيح بلا

______________________________

(1). و قد مرّ في أوّل الفصل العاشر عند قول المصنّف: «و كذا لا يعتبر أيضا نيّة الجنس الذي تخرج منه الزكاة انّه من الأنعام أو الغلّات أو النقدين الخ» ما يفيد في المقام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 516

[الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة، الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر]

الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة، الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر، و في الصحيحة منها عليهما إذا بلغ نصيب كلّ منهما، و إن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما و إن بلغ المجموع النصاب.* (1)

______________________________

مرجّح، أو لأحدهما لا بعينه، و هو غير مقصود للدافع و لا أمر معقول، فلا بدّ من احتسابه للعينين على نحو التقسيط و التوزيع.

2. يسقط من الزكاة بمقدار ما يعطي و يبقى الباقي من دون تعيين، نظير ما لو نذر صوم يومين فصام أحدهما، فإنّه يسقط عنه يوم و يبقى عليه يوم آخر بلا تعيين في الساقط و الثابت.

يلاحظ عليه: أنّه قياس مع الفارق، لعدم قبول الصوم التوزيع، فإنّ أجزاء الصوم ارتباطية بخلاف الزكاة.

3. ما نسب إلى العلّامة في «التذكرة» من جواز التعيين بعد الأداء و إيصالها إلى المصرف.

يلاحظ عليه: بما في «الجواهر» انّه لا دليل على تعيين الأفعال بعد وقوعها، و ربّما الثابت تعيّنها بالنيّة المقارنة. «1»

(1)* إذا كانت المزارعة صحيحة، فالناتج مشترك بينهما، فلو بلغ نصيب كلّ

من العامل و المالك النصاب تجب عليهما الزكاة، و إن بلغ واحد منهما فيجب عليه دون الآخر، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا شي ء عليهما و إن بلغ المجموع النصاب، لأنّ الملاك نصاب حصة كلّ بخصوصه لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و لا

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 480.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 517

[الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة و يصرفه في بعض مصارفها]

اشارة

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة و يصرفه في بعض مصارفها، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلّا بصرف مال و لم يكن عنده ما يصرفه فيه، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته و رفع اضطراره إلّا بذلك، أو ابن سبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره، فحينئذ يستدين على الزكاة و يصرف، و بعد حصولها يؤدّي الدين منها، و إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنيّا لا يسترجع منه، إذا المفروض أنّه أعطاه بعنوان الزكاة، و ليس هذا من باب إقراض الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير، بخلاف المقام، فإنّ الدين على الزكاة و لا يضرّ عدم كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل، لأنّ هذه الأمور اعتباريّة، و العقلاء يصحّحون هذا الاعتبار، و نظيره استدانة متولّي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه.* (1)

______________________________

يفرّق بين مجتمع، و لا يجمع بين متفرّق». «1»

و أمّا المزارعة الفاسدة فبما انّ المقرر في محلّه انّ الناتج يتبع البذر، فلو كان البذر للعامل، فيجب إذا بلغ الناتج النصاب، و إن كان للمالك فيجب عليه كذلك، و لو كان لكلّ منهما فيجب عليهما إذا بلغت حصّة

كلّ، النصاب.

(1)* ربّما تقتضي الضرورة أو المصلحة أن يقترض الحاكم الشرعي في مورد الزكاة قبل وصولها، فتارة يقترض على الزكاة، و أخرى على نوع المستحقّين من حيث

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1. و قد روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كما في كتب السنّة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 518

..........

______________________________

إنّهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم، و ثالثة على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و المستحقّين. و قد أشار إلى الأوّل بقوله: «أن يقترض على الزكاة»، كما أشار إلى الثاني بقوله: «فالدين على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم»، و إلى الثالث بقوله: «و يجوز أن يستدين على نفسه».

و هناك صورة رابعة و هو أن يستدين آحاد المالكين للزكاة، كما إذا توقّفت أجرة الراعي و الحارس و قيمة العلف على الاستدانة.

كما أنّ هنا وجها خامسا أشار إليه السيد الأستاذ في تعليقته كما سيوافيك.

و قبل الخوض في بيان أحكام الفروع نقدّم أمرين:

1. انّ صحّة الاقتراض و الاستدانة بإحدى الصور فرع كونه أمرا عقلائيا حتّى تشمله أدلّة إمضاء العقود و المعاملات، لأنّ الأثر البارز للشارع في باب المعاملات هو إمضاء ما بيد العقلاء من العقود و التنبيه على الفاسد منها.

و على ذلك فكلّ عقد أو اعتبار وافق عليه العقلاء صحيح يترتّب عليه الأثر بفضل أدلّة العقود، إلّا إذا كان مخالفا للقواعد الكلّية و الضوابط التي قرّرها الشارع.

و لا نرى في تلك الوجوه أيّ خلاف للعقلاء، و الاعتبار سهل المئونة.

2. انّ الاقتراض على الزكاة أو على مصارفها الثمانية، بما انّها مصارف الزكاة، أو الاقتراض على الحاكم من حيث ولايته على الزكاة

و المستحقّين أمور متقاربة روحها واحد، و هو انّه لا يصحّ الاقتراض على موضوع إلّا أن يكون له ذمّة معتدة يعتمد عليها العقلاء في مقام الإقراض، و ليست الذمّة هنا إلّا للحاكم الناظر على دائرة الزكاة المسموع قوله، النافذ حكمه، حيث إنّ الناس على طبعهم و مقتضى إيمانهم ميّالون إلى إرسال الزكاة إلى دائرتها التي يرأسها الحاكم أو نائبه،

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 519

..........

______________________________

و لو لا تلك الشخصية التي تنفخ الروح في تلك الدائرة لما أقرض عليها أحد، و على ذلك فما ذكره المصنّف من الوجوه الثلاثة يقوّي بعضها بعضا و إن كان في عالم الاعتبار و التحليل يغاير كلّ الآخر كما سيتضح.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تحليل الوجوه الثلاثة:
الأوّل: الاقتراض على الزكاة

ذهب المصنّف إلى أنّه يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة و يصرف ما اقترض في بعض مصارف الزكاة، كما إذا كان فقير مضطر لا يمكنه إعانته إلّا بذلك، أو ابن سبيل لا يمكن إيصاله إلى بلده إلّا عن طريق الاقتراض على الزكاة، أو تعمير قنطرة أو مسجد، أو غير ذلك من مصارف الزكاة و التي هي بحاجة إلى صرفها فيها و ليس الزكاة موجودة، فلا محيص من الاستدانة على الزكاة و بعد حصولها يؤدّى الدين منها.

نعم لا تتوقّف صحّة الاستدانة على الاضطرار، بل يكفي حسن العمل و إن لم يكن على وجه الاضطرار.

و قد اعترض على هذا الوجه بأمور ذكر بعضها المصنّف و أجاب عنها، نذكر ما هو المهم:

1. لا ذمّة للزكاة حتّى تشتغل بالاستدانة. و إليه أشار السيد المحقّق البروجردي في تعليقته و قال: ثمّ إنّ الزكاة ملك أو حقّ لمستحقّيها و ليست من الجهات التي يعتبر لها ملك أو ذمّة.

و لكن الإجابة عنه واضحة، إذ الاستدانة

لا تتوقّف على وجود ذمّة للزكاة حتّى تشتغل بالاستدانة، بل يكفي كون الاستدانة أمرا عرفيا عقلائيا، و الظاهر

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 520

..........

______________________________

تحقّق هذا الشرط في أمر الزكاة، فإذا كان للزكاة مركز تجبى إليه الصدقات من الأقاصي و الأداني في فترة بعد فترة، فتكون لها شخصية مالية تستدين و تستقرض للقطع بوصول الزكاة إليه بعد فترة، فتكون دائرة الزكاة أشبه بالمؤسسات الخيرية المعتبرة باعتبار الاعتماد على مديريتها فيستقرض على المؤسسة و تصرف في الموارد المشخصة في برامجها أملا بوصول الأموال من أصحاب الخير و البرّ و الإحسان.

2. ما ذكره سيد مشايخنا المحقّق البروجردي و قال: كون الدين على الزكاة مستلزم لكون ما أخذه قرضا، ملكا للزكاة لا زكاة، فلو صحّ لوجب صرفه فيما يحتاج إليه الزكاة لا في مصارفها، كما في الاستدانة على الوقف حيث يصرف في تعميره في الموقوف عليهم. «1»

و يظهر هذا من السيد الحكيم أيضا حيث قال: الظاهر انّه لا إشكال في ذلك- في الجملة- إذ لا إشكال في أنّ وليّ الزكاة يستأجر لحفظها و جمعها و نقلها و رعيها، و يشتري لعلفها و سقيها و نحو ذلك من مصالحها، فتكون أجرة الراعي و الحارس، و أجرة المكان الذي تجمع فيه، و قيمة العلف- و نحو ذلك من الأموال التي تصرف لمصالحها- مستحقّة عليها، لا على الوالي، و لا على غيره. «2»

و لو صحّ ما ذكر العلمان يظهر الإشكال فيما ذكره المصنّف في المتن من تشبيه المقام باستدانة وليّ الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه، حيث إنّ الدين في الاستدانة على الوقف يصرف في تعمير الوقف لا في صالح الموقوف عليهم بخلاف المقام.

يلاحظ عليه: أنّ العرف

يتلقّى المأخوذ زكاة لا ملكا للزكاة، و ذلك لأجل انّه

______________________________

(1). العروة الوثقى، تعليقة السيد البروجردي، طبعة دار الكتب الإسلامية، ص 427.

(2). المستمسك: 9/ 366- 367.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 521

..........

______________________________

يؤدي القرض بالزكاة فيأخذ المأخوذ لون الزكاة.

3. ما ذكره السيد الحكيم: بأنّ الاقتراض ليس لمصلحة الزكاة، بل لمصلحة الفقير، و ليس للحاكم الولاية عليه، مع أنّ فرض الولاية عليه يقتضي جواز الاقتراض على ذمّته لا على ذمّة الزكاة. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الولاية على الزكاة لا تنفك عن الولاية على الفقراء و المساكين، فقد أمر سبحانه الحاكم أن يأخذها من الأغنياء و يصرفها في الفقراء و المساكين، فعندئذ تصبح رعاية مصالحهم من وظائف الحاكم، فلو كان الفقير محتاجا و ابن السبيل مضطرّا، فالمخاطب في رفع خلتهم و رفع حاجاتهم، هو الحاكم، فكيف يمكن أن يقال لا ولاية للحاكم على الفقراء؟ نعم لا ولاية على أشخاصهم، لكن له الولاية على إدارة المجتمع، و رفع مشاكلهم بالنحو المطلوب عقلا و شرعا.

4. ما ذكره السيد الأستاذ قدّس سرّه في تعليقته و قال: إنّ أداء الدين من الزكاة محلّ إشكال، بل منع لعدم كون أداء قرض الزكاة من مصارفها.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الغارمون من مصارف الزكاة، و كانت الزكاة هو الغارم، فكيف لا يجوز أداء دينها بها؟!

إلى هنا تمّ الكلام في الطريق الأوّل و عرفت الذب عن الإشكالات من المعلّقين على هذا الوجه.

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 366- 367.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 522

مع أنّه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة- من الفقراء و الغارمين و أبناء السبيل- من حيث هم من مصارفها، لا من حيث هم هم، و ذلك مثل ملكيّتهم للزكاة،

فإنّها ملك لنوع المستحقّين، فالدين أيضا على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم.

و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة، و على المستحقّين بقصد الأداء من مالهم، و لكن في الحقيقة هذا أيضا يرجع إلى الوجه الأوّل.

و هل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ وجهان، و يجري جميع ما ذكرنا في الخمس و المظالم و نحوهما.* (1)

______________________________

(1)*

الثاني: الاستدانة على أرباب الزكاة

هذا هو الوجه الثاني للاستدانة لدفع الضرورة الطارئة و الحاجة الملحّة بأن يقترض الحاكم على أرباب الزكاة من الفقراء و الغارمين و أبناء السبيل من حيث إنّهم من مصارفها لا من حيث هم هم.

و إن شئت قلت: يقترض عليهم بما انّهم أولى بالتصرّف في الزكاة، أو انّهم مالكون للزكاة ملكية نوعية لا شخصية، و عندئذ يصلح لأن يقترض عليهم و يؤدّي عنهم من الزكاة.

و الفرق بين هذا الوجه و الوجه السابق انّ الاستدانة في الأوّل كانت لنفس الزكاة، و في هذا الوجه على مالك الزكاة و مصارفها بما انّهم مستحقّون و متصرّفون في الزكاة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 523

..........

______________________________

و أورد على هذا الطريق بوجوه نذكر منها ما يلي:

الأوّل: بأنّ أصناف الزكاة و مصارفها أصناف معدمون فلا ذمّة لهم في كون الاعتبار، و إنّما يعتمد على ذمّة من له قدرة عادة على أداء ما استقرض.

يلاحظ عليه: أنّك قد عرفت أنّ الاستقراض ليس على ذواتهم و لا على عناوينهم المجردة، بل عليهم لكن بما انّهم موصوفون بمصارف الزكاة و التي تصل إليهم الزكاة بين الفترة و الأخرى، و هذا هو الذي يصحّح الاستدانة عليهم.

الثاني: انّ الاستدانة للفقراء لا يجعل

ما استدانه زكاة بحيث يكون ملكا للفقير المعطى له بعنوان الزكاة و بلا اشتغال ذمّتهم. «1»

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الاستقراض على هؤلاء بما انّهم مصارف الزكاة و أربابها و انّ القرض يؤدّي بالزكاة فيأخذ القرض لنفسه عنوان زكاة، فتأمّل.

الثالث: الاستدانة على الحاكم

هذا هو الوجه الثالث و المراد أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة، و ذلك لأنّ الحاكم الإسلامي له ولاية على المجتمع على اختلاف طبقاتهم، و المفروض انّ هذا الأمر- أي رفع الحاجة أو الاضطرار عن الأصناف المستحقّة للزكاة- من الأمور التي لم يوكل إلى أحد من آحاد الأمّة، فلا محالة يعدّ من وظيفة الحاكم، هذا من جانب، و من جانب آخر انّ ذمّة الحاكم ذمّة معتبرة، و من علل الاعتبار كون إدارة الزكاة مخوّلة إليه فيستقرض بما انّه ولي الزكاة و بيده أمرها فيتّخذ القرض عندئذ لون الزكاة.

و ما عن السيد الأستاذ قدّس سرّه من أنّه لا يجوز وصف ما استدان، بالزكاة إلّا بعد

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 367.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 524

..........

______________________________

وجوبه و وقت تعلّقه لا مطلقا، غير تام، لأنّه يصلح في الأمور الفردية فلا يتّصف ما يأخذه الفرد بعنوان الزكاة إلّا بعد بلوغ أوانه دون الحاكم المسيطر على المجتمع سابقه و لاحقه.

الرابع: استقراض آحاد المالكين

ذهب المصنّف إلى أنّه يجوز لآحاد المكلّفين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها ثمّ قال: و يجري جميع ما ذكرنا في الخمس و المظالم و نحوهما.

و قد اعترض عليه أغلب المحشّين بعدم الولاية لآحاد المالكين على الزكاة، و يمكن الذب عنه فيما إذا كان هناك مجتمع فاقد للفقيه، و إنّما يتصدّى لأمثال هذه الأمور- التي لا يرضى الشارع بتركها- عدول المؤمنين، فلا مانع من قيامهم بهذه المهمّة اللازمة.

و على كلّ تقدير فهذه الوجوه الأربعة لا تخلو من شوب إشكال و إن قمنا بذبّ الإشكالات عن الجميع، و الأولى أن يستدين الحاكم بما له ولاية على إدارة المجتمع على نفسه ثمّ يؤدّي قرضه من سهم الغارمين، و

لعلّ هذا أوضح من الجميع.

و هناك طريق خامس أشار إليه السيد الأستاذ، و هو انّه لا مانع من الاقتراض ثمّ الإقراض على الفقير، ثمّ أخذ الزكاة عوضا عن قرضه (الفقير) و دفعها إلى المقرض.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 525

[السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعيّ أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه]

اشارة

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعيّ أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه المسمّى بالفارسية ب «دست گردان»، أو المصالحة معه بشي ء يسير، أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك، فإنّ كلّ هذه حيل في تفويت حقّ الفقراء، و كذا بالنسبة إلى الخمس و المظالم و نحوهما. نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها و أراد أن يتوب إلى اللّه تعالى، لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة، و مع ذلك- إذا كان مرجوّ التمكّن بعد ذلك- الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده.* (1)

______________________________

(1)*

و للمسألة صورتان:
اشارة

الأولى: إذا كان متمكّنا من أداء الزكاة.

الثانية: إذا كان متمكّنا منه لكن زال عنه التمكّن و صار فقيرا.

ثمّ إنّ الممارس للاحتيال، إمّا الفقير أو الحاكم، و الطرق المذكورة له في كلام المصنّف ثلاثة، فيبلغ عدد الصور بضرب بعضها في بعض إلى اثنتي عشرة صورة، بضرب عدد الممارس (الفقير و الحاكم) في عدد من يراد تطهير ماله (المتمكّن و غير المتمكّن) فيصير أربعة، فتضرب في الطرق الثلاثة، فيناهز عددها إلى اثنتي عشرة صورة. فلنقدم الكلام في الصورة الأولى- أي المتمكّن من الأداء على من زال تمكّنه- بشقوقها الستة.

الأولى: إذا كان متمكّنا من أداء الزكاة

إذا كان المالك متمكّنا من أداء الزكاة، و لكن يريد الاحتيال و يتوسّل في

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 526

..........

______________________________

إعمال الحيلة بالفقير أو بالحاكم.

أمّا الفقير فتارة يحتال بالمداورة، و أخرى بالمصالحة، و ثالثة بالمحاباة.

أمّا الأوّل: فبأن يأخذ الزكاة عن المالك ثمّ يرد عليه قرضا، أو هبة و عطاء؛ و الظاهر عدم جوازه إذا كان قرضا، إذا كان فوق شأنه، إذ ليس له الولاية على هذا النوع من التصرّف، و أولى منه بعدم الجواز، العطاء و الهبة.

فإن قلت: قد ورد في موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «فإذا هي- الزكاة- وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء» فقلت: يتزوّج و يحجّ منها؟ قال: «نعم». «1»

قلت: صحيح لكن القدر المتيقّن هو صرفه في حوائجه كيف ما شاء لا إقراضها الغير إذا كان فوق شأنه، مضافا إلى ما في العطاء و الهبة من تضييع حقّ سائر المستحقّين.

و أمّا الثاني: أي المصالحة معه بشي ء يسير، و هو أيضا غير صحيح، إذ لا يملك شيئا في ذمّة المالك حتّى يصالحه بشي ء، و الزكاة

ملك للعناوين الثمانية لا لأشخاصهم، مضافا إلى ما فيه من تضييع حقوق الآخرين.

و أمّا الثالث: أي قبول شي ء بأزيد من قيمته، كما إذا اشترى ما يساوي عشرة دراهم بمائة درهم، فعند ذلك يصير مديونا للمالك فيحتسب المالك ما في ذمّة الفقير زكاة، فهذا أيضا غير صحيح، لما تقدّم في السابق من كونه مستلزما لإضاعة الحقوق، مضافا إلى عدم شمول دلالة إمضاء العقود بمثل هذا، لأنّه عقد غير عقلائي أو أشبه بمعاملة فاقد القصد.

هذا كلّه حول الفقير أمّا الكلام في الحاكم فهل يجوز له أن يتوسّل بهذه

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 527

..........

______________________________

الطرق الثلاثة، لإبراء ذمّة المالك المتمكّن أو لا؟

فالحق أنّه ليس للحاكم ولاية المصالحة و المحاباة، إذ لا يملك حقّا أو ملكا في ذمّة المالك حتّى يصالحه بشي ء، و قبول شي ء بأزيد من قيمته أشبه بالمحاباة التي عرفت عدم شمول العمومات لها، مضافا إلى استلزامها تضييع حقوق الآخرين.

إنّما الكلام في المداورة، فالظاهر جوازها إذا كان هناك مصلحة عائدة لأصحاب الزكاة على نحو لولاها لما أدّى المالك شيئا من الزكاة.

ثمّ إنّ المحقّق عقد فصلا للحيل الجائزة و الممنوعة في آخر كتاب الطلاق، و تبعه أصحابنا فذكروا في آخر كتاب الطلاق بعض الحيل، و قد بسط الكلام فيها صاحب الحدائق، كما أنّ أهل السنّة طرحوها تحت عنوان «فتح الذرائع» الذي فتحه أبو حنيفة و أوصد بابه الإمام مالك تحت عنوان «سد الذرائع».

قال في «الجواهر» في آخر كتاب الطلاق: و لعلّ من ذلك ما يتعاطاه بعض الناس في هذه الأزمنة من التخلّص ممّا في ذمّته من الخمس و الزكاة ببيع شي ء ذي قيمة رديّة بألف

دينار مثلا من فقير برضاه ليحتسب عليه ما في ذمّته عن نفسه، و لو بأن يدفع له شيئا فشيئا ممّا هو مناف للمعلوم من الشارع من كون المراد بمشروعية ذلك، نظم العباد و سياسة الناس في العاجل و الآجل بكفّ حاجة الفقراء من مال الأغنياء، بل فيه نقض للغرض الذي شرّع له الحقوق.

و كلّ شي ء تضمن نقض غرض أصل مشروعية الحكم يحكم ببطلانه، كما أومأ إلى ذلك غير واحد من الأساطين، و لا ينافي ذلك عدم اعتبار اطّراد الحكمة، ضرورة كون المراد هنا ما عاد على نقض أصل المشروعية، كما هو واضح. «1»

______________________________

(1). الجواهر: 32/ 202.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 528

الصورة الثانية: إذا صار غير متمكّن

______________________________

أمّا الصورة الثانية إذا كان متمكّنا ثمّ صار فقيرا، فالظاهر جوازها، فيجوز الأخذ من المالك ثمّ الردّ إليه قرضا، و اشتغال ذمّته به، و توكيله في الدفع إلى مستحقّيه و لو تدريجا، و هذا يصحّ من الحاكم دون الفقير، و يختص مورده بما إذا كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها و أراد أن يتوب إلى اللّه تعالى فلا بأس بتفريغ ذمّته من جانب الحاكم على النحو الذي ذكرناه و يشترط عليه الأداء عند التمكّن و لو شيئا فشيئا

و ليس في تصوير هذا النوع من الأخذ و الرد أي تضييع لحقّ الفقراء، لأنّ المفروض انّ المالك صار فقيرا، و هذا العمل و عدمه سيّان في انتفاع سائر الفقراء، لكنّه ينفع في براءة ذمّته، بخلاف الصورة الأولى فانّ المفروض فيها غناء المالك لا فقره.

و لعلّ إلى هذه الصورة أشار صاحب الجواهر و قال: نعم قد يقال انّ فتح الباب المزبور يعود

على الغرض بالنقض، فلا ينافيه ما يصنعه بعض حكام الشرع في بعض الأحوال مع بعض الناس لبعض المصالح المسوّغة لذلك، ضرورة أنّه قد يتّفق شخص غلب الشيطان عليه في أوّل أمره ثمّ أدركته التوبة و الندامة بعد ذلك، ثمّ صار صفر الكفّ أو مات كذلك و لكن ذمّته مشغولة بحقّ الخمس مثلا، فإنّ الظاهر جواز السعي في خلاصه بل رجحانه بالطرق الشرعية التي يندرج بها في الإحسان و تفريج الكربة عن المؤمن، و نحو ذلك من الموازين الشرعية المأمور بها. «1»

______________________________

(1). الجواهر: 32/ 203.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 529

[السابعة عشرة: اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين معلوم]

اشارة

السابعة عشرة: اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين معلوم، و أمّا فيما لا يعتبر فيه كالغلّات ففيه خلاف و إشكال.* (1)

______________________________

و قد عرفت أنّ الأظهر الدفع إليه بصورة القرض و توكيله في صرفه في موارده عند التمكّن.

ذهب السيد الأستاذ في تعليقته إلى جواز الصور الثلاث للحاكم- أعني:

المداورة، و المصالحة بشي ء يسير، أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته- إذا اقتضت مصالح الإسلام و المسلمين.

و ما ذكره ناظر إلى صورة خاصة، و ليس ضابطة كلّية.

و هنا طريقان آخران لكشف كربته:

1. دفع ما يملكه من مستثنيات الديون زكاة ثمّ الارتزاق منها.

2. دفع الزكاة بمقدار قليل إلى الحاكم و شرطه عليه أداء باقي الزكاة عند التمكّن، و هذا يتمّ في الحي الذي يرجى منه أداء الزكاة في المستقبل تدريجا.

(1)* أقول: تقدّمت المسألة في الجزء الأوّل عند ذكر شروط وجوب الزكاة، فقال المصنف: الشرط الخامس تمام التمكّن من التصرف، فلا تجب في المال الذي لا يتمكّن من التصرف فيه بأن كان غائبا ... «1»

و لم يذكر هناك التفصيل بينما يعتبر فيه الحول

و ما لا يعتبر، بل مرّ عليها بلا تعرض، و في المقام ذكر القسمين و قال: بأنّ شرطية التمكّن فيما يعتبر فيه الحول أمر مسلم، و أمّا فيما لا يعتبر ففيه خلاف و إشكال.

______________________________

(1). لاحظ الجزء الأوّل: 32.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 530

..........

______________________________

و مع ذلك فقد اختار هو في المسألة الحادية و الأربعين من هذه السلسلة عدم الاشتراط، فقال: إنّ الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب، و الأظهر عدم اعتباره، فلو غصب زرعه غاصب و بقي مغصوبا إلى وقت التعلّق ثمّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته.

ثمّ إنّه قدّس سرّه لم يعيّن فيما سبق و لا في المقام موضع النزاع و انّه هل يعتبر التمكّن من التصرف قبل التعلّق و حينه و بعده، أو يعتبر التمكّن حين تعلّق الوجوب؟ و لكنّه قدّس سرّه ذكر موضع النزاع في تلك المسألة (الحادية و الأربعون) حيث قال: و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات فلا يعتبر التمكّن من التصرف فيها قبل حال تعلّق الوجوب بلا إشكال، و كذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكّن بعده إذا حدث التمكّن بعد ذلك.

و هذا يعرب عن أنّ محلّ النزاع شرطية التمكّن حال التعلّق و عدمها. إذا عرفت هذا فقد ذكرنا أقوال العلماء و نصوصهم في الجزء الأوّل عند ذكر الشرط الخامس من شرائط وجوب الزكاة. «1»

و قد استظهرنا من الروايات الواردة في المقام انّه لم يرد في النص عنوان التمكّن من المال، و إنّما ذكر الحكم بذكر الأمثلة كالعناوين التالية:

1. المال المدفون المجهول مكانه.

2. مال الوارث الغائب.

3. المال الغائب عن الإنسان.

إذا علمت ذلك فالبحث يدور حول أحد الأمرين:

______________________________

(1). لاحظ الجزء الأوّل من هذا

الكتاب: 30.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 531

..........

______________________________

1. شمول إطلاقات وجوب الزكاة في الغلّات لهذه الصورة، فتجب الزكاة و إن كان غير متمكّن من التصرف حين التعلّق.

2. المسألة داخلة تحت عنوان المخصّص. فإليك البيان:

أمّا شمول الإطلاقات فلا غبار عليه، فإنّ ما دلّ على وجوب الزكاة في الغلّات يعمّ المورد و غير المورد، و إنّما الإشكال في مقيّدها فربّما يتصوّر لزوم التقييد بأحد أمرين:

الأوّل: إطلاق معقد الإجماعات

يلاحظ عليه: أنّ الإجماع مدركيّ، و لا عبرة بالإجماع و لا بمعقده فضلا عن إطلاقه، و اللازم هو دراسة الروايات الواردة في شرطية التمكّن.

الثاني: إطلاق بعض الروايات

1. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك». «1»

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر من المال الغائب هو النقدان لانصرافه إليهما، و مع الشكّ في شموله للغلّات يكون إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة في الغلّات هو المحكّم.

2. موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو و مات الرجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: «يعزل حتّى يجي ء».

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 532

..........

______________________________

قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: «لا، حتى يجي ء» قلت: فإذا هو جاء أ يزكيه؟

فقال: «لا، حتّى يحول عليه الحول في يده». «1»

وجه الاستدلال: انّ إطلاق الميراث يعمّ الغلّات.

يلاحظ عليه: أنّ المقصود من الميراث عند الراوي و بالتالي عند الإمام هو المال الذي يحول عليه الحول بقرينة السؤال الثاني و جواب الإمام.

3. صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم جميعا، عن أبي جعفر عليه السّلام انّهما قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها، ما ترى فيها؟

فقال: «كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». «2»

وجه الاستدلال: تخصيص الزكاة بما يحصل في يد المالك.

يلاحظ عليه: أنّ المراد

من قوله: «ممّا يحصل في يدك» هو ما يبقى له بعد إخراج حقّ السلطان و ليست العبارة ناظرة إلى كون العين تحت يده عند تعلّق الزكاة.

و حصيلة الكلام: انّ الأحاديث الدالّة على اعتبار التمكّن قاصرة الدلالة على اعتباره في المزارع و الغلّات، و أمّا معقد الإجماع فقد عرفت أنّه مدركي لا عبرة به و بمعقده فضلا عن إطلاقه.

فالظاهر انّ الإطلاقات محكمة ما لم يدل دليل واضح على التقييد، فالأقوى هو لزوم دفع الزكاة و إن كان ممنوعا حين التعلّق و لكن تمكّن منها بعده.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الغلّات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 533

[الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب فيه الزكاة]

الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب فيه الزكاة إلّا بعد العثور و مضي الحول من حينه.

و أمّا إذا كان في صندوقه مثلا لكنّه غافل عنه بالمرة فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته، و إلّا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه، فيجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، و يجب التكرار إذا حال عليه أحوال فليس هذا من عدم التمكّن الذي هو قادح في وجوب الزكاة.* (1)

______________________________

(1)* أمّا الشقّ الأوّل فهو منصوص. روى سدير بن حكم الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول، ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظنّ انّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلّها، فوقع

على المال بعينه، كيف يزكّيه؟ قال: «يزكّيه سنة واحدة، لأنّه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه». «1»

و أمّا الشقّ الثاني فعدم شمول المقيد لهذا الشق واضح، لأنّ المستفاد منها كون المانع من تعلّق الوجوب هو القصور من جانب المال بأن لم يكن في يد المالك و استيلائه دون ما إذا كان القصور من جانب المالك لأجل غفلته أو نسيانه، و على ذلك يصحّ ما ذكره في المتن من عدم تعلّقها في الشقّ الأوّل إلّا مرّة واحدة بخلاف الشقّ الثاني فتتعدّد الزكاة حسب تعدّد الأحوال.

و الحاصل: انّ الميزان قصور سلطنة المالك و عدم قصورها، ففيما إذا كان مدفونا مجهول المكان فسلطنة المالك قاصرة لأن تستولي عليه، بخلاف الشقّ الثاني

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 534

[التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين]

التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرف، أو كان مشروطا عليه في ضمن عقد لازم، ففي منعه من وجوب الزكاة و كونه من عدم التمكّن من التصرف الذي هو هو موضوع الحكم إشكال، لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضرا عنده، أو كان حاضرا و كان بحكم الغائب عرفا.* (1)

______________________________

فانّ السلطنة تامة غير أنّ الغفلة حالت دون إعمال السلطنة.

(1)* الظاهر وجود الفرق بين الأمثلة، ففيما إذا أكرهه مكره على عدم التصرف، يكون إكراه المكره سببا لقصور سلطنة المالك و عدم استيلائه عليه، فيشمله ما ورد في المقام من شرطية الاستيلاء ففي مرسلة عبد اللّه بن بكير، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في رجل ماله عنه غائب

لا يقدر على أخذه؟

قال: «فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، فإن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه، فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين». «1»

و أمّا إذا كان الاستيلاء من جانب المالك تاما و لم يكن هناك أي مانع من التصرف إلّا التزامه شرعا بعدم التصرف، فهل هو من أقسام من يقدر على التصرف أو لا؟

ذهب السيد الحكيم إلى القول الثاني قائلا: إنّ عدم القدرة الشرعية كعدم القدرة العقلية مانع عن الوجوب، و لا فرق بين تمام الحول و بعضه فيما هو ظاهر الأدلّة. و النذر أو الاشتراط على المالك أو اشتراط عدم التصرف على المالك في ضمن عقد لازم يجعله بحكم الغائب عرفا، لأنّه مانع من التصرف في النصاب. «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

(2). المستمسك: 9/ 372، 373.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 535

[العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا]

العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه و يجعل التولية بيده أو يد أولاده، و لو أوقفه على أولاده و غيرهم- ممّن يجب نفقته عليه- فلا بأس به أيضا.

نعم لو اشترى خانا أو بستانا و وقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم فيه إشكال.* (1)

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ منصرف الغيبة في الروايات هو الغيبة التكوينية بأن يكون الإنسان منقطعا عن ماله لا يتمكّن من التصرف مباشرة أو بواسطة عمّاله و وكلائه، و أين هذا من الالتزام قانونا و تشريعا على عدم التصرف؟! فإنّ ادخال هذه الصورة تحت الروايات المقيّدة لإطلاقات وجوب الزكاة لا يخلو من نوع تكلّف.

على أنّ في صحة هذا

النوع من النذر الخالي من الرجحان نظرا و تأمّلا، مضافا إلى أنّه لو صحّ أمثال هذا النذر و الاشتراط في ضمن العقد لانتهى الأمر إلى عدم وجوب الزكاة على المالكين، إذ في وسع كلّ مالك أن يقوم بهذا النوع من الالتزام للفرار من الزكاة.

(1)* في المسألة فرعان:

الأوّل: أن يعزل الزكاة و يشتري من سهم سبيل اللّه كتابا و يوقفه على الفقراء أو عليهم و على أولاده ممّن تجب نفقته عليه.

الثاني: أن يعزل الزكاة و يشتري بها بستانا أو خانا و يوقفهما على واجب النفقة لصرف نمائه في نفقته.

أمّا الأوّل فجائز حيث إنّه يجوز للواقف أن يصرف الزكاة في سبيل اللّه، كما

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 536

[الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة، لا يجوز للفقير المقاصّة من ماله]

الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة، لا يجوز للفقير المقاصّة من ماله إلّا بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد.* (1)

______________________________

إذا بنى بها مسجدا أو قنطرة ينتفع بها الكلّ من غير فرق بين الفقراء و أولاده، فإنّ ذلك لا يعد من قبيل صرف الزكاة على واجب النفقة، بل صرفه في سبيل اللّه، غير أنّ المسلمين أمامه سواء و الكلّ- بلا تخصيص- يستفيدون منه.

و نظير ذلك اشتراء الكتاب و القرآن و كتب الأدعية بالزكاة و صرفها في سبيل اللّه حتّى ينتفع به القاصي و الداني.

و هذا بخلاف الصورة الثانية فانّ الزكاة تصرف مآلا في نفقة من تجب نفقته على المالك، فلا قصور في شمول الأدلّة المانعة من بذل الزكاة على واجبي النفقة، غاية الأمر انّ البذل تارة بصورة التمليك و أخرى بصورة تحبيس العين و تسبيل المنفعة.

و ربما يقال: انّه لا دليل على جعل التولية لنفسه و لا لأولاده إذا صرف الزكاة في الوقف.

يلاحظ

عليه: أنّ ذلك من لوازم صحّة الوقف، فإذا كان للمالك، ولاية صرف الزكاة بصورة الوقف على المسلمين، و من جانب طبيعة الوقف لا تخلو عمّن يلي أمر الوقف من حيث حراسته و استثماره و صرفه في مواضعه، فالقدر المتيقّن هو جعل التولية لمن يباشر أمر الوقف ولاية و ليس هو إلّا المالك، و لا وجه لتقديم الحاكم عليه بعد كون ولايتهما على الصرف سواء، فلاحظ.

(1)* و قد جاء في الحديث: «انّ الحق القديم لا يبطله شي ء».

و في «نهج البلاغة» عن علي عليه السّلام: «انّ لكلّ دم ثائرا، و لكلّ حقّ طالبا». «1»

______________________________

(1). نهج البلاغة: الخطبة 150.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 537

[الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة]

الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحجّ أو نحوهما من القرب، و يجوز من سهم سبيل اللّه.* (1)

______________________________

لكنّ هنا فرقا بين الحقّ الشخصي و النوعي، ففي الأوّل يجوز للفقير طلب حقّه الشخصي و لو بالتقاص، بخلاف الثاني فإنّه ليس متعلّقا بشخصه، بل هو للعناوين الثمانية، و بما انّ العنوان لا يقوم بإحقاق حقّه ينوب عنه الحاكم، فيجوز له المقاصة، أو الإذن للفقير بالتقاص إمّا في مورد خاص أو في كلّ مورد.

كما أنّ للحاكم ذلك، فكذلك لعدول المؤمنين إذا قاموا مقام الحاكم في الأمور الحسبية.

(1)* هنا فرعان:

الأوّل: لا يجوز للمالك إعطاء الزكاة لفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحجّ أو نحوهما من القرب.

الثاني: يجوز للمالك أن يدفع إلى الفقير من سهم سبيل اللّه كذلك.

أمّا الأوّل: فهل البحث فيه منصبّ على جواز صرف الزكاة في الزيارة و الحج، كما فهمه أكثر المعلّقين على العروة؟

أو أنّه منصب على جواز اشتراط المصرف على الفقير إذا كان المعطى من

سهم الفقراء، كما هو الظاهر من السيد الخوئي في مستنده؟ «1»

فإن أريد الأوّل فلا وجه للمنع إذا صارت الزيارة، من المئونة العرفية، كبعض الأسفار التنزهية، فإنّ حرمان الفقير منها، بعد كونها من المؤن العرفية ممّا لا دليل عليه، كيف و قد ورد جواز صرف الزكاة في الحجّ؟!

______________________________

(1). مستند العروة: 24/ 333.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 538

..........

______________________________

ففي موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما يشاء» قال: و قال: «إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلّا بأدائها و هي الزكاة، فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء» فقلت: يتزوّج بها و يحجّ منها؟ قال: «نعم، هي ماله»، قلت: فهل يؤجر الفقير إذا حجّ من الزكاة كما يؤجر الغني صاحب المال؟ قال:

«نعم». «1»

و في رواية الحكم بن عتيبة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعطي الرجل من زكاة ماله يحجّ بها؟ قال: «مال الزكاة يحجّ به؟!» فقلت له: إنّه رجل مسلم أعطى رجلا مسلما، فقال: «إن كان محتاجا فليعطه لحاجته و فقره، و لا يقل له: حجّ بها، يصنع بها بعده ما يشاء». 2

هذا إذا كان البحث منصبّا على جواز صرف الزكاة في الزيارة و الحجّ، و أمّا لو كان منصبا على جواز الاشتراط بأن يعطي من سهم الفقراء و يشترط عليه أن يحجّ بالزكاة، فالظاهر انّه لا وجه لتعيين المصرف بعد عدم ولايته عليه، و إن كان له الولاية في تعيين الفقير، و ذلك لأنّه بعد القبض يملك، و لا أثر للاشتراط.

و الحاصل: انّه لو كان الدفع بنحو التمليك (لا الصرف كما

هو الرائج في إحجاج الفقير) لا ولاية للمالك في تحديد مصرفها، أو تحديد مالكية الفقير، لأنّ الفقير بعد ما أخذ و قبض يتملّك ما أخذه فله صرف ما ملكه في أي شي ء شاء بشرط أن لا يكون فوق شأنه، و تعيين المصرف من جانب المالك يتوقّف على ولايته لذلك، و ليس هناك دليل بل الدليل على خلافه.

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 539

[الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة]

الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة، حتّى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه إذا لم يمكن دفع شره إلّا بهذا.* (1)

______________________________

و أمّا إذا كان الدفع من سهم سبيل اللّه ليحج، فهل يلزم للفقير أن يصرفه في خصوص الحجّ، أو هو مختار فيجوز له أن يصرفه في كلّ ما هو مصداق لسبيل اللّه؟

الظاهر هو الثاني لما عرفت من أنّه ليس للمالك ولاية تعيين المصرف على المستحق، فالذي يجب على الفقير رعاية حكم السهم الذي أخذه و قبضه، فهو ملزم من جهة انّ السهم من سهم سبيل اللّه فلا بدّ من صرفها في مورده، من غير فرق بين الحجّ و سائر المصالح العامة، أو المصالح العامّة الدينية، و قد عرفت أنّ المراد من سبيل اللّه هو الأمور العامّة الدينية.

(1)* إذا كان المراد من سبيل اللّه هو صرف الزكاة في المصالح العامّة، فتخليص المظلوم من يد الظالم و لو ببذل الزكاة صرف لها في المصالح العامة الدينية، خصوصا إذا كان للأسير سمعة بين المسلمين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 540

[الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص]

الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص- بعنوان نذر النتيجة- و بلغ ذلك النصاب، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضا، لأنّه مالك له حين تعلّق الوجوب، و أمّا لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص، و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال.* (1)

______________________________

(1)* لا شكّ انّ الزكاة على المالك حين تعلّقها، فلو قلنا بأنّ وقت التعلّق هو انعقاد حب الحنطة و الشعير فمن كان مالكا في هذه الحالة فعليه الزكاة.

إنّما الكلام في صحّة

انتقال المنذور إلى غير المالك عن طريق النذر.

توضيح ذلك: أنّ نذر نصف النتاج يتحقّق بصورتين:

الأولى: أن يكون بصورة نذر النتيجة بمعنى أن يكون نفس النذر مملكا لنصف النتاج للمنذور له، فيسمّى الملكية القهرية، نظير باب الإرث و الديات فانّ الوارث يملك التركة بنفس الموت، كما أنّ المجروح يملك الدية على ذمّة الجارح بنفس الجرح.

ثمّ إنّ نذر النتيجة إنّما يصحّ إذا كان متعلّق النذر أمرا إيقاعيا، لا يشترط فيه القبول كما إذا نذر أن يكون المال المعيّن صدقة، أو الشاة أضحية؛ و أمّا إذا كان متعلّق النذر أمرا غير إيقاعي، كما في التملّك و لا يصحّ بالنذر، لأنّه عبارة عن خروج شي ء من ملك شخص و دخوله في ملك شخص آخر بسبب من الأسباب، كالبيع و الإجارة و الهبة، و ما يكون من هذا القبيل يتوقّف على إيجاب و قبول، و المفروض خلافه.

و أمّا الوصية التمليكية كأن يوصي بأنّ هذا المال لفلان، فالأقوى عدم

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 541

[الخامسة العشرون: يجوز للفقير أن يوكّل شخصا يقبض له الزكاة، من أيّ شخص]

الخامسة العشرون: يجوز للفقير أن يوكّل شخصا يقبض له الزكاة، من أيّ شخص، و في أيّ مكان كان، و يجوز للمالك إقباضه إيّاه مع علمه بالحال، و تبرأ ذمّته، و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير. و لا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلا على ذلك.* (1)

______________________________

حصول التملّك إلّا بعد القبول و إن كان سائر آثار الوصية من حرمة التبديل مترتّبة على الوصية و إن لم يلحقها القبول.

فخرجنا بالنتيجة التالية: انّ المنذور له لا يملك متعلّق النذر حين تعلّق الوجوب فلا تجب عليه الزكاة، بل على المالك.

و على ضوء ذلك: تكون الزكاة على المالك كلّها، لأنّه المالك حين التعلّق

على خلاف ما أفاده المصنّف.

الثانية: أن يكون النذر بصورة شرط الفعل، أي نذر تمليك نصف الحاصل له، و بما انّه لم يصدر منه التمليك حين التعلّق تجب الزكاة على المالك أيضا.

و أمّا تصوّر انّ النذر مانع عن التصرف و انّ المانع الشرعي كالمانع العقلي، فقد مرّ الكلام فيه بأنّ القدر المتيقّن من الروايات هو كون الرجل غير قادر على التصرف لأجل مانع تكويني؛ فعليه يجب عليه التمليك أوّلا، و إخراج زكاته ثانيا.

و بذلك يعلم ما هو المراد في كلام المصنّف من الإشكال.

(1)* استدلّ عليه في «المستمسك» بقوله: لأنّ القبض ممّا يقبل النيابة عندهم، كما يساعده ارتكاز العرف و العقلاء. «1»

أقول: قبول شي ء للنيابة و الوكالة أمر عقلائي، فربّما يكون الشي ء راجعا إلى

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 374.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 542

[السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة]

السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة، فلو أعطى فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه، فأجاز بعد ذلك لم يصحّ.

نعم لو كان المال باقيا في يد الفقير، أو تالفا مع ضمانه- بأن يكون عالما بالحال- يجوز له الاحتساب إذا كان باقيا على فقره.* (1)

______________________________

شخص الإنسان، و ذلك كالأكل و الشرب في الأمور المادية و التعقّل و التفكّر في الأمور المعنوية، و هذه الأمور لا تقبل النيابة، و أمّا إذا كان راجعا إلى توسيع نطاق قدرته، فهذا ممّا يقبل النيابة، فيصحّ للفقير توكيل الآخر في أخذ الزكاة، بل يجوز له الجعل لأنّه عمل محترم يقابل بأجرة، لإطلاق أدلّة الجعالة الشاملة للمقام.

و بما انّ يد الوكيل يد الموكل و أخذه أخذه، تبرأ ذمّة المالك بالدفع إلى الوكيل- بشرط الوثوق به- كما يبرأ بالدفع إلى الحاكم.

(1)* هنا فرعان:

1. لا تجري

الفضولية في دفع الزكاة، و إن لحقته الإجازة.

2. لو كان المال باقيا في يد الفقير أو تالفا مضمونا عليه جاز الاحتساب إذا كان فقيرا عند الاحتساب. و إليك دراسة الفرعين:

أمّا الأوّل فقد حكاه صاحب الجواهر عن بعضهم و قال: بل قد يقال بجريان الفضولي في الزكاة من دون اعتبار الوكالة، لكنّه لا يخلو من إشكال أو منع. «1» ثمّ إنّه استدلّ على عدم جريانها في الزكاة بوجوه مخدوشة.

و الأولى أن يقال: انّ صحّة العقد الفضولي إذا لحقته الإجارة، هل هي مطابقة لمقتضى القواعد، من دون حاجة إلى ورود نصّ خاص في كلّ مورد؟ كما

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 473.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 543

..........

______________________________

عليه الشيخ الأنصاري قدّس سرّه حيث أفاد انّ العقد الفضولي جامع لعامّة شروط الصحّة ما عدا الاستناد إلى المالك، و هو يتحقّق بالإجازة، و على هذا فتجري الفضولية في دفع الزكاة و يتحقّق الاستناد بالإجازة. أو انّ العقد الفضولي، غير داخل تحت العمومات، قبل الإجازة، لأنّ الخطاب فيها للمالك، و لمن فعله فعل المالك؟ و أين هذا من بيع الأجنبي ملك الغير، فانّه يعد أمرا عبثا و تدخّلا في سلطان الغير، و قياس المقام بفعل الوكيل قياس مع الفارق، فانّ عمله عرفا هو عمل الموكل، بخلاف غيره.

و ليس الكلام في شرطية سبق الإذن، حتى يقال بأنّ عدم سبقه لا يضر بصدق البيع و العقد، بل الكلام في مفاد الآية فانّ الخطاب فيها للمالك أو من يقوم مقامه، و أمّا الخارج عنه، فليس مشمولا للخطاب و التشريع.

و على ضوء ذلك فالعقد الفضولي، قبل إجازة المالك، عاطل و باطل، لا يقام له وزن في سوق الاعتبار و إن أطنب المتأخّرون- بعد الشيخ-

الكلام في اعتباره و جعلوه كالعقد الصادر من المالك، غير أنّه يفقد شيئا طفيفا من شرائط الصحة، مع أنّه في نظر العرف و العقلاء فاقد لكلّ شي ء، بل كلام صدر من غير أهله و وقع في غير محلّه.

و القدر المتيقّن في صحّة العقد الفضولي ما إذا كان بين المالك و البائع خلطة و مصاحبة تصحّح له عرفا أن يبيع مال صديقه بشرط لحوق الإجازة، و عندئذ فما هو المهم و المؤثر هو الإجازة اللاحقة.

و بذلك يعلم ضعف ما استدلّ به على دعم صحّة جريان الفضولية في الزكاة، و إليك الإشارة إلى بعضها:

1. انّ المستفاد من أدلّة جواز التوكيل في أداء الزكاة، عدم اعتبار المباشرة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 544

..........

______________________________

فيها و انّ الغرض أصل وقوع الفعل خارجا و لو من غير المكلّف.

يلاحظ عليه: بأنّ فعل الوكيل، فعل الموكل من أوّل الأمر، فتشمله العمومات، و أمّا عمل الفضولي فلا صلة له بالمالك، فكيف يقاس هذا، بهذا؟!

2. انّ الفضولية كما تجري في العقود تجري في الإيقاعات، فيصحّ عتق المفلّس مع إجازة الغرماء، كما يصحّ عتق الراهن للعبد المرهون من دون أن يكون متوقفا على إجازة المرتهن، إلى غير ذلك من الموارد.

يلاحظ عليه: أنّ الإشكال في المقام غير مبني على الفرق بين العقود و الإيقاعات حتّى يستدلّ على صحّتها فيها بالموارد المذكورة و يعطف عليها جريان الفضولية في الزكاة بما انّها إيقاع لا عقد.

بل الإشكال مركّز على أنّ العقد الفضولي، غير معتبر عند العقلاء، إلّا في موارد خاصة يعتبره العقلاء شيئا صالحا للحوق الإجازة، و إلّا فلو صحّ اعتباره لصحّ في العقود و الإيقاعات معا.

و الذي يزيد الطين بلّة انّ الزكاة من العبادات التي تعتبر

فيها المباشرة أوّلا، و قصد القربة ثانيا، و لو سقطت شرطية الأولى كما في مورد الوكالة، فلا دليل على سقوطها في المورد، للفرق الواضح بين الوكيل و الأجنبي، مضافا إلى عدم تمشّي القربة من الأجنبي، و ما ربّما يقال من إمكان تمشّيه عند غفلة الفضولي عن حرمة التصرف، تخصيص للجواز بمورد نادر.

فإن قلت: ما هي الثمرة في المقام، سواء أقلنا بكون العقد الفضولي مطابقا للقاعدة أو لا، لأنّه إذا لحقته الإجازة، و كان المال باقيا تبرأ ذمّة المالك على كلا القولين.

قلت: تظهر الثمرة، فيما إذا كان القابض فقيرا حين الأخذ، و غنيا حين

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 545

[السابعة و العشرون: إذا وكّل المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: ادفعه إلى الفقراء]

السابعة و العشرون: إذا وكّل المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: ادفعه إلى الفقراء، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيرا مع علمه بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء، و أمّا إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.* (1)

______________________________

الإجازة، فعلى القول بشمول عمومات أداء الزكاة للمورد، تبرأ ذمّة المالك إذا أجازه، لا على القول بكونه على خلاف القاعدة فالعبرة عندئذ بوقت الإجازة، فإذا كان عندها غنيا، لا تصلح لأخذ الزكاة.

و أمّا الفرع الثاني، أعني: إذا كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة مع ضمانه- بأن يكون الفقير عالما بالحال- يجوز له الاحتساب إذا كان باقيا على فقره.

إنّ ما ذكره يتمّ على مبناه من عدم جريان الفضولية في باب الزكاة فتكون العبرة بزمان الإجازة، و أمّا على القول بجريانها فيها فيجوز الاحتساب إذا كان فقيرا في زمان القبض.

ثمّ إنّ المصنّف خصّ ضمان القابض بالعلم بالحال، مع أنّه ضامن مطلقا، سواء علم أو لا، لأنّه داخل في

باب تعاقب الأيدي، غاية الأمر لو كان عالما بالحال، يستقر الضمان عليه؛ و إن كان جاهلا يرجع إلى الدافع إن رجع المالك إليه.

(1)* إذا وكّل إنسان شخصا في إخراج زكاته من ماله أو أعطى له ماله و قال:

ادفعه إلى الفقراء، فهل يجوز له أن يأخذ منه شيئا لنفسه إذا كان مستحقّا للزكاة؟

و لهذه المسألة نظائر في أبواب الفقه، مثلا:

إذا وكّل إنسانا أن يبيع له مالا، فهل يجوز للوكيل أن يشتري لنفسه؟

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 546

..........

______________________________

أو وكّله أن يؤجر داره أو دابته، فهل يجوز أن يستأجر لنفسه؟

أو وكّلت امرأة رجلا أن يزوّجها برجل، فهل يجوز أن يزوّجها لنفسه؟

ثمّ إنّ الكلام تارة يقع في مقام الثبوت، و أخرى في مقام الإثبات.

أمّا الأوّل فالجواز و عدمه يدور حول شمول إذنه للوكيل و عدم شموله.

و بعبارة أخرى: إذا علم أنّ غرضه الإيصال إلى الفقير أيّا كان فله الأخذ، و إن لم يعلم فلا، و إنّما المهم هو مقام الإثبات و هو يختلف حسب اختلاف كلام الموكّل و ظهوره في الشمول و عدمه، مثلا:

1. إذا وكّله بأن يعطي زكاته لزيد الفقير، فلا يجوز له أن يدفعه إلى نفسه و إن كان الملاك موجودا. لأنّ للمالك ولاية التعيين، و قد عيّنه لشخص معيّن و إن كان لأجل فقر ذلك الشخص.

2. إذا وكّله أن يعطي زكاته إلى الفقراء بصورة صيغة الجمع المفيدة للاستغراق، أو كان الشمول مقتضى الإطلاق، فهل يؤخذ بمقتضى العموم أو الإطلاق، أو يؤخذ بظاهر الدفع الدالّ على تعدد الدافع و المدفوع؟

3. إذا كان اللفظ مهملا لا عموم فيه و لا إطلاق. و الجميع محلّ بحث.

قال الشيخ: و من أعطى غيره زكاة الأموال ليفرّقها على مستحقّها

و كان مستحقّا للزكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره، اللّهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم، فإنّه لا يجوز له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، و لا أن يعدل عنهم إلى غيرهم. «1»

و ظاهره انّ الاختصاص يحتاج إلى التصريح و إلّا فيأخذ لنفسه منها شيئا و يحتمل العكس، و هو انّ الأصل هو الاختصاص إلّا أن يصرح بالعموم أو يفهم

______________________________

(1). النهاية: 188.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 547

..........

______________________________

بالإطلاق، و على هذا فلو أحرز الدافع انّ الغرض وصول المال إلى الفقراء، و انّ الدافع و سائر الفقراء في نظره سواسية، يجوز له الأخذ و إن كان الإحراز مستندا إلى عموم اللفظ أو إطلاقه.

هذا هو مقتضى القاعدة، و أمّا الروايات فظاهرها هو الجواز ما لم يعيّن.

1. موثّقة سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم». «1»

2. صحيحة حسين بن عثمان، عن أبي إبراهيم عليه السّلام في رجل أعطي مالا يفرّقه في من يحلّ له، أله أن يأخذ شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره». 2

و لو لا هذه الرواية لقلنا بأنّه يأخذ لنفسه أكثر ممّا عيّن لغيره، لكن التقييد يصدّنا عن التجاوز.

3. صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة؟

قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره- قال:- و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه». «3»

4. صحيحة عبد الرحمن

بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين، و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال: «نعم». «4»

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 40 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 و 2.

(3). الوسائل: 6، الباب 40 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

(4). الوسائل: 12، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 548

..........

______________________________

و تصور انّ الدفع في مورد الرواية الرابعة أهون لحصول التغاير بين الدافع و المدفوع إليه الذي هو عياله المحتاجون، غير تام، لأنّه دقة عقلية، فالإعطاء لهم كالإعطاء لنفسه.

نعم ربما يظهر من بعض الروايات المنع إلّا أن يأذن. ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين، و هو محتاج، أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال: «لا يأخذ منه شيئا حتّى يأذن له صاحبه». «1»

يلاحظ عليه: أنّ نفس عبد الرحمن بن الحجّاج قد روى جواز الدفع كما مرّ، فكيف يروي عدم جوازه؟! فلا بدّ من الجمع، فهنا جمعان:

1. انّ مورد الرواية هو ماله الشخصي فهو يوزّع من تلقاء نفسه خالص ماله، و من البديهي انّ مثل هذا المال لا يجوز التصرف فيه إلّا بإذن خاص من صاحبه، و مجرّد اندراجه في العنوان المقسوم عليه المال من المحاويج أو المساكين لا يسوغ التصرف ما لم يحرز شمول الإذن له بدليل قاطع كما لا يخفى.

يلاحظ عليه: أنّه لا فرق بين الحقوق الشرعية و المال الشخصي. فانّ للمالك تعيين المصرف و لا يجوز للوكيل التخطّي عنه فلو كان اللفظ ظاهرا في كون

الموضوع إليه غير الدافع، فلا يجوز مطلقا لا في الحقوق الشرعية و لا في المال الشخصي.

و إن لم يكن ظاهرا جاز أخذه بحكم انّه مصداق للعنوان الذي أمر المالك بالدفع إليه.

2. حمل الحديث على الكراهة. و يشهد لذلك صحيحة هشام بن الحكم،

______________________________

(1). الوسائل: 12، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3. و المحاويج: المحتاجون.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 549

[الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجا و بقيت عنده سنة وجب عليه إخراج زكاتها]

الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجا و بقيت عنده سنة وجب عليه إخراج زكاتها، و هكذا في سائر الأنعام و النقدين.* (1)

______________________________

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا قال لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك، و إن كان الذي عندك خيرا منه». «1» و الهدف رفع التهمة.

هذا ما يمكن أن يقال في المقام، و أمّا التوكيل في التزويج فللبحث فيه مقام آخر.

(1)* وجه شمول العمومات و الإطلاقات للمقام، كإطلاق قوله: «في كلّ أربعين شاة، شاة». «2»

و لعلّ وجه توهّم عدم الوجوب كون الزكاة حقّا مفروضا في مال الأغنياء. «3»

و لكنّ القيد وارد مورد الغالب، و قد جاء لاستنهاض الأغنياء لدفع زكاة أموالهم، مع كون الملاك أعمّ، أو كون الزكاة مثل الخمس، فكما لا يتعلّق الخمس بالخمس فهكذا الزكاة ففي خبر علي بن الحسين بن عبد ربّه قال: سرّح الرضا عليه السّلام بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إلي خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس». «4» و لكن القياس ممنوع.

نعم انّ في المسألة المفروضة في المتن تأملا بناء على القول بأنّه لا يجوز الإعطاء زائدا على مئونة السنة، فكيف نفترض فقيرا أخذ أربعين

شاة، و مضى

______________________________

(1). الوسائل: 12، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(3). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2، 3 و غيره.

(4). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 550

[التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركا بين اثنين مثلا، و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب]

التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركا بين اثنين مثلا، و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب، فأعطى أحدهما زكاة حصته من مال آخر أو منه بإذن الآخر قبل القسمة، ثمّ اقتسماه.

فإن احتمل المزكّي أنّ شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال.

و إن علم أنّه لا يؤدّي ففيه إشكال من حيث تعلّق الزكاة بالعين فيكون مقدار منها في حصّته.* (1)

______________________________

عليه سنة واحدة و هو لم يتصرف فيها، فإنّ هذا يعرب عن كونها أزيد من مئونة سنته؟! اللّهمّ إلّا أن يقال انّه عاش من نمائها من الصوف و اللبن، مع بقاء العين.

(1)* هنا فرعان:

1. إذا أدّى زكاة حصّته، ثمّ اقتسما و كان يحتمل انّ الشريك سيؤدّي زكاة ماله فلا إشكال، لأنّ فعله يحمل على الصحّة؛ و مثله ما إذا باع حصته قبل القسمة، أو بعدها قبل الإخراج و لكن يحتمل انّه يخرج زكاة ماله.

2. تلك الصورة و لكن مع العلم بأنّه لا يخرج. فإن قلنا بأنّ تعلّقها على العين من قبيل الكلّي في المعيّن فلا إشكال عليه، لاشتمال حصة الآخر على مقدار الزكاة؛ إنّما الكلام فيما إذا قلنا بأنّ التعلّق من باب الإشاعة و الشركة الحقيقية أو الشركة في المالية أو كون تعلّقها كتعلّق حق الرهان بالعين فانّ النصف المشاع و إن كان مزكّى لكن النصف المشاع الآخر

غير مزكّى ففيه حقّ المستحق، فإذا اقتسما، و أخذ حصته لا يكون المأخوذ مزكّى كلّه، بل النصف المشاع مزكّى دون النصف الآخر.

و لكن الظاهر انّ الإشاعة أو الشركة المالية غير مانعة عن صحّة الإفراز

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 551

..........

______________________________

و اختصاص ما أخذه ملكا خالصا له، و ذلك لأنّ نصيب أحد الشريكين بإخراج زكاته صار مزكّى، و نصيب الشريك الآخر غير مزكّى، و هذا ممّا لا مرية فيه، و لذلك لو أخرج الثاني زكاته من ماله أو من النصاب، لصار الجميع مزكّى، هذا من جانب.

و من جانب آخر، انّ لكلّ من الشريكين إفراز حصّته و نصيبه، سواء كان مزكّى من ذي قبل أم لم يكن؛ فإذا أفرز حصته، فقد أحرز الحصة المزكّاة، و بقيت الحصة غير المزكّاة للشريك الآخر.

و الحاصل: انّ هنا أمرين مسلّمين:

1. نصيب أحد الشريكين مزكّى في حالة الإشاعة دون نصيب الآخر.

2. انّ مقتضى قاعدة السلطنة، إفراز كلّ نصيبه عن الآخر.

فإذا أفرز فقد أفرز النصيب المزكّى عن غيره، و معه لا تكليف عليه، و لعلّ إلى ما ذكر يشير بعض الحواشي: إذا كانت للمالك ولاية القسمة كما هو مقتضى قاعدة السلطنة، فيفرز حصة المزكّاة عن حصة شريكه غير المزكّاة.

و في حاشية أخرى: لا إشكال حتى على ما هو المختار من الإشاعة، إذ بعد إعطاء البدل يكون أصل المال المزكّى مشاعا في المجموع، و بالقسمة يفرز المزكّى عن غيره.

و ربما يقال: انّ مقتضى قاعدة السلطنة، سلطنة كلّ منهما على إفراز حصّة نفسه من حصّة شريكه برضاهما، و لا دليل على ولايتهما على الإفراز بالنسبة إلى مقدار الخمس أو الزكاة فإنهّما لشريك ثالث.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ لازم ذلك أنّه لو اقتسما قبل

إخراج زكاة نصيبه، و هو يعلم أنّه لا يؤدّي الآخر زكاة نصيبه أن لا يجوز له التصرّف بعد إخراج عشره أو

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 552

..........

______________________________

نصفه، قائلا بأنّه ليس له الولاية على إفراز مقدار الزكاة فانّه شريك ثالث و هو كما ترى.

و يترتّب على ذلك انّه لو كان شركاء عشرة و هو يعلم أنّهم لا يخرجون زكاة أنصابهم، لا يجوز له التصرف فيما أفرز، لأنّه ليس لهم الولاية على إفراز الخمس إلّا إذا أخرج ما وجب على الآخرين في المفروز.

و الحاصل: انّه لا فرق في كون المفروز ملكا له، سواء أخرج زكاته قبل الإفراز أو بعده.

و ثانيا: أنّ هنا فرقا بين أن يكون الشريك الثالث شخصا حقيقيا، فلا يصحّ الإفراز بدون رضاه و إخراج سهمه؛ و أمّا إذا كان الثالث عنوانا كلّيا غير مشخّص في فرد، ففي مثله يكون كلّ فرد مسئولا عن وظيفته و واجبه، كما هو الحال في الضرائب التي تدفع إلى صندوق الدولة.

إنّ منع المالك المخرج زكاة نصيبه، من التصرف أشبه بالقول بأنّه يتحمّل وزر الآخر و قد قال سبحانه: أَلّٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ. «1»

______________________________

(1). النجم: 38.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 553

[الثلاثون: قد مرّ انّ الكافر مكلّف بالزكاة و لا تصحّ منه، و إن كان لو أسلم سقطت عنه]

الثلاثون: قد مرّ انّ الكافر مكلّف بالزكاة و لا تصحّ منه، و إن كان لو أسلم سقطت عنه، و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له أو أخذها من ماله قهرا عليه و يكون هو المتولّي للنيّة. و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا جاز الأخذ من تركته، و إن كان وارثه مسلما وجب عليه، كما أنّه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّا،

و حكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة، و قد مرّ سابقا.* (1)

______________________________

(1)* هنا فروع:

1. انّ الكافر مكلّف بالزكاة و لا يصحّ منه، و إن أسلم سقطت عنه. و قد مضى الكلام فيه في أوائل الزكاة. «1»

2. يجوز للحاكم الشرعي إجباره على الإعطاء، أو أخذها من ماله قهرا عليه، و يكون هو المتولّي للنيّة، و قد مضى الكلام فيه. «2»

و قد قلنا: إنّ المراد من النيّة هو نيّة الزكاة، لأنّ المال لا يتمحّص فيها إلّا بالذمّة، و أمّا قصد القربة فلا.

3. إذا لم يؤخذ منه حتى مات كافرا جاز الأخذ من تركته و إن كان وارثه مسلما، و ذلك لأنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء، فموت الكافر لا يوجب بطلان حقّ المستحق، غير انّ جواز الأخذ من الكافر قهرا مشروط على ذكر ما في عقد الذمّة و إلّا فلا، لأنّه محكوم بما تعهّد به، و اتّفق هو و الحاكم الإسلامي، لا ما وجب

______________________________

(1). لاحظ الجزء الأوّل: مقدّمة كتاب الزكاة، المسألة 6، المسألة السادسة عشرة و السابعة عشرة.

(2). لاحظ هذا الجزء، الفصل العاشر، المسألة الخامسة، ص 465.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 554

[الحادية و الثلاثون: 1. إذا بقي من المال- الّذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما]

الحادية و الثلاثون: 1. إذا بقي من المال- الّذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما و لم يكن عنده غيره، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة.

2. بخلاف ما إذا كانا في ذمّته و لم يكن عنده ما يفي بهما فإنّه مخيّر بين التوزيع و تقديم أحدهما.

3. و إذا كان عليه خمس أو زكاة و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفّارة و النذر و المظالم، و ضاق ماله عن أداء الجميع فإن كانت العين- الّتي

فيها الخمس أو الزكاة- موجودة وجب تقديمهما على البقيّة.

4. و إن لم تكن موجودة فهو مخيّر بين تقديم أيّها شاء، و لا يجب التوزيع و إن كان أولى.

5. نعم إذا مات و كان عليه هذه الأمور و ضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة، كما في غرماء المفلس.

6. و إذا كان عليه حجّ واجب أيضا كان في عرضها.* (1)

______________________________

من الشرع.

4. و لو اشتراه مسلم كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّا، و قد مرّ الكلام فيه. «1»

(1)* هنا فروع سبعة، أربعة منها ترجع إلى حال حياة المالك، و الثلاثة الأخيرة إلى موته، و إليك البيان:

1. إذا تعلّق الخمس و الزكاة بمال معيّن و لم يبق إلّا مقدار لا يفي بهما و لم

______________________________

(1). لاحظ الجزء الأوّل، مقدّمة كتاب الزكاة، المسألة الثامنة عشرة، ص 131.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 555

..........

______________________________

يكن عنده غيره.

2. إذا كان الخمس و الزكاة على ذمّته بأن كانت العين تالفة كلّها و لم يكن عنده من المال ما يفي بهما.

3. إذا تعلّق الخمس و الزكاة بعين موجودة، و مع ذلك عليه دين و كفّارة و مظالم بحيث لا تفي العين بالجميع.

4. تلك الصورة لكن لم تكن العين موجودة، و انتقلا إلى الذمة.

5. إذا مات عن عين تعلّق بها الخمس و الزكاة و كان عليه دين غيرهما و هذا القسم لم يذكره المصنّف.

6. هذه الصورة و لم تكن العين موجودة و ضاقت التركة.

7. تلك الصورة و كان عليه حجّ أيضا.

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر:

الأوّل: إذا تعلّق الخمس و الزكاة بعين معيّنة و لم يبق منها إلّا بمقدار لا يفي بهما، مثلا إذا كان المال عشرة دراهم، و الخمس عشرة و الزكاة

مثله، احتمل التوزيع كأنّه جمع بين الحقّين، إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر كما لا وجه لتركهما، فتعيّن التوزيع.

و مثله ما إذا اختلفت النسبة، كما إذا كانت الزكاة عشرين و الخمس عشرة، وزّع الموجود عليهما بنسبة الثلثين و الثلث.

و احتمل السيد الحكيم التخيير قائلا: إنّ كلّ جزء من المال موضوع لكلّ من الحقّين، فحيث لا يمكن إعمالهما معا، يكون إعمال أحدهما بعينه ترجيحا بلا مرجّح، و لازمه التخيير في إعمال كلّ منهما، فلا موجب للتوزيع. «1»

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 378.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 556

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ تعيّن التخيير أيضا لا موجب له، لأنّ امتناع إعمالهما أو أحدهما بعينه، لا يستلزم تعيّن التخيير، مع إمكان طريق آخر و هو التوزيع بالنسبة، أضف إلى ذلك: انّ التوزيع هو الموافق لقاعدة العدل و الإنصاف.

و يؤيّده ما ورد في مسألة الودعي المعروفة حيث حكم الإمام باختصاص أحد الدرهمين لصاحبهما، و تقسيط الآخر بينه و بين صاحب الدرهم الآخر. «1» كما يؤيّده التقسيط في الغرماء حسب النسبة.

الثاني: إذا كان الخمس و الزكاة على ذمّته و لم يكن عنده ما يفي بهما، فأفتى المصنّف بالتخيير بين التوزيع و تقديم أحدهما على الآخر. أمّا التوزيع فقد علم وجهه، إنّما الكلام في تقديم أحدهما على الآخر، فقال السيد الحكيم في وجهه: إذ لا حقّ في البين ليجي ء ما تقدّم، بل ليس إلّا التكليف بالأداء فيتعيّن الرجوع فيه إلى قواعد التزاحم. «2»

الظاهر تعيّن التوزيع لعدم جريان قواعد التزاحم، لأنّ مصبّها ما إذا دار الأمر بين تركهما أو إنجاز أحدهما، كما في الغريقين فيحكم العقل بالتخيير لعدم إمكان التقسيط. دون المقام الذي يدور الأمر فيه بين أمور ثلاثة، أعني: الترك المطلق، و

إنجاز أحدهما، و التقسيط.

و منه يظهر النظر فيما أفاده السيد المحقّق الخوئي حيث قال: فحيث لا علاقة حينئذ بين ما عليه الحق، و بين ما لديه من المال- لكون موطنه الذمّة حسب الفرض- إذن لا موجب للتوزيع، بل يتخيّر بينه و بين تقديم أيّ منهما شاء، فإنّ كليهما دين يجب أداؤه كيف ما اتّفق. «3»

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 12 من أبواب الصلح، الحديث 1.

(2). المستمسك: 9/ 378.

(3). مستند العروة: 24/ 344.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 557

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ تقديم أحدهما، إطاحة لصاحب الحق الآخر في نظر العرف، و تعدّيا على حقوقه فاللازم هو التقسيط.

الثالث: إذا كان عليه خمس أو زكاة و كانت العين التي فيها الخمس و الزكاة موجودة و مع ذلك على ذمّته دين الناس، وجب تقديمها على سائر الديون، لكون العين متعلّقة بحقّ أصحاب الخمس و الزكاة بنحو من الأنحاء، من الإشاعة، و الكلّي في المعيّن، أو المالية السيّالة، أو كونها رهنا عندهم، فيقدّم أصحابها على بقية الديون التي موطنها الذمّة.

الرابع: تلك الصورة و لكن كانت العين تالفة و انتقلت الديون كلّها إلى الذمّة، فقد أفتى المصنّف في المقام أيضا بالتخيير بين تقديم أيّهما شاء. و انّه لا يجب التوزيع، و ذلك لاستقرار الكلّ في الذمّة الذي نتيجته التخيير، و قد عرفت أنّ التوزيع هو الأوفق إلى مقتضى القواعد، و أنّ في التخيير تبعيضا غير مرضي.

ثمّ إنّ المصنّف عطف على ديون الناس النذر و الكفّارة و جعل الجميع في عرض واحد، و لكن الظاهر انّ المنذور له أو الفقير لا يملك شيئا في ذمّة الناذر، أو المكفّر، بل هو حكم تكليفي إلهي من دون استتباع شي ء وراء الوجوب فعند التزاحم

يقدم ديون الناس على مثل النذر و الكفّارة.

الخامس: إذا مات الرجل عن عين تعلّق بها الخمس و الزكاة و عليه دين غيرهما، فحكمه حكم القسم الثاني يقدّم حق أصحاب الخمس و الزكاة على الدين، و هذا القسم لم يذكره المصنّف.

السادس: تلك الصورة و لكن مات الرجل و عليه هذه الأمور- الخمس و الزكاة و دين الناس- و لم تكن العين التي تعلّق بها الزكاة و الخمس باقية و ضاقت التركة، فالمشهور التوزيع على الجميع بمقدار حصصهم، فيكون حاله بعد الممات،

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 558

..........

______________________________

حال المفلس مع الغرماء، حال الحياة، بعد الحكم بإفلاسه لتعلّق حقّ الغرماء بالتركة بعد الموت، لبطلان ذمّته، كتعلّق حقّهم بها، في المفلّس بعد الحكم بالإفلاس، فيوزع التركة حسب الحصص.

و ما ذكرنا من التوزيع مقتضى القاعدة أوّلا، و مفاد النصّ ثانيا.

أمّا الأوّل: فلأنّ الذمّة تبطل بالموت و يتعلّق حق الغرماء بالتركة، فيكون مالا مشاعا بينهم، بالنسبة، فكلّ يأخذ حسب حصّته.

و نظير ذلك، مال المفلس بعد الحكم بإفلاسه، فيتعلّق حقّ الغرماء بماله دون ذمّته، فيوزع المال بين الغرماء حسب حصصهم.

و أمّا الثاني: فلصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن رجل كانت عنده مضاربة و وديعة و أموال أيتام و بضائع و عليه سلف لقوم فهلك و ترك ألف درهم أو أكثر من ذلك، و الذي عليه للناس أكثر ممّا ترك؟ فقال: «يقسّم لهؤلاء الذين ذكرت كلّهم على قدر حصصهم، أموالهم». «1»

السابع: تلك الصورة و كان عليه حجّ واجب أيضا، فقد اختار المصنّف بأنّه في عرض سائر الديون، لأنّ الحجّ دين، و قد أطلق عليه الدين في غير واحد من الروايات: «فدين اللّه أحقّ أن يقضى»

و يكون في عرض سائر الديون، فلا تقسم التركة بين الورثة إلّا بعد إخراج مئونة الحجّ و لو من أقرب الطرق.

نعم ربما يقال بتقديم الحجّ على سائر الديون لصحيحة معاوية بن عمّار «2» و التفصيل في كتاب الحجّ.

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 5 من أبواب الحجر، الحديث 4.

(2). الوسائل: 6، الباب 21 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2؛ و له رواية أخرى لاحظ الوسائل:

13، الباب 42 من كتاب الوصايا، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 559

[الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه]

الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه، و كذا في الفطرة، و من منع ذلك- كالمجلسي رحمه اللّه في زاد المعاد في باب زكاة الفطرة- لعلّ نظره إلى حرمة السؤال و اشتراط العدالة في الفقير، و إلّا فلا دليل عليه بالخصوص، بل قال المحقّق القمّي قدّس سرّه: لم أر من استثناه فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسيّ في زاد المعاد، قال: و لعلّه سهو منه، و كأنّه كان يريد الاحتياط فسها و ذكره بعنوان الفتوى.* (1)

______________________________

(1)* يكفي في الجواز شمول العمومات و الإطلاقات للسائل بالكف إذا لم نعثر على ما يخرجه عن تحت الأولى، أو يقيد الثانية، بل فسّر المسكين في بعض الروايات بمن يسأل الناس. ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام انّه سأله عن الفقير و المسكين فقال: «الفقير الذي لا يسأل، و المسكين هو أجهد منه الذي يسأل». «1»

و مع ذلك فقد أفتى العلّامة المجلسي في «زاد المعاد» في باب الفطرة بعدم الجواز. «2» فوقع الكلام في وجهه.

1. ما ذكره المحقّق القمي بأنّه كان بصدد الاحتياط فسها قلمه فأفتى بالحرمة، و هو كما ترى.

2. السؤال بالكفّ

حرام، فالسائل فاسق، و شرط في الفقير العدالة.

و كلّ من الصغرى و الكبرى ممنوع، إذ لا دليل على حرمة السؤال بالكفّ إذا كان مضطرّا إليه، كما أنّه لا دليل على اعتبار العدالة في الفقير و المسكين، بل

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2، و لاحظ الحديث 3 و 6.

(2). زاد المعاد: 212.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 560

..........

______________________________

يشترط أن لا يكون متهتّكا- كما مرّ في محلّه-. «1»

نعم وردت روايات في عدم دفع الزكاة إلى السائل. روى عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي؟

قال: فقال: «هي لأصحابك» قال: قلت: فإن فضل عنهم؟

قال: «فأعد عليهم». قلت: فنعطي السؤّال منها شيئا؟ قال: فقال: «لا و اللّه إلّا التراب إلّا أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة». «2»

و في خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «... و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسّهما في قوم ليس بهم بأس أعفّاء عن المسألة، لا يسألون أحدا شيئا». «3»

يلاحظ على الحديث الأوّل: بأنّ الظاهر- بقرينة فإن فضل عن أصحابنا- كون السائل مخالفا فيحتمل أن يكون النهي لأجله.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 560

و يلاحظ على الحديث الثاني: بأنّ لسانه هو التنزيه بقرينة قوله: «أعفّاء عن المسألة لا يسألون أحدا».

و ربّما يستدلّ على جواز الإعطاء للسائل بقوله سبحانه: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ. «4»

يلاحظ عليه: أنّه دليل على جواز السؤال

لا على جواز إعطاء الزكاة، لأنّ السورة مكية، و الزكاة شرّعت في المدينة، و المراد من الحقّ، هو الصدقة المستحبّة كما في الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «5»

______________________________

(1). لاحظ هذا الجزء، ص 252.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(3). الوسائل: 6، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 6.

(4). المعارج: 25- 26.

(5). مجمع البيان: 5/ 356.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 561

[الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة في الفقير- عدم جواز أخذه أيضا]

الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة في الفقير- عدم جواز أخذه أيضا، لكن ذكر المحقّق القمّي أنّه مختصّ بالإعطاء، بمعنى أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل، و أمّا الآخذ فليس مكلّفا بعدم الأخذ.* (1)

______________________________

3. انّ المقصود من السائل في كلام المجلسي من اتّخذ السؤال بالكفّ حرفة و مهنة، فيدخل في عنوان المحترف المنصوص عليه بعدم الجواز بالدفع.

يلاحظ عليه: أنّ المراد بالمحترف من كان له عمل و شغل يعيش به و يستغني به عن سؤال الناس، و أين هذا من المستجدي و السائل بالكفّ؟!

(1)* إذا كانت العدالة شرطا في الفقر، يكون وزانها كاشتراط نفس الفقر فلو كان المحل غنيا، يحرم الإعطاء كما يحرم الأخذ، و لا معنى للتفكيك.

و أمّا ما نقل عن المحقّق القميّ من اختصاص المنع بالإعطاء بمعنى انّه لا يجوز للمعطي الإعطاء و إن كان يجوز للآخذ أخذه، فغير ظاهر، فلا بدّ أن يحمل كلامه على اختلاف نظر المعطي و الآخذ في اشتراط العدالة اجتهادا أو تقليدا، فإن كانت العدالة شرطا عند المعطي دون الآخذ، فلا يجوز للأوّل الإعطاء و يجوز للثاني الأخذ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 562

[الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة]

الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء أنّها شرط في الإجزاء، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجزئ، و لو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه، و محلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصدا للقربة في العزل و بعد ذلك نوى الرياء مثلا حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير، فإنّ الظاهر إجزاؤه و إن قلنا باعتبار القربة، إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج و العزل.* (1)

______________________________

(1)* هنا فروع:

1. وجوب

قصد القربة في الزكاة.

2. إذا كان قاصدا القربة في العزل دون الإيتاء.

أمّا الأوّل فقد مضى الكلام فيه في أوائل الفصل العاشر، و قلنا بأنّه يحتمل قويّا أن يكون شرط الإجزاء لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصدقة للّه، فما جعل للّه لا رجعة فيه». «1» و يحتمل أن يكون شرط ترتّب الثواب، كما عليه المصنّف، و سيوافيك ما يؤيّده في المسألة السابعة و الثلاثين.

و أمّا الثاني فقد ذهب النراقي في مستنده إلى أنّه شرط في العزل و الإيتاء قال: النيّة معتبرة في عزل الزكاة و دفعها إلى المستحق أو الإمام أو الساعي أو وكيل نفسه بإجماع العلماء. «2»

و هو خيرة سيد مشايخنا البروجردي حيث قال: العزل إفراز للزكاة و ما يكون من العبادات هو الإيتاء، و الإفراز مقدّمة له.

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1؛ و الباب 4 منه، الحديث 2.

(2). مستند الشيعة: 9/ 374.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 563

..........

______________________________

و إن شئت قلت: العبادة هو الإيتاء، و العزل إفراز لا إيتاء.

فإن قلت: إذا كان فائدة العزل، هو خروج المعزول عن ملك المال، و دخوله في ملك المستحق قهرا، فيكون المال أمانة في يد المالك يترتّب عليه أحكامها من عدم الضمان إذا خلا من التعدّي و التفريط، و لا يشترط في أداء الأمانة، قصد القربة. «1»

قلت: إنّ هنا فرقا بين الأمانتين: الشخصية، و النوعية. فالمال في الأمانة الشخصية ملك شخص معيّن لا يعدوه فلا يجب سوى الأداء، و أمّا المال في الأمانة النوعية فهو و إن خرج عن ملك المالك، و لكنّه لم يدخل في ملك شخص معيّن من الفقراء و المساكين و إنّما ملك للعنوان و متعلّق

به، فيعتبر الإخلاص في تطبيق العنوان على المصداق المعيّن.

و ذهب المحقّق الخوئي إلى عدم الحاجة و انّه يكفي الدفع و إن كان فاقدا للقربة إذا كان ناويا للقربة عند الإفراز، قال: غاية ما يمكن أن يستفاد من هذه كلّها، اعتبار القربة حالة الاتّصاف بالصدقة، أعني: زمان الإخراج و العزل، و أمّا اعتبارها في مقام الدفع و الإيصال الخارجي فليس عليه أيّ دليل، إذ الدليل اللفظي ليس إلّا ما عرفت، (أخذ القربة في مفهوم الصدقة و اقتران الزكاة بالصلاة و الصوم و جعل الجمع من مباني الإسلام) و الإجماع لم يثبت انعقاده حتّى في هذا المقام. فلا يضرّ في مقام الإيتاء غاية الأمر لا يثاب عليه. «2»

يلاحظ عليه أوّلا: أنّه إذا كانت الصدقة هي العطيّة المقصودة بها التقرب، فيكون المأمور به هو التصدّق و ليس الإفراز إلّا مقدّمة له، بل يتقوّم بالإعطاء إلى

______________________________

(1). لاحظ الجزء الأوّل: 488، المسألة الرابعة و الثلاثون من زكاة الغلّات.

(2). مستند العروة: 4/ 352.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 564

[الخامسة و الثلاثون: إذا وكّل شخصا في إخراج زكاته، و كان الموكّل قاصدا للقربة]

الخامسة و الثلاثون: إذا وكّل شخصا في إخراج زكاته، و كان الموكّل قاصدا للقربة، و قصد الوكيل الرياء ففي الإجزاء إشكال، و على عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا.* (1)

______________________________

الفقير، فيكون مشروطا به.

و ثانيا: أنّ الظاهر في قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «1» هو ترتّب التزكية على الإيتاء و الأخذ، و بما انّ النبي ولي الفقراء فأخذه صلى اللّه عليه و آله و سلم كأنّه أخذ الفقراء، فلا تتحقّق الغاية المطلوبة من تشريع الزكاة إلّا إذا اقترن الإيتاء و الأخذ بالإخلاص لا بالرياء و السمعة.

و لذلك نرى أنّه سبحانه يقسّم الإنفاق إلى قسمين:

أ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ

أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ*. «2»

ب: كَالَّذِي يُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ النّٰاسِ. «3»

و ظاهر ذلك انّ مصب الإخلاص و الرياء هو حالة الإنفاق، لا الإفراز، و انّ الحدّ الفاصل بين العمل المقبول و المردود، هو اقتران عمل الإيتاء بالإخلاص و رجاء الثواب، و تصوّره مغرما و جريمة كما يقول سبحانه: وَ مِنَ الْأَعْرٰابِ مَنْ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ مَغْرَماً. «4»

و الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم الإجزاء إذا كان الإيتاء للرياء و السمعة و إن كان الإفراز مقرونا به.

(1)* قد تقدّم في الفصل العاشر، المسألة الثانية انّ جعل الزكاة على عهدة

______________________________

(1). التوبة: 103.

(2). البقرة: 262.

(3). البقرة: 264.

(4). التوبة: 98.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 565

..........

______________________________

الوكيل يتصور على وجهين:

1. أن يكون وكيلا في أداء الزكاة و إخراجها و دفعها إلى الفقراء فيقوم الوكيل بعملية العزل و الدفع إلى المستحقّين و يكون له الدور الكبير في هذا المورد.

2. أن يكون وكيلا في خصوص الإيصال إلى الفقير، فعندئذ يقوم الموكّل بعملية الإفراز و الإخراج، و بما انّ الظروف لا تسمح له بالإيصال إلى الفقراء مباشرة يوكّل أمر الإيصال إلى أيدي الفقراء و مراكزهم إلى الوكيل، فقد سبق عن المصنّف في الأوّل أنّ الوكيل ينوي النيّة حين الدفع إلى الفقير عن المالك، و الأحوط تولّي المالك للنيّة أيضا حين الدفع إلى الوكيل، و قد قلنا بأنّ الأحوط بقاء نيّة المالك إلى حين وصول المال إلى الفقير.

و أمّا الثاني فلا بدّ من تولّي المالك النيّة حين الدفع إلى الوكيل، و لزوم استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير، و كون استمرار النيّة في الصورة الأولى من باب الاحتياط دون الصورة الثانية واضح، لأنّ الإيتاء يتحقّق بفعل الوكيل في الأولى، بخلاف

الثانية فإنّه القائم بإيتاء الزكاة غاية الأمر بالتسبيب.

و على ضوء ما ذكره في تلك المسألة لا محلّ للإشكال في الإجزاء بوجه مطلق، بل لا بدّ أن يفصل بين القسمين و يحكم بعدم الإجزاء في الأوّل دون الثاني، لأنّ العبرة في الأوّل بنيّة الوكيل فيقدح الرياء فيه؛ بخلاف الثاني، فإنّ العبرة فيه بنيّة الموكل، فلا يقدح رياء الموكّل في أمر الإيصال.

فإنّ الوكيل في القسم الثاني سبب محض للإيصال، فيكفي في الإجزاء حتّى و لو كان سببا غير عاقل فلا يضر رياؤه بالإجزاء.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 566

[السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة]

السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة، فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء، كما مرّ، و إن كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم- و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء- فلا إشكال في الإجزاء إذا كان المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة، و أمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل، بل الظاهر ضمانه حينئذ، و إن كان الآخذ فقيرا.* (1)

______________________________

(1)* محور البحث في المقام هو دفع الحاكم الزكاة للفقراء لا بقصد القربة، فهنا صورتان:

1. إذا كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك لا بعنوان الولاية.

و إن شئت قلت: إذا كان دفع المالك إلى الحاكم بما انّه وكيل له لا كونه وليّ المستحق.

2. إذا كان أخذه و دفعه للفقراء بعنوان الولاية عليهم، أو كان دفع المالك إلى الحاكم بهذا العنوان.

فقد أشكل المصنّف في الإجزاء في الصورة الأولى حتّى و لو كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم.

و أمّا الثانية، فقد قال

بالإجزاء بشرطين:

أ. إذا كان المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم.

ب. كون الإعطاء من الحاكم بعنوان الزكاة لا بعنوان تحصيل الرئاسة، و إلّا فالإجزاء مشكل، و الحاكم ضامن و إن كان الآخذ فقيرا.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 567

..........

______________________________

هذه خيرة المصنّف، و للتأمّل فيه مجال.

أمّا الأولى فيجري في المسألة حكم ما تقدّم في المسألة السابقة من التفريق بين كون الحاكم وكيلا في الإخراج و التأدية، أو وكيلا في الإيصال.

فعلى الأوّل يقدح عدم قصده القربة بإجزاء الزكاة لما عرفت من أنّ الدور في هذه الصورة للوكيل و هو الذي يضفي على المال وصف الزكاة، و الموكل فوّض الأمر إليه و المفروض انّ الوكيل لم يقصد القربة. و لعلّ هذه الصورة نادرة في مورد الحاكم.

و على الثاني لا يقدح عدم قصد التقرب من الحاكم مع كون إفراز المالك مقرونا بقصد القربة و باقيا إلى وقت الدفع إلى الفقراء.

و بذلك يظهر ضعف قوله: «أشكل الإجزاء و إن كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم» و ذلك انّ هذه العبارة ناظرة إلى ما إذا كان الحاكم وكيلا في الإيصال كما هو الغالب، فلما ذا لا يجزي إذا كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم؟!

هذا كلّه إذا دفع إلى الحاكم بعنوان الوكالة.

و أمّا الثانية- أيّ إذا دفع إلى الحاكم بما انّه ولي المستحقّ- فقد أفتى المصنّف بالإجزاء بالشرطين الماضيين:

1. كون المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم.

2. أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة لا بتحصيل الرئاسة.

و لكن الظاهر كفاية الشرط الأوّل، أعني: كون المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم من دون شرط زائد، لأنّ الحاكم وكيل الفقير، فإذا وصلت الزكاة إلى يد

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 568

[السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولّي للنيّة]

السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولّي للنيّة، و ظاهر كلماتهم الإجزاء، و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شي ء، و إنّما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه، لكنّه لا يخلو عن إشكال- بناء على اعتبار قصد القربة- إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه.* (1)

______________________________

وكيل الفقير، فقد تمّ ما هو الواجب على المالك، و المفروض انّه قصد القربة من غير فرق بين كون تصرف الحاكم بعد الأخذ للرئاسة أو لغيره، فإنّ وظيفة المالك ليس إلّا إيصال الزكاة إلى ولي المكلّف و المفروض انّه قد تمّ، و أمّا انّ وكيل الفقير قصد بدفعه الرياء و عدمه فليس من وظيفة المالك.

يقول السيد الحكيم: إذا تعيّنت زكاة بقبض الحاكم بعنوان الولاية على الفقراء فلا وجه للإشكال في صحّة دفعها إلى الفقير بأي عنوان كان، لما تقدّم منه، من جواز دفع المالك لها إلى الفقير رياء إذا كانت معزولة، فجواز ذلك من الحاكم بطريق أولى. «1»

نعم ما ذكره من التأييد مبني على كفاية قصد القربة في الإفراز و عدم قدح الرياء في الإعطاء، و قد عرفت ضعفه.

و الأولى الاكتفاء بما ذكره في صدر الكلام من تعيّن مقبوض الحاكم بعنوان الولاية على الفقراء فليس للمالك أي مسئولية في دفع وكيل الفقراء حتّى يقدح رياؤه بعمل المالك.

(1)* قد مرّ انّ للزكاة جهتين: جهة عبادية مرتبطة بالمالك، وجهة مالية قائمة بالزكاة بما انّها حقّ المستحقّين.

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 382.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 569

..........

______________________________

فلو قام المالك بكلا الأمرين فهو، و إن امتنع عن أداء الزكاة، فالمشهور انّ الحاكم الذي هو ولي الممتنع يقوم بالجهة الثانية فيأخذ حقّ الفقراء من

المالك و يدفعه إلى المستحقّين، دون العبادية التي هي قائمة بالمالك.

ثمّ إنّ المشهور رتّب على قوله هذا أمرين:

أ. الإجزاء إذا أخذ الحاكم بالقوة و المنعة.

ب. ترتّب الإثم على المالك لعدم قيامه بالجهة العبادية.

ثمّ إنّ هنا إشكالا في الإجزاء أشار إليه المصنّف، و حاصله:

إنّ مقتضى كون إيتاء الزكاة عملا عباديا عدم الإجزاء، و ذلك لأنّ المالك لم يقصد القربة، و قصد الحاكم لا ينفعه، كما إذا صلّى الحاكم صلاة الغير في حال حياته إذا كان تاركا.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر أشار إلى الإشكال و قال:

ربّما احتمل عدم الإجزاء للمالك باطنا، لأنّه لم ينو، و هو متعبّد بأن يتقرّب، و إنّما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر، كما يجبر المكلّف على الصلاة ليأتي بصورتها و إن كان لم تجزه عند اللّه لعدم النيّة. «1»

ثمّ أجاب عنه بقوله: و إن كان يدفعه (الإشكال) أنّ الزكاة مال متعيّن للفقراء في يد المالك، و للإمام عليه السّلام الإجبار على قسمة المشترك و على تسليمها، فجاز له إفرادها عند امتناع المالك، و النيابة في تسليمها جائزة، و ليست كذلك الصلاة كما هو واضح.

و حاصل الجواب: انّه يكفي قصد القربة من الحاكم، و ذلك لأنّ ما أخذه متعيّن للزكاة، و تعيّنه يلازم فراغ الذمّة، و البراءة من التكليف و لازم البراءة كفاية

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 475.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 570

..........

______________________________

قصد القربة من الحاكم تحقيقا لحصول العبادة.

و يمكن دفع الإشكال بوجهين آخرين:

الأوّل: انّه يحتمل أن يكون قصد القربة شرطا لحصول الثواب لا لإجزاء العمل، فلو دفع ماله رياء و سمعة فلا يترتّب عليه ثواب لا أنّه لا يجزي، و هذا هو المتبادر من الآيات الواردة في آخر سورة

البقرة حيث يقارن عمل المؤمن بعمل الكافر، حيث إنّ الأوّل يقوم بعمل الإنفاق لأجله سبحانه دون الآخر حيث يقوم لغاية أخرى، فيترتّب على أحدهما الثواب دون الآخر، و انّ الأوّل يستنفع من عمله دون الآخر، لاحظ قوله سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ثُمَّ لٰا يُتْبِعُونَ مٰا أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لٰا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ «1»، فالآية تصرح بأنّ العمل الذي يقصد منه رضا اللّه سبحانه له الأجر عند الرب.

و أمّا عمل الذين يبطلون صدقاتهم بالرياء فقد شبّهه بصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا، و على ضوء ذلك فقصد القربة و عدمها لا يضر بالإجزاء و عدمه، و هذه النظرية و إن كانت جديدة من المصنّف في المسألة الرابعة و الثلاثين و لكن آيات الذكر الحكيم تؤيّدها.

الثاني: سقوط قصد القربة في هذه الصورة، إذا قلنا إنّه شرط الإجزاء و إجزاء ما أخذه الحاكم، لعدم وجوب زكاتين في مال واحد، و لا تقاس الزكاة بالصلاة فإنّها تبطل بعدم القربة فإنّها عبادة محضة، دون الزكاة فانّها مزيجة من تكليف مالي و عباديّ.

______________________________

(1). البقرة: 262.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 571

[الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل]

الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل، لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم ممّا يستحبّ تحصيله، و إلّا فمشكل.* (1)

______________________________

(1)* مرّ الكلام في هذه المسألة في الفصل السادس في أصناف المستحقّين للزكاة المسألة الثامنة، و خصّ المصنّف الجواز هناك كالمقام بالواجب و المستحب دون غيرهما، و قال: و إن كان ممّا لا يجب و لا يستحب فلا يجوز أخذه.

و خصّ السيد الخوئي الجواز

بالمشتغل بالواجب العيني و لو من أجل عدم وجود من به الكفاية.

و أمّا المشتغل بالواجب الكفائي فضلا عن المستحب فلم يعرف للجواز وجها.

و استدلّ على عدم الجواز في المستحب و المباح بالوجوه التالية:

1. انّه ممّن يملك قوت سنته بالفعل أو بالقوة إذا ترك الاشتغال.

2. دخوله تحت قوله: «إنّ الصدقة لا تحلّ لغني، و لا لذي مرّة سوي». «1»

3. دخوله تحت قوله: «يقدر على أن يكف نفسه عن الزكاة». 2

يلاحظ على الأوّل- أعني قوله: «من يملك قوت سنته بالفعل أو بالقوة فلا يجوز له أخذ الزكاة- بأنّ المراد به هو المتكاسل البطّال الذي يأكل و يشرب دون أن يشتغل بشي ء، فيستأكل من الزكاة مع أنّه لو ترك البطالة و اشتغل بالعمل لملك مئونة سنته، و أين هذا ممّن يشتغل بعلم نافع، سواء دعا إليه الشرع كالواجب الكفائي أو المستحب أو المباح النافع لحال الفرد و المجتمع؟! فانّه لا يملك في

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3 و 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 572

..........

______________________________

تلك الحالة مئونة سنته لا بالقوّة و لا بالفعل، بخلاف البطّال فإنّه يملك مئونة سنته في نفس هذه الحالة.

و بعبارة أخرى: يلاحظ تملك المئونة إلى حالة المكلّف التي يريد أن يقتات من الزكاة في هذه الحالة، فالبطّال يملك في نفس الحالة دون المشتغل بعلم مفيد.

و منه يظهر الجواب عن الدليلين التاليين- أعني قوله: «إنّ الصدقة لا تحلّ لغني و لا لذي مرّة سوي»، و قوله: «يقدر على أن يكف نفسه عن الزكاة»- فإنّ المراد هو المحترف الذي يقدر على كفّ نفسه من الزكاة في الحالة التي عليه، فإذا كان المحترف غير مشغول بشي ء

مفيد يصدق عليه «انّه قادر على كفّ نفسه» و هذا بخلاف ما إذا اشتغل بما ندب إليه الشارع وجوبا كفائيا أو استحبابيا فهو في تلك الحالة غير قادر.

نظير المقام من يخدم المساجد و المعابد، أو يشتغل بالأمور الاجتماعية كالتمريض و غيره، فهو في نفس الحالة لا يقدر أن يكف نفسه من الزكاة و إن كان قادرا في غير تلك الحالة، و الميزان هو الحالة التي يعيش فيها بشرط أن لا تكون مرغوبا عنها.

و الظاهر انّ العلم المندوب إليه، سواء كان كفائيا أو استحبابيا، بل مطلق ما تنتفع به الأمّة الإسلامية في حياتها و حضارتها إذا اشتغل به المكلّف و صار سببا عن عدم التمكن من مئونة سنته، يجوز له الارتزاق من الزكاة ما دام على تلك الحال.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 573

[التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعا قاصدا للقربة]

التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعا قاصدا للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة، و أمّا إذا كان قاصدا للرياء أو للرئاسة المحرّمة ففي جواز إعطائه إشكال من حيث كونه إعانة على الحرام.* (1)

______________________________

(1)* هنا فرعان:

أ. الفقير المشتغل بتحصيل العلم غير القاصد للقربة.

ب. الفقير المشتغل بتحصيل العلم للرياء أو للرئاسة المحرّمة.

أمّا الأوّل: فيجوز دفع الزكاة إليه، إمّا من سهم الفقراء لأنّه لا يشترط في الفقير العدالة فضلا عن كونه قاصدا للقربة.

و إمّا من سهم سبيل اللّه فلا يشترط فيه إلّا أن يكون العمل مرضيا للّه سبحانه، أو ذا مصلحة عامّة، و لا يشترط كون العمل قربيا، و هذا نظير تزويج العزّاب من سهم سبيل اللّه.

و أمّا الفرع الثاني: فقد استشكل المصنّف في جواز الإعطاء من جهة كونه إعانة على الحرام، لكنّه غير تام.

أمّا أوّلا: فلاعتبار

القصد في صدق الإعانة على الإثم، و عدم كفاية مجرّد العلم بترتّب الحرام.

و ثانيا: أنّ المحرّم هو الإعانة على الإثم كبيع العنب ممّن يصنعه خمرا، لا الإعانة على قوته و حياته كبيع الخبز ممّن يشرب الخمر، و المقام من قبيل القسم الثاني، فدفع الزكاة لغاية عيشه و دفع مسكنته، لا لفعله المحرم من الرياء و الرئاسة المحرمة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 574

[الأربعون: حكي عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب، نظرا إلى أنّه من العبادات]

الأربعون: حكي عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب، نظرا إلى أنّه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام و لعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا يكون تصرّفا في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ حيث إنّهما فعلان خارجيّان، و لكنّه أيضا مشكل من حيث إنّ الإعطاء الخارجيّ مقدّمة للواجب و هو الإيصال الّذي هو أمر انتزاعيّ معنويّ فلا يبعد الإجزاء.* (1)

______________________________

نعم إذا كان فعله محرّما لحرمة غايته يشكل دفع الزكاة إليه من سهم سبيل اللّه دون سهم الفقراء.

(1)* دفع الزكاة إلى الفقير في المكان المغصوب يتصوّر على وجهين:

1. صورة الاحتساب، فإذا اجتمع المالك و الغارم في مكان مغصوب و احتسب المالك دينه على الغريم زكاة، فلا إشكال في هذه الصورة، لأنّ الاحتساب أمر قلبي لا صلة له بالتصرف في المكان.

2. الإعطاء من جانب المالك و الأخذ من جانب الفقير، و هذا هو محطّ البحث، فهل هو يجزي أو لا نظرا إلى أنّ دفع الزكاة أمر عبادي نظير الصلاة و الغسل و الوضوء في المكان المغصوب؟ فربّما يقال ببطلان العمل، لأنّ الإعطاء و الأخذ فعلان خارجيان متّحدان مع التصرف في المكان المغصوب، فلو قلنا بالامتناع و تقديم جانب

النهي فلا يكون العمل مأمورا به فيبطل، و لو قلنا بالامتناع و تقديم جانب الأمر، أو قلنا بالاجتماع فالمحذور و إن كان مرتفعا حيث لا اجتماع، كما في تقديم الأمر على النهي، أو لا محذور في الاجتماع كما على القول بجوازه، إلّا أنّه يشكل قصد التقرّب بالعمل المحرّم، و قد ذكرنا في مبحث اجتماع

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 575

..........

______________________________

الأمر و النهي انّ تصوير الاجتماع و تصحيحه لا يلازم صحّة العمل، لأنّه يشترط وراء قصد القربة كون العمل صالحا لأن يتقرب به، و العمل المطلوب المتحد مع المبغوض لا يصلح للتقرّب.

هذا هو وجه البطلان، لكن المصنّف و غيره قالوا بالصحّة، محتجّين بأنّ الإعطاء واجب مقدّمي فلا تضرّ حرمته، و أمّا الواجب- أعني: الإيصال- فهو أمر انتزاعي معنوي.

و ناقشة السيد الحكيم في «المستمسك» قائلا:

بأنّ المراد من الأمر الانتزاعي هو استيلاء الفقير على العين، الذي هو من مقولة الجدة (هيئة حاصلة من استيلاء المالك على المملوك) و لكنّه ليس أمرا انتزاعيّا، بل هو عرض نسبي قائم بالطرفين (المالك و المملوك). «1»

لكن السيد الخوئي فسر الاستيلاء بكون المال تحت سلطانه، و قال: هو أمر انتزاعي لا تكويني. «2»

و الأولى أن يقال انّ الواجب هو الإيتاء، تمسّكا بقوله سبحانه: أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ*، و حقيقة الإيتاء عبارة عن الإعطاء و الأخذ، فليس الإعطاء مقدّمة حتّى يكون الأخذ واجبا نفسيا، بل الواجب النفسي هو الإيتاء المتحقّق بالإعطاء و الأخذ، فإذا كان الإعطاء محرما يكون فاسدا غير مقرب.

و الذي يهون الخطب أحد أمرين على وجه مانعة الخلو:

1. ما ذكرناه سابقا من أنّ قصد القربة شرط لنيل الثواب لا للإجزاء.

2. إذا وقع الإعطاء و الإيصال بصورة الحرام يمكن

للمالك احتساب ما في

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 384 بتصرّف.

(2). مستند العروة: 24/ 359.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 576

[الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرف في وجوب الزكاة]

الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- كما مرّ سابقا.

و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول- كالغلّات- فلا يعتبر التمكّن من التصرف فيها قبل حال تعلّق الوجوب بلا إشكال و كذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكّن بعده إذا حدث التمكّن بعد ذلك.

و إنّما الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب، و الأظهر عدم اعتباره، فلو غصب زرعه غاصب و بقي مغصوبا إلى وقت التعلّق ثمّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته.* (1)

______________________________

يد الفقير زكاة بعد ما وقع المال في يده، و قد عرفت أنّ الاحتساب أمر قلبي.

(1)* تقدّم الكلام فيها في المسألة السابعة عشرة غير أنّه قدّس سرّه قال فيها: «و أمّا ما لا يعتبر فيه كالغلّات ففيه خلاف و إشكال» و لكنّه في المقام أفتى بعدم الاعتبار، و قد تقدّم تفصيل القول في الاعتبار و عدمه فيما لا يعتبر فيه الحول، فلاحظ.

تمّ الكلام في أحكام الزكاة و يليه الكلام في زكاة الفطرة بفضله سبحانه

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 577

[الفصل العاشر في زكاة الفطرة]

اشارة

الفصل العاشر في زكاة الفطرة و هي واجبة إجماعا من المسلمين. و من فوائدها: أنّها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أدّيت عنه.

و منها: أنّها توجب قبول الصوم، فعن الصادق عليه السّلام أنّه قال لوكيله:

«اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة أجمعهم، و لا تدع منهم أحدا، فإنّك إن تركت منهم أحدا تخوّفت عليه الفوت» قلت: و ما الفوت؟ قال: «الموت».

و عنه عليه السّلام: «إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم من تمام الصلاة، لأنّه

من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، إنّ اللّه تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة، و قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى* وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى». و المراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة الفطرة كما يستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية.

و الفطرة إمّا بمعنى الخلقة، فزكاة الفطرة، أي زكاة البدن من حيث إنّها تحفظه عن الموت، أو تطهّره عن الأوساخ. و إمّا بمعنى الدّين، أي زكاة الإسلام و الدين. و إمّا بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر.

و الكلام في شرائط وجوبها، و من تجب عليه، و في من تجب عنه، و في جنسها، و في قدرها، و في وقتها، و في مصرفها، فهنا فصول:* (1)

______________________________

(1)*

ذكر المصنّف في هذه المقدّمة أمورا:

اشارة

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 578

1. الفطرة واجبة إجماعا من المسلمين

______________________________

اتّفقت الإمامية على أنّ الفطرة واجبة كوجوب الزكاة بلا خلاف عندهم، و أمّا السنّة فقد اختلفوا إلى أقوال أربعة:

1. واجبة كوجوب الزكاة، قال ابن قدامة في شرحه على متن الخرقي: إنّ زكاة الفطرة تجب على كلّ مسلم مع الصغير و الكبير و الذكورية و الأنوثية في قول أهل العلم عامّة. «1»

2. ذهب أبو حنيفة إلى أنّها واجبة و ليست بفرض. «2» و الفرق بين الواجب و الفرض أنّه حيث يخصّ الفرض بما ثبت بدليل مقطوع به، و الواجب بدليل مظنون.

3. و قال بعض أصحاب مالك: هي سنّة مؤكّدة. «3» و الفرق بينها و بين الندب هو انّه يخصّ السنّة بما إذا استمر عمل النبي، و المندوب بما إذا لم يكن كذلك.

4. انّ زكاة الفطرة منسوخة بالزكاة. 4

و على كلّ تقدير فممّن نقل الإجماع- مضافا إلى ما سمعته من ابن قدامة- العلّامة الحلّي في «التذكرة» و «المنتهى».

قال في «التذكرة»: زكاة الفطرة واجبة بإجماع العلماء. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ صدقة الفطر فرض، و قال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم. «5»

______________________________

(1). المغني: 2/ 646.

(2). المبسوط: 3/ 101.

(3) (3 و 4). بداية المجتهد: 3/ 131.

(5). التذكرة: 5/ 365.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 579

..........

______________________________

و قال في «المنتهى»: قد أجمع العلماء كافّة على وجوب الفطرة إلّا ما نقل عن داود و بعض أصحاب مالك من أنّها سنّة، و اختلفوا هل هي فرض أم لا؟ فقال الموجبون: إنّها فرض، إلّا أبا حنيفة فإنّه جعلها واجبة غير فرض. و يدلّ على الوجوب: النص و الإجماع قال اللّه تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى قال علماء أهل البيت:

المراد زكاة الفطرة، و مثله سعيد بن المسيب و عمر بن عبد العزيز. «1»

و تدلّ صحيحة هشام على أنّ الفطرة فرضت قبل الزكاة حيث روى عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إن كانت الفطرة». «2»

و لو صحّ الحديث، يجب تفسير ما نزل من الآيات حول الزكاة قبل العمرة بزكاة الفطرة و هو بعيد، لأنّ اهتمام الذكر الحكيم بإيتاء الزكاة كاهتمامه بإقامة الصلاة، و الفطرة لا تستحق ذلك الاهتمام الهائل لقلّتها، و لعلّ للرواية معنى آخر.

2. انّها تدفع الموت

روى الصدوق عن إسحاق بن عمّار، عن معتّب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«اذهب فأعط عن عيالنا ...» إلى آخر ما ذكره المصنف. «3» و المراد كونه مقتضيا لدفع الموت، لا علّة تامّة، نظير سائر الصدقات.

3. انّها من تمام الصوم و كماله

روى الصدوق بسند صحيح عن أبي بصير و زرارة جميعا قالا: قال أبو

______________________________

(1). المنتهى: 1/ 531.

(2). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 580

..........

______________________________

عبد اللّه: «إنّ من تمام الصوم، إعطاء الزكاة ...». «1» و المراد من الزكاة فيه هو الفطرة.

بقرينة انّ: «من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له».

4. المراد من قوله: «تزكّى» هو إخراج الفطرة

دلّ غير واحد من الروايات على أنّ المراد من التزكية في قوله سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى هو إخراج الفطرة.

قال العروسي في «نور الثقلين»: روى الصدوق في «من لا يحضره الفقيه»:

و سئل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى قال: «من أخرج الفطرة». قيل له: وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى قال: «خرج إلى الجبّانة فصلّى». «2»

5. معنى الفطرة

احتمل المصنّف أن تكون الفطرة بمعنى الخلقة، فزكاة الفطرة زكاة البدن، أو بمعنى الدين أي زكاة الإسلام و الدين، أو بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر. و قد ذكر المعاني الثلاثة في «الحدائق» كما ذكر مؤيّدا لكلّ من المعنيين الأوّلين. «3»

6. فهرس المسائل و فصولها

قد بحث المصنّف عن الفطرة و أحكامها ضمن فصول خمسة، و إليك عناوينها:

الفصل الأوّل: في شرائط وجوبها.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب الفطرة، الحديث 5.

(2). نور الثقلين: 5/ 556، الحديث 19.

(3). الحدائق: 12/ 257.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 581

[الفصل الأوّل في شرائط وجوبها]

[نفس الشرائط]

[الأول التكليف]
اشارة

الفصل الأوّل في شرائط وجوبها و هي أمور: الأوّل: التكليف، فلا تجب على الصبي و المجنون، و لا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما، بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضا.* (1)

______________________________

الفصل الثاني: فيمن تجب عنه.

الفصل الثالث: في جنسها و قدرها.

الفصل الرابع: في وقت وجوبها.

الفصل الخامس: في مصرفها.

و إليك دراسة هذه الفصول واحدا تلو الآخر.

(1)* هنا فرعان:

1. لا يجب على الصبي و المجنون و إن كانا موسرين.

2. لا يجب عليهما بالنسبة إلى عيالهما.

فلندرس الفرعين واحدا بعد الآخر.

أمّا عدم وجوبها على الصبي و المجنون فمورد اتّفاق بين الأصحاب، كما أنّ المشهور عند الآخرين هو الوجوب.

قال المحقّق في «المعتبر»: تجب الفطرة على البالغ العاقل الحرّ. أما اشتراط البلوغ فعليه علماؤنا أجمع. و به قال محمد بن الحسن، و قال الباقون: تجب في مال

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 582

..........

______________________________

اليتيم و يخرجها عنه الولي. «1»

قال العلّامة في «التذكرة»: البلوغ شرط في الوجوب، فلا تجب على الصبي قبل بلوغه، موسرا كان أو معسرا، سواء كان له أب أو لا، و إن وجبت على الأب عنه عند علمائنا أجمع، و به قال محمد بن الحسن.

و قال الحسن و الشعبي: صدقة الفطر على من صام من الأحرار و الرقيق.

إلى أن قال: و أطبق باقي الجمهور على وجوب الزكاة في ماله و يخرج عنه الولي؛ لعموم قوله: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و

آله و سلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كلّ حرّ و عبد، ذكر و أنثى. ثمّ ردّه بأنّ لفظ «الناس» منصرف إلى المكلّفين، لقوله سبحانه: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. «2»

و قال في «المنتهى»: و لا يجب إلّا على المكلّفين و يسقط عن الصغير و المجنون، ذهب إليه علماؤنا أجمع. و به قال الحسن البصري و الشعبي و محمد بن الحسن الشيباني، و أطبق الجمهور على وجوبها على اليتيم و يخرج عنه الولي. «3»

و قال ابن قدامة في «المغني»: إنّ زكاة الفطرة تجب على كلّ مسلم تلزمه مئونة نفسه، صغيرا كان أو كبيرا، حرّا أو عبدا، ذكرا أو أنثى لقول ابن عمر: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كلّ حرّ و عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين. و هذا قول عامّة أهل العلم و تجب على اليتيم و يخرج عنه وليّه من ماله، لا نعلم أحدا خالف فيه إلّا محمد بن الحسن قال: ليس في مال الصغير صدقة. و قال الحسن: صدقة الفطر على من

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 593.

(2). التذكرة: 5/ 366، المسألة 274.

(3). المنتهى: 1/ 531.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 583

..........

______________________________

صام من الأحرار و على الرقيق، و عموم حديث ابن عمر يقتضي وجوبها على اليتيم و الصغير مطلقا، و لأنّه مسلم فوجبت فطرته كما لو كان له أب. «1»

و قد تعرفت على ضعف دليله الأوّل، أعني: التمسّك بإطلاق لفظ الناس.

و أمّا دليله الثاني من أنّه مسلم تجب فطرته فمثل الأوّل، لأنّ

الكلام في وجوبه على كلّ مسلم و محكوم بالإسلام هو غير ثابت، لاحتمال شرطية البلوغ؛ و أمّا فرضها على أبيه عند ما كان له أب، فلا يكون دليلا على وجوبها عليه في ماله.

دليل شرطية البلوغ

و يدلّ على شرطية البلوغ أمور:

1. انّ إيجاب زكاة الفطرة على الصبي لا يخلو من وجهين: إمّا أن يكون على نحو التكليف، أو على نحو الوضع.

أمّا الأوّل فالمفروض انّه غير مكلّف و غير مخاطب بشي ء، و خطاب الولي من جانبه يحتاج إلى دليل.

و أمّا الثاني فمبني على أن تكون الفطرة ثابتة في ذمّته كالغرامات، لكنّه فرع وجود الدليل على اعتبار الفطرة في ذمّة الصغير.

و الظاهر من الدليل انّه حكم تكليفي، كما هو المتبادر من قول الإمام الصادق عليه السّلام لمعتّب: «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و عن الرقيق أجمعهم، و لا تدع منهم أحدا». «2»

2. حديث رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم، و عن المجنون

______________________________

(1). المغني: 2/ 646.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 584

..........

______________________________

حتّى يفيق، و عن النائم حتّى يستيقظ. «1»

فإنّ مقتضى إطلاق الحديث هو رفع القلم مطلقا تكليفا كان أو وضعا، إلّا ما إذا كان على خلاف الامتنان، كإتلاف مال الغير أو التعزيرات التي فيها المنّة عليه و على الآخرين.

و ربّما يحتمل اختصاص الحديث بالحدود بمعنى سقوط الحدود عن الثلاثة، و هو تخصيص بلا دليل، و الاحتجاج به على سقوط الحدّ عن المجنون في نفس الرواية لا يكون دليلا على التخصيص.

3. ما رواه الشيخ في «التهذيب».

روى الشيخ عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن القاسم بن فضيل البصري، قال: كتبت إلى

أبي الحسن الرضا عليه السّلام أسأله عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال فكتب عليه السّلام: «لا زكاة على مال اليتيم». «2»

و روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن القاسم بن الفضيل، قال: كتبت إلى أبي الحسن أسأله عن الوصي أ يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ قال: فكتب عليه السّلام: «لا زكاة على يتيم». «3»

فالرواية على كلا السندين صحيحة.

و رواه في «الوسائل» عن «الكافي» بالسند المزبور. «4» فقد أخذه صاحب الوسائل من «الكافي» عن المصدر المذكور.

______________________________

(1). الوسائل: 1، الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 11.

(2). التهذيب: 1/ 40، باب زكاة أموال الأطفال و المجانين، الحديث 15.

(3). الكافي: 3/ 541، باب زكاة مال اليتيم، رقم 8.

(4). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 585

..........

______________________________

و أمّا الصدوق فقد رواه، بقوله: و كتب محمد بن القاسم بن فضيل البصري إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب عليه السّلام: «لا زكاة على يتيم». «1»

و سند الصدوق إلى محمد بن القاسم قابل للاعتماد، لأنّ الحسين بن إبراهيم الملقّب ب «المؤدّب»، «المكتّب»، «الكاتب» الذي وقع في مشيخة الفقيه هو من مشايخ الصدوق ترضّى عليه في جميع الموارد، و هذا المقدار يكفي في الاعتماد، و ما نقلناه عن المصادر الثلاثة كلّها على لفظ واحد و لا يشتمل على شي ء آخر.

هذا كلّه حول الفرع الأوّل، و إليك الكلام في الفرع الثاني.

سقوطها عن عياله

كان الكلام في الفرع السابق سقوط الفطرة عن الصبي، و أمّا سقوطها عن

عياله فيدلّ عليه إطلاق الصحيح السابق، و للأولوية، فإذا لم يجب عليه زكاة نفسه فأولى أن لا يجب على من يعوله.

نعم ورد في ذيل الحديث السابق على حسب نقل «الكافي» في مكان آخر ما يدلّ على وجوبها عليه لمن يعوله، و السند كالتالي: محمد بن الحسين، عن محمد بن القاسم بن الفضيل البصري، عن أبي الحسن قال: كتبت إليه: الوصي يزكّي عن اليتامى زكاة الفطرة إذا كان لهم مال؟ فكتب: «لا زكاة على يتيم».

و عن مملوك يموت مولاه و هو عنه غائب في بلد آخر و في يده مال لمولاه و يحضر الفطر، أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟، قال: «نعم». «2»

______________________________

(1). الفقيه: 2/ 115، الباب 59، باب الفطرة، الحديث 5

(2). الكافي: 4/ 172، باب الفطرة، الحديث 13.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 586

..........

______________________________

و الرواية مع هذا الذيل تختص بالكافي و ليس في «التهذيب»، مع أنّ الكليني- كما مرّ- رواه في باب زكاة مال اليتيم بلا هذا الذيل، و السند المشتمل على الذيل لا يخلو عن إرسال، لأنّ الكليني لا يروي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (المتوفّى عام 262 ه) بلا واسطة، و إنّما يروي عنه بواسطة محمد بن يحيى، كما هو الحال في باب زكاة مال اليتيم. و عندئذ فلو قلنا بوحدة الرواية و انّ الكليني حذف الذيل في باب زكاة مال اليتيم، لعدم الحاجة إليه، فتكون الرواية مسندة، و قد سقط محمد بن يحيى عن أوّل السند.

و أمّا لو قلنا بأنّهما روايتان، و الرواية الثانية المشتملة على الذيل رواية مستقلة، فيشكل الإفتاء على ضوئها للإرسال في صدر السند.

و يشهد على التعدّد انّ الصدوق نقل

الحديثين بصورة روايتين مستقلّتين.

فروى المضمون الأوّل في باب الفطرة رقم 5، و روى نفس الذيل في ذلك الباب برقم 13.

و أمّا صاحب الوسائل «1» فرواها عن «الفقيه» و قال: و رواه الكليني و حملها على موت المولى بعد الهلال.

و عندئذ تكون الرواية حسب نقل الكليني مرسلة، و لكنّها حسب ما نقله الصدوق معتبرة؛ لما قلنا من أنّ الحسين بن إبراهيم من مشايخ الصدوق، و قد قلنا: إنّ الرواية معتبرة، و مع ذلك كلّه فالإفتاء على مضمونها غير خال عن الإشكال، لمخالفته للأصول أوّلا، و لإعراض الأصحاب عنه ثانيا. «قال في «الجواهر»: بل قد يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى من يعولون به أيضا لذلك لا أنفسهما خاصة، و ذيل المكاتبة المزبورة مع مخالفته لما دلّ على عدم جواز التصرّف

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 587

[الثاني: عدم الإغماء]
اشارة

الثاني: عدم الإغماء، فلا تجب على من أهلّ شوال عليه و هو مغمى عليه.* (1)

______________________________

لغير الولي لم أجد عاملا به، فلا يصلح دليلا لما خالف الأصول. «1»

(1)* و قد أفتى بذلك المحقّق في «الشرائع» «2» و العلّامة في «التذكرة» «3»، لكن مجرّدا عن الدليل.

و قال في «المدارك»: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، ذكره العلّامة و غيره مجرّدا عن الدليل، و هو مشكل على إطلاقه. نعم، لو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتّجه ذلك. «4»

و المسألة غير منصوصة، و لذلك خلت عبارة «المقنعة» و «النهاية» عن هذا الشرط.

قال في الأوّل: و زكاة الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ. «5»

و قال في «النهاية»: الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. «6»

و لم يذكره

المحقّق في «المعتبر» «7» مع أنّ كتابه ليس مقتصرا على الفقه المنصوص، فلا بدّ من الرجوع إلى القواعد.

الظاهر انّ هناك فرقا بين الجنون و الإغماء، فالإغماء نوع مرض يطرأ على الإنسان، و هو حالة متوسطة بين الجنون و النوم.

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 485.

(2). الشرائع: 1/ 171.

(3). التذكرة: 5/ 368.

(4). المدارك: 5/ 308.

(5). المقنعة: 247.

(6). النهاية: 189.

(7). المعتبر: 2/ 593.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 588

..........

______________________________

يقول الجرجاني: النوم حالة طبيعية تتعطّل معها القوى، مع سلامتها، فبينه و بين الإغماء اشتراك في تعطّل القوى، و اختلاف في أنّ الإغماء من المرض و النوم مع السلامة. «1»

و على ذلك فالإغماء مرض يزيل القوى و يستر العقل، بخلاف الجنون فهو إزالة للعقل.

و قال المصنّف في باب من تجب عليه الزكاة: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول و كذا السكران، فالإغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه. و لا ينافيان الوجوب إلّا عرضا حال التعلّق في الغلّات. «2»

و الظاهر من الأصحاب عطف الإغماء على الجنون في غير واحد من الأبواب:

[عطف الإغماء على الجنون في غير واحد من الأبواب]
1. سقوط قضاء الصلاة مع الإغماء المستوعب للوقت

قال المحقّق: أمّا السبب فمنه ما يسقط معه القضاء و هو سبعة: الصغر و الجنون و الإغماء على الأظهر.

و في «الجواهر»: الأشهر كما في الروضة، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا. «3»

2. عدم صحّة صوم المغمى عليه

يقول المحقّق: و لا يصحّ صوم المجنون و لا المغمى عليه.

و أضاف في «الجواهر»: و غيره ممّن فقد العقل الذي هو شرط في التكليف المعتبر في صحّة العبادة، ضرورة كونه حينئذ كالمجنون، و إلى ذلك أشار في محكي

______________________________

(1). التعريفات للجرجاني، مادة «نام».

(2). لاحظ الجزء الأوّل: 53.

(3). الجواهر: 13/ 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 589

..........

______________________________

المنتهى في الاستدلال على ذلك بأنّه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوبا و ندبا، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه. «1»

3. بطلان وكالة المغمى عليه

يقول المحقّق: كذا تبطل بالجنون و الإغماء من كلّ واحد منهما.

و أضاف صاحب الجواهر قوله: بلا خلاف أجده، بل في المسالك موضع وفاق، و لعلّه العمدة في ذلك. «2»

4. عدم وجوب الزكاة على المغمى عليه

قال العلّامة: و تجب الزكاة على النائم و الساهي و المغفل دون المغمى عليه، لأنّه تكليف و ليس من أهله. «3»

و ربّما يظهر من الأصحاب في موارد أخرى خلاف ذلك.

1. قال المحقّق في شرائط تعلّق الزكاة: و قيل: «حكم المجنون حكم الطفل». و لم يذكر المغمى عليه.

2. حكى في «الجواهر» عن «المدارك»: و انّ في الفرق بين النوم و الإغماء نظرا. «4»

3. أضاف صاحب الجواهر و قال: و الظاهر مساواة الإغماء للنوم، لانّا لم نجد خلافا من غيره في الأوّل. 5

إذا عرفت ذلك، فالحقّ هو عدم الوجوب، لما عرفت من أنّ وجوب زكاة

______________________________

(1). الجواهر: 16/ 328.

(2). الجواهر: 27/ 362.

(3). التذكرة: 5/ 16.

(4) (4 و 5). الجواهر: 15/ 29.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 590

[الثالث: الحرّية]
اشارة

الثالث: الحرّية، فلا تجب على المملوك، و إن قلنا: إنّه يملك، سواء كان قنّا أو مدبّرا أو أمّ ولد أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا و لم يؤد شيئا، فتجب فطرتهم على المولى.

نعم لو تحرر من المملوك شي ء وجبت عليه و على المولى بالنسبة مع حصول الشرائط.* (1)

______________________________

الفطرة حكم تكليفي و هو فرع صلاحية المكلّف للخطاب، و إخراج الولي عنه يحتاج إلى دليل، و هذا بخلاف زكاة المال إذ يمكن أن يقال انّه من قبيل الوضع كما هو الظاهر من قوله: في أربعين شاة، شاة، و إن قوّينا عدم الوجوب في محلّه. «1»

و بذلك يعلم أنّ العبرة هو وقت الوجوب و هو وقت رؤية الهلال، فلو زال الإغماء قبل الزوال فالأصل البراءة من الوجوب، و اللّه العالم.

(1)*

هنا فروع ثلاثة:
اشارة

1. حكم وجوب زكاة الفطرة على العبد.

2. حكم العبد المكاتب.

3. المكاتب الذي تحرر منه شي ء.

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر:

1. هل تجب زكاة الفطرة على العبد أو لا؟

المشهور بين الفقهاء هو عدم الوجوب من غير فرق بين الشيعة و السنّة.

قال الشيخ: العبد لا تجب عليه الفطرة، و إنّما يجب على مولاه أن يخرجها

______________________________

(1). راجع الجزء الأوّل، ص 53.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 591

..........

______________________________

عنه. و به قال جميع الفقهاء.

و قال داود: تجب على العبد، و يلزم المولى إطلاقه، ليكتسب و يخرجها عن نفسه.

استدلّ الشيخ بأنّه لا تجب الفطرة إلّا على من يملك نصابا تجب في مثله الزكاة، و العبد لا يملك شيئا فلا تجب عليه الفطرة. «1»

يلاحظ عليه: أنّ العبد يملك و إنّما يمنع من التصرف بلا إذن مولاه، و قد مرّ سابقا.

و الظاهر انّ المسألة مورد اتّفاق، قال في «الحدائق»: و لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» بالنسبة إلى المكاتب. و سيوافيك الكلام فيه.

و اعلم أنّ مصبّ البحث في وجوب زكاة الفطرة على العبد و عدمه فيما إذا لم يكن عيالا على مولاه، و إلّا فلا شكّ في عدم وجوبها عليه، بل على مولاه كسائر من يعول من زوجة و ولد و خادم.

و بذلك يعلم أنّ الاستدلال في المقام- على عدم الوجوب على العبد- بما دلّ على أنّ زكاة العبد على مولاه، في غير محله، فإنّ مصب تلك الروايات فيما إذا كان العبد عيالا على المولى و هو خارج عن البحث، و على ذلك الاستدلال بالرواية التالية و نظائرها خروج عن مصبّ البحث.

1. صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل ينفق على رجل ليس من

عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته أ تكون

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 130، كتاب الزكاة، المسألة 158.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 592

..........

______________________________

عليه فطرته؟ فقال: «لا، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه، و قال: العيال:

الولد و المملوك و الزوجة و أمّ الولد». «1»

2. صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة».

قال في «الوسائل»: المراد صلاة العيد. «2»

أمّا عدم صحّة الاستدلال، فلأنّ مصبّ السؤال و الجواب في هذه الروايات هو وجوبه على المولى من حيث العيلولة و وجوب الانفاق، كسائر تلك الأفراد المعدودة معه، كما نصّ به في «الحدائق». «3» و الكلام في وجوب الفطرة على العبد من حيث العبودية لا من حيث العيلولة، و هذه الروايات ليست ناظرة لما نحن فيه.

و الأولى أن يستدلّ بانصراف الأدلّة عن العبد، إمّا لعدم كونه مالكا، لكن عرفت ضعفه، أو لكونه محجور التصرّف، و الأدلّة الدالّة على وجوب الفطرة على كلّ مكلّف ناظرة إلى من يتمكّن من التصرّف. فلا تجب على العبد المالك غير المتمكّن.

2. العبد المكاتب

مقتضى انصراف الأدلّة عن غير المتمكّن من التصرف في ماله، عدم الفرق بين المكاتب و غيره، لكن ظاهر الصدوق في «الفقيه» «4» انّ فطرة المكاتب على نفسه، مستدلا بالصحيح عن علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى عليه السّلام عن

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(2). المصدر نفسه، الحديث 6.

(3). الحدائق: 12/ 260.

(4). الفقيه: 2/ 117، رقم 502.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 593

..........

______________________________

المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه؟ و

تجوز شهادته؟ قال:

«الفطرة عليه و لا تجوز شهادته». «1»

أقول: لو كان قوله: «لا تجوز شهادته» إخبارا فهو معرض فيه، لكن يحتمل أن يكون إنشاء بصورة الاستفهام الإنكاري، أي كيف تجب عليه الفطرة و لا تجوز شهادته؟!

و على كلّ تقدير فالرواية دالّة على كون فطرة المكاتب، عليه.

نعم تعارضه روايتان قاصرتان.

1. خبر حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و ما أغلق عليه بابه». «2»

و الرواية قاصرة سندا لكون علي بن الحسين بن الحسن الضرير الراوي عن حماد، مهملا في الرجال لم يرد في حقّه توثيق.

و أمّا دلالة، فلظهور الرواية فيما إذا كان المكاتب عيالا على المولى بقرينة ذكره مع رقيق المرأة و العبد النصراني و المجوسي و ما أغلق عليه بابه.

2. مرفوعة محمد بن أحمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و ما أغلق عليه بابه». «3»

و الرواية قاصرة سندا للرفع، و دلالة لظهورها فيما إذا كان المكاتب عيالا على المولى.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 17 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 13.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 594

3. حكم المكاتب المتحرّر منه شي ء

______________________________

هذا فيما إذا كان قنّا لم يتحرّر منه شي ء، و أمّا إذا تحرّر منه شي ء ففيه احتمالات:

1. لا تجب عليه الفطرة إذا تحرّر منه شي ء، و تجب على سيده بمقدار ما بقي منه. و هو خيرة الشيخ في الخلاف. «1»

2. لا تجب الفطرة عليه و

لا على سيّده. و هو خيرة الشافعي على ما في «الخلاف».

3. وجبت عليه و على المولى بالنسبة. و هو خيرة المصنّف، و هو ظاهر المحقّق حسب ما أوضحه صاحب الجواهر. «2»

4. وجوبها على العبد فقط. و هذا هو الأقوى، و ذلك لأنّ مصب البحث هو إذا لم يكن عيالا على المولى و إلّا تكون فطرته عليه بلا كلام.

و بذلك يظهر انّه لا وجه للقول الأوّل، أعني: وجوب الزكاة على مولاه بمقدار ما بقي منه، كما لا وجه للثالث، أعني: وجوبها عليهما بالنسبة.

نعم إذا ملك من التصرف في ماله و لو لأجل تحرير البعض، كان مقتضى القاعدة هو وجوبها عليه، و مقتضى ذلك عدم صحّة الوجه الثاني أيضا، أعني:

عدم الوجوب مطلقا.

و بذلك ظهرت قوة الوجه الرابع.

أضف إلى ذلك انّ مقتضى الصحيح السابق وجوبها عليه، لأنّه إذا وجبت الزكاة عليه عند ما لم يتحرّر منه، يكون وجوبها عليه عند تحرّر شي ء أولى منه.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 130، المسألة 158 من كتاب الزكاة.

(2). الجواهر: 15/ 487.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 595

[الرابع الغنى]
اشارة

الرابع الغنى: و هو أن يملك قوت سنته له، و لعياله زائدا على ما يقابل الدين و مستثنياته فعلا أو قوّة بأن يكون له كسب يفي بذلك، فلا تجب على الفقير- و هو من لا يملك ذلك- و إن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكا لقوت السنة، و إن كان عليه دين، بمعنى أنّ الدين لا يمنع من وجوب الإخراج و يكفي ملك قوت السنة، بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكا عين أحد النصب الزكويّة أو قيمتها و إن لم يكفه لقوت سنته، بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مئونة يومه و ليلته صاع.* (1)

______________________________

(1)*

يقع الكلام في هذه المسألة في أمور:
اشارة

1. اشتراط الغنى.

2. ما هو حدّ الغنى؟

3. هل الدين مانع عن صدق الغنى؟

4. إخراج الفطرة لمن ملك عين أحد النصب.

5. إخراج الفطرة لمن زاد على مئونة يومه و ليله، صاع.

و إليك دراسة هذه الأمور واحدا بعد الآخر.

1. اشتراط الغنى

إنّ المشهور عند الأصحاب هو اشتراط الغنى و عدم وجوبه على الفقير، و سيوافيك المراد من الغنى في الفرع الثاني.

1. قال المفيد: زكاة الفطرة واجبة على كلّ حرّ بالغ، كامل بشرط وجود الطول لها. «1»

______________________________

(1). المقنعة: 247.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 596

..........

______________________________

2. و قال المحقّق: و لا تجب على الفقير، و هو مذهب علمائنا، و نعني به من يستحقّ أخذ الزكاة. «1»

3. و قال في «الشرائع»: الثالث: الغنى، فلا تجب على الفقير، و جعل ضابط الفقر من لا يملك قوت سنة له و لعياله، و قال: و هو الأشبه. «2»

و قال العلّامة: يشترط فيه الغنى، فلا يجب على الفقير، و لا يكفي في وجوبها القدرة عليها عند أكثر علمائنا. «3»

و قال في «المختلف»: المشهور انّ الفطرة لا تجب على الفقير، ذهب إليه أكثر علمائنا.

و لم ينقل الخلاف إلّا عن قليل، قال الشيخ في «المبسوط»: إنّ في أصحابنا من قال: تجب الفطرة على الفقير، و الصحيح انّه مستحب. «4»

و نقل المحقّق الخلاف عن ابن الجنيد و انّه قال: تجب على من فضل من مئونته و مئونة عياله ليوم و ليلة، صاع. «5»

و نقل العلّامة عنه أيضا أنّه قال: زكاة الفطرة على الغني ... و على الفقير إذا تصدّق عليه بما يتجاوز قوت يومه أن يخرج ذلك عنه إلى غيره. «6»

هذا ما لدى الشيعة و أمّا لدى السنّة فالظاهر اشتراط الغنى عند الحنفية.

قال القرطبي: و قال أبو

حنيفة، و أصحابه: لا تجب على من تجوز له الصدقة، لأنّه لا يجتمع أن تجوز له و ان تجب عليه، و ذلك بين. «7»

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 593.

(2). الشرائع: 1/ 171.

(3). التذكرة: 5/ 369.

(4). المبسوط: 1/ 241.

(5). المعتبر: 2/ 593.

(6). المختلف: 3/ 261.

(7). بداية المجتهد: 3/ 133.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 597

..........

______________________________

و قال العلّامة بعد بيان اشتراط الغنى عند أصحابنا: و به قال أصحاب الرأي؛ لقوله عليه السّلام: «لا صدقة إلّا عن ظهر غنى» و الفقير لا غنى له، فلا تجب عليه. «1»

و أمّا غير الحنفية فالظاهر منهم كفاية مالكية صاع زائد على مئونة يومه و ليله، قال الخرقي في متن المغني: و يلزمه أن يخرج عن نفسه و عن عياله إذا كان عنده فضل عن قوت يومه و ليلته. «2»

و قال الشافعي: إذا فضل صاع عن قوته و قوت عياله و من يموّنه يوما و ليلة وجب ذلك عليه. و به قال أبو هريرة، و عطاء و الزهري و مالك، و ذهب إليه كثير من أصحابنا. «3»

و يدلّ على المشهور المختار روايات:

1. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل يأخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال: «لا». «4»

و في «المدارك» بعد نقل الحديث: و المراد بأخذ الزكاة أخذها من حيث الفقر و المسكنة، لأنّه المتبادر. «5» لا أخذها من باب العاملين، أو سبيل اللّه كالإحجاج و غيره.

2. صحيحة صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار الفطحي قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال: «ليس عليه فطرة». «6»

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 369، المسألة 278.

(2). المغني: 2/ 670.

(3). الخلاف: 2/ 147، كتاب الزكاة، المسألة 183.

(4).

الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1

(5). المدارك: 5/ 311

(6). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 6.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 598

..........

______________________________

3. صحيحة أبان بن عثمان، عن يزيد بن فرقد النهدي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقبل الزكاة، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال: «لا». «1»

إلى غير ذلك من الروايات التي نقلها في «الوسائل» في الباب الثاني من أبواب زكاة الفطرة و بإزائها روايات نشير إلى المهم:

1. ما رواه الشيخ في «التهذيب» عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: «أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة». «2»

و حمله الشيخ على الاستحباب، و حمله صاحب الوسائل على حصول الغنى بعد قبول زكاة المال.

و قال في «المدارك» الرواية ضعيفة لوجود إسماعيل بن سهل الدهقان في طريقه، قال النجاشي: ضعّفه أصحابنا، فتكون الرواية ضعيفة. «3»

أقول: رواه الشيخ بسند آخر و ليس في طريقه، إسماعيل بن سهل، و المتعيّن هو الحمل على الاستحباب.

2. ما رواه الكليني بسند صحيح عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الفقير الذي يتصدّق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال: «نعم يعطي ممّا يتصدّق به عليه». «4» و الحديث محمول على الاستحباب.

إلى هنا تمّ ما يرجع إلى الفرع الأوّل من اشتراط الغنى في وجوب زكاة الفطرة، إنّما الكلام في تحديد الغنى و الفقير.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

(2). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

(3). المدارك: 5/ 313.

(4). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 599

2. ما هو حدّ الغنى؟

______________________________

قد مرّ بيان حدّ الغنى في الجزء الأوّل و انّ المشهور عند الأصحاب «من يملك قوت سنة له و لعياله فعلا أو قوة» و يقابله الفقير و هو من لا يملك ذلك، غير أنّ الظاهر من جماعة من الأصحاب تفسير الغنى في المقام بمن يملك أحد النّصب الزكوية أو قيمتها، نذكر منهم ما يلي:

1. قال الشيخ في «النهاية»: الفطرة واجبة على كلّ حرّ بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. «1»

2. و قال في «الخلاف»: تجب زكاة الفطرة على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب. و به قال أبو حنيفة و أصحابه. «2»

3. قال في «المبسوط»: لا تجب الفطرة إلّا على من ملك نصابا من الأموال الزكوية، و الفقير لا تجب عليه و إنّما يستحبّ له ذلك. «3»

4. و قال ابن حمزة: إنّما تجب على من فيه أربعة أوصاف: ... اليسار بكونه مالك النصاب، ممّا تجب فيه الزكاة. «4»

و على ذلك من ملك أحد النّصب الزكوية- و إن لم يملك قوت سنته، بالفعل أو بالقوة- تجب عليه زكاة الفطرة، فلو فسّر الغنى و الفقر بما جاء فيها، لما كانت الروايات منافية لهذا القول، إذ يكون معنى الفقير و المحتاج هو غير المالك لأحد النصب.

و استدلّ لهذا القول بوجهين:

______________________________

(1). النهاية: 189.

(2). الخلاف: 2/ 146، كتاب الزكاة، المسألة 183.

(3). المبسوط: 1/ 240.

(4). الوسيلة: 130.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 600

..........

______________________________

1. في قول الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به». «1» بادّعاء ظهور الرواية في دوران الغنى مدار ملك النصاب، و لكنّه مرفوض، لأنّها بصدد بيان وجوب الزكاة على

الأغنياء لا بصدد تفسير الغنى بمن يملك أحد النصب الزكوية.

2. ما نقله المحقّق عن أبي حنيفة انّ زكاة المال تجب عليه، و لا تجب إلّا على الغني، فيلزمه الفطرة. «2»

يلاحظ عليه: أنّ للغنى عرضا عريضا، فمرتبة منه، تجب عليه الزكاة، و لا يحرم أخذها. و مرتبة منه، تجب عليه الزكاة و يحرم أخذها، فلا وجه لتفسيره بحد واحد.

و للمحقّق في المقام ردّ على تلك النظرية قال: و ما ذكره الشيخ لا أعرف به حجة و لا قائلا من قدماء الأصحاب، و بعض المتأخّرين ادّعى عليه الإجماع، و خصّ الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية و منع القيمة، و ادّعى اتّفاق الإمامية على قوله، و لا ريب انّه و هم. و لو احتجّ بأنّ مع ملك النصاب تجب الزكاة بالإجماع منعنا ذلك، فانّ من ملك النصاب و لا يكفيه لمئونة عياله، يجوز له أن يأخذ الزكاة، و إذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة، لرواية الحلبي و غيرها. «3»

3. هل الدين مانع عن التعلّق؟

قد تقدّم انّ الغارم أحد المصارف، و هو العاجز عن أداء دينه، سواء أ كان فقيرا بالنسبة إلى المئونة أو غنيا، و ذلك لجعله قسيما للفقير و المسكين، لا قسما لهما؛

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(2). المعتبر: 2/ 594.

(3). المعتبر: 2/ 595.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 601

..........

______________________________

و على ذلك فلو كان غنيا بالنسبة إلى المئونة قادرا على دفع صاع لنفسه و لمن يعوله لم يمنعه الدين عن وجوب الدفع، لما عرفت من أنّ الفطرة للغنى، و المفروض انّه غني- حسب ما عرّف الغنيّ- فلا يكون الدين مانعا من وجوبه.

نعم لو كان الدين مطالبا و دار الأمر بين

أداء الدين أو الفطرة، قدّم الأوّل، لأنّ أداء الدين من المئونة، و مع كونه مطالبا فهو ليس بغنيّ فلا يتعلّق به الوجوب، و لم أعثر على هذا التفصيل في كلمات المعلّقين على العروة و لا في غيرهم، و لكنّه موجود في متن المقنع قال: «و لا يمنع الدين وجوب الفطرة إلّا أن يكون مطالبا به» و علّل عدم المنع في شرحه الكبير بكلام لا يتفق مع أصولنا في وجوب الفطرة على الفقير. «1» و قد عرفت وجه عدم المنع عند عدم المطالبة، و المنع معها.

4. إخراجه إذا كان مالكا لأحد النصب

قد احتاط المصنّف فيما إذا كان مالكا بعين أحد النصب الزكوية أو قيمتها و إن لم يكفه لقوت سنته، و ذلك لما تقدّم من الشيخ في تفسير الغني بمالك أحد النصب، لا المالك لقوت سنته، و قد عرفت ضعفه.

5. إذا زاد صاع على مئونة يوم

و الاحتياط في هذا الموضع كالاحتياط فيما سبق لأجل الخروج عن مخالفة ابن الجنيد، حيث أفتى بوجوبها إذا ملك صاعا زائدا على مئونة يومه و ليلته وفاقا لغيرنا و ليس له دليل.

***

______________________________

(1). الشرح الكبير، ذيل المغني: 2/ 657

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 602

[أحكام الشرائط]

[المسألة 1. لا يعتبر في الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة]

المسألة 1. لا يعتبر في الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة فتجب و إن لم يكن له الزيادة على الأقوى و الأحوط.* (1)

______________________________

(1)* هل يشترط ملك الصاع أو مقدار الفطرة زيادة على ملك مئونة السنّة فعلا أو قوة في وجوب الفطرة، أو لا؟ فيه خلاف.

يظهر من غير واحد اعتباره، نذكر منهم ما يلي:

1. قال المحقّق: فالذي يجي ء عليه، وجوبها على من كان كسبه أو صنعته تقوم بأوده و أود عياله مستمرا و زيادة صاع. «1»

2. قال العلّامة في تعريف الغنى: الغنى الموجب للفطرة من ملك قوت سنته له و لعياله، أو يكون ذا كسب، أو صنعة يقوم بأوده و أود عياله سنة و زيادة مقدار الزكاة. «2»

3. و يقرب ما ذكره في «التحرير». «3»

4. و قال الشهيد: و تجب على المكتسب قوت سنته، إذا فضل عنه صاع. «4»

5. و قال أيضا في «البيان»: و لو كان له كسب يقوم به فهو غني، فيجب عليه ان فضل معه ما يخرجه. «5»

و هناك من ينفي اعتبار ذلك، نذكر منهم ما يلي:

6. قال الشهيد الثاني: و لا يشترط أن يفضل عن قوت سنته أصواع بعدد من يخرج عنه مع احتماله. «6»

______________________________

(1). المعتبر: 1/ 594.

(2). المنتهى: 1/ 532.

(3). التحرير: 1/ 420.

(4). الدروس: 1/ 248.

(5). البيان: 206.

(6). المسالك: 1/ 444.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 603

..........

______________________________

7. و قال صاحب

المدارك: و مقتضى ذلك «1» انّه لا يعتبر ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة به و قطع الشارح. «2» و مراده من الشارح هو جده صاحب المسالك لكنّه قدّس سرّه لم يقطع بل رجح، لمكان قوله: «مع احتمال».

8. و قال صاحب الجواهر: فمقتضى إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع، عدم اشتراط ملك الصاع أو مقدار الفطرة زيادة على ملك مئونة السنة فعلا أو قوّة في وجوب الفطرة لإطلاق الأدلّة. «3»

أمّا إطلاق النص الذي تمسّك به صاحب الجواهر فهو ظاهر ما رواه الشيخ المفيد في «المقنعة» عن يونس بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة». «4» و نظيرها غيرها ممّا هو ظاهر في عدم الاعتبار.

و لا دليل للقول الأوّل إلّا ما ذكره صاحب الحدائق: إذا لم يكن مالكا للصاع أو لمقدار الفطرة يصير فقيرا بإخراج زكاة الفطرة لقصور قوت السنة بذلك، فيلزم أن يكون فقيرا يجوز له أخذ الزكاة، فلا معنى لوجوبها عليه ثمّ جواز أخذه لها بخلاف ما إذا اشترط ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة. «5»

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع من وجوب الزكاة عليه، مع جواز أخذه الزكاة، كما إذا ملك إحدى الغلّات مع عدم كفايته لمئونة سنته، إذ يجب عليه إخراج الزكاة، مع جواز أخذها أيضا من محلّ آخر، و ليكن المقام نظيره.

و ما ربما يقال من أنّ الوجوب لو ثبت انقلب الغني فقيرا فينتفي الموضوع و يلزم من الوجوب عدمه، فغير تام، لأنّ الموضوع لوجوب الفطرة من يملك

______________________________

(1). تفسير الغني بمن يملك قوت سنته ...

(2). المدارك: 5/ 313.

(3).

الجواهر: 15/ 492.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 603

(4). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.

(5). الحدائق: 12/ 265.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 604

[المسألة 2: لا يشترط في وجوبها الإسلام]

المسألة 2: لا يشترط في وجوبها الإسلام، فتجب على الكافر لكن لا يصحّ أداؤها منه، و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه، و أمّا المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه.* (1)

______________________________

المئونة، مع قطع النظر عن تعلّق الزكاة، لا معه و المفروض انّه غنيّ بهذا المعنى، قبل التعلّق و بعده.

(1)* هنا فروع:

1. تجب الفطرة على الكافر كالمسلم، لكن لا يصحّ أداؤها منه. و قد مرّ الكلام فيه في الجزء الأوّل فلاحظ.

2. إذا أسلم الكافر بعد الهلال سقط عنه؛ لحديث الجبّ المعروف، و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال عليه السّلام: «لا قد خرج الشهر، و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال عليه السّلام: «لا». «1»

و أمّا ما ربّما يقال من أنّ إيجاب الفطرة على الكافر مشكل، لأنّه في حال كفره لا تصحّ و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه للإجماع و حديث الجبّ، فما فائدة هذا الإيجاب؟ فقد مرّت الإجابة عنه بأنّه يكفي في صحّة الخطاب انّه لو أسلم لكفي الخطاب الأوّل، إذ الموضوع للوجوب الإنسان العاقل البالغ المتمكّن و هو محفوظ في كلتا الحالتين، غاية الأمر انّ الكفر مانع عن القبول و إذا أسلم يرتفع المانع دون أن يتبدّل الموضوع إلى موضوع آخر، فلا

يكون الخطاب الأوّل لغوا.

على أنّ هنا فائدة أخرى و هي ولاية الحاكم على أخذها منه في حال كفره كما

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 605

[المسألة 3: يعتبر فيها نيّة القربة كما في زكاة المال]

المسألة 3: يعتبر فيها نيّة القربة كما في زكاة المال، فهي من العبادات، و لذا لا تصحّ من الكافر.* (1)

[المسألة 4: يستحبّ للفقير إخراجها أيضا]
اشارة

المسألة 4: يستحبّ للفقير إخراجها أيضا، و إن لم يكن عنده إلّا صاع يتصدّق به على عياله، ثمّ يتصدّق به على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور. و يجوز أن يتصدّق به على واحد منهم أيضا و إن كان الأولى و الأحوط، الأجنبي.* (2)

______________________________

هو الحال في زكاة المال. اللّهمّ إلّا أن يكون هناك اتفاق بين الحاكم و الذمّيّ على عدم وجوب شي ء سوى الجزية.

(1)* زكاة المال و البدن فريضة مالية و في الوقت نفسه عمل قربي يرجى به رضا الرب و نيل الثواب، فلا يثاب الإنسان بعمله هذا إلّا أن يقصد به وجه اللّه سبحانه، و هذا أمر متّفق عليه، و هل هو شرط لصحّة العمل أيضا- وراء كونه شرطا لترتّب الثواب-؟ وجهان:

المشهور انّه شرط الصحّة أيضا، و يحتمل أن يكون شرطا لترتّب الثواب فقط، و قد مرّ الكلام فيه.

و أمّا عدم صحّته من الكافر فلا يدلّ على كونه شرط الصحّة، بشهادة انّ الكافر لو قصد بعمله رضا الرب، كما إذا كان كتابيا معتقدا بالأعمال القربية فلا يصحّ منه أيضا، بل عدم الصحّة لأجل انّ الكفر مانع.

(2)* الغاية من عقد هذه المسألة هي تصحيح إخراج الفطرة لمن لا يملك إلّا صاعا واحدا و له عيال، و هذا النوع من الاحتيال من خصائص الفقه الإمامي لم نجد به نصا في غير هذا الفقه.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 606

..........

______________________________

قال الشيخ في «النهاية»: و من لا يملك ما يجب عليه فيه الزكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه و عن جميع من يعوله،

فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة، أخذها ثمّ أخرجها عن نفسه و عن عياله، فإن كان به إليها حاجة فليدر ذلك على من يعوله حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، و قد أجزأ عنهم كلّهم. «1»

و قال المحقّق: و يستحبّ للفقير إخراجها، و أقلّ ذلك أن يدير صاعا على عياله ثمّ يتصدّق به. «2»

و قال العلّامة في «التذكرة»: يستحبّ للفقير إخراجها عن نفسه و عياله و لو استحقّ أخذها، أخذها و دفعها مستحبّا، و لو ضاق عليه أدار صاعا على عياله ثمّ تصدّق به على الغير؛ للرواية. «3»

و قال الشهيد في «الدروس»: و يستحبّ للفقير إخراجها و لو بصاع، يديره على عياله بنية الفطرة من كلّ واحد، ثمّ يتصدّق به على غيرهم. «4»

و قال في «البيان»: و لو أدار الفقير صاعا بنية الإخراج على عياله ثمّ تصدّق به الآخر منهم على أجنبي تأدّى الاستحباب. «5»

و لعلّ هذا المقدار يكفي في إثبات كون الاستحباب أمرا مفتى به، إنّما الكلام في دليله و كيفية إخراجه.

فاعلم أنّ المفهوم من كلمات المصنّف و غيره انّ الإخراج يتصوّر على أنحاء ثلاثة:

______________________________

(1). النهاية: 190.

(2). الشرائع: 1/ 171.

(3). التذكرة: 5/ 371.

(4). الدروس: 1/ 250.

(5). البيان: 209.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 607

..........

______________________________

الأوّل: أن يتصدّق الذي يملك الصاع كالوالد، إلى زوجته، فإذا ملكت ما أخذت، تخرجها فطرة عن نفسها و تدفعها إلى أحد أولادها، فإذا تملّكها القابض يخرجها فطرة و يدفعها إلى الآخر و لو بمباشرة الوليّ، و هكذا حتّى يتم الدور؛ فعندئذ، فالفرد الأخير يخرجها فطرة و يدفعها إلى المستحق الأجنبي.

الثاني: أن يدور الأمر كذلك غير أنّ الفرد الأخير يدفع ما أخذه إلى من تصدّق

به أوّلا.

الثالث: نفس الصورة غير أنّه يدفعه إلى أحد أعضاء الأسرة غير الفرد الأوّل.

هذه هي الصور المتصوّرة في المقام، إنّما الكلام في تعيين ما هو المستفاد من الرواية.

ففي موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها، أ يعطيه غريبا عنها أو يأكل هو و عياله؟

قال: «يعطي بعض عياله، ثمّ يعطي الآخر عن نفسه، يتردّدونها فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة». «1»

فلا بدّ من إمعان النظر في تعبير الرواية.

فهناك احتمالات:

1. يتصدّق به في آخر الأمر على أجنبي، و هذا هو الذي نصّ به الشهيد في «البيان» كما عرفت. «2» و هو المتبادر من عبارة المحقّق في «الشرائع» كما سيوافيك.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(2). البيان: 209.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 608

..........

______________________________

و ردّ عليه في «المدارك» بأنّه لا يطابق معنى الإدارة التي ذكرها هو و غيره. «1»

فإنّ مقتضى الإدارة أن ينتهي الأمر إلى من بدئ به، و إخراجه إلى الأجنبي نقض للتدوير.

و الذي يسهل الخطب انّه لم يرد لفظ الإدارة في النص و إنّما الوارد «التردّد» كما مرّ، و قد اعترف به أيضا في «المدارك».

2. يدفع إلى المتصدّق الأوّل، و هذا هو خيرة «المدارك» جمودا على لفظ الإدارة، و قد عرفت عدم ظهور النصّ فيه و قد اعترف به أيضا.

3. يدفع إلى أحد أعضاء الأسرة، و هذا ممّا لا شاهد عليه.

و كيف كان فالظاهر من قوله: «فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة»، هو الوجه الأوّل، إذ الفطرة الواحدة عن الجميع لا يكون إلّا بالدفع بعد انتهاء الدور إلى الأجنبي و إلّا لم يخرج عنهم و

عاد إليهم، و ما ذكرناه هو الظاهر من عبارة المحقّق أيضا حيث قال: «و يستحبّ للفقير إخراجها، و أقلّ ذلك أن يدير صاعا على عياله ثمّ يتصدّق به»، فانّ المتبادر من قوله: «يتصدّق به» أي إلى خارج العائلة.

و بذلك يعلم أنّ ما ذكره الشهيد الثاني أوّلا في تفسير عبارة المحقّق هو المتّبع دون ما ذكره ثانيا حيث قال: معنى الإدارة أن يأخذ صاعا و يدفعه إلى أحد عياله المكلّفين ناويا به عن نفسه، ثمّ يدفعه الآخذ عن نفسه إلى الآخر و هكذا، ثمّ يدفعه الأخير إلى المستحقّ الأجنبي.

و لو دفعه إلى أحدهم جاز أيضا، بل هو الظاهر من الإدارة. «2»

فما ذكره المصنّف في المتن من أنّ الدفع إلى الأجنبي هو الأولى، و الأحوط، هو الأقوى.

______________________________

(1). المدارك: 5/ 315.

(2). مسالك الافهام: 1/ 45.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 609

و إن كان فيهم صغير أو مجنون يتولّى الوليّ له الأخذ له و الإعطاء عنه، و إن كان الأولى و الأحوط أن يتملّك الوليّ لنفسه ثمّ يؤدّي عنهما.* (1)

______________________________

(1)*

إذا كان في العائلة صغير أو مجنون

إذا كانت العائلة الفقيرة لا تملك إلّا صاعا واحدا و يريد الولي إخراج الفطرة عن الجميع بصاع واحد، يظهر هنا إشكال، و هو انّه إذا دفع الفطرة إلى الصغير أو المجنون فملكاها فكيف يسوغ للولي أن يخرجها عنهما فطرة مع عدم وجوبها عليهما، فإنّ مثل هذا يعدّ تصرّفا في مال القاصر مع عدم وجود الغبطة؟

هذا هو الإشكال، و قد حاول المصنّف حلّه بوجهين:

الأوّل: ما أشار إليه بقوله: ان يتولّى الوليّ له، الأخذ له و الإعطاء عنه.

و بعبارة أخرى: أن يأخذ الولي للصغير و يعطي عنه، و هذا الوجه بظاهره تقرير للإشكال، فإنّ الكلام في تصرّف الولي في

مال الصغير الذي ملكه فطرة، بإخراجه عنه من باب الفطرة مع عدم وجوبه عليه.

و قد أجاب عنه الشهيد الأوّل في «المسالك» بما حاصله:

إنّ الإشكال اجتهاد في مقابل النصّ، فإنّ النصّ قد جوز تصرّف الولي فيما ملكه الطفل أو المجنون بعنوان الفطرة بالإخراج عن ملكهما تزكية عنهما، حيث قال: و لا يشكل إخراج ما صار ملكا له بعد النصّ، و ثبوت مثله في الزكاة المالية. «1»

و أوضحه المحقّق الخوئي بقوله: إنّ الغالب في العوائل تشكيلها من الصغار، بل لعلّ عددهم يكون في الأغلب أكثر من الكبار، فإذا كان هذا أمرا

______________________________

(1). المسالك: 1/ 445.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 610

..........

______________________________

عاديا و الإمام عليه السّلام في مقام بيان طريق يوصل إلى الإعطاء عن الجميع فنفس هذا إجازة من صاحب الشرع و المولى الحقيقي في الأخذ للصغير و الإعطاء عنه، إذ فرض أنّ العيال بأجمعهم كبار نادر الوجود قليل الاتّفاق، فنفس هذه الرواية وافية بالإذن و الإجازة، و التشكيك في إطلاقها ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه. «1»

و قد أجاب عنه في «الجواهر» بوجه آخر: بأنّ غير المكلّف إنّما ملكه على هذا الوجه، أي على أن يخرج عنه صدقة. «2»

و صحّة الجواب مبنيّة على صحّة هذا النوع من الاشتراط في التمليك أو نيّته، و هو يحتاج إلى التأمّل، و الأولى التمسّك بالنصّ، و قد أشار هو قدّس سرّه إلى هذا الجواب بقوله: إنّه اجتهاد في مقابل النصّ و الفتوى.

الثاني: ما أشار إليه المصنّف بقوله: أن يتملك الولي لنفسه ثمّ يؤدّي عنهما.

و توضيحه: أن يعطي الزوج فطرته لزوجته، ثمّ الزوجة بعد تملّكها تدفعها إلى الزوج بعنوان الفطرة عن نفسها، فيملكها الزوج ثانيا ثمّ يدفعها عن الصغير الأوّل إلى

الزوجة فتتملّكها الزوجة فتملّكها الزوج ثانيا، ثمّ هو يدفعها فطرة عن الصغير الثاني إلى زوجته أيضا، فتتملّك هي و تملّكها زوجها ثالثا، فيكون الزوج مالكا لها، و هكذا حتّى يتم الإخراج عن الجميع بهذا النحو.

نعم يرد على هذا الاحتيال: انّ ما تدفعه الزوجة إلى الزوج في المرتبة الأولى و إن كان فطرة، لكنّها في الدرجة الثانية ليست فطرة لافتراض إخراج فطرة نفسها في الدفعة الأولى، فلا محيص أن يكون دفعها إلى الزوج هبة و تبرعا ليقوم بهذا على إخراج الفطرة عن الأولاد الصغار، و هذا خلاف ظاهر النص من التردّد بين أفراد العائلة بعنوان الفطرة لا بعنوان آخر.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 24/ 386.

(2). الجواهر: 15/ 493.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 611

[المسألة 5: يكره تملّك ما دفعه زكاة وجوبا أو ندبا]

المسألة 5: يكره تملّك ما دفعه زكاة وجوبا أو ندبا، سواء تملّكه صدقة أو غيرها على ما مرّ في زكاة المال.* (1)

[المسألة 6: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط]
اشارة

المسألة 6: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط، فلو جنّ أو أغمي عليه أو صار فقيرا قبل الغروب و لو بلحظة- بل أو مقارنا للغروب- لم تجب عليه. كما أنّه لو اجتمعت الشرائط بعد فقدها قبله أو مقارنا له وجبت؛ كما لو بلغ الصبيّ أو زال جنونه و لو الأدواريّ، أو أفاق من الإغماء، أو ملك ما يصير به غنيّا، أو تحرّر و صار غنيّا، أو أسلم الكافر فإنّها تجب عليهم. و لو كان البلوغ أو العقل أو الإسلام- مثلا- بعد الغروب لم تجب. نعم يستحبّ إخراجها إذا كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد.* (2)

______________________________

و لمّا كان الوجهان غير مرضيّين عند صاحب المدارك خصّ الأمر بكبار العائلة لا بصغارها، و قال: إنّ الحديث قاصر عن إفادة ذلك، بل ظاهره اختصاص الحكم بالمكلّفين، و الأصحّ اختصاص الحكم بهم لانتفاء ما يدلّ على تكليف ولي الطفل بذلك. «1»

و تبعه السيد الحكيم في شرحه، و قال: و بذلك تظهر قوّة ما في «المدارك» من أنّ الأصحّ اختصاص الحكم بالمكلّفين. «2»

(1)* قد مرّ الكلام في هذه المسألة في زكاة المال، فلاحظ.

(2)* قد تعرفت على شرائط الوجوب الأربعة: 1. التكليف، 2. عدم الإغماء، 3. الحرية، 4. الغنى. فمن أدرك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط فيجب عليه

______________________________

(1). المدارك: 5/ 315.

(2). المستمسك: 9/ 394.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 612

..........

______________________________

الفطرة على النحو الذي سيأتي تفصيله في المسائل القادمة، و على ضوء ذلك فمن فقد عامّة الشرائط أو واحدا

منها غروب ليلة العيد و إن كان واجدا لها قبل الغروب أو بعده إلى زوال يوم العيد فلا تجب عليه الفطرة، هذا هو المدّعى. و قبل أن نبحث في الروايات نذكر بعض الكلمات.

قال الشيخ في «النهاية»: و إن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه، فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. و يستحبّ له أن يخرج ندبا و استحبابا.

و كذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، و ليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. «1»

2. و قال في «المبسوط»: إذا أسلم قبل هلال شوال بلحظة لزمه الفطرة، و إن أسلم بعد الاستهلال لا يلزمه وجوبا، و إنّما يستحبّ له أن يصلّي صلاة العيد. «2»

3. و قال ابن حمزة في «الوسيلة»: و يستحبّ إخراج الفطرة عن المولود بعد استهلال شوال إلى وقت صلاة العيد، و روي إلى وقت الزوال. «3»

4. و قال المحقّق: من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يصير به غنيا، وجبت عليه. و لو كان بعد ذلك ما لم يصلّ العيد استحبّت. و كذا التفصيل لو ملك مملوكا، أو ولد له. «4»

5. و قال الشهيد في «الدروس»: تجب زكاة الفطرة عند هلال شوال على

______________________________

(1). النهاية: 189- 190.

(2). المبسوط: 1/ 241.

(3). الوسيلة: 132.

(4). الشرائع: 1/ 172.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 613

..........

______________________________

البالغ العاقل الحرّ غير المغمى عليه، المالك أحد نصب الزكاة أو قوت سنته على الأقوى. «1»

6. قال المحدّث البحراني: الظاهر انّه لا خلاف في أنّ من بلغ

قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يحصل به الغنى، فانّه تجب عليه زكاة الفطرة؛ و كذا من ولد له مولود أو ملك مملوكا، أمّا لو كان بعد ذلك فانّه لا تجب و إن استحب له الإخراج إلى الزوال. «2»

و مقتضى أكثر العبارات هو كون الملاك للوجوب هو اجتماع الشرائط قبل هلال شوال أو عنده، خلافا للمصنّف حيث جعل الملاك الاجتماع حين الغروب.

هذا ما لدى الشيعة، و أمّا السنّة فلم نجد عبارة في مورد الضابطة، لكن يمكن استفادتها من تحديد وقت الوجوب، حيث إنّ طبع الأمر يقتضي لزوم اجتماع الشرائط في وقت الوجوب.

قال ابن قدامة: فأمّا وقت الوجوب فهو وقت غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، فإنّها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، فمن تزوّج أو ملك عبدا أو ولد له ولد أو أسلم قبل غروب الشمس فعليه الفطرة، و إن كان بعد الغروب لم تلزمه، و لو كان حين الوجوب معسرا ثمّ أيسر في ليلته تلك أو في يومه لم يجب عليه شي ء، و لو كان في وقت الوجوب موسرا ثمّ أعسر لم تسقط عنه اعتبارا بحالة الوجوب، و من مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر.

نصّ عليه أحمد.

______________________________

(1). الدروس: 1/ 248.

(2). الحدائق: 12/ 277.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 614

..........

______________________________

و بما ذكرنا في وقت الوجوب قال الثوري و إسحاق و مالك في إحدى الروايتين عنه، و الشافعي في أحد قوليه.

و قال الليث و أبو ثور و أصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد، و هو رواية عن مالك، لأنّها قربة تتعلّق بالعيد، فلم يتقدّم وجوبها يوم العيد، و هو رواية عن مالك كالأضحية. «1»

و

ما ذكره ابن قدامة هو رأي الحنابلة، و أمّا غيرهم فقد اختلفوا في وقت الوجوب، و أشار إلى تفصيله ابن رشد في «بداية المجتهد» حيث قال:

اختلفوا في تحديد الوقت: فقال مالك في رواية ابن القاسم عنه: تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر.

و روى عنه أشهب: انّها تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان.

و بالأوّل قال أبو حنيفة، و بالثاني قال الشافعي.

و سبب اختلافهم: هل هي عبادة متعلّقة بيوم العيد؟ أو بخروج شهر رمضان؟ لأنّ ليلة العيد ليست من شهر رمضان.

و فائدة هذا الاختلاف في المولود يولد قبل الفجر من يوم العيد، و بعد مغيب الشمس، هل تجب عليه أم لا تجب؟ «2»

الاستدلال على الرأي المشهور

قد استدلّ على مقالة المشهور برواية معاوية بن عمّار، التي رواها الصدوق بسند ضعيف فيه علي بن أبي حمزة؛ و رواها الشيخ بسند صحيح، و الظاهر انّها

______________________________

(1). المغني: 2/ 666- 667.

(2). بداية المجتهد: 3/ 140.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 615

..........

______________________________

رواية واحدة رويت بسندين و ليست بروايتين، كما هو ظاهر أكثر من استدلّ بها، إذ من البعيد أن يسأل معاوية بن عمّار، عن موضوع واحد، مرّتين.

روى الصدوق عنه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: «ليس عليهم فطرة، و ليست الفطرة إلّا على من أدرك الشهر». «1»

و روى الشيخ باسناد صحيح عن معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولد ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر»، و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا». و رواه الكليني أيضا بسند صحيح. «2»

و الحديث يدلّ على لزوم اجتماع

خصوص الشرطين الحياة و الإسلام في جزء من شهر رمضان حتى يصدق عليه أنّه أدرك الشهر، و لم يخرج الشهر مع أنّ المدّعى هو اجتماع عامّة الشرائط حتى البلوغ و الغنى و عدم الإغماء، حين الغروب أو قبل الغروب فإن أمكن إلغاء الخصوصية يحمل عليها الشرائط الباقية، و إلّا فهناك احتمالان:

1. ما ذكره المحقّق الخوئي من كفاية حصول الشرائط بعد الغروب بحلول الليل، بل إلى ما قبل صلاة العيد، عملا بالإطلاقات فيما عدا شرط الحياة و الإسلام، فانّ اللازم حصولهما لدى الغروب بل قبله و لو بجزء يسير بمقدار إدراك الشهر على ما نطقت به صحيحة معاوية بن عمّار. «3»

2. إجراء البراءة عن وجوب الفطرة في غير ما اتّفق عليه المشهور، بحجّة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(3). مستند العروة: 24/ 390.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 616

..........

______________________________

انّ الإطلاقات ليست بصدد بيان وقت هذه الشروط.

نعم انّ مفاد الصحيح لا ينطبق على مقالة المشهور، فإنّ الميزان عندهم اجتماع الشرائط حين الغروب، و لكن الصحيح يجعل الشرط إدراك الشهر و لو إدراك جزء منه، فعليه يجب أن يعبّر عن الشرائط بحصولها قبل الغروب على نحو يصدق عليه انّه أدرك الشهر.

استحباب الإخراج لو كان بعد الغروب

لو كان اجتماع الشرائط بعد الغروب فقد ورد به الرواية الظاهرة في الوجوب.

روى الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال: «تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة». «1»

و المراد من الصلاة، صلاة العيد كما

فسر بها الشيخ الحر العاملي.

و في مرسلة الشيخ قال: قد روي أنّه «إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال». «2»

و قد فصّل ابن بابويه في «المقنع» بين الولادة قبل الزوال، فيدفع عنه الفطرة؛ و بعد الزوال، فلا فطرة عليه. و مثله الإسلام.

و حمله في «المدارك» على الاستحباب بقرينة كلامه في «الفقيه». «3»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 6.

(2). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(3). المدارك: 5/ 322.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 617

[الفصل الثاني فيمن تجب عنه]

اشارة

الفصل الثاني فيمن تجب عنه يجب إخراجها- بعد تحقّق شرائطها- عن نفسه و عن كلّ من يعوله حين دخول ليلة الفطر، من غير فرق بين واجب النفقة عليه و غيره، و الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و المسلم و الكافر، و الأرحام و غيرهم، حتّى المحبوس عنده و لو على وجه محرّم.* (1)

______________________________

(1)* فيمن يجب الإخراج عنه

كان الكلام في السابق فيمن تجب عليه زكاة الفطرة، و الكلام فعلا فيمن يجب أن يخرج عنه، و إليك بعض الكلمات:

1. قال المفيد: يخرجها عن نفسه، و عن جميع من يعول: من ذكر و أنثى، و حر و عبد، و عن جميع رقيقه من المسلمين، و أهل الذمة في كلّ حول مرّة. «1»

2. و قال الشيخ: و يلزمه أن يخرج عنه- عن نفسه- و عن جميع من يعوله من ولد و والد و زوجة و مملوك و مملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. «2»

3. و قال ابن حمزة: خمسة أصناف: نفسه، و جميع عيال من تجب عليه الفطرة من الوالدين و إن علوا، و

الولد و إن سفلوا، و الزوجة و المماليك و خادمة الزوج، و مملوكه إذا عالهما. «3»

______________________________

(1). المقنعة: 248.

(2). النهاية: 189.

(3). الوسيلة: 131.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 618

..........

______________________________

4. و قال في «الغنية»: تجب فيه الزكاة عنه، و عن كلّ من يعول من ذكر و أنثى. «1»

5. و قال المحقّق: و مع الشروط يخرجها عن نفسه، و عن جميع من يعوله، فرضا أو نفلا، من زوجة و ولد و ما شاكلهما، و ضيف و ما شابهه. «2»

6. قال في «المنتهى»: و يجب أن يخرج الفطرة عن نفسه و من يعوله أي يموّنه، ذهب إليه علماؤنا أجمع و هو قول أكثر أهل العلم. «3»

و قال في «المدارك» بعد نقل كلام الشرائع: هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب. «4»

إلى غير ذلك من الكلمات التي تتضمّن عنوان العيلولة و بيان بعض المصاديق.

هذا ما لدى الشيعة، و أمّا السنّة فيظهر من «المنتهى» انّ الموضوع عندهم هو العيلولة إلّا أبا حنيفة فانّه اعتبر الولاية، قال: العيلولة قول أكثر أهل العلم إلّا أبا حنيفة فانّه اعتبر الولاية الكاملة، فمن لا ولاية له عليه، لا تجب عليه فطرته، فلم يوجب على الأب فطرة ابنه البالغ و إن وجبت عليه نفقته، و كذا لم يوجب على الابن فطرة أبيه و إن وجب عليه نفقته اعتبارا بالولاية. «5»

و يظهر من «التذكرة» انّ الميزان هو العيلولة الواجبة عندهم فلا يعمّ العيلولة المستحبة، قال في «التذكرة»: لا فرق بين أن تكون العيلولة واجبة أو تبرعا، مثل أن يضمّ أجنبيا أو يتيما أو ضيفا و يهلّ الهلال و هو في عياله، عند

______________________________

(1). الغنية: 2/ 127.

(2). الشرائع: 1/ 172.

(3). المنتهى: 1/ 533.

(4). المدارك: 5/ 315.

(5). المنتهى:

1/ 533.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 619

..........

______________________________

علمائنا أجمع- إلى أن قال:- و قال باقي الجمهور: لا تجب، بل تستحب؛ لأنّ مئونته ليست واجبة، فلا تلزمه الفطرة عنه، كما لو لم يعله. «1»

الموضوع لوجوب الفطرة في رواياتنا هو العيلولة لا كونه عيالا للشخص حتّى لا يشمل العيلولة المؤقتة، و يكفي كونه ممّن يعوله و لو في مدّة مؤقتة، و يظهر ذلك من الروايات الواردة في المقام.

1. صحيحة عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يؤدي عنه الفطرة؟ فقال: «نعم، الفطرة واجبة، على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حرّ أو مملوك. «2»

فقد جعل الموضوع كلّ من يعول دون خصوص العيال.

2. و روى الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة، قال: «تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة». «3»

3. روى الكليني بسند صحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل من ضممت إلى عيالك من حرّ أو عبد أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه». «4»

4. و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة العيد يوم الفطر: «أدّوا فطرتكم فإنّها سنّة نبيّكم، و فريضة واجبة من ربّكم، فليؤدّها كلّ امرئ منكم عن عياله كلّهم، ذكرهم و أنثاهم، و صغيرهم و كبيرهم، و حرّهم و مملوكهم، عن كلّ إنسان منهم

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 376.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(3). الوسائل: 6، الباب 5

من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 6.

(4). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 620

..........

______________________________

صاعا من تمر، أو صاعا من بر، أو صاعا من شعير». «1»

5. و في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك». «2»

6. و في خبر حماد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و ما أغلق عليه بابه». «3»

إلى غير ذلك من الروايات.

و العناوين الواردة فيها عبارة عن الأمور التالية، و الجميع يشكل موضوعا واحدا، و هو العيلولة.

1. «على كلّ من يعول» (الحديث الأوّل).

2. «عن جميع من تعول» (الحديث الثاني).

3. «كل من ضممت إلى عيالك» (الحديث الثالث).

4. «فليؤدّها كلّ امرئ منكم عن عياله كلّهم» (الحديث الرابع).

5. على كل رأس من أهلك (الحديث الخامس)

6. «ما أغلق عليه بابه» (الحديث السادس)

هذه هي العناوين العامّة، و أمّا العناوين الخاصة فهي كالتالي:

مكاتبه، رقيق امرأته، أو مملوك، و قد ورد في غير واحد من الروايات عنوان الولد و الزوجة و أمّ الولد و غيرها.

و الجميع يشير إلى عنوان العيلولة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 13.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 621

و كذا تجب عن الضيف بشرط صدق كونه عيالا له و إن نزل عليه في آخر يوم من رمضان، بل و إن لم يأكل عنده شيئا، لكن بالشرط المذكور، و هو صدق العيلولة عليه عند دخول

ليلة الفطر بأن يكون بانيا على البقاء عنده مدّة، و مع عدم الصدق تجب على نفسه، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضا، حيث إنّ بعض العلماء اكتفى في الوجوب عليه مجرّد صدق اسم الضيف، و بعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر، و بعضهم: العشر الأواخر و بعضهم: اللّيلتين الأخيرتين، فمراعاة الاحتياط أولى.

و أمّا الضيف النازل بعد دخول الليلة فلا تجب الزكاة عنه و إن كان مدعوّا قبل ذلك.* (1)

______________________________

و هل يختص بالعيلولة السائغة، أم تعمّ المحرّمة كالمحبوس عنده ظلما؟

مقتضى الإطلاق هو الثاني، و لعلّ إلى الثاني يشير إليه قوله: «و ما أغلق عليه بابه».

(1)* اتّفقت كلمتهم على وجوب الإخراج عن الضيف على وجه الإجمال، و لكن اختلفوا في حدّ الاستضافة إلى أقوال ذكرها العلّامة في «المختلف» و إليك بيانها:

1. من أضاف غيره طول شهر رمضان يجب عليه إخراج الفطرة عنه. «1»

2. من أضاف إنسانا طول شهر رمضان و تكفّل بعيلولته لزمته فطرته. «2»

3. من أضاف مسلما طول شهر رمضان أو في النصف الأخير منه. «3»

4. كل ضيف أفطر عنده شهر رمضان. «4»

______________________________

(1). الانتصار: 88.

(2). الخلاف: 2/ 133.

(3). المقنعة: 265.

(4). الوسيلة: 131.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 622

..........

______________________________

5. كلّ ضيف يفطر معه في شهر رمضان. «1»

و على القولين الأخيرين يكفي كونه ضيفا ليلة واحدة، و لمّا كان مقتضى ذلك كفاية استضافة ليلة واحدة و لو في أثناء شهر رمضان فهو ممّا لم يقل به أحد، بادر ابن إدريس و أضاف شرطا آخر و قال: فأمّا إذا أفطر عنده ثمانية و عشرين يوما ثمّ انقطع باقي الشهر فلا فطرة على مضيّفه فإن لم يفطر عنده إلّا في محاق الشهر و آخره بحيث يتناوله

اسم ضيف فانّه يجب عليه إخراج الفطرة عنه، و لو كان إفطاره في الليلتين الأخيرتين فحسب. «2»

هذه هي كلمات فقهائنا و أمّا النصّ فهي صحيحة عمر بن يزيد قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال: «نعم، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حرّ أو مملوك». «3»

فهل الموضوع هو الضيف أو الموضوع هو كونه ممّن يعال؟ استظهر صاحب الجواهر كفاية صدق الضيف، و استدلّ على ذلك بأنّ إجابة حكم الضيف تمّ بقوله: «نعم» و ما أتى بعده من قوله: «الفطرة واجبة على كلّ من يعول» جملة مستقلة لا صلة لها بالضيف. «4»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره خلاف الظاهر، فانّ السؤال لمّا كان عن الضيف أجاب الإمام بكلمة «نعم» حتّى يكون جوابا إجماليا، ثمّ أشار إلى الضابطة الكلية التي يدخل فيها الضيف.

______________________________

(1). المهذب لابن البراج: 1/ 147.

(2). السرائر: 1/ 466.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(4). الجواهر: 15/ 497.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 623

..........

______________________________

و بذلك يعلم أنّ الضيافة بعنوانها ليست موضوعا، و إنّما الموضوع هو العيلولة.

و على ذلك فإذا كان الميزان هو العيلولة، فلا تجب الفطرة على ربّ البيت في الموارد التالية:

1. إذا نوى الضيف الأكل من متاعه لا من طعام المنزل، فلا يعدّ ضيفا و لا ممّن يعوله صاحب البيت.

2. لو أعطى المال لشخص أو أباح له التصرّف في ماله بمقدار نفقته، فلا يصدق كونه عيالا للمعطي.

و إلى ذلك يشير صحيح ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا

أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ قال عليه السّلام: «لا، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة، دونه». «1»

3. من دعي لمأدبة عشاء أو للإفطار في الوليمة، سواء حضر قبل الغروب أو حينه أو بعده، إذ لا يصدق عليه انّه يعوله، فانّ العيلولة تتوقّف على بذل الطعام و الشراب و ما يحتاج إليه مدة مديدة يصدق انّ نفقته عليه.

و بذلك يعلم صحّة ما ذكره المصنّف في المتن من لزوم صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر بأن يكون بانيا على البقاء عنده مدّة و لو كانت قصيرة، و أمّا من يرتحل بعد ما أفطر، فلا يعد ممّن يعوله.

الضيف النازل بعد دخول الليلة

ذهب المشهور إلى أنّ الضيف النازل بعد دخول الليلة لا تجب عنه الزكاة،

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 624

[المسألة 1: إذا ولد له ولد أو ملك مملوكا أو تزوّج بامرأة قبل الغروب]

المسألة 1: إذا ولد له ولد أو ملك مملوكا أو تزوّج بامرأة قبل الغروب من ليلة الفطر أو مقارنا له، وجبت الفطرة عنه إذا كان عيالا له، و كذا غير المذكورين ممّن يكون عيالا، و إن كان بعده لم تجب.

نعم، يستحبّ الإخراج عنه إذا كان ذلك بعده و قبل الزوال من يوم الفطر.* (1)

______________________________

لعدم صدق كونه ضيفا أو عيلولة بعد الغروب على القول بكون الموضوع هو اجتماع الشرائط عند الغروب.

و أمّا على القول بعدم لزوم اجتماع الشرائط عند الغروب و لا قبله، بل يكفي صدقه و لو قبل صلاة العيد، فعندئذ لو نزل الضيف بعد الغروب أو تزوّج بعد الغروب و جاء بها إلى البيت يجب عليه زكاتهما، و قد عرفت أنّ الأقوى هو القول الأوّل.

ثمّ إنّ السيد الحكيم قدّس سرّه أفاض الكلام في مفهوم الضيف و شرائط صدقه من عنوان التابعية و المتبوعية و غير ذلك، و قد عرفت أنّ الموضوع هو العيلولة و الضيف لا موضوعية له.

(1)* هذه المسألة من فروع الضابطة الكلية التي مضى البحث عنها، فإذا كان الموضوع استجماع الشرائط قبل هلال شوال أو قبل انقضاء شهر رمضان؛ فكلّ ولد، ولد، أو مملوك ملك، أو امرأة تزوجت في هذه الظروف، وجبت الفطرة عنه إذا كانوا عيالا للرجل؛ و أمّا إذا تحقّق واحد منها بعد غروب الشمس أو بعد رؤية الهلال أو مضي رمضان، فلا تجب.

هذا على مبنى المشهور، و أمّا على مسلك من فرق بين الشرائط فأفتى بلزوم

الزكاة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 625

[المسألة 2: كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه و إن كان غنيا]

اشارة

المسألة 2: كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه و إن كان غنيا و كانت واجبة عليه لو انفرد.

و كذا لو كان عيالا لشخص ثمّ صار وقت الخطاب، عيالا لغيره. و لا فرق في السقوط عن نفسه، بين أن يخرج عنه، من وجبت عليه أو تركه عصيانا أو نسيانا، لكن الأحوط الإخراج عن نفسه حينئذ.

نعم لو كان المعيل فقيرا، و العيال غنيا فالأقوى وجوبها على نفسه.

و لو تكلّف المعيل الفقير بالإخراج على الأقوى و إن كان السقوط حينئذ لا يخلو عن وجه.* (1)

______________________________

استجماع بعض الشرائط كالحياة و الإسلام قبل الهلال دون عامّتها، فيكفي عندئذ استجماع الباقي قبل صلاة العيد أو قبل الزوال، و لكنّه رأي شاذ، و المشهور كما سبق لزوم اجتماع الشرائط عند الغروب حسب تعبيرهم، أو قبل الهلال حسب تعبير الآخرين، أو قبل انقضاء شهر رمضان حسب تعبير الروايات.

و على فتوى المشهور فلو تولد أو ملك أو تزوّج بعد الغروب أو بعد الهلال، فيستحب إخراج الزكاة، و يدلّ عليها رواية محمد بن مسلم «1» و مرسلة الشيخ. «2»

(1)*

في المسألة فروع:
اشارة

1. إذا وجبت فطرته على غيره سقطت بإخراجه.

2. لو كان عيالا لشخص ثمّ صار عيالا لغيره وقت الخطاب يسقط بإخراجه.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 6.

(2). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 626

..........

______________________________

3. لو وجبت فطرته على غيره و لم يخرج عنه عصيانا أو نسيانا فهل تجب على نفسه؟

4. إذا كان المعيل فقيرا و المعال غنيا فهل تجب على المعال؟

5. تلك الصورة و لكن تكلّف المعيل الفقير بالإخراج فهل هو يكفي؟

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر.

الأوّل: إخراج المعيل يسقط عن العيال

إذا وجبت فطرته على غيره فأخرج فطرته فيسقط عنه، و ذلك لظهور الروايات في أنّها تتعلّق بالمعيل أوّلا، و بالذات فهو يقوم بواجبه مباشرة دون نيابة عن غيره، خصوصا إذا كان في العيال غير مكلّف كالصغير و الصبي، و بما انّ لسان الروايات في عامّة الموارد واحد، فيكون الوجوب متوجّها إلى المعيل أصالة لا نيابة عن عياله، و إليك العناوين الدالّة عليه.

1. تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد ...

2. كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه.

3. يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه و رقيق امرأته. «1»

إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في أنّ هنا وجوبا واحدا تعلّق بالمعيل وجوبا عينيّا، فلو قام بواجبه لم يبق هناك موضوع للامتثال ثانيا.

نعم نسب إلى ابن إدريس القول بوجوبها على الضيف و المضيف، نسبه إليه الشهيد في «البيان» و قال: و لم نعثر عليه في «السرائر» مع الفحص في مظانّه. «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 6، 8، 13.

(2). البيان 209؛ السرائر: 1/

566.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 627

الثاني: إذا صار عيالا لغيره

______________________________

لو كان عيالا لشخص في شهر رمضان و لكنّه عند وقت اجتماع الشرائط صار عيالا لغيره تكون فطرته على الغير و تسقط بسقوطه، لأنّ الحكم تابع لوجود الموضوع، فلو كان الوضع السابق مستمرا كانت الفطرة على الأوّل، و لمّا انقطع و صار عيالا لشخص آخر، يتبع الحكم موضوعه الثاني.

الثالث: لو لم يخرج عنه عصيانا أو نسيانا

إذا كانت فطرته على الغير بمعنى انّه كانت مكتوبة عليه من أوّل الأمر و لكنّه بخل بماله و لم يخرج عصيانا، أو نسي الفطرة حكما أو موضوعا، أو جهل بهما فزعم انّ العيد هو اليوم الآتي، إلى غير ذلك من أسباب الجهل، فيقع الكلام في وجوبها على العيال إذا كان متمكّنا من الإخراج، فقد أفتى المصنّف بالسقوط مطلقا، غير أنّه احتاط احتياطا استحبابيا بالإخراج عن نفسه، و احتاط السيد الحكيم بعدم الترك؛ و فصّل السيد الخوئي بين الترك لعصيان فلا يجب على العيال الغني، و الترك لنسيان فيجب عليه.

هذه هي الأقوال الموجودة في المسألة فنقول: هل المرجع في المقام هو عموم العام، أو إطلاق المخصّص؟ و على ذلك يجب علينا معرفة العام، و المخصص.

أمّا العام فهو ما يدلّ على أنّه يجب على كلّ مكلّف مسلم، حر، غني، مدرك أن يخرج زكاة بدنه نظير قول الإمام علي عليه السّلام في خطبة العيد يوم الفطر: «أدّوا فطرتكم فإنّها سنّة نبيّكم، و فريضة واجبة من ربّكم، فليؤدّها كلّ امرئ منكم عن عياله كلّهم». «1»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 628

..........

______________________________

و في رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن فطرة شهر رمضان، على كلّ إنسان هي، أو على من صام و

عرف الصلاة؟ «1»

فالمكلّف الحرّ الغني المدرك مكتوب عليه الفطرة بلا شكّ، و هذا هو مقتضى القاعدة الأولى.

ما يدلّ على خروج طائفة عن تلك الضابطة، و هي من كان عيالا للغير، فالواجب عندئذ على المعيل دون العيال، فكأنّ الوجوب كتب على عاتق الغير لا على عاتق العيال.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام فيما إذا عصى الغير بواجبه فلا دليل على وجوبه على العيال و إن كان متمكّنا على وجه لو انفرد لوجبت الفطرة عليه، لما عرفت من أنّ الروايات ظاهرة في كون الوجوب عند العيلولة مكتوبا على المعيل رأسا لا انّه يقوم عن جانب العيال نيابة. فإنّ عصيان المكلّف لواجبه لا يثبت تكليفا على الغير و إن كان بين الشخصين صلة و رابطة العيلولة، و مع ذلك كلّه فقد احتمل في «المسالك» وجوبه على العيال حيث قال:

لا فرق بين علمه بإخراج من وجبت عليه و عدمه مع احتمال الوجوب عليه لو علم بعدم إخراج المكلّف بها. «2»

و الحاصل: انّ المرجع في المقام هو إطلاق المخصّص لا عموم العام.

نعم يمكن توجيه وجوبه على العيال بوجهين:

1. انّ الوجوب كان مكتوبا على العيال غير أنّ المعيل ينوب عنهم في أداء الفريضة، فإذا تخلّف النائب بقي وجوبه على العيال بحاله.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 14.

(2). المسالك: 1/ 447.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 629

..........

______________________________

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّ بعض العيال كالصبي و المجنون غير مكلّفين، أضف إلى ذلك انّ النيابة خلاف ظاهر الأدلّة.

2. انّ الجمع بين دليل وجوب الفطرة على المعيل و دليل وجوب الفطرة على العيال الجامع للشرائط بضميمة ما يستفاد: من أنّ لكلّ إنسان فطرة واحدة، أن يكون الوجوب عليهما من

قبيل الوجوب الكفائي الذي تحقّق في محلّه أنّ الواجب فيه واحد، و الواجب عليه، متعدّد، إذ لا مانع من اشتغال ذمم متعدّدة بواجب واحد، لأنّ الوجود الذمّي اعتباري، و لا مانع من أن يكون للواحد وجودات متعدّدة اعتبارية. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الحمل على الوجوب الكفائي خلاف ظاهر الروايات، فإنّ الأصل في الأمر كونه عينيا لا كفائيا، تعيينيا لا تخييريا، نفسيا لا غيريا.

فظهر ممّا ذكرنا عدم الوجوب على العيال مطلقا، سواء أخرج المعيل أم لا.

بقي الكلام في التفصيل بين العصيان و النسيان الذي ذهب إليه السيد الخوئي، و حاصل ما أفاد على وجه التفصيل هو: انّ الفطرة مجرّد حقّ إلهي و المجعول في موردها حكم تكليفي محض من غير أن يتضمّن الوضع بوجه و من غير أن تكون الذمّة مشغولة بشي ء و لا مدينة للفقراء، فبما انّ هذا التكليف مرفوع حتى واقعا كما هو المفروض فلم يكن ثمة وجوب في حق المعيل، كي يكون مسقطا عن المعال عنه و مخصّصا لعموم وجوب الفطرة على كلّ مكلّف. إذن فتبقى العمومات الشاملة للمعال عنه كسائر آحاد المكلّفين على حالها، لسلامتها عندئذ عن المخصّص فيحكم بمقتضاها بوجوب الفطرة عليهم. «2»

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى القاعدة هو سقوطه عن العيال حتّى في صورة

______________________________

(1). المستمسك: 9/ 400.

(2). مستند العروة الوثقى: 24/ 402.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 630

..........

______________________________

النسيان، و ذلك لأنّ الخارج عن تحت القاعدة الأولى هو العيال و انّ فطرته على معيله، فمقتضى إطلاق المخصّص هو سقوطه عن ذمّته، بل عدم ثبوته في حقّه من أوّل الأمر، فإخراج صورة النسيان عن تحت المخصّص و إرجاعه إلى العموم يحتاج إلى دليل مع أنّ خروجه و بقاءه تحت المخصّص لا

يستلزم تخصيصا زائدا للعام.

و الحاصل: انّا نشك في خروج صورة النسيان عن تحت المخصص و مقتضى إطلاقه شموله له، و ما أفاده من عدم تعلّق التكليف بالناسي حتّى في صقع الواقع فغير تام، لأنّ الناسي كالجاهل مكلّف غير أنّ النسيان عذر لا انّه غير مكلّف، و إلّا يلزم عدم شمول الأحكام لعامّة الأصناف.

الرابع: إذا كان المعيل فقيرا دون من يعوله

إذا كان المعيل فقيرا دون من يعوله فهل يسقط عنهما، أو يجب على الثاني إذا كان قادرا، فقد أفتى المصنّف بوجوبها على نفسه و جعلها الأقوى، و ذلك لأنّ المتيقّن من خروج المعيل عن القاعدة الأولى هو المعيل الغني القادر على إخراج النفقة، و أمّا المعيل المعسر فلم يكتب عليه لا فطرة نفسه و لا فطرة من يعوله بمشقة و عسر. فالمرجع هو العمومات من وجوب الفطرة على كلّ مكلّف حرّ غني.

الخامس: لو تكلّف المعيل الفقير بالإخراج

قد عرفت أنّ الفطرة واجبة على المعيل الغني دون الفقير، فلو تكفّل المعيل الفقير بالإخراج فهل يسقط الواجب عن عياله الغني؟ الظاهر لا، لأنّ الخارج عن العمومات هو المعيل القادر على دفع الفطرة، و أمّا المعيل الفقير فلم يكتب عليه

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 631

[المسألة 3: تجب الفطرة عن الزوجة- سواء كانت دائمة أو متعة]

المسألة 3: تجب الفطرة عن الزوجة- سواء كانت دائمة أو متعة- مع العيلولة لهما، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا، لنشوز أو نحوه.

و كذا المملوك و إن لم تجب نفقته عليه. و أمّا مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه. و إن كانوا من واجبي النفقة عليه، و إن كان الأحوط الإخراج، خصوصا مع وجوب نفقتهم عليه. و حينئذ ففطرة الزوجة على نفسها، إذا كانت غنية، و لم يعلها الزوج و لا غير الزوج أيضا. و أمّا إن عالها أو عال المملوك غير الزوج و المولى فالفطرة عليه مع غناه.* (1)

______________________________

فطرة عياله، فيكون المرجع هو القاعدة الأولى.

و قد ذكر الشهيد لعدم الإجزاء وجها آخر، فقال: لو تبرع المعسر بإخراجها عن الضيف مستحبا لم يجز، و قد احتمل العلّامة في «المختلف» الإجزاء، لأنّ هذه زكاة الضيف و قد ندب الشرع إليها. و قال: و لمانع أن يمنع الندب في هذا و إنّما المنصوص استحباب إخراجها للفقير عن عياله و نفسه، و المفهوم من عياله، الفقر. «1» يريد ان المستحبّ إخراج المعيل الفقير عن عياله الفقير و لا يعمّ العيال الغنيّ.

(1)* هل وجوب الفطرة يدور مدار العيلولة، أو الزوجية و المملوكية مع وجوب الإنفاق، أو نفس العنوانين و إن لم تجب نفقتهما على الزوج و المالك؟ في المسألة فروع:

1. فطرة الزوجة و المملوك عند العيلولة.

2.

فطرتهما إذا وجبت نفقتهما على الزوج و المالك مع عدم العيلولة.

______________________________

(1). البيان: 209.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 632

..........

______________________________

3. فطرتهما مع عدم وجوب الإنفاق و العيلولة.

الأوّل: تجب الفطرة عن الزوجة لملاك العيلولة، و لأجل ذلك لا فرق في الزوجة بين كونها دائمة أو منقطعة، واجبة النفقة أو لا، لنشوز أو لصغر، و كذا المملوك و إن لم تجب نفقته على المالك.

الثاني: إذا كانت الزوجة واجبة النفقة و لكن لم يعلها الزوج و لا غيره، فهل تجب عليها الفطرة؟

يظهر من المحقّق الميل إلى كون فطرتها على زوجها، قال: الزوجة و المملوك تجب الزكاة عنهما و لو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره.

قيل: لا تجب إلّا مع العيلولة و فيه تردد.

قال الشهيد الثاني في شرح عبارة المحقّق: منشؤه هو الشكّ في كون السبب هو العيلولة أو الزوجية و المملوكية، و ظاهر النصوص هو الثاني فيجب عنهما و إن لم يعلهما غيره. «1»

و كان الأولى بالشهيد أن يقول: هل السبب هو العيلولة أو وجوب الإنفاق مكان الزوجية و المملوكية؟

قال المحدّث البحراني: المشهور فطرتها على الزوج، لأنّها تابعة لوجوب النفقة، ثمّ قال: و انّ النصوص صريحة في إناطة الوجوب بالعيلولة زوجة كانت أو غيرها من تلك الأفراد المعدودة في الأخبار. «2»

و قد اختار المصنّف عدم الوجوب عليه أخذا بالملاك و هو العيلولة، فلمّا انتفى انتفى ما يترتب عليه.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 446- 447.

(2). الحدائق: 12/ 268- 269.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 633

..........

______________________________

لكنّه قال: الأحوط الإخراج خصوصا مع وجوب نفقتهم عليه.

أقول: ما اختاره المحقّق مبني على أن يكون المراد من العيلولة هو وجوب الإنفاق، سواء أنفق أم لم ينفق، فبما انّ الزوجة ممّن يجب

عليه أن ينفق عليها فتجب فطرتها عليه.

و إن أبيت إلّا على دوران وجوب الفطرة مدار العيلولة، فالأولى التفريق بين ترك الإنفاق عن طوع و رغبة و تركه عن عصيان، إذ القول بسقوط وجوب الفطرة لأجل عصيانه بعدم الإنفاق، أمر غريب.

الثالث: إذا كانت الزوجة غير واجبة الإنفاق لنشوز أو لصغر مانع عن الاستمتاع مع عدم العيلولة، فهل تجب فطرتها على الزوج أو لا؟ و مثلها العبد إذا خرج عن الطاعة؟ ففيه خلاف بين المشهور و ابن إدريس، فالمشهور سقوط وجوب الفطرة، لفقدان الملاك أي العيلولة أو وجوب الإنفاق حسب الملاك عند المحقّق.

نعم ذهب ابن إدريس إلى أنّ للزوجية و المملوكية موضوعية في الحكم، بخلاف الولد و الوالد فانّ الملاك فيهما العيلولة.

قال في «السرائر»: يجب إخراج الفطرة عن عبده، سواء كان آبقا أو غير آبق، لعموم أقوال أصحابنا و إجماعهم على وجوب الفطرة عن العبيد؛ و كذلك يجب إخراج الفطرة عن الزوجات، سواء كنّ نواشز أو لم يكن، وجبت النفقة عليهنّ أم لم تجب، دخل بهن أو لم يدخل، دائمات أو منقطعات؛ للإجماع و العموم من غير تفصيل من أحد من أصحابنا. «1»

أقول: قد استدلّ ابن إدريس بوجهين:

______________________________

(1). السرائر: 1/ 466.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 634

..........

______________________________

1. الإجماع.

2. العموم

أمّا الإجماع فغير ثابت، بل الثابت خلافه. قال المحقّق: قال بعض المتأخّرين: الزوجية سبب لإيجاب الفطرة لا باعتبار وجوب مئونتها، ثمّ تخرج فقال: يخرج عن الناشز و الصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها، و لم يبد حجة عدا دعوى الإجماع من الإمامية على ذلك. و ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة على الزوجة من حيث هي زوجة، بل ليس تجب الفطرة

إلّا عن من تجب مئونته أو يتبرع بها عليه، فدعواه إذا غريبة عن الفتوى و الأخبار، و هو جيد. «1»

و أمّا العموم فيلاحظ على ما ذكره ابن إدريس: أنّه ليس فيما استدلّ به من العمومات ما يشير إلى أنّ الملاك عنوان الزوجية و المملوكية، بل تضافرت العمومات على أنّ الإيجاب باعتبار العيلولة كما مرّ.

نعم يمكن الاستدلال على موضوعية الزوجية و المملوكية بروايتين إحداهما صحيحة دون الأخرى:

1. صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ قال: «لا، إنّما يكون فطرته على عياله صدقة دونه، و قال: العيال:

الولد و المملوك و الزوجة و أمّ الولد». «2»

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 601.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 635

[المسألة 4: لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه و عنهما]

المسألة 4: لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه و عنهما.* (1)

______________________________

2. ما رواه إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة- إلى أن قال:- و قال: «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أمّك و ولدك و امرأتك و خادمك». «1»

فإنّ ظاهر الروايتين أنّ المرأة بعنوانها موضوع لوجوب الإخراج عنها و هكذا المملوك.

يلاحظ عليه: أنّه لو دلّ على ذلك لدلّ في الوالد و الولد أيضا، فيجب على كلّ، إخراج زكاة الآخر عنه مطلقا مع أنّه لم يقل به أحد، إذ لا تجب فطرة الولد و لا الوالد على الآخر إلّا عند العيلولة.

أضف إلى ذلك أنّ الرواية بصدد بيان مصاديق من يعوله الإنسان في حياته، و

ليس منه من تكلّف له، من دون الإشارة إلى موضوعية هذه العناوين على وجه الإطلاق.

فظهر ممّا ذكرنا انّه لا تجب فطرة الزوجة على الزوج إلّا عند العيلولة، إلّا فيما إذا كان عدم الإنفاق عن عصيان فإنّ القول بالسقوط مشكل كما مرّ.

(1)* أمّا السقوط عن الولي فلعدم كونهما عيالا له، و أمّا السقوط عنهما فلأجل عدم وجوب الفطرة عليهما، لما مرّ من اشتراط البلوغ و العقل.

و بذلك يعلم أنّ التعبير بالسقوط غير صحيح، إذ لم تكن فطرتهما واجبة حتّى تسقط بإنفاق الولي.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 636

[المسألة 5: يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل]

المسألة 5: يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل و يتولىّ الوكيل النيّة، و الأحوط نيّة الموكّل أيضا على حسب ما مرّ في زكاة المال. و يجوز توكيله في الإيصال و يكون المتولّي حينئذ هو نفسه، و يجوز الإذن في الدفع عنه أيضا لا بعنوان الوكالة، و حكمه حكمها، بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة، كما يجوز التبرع به من ماله بإذنه أو لا بإذنه و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا و سابقه.* (1)

[المسألة 6: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزئه إخراج ذلك الغير عن نفسه]

المسألة 6: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزئه إخراج ذلك الغير عن نفسه، سواء كان غنيا أو فقيرا و تكلّف بالإخراج، بل لا تكون حينئذ فطرة، حيث إنّه غير مكلّف بها. نعم لو قصد التبرّع بها عنها أجزأه على الأقوى و إن كان الأحوط العدم.* (2)

______________________________

(1)* تقدّم الكلام في هذه المسألة في زكاة المال، و قلنا: إنّ الوكيل تارة يكون وكيلا في الإخراج و أخرى في الإيصال، و ذكرنا حكم كلّ واحد بالنسبة إلى نيّة القربة فيما مضى، فلاحظ.

(2)* قد تقدّم أنّ زكاة الفطرة عبادة مالية و الأمر فيها متوجّه للمعيل فهو المسئول عن تلك الفريضة، فلو قام بها الغير فلا يجزيه إخراج ذلك الغير، فهو كمن صلّى بصلاة الغير و صام صومه و هو بعد حي.

و استثنى المصنّف صورة واحدة، و هي: لو قصد التبرّع بها عن الغير، فأفتى بالإجزاء على الأقوى و إن كان الأحوط العدم، و هو بعد غير خال عن الإشكال، لما عرفت من أنّ الخطاب العبادي المالي متوجّه للمعيل فكيف يتقرّب به غيره؟

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 637

[المسألة 7: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي كما في زكاة المال]

المسألة 7: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي كما في زكاة المال، و تحل فطرة الهاشمي على الصنفين. و المدار على المعيل لا العيال، فلو كان العيال هاشميا دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي، و في العكس يجوز.* (1)

______________________________

فإن قلت: إنّ من موارد صرف الزكاة هو أداء دين الغارم، فقد مضى انّه يجوز لمالك الزكاة أداء دين الغير تبرعا فليكن المقام مثله.

قلت: إنّ القياس مع الفارق فانّ الواجب على المدين إفراغ ذمّته مطلقا من دون اعتبار نيّة القربة، فإذا تبرع به الغير فرغت ذمّته، و هذا

بخلاف المقام فإنّ الواجب على المعيل هو أداء زكاة الغير متقربا إلى اللّه سبحانه، و في مثله لا يحصل الفراغ بأداء الغير حتّى لو نوى القربة، لأنّ الواجب هو نيّة القربة للمالك.

(1)* تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، و ذلك لدخولها تحت عنوان الصدقة، فقد ورد في غير واحد من الروايات حرمة الصدقة على أبناء عبد المطلب.

و في رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم». «1» فلا قصور في الروايات في شمولها لزكاة المال و زكاة الفطرة، فإنّ الجميع من أقسام الصدقة.

و يشهد على ما ذكرنا التعبير بالزكاة المفروضة التي تشمل كلتا الزكاتين؛ ففي رواية زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال: «هي الزكاة المفروضة، و لم يحرّم علينا صدقة بعضنا على

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 638

..........

______________________________

بعض». «1»

نعم رواه في «الجواهر» بالنحو التالي: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال: هي الصدقة المفروضة المطهرة للمال. «2»

و ليس لقوله: «المطهرة للمال» في «الوسائل» عين و لا أثر.

بقي الكلام فيما هو الموضوع في المقام، فهل الاعتبار في جواز دفع الزكاة للسيد بالمعيل أو المعال؟ فلو كان المعيل سيدا دون المعال فيجوز على الأوّل دون الثاني، و لو كان بالعكس انعكس.

و الذي تقتضيه القاعدة هو انّ الموضوع هو المعيل، لأنّه المخاطب بالأداء و إن كان يدفع الزكاة عن المعال، فتكون العبرة بحال المعطي لا المعطى عنه.

نعم ذهب صاحب الحدائق بأنّ العبرة بحال المعال عنه و قال: لأنّه هو الذي

تضاف إليه الزكاة، فيقال: فطرة فلان و إن وجب إخراجها عنه على غيره، لمكان العيلولة و أضيفت إليه أيضا من هذه الجهة، و إلّا فهي أوّلا و بالذات إنّما تضاف إلى المعال.

و ممّا يؤيد ما قلناه قول الصادق عليه السّلام لمعتب: «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و أعط عن الرقيق بأجمعهم، و لا تدع منهم أحدا، فإنّك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت». «3» فانّه ظاهر كما ترى في كون الزكاة الواجب عليه إخراجها إنّما هي زكاة الغير و فطرته و هم عياله، و إنّما وجبت عليه من حيث العيلولة، فهي منسوبة إليهم و متعلّقة بهم، و لهذا خاف عليهم الفوت مع عدم إخراجها عنهم.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2). الجواهر: 15/ 412.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 639

..........

______________________________

ثمّ استشهد قدّس سرّه بروايات أضيف فيها الفطرة إلى المعال، ففي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام بدراهم لي و لغيري و كتبت إليه أخبره أنّها من فطرة العيال، فكتب بخطه: «قبضت و قبلت». «1»

إلى أن قال: و ممّا يؤيد ما قلناه ما ورد من العلة في تحريم الزكاة على بني هاشم من أنّ الزكاة أوساخ الناس إشارة إلى قوله عزّ و جلّ: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «2» فكأنّها مثل الماء الذي يغسل به الثوب الوسخ فينتقل الوسخ إلى الماء، و هذا المعنى إنّما يناسب المعال من جهة حديث معتب الدال على أنّ من لم يخرج عنه الزكاة يخاف عليه الموت، فهي في قوة المطهرة له و

الدافعة للبلاء عنه و لا مدخل للمعيل في ذلك. «3»

و قد كان لكلام صاحب الحدائق تأثير في نفس السيد الحكيم حيث قال في آخر كلامه: إلّا أن يقال التعليل: بأنّ الزكاة أوساخ أيدي الناس يناسب كون المدار على المعال به، لأنّها فداء عنه لا عن المعيل. «4»

و يمكن أن يقال: انّ للزكاة إضافة إلى من وجب عليه كالمعيل و هو المخاطب، كما أنّه له إضافة إلى من يخرج عنه كالصبي و المجنون، و المعال عنه كما أنّ لها- في زكاة المال- إضافة إلى الجنس الذي تخرج زكاته و يقال: زكاة الحنطة أو زكاة الإبل و النقدين.

فهذه الأمور الثلاثة ممّا لا إشكال فيها إلّا أنّ الكلام فيما هو الملاك لتمييز زكاة الهاشمي عن غيرها، فبما انّ المخاطب في عامّة الموارد هو المعيل فهو المسئول عن أداء هذه الزكاة، يتبادر إلى الذهن بأنّه الملاك، و هذا لا ينافي أن ينتفع بفعل

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2). التوبة: 103.

(3). الحدائق الناضرة: 12/ 317- 318.

(4). المستمسك: 9/ 405.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 640

[المسألة 8: لا فرق في العيال بين أن يكون حاضرا عنده- و في منزله أو منزل آخر]

المسألة 8: لا فرق في العيال بين أن يكون حاضرا عنده- و في منزله أو منزل آخر- أو غائبا عنه، فلو كان له مملوك في بلد آخر لكنّه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته، و كذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك، كما أنّه إذا سافر عن عياله و ترك عندهم ما ينفقون به على أنفسهم يجب عليه زكاتهم. نعم لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه، سواء كان الغير موسرا و مؤديا أو لا، و إن كان الأحوط في الزوجة

و المملوك إخراجه عنهما مع فقر العائل أو عدم أدائه. و كذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله و لا في عيال غيره، و لكن الأحوط في المملوك و الزوجة ما ذكرنا من الإخراج عنهما حينئذ أيضا.* (1)

______________________________

المعيل الصبي و المجنون و سائر المكلّفين، لأنّه يدفع الزكاة بغية دفع البلاء عنهم.

و بعبارة أخرى: فالميزان هو مالك الزكاة، فهو إن كان هاشميا يجوز أن يدفع إلى الهاشمي لا ما إذا كان المالك غير هاشمي و المعال هاشميا. و على الرغم من ذلك فالأحوط عدم الدفع إلى الهاشمي إلّا إذا كان كلّ من المعيل و المعال هاشميا.

(1)* ما ذكره مطابق للقاعدة، لأنّ الملاك هو العيلولة و هي محفوظة في جميع الموارد.

مضافا إلى ورود نصّ خاص و هو صحيح جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله و هم غيّب عنه، و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم». «1»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 19 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 641

[المسألة 9: الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم]

المسألة 9: الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم، بل يجب إلّا إذا وكّلهم أن يخرجوا من ماله الذي تركه عندهم، أو أذن لهم في التبرّع عنه.* (1)

[المسألة 10: المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة]

المسألة 10: المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة إذا كان في عيالهما معا و كانا موسرين، و مع إعسار أحدهما تسقط و تبقى حصة الآخر، و مع إعسارهما تسقط عنهما، و إن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره، و تسقط عنه و عن الآخر مع إعساره و إن كان الآخر موسرا، لكن الأحوط إخراج حصّته، و إن لم يكن في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضا، و لكن الأحوط الإخراج مع اليسار كما عرفت مرارا. و لا فرق- في كونها عليهما مع العيلولة لهما- بين صورة المهاياة و غيرها، و إن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما، فإنّ المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض. و لا يعتبر اتّفاق جنس المخرج من الشريكين، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير و الآخر من حنطة، لكن الأولى بل الأحوط الاتّفاق.* (2)

______________________________

(1)* ما ذكره مطابق للقاعدة لما مرّ من أنّه يجوز التوكيل في الزكاة إخراجا و إيصالا بشرط الوثوق على أنّهم يؤدّون عنه و إلّا فمجرّد التوكيل لا ينفع.

(2)* هنا فروع ندرسها واحدا بعد الآخر:

إذا كان العبد مشتركا و كان في عيال المالكين فله صور:

أ. إذا كان الشريكان موسرين.

ب. إذا كان أحدهما موسرا دون الآخر.

ج. إذا كانا معسرين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 642

..........

______________________________

و إليك التفصيل:

الأوّل: إذا كان المملوك مشتركا بين مالكين موسرين و كان في عيالهما معا، تكون زكاته عليهما بالنسبة تمسّكا بإطلاق قوله: «الفطرة واجبة على كلّ من يعول». «1» فبما

انّ كلّا من المالكين مخاطب بإخراج الفطرة عنه لملاك العيلولة، هذا من جانب، و من جانب آخر، لا يخرج عن المعال أزيد من فطرة واحدة، تكون النتيجة: انّ الفطرة عليهما بالتقسيط، و إلّا فالأمر يدور بين إخراج كلّ فطرة مستقلة و هي خلاف ما اتّفقوا عليه، من عدم وجوب أزيد من فطرة واحدة، أو عدم إخراجهما أصلا، و هو خلاف الإطلاق، أو إخراج واحد، دون الآخر، و هو ترجيح بلا مرجّح.

فالتقسيط موافق للقاعدة و لا نحتاج معها إلى دليل آخر و ربّما يؤيّد بمكاتبة محمد بن القاسم بن الفضيل البصري انّه كتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى و في يده مال لمولاه و تحضره الفطرة أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟ قال:

«نعم». «2» و إنّما يصحّ التأييد إذا حمل الحديث على موت المولى قبل الهلال، ليكون العبد ملكا مشتركا لليتامى عند الهلال، فيكون المخرج من المال المشترك بينهم؛ و أمّا إذا حمل على موت المولى بعد الهلال، يكون العبد ملكا طلقا للمولى عند الهلال لا مشتركا بين اليتامى.

و ربما يقال بعدم الوجوب إذا لم يكمل لكلّ شريك رأس و لو مع الشركة مستدلّا بخبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: عبد بين قوم عليهم فيه زكاة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 643

..........

______________________________

الفطرة؟ قال: «إذا كان لكلّ إنسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته، و إذا كان عدّة العبيد و عدّة

الموالي سواء و كانوا جميعا فيهم سواء أدّوا زكاتهم لكلّ واحد منهم على قدر حصّته، و إن كان لكلّ إنسان معهم أقلّ من رأس فلا شي ء عليهم». «1»

يلاحظ عليه: أنّ السند لا يحتجّ به، فقد ورد فيه منصور بن العباس الذي قال في حقّه النجاشي: أبو الحسين الرازي، سكن بغداد و مات بها، كان مضطرب الأمر، له كتاب نوادر كبير. نعم وثّقه السيد الخوئي في المعجم لوروده في أسانيد كامل الزيارات، و العجب انّه ضعّفه في محاضراته كما سيوافيك نصّه.

كما ورد فيه، إسماعيل بن سهل الذي عرّفه النجاشي بقوله: الدهقان الكاتب، ضعّفه أصحابنا، له كتاب.

و قال الطوسي: روى عن أبي جعفر، و روى عنه في كامل الزيارات 30 موردا.

و مع الوصف فقد ضعّفه السيد الخوئي في محاضراته قال: مضافا إلى اشتمال السند على عدّة من الضعفاء و المجاهيل، كسهل بن زياد و منصور بن العباس و إسماعيل بن سهل. «2»

و كان عليه أن يصفهم جميعا بالضعف دون الجهل، فإنّ المجهول عبارة عمّن حكم عليه أهل الرجال بالجهالة و عدم المعرفة، و هؤلاء ليسوا كذلك.

الثاني: إذا كان العبد مشتركا بين مالكين: أحدهما موسر و الآخر معسر و كان في عيالهما، تسقط عن المعسر لفقدان الشرط- أعني: الغنى- دون الآخر، و تبقى

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 18 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2). مستند العروة الوثقى: 24/ 412.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 644

..........

______________________________

حصة الآخر، ضرورة انّ تكليف كلّ بإعطاء حصته ليس منوطا بتكليف الآخر، حتّى يسقط بسقوط أحدهما فعندئذ يقوم بواجبه.

الثالث: تلك الصورة مع إعسارهما فتسقط عنهما، لفقدان شرط التعلّق.

هذا كلّه إذا كان العبد المشترك في عيالهما، و أمّا إذا كان في عيال أحدهما

دون الآخر، فالصور المتصوّرة و إن كانت كثيرة لكن المهم، هو كون المعيل موسرا أو معسرا، سواء كان الآخر (غير المعيل) موسرا أو غير موسر لسقوط زكاة الفطرة عنه بعدم العيلولة، و إليك الكلام فيهما.

الرابع: إذا كان العبد المشترك عيالا لأحدهما دون الآخر و كان المعيل موسرا، وجبت عليه زكاة الفطرة تماما مع يساره، و كونه مشتركا لا يضرّ ما دام هو معيلا له دون الآخر، فيصبح العبد كالخادم الحرّ الذي يعوله ربّ البيت.

الخامس: إذا كان العبد المشترك عيالا لأحدهما دون الآخر، و كان المعيل معسرا، سقط عنه لإعساره و عن الآخر لعدم العيلولة، من غير فرق بين كون الآخر موسرا أو معسرا.

السادس: إذا لم يكن العبد المشترك في عيال الشريكين سقطت عنهما.

نعم الاحتياط في هذه الصورة و ما قبله هو إخراج الزكاة لمن كان موسرا.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من أمر التقسيط مبني على أنّ المناط هو العيلولة المشتركة بينهما، و إن كان وقت الغروب في نوبة أحدهما فانّ الفطرة بحكم العيلولة المشتركة، عليهما بالنسبة، و أمّا لو كان المناط صدق العيلولة في زمان الوجوب لا مطلقا فالعبد في صورة المهاياة «1» عيال لمن يقع في نوبته و لا عبرة بالعيلولة

______________________________

(1). المراد من المهاياة هو توافق الشريكين في كيفية تقسيم خدمة العبد بأن يكون يوم عند شريك، و يوم آخر عند شريك آخر، أو أكثر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 645

[المسألة 11: إذا كان شخص في عيال اثنين بأن عالاه معا فالحال كما مرّ]

المسألة 11: إذا كان شخص في عيال اثنين بأن عالاه معا فالحال كما مرّ في المملوك بين شريكين إلّا في مسألة الاحتياط المذكور فيه.

نعم، الاحتياط بالاتّفاق في جنس المخرج جار هنا أيضا، و ربما يقال بالسقوط عنهما، و قد يقال بالوجوب

عليهما كفاية، و الأظهر ما ذكرنا.* (1)

______________________________

المشتركة، لكن الظاهر هو الأوّل و قياسه على الضيف قياس مع الفارق، إذ لا يتصوّر فيه العيلولة المشتركة، إذ هو عيال للمضيف في فترة خاصة، بخلاف العبد المشترك.

السابع: لا شكّ انّه يعتبر اتّحاد المخرج عند ما كان المعيل واحدا لظهور قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «تعطى من الحنطة صاع، و من الشعير صاع، و من الأقط صاع». «1» في أنّ الواجب صاع من أحد هذه العناوين، فالملفّق منهما، صاع و لكن ليس صاعا من أحدها، إنّما الكلام فيما إذا كان المعيل متعدّدا فهل يجزي الملفّق من الشريكين، أو يجب أن يكون المخرج من جنس واحد؟ الأحوط هو الثاني و الأقوى هو الأوّل، لأنّ الواجب على كلّ واحد، نصف صاع من أحد هذه العناوين، فإذا أخرج فقد أدّى واجبه، و إلزام الآخر، على أن يخرج من هذا الجنس يحتاج إلى الدليل، و يؤيّده انّه لو أخرج أحدهما دون الآخر، سقط عنه التكليف بإخراج نصف صاع من جنس واحد. و يمكن أن يقال يجب عليهما التعاون في إخراج صاع من أحد الأجناس، فيلزم عليهما الاتّفاق على أحدها، نظير ما إذا وجب على شخصين إنقاذ غريق واحد، فيجب عليهما التعاون في كيفية الإنقاذ.

(1)* إذا كان شخص في عيال اثنين بأن عالاه معا، فهنا صورتان:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 646

..........

______________________________

أ. أن يكونا موسرين فيجب عليهما بالنسبة.

ب. أن يكون أحدهما موسرا دون الآخر فيجب على الموسر في حصته، فإذا شارك في أداء الفطرة فهل يشترط الاتفاق في جنس المخرج أو لا؟ مضى الكلام في ذلك في المسألة السابقة.

ثمّ إنّه ربما

يتصوّر سقوط الفطرة عنهما، و لا وجه له إلّا دعوى ظهور الأدلّة في العيلولة المختصة.

و ربّما يقال بالوجوب عليهما كفاية، و قد مرّ ضعفه لظهور الأمر في العيني دون الكفائي، بقي الكلام في قول المصنّف: «فالحال كما مرّ في المملوك بين شريكين إلّا في مسألة الاحتياط المذكور فيه» فما هو المراد من الاحتياط في المقام؟

و الظاهر عدم الموضوع لهذا الكلام في المقام، فإنّ المصنّف احتاط في المسألة السابقة في موردين:

1. إذا عال العبد أحد المالكين و هو معسر. فذكر المصنّف انّ الأحوط إخراج المالك الآخر إذا كان موسرا و إن لم يكن معيلا، لاحتمال كفاية مجرد الملكية في وجوب الإخراج دون العيلولة، و هذا الاحتمال منتف في المقام لعدم الملكية، بل الملاك هو العيلولة، فإذا عال أحد الشريكين و هو معسر، فيسقط عن كلا الشريكين معا؛ أمّا المعيل المعسر فلأجل عدم الغنى، و أمّا الآخر فلعدم العيلولة فلا وجه للاحتياط.

2. ما إذا لم يكن في عيال واحد منهما فذكر انّ الأحوط حينئذ إخراج المالك مع يساره لاحتمال كون الملاك هو الملكية، و هذا الاحتياط غير جار في المقام، لأنّه إذا لم يكن الشخص في عيال واحد منهما لا يكون هناك أيّ موضوع للفطرة، على أنّه خلاف فرض المسألة، لأنّه فيما إذا كان شخص في عيال اثنين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 647

[المسألة 12: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان هو المنفق على مرضعته]

المسألة 12: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان هو المنفق على مرضعته، سواء كانت أمّا له أو أجنبية، و إن كان المنفق غيره فعليه، و إن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد، و أمّا الجنين فلا فطرة له، إلّا إذا تولد قبل الغروب.

نعم يستحب إخراجها

عنه إذا تولّد بعده إلى ما قبل الزوال كما مرّ.* (1)

______________________________

و لعلّ هذه الجملة صدرت سهوا كما احتمله المحقّق الخوئي قدّس سرّه.

(1)* إذا كان الملاك في وجوب الإخراج هو العيلولة، فلا فرق بين الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير، و الرضيع و غيره.

و في رواية إبراهيم بن محمد الهمداني أنّ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السّلام كتب إليه- في حديث-: «الفطرة عليك و على الناس كلّهم و من تعول، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، حرّا أو عبدا، فطيما أو رضيعا، تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، يكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما». «1»

و على ضوء ذلك فالرضيع إمّا يتغذّى بالحليب الجاف فهو عيال لمن ينفق غذاءه و الغالب هو الأب، و إن كان يتغذّى بالإرضاع فهو عيال من ينفق على مرضعته، سواء كانت المرضعة أمّا له أو أجنبية.

و أمّا الجنين فإنّما يجب إذا تولد قبل هلال شوال، و لو تولد بعده يستحبّ الإخراج عنه.

روى الصدوق عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المولود يولد ليلة

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 648

[المسألة 13: الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال]

المسألة 13: الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال، فلو أنفق على عياله من المال الحرام- من غصب أو نحوه- وجب عليه زكاتهم.* (1)

[المسألة 14: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة]

المسألة 14: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة، فلو أعطى زوجته نفقتها و صرفت غيرها في مصارفها وجب عليه زكاتها، و كذا في غيرها.* (2)

______________________________

الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر». «1»

و أمّا الاستحباب إذا ولد قبل الزوال فلمرسلة الشيخ، قال: و قد روي أنّه إن ولد له قبل الزوال تخرج عنه الفطرة. «2»

(1)* وجهه: انّ الموضوع لوجوب الإخراج هو العيلولة، و هي صادقة في كلتا الصورتين، و على ذلك فيجب على الظالم إخراج الفطرة عن عائلته و إن كان الإنفاق عليهم من الحرام.

نعم يجب أن تكون الفطرة من المال الحلال ليكون جائز التصرّف للفقير.

(2)* الملاك في وجوب إخراج زكاة الفطرة هو العيلولة و كون المعال تحت تكفّل المعيل و رعايته، و على ضوء ذلك فلا فرق بين الصور الثلاث التالية:

أ. إذا صرف المعال نفس ما أنفقه المعيل من الحبوب و اللحوم و الأدهان و غيرهما من الحاجات.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1 و 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 649

[المسألة 15: لو ملّك شخصا مالا- هبة أو صلحا أو هدية- و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته]

المسألة 15: لو ملّك شخصا مالا- هبة أو صلحا أو هدية- و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته، لأنّه لا يصير عيالا له بمجرّد ذلك.

نعم لو كان من عياله عرفا و وهبه- مثلا- لينفقه على نفسه، فالظاهر الوجوب.* (1)

______________________________

ب. إذا دفع المعيل قيمة الحاجات المذكورة و اشترى المعال بها ما يحتاج إليه.

ج. إذا دفع المعيل قيمة الحاجات المذكورة و لكن المعال لم يصرف ما أخذه في

حاجاته، بل ادّخره و صرف غيره مكانها، فيصدق في الجميع انّ القابض معال للدافع.

(1)* إذا لم يكن الشخص تحت تكفّل الإنسان و رعايته، و لكنّه ربّما يهب أو يهدي إليه مالا بمقدار مئونة سنته فلا يعد مثله عيالا للمنفق.

و هذا بخلاف ما لو كان الشخص عيالا على المنفق خارجا و تحت تكفّله فيهدي له بين الفينة و الأخرى شيئا يكفي مئونة شهره أو سنته أو أكثر، فهو عيال على المنفق.

و الحاصل: انّ الميزان في وصف الشخص بالعيال هو العرف، ففيما إذا أصبح الشخص خارجا عن دائرة العائلة غير أنّ المعيل ربما ينفق عليه شيئا بعد شي ء، فهذا لا يعدّ عيالا، إذ لا مسئولية له بالنسبة إليه لا شرعا و لا عرفا و هذا بخلاف ما لو تكفّل شخصا أو تعهد قضاء حوائج عائلة، فالإعطاء لهم هبة أو صلحا أو هدية أو غير ذلك يجعلهم عيالا عليه.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 650

[المسألة 16: لو استأجر شخصا، و اشترط في ضمن العقد أن تكون نفقته عليه لا يبعد وجوب إخراج فطرته]

المسألة 16: لو استأجر شخصا، و اشترط في ضمن العقد أن تكون نفقته عليه لا يبعد وجوب إخراج فطرته. نعم لو اشترط عليه مقدار نفقته، فيعطيه دراهم- مثلا- ينفق بها على نفسه لم تجب عليه. و المناط الصدق العرفي في عدّه من عياله و عدمه.* (1)

[المسألة 17: إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه، و صار ضيفا عنده مدة، هل تجب عليه فطرته أم لا؟]

المسألة 17: إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه، و صار ضيفا عنده مدة، هل تجب عليه فطرته أم لا؟ إشكال. و كذا لو عال شخصا بالإكراه و الجبر من غيره. نعم في مثل العامل الذي يرسله الظالم لأخذ مال منه، فينزل عنده مدة ظلما و هو مجبور في طعامه و شرابه، فالظاهر عدم الوجوب، لعدم صدق العيال و لا الضيف عليه.* (2)

______________________________

(1)* إذا استأجر الموجر شخصا، فتارة يشترط الأجير أن يدفع له وراء الأجرة مقدارا ينفقه في حاجاته على نحو يكون الشرط جزءا من الأجرة، و أخرى يستأجره الموجر بأجرة و يشترط الأجير أن تكون نفقته عليه، سواء أنفق نفس ما يحتاج إليه أو قيمته، فيعد الأجير عيالا على الموجر، فيجب عليه إخراج النفقة.

و الفرق بين الصورتين واضح، فإن دفع مقدار النفقة جزء من الأجرة في الصورة الأولى لأجل أنّ الأجير لا يرضى بالدينار حتّى يضم إليه شيئا ينفقه في حاجاته اليومية؛ بخلاف الصورة الثانية فإنّ الأجير يدخل في دائرة العيال، فتارة ينفق عليه نفس ما يحتاج إليه، و أخرى قيمته.

(2)* ذكر المصنّف في هذه المسألة فروعا ثلاثة كلّها صور مختلفة للعيلولة غير الاختيارية.

أ. إذا نزل عليه نازل قهرا و من غير رضاه، و حلّ ضيفا عنده مدة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 651

..........

______________________________

ب. عال شخصا بالإكراه و الجبر.

ج. العامل الذي يرسله الظالم

لأخذ مال منه فينزل عنده مدة ظلما و هو مجبور في طعامه و شرابه.

فلا يجب إخراج الفطرة في الصور الثلاث، لظهور الأدلّة أو انصرافها إلى العيلولة الاختيارية و أن يكون تكفّله عن رضا و اختيار.

ففي صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول». «1»

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه». «2»

و لو افترضنا إطلاق الأدلّة و شمولها للإعالة القهرية و غير الاختيارية، فحديث رفع الإكراه كاف في رفع وجوب الفطرة في هذه الصورة، توضيحه:

انّ الإنفاق على وجه الإطلاق صار موضوعا لوجوب إخراج الفطرة عن المنفق عليه، من غير فرق بين حالتي الرضا و الإكراه، فيصح رفع وجوب إخراج الفطرة عند الإكراه بقوله: رفع عن أمّتي ما استكرهوا عليه. و هذا نظير الإفطار الذي وقع موضوعا للكفّارة، فلو كان لدليل الكفّارة إطلاق بالنسبة إلى حالتي الرضا و الإكراه، فيكفي في رفع الوجوب حديث الرفع.

فإن قلت: إنّ الموضوع لوجوب الإخراج هو العيلولة لا الإنفاق بعنوان التكفّل و الرعاية.

قلت: العيلولة عبارة أخرى عن قيام الرجل بتكفّل شخص آخر لإنجاز

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 652

..........

______________________________

حاجاته في شهر أو سنة أو أكثر، فلا فرق بين التعبير بالعيلولة أو الإنفاق.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛

ج 2، ص: 652

و بذلك يعلم عدم تمامية ما أفاده المحقّق الخوئي قدّس سرّه حيث منع جريان حديث الرفع في المقام، و أفاد في وجهه ما هذا حاصله:

إنّ مفاد الحديث رفع الحكم المتعلّق بالفعل أو المترتّب عليه، أي كلّ فعل كان متعلّقا أو موضوعا لحكم شرعي فهو مرفوع في عالم التشريع إذا صدر عن الإكراه أو الاضطرار و نحوهما، و أمّا الآثار غير المترتّبة على فعل المكلّف، بل على أمر آخر جامع بينه و بين غيره، و قد يجتمع معه- كالنجاسة المترتّبة على الملاقاة التي قد تستند إلى الفعل الاختياري و قد لا تستند- فهي غير مرفوعة بالحديث بوجه. و مقامنا من هذا القبيل، فإنّ الفطرة مترتّبة على عنوان العيلولة التي قد تكون اختيارية و قد لا تكون- مع الغض عمّا مرّ من انصراف النصوص إلى الأوّل- فانّ الموضوع كون شخص عيالا للآخر الذي هو عنوان جامع بين الأمرين، و مثله لا يرتفع بالحديث لاختصاصه بالأحكام المتعلّقة أو المترتّبة على الفعل الاختياري كما عرفت.

و ممّا يؤكد ذلك أنّا لو فرضنا أنّ العيلولة كانت اضطرارية فألجأته الضرورة الملحّة على اتّخاذ العيال، أ فهل يحتمل حينئذ أن لا تجب فطرته عليه لحديث رفع الاضطرار؟ فيقال بأنّ العيلولة الاضطرارية كالإكراهية مرفوعة بالحديث، و السّر ما عرفت من اختصاص الحديث بما يتعلّق أو يترتّب على الفعل الاختياري دون غيره. «1»

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ المقامين من واد واحد، فكما أنّ الإفطار فعل اختياري يعرضه طيب النفس تارة و الإكراه أخرى، فهكذا العيلولة بمعنى التكفّل لقضاء

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 24/ 421.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 653

[المسألة 18: إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي ء]

المسألة 18: إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في

تركته شي ء، و إن مات بعده وجب الإخراج من تركته عنه و عن عياله، و إن كان عليه دين و ضاقت التركة قسمت عليهما بالنسبة.* (1)

______________________________

حوائج شخص آخر فيعرضه طيب النفس تارة و الإكراه أخرى، و التعبير في الروايات «بمن يعول» عبارة أخرى عمّا ذكرنا.

و ثانيا: أنّ عدم الرفع في صورة الاضطرار لكون الرفع هناك على خلاف الامتنان، فلو اضطر الشخص لمعالجة طفله أن يبيع حاجات البيت، فالمعاملة صحيحة لازمة غير مرفوعة، لأنّ الرفع فيه على خلاف الامتنان، فهكذا المقام فإنّ الاضطرار الملح على اتّخاذ العيال يكون نابعا عن عامل عاطفي يدفعه إلى أخذ الشخص عيالا على نفسه ككونه ولد صديقه أو جاره أو غير ذلك، فرفع العيلولة يخالف الامتنان في المقام فلا يعمّه.

(1)* هنا فرعان:

1. إذا مات الرجل قبل الغروب، فلا يجب إخراج الفطرة من تركته، لعدم إدراكه زمان الوجوب، و هو كونه حيّا عاقلا متمكّنا عند رؤية الهلال.

2. إذا مات بعد الغروب أو بعد رؤية الهلال، فأفتى المصنّف بوجوب إخراجه من تركته عنه و عن عياله، و إن كان عليه دين و ضاقت التركة قسّمت عليها بالنسبة.

قال المحقّق في «الشرائع»: لو مات المولى و عليه دين، فإن كان بعد الهلال، وجبت زكاة مملوكه في ماله. و إن ضاقت التركة قسّمت على الدين و الفطرة بالحصص. و إن مات قبل الهلال لم تجب على أحد إلّا بتقدير أن يعوله. «1»

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 172.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 654

[المسألة 19: المطلقة رجعيا فطرتها على زوجها دون البائن]

المسألة 19: المطلقة رجعيا فطرتها على زوجها دون البائن، إلّا إذا كانت حاملا ينفق عليها.* (1)

______________________________

و يظهر من «الجواهر» ارتضاؤه حيث يصف الحكم الأوّل (قسّمت على الدين و الفطرة بالحصص) بقوله: على نحو

الديون بلا خلاف و لا إشكال، و لا فرق بين المملوك و غيره في ذلك و إنّما خصّه المصنّف بالذكر تنبيها على عدم تعلّقها برقبته. «1»

و لكن المسألة مبنية على أنّ تعلّق زكاة الفطرة على الإنسان كتعلّقها بالمال غير أنّ ظرف أحدهما الذمّة و الآخر النصاب.

فإذا مات بعد تعلّق الوجوب ينتقل الدين إلى تركته فيساوى مع سائر الديون و يقتسمون التركة بالنسبة، و لكن هناك احتمال آخر أشار إليه المحقّق الخوئي قدّس سرّه بأنّ الفطرة من قبيل التكليف المحض كالصلاة و المشهور انّ الواجبات الإلهية لا تخرج من أصل المال ما عدا الحجّ للنص، و ممّا يرشد إلى ذلك انّه لو لم يخرج الفطرة إلى أن مضى وقتها كما بعد الزوال أو غير ذلك، فالمشهور انّها تسقط حينئذ. «2»

و قد مرّ بيان ذلك في البحوث السابقة، فلاحظ.

(1)* انّ الرجعية لمّا كانت زوجة أو بمنزلة الزوجة ينفق عليها ما دامت في العدة، فإذا انقضت العدة فقد بانت منه، فتكون عيالا على الزوج فيجب إخراج فطرتها عنها؛ بخلاف البائن، فانّ العلقة منقطعة فلا ينفق عليها شيئا، إلّا إذا كانت حاملا فينفق عليها لأجل الحمل، فتخرج عن العيلولة إلّا في صورة الحمل،

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 512- 513.

(2). مستند العروة: 24/ 422.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 655

[المسألة 20: إذا كان غائبا عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شكّ في حياتهم]

المسألة 20: إذا كان غائبا عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شكّ في حياتهم، فالظاهر وجوب فطرتهم مع إحراز العيلولة على فرض الحياة.* (1)

______________________________

حيث إنّ الإنفاق و لو لأجل الحمل يجعل المرأة البائنة عيالا عليه.

و بذلك يعلم أنّ الحكم غالبي و الموضوع العيلولة، فلو كان الطلاق رجعيا و انتفت العيلولة لأجل نشوزها المستمر أو لغير ذلك أو كانت بائنة

و لكن كانت في دائرة العيلولة، يخرج عنها، و على ذلك فلا فرق بين الرجعية و البائن مع العيلولة و عدمها كما لا يخفى.

(1)* إنّ وجوب الفطرة مترتّب على الموضوع المركّب: أحدهما: كون المعال حيا، و الآخر: كونه عيالا عليه. فلو أحرز الجزءان بالعلم الوجداني، أو أحدهما بالعلم الوجداني و الآخر بالتعبّد، أو كلاهما به يترتّب الأثر. مثلا: إذا كانت المرأة وكيلة في طلاق نفسها على النحو البائن، فشك في أنّها هل طلّقها أو لا مع العلم بحياته؟ ففي المقام الحياة محرزة بالوجدان و إنّما الشكّ في الجزء الآخر و هو كونها في عياله أو لا، فيستصحب و يقال: كانت المرأة سابقا عيالا عليه و الأصل بقاؤها على ما كانت.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 656

[الفصل الثالث في جنسها و قدرها]

اشارة

الفصل الثالث في جنسها و قدرها و الضابط في الجنس: القوت الغالب لغالب الناس و هو: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللّبن و الذّرة و غيرها.* (1)

______________________________

(1)* هذا الفصل منعقد لبيان جنس الفطرة أوّلا، و قدرها ثانيا. و لنقدّم الكلام في الأوّل ثمّ الثاني فنقول:

«القوت» في اللغة ما يأكله الإنسان و يقتاته، سواء اقتصر عليه كما في الحنطة و الأرز، أم لا كما في الجبن و اللبن و الزبيب، فالمعيار هو ما يأكله غالب الناس في غالب الأوقات.

نعم لأصحابنا أقوال نذكرها تباعا.

1. الاقتصار على الأجناس الأربعة

ذهب ابن بابويه في رسالته و ولده الصدوق في مقنعه و هدايته و ابن أبي عقيل إلى أنّ: صدقة الفطرة صاع من حنطة، أو صاع من شعير، أو صاع من تمر، أو صاع من زبيب. «1»

______________________________

(1). المختلف: 3/ 281.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 657

2. الاقتصار على الأجناس الخمسة

______________________________

اقتصر صاحب المدارك على الأجناس الخمسة، و هي الأربعة المذكورة مضافا إلى الأقط و هو الجبن، و إنّما اقتصر عليه لصحّة أسانيد ما دلّ على الخمسة، و لو كان الملاك هو صحة الأسانيد فعليه أن يضيف على الخمسة اللبن، لوروده في رواية صحيحة؛ و هي ما رواه الشيخ عن زرارة و عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الفطرة على كلّ قوم ممّا يغذّون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره». «1»

قال صاحب الحدائق: و كان على سيد المدارك أن يضيف إلى الأجناس الخمسة، الذرة أيضا، لورودها في رواية صحيحة، و هي ما رواه الشيخ عن أبي عبد الرحمن الحذّاء- و هو أيوب بن عطية- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّه ذكر صدقة الفطرة، إلى أن قال: «أو صاع من شعير أو صاع من ذرة» «2». «3»

يلاحظ عليه: ما ذكره صاحب الحدائق: انّ الرواية ضعيفة، لأنّ المكنّى ب «أبي عبد الرحمن الحذّاء» شخصان:

1. أيّوب بن عطية، قال النجاشي: أيوب بن عطية، أبو عبد الرحمن الحذّاء، ثقة، روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «4»

2. أبو عبد الرحمن الحسن الحذّاء، و هو مجهول، لم يعنون في الرجال. و المراد به في المقام هو الثاني بشهادة انّ الصدوق رواها في «العلل» عن الحسن الحذّاء مصرّحا باسمه. «5»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة،

الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

(3). الحدائق: 12/ 281- 282.

(4). رجال النجاشي: 1/ 256 برقم 253.

(5). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، ذيل الحديث 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 658

..........

______________________________

و على أي تقدير فالاقتصار على الأربعة أو الخمسة أو الستة ليس قولا تاما، لما سيوافيك من الأدلّة على خلافها.

3. الاقتصار على الأجناس السبعة

يظهر من كلمات لفيف من أصحابنا منهم الشيخ في كتاب «الخلاف» و «المبسوط»، الاقتصار على الأجناس السبعة:

أ. قال في «الخلاف»: يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة: التمر، أو الزبيب، أو الحنطة، أو الشعير، أو الأرز، أو الأقط، أو اللبن. ثمّ استدلّ على لزوم الاقتصار على السبعة بأنّه لا خلاف فيها انّها تجزئ، و ما عداها ليس على جوازها دليل. «1»

ب. قال في «المبسوط»: و الفطرة تجب صاع وزنه تسعة أرطال بالعراقي و ستة أرطال بالمدني من التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن. «2»

ج. و قال المفيد في «المقنعة»: و هي فضلة أقوات الأمصار على اختلاف أقواتهم في النوع من: التمر، و الزبيب، و الحنطة، و الشعير، و الأرز و الأقط، و اللبن، فيخرج كلّ مصر فطرتهم من قوتهم. «3»

د. و قال ابن زهرة: و مقدار الواجب صاع من كلّ رأس من فضلة ما يقتات به الإنسان، سواء كان حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو ذرّة أو أرزا أو أقطا أو غيرها. «4»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 150، كتاب الزكاة، المسألة 188.

(2). المبسوط: 1/ 241.

(3). المقنعة: 249- 250.

(4). الغنية: 2/ 127.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 659

..........

______________________________

و لو لا قوله: «أو غيرها» لعدّ من القائلين بالاقتصار على

السبعة.

ه. و قال الكيدري: يخرج من الفطرة: التمر، أو الزبيب، أو الحنطة، أو الشعير، أو الأرز، أو الأقط، أو اللبن أيّها شاء. «1»

و يمكن أن يقال: إنّ اقتصارهم على السبعة من باب المثال، و إلّا فالميزان عندهم هو القوت الغالب، و كأنّ القوت الغالب يوم ذاك كان هذه الأجناس السبعة، و لذلك ترى أنّ الشيخ في «المبسوط» بعد عدّ السبعة يقول: إنّ أفضله أقوات البلد، الغالب على قوتهم. «2»

4. القوت الغالب

يظهر من كلمات غير واحد من الأصحاب انّه لا خصوصية في جنس دون جنس، و الميزان ما هو غالب ما يتغذّى به الناس، و إليك بعض كلماتهم:

أ. قال ابن الجنيد: و يخرجها من وجبت عليه من أغلب الأشياء على قوته من حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب أو سلت- نوع من الشعير- أو ذرة. قال العلّامة بعد نقل هذا الكلام من ابن الجنيد: و به قال أبو الصلاح، و هو الأقرب. «3»

ب. قال المحقّق: و الضابط إخراج ما كان قوتا غالبا، كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن، و هو مذهب علمائنا. «4»

ج. و قال العلّامة: الجنس في الفطرة ما كان غالبا، كالحنطة ... «5»

______________________________

(1). إصباح الشيعة: 125.

(2). المبسوط: 1/ 241.

(3). المختلف: 3/ 282.

(4). المعتبر: 2/ 605.

(5). التذكرة: 5/ 308.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 660

..........

______________________________

و قد عبر بنفس هذا اللفظ في «تحرير الأحكام». «1»

هذه كلمات أصحابنا و أمّا فقهاء السنّة، فالظاهر من ابن رشد انّهم على قولين:

أ. قوم ذهبوا إلى أنّها تجب إمّا من البرّ أو التمر أو الشعير أو الزبيب أو الأقط، و انّ ذلك على التخيير.

ب. و قوم ذهبوا إلى أنّ الواجب عليه هو

غالب قوت البلد، أو قوت المكلّف إذا لم يقدر على قوت البلد. «2»

و قد جاء في الموسوعة الفقهية تفاصيل المذاهب. «3»

هذه هي كلمات العلماء و فقهاء الإسلام، و أمّا الروايات فهي على أصناف، و يمكن إرجاع الجميع إلى صنفين:

1. الضابطة في الإخراج هو ما يقتاته المزكّي أو أهل بلده فيجب أن يخرج من هذا النوع.

2. الواجب الإخراج من أجناس خاصة دون أن تكون هي ضابطة، و هو على طوائف، و إليك نقل روايات كلا الطائفتين.

[يمكن إرجاع الروايات إلى صنفين]

الصنف الأوّل: ما يقتاته المزكّي

و الروايات الدالة على ذلك لا تتجاوز عن ثلاث:

1. صحيحة يونس، عن زرارة و ابن مسكان جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الفطرة على كلّ قوم ممّا يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره». «4»

______________________________

(1). لاحظ الجزء الأوّل، ص 425.

(2). بداية المجتهد: 1/ 136.

(3). الموسوعة الفقهية: 23/ 344.

(4). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 661

..........

______________________________

2. مرسلة يونس، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: جعلت فداك هل على أهل البوادي، الفطرة؟ قال: «الفطرة على كلّ من اقتات قوتا، فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت». «1»

و يحتمل اتّحاد الحديثين بحذف ما صدّر به الحديث الثاني من الأوّل، فيكون المرسل عنه في كلا الحديثين هو زرارة، إذ من البعيد أن يروي يونس متنا واحدا تارة عن زرارة و ابن مسكان و آخر عن غيره.

3. ما يذكر القوت الغالب لكلّ قطر، و هو مكاتبة إبراهيم بن محمد حيث كتب إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام يسأله عن ذلك، فكتب: «إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك، على أهل مكة و اليمن و الطائف و أطراف

الشام و اليمامة و البحرين و العراقين و فارس و الأهواز و كرمان تمر، و على أهل أوساط الشام زبيب، و على أهل الجزيرة و الموصل و الجبال كلّها برّ أو شعير، و على أهل طبرستان الأرز، و على أهل خراسان البرّ» الحديث. «2» فانّ الاختلاف في الجنس لأجل اختلاف الأقطار فيما يقتات به، فمن لاحظ هذه الروايات الثلاث يستنبط منها الضابطة الكلّية، و هي القوت الغالب لكلّ بلد.

الصنف الثاني: ما يقتصر على ذكر أجناس خاصة [و هي طوائف]
اشارة

و هذا الصنف يتشعب إلى طوائف:

الطائفة الأولى: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب

و هذه الطائفة تقتصر على الأجناس الأربعة، و قد وردت بأسانيد صحيحة،

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

(2). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 662

..........

______________________________

و إليك الإشارة إلى الأحاديث الصحيحة الخالية عن أي شذوذ:

1. رواية سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام. «1»

2. رواية ياسر القمّي، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام. 2

3. رواية فضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام في كتابه للمأمون. 3

4. رواية الأعمش، عن جعفر بن محمد عليه السّلام. 4

الطائفة الثانية: التمر و الزبيب و الشعير و الأقط

قد وردت هذه الأجناس الأربعة في صحيحة عبد اللّه بن ميمون. «5»

الطائفة الثالثة: التمر و الزبيب و الشعير

و قد ورد جواز الإخراج من هذه الأجناس الثلاثة في روايتين:

- رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «6»

- رواية سلمة بن أبي حفص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. 7

الطائفة الرابعة: الحنطة و التمر و الزبيب

و قد جاء ذكر الأجناس الثلاثة في رواية صفوان الجمّال. «8»

الطائفة الخامسة: التمر و الزبيب و الشعير و الذرة

و قد جاء ذكر الأجناس الأربعة بالنحو المذكور في رواية الحذّاء. «9»

______________________________

(1) (1، 2، 3، 4). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1، 5، 18، 20.

(5). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.

(6) (6، 7). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 8 و 9.

(8). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(9). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 663

الطائفة السادسة: الحنطة و الشعير و الأقط

______________________________

و قد جاء ذكر الثلاثة بالنحو المذكور في رواية عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام. «1»

الطائفة السابعة: الحنطة و الشعير

و قد ورد الجنسان في رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «2»

الطائفة الثامنة: التمر و البر

و قد ورد الجنسان المذكوران في رواية جعفر بن معروف، و قد عطف عليهما قوله: «و غيره». «3»

الطائفة التاسعة: الأقط

و قد جاء ذكر خصوص الأقط في رواية معاوية بن عمّار فخصّه بأصحاب الإبل و الغنم و البقر. «4»

هذه هي أصناف الروايات و طوائفها و في الحقيقة ترجع إلى صنفين كاملين، الأوّل ما يذكر الضابطة، و الثاني ما يذكر مصاديق لها مع الاختلاف في بيان المصاديق.

إذا عرفت ذلك فنقول: يقع الكلام في موردين:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 13.

(3). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

(4). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 664

..........

______________________________

الأوّل: في رفع التعارض بين الطوائف التسع من الصنف الثاني، حيث إنّها بين مقتصر على جنس واحد أو جنسين أو ثلاثة أو أربعة مع اختلافها في نفس الأجناس.

و الظاهر انّه لا تعارض بينها، لأنّ الإمام في الجميع بصدد بيان ما يجزئ في مقام الإخراج لا في مقام بيان لزوم الحصر و الاقتصار على ما ورد في كل رواية.

و الذي يبيّن ذلك انّه لو كان الواجب هو الإخراج من الأربعة المعروفة في لسان الفتاوى التي هي الطائفة الأولى من الصنف الثاني، يجب أن تكون مجتمعة في رواية واحدة مع أنّه لم ترد رواية بهذا المضمون، و إنّما اتّفقت كلمتهم على إجزائها لأجل صحة أسانيد ما دلّ على وجوب الإخراج منها.

و لأجل ذلك أضاف صاحب المدارك إلى الأربعة الأقط لصحّة سنده، و نحن أيضا أضفنا إليها اللبن لصحّة سند ما دلّ على الاجتزاء به.

فإن قلت: جاءت الأربعة المذكورة مجتمعة

في رواية سعد بن سعد الأشعري حيث قال: سألته (الرضا عليه السّلام) عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال: «صاع بصاع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم». «1»

قلت: قد جاء ذكرها مجتمعة في كلام الراوي لا في كلام الإمام، نعم طرحها من قبل الراوي يدلّ على أنّ الإخراج منها كان أمرا مسلّما بين الأصحاب في عصر أبي الحسن الرضا عليه السّلام.

فإن قلت: ربما يستشم من بعض أحاديث الصنف الثاني الحصر، فقد جاء في رواية ياسر القميّ عن الرضا عليه السّلام قوله: «الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و إنّما خفّف الحنطة معاوية». «2»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 665

..........

______________________________

قلت: إنّ الحديث بصدد بيان الكمية و انّه يجب أن لا تنقص الفطرة عن الصاع لا بصدد الحصر على الأجناس الأربعة، بشهادة تكرار لفظة «صاع» عند ذكر كلّ جنس ليلفت الراوي إلى أنّ الواجب هو الصاع، و إنّما جاء النقص في زمن معاوية حيث خفف الأمر في الحنطة و قال بمساواة نصف صاع من الحنطة صاعا من الشعير.

و يظهر من رواية معاوية بن وهب انّ البدعة ظهرت في عصر عثمان، قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في الفطرة: «جرت السنّة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلمّا كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس، فقال:

نصف صاع من بر بصاع من شعير». «1»

إلى هنا تبيّن انّه لا تعارض

بين الطوائف التسع حيث إنّ الجميع محمول على بيان المثال من دون الدلالة على الاقتصار على ما جاء فيها.

بقي الكلام في رفع التعارض بين هذه الطوائف و ما ورد في الصنف الأوّل الدالّ على أنّ الضابطة هي القوت الغالب، فإنّ النسبة بين الصنفين عموم و خصوص من وجه، و ذلك لدلالة الطوائف التسع أو خصوص ما صحّ سندها على إجزاء ما ذكر من الأجناس، سواء أ كان من القوت الغالب أم لا، و دلالة أحاديث الصنف الأوّل على لزوم كون الفطرة من القوت الغالب، سواء أ كان من هذه الأجناس أم لا، فيقع التعارض في موردين:

أ. إذا كان المخرج من هذه الأجناس و لم يكن قوتا غالبا كالتمر في البلاد الباردة و الزبيب في البلاد الحارة، فلا يجزي على القول بالضابطة و يجزئ على غيرها.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 8.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 666

..........

______________________________

ب. إذا كان المخرج قوتا غالبا و لم يكن من هذه الأجناس كالأرز في طبرستان، فتجزي على الضابطة و لا تجزي على غيرها.

و أمّا كيفية الجمع فهناك آراء:

1. ما اختاره المحقّق النراقي من الأخذ بالإطلاقين في كلا الجانبين، و مقتضاه هو التخيير في موضع التعارض، فيتخيّر المكلف بين إخراج أحد الأجناس الخمسة و إن لم تكن قوتا غالبا كالتمر في البلاد الباردة، و إخراج قوته الغالب. «1»

يلاحظ عليه: أنّه كيف يمكن الأخذ بكلا الإطلاقين مع صلاحية كلّ لتقييد الآخر؟! فالأخذ بإطلاق الضابطة يلازم كفاية الإخراج من الأرز في طبرستان مع أنّ إطلاق القسم الآخر ينفيه، لأنّه ليس من الأمور الخمسة أو الستة أو السبعة، كما أنّ الأخذ بإطلاق ما دلّ على إجزاء الأجناس

الخمسة يستلزم كفاية التمر في البلاد الباردة مع أنّ الضابطة تنفي الإجزاء و معه كيف يمكن القول بالتمر؟!

نعم لو قلنا بأنّ ما دلّ على التخيير في باب الخبرين المتعارضين يعمّ تعارض التباين و تعارض العموم و الخصوص من وجه، كان لما ذكره من التخيير وجه، لكنّه غير ثابت فإنّ التخيير راجع إلى التعارض على نحو التباين، و أمّا التعارض على نحو العموم و الخصوص من وجه فهو خارج عن مصب الروايات العلاجية للخبرين المتعارضين، و قد أوضحنا برهانه في محلّه.

2. ما احتمله بعضهم من تقييد إطلاق كل بالآخر، فتكون النتيجة هو كفاية الأجناس الخمسة بشرط أن يكون القوت الغالب، و كفاية القوت الغالب بشرط أن يكون من هذه الأجناس.

______________________________

(1). مستند الشيعة: 9/ 408.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 667

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ مفاد ذلك عدم كفاية الأرز في بلاد طبرستان، لأنّه و إن كان قوتا غالبا لكنّه خارج من تلك الأجناس، و هو كما ترى لا يلتزم به الفقيه مع وروده في الرواية عن أبي الحسن العسكري عليه السّلام.

3. إنكار الإطلاق في روايات الصنف الثاني و حمل الجميع على المثال و إراءة نماذج من القوت الغالب، و على ذلك تكون الضابطة هي المحور في الباب، فلو صار التمر و الزبيب في بعض البلاد قوتا غير غالب فلا يجزي.

و هذا هو الأوفق، لقوة دلالة الضابطة، و كون المتبادر من الروايات هو المثال لا الانحصار، و الإشكال مبني على دلالة رواية الصنف الثاني على الحصر، و أمّا لو أنكرنا ذلك فلا موضوع للإشكال حتّى يجاب عنه بالجوابين السابقين.

إكمال

ربّما يتوهّم التعارض بين صحيحة زرارة و ابن مسكان الدالّة على أنّ الميزان في الفطرة ما يغذّي به

المزكّي عياله، و بين مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني الدالّة على أنّ الميزان هو ما يقوته أهل كلّ بلد أو كلّ قطر، و لذلك صار الإمام بصدد بيان ما هو القوت الغالب في أقطار مختلفة.

و الجواب هو انّ ما يقوته المزكّي طريق إلى ما يقوته أهل البلد، إذ قلّما يتّفق أن تتخلّف أسرة في مأكلها و ملبسها عمّا هو الرائج في البلد، و على ذلك فالميزان هو القوت الغالب على البلد.

فإذا كان هو الميزان فلا فرق بين هذه الأجناس ما صحّ سندها، كالأجناس الأربعة بإضافة الأقط و اللبن، و ما لم يصحّ، لأنّ مستند الاجتزاء بالقوت الغالب هو صحيحة زرارة و ابن مسكان لا الروايات الخاصة الواردة في كلّ جنس.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 668

و الأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى، و إن كان الأقوى ما ذكرنا.* (1)

بل يكفي الدقيق و الخبز و الماش و العدس.* (2)

______________________________

(1)* المراد من الأربعة الأول هو: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، وجه الاحتياط هو التسالم على إجزائها، لأنّ من اقتصر على الخمسة كصاحب المدارك، أو على السبعة كالشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» و غيره، ذكر الأربعة الأولى في ضمنها.

مضافا إلى وجود القول بالاقتصار عليها من الصدوق و أبيه.

و لكن القول بكون الأربعة هو الموافق للاحتياط مطلقا، غير تام، و إنّما يكون موافقا معه إذا كان القوت الغالب كالبرّ، و إلّا فلو خرج عن كونه قوتا غالبا مع وروده في ضمن الأجناس السبعة، فالأحوط العدول عنه إلى القوت الغالب.

(2)* وجه الكفاية دخول الجميع في القوت الغالب الذي هو الميزان للاجتزاء مضافا إلى خبر الفضلاء (حمّاد و بريد و محمد بن مسلم) عن أبي جعفر و أبي

عبد اللّه عليه السّلام قالوا: سألناهما عن زكاة الفطرة؟، قالا: «صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت عن الصغير و الكبير، و الذكر و الأنثى، و البالغ، و من تعول في ذلك سواء». «1»

نعم، الاجتزاء بالنصف في الحنطة و الدقيق و غيرهما صدر تقية، و قد مرّ انّ التنصيف حدث في زمن عثمان و روّجه معاوية في عصره بعد ما اندرس في عصر الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام.

ثمّ إنّ الإخراج من الدقيق على وجهين:

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 17.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 669

..........

______________________________

الأوّل: إذا كان نفس الدقيق صاعا فالإخراج عندئذ بلا إشكال، إذ احتمال أن تكون للصورة النوعية للحنطة مدخلية في الفريضة بعيد عن الأذهان، بل هو أنفع بحال الفقراء.

الثاني: إذا طحن صاعا كاملا من حنطة فصار دقيقه أقل من صاع فأخرجه بعنوان الفطرة، فمقتضى القاعدة عدم الاجتزاء، لكونه أقل من صاع و الواجب هو الصاع.

اللّهم إلّا أن يكون المخرج بعنوان الفطرة هو صاعا من حنطة و قام بطحنه لينتفع به الفقراء، غير أنّ الظاهر من صحيحة عمر بن يزيد انّه يجوز إعطاء الدقيق الأقل من صاع لأجل الطحن بعنوان الفطرة من غير حاجة إلى الاحتيال بجعل الفطرة صاعا من حنطة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام نعطي الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال: «لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق». «1»

هذا كلّه حول الدقيق، و أمّا الخبز فيتصوّر على صور:

1. إذا كان أصله صاعا من دقيق فعجنه و طبخه.

2. إذا كان أصله صاعا من حنطة فطحنه

و عجنه و طبخه.

3. إذا كان الأصل أقلّ من صاع من حنطة و لكن الخبز بلغ صاعا.

فتجزئ الصورتان الأوليان حسب ما عرفت في الدقيق دون الثالثة، لظهور الروايات في لزوم كون الأصل صاعا و المفروض في المقام خلافه.

اللّهمّ إلّا أن يخرج الخبز بعنوان القيمة لو قلنا بجواز الإخراج من غير النقدين.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 670

و الأفضل إخراج التمر، ثمّ الزبيب، ثمّ القوت الغالب. هذا إذا لم يكن هناك مرجّح من كون غيرها أصلح بحال الفقير و أنفع له، لكن الأولى و الأحوط حينئذ دفعها بعنوان القيمة.* (1)

______________________________

(1)* عدّ المصنف التمر أفضل الأجناس ثمّ الزبيب ثمّ القوت الغالب، و ما ذكره قدّس سرّه من الترتيب موافق لما ذكره المحقّق في «الشرائع»، قال: و الأفضل إخراج التمر، ثمّ الزبيب، و يليه أن يخرج كلّ إنسان ما يغلب على قوته. «1»

لكن الأفضل عند الشيخ الطوسي هو ما كان غالبا على قوت البلد، متمسّكا بمكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني في تصنيف أهل الأمصار إلى أصناف، كلّ يخرج قوت بلده، و ذلك يدلّ على أنّ المراعى غالب قوت أهل البلد. «2»

و وافقه المحقّق في «المعتبر» حيث قال: و أفضل هذه الأجناس التمر و بعده الزبيب، و قيل بعد التمر، البرّ، و قال آخرون: أعلاها قيمة، و قال آخرون: ما يغلب على قوت البلد، و لعلّ هذا أجود لرواية العسكري المتضمّنة لتمييز الفطرة و ما يستحبّ أن يخرجه أهل كلّ إقليم. «3» و ذيل تلك العبارة يدلّ على عدوله عمّا ذكره في «الشرائع».

و على كلّ تقدير فالذي يمكن أن يستدلّ به على قول الشيخ في «الخلاف» و

المحقّق في «المعتبر» ما دلّ من الروايات على أنّ الفطرة ممّا يغذّون عيالهم «4» كما في صحيحة زرارة و ابن مسكان، أو انّها ممّا اقتات قوتا 5 أو قوت البلد كما في مكاتبة إبراهيم بن محمد. 6

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 174.

(2). الخلاف: 2/ 150، كتاب الزكاة، المسألة 189.

(3). المعتبر: 2/ 606.

(4) (4، 5 و 6). الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1 و 4 و 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 671

..........

______________________________

فعلى ضوء هذه الروايات فالإخراج من القوت الغالب هو في المرتبة الأولى، فكيف يمكن جعله في المرتبة الثالثة كما جعله المصنّف تبعا للشرائع؟!

و العجب انّ صاحب الحدائق أصرّ على أفضلية التمر و نقل عن بعضهم إضافة الزبيب إلى التمر، فقال: لا معدّل بعد هذه الأخبار عن القول الأوّل، و أمّا من ذهب إلى القوت الغالب فالظاهر انّه اعتمد على رواية الهمداني و يونس و ابن مسكان، و الجمع بين الأخبار يقتضي حمل ما اشتملت عليه هذه الروايات من القوت الذي يقتاتون به، على المرتبة الثانية في الفضل بعد التمر كما دلّت عليه عبارة الشرائع المتقدّمة. «1»

أقول: ما ذكره من الحمل تبرعي لا شاهد له، و قد تقدّم انّ ما يغذّي به الإنسان عياله، يلازم غالبا القوت الغالب، فالروايات الثلاث ناظرة إلى أمر واحد و هو القوت الغالب للبلد، فلو تعبّدنا بالترتيب الثلاثي كما يصرّ عليه صاحب الحدائق يلزم تقديم التمر و الزبيب على سائر الأجناس حتّى و لو لم يكونا من القوت الغالب، كالتمر في البلاد الباردة و الزبيب في نجد و حواليه و هو كما ترى.

و الحقّ أن يقال: انّ الواجب هو القوت الغالب و يرجّح التمر و الزبيب

على سائر الأجناس في الأقطار التي يكونان فيها من القوت الغالب، و إلّا فلا يجزءان فضلا عن كونهما أفضل من سائر الأجناس.

اللّهم إلّا أن يكون الإخراج بعنوان القيمة لا الأصل، و فيه بحث سيوافيك، و حاصله: انّ القيمة تجب أن تكون من غير الأصول، فانتظر.

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 288.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 672

[المسألة 1: يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحا، فلا يجزي المعيب]

المسألة 1: يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحا، فلا يجزي المعيب و يعتبر خلوصه فلا يكفي الممتزج بغيره من جنس آخر أو تراب أو نحوه، إلّا إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع أو كان قليلا يتسامح به.* (1)

______________________________

(1)* هنا فرعان:

الأوّل: عدم إجزاء المعيب عن الصحيح.

الثاني: عدم إجزاء غير المصفّى.

قال الشهيد: لا يجزئ المعيب و لا غير المصفّى إلّا بالقيمة. «1»

و استدلّ في «الجواهر» على عدم إجزاء الأوّل بانسباق الصحيح و على الثاني (أي الممزوج بما لا يتسامح فيه) بفقد الاسم المتوقّف عليه الامتثال، أو المنساق منه عند الإطلاق خصوصا مع ملاحظة عدم إجزاء ذات العوار و المريضة من الزكاة المالية و إن كان هو من القوت الغالب.

أقول: لو كان العيب بمثابة يسقطه عن الانتفاع به في التغذّي إلّا للطيور و الدواجن فهو غير مجزئ قطعا، و أمّا إذا لم يكن بهذه المثابة على نحو يغذّي به الإنسان عياله فالظاهر كفايته للإطلاق، و لعلّ ما في «المستمسك» من التأمّل في الانسباق راجع إلى هذا القسم. «2»

و أمّا غير المصنف فلو كان الخليط خارجا عن المتعارف كالتبن الكثير أو الغبار الوافر لكن بلغ خالصه بعد التصفية صاعا فيجزئ قطعا و إلّا فلا، لأنّ الواجب هو صاع من حنطة و المفروض انّه أقلّ منه.

نعم المزيج القليل الذي يتعارف وجوده في الأجناس لا

يمنع من الاجتزاء.

______________________________

(1). الدروس: 1/ 251.

(2). المستمسك: 9/ 418.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 673

[المسألة 2: الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات من الدراهم و الدنانير]

المسألة 2: الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات من الدراهم و الدنانير أو غيرهما من الأجناس الأخر و على هذا فيجزي المعيب و الممزوج و نحوهما بعنوان القيمة، و كذا كلّ جنس شكّ في كفايته فإنّه يجزي بعنوان القيمة.* (1)

______________________________

(1)* إخراج القيمة من أحد هذه الأجناس ممّا اتّفقت عليه كلمة الأصحاب، و إليك شيئا من نصوصهم:

قال الشيخ: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلّها، و في الفطرة أي شي ء كانت القيمة، و تكون القيمة على وجه البدل لا على أنّها أصل. «1»

و قال المحقّق: و من غير ذلك (الأجناس) يخرج بالقيمة السوقية. «2»

و قال العلّامة: و يجوز إخراج القيمة، و هو قول علمائنا أجمع. و به قال أبو حنيفة و الثوري و الحسن البصري و عمر بن عبد العزيز، و منع الشافعي و مالك و أحمد. «3»

و ذكر مثل تلك العبارة في «التذكرة» و أضاف: لأنّ معاذا طلب من أهل اليمن العرض، و كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة. «4»

إلى غير ذلك من الكلمات المتضافرة على جواز دفع القيمة مكان الأصل، و يدلّ على ذلك صحاح الروايات:

1. صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: بعثت إلى أبي الحسن

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 50، كتاب الزكاة، المسألة 59.

(2). الشرائع: 1/ 174.

(3). المنتهى: 1/ 538.

(4). التذكرة: 5/ 386.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 674

..........

______________________________

الرضا عليه السّلام بدراهم لي و لغيري و كتبت إليه أخبره أنّها من فطرة العيال، فكتب بخطه: «قبضت». «1»

2. صحيحة عمر بن يزيد قال: سألته (أبا عبد اللّه عليه السّلام): يعطي الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر

و الحنطة يكون أنفع لأهل بيت المؤمن، قال: «لا بأس». 2

إنّما الكلام في كفاية غير الأثمان الرائجة من الألبسة و الأواني و غيرهما إذا أخرجها قيمة للأجناس المفروضة المنصوصة عليها، فقد اختلفت كلمة الأصحاب في الجواز و عدمه.

قال الشيخ في «المبسوط»: يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدّمناها، سواء كان الثمن سلعة أو حبّا أو خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن بقيمة الوقت. «3»

و وافقه العلّامة في «المختلف» و استدلّ على الجواز بوجهين:

1. عموم الأمر بجواز إخراج القيمة من غير تعيين، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السّلام قال: «لا بأس بالقيمة في الفطرة».

2. انّ المطلوب ليس هو الصاع من أحد الأجناس بعينه، و إلّا لما جاز التخطّي إلى القيمة، بل المطلوب، المالية المشتملة على هذا القدر، و هو ثابت في كلّ قيمة. «4»

يلاحظ على الأوّل: بانصراف القيمة إلى الأثمان الرائجة، و العملة المتداولة.

و يلاحظ على الثاني: بأنّه أشبه بالأخذ بالمناط من غير وروده في الشرع،

______________________________

(1) (1، 2). الوسائل 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1 و 5.

(3). المبسوط: 1/ 242.

(4). المختلف: 3/ 292.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 675

[المسألة 3: لا يجزي نصف الصاع- مثلا- من الحنطة الأعلى، و إن كان يسوّي صاعا من الأدون]

اشارة

المسألة 3: لا يجزي نصف الصاع- مثلا- من الحنطة الأعلى، و إن كان يسوّي صاعا من الأدون أو الشعير- مثلا- إلّا إذا كان بعنوان القيمة.* (1)

______________________________

و لذلك خالفه المحقّق الأردبيلي فخص الجواز بالنقدين. «1»

و يؤيّد ذلك انّ الوارد في الروايات هو ألفاظ «الدرهم» و «الفضة» و «الورق» و «القيمة» و الجميع منصرف إلى الأثمان الرائجة دون الأعيان التي لا تقع ثمنا إلّا في ظروف خاصة، أعني: الأمكنة و البلاد التي يندر فيها تداول العملة.

فإن

قلت: إذا كان سائر الأجناس أنفع بحال الفقير دخل تحت قوله:

«نعم، إنّ ذلك أنفع له، يشتري ما يريد». «2»

قلت: المراد من هذه العبارة هو سعة القدرة الشرائية بقرينة قوله: «يشتري ما يريد» و هي غير موجودة في الأجناس.

و ربّما يستدلّ على عدم جواز الإخراج من الأجناس بغير النقدين بما رواه سليمان بن جعفر المروزي قال: سمعته يقول: إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة، و الصدقة بصاع من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم. «3»

يلاحظ على التأييد بأنّ القيد وارد مورد الغالب، و لو كان له مفهوم لزم عدم كفاية الإخراج بالدينار أو سائر العملات الرائجة.

(1)* اتّفقت كلمتهم على أنّه لا يجزئ نصف صاع من الحنطة إذا كان الحنطة

______________________________

(1). مجمع الفائدة و البرهان: 4/ 259.

(2). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 6.

(3). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 676

..........

______________________________

هو الأصل في الإخراج، و قد تقدّم انّ الاجتزاء بالأقل من بدع عثمان، إنّما الكلام إذا كان الإخراج بعنوان القيمة فجوّزه المصنّف، و إليك بعض الكلمات:

قال العلّامة في «التذكرة»: إجزاء أقلّ من صاع من جنس أعلى إذا ساوى صاعا من أدون، كنصف صاع من حنطة يساوي صاع شعير، لأنّ القيمة لا تخصّ عينا، و لأنّ في بعض الروايات: «صاع أو نصف صاع حنطة» و إنّما يحمل على ما اخترناه. «1»

و قال في «المختلف»: لو كان قيمة صاع الشعير بقدر قيمة نصف صاع من حنطة أو زبيب أو غيرهما من الأجناس فأراد إخراج نصف صاع الحنطة عن صاع الشعير أجزأه إذا قصد إخراج القيمة، و لو لم

يقصد إخراج القيمة لم يجزئه أقلّ من صاع حنطة. «2»

هذا و خالفه بعض من تأخّر عنه كالشهيد في «البيان» و سيد المدارك في «المدارك» و صاحب الجواهر في كتابه.

قال الشهيد: و ظاهر الشيخ انّه يجزئ نصف صاع حنطة عن صاع شعير و غيره، بالقيمة، و نصره في «المختلف»، و الأقرب انّ الأصول لا تكون قيمة. «3»

و قال في «المدارك»: الأصح عدم الإجزاء كما اختاره في «البيان»، لأنّ هذه الأصول لا تكون قيمة. «4»

و قال في «الجواهر»: لظهور كون قيمة الأصول من غيرها، خصوصا و ليس في الأدلّة التخيير بين الصاع من كلّ نوع و قيمته حتّى يدّعى ظهوره في تناول القيمة للنوع الآخر، و إنّما الموجود فيها ما عرفت ممّا هو ظاهر فيما ذكرنا. «5»

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 390.

(2). المختلف: 3/ 293.

(3). البيان: 212.

(4). المدارك: 5/ 337.

(5). الجواهر: 15/ 520.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 677

..........

______________________________

و حاصل ما استدلّ به الشهيد و تبعه غيره: انّ المتبادر من الإخراج بالقيمة هو كونها وراء هذه الأصول بمعنى انّ المكلّف مخيّر بين هذه الأصول و قيمتها التي تعدّ شيئا وراءها لا انّه يجوز دفع الأصول تارة بنحو الأصل و أخرى بعنوان القيمة.

أضف إلى ذلك: انّ المورد ممّا أنكره الإمام في غير واحد من الروايات. «1»

كيف و قد أفتى عثمان و بعده معاوية بجواز دفع نصف صاع من الحنطة إذا كانت قيمته تساوي قيمة صاع من شعير؟! فقد زيّفه الإمام على وجه الإطلاق، من غير فرق بين كون المعطى أصلا أو قيمة.

و الحاصل: انّ تبرير جواز المحظور بالقيمة يعد تلاعبا بالنصّ.

الاستدلال على جواز الإخراج بنصف الصاع

و ربّما يستدلّ على الجواز بروايتين:

الأولى: ما روي عن الفضلاء- بسند ضعيف- عن أبي جعفر و أبي

عبد اللّه عليه السّلام قالا: «أو نصف صاع ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت». «2»

يلاحظ عليه: أنّها رواية متروكة أعرض عنها الأصحاب و لم يعمل بها الموافق و المخالف، لأنّه جوّز في مورد الحنطة فقط لا في غيرها من الدقيق و السويق و الذرة و السلت.

الثانية: ما روي بسند صحيح عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: نعطي الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال: «لا بأس، يكون أجر طحنه بقدر

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5، 8، 9.

(2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 17.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 678

[المسألة 4: لا يجزي الصاع الملفّق من جنسين]

المسألة 4: لا يجزي الصاع الملفّق من جنسين- بأن يخرج نصف صاع من الحنطة و نصفا من الشعير مثلا- إلّا بعنوان القيمة.* (1)

______________________________

ما بين الحنطة و الدقيق». «1»

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال إنّما يتمّ إذا كان المخرج هو الدقيق بعنوان القيمة فهو أقلّ من صاع لكن يساوي قيمته قيمة صاع من حنطة، و لكنّ الظاهر انّ المخرج هو الحنطة و كان صاعا تامّا، و إنّما قام بطحنه ليسهل الانتفاع به للفقراء.

و على فرض ظهور الرواية في أنّ المخرج بعنوان الفطرة هو الدقيق لا أصله (الحنطة)، فعندئذ تكون الرواية على خلاف القاعدة فيقتصر على موردها.

(1)* قال الشيخ في «المبسوط»: لا يجوز أن يخرج صاعا واحدا من جنسين، لأنّه يخالف الخبر. «2»

و قال قطب الدين الكيدري: لا يجوز إخراج صاع واحد من جنسين، إلّا على جهة القيمة. «3»

و قال العلّامة في «المختلف»: و الأقرب عندي جواز ذلك أصلا و قيمة، و استدلّ على مقاله بوجوه مخدوشة مبنية على تنقيح

المناط مكان الرجوع إلى ظواهر النصوص، و إليك الإشارة إليها و ما فيها:

1. انّ المطلوب شرعا إخراج صاع القوتي و ليس تعيّن الأجناس معتبرا في نظر الشارع، و إلّا لما جاز التخيير فيه، و هو ثابت في الجنسين. «4»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

(2). المبسوط: 1/ 241.

(3). إصباح الشيعة: 125.

(4). المختلف: 3/ 294.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 679

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّه اجتهاد في مقابل النصّ، فإنّ الفريضة حسب الروايات هي صاع من حنطة أو صاع من شعير و الملفق من الجنسين ليس واحدا منهما.

2. يجوز إخراج الأصواع المختلفة من الشخص الواحد، فكذا الصاع الواحد. «1»

يلاحظ عليه: أنّه قياس مع الفارق، لأنّه يصدق على الأوّل انّه أخرج لهذا الفرد من العائلة صاعا من حنطة و لذلك صاعا من شعير و هكذا، بخلاف المقام فإنّه لا يصدق عليه انّه أخرج له صاعا من جنس واحد.

إلى غير ذلك من الوجوه الضعيفة، فالأقوى عدم جواز الإخراج من جنسين، لعدم صدق عنوان الواجب، أي صاع من حنطة عليه.

فإن قلت: يصدق على المخرج من جنسين انّه ممّا يغذون به عيالهم، «2» أو ما غلب قوتهم، 3 أو اقتات قوتا. 4

قلت: إنّ الإمام ليس بصدد بيان كون المخرج من جنس أو جنسين حتّى يتمسك بإطلاقه بل بصدد بيان انّ المخرج يجب أن يكون من القوت الغالب دون النادر، و أين هذا من الإخراج من جنسين؟!

فإن قلت: قد مرّ فيما إذا كان العبد مشتركا بين مالكين انّه يجوز للمالك الآخر أن يختار غير ما اختاره المالك الأوّل فإذا دفع المالك الأوّل نصف صاع من الحنطة فللآخر أن يدفع نصف صاع من الشعير، فما هو الفرق بينه

و بين المقام؟

قلت: الفرق بينهما واضح، لأنّ المكلّف في المقام واحد، و هو مخاطب بقوله:

صاع من حنطة أو صاع من شعير، فيجب عليه الإخراج من جنس واحد حتّى

______________________________

(1). المختلف: 3/ 294.

(2) (2، 3 و 4). تقدّم تخريجها.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 680

[المسألة 5: المدار قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب]

المسألة 5: المدار قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب، و المعتبر قيمة بلد الإخراج لا وطنه و لا بلد آخر، فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده و أراد الإخراج منه كان المناط قيمة ذلك البلد لا قيمة بلده الّذي هو فيه.* (1)

______________________________

يصدق انّه أخرج صاعا من حنطة، بخلاف المقيس عليه فانّ المخاطب فيها متعدّد، فلكلّ أن يأخذ بأحدهما، فتكون النتيجة جواز الإخراج من جنسين.

و أمّا الإخراج بعنوان القيمة فقد اختاره المحقّق الخوئي تبعا للكيدري مع أنّه منع الإخراج من الأصول بعنوان القيمة و لكنّه تبع الجواهر في المقام. و قد فرّق في المقام بين السابق و اللاحق بما هذا حاصل كلامه:

إنّ المركب من الجنسين بما هو مركب لا يندرج لا في صاع من هذا الجنس و لا في صاع من الجنس الآخر، فهو بما هو كذلك لا يعدّ من جنس الفطرة و إن كان أبعاضه يعد من أجزائها. و عليه فلا مانع من احتسابه بعنوان القيمة، و بذلك يفترق عن المسألة السابقة التي تقدّم المنع فيها. «1»

يلاحظ عليه: أنّ المتبادر من الروايات انّ جنس الفطرة شي ء و القيمة شي ء آخر، فعلى هذا يجب أن تكون القيمة شيئا مغايرا مع جنس الفطرة، و عندئذ لا فرق بين إخراج نصف صاع من الحنطة الأجود بعنوان القيمة و إخراج صاع مركب من الحنطة و الشعير بعنوانها، فالعرف لا يفرّق

بين الأمرين و يرى ما أخرج بعنوان القيمة في كلا المقامين جنس الفطرة مع أنّ متلقّى العرف مغايرة القيمة مع جنس الفطرة كلا أو جزءا.

(1)* الغرض من عقد هذه المسألة بيان أمرين:

______________________________

(1). مستند العروة: 24/ 448.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 681

..........

______________________________

الأوّل: انّه لا تقدير في القيمة بل تتبع السعر الرائج في كلّ صقع و زمان، و أمّا ما في بعض الروايات، كموثّقة إسحاق «1» من تقديرها بالدرهم فمحمول على كون قيمة صاع من حنطة مثلا يوم ذاك، درهما.

الثاني: انّ المعتبر في تعيين القيمة من حيث الزمان هو وقت الإخراج لا وقت الوجوب، كما أنّ المعتبر من حيث المكان هو قيمة بلد الإخراج لا وطنه و لا بلد الجنس الذي يملكه، و ذلك لأنّ الذمّة إلى وقت الإخراج مشغولة بنفس الجنس لا قيمته- كما هو الحال في المثليات- و لا تفرغ الذمة منه إلّا بإخراج قيمتها فما لم يخرج فهو مسئول عن نفس الجنس، فإذا حاول إفراغ الذمّة بالقيمة يتعيّن طبعا قيمة زمان الإخراج و مكانه، لأنّ تعيين غيرهما يحتاج إلى دليل.

فإن قلت: إنّ المصنّف ذهب في المسألة السادسة من مسائل الشرط الأوّل من شرائط زكاة الأنعام إلى التفصيل بين العين التالفة فالملاك قيمة بلد الإخراج، و الموجودة فالمدار هو قيمة البلد الذي فيه الجنس و المال و لكنّه اختار في المقام مكان الإخراج مطلقا، فما هو الفرق بين المسألتين؟

قلت: الفرق واضح، لأنّ زكاة المال متعلّقة بالعين لا بالذمّة، فيحتمل فيها التفصيل المذكور في كلام المصنّف في محله و إن لم نرتضيه كما مرّ، بخلاف المقام فإنّ الزكاة تتعلّق بالذمّة، فلا معنى لملاحظة مكان المال و الجنس الذي يملكه، بل عامّة الأمكنة، سواء

أ كان له فيها مال و جنس أو لا، بالنسبة إلى المزكّي سواء.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 682

[المسألة 6: لا يشترط اتّحاد الجنس الّذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله]

المسألة 6: لا يشترط اتّحاد الجنس الّذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله، و لا اتّحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة و عن عياله الشعير، أو بالاختلاف بينهم، أو يدفع عن نفسه أو عن بعضهم من أحد الأجناس و عن آخر منهم القيمة، أو العكس.* (1)

______________________________

(1)* هنا فرعان:

1. إذا أخرج الفطرة عن نفسه و غيره لا تشترط وحدة المخرج عنهما، فيمكن أن يخرج عن نفسه من الحنطة و عن عياله من الشعير، أو بانعكس.

2. إذا أخرج الفطرة عن عياله لا يشترط وحدة المخرج عنهم، فيجوز أن يخرج عن بعضهم من الحنطة و عن الآخر من الشعير.

و الدليل على الفرعين واضح، لأنّ وجوب كلّ فرد- من غير فرق بين نفسه و عياله و بين العيال بين فرد و آخر- وجوب استقلالي، فهو في كلّ مورد مخير بين الأجناس كما أنّه مخيّر بينها و بين القيمة، و المسألة من الوضوح بمكان، و لذلك طرحها العلّامة في «المختلف» و أرسلها إرسالا مسلّما. «1»

تمّ الكلام في الجنس المخرج، بقي الكلام في المقدار المخرج، و هذا هو الذي نتناوله بالبحث.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 294.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 683

[المسألة 7: الواجب في القدر الصاع عن كلّ رأس من جميع الأجناس]

اشارة

المسألة 7: الواجب في القدر الصاع عن كلّ رأس من جميع الأجناس حتّى اللبن على الأصحّ، و إن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال.* (1)

______________________________

(1)

في المقدار الواجب
اشارة

* المشهور انّ القدر الواجب هو الصاع في غير اللبن، و قد ادّعى الإجماع عليه غير واحد من الأصحاب.

1. قال المحدّث الكاشاني: قدرها صاع بالإجماع و الصحاح المستفيضة، و ما دلّ منها على نصف صاع من الحنطة فمحمول على التقية. «1»

2. قال المحدّث البحراني: الظاهر انّه لا خلاف بين أصحابنا- رضوان اللّه عليهم- في أنّ القدر الواجب عن زكاة الفطرة، صاع. «2»

3. و قال صاحب الرياض: و أمّا قدرها فهي من جميع الأجناس صاع، و هو تسعة أرطال بالعراقي بإجماعنا الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة. «3»

4. و قال النراقي: القدر الواجب في الأجناس المذكورة في زكاة الفطرة صاع بالإجماع المحقّق و المحكي في كلام الجماعة. «4»

5. و قال في «الجواهر» بعد كلام المحقّق «الفطرة من جميع الأقوات صاع»:

بلا خلاف أجده. «5»

و الظاهر انّ اتّفاقهم على الصاع نتيجة تضافر الروايات عليه، فربّما يناهز

______________________________

(1). مفاتيح الشرائع: 1/ 218.

(2). الحدائق: 12/ 292.

(3). الرياض: 5/ 216.

(4). مستند الشيعة: 9/ 416.

(5). جواهر الكلام: 15/ 522.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 684

..........

______________________________

عددها إلى سبع عشرة، ست منها صحاح، و الباقي دون الصحاح و لكن يعضد بعضها بعضا.

و أمّا السنّة ففي «بداية المجتهد»: اتّفق العلماء على أنّه لا يؤدّي في زكاة الفطرة من التمر و الشعير أقلّ من صاع، لثبوت ذلك في حديث ابن عمر، و اختلفوا في قدر ما يؤدّي من القمح، فقال مالك و الشافعي: لا يجزئ منه أقلّ من صاع، و قال أبو حنيفة و أصحابه: يجزئ

من البرّ نصف صاع.

و السبب في اختلافهم تعارض الآثار، و ذلك انّه جاء في حديث أبي سعيد الخدري انّه قال: «كنّا نخرج زكاة الفطر في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من أقط، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب؛ [و ذلك بصاع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم]. و ظاهره انّه أراد بالطعام القمح.

و روى الزهري أيضا عن ابن أبي صعير، عن أبيه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: «اخرجوا في صدقة الفطر صاعا من بر بين اثنين، أو صاعا من شعير، أو تمر عن كلّ واحد» «1»

إذا عرفت ذلك فلنقتصر على الصحاح الست المبثوثة في الباب الخامس و السادس من أبواب زكاة الفطرة من «الوسائل»:

1. صحيحة صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة؟

فقال: «على الصغير و الكبير و الحر و العبد، عن كلّ إنسان منهم صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب». «2»

2. صحيحة عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام قال: «زكاة

______________________________

(1). بداية المجتهد: 3/ 137. و لاحظ المغني: 2/ 648.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 685

..........

______________________________

الفطرة صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من أقط». «1»

3. صحيحة سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:

سألته عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟

قال: «صاع بصاع النبي صلى اللّه

عليه و آله و سلم». «2»

4. صحيحة محمد بن عيسى و فيها: عليك أن تخرج عن نفسك صاعا بصاع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و عن عيالك. 3

5. صحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في الفطرة: «جرت السنّة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلمّا كان زمن عثمان و كثرت الحنطة، قوّمه الناس، فقال: نصف صاع من برّ بصاع من شعير». 4

6. صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقة الفطرة؟

فقال: «على كلّ من يعول الرجل، على الحرّ و العبد، و الصغير و الكبير، صاع من تمر، أو نصف صاع من بر، و الصاع أربعة أمداد». 5

هذه هي الصحاح الست، و أمّا غيرها فلنقتصر على الإشارة إلى مواضعها في الهامش. «6»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.

(2) (2، 3، 4، 5). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1، 6، 8، 12.

(6). لاحظ الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3، 4، 5، 7، 9، 10، و ذيل الحديث 12؛ و السند فيها ينتهي إلى عبد اللّه بن المغيرة و جعفر بن معروف و ياسر القميّ و إبراهيم بن يحيى و سلمة و الحذّاء و ابن سنان؛ و لاحظ أيضا الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 7 للمروزي، و الباب 8 من هذه الأبواب، الحديث 2 للهمداني؛ و الباب العاشر من هذه الأبواب، الحديث 3 لمنصور بن حازم، و الحديث 6 من نفس الباب لزيد الشحّام.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 686

..........

______________________________

و أمّا ما يتضمن الاجتزاء بنصف

صاع فهو على قسمين:

1. ما يتضمن الاجتزاء بنصف صاع في جنس واحد و هي الحنطة أو البر.

2. ما يضم إلى الحنطة، الشعير أو سائر الأجناس.

فمن الأوّل صحيحة الحلبي و فيه: صاع من تمر أو نصف صاع من برّ «1»، و صحيحة منصور بن حازم و فيه: صاع من تمر أو نصف صاع من حنطة. 2

فهذا القسم محمول على التقية، لما ورد في غير واحد من الروايات من أنّ الاجتزاء بالنصف أحدوثة حدثت في عهد عثمان ثمّ اندرست ثمّ أعادها معاوية. «3»

و لهذا نرى أنّ الإمام يصر على صاع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يقول صاعا بصاع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم «4»، فكأنّ الإمام التجأ إلى حديث النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم ليجعله واجهة لرد حجّة الخصم.

و أمّا ما يضم إلى الحنطة، الشعير أو سائر الأجناس فقد أعرض عنها الأصحاب مع كثرتها. سواء أصحّ حملها على التقية أم لا، لعدم القائل بالنصف من المخالف في غير الحنطة. «5»

إلى هنا خرجنا بالنتيجة التالية و هي: انّ الواجب هو الصاع من عامّة الأجناس دون فرق بين الحنطة و غيرها من سائر الأجناس.

القدر الواجب في اللبن

اختلفت كلمة الأصحاب في مقدار الواجب عند الإخراج من اللبن،

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 12 و 15.

(3). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5، 7، 8، 9، 10.

(4). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1، 6.

(5). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11، 13، 14، 17، 19، 22، 23.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 687

..........

______________________________

المشهور انّه

أيضا صاع، قال العلّامة في «المختلف»: قال المفيد: الواجب صاع عن كلّ رأس من جميع الأجناس و لم يفصل، و كذا قال ابن الجنيد و السيد المرتضى في الجمل و الانتصار و المسائل المصرية، و سلّار، و ابن البراج، و أبو الصلاح، و ابن زهرة، و هو قول الشيخ في الخلاف. «1»

قال الشيخ في «الخلاف»: زكاة الفطرة صاع من أي جنس يجوز إخراجه. «2»

و أمّا القائل بالتفصيل بين اللبن و سائر الأجناس فعدّة من مشايخ الشيعة، نذكر منهم ما يلي:

1. قال الشيخ في «النهاية»: الواجب صاع من الأجناس، و أمّا اللبن فمن يريد إخراجه أجزأه أربعة أرطال بالمدني أو ستة بالعراقي. «3»

2. و قال في «المبسوط»: الفطرة صاع و اللبن يجزئ منه أربعة أرطال بالمدني. «4»

3. و قال ابن حمزة: الواجب صاع قدره تسعة أرطال بالعراقي، إلّا اللبن فانّه تجب فيه ستة أرطال. «5»

4. و قال ابن إدريس: الواجب صاع عن كلّ رأس قدره تسعة أرطال بالبغدادي و ستة بالمدني، إلّا اللبن فيجزئ منه ستة أرطال بالبغدادي و أربعة بالمدني. «6»

5. و قال المحقّق: الفطرة من جميع الأقوات المذكورة صاع. و الصاع أربعة

______________________________

(1). المختلف: 3/ 287.

(2). الخلاف: 2/ 148، كتاب الزكاة، المسألة 187.

(3). النهاية: 191.

(4). المبسوط: 1/ 241.

(5). الوسيلة: 131.

(6). السرائر: 1/ 499.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 688

..........

______________________________

أمداد، فهي تسعة أرطال بالعراقي، و من اللبن أربعة أرطال، و فسّره قوم بالمدني. «1»

6. و قال العلّامة: و يجزئ من اللبن أربعة أرطال بالمدني، هي ستة بالعراقي، لخلوصه من الغش و عدم احتياجه إلى مئونة. «2»

و على ضوء ذلك فالأقوال في اللبن اثنان أو ثلاثة:

أ. صاع كسائر الأجناس.

ب. أربعة أرطال بالمدني و ستة

بالعراقي.

ج. أربعة أرطال بالعراقي يوهمه كلام المحقّق حيث نسب كونه بالمدني إلى قوم.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في موردين:
اشارة

1. ما هو الدليل على الاستثناء في اللبن؟

2. بيان نسبة أربعة أرطال إلى الصاع.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ على الاستثناء بروايتين

، إحداهما مرفوعة و الأخرى معرض عنها.

أمّا المرفوعة فهي ما رفعه إبراهيم بن هاشم إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل في البادية لا يمكنه الفطرة؟ قال: «يتصدّق بأربعة أرطال من لبن».

و بنفس هذا اللفظ مرفوعة القاسم بن حسن. «3»

يلاحظ عليه: أنّ الرواية ضعيفة لا يحتج بها أوّلا، و الأرطال مطلقة ثانيا،

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 174.

(2). التذكرة: 5/ 389.

(3). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 689

..........

______________________________

و الاجتزاء بها يختصّ بمن لا يمكنه الفطرة فيجزئه أقلّ من صاع من اللبن، و أين هو من إجزائه في حقّ المتمكّن من الصاع؟

و أمّا المعرض عنها فهي مكاتبة محمد بن الريان قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة و زكاتها كم تؤدى؟ فكتب: أربعة أرطال بالمدني. «1»

و الرواية مع صحّة سندها غير مختصّة باللبن، بل تعم سائر الأجناس فتكون معرضة عنها، و قد حاول الشيخ تصحيح الرواية و قال: إنّ هذا الخبر يحتمل وجهين:

أحدهما: انّه أراد أربعة أمداد فبدّله الراوي بالأرطال، و ثانيهما: أراد أربعة أرطال من اللبن و الأقط. «2»

و التفسير الأوّل حدس لا دليل عليه، و الثاني حمل بلا شاهد، و لكن حملها على صورة عدم التمكّن من الصاع أولى لشهادة الخبر السابق عليه، فلا مانع من الإفتاء بالاستحباب في حقّ غير المتمكّن.

ثمّ كيف يجب في اللبن المكثف (كالأقط) أربعة أمداد التي يساوي تسعة أرطال و في غيره أربعة أرطال مع أنّ مقتضى الحكمة كون اللبن- لا أقلّ- مثل المكثف لا أقل منه.

المورد الثاني: نسبة أربعة أرطال إلى الصاع

قد عرفت أنّ الصاع عبارة عن تسعة أرطال بالرطل العراقي، و ستة أرطال بالرطل المدني، فالرطل المدني يعادل رطلا و نصفا

بالعراقي، فلو قلنا بحجّية

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

(2). التهذيب: 4/ 84.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 690

و الصاع أربعة أمداد، و هي تسعة أرطال بالعراقيّ، فهو ستّمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال بالمثقال الصيرفيّ، فيكون بحسب حقّة النجف- الّتي هي تسعمائة مثقال و ثلاثة و ثلاثون مثقالا و ثلث مثقال- نصف حقّة و نصف وقيّة و أحد و ثلاثون مثقالا إلّا مقدار حمصتين، و بحسب حقّة الاسلامبول- و هي مائتان و ثمانون مثقالا- حقّتان و ثلاثة أرباع الوقيّة و مثقال و ثلاثة أرباع المثقال، و بحسب المنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا- نصف منّ إلّا خمسة و عشرون مثقالا و ثلاثة أرباع المثقال.* (1)

______________________________

الروايتين، فإن كان المراد من أربعة أرطال هو الرطل المدني فهو يساوي 2 كيلوغرام، لأنّ كلّ رطل مدني يساوي نصف كيلو أو (500) غرام، و لو أخرجا بالرطل العراقي فبما انّ ثلاثة أرطال يساوي كيلوغرام، فأربعة أرطال يساوي 3/ 1 1 كيلوغرام.

(1)* قد فرغنا من هذا الموضوع في الجزء الأوّل. «1»

______________________________

(1). لاحظ صفحة 283- 290 و 343- 345.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 691

[الفصل الرابع في وقت وجوبها]

اشارة

الفصل الرابع في وقت وجوبها و هو دخول ليلة العيد جامعا للشرائط.* (1)

______________________________

(1)*

هنا جهات من البحث:

اشارة

الأولى: مبدأ وجوبها، بمعنى انّ من لم يدركه جامعا للشرائط السابقة لا تجب عليه.

الثانية: سعة وجوبها و منتهى وقتها، بمعنى انّه لا يجوز له التأخير عنه في مقام الامتثال.

الثالثة: جواز تقديمها على وقتها (دخول ليلة العيد مثلا) كإخراجها في شهر رمضان. «1» و المراد من الإخراج هو دفعها إلى الفقير و صرفها إلى المستحقّ و ليس المراد منه العزل. و إليك البحث في هذه الجهات واحدة بعد الأخرى.

الجهة الأولى: في مبدأ وقت وجوبها
اشارة

اختلفت كلمة الأصحاب في تحديد مبدأ وجوبها إلى أقوال ثلاثة:

1. تجب بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان جامعا للشرائط.

______________________________

(1). و تأتي الجهة الثالثة ضمن المسألة 1، فلاحظ.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 692

..........

______________________________

2. تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر جامعا للشرائط.

3. تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر بشرط أن يكون جامعا للشرائط عند غروب ليلة العيد. و الأخير قول جديد و هو خيرة النراقي حيث حاول الجمع بين القولين و دليليهما، فجعل المبدأ هو طلوع الفجر بشرط أن يكون حائزا للشرائط في غروب ليلة العيد. «1»

و على كلّ تقدير فتظهر الثمرة في موارد:

أ. لو مات بعد غروب ليلة العيد جامعا للشرائط، يجب الإخراج من تركته على القول الأوّل دون الثاني، بناء على أنّ الفطرة كزكاة المال حقّ مالي متعلّق بالذّمة.

ب. إذا كان غروب ليلة العيد غنيا فليس له تقويت أمواله قبل طلوع الفجر، لتنجز الوجوب؛ بخلاف الثاني، فلا يجب عليه حفظ القدرة قبل الوجوب، أي قبل طلوع الفجر.

ج. لو بلغ الصبي أو تحرر العبد أو زال الجنون أو عال شخصا أو صار غنيا بعد الغروب أثناء الليل، فتجب الفطرة على القول الثاني دون الأوّل.

و أمّا الأقوال فالظاهر من الشيخ الطوسي هو القول الأوّل، قال:

وقت وجوب هذه الزكاة إذا طلع هلال شوال و آخره عند صلاة العيد. «2»

و أمّا نسبة هذا القول إلى «النهاية» و «الخلاف» و «المبسوط» فغير صحيح، لأنّه فيها بصدد بيان وقت الإخراج لا بصدد بيان مبدأ الوجوب.

قال في «النهاية»: الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل

______________________________

(1). مستند الشيعة: 9/ 422.

(2). الجمل و العقود: 292؛ الاقتصاد: 284.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 693

..........

______________________________

صلاة العيد، و لو أنّ إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشهر إلى آخره، لم يكن به بأس، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه. «1»

و قال في «الخلاف»: وقت إخراج الفطرة يوم العيد قبل صلاة العيد، فإن أخرجها بعد صلاة العيد كانت صدقة. «2»

و قال في «المبسوط»: و الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة قبل صلاة العيد، فإن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين أو من أوّل الشهر إلى آخره كان جائزا. «3»

و قال ابن حمزة: إذا طلع هلال شوال إلى أن يتضيّق وقت صلاة العيد. «4»

و قال المحقّق: تجب الفطرة بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان. و قال ابن الجنيد و جماعة من الأصحاب: تجب بطلوع الفجر يوم العيد. «5»

و قال في «الشرائع»: و تجب بهلال شوال. «6»

و قال العلّامة في «التذكرة»: تجب الفطرة بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. «7»

هذا و قد ذهب إلى القول الآخر جماعة من أصحابنا نسبه في «المختلف» إلى ابن الجنيد و المفيد في «المقنعة» و السيد المرتضى و أبي الصلاح و ابن البراج و سلار و ابن زهرة. «8»

هذا كلّه عند الأصحاب.

و أمّا فقهاء السنّة:

______________________________

(1). النهاية: 191.

(2). الخلاف: 2/ 155، كتاب الزكاة، المسألة 198.

(3). المبسوط:

1/ 242.

(4). الوسيلة: 131.

(5). المعتبر: 2/ 611.

(6). الشرائع: 1/ 175.

(7). التذكرة: 5/ 391، المسألة 296.

(8). المختلف: 3/ 297- 298.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 694

..........

______________________________

فيقول ابن رشد: و أمّا متى يجب إخراج زكاة الفطرة؟ فانّهم اتّفقوا على أنّها تجب في آخر رمضان، لحديث ابن عمر: «فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم زكاة الفطر من رمضان».

و اختلفوا في وقت تحديد زكاة الفطر، فقال مالك في رواية ابن القاسم عنه:

تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر.

و روى عنه أشهب انّها تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان.

و بالأوّل قال أبو حنيفة، و بالثاني قال الشافعي. «1»

و نقل العلّامة في «التذكرة» أقوالهم بالنحو التالي: تجب الفطرة بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان- و به قال الشافعي في الجديد، و أحمد و إسحاق و الثوري و مالك في إحدى الروايتين- لقوله عليه السّلام: «فرض زكاة الفطر طهرة للصائم» و لا يصدق عليه يوم العيد اسم الصوم. «2»

و على كلّ تقدير فقد استدلّ للقول الأوّل بروايتين:

1. ما رواه الصدوق عن علي بن أبي حمزة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المولود يولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليله الفطر؟ قال:

«ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر». «3»

و قد أورد عليها بأنّ السند ضعيف بعلي بن أبي حمزة؛ و أمّا الدلالة فأقلّ ما يستفاد منها انّ الإدراك شرط للوجوب، و أمّا انّه المبدأ فلا يمكن أن يكون مبدأ الوجوب هو الطلوع بشرط إدراك الغروب كما عرفت من صاحب مستند الشيعة.

يلاحظ عليه: أنّ التفكيك و إن كان صحيحا عقلا، لكنّه خلاف المتبادر

______________________________

(1). بداية

المجتهد: 3/ 140.

(2). التذكرة: 5/ 391.

(3). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 695

..........

______________________________

عرفا في نظائر المقام، فإذا قيل: «لا صلاة لمن لم يبلغ» يفهم منه عرفا انّ مبدأ الوجوب هو البلوغ.

2. صحيحة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر».

و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا». «1»

و أورد عليها بمثل ما أورد على الأولى من أنّها بصدد بيان نفي الوجوب لمن لم يدرك الشهر و انّه يجب لمن أدركه، و أمّا انّ إدراك الشهر مبدأ الوجوب فلا تدلّ عليه.

يلاحظ عليه: بما تقدّم حول الإشكال على الرواية الأولى من أنّ التفكيك بين الأمرين صحيح عقلا لا عرفا، لأنّ المتبادر عند العرف من أمثال هذه التعابير هو انّ إدراك الشهر مبدأ الوجوب و حمل الروايتين على أنّهما بصدد بيان شرط الوجوب لا مبدأه مبني على أنّ السؤال عن الشرط لا المبدأ و لا عن كليهما، و هو خلاف الظاهر، فإنّ المتبادر من الرواية انّ السائل بصدد التعرف على الموضوع كلّه لا على خصوص شرطه فقط.

و إذا أضيف إلى الحديثين ذهاب جلّ الفقهاء إلى أنّ مبدأه غروب ليلة العيد، يكون القول الأوّل أوثق و أكثر اطمئنانا من الثاني. و اختاره الشيخ في كتبه كما مرّ، و تبعه ابن حمزة في «الوسيلة» «2». و الحلي في «السرائر» «3»، و المحقّق في «المعتبر» «4»، و العلّامة في «المنتهى» «5»، و معظم المتأخّرين. «6»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(2). الوسيلة: 131.

(3). السرائر: 1/ 469.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة

في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 695

(4). المعتبر: 2/ 611.

(5). المنتهى: 1/ 539.

(6). الجواهر: 15/ 527.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 696

..........

______________________________

ثمّ لو قلنا بتمامية دلالة الحديثين فلا تصل النوبة إلى استصحاب عدم تعلّق الوجوب إلى طلوع الفجر، و العجب انّ السيد الخوئي أطنب الكلام في تثبيت الاستصحاب في المقام مع أنّه من الاستصحابات الحكمية التي لا يقول هو بحجيتها. «1»

الاستدلال للقول الثاني

استدلّ للقول الثاني بصحيح العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة، متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم الفطر»، قلت: فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة؟ قال: «لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه». «2»

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ السؤال إنّما هو عن وقت أداء الفطرة، فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه قبل الصلاة يوم الفطر، و عندئذ فكيف يستنبط منه انّ مبدأ الوجوب هو قبل الصلاة أو طلوع الفجر من يوم العيد؟ و يشهد على ذلك قوله:

«نحن نعطي عيالنا منه»، إذ ليس المراد هو الإعطاء لغاية الصرف، لأنّه لا يجوز صرف الفطرة في العيال فضلا عن صرف الإمام فطرته فيهم، بل الإعطاء من باب الأمانة لتبقى عندهم حتّى تقسم في الوقت المناسب.

فظهر ممّا ذكرنا انّ الرواية بصدد بيان وقت الإخراج و الأداء و الدفع إلى الفقراء لا بصدد بيان وقت الوجوب و مبدئه.

و ثانيا: لا دلالة لها على التوقيت بطلوع الفجر و إن حاول المحقّق النراقي «3» أن يطبق الرواية على هذا القول ببيان غير تام، إذ كيف يمكن أن يستدلّ بقوله:

«قبل الصلاة يوم الفطر» على أوّل الفجر.

______________________________

(1).

مستند العروة: 24/ 464.

(2). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

(3). مستند الشيعة: 9/ 421.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 697

..........

______________________________

و نظير الصحيحة في عدم الدلالة خبر إبراهيم بن ميمون قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كانت بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة». «1» و ذلك لأنّ الحديث بصدد بيان وقت الإخراج و الدفع إلى الفقير و انّه يحاسب فطرة إذا أخرج قبل الصلاة و صدقة إذا أخرج بعدها، و أين هي من الدلالة على أنّ مبدأ الوجوب هو طلوع الفجر؟!

و بالجملة لم نجد دليلا صالحا على هذا القول، أي كون المبدأ طلوع الفجر.

و أمّا دليل القول الثالث الذي هو خيرة النراقي في «مستند الشيعة» فقد اتّضح بما ذكرنا حيث زعم تمامية دلالة صحيحة العيص على أنّ المبدأ طلوع الفجر، و عندئذ حمل رواية معاوية بن عمّار الدالّة على أنّ المبدأ هو غروب ليلة العيد، على أنّ الإدراك جامعا للشرائط شرط من الشرائط على نحو الشرط المتقدّم. فالوجوب متأخّر و الشرط متقدّم، و قد عرفت ضعف كلا الادّعاءين.

إلى هنا تمّ بيان مبدأ الوجوب، و قد عرفت أنّ الأقوى هو غروب ليلة الفطر، بقي الكلام في بيان منتهى الوجوب و أمده على نحو لو أخرج الفطرة بعده يكون قضاء أو غير واجب على الاختلاف الآتي، و إليك تبيينه.

الجهة الثانية: في منتهى وجوبها
اشارة

لمّا كان إخراج الفطرة واجبا موسّعا لكن مؤقّتا،

فهنا أقوال ثلاثة:
اشارة

أ. يمتد الوجوب إلى إقامة صلاة العيد.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 698

..........

______________________________

ب. يمتد إلى الزوال.

ج. يمتد إلى غروب يوم العيد.

و إليك دراسة الأقوال واحدا تلو الآخر:

1. امتداده إلى إقامة الصلاة

و المعروف بين القدماء هو القول الأوّل عدا ابن الجنيد و السيد المرتضى منهم، و من المتأخّرين العلّامة في «المختلف». «1» و إليك بعض كلماتهم:

1. قال الصدوق: و هي زكاة إلى أن تصلّي العيد، فإن أخرجتها بعد صلاة العيد، فهي صدقة. «2»

2. قال المفيد: وقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر منه قبل صلاة العيد. «3»

3. قال السيد المرتضى: وقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر من يوم الفطر قبل صلاة العيد، و قد روي أنّه في سعة من أن يخرجها إلى زوال الشمس من يوم الفطر. «4» و الظاهر أنّ مختاره هو ما جاء في صدر كلامه.

4. و قال الشيخ: الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة، يوم الفطر قبل صلاة العيد. «5»

5. و قال أبو الصلاح: فإن أخّرها إلى بعد الصلاة كان قاضيا. «6»

6. و قال سلّار: و أمّا وقت هذه الزكاة فهو عيد الفطر من بعد الفجر إلى صلاة العيد. «7»

______________________________

(1). المختلف: 3/ 299.

(2). المقنع: 67.

(3). المقنعة: 249.

(4). جمل العلم و العمل: 80.

(5). النهاية: 191.

(6). الكافي في الفقه: 169.

(7). المراسم: 136.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 699

..........

______________________________

7. و قال ابن البراج: و يتضيّق الوجوب كلّما قرب وقت صلاة العيد. «1»

و استدلّ لهذا القول بوجوه:

1. خبر إبراهيم بن منصور، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كانت بعد ما يخرج إلى العيد فهي

صدقة». «2»

و الخروج إلى العيد كناية عن إقامة صلاته، و على هذا فالإخراج قبل الصلاة يحسب فطرة و بعدها صدقة مندوبة، و هو يلازم امتداد وقت الفطرة إلى إقامة الصلاة.

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال:

«و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة». «3»

و لا يخفى عدم الانسجام بين الصدر و الذيل، فإنّ مقتضى صيغة «أفعل» بقاء الوقت إلى ما بعد الصلاة، غير أنّ الإخراج قبلها أكثر فضيلة، كما أنّ مقتضى عدّها بعد الصلاة صدقة مندوبة، انتهاء وقتها بإقامة الصلاة و إلّا لم تنقلب الفطرة إلى الصدقة، بل تبقى على ما كانت عليها.

و بما انّ ظهور الذيل كونها صدقة أقوى من ظهور «أفعل» في بقاء الوقت، يقدّم الثاني على الأوّل و تكون صيغة: «أفعل» مجردة عن التفضيل، مثل قوله سبحانه: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّٰا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ «4» و قوله: قُلْ أَ ذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ «5»، و من المعلوم أنّه لا خير في مقابل الجنة الذي هو

______________________________

(1). المهذب: 1/ 176.

(2). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(3). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(4). يوسف: 33.

(5). الفرقان: 15.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 700

..........

______________________________

الجحيم.

3. صحيح الفضلاء، عنهما عليهما السّلام انّهما قالا: «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ و عبد، و صغير و كبير، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره». «1»

إنّ الضمير في قوله: «فهو أفضل» يرجع إلى الإعطاء قبل الصلاة فهو

أفضل من الإعطاء قبل ذلك اليوم بقرينة قوله: «و هو في سعة من أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان» فيكون مضمون الرواية التأكيد على كون الإخراج قبل الصلاة أو قبل عدّة أيام.

4. ما رواه السيد ابن طاوس قال: روينا باسنادنا إلى الصادق عليه السّلام قال:

«ينبغي أن يؤدّي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة، فإن أدّاها بعد ما يرجع فإنّما هو صدقة و ليست فطرة». «2» الجبّانة بالتشديد هي الصحراء و تطلق على المقبرة أيضا، و لكن المراد هنا هو الأوّل، لأنّ صلاة العيد يؤتى بها في الصحراء.

5. ما رواه العياشي عن سالم بن مكرم الجمال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«أعط الفطرة قبل الصلاة- إلى أن قال:- و إن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا يعد له فطرة». «3»

6. مفهوم موثّقة إسحاق بن عمّار و غيره قال: سألته عن الفطرة؟ فقال: «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها، قبل الصلاة أو بعد الصلاة». «4»

فإنّ مفهوم وجود السعة عند العزل هو عدمها عند عدم العزل.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

(2). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.

(3). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 8.

(4). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 701

..........

______________________________

و ما ذكرنا من الروايات يشرف الفقيه على القول بانتهاء الوقت بصلاة العيد، فإنّ بعضها و إن كان ضعيفا سندا و لكن يشدّ بعضها بعضا.

إلى هنا تمّ الاستدلال على القول الأوّل، و إليك الكلام في القول الثاني.

2. امتداد الوقت إلى الزوال

قد ذهب لفيف من الفقهاء إلى امتداد وقته إلى الزوال، نذكر منهم

ما يلي:

1. قال ابن الجنيد: أوّل وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر و آخره زوال الشمس منه، و الأفضل في تأديتها من بين طلوع الفجر إلى أن يخرج الإنسان إلى صلاة العيد، و هو في سعة أن يخرجها إلى زوال الشمس. «1»

2. و قال المرتضى في ذيل كلامه السابق: و روي أنّه في سعة من أن يخرجها إلى زوال الشمس من يوم الفطر. «2» و قد مرّ انّ المختار عنده غير هذا.

3. و قال العلّامة في «المختلف»: إنّ هذا القول هو الأقرب، و استدلّ عليه بقوله: إنّها تجب قبل صلاة العيد، و وقت صلاة العيد ممتد إلى الزوال فيمتد الإخراج إلى ذلك الوقت. «3»

4. و قال الشهيد: و لا يجوز تأخيرها عن الزوال إلّا لعذر فيأثم بدونه. «4»

استدلّ على هذا القول بوجوه:

أ. ما نقلناه عن العلّامة الحليّ في «المختلف»، و لا يخفى ضعفه، فإنّ لازم كلامه خروج وقتها بالصلاة مهما صلّى، لا امتداد وقتها إلى الزوال و إن صلّى، و الكلام في المقام فيمن صلى صلاة العيد، و أمّا من لم يصلّ فسيأتي الكلام فيه.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 298.

(2). جمل العلم و العمل: 80.

(3). المختلف: 3/ 299.

(4). البيان: 210.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 702

..........

______________________________

ب. صحيح العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم الفطر». «1»

وجه الاستدلال: هو حمل لفظ الصلاة على وقت الصلاة، فكأنّه قال: إذا كان قبل وقت الصلاة. «2»

يلاحظ عليه: أنّه تأويل بلا شاهد، مضافا إلى أنّه لا يجري في الروايات الدالّة على أنّ الميزان هو كون الإخراج قبل الصلاة و بعده.

ج. ما رواه السيد في «الإقبال» نقلا من كتاب

عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أدّ الفطرة عن كلّ حرّ و مملوك، فإن لم تفعل خفت عليك الفوت»، قلت: و ما الفوت؟ قال: «الموت». قلت: أقبل الصلاة أو بعدها؟

قال: «إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة، و لا تجزيك».

قلت: فأصلّي الفجر و أعزلها فيمكث يوما أو بعض يوم آخر ثمّ أتصدّق بها؟

قال: «لا بأس، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة»، قال: و قال: هي واجبة على كلّ مسلم محتاج أو موسر يقدر على فطرة. «3»

يلاحظ عليه: أنّ الحديث لا يمكن الاحتجاج به، لوجود الاختلاف بين صدره و ذيله، حيث إنّ الصدر يدلّ على أنّ الميزان هو الإخراج قبل الظهر و بعده، و لكن الذيل يدلّ على أنّ الميزان هو الإخراج قبل الصلاة و بعدها، و لأجل وجود التهافت احتمل صاحب الحدائق أنّ لفظ «الظهر» في الصدر وقع سهوا من

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

(2). المختلف: 3/ 299.

(3). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 16.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 703

..........

______________________________

الراوي أو غلطا من الناسخ، و الصحيح هو الصلاة. «1»

فاتّضح بذلك عدم قيام دليل صالح على القول الثاني، فلندرس القول الثالث.

3. امتداده إلى آخر اليوم

و من الفقهاء من ذهب إلى امتداده إلى آخر يوم العيد، منهم العلّامة في «المنتهى» حيث قال: و الأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة و تحريم التأخير عن يوم العيد، و قد استدلّ له بوجهين:

1. ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة متى هي؟ قال: «قبل الصلاة يوم الفطر» قلت: فإن

بقي منه شي ء بعد الصلاة؟ فقال: «لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه». «2»

حيث إنّ ذيل الحديث يدلّ على جواز تأخيرها عن الصلاة، بناء على أنّ المراد من الإعطاء للعيال هو دفعها إليهم للصرف في حاجاتهم.

يلاحظ عليه: أنّ هذا الاحتمال باطل قطعا، فإنّ عيال الإمام يعطى عنهم الفطرة و لا يعطى لهم الفطرة، فكيف تحمل الفقرة على ذلك الاحتمال؟! و على ذلك لا محيص من تفسير الرواية بأحد وجهين:

أ. ما ذكره صاحب الوسائل حيث قال: المراد بإعطاء العيال هو عزل الفطرة عنهم قبل الصلاة.

ب. إعطاء الفطرة المعزولة لهم ليبقى عندهم أمانة لغاية الإيصال إلى

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 304.

(2). المنتهى: 1/ 541.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 704

و يستمرّ إلى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد، و الأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلّاها فيقدّمها عليها، و إن صلّى في أوّل وقتها.* (1)

______________________________

المستحق.

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث-: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة». «1»

يلاحظ عليه: أنّ صيغة: «أفعل» خالية عن فعل التفضيل بقرينة قوله:

«بعد الصلاة صدقة».

(1)*

حكم من لم يصلّ صلاة العيد

قد عرفت امتداد وقت الوجوب إلى وقت الصلاة لمن صلّاها، بقي الكلام فيمن لم يصل، فربّما يتصوّر بقاء وقتها إلى الزوال لما رواه السيد في «الإقبال» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة». «2»

يلاحظ عليه: بضعف السند أوّلا، إذ لم يعلم سند السيد ابن طاوس إلى كتاب عبد اللّه بن حماد الأنصاري؛ و التناقض في مضمونه ثانيا، كما مرّ عند الاحتجاج به على القول الثاني.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب

زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2). الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 16.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 705

و إن خرج وقتها و لم يخرجها فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحقّ بعنوان الزكاة، و إن لم يعزلها فالأحوط الأقوى عدم سقوطها، بل يؤدّيها بقصد القربة من غير تعرّض للأداء و القضاء.* (1)

______________________________

(1)*

حكم من خرج الوقت و لم يخرجها
اشارة

إذا خرج الوقت و لم يخرجها، سواء أ كان الوقت هو الصلاة أو الزوال أو الغروب، فهنا صورتان:

الأولى: إذا عزل الفطرة قبل الصلاة فلا خلاف بين الأصحاب في أنّه متى عزل الفطرة و عيّنها في مال مخصوص قبل الصلاة فإنّه يجوز إخراجها متى شاء و إن خرج الوقت، فتكون أمانة في يد المخرج كسائر الأمانات، حيث إنّ المكلّف يكون كالولي عن المستحق فيقوم قبضه و استيلاؤه مقام قبض المستحق و استيلائه، و لذا ينوي التقرب بالعزل المزبور. «1»

و قد تضافرت الفتاوى كالروايات على مشروعيته و أرسلوه إرسال المسلّم.

و ستوافيك الفتاوى و النصوص في الجهة الثالثة.

الثانية: إذا خرج الوقت و لم يعزلها فهل تسقط تماما أو لا؟ و على الثاني تعطى أداء، أو تعطى قضاء، أو تعطى من غير تعرض للأداء و القضاء؟ أقوال:

و إليك دراسة الأقوال:
الأوّل: سقوط الفطرة

ذهب ابنا بابويه، و المفيد، و أبو الصلاح، و ابن البراج، و ابن زهرة، و المحقّق

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 534.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 706

..........

______________________________

في «الشرائع» إلى سقوط الفطرة أساسا، و لا تؤدّى لا قضاء- كما نسب إلى المشهور- و لا أداء- كما هو خيرة ابن إدريس- و دونك نصوص القائلين بالسقوط:

1. قال الصدوق: و إن أخرجها بعد الصلاة صدقة. «1»

2. و قال المفيد: و من أخّرها إلى بعد الصلاة فقد فاته الوقت و خرجت عن كونها زكاة الفرض إلى الصدقة و التطوّع. «2»

3. و قال ابن البراج: فإن أخرجها بعد هذه الصلاة لم تكن واجبة، و جرت مجرى الصدقة المتطوّع بها. «3»

4. و قال المحقّق: و إن لم يكن عزلها قيل: سقطت، و قيل: يأتي بها قضاء، و قيل: أداء، و الأوّل أشبه. «4»

استدلّ لهذا القول بما يلي:

1.

ما رواه أهل السنّة عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من أنّ اللّه عزّ و جلّ فرض زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو و الرفث، و طعمة للمساكين، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، و من أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. «5»

2. ما رواه إبراهيم بن منصور، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كانت بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة». «6»

3. انّ زكاة الفطرة عبادة مؤقّتة فات وقتها فيتوقّف وجوب قضائها على

______________________________

(1). المقنع: 212.

(2). المقنعة: 249.

(3). المهذب: 1/ 176.

(4). الشرائع: 1/ 175. و لاحظ المعتبر: 2/ 614، و مختصر النافع: 62.

(5). سنن ابن ماجه: 1/ 585، برقم 1827.

(6). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 707

..........

______________________________

دليل من خارج، و لم يثبت.

أقول: لا حاجة إلى الدليل الثالث، بل لا موضوع له، لأنّ موضوعه الشك في السقوط و عدمه، و مع قيام الدليل الاجتهادي- أعني: الروايتين- على السقوط، لا شك حتّى يرجع إلى تلك القاعدة.

كما أنّه لا وجه للإشكال على الرجوع إلى القاعدة بأنّ البقاء مقتضى الاستصحاب بناء على جريانه في الأحكام الشرعية الكلّية، لما عرفت من أنّه لا شكّ حتّى يرجع إلى القاعدة، أو يستشكل عليها بالاستصحاب.

فالاستدلال على البقاء بالقاعدة أو الإشكال عليه بالاستصحاب فاقد للموضوع.

إلى هنا تمّ القول الأوّل، و إليك دراسة القول الثاني.

الثاني: وجوب الإخراج قضاء

ذهب العلّامة في «المختلف» «1» و الشهيد في «الدروس» «2» إلى وجوب الإخراج قضاء. و قد استدلّ عليه بوجهين:

1. انّ المقتضي للوجوب تام و المانع لا يصلح للمانعية.

أمّا وجوب المقتضي

فالدليل عليه العموم الدالّ على وجوب إخراج الفطرة عن كلّ رأس بصاع؛ و أمّا عدم المانع فلأنّه ليس إلّا خروج وقت الأداء، لكنّه لا يصلح للمعارضة، إذ خروج الوقت لا يسقط الحقّ، كالدين و زكاة المال و الخمس و غيرها.

يلاحظ على الاستدلال: أنّه مبني على أن يكون في مورد الفطرة- وراء

______________________________

(1). المختلف: 3/ 304.

(2). الدروس: 1/ 250.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 708

..........

______________________________

التكليف بالإخراج- اشتغال الذمّة بمقدار الفطرة على وجه الدين، فعندئذ لا يزاحم خروج الوقت ثبوته في الذمّة.

و أمّا لو أنكرنا ذلك كما هو اللائح من الأدلّة و قلنا بأنّه ليس في المقام إلّا حكم تكليفي مؤقت دون أن تشتغل الذمة بشي ء، فخروج الوقت يوجب انتفاء الحكم التكليفي بانقضاء وقته.

اللّهمّ إلّا أن يتمسّك بالاستصحاب، و هو غير هذا الدليل.

2. ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أخرج فطرته فعزلها حتّى يجد لها أهلا، فقال: «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها إلى أربابها». «1»

وجه الاستدلال: أنّ المراد من الإخراج في قوله: «إذا أخرجها» هو العزل، و على ضوء ذلك يكون مع قوله: «و إلّا» هو إن لم يعزلها فهو لها ضامن حتّى يؤدّي إلى أربابها.

يلاحظ عليه: أنّ ما استدلّ به مبني على تفسير الرواية بالنحو الذي ذكره المستدلّ، لكنّه خلاف الظاهر، إذ الموضوع المسئول عنه في كلا الشقين هو الزكاة المعزولة و لا بحث في غيرها، كما هو ظاهر لمن تأمّل في الرواية، و على هذا يتغيّر معنى الرواية و يكون المراد من قوله: «إذا أخرجها» و مقابله، هو صرفها في الفقراء و أداؤها إلى أهلها و عدم صرفها

فيهم، فلا ضمان في الأوّل، لأنّ المفروض انّه صرفها في الفقراء؛ بخلاف الصورة الثانية فيضمنها حتّى يؤدّيها إلى أربابها، فالمراد من الضمان هو كونه مكلّفا و مسئولا عن الإيصال إلى أهلها لا كونها مضمونة بالمثل أو القيمة.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 709

المسألة 1: لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط، كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان، نعم إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضا ثمّ يحسب عند دخول وقتها.* (1)

الثالث: الإخراج أداء

______________________________

ذهب ابن إدريس إلى لزوم إخراجها أداء، قائلا: بأنّ الزكاة المالية و الرأسية تجب بدخول وقتها، و إذا دخل وجب الأداء و لا يزال الإنسان مؤديا لها، لأنّ بعد دخول وقتها هو وقت الأداء في جميعه. «1»

يلاحظ عليه: أنّ وجوب إخراج الفطرة وجوب مؤقّت محدّد من كلا الجانبين، فإذا خرج الوقت ينتفي كون إخراجها أداء، بل لو كان دليل على القضاء يصبح قضاء.

فخرجنا بالنتيجة التالية: انّه لا دليل على وجوب الإخراج بعد خروج الوقت، فالسقوط أوفق بالقواعد.

نعم الاحتياط بإخراجها بلا تعرض للأداء و القضاء حسن كما عليه المصنّف.

(1)*

الجهة الثالثة: في تقديمها على وقتها
[المسألة 1: لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط]

هل يجوز تقديم زكاة الفطرة على وقتها في شهر رمضان؟ فيه خلاف بعد الاتّفاق على أمرين:

أ. لا يجوز تقديمها على شهر رمضان و إخراجها بعنوان الفطرة.

______________________________

(1). السرائر: 1/ 470.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 710

..........

______________________________

ب. يجوز تقديمها بعنوان القرض ثمّ احتساب الدين فطرة عند وجوبها، بشرط بقاء المقترض واجدا لشرط أخذ الزكاة عند الاحتساب.

إنّما الكلام في تقديمها في شهر رمضان على وقت الوجوب، و إخراجها فطرة و دفعها إلى المستحقّ قبل غروب شمس يوم العيد.

نسب الجواز إلى المشهور، فنذكر منهم ما يلي:

1. قال الشيخ في «النهاية»: و لو انّ إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشهر إلى آخره لم يكن به بأس. «1»

2. و قال في «المبسوط»: فإن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين أو من أوّل الشهر إلى آخره كان جائزا، غير أنّ الأفضل ما قدمناه. «2»

3. و قال في «الخلاف»: وقت إخراج الفطرة يوم العيد قبل صلاة العيد، فإن أخرجها بعد صلاة العيد كانت صدقة، فإن أخرجها من أوّل الشهر كان جائزا. «3»

4. و قال ابن البراج: و

قد ورد جواز تقديم إخراجها في شهر رمضان، و الأفضل إخراجها في الوقت المضروب لوجوبها. «4»

5. و قال ابن حمزة: و يجوز تعجيلها من أوّل شهر رمضان. «5»

6. و قال ابن سعيد: و يجوز تعجيل الفطرة من أوّل الشهر. «6»

7. و قال المحقّق في «المعتبر»: و يجوز تقديمها من أوّل الشهر. و به قال الشافعي، لأنّ سبب الصدقة الصوم، و الفطر عنه، فجاز التقديم لوجود أحد

______________________________

(1). النهاية: 191.

(2). المبسوط: 1/ 242.

(3). الخلاف: 2/ 155، كتاب الزكاة، المسألة 198.

(4). المهذب: 1/ 176.

(5). الوسيلة: 131.

(6). الجامع للشرائع: 139.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 711

..........

______________________________

السببين، كتقديم زكاة المال بعد كمال النصاب و قبل الحول. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: «يجوز تقديم الفطرة من أوّل رمضان- لا عليه- عند أكثر علمائنا. و به قال الشافعي، لأنّ سبب الصدقة الصوم و الفطر عنه، فإذا وجد أحدهما جاز تعجيلها، كزكاة المال بعد ملك النصاب. «2»

و لأجل هذه الأقوال نسب الشهيد الجواز إلى المشهور في «الدروس». «3»

و العجب انّ صاحب المدارك نسب المنع إلى المشهور. «4»

نعم اختار المحقّق في «الشرائع» عدم الجواز. «5»

و قال ابن قدامة: يجوز تقديم الفطرة قبل العيد بيومين لا يجوز أكثر من ذلك، و قال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين، و قال بعض أصحابنا يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر.

و قال أبو حنيفة: و يجوز تعجيلها من أوّل الحول.

و قال الشافعي: و يجوز من أوّل شهر رمضان، لأنّ سبب الصدقة الصوم و الفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب. «6»

و بالرغم من ذهاب المشهور من علمائنا إلى الجواز فإنّ مقتضى القاعدة هو عدم الجواز، فإنّ

إيجاب الفطرة في أوّل شهر رمضان قبل حصول شرط الوجوب- أعني: رؤية الهلال- على خلاف القاعدة و خلاف ما ارتكز عليه العرف، و تصحيح الجواز عن طريق الشرط المتأخّر و إن كان أمرا ممكنا لكنّه يحتاج إلى دليل.

______________________________

(1). المعتبر: 2/ 613.

(2). التذكرة: 5/ 397.

(3). الدروس: 1/ 250.

(4). المدارك: 5/ 345.

(5). الشرائع: 1/ 175.

(6). المغني: 2/ 668.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 712

[المسألة 2: يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس أو غيرها بقيمتها]

اشارة

المسألة 2: يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس أو غيرها بقيمتها، و ينوي حين العزل، و إن كان الأحوط تجديدها حين الدفع أيضا، و يجوز عزل أقلّ من مقدارها أيضا، فيلحقه الحكم و تبقى البقيّة غير معزولة على حكمها.

و في جواز عزلها في الأزيد بحيث يكون المعزول مشتركا بينه و بين الزكاة وجه، لكن لا يخلو عن إشكال و كذا لو عزلها في مال مشترك بينه و بين غيره مشاعا و إن كان ماله بقدرها.* (1)

______________________________

و يمكن أن يستأنس للمنع بما ورد في تقديم زكاة المال على وقت وجوبها، فقد تضافر المنع عليه و شبّهه الإمام بالصلاة قبل الوقت. «1»

فلم يبق في المقام ما يمكن أن يستدلّ به على الجواز إلّا صحيحة الفضلاء لكن ذيلها مشتمل على جواز إخراج نصف صاع من الحنطة مكان صاع من الشعير.

عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّهما قالا: على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حر و عبد، و صغير و كبير، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان. «2»

نعم حملها المانعون على القرض، و لكنّه ليس بتام، لأنّ الإقراض غير محدّد بشهر رمضان، بل يجوز

قبله، و الأولى أن يقال: إنّ اشتمال الصحيح على الحكم الشاذ، و إن حكم زكاة الفطرة كحكم زكاة المال يصدّان الفقيه عن الإفتاء على وفقها.

(1)*

هنا فروع:
اشارة

______________________________

(1). لاحظ هذا الجزء، المسألة 4 من الفصل التاسع من فصول الكتاب.

(2). الوسائل: 6، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4، و نقل الذيل في الباب 6، الحديث 14.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 713

..........

______________________________

1. جواز عزل زكاة الفطرة في مال مخصوص من الجنس و النقد.

2. النية حين العزل و الدفع.

3. عزل أقلّ من صاع.

4. عزلها في مال أزيد من الفطرة بحيث يكون المعزول مشتركا بينه و بين الزكاة.

5. عزلها في مال مشترك بينه و بين غيره.

و إليك دراسة الجميع واحدا تلو الآخر:

1. عزلها في مال مخصوص

لقد تضافرت الروايات كالفتاوى على مشروعية العزل و أرسلوه إرسال المسلّم.

قال الشيخ في «المبسوط»: فإذا كان يوم الفطر أخرجها و سلّمها إلى مستحقّها، فإن لم يجد له مستحقّا عزلها من ماله، ثمّ يسلّمها بعد الصلاة أو من غد يومه إلى مستحقّها، فإن وجد لها أهلا و أخّرها كان ضامنا، و إن لم يجد لها أهلا و عزلها لم يكن عليه ضمان. «1»

و قال المحقّق: فإن خرج وقت الصلاة و قد عزلها، أخرجها واجبا بنية الأداء. «2»

و قال في «المعتبر»: فإن كان عزلها أخرجها مع الإمكان. «3»

و قال العلّامة: يجوز العزل كزكاة المال، فإذا عزلها و لم يخرجها مع القدرة

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 242.

(2). الشرائع: 1/ 175.

(3). المعتبر: 2/ 613.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 714

..........

______________________________

ضمن، و إن لم يتمكّن فلا ضمان. «1»

و قال في «المنتهى»: يصحّ العزل إذا عزلها المالك كزكاة المال. «2»

و قال في «المدارك»: المراد بالعزل: تعيينها في مال بقدرها، و إطلاق عبارات الأصحاب تقتضي جوازه مع وجود المستحق و عدمه. «3»

و قال في «الحدائق»: الظاهر انّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- في

أنّه متى عزل الفطرة، أي عيّنها في مال مخصوص قبل الصلاة، فإنّه يجوز إخراجها حينئذ بعد ذلك و إن خرج وقتها. «4»

إلى غير ذلك من الكلمات المتضافرة.

و أمّا الروايات فهي أيضا متضافرة نكتفي منها بما يلي:

1. ما رواه الصدوق عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة؟ قال: «إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها، قبل الصلاة أو بعدها». «5»

2. ما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الفطرة إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به». 6

3. و رواية سليمان بن حفص المروزي قال: سمعته يقول: إن لم تجد من تضع الفطرة فيه، فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. 7

4. و في الصحيح عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أخرج فطرته فعزلها حتّى يجد لها أهلا؟ فقال: «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها حتّى يؤدّيها إلى أربابها». 8

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 397.

(2). المنتهى: 1/ 541.

(3). المدارك: 5/ 349.

(4). الحدائق: 12/ 307.

(5) (5، 6، 7 و 8). الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4، 5، 1، 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 715

..........

______________________________

ثمّ إنّ ظهور الروايات في العزل من الجنس لا يعمّ العزل من القيمة، و لكن العزل منها تابع لحكم الفطرة بما هي فطرة، فإذا جاز دفعها من القيمة جاز عزلها منها أيضا.

هذا و انّ المهم هو عزل المالية المشتركة بين الجنس و القيمة، و هو حاصل في تلك الصورتين.

2. النية حين العزل و الدفع

إذا كان العزل بمعنى تعيين الزكاة في مال مخصوص فيحتاج إلى النية

لتعيين ما عزل في الفطرة، و هو يحصل بالنية حين العزل، و الأحوط بقاؤها إلى حين الدفع أو تجديد النية حينه.

3. عزل أقل من صاع

هل يجوز عزل الأقل من صاع أو لا؟

قال في «المسالك»: و لو عزل أقلّ منها، اختص الحكم به. «1»

و يستأنس للجواز بوجهين:

أ. ولاية المالك على التعيين التي لا فرق فيها بين الكلّ و الجزء.

ب. المراد من عزل الفطرة عزل الجنس الصادق على الجزء و الكلّ. «2» و قد تأمّل في الوجهين، و لعلّ وجه التأمّل في الأوّل انّ للمالك الولاية في تعيين ما يصدق عليه انّه فطرة، أي الصاع من بين الأصوعة الكثيرة، لا تعيين ما لا يصدق عليه الفطرة كنصف صاع.

______________________________

(1). المسالك: 1/ 452.

(2). المستمسك: 9/ 433.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 716

[المسألة 3: إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحقّ، فإن كان لعدم تمكّنه من الدفع لم يضمن لو تلف]

المسألة 3: إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحقّ، فإن كان لعدم تمكّنه من الدفع لم يضمن لو تلف، و إن كان مع التمكّن منه ضمن.* (1)

______________________________

و على الثاني المتبادر من الروايات تعيين الفطرة التي ليست بأقلّ من صاع و الأقل من صاع ليس فطرة.

و أمّا الولاية على القدر المشترك بين الكلّ و الجزء فلم تثبت.

4. عزلها في مال أزيد من الفطرة بحيث يكون المعزول مشتركا بينه و بين الزكاة.

لو عزل صاعين على أن يكون أحدهما فطرة دون الآخر على وجه الإشاعة، أو عزل صاعين مشتركين بينه و بين شخص آخر.

قال في «المسالك»: و من تحقّق العزل مع زيادته عنها احتمال، و يضعف بتحقّق الشركة و انّ ذلك يوجب عزلها في جميع ماله، و هو غير المعروف من العزل.

و أورد عليه في «الجواهر» بأنّ المدار هو صدق العزل عرفا، و لا ريب في عدم صدقة في جميع المال. «1»

أقول: لعلّ كلمة العزل لا تساعد الشركة، بل تطلب لنفسها تعين الفطرة في مال مخصوص، و مع الشركة لا تعيين، فالأحوط

تركه.

5. و ممّا تقدّم يعلم حكم عزلها في المال المشترك بينه و بين غيره، فلا نعيد.

(1)* ما ذكره المصنّف من التفصيل في زكاة البدن في المقام هو نفس التفصيل المذكور في زكاة المال. «2»

______________________________

(1). الجواهر: 15/ 535.

(2). الفصل 8، المسألة السادسة، و مقدّمة الفصل التاسع.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 717

..........

______________________________

و حاصل التفصيل: انّه إذا عزل الزكاة و تلف، فإن تمكّن من الدفع إلى المستحق و أخّر و تلف فهو ضامن، و إلّا فليس ضامنا.

و الروايات المفصّلة بين التمكّن و عدم التمكّن في الضمان ناظرة إلى زكاة المال ففي صحيح محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن». و بهذا المضمون رواية زرارة. «1» فلو قلنا بإلغاء الخصوصية و انّ الحكم راجع إلى طبيعة الزكاة، يكون للتفصيل في المقام وجه، و إلّا فيكون المرجع هو القواعد العامّة، و هو انّ المالك يضمن عند التعدّي و التفريط دون غيرهما، و تظهر الثمرة انّه إذا أخّر الدفع لغاية عقلائية كدفعها لمن فيه مرجح كالرحم و الجار و غيرهما و تلف فلا يضمن على القاعدة، لعدم التعدّي و التفريط، بخلاف ما إذا قلنا بالملاك السابق و هو تأخير الدفع مع وجود المستحق.

و الظاهر انّ التفكيك بين الزكاتين مع دخولهما تحت عنوان الصدقات أمر بعيد، فما ذكره في المتن هو الأقوى، إلّا إذا دلّ الدليل على تفريق البابين، كما في بعض المسائل الآتية، و هذا هو الظاهر من كثير من الأصحاب و دونك كلماتهم:

قال الشيخ في «المبسوط»: فإن وجد لها (الفطرة) أهلا و

أخّر كان ضامنا، و إن لم يجد لها أهلا و عزلها لم يكن عليه ضمان. «2»

و قال ابن حمزة في «الوسيلة»: فإن لم يجد المستحق و عزل عن ماله و تلف لم يضمن. «3» فإنّ مفهومه هو الضمان عند التمكّن من المستحق.

و قال ابن إدريس: فإن لم يجد لها مستحقا عزلها من ماله ثمّ سلمها إليه إذا

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

(2). المبسوط: 1/ 242.

(3). الوسيلة: 131.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 718

[المسألة 4: الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر و لو مع وجود المستحقّ في بلده]

المسألة 4: الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر و لو مع وجود المستحقّ في بلده، و إن كان يضمن حينئذ مع التلف، و الأحوط عدم النقل إلّا مع عدم وجود المستحقّ.* (1)

______________________________

وجده، فإن وجد لها أهلا و أخّرها و هلكت كان ضامنا إلى أن يسلّمها إلى أربابها، فإن لم يجد لها أهلا و أخرجها من ماله لم يكن عليه ضمان. «1»

و قال ابن سعيد في جامعه: فإن لم يحضر مستحقّها، عزلها و انتظر المستحقّ، فإن تلفت بغير تفريط فلا ضمان عليه. «2»

و قال المحقّق: و إذا أخّر دفعها بعد العزل مع الإمكان، كان ضامنا، و إن كان لا معه لم يضمن. «3»

و ستوافيك كلمة ابن البراج في المسألة الثانية التي نزل فيها عزل الفطرة و نقلها منزلة زكاة الأموال في العزل و النقل.

كلّ ذلك يورث الاطمئنان بأنّ الزكاتين تندرجان تحت باب واحد، إلّا إذا دلّ الدليل على الفرق، كما في الإعطاء للمستضعف فانّه يجوز في المقام دون زكاة الأموال على ما مرّ.

(1)* هذا هو المورد الثاني من الموارد التي عطف الأصحاب فيها زكاة الرءوس على زكاة الأموال فقالوا بجواز النقل

مع الضمان إذا كان هناك مستحق، و إليك بعض الكلمات:

1. قال الشيخ: و لا يجوز حمل الفطرة من بلد إلى بلد آخر إلّا مع الضمان. «4»

______________________________

(1). السرائر: 1/ 470.

(2). الجامع للشرائع: 139.

(3). الشرائع: 1/ 175.

(4). المبسوط: 1/ 242.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 719

..........

______________________________

2. و قال ابن البراج: و الحكم في حملها من بلد إلى آخر كالحكم فيما ذكرنا في زكاة الأموال، و كذلك الحكم في عزلها. «1»

هذا و يظهر من الشيخ في «النهاية» عدم الجواز إذا كان هناك مستحق.

3. قال الشيخ: لا يجوز حمل الفطرة من بلد إلى بلد، و إن لم يوجد لها مستحق من أهل المعرفة جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم. «2»

4. و قال المحقّق في «المعتبر»: و لو قال الصدقة لا تحمل إلى غير بلدها و إنّما تحمل الجزية، قلنا: و لعلّه لم يجد هناك مستحقا فجاز حملها لذلك. «3» و العبارة تحكي عن عدم الجواز إذا كان هناك مستحق.

5. و قال في «الشرائع»: و يجوز الحمل مع عدم المستحق، و مفهومه عدم الجواز مع وجوده. «4»

6. و قال العلّامة: و يجوز نقلها إلى غير البلد مع عدم المستحق فيه لا مع وجوده فيه. «5»

و على الرغم من ذلك يمكن التوفيق بين هذه الكلمات من تفسير عدم الجواز بالحكم الوضعي و هو الضمان لو تلف و إن كان بعيدا عن ظاهرها.

هذه هي كلمات الأصحاب، و قد عرفت أنّ المتبادر من الروايات انّ الحكم لطبيعة الزكاة و انّ المورد غير مخصّص من دون فرق بين زكاة و زكاة.

نعم بقيت روايتان إحداهما موثّقة و الأخرى صحيحة.

______________________________

(1). المهذب: 1/ 175.

(2). النهاية: 192.

(3). المعتبر: 2/ 609.

(4). الشرائع: 1/ 175.

(5). التذكرة: 5/ 397.

الزكاة

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 720

..........

______________________________

أمّا الأولى فهي موثّقة الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و جاء فيها: «و لا تنقل من أرض إلى أرض، و قال: الإمام يضعها حيث يشاء و يصنع فيها ما رأى». «1»

و أمّا الأخرى فهي رواية علي بن بلال و جاء فيها: «و لا يوجّه ذلك إلى بلدة أخرى و إن لم يجد موافقا». «2»

و الحديثان و إن كان ظاهرين في الحرمة إلّا أنّ القائلين بجواز النقل حملوهما على الكراهة، و يمكن أن يقال: انّ النهي كان نهيا مؤقتا، لأجل وجود المفسدة فى نقل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود الفقراء في جيران الرجل.

و يؤيّد ذلك رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال: «نعم، الجيران أحقّ بها لمكان الشهرة». «3»

فإنّ جيران الرجل كانوا من غير أهل الولاية و كانوا يتوقّعون وصول الزكاة إليهم، فنقلها إلى مكان آخر يثير الشكوك و اشتهار الرجل بهذا الأمر المورث لمشاكل عديدة.

و ممّا يؤيّد كون النهي للكراهة أو لوجود مفسدة مؤقتة في النقل، هو جواز نقل زكاة الفطرة إلى الإمام، فقد بعث محمد بن إسماعيل بن بزيع زكاته إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام، فكتب الإمام بخطه: «قبضت». «4»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(2). المصدر نفسه، الحديث 4.

(3). المصدر نفسه، الحديث 2.

(4). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1؛ و لاحظ الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 721

[المسألة 5: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها و إن كان ماله- بل و وطنه- في بلد آخر]

المسألة 5: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها و إن كان ماله- بل و وطنه- في بلد

آخر و لو كان له مال في بلد آخر و عيّنها فيه ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر مع وجود المستحقّ فيه.* (1)

[المسألة 6: إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك]

المسألة 6: إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك.* (2)

______________________________

(1)* هنا فرعان:

الأوّل: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها و إن كان ماله في بلد آخر، و يدلّ عليه ما عرفت من موثّقة الفضيل و صحيحة علي بن بلال الماضيتين.

الثاني: إذا كان بلد التكليف مغايرا لبلد المال لكن عين الفطرة في ذلك المال، فلو نقلها عن ذلك البلد إلى بلد التكليف أو بلد آخر، فحكمه حكم مطلق النقل من عدم الضمان إذا لم يتمكّن من دفعه إلى المستحق و ضمانها مع وجود المستحق في بلد المال.

(2)* إذا عزلها في مال معين فليس له التبديل، لأنّ الفطرة تعيّنت فيه، و ليس له الولاية على التبديل و إن كان له الولاية على العزل.

نعم إذا اقتضت مصلحة الفقير التبديل، فيقوم به بإذن الحاكم، و إلّا فبإذن عدول المؤمنين.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 722

[الفصل الخامس في مصرفها]

اشارة

الفصل الخامس في مصرفها و هو مصرف زكاة المال. لكن يجوز إعطاؤها للمستضعفين من أهل الخلاف عند عدم وجود المؤمنين و إن لم نقل به هناك، و الأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين و مساكينهم، و يجوز صرفها على أطفال المؤمنين أو تمليكها لهم بدفعها إلى أوليائهم.* (1)

______________________________

(1)*

هنا فروع

اشارة

أربعة:

الأوّل: مصرف زكاة الفطرة، هو مصرف زكاة المال.

الثاني: يستثنى من هذه القاعدة انّه يجوز إعطاء الفطرة للمستضعفين من أهل الخلاف عند عدم وجود المؤمن دون زكاة المال. و الأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين و مساكينهم من الأصناف الثمانية.

الثالث: و يجوز صرفها على أطفال المؤمنين أو تمليكها لهم بدفعها إليهم.

و إليك دراسة الفروع واحدا بعد الآخر.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 723

الأوّل: مصرفها

______________________________

اشتهر بين الأصحاب انّ مصرف الزكاتين واحد، قال في الحدائق: المشهور في كلام الأصحاب انّ مصرفها مصرف الزكاة المالية من الأصناف الثمانية. «1»

قال الشيخ في «الخلاف»: مصرف زكاة الفطرة مصرف زكاة الأموال إذا كان مستحقّه فقيرا مؤمنا، و الأصناف الموجودة في الزكاة خمسة: الفقير، و المسكين، و الغارم، و في سبيل اللّه، و ابن السبيل. «2» و قد خصّ الجواز من بين الأصناف الثمانية بالخمسة.

و قال في «النهاية»: و المستحقّ لها هو كلّ من كان بالصفة التي تحلّ له معها الزكاة و تحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال. «3» و قد أطلق و لم يقيّده بالأصناف الخمسة.

و قال ابن البراج: الذي يستحقّ أخذ زكاة الفطرة هو كلّ من يستحقّ أخذ زكاة الأموال. «4»

و قال ابن حمزة: من يستحقّ زكاة الفطرة؟ يستحقّها من يستحقّ زكاة الأموال. «5»

و قال المحقّق: مصرفها هو مصرف زكاة المال. «6»

و قال ابن سعيد: و مستحقّها من كان على صفة يحلّ له معها الزكاة و تحرم على غيره. «7»

و قال العلّامة في «التذكرة»: مصرف زكاة الفطر مصرف زكاة المال، لعموم

______________________________

(1). الحدائق: 12/ 310.

(2). الخلاف: 2/ 154، كتاب الزكاة، المسألة 196.

(3). النهاية: 192.

(4). المهذب: 1/ 175.

(5). الوسيلة: 131.

(6). الشرائع: 1/ 175.

(7). الجامع للشرائع: 140.

الزكاة في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 724

..........

______________________________

قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ الآية، و لا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه. «1»

و قال في «المنتهى»: و تصرف الزكاة إلى من يستحقّ زكاة المال، و هم ستة أصناف: الفقراء وَ الْمَسٰاكِينِ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، لأنّها زكاة تصرف إلى من تصرف إليه سائر الزكوات، و لأنّها صدقة تدخل تحت قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ. «2»

و مقتضى الاستدلال بالآية المباركة عموم للأصناف الثمانية لا تخصيصها بالخمسة كما في «الخلاف»، و لا في الستة كما في «المنتهى»؛ بل يجوز صرفها في الأصناف الثمانية كما عليه العلّامة في «التذكرة» حيث يقول: و يجوز صرفها في الأصناف الثمانية، لأنّها صدقة فأشبهت صدقة المال. «3»

و لعلّ من اقتصر على الستة لعدم الحاجة إلى الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و سقوط سهم المؤلّفة قلوبهم في هذه الأزمنة، و إلّا فلو عيّن الحاكم عاملا لجمع الفطرة، أو كان هناك من يلزم تأليف قلوبهم، فيصرف في الأصناف الثمانية لا سيّما عموم قوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ.

نعم يظهر من بعض الروايات اختصاص الفطرة ببعض الأصناف.

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك- إلى أن قال:- عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين». «4»

______________________________

(1). التذكرة: 5/ 398.

(2). المنتهى: 1/ 541.

(3). التذكرة: 5/ 399.

(4). الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11. و لكنّه نقله في الباب 14، الحديث 1، على غير هذا الوجه، و الصحيح هو ما نقله في الباب المتقدّم لكونه موافقا للتهذيب.

الزكاة في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 725

..........

______________________________

و لكن الاعتماد على هذا الحديث في تخصيص الآية أمر مشكل للأسباب التالية:

أوّلا: لعدم جواز تخصيص الآية بخبر الواحد حسب ما اخترناه في الأوّل.

و ثانيا: اشتمال الحديث على شذوذ حيث يصرّح بكفاية نصف صاع من حنطة.

و يمكن أن يقال: انّ تخصيص فقراء المسلمين بالذكر من باب الاهتمام بحالهم، نظير ما ورد في زكاة الأموال.

روى زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم». «1»

و ربّما يتوهّم من عبارة المفيد اختصاصها بالفقراء و المساكين قال: و مستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقر أو لا، ثمّ المعرفة و الإيمان. «2»

و ربّما يؤيّد بالخبرين:

1. خبر الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: لمن تحلّ الفطرة؟ فقال:

«لمن لا يجد». «3»

2. و خبره الآخر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أعلى من قبل الزكاة زكاة؟

فقال: «أمّا من قبل زكاة المال فانّ عليه زكاة الفطرة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة». 4

الظاهر عدم صحّة الاستظهار لا من كلام المفيد و لا من الخبرين.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2). المقنعة: 252.

(3) (3 و 4). الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9 و 10.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 726

..........

______________________________

أمّا عبارة الأوّل فإنّها بصدد بيان شرائط خصوص صنف الفقراء- إذا صرفت فيها- و لذا قال بعد العبارة المزبورة: «و لا يجوز إخراج الفطرة إلى غير أهل الإيمان، لأنّها من مفروض الزكاة» لا بصدد حصر الصرف في الفقراء.

و منه يظهر حال الخبرين،

فإنّهما أيضا بصدد بيان شرط الصرف في صنف الفقراء و انّه يشترط فيه أن لا يجد شيئا، و إنّما اهتمّ ببيان شرائط هذا الصنف لكونه المصرف الأعظم للفطرة، ككونه كذلك في زكاة المال على ما عرفت.

فاتّضح ممّا ذكرنا انّ مصرف زكاة الفطرة و المال واحد، و مصارفهما للأصناف الثمانية.

الثاني: جواز إعطائها للمستضعفين من أهل الخلاف
اشارة

قد عرفت في فصل أوصاف المستحقّين انّه لا تصرف الزكاة فيمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين حتى المستضعفين منهم، إلّا من سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم سبيل اللّه في الجملة (كما إذا كان الصرف على المخالف لمصلحة المؤمن، لأنّه في الحقيقة صرف على المؤمن لا على المخالف) و مع عدم وجود المؤمن و المؤلّفة و سبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكّن. «1»

و لكن الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» ذهب إلى جواز إعطائها للمستحقّين من أهل الخلاف عند عدم وجود المستحق، و نسبه في «الحدائق» إلى الشيخ و أتباعه. «2» و لم أقف على من وافق الشيخ من الفقهاء قبل المحقّق، سوى الكيدري في «إصباح الشيعة»، و جلّ من تأخّر عن الشيخ و من تقدّم عليه كأستاذه المفيد قالوا بالمنع، و إليك كلمات المجوزين ثمّ المانعين:

______________________________

(1). لاحظ فصل أوصاف المستحقّين، الشرط الأوّل.

(2). الحدائق: 12/ 314.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 727

..........

______________________________

1. قال في «النهاية»: و لا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. «1»

2. قال في «المبسوط»: و لو لم يوجد لها مستحق، جاز أن يعطي المستضعفين من غيرهم. «2»

3. و قال الكيدري: فإن فقد المستحق في البلد جاز أن يعطي المستضعفين من غيرهم. «3»

و أمّا كلمات المانعين فإليك قسما منها:

4. قال المفيد: لا يجوز إخراج

الفطرة إلى غير أهل الإيمان، لأنّها من مفروض الزكاة. «4»

5. و قال ابن البراج: و لا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة الأموال إليه إلّا في حال التقية. «5»

6. و قال ابن زهرة: و المستحقّ لها هو المستحقّ لزكاة الأموال. «6»

7. و قال ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ في «النهاية»: و هذا غير واضح، بل ضد الصواب، و الصحيح و الصواب ما ذكره في جمله و عقوده انّه لا يجوز أن يعطى إلّا لمستحق زكاة المال، فإن لم يوجد عزلت و انتظر بها مستحقّها. «7»

8. و قال العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة»: و لا يجزي أن يعطى غير المؤمن من الفطرة، سواء أوجد المستحق أو لا، و ينتظر بها، و يحملها من بلده- مع عدمه- إلى الآخر، و لا يعطى المستضعف خلافا للشيخ. «8»

______________________________

(1). النهاية: 192.

(2). المبسوط: 1/ 242.

(3). إصباح الشيعة: 125.

(4). المقنعة: 252.

(5). المهذب: 1/ 175.

(6). الغنية: 2/ 128.

(7). السرائر: 1/ 471.

(8). المنتهى: 1/ 541؛ التذكرة: 5/ 399.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 728

..........

______________________________

هذا و قد نسب العلّامة المنع في «المختلف» إلى ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و أبي الصلاح. «1»

ثمّ إنّ مقتضى الضابطة المصطادة من انّ مساق زكاة الأبدان، هو مساق زكاة الأموال، هو وحدة الحكم و بالتالي عدم الجواز، بل الانتظار حتى يوجد المستحقّ، أو ينتقل إلى بلد فيه المستحقّ الجامع للشرائط، لكنّ الشيخ اعتمد في المقام على روايات يمكن تصنيفها إلى أصناف:

أ. جواز دفعها تقية

روى إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال: «نعم. الجيران أحقّ بها لمكان الشهرة». «2»

و آية التقية في الرواية

واضحة، لأنّ اهتمام السائل كان منصبّا على معرفة جواز الدفع إلى غير أهل الولاية، و أمّا كون المدفوع إليه من جيرانه لم يكن موضع عنايته، و مع ذلك أجاب الإمام بأنّ الجيران أحق بها، ضاربا الصفح عمّا هو المطلوب له.

ثمّ أشار إلى أنّ التجويز لأجل الشهرة، أي لئلّا تشتهر بالرفض، لأجل إعطاء فطرتك للبعيد مع وجود جيرانك.

و بما ذكرنا يظهر الحال في رواية إسحاق بن المبارك- في حديث- قال:

سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن صدقة الفطرة أعطيها غير أهل الولاية من هذا

______________________________

(1). المختلف: 3/ 207.

(2). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 729

..........

______________________________

الجيران؟ قال: «نعم الجيران أحقّ بها». «1» فقد كان اهتمام السائل منصبّا على معرفة جواز الإعطاء لغير أهل الولاية و كونه جارا من دواعي الاختيار على الآخر، فأجاب بأنّ الجيران أحقّ، مع أنّ الحكم الكلّي (الجيران أحقّ) لم يكن خافيا عليه.

و لأجل ذلك لا يبعد كون التجويز لأجل التقية و حفظ وحدة الكلمة.

ب. جواز دفعها مطلقا

روى إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الفطرة؟ فقال:

«الجيران أحقّ بها، و لا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضة». «2» فيدلّ على جواز الدفع إلى مطلق الجار من غير فرق بين أهل الولاية و عدمه، خصوصا بالنظر إلى تلك الأعصار التي يعيش المؤالف و المخالف غالبا في حيّ واحد.

و لكن من المحتمل انّ هذه الرواية، لإسحاق بن عمّار هي نفس ما سبق في الطائفة الأولى له، و ذلك لاستبعاد أن يسأل إسحاق أبا إبراهيم عن موضوع واحد مرّتين.

و في مكاتبة علي بن بلال البغدادي- الذي وصفه الإمام العسكري: إنّه الثقة، المأمون، العارف بما يجب

عليه-: تقسّم الفطرة على من حضر، و لا يوجّه ذلك إلى بلدة أخرى و إن لم يجد موافقا. «3» و لكنّها قاصرة الدلالة، غاية ما تدلّ عليه انّه لا تنقل إلى بلدة أخرى عند عدم وجود الموافق، و أمّا انّها تقسّم بين غير الموافق فليست صريحة فيه.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.

(2). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.

(3). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 730

ج. جواز دفعها عند عدم المستحق

______________________________

ففي صحيحة الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان جدّي صلى اللّه عليه و آله و سلم يعطي فطرته الضعفة، و من لا يجد، و من لا يتولّى»، قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب». «1»

و في صحيحة علي بن يقطين انّه سأل أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن زكاة الفطرة، هل يصلح أن تعطى الجيران و الظئورة ممّن لا يعرف و لا ينصب؟ فقال: «لا بأس بذلك إذا كان محتاجا». «2»

د. جواز دفعها إذا كان مستضعفا

صحيحة مالك الجهني قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن زكاة الفطرة؟ فقال:

«تعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا، و أعط ذا قرابتك منها إن شئت». «3»

و قد استند الشيخ الطوسي على هذه الرواية، فأفتى بجواز الدفع إلى المستضعف من أهل الخلاف.

و لكن الدلالة مبنية على أنّ المراد من المسلمين هم أهل الولاية، فيكون المراد من المستضعف هو قسم من أهل الخلاف الذين لم يبلغهم حديث الولاية و دلائلها على نحو يعيشون في غفلة عن هذه الأمور و لا يخطر ببالهم انّ هناك شيئا وراء ما يعتقدوه.

فاتّضح بذلك أنّ ما يدلّ على بعض مراد الشيخ هو حديث الفضيل، و الاعتماد عليه أمام الإطلاقات المتضافرة على عدم جواز صرف مطلق الزكاة في

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(2). المصدر نفسه، الحديث 6.

(3). المصدر نفسه، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 731

[المسألة 1: لا يشترط عدالة من يدفع إليه]

المسألة 1: لا يشترط عدالة من يدفع إليه، فيجوز دفعها إلى فسّاق المؤمنين، نعم الأحوط عدم دفعها إلى شارب الخمر و المتجاهر بالمعصية، بل الأحوط العدالة أيضا، و لا يجوز دفعها إلى من يصرفها في المعصية.* (1)

______________________________

غير أهل الولاية مشكل جدا. «1»

و لعلّه لهذه الوجوه، ذهب الجلّ إلى عدم الجواز، فالأحوط المكث دون الدفع إليهم.

اللّهمّ إلّا أن يكون حفظه أمرا شاقا، فأقرب الموارد للصرف هو المستضعف كما ذكرناه أيضا في زكاة الأموال.

ثمّ إنّ العلّامة أطنب الكلام في هذه الروايات المجوّزة بوجه غير تام. «2» كما حاول صاحب الحدائق توجيه الروايات بوجهين. «3»

الثالث: صرف الفطرة على أطفال المؤمنين

يجوز صرف زكاة الفطرة على أطفال المؤمنين أو تمليكها لهم بدفعها إلى أوليائهم، و قد مرّ في باب زكاة الأموال نظيره،

قال المصنّف فيه: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم، و إمّا بالصرف عليهم مباشرة، أو بتوسيط أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي، و بما انّ الزكاتين من باب واحد، يجري ما ذكرنا هناك من الأدلّة في المقام فلا نطيل. «4»

(1)* هنا فروع:

______________________________

(1). لاحظ الوسائل: 6، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(2). المختلف: 3/ 308.

(3). الحدائق: 12/ 316.

(4). لاحظ الفصل السابع، المسألة الأولى.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 732

[المسألة 2: يجوز للمالك أن يتولّى دفعها مباشرة أو توكيلا]

المسألة 2: يجوز للمالك أن يتولّى دفعها مباشرة أو توكيلا، و الأفضل- بل الأحوط أيضا- دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط و خصوصا مع طلبه لها.* (1)

______________________________

أ. لا تشترط العدالة، و يجوز دفع الفطرة إلى فسّاق المؤمنين.

ب. الأحوط عدم دفعها إلى شارب الخمر و المتجاهر بالمعصية.

ج. لا يجوز دفعها إلى من يصرفها في المعصية.

قد تقدّم الكلام في هذه الفروع في ما سبق «1»، و ذكرنا ما هو الدليل على جواز دفعه إلى غير العادل من المؤمنين، كما ناقشنا أدلّة القائلين باشتراطها، و من أراد التفصيل فليرجع إليه.

هذا كلّه حول الفرع الأوّل.

و أمّا عدم جواز دفعها إلى شارب الخمر و المتجاهر بالمعصية فلما ورد في خبر الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: «لا». «2»

و أمّا المتجاهر الذي ربّما يعبر عنه بالمقيم على الكبائر، فقد ذكرنا انّه المتيقّن من أدلّة المانعين، و هو كون الرجل متهتّكا متظاهرا بالفسق على وجه يشمئزّ أهل الإيمان من مخالطته و مجالسته.

و أمّا عدم جواز دفعها إلى من يصرفها في المعصية فقد تقدّم وجهه في مبحث زكاة المال، فلاحظ.

(1)* قد تقدّم ما ذكره في مبحث زكاة الأموال حيث قال: الأفضل، بل

الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، سيّما إذا طلبها، لأنّه

______________________________

(1). فصل أوصاف المستحقين عند الكلام في الوصف الثاني.

(2). الوسائل: 6، الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 733

..........

______________________________

أعرف بمواقعها، لكن الأقوى عدم وجوبه، فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة و التوكيل تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها.

و ما ذكرناه هناك كاف في المقام فلنختصر الكلام فيه و نقول: يظهر من المفيد وجوب إخراج الزكاة إلى الإمام، قال: و فرض على الأمّة حملها إليه بفرضه عليها طاعته، و نهيه لها عن خلافه، و الإمام قائم مقام النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فإذا غاب الخليفة كان الفرض جملها إلى من نصبه من خاصته لشيعته، فإذا عدم السفراء بينه و بين رعيّته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته، لأنّ الفقيه أعرف بموضعها ممّن لا فقه له في ديانته. «1» و إطلاق كلامه يقتضي كون حكم الفطرة هو حكم زكاة الأموال.

و وافقه ابن البرّاج في مهذّبه، قال: و إذا كان الإمام عليه السّلام ظاهرا وجب على من وجبت عليه الفطرة حملها إليه ليدفعها إلى مستحقّها، و لا يتولّى هو ذلك بنفسه، فإن لم يكن الإمام ظاهرا كان عليه حملها إلى فقهاء الشيعة ليضعها في مواضعها لأنّهم أعرف بذلك. «2»

و لكن المشهور بين الأصحاب استحباب حملها إلى الإمام مع وجوده، قال الشيخ: يستحبّ حمل زكاة الأموال الظاهرة و الباطنة و زكاة الفطرة إلى الإمام ليفرّقها على مستحقّها، فإن فرّقها بنفسه جاز. «3»

و قال ابن حمزة: و الأولى أن يحملها إلى الإمام ان حضر، و إلى الفقهاء إن لم يحضر ليضعوها مواضعها. و

إن قام بنفسه بذلك جاز إذا علم مواضعها. «4»

قال ابن إدريس: و ينبغي أن تحمل الفطرة إلى الإمام ليضعها في مواضعها

______________________________

(1). المقنعة: 252.

(2). المهذّب: 1/ 175.

(3). الخلاف: 2/ 155، كتاب الزكاة، المسألة 197.

(4). الوسيلة: 131.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 734

..........

______________________________

حيث يراه، فإن لم يكن هناك إمام، حملت إلى فقهاء شيعته ليفرقوها في مواضعها فإنّهم أعرف بذلك. «1»

قال المحقّق: يجوز أن يتولّى المالك صرفها إلى المستحق، و هو اتّفاق العلماء، لأنّها من الأموال الباطنة، و صرفها إلى الإمام أو من نصبه أولى، و مع التعذر إلى فقهاء الإمامية فإنّهم أبصر بمواقعها، و لأنّ في ذلك جمعا بين براءة الذمة، و إظهار أداء الحقّ. «2»

و قال العلّامة: يجوز أن يتولّى المالك تفريق الفطرة بنفسه إجماعا، أمّا عندنا فظاهر، و أمّا عند المخالف فلأنّها من الأموال الباطنة. لكن يستحبّ صرفها إلى الإمام أو نائبه، لأنّه أعرف بمواقعها؛ فإن تعذر صرف إلى الفقيه المأمون من فقهاء الإمامية، لأنّهم أبصر بمواقعها، و لأنّهم نواب الإمام عليه السّلام. «3»

هذا و قد ذكرنا ما هو الحقّ عند البحث في زكاة الأموال، و حاصله: انّ هناك أدلّة تشهد بأنّ طبيعة التشريع في الزكاة تفترق عن بقية الديون و الكفّارات و النذورات حيث إنّ أمر الزكاة حوّل إلى الحاكم القائم بالأمور الجامع للشرائط الخاصة، و لكن هناك نصوصا تدلّ على جواز تولّي المالك بنفسه أو بالتوكيل و ذكرنا تلك النصوص. «4»

فما ورد في المقام من أنّ أمر الفطرة للإمام يهدف إلى أنّ طبيعة التشريع هي دفعها إلى الإمام مع قطع النصوص المجوزة؛ ففي خبر أبي علي ابن راشد، قال:

سألته عن الفطرة، لمن هي؟ قال: «للإمام»، قال: قلت له: فأخبر أصحابي،

قال: «نعم، من أردت أن تطهّره منهم». و قال: «لا بأس بأن تعطي و تحمل ثمن

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 734

______________________________

(1). السرائر: 1/ 471.

(2). المعتبر: 2/ 615.

(3). التذكرة: 5/ 401- 402.

(4). راجع الفصل السابع، المسألة الأولى.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 735

[المسألة 3: الأحوط أن لا يدفع للفقير أقلّ من صاع]

المسألة 3: الأحوط أن لا يدفع للفقير أقلّ من صاع، إلّا إذا اجتمع جماعة لا تسعهم ذلك.* (1)

______________________________

ذلك ورقا». «1»

و الذيل دليل على الترخيص- إذا كان المراد من الإعطاء، هو تولّي المالك الصرف بنفسه- و عليها تحمل رواية الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، ففيها: «الإمام يضعها حيث يشاء و يصنع فيها ما رأى». «2»

(1)* لا شكّ في أنّه يجوز أن يدفع إلى شخص واحد أكثر من صاع، إنّما الكلام في جانب القلّة فهل يجوز أن يدفع إليه أقلّ من صاع؟

ذهب المشهور إلى عدم الجواز تبعا للنصوص، و لم يخالف في ذلك إلّا المحقّق.

قال المفيد: أقلّ ما يعطى الفقير صاع، و لا بأس بإعطائه أصواعا. «3»

و قال الشيخ: و لا يجوز أن يعطى أقل من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. «4»

قال ابن البراج: أقلّ ما ينبغي دفعه إلى المستحقّ لها، هو أن يدفع إلى الواحد ممّا ذكرناه ما يجب إخراجه عن رأس واحد. «5»

و قال ابن حمزة: و يجوز أن يعطى مستحق أصواعا، فإن كان له صاع واحد و حضر جماعة من المستحقّين جاز له أن يفرقه عليهم. «6»

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(2). الوسائل: 6، الباب 15 من

أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.

(3). المقنعة: 252.

(4). النهاية: 192؛ المبسوط: 1/ 242.

(5). المهذب: 1/ 176.

(6). الوسيلة: 132.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 736

..........

______________________________

و قال ابن إدريس: و لا يجوز أن يعطى أقلّ من زكاة رأس واحد، لواحد مع الاختيار على ما ورد به الأخبار. «1»

إلى غير ذلك من الكلمات.

و قال العلّامة في «المختلف»: قال ابن بابويه: لا يجوز لمن يعطي ما يلزم الواحد لاثنين، و نص أكثر علمائنا نحوه حيث قالوا: أقلّ ما يعطى الفقير صاع واحد، ذكره السيد المرتضى و المفيد و ابن الجنيد و الشيخان و سلّار و ابن إدريس و ابن حمزة و ابن زهرة، حتّى أنّ السيد المرتضى قال في «الانتصار»: ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّه لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقل من صاع، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك. «2»

نعم خالف المحقّق في «المعتبر» حيث قال: و لا يعطى الواحد أقلّ من صاع، و به قال الشيخان و كثير من فقهائنا و أطبق الجمهور على خلافه، إلى أن قال: فإن احتجّ المانعون بما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يعطى أحد أقل من رأس». قلنا: الرواية مرسلة فلا تقوى أن تكون حجة، و الأولى أن يحمل ذلك على الاستحباب تفصيا من خلاف الأصحاب. «3»

و العجب انّ العلّامة لم يذكر مخالفة المحقّق في «المعتبر»، في «المختلف» بل نسبه إلى قول شاذ للشيخ في «التهذيب» مع أنّه ذكر حجّة المحقّق في «المعتبر» من دون أن ينسبها إليه، ثمّ أجاب عنه، و لعلّه لم يصرّح بخلافه و نقد دليله تأدّبا.

و على كلّ حال يدلّ على ذلك الحكم مرسلتان:

______________________________

(1). السرائر: 1/

472.

(2). المختلف: 3/ 309- 310.

(3). المعتبر: 2/ 615- 616.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 737

..........

______________________________

1. ما نقله المحقّق عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تعطي أحدا أقل من رأس». «1»

2. ما ذكره الصدوق في «الفقيه»، قال: و في خبر آخر: لا بأس أن تدفع عن نفسك و عن من تعول إلى واحد، [و لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين]. 2

و الاستدلال بالحديث الثاني مبني على أن يكون قوله: «و لا يجوز أن تدفع» جزءا من الحديث و لا يكون من كلام نفس الصدوق، كما استظهره الفيض في «الوافي» و تبعه صاحب الحدائق، قال: و صاحب الوافي نقلها إلى ما قبل قوله: «و لا يجوز» بناء على أنّ «و لا يجوز» من كلام المصنّف (الصدوق) و هو الظاهر إلّا أنّ هذه العبارة إنّما أخذها المصنّف من كتاب الفقه الرضوي و أفتى بها كما عرفت في غير موضع منه و من أبيه في رسالته إليه، و حينئذ فيكون قوله: «و لا يجوز» جزءا من المرسلة المتقدّمة.

و أمّا الإفتاء بعدم الجواز فمبني على أنّ عمل المشهور جابر لضعف الرواية، خصوصا انّ الصدوق أفتى بها، فالأولى أن يقال: «الأحوط» كما عبر به المصنّف، و قد ردّ صاحب الحدائق على المحقّق في هذا المقام و بسط الكلام فيه. «3»

و قد استدلّ للجواز بحديث إسحاق بن المبارك قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن صدقة الفطرة يعطيها رجلا واحدا أو اثنين؟ فقال: «تفرّقها أحبّ إليّ»، قلت:

أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع و أربعة أصيع؟ قال: «نعم». «4»

و الاحتجاج مبني على وجود الإطلاق في قوله: «يفرقها أحب إليّ» فكأنّ

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 16 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2 و 4.

(3). لاحظ الحدائق: 12/ 312- 314.

(4). الوسائل: 6، الباب 16 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 738

[المسألة 4: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع بل إلى حدّ الغنى]

المسألة 4: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع بل إلى حدّ الغنى.* (1)

[المسألة 5: يستحبّ تقديم الأرحام على غيرهم، ثمّ الجيران، ثمّ أهل العلم]

المسألة 5: يستحبّ تقديم الأرحام على غيرهم، ثمّ الجيران، ثمّ أهل العلم و الفضل و المشتغلين، و مع التعارض تلاحظ المرجّحات و الأهميّة.* (2)

______________________________

الإمام بصدد بيان محبوبية التفريق أوّلا و كيفيته ثانيا، و لكن الحقّ انّ الإمام كان بصدد بيان أصل التفريق، و أمّا الكيفية على نحو صاع أو أقلّ من صاع فليس بصدد بيانها، بل يمكن أن يقال: انّ الرواية ظاهرة في كيفية تفريق ما هو زكاة فطرة و هو الصاع بأن يدفع لكلّ شخص صاعا مقابل دفعه لكلّ شخص أزيد من صاع، و يشهد له سؤاله الثاني حيث يقول: (أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع و أربعة أصيع، قال: نعم) و هذا يقابل التفريق.

(1)* و يدلّ عليها النصوص المتضافرة، نذكر منها ما يلي:

1. موثّقة علي بن بلال قال: كتبت إلى الطيب العسكري عليه السّلام، هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل و هم عشرة، أقل أو أكثر، رجلا محتاجا موافقا؟

فكتب: «نعم، أفعل ذلك». «1»

و قد عرفت ما في رواية إسحاق بن المبارك. 2

(2)* قد ذكر المصنّف في زكاة المال أنّ الأرجح تقديم الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالأحوج. «3» و قلنا في ذلك المقام: إنّه لا دليل على ذلك الترتيب، و أمّا المقام فجعل المصنّف الأرجح تقديم الأرحام، ثمّ الجيران، ثمّ

______________________________

(1) (1 و 2). الوسائل: 6، الباب 16 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5، 1، و لاحظ غيرها في ذلك الباب.

(3). الفصل السابع، المسألة التاسعة.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 739

[المسألة 6: إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه]

المسألة 6: إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه، فالحال كما في زكاة المال.* (1)

______________________________

أهل العلم و الفضل.

و قد ورد النص في تقديم كلّ واحد،

لكن لا دليل على الترتيب المذكور إلّا أن يقال: إنّ علاقة القرابة أولى من قرابة الجار، و عندئذ لا وجه لكون الثالث مترتّبا عليها.

و على كلّ تقدير الذي يدلّ على تقديم الرحم قوله عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج». «1»

و أمّا تقديم الجار فقد مرّ قوله في رواية إسحاق بن عمّار: «الجيران أحقّ بها».

و أمّا الثالث فيدلّ عليه قوله في رواية عبد اللّه بن عجلان السكوني قال:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي ربما قسمت الشي ء بين أصحابي، أصلهم به فكيف أعطيهم؟ قال: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل». «2» و ليست الرواية صريحة في مورد الزكاة، بل يحتمل أن يكون الإعطاء من باب صلة الأرحام، و لكن العرف يساعد إلغاء الخصوصية، فلاحظ.

و الأولى أن يقال: إنّ الملاك بعد انتفاء ملاك القرابة و الجوار، هو تقديم الأهم، و هو يختلف حسب اختلاف المقامات.

(1)* مرّ الكلام في المسألة في الفصل السادس من فصول زكاة المال، المسألة الثالثة عشرة، فلا حاجة إلى التكرار.

______________________________

(1). الوسائل: 6، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 4، و لاحظ سائر روايات الباب.

(2). الوسائل: 6، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 740

[المسألة 7: لا يكفي ادّعاء الفقر إلّا مع سبقه أو الظنّ بصدق المدّعي]

المسألة 7: لا يكفي ادّعاء الفقر إلّا مع سبقه أو الظنّ بصدق المدّعي.* (1)

[المسألة 8: تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال]

المسألة 8: تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال، و كذا يجب التعيين و لو إجمالا مع تعدّد ما عليه. و الظاهر عدم وجوب تعيين من يزكّى عنه، فلو كان عليه أصوع لجماعة يجوز دفعها من غير تعيين: أنّ هذا لفلان و هذا لفلان.* (2)

______________________________

(1)* تقدّم الكلام فيها في الفصل السادس من فصول زكاة الأموال، المسألة العاشرة.

(2)* هنا فروع:

أ. تجب نيّة القربة مثل زكاة الأموال.

ب. يجب التعيين إذا كان عليه حقوق مالية أخرى.

ج. لا يجب تعيين من يزكّى عنه.

أقول: قد مرّ في زكاة الأموال في الفصل العاشر من أنّ المعتبر قطعا أو احتمالا أمور أربعة:

1. اعتبار صدور الفعل عن قصد و إرادة.

2. الإتيان بالفعل لامتثال أمره أو لأجله سبحانه إذا كان الفعل حسنا بالذات.

3. قصد عنوان الواجب المنطبق على الفعل من كونه زكاة أو كفّارة.

4. قصد الوجه و كونه واجبا أو مندوبا- إذا كان وصفا- أو لأجل وجوبه و استحبابه إذا كان غاية.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 741

..........

______________________________

لا شكّ في اعتبار الأوّل، فإنّ إخراج الفطرة ليس من الأمور التوصلية حتّى يكفي فيها وقوع الفعل خارجا عن الاختيار.

كما لا شكّ في اعتبار الثاني أيضا، فإنّ الزكاة من الأمور العبادية أو من الأمور القربية- على الفرق بين الأمور العبادية و القربية-.

ففي رواية جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: الصدقة للّه. «1»

و في رواية الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «إنّما الصدقة للّه عزّ و جلّ فما جعل للّه عزّ و جلّ فلا رجعة فيه. «2»

هذا كلّه ممّا لا غبار عليه، إنّما الكلام

في اعتبار الثالث- أي قصد عنوان الفطرة، سواء أ كان عليه حقّ مالي آخر أو لا- فقد فصّل المصنّف بين تعدّد ما عليه من الحقوق المالية من كفّارة و غيرها و عدم التعدّد، فحكم بوجوب التعيين في التعدّد دون الثاني.

أمّا إذا لم يكن عليه حقّ مالي و انحصر في الفطرة فيكفي إتيانها بقصد ما في الذمّة من الحق الواجب، و ليس الحقّ الواجب عليه سوى الفطرة، و لا دليل على لزوم قصد عنوان الفطرة، بل تكفي الإشارة إليها بقصد ما في الذمّة.

إنّما الكلام إذا كان عليه حقّ مالي مثله كما إذا نذر صاعا من حنطة للفقراء، فهل يجب عليه قصد عنوان الفطرة أو لا؟

الظاهر انّه لا دليل عليه بشهادة انّه لو دفع صاعين مستقلّين في زمان واحد أو في زمانين، يصدق عليه انّه أتى بواجبه و فرضه؛ و لو دفع صاعا واحدا دون

______________________________

(1). الوسائل: 13، الباب 4 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2.

(2). الوسائل: 13، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

الزكاة في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 742

..........

______________________________

الآخر، يبقى عليه صاع آخر.

و أمّا تعيين المزكّى عنه فلم يدلّ عليه دليل، فإذا قصد الرجل إخراج الفطرة عن عياله، فيكفي إخراجها عنهم جملة واحدة، كعشرة أصوع عن عيال عشر.

*** قد فرغنا من تسويد هذه الأوراق صبيحة يوم الاثنين الخامس و العشرين من شهر جمادى الآخرة من شهور عام 1397 من الهجرة النبوية و قد استغرقت عامين دراسيّين، و قد وفّقني اللّه تعالى لتبييضها في الدورة الثانية بعد مضي ربع قرن، فلاح بدر تمامه و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.