تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : کتاب الغصب و احیاء الموات و المشترکات و اللقطه

اشارة

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : کتاب الغصب و احیاء الموات و المشترکات و اللقطه/ تالیف: محمدالفاضل اللنکرانی ؛ تحقیق: مرکزفقه الائمه اللنکرانی

مشخصات نشر : قم: مرکزفقه الائمه الاطهار(ع)، 1429ق.=1387ش.

مشخصات ظاهری : 396ص.

فروست : موسوعه الامام الفاضل اللنکرانی؛ 21

وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

شماره کتابشناسی ملی : 1513193

[كتاب الغصب]

تعريف الغصب

و هو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدواناً، و قد تطابق العقل و النقل كتاباً و سنّةً و إجماعاً على حرمته، و هو من أفحش الظلم الذي قد استقلّ العقل بقبحه. و في النبويّ: من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّٰه من سبع أرضين يوم القيامة «1». و في نبويّ آخر: من خان جاره شبراً من الأرض جعله اللّٰه طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتّى يلقى الهّٰ يوم القيامة مطوّقاً، إلّا أن يتوب و يرجع «2».

______________________________

(1) المسند لابن حنبل 1: 396- 402 ح 1628، 1633، 1639- 1643، 1646 و 1649، صحيح البخاري 2: 137 ب 13 ح 2452- 2454، و ج 3: 89 ب 2 ح 3195 و 3196، صحيح مسلم 3: 997 ح 1610- 1612، عوالي اللئالي 3: 474 ح 7، و عنه مستدرك الوسائل 17: 91، كتاب الغصب ب 3 ح 20828.

(2) الفقيه 4: 6 قطعة من ح 1، و عنه وسائل الشيعة 25: 386، كتاب الغصب ب 1 ح 2.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 8

و في آخر: من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر «1». و من كلام أمير المؤمنين عليه السلام: الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها «2»

(1).

______________________________

(1) 1- الظاهر أنّه ليس للغصب حقيقة شرعيّة، بناءً على القول بثبوتها في مواردها، بل هو كالبيع و نحوه له معنى لغويّ و عرفيّ، فقوله- تعالى-: «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «3» لم يكن المراد بالبيع فيه إلّا معناه العرفي العقلائي، و إلّا يلزم أن تكون القضيّة ضروريّة و بلا فائدة. و كذلك قوله عليه السلام: نهى النبيّ صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر «4». فبيع الغرر بيع حقيقةً و عرفاً، لكنّه منهيّ عنه بالنهي الإرشادي الذي يرشد إلى فساده، كما أنّ قوله صلى الله عليه و آله: لا تبع ما ليس عندك «5»، مرجعه إلى النهي عن بيع ما ليس ملكاً له؛ سواء قلنا بدلالته على بطلان الفضولي مطلقاً، كما يقول به القائل بالبطلان «6»، أم قلنا بمقالة الشيخ الأعظم الأنصاري «7»؛ من أنّ المراد هو النهي عن بيع ما ليس عنده؛ بمعنى عدم ترتّب الأثر المقصود؛ و هو حصول الملكيّة بنفس المعاملة من دون توقّف على الإجازة، فتدبّر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 294 ذ ح 819، و ص 311 ح 859، و عنه وسائل الشيعة 25: 388، كتاب الغصب ب 3: ح 2.

(2) نهج البلاغة للدكتر صبحي الصالح: 510 حكمة 240؛ و عنه وسائل الشيعة 25: 386، كتاب الغصب ب 1 ح 5.

(3) سورة البقرة 2: 275.

(4) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 45 ح 168، و عنه وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 40 ح 3، و في مستدرك الوسائل 13: 283، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 33 ح 15363، عن صحيفة الرضا عليه السلام: 80 ذ ح 190.

(5) المسند لابن حنبل 5: 226- 227 ح 15311، 15312،

15315، و ص 300 ح 15573، السنن الكبرى للبيهقي 8: 95 ح 10559، و ص 199 ح 10847، و ص 250 ح 11009، الفقيه 4: 4 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 357، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 12.

(6) كالشيخ في الخلاف 3: 168- 169، مسألة 275، و المبسوط 2: 158.

(7) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 365- 368 و 454- 456.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 9

..........

______________________________

فتعريف الغصب بما في المتن يرجع إلى ما ذكره أهل اللغة؛ من أنّ الغصب عبارة عن أخذ المال ظلماً «1». و تبديل الاستقلال بالاستيلاء إنّما هو للشمول لما إذا كان الغاصب شخصين، و لم يكن لكلّ واحد منهما استقلال في ذلك؛ فإنّه لا خفاء في انطباق عنوان الغصب لثبوت الاستيلاء لكلّ واحد منهما و إن لم يكن هناك استقلال أصلًا. إلّا أن يقال: إنّ المراد من الاستقلال هو جعل المالك ممنوعاً و محروماً عن ماله، لا كون الغاصب مستقلّاً، و يرد عليه حينئذٍ: أنّه ربما يتحقّق الغصب من دون تحقّق المحروميّة المذكورة، كما إذا جعل الغاصب نفسه شريكاً للمالك، بحيث يكون كلّ واحد منهما مستولياً من دون أن يكون هناك استقلال، إلّا أن يقال بثبوت المحروميّة في صورة الاشتراك أيضاً؛ لتوقّف تصرّف كلّ واحد من الشريكين على إذن الآخر و رضاه. ثمّ إنّ الاستيلاء على حقّ الغير دون ماله؛ مثاله ما إذا غصب الراهن العين المرهونة من المرتهن؛ فإنّه يكون هناك استيلاء على حقّ الغير دون ماله؛ لأنّه مال نفس الغاصب الراهن، و أمثلة هذا النحو من الاستيلاء كثيرة؛ كغصب حقّ الأولويّة في المساجد و المدارس، و حقّ

التحجير في موارد ثبوته. و قد استعمل لفظ الغصب في الكتاب العزيز في قوله- تعالى-: «وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً» «2». نعم، يرد على قيد العدوان أنّه إن كان المراد هو توجّه المستولي إلى كون استيلائه

______________________________

(1) العين 2: 1343، النهاية لابن الأثير 3: 370، لسان العرب 5: 39، المصباح المنير 1- 2: 448، مجمع البحرين 2: 1321.

(2) سورة الكهف 18: 79.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 10

..........

______________________________

عن ظلم و عدوان، فيرد على التعريف أنّ لازمه عدم صدق الغاصب على الأخذ من الغاصب مع جهله بالحال؛ لأنّه لا يتصوّر العدوان في صورة الجهل، إلّا أن يقال: إنّ الثابت في الفرض مجرّد الضمان لا ثبوت عنوان الغاصب، كما أنّ الضمان ثابت في مورد إتلاف مال الغير و لو مع عدم كون المتلف عالماً. غاية الأمر أنّ الدليل على الضمان هناك «قاعدة من أتلف» «1»، و هنا «قاعدة على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «2»، التي تكون دليلًا على الضمان في صورة الغصب أيضاً، و اشتراكهما في دليل الضمان لا يقتضي انطباق عنوان الغصب في الفرض. و إن كان المراد من قيد العدوان ثبوت العدوان الواقعي و إن كان الشخص جاهلًا به، فيصدق عنوان الغصب في الفرض، و يؤيّده ما ذكروه في مسألة تعاقب الأيدي من ثبوت الضمان فيها بأجمعها «3»، غاية الأمر استقرار الضمان على من تلف المال في يده. ثمّ إنّه يتحقّق عنوان الغصب بالاستيلاء المذكور و إن لم يكن هناك تصرّف أصلًا، كما أنّه ربما يتحقّق التصرّف في مال الغير بغير إذنه و إن لم يكن مقروناً بالاستيلاء، و لذا ذكر سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي قدس

سره أنّ ما اشتهر في علم الاصول في مثال مسألة اجتماع الأمر و النهي بالصلاة في الدار المغصوبة، ليس على ما ينبغي؛ لأنّ عنوان الصلاة لا يتّحد مع الغصب الذي هو الاستيلاء المذكور، بل الذي يتّحد مع عنوان الصلاة هو التصرّف في مال الغير بغير إذنه «4».

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره 1: 47- 62.

(2) تأتي مفصّلًا في ص 17.

(3) تأتي في ص 102- 113 مسألة 36.

(4) نهاية التقرير 1: 443- 444، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصلاة 1: 364- 371، سيرى كامل در اصول فقه 6: 483- 485.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 11

..........

______________________________

نعم، لازم البيان المذكور أنّه إذا تصرّف الغاصب في العين المغصوبة يكون قد ارتكب أمرين محرّمين: الاستيلاء، و التصرّف في مال الغير بغير إذنه. و يبدو بالبال الإشكال في ذلك، و لعلّه لذا أخذ المحقّق الرشتي قيد «التصرّف» في تعريف الغصب «1»، و الظاهر أنّ الالتزام بتعدّد العقوبة أهون من القيد المذكور. ثمّ إنّه ربما يقال بأنّ عنوان الغصب غير مأخوذ في شي ء من الأدلّة، و لا يمكن أن يستفاد كونه موجباً للضمان إلّا من دليل حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه «2»، أو دليل «قاعدة ضمان اليد» المأخوذ فيها الأخذ «3». و الجواب: مضافاً إلى ذكر عنوان الغصب في صحيحة أبي ولّاد الآتية «4» في جواب السؤال عن أنّه هل للغاصب بعد علف الدابّة المغصوبة الرجوع إلى المالك؟

من قوله عليه السلام: «لا» معلّلًا بأنّه غاصب؛ فإنّه لو لا استلزام الغصب للضمان و ترتّبه عليه لما كان وجه لهذا التعليل. مع أنّ دليل حرمة التصرّف في مال الغير لا يدلّ إلّا على الحكم

التكليفي، و لا دلالة له على الحكم الوضعي و هو الضمان، كما لا يخفى. و دليل «على اليد»- على تقدير صحّة روايته- و إن كان يدلّ على الضمان، إلّا أنّ مدلوله ثبوت الضمان في صورة الغصب المقرون بالتصرّف، لا عدمه في صورة العدم، كما لا يخفى. فالإنصاف أنّ ثبوت الضمان في مورد الغصب من ضروريّات الفقه، و لا يحتاج

______________________________

(1) كتاب الغصب: 3.

(2) كمال الدِّين: 521 قطعة من ح 49، الاحتجاج 2: 559 قطعة من ح 351، و عنهما وسائل الشيعة 9: 540- 541، كتاب الخمس، أبواب الأنفال ب 3 قطعة من ح 7.

(3) تأتي في ص 17.

(4) في ص 81- 83.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 12

..........

______________________________

إلى دليل آخر، و قد ثبت في محلّه «1» أنّ ضروريّ الفقه يغاير ضروريّ الإسلام؛ فإنّ الثانية أخصّ من الاولى، و ضروريّ الفقه لا تفتقر إلى إقامة الدليل عليه، و عليه:

فيحتاج اعتبار التصرّف في مفهومه إلى الدليل و ليس بموجود، كما لا يخفى، و مجرّد ذكر اليد في كلمات جماعة كثيرة من الفقهاء بل لعلّه المشهور «2»، لا يدلّ على اعتبار اليد، خصوصاً بعد ما عرفت «3» من أنّه ليس للغصب حقيقة شرعيّة، كما لا يخفى. ثمّ إنّه لا يعتبر في صدق عنوان الغصب كون غرض الغاصب الغصب و رفع سلطنة المالك، بل يتحقّق العنوان المذكور و إن لم يكن الغرض ذلك، و لذا أطبق الإمام عليه السلام عنوان الغاصب على مورد صحيحة أبي ولّاد الآتية «4»، المتعرّضة لحكم من اكترى دابّة إلى قصر بني هبيرة و خرج في طلب غريم له، فلمّا صار قرب قنطرة الكوفة خبّر أنّ صاحبه توجّه إلى النيل،

فلمّا أتى النيل خبّر أنّه توجّه إلى بغداد فاتبعه فظفر به. مع أنّه من الواضح: أنّه لم يكن غرضه إلّا الظفر بصاحبه، لا الاستيلاء على دابّة الغير عدواناً. و بهذا يفترق عنوان الغصب عن مثل عنواني البيع و النكاح و إن اشترك الكلّ في كونه أمراً اعتباريّاً عقلائيّاً مترتّباً عليه أحكام كثيرة و آثار عديدة؛ لأنّ مثل البيع من العناوين القصديّة التي لا يكاد يتحقّق من دون القصد، كعناوين العبادات؛ مثل

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره 1: 47، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجسات و أحكامها: 246- 252، و كتاب المواريث: 327.

(2) شرائع الإسلام 3: 235، المختصر النافع: 367، قواعد الأحكام 2: 221- 222، إرشاد الأذهان 1: 445، الدروس الشرعيّة 3: 105، اللمعة الدمشقيّة: 141، التنقيح الرائع 4: 64، مسالك الأفهام 12: 146- 148، جواهر الكلام 37: 8.

(3) في ص 7.

(4) في ص 81- 83.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 13

..........

______________________________

الصلاة و الصوم. و أمّا الغصب، فيتحقّق من دون القصد إليه، كما عرفت في مورد الصحيحة، فتدبّر. ثمّ إنّه ربما يضاف قيد «جهاراً» إلى التعريف، كما هو المنقول عن بعض كتب أهل السنّة- و هو كتاب الإسعاد «1»، الذي ذكر صاحب الجواهر في بحث آخر أنّه أصل كتب الشافعيّة أو من أجلّها «2»- نظراً إلى إخراج السرقة عن عنوان الغصب، و لكنّ الظاهر أنّه لا مانع من الالتزام بأنّ السرقة من مصاديق الغصب. غاية الأمر أنّ لها أحكاماً مخصوصة مذكورة في محلّه «3». هذا كلّه فيما يتعلّق بالموضوع. و أمّا الحكم، فلا شبهة في أنّه من المستقلّات العقلية التي يحكم العقل فيها بالقبح؛ لأنّه ظلم، بل

من أفحش مصاديق الظلم، كما في المتن. و يدلّ على تحريمه الأدلّة الشرعيّة و كثير من الروايات المنقولة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أو عن عليّ عليه السلام، أو الأئمّة المعصومين عليهم السلام، و قد أورد جملة منها في المتن، و في أوائل أبواب كتاب الغصب من الوسائل، فراجع «4». و قد عرفت أنّ المهمّ في الباب هو إثبات الضمان في مورد الغصب لا الحكم التكليفي و هي الحرمة. نعم، في بعض المسائل الآتية «5» يأتي أنّ الاستيلاء على الحرّ خصوصاً مع حبسه من أفراد الغصب و مصاديقه، و يكون الضمان فيها ثابتاً إن لم يكن إجماع على خلافه، فتدبّر.

______________________________

(1) و كذا في شرح منهج الطلّاب، المسمّاة التجريد لنفع العبيد، المطبوع مع حاشية البجيرمي 3: 165.

(2) جواهر الكلام 37: 7 و 425 و ج 38: 59.

(3) شرائع الإسلام 4: 172، مسالك الأفهام 14: 478. تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 489.

(4) وسائل الشيعة: 25/ 385- 386، كتاب الغصب ب 1.

(5) في ص 21- 24.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 14

أنواع الغصب

مسألة 1: المغصوب إمّا عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين، و إمّا عين بلا منفعة، و إمّا منفعة مجرّدة، و إمّا حقّ ماليّ متعلّق بعين. فالأوّل: كغصب الدار من مالكها، و كغصب العين المستأجرة من المؤجر و المستأجر. و الثاني: كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في مدّة الإجارة. و الثالث: كما إذا أخذ المؤجر العين المستأجرة و انتزعها من يد المستأجر، و استولى على منفعتها مدّة الإجارة. و الرابع: كما إذا استولى على أرض محجّرة، أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن

الذي له فيها حقّ الرهانة، و من ذلك غصب المساجد و المدارس و الرباطات و القناطر و الطرق و الشوارع العامّة، و كذا غصب المكان الذي سبق إليه أحد من المساجد و المشاهد على احتمال موافق للاحتياط (1).

______________________________

(1) 1- المغصوب على أنواع: الأوّل: العين مع المنفعة؛ سواء كانا من مالك واحد، أو من مالكين، فالأوّل: كما إذا غصب الدار من مالكها، و الثاني: كما إذا غصب العين المستأجرة من المؤجر و المستأجر. الثاني: العين بلا منفعة، كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في مدّة الإجارة التي يكون هو مالكاً للمنفعة فيها. الثالث: المنفعة المجرّدة، كما إذا أخذ المؤجر العين المستأجرة و انتزعها من يد المستأجر، و استولى على منفعتها مدّة الإجارة. الرابع: ما إذا كان المغصوب حقّاً، و اللازم في هذا النوع أن يقال: تارةً: يكون

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 15

..........

______________________________

الحقّ ماليّاً، كما إذا استولى على أرض محجّرة، أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حقّ الرهانة. و يظهر من صدر المسألة الاختصاص بالحقّ المالي، و ظاهره عدم الشمول للحقّ غير المالي، كما أنّ الظاهر عدم الاختصاص بذلك، خصوصاً مع إطلاق لفظ الحقّ في الكلمات. و اخرى: لا يكون ماليّاً؛ لعدم أخذ ماليّة الحقّ في تعريف الغصب، كما أنّه لم يؤخذ فيه أن يكون الحقّ لشخص خاصّ، بل يمكن أن يكون للعموم، كالأمثلة المذكورة في المتن، كما أنّه يشمل الأمثلة الأخيرة؛ لوجود حقّ الأولويّة بالأسبقيّة و إن لم يكن حقّاً ماليّاً، و لذا استشكلوا في صحّة الاعتكاف في المكان من المسجد الذي سبق إليه أحد لأجله، بل منعوا عن صحّته. و كذا بالإضافة إلى

الصلاة في الأمكنة العامّة- و لو لم تكن مسجداً إذا سبق إليها أحد لذلك، فتدبّر. و سيأتي في المسألة الحادية عشر ما ينفع المقام، و الظاهر أنّ المراد بالاحتياط المذكور في المتن هو الاحتياط الوجوبي، لا الاستحبابي، فتأمّل.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 16

أنواع المغصوب منه

مسألة 2: المغصوب منه قد يكون شخصاً، كما في غصب الأعيان و المنافع المملوكة للأشخاص و الحقوق لهم، و قد يكون النوع أو الجهة، كغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل، و المدرسة المعدّة لسكنى الطلبة إذا غصب أصل المدرسة و منع عن سكنى الطلبة، و كغصب الخمس و الزكاة قبل دفعهما إلى المستحقّ، و كغصب ما يتعلّق بالمشاهد و المساجد و نحوهما (1).

أحكام الغصب

مسألة 3: للغصب حكمان تكليفيّان: و هما الحرمة، و وجوب الردّ إلى المغصوب منه أو وليّه، و حكم وضعيّ؛ و هو الضمان؛ بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب، و كون تلفه و خسارته عليه، و أنّه إذا تلف يجب عليه دفع بدله، و يقال لهذا الضمان: ضمان اليد (2).

______________________________

(1) 1- المغصوب منه قد يكون شخصاً، كما في أكثر الأمثلة المذكورة في المسألة السابقة، و قد يكون نوعاً، كغصب العين الموقوفة للفقراء، و قد يكون جهة، كالمثالين المذكورين في المتن أوّلًا، و الظاهر أنّ المراد من مثال الخمس و الزكاة ما إذا دفع المالك الخمس أو الزكاة إلى شخص ليوصله إلى أهلهما من الفقراء أو السادات منهم مثلًا؛ فغصبه الشخص الذي وكّل في الإيصال قبل الدفع إلى المصرف، و من هذا القبيل غصب ما يتعلّق بالمشاهد و المساجد و نحوهما، و الوجه فيه واضح.

(2) 2- للغصب ثلاثة أحكام: حكمان تكليفيّان، و حكم وضعيّ. أمّا الأوّلان: فهما الحرمة، و وجوب الردّ إلى المغصوب منه. أمّا الحرمة، فلما

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 17

..........

______________________________

عرفت «1» من دلالة العقل و النقل عليها، و قد مرّ نقل بعض الروايات الواردة في الباب «2»، و أمّا وجوب الردّ إلى المغصوب منه أو وليّه؛

ففي الجواهر أنّه لا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه إن لم يكن ضرورة من المذهب، مضافاً إلى قوله عليه السلام: كلّ مغصوب مردود «3» «4». و الظاهر أنّه لا فرق في هذا الحكم بين صورة التيسّر و صورة التعسّر، كالخشبة أو الآجر المستدخلة في البناء، أو اللوح في السفينة، أو مزج الحنطة بالشعير و نحوها. و أمّا الحكم الوضعي، فهو عبارة عن الضمان المستفاد من مثل «قاعدة على اليد» الثابتة بقوله صلى الله عليه و آله: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي، أو تؤدّيه «5». و في بعض الروايات «قبضت» بدل «أخذت» «6»، رواه ابن ماجة و الترمذي و أبو داود السجستاني عن

______________________________

(1) في ص 13.

(2) في ص 7.

(3) الكافي 1: 542 ح 4 باب الفي ء و الأنفال قطعة من ح 4، و عنه وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، قطعة من ح 4 باختلاف يسير.

(4) جواهر الكلام 37: 75.

(5) المسند لابن حنبل 7: 248 ح 20107، فيه: ... حتّى تؤدّيه، أو تؤدّي، و ص 257 ح 20151، و فيه: ... حتّى تؤدّي، سنن الدارمي 2: 181 ب 56 ح 2592، و فيه: حتّى تؤدّيه، سنن أبي داود: 548 ح 3561، و فيه: ... حتّى تؤدّي، سنن ابن ماجة 3: 147 ح 2400، و فيه: حتّى تؤدّيه، سنن الترمذي 3: 566 ح 1269، و فيه: ... حتّى تؤدّي، المستدرك على الصحيحين 2: 55 ح 2302، و فيه: ... حتّى تؤدّيه، السنن الكبرى للبيهقي 8: 482 ح 11677 و ص 495 ح 11713، و فيه: ... حتّى تؤدّيه، الخلاف 3: 409 مسألة 22، و فيه: حتى تؤدّيه، عوالي اللئالي 1: 389

ح 22 و ج 2: 345 ح 10، و يراجع لتوضيح أكثر القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره: 87- 164.

(6) لم نجده في كتب الحديث، بل رواها في غنية النزوع: 280 هكذا.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 18

..........

______________________________

قتادة، عن الحسن البصري، عن سمرة بن جندب، عنه صلى الله عليه و آله على ما أفاده سيّدنا المحقّق المتتبّع الخرّيت في مثل هذه الامور البروجردي قدّس سرّه الشريف. و قد قال في تقريب الاستدلال بها ما ملخّصه: يرجع إلى أنّ كلمة «على» إن ذكر بعد مجرورها فعل من الأفعال أو مثله، فمعناها كون مجرورها ملزماً بهذا الفعل، كقوله: عليه أن يصلّي. و إن ذكر بعده اسم جامد، فهو على قسمين؛ لأنّ مفاد هذا الاسم إن كان كليّاً ليس له موطن سوى ذمّة مجرور على، يكون مفاده ثبوت هذا الشي ء في ذمّة هذا الشخص، مثل أن يقول: عليَّ لزيد ألف درهم. و إن كان مفاد هذا الاسم عيناً خارجيّاً أو كلّياً، و لكن كان له موطن غير ذمّة مجرور على، كذمّة شخص آخر، يكون مفادها ثبوت هذا الشي ء في عهدة هذا الشخص لا في ذمّته، و لذا يجري في الأعيان الموجودة في الخارج مع وضوح عدم انتقالها إلى الذمّة ما دامت موجودة. إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ قوله صلى الله عليه و آله: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي، لا بدّ و أن يكون على النحو الثالث؛ و هو التعهّد و الضمان، خصوصاً بعد وضوح أنّ المراد باليد ليست هي الجارحة المخصوصة. هذا هو التقريب الأوّل الذي ذكره، و له تقريب آخر لا نرى حاجة إلى ذكره «1». مضافاً إلى أنّه من ضروريّات الفقه

و مرتكزات المتشرّعة، و هذا الضمان ضمان اليد الثابت في مثل «قاعدة الإتلاف» «2» أيضاً. و هذا يغاير الضمان المبحوث عنه في كتاب الضمان، لأنّ ذلك الضمان يحتاج إلى

______________________________

(1) كتاب الغصب، المطبوع ضمن تقريرات ثلاثة: 128- 130.

(2) تقدّمت في ص 10.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 19

..........

______________________________

أشخاص ثلاثة: الضامن، و المضمون عنه، و المضمون له، و قد وقع الاختلاف بيننا و بين غيرنا في أنّ معناه نقل ذمّة إلى آخر، أو ضمّ ذمّة إلى ذمّة اخرى، و التحقيق في محلّه «1»؛ و إن حكي عن سيّدنا البروجردي قدس سره- على ما في تقريراته في باب الغصب- أنّ الضمان في باب ضمان الذمّة، المذكور في كتاب الضمان، و الضمان في باب ضمان اليد، و ضمان الإتلاف؛ سواء كان بالمباشرة أو التسبيب، كلّها بمعنى واحد و إن اختلف ضمان اليد، و ضمان الإتلاف في أنّ مورد الثاني صورة التلف، و مورد الأوّل أعمّ من صورة التلف، بل الغاصب ضامن لكلتا الصورتين: التلف، و عدمه. غاية الأمر أنّ أثره في صورة الوجود وجوب أداء العين سالمة، مثل حين الأخذ بشخصيّتها، كما أنّه بعد التلف يكون ضامناً للمثل إن كان مثليّاً، و للقيمة إن كان قيميّاً «2». هذا، و الظاهر أنّ تقسيمه للقسم الثالث من مجرور «على»- كما تقدّم بما إذا كان عيناً خارجيّاً، و بما إذا كان في ذمّة شخص آخر، و كان المقصود انتقال الذمّة إلى الضامن- إنّما هو لأجل جعل الضمان في كتاب الضمان من هذه المقولة، و أنّه لا فرق بينه و بين سائر أنواع الضمانات، مع أنّه لو كان المستند هي «قاعدة اليد» فالمأخوذ فيها الأخذ أو القبض،

و لا ينطبق شي ء من العنوانين على ما إذا كان المضمون شيئاً في الذمّة، كما لا يخفى، فالإنصاف تغاير كتاب الضمان مع الضمان في مثل الإتلاف و اليد.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الضمان: 357- 359.

(2) كتاب الغصب، المطبوع ضمن تقريرات ثلاثة: 130- 132.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 20

اشتراك جميع أقسام الغصب في الحكم التكليفي

مسألة 4: يجري الحكمان التكليفيّان في جميع أقسام الغصب، فالغاصب آثم فيها و يجب عليه الردّ. و أمّا الحكم الوضعي و هو الضمان، فيختصّ بما إذا كان المغصوب من الأموال عيناً كان أو منفعة، فليس في غصب الحقوق ضمان اليد (1).

______________________________

(1) 1- جميع أقسام الغصب المذكور في المسائل السابقة يشترك في الحكمين التكليفيّين المذكورين في المسألة المتقدّمة. نعم، بناءً على ذكر العدوان في تعريف الغصب- كما تقدّم من الماتن «1»- يتوقّف ثبوت الحكم التكليفي على العلم بالموضوع و الحكم. و أمّا مع انتفاء الأوّل مطلقاً، أو الثاني في خصوص صورة الجهل عن تقصير، فالظاهر عدم ثبوت الإثم؛ ضرورة أنّه لو استولى على مال الغير مع القطع مثلًا بكونه مال نفسه لا يترتّب عليه الإثم، و قد ذكرنا «2» في ذيل تعريف الغصب أنّه إن كان المراد بالعدوان هو العدوان ظاهراً و باطناً، فالظاهر عدم تحقّق الغصب في مسألة تعاقب الأيدي لو كان البعض جاهلًا، و على ما ذكرنا يمكن ثبوت الحكم بالضمان مع عدم ثبوت الحكم التكليفي، فتدبّر. و أمّا الحكم الثالث الوضعي، فيختصّ بما إذا كان المغصوب من الأموال؛ سواء كان عيناً أو منفعة. و أمّا الحقوق، فليس في غصبها ضمان اليد، و ظاهره «3» أنّه لا فرق بين أن يكون الحقّ ماليّاً؛ كحقّ التحجير و حقّ

الرهانة، و بين أن لم يكن. أمّا في الصورة الثانية، فواضح؛ لأنّ المفروض عدم كونه ماليّاً؛ كحقّ السبق في المسجد و المدرسة و نحوهما. و أمّا في الصورة الاولى؛ فلأنّ الحقّ و إن كان ماليّاً، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد بماليّته تعلّقه بالمال لا وقوع المال في مقابله، فلا يعقل فيها الضمان.

______________________________

(1) في ص 7. (2) في ص 9- 10.

(2)

(3) أي ظاهر المتن.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 21

عدم تحقّق الغصب في الحرّ

مسألة 5: لو استولى على حرّ فحبسه لم يتحقّق الغصب، لا بالنسبة إلى عينه، و لا بالنسبة إلى منفعته و إن أثم بذلك و ظلمه؛ سواء كان كبيراً أو صغيراً، فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب، فلو أصابه حرق أو غرق، أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن. و كذا لا يضمن منافعه، كما إذا كان صانعاً و لم يشتغل بصنعته في تلك المدّة، فلا يضمن اجرته. نعم، لو استوفى منه منفعة- كما إذا استخدمه- لزمه اجرته، و كذا لو تلف بتسبيب منه، مثل ما إذا حبسه في دار فيها حيّة فلدغته، أو في محلّ السباع فافترسته، ضمنه من جهة سببيّته للتلف، لا لأجل الغصب و اليد (1).

______________________________

(1) 1- لا شبهة في أنّ الاستيلاء الغصبي على العبد صغيراً كان أو كبيراً يكون كغصب سائر الأموال. و أمّا الاستيلاء على الحرّ، فليس فيه ضمان، لا بالإضافة إلى العين، و لا بالإضافة إلى المنفعة. أمّا الأوّل: فلعدم كون الحرّ مالًا حتّى يتحقّق في غصبه ضمان اليد، و قد مرّ أنّ بعض الحقوق و إن كان ماليّاً، لكنّه لا يجري فيه الحكم الوضعي المتحقّق في كثير من أنواع

الغصب. إلّا أن يقال: إنّ المأخوذ في تعريف الغصب هو الاستيلاء على ما للغير، و هو لا يشمل نفس الغير، و لكنّه ربما يجاب عنه- مضافاً إلى أنّ هذا التعريف لم يرد في دليل- بأنّه إذا كان الاستيلاء على ما للغير غصباً، فالاستيلاء على نفس الغير يكون غصباً بطريق أولى، و يؤيّده التعبير بالاستيلاء في صدر هذه المسألة. و دعوى مدخليّة اليد في تعريف الغصب، و هي غير متحقّقة في الحرّ، أوّل

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 22

..........

______________________________

الكلام، خصوصاً بعد فرض الحبس بعد الاستيلاء، و يمكن فرض تحقّق التلف فيه من دون استناد إلى المستولي. و عليه: فلا بدّ في الحكم بعدم الضمان فيه من الاستناد إلى الإجماع، لا القاعدة المقتضية لثبوت الضمان في الفرض المزبور، فتدبّر، خصوصاً مع ملاحظة ثبوت الضمان في موارد القتل، إمّا تخييراً بين القصاص و الدّية، كما في قتل العمد، و إمّا ثبوت الدية على شخص القاتل، كما في قتل شبه العمد، أو على العاقلة، كما في قتل الخطأ، فتدبّر. و أمّا الثاني: فلأنّه و إن كان يجوز للحرّ تمليك جميع منافعه أو بعضها في مثل الإجارة و نحوها، كما إذا آجر نفسه للخياطة مثلًا، إلّا أنّ ذلك لا يوجب اتّصافه بالماليّة، كمنافع الأعيان التي مال، مثل منفعة الدار، بل كما أفاده المحقّق الرشتي قدس سره في كتابه في الغصب: أنّ المنافع لا تدخل تحت اليد إلّا بتبع العين، و حيث إنّ الحرّ لا تدخل تحت اليد، فمنافعه أيضاً كذلك. نعم، في صورة الاستيفاء يتحقّق موضوع «قاعدة الإتلاف» «1». و قد ذكرنا نحن- في هذا الشرح في كتاب الإجارة، و في التعليقة على العروة

الوثقى- أنّ ما اشتهر من أنّ الإجارة تمليك المنفعة ليس على ما ينبغي،- خصوصاً مع أنّ المنفعة بجميع أجزائها لا تكون موجودة في آن واحد، بل يوجد جزء منها و ينعدم، ثمّ يوجد جزء آخر و هكذا- بل الإجارة عبارة عن إضافة خاصّة بين المستأجر، و بين العين المستأجرة تستتبع ملكيّة المنفعة كاستتباعها بالإضافة إلى

______________________________

(1) كتاب الغصب: 19- 20.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 23

..........

______________________________

مالك العين، و لذا تضاف إلى العين فيقال: آجر العين أو استأجر العين «1». و قد ذكر السيّد الطباطبائي في حاشية المكاسب في هذا المجال- و هو عمل الحرّ قبل وقوع المعاوضة عليه- ما يرجع إلى أنّ فيه وجوهاً ثلاثة: أحدها: أن يقال: إنّه مال عرفيّ مطلقاً؛ إذ لا فرق بينه و بين عمل العبد، مع أنّه لا إشكال في كونه مالًا. الثاني: أنّه ليس بمال فعلًا، و لذا لا يتعلّق به الاستطاعة؛ إذ لا يجب الحجّ على من كان قادراً على التكسّب في طريق الحجّ، و لو حبسه الظالم لا يكون ضامناً لما يمكنه أن يكتسب في ذلك اليوم، بخلاف ما إذا حبس العبد. الثالث: أن يفرّق بين عمل المكسوب و غيره، و يقال: إنّ الأوّل مال عرفيّ دون الثاني، و هذا غير بعيد من الصواب؛ للصدق العرفي في الأوّل دون الثاني. قال: و يمكن هذا الفرق في مسألة الضمان «2». أقول: يستفاد من كلامه عدم ثبوت الإجماع بالإضافة إلى منافع الحرّ، كما قد عرفت «3» احتماله بالإضافة إلى أصله. و الظاهر أنّ رأي الغربيّين- من الاوربيّين و غيرهم- على ثبوت الضمان بالنسبة إلى المنافع مطلقاً؛ من دون فرق بين الكسوب و غيره. و

الظاهر أنّ الوجه الثالث- الذي نفى السيّد البُعد عنه عن الصواب- هو الأقوى؛ للصدق العرفي، و لعدم الفرق بينه، و بين عمل العبد، مع استظهار وجود

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 9- 10، الحواشي (التعليقة) على العروة الوثقى للمؤلّف قدس سره: 196.

(2) حاشية المكاسب 1: 277- 278.

(3) في ص 13.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 24

..........

______________________________

الفرق فيه بين الكسوب و غيره أيضاً، فتأمّل جيّداً. نعم، استثنى في المتن من موارد عدم ضمان الحرّ و المنافع موردين: أحدهما: صورة استيفاء منافع الحرّ، كما إذا استخدمه في مدّة كما في المتن؛ لما أشرنا إليه من تحقّق موضوع قاعدة إتلاف مال الغير عدواناً. ثانيهما: ما إذا تلف الحرّ بتسبيب منه، كالأمثلة المذكورة في المتن؛ و الوجه فيه استناد التلف إليه لأجل التسبيب، فيجب عليه دية قتل شبه العمد، لا لأجل الغصب و اليد.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 25

منع المالك عن إرسال دابّته المرسلة و نحوه

مسألة 6: لو منع غيره عن إمساك دابّته المرسلة أو من القعود على فراشه، أو عن الدخول في داره، أو عن بيع متاعه، لم يكن غاصباً و إن كان عاصياً و ظالماً له من جهة منعه، فلو هلكت الدابّة، و تلف الفراش، أو انهدمت الدار، أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان اليد. و هل عليه ضمان من جهة اخرى أم لا؟ أقواهما العدم في الأخير؛ و هو ما إذا نقصت القيمة. و أمّا في غيره، فإن كان الهلاك و التلف و الانهدام غير مستند إلى منعه؛ بأن كانت بآفة سماويّة و سبب قهريّ لا يتفاوت في ترتّبها بين ممنوعيّة المالك

و عدمها لم يكن عليه ضمان. و أمّا إذا كان مستنداً إليه، كما إذا كانت الدابّة ضعيفة، أو في موضع السباع و كان المالك يحفظها، فلمّا منعه المانع و لم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك، ففي الضمان تأمّل، لكنّه أحوط (1).

______________________________

(1) 1- أمّا عدم تحقّق ضمان اليد على المانع في الموارد المذكورة في المتن و مشابهاتها فواضح؛ لأنّ المفروض أنّه لم يتحقّق له استيلاء بالإضافة إلى الدابّة، أو الفراش، أو الدار و مثلها. غاية الأمر أنّ المانع لأجل منعه المالك من دون مجوّز شرعيّ يكون عاصياً و ظالماً في عمله الّذي هو المنع. و أمّا الضمان من جهة اخرى غير اليد، فقد فصّل فيه في المتن بين كون المنع موجباً لنقصان القيمة، فقد قوّى فيه عدم الضمان؛ لأنّ نقصان القيمة السوقيّة أمر اعتباريّ، و المتاع باق بعينه من دون عروض نقص عليه، فلا وجه لضمانه، و بين غيره من الأمثلة الاخرى. و فيها قد فصّل بين ما إذا كان الهلاك و الانهدام و التلف غير مستند إلى منعه

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 26

..........

______________________________

بوجه، بل كان بآفة سماويّة و سبب قهريّ لا يتفاوت في ثبوتها بين صورة ممنوعيّة المالك و عدمها، فنفى عن المانع الضمان لأجل عدم استناد التلف إليه أصلًا. و لا مجال في هذه الصورة من الحكم بالضمان فيها؛ نظراً إلى «قاعدة لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» «1»؛ لما تقدّم «2» منّا غير مرّة من أنّ ما اشتهر- خصوصاً بين الشيخ الأعظم، و تلميذه المحقّق الخراساني 0 في الكفاية «3»- من حكومة قاعدة لا ضرر على الأدلّة الأوّليّة المثبتة للأحكام، أو النافية لها، ليس

على ما ينبغي؛ لأنّ مفادها حكم حكومتيّ من الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، الذي كان حاكماً في عصره على المسلمين، و لا يرتبط بأدلّة الأحكام أصلًا، و منه يظهر أنّ مجراها ليس هو الفقه المعدّ لاستنباط الأحكام بوجه، كما لا يخفى. و بين صورة ما إذا كان مستنداً إليه، كالمثالين المذكورين في المتن، فقد تأمّل فيه في الضمان و إن احتاط بثبوته؛ و وجه التأمّل أنّه من جهة يقال بأنّ التلف في الموردين لا يكون مستنداً إلى المانع، بل إلى السباع و مثلها. و من جهة اخرى يمكن أن يقال بالتسبيب، فإنّه لو لا منعه لكان المالك قادراً على حفظها، و هو صار سبباً لعدم القدرة على الحفظ، فالتلف مستند إلى المانع، كما في المثال المذكور في المسألة السابقة من أنّه إذا حبس الحرّ في دار فيها حيّة، فلدغته

______________________________

(1) المسند لابن حنبل 1: 672 ح 2867، سنن ابن ماجة 3: 117 ح 2340 و 2341، السنن الكبرى للبيهقي 9: 123 ح 12098 و 12099، و ج 15: 131- 132 ح 21028 و 21029، وسائل الشيعة 25: 429، كتاب إحياء الموات ب 12 ح 3- 5، و ج 26: 14، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث ب 1 ح 10.

(2) سيرى كامل در اصول فقه 13: 409 و ما بعدها، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 340- 343، قاعدة نفي الحرج للمؤلّف قدس سره، المطبوع ضمن ثلاث رسائل: 9- 10.

(3) فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم) 2: 462، كفاية الاصول: 433.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 27

..........

______________________________

يكون ضامناً له، فتدبّر. و الاحتياط المذكور في المتن وجوبيّ،

و يمكن أن يفتى بالضمان فيما إذا كان الممنوع راعياً كان شغله هو الرّعي، و حفظ الغنم مثلًا من أن يصيبه الذئب؛ فإنّه حينئذٍ يمكن أن يقال بأنّه كسوب. و قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بين الكسوب و غيره. إلّا أن يقال: إنّ البحث هنا إنّما هو بالإضافة إلى الغنم و مثله، لا بالإضافة إلى الممنوع. و قد عرفت في المسألة السابقة أنّ الماتن قدس سره لم يفرّق فيها بين الصانع و غيره «1».

______________________________

(1) في ص 21.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 28

اختلاف الاستيلاء باختلاف المغضوب

مسألة 7: استيلاء الغاصب على المغصوب و صيرورته تحت يده عرفاً يختلف باختلاف المغصوبات، و الميزان صيرورة الشي ء كذلك عدواناً، ففي المنقول غير الحيوان يتحقّق بأخذه بيده، أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكّانه أو أنباره و غيرها ممّا يكون محرزاً لأمواله، و لو كان ذلك لا بمباشرته بل بأمره. فلو نقل حمّال بأمره كان الآمر غاصباً و كفى في الضمان، بل و لو كان المنقول في بيته أو دكّانه مثلًا، و طالب المالك و لم يؤدّه إليه، و كان مستولياً على البيت و الدكّان يكفي في الضمان، بل لو استولى على الفراش مثلًا و لو بقعوده عليه كفى. و لا يكفي مجرّد القعود و قصد الاستيلاء ما لم يتحقّق ذلك عرفاً، و هو مختلف في الموارد، كما أنّ في الحيوان أيضاً هو الميزان، و يكفي الركوب عليه لو أخذ مقوده و زمامه، أو سوقه بعد طرد المالك و دفعه، أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه و يكون منقاداً له، فلو كانت قطيع غنم في الصحراء و معها راعيها، فطرده و استولى عليها بعنوان

القهر و الانتزاع من مالكها، و جعل يسوقها و صار بمنزلة راعيها يحافظها و يمنعها عن التفرّق، فالظاهر كفايته في تحقّق الغصب؛ لصدق الاستيلاء عرفاً. و أمّا غير المنقول، فيكفي في غصب الدار و نحوها كالدكّان و الخان أن يسكنها أو يسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضورها، و كذا لو أخذ مفاتيحها من صاحبها قهراً و كان يغلق الباب و يفتحه و يتردّد فيها.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 29

و أمّا البستان، فكذلك لو كان له باب و حيطان، و إلّا فيكفي دخوله و التردّد فيه بعد طرد المالك بعنوان الاستيلاء و بعض التصرّفات فيه، و كذا الحال في غصب القرية و المزرعة. هذا كلّه في غصب الأعيان. و أمّا غصب المنافع، فإنّما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة، و جعلها تحت يده بنحو ما تقدّم، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو غيره من المستأجر، و استولى عليها في مدّة الإجارة؛ سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا (1).

..........

______________________________

(1) 1- قد عرفت أنّ الغصب ليس له حقيقة شرعيّة، بل هو في الشرع بمعناه اللغوي و العرفي «1»، فاعلم أنّ الاستيلاء على المغصوب من مال أو حقّ يختلف باختلاف المغصوبات؛ فإنّ المغصوب قد يكون عيناً، و قد يكون منفعة، فالكلام يقع في مقامين: المقام الأوّل: أن يكون المغصوب عيناً، و في هذه الصورة يكون على أقسام: الأوّل: أن يكون منقولًا غير حيوان، كالحنطة و الشعير و نحوهما، و في هذا القسم يتحقّق الغصب بأخذه بيده، أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكّانه أو أنباره و غيرها ممّا

يكون محرزاً لأمواله؛ سواء كان بمباشرته أو بأمره. فلو نقل حمّال بأمره كان الآمر غاصباً و كفى في الضمان، بل و لو كان المنقول في بيته أو دكّانه مثلًا من قبل و مع إجازة المالك، و طالب المالك و لم يؤدّه إليه من دون عذر له في ذلك، يكفي في تحقّق الضمان؛ نظراً إلى تحقّق الاستيلاء الغصبي بالإضافة إلى البقاء.

______________________________

(1) في ص 7.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 30

..........

______________________________

و في المتن ترقّى إلى أنّه لو استولى على الفراش مثلًا و لو بقعوده عليه كفى في الضمان. نعم، لا يكفي مجرّد القعود و إن كان مقروناً بقصد الاستيلاء؛ لأنّ الملاك هو الاستيلاء الاعتباريّ الخارجي، و لا يعتبر فيه القصد، فكلّ مورد حكم العرف بأنّه استيلاء يتحقّق عنوان الغصب. الثاني: أن يكون حيواناً، و لا بدّ في تحقّق الغصب من صدق الاستيلاء عليه مع كونه مال الغير، و لو طرد المالك و دفعه و أخذ مقوده و زمامه مع الركوب عليه، أو سوقه إلى أيّ جهة شاء، فالظاهر كفايته، و لو كانت قطيع غنم في الصحراء بحيث لا يمكن أخذ كلّ منها، فإذا طرد راعيها و استولى عليها بعنوان القهر و الانتزاع من مالكها، و جعل يسوقها كسوق الراعي و يحافظها و يمنعها عن التفرّق، فقد استظهر في المتن كفايته في تحقّق الغصب؛ نظراً إلى صدق الاستيلاء عليها عرفاً. الثالث: أن يكون غير منقول، كالدار و الدكّان و الخان، و يكفي في صدق الغصب بالإضافة إلى هذه الامور بعد إزعاج المالك عنها، أو عدم حضوره و سفره الطولاني، إمّا أن يسكنها، أو يسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها، و إمّا أن يأخذ

مفاتيحها من صاحبها قهراً، و كان يغلق الباب و يفتتحه و يتردّد فيها كأنّه من جملة أمواله المتعلّقة به. هذا بالإضافة إلى مثل الدار التي لها باب و حيطان. و أمّا البستان، فإن كان كذلك فكذلك، و إلّا كأكثر البساتين الموجودة في قرب هذا الزمان، بل في القرى و شبهها يكفي دخوله و التردّد فيه بعد طرد المالك و دفعه.

و يمكن أن يقال بالنسبة إلى هذه الأزمنة التي يكون للمالك سند عقلائيّ و مدرك عرفيّ، إذا تمكّن من أخذ سند المالكيّة من طريق و لو بالنسبة إلى الأراضي التي تكون ملكاً شرعاً للغير الخالية عن الباب و الحيطان، بل و لا يتحقّق فيه التردّد

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 31

..........

______________________________

نوعاً يكون مع أخذ السند غاصباً؛ لصدق الاستيلاء العرفي بذلك بعد كون السند هو المحور في الملكيّة ثبوتاً و نفياً عرفاً، و هذا النوع من الغصب شائع في هذه الأزمنة، نعوذ باللّٰه منه. هذا، و قد صرّح المحقّق في الشرائع بثبوت الغصب في العقار، قال فيها: و يصحّ غصب العقار و يضمنه الغاصب، و يتحقّق غصبه بإثبات اليد عليه مستقلّاً من دون إذن المالك، و كذا لو أسكن غيره «1». و المحكي عن المسالك «2» أنّ المراد منه مغايرة كيفيّة غصب المنقول لها في غير المنقول؛ نظراً إلى كفاية مجرّد الاستيلاء من دون وضع يد في الثاني دون الأوّل. و لكن ذكر المحقّق الرشتي قدس سره أنّ التأمّل الصادق في هذه العبارة يقتضي خلاف ما استظهره صاحب المسالك؛ فإنّ قول المصنّف: «من دون إذن المالك» قرينة واضحة على أنّ المراد بوضع اليد هو التصرّف الحسّي؛ فإنّه لو كان المراد هو

مجرّد الاستيلاء لكان هذا القول لغواً؛ إذ لا معنى لتقييد الاستيلاء على مال الغير بدون إذنه؛ ضرورة عدم تصوّر الاستيلاء و القهر على شخص مع الإذن. و يؤيّد المقصود قوله: «و كذا لو أسكن غيره»؛ فإنّ المراد به إلحاق يد المأمور بيد الآمر، و لا بدّ من سبق ذكر اعتبار وضع اليد أوّلًا، ثمّ إلحاق وضع يد المأمور بيد الآمر «3». انتهى موضع الحاجة. و الظاهر صحّة تفسيره لكلام المحقّق، خصوصاً بعد ذكر إثبات اليد هنا أيضاً، أنّ الذي يرد عليه: أنّ التصرّف بمعنى سكونة النفس أو إسكان الغير و إن كان أمراً ممكناً في مثل الدار و نظائرها من الامور غير المنقولة، إلّا أنّه لا يمكن أن يتحقّق في مثل الأراضي الوسيعة التي ليس لها باب و لا جدار. و الظاهر إمكان تحقّق الغصب فيها، كما يدلّ عليه قوله صلى الله عليه و آله: الزرع للزارع و لو كان غاصباً «4»، بناءً على أن يكون المراد هو تحقّق غصب الأرض قبل الشروع في الزراعة، بحيث وقعت الزراعة في الأرض المغصوبة. فالإنصاف أن يقال: إنّه بناءً على اعتبار مجرّد الاستيلاء في معنى الغصب، و عدم اعتبار التصرّف و لو بأخذ السند القانوني على المالكيّة، كما هو المتداول في هذه الأعصار، يمكن أن يقال بجريان الغصب في مثل الأراضي المتّسعة؛ نظراً إلى إمكان تحقّق الاستيلاء من غير المالك، كما كان كذلك في زمن الطاغوت بالإضافة إلى بعض القرى، الذي كان الحاكم و المستولي هو الخان المعمول في زمن الطاغوت. و أمّا بناءً على اعتبار التصرّف في معنى الغصب و حقيقته، يكون اللازم عدم تحقّق الغصب بالإضافة إليها، كما لا يخفى. المقام الثاني: في غصب المنافع، و

هو يتحقّق- كما في المتن- بانتزاع العين ذات المنفعة من يد مالك المنفعة بنحو يتحقّق الاستيلاء العرفي، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو غيره من يد المستأجر و انتزعت منه، من دون فرق بين صورة

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 235، و كلمة «من» ساقطة في جميع النسخ الجديدة التي عثرنا عليها. نعم، موجودة في الطبعة الحجريّة سنة 1295، و مسالك الأفهام و غيرهما.

(2) مسالك الأفهام 12: 151- 152.

(3) كتاب الغصب: 6.

(4) السرائر 2: 333، و فيه «الزرع لمن زرعه و إن كان غاصباً، نيل الأوطار 5: 321، و فيه: «الزرع للزارع و إن كان غاصباً»، لكن قال بعد نقله: و لم أقف على هذا الحديث. و الظاهر أنّه مصطاد ممّا روي في سنن ابن ماجة 3: 183 ح 2466، و سنن أبي داود: 528 ح 3403، و تهذيب الأحكام 7: 206 ح 906، و الكافي 5: 296 ح 1، و عنهما وسائل الشيعة 25: 387، كتاب الغصب ب 2 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 33

..........

______________________________

الاستيفاء أو الفوت تحت يده، و من دون فرق بين أن تكون الإجارة مفسّرة بما أشرنا إليه «1»، أو قلنا بأنّها تمليك المنفعة؛ لأنّه- مضافاً إلى أنّ فرض غصب المنافع لا ينحصر بصورة الإجارة، و التمثيل بها إنّما هو لغرض غصب المنافع مستقلّة عن غصب العين، و إلّا فغصب العين مستلزم لغصب المنافع تبعاً، و لذا يجب على غاصبها ردّ عوض المنافع؛ سواء استوفاها أم لم يستوفها- تكون المنفعة قابلة عرفاً للاستيلاء عليها، كما لا يخفى. فإذا فرض إمكان الاستيلاء على الحقّ كما في الأمثلة المتقدّمة، فإمكان الاستيلاء على المنفعة بطريق أولى.

______________________________

(1)

في ص 22- 23.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 34

دخول الدار و السكنى فيها مع مالكها قهراً

مسألة 8: لو دخل الدار و سكنها مع مالكها، فإن كان المالك ضعيفاً غير قادر على مدافعته و إخراجه فإن اختصّ استيلاؤه و تصرّفه بطرف معيّن منها، اختصّ الغصب و الضمان بذلك الطرف دون غيره، و إن كان استيلاؤه و تصرّفاته و تقلّباته في أطراف الدار و أجزائها بنسبة واحدة، و تساوي يد الساكن مع يد المالك عليها، فالظاهر كونه غاصباً للنصف، فيكون ضامناً له خاصّة؛ بمعنى أنّه لو انهدمت الدار ضمن الساكن نصفها، و لو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض، و كذا يضمن نصف منافعها. و لو فرض أنّ المالك الساكن أزيد من واحد، ضمن الساكن الغاصب بالنسبة في الفرض، فإن كانا اثنين ضمن الثلث، و إن كانوا ثلاثة ضمن الربع، و هكذا. و لو كان الساكن ضعيفاً؛ بمعنى أنّه لا يقدر على مقاومة المالك، و أنّه كلّما أراد أن يخرجه من داره أخرجه، فالظاهر عدم تحقّق الغصب و لا اليد و لا الاستيلاء، فليس عليه ضمان اليد. نعم، عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها (1).

______________________________

(1) 1- لو دخل الدار و سكنها مع مالكها قهراً و من دون إجازة، ففي المسألة مقامان أيضاً: المقام الأوّل: فيما إذا كان المالك ضعيفاً و لا يكون قادراً على مدافعته و إخراجه عن الدار، و فيه فرضان: الأوّل: أن يكون استيلاؤه منحصراً بطرف معيّن، و لا تكون له يد بالإضافة إلى الزائد عن ذلك الطرف، و لا خفاء فيه في اختصاص الغصب و الضمان بذلك الطرف، سواء كانت نسبته إلى مجموع الدار النصف أو أقلّ أو أكثر،

كما إذا فرضت سعة

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 35

..........

______________________________

الدار، و فرض استيلاؤه على خصوص قسمة منه، و الباقي في يد المالك؛ فإنّه لا شبهة في ضمانه بالنسبة إلى ما استولى عليه فقط، و لا يكون ضامناً بالإضافة إلى الأزيد؛ سواء كانت النسبة التساوي أو غيره. الثاني: أن يكون استيلاؤه و تصرّفاته و تقلّباته في جميع أطراف الدار و جوانبها و أجزائها بنسبة واحدة كالمالك، و تساوي يده يده، ففي هذا الفرض يكون استيلاؤه مع المالك مثلين، فالضمان إنّما يكون ثابتاً بالنسبة إلى النصف، بحيث لو فرض انهدام الدار بجميع أجزائها يكون المستولي كذلك ضامناً لنصف القيمة، كما أنّه لو فرض انهدام حصّة خاصّة من الدار يكون ضامناً لنصف تلك الحصّة. هذا مع فرض وحدة المالك، فإن كانا اثنين و هما ساكنان في الدار، يكون المستولي ضامناً للثلث و إن كانوا ثلاثاً كذلك يكون المستولي ضامناً للربع و هكذا، و الوجه فيه واضح. المقام الثاني: فيما إذا كان الداخل الساكن ضعيفاً، و المالك قادراً على إخراجه من الدار، و قد استظهر في المتن عدم تحقّق الغصب و الاستيلاء، و عدم ثبوت ضمان اليد الثابت في الغصب، بل الذي على الداخل عوض المنفعة التي استوفاها بغير إذن.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 36

الأخذ بمقود الدابّة

مسألة 9: لو أخذ بمقود الدابّة فقادها، و كان المالك راكباً عليها، فإن كان في الضعف و عدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها، كان القائد غاصباً لها بتمامها و يتبعه الضمان، و لو كان بالعكس- بأن كان المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته و مدافعته- فالظاهر عدم تحقّق الغصب أصلًا، فلا ضمان عليه

لو تلفت الدابّة في تلك الحال. نعم، لا إشكال في ضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع مثلًا فتلفت أو عيبت (1).

______________________________

(1) 1- في المسألة صورتان: إحداهما: الأخذ بمقود الدابّة و قيادتها و كان المالك راكباً عليها، و فيها فرضان: الأوّل: أن يكون المالك الراكب ضعيفاً بمثابة يكون كالمحمول عليها، و ليس له إرادة و قدرة بالإضافة إليها من جهة طرد الغير و منعه، ففي هذا الفرض يكون القائد غاصباً للدابّة بتمامها، و عليه ضمان اليد كسائر موارد الغصب. الثاني: أن يكون المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته و مدافعته، و يكون له الاختيار و القدرة بالإضافة إلى كيفيّة الحركة من السرعة و البطء، و إذهابها إلى أيّ جهة شاء، ففي هذا الفرض لا يتحقّق ضمان اليد؛ لعدم تحقّق الاستيلاء للقائد الآخذ بمقود الدابّة، فلو تلفت الدابّة في هذه الحالة لا يكون ضمان على القائد. نعم، لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها يكون ضامناً لقاعدة الإتلاف «1». ثمّ إنّه قال المحقّق الرشتي في هذا المقام: و يبقى مطالبة تحقيق هذا المقام ممّا ذكروه

______________________________

(1) تقدّمت في ص 10.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 37

..........

______________________________

في تداعي الراكب و القائد؛ فإنّ كلّ من حكم بتقديم قوله كان الأخير أجنبيّاً. نعم، من حكم هناك بسماع دعوى كلّ منهما في النصف الخالي من نصف الدابّة، اتّجه القول بضمان القائد للنصف، لكنّ الظاهر أنّ الأكثر على تقديم قول الراكب أو القائد في تمامها «1». ثانيتهما: ما إذا كان الأجنبيّ سائقاً للدابّة التي قد ركبها المالك، أو من

هو مثله، و كانت الدابّة لها جموح و امتناع، لكنّها شردت بسوقه فوقعت في بئر، أو سقطت من مرتفع فتلفت أو عيبت؛ فإنّ الظاهر حينئذٍ ضمان السائق للتلف أو العيب، للاستناد إليه؛ إذ المفروض أنّ الوقوع في البئر أو السقوط من المرتفع كان لأجل عمل السائق غير المأذون من قبل المالك. ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في هذه الصورة بين ما لو كان الراكب ضعيفاً أو قويّاً، كما كان بينهما فرق في صورة القيادة، و الظاهر أنّ الوجه في عدم الفرق هو أنّ الراكب يكون متوجّهاً إلى مقابله الذي تسير الدابّة إليه، بخلاف السائق الذي يكون خارجاً في منظره و مرعاه، كما لا يخفى.

______________________________

(1) كتاب الغصب: ص 9.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 38

اشتراك اثنين في الغصب

مسألة 10: لو اشترك اثنان في الغصب ضمن كلّ منهما للبعض بنسبة الاستيلاء، إن نصفاً فنصف و هكذا؛ سواء كان كلّ واحد منهما قويّاً قادراً على الاستيلاء على العين و دفع المالك و القهر عليه، أم لا، بل كان كلّ ضعيفاً بانفراده، و إنّما استيلاؤهما عليها و دفع المالك كان بالتعاضد و التعاون، و سواء كان المالك حاضراً أو غائباً (1).

______________________________

(1) 1- كما يتحقّق تعدّد الغصب و تكثّر الغاصبين في الأيادي المتعاقبة طولًا، كذلك يتحقّق بسبب التعدّد عرضاً، كما في مفروض المسألة. و لا يختصّ عنوان الغصب و جريان أحكامه و تبعاته بما إذا كان الغاصب شخصاً واحداً، بل لو اشترك اثنان في الغصب ضمن كلّ منهما للبعض بنسبة الاستيلاء، إن نصفاً فنصف و هكذا؛ لأنّ تعريف الغصب صادق عليهما، و الأحكام مترتّبة على عنوانه. و مصداقه الواضح مسألة الدار المشتملة على بيوتات متعدّدة في طرفي

الدار، و استولى على مجموع البيوتات اثنان، غاية الأمر أنّه استولى أحدهما على أحد طرفي الدار، و الآخر على الطرف الآخر و إن كان تصوّر الثلث و الربع مشكلًا بالإضافة إلى مثل الدابّة، فتأمّل. نعم، لا مساغ للإغماض عن أنّ الملاك هو الاستيلاء الفعلي، و المفروض اشتراكهما فيه. و أمّا القدرة على الاستيلاء بالإضافة إلى جميع أبعاض العين، فلو فرض ثبوتها لا يكاد يجدي بعد كون الملاك هو الاستيلاء الفعلي الذي يكون مستنداً إلى كليهما، لا القدرة على الاستيلاء الحاصلة في بعض الفروض لواحد منهما أو كليهما، و إلّا لكان اللازم اتّصاف كثير بهذا العنوان؛ للقدرة على الاستيلاء على ما

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 39

..........

______________________________

للغير من حقّ أو مال. و من الواضح: عدم إمكان الالتزام به، و لا يفرق الحال في الذي ذكرناه بين ما إذا كان المالك حاضراً، أو غائباً؛ لأنّ حضوره و غيابه لا دخالة لهما في تعريف الغصب و حقيقته أصلًا، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 40

غصب الأوقاف العامّة

مسألة 11: غصب الأوقاف العامّة- كالمساجد و المقابر و المدارس و القناطر، و الرباطات المعدّة لنزول المسافرين، و الطرق و الشوارع العامّة و نحوها- و الاستيلاء عليها و إن كان حراماً و يجب ردّها، لكنّ الظاهر أنّه لا يوجب ضمان اليد لا عيناً و لا منفعةً، فلو غصب مسجداً أو مدرسة أو رباطاً، فانهدمت تحت يده من دون تسبيب منه، لم يضمن عينها و لا منفعتها. نعم، الأوقاف العامّة على الفقراء أو غيرهم بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها الضمان عيناً و منفعة، فإذا غصب خاناً أو دكّاناً أو بستاناً كانت

وقفاً على الفقراء مثلًا على أن تكون منفعتها و نماؤها لهم، ترتّب عليه الضمان كغصب المملوك (1).

______________________________

(1) 1- قد فصّل في المتن في غصب الأوقاف العامّة بين ما يكون مثل المساجد و المدارس، و بين ما يكون مثل الوقف على الفقراء بنحو وقف المنفعة، فحكم بعدم ثبوت الضمان في القسم الأوّل لا عيناً و لا منفعة، بخلاف القسم الثاني الذي يكون فيه الضمان عيناً و منفعة، كغصب الخان و البستان، و إن كان ظاهر عبارته في المسألة الاولى تحقّق الغصب فيها، بناءً على أن يكون قوله «1»: «على احتمال موافق للاحتياط»، راجعاً إلى خصوص ما كان فيه غصب الأحقّية، كالسبقة إلى المساجد و المشاهد، فتدبّر. و كيف كان، فالظاهر التنافي بين المسألتين مطلقاً؛ فإنّ قوله فيها «2»: «و من ذلك غصب» إلخ إن كان مطلقاً غير معلّق على الاحتمال المذكور، يكون التنافي ظاهراً؛

______________________________

(1) (، 2) أي قول الماتن قدس سره في المسألة الاولى المتقدمة في ص 14.

(2)

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 41

..........

______________________________

للحكم بثبوت الغصبيّة بالإضافة إلى العناوين المذكورة هناك، و التصريح بعدمه هنا، و إن كان يرد على ما هناك أنّ ظاهر صدر المسألة الاختصاص في صورة الحقّ بما إذا كان الحقّ ماليّاً، كما في المثالين المذكورين هناك، و العناوين المذكورة خارجة عن هذا المجال. نعم، لا دليل على الاختصاص بالحقّ المذكور و عدم ذكر خصوص هذا الحقّ في تعريف الغصب، بل يكون الحقّ مطلقاً كما في ظاهر الكلمات. و إن كان القول المذكور أيضاً معلّقاً على الاحتمال، كما احتملناه، يرد عليه وجود التنافي بين الحكم بعدم ثبوت الغصب في العناوين المذكورة هنا، من دون الاستناد بالاحتمال المذكور، و

الحكم بالثبوت هناك بناءً على الاحتمال المذكور، خصوصاً مع أنّ الظاهر كون الاحتياط وجوبيّاً، كما تقدّم «1». و لكنّه ذكر المحقّق الرشتي في كتابه في الغصب، و حكى عن الشهيد قدس سره أنّه قال: إنّ من غصب الأوقاف- كالمساجد و المدارس و الشوارع و الطرق- كان ضامناً لها «2»، ثمّ قال ما ملخّصه: إنّ الأوقاف على ثلاثة أقسام: منها: ما لم يتطرّق إليه يد أحد منذ خلق، بل خلق موقوفاً و محبوساً بالحبس الشرعي، كعرفات و سائر المشاعر، و مسجد الكوفة و نحوها. و منها: ما كان مسبوقاً بيد مالكه، غاية الأمر أنّه طرأ عليه الوقفية، و قد وقف للانتفاع به بالمنافع الدنيويّة، كالرباطات و الطرق و المدارس و نحوها. و منها: ما كان أيضاً مسبوقاً بيد مالكه، و لكنّه وقف للانتفاع به بالمنافع

______________________________

(1) في ص 15.

(2) الدروس الشرعيّة 3: 106.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 42

..........

______________________________

الاخرويّة، كالمساجد مثلًا. ثمّ قال: أمّا القسم الأوّل، فالظاهر عدم تحقّق الغصب فيه و لا الضمان؛ لعدم كونه ملكاً لأحد حتّى يوجب الأخذ منه ضمانه له. و أمّا القسم الثاني، فهو مضمون عيناً و منفعةً. أمّا العين؛ فلكونها ملكاً للموقوف عليهم، غاية الأمر أنّها ليست ملكيّة مطلقة، و هذا المعنى لا ينافي ثبوت الضمان. و أمّا المنافع، فكذلك أيضاً؛ لكونها مملوكة للموقوف عليهم. ثمّ إنّ بدل المنافع هل يصرف في نفس العين، أو يقسّم بين الموقوف عليهم؟ فيه وجهان؛ من أنّ المنافع أيضاً مثل العين لا تنحصر بالموجودين، فيجب صرفها في العين حتّى تنتفع بها الطبقة الموجودة و الطبقات اللّاحقة المعدومة، و من أنّ المنافع المغصوبة وجدت في ملك الموجودين فقط؛ لأنّ كلّ

واحدة من الطبقات إنّما تملك المنافع التي توجد في زمن وجودهم، من غير أن يشترك فيها البطون اللاحقة. و بالجملة: فمنفعة كلّ زمان تختصّ بالموجودين حينها «1»، انتهى، و لم يتعرّض لحكم القسم الثالث من الأقسام التي ذكرها. و يرد على ما ذكره في القسم الثاني من ثبوت ملكيّة المنفعة، أنّه لو كانت المنفعة مملوكة للموقوف عليهم كان لهم إيجارها، و يكون استيلاء الغير عليها بنحو الإجارة، مع أنّ من الواضح: عدم صحّة الإجارة، فهل تجوز إجارة المدارس و الرباطات و نحوهما؟ الظاهر العدم. و قد أفاد سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي قدّس اللّٰه سرّه الشريف في هذا

______________________________

(1) كتاب الغصب: 16- 18.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 43

..........

______________________________

المجال ما ملخّصه: أنّ العين الموقوفة إمّا أن توقف على جماعة لينتفعوا بمنافعها، و تصير المنافع ملكاً لهم يتصرّفون فيها ما شاءوا، ففي هذه الصورة يكون غصب العين موجباً لضمانها و ضمان منافعها. و قد توقف العين على جهة من الجهات بهذا النحو أيضاً، مثل أن يوقف عقار لمسجد أو مدرسة، بحيث تكون منافعها ملكاً لهذه الجهة. غاية الأمر أنّ المتولّي يؤجرها و يصرف اجرتها في الجهة الموقوف عليها، و حكم هذه الصورة حكم سابقها. و قد توقف العين على جميع الناس، أو جماعة خاصّة منهم، لكن لا بنحو يملكون منافعها، كالقسمين الأوّلين، بل بأن يكون لهم الانتفاع، كوقف المدرسة لأن يسكن فيها الطلّاب، و في تحقّق الغصب و شمول حديث «على اليد» «1» في هذا القسم، وجهان: من أنّها و إن لم تكن ملكاً للموقوف عليهم لا عيناً و لا منفعة، لكنّها متعلّقة لحقّهم؛ لأنّهم مستحقّون لأن ينتفعوا بها و لو في

جهة خاصّة، فتكون نظير العين المرهونة التي يكون الراهن أيضاً ضامناً لها؛ لتعلّق حقّ المرتهن بها فضلًا عن غيره. و من أنّ العين في هذه الموارد لا تكون لشخص، و لا منافعها مملوكة لأحد. غاية الأمر أنّ للموقوف عليهم حقّ الانتفاع بها في جهة خاصّة، فلو حال بينهم و بين تلك الأعيان ظالم، فهو و إن فعل محرّماً، لكنّه لا يتحقّق عنوان الغصب بهذه الحيلولة. و نفى البعد عن ترجيح الوجه الأوّل؛ نظراً إلى أنّ حديث «على اليد» لا دلالة له

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 44

..........

______________________________

على لزوم أن تكون العين المستولى عليها ملكاً لأحد، و إنّما يدلّ على أنّ العين التي يجب أن تكون على كيفيّة خاصّة؛ من كونها ملكاً للغير، أو متعلّقة لحقّه، أو ثابتة في محلّها بلا مزاحم حتّى يستفاد منها بالاستفادة الخاصّة، لو استولى عليها أحد بحيث لم يترتّب عليها بعد الاستيلاء تلك الآثار كان هذا المعنى موجباً للضمان. و بالجملة: لم يذكر في الحديث المأخوذ منه، و لا المؤدّى إليه، و إنّما مفاده أنّ المال الذي يجب أن يكون في يد خاصّة، أو على حالة خاصّة، لو استولى عليها أحد و أخرجه بالاستيلاء عمّا كان عليه، كان هذا الشخص ضامناً له إلى أن يرجع إلى الحالة الاولى، ففي غصب المساجد يتحقّق هذا المعنى، و كذا مثلها «1». انتهى ما أفاده رفع في الجنان مقامه. قلت: لا ينبغي الإشكال في ثبوت الضمان في الأوقاف العامّة التي تكون وقفاً على جهة خاصّة، و تكون منفعتها وقفاً لتلك الجهة مصروفاً فيها، كوقف الخان أو البستان على الفقراء مثلًا، أو على جهة خاصّة، كالوقف

على المسجد أو المدرسة. و أمّا القسم الأوّل من القسمين المذكورين في المتن، الذي نفى فيه الضمان و الغصب عيناً و منفعة، كالمسجد و المدرسة و مثلهما، فالظاهر أنّ الحقّ كما أفاده، و لا مجال لما نفى عنه البعد السيّد الاستاذ من ثبوت الضمان فيه؛ لأنّ المتفاهم العرفي من حديث «على اليد» «2»، أن يكون هنا شيئاً قابلًا للأخذ ممّن يتعلّق به من مالكه أو ذي حقّه. و لا يتصوّر مثل هذا الضمان في مثل المدرسة؛ فإنّها لو غصبت ثمّ انهدمت لأجل

______________________________

(1) راجع كتاب الغصب، المطبوع ضمن تقريرات ثلاثة: 163- 164.

(2) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 45

..........

______________________________

السيل مثلًا، بحيث لا يمكن إيجاد المسجد أو المدرسة في أرضه، فهل يمكن فيه تصوّر الضمان؟ فالظاهر عدم ثبوت الضمان في مثل ذلك رأساً و إن كان هذا لا ينافي التعبير عنه بالغصب، و ثبوت الحكمين التكليفيين فيه. مع أنّك عرفت «1» أنّ العمدة في الحكم بثبوت الضمان في باب الغصب إنّما هو ارتكاز المتشرّعة و ضرورة الفقه، و كلّ واحد منهما دليل لبّي لا إطلاق له يشمل المقام، و كذا الكبرى الكلّية المطوية في صحيحة أبي ولّاد «2» على ما تقدّم «3»، و موردها غير المقام، كما لا يخفى. و ما في كلام سيّدنا الاستاذ من ثبوت الحقّ في هذه الموارد، مثل ثبوت حقّ الرهن بالإضافة إلى المرتهن، يدفعه أنّ لازمه ثبوت حقّين بالنسبة إلى الطالب الواجد لشرائط وقف المدرسة إذا سكن في إحدى حجراتها، أحدهما حقّ السكونة، و الثاني حقّ الأولويّة الموجود في المساكن. و كذا بالإضافة إلى حقّ الأولويّة الموجود للسابق إلى المسجد؛ فإنّ تصرّف مكانه

حينئذٍ يستلزم عدم رعاية الحقّين إذا اضطرّ بعد غصب حقّ الأولويّة إلى الخروج من المسجد رأساً، مع أنّه من الظاهر خلافه. و أيضاً لازم ثبوت الضمان في مثل المسجد، أنّه إذا خرّب مسجداً قديميّاً كان بناؤه مشرفاً على الخراب يصير ضامناً بالإضافة إليه، فلو مات بين التخريب و بين إيجاد المسجد الجديد، يكون على الورثة إخراج المورِّث من الضمان الذي كان عليه لو كان له مال، كسائر الديون.

______________________________

(1) في ص 12.

(2) تأتي في ص 81- 83.

(3) في ص 11- 12.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 46

..........

______________________________

و دعوى أنّه لا مجال للحكم بالضمان في هذه الصورة؛ لأجل جواز التخريب شرعاً في مثل الفرض، يدفعه- مضافاً إلى إمكان الفرض فيما إذا كان المسجد الجديد الذي وقع التخريب عليه، لم يكن تخريبه جائزاً شرعاً أنّ الجواز الشرعي لا ينافي ثبوت الضمان، فإذا كان مضطرّاً إلى أكل مال الغير لأجل الفرار من الهلاك، يجوز الأكل مع ترتّب الضمان، كما في بعض محرّمات الإحرام الثابت جوازه لأجل الاضطرار مع ثبوت الكفّارة، كما في الاضطرار إلى لبس المخيط.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 47

عدم ضمان نفس الحرّ و لا منافعه لو غصب

مسألة 12: لو حبس حرّاً لم يضمن لا نفسه و لا منافعه ضمان اليد حتّى فيما إذا كان صانعاً، فليس على الحابس اجرة صنعته مدّة حبسه. نعم، لو كان أجيراً لغيره في زمان، فحبسه حتّى مضى ضمن منفعته الفائتة للمستأجر. و كذا لو استخدمه و استوفى منفعته كان عليه اجرة عمله. و لو غصب دابّة مثلًا ضمن منافعها؛ سواء استوفاها، أم لا (1).

______________________________

(1) 1- قد تقدّم البحث في هذه المسألة في المسألة الخامسة المتقدّمة؛ لأنّها تكرار لها،

و الإضافة الموجودة هاهنا استدراك صورة واحدة من عدم ضمان منافع الحرّ؛ و هي ما لو كان أجيراً لغيره في زمان خاصّ، فحبسه حتّى مضى ذلك الزمان؛ فإنّ الحابس حينئذٍ يضمن المنفعة الفائتة على المستأجر. و السرّ في الاستدراك صيرورة المنفعة ملكاً للغير مضمونة له بالضمان المسمّى في الإجارة، و هذا من دون فرق بين القول بأنّ الإجارة تمليك المنفعة أصالةً، و بين القول بأنّها إضافة خاصّة مستتبعة لملكيّة المنفعة، و على أيّ فقد فاتت على المستأجر لأجل الحبس، فاللازم ضمانها بالقيمة الواقعيّة، فتدبّر. ثمّ إنّ التعبير في هذه المسألة و كذا في المسألة الآتية بقوله قدس سره: «لم يضمن» بدل «لا يضمن» لا يناسب القواعد الأدبيّة العربيّة، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 48

مسألة 13: لو منع حرّاً عن عمل له اجرة من غير تصرّف و استيفاء لم يضمن عمله، و لم يكن عليه اجرته (1).

______________________________

(1) 1- قد ظهر من المسألة السابقة أنّه لو منع حرّاً من عمل له اجرة، و صار حائلًا بينه و بين العمل من غير تصرّف و لا استيفاء، و لا ثبوت إجارة؛ سواء كان المنع لأجل الحبس، أو في خارجه، لا يكون ضامناً لعمله، و ليس عليه اجرته، كما لا يخفى. و قد حكينا عن السيّد الطباطبائي في حاشية المكاسب ممّا حاصله: الفرق بين الكسوب و غيره في الحرّ و العبد، و قد نفى عنه البُعد، كما أنّا نفينا البُعد عن هذا الفرق، فراجع «1». و التعبير بالدابّة في مقابل الحرّ، مع أنّ القاعدة تقتضي التعبير بالعبد، إنّما هو لأجل عدم الاختلاف في الدابّة من هذه الجهة، مضافاً إلى عدم وجود العبد

في هذه الأزمنة.

______________________________

(1) في ص 24.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 49

المقبوض بالعقد الفاسد و المقبوض بالسّوم

مسألة 14: يلحق بالغصب في الضمان، المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد أو كالمعاوضي، مثل المهر، و يلحق به المقبوض بمثل الجعالة الفاسدة ممّا لا يكون عقداً، فالمبيع الذي يأخذه المشتري، و الثمن الذي يأخذه البائع في البيع الفاسد، يكون ضمانهما كالمغصوب؛ سواء كانا عالمين بالفساد أو لا، و كذلك الاجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة، و كذا المهر الذي تأخذه المرأة في النكاح الفاسد، و الجعل الذي يأخذه العامل في الجعالة الفاسدة. و أمّا المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي و أشباهه، فليس فيه ضمان، فلو قبض المتّهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه ضمان. و يلحق بالغصب أيضاً المقبوض بالسّوم؛ و المراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه، أو يضع عنده ليطّلع على خصوصيّاته لكي يشتريه إذا وافق نظره، فهو في ضمان آخذه، فلو تلف عنده ضمنه (1).

______________________________

(1) 1- يلحق بالغصب في حكمه الوضعيّ الذي هو الضمان موردان: و التعبير باللحوق لأجل كون الغصب أصلًا في الضمان و مصداقاً واضحاً له، و ليس المراد عدم ثبوت الضمان في غير هذين الموردين بضميمة الغصب- ضرورة ثبوت الضمان في إتلاف مال الغير، بل التصرّف فيه، و ثبوته في العارية المضمونة، و الأمين المتعدّي أو المفرط، و غيرها من الموارد- بل المراد ثبوت الضمان في هذين الموردين لأجل تشابههما مع الغصب الذي هو الاستيلاء على مال الغير، كما لا يخفى. الأوّل: العقد المعاوضي الفاسد، كالبيع و الإجارة الفاسدين، أو العقد الشبيه بالمعاوضة، كالمهر في النكاح الفاسد الذي ينطبق عليه المعاملة بالمعنى الأعمّ، و في

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات،

المشتركات و اللقطة، ص: 50

..........

______________________________

بعض الروايات تعليل جواز النظر إلى من يريد تزويجها بقوله عليه السلام: إنّما يشتريها بأغلى الثمن «1». أو ما لا يكون عقداً أصلًا، كالجعالة الفاسدة، ففي الأمثلة المذكورة في المتن يكون ضمانها كالمغصوب؛ و السرّ في اللحوق الاشتراك مع الغصب في دلالة «قاعدة على اليد» «2»، التي هي عمدة الدليل على الضمان، و لا مجال لتوهّم اختصاص القاعدة بالغصب و إن كان هنا بعض الأدلّة على ثبوت الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد و شبهه، ل «قاعدة الإقدام» «3» و إن كان في البين بعض المناقشات في الاستدلال بالقاعدة، مثل أنّ الضمان الذي أقدم عليه هو الضمان بالمسمّى، و الضمان الذي يراد ثبوته عليه هو الضمان بالمثل أو القيمة، لكنّه اجيب عن هذه المناقشة و مثلها في محلّه «4»، و لكنّ الظاهر أنّ عمدة ما يرد على هذا الاستدلال عدم ثبوت هذه القاعدة بآية أو رواية أصلًا، فراجع. و قد تعرّض الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره في كتابه في البيع لثبوت الضمان فيه، و إن كان عنوان البحث: «كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ليس بنفسه من القواعد، بل هي قاعدة اصطيادية مستفادة من أدلّة الضمان لا بنفسها، بل بمصاديقها، و قد تكلّم فيه بما لا مزيد عليه، و أفاد في ضمن البحث مطالب كثيرة

______________________________

(1) الكافي 5: 365 ح 1، تهذيب الأحكام 7: 435 ح 1734، الفقيه 3: 260 ح 1239، علل الشرائع: 500 ب 260 ح 1، و عنها وسائل الشيعة 20: 87- 90، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ب 36 ح 1، 7 و 11، و في بحار الأنوار 104: 43 ح 2 عن العلل.

(2) تقدّمت

في ص 17.

(3) القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي 2: 103- 105.

(4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 330- 332.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 51

..........

______________________________

الفائدة، بل أتى بمهمّات مباحث الغصب هناك. و منه يظهر أنّ المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي و أشباهه ليس فيه ضمان كالمثال المذكور في المتن، لا ل «قاعدة «كلّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»؛ لأنّها ليست إلّا قاعدة اصطيادية كما مرّ، بل لأجل عدم الدليل على الضمان فيه بعد كون الأخذ بإذن المالك، و لا يكون في صحيحه الضمان أيضاً «1». و يمكن المناقشة في الحكم بعدم الضمان فيه بعد كون الأخذ مستلزماً للاستيلاء و إن كان بصورة الملك؛ نظراً إلى شمول «قاعدة على اليد» هنا و إن كان الغصب أظهر مصاديقها، خصوصاً مع علم المتّهب بالفساد و جهل الواهب به؛ فإنّه لا وجه للقول بعدم الشمول هنا و إن قلنا بالعدم في موارد الرواية انصرافاً أو تخصيصاً، إلّا أن يكون هناك إجماع على عدم الضمان في الهبة الفاسدة و مثلها، فتدبّر. الثاني: المقبوض بالسّوم، قال في الجواهر- في ذيل حكم المحقّق بثبوت الضمان فيه «2»: عند الأكثر «3»، بل المشهور كما في المسالك «4» و غيرها «5»؛ لعموم «على اليد ما أخذت» «6»، المقتصر في الخروج منها على غير الفرض من الأمانة،

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 182- 198.

(2) شرائع الإسلام 3: 238.

(3) جامع المقاصد 4: 149.

(4) مسالك الأفهام 3: 397 و ج 12: 174.

(5) مختلف الشيعة 5: 342 مسألة 316، إيضاح الفوائد 2: 167، الروضة البهيّة 3: 347، مجمع الفائدة و البرهان 8: 193 و 294 و ج 10: 499، كفاية

الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 2: 638، مفتاح الكرامة 13: 398.

(6) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 52

..........

______________________________

خلافاً للمحكي عن موضع من السرائر «1»، و المختلف «2»، و الإيضاح «3»، و مجمع البرهان «4»، بل في المسالك و الكفاية «5»: و هو متّجه؛ للأصل بعد كون القبض المزبور بإذن المالك، فيكون أمانة كالوديعة. و أورد عليه بمنع اقتضاء ذلك عدم الضمان حتّى في مثل الفرض، خصوصاً بعد الشهرة على الضمان فيه، بل ربما أرسلوه إرسال المسلّمات «6»، بل المحكي عن كثير حتّى المختلف «7»، و الإيضاح «8»، و المسالك «9»، و مجمع البرهان «10» التصريح بالضمان فيما إذا دفع البائع لعبد كلّي موصوف عبدين للمشتري ليتخيّر، فأبق أحدهما، إلحاقاً له بالمقبوض بالسوم إن لم يكن منه؛ لعموم «على اليد» «11»، انتهى. أقول: إن كان هنا إجماع على الضمان في المقبوض بالسّوم، و إلّا فدلالة «على اليد» عليه فيه مشكلة، خصوصاً بعد أنّه لا فرق بينه، و بين الأمانة أصلًا في الخروج عن «قاعدة على اليد» انصرافاً أو غيره، و دعوى دخول اليد الأمانيّة فيها ممنوعة جدّاً.

______________________________

(1) السرائر 2: 86 و 350.

(2) مختلف الشيعة 5: 342 مسألة 316.

(3) إيضاح الفوائد 2: 167.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 8: 192- 193 و ج 10: 498- 499.

(5) مسالك الأفهام 12: 174- 175؛ كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 2: 638.

(6) مفتاح الكرامة 6: 216 (الطبعة الحجرية).

(7) مختلف الشيعة 5: 252- 253 مسألة 221.

(8) إيضاح الفوائد 1: 443.

(9) مسالك الأفهام 3: 396- 397.

(10) مجمع الفائدة و البرهان 8: 294- 295، و كذا الدروس الشرعية 3: 230.

(11) جواهر الكلام 37: 73.

تفصيل الشريعة -

الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 53

وجوب ردّ المغصوب

مسألة 15: يجب ردّ المغصوب إلى مالكه ما دام باقياً و إن كان في ردّه مئونة، بل و إن استلزم ردّه الضرر عليه، حتّى أنّه لو أدخل الخشبة المغصوبة في بناء، لزم عليه إخراجها و ردّها لو أرادها المالك و إن أدّى إلى خراب البناء، و كذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة، يجب عليه نزعه و ردّه، إلّا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة، أو مال محترم لغير الغاصب الجاهل بالغصب، و إلّا ففيه تفصيل. و هكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة؛ فإنّ للمالك إلزامه بردّها، و يجب عليه ذلك و إن أدّى إلى فساد ثوبه، و إن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها و نزعها، يجب على الغاصب تداركه، هذا إذا يبقى للمخرج و المنزوع قيمة بعد ذلك، و إلّا فالظاهر أنّه بحكم التالف، فيلزم الغاصب بدفع البدل، و ليس للمالك مطالبة العين (1).

______________________________

(1) 1- قد تقدّم وجوب ردّ المغصوب إلى مالكه ما دام باقياً، و ما يدلّ على أنّ المغصوب مردود «1»، و المقصود في هذه المسألة بيان أنّ الردّ واجب و إن كان فيه مئونة، كما إذا نقل العين المغصوبة إلى مكان بعيد. و قد عرفت «2» الرواية الدالّة على أنّ الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها، بناءً على أن يكون المراد لزوم ردّ الحجر الكذائي و لو كان مستلزماً لخراب الدار، لا أن يكون المراد منه هو المعنى الكنائي الراجع إلى الأثر الوضعي، كما لا يخفى، بل

______________________________

(1) في ص 16- 17.

(2) في ص 7.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات

و اللقطة، ص: 54

..........

______________________________

و إن كان فيه ضرر على الغاصب، و لا مجال ل «قاعدة نفي الضرر»، بناءً على ما اخترنا في معناها «1» تبعاً للماتن قدس سره من أنّها حكم حكومتيّ و لا ارتباط لها بالأحكام نفياً و إثباتاً. و أمّا «قاعدة نفي الحرج» «2»، التي لها مدرك قرآنيّ «3»، و لا ترتبط بالحكم الحكومتي، فقد صرّح المحقّق في الشرائع بوجوب ردّ المغصوب إلى مالكه و إن تعسّر «4»، و العسر لو لم يكن مرادفاً للحرج يكون الحرج بعض مصاديقه قطعاً، و حينئذٍ يبقى الإشكال من جهة أنّ الحكم الحرجي غير المجعول كيف يكون ثابتاً في المقام، خصوصاً بناءً على ما اخترنا من أنّ السقوط في مورد الحرج إنّما هو على نحو العزيمة لا مجرّد الرخصة «5»؟ و غاية ما يمكن أن يقال في مقام الجواب عن هذا الإشكال: إنّه حيث يكون الغصب صادراً عن الغاصب بسوء اختياره، فلا مانع من جعل الحكم الحرجي بالإضافة إليه، نظير ما ذكروه في الاصول؛ من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار «6»، كما لا يخفى. و عليه: ففي الأمثلة و الموارد المذكورة في المتن و شبهها يجب ردّ عين المغصوب، مثل ما إذا أدخل الخشبة المغصوبة في بناء، و أراد المالك نفس الخشبة؛ فإنّه يجب

______________________________

(1) في ص 26.

(2) القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي 1: 249- 266، قاعدة نفي الحرج للمؤلّف قدس سره، المطبوع ضمن ثلاث رسائل: 9- 177.

(3) سورة البقرة 2: 233 و 286، سورة المائدة 5: 6، سورة التوبة 9: 91، سورة الحج 22: 78، و غيرها.

(4) شرائع الإسلام 3: 239.

(5) قاعدة نفي الحرج للمؤلّف قدس سره، المطبوع ضمن ثلاث رسائل: 157- 174.

(6) هداية المسترشدين

2: 138 و 156، تعليقة على معالم الاصول للقزويني 3: 523- 531.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 55

..........

______________________________

عليه ردّها و إن كان مستلزماً للخراب و لحدوث ضرر كثير. و المحكي عن أبي حنيفة و تلميذه الشيباني «1» عدم وجوب ردّ العين في فرض المقام، نظراً إلى أنّ جعله جزءاً من الجدار يجعله بمنزلة التالف. و كذا إذا أدخل اللوح المغصوب يجب عليه نزعه و ردّه أيضاً، و ليس شي ء منها لأجل ما اشتهر من أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال؛ فإنّ الظاهر أنّه لا مستند له، كما اعترف به الشيخ الأعظم في مكاسبه «2». و استثنى ما إذا خيف من نزعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة؛ فإنّه لا شبهة في تقدّم مراعاة النفس على ردّ المال إلى ماله، كما يستفاد من مذاق الشرع في الموارد المشابهة، مثل ما إذا توقّف حفظ النفس المحترمة على أكل مال الغير و إتلافه؛ فإنّه لا شبهة في الجواز و لو مع عدم إذن المالك. غاية الأمر ثبوت الضمان فيه، كما قرّر في محلّه «3». و كذا استثنى ما إذا خيف من نزعه الغرق الموجب لهلاك مال محترم لغير الغاصب الجاهل بالغصب. و قال: إنّ في الصورتين، أو في غير الصورة الأخيرة تفصيلًا، و لعلّ نظره في التفصيل إلى الفرق بين ما لو كان المال المحترم- و لو كان للغاصب أو العالم بالغصب- كثيراً، خصوصاً في الغاية، فلا يجب حينئذٍ نزع اللوح، و بين ما لو كان المال- و إن كان كذلك- قليلًا، خصوصاً في الغاية، فيجب نزع اللوح إن أراد صاحبه.

______________________________

(1) المغني لابن قدامة 5: 424، بداية المجتهد 2: 323، بدائع الصنائع 6: 141، شرح

فتح القدير 8: 264- 265، الفتاوى الهنديّة 5: 187، المجموع 15: 117، الخلاف 3: 409، جواهر الكلام 37: 75.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 271، و سيأتي في ص 75 أيضاً.

(3) شرائع الإسلام 3: 230، مسالك الأفهام 12: 117- 124، جواهر الكلام 36: 432- 439.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 56

..........

______________________________

و هكذا الحال ما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة؛ فإنّ للمالك إلزامه بردّها، و يجب عليه ذلك و إن أدّى إلى فساد ثوبه، ثمّ إنّ في جميع الصور لو تعيبت العين المغصوبة بسبب الردّ الكذائي، يجب عليه تدارك النقص و العيب؛ لحدوثه في يد الغاصب قبل وصوله إلى المالك. و أفاد في الذيل ما يرجع إلى الفصل بين ما إذا بقي للمخرج و المنزوع قيمة بعد ذلك، و إلّا استظهر وجوب ردّ القيمة إلى المالك، و أنّه ليس له مطالبة العين في هذه الصورة؛ نظراً إلى حكم العرف بصيرورته كالتالف حينئذٍ، مع أنّه يمكن أن يقال بوجوب دفع تمام القيمة مع ردّ العين و إن لم يكن لها قيمة؛ لإمكان تعلّق نظر المالك بخصوصيّة ماله و شخصه مع قطع النظر عن القيمة، فتدبّر. و المحكيّ عن جامع المقاصد و المسالك في شرحي القواعد و الشرائع لزوم الجمع بين ردّ القيمة بتمامها، و ردّ العين معاً «1»، و تعريف الغصب بالاستيلاء على ما للغير من حقّ أو مال و إن كان لا يشمل بظاهره المقام؛ لأنّ المفروض عدم كون الخيوط المغصوبة بمال أصلًا، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد بالمال فيه ما يشمل الملك و إن كان الثاني أعمّ من الأوّل من وجه، فتدبّر.

______________________________

(1) جامع المقاصد 6: 304- 305، مسالك الأفهام 12:

178، و الحاكي هو صاحب الجواهر في ج 37: 79.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 57

مزج المغصوب بما يمكن تميّزه

مسألة 16: لو مزج المغصوب بما يمكن تميّزه و لكن مع المشقّة، كما إذا مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرّة يجب عليه أن يميّزه و يردّه (1).

وجوب ردّ المنفعة مع ردّ العين لو كانت لها منفعة

مسألة 17: يجب على الغاصب مع ردّ العين بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدّة إن كانت لها منفعة؛ سواء استوفاها، كالدار سكنها، و الدابّة ركبها، أم لا و جعلها معطّلة (2).

______________________________

(1) 1- وجوب الردّ عيناً في الفرض المزبور لإمكان التميّز و عدم كون المشقّة مانعة عن وجوب الردّ كما عرفت في المسألة المتقدّمة.

(2) 2- يجب على الغاصب- مضافاً إلى ردّ العين- اجرة المنفعة التي كانت لها في تلك المدّة؛ من دون فرق بين المنافع المستوفاة، كالمثالين المذكورين في المتن، و بين المنافع الفائتة؛ لأنّها مال أتلفها أو فاتت بسبب الغصب، و المفروض أنّها منافع الأعيان المتموّلة، و لا تكون منفعة الحرّ غير مضمونة في صورة عدم الاستيفاء، كما عرفت «1».

______________________________

(1) في ص 22- 23.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 58

لو كانت للعين منافع متعدّدة

مسألة 18: لو كانت للعين منافع متعدّدة و كانت معطّلة، فالمدار المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين، و لا ينظر إلى مجرّد قابليّتها لبعض منافع اخر، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى و إن كانت قابلة في نفسها لأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ و غير ذلك، و منفعة بعض الدوابّ كالفرس بحسب المتعارف الركوب، و منفعة بعضها الحمل و إن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى و الدولاب أيضاً. فالمضمون في غصب كلّ عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إليها، و لو فرض تعدّد المتعارف منها على نحو التبادل، كبعض الدوابّ التي تعارف استعمالها في الحمل و الركوب معاً، فإن لم يتفاوت اجرة تلك المنافع ضمن تلك الاجرة، و إن كانت اجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى، فلو فرض أنّ اجرة الحمل في كلّ

يوم درهمان، و اجرة الركوب درهم، كان عليه درهمان. و الظاهر أنّ الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضاً، فمع تساوي المنافع في الاجرة كان عليه اجرة ما استوفاه، و مع التفاوت كان عليه اجرة الأعلى؛ سواء استوفى الأعلى أو الأدنى (1).

______________________________

(1) 1- في المسألة فرضان: الأوّل: ما لو كانت للعين منافع متعدّدة متضادّة، و كانت معطّلة في يد الغاصب لم يستوف شيئاً منها، فالمدار حينئذٍ في وجوب ردّ بدل المنفعة هي المنفعة المتعارفة بالإضافة إلى العين المغصوبة، و لا يلتفت إلى مجرّد القابليّة لبعض منافع اخر غير المتعارفة. فمنفعة الدار بحسب الغالب المتعارف هي السكونة فيها و إن كانت الدار صالحة

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 59

..........

______________________________

لأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ، كما قد يرى ذلك، و منفعة الدوابّ أيضاً مختلفة، فمنفعة بعضها بحسب المتعارف الركوب كالفرس، و منفعة بعضها بحسبه هو الحمل، كالحمار و إن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى و الدولاب أيضاً، و هكذا. و في هذا الفرض لو فرض تعدّد المتعارف منها على نحو التبادل، كبعض الدوابّ التي تعارف استعمالها في الحمل و الركوب معاً، فإن لم يتفاوت اجرة تلك المنافع ضمن تلك الاجرة، و لا ضمان لُاجرة الجميع بالنسبة إلى تمام المدّة؛ لفرض التضادّ كما عرفت، و إن كانت اجرة بعضها أعلى من بعض ضمن الأعلى؛ لفوتها تحت يده، كالمثال المذكور في المتن. الثاني: ما لو كانت العين المزبورة غير معطّلة، فإن استوفى الأعلى فلا إشكال في ضمانها، و إن استوفى الأدنى، فالظاهر ضمان الأعلى على ما عرفت. و كان ينبغي للماتن قدس سره التعرّض لبيان حكم المنافع المتعدّدة غير المتضادّة،

و ضابطها إمكان الجمع بينها في إجارة واحد و لو كانت في زمان خاصّ بنحو الأجير الخاصّ، كإمكان استئجار عبد مغصوب لمنفعة إيجاد البناء- لكونه متخصّصاً- في زمن خاصّ، مع إمكان استئجاره للصوم الاستئجاري في ذلك الزمان؛ فإنّه من الواضح صحّة كلتا الإجارتين و إن كان الأجير شخصاً واحداً؛ لعدم المنافاة بين المنفعتين، و إمكان الجمع بين الأمرين و لو من شخص واحد. و في هذا القسم من المنافع يكون على عهدة الغاصب- إذا أراد ردّ العين مثلًا- لزوم ردّ كلتا الاجرتين؛ سواء استوفى كلتا المنفعتين أو بعضهما، أو لم يستوف شيئاً واحداً منهما، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 60

كيفيّة الردّ بالنسبة إلى أنواع الغصب

مسألة 19: إن كان المغصوب منه شخصاً، يجب الردّ إليه أو إلى وكيله إن كان كاملًا، و إلى وليّه إن كان قاصراً، كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً، فلو ردّ في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان. و إن كان المغصوب منه هو النوع، كما إذا كان المغصوب وقفاً على الفقراء وقف منفعة، فإن كان لها متولّ خاصّ يردّه إليه، و إلّا فيردّه إلى الوليّ العامّ؛ و هو الحاكم، و ليس له أن يردّه إلى بعض أفراد النوع؛ بأن يسلّمه في المثال المذكور إلى أحد الفقراء. نعم، في مثل المساجد و الشوارع و القناطر، بل الرباطات إذا غصبها، يكفي في ردّها رفع اليد عنها و إبقاؤها على حالها، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس، فإذا غصب مدرسة يكفي في ردّها رفع اليد عنها و التخلية بينها و بين الطلبة، و الأحوط الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان، و إلّا فإلى الحاكم. هذا إذا

غصبها و لم يكن فيها ساكن، و إلّا فلا يبعد وجوب الردّ إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب إن لم يعرضوا عن حقّهم (1).

______________________________

(1) 1- إن كان المغصوب منه شخصاً، يجب ردّ العين المغصوبة إليه أو إلى وكيله إن كان وكيلًا له في هذه الجهة فقط أو مطلقاً. نعم، إذا كان الشخص المغصوب منه واحداً، يجب الردّ إليه أو إلى وكيله، و إن كان متعدّداً- كما إذا كان أزيد من واحد شريكاً في العين المغصوبة- يجب الردّ إلى الشريكين أو الشركاء، و لا يكفي الردّ إلى واحد في هذه الصورة؛ لأنّ اللازم تحقّق استيلاء الجميع، كما هو واضح. و كان على الماتن قدس سره التعرّض لهذه الصورة أيضاً؛ لأنّ المراد بقوله: «شخصاً» في

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 61

..........

______________________________

صدر المسألة هو الشخص الواحد، كما يدلّ عليه ظهوره في نفسه في ذلك إرجاع ضمائر المفرد إليه. هذا إذا كان المغصوب منه كاملًا. و أمّا إذا كان قاصراً- كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً فاللازم الردّ إلى الوليّ، و لو ردّ إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان و لو كان الغصب تحقّق من يده، إلّا أنّه لا ينافي عدم جواز الردّ إليه بعد المحجوريّة الثابتة لهما، كما ذكر في محلّه «1». و أمّا إذا كان المغصوب منه هو النوع، كالمثال المذكور في المتن، فإن كان للعين الموقوفة متولّ خاصّ معلوم يردّه إليه؛ لأنّ أمر الوقف بيده، و إلّا فاللازم الردّ إلى الوليّ العامّ؛ و هو الحاكم الشرعي، و ليس له في هذا القسم الردّ إلى بعض الفقراء؛ لعدم خصوصيّة لذلك البعض، و التسليم إلى النوع الجامع ممتنع، فاللازم الردّ إلى

الحاكم. و استدرك من ذلك الأوقاف العامّة، مثل المساجد و الشوارع و القناطر، بل الرباطات؛ حيث إنّه يكفي في ردّها في صورة الغصب رفع اليد عنها و إبقاؤها على حالها؛ لعدم خصوصيّة للمصلّين الخاصّ و العابرين و الواردين كذلك. و قد احتمل في المدارس وجوهاً ثلاثة: أحدها: كفاية ما ذكر بالإضافة إلى مثل المساجد، فيكفي في ردّ المدرسة المغصوبة مجرّد رفع اليد عنها و التخلية بينها، و بين الطلبة يسكنها من يشاء منهم. ثانيها: ما جعله موافقاً للاحتياط من الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان، و إلّا فإلى الحاكم.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر: 272- 274، 295- 297 و 307.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 62

..........

______________________________

و التعبير بالناظر هنا دون المتولّي لاحتياج الوقف على الفقراء مثلًا وقف منفعة إلى المتولّي، الذي يؤجر العين الموقوفة و يصرف الإجارة في النوع، و هذا بخلاف نفس المدرسة؛ فإنّه لا يحتاج إلى متولّ؛ لعدم ثبوت وقف لها، كما لا يخفى، بل يحتاج إلى الناظر فيها نوعاً. ثالثها: التفصيل بين ما إذا غصبها و لم يكن فيها ساكن، فالحكم أحد الوجهين المذكورين، و إلّا فنفى البعد عن وجوب الردّ إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب مع عدم إعراضهم عن حقّهم. و الوجه فيه: صيرورة الساكنين ذا حقّ بالإضافة إلى السكونة، فغصب المدرسة حينئذٍ كغصب حقّهم، و اللازم الردّ إليهم، كما إذا غصب حقّ من سبق إلى مسجد؛ فإنّ اللازم الردّ إليه، كما لا يخفى. و يظهر ممّا ذكرنا: أنّ غصب المدرسة في هذه الصورة يكون في الحقيقة غصبين، غصب بالإضافة إلى أصل المدرسة، و غصب بالإضافة إلى السكونة التي يكون الساكن أحقّ

بها، فبالإضافة إلى الغصب الأوّل الذي هو غصب المال، كالمسجد و الشارع العامّ، يتحقّق الردّ الواجب في الغصب برفع اليد عن المدرسة و التخلية بينها، و بين من يريد السكونة فيهما. و بالنسبة إلى الغصب الثاني الذي هو غصب الحقّ- كما سبق- يتحقّق ذلك بالردّ إلى الطلبة الساكنين فيه مع عدم الإعراض عن حقوقهم، و لا ملازمة في الردّ الواجب بين الأمرين، فمن الممكن التفكيك بينهما، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 63

حكم النقل مع اختلاف بلد المالك و بلد الغصب

مسألة 20: إذا كان المغصوب و المالك كلاهما في بلد الغصب، فلا إشكال. و كذا إن نقل المال إلى بلد آخر و كان المالك في بلد الغصب؛ فإنّه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد و تسليمه إلى المالك. و أمّا إذا كان المالك في غير بلد الغصب، فإن كان في بلد المال، فله إلزامه بأحد أمرين: إمّا بتسليمه له في ذلك البلد، و إمّا بنقله إلى بلد الغصب. و أمّا إن كان في بلد آخر، فلا إشكال في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب، و هل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك؟ الظاهر أنّه ليس له ذلك (1).

______________________________

(1) 1- في المسألة فروع: الأوّل: إذا اتّحد بلد الغصب و بلد المالك و محلّ العين المغصوبة، فلا إشكال في لزوم النقل في ذلك البلد إلى المالك، و هذا من دون فرق بين أن يكون ذلك البلد محلّ الغاصب أم لا، كما إذا سرق العين المغصوبة و نقلها إلى مكان آخر، و يستفاد ذلك من إطلاق المتن و إن كان المناسب له التصريح بعدم الفرق. الثاني: ما إذا نقل المال إلى

بلد آخر، و كان المالك في بلد الغصب، و لا إشكال حينئذٍ أيضاً في لزوم عود المال إلى بلد الغصب، و تسليمه إلى المالك الذي يكون فيه؛ لأنّ الفرض تحقّق الغصب في بلد المالك، فيجب الردّ إليه فيه و إن نقله. الثالث: ما إذا كان المالك في غير بلد الغصب، و فيه صورتان: الاولى: ما إذا كان المالك في بلد المال، فللمالك إلزامه بأحد أمرين: إمّا بتسليمه له في ذلك البلد؛ لوجود ماله فيه، فيجوز له عدم تجويز النقل إلى محلّ آخر، و إمّا بنقله إلى بلد الغصب؛ لأنّ المفروض تحقّق الغصب فيه، خصوصاً إذا كان المالك

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 64

..........

______________________________

أجنبيّاً في بلد المال غير مقيم له. الثانية: ما إذا كان المالك في بلد آخر غير بلد المال، و نفى الإشكال في هذه الصورة عن أنّ له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي وقع فيه الغصب، و تردّد في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك، و استظهر العدم، فهنا دعويان: الاولى: جواز إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب؛ و السرّ فيها وقوع الغصب هناك، و اللازم على الغاصب الردّ إلى ما كان عليه. و لعلّه يستفاد ذلك من قوله صلى الله عليه و آله: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي «1»؛ فإنّ المتفاهم منه الأداء في المحلّ الذي وقع الغصب فيه. نعم، قد عرفت أنّه إذا اتّحد بلد المالك مع بلد النقل، يجوز للمالك إلزامه بتسليمه في ذلك المحلّ؛ و لكن ذلك لما عرفت من أنّ أمر المال بيد المالك، و لعلّه لا يجيز النقل إلى بلد الغصب، كما لا يخفى. الثانية:

عدم جواز الإلزام بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك؛ و الوجه فيه: أنّه من الممكن أن يكون المالك قد سافر إلى البلاد البعيدة جدّاً، فإلزامه بالنقل إليها مع كمال العسر لا مجال له، و قد عرفت «2» أنّه لا ينبغي الاتّكال على ما اشتهر من أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال.

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

(2) في ص 55.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 65

حدوث النقص في المغصوب

مسألة 21: لو حدث في المغصوب نقص و عيب وجب على الغاصب أرش النقصان- و هو التفاوت بين قيمته صحيحاً و قيمته معيباً- و ردّ المعيوب إلى مالكه، و ليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب و دفع تمام القيمة، و لا فرق على الظاهر بين ما كان العيب مستقرّاً، و بين ما كان ممّا يسري و يتزايد شيئاً فشيئاً حتّى يتلف المال بالمرّة (1).

______________________________

(1) 1- كما يثبت على الغاصب ضمان العين المغصوبة في صورة التلف و إن لم يكن التلف مستنداً إليه و بسببه، كذلك لو حدث في المغصوب نقص و عيب وجب على الغاصب أرش النقصان و إن لم يكن بسببه، بل حدث عنده و لو ببعض الأسباب السماويّة أو الأرضيّة. و يدلّ عليه- مضافاً إلى أنّ ضمان العيب بعد ثبوت ضمان العين إنّما يكون على وفق القاعدة لا مخالفاً لها- صحيحة أبي ولّاد الطويلة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى، الواردة في البغل المغصوب، المشتملة على سؤال الراوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام بقوله:

قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز؟ فقال: عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه إلخ «1». و الرواية تدلّ- مضافاً إلى وجوب الأرش- على مقداره؛

و هو التفاوت بين قيمته صحيحاً، و قيمته معيباً. و قوله عليه السلام: «يوم تردّه عليه» يحتمل أن يكون الظرف متعلّقاً ب «عليك»؛ يعني يجب عليك يوم ردّ العين ردّ مقدار بعنوان الأرش، و يمكن أن يكون الظرف متعلّقاً

______________________________

(1) تأتي في ص 81- 83.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 66

..........

______________________________

ب «العيب»؛ يعني أنّ الملاك في العيب يوم الردّ، فلو فرض تزايد العيب الحادث، فالميزان في الأرش هو العيب يوم الردّ، و يحتمل أن يكون راجعاً إلى التفاوت؛ نظراً إلى أنّ التفاوت الملحوظ هو التفاوت يوم الردّ، فتدبّر. و لا مجال في هذه الجملة لما اورد «1» على الشيخ الأعظم «2» بالإضافة إلى جملة «قيمة بغل يوم خالفته»؛ من أنّ البغل اسم الذات، و إضافة الاسم الكذائي إلى الظرف الزماني و هو «اليوم» غير معهود؛ لعدم التصرّم بالإضافة إلى الذات؛ ضرورة أنّ العيب صفة، و لا مانع من إضافته إلى الظرف الزماني، كما لا يخفى. و الأرش هنا يغاير الأرش المبحوث عنه في خيار العيب؛ حيث إنّه هناك لا بدّ من ملاحظة التفاوت بين القيمتين: الصحيح و المعيب، و نسبته إلى الثمن في المعاملة التي فيها خيار العيب، و هنا لا بدّ من ملاحظة نفس التفاوت، دون نسبته إلى شي ء آخر، كما لا يخفى. ثمّ إنّ العين المغصوبة التي حدث فيها العيب لا يخرج بالحدوث عن ملك المالك، بل هي بعد باقية على ملكه، فلا يجوز للمالك إلزام الغاصب بأخذ المعيوب و دفع تمام القيمة لو لم يكن راضياً به. ثمّ إنّه استظهر أنّه لا فرق بين ما كان العيب مستقرّاً، و بين ما كان يسري و يتزايد شيئاً فشيئاً

حتّى يتلف المال بالمرّة، و الظاهر أنّه لا بدّ من تقييد إطلاقه بما إذا أمكن عرفاً منع السراية و التزايد و تحقّق المنع، و إلّا ففي صورة عدم الإمكان، أو عدم الاستفادة من الإمكان يكون الغاصب ضامناً للسراية، كما لا يخفى.

______________________________

(1) لعلّ المورد هو الإمام الخميني قدس سره في كتاب البيع 1: 601- 602.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 247- 248.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 67

نقصان القيمة السوقيّة

مسألة 22: لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقيّة ردّه، و لم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين (1).

______________________________

(1) 1- لو كانت العين المغصوبة باقية غير معيوبة لوجه، و لكن نزلت قيمته السوقيّة، فاللازم على الغاصب ردّها، و لا يكون نقصان القيمة السوقيّة مضموناً على الغاصب بعد كونها أمراً اعتبارياً، و ليس كالمعيب الحادث عنده و لو لم يستند إليه؛ فإنّه يكون مضموناً كما عرفت؛ لأنّ مرجعه إلى حدوث النقصان في العين بخلاف القيمة السوقيّة، و الغاية في حديث «على اليد» «1» هو أداء العين؛ أي بنحو لم يقع فيه تغيير، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 68

تلف المغصوب أو ما بحكمه

مسألة 23: لو تلف المغصوب أو ما بحكمه،- كالمقبوض بالعقد الفاسد، و المقبوض بالسّوم- قبل ردّه إلى المالك، ضمنه بمثله إن كان مثليّاً، و بقيمته إن كان قيميّاً، و تعيين المثلي و القيمي موكول إلى العرف. و الظاهر أنّ المصنوعات بالمكائن في هذا العصر مثليّات أو بحكمها، كما أنّ الحبوبات و الأدهان و عقاقير الأدوية و نحوها مثليّات، و أنواع الحيوان و كذا الجواهر و نحوها قيميّات (1).

______________________________

(1) 1- لا خفاء في أنّه إذا تلف المغصوب قبل ردّه إلى المالك، أو ما بحكم المغصوب، مثل المقبوض بالعقد الفاسد، و المقبوض بالسّوم قبل ردّه إلى المالك- على ما هو المشهور كما مرّ «1»- يترتّب عليه ضمان المثل في المثلي، و القيمة في القيمي؛ لأنّهما الأقرب إلى التالف الذي يكون في عهدة الغاصب. مضافاً إلى آية الاعتداء بالمثل بالإضافة إلى من اعتدى عليكم «2»؛ فإنّ الاعتداء بالمثل هو المثلي، كما هو ظاهر،

و الاعتداء به هو القيمي في القيميّات بعد ندرة المماثلة في القيميّات أوّلًا، و اختلاف الرغبات من جهة الخصوصيّات ثانياً، كما هو واضح. و قد وقع الاختلاف في ظاهر العبارات في تعريف المثلي و القيمي، و لكنّ الظاهر بعد وضوح أنّه ليس للعنوانين حقيقة شرعيّة، و لا معنى مجازيّ مغاير لما هو الثابت عند العرف قد استعمل فيه الشارع و لو مجازاً، الإيكال إلى العرف؛ و هو يختلف

______________________________

(1) في ص 51.

(2) سورة البقرة 2: 194.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 69

..........

______________________________

باختلاف الأزمنة و الأمكنة، كما أنّ المكيل و الموزون الذين يجري فيهما الربا المعاوضي في مقابل المعدود يختلف بالاختلاف المذكور، فربّ شي ء كان من المعدود في السابق و الموزون في الحال، مثل بيضة الدجاجة. و لذا ذكر الماتن قدس سره في بعض المسائل المستحدثة من كتاب تحرير الوسيلة: أنّ الاسكناس (ورق العملة) و مثله لا يجري فيه الربا المعاوضي، فلو باعه بأزيد، و كان الغرض العقلائي موجوداً فيه يكون صحيحاً؛ سواء كان نقداً أو نسيئة؛ لأنّه من المعدودات؛ من غير فرق بين أن يكون من مملكتين، أو مملكة واحدة «1»، فراجع، مع أنّه قدس سره لا يرى في التفصّي عن الربا التوسّل بإحدى الحيل المعروفة المذكورة في محلّه، و يحكم بعدم الجواز «2»، و الفارق هو الاعتبار، كالفرق بين النكاح المنقطع و الزنا، مع أنّ الغرض في كلا الأمرين واحد، و الواقعيّة واحدة. ثمّ إنّ مثليّة بعض الامور واضحة، كقيميّة البعض الآخر، كالأمثلة المذكورة في المتن، و أمّا المصنوعات بالمكائن في هذا العصر، التي لا يكون بينها اختلاف نوعاً، فقد استظهر فيه أنّها مثليّات أو بحكمها، كالظروف المستعملة في

أكل الشاي، و سائر أنواع الظروف المصنوعة بالمكائن، و مثل ذلك، كأنواع الثياب المنسوجة في مكائنها، كما لا يخفى. و يمكن الفرق بين المثلي و القيمي بهذه الكيفيّة؛ و هي: أنّه لو أراد اشتراء عشرة أشياء مثلًا، فإن اكتفى في مقام الاشتراء بمشاهدة واحد منها بعنوان، و قياس الباقي عليه فهو مثليّ، كالحنطة مثلًا؛ فإنّه يكفي ملاحظة مقدار منه بعنوان النموذج، و هذا

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 2: 583 مسألة 6.

(2) تحرير الوسيلة 1: 512 مسألة 7.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 70

..........

______________________________

بخلاف الحيوان و مثله؛ فإنّه لا يكتفي العرف بمشاهدة واحد من العشرة، بل يرى نفسه مجبوراً بمشاهدة كلّ واحد من العشرة، كالعبيد و الإماء، كما هو ظاهر. و ليس المراد من مثليّة الحبوبات و نحوها، من الأدهان و عقاقير الأدوية و نحوها، إلّا كونها مثليّة بالإضافة إلى الصنف الخاصّ، كما صرّح به في المسألة الآتية بالنسبة إلى الأرُز و الحنطة و شبههما؛ ضرورة أنّ الحبوبات و الأدهان و نحوهما مثل الحنطة في هذه الجهة؛ بداهة وجود الفرق بين أصناف الحبوبات، و كذا الفرق بين أصناف الأدهان، مثل الدهن الحيواني، و الدهن غيره، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 71

كون المثليّة ملحوظة بالنظر إلى الأصناف

مسألة 24: إنّما يكون مثل الحنطة مثليّاً إذا لوحظ أشخاص كلّ صنف منها على حدة، و لم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر منها مباين له في كثير من الصفات و الخصوصيّات، فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاصّ من الحنطة، يجب عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف لا صنف آخر. نعم، التفاوت الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه.

و كذلك الأرُز؛ فإنّ فيه أصنافاً متفاوتة جدّاً، فأين العنبر من الحويزاوي أو غيره؟! فإذا تلف عنده مقدار من العنبر، يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره. و كذلك الحال في التمر و أصنافه، و الأدهان، و غير ذلك ممّا لا يُحصى (1).

______________________________

(1) 1- لا ريب في اختلاف أصناف بعض الأجناس، و اختلاف الرغبات الموجب لاختلاف القيم، كالحنطة على ما مثّل به أوّلًا في المتن؛ فإنّ أصنافه مختلفة جدّاً و لو بلحاظ البلد الذي تكون الحنطة منه، كما نراه بالوجدان، و حينئذٍ فمعنى مثليّة الحنطة ليست أنّ كلّ صنف منها مثل للصنف الآخر و لو كان مبايناً له في كثير من الصفات و الخصوصيّات، و لأجله كان هناك الاختلاف في القيمة، بل ربما يكون الاختلاف فاحشاً، فإذا غصب مقداراً من صنف خاصّ من الحنطة، و تلف عند الغاصب، فاللازم في مقام الأداء المقدار المعيّن من ذلك الصنف، و لا يجوز أداء الصنف الآخر و لو مع دفع تفاوت القيمة. نعم، التفاوت اليسير الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه، و مثل الحنطة في هذه الجهة الأرُز؛ فإنّه مختلف أصنافه جدّاً، و في مثال المتن فأين العنبر من الحويزاوي، و في زماننا هذا فرق فاحش بين الصنف الداخلي و الخارجي، و هكذا أصناف التمر و غيره ممّا لا يحصى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 72

تعذّر المثل في المثلي و وجوب أداء قيمة يوم الدفع

مسألة 25: لو تعذّر المثل في المثلي، ضمن قيمته و إن تفاوتت القيمة و زادت و نقصت بحسب الأزمنة؛ بأن كان له حين الغصب قيمة، و في وقت تلف العين قيمة، و يوم التعذّر قيمة، و اليوم الذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه

قيمة، فالمدار هو الأخير، فيجب عليه دفع تلك القيمة، فلو غصب منّاً من الحنطة كان قيمتها درهمين، فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة، و كانت قيمتها ثلاثة دراهم، ثمّ تعذّرت و كانت قيمتها أربعة دراهم، ثمّ مضى زمان و أراد أن يدفع القيمة- من جهة تفريغ ذمّته- و كانت قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم، يجب دفع هذه القيمة (1).

______________________________

(1) 1- لو تعذّر المثل في المثلي- لا بنحو لا يوجد المثل في جميع الأراضي و البلاد، بل بنحو يأتي في بعض المسائل الآتية «1»- يتحقّق الانتقال إلى القيمة؛ لأنّها بعد فرض تعذّر المثل تكون أقرب إلى العين المغصوبة التالفة. و كما أنّ العين القيميّة إذا اختلفت قيمتها بحسب يوم الغصب، و يوم التلف، و يوم أداء القيمة، يجب على الغاصب قيمة يوم الدفع و الأداء- كما لعلّه مستفاد من حديث «على اليد» «2»؛ نظراً إلى دلالته على حدوث الضمان بمجرّد الأخذ، و استمراره إلى زمان الأداء؛ نظراً إلى استعمال كلمة «على» و تعلّقها بالمأخوذ، و كلمة «حتّى» الدالّة على الغاية، و لا خفاء في شموله للمثلي و القيمي معاً. غاية الأمر أنّه حيث تعذّر المثل، فالأداء متعلِّق بالقيمة، و القيمة عبارة عن قيمة

______________________________

(1) في ص 88.

(2) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 73

..........

______________________________

يوم الأداء. نعم، صحيحة أبي ولّاد الآتية «1»، لو فرضت دلالتها على أنّ المعتبر قيمة يوم الغصب، يكون موردها الدابّة التي هي قيميّة، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى «2». كذلك المثل في المثلي الذي تعذّر مثله، كالمثال المذكور في المتن؛ فإنّ الواجب قيمة المثل في ذلك اليوم؛ لأنّ البدليّة تتحقّق فيه،

و لا مجال لبدليّة القيم السابقة عن القيمة في هذا اليوم، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 81- 83.

(2) في ص 80- 88.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 74

الملاك في التعذّر

مسألة 26: يكفي في التعذّر- الذي يجب معه دفع القيمة- فقدانه في البلد و ما حوله ممّا ينقل منه إليه عادة (1).

______________________________

(1) 1- ذكر في المتن أنّه يكفي في تعذّر المثل الذي يوجب الانتقال إلى القيمة- كما عرفت في المسألة المتقدّمة- فقدانه في البلد و ما حوله ممّا ينقل منه إليه عادةً، و لكنّ الظاهر أنّه كان بحسب الأزمنة السابقة التي كانت العادة في الحمل كذلك. و أمّا في هذه الأزمنة التي ربما يتحقّق الحمل من البلاد البعيدة بسبب السفن و الطيّارات و السيّارات، فالملاك عدم تحقّق الحمل من تلك البلاد و لو كانت مملكة اخرى، بل قارّة اخرى، فالضابط في تعذّر المثل هو عدم وجود المثل في البلد، و عدم تحقّق الحمل من البلاد الاخرى، و لعلّ قوله: «ممّا ينقل منه إليه عادةً» مشعر بهذا المعنى، فتدبّر. فإنّ قوله: «و ما حوله» لا يلتئم مع ذلك، كما أنّ الظاهر أنّ مراده من البلد هو البلد الذي يكون فيه المالك و الغاصب، كما هو كذلك نوعاً، و إلّا فلو فرض أنّ الغاصب انتقل إلى بلد آخر لأجل الإقامة فيه، و كان المثل موجوداً في ذلك البلد، و لم يتعارف النقل منه إلى بلد المالك، فاللّازم على الغاصب تهيئة المثل في ذلك البلد، و إرساله إلى المالك و إن كان مشكلًا، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 75

وجدان المثل بأكثر من ثمن المثل

مسألة 27: لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل، وجب عليه الشراء و دفعه إلى المالك ما لم يؤدّ إلى الحرج (1).

______________________________

(1) 1- لو وجد المثل و لكن بأكثر من ثمن المثل، وجب على الغاصب و من بحكمه شراء ذلك المثل

و دفعه إلى المالك؛ لأنّه في الفرض لا وجه للانتقال إلى القيمة، مع أنّ القيمة هو الأكثر المذكور. نعم، في صورة الأداء إلى الحرج الشخصي الذي هو الملاك في «قاعدة نفي الحرج»، كما بحثنا عنها مفصّلًا «1»، لا يجب الشراء بالأكثر؛ لعدم الفرق في القاعدة المذكورة بين الغاصب و غيره. فتأمّل لئلّا يختلج ببالك أنّ القاعدة المذكورة لا تشمل الغاصب؛ لأنّه مأخوذ بأشقّ الأحوال، فقد ذكر الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره أنّه لم يجد لهذا التعبير دليلًا في الشريعة «2». و ما ذكرناه من الوجه في المسألة السادسة عشر- المتعرّضة لمزج المغصوب بغيره مع إمكان التمييز، الدالّة على وجوب التمييز و لو مع المشقّة الشاملة بالإطلاق للمشقّة المساوقة للحرج؛ من أنّ الحرج حيث يكون بسوء اختيار الغاصب لا يكون دليل نفي الحرج دليلًا على نفيه بالإضافة إليه «3»- لا يكون لازمه عدم استثناء الحرج في المقام؛ لأنّه لا يكون الحرج في المقام مستنداً إليه و مرتبطاً بالعين

______________________________

(1) قاعدة نفي الحرج للمؤلّف قدس سره، المطبوع ضمن ثلاث رسائل: 144- 149.

(2) تقدّم في ص 55.

(3) في ص 53- 56.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 76

..........

______________________________

المغصوبة، بل يكون راجعاً إلى تعذّر المثل في السوق، و وجوب الشراء حينئذٍ كسائر الأحكام غير مجعول لأجل القاعدة. و هذا ظاهر لو فرض أنّ المزج في تلك المسألة حاصل بيد الغاصب و بسببه، كما هو ظاهر الجمود على العبارة. و أمّا لو فرض كونه أعمّ، كما هو الظاهر؛ لأنّ ما يحصل في يد الغاصب كأنّه حصل بيده، فالأمر أيضاً كذلك و إن لم يكن بذاك الوضوح.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 77

وجدان المثل مع تنزّل قيمته

مسألة 28: لو وجد المثل و لكن تنزّلت قيمته لم يكن على الغاصب إلّا إعطاؤه، و ليس للمالك مطالبته بالقيمة و لا بالتفاوت، فلو غصب منّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم، و أتلفها و لم يدفع مثلها قصوراً أو تقصيراً إلى زمان قد تنزّلت قيمتها و صارت خمسة دراهم، لم يكن عليه إلّا إعطاء منّ من الحنطة، و لم يكن للمالك مطالبة القيمة، و لا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة، بل ليس له الامتناع عن الأخذ فعلًا و إبقاؤها في ذمّة الغاصب إلى أن تترقّى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء و تفريغ ذمّته فعلًا (1).

______________________________

(1) 1- لو فرض وجود المثل و لكن مع تنزّل قيمته عن يوم الغصب، فلا يجب على الغاصب إلّا إعطاء المثل، و لا تصل النوبة إلى القيمة حتّى يقع البحث في تنزّلها أو ارتفاعها، و قد عرفت «1» في بعض المسائل السابقة أنّه لو أراد ردّ العين مع بقائها يكفي ردّها و لو مع تنزّل القيمة السوقيّة، و قد تقدّم في المسألة السابقة أنّه مع وجود المثل بأكثر من ثمن المثل يجب عليه شراؤه و دفعه إلى المالك إلّا مع الحرج. و هكذا الحال في صورة التنزّل، كالمثال المذكور في المتن، كما أنّه لا ينحصر بصورة الإتلاف، بل لو فرض التلف عند الغاصب يكون هكذا بعد ثبوت ضمانه. و عليه: فليس للمالك مطالبة القيمة في هذه الصورة، و لا مطالبة التفاوت بين القيمتين، و لا الامتناع عن أخذ المثل فعلًا إلى زمان ترقّي قيمته، و لا فرق في ذلك بين قصور الغاصب و تقصيره.

______________________________

(1) في ص 66.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و

اللقطة، ص: 78

سقوط المثل عن الماليّة بالمرّة

مسألة 29: لو سقط المثل عن الماليّة بالمرّة من جهة الزمان أو المكان، فالظاهر أنّه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، و لا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك، فلو غصب ثلجاً في الصيف و أتلفه، و أراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء، أو قربة ماء في مفازة، فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشطّ، ليس له ذلك، و للمالك الامتناع، فله أن يصبر و ينتظر زماناً أو مكاناً آخر فيطالبها بالمثل الذي له القيمة، و له أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلًا، كما في صورة تعذّر المثل. و حينئذٍ فهل يراعي قيمته في زمان الغصب و مكانه؟ المسألة مشكلة، فالأحوط التخلّص بالتصالح (1).

______________________________

(1) 1- لو سقط المثل عن الماليّة بالمرّة من جهة الزمان أو المكان، كالمثالين المذكورين في المتن، فالظاهر أنّه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، بل لا يكفي دفعه و الحال هذه في ارتفاع الضمان و حصول الغاية في حديث «على اليد» «1»؛ لأنّ خصوصيّة الماليّة ملحوظة في الأموال قبل الصفات الموجبة لاختلاف الرغبات، و هذه الخصوصيّة فيها بمنزلة الركن و الذات، و الباقي صفات. فلو فرض سقوطه عن هذه الخصوصيّة لأجل أحد الأمرين المذكورين، فلا مجال لتوهّم كفاية دفعه و لا لزوم أخذه؛ لأنّ العين المغصوبة كانت مالًا، و هذا ليس بمال أصلًا. و حينئذٍ فقد ذكر في المتن أنّ للمالك أن يصبر و ينتظر زماناً أو مكاناً كان للمثل

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 79

..........

______________________________

قيمة؛ أي و لو كان بأكثر من ثمن المثل، أو يطالب

الغاصب بالقيمة، و هل يراعى حينئذٍ قيمة زمان الغصب و مكانه؟ و الظاهر أنّ الطرف الآخر قيمة المثل في قبيل سقوط المثل عن الماليّة و إن لم يذكر ذلك في العبارة. و قال في الذيل: إنّ المسألة مشكلة، فالأحوط التخلّص بالتصالح، و مراده الاحتياط الوجوبي، و الإشكال إنّما ينشأ من أنّ المفروض أنّ العين المغصوبة المتلفة أو التالفة مثليّة؛ و حيث إنّها خرجت عن الماليّة، فاللازم انتظار زمان أو مكان صارت متّصفة بالماليّة، فيكفي دفع المثل و لو كان في الفرض المذكور، و من أنّ خروجها عن الماليّة بمنزلة تعذّر المثل، فاللازم الرجوع إلى القيمة، و لكنّ الظاهر هو الاحتياط المذكور و إن كان الرجوع إلى قيمة زمان الغصب أو مكانه لا يخلو عن قوّة.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 80

تلف المغصوب القيمي

مسألة 30: لو تلف المغصوب و كان قيميّاً، كالدوابّ و الثياب ضمن قيمته، فإن لم يتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه فلا إشكال، و إن تفاوتت؛ بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس، فهل يراعى الأوّل أو الثاني؟ فيه قولان مشهوران، و هنا وجه آخر؛ و هو مراعاة قيمة يوم الدفع، و الأحوط التراضي فيما به التفاوت بين يوم الغصب إلى يوم الدفع. هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق و تفاوت رغبة الناس، و أمّا إن كان من جهة زيادة و نقصان في العين كالسمن و الهزال، فلا إشكال في أنّه يراعى أعلى القيم و أحسن الأحوال، بل لو فرض أنّه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب و التلف من هذه الجهة، لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين

ثمّ زال، ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال، مثل ما لو كان الحيوان هازلًا حين الغصب ثمّ سمن، ثمّ عاد إلى الهزال و تلف؛ فإنّه يضمن قيمته حال سمنه (1).

______________________________

(1) 1- لو تلف المغصوب القيمي كالدوابّ و الثياب ضمن قيمته؛ لما عرفت «1» من تحقّق الانتقال إلى القيمة في القيمي، فإن لم يتفاوت قيمته في شي ء من الأزمنة:

الغصب، و التلف، و الدفع، لا من جهة السوق، و لا من جهة الزيادة و النقصان في العين، فلا إشكال في أنّه يجب على الغاصب أداء تلك القيمة، و على المالك أخذها بعد فرض كون المغصوب قيميّاً. و إن تفاوتت القيمة، إمّا بأن تكون قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف،

______________________________

(1) في ص 68.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 81

..........

______________________________

و إمّا بالعكس و كان التفاوت باعتبار القيمة السوقيّة، لا باعتبار زيادة أو نقص في العين، مثل السمن و الهزال، كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى «1»، فهل يراعى الأوّل، أو الثاني؟ ذكر في المتن أنّ فيه قولين مشهورين «2». لكن قال: و هنا وجه آخر؛ و هو مراعاة قيمة يوم الدفع «3»، و جعل الأحوط التراضي فيما به التفاوت من يوم الغصب إلى حين الدفع. و المستند المهمّ في هذا المجال ما رواه الكليني و الشيخ الطوسي 0 في الصحيح عن أبي ولّاد الحنّاط، و قد نقل الرواية في الوسائل في موضعين: كتاب الإجارة، الباب 17، و كتاب الغصب، الباب 7. غاية الأمر أنّه نقلها بتمامها في ذلك الكتاب، و قطعة مهمّة مرتبطة بالباب الذي عقده في هذا الكتاب، و حيث إنّها رواية مهمّة مشتملة على فوائد كثيرة فقهيّة و غيرها،

ننقلها من ذلك الكتاب. قال: اكتريت بغلًا إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً و جائياً بكذا و كذا، و خرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل، فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد، فأتبعته و ظفرت به، و فرغت ممّا بيني و بينه و رجعنا إلى الكوفة، و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوماً، فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت أن أتحلّل منه ممّا صنعت و ارضيه، فبذلت له خمسة عشر درهماً، فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة،

______________________________

(1) في ص 88.

(2) شرائع الإسلام 3: 240، المهذّب 1: 436- 437، تحرير الأحكام 4: 530، الدروس الشرعيّة 3: 113، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 2: 399، مسالك الأفهام 12: 185- 187، رياض المسائل 12: 272- 273، مفتاح الكرامة 6: 244 (الطبعة الهجريّة)، جواهر الكلام 37: 101- 102.

(3) شرائع الإسلام 3: 240، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 2: 399- 400، مسالك الأفهام 12: 188، الروضة البهيّة 7: 40.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 82

..........

______________________________

فأخبرته بالقصّة، و أخبره الرجل. فقال لي: ما صنعت بالبغل؟ فقلت: قد دفعته إليه سليماً، قال: نعم بعد خمسة عشر يوماً، قال: فما تريد من الرجل؟ فقال: أريد كراء بغلي، فقد حبسه عليَّ خمسة عشر يوماً، فقال: ما أرى لك حقّاً؛ لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة، فخالف و ركبه إلى النيل و إلى بغداد، فضمن قيمة البغل و سقط الكراء، فلمّا ردّ البغل سليماً و قبضته لم يلزمه الكراء. قال: فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته ممّا أفتى به أبو

حنيفة، فأعطيته شيئاً و تحلّلت منه، و حججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة، فقال: في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركتها. قال: فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فما ترى أنت؟ فقال: أرى له عليك مثل كراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل، و مثل كراء بغل راكباً من النيل إلى بغداد، و مثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفّيه إيّاه، قال: فقلت: جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه؟ فقال: لا؛ لأنّك غاصب، قال: فقلت له: أ رأيت لو عطب البغل و نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال: نعم، قيمة بغل يوم خالفته. قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز «1»، فقال: عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه «2»، فقلت: من يعرف ذلك؟ قال: أنت و هو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي

______________________________

(1) الدبر- بالتحريك- قرحة الدابّة، و الغمز: العيب، منه قدس سره.

(2) و في المحكي عن الجواهر 37: 102: أنّ الموجود عنده في النسخة الصحيحة المحشّاة من التهذيب: «تردّه عليه» من دون لفظ «يوم»، منه قدس سره.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 83

..........

______________________________

صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك. فقلت: إنّي كنت أعطيته دراهم و رضي بها و حلّلني، فقال: إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، الحديث «1». و المهمّ في الاستدلال بالرواية للمقام قوله عليه السلام: قيمة بغل يوم

خالفته؛ يعني يلزمك قيمة بغل ذلك اليوم، و لأجل وضوح كون القيمة اللازمة ليست قيمة البغل المطلق، بل خصوص البغل المغصوب، احتمل الشيخ الأنصاري «2» قدس سره أن تكون القيمة مضافة إلى البغل، و البغل إلى يوم خالفته، و حذف التعريف لأجل الإضافة، نظير «مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ) «3». و لكنّه اورد عليه «4» بأنّ البغل اسم للذّات، و إضافة الاسم الكذائي إلى ظرف الزمان لعلّه غير صحيح؛ لأنّ الذات غير متصرّمة الوجود، فلا معنى لإضافته إلى الزمان الخاصّ، فلا يقال: زيد هذا اليوم؛ لعدم اختلافه من حيث الذات مع زيد غير هذا اليوم. إلّا على سبيل التسامح. و لأجله يقال في العرف و يطلق كلمة «أنا» في جميع الحالات من الصغر و الشباب و الشيب، فيقول: أنا في حال الصغر كنت كذا، و في حال الشباب كنت كذا، و في حال الشيب كذا، و لأجله تصحّ تصوير المعاد الجسماني، مع أنّ المعصية فرضاً

______________________________

(1) الكافي 5: 290 ح 6، تهذيب الأحكام 7: 215 ح 943، الاستبصار 3: 134 ح 483، و عنها وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة ب 17 ح 1، و ج 25: 391، كتاب الغصب ب 7 ح 1، و في بحار الأنوار 47: 375 ح 98 عن الكافي.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 247- 248، و قد تقدّم في ص 65.

(3) سورة غافر 40: 31.

(4) تقدّم في ص 66.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 84

..........

______________________________

صادرة في حال الشباب، و الطاعة متحقّقة في حال الشيبوبة، فالمستحقّ للعقوبة و المثوبة هو عنوان «أنا» غير المتغيّر في شي ء من الحالات و الأزمنة، و إلّا فكيف يستحقّ العقوبة مَن

عصى في شبابه، و المثوبة مَنْ أطاع أواخر عمره، كما هو الغالب في الصورتين، بل هذا العنوان محفوظ بالإضافة إلى الدنيا و الآخرة، كما لا يخفى. فاللازم أن يقال في المقام بتعلّق الظرف ب «يلزمك» المستفاد من الجواب، و معنى اللزوم بالإضافة إلى القيمة مع عدم عروض التلف عند يوم المخالفة لوجود العين هو: كون ضمانها عليه، كقوله صلى الله عليه و آله: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي «1». و دعوى أنّه على هذا التقدير لا دلالة في الصحيحة على ثبوت قيمة يوم الغصب، بل غايته الدلالة على حدوث ضمان القيمة في مثل البغل الذي هو قيميّ عند حدوث الغصب و المخالفة. و أمّا أنّ القيمة المضمونة هي قيمة يوم الغصب، أو يوم التلف، أو غيرهما، فلا دلالة لها عليه، خصوصاً مع فرض التلف في السؤال. مدفوعة بأنّ الظاهر منها كون المعيار هو يوم المخالفة، خصوصاً مع أنّه على فرض العدم لم يتحقّق الجواب بتمامه و كماله. مع أنّه لا إشكال في أنّ السؤال كان عن الضمان، و لعلّه كان إشارة إلى مدرك أبي حنيفة من أنّ معنى «أنّ الخراج بالضمان» «2» هو عدم ثبوت شي ء مع ضمان البغل، و عليه: فلو كان الجواب ناظراً إلى خصوص أصل الضمان، لكان الجواب بقوله عليه السلام: «نعم» كافياً في إثبات الحكم بالضمان، فإضافة «قيمة بغل يوم خالفته»

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

(2) المسند لابن حنبل 9: 305 ح 24279، سنن ابن ماجة 3: 62 ب 43 ح 2242، 2243، السنن الكبرى للبيهقي 8: 211- 214 ح 10880- 10886، النهاية لابن الأثير 2: 19، عوالي اللئالي 1: 57 ح 83، و ص 219 ح 89، و عنه

مستدرك الوسائل 13: 302، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب 7 ح 15428.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 85

..........

______________________________

ناظرة إلى أمر آخر زائد على أصل الضمان، كما أنّه لو كان محطّ السؤال- بعد فرض الضمان- هو السؤال عن ضمان المثل أو القيمة في مورد الرواية الذي هو قيمي، لكانت إضافة «قيمة بغل» فقط كافية. فالإنصاف ظهور الرواية حينئذٍ في أنّ اللازم قيمة يوم الغصب و المخالفة، خصوصاً مع التعبير في الذيل ب «يوم الاكتراء» بدل «يوم الغصب»، و يمكن أن يقال بتعلّق الظرف الزماني- و هو «اليوم»- بالقيمة، كما أنّ قوله في الذيل: «حين اكترى» راجعاً إلى القيمة لا محالة؛ لعدم إمكان تعلّقه بالفعل و هو الشهادة. و عليه: يكون «اليوم» في المقام مفتوحاً متعلّقاً بالقيمة، لا بالفعل المستفاد من قوله عليه السلام: «نعم». و عليه: فدلالة الرواية على اعتبار قيمة يوم الغصب تكون في كمال الظهور؛ سواء قلنا بما احتمله الشيخ الأعظم قدس سره من إضافته البغل إلى يوم المخالفة، أو بالاحتمالين الآخرين، فتدبّر. ثمّ إنّ المراد ب «يوم خالفته» يوم حدوث المخالفة؛ يعني يوم الغصب، و لا مجال لاحتمال كون المراد منه حدوثاً و بقاءً؛ نظراً إلى أنّ الأيّام البعديّة أيضاً يصدق عليه عنوان «يوم خالفته»، و يؤيّده قوله عليه السلام في الذيل: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا»؛ نظراً إلى أنّ يوم المخالفة في مورد الرواية نفس يوم الاكتراء؛ لأنّه صار غاصباً بمجرّد التوجّه إلى النيل عند ما صار قرب قنطرة الكوفة، و التعبير ب «حين الاكتراء» إنّما هو لأجل كون الدابّة ذلك الحين بمرأى و منظر من الشهود؛ لأنّ

محلّ الاكتراء كان غالباً كذلك و مجتمعاً لكثير من الناس. فالإنصاف ظهور الرواية في اعتبار قيمة يوم الغصب. و أمّا كون الاعتبار بقيمة يوم التلف؛ فلأنّه غاية يوم الغصب و المخالفة حدوثاً و بقاءً؛ لانتهاء عنوان الغصب

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 86

..........

______________________________

بتحقّق التلف الموجب للانتقال إلى القيمة. و قد عرفت أنّه خلاف ظاهر الرواية المؤيّد بذيلها الذي وقع التعبير فيه عن «يوم الغصب» ب «يوم الاكتراء»؛ لأنّه لا إشكال في أنّه لا خصوصيّة ليوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء، فاللازم جعل العلّة للتعبير به ما ذكرنا. و أمّا الوجه الآخر الذي ذكره في المتن؛ و هو مراعاة قيمة يوم الدفع، فمبنيّ على استظهار أنّ المراد من حديث «على اليد» «1»؛ هو بقاء العين بذاتها على العهدة إلى زمان الدفع، و في ذلك الزمان حيث لا يمكن أداء العين لفرض التلف، فاللازم أداء بدلها الذي لا يكون بدلًا لها إلّا إذا كانت مساوية لها في القيمة، فالملاك هي قيمة يوم الدفع و الأداء، و لكنّ التحقيق أنّ هذا الاستظهار لا يقاوم الظهور الثابت في الصحيحة. و هذا فيما إذا كان الظاهر و الأظهر في كلام واحد واضح؛ فإنّ قوله: «رأيت أسداً يرمي» يكون مدلوله تعلّق الرؤية بالرجل الشجاع؛ سواء قلنا بأنّ وجود القرينة مانع عن انعقاد الظهور لذيها، أو قلنا بتقدّم الأظهر على الظاهر، كما أنّه ببالي أنّ عليه بعض المحقّقين «2». و أمّا إذا كانا في كلامين مستقلّين، فمن الواضح حينئذٍ ثبوت أصل الظهور بالنسبة إلى كليهما، غاية الأمر أنّ أحدهما أظهر من الآخر، فالظاهر أنّ الجمع بينهما إنّما هو من حيث الدلالة، كتقدّم النصّ على الظاهر؛

نظراً إلى خروج الأظهر و الظاهر عن موضوع المتعارضين الوارد في الأخبار العلاجية، فلا يجري فيهما ضوابط

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

(2) درر الفوائد للحائري رحمه الله: 641.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 87

..........

______________________________

الترجيح و المرجّحات المعهودة المتعارفة. و هذا نظير العامّ و الخاصّ، فإنّا قد حقّقنا في الاصول ثبوت التعارض بينهما في عالم المنطق؛ ضرورة ثبوت المضادّة بين الموجبة الكلّية و السالبة الجزئيّة و بالعكس، إلّا أنّه في محيط التقنين لا تعارض بينهما، بل يحمل الأوّل على الثاني؛ لأظهريّته عليه، و إن كانا فرضاً من جهة الأمر و النهي متساويين في معناهما، إلّا أنّه من جهة العموم و الخصوص كذلك؛ ضرورة أنّ تخصيص العموم من المصاديق الواضحة للخروج عن المتعارضين في ذلك المحيط، و التحقيق الأكثر موكول إلى بحث العامّ و الخاصّ من الاصول، فراجع «1». فالتحقيق أنّ الملاك هو ظهور الصحيحة و إن كان الاحتياط المذكور في المتن حسناً؛ أي بنحو الاحتياط الاستحبابي، على خلاف ما يظهر من المتن من الاحتياط الوجوبي؛ لعدم كونه مسبوقاً بالفتوى و لا ملحوقاً به، كما لا يخفى. ثمّ إنّ ما ذكرنا من تقدّم الصحيحة على حديث «على اليد» لأجل الأظهريّة لا يلازم الارتكاب بالإضافة إلى المثل أيضاً، بعد كون مورد الصحيحة هو القيمي، و حديث «على اليد» ظاهراً في الإطلاق، فإذا كان أداء المثل في المثلي مستلزماً لشرائه بقيمة غالية، فاللازم الالتزام بذلك ما لم يؤدِّ إلى الحرج، كما عرفت في بعض المسائل السابقة «2». و أمّا القيميّ، فلا بدّ من ملاحظة يوم الغصب بالإضافة إليه على ما تدلّ عليه الصحيحة.

______________________________

(1) سيرى كامل در اصول فقه 16: 96- 99.

(2) في ص 75-

77.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 88

..........

______________________________

ثمّ إنّ ما ذكرنا كلّه، إنّما هو فيما إذا كان اختلاف القيمة بحسب الأيّام المشار إليها لأجل اختلاف القيمة السوقيّة، و تفاوت السوق في ذلك، فتأمّل لئلّا يختلط عليك الأمر، و تتوهّم ثبوت المنافاة بين ما هنا، و بين ما تقدّم «1»؛ من أنّه لا عبرة بالقيمة السوقيّة زيادةً و نقصاناً؛ فإنّ المفروض هناك صورة بقاء العين و إرادة ردّها بنفسها، كأنّه لا أثر لزيادة القيمة السوقيّة و نقصانها، و المفروض هنا صورة تلف العين القيميّة التي لا محالة ينحصر أداؤها بأداء القيمة. فحينئذٍ يبحث عن أنّ الواجب قيمة يوم الغصب، أو يوم التلف، أو يوم الدفع، فلا ارتباط لما هنا بذلك، فتدبّر. و أمّا إذا كان لأجل اختلاف العين زيادة و نقيصة، فاللازم مراعاة أعلى القيم و أحسن الحالات؛ من دون فرق بين أن تكون الزيادة الحاصلة باقية عند التلف، أو زائلة، كالمثالين المذكورين في المتن. و الوجه في لزوم مراعاة الأعلى: أنّ الزيادة حاصلة في ملك المالك، و كما أنّ المالك مالك للعين، مالك للزيادة أيضاً، ففي فرض التلف يكون ضمانها على الغاصب كأصل تلف العين.

______________________________

(1) ص 67.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 89

اختلاف القيمة باختلاف المكان

مسألة 31: لو اختلفت القيمة باختلاف المكان، كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة، و في بلد التلف بعشرين، و في بلد الأداء بثلاثين، فلا يترك الاحتياط المتقدّم في المسألة السابقة (1).

______________________________

(1) 1- كان البحث في المسألة السابقة في اختلاف القيمة بحسب الأزمنة، إمّا لأجل اختلاف القيمة السوقيّة، أو لأجل حصول زيادة أو نقيصة في العين، كالسمن و الهزال، و البحث في

هذه المسألة في اختلاف القيمة باختلاف المكان، كالمثال المذكور في المتن، و قد نهى فيه عن ترك الاحتياط المتقدّم فيها؛ و هو التراضي فيما به التفاوت من بلد الغصب إلى بلد الدفع و الأداء. و الظاهر أنّ منشأه هو دلالة حديث «على اليد» «1» على ضمان العين إلى حين الدفع و الأداء، مع أنّ قوله عليه السلام في ذيل الصحيحة السابقة «2»: «إنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا» له ظهوران: ظهور في أنّ المراد يوم الغصب و زمان تحقّق الاستيلاء، الذي قد عرفت «3» أنّه يكون في مورد الرواية نفس يوم الاكتراء، و عرفت «4» أيضاً وجه العدول عن التعبير عن يوم الغصب بيوم الاكتراء. و ظهور في أنّ المراد مكان الغصب؛ لأنّ شهادة الشاهدين إنّما هي بلحاظ ذلك المكان، لا بلحاظ الأمكنة الاخرى. و عليه: لا يبعد أن يقال بظهور الصحيحة في أنّ

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

(2) في ص 82.

(3) (، 4) في ص 85.

(4)

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 90

..........

______________________________

الملاك يوم الغصب و مكانه، كما لا يخفى. و عليه: فالاحتياط استحبابيّ لا مانع من تركه، بخلاف نظر الماتن قدس سره، كما في مسألة الاختلاف بحسب اختلاف الأزمنة «1». نعم، لا ينبغي الإشكال في أنّ دلالة الصحيحة على اعتبار قيمة يوم الغصب لعلّها كانت أظهر من دلالتها على اعتبار مكان الغصب؛ لدلالة فقرتين منها على الزمان، و خصوص الفقرة الأخيرة على المكان بالتقريب المتقدِّم، كما لا يخفى. و لكنّ الظاهر أنّه لا يقتضي عدم ثبوت الأظهريّة له حينئذٍ بالإضافة إلى حديث «على اليد»، الظاهر في ثبوت قيمة مكان الدفع أيضاً، كزمانه على ما تقدّم «2»، بل

الظاهر ثبوت الأظهريّة للصحيحة مطلقاً.

______________________________

(1) في ص 80- 81.

(2) في ص 72.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 91

بدل الحيلولة

مسألة 32: كما أنّه عند تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلًا أو قيمةً، كذلك فيما إذا تعذّر على الغاصب عادةً تسليمه، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه، أو أبق العبد، أو شردت الدابّة و نحو ذلك؛ فإنّه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك، و يسمّى ذلك البدل بدل الحيلولة، و يملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه، و إذا أمكن تسليم المغصوب و ردّه يسترجع البدل (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت «1» أنّه في فرض تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك؛ للزوم تفريغ الذمّة على الغاصب، و الخروج من عهدة الضمان بأداء المثل في المثليّات، و القيمة في القيميّات، كذلك فيما إذا لم يتحقّق التلف، و كانت العين موجودة لكن لا في يد الغاصب، بل تعذّر تسليمها بالتعذّر العادي، كما إذا سرقت من الغاصب و لم يعرف السارق. ثمّ لا يخفى، أنّ السرقة من الغاصب توجب تحقّق غصب آخر، على ما عرفت «2» في تعريف الغصب؛ من كون السرقة من مصاديقه و إن كان لها أحكام خاصّة، كما أنّ الظاهر أنّ نفس إباق العبد غصب؛ لأنّه الاستيلاء على مال الغير عدواناً؛ و هي نفسه التي باختياره، و لا فرق في توجّه التكليف بينه و بين الحرّ، فيصير الموردان من موارد تعاقب الأيدي و إن كان بينهما فرق. و سائر الأمثلة المذكورة في المتن؛ فإنّه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام

______________________________

(1) في ص 68.

(2) في

13.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 92

..........

______________________________

كذلك، و يسمّى ذلك البدل بدل الحيلولة، لا بمعنى وقوع البدل في مقابل الحيلولة، كما لعلّه يشعر به هذه الإضافة، بل بمعنى وقوع البدل في مقابل المال لجهة الحيلولة و عليّتها، فالحيثيّة تعليليّة كما هو واضح. و يدلّ على ثبوته في هذه الحالة- مضافاً إلى اتّفاق الفقهاء من المتقدّمين و المتأخّرين، بل من الخاصّة و العامّة «1» عليه، و مضافاً إلى الروايات الواردة في الموارد الخاصّة، كالسرقة و الضياع الواردتين في الوديعة بالإضافة إلى الأمين المفرط، الذي يشترك مع الغاصب في الضمان على ما حقّق في محلّه «2»، و في المستأجر المفرط، و الحكم في الغاصب لو لم يكن أشدّ لا يكون أسهل منهما، و عليك بمراجعة كتاب الوديعة «3» و كتاب الإجارة «4» من الوسائل، ففي الحقيقة يجري إلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى أمرين: أحدهما: عدم اختصاص الحكم المذكور في الروايات بالودعي و المستأجر. ثانيهما: عدم اختصاص الحكم المذكور فيها بخصوص الضياع و السرقة، بل

______________________________

(1) الخلاف 3: 412 مسألة 26، المبسوط 3: 95، غنية النزوع: 281- 282، السرائر 2: 486، شرائع الإسلام 3: 241، تذكرة الفقهاء 2: 385 (ط. ق)، قواعد الأحكام 2: 230، تحرير الأحكام 4: 535، إرشاد الأذهان 1: 446، إيضاح الفوائد 2: 180- 181، الدروس الشرعيّة 3: 112، جامع المقاصد 6: 261- 262، مسالك الأفهام 12: 200، مجمع الفائدة و البرهان 10: 538- 539، كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 2: 647- 648، المسألة السابعة، مفتاح الكرامة 6: 254- 255 (ط. ق)، جواهر الكلام 37: 129- 130. المجموع 15: 69- 70، المغني لابن قدامة 5: 417- 418، الإنصاف 6: 181-

182، العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير 5: 424.

(2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره: 36- 38، و قد تقدّم الإشارة إلى ذلك في ص 49.

(3) الكافي 5: 239 ح 9، الفقيه 3: 194 ح 880، تهذيب الأحكام 7: 180 ح 719، و عنها وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة ب 5 ح 1.

(4) وسائل الشيعة 19: 155- 156، كتاب الإجارة ب 32.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 93

..........

______________________________

يشمل مثلهما ممّا يكون العين باقية واقعاً، أو محكوماً بالبقاء كذلك، غاية الأمر تعذّر وصول الغاصب إليه بنحو التعذّر العادي-: أنّ الملاك الموجود للزوم دفع البدل من المثل أو القيمة في صورة التلف الحقيقي، الذي انقطعت يد المالك عن ماله دائماً، و للتالي موجود في صورة التعذّر العادي، كما هو المفروض؛ لعدم الفرق؛ فإنّ المستفاد من الأدلّة؛ خصوصاً «على اليد ما أخذت» «1» أنّ للمالك في كلّ آن جواز مطالبة ماله، إمّا عيناً أو بدلًا. و بعبارة اخرى: حديث «على اليد» يدلّ على أنّ المال المغصوب في عهدة الغاصب و ضمانه، و لا بدّ له من أداء ماله عند المطالبة كذلك، و لا مجال لجواز رفع يد المالك عن ماله مطلقاً و لو كان المالك قادراً على وجدانه فرضاً، فاللازم في مثل الفرض أداء البدل، و مع إمكان التسليم للمغصوب عيناً و ردّه خارجاً يسترجع البدل و إن كان ملكاً للمالك في قبل هذه الحالة، فتدبّر و سيأتي.

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 94

نماء البدل و المبدل

مسألة 33: لو كان للبدل نماء و منافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه.

نعم، نماؤه المتّصل كالسمن يتبع العين، فإذا

استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها. و أمّا المبدل، فلمّا كان باقياً على ملك مالكه فنماؤه و منافعه له، لكنّ الغاصب لا يضمن منافعه الغير المستوفاة في تلك المدّة على الأقوى (1).

______________________________

(1) 1- يقع الكلام في هذه المسألة في موردين: الأوّل: نماء البدل و منافعه في مدّة الحيلولة، مقتضى ما ذكرنا من صيرورة البدل ملكاً للمالك كون نمائه و منافعه له؛ لأنّ البدليّة في تمام الجهات لا تتمّ إلّا بذلك، فإذا كان البدل ملكاً له فالنماء أيضاً كذلك. نعم، استدرك في المتن النماء المتّصل الحاصل في زمن كون البدل تحت يد المالك و في ملكه كالسّمن، فالظاهر أنّه حيث لا يمكن التفكيك بينه و بين العين؛ أي البدل، و هو تابع له، فإذا استرجع الغاصب البدل في صورة ردّ العين المغصوبة إلى المالك يسترجعه بتمامه؛ لأنّ الفرض عدم إمكان التفكيك، و لا مجال لتوهّم المشاركة كما هو واضح. إلّا أن يقال بوجود الإشكال في مثال السمن؛ نظراً إلى أنّ هذه الحالة من عوارض الحيوان، و الحيوان لا يعقل أن يكون بدلًا؛ لأنّه من القيميّات كما عرفت «1»، و البدل فيها هي القيمة التي لا يعقل فيها السمن. و بالجملة: السمن وصف الحيوان، و هو قيميّ و بدله القيمة، و هي لا تكون معروضة للسمن، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 80.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 95

..........

______________________________

نعم، ربما يناقش في صيرورة البدل ملكاً للمالك؛ نظراً إلى استلزامه الجمع بين العوض و المعوّض «1». و لعلّه لذا حكي عن المحقّق القمي رحمه الله القول بثبوت إباحة جميع التصرّفات حتّى المتوقّفة على الملك من دون حصول الملكيّة «2»، و لكنّ الظاهر أنّ البدليّة لا تتمّ

إلّا بذلك؛ فإنّ اللازم على الغاصب جعل البدل مكان العين كأنّه هي، و لازمه صيرورة البدل ملكاً له. و يكفي في الدلالة على الملكيّة ما تقدّم من الروايات المشار إليها، الواردة في الأمين المفرط، و المستأجر كذلك، الدالّة على الضمان في مورد الضياع و السرقة، فكما أنّ مثل حديث «على اليد» «3» يدلّ على الضمان، و يستفاد منه ملكيّة المضمون له، فكذلك هذه الروايات من دون فرق، كما لا يخفى. مضافاً إلى وقوع التعبير بالقيمة في صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «4»، الدالّة بالفقرتين على اعتبارها؛ فإنّ عرف المتشرّعة يفهم من ذلك ثبوت الملكيّة للقيمة المدفوعة إلى المالك، و أنّ تسلّطه عليها كتسلّطه على العين المغصوبة، و لم يرد فيها تصريح بأنّ المالك يصير مالكاً للقيمة، فإذا كان كذلك في صورة التلف، فبالنسبة إلى بدل الحيلولة يكون كذلك و إن كانت الملكيّة لا تكون من حيث الفتوى مثل لزوم نفس أداء البدل؛ لمخالفة بعض على ما عرفت. و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في أنّ الدقّة في الأدلّة تقتضي الحكم بثبوت الملكيّة

______________________________

(1) جامع المقاصد 6: 271- 272، مسالك الأفهام 12: 200- 201.

(2) جامع الشتات 2: 539- 540.

(3) تقدّم في ص 17.

(4) تقدّم في ص 81- 83.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 96

..........

______________________________

بالإضافة إلى البدل، و لا يستلزم الجمع المذكور بعد التعذّر كما هو المفروض؛ ضرورة أنّ الملكيّة حينئذٍ محدودة، و حدّها تمكّن الغاصب من تسليم العين المغصوبة و وقوع التسليم خارجاً، فهي ملكيّة محدودة من أوّل الأمر، شبيه النكاح المنقطع المحدود بوقت الأجل. الثاني: نماء المبدل، و حيث إنّ المفروض بقاؤه على ملك مالكه، فنماؤه و منافعه له. نعم، استدرك صورة

ما إذا لم يستوف الغاصب المنافع في تلك المدّة، و قوّى في المتن عدم ضمانه إيّاها، و لعلّ وجه الأقوائيّة أنّ المنافع غير المستوفاة بعد فرض تعذّر التسليم عادةً تكون كمنافع الحرّ الفائتة تحت يد الغاصب، بل لعلّها أولى من جهة أنّ العرف لا يعدّونها منفعة بالإضافة إلى الغاصب حينئذٍ. نعم، مع الاستيفاء على فرضه يتحقّق موضوع الإتلاف، بل يدلّ على ضمانه ما يدلّ على ضمان المغصوب كما عرفت «1»، لكن مرَّ التفصيل في منافع الحرّ الذي حبسه بين الكسوب و غيره، كما نفى عنه البعد السيّد الطباطبائي في حاشية المكاسب، على ما تقدّم، فراجع «2».

______________________________

(1) في ص 32- 33.

(2) في ص 32- 33.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 97

اعتبار نقد البلد في أداء القيمة

مسألة 34: القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميّات و في المثليّات عند تعذّر المثل هو نقد البلد؛ من الذهب و الفضّة المضروبين بسكّة المعاملة، و غيرهما ممّا هو نقد البلد، كالأوراق النقديّة. و هذا هو الذي يستحقّه المغصوب منه، كما هو كذلك في جميع الغرامات و الضمانات، فليس للضامن دفع غيره إلّا بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى نقد البلد (1).

______________________________

(1) 1- لا ريب في أنّ الضامن كالغاصب الذي يضمن القيمة، إمّا ابتداءً كما في القيميّات، أو بعد التعذّر كما في المثليّات، تكون القيمة المضمونة بالإضافة إليه هي الرائجة في المملكة؛ سواء كان ذهباً و فضّة مضروبين بسكّة المعاملة- كما كان متعارفاً في سابق الأيّام، و بالنسبة إلى بعض النقود في زماننا هذا- أو اسكناساً إيرانيّاً، أو ريالًا سعودياً، أو ديناراً كويتيّاً، أو غير ذلك. و الظاهر أنّ في العبارة إشعاراً بأنّ الذهب و الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة

يكفي في دفع الضامن إلى المغصوب منه و لو انقضى أجله و مضى أوان صرفه، بسقوط من تصدّى لهذا الضرب، و قيام غيره مقامه مع عدم اعتبار تلك السكّة المضروبة، إلّا أن يقال: إنّ هذا الإشعار مدفوع بقوله قدس سره: ممّا هو نقد البلد، فتدبّر. و الظاهر عدم كفاية الذهب المتداول في هذه الأزمنة، و يعبّر عنه بالسكّة؛ لأنّه يقع مورداً للمعاملة بعنوان المبيع لا الثمن، و هذا يتزايد و يتناقص قيمته بحسب الأيّام المختلفة، و قد اخترنا في كتاب الزكاة عدم تعلّق الزكاة بمثل هذا الذهب «1»؛ لأنّ الدرهم و الدينار الذين كان يتعلّق بهما الزكاة مع النصاب المخصوص المذكور

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الزكاة، الفصل الثاني، الأمر الثاني.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 98

..........

______________________________

هما الدرهم و الدينار الواقعان ثمنين في المعاملات، و يكونان بمنزلة القيمة، و يقوّم الأجناس بهما. و أمّا ما كانا بمنزلة المبيع فهما خارجان عن دائرة تعلّق الزكاة. و بالجملة: فالضابط الكلّي فيما يستحقّه المغصوب منه في المقام، و كذا في جميع الغرامات و الضمانات- كما في سائر الموارد- هو النقد الرائج في المملكة، و لا يجوز للضامن دفع غيره إلّا مع التراضي، و قيّده في العبارة بلزوم مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى نقد البلد. و يرد عليه- بعد إصلاحه بأنّ المراد هو نقد المملكة الرائج، لا البلد في مقابلها فتدبّر: أنّه مع حصول التراضي لا تجب المراعاة المذكورة؛ لأنّه مع رضا المغصوب منه لا وجه لاعتبار ذلك؛ لأنّ رضاه موجب لسقوط الضمان و لو لم يدفع الضامن شيئاً أصلًا، فضلًا عمّا إذا كان أقلّ، اللّهم إلّا أن يكون رضاه

مقيّداً بالمراعاة المذكورة، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 99

التفصيل بين الذهب و الفضّة

مسألة 35: الظاهر أنّ الفلزّات و المعادن المنطبعة، كالحديد، و الرصاص، و النحاس كلّها مثليّة، حتّى الذهب و الفضّة مضروبين أو غير مضروبين، و حينئذٍ تضمن جميعها بالمثل، و عند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليّات المتعذّر المثل. نعم، في خصوص الذهب و الفضّة تفصيل، و هو: أنّه إذا قوّم بغير الجنس، كما إذا قوّم الذهب بالدرهم، أو قوّم الفضّة بالدينار، فلا إشكال. و أمّا إذا قوّم بالجنس؛ بأن قوّم الفضّة بالدرهم، أو قوّم الذهب بالدينار، فإن تساوى القيمة و المقوّم وزناً، كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوّمة عشرة مثاقيل، فقوّمت بثمانية دراهم، و كان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل، فلا إشكال أيضاً. و إن كان بينهما التفاوت، بأن كانت الفضّة المقوّمة عشرة مثاقيل مثلًا، و قد قوّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل، فيشكل دفعها غرامة عن الفضّة؛ لاحتمال كونه داخلًا في الربا فيحرم، كما أفتى به جماعة، فالأحوط أن يقوّم بغير الجنس؛ بأن يقوّم الفضّة بالدينار، و الذهب بالدرهم حتّى يسلم من شبهة الرِّبا (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت «1» أنّ المرجع في المثلي و القيمي هو العرف؛ لأنّه لا يكون للشارع فيه معنى مخصوص لا بصورة الحقيقة و لا بنحو المجاز. و عليه: فالظاهر- كما هو كذلك عند العرف- أنّ الفلزّات و المعادن المنطبعة- كالأمثلة المذكورة في المتن- كلّها مثليّة حتّى الذهب و الفضّة؛ من دون فرق بين

______________________________

(1) في ص 68- 69.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 100

..........

______________________________

مضروبين، و غير مضروبين، فاللازم في الجميع أداء المثل، و عند تعذّره القيمة كسائر الموارد. نعم،

في خصوص الذهب و الفضّة تفصيل مفتى به لجماعة «1»؛ و هو: أنّه بعد جريان الرّبا المعاوضي في بيع الصرف- كما هو المحقّق في محلّه «2»- إذا قوّم الذهب أو الفضّة بغير الجنس، كما إذا قوّم الذهب بالدرهم، أو قوّم الفضّة بالدينار، فلا إشكال؛ لعدم جريان الربا فيه بوجه. و أمّا إذا قوّم بالجنس؛ بأن قوّم الفضّة بالدرهم، أو قوّم الذهب بالدينار، فإن كان التساوي في الوزن موجوداً من دون زيادة و نقصان، فلا إشكال أيضاً، و إن كان بينهما التفاوت في الوزن، كالمثال المذكور في المتن، ففيه إشكال من جهة جريان الرّبا على طبق تلك الفتوى. و لكنّ الظاهر أنّ مسألة جريان الربا إنّما هي فيما إذا كانت معاوضة و لو لم تكن البيع، بل كان صلحاً مثلًا. و أمّا في مثل المقام ممّا لا يكون هناك معاوضة، بل مجرّد التقويم خروجاً عن العهدة و الضمان، فالظاهر عدم جريان الربا فيه و إن كان الاحتياط المذكور حسناً بلا إشكال؛ لتحقّق السلامة عن الربا مطلقاً، فتدبّر. و يؤيّده بل يدلّ عليه صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «3» الدالّة على ثبوت قيمة بغل يوم خالفته؛ ضرورة أنّ ثبوت القيمة في البغل بعد التلف لا يرجع إلى تحقّق عنوان

______________________________

(1) المبسوط 2: 107، شرائع الإسلام 2: 48، تحرير الأحكام 2: 269، الرقم 3054 و ص 313- 315، الرقم 3205- 3210 و ص 316، الرقم 3216، مجمع الفائدة و البرهان 8: 301- 312، الحدائق الناضرة 19: 276- 299، جواهر الكلام 24: 3- 36، و غيرها من الكتب.

(2) شرائع الإسلام 2: 48، جواهر الكلام 24: 4، تحرير الوسيلة 1: 515 مسألة 8.

(3) في ص 81- 83.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء

الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 101

..........

______________________________

المعاوضة و إن قلنا بثبوت نفس البغل على العهدة ما لم يتحقّق الأداء الذي هي الغاية في حديث «على اليد» «1»، بل مرجعه إلى تحقّق الفراغ عن ذمّة الضمان بأداء القيمة؛ لأنّ المغصوب قيميّ. و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في أنّ التقويم أمر، و المعاوضة بيعاً كانت أم غيره أمرٌ آخر، فلا ارتباط للمقام بمسألة الربا في بيع الصرف أصلًا و إن قلنا فيه بالعموميّة لغير البيع، و عدم الاختصاص بالدينار و الدرهم، بل جريانه في مطلق الذهب و الفضّة. ثمّ إنّ الظاهر أنّه كما لا فرق في الذهب و الفضّة بين المسكوكين و غيرهما، كذلك لا فرق في الجميع بين وجود بعض الصور و الأشكال فيه بالصياغة و نحوها، و عدم وجوده، فلا فرق في النحاس مثلًا بين عروض بعض الأشكال به، كجعله ظرفاً، و بين عدمه كما لا يخفى، و سيأتي في بعض المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالى «2».

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

(2) في ص 114- 115 مسألة 37.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 102

تعاقب الأيادي

مسألة 36: لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمّ تلفت؛ بأن غصبها شخص من مالكها، ثمّ غصبها من الغاصب شخص آخر، ثمّ غصبها من الثاني شخص ثالث و هكذا، ثمّ تلفت ضمن الجميع، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل، أو القيمة على كلّ واحد منهم، و على أكثر من واحد بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً، حتّى أنّه لو كانوا عشرة مثلًا له أن يرجع على الجميع، و يأخذ من كلّ منهم عشر ما يستحقّه من البدل، و له أن يأخذ من واحد منهم النصف، و الباقي

من الباقين بالتوزيع متساوياً أو بالتفاوت. هذا حكم المالك معهم. و أمّا حكم بعضهم مع بعض، فعلى الغاصب الأخير الذي تلف المال عنده قرار الضمان؛ بمعنى أنّه لو رجع عليه المالك و غرّمه لم يرجع هو على غيره بما غرّمه، بخلاف غيره من الأيادي السابقة؛ فإنّ المالك لو رجع على واحد منهم، فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال عنده، كما أنّ لكلّ منهم الرجوع على تاليه و هو على تاليه، و هكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة المعروفة بمسألة تعاقب الأيادي من المسائل المهمّة الفقهيّة، و قد أُلّفت فيها رسائل مستقلّة: منها: ما ألّفه بعض الأعاظم من المتأخّرين المطبوع في ذيل بعض كتبه الفقهيّة المطبوعة؛ و هو الشيخ ضياء الدين العراقي في شرح كتاب القضاء لُاستاذه المحقّق الخراساني قدس سره «1». و موضوع المسألة ما لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمّ تلفت، كالمثال المذكور في المتن. و أمّا التعدّد بحسب العرضيّة، فقد ذكرنا في المسألة العاشرة أنّ

______________________________

(1) كتاب القضاء: 220- 229.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 103

..........

______________________________

الضمان فيه بالنسبة- أي بنسبة الاستيلاء- لا بالجميع، فإذا اشترك اثنان في غصب عين يكون كلّ واحد منهما ضامناً للنصف إذا كان مقدار الاستيلاء كذلك و إن قدر على الاستيلاء على الجميع؛ لأنّ الملاك هو الاستيلاء الفعلي الحاصل بالاشتراك، لا القدرة عليه و لو بنحو الاستقلال، فما حكي عن بعض من جواز رجوع المالك إلى كلّ واحد منهما بتمام البدل من المثل أو القيمة غير تامّ «1». فمسألة تعاقب الأيادي تتصوّر بالإضافة إلى الأيادي الطوليّة، و الكلام يقع في هذه المسألة في مقامين: المقام الأوّل: حكم

المالك مع هذه الأيادي المشتركة في الغاصبيّة، و قد تلفت العين عند الأخير مثلًا، و اللازم قبل بيان الحكم تصوير تعدّد الضمان بالنسبة إلى مال واحد، الموجب للزوم دفع البدل على كلّ عند مطالبة المالك، مع أنّ المال الواحد كما أنّه لا يمكن أن يكون له أزيد من مالك واحد بنحو يكون كلّ واحد مالكاً للكلّ و إن اختاره صاحب العروة في الملحقات- و ليست الملكيّة أمراً واقعيّاً كالسواد و البياض غير القابلين للعروض على معروض في آن واحد، بل هي أمر اعتباريّ متقوّم بالاعتبار. فكما أنّه يجوز أن يكون للزوج أزيد من زوجة واحدة، كذلك يمكن في عالم الاعتبار أن يكون للزوجة أزيد من زوج واحد و إن كان غير جائز بنظر الشرع، بل بنظر العقلاء جدّاً كذلك لا يكون له إلّا بدل واحد لا أبدال متعدّدة، كما هو مقتضى تعدّد الضمناء. و لا بأس بنقل كلام السيّد على نحو التلخيص و إن لم يكن له كثير ارتباط بالمقام؛

______________________________

(1) مسالك الأفهام 12: 147، جواهر الكلام 37: 11.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 104

..........

______________________________

قال: الأقوى جواز اجتماع المالكين المستقلّين لمال واحد، كما إذا كان ملكاً للنوع، كالزكاة، و الخمس، و الوقف على العلماء و الفقراء على نحو بيان المصرف؛ فإنّ كلّ فرد من النوع مالك لذلك المال، بل لا مانع من اجتماع المالكين الشخصيّين أيضاً، كما إذا وقف على زيد و عمرو، أو أوصى لهما على نحو بيان المصرف؛ فإنّه يجوز صرفه على كلّ واحد منهما. فدعوى عدم معقوليّة اجتماع المالكين على مال واحد، لا وجه لها، مع أنّه لا إشكال عندهم في جواز كون حقّ واحد لكلّ من الشخصين

مستقلّاً، كخيار الفسخ، و كولاية الأب و الجدّ على مال الصغير. و من المعلوم عدم الفرق بين الحقّ و الملك «1»، انتهى. و نحن أجبنا عن ذلك في كتابنا القواعد الفقهيّة في «قاعدة أماريّة اليد» بما يرجع محصّله: أنّ الملكيّة المستقلّة مستتبعة للاختصاص الذي هو لازم أعمّ لها؛ ضرورة أنّه قد يوجد بدونها، و لكنّه لا يمكن تحقّقها بدونه. و من الواضح: أنّ الاختصاص مغاير للاشتراك، تغاير الضدّين اللّذين لا ثالث لهما. و أمّا الموارد التي استشهد بها، فالظاهر عدم كون شي ء منها من هذا الباب؛ ضرورة أنّ ما كان ملكاً للنوع لا يكون مالكه متعدّداً؛ لأنّ المالك هو النوع؛ و هو غير متعدّد، و الأفراد بما أنّها أفراد متعدّدة، و لها خصوصيّات متكثّرة، لا تكون مالكة أصلًا. و دعوى أنّه لا يعقل كون غير ذوي العقول مالكاً، مدفوعة بمنع عدم التعقّل، بل هو واقع جدّاً؛ ضرورة أنّ الوقف على المساجد لا يكون المالك له إلّا نفس المسجد،

______________________________

(1) العروة الوثقى (الملحقات) 6: 589.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 105

..........

______________________________

و هكذا الوقف على الضرائح المقدّسة. و أمّا الوقف على خصوص زيد و عمرو، أو الوصيّة لهما على نحو بيان المصرف، فلا بدّ من الالتزام بأنّ المالك هو القدر المشترك، الذي ينطبق على زيد و على عمرو، لا خصوص كلّ منهما، و على غير هذا التقدير لا بدّ من القول باشتراكهما بحيث يكون لكلّ منهما النصف المشاع. و أمّا جواز كون حقّ واحد لكلّ من الشخصين مستقلّاً، كخيار الفسخ، فهو و إن كان ممّا لا ينكر، إلّا أنّ الظاهر ثبوت الفرق بين الحقّ و الملك عند العقلاء، و يشهد لذلك ثبوت التعارض

بين البيّنة القائمة على أنّ المال الفلاني مملوك بتمامه لزيد، و البيّنة القائمة على أنّ ذلك المال ملك لعمرو كذلك. و هذا بخلاف ما لو قامت إحداهما على ثبوت الخيار لأحدهما، و الاخرى على ثبوته للآخر. و أمّا ولاية الأب و الجدّ على مال الصغير، فالظاهر أنّ مرجعها إلى جعل حقّ التصرّف لهما بما أنّ كلّ واحد منهما مدبّر يتصرّف في مال الصغير عن تدبير، و لو سبق أحدهما بالتصرّف لا يبقى موضوع لتدبير الآخر، كما في الوكلاء المتعدّدين، و التفصيل أزيد من ذلك يطلب من الكتاب المزبور «1». و قد حكي عن المحقّق الرشتي قدس سره أنّه قال في هذا المجال- أي المقام- ما ملخّصه:

أنّ المراد من اشتغال ذمم أشخاص كثيرة بمال واحد ليس بأن تكون ذمّة كلّ واحد منهم مشغولة ببدل واحد للعين؛ إذ لازم وحدة العين وحدة البدل؛ لأنّ البدليّة تقتضي التساوي من جميع الجهات، و منها الوحدة و التعدّد. و ليس المراد منه أيضاً اشتغال ذمّة كلّ واحد منهم على البدل؛ إذ مرجعه إلى

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره 1: 418- 422.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 106

..........

______________________________

عدم الاشتغال قبل المطالبة. و ليس المراد منه أيضاً اشتغال ذمّة كلّ واحد منهم ببعض البدل، و إلّا لما جازت مطالبة الجميع منه، بل المراد اشتغال ذمم عديدة ببدل واحد اشتغالًا فعليّاً؛ بمعنى أنّ الثابت عليها بدل واحد، نظير الواجب الكفائي في بحث الواجبات، فإنّ التحقيق أنّ كلّ واحد من المكلّفين فيها مكلّف بالاستقلال، غاية الأمر أنّ المكلّف به في كلّ واحد منها عبارة عن الطبيعة غير المقيّدة بالصدور من شخص خاصّ، فالفرق بينها، و بين الواجبات العينيّة

ليس في ناحية التكليف و لا في ناحية المكلّف، بل في جهة المكلّف به. و بالجملة: كما أنّ في الواجب الكفائي تكون ذمّة أشخاص كثيرة مشغولة بطبيعة واحدة، كذلك فيما نحن فيه تكون الذمم المتعدّدة مشغولة ببدل واحد كلّ واحد بنحو الاستقلال «1»، انتهى. و التحقيق أنّ تصوير تعدّد الضمناء لا يحتاج إلى كثير مئونة، و لا يستلزم التعدّد المذكور تعدّد الاشتغال حتّى يقال: إنّ المال الواحد ليس له أزيد من بدل واحد؛ لاقتضاء البدليّة التساوي من جميع الجهات، بل مرجعه إلى ثبوت الضمان و العهدة على أزيد من واحد، بل قد عرفت «2»، أنّ المستفاد من حديث «على اليد» ثبوت العين على العهدة حتّى بعد التلف. غاية الأمر أنّه حيث لا يمكن أداء العين في هذه الصورة، ينحصر طريق الخروج عن العهدة بأداء المثل أو القيمة، و قد تصوّر نظيره بالنسبة إلى الضمان المبحوث عنه

______________________________

(1) كتاب الغصب: 121- 122.

(2) في ص 85- 86.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 107

..........

______________________________

في كتاب الضمان لسيّدنا الاستاذ البروجردي قدس سره على مبناه المتقدّم «1» من عدم كون الضمان في المقام مغايراً للضمان هناك؛ بأن يكون الشخص ضامناً لشخص، و الشخص الآخر ضامناً لهذا الضمان، و هكذا. و بالجملة: فتصوير التعدّد المذكور في المقام في كمال السهولة، و لا حاجة إلى التنظير بالواجب الكفائي الذي تكون الآراء في حقيقته مختلفة، كما هو ظاهر لمن راجع بحثه في علم الاصول «2». إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ للمالك جواز الرجوع إلى كلّ ضامن و لو غير من تلف المال عنده، و المالك مخيّر في الرجوع بين الرجوع إلى جميع البدل على كلّ منهم، و

بين الرجوع إلى أبعاضه بالتساوي أو بالتفاوت، و في المثال المذكور في المتن إذا كانوا عشرة يجوز الرجوع بالعشر إلى كلّ منهم لتتمّ البدليّة، كما أنّه يجوز الرجوع بالنصف مثلًا إلى واحد، و بالنصف الآخر إلى الباقين بالتساوي، أو بالتفاوت. المقام الثاني: في حكم بعض الأيادي مع البعض الآخر، و قد ذكر صاحب الجواهر ما لفظه المحكيّ: لأنّ ذمّته- أي من تلف المال عنده- مشغولة للمالك بالبدل و إن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغلت ذمّته به، فيملك حينئذٍ من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعيّة القهريّة، و بذلك اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده، و بين غيره الذي خطابه بالأداء شرعيّ لا ذمّي؛ إذ لا دليل

______________________________

(1) تقدّم في ص 18.

(2) هداية المسترشدين 2: 371- 372، تعليقة على معالم الاصول للقزويني 4: 75- 77، نهاية الأفكار 1- 2: 394- 396.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 108

..........

______________________________

على شغل ذمم متعدّدة بمال واحد، فحينئذٍ يرجع عليه و لا يرجع هو، انتهى «1». و أورد عليه الشيخ الأنصاري قدس سره أوّلًا: فبأنّه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب التكليفي المتوجّه إلى غير من تلف المال في يده، و بين ما ذكره من الخطاب الوضعي المتوجّه إلى من تلف في يده. و ثانياً: بأنّه على فرض الفرق بينهما في مقام الثبوت، فأيّ دليل عليه في مقام الإثبات؟ مع كون الدليل في كليهما هو قوله صلى الله عليه و آله: على اليد ما أخذت إلخ «2». و كيف يمكن القول بأنّه يدلّ على الحكم التكليفي بالنسبة إلى واحد منهما، و الحكم الوضعي بالنسبة إلى

آخر؟ و ثالثاً: بأنّ ما ذكره مخالف لما هو المحقّق عند الكلّ من إجراء أحكام الدين بالإضافة إليهما، كالضرب على الغرماء و تقديمه على جميع الوصايا عند موت الضامن، و جواز مصالحة المالك عمّاله عليه مع غيره، إلى غير ذلك. و رابعاً: بأنّ تملّك المرجوع إليه من الضمناء لما في ذمّته من تلف المال في يده بمجرّد دفع البدل إلى المالك لا يعلم له سبب اختياريّ و لا قهريّ، بل اللازم براءة ذمّة الجميع بعد رجوع المالك إلى واحد منهم؛ سواء تلف المال في يده، أم لا؛ لكون كلّ منهم ضامناً على نحو واحد. و خامساً: بأنّ مقتضى ما ذكره هو رجوع المرجوع إليه إلى خصوص من تلف المال في يده، مع أنّ الظاهر جواز رجوعه إلى كلّ واحد من الأيادي اللاحقة، غاية الأمر أنّه أيضاً يرجع إلى لاحقه، و هكذا إلى أن يستقرّ الضمان على من تلف المال في

______________________________

(1) جواهر الكلام 37: 34.

(2) تقدّم في ص 17.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 109

..........

______________________________

يده، انتهى «1». و يرد على الجواب الثالث الذي أفاده: أنّه إن كان المراد ثبوت الاشتغال بالبدل مستقلّاً كسائر موارد تعدّد الاشتغال، فلازمه جواز رجوع المالك إلى كلّ واحد من الغاصبين بتمام البدل مِثلًا أو قيمة، و من الواضح: خلافه، و إن كان المراد التعدّد مع وحدة البدل، فلِمَ لم يصوّر كيفيّته؟ كما أفاده المحقّق الرشتي «2»، أو ما ذكرناه في هذا المجال «3»، فتأمّل.

و قال الشيخ قدس سره: نفسه في حلّ الإشكال ما لفظه: إنّ السابق اشتغلت ذمّته له بالبدل قبل اللّاحق، فإذا حصل المال في يد اللّاحق فقد ضمن شيئاً له بدل، فهذا الضمان

يرجع إلى ضمان واحد من البدل و المبدل على سبيل البدل، إذ لا يعقل ضمان المبدل معيّناً من دون البدل، و إلّا خرج بدله عن كونه بدلًا، إلخ «4». و أورد عليه السيّد الطباطبائي قدس سره في الحاشية على المكاسب: أوّلًا: أنّ كون العين حين ضمان اللاحق لها متّصفة بكونها ذات بدل، لا يوجب ضمانه للبدل أيضاً؛ فإنّ سبب الضمان لم يتحقّق بالنسبة إلى البدل الذي هو في ذمّة السابق؛ إذ لم يثبت البدل في يد اللّاحق كما ثبتت نفس العين، و دعوى كونه من توابع العين كما ترى؛ إذ ليس هذا من شئون العين كالمنافع و النماءات حتّى يكتفي بقبض نفس العين في قبضه. و ثانياً: بأنّا لو سلّمنا ذلك كان مقتضاه ضمان البدل أيضاً لمالك العين لا السابق؛ فإنّ البدل الذي في ذمّة السابق ملك لمالك العين، فمقتضى الضمان هو أن يكون بدل

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 509- 511.

(2) تقدّم ما أفاده في ص 105- 107.

(3) تقدّم ما أفاده في ص 105- 107.

(4) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 508.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 110

..........

______________________________

البدل أيضاً للمالك، و لا وجه لكونه لمن عليه البدل. و ثالثاً: أنّ العين بعد ما صارت في يد اللاحق، و رجعت إلى السابق ثانياً، و تلفت في يده، كان مقتضى ما ذكره هو جواز رجوع السابق إلى اللاحق، مع أنّ العين قد تلفت في يده؛ و ذلك لأنّه يصدق على اللاحق أنّه ضمن شيئاً له بدل، فكان مقتضى ما ذكره هو ضمانه إمّا للمالك بنفس العين، أو للسابق ببدلها، مع أنّ المسلّم خلاف ذلك؛ فإنّ تلف العين قد كان في يد

السابق، فكيف يجوز له الرجوع إلى اللاحق؟ إلى آخر الوجوه السبعة التي أوردها على الشيخ قدس سره «1». أقول: و يرد عليه أيضاً: أنّ المستفاد من كلامه قدس سره أنّه لم يتصوّر اشتغال ذمم متعدّدة بمال واحد؛ نظراً إلى أنّه مخالف لفرض البدليّة، مع أنّك عرفت في المقام الأوّل تصوّره، إمّا بنحو ذكره المحقّق الرشتي قدس سره «2» و إمّا بنحو ذكرناه «3»، فراجع.

و قال المحقّق الخراساني قدس سره في الحاشية: إنّ الضمان اعتبار من اعتبارات العقلاء، و له عندهم آثار، منها: جواز رجوع السابق إلى اللاحق إلى أن يستقرّ الضمان على من تلف المال في يده، فالدليل على ما ذكر هو حكم العقلاء بهذه الكيفيّة «4». و الظاهر أنّه لا بدّ من ضميمة أنّ عدم الردع عن هذه السيرة العقلائيّة في الشريعة يكشف عن اعتبارها في نظر الشرع؛ و الوجه في عدم الردع أنّه لم يرد دليل من آية أو رواية على الخلاف. و قال سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي قدس سره في وجه المسألة: إنّ السابق و إن حكم عليه بالضمان من جهة صدور الغصب منه، و لكن كان متمكّناً حين وجود

______________________________

(1) حاشية المكاسب للسيّد اليزدي 2: 310- 313.

(2) تقدّم في ص 105- 107.

(3) تقدّم في ص 105- 107.

(4) حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني: 82- 83.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 111

..........

______________________________

العين من الخروج عن العهدة بأداء العين إلى المالك، من دون أن يتحقّق له الضرر بوجه، و بعد أن أخذها منه اليد اللاحقة لزمه المثل أو القيمة، فصارت هي الباعثة لتضرّره، فيستحقّ بذلك الرجوع عليها. و بعبارة اخرى: العين المغصوبة و إن لم تكن ملكاً لليد السابقة؛ لفرض

كونها غاصبة، إلّا أنّها كانت بحيث يستحقّ أن يستخلص من الضمان بسبب أدائها، فكأنّ العين كانت متعلّقة لحقّ السابق، و قد تقدّم في تعريف الغصب شموله للاستيلاء على حقّ الغير، نظير العين المرهونة إذا غصبها غاصب؛ فإنّ حقّ المرتهن أيضاً مغصوب «1». و يرد عليه: أنّه لم يثبت هنا حقّ شرعيّ كثبوته في العين المرهونة، و لا يعدّ مثل ذلك ضرراً ناشئاً من قبل اللاحق، خصوصاً مع عدم تلف المال عنده؛ لاشتراكهما في الاستيلاء المحقّق للغصب. و على فرض كونه ضرراً كذلك لا دليل على لزوم جبران كلّ ضرر ما لم يصدق عليه الإتلاف، أو غيره من العناوين الموجبة للضمان، كما لا يخفى. و هنا طرق اخرى للتخلّص عن هذا الإشكال المهمّ للأساتذة و المحقّقين من محشّي المكاسب و غيرهم «2». و التحقيق أنّ في المسألة أمرين موجبين للإشكال- و إن كان حلّ الإشكال لا يجب على الفقيه بعد كون الحكم كأنّه مسلّم بينهم؛ فإنّ اللازم على الفقيه استكشاف الحكم، لا الوصول إلى وجهه أيضاً-:

______________________________

(1) كتاب الغصب، المطبوع ضمن تقريرات ثلاثة: 150- 151.

(2) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب 3: 186- 188، حاشية كتاب المكاسب للايرواني 2: 346- 349، و حاشية المكاسب للاصفهاني 2: 316- 321، مصباح الفقاهة 3: 195- 209.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 112

..........

______________________________

أحدهما: جواز رجوع السابق إلى اللاحق و لو مع عدم تلف المال عنده، و ينبغي توضيحه بأنّ هذا الجواز منحصر برجوع السابق إلى اللاحق التالي، لا إلى كلّ لاحق و لو مع الفصل، و لعلّ ذلك يظهر من عبارة المتن، و الظاهر أنّ الوجه في ذلك هو تفرّع غصب اللاحق على السابق، و هذا التفرّع

صار موجباً لأن يصير السابق كالمالك. و من الممكن مع عدم تحقّق هذا التفريع صيرورة السابق منصرفاً عن الغصب، و ردّ العين إلى صاحبه لا لأجل ثبوت الحقّ له، و لا للتضرّر المذكورين، بل لأجل نفس التفرّع المانع عن توبته و ردّ العين إلى مالكه و لو جعل هذا الأمر وجهاً للاعتبار العقلائي المذكور في كلام المحقّق الخراساني قدس سره على ما عرفت، فلا مانع منه، فتدبّر. و لا ينبغي أن يتوهّم أنّ حديث «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1» يختصّ بما إذا أدّى الغاصب إلى من أخذ منه مالكاً، أو غاصباً سابقاً؛ ضرورة أنّ الضمان ثابت عليه، و الردّ ما دام البقاء واجباً عليه أيضاً بالإضافة إلى المالك، و لا يرتفع هذا الضمان بمجرّد أداء الغاصب الأوّل المثل أو القيمة إلى المالك، بل على تقدير الرجوع إليه يجب التدارك بالمثل أو القيمة، إذاً لا يبقى له وجه غير ما ذكرنا. ثانيهما: قرار الضمان على من تلف المال بيده، و لعلّ الوجه فيه أنّ التلف عنده بمنزلة إتلافه، و الجميع و إن كانوا مشتركين في تحقّق الاستيلاء الغصبي الموجب للضمان، إلّا أنّه لمن تلف المال عنده الخصوصيّة المذكورة، فقرار الضمان عليه. و إن شئت قلت إنّ مرجع قوله «2»: «الضمان على من تلف المال في يده» إلى جواز

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

(2) أي قول المحقّق الخراساني المتقدّم في ص 110.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 113

..........

______________________________

رجوع كلّ من المالك و الأيادي السابقة إليه؛ لأجل كونه غاصباً أوّلًا، و قد تلف المال عنده ثانياً. و أمّا عدم جواز رجوعه إليهم؛ فلأنّه لا وجه للرجوع بعد الاشتراك في الغصب و

وجود خصوصيّة زائدة فيه؛ و هي تلف المال عنده، فلا محيص عن القول بثبوت القرار عليه، و من اللّٰه الاستعانة للرشد و الهداية.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 114

لو كان في المغصوب المثلي صنعة محلّلة

مسألة 37: لو غصب شيئاً مثلياً فيه صنعة محلّلة- كالحليّ من الذهب و الفضّة، و كالآنية من النحاس و شبهه- فتلف عنده أو أتلفه، ضمن مادّته بالمثل و صنعته بالقيمة، فلو غصب قرطاً من ذهب كان وزنه مثقالين، و قيمة صنعته و صياغته عشرة دراهم، ضمن مثقالين من ذهب بدل مادّته، و عشرة دراهم قيمة صنعته، و يحتمل قريباً صيرورته بعد الصياغة، و بعد ما عرض عليه الصنعة قيميّاً، فيقوّم القرط مثلًا بمادّته و صنعته و يعطي قيمته السوقيّة، و الأحوط التصالح. و أمّا احتمال كون المصنوع مثليّاً مع صنعته فبعيد جدّاً. نعم، لا يبعد ذلك، بل قريب جدّاً في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة، كالمصنوعات بالمكائن و المعامل المعمولة في هذه الأعصار من أنواع الظروف و الأدوات و الأثواب و غيرها، فتضمن كلّها بالمثل مع مراعاة صنفها (1).

______________________________

(1) 1- لو كان المغصوب شيئاً مثليّاً بمادّته و فيه صنعة محلّلة كالأمثلة المذكورة في المتن، ففي صورة التلف عند الغاصب أو الإتلاف احتمالات، و لا ينبغي أن يتوهّم تعدّد الضمان باعتبار الغصب و باعتبار الإتلاف؛ نظراً إلى كون كلّ منهما سبباً للضمان؛ فإنّ هذا المورد من قبيل تداخل الأسباب قطعاً، كسائر الموارد المشابهة، و كيف كان، فهذه الاحتمالات عبارة عن: الأوّل: ما اختاره في المتن من ضمان المادّة بالمثل و الصنعة بالقيمة؛ لأنّ الأمر في المثلي و القيمي كما عرفت «1» موكول إلى العرف، من دون أن يكون للشارع فيهما نظر خاصّ.

______________________________

(1)

في ص 68- 69.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 115

..........

______________________________

و عليه: فلا مانع من اجتماع الأمرين بالإضافة إلى المادّة و الهيئة، ففي مثال القرط «1» يكون الغاصب ضامناً لمثقالين من ذهب و عشرة دراهم معاً. الثاني: ما احتمله قريباً من الصيرورة بعد الصنعة و الصياغة قيميّاً بأجمعه؛ نظراً إلى أنّ القول بمعاملة العرف معه معاملة القيمي قريب جدّاً، و لعلّ المتداول في هذه الأزمنة خصوصاً بالنسبة إلى الحليّ و الآنية و شبههما ذلك، لكن احتاط لزوماً بالتصالح مع حصول الاختلاف في القيمة؛ لأنّه ليس هناك ضابطة يرجع إليها في الموارد المشكوكة، فلا محيص عن التصالح. الثالث: كونه مثليّاً، و قد استبعده جدّاً، ثمّ نفى البُعد عن ذلك، بل قرّبه بالنسبة إلى المصنوعات التي لها أمثال متقاربة، كالمصنوعات بالمكائن و المعامل المعمولة في هذه الأعصار و الأزمنة، كأنواع الظروف و الأدوات و الأثواب، فتكون مضمونة بالمثل، و قد تقدّم نظير ذلك فراجع «2». خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا من ضابط المثلي و القيمي.

______________________________

(1) القرط بالضم فالسكون: هو الذي يعلّق في شَحمة الاذُن، و الجمع قِرَطة و قِراط أيضاً، مجمع البحرين 3: 1467. و قالت فاطمة الزهراء عليها السلام فيما رواه المجلسي في بحار الأنوار 30: 349 ح 164: أنّ عمر ضربني بيده حتّى انتثر قُرطي من اذني.

(2) في ص 69.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 116

تلف الهيئة و الصنعة فقط

مسألة 38: لو غصب المصنوع و تلفت عنه الهيئة و الصنعة فقط دون المادّة، ردّ العين و عليه قيمة الصنعة، و ليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة، كما أنّه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب و قال: إنّي أصنعه كما كان

سابقاً (1).

______________________________

(1) 1- لو كان المغصوب شيئاً مصنوعاً و تلفت عند الغاصب الهيئة و الصنعة فقط و بقيت المادّة بحالها، فحيث إنّ المجموع كان ملكاً للمالك، و المفروض بقاء المادّة، فالواجب على الغاصب ردّ المادّة بعينها و قيمة الصنعة التالفة أو المتلفة، كما إذا غصب شيئين و تلف أحدهما عند الغاصب؛ فإنّ الواجب عليه ردّ الشي ء الباقي بعينه و عوض الشي ء التالف مِثلًا أو قيمة، و حينئذٍ ليس للمالك الإلزام بإعادة الصنعة و لو كان الغاصب عالماً بها. كما أنّه لا يجب عليه القبول لو بذله الغاصب و قال إنّي أصنعه كما كان سابقاً، و المفروض صدقه في هذا القول؛ و ذلك لأنّ المفروض أنّ الهيئة قد تلفت، و قد تقرّر في المسألة السابقة أنّ الهيئة قيميّة، كما في مثال القرط المتقدّم. و ينبغي أن يعلم، أنّ تلف الهيئة قد يكون موجباً لخروج المادّة غير التالفة عن الماليّة عرفاً، كما في انكسار بعض الظروف، و اللازم في مثله أداء القيمة بأجمعها، كما لا يخفى. و الظاهر أنّ للمالك حقّ الاختصاص بالإضافة إلى الأجزاء المنكسرة و إن لم يكن لها قيمة، كما إذا صار خلّ المالك خمراً.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 117

كون المغصوب المثلي صنعة محرّمة غير محترمة

مسألة 39: لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرّمة غير محترمة، كما في آلات القمار و الملاهي و نحوها، لم يضمن الصنعة؛ سواء أتلفها خاصّة أو مع ذيها، فيردّ المادّة لو بقيت و عوضها لو تلفت، و ليس عليه شي ء لأجل الهيئة و الصنعة (1).

______________________________

(1) 1- لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرّمة غير محترمة لا يبذل بإزائها المال شرعاً، كما في الأمثلة المذكورة في المتن، و فرض

وقوع تلف الصنعة أو إتلافها الواجب شرعاً، كما يشعر به العبارة، فالواجب على الغاصب ردّ المادّة مع بقائها، و عوضها في صورة التلف، و لا يجب عليه شي ء لأجل مجموع الهيئة و المادّة بعد عدم ثبوت الاحترام شرعاً للهيئة. نعم، قد ذكر في البحث عن المكاسب المحرّمة أنّ بعض ما كان معدوداً في السابق من آلات القمار، و حتّى أنّه قد ورد النصّ بحرمته لأجل ذلك «1»، حيث إنّه قد خرج عن آليّة القمار و تبدّل إلى عنوان آخر كالرقاء الفكريّة، لا يكون اللعب به و لا بيعه و شراؤه محرّماً كالشطرنج؛ فإنّ الظاهر أنّه لا يكون من آلات القمار في هذه الأزمنة و الأمكنة، فالامور المذكورة فيه غير محرّمة، فراجع «2».

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 59 ح 29، و عنه وسائل الشيعة 17: 323، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4، و بحار الأنوار 103: 53 ح 17.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، المكاسب المحرّمة: 78- 79.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 118

تعييب المغصوب عند الغاصب

مسألة 40: إن تعيّب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان، و لا فرق في ذلك بين الحيوان و غير الحيوان. نعم، اختصّ العبيد و الإماء ببعض الأحكام، و تفاصيل لا يسعها المقام (1).

______________________________

(1) 1- الدليل على لزوم الأرش عند التعيّب في يد الغاصب- مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة بعد ضمان الغاصب، و لزوم أداء العوض مِثلًا أو قيمة بالنسبة إلى العين، بل ثابت بنحو الأولويّة كما لا يخفى- هي صحيحة أبي ولّاد المفصّلة المتقدِّمة، الدالّة على لزوم قيمة ما بين الصحّة و العيب عند عروض عيب للبغل المغصوب، و قد تقدّمت «1»

الاحتمالات في قوله عليه السلام: «يوم تردّه عليه»، و هي و إن كانت واردة في الحيوان، إلّا أنّ الظاهر أنّ الحكم بلزوم الأرش فيه لا لأجل تعلّق الغصب بالحيوان، بل لأجل أصل الغصبيّة، فلا مجال لتوهّم اختصاصها به. نعم، في باب العبيد و الإماء بعض الأحكام، و حيث إنّ موضوعهما منتف أو نادر؛ لأجل العلم بأنّ مذاق الشرع هو حصول الحرّية و تحقّقها، كما ذكرنا ذلك في كتاب النكاح المطبوع «2»، فالبحث فيهما لا ينبغي صرف الوقت فيه، كما أنّه قد تقدّم «3» أنّ الأرش هنا يغاير الأرش المعروف في خيار العيب؛ فإنّ الملحوظ هناك ملاحظة نسبة التفاوت إلى الثمن، و هنا نفس التفاوت.

______________________________

(1) في ص 65- 66.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 625، و كتاب الصوم: 150.

(3) في ص 66.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 119

غصب شيئين مجتمعين تنقص قيمتهما منفرداً

مسألة 41: لو غصب شيئين تنقص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عنها فيما إذا كانا مجتمعين- كمصراعي الباب و الخفّين- فتلف أحدهما أو أتلفه، ضمن قيمة التالف مجتمعاً، و ردّ الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده، فلو غصب خفّين كان قيمتهما مجتمعين عشرة، و كان قيمة كلّ منهما منفرداً ثلاثة، فتلف أحدهما عنده، ضمن التالف بقيمته مجتمعاً و هي خمسة، و ردّ الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده و هو اثنان، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفّين. و لو غصب أحدهما و تلف عنده، ضمن التالف بقيمته مجتمعاً؛ و هي خمسة في الفرض المذكور، و هل يضمن النقص الوارد على الثاني، و هو اثنان حتّى تكون عليه سبعة، أم لا؟ فيه وجهان، بل قولان، لا

يخلو أوّلهما من رجحان (1).

______________________________

(1) 1- في المسألة فرعان: الأوّل: ما لو غصب شيئين مجتمعين تنقص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عن قيمتهما في حال الاجتماع، كالمثالين المذكورين، فإن تلف الجميع عند الغاصب فلا إشكال في لزوم عوض الجميع مِثلًا أو قيمةً، و هو واضح، و إن تلف أو أتلف أحدهما فقط، فالواجب من جهة الحكم التكليفي هو ردّ الباقي؛ لأنّه مملوك للمالك، و الفرض أنّه لم يعرضه التلف أو الإتلاف، و من جهة الحكم الوضعي- و هو الضمان- هو أمران، ضمان التالف مع قيمته مجتمعاً، و النقص العارض للباقي بسبب انفراده. ففي المثال المذكور في المتن يجب إعطاء سبعة مع عين أحد الخفّين، خمسة منها لأجل كونها قيمة التالف في حال الاجتماع، و اثنان منها لأجل النقص العارض للباقي بسبب انفراده، كلّ ذلك لأجل حصول هذه الامور في يد الغاصب،

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 120

..........

______________________________

و العروض عنده بعد الغصب. الثاني: لو غصب أحد الشيئين الموصوفين بالوصف المذكور في الفرع الأوّل، و تلف المغصوب عند الغاصب، فلا إشكال في أنّه يضمن قيمة التالف في حال الاجتماع؛ و هي خمسة من العشرة المذكورة في المثال؛ لأنّه حصل التلف عنده و عرض لأمرين: أحدهما: التالف المغصوب، و الآخر: وصف الاجتماع، فلا شبهة في ضمانه لكلا الأمرين. إنّما الكلام في ضمانه لفقدان وصف الاجتماع للشي ء الباقي عند المالك، ففيه خلاف و قولان، و قد تردّد صاحب الشرائع في الضمان «1»، كما أنّه محكيّ عن التحرير «2». و ذكر صاحب الجواهر أنّه لم يتّضح لنا اندراجه في المستفاد من نصوص الضمان به، و الأصل البراءة «3»، و نفى خلوّ الضمان عن الرجحان في

المتن، و لعلّه لأجل أنّ فقدان الوصف المذكور يكون مستنداً إلى الغصب و متفرّعاً عليه؛ ضرورة أنّه لو لم يتحقّق الغصب لا يحصل الفقدان المذكور، فالواجب على الغاصب في المثال أيضاً سبعة، فتدبّر. و الظاهر أنّ الغصب في المورد المفروض إنّما هو كالإتلاف الواقع على أحد الشيئين الكذائيين الموجودين عند المالك، فكما أنّ إتلاف أحدهما لا يوجب ظاهراً إلّا ضمان المتلف، و وصفه الدخيل في زيادة القيمة، و لا يتعدّى عنه إلى غير المتلف بوجه، فكذلك الغصب في المقام مع فرض عدم تعلّقه إلّا بأحدهما، فتدبّر.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 242.

(2) تحرير الأحكام 4: 536، الرقم 6155.

(3) جواهر الكلام 37: 141.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 121

حصول الزيادة بفعل الغاصب

مسألة 42: لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة، فهي على أقسام ثلاثة: أحدها: أن تكون أثراً محضاً، كخياطة الثوب بخيوط المالك، و غزل القطن و نسج الغزل و طحن الطعام و صياغة الفضّة و نحو ذلك. ثانيها: أن تكون عينيّة محضة، كغرس الأشجار و البناء في الأرض البسيطة و نحو ذلك. ثالثها: أن تكون أثراً مشوباً بالعينيّة، كصبغ الثوب و نحوه (1).

______________________________

(1) 1- لو زادت العين المغصوبة بفعل الغاصب و بسبب عمله، فهي على أقسام ثلاثة: أحدها: أن تكون الزيادة أثراً محضاً من غير أن ترتبط في الملكيّة بالغاصب أصلًا، كالأمثلة المذكورة في المتن، التي منها الخياطة بخيوط المالك. و الظاهر الاختصاص بما لو خاطه بخيوط المالك دون ما لو خاطه بخيوط نفسه أو مالك آخر؛ لأنّه- مضافاً إلى ظهوره في نفسه في ذلك- يدلّ عليه ما هو المذكور في المسألة اللاحقة التي وقع فيها التعرّض لحكم هذا القسم. نعم، قد تقدّم

في المسألة الخامسة عشر حكم ما لو كانت الخياطة بغير خيوط المالك، كما إذا كانت الخياطة بخيوط نفس الغاصب، أو مالك آخر. ثانيها: عكس ذلك؛ بأن تكون الزيادة عينيّة محضة مرتبطة بالغاصب، كغرس الأشجار، و إحداث البناء في الأرض البسيطة مع كون الشجر و آلات البناء ملكاً للغاصب، أو لمالك آخر غير مالك الأرض. ثالثها: ما إذا كانت الزيادة أثراً مشوباً بالعينيّة، كصبغ الثوب بالصبغ الذي هو ملك للغاصب، و نحو ذلك من الأمثلة، و سيأتي بيان حكم هذه الأقسام في المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 122

كون الزيادة أثراً محضاً

مسألة 43: لو زادت في العين المغصوبة ما يكون أثراً محضاً ردّها كما هي، و لا شي ء له لأجل تلك الزيادة، و لا من جهة اجرة العمل، و ليس له إزالة الأثر و إعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك؛ حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك و إن لم يرد نقص على العين، و للمالك إلزامه بإزالة الأثر و إعادة الحالة الاولى للعين إذا كان فيه غرض عقلائيّ، و لا يضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة. نعم، لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة متعرّضة لبيان حكم القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة المتقدّمة في المسألة السابقة، و تفصيلها: أنّه لو زادت في العين المغصوبة ما يكون أثراً محضاً و لا تكون زيادة عينيّة و لا مشوباً بها، فاللازم على الغاصب ردّ العين مع هذه الزيادة، و لا شي ء له لأجل تلك الزيادة؛ لأنّ المفروض كونها أثراً محضاً، و لا من جهة أُجرة

العمل؛ لوقوعها بدون أمر المالك و إذنه، و قد تقرّر في كتاب الإجارة أنّ العامل لو عمل للمالك بدون إذنه لا يستحقّ شيئاً «1»، ففي الغاصب لعلّه يكون بطريق أولى. و ليس له إزالة الأثر و إعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه، مع أنّه لا يمكن الإعادة في بعض الأمثلة، كطحن الحنطة؛ حيث إنّه لا يمكن الإعادة إلى الحنطة، بل في المتن أنّه لو أزاله- أي الأثر في صورة إمكان الإزالة- بدون إذن المالك ضمن قيمته للمالك و إن لم يرد نقص على العين، كما

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 486.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 123

..........

______________________________

لو غصب الثوب المعدّ للخياطة بفصله لها و خاطه بخيوط المالك؛ فإنّ المفروض أنّ الثوب بعد الخياطة ملك للمالك مع خيوطه، و لا يكون للغاصب إلّا عمل غير مأذون فيه من المالك، و يجوز للمالك الإلزام بإزالة الأثر و إعادة الحالة الأوّلية للعين مع إمكانها أوّلًا، و تعلّق غرض عقلائي بذلك ثانياً؛ لأنّ الزيادة قد حصلت بفعل الغاصب. و منه يظهر أنّه لا يضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة و اجرة العمل؛ لأنّ إزالة الأثر كانت بإلزام المالك، فالمالك و إن كانت قيمة الأثر مضمونة له في صورة عدم الإذن، إلّا أنّه في صورة الإذن لا تكون قيمة الأثر مضمونة للمالك؛ لأنّ المفروض تحقّق الإزالة بإذن المالك و أمره، مضافاً إلى تحقّقها بيده بسبب فعل الغاصب و عمله. و هذا بخلاف ما لو أزال الأثر عن العين المغصوبة فيما إذا لم يكن إيجاده بيد الغاصب، فتدبّر. و استدرك صورة كانت إزالة الأثر

موجبة لحصول النقصان في العين المغصوبة؛ فإنّه قد تقدّم «1» في بعض المسائل السابقة أنّه مع حصول النقصان و العيب يكون الأرش على الغاصب.

______________________________

(1) في ص 65- 66.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 124

غصب الأرض و الزرع فيها

مسألة 44: لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها، فالزرع أو الغرس و نماؤهما للغاصب، و عليه اجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة، و يلزم عليه إزالة غرسه و زرعه و إن تضرّر بذلك، و عليه أيضاً طمّ الحفر و أرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع و القلع، إلّا أن يرضى المالك بالبقاء مجّاناً أو بالاجرة، و لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته. و كذا لو بذل الغاصب اجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله، و لو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها مع طلب المالك، و ليس له طمّها مع عدم الطلب فضلًا عمّا لو منعه، و لو بنى في الأرض المغصوبة بناءً فهو كما لو غرس فيها، فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له، و للمالك إلزامه بالقلع، فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة متعرّضة لبيان حكم القسم الثاني من الأقسام المتقدّمة «1»؛ و هو: ما لو كانت الزيادة الحاصلة بفعل الغاصب عينيّة محضة، و تفصيلها: أنّه لو غصب أرضاً بسيطة فزرعها، فالزرع و نماؤه للغاصب، و قد اشتهر أنّ الزرع للزارع و لو كان غاصباً «2»؛ أي للأرض المزروعة، مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة. و حينئذٍ إن رضي المالك و صاحب الأرض بالبقاء مجّاناً أو بالاجرة؛ أي اجرة الأرض ما دامت مزروعة، و إن لم يرض

بذلك، فاللازم على الغاصب إزالة زرعه

______________________________

(1) في ص 121.

(2) تقدّم في ص 32.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 125

..........

______________________________

و إن تضرّر بذلك؛ لأنّ الضرر قد جاء من قبل نفسه، كما أنّه عليه أيضاً طمّ الحفر و أرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع. و لو بذل صاحب الأرض قيمة الزرع لا يجب على الغاصب إجابته؛ لأنّه ملكه كما هو المفروض، و كذا لو بذل الغاصب اجرة الأرض لا يجب على صاحبها القبول، و لو حفر الغاصب في الأرض بئراً، فإن طلب المالك طمّها و جعل الأرض كالأوّل من هذه الجهة، فاللازم على الغاصب الطمّ، و إن لم يطلب الطمّ فضلًا عن صورة المنع، فليس للغاصب ذلك؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه، و الزيادة الحاصلة على تقديرها لا ترتبط بالغاصب؛ لأنّه كالخياطة في المسألة المتقدّمة، هذا حكم الزرع. و الظاهر أنّ الغرس و كذا البناء حكمهما حكم الزرع، فللمالك الإلزام بالقلع مع كون الغرس و أجزاء البناء للغاصب، كما في الزرع. و يبقى في أصل المسألة التهافت في الجملة بين صدرها و ذيلها، فإنّ ظاهر الصدر الاختصاص بما إذا كان الزرع و الغرس للغاصب، و ظاهر الذيل أنّ البناء الذي أوجده قد يكون أجزاؤه ملكاً للغاصب، و قد يكون ملكاً لغيره، كما أنّ في المسألة «1» المتعرّضة لبيان أقسام الزيادة لم يتعرّض لخصوص ما إذا كان الآلات للمالك و إن قيّد الخيوط في الزيادة في القسم الأوّل بما إذا كانت الخيوط للمالك، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 121.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 126

الغرس أو البنا في أرض غصبها

مسألة 45: لو غرس أو بنى في أرض غصبها، و كان الغراس

و أجزاء البناء لصاحب الأرض، كان الكلّ له، و ليس للغاصب قلعها أو مطالبة الاجرة، و للمالك إلزامه بالقلع و الهدم إن كان له غرض عقلائيّ في ذلك، و على الغاصب أرش نقص الأرض و طمّ حفرها (1).

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1429 ه ق

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة؛ ص: 126

______________________________

(1) 1- لو غصب أرضاً بسيطة و غرس أو بنى فيها، و كان الغراس و أجزاء البناء لصاحب الأرض، كان الكلّ للمالك، كما إذا خاط ثوب المالك بخيوط نفس المالك؛ فإنّه لا يكون هنا شي ء مربوط بالغاصب إلّا العمل، و قد عرفت «1» عدم استحقاقه الاجرة عليه؛ لكونه بدون إذن المالك، و كما عرفت «2» في مسألة الخياطة أنّ للمالك إلزام الغاصب بقطع الخيوط و جعل الثوب كما قبله إن كان له غرض عقلائيّ في ذلك، كذلك يكون للمالك الإلزام بالقلع و الهدم هنا مع الشرط المذكور، و يجب على الغاصب طمّ الحفر و أرش النقصان الحاصل للأرض على تقديره، لما مرّ «3».

______________________________

(1) (، 2) في ص 122- 123.

(2)

(3) في ص 65 و 124.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 127

صبغ الغاصب الثوب المغصوب بصبغه

مسألة 46: لو غصب ثوباً و صبغه بصبغه، فإن أمكن إزالته مع بقاء ماليّة له كان له ذلك، و ليس لمالك الثوب منعه، كما أنّ للمالك إلزامه به، و لو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، و لو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملّكه الصبغ بقيمته، لم يجب عليه إجابته،

كالعكس؛ بأن يطلب الغاصب منه أن يملّكه الثوب، هذا إذا أمكن إزالة الصبغ. و أمّا إذا لم يمكن الإزالة، أو تراضيا على بقائه، و كان للصبغ عين متموّلة، اشتركا في قيمة الثوب المصبوغ بالنسبة، فلو كانت قيمة الثوب قبل الصبغ تساوي قيمة الصبغ، كانت بينهما نصفين، و إن تفاوتت كان التفاوت لصاحب الثوب أو الصبغ. هذا إذا بقيت قيمتهما على ما هما عليها إلى ما بعد الصبغ، و إلّا فإن زادت قيمة الثوب و نقصت قيمة الصبغ لأجله، فالزيادة لصاحب الثوب، و لو انعكس ضمن الغاصب أرش نقص الثوب، و لو زادت قيمة الثوب بالصبغ، و بقيت قيمة الصبغ على ما هو عليه، كانت الزيادة لصاحب الثوب، و لو انعكس، فالزيادة للغاصب (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة متعرّضة لحكم القسم الثالث من الأقسام المتقدّمة «1»؛ و هو ما لو كانت الزيادة أثراً مشوباً بالعينيّة، و يقع الكلام فيها في فرعين: الأوّل: ما لو غصب ثوباً و صبغه بصبغه، و أمكن إزالته مع بقاء ماليّته، فحينئذٍ لا ينبغي الإشكال في أنّ الصبغ للغاصب و له إزالته، و ليس لمالك الثوب منعه بعد

______________________________

(1) في ص 121- 122.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 128

..........

______________________________

وجود عين مال الغاصب. نعم، يجوز للمالك إلزامه بالإزالة، و لو فرض ورود نقص على الثوب بسبب الإزالة ضمنه الغاصب؛ لما مرّ من أنّ النقص الحادث عنده يكون مضموناً عليه، و يثبت عليه أرش النقص، و في هذا الفرع لا يجب على كلّ واحد منهما إذا طلب منه الآخر تمليك ماله و لو بقيمته العادلة قبول ذلك، لا على المالك بالإضافة إلى الثوب المغصوب، و لا على الغاصب بالنسبة إلى

الصبغ الكذائي؛ لأنّه لا وجه للزوم القبول. الثاني: ما إذا لم يمكن الإزالة كذلك، أو تراضيا على بقائه و كان للصبغ عين متموّلة، و في هذا الفرع يتحقّق الاشتراك في قيمة الثوب المصبوغ بالنسبة، فلو كانت قيمة الثوب قبل الصبغ تساوي قيمة الصبغ، كانت بينهما نصفين؛ لفرض عدم الاختلاف في القيمة، و إن تفاوتت كان التفاوت لصاحب الثوب مع زيادة قيمته، و للغاصب مع زيادة قيمة الصبغ. هذا مع بقاء قيمتهما على ما هما عليه إلى ما بعد الصبغ، و في غير هذه الصورة لو فرضت زيادة قيمة الثوب و نقصان قيمة الصبغ لأجله، فالزيادة مربوطة بالمالك، و في صورة العكس ضمن الغاصب أرش النقص الحاصل للثوب؛ لما مرّ من ثبوته على الغاصب. و لو فرضت زيادة قيمة الثوب بالصبغ، و بقاء قيمة الصبغ على ما هو عليه، كانت الزيادة لصاحب الثوب، و في فرض العكس تكون الزيادة للغاصب، و الضابط في الجميع أنّه مع حصول الزيادة للثوب لا سهم منها للغاصب و إن حصلت بفعله، و مع حصول النقيصة له يكون الغاصب ضامناً للأرش لما ذكر. و أمّا الصبغ، فحيث إنّه ملك للغاصب و لا يمكن إزالته، أو تراضيا على بقائه لا يخرج بسبب صبغ الثوب المغصوب به عن ملكيّة المالك مع فرض بقاء عينه

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 129

..........

______________________________

متموّلة، و لكن لعلّ هذا الفرع غير متصوّر؛ لأنّ اجتماع جهتين فيه: عدم إمكان الإزالة، و بقاء عينه متموّلة غير ممكن، مع أنّه لا يجب بالإضافة إلى الغاصب أن يكون عينه متموّلة، بل لو كانت مملوكة- و لو كانت غير متموّلة؛ لفرض أنّ المملوكيّة أخصّ من وجه من

المالية- و إن كان لا وجه لتحقّق الاشتراك، إلّا أنّ بقاء العين المرتبطة بالغاصب و لو لم تكن متموّلة يمنع من جواز تصرّف الآخر، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 130

صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب

مسألة 47: لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب، و كانت للصبغ بعده عين متموّلة، بقيت كلّ منهما في ملك صاحبه، و حصلت الشركة لو بيعا بين صاحبيهما بنسبة قيمتهما، و لا غرامة على الغاصب إن لم يرد نقص عليهما، و إن ورد ضمنه لمن ورد عليه (1).

______________________________

(1) 1- كان المفروض في المسألة السابقة صبغ الثوب المغصوب بصبغ يكون للغاصب نفسه، و هنا يكون المفروض صبغ الثوب المذكور بصبغ يكون مغصوباً أيضاً لا من مالك العين، بل من شخص ثالث، و فرض المتن أنّه إن كانت للصبغ بعده عين متموّلة، بقيت كلّ منهما في ملك صاحبه، و لو تحقّق بيع الثوب المصبوغ الكذائي يكون بين صاحبيهما بنسبة قيمتهما، و لا غرامة على الغاصب مع عدم ورود نقص عليهما، و إن ورد النقص لهما أو لأحدهما ضمنه لمن ورد عليه؛ لما ذكر «1» من ضمانه أرش النقصان. و ظاهره- بقرينة التفصيل الذي ذكره في المسألة السابقة- صورة عدم إمكان الإزالة، أو تراضي المالكين على البقاء، و إلّا ففي صورة إمكان الإزالة و عدم تراضي المالكين على البقاء، يجب على الغاصب الإزالة و ردّ كلّ عين إلى صاحبها، و مع ورود النقص في هذه الصورة، ضمن الغاصب لمن ورد عليه؛ لما مرّ «2»، و على هذه الضابطة فقس الصور المشابهة. و لكن ظاهر المتن- بقرينة فرض ما إذا كان للصبغ عين متموّلة- حصول الشركة القهريّة بين المالكين: مالك الثوب، و

مالك الصبغ، مع أنّه لا وجه لذلك؛ فإنّ

______________________________

(1) (، 2) في ص 65 و 124.

(2)

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 131

..........

______________________________

حصول الشركة القهريّة إنّما هو في مثل ما إذا مزج زيتاً مغصوباً من مالكه بدهن مغصوب من مالكه الآخر؛ فإنّه حينئذٍ لأجل عدم إمكان التمييز تحصل الشركة القهريّة. و أمّا في مثل المقام لا مجال لذلك؛ لإمكان التفكيك. غاية الأمر أنّه مع نقصان الماليّة بالإضافة إلى أحدهما أو كليهما يكون غرامته على الغاصب. مضافاً إلى أنّه في هذه الصورة لا بدّ و أن يكون البيع الواقع مرتبطاً بالمالكين.

و دعوى ظهور المتن في حصول الشركة بعد البيع، و متعلّقها إنّما هو الثمن، مدفوعة- مضافاً إلى كون الظاهر خلافه- أنّ المتصدّي للبيع هل هو المالكان، أو الغاصب؟

و بما أنّه لا مجال للثاني، فيتعيّن الأوّل، و هو لا يجتمع إلّا مع كون الشركة حاصلة قبل البيع، و لا يعرف لها وجه، فتدبّر. و قد عرفت في المسألة السابقة أنّ الملاك في الصبغ بعد إمكان الإزالة ليس هو تموّل الصبغ، بل الملاك هو التملّك؛ لأنّ النسبة بين الماليّة و الملكيّة عموم و خصوص من وجه؛ ضرورة أنّ الماليّة متحقّقة في مثل الحيتان في البحر قبل حيازتها، و الأراضي المباحة قبل حيازتها، مع ضرورة توقّف ثبوت الملكيّة على الحيازة، كما أنّ الملكيّة متحقّقة في مثل حبّات من الحنطة مثلًا دون الماليّة، و يجتمعان في كثير من الموارد. و من المعلوم أنّ حرمة التصرّف تدور مدار الملكيّة لا الماليّة و إن ذكر المال في ذلك الدليل، إلّا أنّ إضافة المال إلى الغير لها ظهور في جريان الحكم بالإضافة إلى ملك الغير و لو لم يكن

مالًا عرفاً، مضافاً إلى ظهور اختصاص الحكم به، كما يظهر من الموارد المتعدّدة في الفقه، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 132

مزج الغاصب المغصوب بغيره، أو امتزاجه عنده

مسألة 48: لو مزج الغاصب المغصوب بغيره، أو امتزج في يده بغير اختياره مزجاً رافعاً للتميّز بينهما، فإن كان بجنسه و كانا متماثلين- ليس أحدهما أجود من الآخر، أو أردأ- تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما، و ليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة، بل الذي عليه تسليم المال و الإقدام على الإفراز و التقسيم بنسبة المالين، أو البيع و أخذ كلّ واحد منهما حصّته من الثمن، كسائر الأموال المشتركة. و إن خلط المغصوب بما هو أجود أو أردأ منه، تشاركا أيضاً بنسبة المالين، إلّا أنّ التقسيم و توزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة، فلو خلط منّاً من زيت قيمته خمسة بمنّ منه قيمته عشرة، كان لكلّ منهما نصف المجموع، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم، و يعطى لصاحب الأوّل سهم، و لصاحب الثاني سهمان، و إذا باعاه يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً. و الأحوط في مثل ذلك- أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد- البيع و توزيع الثمن بنسبة القيمة، لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما، قال به جماعة. هذا إذا مزج المغصوب بجنسه. و أمّا إذا اختلط بغير جنسه، فإن كان فيما يعدّ معه تالفاً- كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت- ضمن المثل، و إن لم يكن كذلك، كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو خلط الخلّ بالعسل، فالظاهر أنّه بحكم الخلط بالأجود، أو الأردأ من جنس واحد، فيشتركان في العين بنسبة المالين و يقسّمان العين و يوزّعان الثمن

بينهما بنسبة القيمتين، كما مرّ (1).

______________________________

(1) 1- لو مزج الغاصب المغصوب بغيره، أو حصل الامتزاج في يده بغير اختياره

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 133

..........

______________________________

مزجاً رافعاً للتميّز بينهما، ففيه صورتان: الاولى: أن يكون المزج أو الامتزاج بجنس المغصوب، و فيها فرضان: أحدهما: أن يكونا متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخر، أو أردأ، كما إذا مزج أو امتزج الحنطة المغصوبة بمثلها من الحنطة التي تكون ملكاً للغاصب مثلًا، و في هذا الفرض يكون الحكم التشارك في المجموع بنسبة ماليهما من حيث الوزن، و ليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة؛ لفرض عدم تحقّق التلف. غاية الأمر حصول الامتزاج بالجنس المتماثل ليس لأحدهما مزيّة على الآخر، بل الذي ثابت على الغاصب و واجب عليه تسليم المال، و الإقدام على الإفراز و التقسيم بنسبة المالين من الجهة المذكورة؛ أي من حيث الوزن؛ لأنّ المفروض كونهما من جنس واحد، و عدم مزيّة أحدهما على الآخر من حيث الأجوديّة و مثلها. و الشقّ الأخير من التخيير، هو بيع المجموع و أخذ كلّ واحد منهما حصّته من الثمن، كسائر الأموال المشتركة، إلّا أنّ ظاهر المتن جواز بيع الغاصب من عند نفسه و لو كان مع تمايل المالك المغصوب منه بالبيع، مع أنّه من الواضح: أنّ صحّة البيع للمال المشترك تتوقّف على إذن كلّ واحد من الشريكين، و الّا يصير البيع بالنسبة إلى سهم الآخر فضوليّاً متوقّفاً على الإذن. كما أنّه يمكن أن يقال بأنّ الإفراز و التقسيم أيضاً لفرض صيرورة المال مشتركاً بالشركة القهريّة، إلّا أن يقال بأنّ وجوب الإفراز و التقسيم لأجل وجوب ردّ المال المغصوب إلى المالك فوراً. و أمّا البيع، فيتوقّف على

إذن الشريكين و إن كان تشبيه المقام بسائر الأموال المشتركة لعلّه يعطي ذلك، لكنّ اللازم عليه التصريح بذلك، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 134

..........

______________________________

ثانيهما: أن يخلط المغصوب بجنسه لكن بالأجود أو الأردأ منه، كمزج الحنطة بجنسها الأجود أو الأردأ، و في المتن تشاركا أيضاً بنسبة المالين؛ أي من جهة الوزن من دون تفاوت، إلّا أنّ التقسيم أو توزيع الثمن بينهما في صورة البيع بنسبة القيمة، ففي المثال المذكور فيه لو خلط منّاً من زيت قيمته خمسة، بمنّ منه قيمته عشرة، فإن اريد بقاء المال المخلوط بحاله يكون لكلّ منهما نصف المجموع؛ لاتّحاد السهمين من حيث الوزن؛ لحصول الخلط بين منّين. و أمّا إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم، و يعطى لصاحب الأوّل سهم، و لصاحب الثاني سهمان، كما أنّه إذا أرادا بيعه يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً؛ لاختلافهما في القيمة كما هو المفروض. و جعل مقتضى الاحتياط اللزومي في اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد، البيع و توزيع الثمن بنسبة القيمة، لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الرّبا في الثاني، كما قال به جماعة «1». و لكن استظهرنا سابقاً «2» عدم اللزوم؛ لعدم ثبوت المعاوضة هنا فضلًا عن البيع، و التقسيم و الإفراز لا يعدّ معاوضة أصلًا، لكن لا مانع من جعله مقتضى الاحتياط. الصورة الثانية: ما إذا حصل الاختلاط بغير الجنس؛ سواء كان بفعل الغاصب أو الحصول عنده و لو كان بغير اختياره، و فيها فرضان أيضاً: أحدهما: ما إذا كان الاختلاط موجباً لصيرورة المغصوب تالفاً عرفاً؛ لزوال

______________________________

(1) المبسوط 3: 80، رياض المسائل 12: 281- 282، جواهر الكلام 37: 164- 165.

(2) في ص

100.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 135

..........

______________________________

حقيقته عنده، كامتزاج ماء الورد المغصوب بالزيت، و حينئذٍ يكون الغاصب ضامناً للمثل كصورة التلف الحقيقي. ثانيهما: ما إذا لم يكن كذلك، كما في المثالين المذكورين في المتن، فقد استظهر فيه أنّه بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد، فيجري فيه حكمه؛ من أنّه مع بقاء المالين و عدم التقسيم و البيع يكونان بينهما بنسبة الوزن، إلّا أنّه في صورة التقسيم أو البيع يتحقّق ذلك بنسبة القيمة، فلو فرض كون قيمة دقيق الشعير نصف قيمة دقيق الحنطة، يجري فيه ما ذكر في مثال الزيت، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 136

تنقيص قيمة المغصوب بالخلط بغيره

مسألة 49: لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ، و صار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين، فورد بذلك النقص المالي على المغصوب ضمنه الغاصب، كما لو غصب منّاً من زيت جيّد قيمته عشرة، و خلطه بمنّ منه ردي ء قيمته خمسة، و بسبب الاختلاط يكون قيمة المنّين اثني عشر، فصار حصّة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية، و الحال أنّ زيته غير مخلوط كان يسوى عشرة، فورد النقص عليه باثنين، و هذا النقص يغرمه الغاصب، و إن شئت قلت يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن، و ما بقي يكون للغاصب (1).

______________________________

(1) 1- لو خلط الغاصب المغصوب- أو اختلط عنده- بالأجود أو الأردأ، و صار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين، و غالباً يتحقّق ذلك في الخلط بالأردإ، ضرورة أنّه مع الخلط بالأجود تزيد القيمة لا أنّه تنقص، لكن يمكن فرضه في الخلط بالأجود نادراً. و كيف كان، فمحطّ البحث صورة حصول

النقص المالي على المغصوب، و حيث إنّ النقص المذكور مستند إلى الغاصب، أو يكون حاصلًا عنده، يكون الغاصب ضامناً للنقص، ففي المثال المذكور في المتن يتحقّق النقص باثنين، فالغاصب ضامن لهما، و يجري في هذا الفرع شبهة الرّبا في الصورة المذكورة في المسألة السابقة فيما إذا قسّم بنسبة القيمة، كما أنّه يجري فيه الجواب المتقدّم. و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو خلط المغصوب بالأجود، فإن كانت قيمة المجموع المخلوط مساوية لقيمة الخليطين منفردين، فالحكم واضح، و إن كانت القيمة

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 137

..........

______________________________

المذكورة أزيد من قيمتهما كذلك، و بيعا بهذه الصفة، لا يبعد أن يقال: إنّ الزيادة بينهما بنسبة القيمة، ففي مثال الزيت، إذا غصب منّاً من زيت قيمته خمسة، و خلطه بمنّ من زيت قيمته عشرة و بيعا بعشرين، يكون للمالك ثلثهما، و الثلثان للغاصب بنسبة القيمتين في حال الانفراد، و هكذا الضابط في النقيصة و الزيادة، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 138

فوائد العين المغصوبة

مسألة 50: فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه و إن تجدّدت بعد الغصب، و هي كلّها مضمونة على الغاصب، أعياناً كانت كاللبن و الولد و الشعر و الثمر، أو منافع كسكنى الدار و ركوب الدابّة، بل كلّ صفة زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب، ثمّ زالت و تنقّصت بزوالها قيمته، ضمنها الغاصب و إن ردّ العين كما كانت قبل الغصب، فلو غصب دابّة هازلة، ثمّ سمنت فزادت قيمتها بسبب ذلك، ثمّ هزلت ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثمّ زالت. نعم، لو زادت القيمة لزيادة صفة، ثمّ زالت تلك الصفة، ثمّ عادت الصفة بعينها، لم

يضمن قيمة الزيادة التالفة؛ لانجبارها بالزيادة العائدة، كما إذا سمنت الدابّة في يده فزادت قيمتها، ثمّ هزلت، ثمّ سمنت؛ فإنّه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل إلّا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الاولى؛ بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسّمن الأوّل درهمين، و الحاصلة بالثاني درهماً مثلًا، فيضمن التفاوت (1).

______________________________

(1) 1- فوائد العين المغصوبة مملوكة لمالك العين؛ من دون فرق بين ما كانت موجودة حال الغصب، و بين ما تجدّدت بعده؛ لتبعيّتها للعين المغصوبة، و كلّها مضمونة على الغاصب؛ سواء كانت أعياناً كاللبن و الولد و الشعر و الثمر، أو منافع كالمثالين المذكورين في المتن، و لا يختصّ ضمانه لها بصورة الاستيفاء. نعم، الاختصاص بذلك أو بمثله إنّما هو بالإضافة إلى الحرّ، كما تقدّم في شرح المسألة الخامسة، و عرفت فيه أيضاً نفي البُعد عن الفرق بين الكسوب و غيره،

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 139

..........

______________________________

بثبوت الماليّة العرفيّة بالإضافة إلى الأوّل دون الثاني، كما يستفاد من كلام السيّد الطباطبائي في حاشية المكاسب، فراجع «1». و فيه:- أي في المتن- «بل كلّ صفة زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب- أي و لو لم تكن موجودة حين الغصب- ثمّ زالت و تنقّصت بزوالها قيمته، ضمنها الغاصب و إن ردّ العين كما كانت قبل الغصب»، ففي المثال المذكور في المتن كانت الدابّة هازلة حين الغصب، ثمّ صارت سمينة في أيّامه بحيث زادت قيمتها بسبب ذلك، ثمّ هزلت حين الردّ إلى المالك، فإنّ الغاصب ضامن لهذه الزيادة الحاصلة الزائلة بعد. نعم، لو زادت القيمة لزيادة صفة، ثمّ زالت تلك الصفة، ثمّ عادت بعينها، لم يضمن زيادة القيمة التالفة؛ لفرض الانجبار بعينها، و في

الذيل استثناء ما لو كانت الزيادة المتجدّدة ناقصة عن الاولى؛ فإنّه يضمن التفاوت كما في المثال المذكور في المتن.

______________________________

(1) أي ص 21- 24.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 140

زيادة القيمة بحصول صفة

مسألة 51: لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته، ثمّ زالت فنقصت، ثمّ حصلت فيه صفة اخرى زادت بها قيمته، لم يزل ضمان زيادة الاولى و لم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية، كما إذا سمنت الدابّة المغصوبة، ثمّ هزلت فنقصت قيمتها، ثمّ ارتاضت فزادت قيمتها بقدر زيادة الاولى أو أزيد، لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الاولى (1).

زرع الحبّ المغصوب

مسألة 52: إذا غصب حبّاً فزرعه، أو بيضاً فاستفرخه تحت دجاجته مثلًا، كان الزرع و الفرخ للمغصوب منه، و كذا لو غصب خمراً فصارت خلّاً، أو غصب عصيراً فصار خمراً عنده ثمّ صارت خلّاً؛ فإنّه ملك للمغصوب منه لا الغاصب. و أمّا لو غصب فحلًا فأنزاه على الانثى و أولدها، كان الولد لصاحب الانثى و إن كان هو الغاصب، و عليه اجرة الضراب (2).

______________________________

(1) 1- الدليل على عدم الانجبار و ثبوت ضمان كلتا الصفتين: أنّ الصفة الاولى الزائلة الموجبة بزوالها لنقصان القيمة، و كذا الصفة الثانية، قد وقعت كلتاهما في ملك المغصوب منه و تغايرهما، فكما أنّ الغاصب ضامن للصفة الزائلة و إن كانت حادثة في يد الغاصب، يكون ضامناً للصفة الثانية الباقية، كما في فرض المتن، أو الزائلة أيضاً كما في الفرض الآخر.

(2) 2- إذا غصب حبّاً فزرعه أو بيضاً فاستفرخه كان الزرع و الفرخ للمغصوب

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 141

..........

______________________________

منه؛ لأنّهما تابعان للأصل الذي هو ملكه، و قد تقدّم «1» أنّ ما اشتهر من أنّ الزرع للزارع و لو كان غاصباً، معناه: و إن كان غاصباً للأرض لا غاصباً للحبّ الذي زرعه، و منه يظهر أنّه لو غصب خمراً فصارت خلّاً، بناءً على جريان الغصب في الخمر؛ لثبوت حقّ الأولويّة بالإضافة

إليها، و كذا لو غصب عصيراً فصار خمراً عنده، ثمّ صارت خلّاً؛ فإنّه ملك للمغصوب منه و إن كان في حال الخمريّة لا يملكها المسلم، و لا ماليّة له عند الشارع. و منه يظهر ثبوت حقّ المالك في عكس الفرض؛ و هو ما لو غصب خلّاً فصار خمراً عند الغاصب، بل يجب عليه مع ردّ العين أرش العيب و النقصان. نعم، لو غصب فحلًا فأنزاه على الانثى و أولدها، كان الولد لصاحب الانثى.

غاية الأمر أنّه يجب عليه اجرة الضراب أيضاً؛ لأنّ التبعيّة في الحيوان إنّما هي بالإضافة إلى الانثى و صاحبها، و لذا لو أنزاه بالإجارة الصحيحة، يكون الولد الحاصل تابعاً للُامّ و صاحبها، و لا مجال لتوهّم ثبوت حقّ بالإضافة إلى صاحب الفحل مع ثبوت الإجارة الصحيحة.

______________________________

(1) في ص 32 و 124.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 142

جريان أحكام الغصب في المقبوض بالعقد الفاسد و مثله

مسألة 53: جميع ما مرّ من الضمان و كيفيّته و أحكامه و تفاصيله جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ و إن لم تكن عادية و غاصبة و ظالمة، إلّا في موارد الأمانات، مالكيّة كانت أو شرعيّة، كما عرفت «1» التفصيل في كتاب الوديعة، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة، و ما وضع اليد عليه بسبب الجهل و الاشتباه، كما إذا لبس مداس غيره أو ثوبه اشتباهاً، أو أخذ شيئاً من سارق عارية باعتقاد أنّه ماله، و غير ذلك ممّا لا يحصى (1).

______________________________

(1) 1- جميع ما ذكر من الضمان و خصوصيّاته و أحكامه و تفاصيله جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ و إن لم ينطبق عليها عنوان الغصب؛ لما مرّ «2» من أخذ

قيد العدوان في مفهوم الغصب و حقيقته و إن احتملنا في المراد منه احتمالًا آخر، و على أيّ فتجري فيه إلّا في موارد الأمانات، و الظاهر أنّ الاستثناء في المتن منقطع؛ لأنّ موارد الأمانات ليست من مصاديق جريان اليد على مال الغير بغير حقّ؛ سواء كانت الأمانة مالكيّة كما في الوديعة و العارية، أو شرعيّة كما في مورد اللقطة. نعم، ينبغي استثناء مورد التعدّي و التفريط؛ لأنّ الأمين ضامن مع أحدهما، كما ذكرنا في كتابنا في القواعد الفقهيّة «3»، فتجري جميع تلك الأحكام في المقبوض بالبيع الفاسد و مثله، و في موارد الجهل و الاشتباه على ما هو ظاهرهم، خصوصاً في مسألة تعاقب الأيادي المتقدّمة «4»، ففي الأمثلة المذكورة في المتن تكون تلك الأحكام ثابتة.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 573 مسألة 20.

(2) في ص 7- 12.

(3) القواعد الفقهيّة 1: 36- 38.

(4) في ص 102- 113.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 143

الإتلاف الموجب للضمان إمّا بالمباشرة، و إمّا بالتسبب

مسألة 54: كما أنّ اليد الغاصبة و ما يلحق بها موجبة للضمان- و هو المسمّى بضمان اليد، و قد عرفت تفصيله في المسائل السابقة- كذلك للضمان سببان آخران: الإتلاف و التسبيب. و بعبارة اخرى: له سبب آخر و هو الإتلاف؛ سواء كان بالمباشرة أو التسبيب (1).

______________________________

(1) 1- كما أنّ اليد الغاصبة و ما يلحق بها من المقبوض بالبيع الفاسد و غيرها موجبة للضمان المسمّى بضمان اليد، كذلك للضمان سببان آخران: أحدهما: الإتلاف. ثانيهما: التسبيب. و ذكر في المتن أنّه يمكن أن يقال بأنّ للضمان بغير اليد سبباً واحداً و هو الإتلاف.

غاية الأمر أنّه تارةً يكون بالمباشرة، و اخرى بالتسبيب، و لا بأس به بعد كون ذلك اختلافاً في التعبير.

تفصيل الشريعة

- الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 144

سببيّة الإتلاف للضمان

مسألة 55: الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه، كما إذا ذبح حيواناً أو رماه بسهم فقتله، أو ضرب على إناء فكسره، أو رمى شيئاً في النار فأحرقته، و غير ذلك ممّا لا يحصىٰ. و أمّا الإتلاف بالتسبيب؛ فهو إيجاد شي ء يترتّب عليه الإتلاف بسبب وقوع شي ء، كما لو حفر بئراً في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان، أو طرح المعاثر و المزالق كقشر البطّيخ و الرقّي في المسالك، أو أوتد وتداً في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان، أو وضع شيئاً على الطريق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره، أو أخرج ميزاباً على الطريق فأضرّ بالمارّة، أو ألقى صبيّاً أو حيواناً يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع. و من ذلك ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت، أو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مكث، و غير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامناً، و يكون عليه غرامة التالف و بدله، إن كان مثليّاً فبالمثل، و إن كان قيميّاً فبالقيمة، و إن صار سبباً لتعيّب المال كان عليه الأرش، كما مرّ في ضمان اليد (1).

______________________________

(1) 1- الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه، كما في الأمثلة المذكورة في المتن، غاية الأمر أنّ ذكر الحيوان إنّما هو لأجل أنّ الإنسان يتصوّر في قتله الأنحاء الثلاثة المذكورة في كتاب القصاص و الديات: القتل العمدي الموجب للقصاص، و القتل شبه العمد الموجب لثبوت الدية على القاتل، و القتل الخطئي الموجب لثبوت الدية على العاقلة، و هذه الأقسام مشتركة في استناد القتل إلى القاتل. غاية الأمر أنّ الاختلاف بينها في جهات اخر،

كقصد القاتل، و كون الآلات معدّة للقتل نوعاً، و تشخيص المقتول، كما ذكرناه تفصيلًا في كتاب القصاص

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 145

..........

______________________________

و الديات «1» من هذا الشرح المطبوع مرّتين، و الذي ينبغي التنبيه هنا أمران: أحدهما: ورود روايات كثيرة في هذا المجال: منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال سألته عن الشي ء يوضع على الطريق فتمرّ الدابّة، فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال: كلّ شي ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه «2». و منها: صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل حفر بئراً في غير ملكه، فمرّ عليها رجل فوقع فيها، فقال: عليه الضمان؛ لأنّ كلّ من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان «3». و منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه؟

فقال: أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان. و أمّا ما حفر في الطريق أو في غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها «4». و منها: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: من أخرج ميزاباً، أو كنيفاً، أو أوتد وتداً، أو أوثق دابّةً، أو حفر شيئاً في طريق المسلمين، فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن «5».

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القصاص: 13- 23، و كتاب الديات: 9- 11.

(2) الكافي 7: 349 ح 2، تهذيب الأحكام 10: 223 ح 878، الفقيه 4: 115 ح 396، و عنها وسائل الشيعة 29: 243، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 9 ح 1.

(3) الكافي 7: 350 ح 7، تهذيب الأحكام 10:

230 ح 907، و عنهما وسائل الشيعة 29: 241، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 1.

(4) الكافي 7: 349 ح 1 و ص 350 ح 4، تهذيب الأحكام 10: 229 ح 903 و ص 230 ح 904، الفقيه 4: 114 ح 390، و عنها وسائل الشيعة 29: 241، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 3.

(5) الكافي 7: 350 ح 8، تهذيب الأحكام 10: 230 ح 908، الفقيه 4: 114 ح 392، و عنها وسائل الشيعة 29: 245، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 11 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 146

..........

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات «1». ثانيهما: أنّه لا يختصّ الضمان المذكور بصورة العلم و الالتفات، بل يجري في صورة الجهل أيضاً، كما إذا ضرب على إناء الغير في حال النوم فكسره؛ فإنّه ضامن؛ لعدم اختصاص قاعدة الإتلاف الدالّة على الضمان بصورة العلم و الالتفات، و قد ذكرنا ذلك في كتابنا في القواعد الفقهيّة «2». و أمّا الإتلاف بالتسبيب، فهو كما في المتن عبارة عن إيجاد شي ء يترتّب عليه الإتلاف بسبب وقوع شي ء و لو لا عن اختياره، كالأمثلة الكثيرة المذكورة في المتن، و الذي ينبغي التعرّض له، أنّ أشباه هذه الأمثلة كثيرة في هذه الأزمنة و الأمكنة، من دون توجّه إلى اقتضائها للضمان، كوضع الكاسب أجناسه المعدّة للكسب و البيع خارجة عن الدكّان، بحيث يشغل قسمة من المعبر، و إيجاد إضافة للطبقة الفوقانيّة من المنازل شاغلة لفضاء المعبر، و مانعة عن عبور بعض الأشياء بالصورة المتعارفة، و رشّ الماء في الطريق خارج المنزل و الدكّان، و طرح قشر البطّيخ و الرقّي في المسالك

و المعابر، و مثل ذلك من الامور المتداولة التي هي موجبة للضمان من دون توجّه الناس إليه. قال في المتن: و من ذلك- أي الإتلاف بالتسبيب- ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت بلا فصل أو بعد مكث، أو فتح قفصاً عن طائر فطار كذلك. و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو لم يتحقّق التلف بل حدث عيب، يكون أرشه على الضامن، كما في مورد الغصب على ما عرفت «3».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 29: 128- 130، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب 63 و 64، و مستدرك الوسائل 18: 256، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب 52.

(2) القواعد الفقهيّة 1: 48- 49.

(3) في ص 65 و 124.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 147

موت ولد شاة المغصوبة جوعاً

مسألة 56: لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعاً، أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتّفق تلفها، لم يضمن بسبب التسبيب، إلّا إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من امّه و كانت الماشية في محالّ السباع و مظان الخطر، و انحصر حفظها بحراسة راعيها، فعليه الضمان حينئذٍ على الأحوط (1).

______________________________

(1) 1- لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعاً، أو حبس راعي الماشية؛ سواء كان مالكاً لها أو راعياً فقط فاتّفق تلفها، فالمستفاد من المتن أنّه إذا لم ينحصر غذاء الولد بالارتضاع من امّه، و لم تكن الماشية في محالّ السباع و مظانّ الخطر، فلا يتحقّق هنا تسبيب موجب للضمان؛ لعدم انحصار الطريق بالرضاع المذكور و الحراسة. و أمّا مع الانحصار، فجعل مقتضى الاحتياط اللزومي الضمان؛ نظراً إلى أنّ الغصب بالإضافة إلى الامّ، و حبس الراعي عن الحراسة صارا موجبين لتحقّق التلف مع الشرط

المذكور؛ لعدم مدخلية القصد في ذلك، بل قد عرفت أنّ الإتلاف من مثل النائم موجب للضمان، فإن لم تكن الفتوى بذلك فلا أقلّ من الاحتياط الوجوبي، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 148

بعض مصاديق التسبيب

مسألة 57: و من التسبيب الموجب للضمان ما لو فكّ وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه. و أمّا لو فتح رأس الظرف ثمّ اتّفق أنّه قلبته الريح الحادثة، أو انقلب بوقوع طائر عليه مثلًا فسال ما فيه، ففي الضمان تردّد و إشكال. نعم، يقوى الضمان فيما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة، أو في مجتمع الطيور و مظانّ وقوعها عليه (1).

______________________________

(1) 1- من التسبيب الموجب للضمان باليد ما لو فكّ وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه؛ لاستناد السيلان الموجب للإتلاف إلى فكّه؛ ضرورة أنّ اشتماله على المائع مستلزم للسيلان المذكور لا محالة، فهذا النحو من التسبيب لعلّه أولى من حفر البئر في المعبر و وقوع الإنسان فيه؛ لأنّه من الممكن أن يتوجّه الإنسان إلى البئر ثمّ يرجع، أو يختار طريقاً لا يترتّب عليه ذلك، و هذا الاحتمال لا يجري فيما نحن فيه؛ لاستلزام الميعان للسيلان. بل يمكن أن يقال: إنّ هذا النحو من الإتلاف بالمباشرة؛ لأنّه و إن كان الإتلاف بالمباشرة بالرّمي على الظرف بالسهم ممكن، إلّا أنّ الجريان الغالب و العادي فيه في صورة الإتلاف بالمباشرة، هو فكّ وعاء الظرف و خروج المائع المظروف، فلا يبعد أن يقال بأنّ فكّ الوعاء المذكور من مصاديق الإتلاف بالمباشرة. و لا فرق في الحكم بالضمان بين صورتي العلم و غيره لما عرفت «1». و أمّا لو فكّ وكاء ظرف لم يكن فيه مائع كذلك، بل اتّفق

أنّه قلبته الريح الحادثة، أو تحقّق الانقلاب بوقوع طائر عليه، مع أنّه لم يكن في مجتمع الطيور و مظانّ وقوعها عليه،

______________________________

(1) في ص 146.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 149

..........

______________________________

فقد تردّد و استشكل في الحكم بالضمان، و لعلّه من جهة أنّ الإتلاف كان مستنداً إلى فكّه، وكاء الظرف؛ لأنّه لو لم يفكّ لم يتلف و لو مع قلب الريح أو وقوع الطائر عليه، و من جهة أنّ فكّه وكاء الظرف لم يكن موجباً للإتلاف و مستلزماً له؛ لفرض عدم الميعان، بل كان الإتلاف لأجل قلب الريح أو وقوع الطائر. نعم، لو كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة، أو في مجتمع الطيور و مظانّ وقوعها عليه، فقد قوّى في المتن الضمان فيه؛ لتحقّق الاستناد إلى عمله في هذه الحالة، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 150

عدم كون موردين من التسبيب الموجب للضمان

مسألة 58: ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح باباً على مال فسرق، أو دلّ سارقاً عليه فسرقه، فلا ضمان عليه (1).

______________________________

(1) 1- حكم في المتن بأنّه ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح باباً على مال فسرق، أو دلَّ سارقاً عليه فسرقه، فلا ضمان عليه؛ و لعلّ الوجه فيه أنّ عمله من الفتح أو الدلالة لا يكون مستلزماً للإتلاف؛ لأنّه وقع بسبب السرقة التي هي صادرة عن السارق عن توجّه و اختيار، فهو- أي الإتلاف- مستند إلى السارق، فهو الضامن دون الفاتح أو صاحب الدلالة؛ فإنّه لا وجه لثبوت الضمان عليهما، كما لا يخفى. و بعبارة اخرى: لا شكّ في عدم كون الفاتح أو الدالّ سارقاً؛ لعدم أخذه المال بوجه، كما أنّه لا شبهة

في عدم كونه سبباً للسرقة؛ لعدم استلزام الفتح أو الدلالة للسرقة، بل هي عمل وقع بسوء اختيار السارق، فلا وجه لثبوت الضمان عليه، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 151

تلف مال أو نفس بوقوع الحائط على الطريق

مسألة 59: لو وقع الحائط على الطريق مثلًا فتلف بوقوعه مال أو نفس، لم يضمن صاحبه إلّا إذا بناه مائلًا إلى الطريق، أو مال إليه بعد ما كان مستوياً و قد تمكّن صاحبه من الإزالة و لم يزله، فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى (1).

______________________________

(1) 1- لو وقع حائط الدار مثلًا على الطريق فتلف بوقوعه و خرابه إليه مال أو نفس، ففي المسألة صورتان: إحداهما: ما إذا لم يكن بناؤه بنحو يكون مائلًا إلى الطريق، و لم يكن مائلًا إليه بعد ما كان مستوياً؛ لإزالة ميله بعد تمكّن صاحبه من الإزالة، ففي هذه الصورة لا يكون صاحب الحائط ضامناً للتالف من مال أو نفس؛ لعدم الاستناد إليه بوجه، خصوصاً بعد ملاحظة ضرورة الحائط للحفظ و غيره. ثانيتهما: ما إذا كان بناه مائلًا إلى الطريق، أو مال إليه بعد ما كان مستوياً و قد تمكّن صاحبه من الإزالة، ففي هذه الصورة يكون الضمان عليه على ما قوّاه في المتن، و لكنّ الأمر في الفرض الأوّل من هذه الصورة واضح؛ لأنّ بناء الجدار من أوّل الأمر كذلك يوجب الاستناد إليه لا محالة. و أمّا في الفرض الثاني، فالظاهر أنّ الحكم بالضمان أوسع من صورة دائرة التمكّن؛ لأنّ التمكّن و عدمه لا دخل له في ذلك، فلو مال إلى الطريق بعد ما كان مستوياً فعلى صاحب الجدار الضمان؛ سواء تمكّن من الإزالة أم لا. و في فرض التمكّن إذا لم تتحقّق الإزالة خارجاً

فهو ضامن، فقيد التمكّن لا مدخل له في ذلك، كما عرفت الثبوت «1» في موارده فيما إذا تحقّق حال النوم.

______________________________

(1) في ص 146.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 152

تلف مال أو نفس بسقوط شِربة أو كوز على الطريق

مسألة 60: لو وضع شربةً أو كوزاً مثلًا على حائطه، فسقط و تلف به مال أو نفس لم يضمن إلّا إذا وضعه مائلًا إلى الطريق، أو وضعه على وجه يسقط مثله (1).

______________________________

(1) 1- لو وضع شربة- أي آلة للشرب- أو كوزاً مثلًا على الحائط المتعلّق به عيناً أو منفعة، فسقط و تلف به مال أو نفس، ففيها صورتان أيضاً: إحداهما: ما إذا لم يضعه مائلًا إلى الطريق أو على وجه يسقط مثله، ففي هذه الصورة لا ضمان؛ لعدم الاستناد إلى صاحب الحائط بوجه. ثانيتهما: ما إذا وضعه مائلًا إلى الطريق أو على وجه يسقط مثله غالباً، ففي هذه الصورة عليه الضمان؛ للاستناد إليه بسبب الوضع المذكور، و الظاهر لزوم توجّه الناس و التفاتهم إلى مثل هذه الدقائق ليفرّقوا بين الصورتين، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 153

إحراق دار الجار بسبب اشعال النار في دار نفسه

مسألة 61: و من التسبيب الموجب للضمان أن يشعل ناراً في ملكه و داره، فتعدّت و أحرقت دار جاره مثلًا فيما إذا تجاوز قدر حاجته، و يعلم أو يظنّ تعدّيها لعصف الهواء مثلًا، بل الظاهر كفاية الثاني، فيضمن مع العلم أو الظنّ بالتعدّي و لو كان بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدّية فتبيّن خلافه. كما إذا كانت ريح حين اشتعال النار، و هو قد اعتقد أنّ بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار، فتبيّن خلافه. نعم، لو كان الهواء ساكناً، بحيث يؤمن معه من التعدّي، فاتّفق عصف الهواء بغتةً فطارت شرارتها، يقوى عدم الضمان (1).

______________________________

(1) 1- و من موارد التسبيب الموجب لثبوت الضمان أن يشعل ناراً في ملكه و داره، فتعدّت و أحرقت دار جاره مثلًا، و

هذا الحكم- أي الضمان- مسلّم مع ثبوت قيدين: أحدهما: تجاوز قدر الحاجة. ثانيهما: العلم أو الظنّ؛ أي الاطمئنان بالتعدّي لعصف الهواء مثلًا؛ فإنّه مع وجود هذين القيدين لا إشكال في الضمان؛ لاستناد الإحراق إليه. و قد استظهر في المتن كفاية الثاني فقط و لو لم يتجاوز قدر حاجته، بل كان بمقدارها؛ لتحقّق الاستناد المذكور في هذه الصورة. و فيه نفى البعد عن الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدّية، فتبيّن خلافه، كالمثال المذكور في المتن، و لعلّ الوجه في ذلك عدم مدخليّة الاعتقاد، فإذا كسر كوز الغير

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 154

..........

______________________________

يكون ضامناً و إن اعتقد عدم تحقّق الانكسار به، فتبيّن خلافه و حصول الانكسار بفعله. و قد استدرك صورة واحدة قوّى فيها عدم الضمان، و هو ما لو كان الهواء ساكناً بحيث يؤمن معه من التعدّي، و لكن اتّفق عصف الهواء بغتةً، فطارت شرارتها و أحرقت دار جاره مثلًا. و الوجه فيه عدم تحقّق استناد الإحراق إلّا إلى عصف الهواء، و لا يستند إلى من أشعل النار مع هذه الخصوصيّة بوجه، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 155

الإضرار بالغير بإرسال الماء إلى ملكه

مسألة 62: إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فأضرّ به، ضمن و لو مع اعتقاده عدم التعدّي. نعم، ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره في صورة اعتقاده عدم التعدّي محلّ إشكال، و الأحوط الضمان، و لو كان طريقه إلى ملك الغير مسدوداً حين إرسال الماء فدفع بغير فعله، فلا ضمان عليه (1).

______________________________

(1) 1- إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فصار موجباً للإضرار به، ضمن و لو فيما إذا كان

اعتقاده عدم التعدّي؛ لما عرفت من مثال الكوز المتقدّم «1»، و قد استشكل في الضمان فيما إذا خرجت الماء عن اختياره و اعتقد عدم التعدّي، ثمّ احتاط لزوماً الضمان؛ و لعلّ الوجه فيه عدم مدخليّة الاختيار في مقابل الإكراه الذي سيجي ء البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى «2». و كذا الاعتقاد- أي اعتقاد عدم التعدّي- في عدم الضمان، فمقتضى الاحتياط لو لم يكن مقتضى القاعدة الضمان. و لو كان طريقه إلى ملك الغير مسدوداً حين إرسال الماء مع الخصوصيّة المذكورة، لكنّه دفع بغير فعله بحيث لم يتحقّق التعدّي الموجب للتضرّر، فلا ضمان عليه؛ لأنّ المفروض عدم التعدّي بنحو يوجب الإضرار و إن كان لو لم يدفع بفعل الغير كان موجباً له، لكنّ الفرض أنّه لم يتحقّق في الخارج، فلا وجه للضمان.

______________________________

(1) في ص: 152.

(2) في ص: 166.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 156

ثبوت الضمان بوقوع الجدار بسبب الإسناد إليه

مسألة 63: لو تعب حمّال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح بدون إذن صاحب الجدار فوقع بإسناده إليه، ضمنه و ضمن ما تلف بوقوعه عليه، و لو وقعت الخشبة فأتلفت شيئاً ضمنه؛ سواء وقعت في الحال أو بعدُ إذا كان مستنداً إليه (1).

______________________________

(1) 1- لو صار حمّال الخشبة في تعب لأجل حملها، فأسند الخشبة إلى جدار الغير ليستريح، و كان ذلك بدون إذن صاحب الجدار، فصار ذلك- أي الإسناد إليه- موجباً لوقوع الجدار و خرابه، فالحمّال ضامن للجدار و لما تلف بوقوع الجدار عليه من نفس أو مال؛ للاستناد إلى إسناده كما هو المفروض، و لو وقعت الخشبة التي يحملها فصارت موجبة لتلف شي ء، فالظاهر ضمان الحمّال لذلك الشي ء؛ سواء وقعت في الحال، أو بعد مع الاستناد

إليه. و بالجملة: فالضابط هو الاستناد بنظر العرف من دون فرق بين الموارد. و هذا لا فرق فيه بين أن تكون الخشبة الواقعة محمولة في الطريق الذي لا يكون فيه شي ء يضرّ بالمارّة و يمنع عن العبور الطبيعي، و بين أن تكون الخشبة المذكورة محمولة في الطريق الذي فيه شي ء يضرّ بها، و يوجب عدم إمكان المرور العادي، غاية الأمر أنّه مع العلم به يتحقّق الضمان، و في صورة عدم العلم أو الظنّ يكون الحكم بالضمان فيه مشكلًا، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 157

ثبوت الضمان بانكسار قارورة بفتح قفص عن طائر

مسألة 64: لو فتح قفصاً عن طائر فخرج و كسر بخروجه قارورة شخص مثلًا، ضمنها على الأحوط. و كذا لو كان القفص ضيّقاً مثلًا فاضطرب بخروجه، فسقط و انكسر (1).

______________________________

(1) 1- أمّا بالنسبة إلى نفس الطائر، لو فتح قفصاً عنه و طار في الحال أو بعد مكث، فقد تقدّم الحكم في المسألة الخامسة و الخمسين، و البحث في هذه المسألة إنّما هو بالإضافة إلى القارورة التي كسرت بسبب خروج الطائر الذي فتح قفصه، أو بسبب كون القفص ضيّقاً مثلًا فاضطرب بخروجه فسقط و انكسرت القارورة و إن لم يكن هناك طيران، ففي الصورتين جعل مقتضى الاحتياط اللزومي الضمان. و الوجه فيه: أنّه يكون عرفاً انكسار القارورة مستنداً إلى الشخص الذي فتح القفص؛ ضرورة أنّه مع عدم الفتح لا يتحقّق الانكسار بوجه، و يحتمل ضعيفاً دعوى عدم الاستناد إليه؛ لأنّ انكسار القارورة إنّما هو لأجل طيران الطائر و خروجه، أو لأجل اضطرابه بخروجه لكون القفص ضيّقاً، و لكن مقتضى الاحتياط بل لعلّه الأقوى الضمان.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 158

ثبوت الضمان بأكل دابّة شخص زرع غيره أو إفساده

مسألة 65: إذا أكلت دابّة شخص زرع غيره أو أفسدته، فإن كان معها صاحبها راكباً، أو سائقاً، أو قائداً، أو مصاحباً ضمن ما أتلفته، و إن لم يكن معها؛ بأن انفلتت من مراحها مثلًا فدخلت زرع غيره، ضمن ما أتلفته إن كان ذلك ليلًا.

نعم، ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره محلّ إشكال، و الأحوط الضمان، و ليس عليه ضمان إن كان نهاراً (1).

______________________________

(1) 1- إذا أكلت دابّة شخص زرع غيره أو أفسدته و عيّبته، فإن كان معها صاحبها- أي الذي كانت الدابّة شرعاً باختياره و في يده و لو كان مستأجراً

لها، أو مستعيراً لها، بل و لو كان غاصباً لها، راكباً كان، أو سائقاً، أو قائداً، أو مصاحباً، و بالجملة: كان صاحبها معها- فهو الضامن لما أتلفته أو عيّبته. و إن لم يكن صاحبها معها بوجه؛ بأن انفلتت من مراحها مثلًا فدخلت زرع غيره، فأحدثت أحد الأمرين المذكورين، ففي المتن التفصيل بين الليل و النهار بثبوت الضمان في الأوّل دون الثاني، مع استدراك صورة واحدة من الأوّل؛ و هو ما إذا خرجت الدابّة عن اختياره، فقد استشكل فيها في ثبوت الضمان مع جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي ذلك، و مستند التفصيل- مضافاً إلى أنّه لعلّه يكون مقتضى القاعدة، كما يدلّ عليه التعليل الواقع في بعض الروايات- طائفة من الأخبار: منها: رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: كان عليّ عليه السلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهاراً، و يقول: على صاحب الزرع حفظ زرعه، و كان يضمن ما أفسدت البهائم ليلًا «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 10: 310 ح 1159، و عنه وسائل الشيعة 29: 276، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 159

..........

______________________________

و منها: رواية هارون بن حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البقر و الغنم و الإبل تكون في الرعي (المرعى خ ل) فتفسد شيئاً، هل عليها ضمان؟ فقال: إن أفسدت نهاراً فليس عليها ضمان؛ من أجل أنّ أصحابه يحفظونه، و إن أفسدت ليلًا فإنّه عليها الضمان «1». و المراد من ثبوت الضمان عليها، الثبوت على صاحبها كما هو ظاهر. و منها: مرسلة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّٰه- عزّ و

جلّ-:

«وَ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ إِذْ يَحْكُمٰانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ» «2»؟ فقال: لا يكون النفش إلّا بالليل، إنّ على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار، و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، إنّما رعيها بالنهار و أرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، و على أصحاب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا و هو النفش، و أنّ داود عليه السلام حكم للّذي أصاب زرعه رقاب الغنم، و حكم سليمان عليه السلام الرسل و الثلة؛ و هو اللبن، و الصوف في ذلك العام «3». و مقتضى حكم داود و إن كان لا ينطبق على الضوابط الموجودة عندنا؛ من كون القيمي مضموناً بقيمته، إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ للمورد خصوصيّة لأجلها حكم داود بمثل ما ذكر، و هي عدم ثبوت أموال اخر لأصحاب الماشية، و عدم ثبوت

______________________________

(1) الكافي 5: 301 ح 1، تهذيب الأحكام 7: 224 ح 981، و عنهما وسائل الشيعة 29: 277، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 3.

(2) سورة الأنبياء 21: 78.

(3) الكافي 5: 301 ح 2، تهذيب الأحكام 7: 224 ح 982، و عنهما وسائل الشيعة 29: 278، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 4.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 160

..........

______________________________

المشتري لها، فاللازم في مثله دفع الغنم، فإن كان النقص من قيمة الزرع كان عليه التكميل بعداً، و إن كان أزيد كان له أخذها، كما لا يخفى. و مقتضى ما ذكر و إن كان إطلاق الحكم بحصول الضمان في النهار، إلّا أنّه يمكن أن يقال بالانصراف عمّا إذا خرجت من اختياره، و لكنّ الأحوط الضمان.

و يؤيّد الانصراف مرسلة عبيد اللّٰه الحلبي، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

بعث رسول الله صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام إلى اليمن، فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن و مرّ يعدو، فمرّ برجل فنفحه برجله فقتله، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى عليّ عليه السلام، فأقام صاحب الفرس البيّنة عند عليّ عليه السلام أنّ فرسه أفلت من داره و نفح الرجل، فأبطل عليّ عليه السلام دم صاحبهم، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إنّ عليّاً عليه السلام ظلمنا و أبطل دم صاحبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنّ عليّاً ليس بظلّام و لم يخلق للظلم، إنّ الولاية لعليّ من بعدي، و الحكم حكمه، و القول قوله، لا يردّ حكمه و قوله و ولايته إلّا كافر، الحديث «1».

______________________________

(1) الكافي 7: 352 ح 8، تهذيب الأحكام 10: 228 ح 900، الأمالي للصدوق: 428 ح 566، و عنها وسائل الشيعة 29: 257، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 20 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 161

إتلاف الشاة أو الدابّة اللتين في يد الغير زرعاً أو غيره

مسألة 66: لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي، أو الدابّة في يد المستعير أو المستأجر، فأتلفتا زرعاً أو غيره، كان الضمان على الراعي و المستأجر و المستعير، لا على المالك و المعير (1).

______________________________

(1) 1- قد مرّت الإشارة «1» إلى أنّ المراد من صاحب الدابّة الذي رتّب عليه بعض الأحكام فيما مضى ليس هو خصوص المالك، بل يشمل مثل الراعي للشاة، و المستعير، و المستأجر بالإضافة إلى الدابّة، بل

الغاصب لها، فلو أتلفتا زرعاً أو غيره كان الضمان عليهم لا على المالك، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 157- 158.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 162

اجتماع السببين للإتلاف

مسألة 67: لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين، فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان، و إلّا كان الضمان على المتقدّم في التأثير، فلو حفر شخص بئراً في الطريق، و وضع شخص آخر حجراً بقربها، فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر، كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر، و يحتمل قويّاً اشتراكهما في الضمان مطلقاً (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة التي يكون الموضوع فيها اجتماع سببين للإتلاف بفعل شخصين، فيها فرضان: أحدهما: ما إذا لم يكن أحدهما أسبق من الآخر في التأثير فيه، كما إذا اشتركا في حفر البئر في الطريق و المعبر، فسقط فيه إنسان أو حيوان، فإنّ الظاهر فيه اشتراكهما في الضمان؛ لأنّ حفر البئر في الطريق موجب للضمان كما تقدّم «1»، و المفروض عدم وجود الأسبق، بل الاشتراك في التأثير، فهما مشتركان في الضمان؛ لفرض عدم وجود الأسبق، و عدم خصوصيّة لأحد السببين. ثانيهما: ما إذا كان أحدهما أسبق من الآخر لا من حيث الفعل و العمل، بل من جهة التأثير في الإتلاف، كالمثال المذكور في المتن، فالحكم فيه ثبوت الضمان على المتقدّم في التأثير؛ لأنّ الاستناد إليه أقرب، و لكنّه احتمل قويّاً الاشتراك في الضمان فيه أيضاً؛ و لعلّ وجه الاحتمال أنّ فعل أحدهما و إن كان متقدّماً على الآخر في التأثير، إلّا أنّ التلف لا محالة مستند إلى كلا الأمرين؛ ضرورة أنّه لو لم يتحقّق حفر البئر في المثال لم يتحقّق التلف فهو يستند إليهما، و

لكنّ الظاهر هو الأوّل.

______________________________

(1) في ص 144- 146.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 163

اجتماع السبب مع المباشر

مسألة 68: لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون فاعل السبب، فلو حفر شخص بئراً في الطريق، فدفع غيره فيها إنساناً أو حيواناً كان الضمان على الدافع دون الحافر. نعم، لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله فكسرها، كان الضمان على الواضع دون النائم (1).

______________________________

(1) 1- لو اجتمع السبب مع المباشر كان الحكم أوّلًا و بالجملة هو ثبوت الضمان على المباشر؛ لأنّه الفاعل من دون واسطة، ففي المثال المذكور في المتن لو حفر شخص بئراً في الطريق، لكن وقوع إنسان أو حيوان فيه تحقّق بدفع غيره ذلك الإنسان أو الحيوان فيه، لا بنفسه و من دون توجّه و التفات، ففي مثل ذلك لا ينبغي الإشكال في ثبوت الضمان على الدافع دون الحافر. و قد يكون السبب أقوى من المباشر للاستناد، كما في مثال القارورة المذكور في المتن، ففي هذه الصورة يكون الضمان على السبب دون المباشر. و ينبغي أن يعلم أنّه لا دليل لفظيّاً و لا لبّياً على أنّ السبب أقوى من المباشر حتّى يؤخذ بإطلاقه في مورد الشكّ، بل الدليل هي قاعدة الإتلاف، و مفادها ثبوت الضمان على المتلف و من يسند إليه الإتلاف، فاللازم في موارد الشكّ في أنّ السبب ضامن أو المباشر، من ملاحظة أنّ الإتلاف بمن يستند. ففي مثال القارورة المكسورة برجل النائم غير المتوجّه، يكون الكسر منسوباً إلى الواضع، و في بعض الموارد و إن كان المباشر هو المالك، لكنّ الفعل يستند إلى السبب،

كما فيما إذا أطعمه طعامه بعنوان الضيافة مع الجهل بالحال.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 164

..........

______________________________

و بالجملة: فالمعيار في الاقوائيّة الإسناد و عدمه، كما أنّه في بعض الموارد يصحّ الإسناد إلى كليهما، فيشتركان في الضمان كما لا يخفى. و قد ذكر بعض الأعاظم قدس سره كلاماً في هذا المجال خلاصته: أنّه إذا كان المباشر فاعلًا مختاراً عاقلًا، و كان ملتفتاً إلى أنّ فعله هذا يترتّب عليه التلف، فلا شكّ في اختصاصه بكونه ضامناً. و أمّا إذا لم يكن المباشر ذا إرادة و شعور، فالضمان على ذي السبب، كمن أجّج ناراً في غير ملكه فنشرتها الريح، فأصابت النار مال غيره فاحترق، فالضمان على ذي السبب؛ لأنّه المتلف حقيقة. و أمّا إن كان عاقلًا مختاراً في فعله، و لكنّه لا يعلم بأنّ فعله هذا يترتّب عليه التلف، فإن لم يكن مغروراً و لا مكرهاً، فالضمان على المباشر؛ لأنّه لا فرق في جريان «قاعدة الإتلاف» بين صورة العلم بترتّب التلف على فعله، و بين صورة عدم العلم؛ لأنّ الموضوع للحكم بالضمان هو مطلق الإتلاف. و أمّا لو كان مغروراً، كالممرّض الجاهل، فهو و إن كان ضامناً لأجل «قاعدة الإتلاف»، لكنّه يرجع إلى الغارّ؛ ل «قاعدة الغرور» «1»، من دون فرق بين صورة علم الغار و صورة جهله. و أمّا إذا كان مكرهاً، فليس عليه ضمان إذا كان الإكراه في غير الدماء، فإذا اكره على الدفع في البئر فمات، فإن كان الدفع في البئر من الأسباب العادية للموت، فالدافع ضامن؛ لأنّه لا تقيّة في الدماء. و إذا اكره على إتلاف مال الغير، فالضمان على المكرِه- بالكسر- لا على المكرَه بالفتح؛ لأنّ السبب هنا أقوى

من المباشر؛ لأنّ المباشر و إن كان فاعلًا و لكنّه ليس

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره 1: 219- 236.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 165

..........

______________________________

بمختار، و لذلك نقول ببطلان معاملات المكرَه- بالفتح-، و العرف و العقلاء ينسبون الفعل إلى المكرِه- بالكسر- و يسندونه إليه، كما أنّه لو أمر المكرَه خدّامه و غلمانه الذين يخافون من مخالفته بهدم دار شخص، فإنّه لا ينسب هدم الدار عند العرف إلّا إلى ذلك المكرِه «1»، انتهى. و هذا التفصيل و إن كان في غاية المتانة، إلّا أنّ الوجه لعدم ثبوت الضمان على المكرَه- بالفتح- ليس ما أفاده؛ من عدم شمول «قاعدة الإتلاف»؛ ضرورة أنّ شرب الخمر و لو كان عن إكراه لا يسند إلّا إلى الشارب المكرَه- بالفتح-، بل حديث رفع الإكراه «2» يرفع الحكم الوضعي كما يرفع الحكم التكليفي. و ممّا ذكرنا يظهر أنّ بطلان معاملات المكرَه ليس لأجل عدم استناد المعاملة إليه، بل لأجل اعتبار طيب النفس فيها، كما أنّ إسناد هدم الدار في المثال إلى المكره ليس لأجل الإكراه، بل لأجل كون الخدّام و الغلمان بمنزلة الآلات، كما أنّه مرّت الإشارة إلى أنّه لا يكون حديث رفع الإكراه رافعاً للحكم التكليفي مطلقاً، فهل يجوز الزنا بذات البعل مع الإكراه و التوعيد على مجرّد الضرر المالي و إن كان غير كثير؟ فتدبّر.

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للعلّامة البجنوردي 2: 35- 36.

(2) الفقيه 1: 36 ح 132، الخصال: 417 ح 9، التوحيد: 353 ح 24، الكافي 2: 463 ح 2، نوادر ابن عيسى: 74 ح 157، و عنها وسائل الشيعة 7: 293، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 1، و ج 8:

249، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 1 و 2، و ج 15: 369- 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 56 ح 1 و 3، و ج 23: 237، كتاب الأيمان ب 16 ح 3.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 166

الإكراه على إتلاف مال الغير أو قتل معصوم الدم

مسألة 69: لو اكره على إتلاف مال غيره كان الضمان على من أكرهه، و ليس عليه ضمان؛ لكون السبب أقوى من المباشر. هذا إذا لم يكن المال مضموناً؛ بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده، أو على إتلاف الوديعة التي عنده مثلًا. و أمّا إذا كان المال مضموناً في يده، كما إذا غصب مالًا فأكرهه شخص على إتلافه، فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك الرجوع على أيّهما شاء، فإن رجع على المكرِه- بالكسر- لم يرجع على المكرَه- بالفتح- بخلاف العكس. هذا إذا اكره على إتلاف المال. و أمّا لو اكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله، فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكرِه و إن كان عليه عقوبة؛ فإنّه لا إكراه في الدماء (1).

______________________________

(1) 1- في هذه المسألة فرعان: أحدهما: إتلاف مال الغير، و فيه صورتان: الاولى: إتلاف مال الغير مع عدم كونه مضموناً عليه؛ أي على المكرِه- بالكسر؛ بأن لم يكن تحت يده، أو كان تحت يده و لكن بنحو الوديعة، و ذكر في هذه الصورة أنّ الضمان على من أكرهه، و ليس على المتلف ضمان، و علّله بكون السبب أقوى من المباشر مع أنّك عرفت أنّ الاختيار لا ينافي الإكراه؛ فإنّ المكرَه- بالفتح- يفعل الفعل عن اختيار، غاية الأمر أنّ حديث الرفع يرفع الحرمة و الضمان، فعدم ثبوت ضمان المكرَه- بالفتح- مسلّم، لكن ثبوت

الضمان على المكرِه- بالكسر- مشكل؛ لعدم تحقّق الاستناد إليه بوجه. و قد عرفت أنّ شارب الخمر في الحقيقة هو المكرَه- بالفتح، و أمّا

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 167

..........

______________________________

المكرِه- بالكسر- فلا يستند إليه شرب الخمر بوجه، و لذا لا يترتّب الحدّ عليه، فالحكم بضمانه مشكل، و الحكم بعدم الضمان مطلقاً أشكل؛ فإنّه من البعيد جدّاً أن لا يكون في مورد الإكراه على إتلاف مال الغير ضمان أصلًا، اللّهمّ إلّا أن يقال:

إنّ نفس الإكراه يصحّح الإسناد، و فيه تأمّل. الثانية: إتلاف مال الغير مع كونه مضموناً بالإضافة إلى المتلف؛ لكونه غاصباً له، و قد استظهر «1» في هذه الصورة ثبوت الضمان عليهما، و أنّ للمالك الرجوع إلى أيّهما شاء بناءً على ثبوت ضمان المكرِه- بالكسر- في الصورة الاولى، التي استشكلنا فيها، غاية الأمر أنّه لو رجع إلى المكرِه- بالكسر- لم يرجع هو على المكرَه دون العكس؛ لأنّه كان ضامناً لأجل الغصب قبل الإتلاف، فالقرار عليه. ثانيهما: الإكراه على قتل أحد معصوم الدم، فقتله المكرَه- بالفتح- فإنّ الضمان على القاتل؛ لأنّه لا إكراه في الدماء، بل إنّما شرع الإكراه لأن يحقن به الدماء، فلا يشرع لإراقة الدم و إهراقه. و عليه: فالضمان على القاتل، و لا رجوع له على المكرِه و إن كان فيه عقوبة.

______________________________

(1) أي الماتن قدس سره.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 168

غصب المأكول و إطعامه للمالك

مسألة 70: لو غصب مأكولًا مثلًا فأطعمه المالك مع جهله بأنّه ماله؛ بأن قال له: «هذا ملكي و طعامي»، أو قدّمه إليه ضيافة مثلًا أو غصب شاة و استدعى من المالك ذبحها، فذبحها مع جهله بأنّه شاته، ضمن الغاصب و إن

كان المالك هو المباشر للإتلاف. نعم، لو دخل المالك دار الغاصب مثلًا و رأى طعاماً، فأكله على اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل، فالظاهر عدم ضمان الغاصب، و قد برئ من ضمان الطعام (1).

______________________________

(1) 1- لو غصب شيئاً مأكولًا مثلًا فأطعمه المالك مع جهله بأنّه ماله، و تغرير الغاصب إيّاه؛ لتصريحه بكون الطعام ملكاً لنفسه و طعاماً له، أو لظهور فعله في ذلك، كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة، فالضامن هو الغاصب المطعم و إن كان المباشر للإتلاف و أكل الطعام شخص المالك؛ ل «قاعدة الغرور» «1» الدالّة على أنّ المغرور يرجع إلى من غرّه. و لا يلزم في جريان القاعدة أن يكون موردها غير ملكه، فإذا كان موردها ملكه، فلا مانع من جريانها و إن كان في بادئ النظر لعلّه ربما يتوهّم الاختصاص. و كذا لو غصب شاة و استدعى من المالك الجاهل ذبحها، فذبحها المالك مع هذه الخصوصيّة، و استدرك في المتن مثل ما إذا دخل المالك دار الغاصب و رأى طعاماً فيه، فتصدّى لأكله من دون استدعاء صاحب الدار و لا إطعامه إيّاه، بل ربما كان

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره 1: 219- 236.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 169

..........

______________________________

جاهلًا بذلك و أنّ المالك يريد أكله. و استظهر فيه عدم ضمان الغاصب حينئذٍ، و أنّه بري ء من الضمان؛ نظراً إلى عدم جريان «قاعدة الغرور» هنا؛ لعدم التغرير بوجه، و مجرّد كون الغاصب ضامناً لا يقتضي ثبوت الضمان في الفرض بعد مباشرة المالك للإتلاف بهذه الكيفيّة، الراجعة إلى أداء العين المغصوبة إليه. و من الممكن في هذه الصورة أنّ الغاصب يريد الأداء و صيرورته نادماً عن

الغصب، فلا يتوهّم عدم الفرق بين هذه الصورة، و الفرض الأوّل.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 170

غصب المأكول و إطعامه غير للمالك

مسألة 71: لو غصب طعاماً من شخص و أطعمه غير المالك على أنّه ماله مع جهل الآكل بأنّه مال غيره، كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة مثلًا ضمن كلاهما؛ فللمالك أن يغرّم أيّهما شاء، فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل، و إن أغرم الآكل رجع على الغاصب؛ لأنّه قد غرّه (1).

______________________________

(1) 1- الوجه في ضمان كليهما واضح. أمّا الغاصب؛ فلكونه غاصباً، و قد عرفت «1» أنّ من أحكامه الضمان و لو تحقّق التلف في يد غيره. و أمّا الآكل؛ فلكونه متلفاً لمال غيره، و قد عرفت «2» ثبوت الضمان في موارد «قاعدة الإتلاف» و لو مع الجهل، كالإتلاف في حال النوم، مضافاً إلى جريان يده على العين المغصوبة، و قد مرّ «3» في بحث تعاقب الأيادي أنّه لا فرق بين صورة العلم و الجهل. و عليه: فيجوز للمالك أن يغرّم أيّهما شاء، غاية الأمر أنّه إذا رجع إلى الغاصب المضيف مثلًا، لا يرجع هو إلى الآكل، و إن رجع إلى الآكل يجوز له الرجوع إلى الغاصب، بمقتضى «قاعدة الغرور» و إن كان في نفسه ضامناً، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 16- 19.

(2) في ص 146.

(3) في ص 103- 107، المقام الأوّل.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 171

عدم ضمان الساعي و المشتكي إلى الظالم على أحد

مسألة 72: إذا سعى إلى الظالم على أحد، أو اشتكى عليه عنده بحقّ أو بغير حقّ، فأخذ الظالم منه مالًا بغير حقّ، لم يضمن الساعي و المشتكي ما خسره و إن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حقّ، و إنّما الضمان على من أخذ المال (1).

______________________________

(1) 1- في السعاية إلى الظالم بضرر إنسان، أو الشكاية عليه عنده- سواء كان بحقّ

أو بغير حقّ- إذا صارت السعاية و تلك الشكاية موجبة لأن يأخذ الظالم منه لنفسه مالًا، ففي المتن أنّه لم يضمن الساعي و المشتكي ما خسره ذلك الإنسان لأجل أخذ الظالم منه مالًا، بل الضمان على الظالم الآخذ له. غاية الأمر أنّ الساعي و كذا الشاكي آثمان إذا كانت الشكاية بغير حقّ، بل مطلقاً؛ و الوجه فيه: أنّ المباشر للإتلاف هو الظالم الآخذ، و ليس المورد من موارد تقديم السبب على المباشر، كما عرفت «1».

______________________________

(1) في ص 163- 167.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 172

تنازع المالك و الغاصب في القيمة

مسألة 73: إذا تلف المغصوب و تنازع المالك و الغاصب في القيمة، و لم تكن بيّنة، ففي أنّ القول قول الغاصب أو المالك تردّد ناشئ من التردّد في معنى «على اليد ما أخذت...»، و احتمال أن يكون نفس المأخوذ على عهدته حتّى بعد التلف، و يكون أداء المثل أو القيمة نحو اداء له، فيكون القول قول المالك بيمينه، و احتمال أن ينتقل بالتلف إلى القيمة، فيكون القول قول الغاصب بيمينه، و لا يخلو هذا من قوّة. و لو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن؛ بأن ادّعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه، أو حدوثها بعده و إن زالت فيما بعد، و أنكره الغاصب و لم تكن بيّنة، فالقول قول الغاصب بيمينه بلا إشكال (1).

______________________________

(1) 1- إذا تلف المغصوب القيميّ الذي لا بدّ من أداء قيمته بعد التلف، و تنازع المالك و الغاصب في القيمة، و لم تكن هناك بيّنة بنفع المالك المدّعي للزيادة طبعاً، ففي أنّ القول قول الغاصب، أو المالك، فقد تردّد فيه في المتن، و ذكر أنّ منشأ التردّد وجود الاحتمالين الموجبين

للتردّد في معنى قوله صلى الله عليه و آله: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي «1»: أحدهما: ما مرّت الإشارة إليه مراراً «2» من احتمال أن يكون نفس المأخوذ على عهدته حتّى بعد التلف، و يكون أداء المثل أو القيمة نحو أداءٍ له، و رتّب على هذا الاحتمال أن يكون القول قول المالك بيمينه؛ لأنّ مرجع النزاع حينئذٍ إلى أنّ أداء

______________________________

(1) تقدّم في ص 17.

(2) في ص 72، 93 و 112- 113.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 173

..........

______________________________

ما يدّعيه الغاصب هل يكون أداء ما عليه من العين، أم لا؟ و الأصل بقاء المأخوذ على عهدته حتّى يؤدّي ما يدّعيه المالك، فقوله موافق للأصل، و مع عدم البيّنة كما هو المفروض يكون القول قول المالك بيمينه. ثانيهما: احتمال أن ينتقل بمجرّد التلف إلى القيمة، فيكون القول قول الغاصب المدّعي لعدم الزيادة؛ لموافقته لأصالة عدم الزيادة، و نفى خلوّ هذا الوجه عن القوّة، و قد ذكرنا سابقاً «1» أنّ صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «2» أظهر في الدلالة على أنّ الملاك قيمة يوم الغصب لو فرض ظهور على اليد في الاحتمال الأوّل. و لو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن بالنحو المذكور في المتن، فمع عدم البيّنة لا ينبغي الإشكال في أنّ القول قول الغاصب؛ لموافقته لأصالة عدم الزيادة، فإذا تنازعا في وجود السمن للدابّة المغصوبة و عدمه في حال الغصب، أو في الفصل بين الغصب و التلف، يكون القول قول الغاصب الذي يدّعي عدم الزيادة طبعاً، و مجرّد كونه غاصباً لا يستلزم ترجيح المالك عليه في الدعوى، فالمورد من جملة موارد:

البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر «3»، كما لا

يخفى.

______________________________

(1) في ص 81- 85.

(2) في ص 81- 85.

(3) تفسير القمّي 2: 156، و عنه وسائل الشيعة 27: 293، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ذ ح 3.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 174

تنازع المالك و الغاصب فيما على الدابّة المغصوبة

مسألة 74: إن كان على الدابّة المغصوبة رحل، أو علّق بها حبل، و اختلفا فيما عليها، فقال المغصوب منه: هو لي، و قال الغاصب: هو لي، و لم يكن بيّنة، فالقول قول الغاصب مع يمينه؛ لكونه ذا يد فعليّة عليه (1).

______________________________

(1) 1- الوجه في اعتبار قول الغاصب مع يمينه كونه ذا يد فعليّة عليه، و مجرّد كونه غاصباً لا يستلزم سقوط يده عن الاعتبار و الأمارية. نعم، بالإضافة إلى العين المغصوبة لا تكون يده معتبرة؛ ضرورة أنّ ذلك لا يمنع عن بيع غير العين المغصوبة من الأعيان الاخر المرتبطة به معه، ففي موارد الشكّ- كالمثالين المذكورين في المتن- يقدّم قول الغاصب، كما أنّه يقدّم قوله بالإضافة إلى العين التي تكون مغصوبة لها واقعاً؛ لعدم اعتبار الإسلام في ثبوت أماريّة اليد على الملكيّة، فضلًا عن عدم كونه غاصباً بالنسبة إلى ما في يده مطلقاً، فقول الغاصب و يده معتبران بالنسبة إلى ما في يده في صورة الشكّ في أنّه غاصب له، كما لا يخفى. نعم، فيما علم كونه مغصوباً بضميمة العين المغصوبة، لا يترتّب على يده الملكيّة و غيرها من الآثار.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 175

..........

______________________________

تمّ بحمد اللّٰه هذا الجزء من شرح تحرير الوسيلة من كتاب تفصيل الشريعة، و أنا العبد الفاني محمّد الفاضل اللنكراني، غفر له و لوالديه، و جعل مستقبل أمره خيراً من ماضيه، و

من اللّٰه الاستعانة لتكميل سائر الأجزاء، بحقّ وليّ اللّٰه الأعظم عجّل اللّٰه تعالى فرجه الشريف، الذي تكون هذه الأيّام متعلّقة به، و أرجو من اللّٰه أن يشفي أمراضي الكثيرة، و أن يجعل عاقبة أمري محمودة حسنة سليمة، و كان تاريخ الفراغ 21 شعبان المعظّم 1424، و يعجّل في فرج وليّه بحقّه و بحقّ آبائه الطاهرين، صلوات اللّٰه عليهم أجمعين، و الحمد للّٰه خير ختام. و تمّ بحمد اللّٰه تدريسه و مراجعته ثانياً، و إلحاق بعض المطالب إليه، فللّٰه- تعالى- الحمد و الشكر على توفيقنا لذلك في ذكرى ميلاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، المصادف الثامن من شهر ربيع الثاني من سنة 1426، حيث كانت هذه الأيّام مصادفة ليوم ارتحال والدتي المعظّمة، فالمرجوّ من الناظرين الاستغفار لها، و طلب حشرها مع أجدادها الطيّبين الطاهرين؛ لأنّ لها حقّاً عظيماً عليَّ، خصوصاً بعد وفاة والدي المكرّم، غفر اللّٰه له و لأبويه بحقّهم أجمعين.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 177

كتاب إحياء الموات و المشتركات

اشارة

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 179

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*

القول في إحياء الموات

اشارة

الموات هي الأرض العطلة التي لا ينتفع بها، إمّا لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلاء المياه، أو الرمال، أو السبخ، أو الأحجار عليها، أو لاستئجامها و التفاف القصب و الأشجار بها، أو لغير ذلك، و هو على قسمين (1):

______________________________

(1) 1- لا شبهة في أنّ الموات بالفتح أو بالضمّ، الذي يبحث عنه في هذا الكتاب هو الموات من الأراضي، لا من الأشياء الاخر، كما أنّه لا شبهة في عدم ثبوت حقيقة شرعيّة لهذا العنوان و إن قلنا بثبوتها بالنسبة إلى ألفاظ العبادات، بل و المعاملات، بل اللازم الرجوع في معناه إلى العرف، و في جملة غير قليلة من الكتب الفقهيّة «1»،

______________________________

(1) المختصر النافع: 375، الجامع للشرائع: 374، تحرير الأحكام 4: 484، الرقم 6096، قواعد الأحكام 2: 276، الدروس الشرعيّة 3: 56، اللمعة الدمشقيّة: 146، مسالك الأفهام 12: 423، الروضة البهيّة 7: 165، كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 2: 557، جواهر الكلام 38: 9 و 65.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 180

..........

______________________________

خصوصاً المحقّق في الشرائع تعريف الموات بذلك «1». و لكن في بعض الكتب اللغويّة- كالمحكي عن الصحاح و المصباح- أنّه الأرض التي لا مالك لها و لا ينتفع بها أحد «2»، بل عن القاموس: الاقتصار على الأوّل «3»، مع أنّه من الواضح: أنّ ثبوت المالك و عدمه لا دخل له في عنوان الأرض، فلا بدّ من أن يقال: إنّ مراد الجميع واحد. نعم، لا بدّ من تقييد التعريف المذكور كما في الجواهر «4» بأن يكون ذلك على وجه يعدّ مواتاً عرفاً، و إلّا فقد يتّفق ذلك

في الأرض العامرة عرفاً كما هو واضح، فانقدح أنّ المراد بالموات من الأرض هي العطلة التي لا ينتفع بها عادةً لأجل أحد الامور المذكورة في المتن، أو لغيرها ممّا يشابهها، و كان الانتفاع بها كذلك متوقّفاً على تحمّل رفع الموانع و إيجاد جملة من العمليات المؤثّرة في الانتفاع.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 275.

(2) الصحاح 1: 254، المصباح المنير: 584.

(3) القاموس المحيط 1: 213.

(4) جواهر الكلام 38: 10.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 181

تقسيم الموات من الأرض

الأوّل: الموات بالأصل؛ و هو ما لا يكون مسبوقاً بالملك و الإحياء و إن كان إحراز ذلك غالباً بل مطلقاً مشكلًا، بل ممنوعاً، و يلحق به ما لم يعلم مسبوقيّته بهما. الثاني: الموات بالعارض؛ و هو ما عرض عليه الخراب و الموتان بعد الحياة و العمران، كالأرض الدارسة التي بها آثار الأنهار و نحوها، و القرى الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة (1).

______________________________

(1) 1- قد قسّم في المتن الموات من الأراضي إلى قسمين: القسم الأوّل: الموات بالأصل؛ و هو ما علم عدم كونه مسبوقاً بالملك و الإحياء التي هي سبب للملك، كما يأتي «1» إن شاء اللّٰه تعالى، و لأجله يكون إحراز ذلك غالباً- بل مطلقاً- لأجل طول الأزمنة الكثيرة مشكلًا، بل ممنوعاً كما في المتن. نعم، ذكر فيه أنّه يلحق به ما لم يعلم مسبوقيّته بهما، و لعلّه لأجل جريان استصحاب عدم حدوث الملكيّة، و عدم عروض الإحياء بعد ثبوت الشكّ، و كونهما أمرين حادثين، و إلّا فلا وجه للّحوق. القسم الثاني: الموات بالعارض؛ و هو كما يظهر من عنوانه ما عرض عليه الخراب و الموتان بعد الحياة و العمران، كالمثالين المذكورين في المتن، و قد مرّ

أنّ المحكي عن القاموس أنّ المراد بالأرض الموات ما لا مالك لها، و عرفت أيضاً أنّ وجود المالك و عدمه لا دخل له في تحقّق هذا العنوان؛ لأنّه كسائر العناوين الملحوظة مع قطع النظر عن إضافة الملكيّة المتأخّرة عنها، كما لا يخفى. و عليه: فالمراد بالموات ما ذكر في أوّل البحث؛ و هو على قسمين كما في المتن.

______________________________

(1) في ص 185- 186.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 182

كون الموات بالأصل من الأنفال

مسألة 1: الموات بالأصل و إن كان للإمام عليه السلام، حيث إنّه من الأنفال كما مرّ في كتاب الخمس، لكن يجوز في زمان الغيبة لكلّ أحد إحياؤه مع الشروط الآتية و القيام بعمارته، و يملكه المحيي على الأقوى؛ سواء كان في دار الإسلام أو في دار الكفر، و سواء كان في أرض الخراج- كأرض العراق- أو في غيرها، و سواء كان المحيي مسلماً أو كافراً (1).

______________________________

(1) 1- قد مرّ «1» في كتاب الخمس و الأنفال من هذا الشرح أنّ الموات بالأصل للإمام عليه السلام؛ لأنّه من الأنفال، و ذكر المحقّق في الشرائع في هذا البحث أنّ الموات للإمام عليه السلام لا يملكه أحد و إن أحياه ما لم يأذن له الإمام عليه السلام، و إذنه شرط، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلماً، و لا يملكه الكافر. و لو قيل: يملكه مع إذن الإمام عليه السلام كان حسناً «2». و قد تقدّم في كتاب الأنفال «3» أنّه يجوز في زمان الغيبة لكلّ أحد- سيّما المسلم، و خصوصاً الشيعة- الإحياء، و يملكه المحيي، من دون فرق بين أن يكون في دار الإسلام، و بين أن يكون في دار الكفر، و كذا من

دون فرق بين الأراضي الخراجيّة التي يتعلّق بها الخمس، و بين غيرها. و كذا لا فرق بين أن يكون المحيي مسلماً أو كافراً، و مجرّد إباحة مال الكافر الحربي لا يستلزم عدم كونه مالكاً، كسائر الموارد التي يجوز أخذ ماله مع بقائه على

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الخمس و الأنفال: 307.

(2) شرائع الإسلام 3: 271.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الخمس و الأنفال: 321- 323.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 183

..........

______________________________

ملكيّته قبل الأخذ. و ينبغي هنا الإشارة إلى أنّه قد تقدّم في كتاب الأنفال «1» أنّ هناك سوى آيتي الخمس و الأنفال بعض الآيات الواردة في سورة الحشر و موردها الفي ء، و أنّ الجمع بينها صعب و مشكل و إن تصدّى بعض أساطين التفسير لبيان الجمع «2»، و لكن ببالي أنّ الوصول إلى هذا الأمر مشكل غايته، خصوصاً مع ملاحظة بعض النكات التي ذكرناها هناك، فراجع.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الخمس و الأنفال: 291- 306.

(2) الميزان في تفسير القرآن 19: 203.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 184

الموات بالعارض

مسألة 2: الموات بالعارض الذي كان مسبوقاً بالملك و الإحياء إذا لم يكن له مالك معروف على قسمين: الأوّل: ما باد أهلها و صارت بسبب مرور الزمان و تقادم الأيّام بلا مالك، و ذلك كالأراضي الدارسة و القرى و البلاد الخربة و القنوات الطامسة التي كانت للُامم الماضين، الذين لم يبق منهم اسم و لا رسم، أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلّا الاسم. الثاني: ما لم تكن كذلك، و لم تكن بحيث عدّت بلا مالك، بل كانت لمالك

موجود و لم يعرف شخصه، و يقال لها: مجهولة المالك. فأمّا القسم الأوّل: فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال، و أنّه يجوز إحياؤه و يملكه المحيي، فيجوز إحياء الأراضي الدارسة التي بقيت فيها آثار الأنهار و السواقي و المروز، و تنقية القنوات و الآبار المطمومة، و تعمير الخربة من القرى و البلاد القديمة التي بقيت بلا مالك، و لا يعامل معها معاملة مجهول المالك، و لا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه، بل يملكها المحيي و المعمّر بنفس الإحياء و التعمير. و أمّا القسم الثاني: فالأحوط الاستئذان فيه من الحاكم في الإحياء و القيام بتعميره و التصرّف فيه، كما أنّ الأحوط معاملة مجهول المالك معه؛ بأن يتفحّص عن صاحبه و بعد اليأس يشتري عينها من حاكم الشرع و يصرف ثمنها على الفقراء، و إمّا أن يستأجرها منه بأُجرة معيّنة، أو يقدّر ما هو اجرة مثلها لو انتفع بها، و يتصدّق بها على الفقراء، و الأحوط الاستئذان منه.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 185

نعم، لو علم أنّ مالكها قد أعرض عنها، أو انجلى عنها أهلها و تركوها لقوم آخرين، جاز إحياؤها و تملّكها بلا إشكال (1).

..........

______________________________

(1) 1- قد عرّف الموات بالعارض بما إذا كان مسبوقاً بالملك و الإحياء و لم يكن له مالك معروف، و قد قسّمه إلى قسمين، لكن ينبغي قبل التعرّض لهما و لأحكامهما من بيان أنّ أدلّة حصول الملك بالإحياء لا تختصّ بالموات بالأصالة؛ فإنّ الأصل في ذلك ما رواه جماعة من أجلّاء الرواة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: من

أحيا أرضاً مواتاً فهي له «1». و من الواضح: عدم اختصاص الموات بالموات بالأصالة، خصوصاً مع أنّ إحرازه مشكل جدّاً- كما عرفت «2»- إلّا بمعونة الاستصحاب. و رواه في الوسائل في باب واحد مرّتين مشعراً بالتعدّد «3»، مع أنّه من الواضح كما ذكرنا مراراً العدم، و مثلها روايات متعدّدة اخرى «4»، و في بعضها التصريح بالموات بالعارض؛ مثل: صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها، ما ذا عليه؟ قال: عليه الصدقة «5»، الحديث.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 152 ح 673، الاستبصار 3: 107 ح 380، الكافي 5: 279 ح 4، و عنها وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات ب 1 ح 5، و يأتي مثله في ص 225.

(2) في ص 181.

(3) الكافي 5: 279 ح 3، و عنه وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات ب 1 ح 6.

(4) وسائل الشيعة 25: 411- 413، كتاب إحياء الموات ب 1، مستدرك الوسائل 17: 111- 112، كتاب إحياء الموات ب 1.

(5) تهذيب الأحكام 7: 148 ح 658، و عنه وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات ب 1 ح 2.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 186

..........

______________________________

و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمّروها فهم أحقّ بها «1». و في صحيحة أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام: «إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» «2» أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض،

و نحن المتّقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها، و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، فإن تركها و أخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها و أحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها حتّى يظهر القائم عليه السلام من أهل بيتي بالسيف، فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و منعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا؛ فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، و يترك الأرض في أيديهم «3». و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال. و ممّا ذكرنا ظهر أنّ القسم الأوّل من القسمين بحكم الموات بالأصالة في كونه من الأنفال، و حصول التملّك بالإحياء، و لا مجال لأن يعامل معه معاملة مجهول المالك، بل لا يحتاج إلى الإذن من الحاكم، أو الشراء، أو الاستئجار منه؛ لتحقّق الملكيّة بنفس الإحياء و التعمير على ما هو ظاهر الروايات التي تقدّم بعضها. و أمّا القسم الثاني: فقد احتاط فيه وجوباً بمعاملة مجهول المالك معه؛

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 149 ح 659، و عنه وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات ب 1 ح 3.

(2) سورة الأعراف 7: 128.

(3) الكافي 5: 279 ح 5، تهذيب الأحكام 7: 152 ح 674، الاستبصار 3: 108 ح 382، و عنها وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات ب 3 ح 2.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 187

..........

______________________________

بأن يتفحّص عن صاحبه المعلوم إجمالًا و إن لم يعرف عيناً، و لعلّه لشمول أدلّة مجهول

المالك للمورد، و عدم الدليل على الاختصاص بغير الأرض، و بعد ذلك احتاط وجوباً بالمراجعة إلى الحاكم و الاستئذان منه في الإحياء و التعمير- كما هو كذلك في مطلق مجهول المالك- و شراء عين الأرض منه و صرف ثمنه إلى الفقراء، أو الاستئجار منه إلّا مع العلم بإعراض المالك عنه، أو انجلاء أهلها عنها و تركها لقوم آخرين، فعند ذلك يملك بالإحياء.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 188

الأرض التي طرأ عليها الخراب

مسألة 3: إن كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم، فإن أعرض عنه مالكه كان لكلّ أحد إحياؤه و تملّكه. و إن لم يعرض عنه، فإن أبقاه مواتاً للانتفاع به في تلك الحال؛ من جهة تعليف دوابّه، أو بيع حشيشه أو قصبه و نحو ذلك- فربما ينتفع منه مواتاً أكثر ممّا ينتفع منه محياة- فلا إشكال في أنّه لا يجوز لأحد إحياؤه و التصرّف فيه بدون إذن مالكه، و كذا فيما إذا كان مهتمّاً بإحيائه عازماً عليه، و إنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات و تهيئة الأسباب المتوقّعة الحصول، أو لانتظار وقت صالح له. و أمّا لو ترك تعمير الأرض و إصلاحها و أبقاها إلى الخراب؛ من جهة عدم الاعتناء بشأنها، و عدم الاهتمام و الالتفات إلى مرمّتها، و عدم عزمه على إحيائها؛ إمّا لعدم حاجته إليها، أو لاشتغاله بتعمير غيرها، فبقيت مهجورة مدّة معتدّاً بها حتّى آلت إلى الخراب، فإن كان سبب ملك المالك غير الإحياء- مثل أنّه ملكها بالإرث أو الشراء- فليس لأحد وضع اليد عليها و إحياؤها و التصرّف فيها إلّا بإذن مالكها. و لو أحياها أحد و تصرّف فيها، و انتفع بها بزرع أو غيره، فعليه اجرتها لمالكها،

و إن كان سبب ملكه الإحياء؛ بأن كانت أرضاً مواتاً بالأصل، فأحياها و ملكها ثمّ بعد ذلك عطّلها و ترك تعميرها حتّى آلت إلى الخراب فجوّز إحياءها لغيره بعضهم، و هو في غاية الإشكال، بل عدمه لا يخلو من قوّة (1).

______________________________

(1) 1- الأرض التي طرأ عليها الخراب، و كان مالكها موجوداً معلوماً بالتفصيل تتصوّر فيها صور: الاولى: ما إذا أعرض عنها المالك كالإعراض عن الملك في سائر الموارد، و في

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 189

..........

______________________________

هذه الصورة يجوز لكلّ أحد الإحياء و التملّك؛ لصيرورتها حينئذٍ كالمباحات الأصليّة بعد فرض تأثير الإعراض في سلب الملكيّة. الثانية: ما إذا لم يعرض عنها، بل أبقاها كذلك للانتفاع بها في تلك الحال من جهة التعليف، أو بيع الحشيش و نحو ذلك؛ من دون فرق بين ما إذا كان الانتفاع كذلك أقلّ أو أكثر، أو على نحو التساوي، ففي هذه الصورة لا يجوز لأحد الإحياء و التصرّف فيه بدون إذن المالك؛ لفرض معلوميّة المالك و عدم الإعراض بوجه، و لا يلاحظ في هذه الصورة سبب الملكيّة، و أنّه كان هو الإحياء أو غيرها من الشراء و الإرث و نحوهما، و الوجه فيه واضح، كما أنّه لا مجال لتوهّم شمول أدلّة حصول الملكيّة بالإحياء لهذه الصورة بعد وجود المالك و معلوميّته بالتفصيل كما هو المفروض. الثالثة: ما إذا كان مهتمّاً بإحيائها و عازماً عليها، و إنّما كان تأخير الاشتغال بذلك للُامور المذكورة في المتن، و الحكم في هذه الصورة هو الحكم في الصورة السابقة؛ من عدم جواز إحيائها لغير المالك، و التصرّف فيها بدون إذنه، و الوجه فيه هو الوجه المذكور هناك. الرابعة: ما لو

ترك تعمير الأرض و إصلاحها، و أبقاها إلى الخراب من جهة عدم الاعتناء بشأنها، و عدم الالتفات إلى مرمّتها لأجل بعض الامور المذكورة في المتن. و قد فصّل الماتن قدس سره في هذه الصورة بين ما إذا كان سبب ملك المالك غير الإحياء؛ كالإرث و الشراء و مثلهما، فلا يجوز لأحد حينئذٍ الإحياء و التصرّف بدون إذن المالك، فلو تصرّف فيها أحد و الحال هذه يكون عليه اجرتها لمالكها. و بين ما إذا كان سبب ملكه الإحياء؛ بأن كانت أرضاً مواتاً بالأصل فأحياها

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 190

..........

______________________________

و ملكها، ثمّ بعد ذلك عطّلها، فقد نقل عن بعض «1» جواز الإحياء في هذا الفرض، ثمّ قال: و هو في غاية الإشكال، بل عدمه لا يخلو من قوّة، و لعلّ الوجه فيه ظهور أنّ أدلّة حصول الملكيّة بالإحياء لا تشمل المقام بعد وجود المالك و معلوميّته بالتفصيل. و توهّم أنّه لا فرق بين هذه الحالة، و الحال التي ملك فيها بالإحياء، مدفوع بوضوح الفرق، مضافاً إلى جريان استصحاب ملكيّة المالك الأوّلي، فالظاهر عدم جواز الإحياء و التصرّف فيها لغير المالك. كما أنّ ما دلّ على أنّ موتان الأرض للّٰه و لرسوله صلى الله عليه و آله «2»، و ما دلّ على أنّ الأرض كلّها للإمام عليه السلام «3» لا يقتضيان جواز الإحياء بعد الفرض المزبور، بناءً على ما عرفت «4» من عدم شمول أدلّة الإحياء لما إذا كان المالك موجوداً و معلوماً بالتفصيل، بل في صورة العلم الإجمالي به يعامل مع الأرض معاملة مجهول المالك كسائر الأموال؛ لعدم الفرق.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 2: 401، مسالك الأفهام 12: 396- 400، جامع المقاصد

7: 17، مفاتيح الشرائع 3: 23، كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 2: 547- 548.

(2) السنن الكبرى للبيهقي 9: 91- 92 ح 12004، عوالي اللئالي 3: 480 ح 1، و عنه مستدرك الوسائل 17: 111، كتاب إحياء الموات ب 1 ملحق ح 20903.

(3) الكافي 1: 408 ح 3، تهذيب الأحكام 4: 144 ح 403، و عنهما وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال ب 4 ح 12، و قد تقدّم ما يدلّ على ذلك في ص 186.

(4) في ص 186.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 191

جواز إحياء القرى و البلاد التي باد أهلها

مسألة 4: كما يجوز إحياء القرى الدارسة و البلاد القديمة التي باد أهلها و صارت بلا مالك؛ بجعلها مزرعاً أو مسكناً أو غيرهما، كذا يجوز حيازة أجزائها الباقية من أحجارها و أخشابها و آجرها و غيرها، و يملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملّك (1).

______________________________

(1) 1- لما عرفت في بعض المسائل المتقدّمة «1» من كونها بحكم الأنفال، فتجوز الحيازة بقصد التملّك، كما يجوز الإحياء و تحقّق الملك بعدها.

______________________________

(1) في ص 185- 186.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 192

طروء الموتان و الخراب على الأرض الموقوفة

مسألة 5: لو كانت الأرض موقوفة و طرأ عليها الموتان و الخراب، فإن كانت من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفيّة وقفها، و أنّها خاصّ أو عامّ، أو وقف على الجهات، و لم يعلم من الاستفاضة و الشهرة غير كونها وقفاً على أقوام ماضين لم يبقَ منهم اسم و لا رسم، أو قبيلة لم يعرف منهم إلّا الاسم، فالظاهر أنّها من الأنفال، فيجوز إحياؤها، كما إذا كان الموات المسبوق بالملك على هذا الحال. و إن علم أنّها وقف على الجهات و لم تتعيّن؛ بأن علم أنّها وقف إمّا على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها، و لم يعلمها بعينها، أو علم أنّها وقف على أشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم و أعيانهم؛ كما إذا علم أنّ مالكها قد وقفها على ذرّيّته، و لم يعلم مَن الواقف و مَن الذرّيّة، فالظاهر أنّ ذلك بحكم الموات المجهول المالك، الذي نسب إلى المشهور القول بأنّه من الأنفال، و قد مرّ ما فيه من الإشكال، بل القول به هنا أشكل. و الأحوط الاستئذان من الحاكم لمن أراد إحياءها و تعميرها و الانتفاع بها بزرع أو

غيره، و أن يصرف اجرة مثلها في الأوّل في وجوه البرّ، و في الثاني على الفقراء، بل الأحوط خصوصاً في الأوّل مراجعة حاكم الشرع. و أمّا لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه، أو الموقوف عليهم، فلا ينبغي الإشكال في أنّه لو أحياه أحد و عمّره وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأوّل، و دفعها و إيصالها إلى الموقوف عليهم المعلومين في الثاني، و إن كان المتولّي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه و تعميره و مرمّته

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 193

إلى أن آل إلى الخراب، لكن ليس لأحد الإحياء و التصرّف فيه مع وجود المتولّي المعلوم إلّا بإذنه، أو الاستئذان من الحاكم مع عدمه في الأوّل، و من المتولّي أو الموقوف عليهم إن كان خاصّاً، أو الحاكم إن كان عامّاً في الثاني (1).

..........

______________________________

(1) 1- لو كانت الأرض موقوفة و طرأ عليها الموتان و الخراب، ففيها صور: الاولى: ما إذا كانت من الموقوفات القديمة الدارسة و لم يعلم كيفيّة وقفها، و أنّها خاصّ أو عامّ، أو وقف على الجهات و العناوين، كالعلماء و الفقراء مثلًا. غاية الأمر حصول العلم أو الاطمئنان الذي يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم من طريق الاستفاضة و الشهرة بكونه وقفاً على أقوام ماضين لم يبق منهم اسم و لا رسم، أو قبيلة لم يعرف منهم إلّا الاسم، فاستظهر أنّها من الأنفال، فيجوز إحياؤها، كما إذا كان الموات المسبوق بالملك على هذه الحالة، كما مرّ «1» في بعض المسائل المتقدّمة. الثانية: ما إذا علم أنّها وقف على الجهات و لم تتعيّن تلك الجهات، كالمثال المذكور في المتن، أو علم أنّها وقف على أشخاص

لكن لا يعرفهم بالخصوصيّات المميّزة، كما إذا علم أنّ المالك الواقف قد وقفها على ذرّيّته، و لكن لم يعلم مَن المالك و مَن الذرّيّة. و قبل التعرّض لما استظهر لا بدّ من التنبيه على أمر؛ و هو أنّه في صورة الوقف على الجهات لا بدّ من فرض ما إذا لم يمكن الاحتياط بالإضافة إلى المجموع، و إلّا فلو فرض ذلك لا بدّ من الاحتياط، كما إذا دار أمر الجهات بين العلماء و الفقراء؛ فإنّه في هذه الصورة يمكن الاحتياط بالإيصال إلى العالم الفقير الذي يكون مجمعاً للعنوانين، و مصداقاً للجهتين كما هو واضح. و كيف كان، فقد استظهر أنّه بحكم الموات المجهول المالك الذي نسب إلى

______________________________

(1) في ص 186- 187.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 194

..........

______________________________

المشهور «1» القول بأنّه من الأنفال، قائلًا: إنّه قد مرّ ما فيه من الإشكال، بل القول به هنا أشكل. أقول: أمّا وجه الإشكال، فلما عرفت «2» من أنّ أدلّة مجهول المالك الذي يكون له أحكام خاصّة، لا تقصر عن الشمول للأراضي، و لا تختصّ بغيرها. و أمّا وجه الأشكليّة؛ أي الأشديّة من جهة الإشكال؛ فلأنّ كون الموضوع هي الأرض الموقوفة- و في طبعها البقاء و الدوام- يمنع من الخروج عن هذا العنوان، و صيرورتها ملكاً للغير بالإحياء و نحوها. و لذا يختصّ جواز بيع العين الموقوفة بموارد خاصّة مذكورة في محلّها «3»؛ و لأجل ذلك احتاط وجوباً بالاستئذان من الحاكم لمن أراد إحياءها و تعميرها و الانتفاع بها بزرع أو غيره، و أن يصرف اجرة مثلها في الأوّل الذي لا تتعيّن تلك الجهات بوجه في وجوه البرّ، و في الثاني الذي لا يعلم الأشخاص

على الفقراء. الثالثة: ما لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه، أو الموقوف عليهم، و لا إشكال في هذه الصورة أنّه لو أحياه أحد و عمّره وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأوّل، و الدفع و الإيصال إلى الموقوف عليهم في الثاني. الرابعة: ما إذا كان المتولّي أو الموقوف عليهم تاركين الإصلاح بالمرّة، و في هذه الصورة لا يجوز لأحد الإحياء و التصرّف إلّا بإذن المتولّي أو الحاكم في الأوّل، و من المتولّي أو الموقوف عليهم إن كان خاصّاً، أو الحاكم إن كان عامّاً في الثاني، و الوجه

______________________________

(1) انظر مفاتيح الشرائع 3: 20، و جواهر الكلام 38: 27، و كتاب الخمس للشيخ الأنصاري (تراث الشيخ الأعظم): 352.

(2) في ص 186- 187.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوقف: 79 و 82- 87.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 195

..........

______________________________

فيه ظاهر.

كون الموات بالأصل حريماً لعامر

مسألة 6: إذا كان الموات بالأصل حريماً لعامر مملوك، لا يجوز لغير مالكه إحياؤه، و إن أحياه لم يملكه، و توضيح ذلك: أنّ من أحيا مواتاً لإحداث شي ء من دار أو بستان أو مزرع أو غيرها، تبع ذلك الشي ء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشي ء الحادث؛ ممّا يحتاج إليه لتمام الانتفاع به، و يتعلّق بمصالحه عادةً، و يسمّى ذلك المقدار التابع حريماً لذلك المتبوع، و يختلف مقدار الحريم زيادةً و نقيصةً باختلاف ذي الحريم؛ و ذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح و المرافق المحتاج إليها. فما يحتاج إليه الدار من المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج إليه البئر و النهر مثلًا، و هكذا باقي الأشياء، بل يختلف ذلك باختلاف البلاد و

العادات أيضاً، فإذا أراد شخص إحياء حوالي ماله الحريم لا يجوز له إحياء مقدار الحريم، بدون إذن المالك و رضاه، و إن أحياه لم يملكه و كان غاصباً (1).

(1) 1- قال المحقّق في الشرائع بعد تقسيم الأرض إلى العامرة و الموات: فالعامرة ملك لمالكه لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنه. و كذا ما به صلاح العامر؛ كالطريق و الشرب و القناة «1». و استثنى صاحب الجواهر قدس سره من عدم الجواز ما يجوز للمسلمين تملّكه من مال الحربي؛ مستنداً في عدم الجواز فيما به صلاح العامر إلى أنّ ذلك كلّه من العامر الذي هو ملك لمالكه «2».

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 271.

(2) جواهر الكلام 38: 9.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 196

..........

______________________________

و توضيح ذلك كما في المتن: أنّه في موارد جواز التملّك بالإحياء- كما فيمن أراد إحداث دار أو بستان أو غيرهما- يتبع الأرض التي أحياها و ملكها به مقدار من الأرض التي لم يحيها، و لكن تكون قريبة من ذلك الشي ء و الحادث ممّا يحتاج إليه لتمام الانتفاع به، و تتعلّق بمصالحه عادةً، و يسمّى ذلك المقدار التابع حريماً لذلك المتبوع، كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى. و سيأتي أيضاً اختلاف مقدار الحريم زيادةً و نقيصةً باختلاف ذي الحريم، و تفاوت الأشياء في المصالح و المرافق، و كذا باختلاف البلاد و العادات، فاللازم حينئذٍ على فرض تعلّق الغرض بالإحياء، إمّا تحصيل إذن المالك و رضاه، و إمّا أن يحيي ما لا يكون حريماً؛ ضرورة أنّه لا يجتمع ثبوت الحريم مع جواز تعلّق الإحياء به و صيرورتها مملّكة، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة،

ص: 197

حريم الأشياء

مسألة 7: حريم الدار مطرح ترابها و كناستها و رمادها، و مصبّ مائها، و مطرح ثلوجها، و مسلك الدخول و الخروج منها في الصوب الذي يفتح إليه الباب، فلو بنى داراً في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها، فليس لأحد أن يُحيي هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار، و ليس المراد من استحقاق الممرّ في قبالة الباب، استحقاقه على الاستقامة و على امتداد الموات، بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل و يخرج إلى الخارج بنفسه و عياله و أضيافه و ما تعلّق به؛ من دوابّه و أحماله و أثقاله بدون مشقّة بأيّ نحوٍ كان، فيجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممرّ و لو بانعطاف و انحراف. و حريم الحائط- لو لم يكن جزءاً من الدار؛ بأن كان مثلًا جدار حِصاد أو بستان، أو غير ذلك- مقدار ما يحتاج إليه لطرح التراب و الآلات، و بلّ الطين لو انتقض و احتاج إلى البناء و الترميم. و حريم النهر مقدار مطرح طينه و ترابه إذا احتاج إلى التنقية، و المجاز على حافّتيه للمواظبة عليه، و لإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه. و حريم البئر ما تحتاج إليه لأجل السقي منها و الانتفاع بها من الموضع الذي يقف فيه النازح إن كان الاستقاء منها باليد، و موضع الدولاب و متردّد البهيمة إن كان الاستقاء بهما، و مصبّ الماء و الموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض و نحوه، و الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين و غيره لو اتّفق الاحتياج إليه. و حريم العين ما تحتاج إليه لأجل الانتفاع

بها أو إصلاحها و حفظها

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 198

على قياس غيرها (1).

..........

______________________________

(1) 1- قد مرّت في المسألة السابقة الإشارة إلى ثبوت الحريم للأشياء و اختلافها في ذلك، و أنّ إحياء الحريم لا تؤثّر في ملكيّتها، و اللازم هنا التنبيه على أنّه لم يرد دليل خاصّ بالإضافة إلى مقدار حريم الأشياء حتّى تجب متابعته، و الضابط في ذلك ما أشار إليه المحقّق في عبارته المتقدّمة، غاية الأمر لزوم تعميم العامر لما قد تحقّقت ملكيّته بالإحياء؛ ضرورة أنّه لا فرق في ثبوت الحريم بين حصول الملكيّة بغير الإحياء أو بالإحياء. و عليه: فما ذكره في هذه المسألة ليس فيه تعبّد خاصّ، بل بيان ما يحكم العرف بصلاحه للمحياة، كما أنّه لا بدّ من بيان أنّ الآبار العميقة المستحدثة في هذه الأزمنة على كثرتها لا يكون حريمها المقدار المذكور في المتن، بل المقدار الذي يحكم به العرف و يتوقّف عليه صلاحه عادةً و إن كان مختلفاً بحسب العادات، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 199

حريم البئر و العين و القناة

مسألة 8: لكلّ من البئر و العين و القناة- أعني بئرها الأخيرة التي هي منبع الماء، و يقال لها بئر العين و امّ الآبار، و كذا غيرها إذا كان منشأً للماء حريم آخر بمعنى آخر؛ و هو المقدار الذي ليس لأحد أن يحدث بئراً أو قناة اخرى فيما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما، بل الأحوط لحاظ الحريم كذلك بين القناتين مطلقاً، و إن كان الجواز في غير ما ذكر أشبه، و هو في البئر أربعون ذراعاً إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل و نحوها منها، و ستّون ذراعاً

إذا كان لأجل الزرع و غيره. فلو أحدث شخص بئراً في موات من الأرض، لم يكن لشخص آخر إحداث بئر اخرى في جنبها بدون إذنه، بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعاً أو ستّين فما زاد على ما فصّل، و في العين و القناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة، و ألف ذراع في الأرض الرخوة، فإذا استنبط إنسان عيناً أو قناةً في أرض موات صلبة، و أراد غيره حفر اخرى تباعد بخمسمائة ذراع، و إن كانت رخوة تباعد بألف ذراع، و لو فرض أنّ الثانية تضرّ بالاولى و تنقص ماءها مع البعد المزبور، فالأحوط لو لم يكن الأقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر، أو التراضي مع صاحب الاولى (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة متعرّضة لحريم كلّ من البئر و العين و القناة بالمعنى المذكور في المتن بالإضافة إلى إيجاد مشابهه، و إلّا فبالنسبة إلى إحياء الموات لزرع أو بناء أو مثلهما فقد تعرّض له في المسألة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى، و قد عرفت أنّه ليس هناك تعبّد خاصّ في الحريم حتّى تلزم رعايته، بل كما صرّح به في ذيل المسألة أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى زيادة البُعد- أي على الحدّ المعروف- بما

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 200

..........

______________________________

يندفع به الضرر، أو التراضي مع صاحب الأُولى. و كيف كان، فقد ورد في هذا المجال روايات: منها: صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: حريم البئر العادية أربعون ذراعاً حولها «1». و الظاهر أنّ توصيف البئر بالعادية لا يكون المقصود به إلّا ما كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل و الغنم و

مثلهما، كما هو كذلك نوعاً. و منها: رواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يكون بين البئرين إذا كانت أرضاً صلبة خمسمائة ذراع، و إن كانت أرضاً رخوة فألف ذراع «2». و منها: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قال: ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعاً، و ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستّون ذراعاً، و ما بين العين إلى العين- يعني القناة- خمسمائة ذراع، و الطريق يتشاحّ عليه أهله، فحدّه سبع أذرع «3». و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قضى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: أنّ البئر حريمها أربعون ذراعاً، لا يحفر إلى جانبها بئر اخرى لعطن أو غنم «4». و مقتضى الإطلاق في بعضها لزوم رعاية الحريم و لو مع إذن صاحب الحريم، لكنّ الانصراف يقتضي الحمل على صورة عدم الإذن.

______________________________

(1) الكافي 5: 295 ح 5، تهذيب الأحكام 7: 145 ح 645، و عنهما وسائل الشيعة 25: 425، كتاب إحياء الموات ب 11 ح 1.

(2) الكافي 5: 296 ح 6، الفقيه 3: 58 ح 207، تهذيب الأحكام 7: 145 ح 644، و عنها وسائل الشيعة 25: 425، كتاب إحياء الموات ب 11 ح 3.

(3) الكافي 5: 296 ح 8، تهذيب الأحكام 7: 145 ح 643، و عنهما وسائل الشيعة 25: 426، كتاب إحياء الموات ب 11 ح 5.

(4) الفقيه 3: 150 ح 661، و عنه وسائل الشيعة 25: 426، كتاب إحياء الموات ب 11 ح 7.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 201

إحياء الموات الّذي في حوالي البئر

مسألة 9: اعتبار البُعد المزبور في

القناة إنّما هو في إحداث قناة اخرى، كما أشرنا إليه آنفاً. و أمّا إحياء الموات الذي في حواليها لزرع أو بناء أو غيرهما، فلا مانع منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح، أو الاستقاء، أو الإصلاح و التنقية، و غيرها ممّا ذكر في مطلق البئر، بل لا مانع من إحياء الموات الذي فوق الآبار و ما بينها إذا بقي من أطراف حلقها مقدار ما تحتاج إليه لمصالحها، فليس لصاحب القناة المنع عن الإحياء للزرع و غيره فوقها إذا لم يضرّ بها (1).

______________________________

(1) 1- قد مرّ في المسألة السابقة الإشارة إلى أنّ اعتبار البُعد المزبور في القناة إنّما هو في إحداث قناة اخرى. و أمّا إحداث ما في حواليها بالإحياء كزرع أو بناء أو غيرهما، فلا مانع منه مع رعاية مقدار حريمها المذكور سابقاً، بل كما في المتن لا مانع من إحياء الموات الذي فوق الآبار مع الرعاية المذكورة، فليس لصاحب القناة المنع عن الإحياء للزرع و غيره فوقها إذا لم يضرّ بها، و الوجه فيه واضح بعد لزوم اعتبار البُعد المزبور في مثل إحداث قناة اخرى، لا الإحياء الكلّية، كما عرفت. قد ترك المؤلّف قدس سره شرح المسألة العاشرة؛ لعلّه لمضيّ حكمها في المسألة الثامنة و التاسعة و هي نصّها:

«قد مرّ أنّ التباعد المزبور في القناة، إنّما يلاحظ بالنسبة إلى البئر التي تكون منبع الماء أو منشأه. و أمّا الآبار الاخر التي هي مجرى الماء فلا يراعى الفصل المذكور بينها، فلو أحدث الثاني قناة في أرض صلبة، و كان منبعها بعيداً عن منبع الاولىٰ بخمسمائة ذراع، ثمّ تقارب في الآبار الاخر- التي هي مجرى الماء إلى الآبار الاخر- للُاخرىٰ إلىٰ أن صار بينها و

بينها عشرة أذرع- مثلًا- لم يكن لصاحب الاولىٰ منعه. نعم لو فرض أنّ قرب تلك الآبار أضرّ بتلك الآبار من جهة جذبه الماء الجاري فيها أو من جهة اخرىٰ، تباعد بما يندفع به الضرر».

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 202

حريم القرية و المزرعة

مسألة 11: القرية المبنيّة في الموات لها حريم ليس لأحد إحياؤه، و لو أحياه لم يملكه، و هو ما يتعلّق بمصالحها و مصالح أهليها؛ من طرقها المسلوكة منها و إليها، و مسيل مائها، و مجمع ترابها و كناستها، و مطرح سمادها و رمادها، و مشرعها، و مجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عادتهم، و مدفن موتاهم، و مرعى ماشيتهم و محتطبهم و غير ذلك. و المراد بالقرية البيوت و المساكن المجتمعة المسكونة، فلم يثبت هذا الحريم للضيعة و المزرعة ذات المزارع و البساتين المتّصلة، الخالية من البيوت و المساكن و السكنة. فلو أحدث شخص قناة في فلاة، و أحيا أرضاً بسيطة بمقدار يكفيه ماء القناة، و زرع فيها و غرس فيها النخيل و الأشجار، لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريماً لها، فضلًا عن التلال و الجبال القريبة منها، بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دوراً و مساكن حتّى صارت قرية كبيرة يشكل ثبوت الحريم لها. نعم، لو أحدثها في جنب المزرعة و البساتين في أراضي الموات، فالظاهر ثبوته لها، بل لا يبعد ثبوت بعض الحريم من قبيل مرعى الماشية لها مطلقاً، كما أنّ للمزرعة بنفسها أيضاً حريماً؛ و هو ما تحتاج إليه في مصالحها، و يكون من مرافقها من مسالك الدخول و الخروج، و محلّ بيادرها و حظائرها، و مجمع سمادها و ترابها و غيرها (1).

______________________________

(1) 1-

قد تعرّض في هذه المسألة للفرق بين القرية، و المزرعة و الإحياء لأجل الزرع و الغرس و نحوهما من جهة الحريم.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 203

..........

______________________________

فذكر أنّ حريم القرية التي يراد بها البيوت و المساكن المجتمعة المسكونة عبارة عمّا يتعلّق بمصالحها و مصالح أهلها؛ من طرقها المختلفة المسكونة، و مسيل مائها، و مجمع ترابها و كناستها، و مطرح سمادها و رمادها، و مجمع أهاليها، و مدفن موتاهم، و مرعى ماشيتهم. و أمّا المزرعة، و إن كانت ذات مزارع و البساتين المتّصلة الخالية من البيوت و المساكن و السكنة، فقد صرّح فيها بأنّ الموات المجاور لتلك المحياة لا يكون حريماً لها، فضلًا عن التلال و الجبال القريبة منها، بل استشكل في ثبوت الحريم لها إذا أحدث في تلك المحياة دوراً و مساكن حتّى صارت قرية كبيرة، و الظاهر أنّه لا وجه للإشكال بذلك بعد صيرورتها قرية و عدم التعبّد في الحريم بوجه. نعم، نفى البُعد عن ثبوت بعض الحريم؛ من قبيل مرعى الماشية لها مطلقاً، و الظاهر سعة دائرته. و أمّا المزرعة و حدّها، فحريمها ما تحتاج إليه في مصالحها، و يكون من مرافقها من مسالك الدخول و الخروج و الامور المذكورة في المتن.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 204

حدّ المرعىٰ

مسألة 12: حدّ المرعى- الذي هو حريم للقرية و محتطبها- مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة، بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق و الحرج، و يختلف ذلك بكثرة الأهالي و قلّتهم، و كثرة المواشي و الدوابّ و قلّتها، و بذلك يتفاوت المقدار سعةً و ضيقاً، طولًا و عرضاً (1).

______________________________

(1) 1- بعد ما

عرفت «1» من أنّه لا يكون في باب الحريم تعبّد خاصّ، فاعلم أنّ حدّ المرعى الذي هو حريم للقرية، مقدار حاجة الناس إليها بحسب العادة، بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق و الحرج، و من المعلوم اختلاف ذلك من جهة كثرة الأهالي و قلّتهم، و كثرة المواشي و الدوابّ و قلّتها، و كثرة الحطب الذي يحتطبونه و قلّته، و أمثال ذلك من الامور، و من الواضح: اختلاف القرى في ذلك.

______________________________

(1) في ص 198.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 205

عدم كون الموات من حريم العامر

مسألة 13: إن كان موات بقرب العامر و لم يكن من حريمه و مرافقه جاز لكلّ أحد إحياؤه، و لم يختصّ بمالك ذلك العامر و لا أولويّة له، فإذا طلع شاطئ من الشطّ بقرب أرض محياة أو بستان مثلًا كان كسائر الموات، فمن سبق إلى إحيائه و حيازته كان له، و ليس لصاحب الأرض أو البستان منعه (1).

______________________________

(1) 1- الغرض من هذه المسألة بيان أنّ مجرّد كون الموات بقرب العامر مع عدم كونه من حريمه و مرافقه و مصالحه لا يوجب أولويّة لذلك؛ أي مالك ذلك العامر، من دون فرق بين أن تكون ملكيّته ناشئة عن الإحياء أو عن غيرها؛ لفرض عدم كونه حريماً. ففي المثال المذكور في المتن إذا طلع شاطئ من الشطّ بقرب أرض محياة، أو بستان مثلًا يكون كسائر الموات، فمن سبق إلى إحيائه و حيازته كان له؛ لأدلّة أولويّة المحيي و صيرورة الأرض المحياة ملكاً له، و ليس لصاحب الأرض أو البستان منعه بمجرّد القرب مع فرض عدم كونه حريماً.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 206

حريم القناة و القرية و النهر و الدار

مسألة 14: لا إشكال في أنّ حريم القناة- المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع- ليس ملكاً لصاحب القناة، و لا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غيره بدون إذنه، بل ليس له إلّا حقّ المنع عن إحداث قناة اخرى كما مرّ. و الظاهر أنّ حريم القرية أيضاً ليس ملكاً لسكّانها و أهليها، بل إنّما لهم حقّ الأولويّة. و أمّا حريم النهر و الدار فهو ملك لصاحب ذي الحريم على تردّد و إن لا يخلو من وجه، فيجوز له بيعه منفرداً كسائر الأملاك (1).

______________________________

(1) 1- الغرض من هذه المسألة: أنّ حريم

القناة المقدّر بأحد الحدّين المذكورين سابقاً «1» لا يكون ملكاً لصاحب القناة و لا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غيره بدون إذنه، كحقّ المرتهن، بل لا إشكال و لا خلاف في أنّه ليس لمحيي القناة و موجدها إلّا حقّ المنع عن إحداث قناة اخرى في أقلّ من ذلك المقدار؛ إذ لا دليل على ثبوت الملكيّة. و استظهر في المتن أنّ حريم القرية أيضاً ليس ملكاً لسكّانها و أهليها، بحيث لو اجتمع الكلّ على بيعه لكان جائزاً، بل الثابت لهم حقّ الأولويّة؛ لارتباطه بمصالحهم كما عرفت «2». و أمّا حريم النهر و الدار، فهو ملك لصاحب ذي الحريم على تردّد و إن لا يخلو عن وجه، و لعلّ الوجه فيه كون المرعى فيه مصلحة شخص خاصّ، فيجوز له بيعه منفرداً كسائر الأملاك، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 199- 200 مسألة 8.

(2) في ص 202- 203.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 207

عدم ثبوت الحريم لأملاك المجاورة

مسألة 15: ما مرّ من الحريم لبعض الأملاك إنّما هو فيما إذا ابتكرت في أرض موات. و أمّا في الأملاك المجاورة، فلا حريم لها، فلو أحدث المالكان المجاوران حائطاً في البين لم يكن له حريم من الجانبين، و لو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطاً أو نهراً لم يكن لهما حريم في ملك الآخر. و كذا لو حفر أحدهما قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة اخرى في ملكه و إن لم يكن بينهما الحدّ (1).

______________________________

(1) 1- المهمّ في هذه المسألة بيان أنّ ما مرّ «1» من الحريم لبعض الأملاك إنّما هو فيما إذا ابتكرت و أسّست في أرض موات يستوي فيها الجميع. و أمّا في الأملاك المجاورة، فلا حريم

لها. ففي المثال المذكور في المتن أنّه لو أحدث المالكان المجاوران حائطاً في البين فحينئذٍ لا يكون له حريم من الجانبين؛ لفرض التوافق على إيجاد الحائط في البين، و لو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطاً أو نهراً ففي المتن لم يكن لهما حريم في الآخر. و الوجه فيه اتّخاذه الحائط أو النهر حريماً؛ لأنّ المفروض الإحداث في آخر ملكه. و كذا لو حفر قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة اخرى في ملكه و إن لم يكن بينهما الحدّ؛ لما مرّ من أنّ الحدّ المقدّر إنّما هو فيما لو أحدث القناة في أرض موات.

______________________________

(1) في ص 197- 200.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 208

جواز تصرّف كلّ من المالكين المتجاورين في ملكه

مسألة 16: ذكر جماعة «1» أنّه يجوز لكلّ من المالكين المتجاورين التصرّف في ملكه بما شاء و حيث شاء و إن استلزم ضرراً على الجار، لكنّه مشكل على إطلاقه، و الأحوط عدم جواز ما يكون سبباً لعروض الفساد في ملك الجار، بل لا يخلو من قرب، إلّا إذا كان في تركه حرج أو ضرر عليه، فحينئذٍ يجوز له التصرّف. كما إذا دقّ دقّاً عنيفاً انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللًا فيها، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة في حائطه، أو أحدث بالوعة أو كنيفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها. بل و كذا لو حفر بئراً بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها، و كان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الاولى. و أمّا إذا كان من جهة أنّ الثانية لكونها أعمق، و وقوعها في سمت مجرى المياه، ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الأوّل، فالظاهر أنّه

لا مانع منه، و المائز بين الصورتين يدركه أولو الحدس الصائب من أهل الخبرة. و كذا لا مانع من إطالة البناء و إن كان مانعاً من الشمس و القمر و الهواء، أو جعل داره مدبغة أو مخبزة مثلًا و إن تأذّى الجار من الريح و الدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء. و كذا إحداث ثقبة في جداره إلى دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء؛ فإنّ المحرّم هو التطلّع على دار الجار لا مجرّد ثقب الجدار (1).

______________________________

(1) 1- الظاهر أنّ مستند هؤلاء الجماعة في الفتوى المذكورة إطلاق قاعدة

______________________________

(1) كصاحب قواعد الأحكام 2: 268، و الدروس الشرعيّة 3: 60، و مسالك الأفهام 12: 415- 416.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 209

..........

______________________________

السلطنة «1» على الأموال «2»، و جواز تصرّف المالك في ماله و ملكه بما شاء و حيث شاء و إن استلزم ضرراً على الجار، لكنّه استشكل في المتن في هذا الإطلاق و إن قلنا بأنّ مفاد حديث لا ضرر «3» على تقدير صحّة سنده حكم حكومتيّ صادر من مقام حكومة النبيّ صلى الله عليه و آله، التي هي شأن من شئونه، كما عليه الاستاذ الماتن قدس سره «4»، أو قلنا بما اختاره الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره «5»، و تبعه المحقّق الخراساني «6» صاحب الكفاية من كونه حاكماً على الأدلّة المطلقة الأوّليّة، و ناظرة إلى اختصاصها بصورة عدم الضرر، و لعلّه المشهور. و الوجه في الاستشكال أنّ المعلوم من مذاق الشارع عدم جواز ما يكون سبباً لعروض الفساد في ملك الجار إلّا إذا كان في تركه ضرر أو حرج عليه، فحينئذٍ يجوز التصرّف كالأمثلة المذكورة في المتن. نعم، لو قلنا

في حديث لا ضرر بما حكي عن المحقّق شيخ الشريعة الأصبهاني قدس سره «7»؛ من أنّ مفاد حديث لا ضرر النهي التكليفي عن إيجاد الضرر على

______________________________

(1) المستفادة من قوله صلى الله عليه و آله: الناس مسلّطون على أموالهم، عوالي اللئالي 1: 222 ح 99 و ص 457 ح 198 و ج 2: 138 ح 383 و ج 3: 208 ح 49، و روايات اخر.

(2) تحرير المجلّة 1: 255، القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي 6: 381- 385.

(3) الكافي 5: 293 ذ ح 2 و ص 294 ذ ح 6 و قطعة من ح 8، الفقيه 3: 147 ذ ح 648 و ج 4: 243 ح 777، تهذيب الأحكام 7: 146 ح 651، و عنها وسائل الشيعة 18: 32، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب 17 ح 3- 5، و ج 25: 420، كتاب إحياء الموات ب 7 ح 2 و ص 429 ب 12 ذ ح 3 و قطعة من ح 4 و ح 5، و ج 26: 14، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث ب 1 ح 10.

(4) الرسائل 1: 54- 56.

(5) فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم) 2: 462، رسائل فقهيّة (تراث الشيخ الأعظم): 114- 116.

(6) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 282- 283، كفاية الاصول: 433.

(7) لا ضرر و لا ضرار للشيخ الشريعة: 28 و 37- 40، و حكاه عنه الإمام الخميني قدس سره في الرسائل 1: 46- 47.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 210

..........

______________________________

المسلمين- و يكون سبيله في ذلك كسبيل قوله- تعالى-: «فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ» «1» في الدلالة على النهي عن

إيجاد هذه الامور في الحجّ- يدلّ على عدم الجواز في المقام، بل عدم جواز أدون ممّا هو سبب لعروض الفساد، كما لا يخفى. ثمّ إنّه قد فصّل في حفر البئر بقرب بئر الجار مع إيجابه النقص في مائه، بين ما إذا كان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الاولى، و بين ما إذا كان من جهة أنّ الثانية لكونها أعمق، و وقوعها في سمت مجرى المياه ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الأوّل، فاستظهر عدم المنع في الصورة الثانية، و ظاهره عدم الجواز في الصورة الاولى، و لعلّ الوجه أنّ حفره صار سبباً لانجذاب الثانية ماء الاولى؛ و هو من مصاديق السببيّة لعروض الفساد.

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 197.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 211

التأكيد على رعاية حقّ الجار

مسألة 17: لا يخفى أنّ أمر الجار شديد و حثّ الشرع الأقدس على رعايته أكيد، و الأخبار في وجوب كفّ الأذى عن الجار، و في الحثّ على حسن الجوار كثيرة لا تحصى: فعن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: ما زال جبرئيل عليه السلام يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورثه «1». و في حديث آخر أنّه صلى الله عليه و آله أمر عليّاً عليه السلام و سلمان و أبا ذر- قال الراوي: و نسيت آخر و أظنّه المقداد- أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم بأنّه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثاً «2». و في الكافي عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: قرأت في كتاب عليّ عليه السلام أنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله كتب بين المهاجرين و الأنصار و من لحق بهم من

أهل يثرب: أنّ الجار كالنفس غير مضارّ و لا آثم، و حرمة الجار كحرمة امّه «3». و روى الصدوق بإسناده عن الصادق، عن عليّ عليهما السلام، عن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قال:

من آذى جاره حرّم اللّٰه عليه ريح الجنّة وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، و من ضيّع جاره فليس منّي «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 32 ح 108، و عنه وسائل الشيعة 2: 7، كتاب الطهارة، أبواب السواك ب 1 ح 8.

(2) الكافي 2: 666 ح 1، الزهد: 42 ح 113، و عنهما وسائل الشيعة 12: 125، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 86 ح 1، و فيهما: بأعلى أصواتهم.

(3) الكافي 2: 666 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 12: 126، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 86 ح 2، و فيهما: و حرمة الجار على الجار كحرمة امّه.

(4) الفقيه 4: 7 قطعة من ح 1، عقاب الأعمال: 333 قطعة من ح 1 نحوه، و عنهما وسائل الشيعة 12: 127، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 86 ح 5، و في الفقيه عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، و في الوسائل: عن الصادق، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام، و فيهما: من ضيّع حقّ جاره فليس منّا.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 212

و عن الرضا عليه السلام: ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه «1». و عن الصادق عليه السلام أنّه قال و البيت غاصّ بأهله: اعلموا أنّه ليس منّا من لم يحسن مجاورة مَنْ جاوره «2». و عنه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: حسن الجوار يعمّر

الدّيار و ينسئ في الأعمار «3». فاللّازم على كلّ من يؤمن باللّٰه و رسوله صلى الله عليه و آله و اليوم الآخر الاجتناب عن كلّ ما يؤذي الجار و إن لم يكن ممّا يوجب فساداً أو ضرراً في ملكه، إلّا أن يكون في تركه ضررٌ فاحش على نفسه، و لا ريب أنّ مثل ثقب الجدار الموجب للإشراف على دار الجار إيذاء عليه، و أيّ إيذاء. و كذا إحداث ما يتأذّى من ريحه أو دخانه أو صوته، أو ما يمنع عن وصول الهواء إليه، أو عن إشراق الشمس عليه، و غير ذلك (1).

..........

______________________________

(1) 1- لعلّ الغرض من هذه المسألة كما صرّح به في ذيلها أنّ المستفاد من الروايات المأثورة عن النبيّ و الآل- عليه و عليهم الصلاة و السلام- أنّ الأمر بالإضافة إلى الجار أضيق ممّا ذكر في المسألة السابقة، و أنّ اللازم على كلّ من يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر الاجتناب عن كلّ ما يؤذي الجار و إن لم يكن ممّا يوجب فساداً أو ضرراً في

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 24 ذ ملحق ح 2، و عنه وسائل الشيعة 12: 128، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 86 ذ ح 6.

(2) الكافي 2: 668 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 12: 129، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 87 ح 5.

(3) الكافي 2: 667 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 12: 128، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب 87 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 213

..........

______________________________

ملكه، إلّا أن يكون في تركه ضرر فاحش على نفسه. و قد تعرّض في المتن للأمثلة لذلك. و عليه: فاللازم في

مثل زماننا ممّا يسكن كلّ طبقة من الطبقات المتعدّدة- و ربما تكون كثيرة- اسرة خاصّة مركّبة نوعاً من الزوجين و أولادهما رعاية الطبقة السفلى، و عدم إيذاء الساكنين فيها؛ لأنّهم من أظهر مصاديق الجار. أعاننا اللّٰه على رعاية حقّه.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 214

اشتراط أن لا يسبق إليه في التملّك بالإحياء سابق بالتحجير

مسألة 18: يشترط في التملّك بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير؛ فإنّ التحجير يفيد أولويّة للمحجّر، فهو أولى بالإحياء و التملّك من غيره، فله منعه، و لو أحياه قهراً على المحجّر لم يملكه، و المراد بالتحجير أن يحدث ما يدلّ على إرادة الإحياء، كوضع أحجار، أو جمع تراب، أو حفر أساس، أو غرز خشب أو قصب، أو نحو ذلك في أطرافه و جوانبه، أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه. كما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة التي يريد إحياءها؛ فإنّه تحجير بالنسبة إلى سائر آبار القناة، بل و بالنسبة إلى أراضي الموات التي تُسقى بمائها بعد جريانه، فليس لأحد إحياء تلك القناة، و لا إحياء تلك الأراضي. و كذا إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء و القصب فعمد على قطع مائها فقط، فهو تحجير لها، فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها (1).

______________________________

(1) 1- قال المحقّق قدس سره في الشرائع: و من فقهائنا الآن من يسمّى التحجير إحياءً، و هو بعيد «1». و قد ذكر في الجواهر أنّ المراد به شيخه الفقيه نجيب الدين بن نما رحمه الله، مستنداً في ذلك إلى خروجه بالشروع في إحيائه عن حدّ الموات «2». هذا، و لكنّ الظاهر أنّ الشروع في الإحياء يغاير الإحياء، و لذا قد يضع الأحجار أو يجمع التراب في أطرافه و جوانبه من دون

إرادة عمل آخر أصلًا. و كيف كان، العمدة في دليل عدم تحقّق الملكيّة بالتحجير، بل توقّفه على الإحياء

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 276.

(2) جواهر الكلام 38: 74.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 215

..........

______________________________

- مضافاً إلى تعليق الحكم بالملكيّة في الروايات الكثيرة «1» على الإحياء- الإجماع على عدم حصول الملكيّة بمجرّد التحجير «2»، و هو و إن لم يكن له ضابطة شرعاً؛ لعدم ذكر الضابطة له، إلّا أنّ العرف يرى الفرق الواضح بينهما، و أنّ كلّ تحجير لا يكون إحياءً. نعم، الإحياء و إن لم تكن أمراً دفعيّاً، بل تحصل بالتدرّج و مرور الزمان، إلّا أنّ ذلك لا يوجب صدقها على التحجير المجرّد، و أثر التحجير ثبوت حقّ الأولويّة بالإضافة إلى الإحياء، فلو أحيا المحجّر قهراً على المحجّر لم يصر بذلك مالكاً؛ لأنّ الأولويّة كانت ثابتة بالنسبة إلى صاحب التحجير، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب العدم. و أمّا مجرّد ثبوت حقّ الأولويّة بمجرّد التحجير قبل الإحياء، فقد مرّت الإشارة إلى أنّ العمدة في دليله الإجماع كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره «3»، و أمّا الاستدلال عليه بأنّه إذا أفاد الإحياء ملكاً، فلا بدّ أن يفيد التحجير الذي هو الشروع فيه أولويّة نحو الاستيام و البيع، فهو كما ترى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات ب 1.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 7: 492، مفاتيح الشرائع 3: 28، مفتاح الكرامة 7: 24، رياض المسائل 12: 351.

(3) جواهر الكلام 38: 56.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 216

لزوم دلالة التحجير على مقدار يريد إحياءه

مسألة 19: لا بدّ من أن يكون التحجير- مضافاً إلى دلالته على أصل الإحياء- دالّاً على مقدار ما يريد إحياءه، فلو

كان ذلك بوضع الأحجار، أو جمع التراب، أو غرز الخشب أو القصب مثلًا لا بدّ أن يكون ذلك في جميع الجوانب، حتّى يدلّ على أنّ جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه. نعم، في مثل إحياء القناة البائرة يكفي الشروع في حفر إحدى آبارها، كما أشرنا إليه آنفاً؛ فإنّه دليل بحسب العرف على كونه بصدد إحياء جميع القناة، بل الأراضي المتعلّقة بها أيضاً. بل إذا حفر بئراً في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة، يمكن أن يقال: إنّه يكون تحجيراً بالنسبة إلى أصل القناة، و إلى الأراضي الموات التي تُسقى بمائها بعد تمامها و جريان مائها، فليس لأحد إحياء تلك الجوانب حتّى يتمّ القناة و يعيّن ما تحتاج إليه من الأراضي. نعم، الأرض الموات التي ليست من حريم القناة، و ممّا علم أنّه لا يصل إليها ماؤها بعد جريانه، لا بأس بإحيائها (1).

______________________________

(1) 1- المستفاد من هذه المسألة أنّ التحجير الذي يترتّب عليه حقّ الأولويّة ما كان مقروناً بقصد الإحياء و لو بعد اجتماع مقدّماتها من دون طول الزمان، و هو و إن لم يكن مصرّحاً به في المسائل السابقة، لكن يدلّ عليه بعض المسائل الآتية، و الغرض من هذه المسألة لزوم دلالة على أمرين: أصل الإحياء، و مقدار الإحياء، و فرّع عليه أنّه لو كان ذلك بوضع الأحجار، أو جمع التراب، أو غرز الخشب أو القصب مثلًا، لا بدّ أن يكون ذلك في جميع الجوانب؛ حتّى يدلّ على أنّ جميع

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 217

..........

______________________________

ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه. و استدرك ما إذا أراد إحياء القناة البائرة يكفي الشروع في إحدى آبارها، بل ذكر أنّه إذا

حفر بئراً في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة يمكن أن يقال: إنّه يكون تحجيراً بالنسبة إلى أصل القناة، و إلى الأراضي التي تُسقى بمائها بعد تمامها و جريان مائها. نعم، الأراضي الخارجة عن حريم القناة لا بأس بإحيائها لغيره، كما لا يخفى، و قد اشير إليه في المسألة السابقة.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 218

صحّة بيع حقّ التحجير و عدمها

مسألة 20: التحجير كما أشرنا إليه يفيد حقّ الأولويّة، و لا يفيد الملكيّة، فلا يصحّ بيعه على الأحوط و إن لا يبعد الجواز. نعم، يصحّ الصلح عنه، و يورث و يقع ثمناً في البيع؛ لأنّه حقّ قابل للنقل و الانتقال (1).

______________________________

(1) 1- قد مرّ أنّ التحجير لا يفيد إلّا حقّ الأولويّة، و لا يفيد الملكيّة بوجه، و قد فرّع عليه عدم صحّة بيعه احتياطاً و إن نفى البُعد عن الجواز، و الوجه في عدم صحّة بيعه ما تقرّر في كتاب البيع «1» من اعتبار مملوكيّة المبيع و لو بنحو الكلّي في الذمّة مع عدم وجود مصداق له في الخارج، أو بنحو الدين بناءً على صحّة بيعه ممّن هو عليه، و الوجه في عدم البعد في الجواز صلاحيّته للنقل و الانتقال، كما في الصلح، و الإرث الذي هو أمر غير اختياريّ، و ليس كالحقوق التي لا تكون الثابت فيها إلّا أقلّ آثار الحقّ؛ و هو السقوط بالإسقاط. نعم، قد عرفت «2» من المحقّق قدس سره حكاية تسمية التحجير إحياءً عن بعض مشايخه، و لكنّه قد استبعد ذلك، و مرّ وجه الاستبعاد «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 343، كتاب المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 11، تحرير الوسيلة 1: 490 و 492، كتاب البيع للإمام الخميني قدس سره

3: 7- 8 و 12- 14.

(2) في ص 214- 215.

(3) في ص 214- 215.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 219

اشتراط تمكّن المحجّر من التعمير في مانعيّة التحجير

مسألة 21: يشترط في مانعيّة التحجير أن يكون المحجّر متمكّناً من القيام بتعميره و لو بعد زمان طويل بشرط أن لا يوجب تعطيل الموات، فلو حجّر من لم يقدر على إحياء ما حجّره- إمّا لفقره، أو لعجزه عن تهيئة أسبابه- فلا أثر لتحجيره، و جاز لغيره إحياؤه. و كذا لو حجّر زائداً على مقدار تمكّنه من الإحياء، لا أثر لتحجيره إلّا في مقدار ما تمكّن من تعميره. و أمّا في الزائد، فليس له منع الغير عن إحيائه، فعلى هذا ليس لمن عجز عن إحياء الموات تحجيره، ثمّ نقل ما حجّره إلى غيره بصلح أو غيره مجّاناً أو بالعوض؛ لأنّه لم يحصل له حقّ حتّى ينقله إلى غيره (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت «1» في بعض المسائل السابقة أنّ الدليل على ثبوت حقّ الأولويّة بالتحجير هو الإجماع، و هو دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقّن، و هو ما كان مقروناً بقصد الإحياء، فالتحجير المجرّد لا يترتّب عليه أثر، و لازم ذلك أن يكون المحجّر متمكّناً من القيام بتعميره و لو بعد زمان طويل لا يوجب تعطيل الموات. و فرّع عليه في المتن أنّه لو حجّر من لم يقدر على إحياء ما حجّره- إمّا لفقره، أو لعجزه عن تهيئة أسبابه- فلا أثر لتحجيره، و جاز لغيره إحياؤه، و كذا لو حجّر زائداً على مقدار تمكّنه من الإحياء لا أثر لتحجيره إلّا في مقدار ما تمكّن من تعميره.

و أمّا في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه، و لعلّ السرّ فيه إرادة الشارع

أن تبقى الأرض مواتاً، بل تصير ذات منفعة للمسلمين، فعلى هذا لو كان عمل بعض الأشخاص مقصوراً على مجرّد التحجير لغرض النقل إلى الغير، فهو غير صحيح؛ لعدم حصول حقّ له حتّى ينقله، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 214- 215.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 220

عدم اعتبار المباشرة في التحجير

مسألة 22: لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة، بل يجوز أن يكون بتوكيل الغير أو استئجاره، فيكون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموكّل و المستأجر، لا للوكيل و الأجير. و أمّا كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن غيره- ثمّ أجاز ذلك الغير- في ثبوته للمنوب عنه، فبعيد (1).

______________________________

(1) 1- لا دليل على اعتبار المباشرة في التحجير، بل يجوز أن يكون بالتوكيل أو الاستئجار. و أمّا مسألة النيابة، فقد استبعد الاكتفاء بها، و لعلّ السرّ فيه أنّ النيابة مطلقاً- كما حقّقناه «1» في الحجّ النيابي- على خلاف القاعدة، خصوصاً في مثل التحجير في المقام الذي دليله الإجماع الذي عرفت أنّه يقتصر فيه على القدر المتيقّن، و هو أن يكون الفعل مستنداً إلى المحجّر؛ من دون فرق بين صورة المباشرة، و التوكيل، و الاستئجار. ثمّ الظاهر أنّه على تقدير صحّة النيابة في المقام و عدمه لا فرق بين صورة إجازة المنوب عنه و عدمها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 13.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 221

بطلان حقّ المحجّر بانمحاء آثاره قبل التعمير

مسألة 23: لو انمحت آثار التحجير بنفسها قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير بطل حقّه، و عاد الموات إلى ما كان قبل التحجير. و أمّا لو كان بفعل شخص غير المحجّر، فلا يبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو، و مع طول المدّة، فالظاهر بطلانه مطلقاً، بل لا يبعد بقاء الحقّ مع المحو بنفسها إذا لم يكن ذلك لطول مدّة التعطيل، كما لو حصل بالسيل أو الريح مثلًا (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة متعرّضة لما إذا انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير و الإحياء، و قد فصّل فيه بين ما

إذا كان الانمحاء بنفسها، فحكم ببطلان حقّه و عود الموات إلى ما كان قبل التحجير. نعم، يستفاد من الذيل بقاء الحقّ في هذه الصورة إذا لم يكن ذلك لطول مدّة التعطيل، كما لو حصل بالسيل أو الريح مثلًا، و بين ما إذا كان بفعل شخص غير المحجّر، و نفى البعد في المتن عن بقائه مع قرب زمان المحو؛ لاستصحاب بقاء الأولويّة الثابتة بالتحجير. نعم، استظهر البطلان مطلقاً مع طول المدّة ممّا سيأتي في المسائل البعديّة؛ من أنّه ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه، و الإهمال في التعمير و الإحياء، و ملاكه مع المقام واحد، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 222

عدم جواز تعطيل الموات المحجّر عليه

مسألة 24: ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه و الإهمال في التعمير، بل اللازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير، فإن أهمل و طالت المدّة و أراد شخص آخر إحياءه، فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع وجوده و بسط يده، فيلزم المحجّر بأحد أمرين: إمّا العمارة، أو رفع يده عنه ليعمّره غيره، إلّا أن يبدي عذراً موجّهاً، مثل انتظار وقت صالح له، أو إصلاح آلاته، أو حضور العملة، فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر. و ليس من العذر عدم التمكّن من تهيئة الأسباب لفقره منتظراً للغنى و التمكّن، إلّا إذا كان متوقّعاً حصوله بحصول أسبابه، فإذا مضت المدّة في الفرض المتقدّم و لم يشتغل بالعمارة بطل حقّه و جاز لغيره القيام بالعمارة. و إذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشئون، فالظاهر أنّه يسقط حقّه أيضاً لو أهمل في التعمير، و طال الإهمال مدّة طويلة يعدّ مثله في العرف تعطيلًا، فجاز لغيره إحياؤه، و ليس له منعه، و الأحوط مراعاة

حقّه ما لم تمض مدّة تعطيله و إهماله ثلاث سنين (1).

______________________________

(1) 1- قد مرّ «1» أنّ الظاهر أنّ غرض الشارع من حصول حقّ الأولويّة بمجرّد التحجير لأجل كونه مقدّمة للإحياء و خروج الأراضي عن الموات. و عليه: فليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه و الإهمال في الإحياء و التعمير، بل اللّازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير، فإن لم يشتغل بها و طالت المدّة، و أراد شخص آخر إحياءه، قال المحقّق قدس سره في الشرائع: و لو اقتصر على

______________________________

(1) في ص 216.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 223

..........

______________________________

التحجير و أهمل العمارة أجبره الإمام على أحد أمرين: إمّا الإحياء، و إمّا التخلية بينها و بين غيره، و لو امتنع أخرجه السلطان من يده لئلّا يعطّلها «1». و قال في الجواهر عقيبه: بلا خلاف أجده بين من تعرّض له، كالشيخ «2» و ابن حمزة «3» و الفاضلين «4» و الشهيدين «5» و غيرهم «6» على ما حكي عن بعضهم «7» «8». و من الواضح: أنّ مورد كلامه صورة وجود الحاكم و بسط يده، و جعل ذلك في المتن مقتضى الاحتياط لرفع التنازع و التخاصم، الذي يمكن أن ينشأ من ادّعاء المحجّر عدم التأخير و عدم حصول الإهمال في التعمير. و كيف كان، فعلى تقدير ثبوت الإهمال للحاكم أن يجبره بأحد أمرين مذكورين في المتن، إلّا أن يبدئ عذراً قابلًا للقبول، و موجّهاً غير مانع عن ذهاب حقّ الأولويّة. و قد عرفت «9» في بعض المسائل السابقة أنّه ليس من العذر عدم التمكّن من تهيئة الأسباب لفقره منتظراً للغنى و التمكّن إلّا مع توقّع حصوله بحصول أسبابه، فإذا مضت المدّة في الفرض المتقدّم

و لم يشتغل بالعمارة بطل حقّه و جاز لغيره

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 275.

(2) المبسوط 3: 273.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 133.

(4) شرائع الإسلام 3: 275، قواعد الأحكام 2: 269، تحرير الأحكام 4: 486، الرقم 6098.

(5) الدروس الشرعيّة 3: 56- 57، مسالك الأفهام 12: 420.

(6) المهذّب 2: 32، جامع المقاصد 7: 29.

(7) مفتاح الكرامة 7: 27- 28 (الطبعة الحجريّة).

(8) جواهر الكلام 38: 59.

(9) في ص 219.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 224

..........

______________________________

القيام بالعمارة. هذا كلّه مع وجود الحاكم و بسط يده، و إذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشئون، فالظاهر سقوط حقّه مع الإهمال و التعطيل مدّة يعدّ في العرف تعطيلًا، و قد احتاط أخيراً بلزوم مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطيله ثلاث سنين، و مستند هذا الاحتياط بعض الروايات، مثل: رواية يونس- المشتملة على الإرسال، و في سندها سهل بن زياد- عن العبد الصالح عليه السلام قال: قال: إنّ الأرض للّٰه- تعالى- جعلها وقفاً على عباده، فمن عطّل أرضاً ثلاث سنين متوالية لغير ما علّة أُخذت من يده و دفعت إلى غيره، و من ترك مطالبة حقّ له عشر سنين فلا حقّ له «1». و ظاهرها صورة بسط يد الحاكم، مع أنّك عرفت الحكم في هذه الصورة، و الإنصاف أنّه موهن آخر للرواية.

______________________________

(1) الكافي 5: 297 ح 1، تهذيب الأحكام 7: 232 ح 1015، و عنهما وسائل الشيعة 25: 433، كتاب إحياء الموات ب 17 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 225

اشتراط قصد التملّك في الإحياء

مسألة 25: الظاهر أنّه يشترط في التملّك بالإحياء قصد التملّك، كالتملّك بالحيازة؛ مثل الاصطياد، و الاحتطاب، و الاحتشاش و نحوها،

فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقياً لم يملكه، بل لم يكن له إلّا حقّ الأولويّة ما دام مقيماً، فإذا ارتحل زالت تلك الأولويّة و صارت مباحاً للجميع (1).

______________________________

(1) 1- الظاهر أنّ الدليل على هذا الاشتراط- مع أنّ الدليل على حصول الملكيّة بالإحياء لعلّه كان مطلقاً؛ فإنّ قوله صلى الله عليه و آله: من أحيا أرضاً ميتة فهي له «1»، يمكن أن يقال بإطلاقه بالإضافة إلى صورة عدم قصد التملّك، إلّا أنّ الظاهر عدم ثبوت الإطلاق له- مقتضى استصحاب عدم حصول الملكيّة بمجرّد الإحياء بدون قصد التملّك، خصوصاً مع اعتباره في التملّك بالحيازة، كما في الموارد المذكورة في المتن، و لا يتوهّم أنّه مع عدم القصد لا يستند الإحياء إليه؛ فإنّه واضح الخلاف. ففي مثال حفر البئر في مفازة- مع كون القصد قضاء الحاجة ما دام مقيماً في حواليه- لا ينبغي التوهّم المذكور بوجه، فاللازم أن يقال بعدم حصول الملكيّة له؛ لفرض عدم قصد التملّك، بل له مجرّد حقّ الأولويّة، و مع ارتحاله يزول، إلّا أن يكون عازماً على العود و الإقامة فيه مع عدم طول زمان الارتحال، فتدبّر.

______________________________

(1) الكافي 5: 280 ح 6، الفقيه 3: 151 ح 665، المقنع: 393، و عنها الوسائل 25: 413، كتاب إحياء الموات ب 2 ح 1، و تقدّم مثله في ص 185.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 226

ما يتحقّق به الإحياء

مسألة 26: الإحياء المفيد للملك عبارة عن جعل الأرض حيّة بعد الموتان، و إخراجها عن صفة الخراب إلى العمران. و من المعلوم أنّ عمارة الأرض إمّا بكونها مزرعاً أو بستاناً، و إمّا بكونها مسكناً و داراً، و إمّا حظيرة

للأغنام و المواشي، أو لحوائج آخر؛ كتجفيف الثمار، أو جمع الحطب أو غير ذلك، فلا بدّ في صدق إحياء الموات من العمل فيه، و إنهائه إلى حدّ صدق عليه أحد العناوين العامرة؛ بأن صدق عليه المزرع أو الدار مثلًا، أو غيرهما عند العرف، و يكفي تحقّق أوّل مراتب وجودها، و لا يعتبر إنهاؤها إلى حدّ كمالها، و قبل أن يبلغ إلى ذلك الحدّ- و إن صنع فيه ما صنع- لم يكن إحياء، بل يكون تحجيراً، و قد مرّ أنّه لا يفيد الملك، بل لا يفيد إلّا الأولويّة (1).

______________________________

(1) 1- من الواضح: أنّ كلمة «الإحياء» الواردة في الروايات المأثورة، و في كلمات الفقهاء- رضوان اللّٰه تعالى عليهم- ليست لها حقيقة شرعيّة و لا متشرّعيّة، بل هي بمعناها اللغوي و العرفي، فهي كسائر العناوين العرفيّة الصرفة المأخوذة في متعلّقات الأحكام. و عليه: فيرجع معناه إلى جعل الأرض حيّة بعد الموتان، و عامرة خارجة عن صفة الخراب إلى العمران، كما في الموارد المذكورة في المتن. نعم، لا يلزم إنهاء العمل إلى حدّ صدق عليه مثل عنوان الدار و المزرعة و البستان، بل يكفي تحقّق أوّل مراتب وجودها، و لا يعتبر الإنهاء إلى حدّ الكمال، خصوصاً مع ما يلاحظ من أنّ الأرض التي تجعل بستاناً لا يكمل أشجارها قبل مضيّ سنين، أو لا يثمر قبله، فاللازم مجرّد صدق هذه العناوين، و قبل البلوغ إلى ذلك الحدّ لا يتحقّق الإحياء، بل يتحقّق التحجير، و قد عرفت «1» أنّه لا يفيد الملكيّة، بل مجرّد الأولويّة.

______________________________

(1) في ص 214- 218.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 227

[تكملة في] ما يعتبر في إحياء الموات

تكملة: يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة التي يقصدها المحيي،

فما اعتبر في إحياء الموات مزرعاً أو بستاناً، غير ما اعتبر في إحيائه مسكناً و داراً، و ما اعتبر في إحيائه قناة أو بئراً، غير ما اعتبر في إحيائه نهراً و هكذا، و يشترط في الكلّ إزالة الامور المانعة عن التعمير، كالمياه الغالبة، أو الرمال و الأحجار، أو القصب و الأشجار لو كانت متأجّمة، و غير ذلك. و يختصّ كلّ منها ببعض الامور، و نحن نبيّنها في ضمن مسائل (1).

مسألة 1: يعتبر في إحياء الموات داراً أو مسكناً بعد إزالة الموانع لو كانت أن يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد و لو كان بخشب أو قصب أو حديد أو غيرها، و يسقّف و لو بعضه ممّا يمكن أن يسكن فيه، و لا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب، و لا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف.

______________________________

(1) 1- قد عرفت أنّه ليس للإحياء مفهوم شرعيّ، بل هي من الموضوعات العرفيّة. غاية الأمر اختلافها باختلاف العمارة التي يريدها المحيي بحسب العرف، فما يعتبر في إحياء الموات مزرعاً أو بستاناً، يغاير ما يعتبر في الإحياء مسكناً و داراً، و ما يعتبر في إحيائه قناة أو بئراً غير ما يعتبر في الإحياء نهراً، و هكذا. غاية الأمر الاشتراط في جميع الموارد- مع الاختلاف في الإحياء عرفاً- إزالة الامور المانعة عن الإحياء، كالأمثلة المذكورة في المتن، كما أنّ كلّاً منها يختصّ ببعض الامور المذكورة في المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 228

نعم، يكفي ذلك في إحيائه حظيرة للغنم و غيره، أو لأن يجفّف فيه الثمار، أو يجمع فيه الحشيش و الحطب، و لو بنى حائطاً في الموات بقصد بناء

الدار، و قبل أن يسقّف عليه بدا له و قصد كونه حظيرة ملكه، كما لو قصد ذلك من أوّل الأمر، و كذلك ملكه في العكس بأن حوّطه بقصد كونه حظيرة فبدا له أن يسقّفه و يجعله داراً (1).

______________________________

(1) 1- يعتبر في إحياء الموات داراً و مسكناً بعد رعاية الشرط المتقدّم- و هي إزالة موانع التعمير مع وجودها- أن يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد، مثل أكثر بلادنا. و أمّا ما لا يعتاد فيه كالبلاد الشماليّة الإيرانيّة غالباً فلا، و إذا كان بقصد السكونة فاللازم التسقيف و لو بعضه بمقدار يمكن أن يسكن فيه؛ لأنّه لا يمكن السكونة بدونه مع عروض البرودة و الحرارة، كما لا يخفى. و قد صرّح في المتن بأنّه لا يكفي إدارة الحائط فقط بدون السقف. نعم، يكفي ذلك في إحيائه لغير السكونة، كالحظيرة للغنم، و سائر الموارد المذكورة فيه. و قد ذكر فرعين في آخر المسألة: أحدهما: ما لو بنى حائطاً بقصد بناء الدار و قبل التسقيف بدا له أن يجعله حظيرة ملكه؛ لأنّ إحياء الحظيرة لا تحتاج إلى السقف، كما مرّ. ثانيهما: عكس ذلك؛ بأن بنى حائطاً بقصد كونه حظيرة، ثمّ بدا له أن يسقّفه و يجعله داراً؛ فإنّه حينئذٍ يحصل له الملكيّة بالتسقيف و جعله داراً، و بناء الحائط فقط و إن كان كافياً في الملكيّة؛ لما عرفت من اختلاف الإحياء، إلّا أنّ الظاهر إعراضه عن ذلك بالتسقيف و جعله داراً. و كيف كان، لا إشكال في ثبوت الملكيّة في هذا الحين.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 229

مسألة 2: يعتبر في إحياء الموات مزرعاً- بعد إزالة الموانع- تسوية الأرض لو كانت فيها

حفر و تلال مانعة عن قابليّتها للزرع، و ترتيب مائها، إمّا بشقّ ساقية من نهر، أو حفر قناة لها أو بئر، و بذلك يتمّ إحياؤها و يملكها المحيي، و لا يعتبر في إحيائها حرثها فضلًا عن زرعها. و إن كانت الأرض ممّا لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب ماء؛ لأنّه يكفيها ماء السماء، كفى في إحيائها إعمال الامور الاخر عدا ترتيب الماء. و إن كانت مهيّأة للزرع بنفسها؛ بأن لم يكن فيها مانع عنه ممّا ذكر، و لم تحتجّ إلّا إلى سَوْق الماء، كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها. و إن لم تحتجّ إلى سوق الماء أيضاً؛ من جهة أنّه يكفيها ماء السماء، كبعض الأراضي السهلة و التلال التي لا تحتاج في زرعها إلى علاج، و قابلة لأن تزرع ديميّاً، فالظاهر أنّ إحياءها المفيد لتملّكها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها و زرعها، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملّكها. و أمّا الاكتفاء بالمرز من دون حراثة و زراعة ففيه إشكال. نعم، لا إشكال في كونه تحجيراً مفيداً للأولويّة (1).

______________________________

(1) 1- أرض الموات التي يريد أن يجعلها مزرعاً يكون المعتبر فيها أوّلًا إزالة الموانع، و بعدها يكون على فروض: الأوّل: أن تكون الأرض فيها حفر و تلال مانعة عن قابليّتها للزرع، و يعتبر في هذا الفرض تسوية الأرض و ترتيب مائها بأحد الطرق المذكورة في المتن، و بذلك يتمّ إحياؤها، و لا يعتبر فيها الحرث فضلًا عن الزرع. الثاني: الأرض التي لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب الماء؛ لأنّه يكفيها ماء

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 230

..........

______________________________

السماء، و يسمّى هذا في الاصطلاح العرفي ديميّاً

«1»، و يكفي في إحيائها ما عدا ترتيب الماء من الامور الاخر المذكورة. الثالث: أن تكون مهيّأة للزرع بنفسها، و لم يكن فيها مانع عنه ممّا ذكر، بل تحتاج إلى سوق الماء فقط؛ فإنّه يكفي في صدق إحيائها إدارة التراب حولها لأن يتميّز المقدار الذي يريد إحياءه. نعم، لا بدّ من سوق الماء إليها لفرض الاحتياج إليه. الرابع: الفرض المتقدّم مع عدم الاحتياج إلى سوق الماء أيضاً؛ من جهة أنّه يكفيها ماء السماء، و قد عرفت الاصطلاح العرفي فيه. و قد استظهر في هذا الفرض في المتن أنّ الإحياء المفيدة للملكيّة فيه إنّما هو بإدارة المرز حولها، مضافاً إلى الحرث و الزرع، بل نفى البعد عن الاكتفاء بالحرث في ثبوت الملكيّة، و استشكل في الاكتفاء بالمرز فقط من دون حراثة و زراعة، و لعلّ وجه الإشكال عدم صدق الإحياء بمجرّده، بل غايته ثبوت حقّ الأولويّة لأجل التحجير، و قد عرفت «2» المغايرة بينهما عرفاً، فتدبّر.

______________________________

(1) ديمي كلمة فارسيّة، و هو يسمّى باللغة العربيّة: البخس، البعلي و ...، و لعلّ ديمي أو ديميّاً صار معرّباً في بعض البلاد العربيّة.

(2) في ص 214- 218 و 226.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 231

مسألة 3: يعتبر في إحياء البستان كلّ ما اعتبر في إحياء الزرع؛ بزيادة غرس النخيل، أو الأشجار القابلة للنموّ، و لا يعتبر التحويط حتّى في البلاد التي جرت عادتهم عليه على الأقوى، بل الظاهر عدم اعتبار السقي أيضاً، فمجرّد غرس الأشجار القابلة للنموّ كاف فيه (1).

______________________________

(1) 1- حيث يكون الخصوصيّة الموجودة للبساتين وجود أشجار فيها، فالمعتبر في إحياء البستان- مضافاً إلى ما يعتبر في إحياء الزرع ممّا عرفت- غرس النخيل و

إن كانت أثمارها بعد سنين كثيرة، أو الأشجار القابلة للنموّ و إن كانت غير مثمرة، و نفى في المتن اعتبار التحويط حتّى في البلاد التي جرت عادتهم عليه، كأكثر بلادنا في هذه الأزمنة، و ذلك لأجل عدم تقوّم عنوان البستان به، و ليس كعنوان الدار على ما عرفت. كما أنّه استظهر عدم اعتبار السقي أيضاً، و اكتفى بمجرّد كون الشجر غير يابس و قابلًا للنموّ، و الوجه فيه: أنّ السقي المتأخّر لا دخالة فيه لحصول الإحياء. غاية الأمر أنّ عدم السقي يوجب عود الأرض إلى ما كانت عليه، و جواز إحياء الغير لها لو لم يتحقّق التحجير المفيد للأولويّة المحضة فقط، كما عرفت «1».

______________________________

(1) في ص 214- 218.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 232

مسألة 4: يحصل إحياء البئر في الموات بأن يحفرها إلى أن يصل إلى الماء فيملكها بذلك، و قبل ذلك يكون تحجيراً لا إحياءً. و إحياء القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض. و إحياء النهر بحفره و إنهائه إلى الماء المباح، كالشطّ و نحوه بحيث كان الفاصل بينهما يسيراً، كالمرز و المسنّاة الصغيرة، و بذلك يتمّ إحياء النهر، فيملكه الحافر، و لا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلًا و إن اعتبر ذلك في تملّك المياه (1).

______________________________

(1) 1- يحصل إحياء البئر في الموات الذي هو مفروض البحث بحفر الأرض بمقدار يصل إلى الماء؛ لعدم تحقّق هذا العنوان بدونه، و بعد الحفر المذكور يتحقّق الإحياء المفيدة للملكيّة، و قبل ذلك لا يتجاوز عن التحجير المفيد للأولويّة، كما عرفت «1». و تحصل إحياء القناة- أي المجموعة من الآبار التي يجري ماؤها بالأخرة إلى الأرض، و قد عرفت

«2» تسمية البئر الأصلي بامّ الآبار- بحفر الآبار إلى حصول الغاية المذكورة، و هو جريان ماؤها على الأرض، و الاستفادة منه للزراعة و الشرب و نحوهما، كما لا يخفى. و أمّا إحياء النهر، فإنّما يتحقّق بحفره و إنهائه إلى الماء المباح، كالشط و نحوه بحيث لم يكن الفصل بينهما، أو كان الفاصل يسيراً كالمرز و نحوه، و يتمّ بذلك إحياء النهر الموجبة لحصول ملكيّته، و قد نفى اعتبار جريان الماء فيه فعلًا و إن كانت ملكيّة المياه متوقّفة عليه، إلّا أنّ ملكيّة أصل النهر لا تتوقّف عليه. غاية الأمر لزوم قصد التملّك بالإضافة إلى كليهما، كما عرفت «3».

______________________________

(1) في ص 214- 218.

(2) في ص 199 مسألة 8.

(3) في ص 225.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 233

القول في المشتركات

اشارة

و هي الطرق، و الشوارع، و المساجد، و المدارس، و الرباطات، و المياه، و المعادن. مسألة 1:

الطريق نوعان: نافذ، و غير نافذ

. فالأوّل:- و هو المسمّى بالشارع العامّ- محبوس على كافّة الأنام، و الناس فيه شرعٌ سواء، و ليس لأحد إحياؤه و الاختصاص به، و لا التصرّف في أرضه ببناء دكّة أو حائط، أو حفر بئر، أو غرس شجر، أو غير ذلك. نعم، لا يبعد جواز غرس الأشجار و إحداث النهر لمصلحة المارّة لو كان الطريق واسعاً جدّاً، كالشوارع الوسيعة المستحدثة في هذه الأعصار، كما أنّ الظاهر أنّه يجوز أن يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر و غيره، لكونها من مصالحه و مرافقه، لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظاً للمستطرقين و المارّة. بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته إذا احكم الأساس و السقف بحيث يؤمن معه من النقض و الخسف. و أمّا التصرّف في فضائه بإخراج روشن «1»، أو جناح،

______________________________

(1) روشن كلمة فارسية، و هو يسمّى باللّغة العربيّة: الشبّاك، و لعلّه صار معرّباً في بعض البلاد العربيّة.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 234

أو بناء ساباط، أو فتح باب، أو نصب ميزاب، و نحو ذلك، فلا إشكال في جوازه إذا لم يضرّ بالمارّة، و ليس لأحد منعه حتّى من يقابل داره داره، كما مرّ في كتاب الصلح «1». و أمّا الثاني:- أعني الطريق غير النافذ، المسمّى بالسكّة المرفوعة، و قد يطلق عليه الدريبة؛ و هو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح، بل احيط بثلاث جوانبه الدور و الحيطان و الجدران- فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه، دون من كان حائط داره إليه من غير أن يكون بابها

إليه، فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة، يجوز لأربابه سدّه و تقسيمه بينهم، و إدخال كلّ منهم حصّته في داره، و لا يجوز لأحد من غيرهم- بل و لا منهم- أن يتصرّف فيه و لا في فضائه إلّا بإذن من يعتبر إذنه، كما يأتي في المسألة الآتية (1).

..........

______________________________

(1) 1- قد ذكر بعد عدّ المشتركات و عناوينها في هذه المسألة أنّ الطريق على نوعين: نافذ، و غير نافذ. فالأوّل: هو الطريق النافذ- المسمّى بالشارع- مجعول على كافّة الأنام، و الناس فيه شرعٌ سواء، و لا يجوز لأحد إحياؤه و الاختصاص به، و لا التصرّف في أرضه بأحد الامور المذكورة في المتن، و نحو ذلك، و قد نفى البُعد عن جواز غرس الأشجار و إحداث النهر لمصلحة المارّة لو كان الطريق واسعاً جدّاً بحيث لا يوجب ذلك ضيقاً و حرجاً على المارّة و لو كان غير إنسان أصلًا، كما لا يخفى. و استظهر في المتن جواز أن يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر و غيره؛ لكونها من مصالحه و مرافقه، لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظاً

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 540، كتاب الصلح مسألة 21.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 235

..........

______________________________

للمستطرقين و المارّة، و قد تعارف في زماننا حفر بئر في مثل هذه الشوارع، و عمدة الغرض منه اجتماع ماء المطر فيه؛ نظراً إلى نزوله في بعض الأوقات بكثرة، و عدم وجود مسيل قربها ليجري فيه، بل قد استظهر جواز حفر سرداب تحته مع إحكام الأساس و السقف، بحيث يؤمن معه من الانكسار و الانتقاض و الخسف و الهبوط فيه. و أمّا التصرّف في الشارع العامّ بأحد التصرّفات المذكورة في

المتن و نحوه فقد نفى الإشكال في جوازه مع عدم إضراره بالمارّة بوجه، و لا يجوز لأحد منعه حتّى من يقابل داره داره؛ إذ لا توجب المقابلة حقّاً زائداً و امتيازاً خاصّاً في هذه الشوارع، التي تشمل في زماننا كلّ ساحة و عقد لا يكون بدريبة. و قد مرّ ذلك في كتاب الصلح «1». و أمّا الثاني: و هو الطريق غير النافذ، و في عرفنا يطلق عليه الشارع الخاصّ باعتبار عدم مرور غير أفراد خاصّ منه نوعاً، و في التعبير الفارسي يطلق عليه «كوچه بن بست»، و هو الذي لا يسلك منه إلى محلّ آخر من طريق أو مباح، بل احيط بثلاث جوانبه الدور و الحيطان و الجدران، فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه، دون من كان حائط داره إليه دون باب الدار. و عليه: فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة يجوز لأربابه سدّه و تقسيمه بينهم، و إدخال كلّ منهم حصّته في داره، و لعلّ السرّ فيه أنّه من حين الحدوث كان ملكاً لهم؛ لأنّ المتعارف اشتراك الكلّ في حذف مقدار حصّته منه من الدار، فيجوز لهم العود إلى السدّ و التقسيم و الإدخال، و لا يجوز لأحد منهم و لا من غيرهم أن يتصرّف فيه و في فضائه إلّا بإذن الجميع، حتّى حفر البالوعة المشار إليها، و سيأتي ما هو أزيد من ذلك في المسألة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) راجع ص 233.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 236

الشركة في الدريبة

مسألة 2: لا يبعد في «الدريبة» أن يشارك الداخل للأدخل إلى قبالة بابه ممّا هو ممرّه مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعاً، و لا يبعد أن

يشارك الداخل إلى منتهى جدار داره، و ينفرد الأدخل بما بعده، و مع تعدّد الشركاء يشارك الأدخل من الجميع معهم، و ينفرد بما يكون طريقه الخاصّ، فيشترك الجميع من أوّل الدريبة إلى الباب الأوّل، أو منتهى الجدار، ثمّ يشترك فيما عداه ما عدا صاحب الباب الأوّل، و هكذا تقلّ الشركاء إلى آخر الزّقاق. و لا يبعد اختصاص الآخر بالفضلة التي في آخر الزقاق، فيجوز لمن هو أدخل من الجميع أيّ تصرّف شاء فيما ينفرد به، بل و في الفضلة المذكورة، و لا يجوز لغيره التصرّف، كإخراج جناح، أو روشن، أو بناء ساباط، أو حفر بالوعة، أو سرداب، أو نصب ميزاب، و غير ذلك، إلّا بإذن شركائه. نعم، لكلّ منهم حقّ الاستطراق إلى داره من أيّ موضع من جداره، فلكلّ منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأوّل، أو أسبق مع سدّ الباب الأوّل، و عدمه (1).

______________________________

(1) 1- في هذه المسألة فروض: الأوّل: أن لا يكون في «الدريبة» إلّا داران، و يكون باب كلّ منهما مقابلًا للآخر عرفاً، بحيث يكون مقدار ممرّ صاحبهما في الدريبة واحداً كذلك، و لا يكون أحدهما داخلًا و الآخر أدخل، و في هذا الفرض لا يبعد، بل لا ينبغي الإشكال في اشتراك كلّ منهما في الدريبة إلى قبالة بابه؛ لعدم ثبوت مزيّة لأحدهما بوجه، كما أنّه لا يبعد ثبوت المشاركة إلى منتهى جدار الدار و إن اتّصف أحدهما بكثرة الطول فقط، دون الآخر. الثاني: الفرض المزبور مع كون أحدهما داخلًا و الآخر أدخل؛ لكونه واقعاً

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 237

..........

______________________________

متأخّراً عن الآخر بحسب الدرب، و في هذا الفرض لا يبعد أن يقال بأنّه يشارك

الأدخل للداخل إلى قبالة باب الداخل ممّا هو ممرّه، مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعاً، و يجري فيه نفي البُعد عن أن يشارك إلى منتهى جدار داره، و ينفرد الأدخل بما بعده من دون مشاركة. الثالث: تعدّد الشركاء، بحيث كان أحدهم داخلًا، و الآخر أدخل منه، و الثالث أدخل من الثاني، و هكذا، و في هذا الفرض يشارك الأدخل الأوّل الثاني، و الأدخل الثالث الجميع، و ينفرد الأخير بما يكون طريقه الخاصّ، و نفى البُعد بالإضافة إلى الأخير عن الاختصاص بالفضلة التي في آخر الزقاق. و الظاهر أنّه لا بدّ من تقييده بما إذا لم يكن الجدار الواقع فيها للداخل، أو لمن هو أدخل منه دون الأخير، و في صورة الاختصاص يجوز للأخير أيّ تصرّف شاء فيه، كالموارد المذكورة في المتن. و فرّع في آخر المسألة على ما ذكر أنّه لو كان يريد صاحب الجدار فتح الباب من أيّ موضع منه لا مانع منه؛ من دون فرق بين الأدخل و الأسبق، و من دون فرق بين سدّ الباب الأوّل و رفع اليد عنه و عدمه، و الوجه واضح بملاحظة ما مرّ.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 238

عدم جواز فتح الباب إلى الدريبة إلّا بإذن أربابها

مسألة 3: ليس لمن كان حائط داره إلى «الدريبة» فتح باب إليها إلّا بإذن أربابها. نعم، له فتح ثقبة و شبّاك إليها، و ليس لهم منعه؛ لكونه تصرّفاً في جداره لا في ملكهم، و هل له فتح باب إليها لا للاستطراق، بل لمجرّد الاستضاءة و دخول الهواء؟ الأقرب جوازه، و لصاحب الدريبة تحكيم سند المالكيّة لدفع الشبهة (1).

______________________________

(1) 1- لا يجوز لمن كان حائط داره إلى «الدريبة» من دون أن يكون

له درب فيها فتح باب إليها من غير إذن أربابها؛ لما عرفت من اشتراك الدريبة و الاختصاص بمن كان له درب فيها، و يكون ممرّه منها و لو في بعض الأوقات. نعم، له فتح ثقبة و شبّاك إليها، و ليس لأربابها المنع؛ لكونه تصرّفاً في الجدار الذي هو ملكه، كما هو المفروض لا في ملكهم. و هل يجوز له فتح باب إليها من دون الإذن لا للاستطراق، بل لمجرّد الاستضاءة و دخول الهواء؟ استقرب في المتن الجواز؛ لعدم الدخالة في ملك الغير لفرض عدم الاستطراق. نعم، لصاحب الدريبة أو أصحابها تحكيم سند المالكيّة، الدالّ على اختصاص الدريبة بهم؛ لدفع الشبهة الموهمة لجواز الاستطراق.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 239

جواز الجلوس لكلّ من أرباب الدريبة فيها

مسألة 4: يجوز لكلّ من أرباب «الدريبة» الجلوس فيها، و الاستطراق، و التردّد منها إلى داره بنفسه، و ما يتعلّق به من عياله و دوابّه و أضيافه و عائديه و زائريه. و كذا وضع الحطب و نحوه فيها لإدخاله في الدار، و وضع الأحمال و الأثقال عند إدخالها و إخراجها من دون إذن الشركاء، بل و إن كان فيهم القصّر و المولّى عليهم؛ من دون رعاية المساواة مع الباقين (1).

______________________________

(1) 1- بعد ما عرفت من اشتراك «الدريبة» بين أصحاب الأبواب الواقعة فيها، و اختصاص كلّ من الأدخل و الأدخل منه بمزيّة خاصّة، فلازم ذلك أنّه يجوز لكلّ من أرباب الدريبة الجلوس فيها. غاية الأمر لزوم تقييده بما إذا لم يزاحم سائر المستطرقين المشتركين فيها، كما أنّه لا إشكال في جواز الاستطراق و التردّد منها إلى داره أعمّ من نفسه، و ما يتعلّق به من عياله و دوابّه و أضيافه و عائديه

و زائريه. و كذا وضع الحطب الذي كان المعمول في الأزمنة السابقة اشتعال به، و هكذا وضع سائر الامور و الأحمال و الأثقال عند الإدخال في الدار و الإخراج منها من دون إذن الشركاء، كما في سائر الموارد. و قد ترقّى في المتن إلى ما إذا كان فيهم القصّر و المولّى عليهم؛ من دون رعاية المساواة مع الباقين كذلك، كما أنّه لا مجال لتوهّم لزوم رعاية المساواة بالنسبة إلى الأرباب، لا من حيث التردّد، و لا من جهة سائر الامور المذكورة، و الوجه فيه واضح.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 240

جواز الانتفاع من الشوارع و الطرق العامّة ما لم يتضرّر غيره

مسألة 5: الشوارع و الطرق العامّة و إن كانت معدّة لاستطراق عامّة الناس، و منفعتها الأصليّة التردّد فيها بالذهاب و الإياب، إلّا أنّه يجوز لكلّ أحد الانتفاع بها بغير ذلك؛ من جلوس، أو نوم، أو صلاة و غيرها، بشرط أن لا يتضرّر بها أحد على الأحوط، و لم يزاحم المستطرقين و لمن يتضيّق على المارّة (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت «1» أنّ الناس بالنسبة إلى الشوارع و الطرق العامّة شرع سواء، و هي و إن كانت معدّة لاستطراقهم، و المنفعة الأصليّة التردّد فيها بالذهاب و الإياب، إلّا أنّه يجوز لكلّ أحد الانتفاع بها بغير ذلك، كالأُمور المذكورة في المتن بشرط امور ثلاثة: أحدها: أن لا يتضرّر بها أحد، و اعتبار هذا الأمر إنّما هو على سبيل الاحتياط اللزومي، و لعلّ الوجه فيه عدم مزيّة للغير حتّى يلاحظ عدم تضرّره. ثانيها: عدم مزاحمة المستطرقين. ثالثها: عدم التضيّق على المارّة، و الوجه في اعتبار هذين الأمرين واضح.

______________________________

(1) في ص 234.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 241

عدم الفرق بين أنواع جلوس غير المضرّ

مسألة 6: لا فرق في الجلوس غير المضرّ بين ما كان للاستراحة أو النزهة، و بين ما كان للحرفة و المعاملة إذا جلس في الرّحاب و المواضع المتّسعة لئلّا يتضيّق على المارّة، فلو جلس فيها بأيّ غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه (1).

كيفيّة حقّ الجلوس في الطريق

مسألة 7: لو جلس في موضع من الطريق ثمّ قام عنه، فإن كان جلوس استراحة و نحوها بطل حقّه، فجاز لغيره الجلوس فيه، و كذا إن كان لحرفة و معاملة و قام بعد استيفاء غرضه و عدم نيّة العود، فلو عاد إليه بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه، و لو قام قبل استيفاء غرضه ناوياً للعود، ففي ثبوت حقّ له فيه إشكال. نعم، لا يجوز التصرّف في بساطه، فلو قام و لو بنيّة العود و رفع بساطه، فالظاهر جواز جلوس غيره مكانه، و الاحتياط حسن (2).

______________________________

(1) 1- بعد ما عرفت في المسألة المتقدّمة أنّه يجوز في الطرق و الشوارع الانتفاع بغير الاستطراق مع الشرائط المذكورة كالأُمور المتقدّمة، فاعلم أنّه لا فرق في الجلوس فيها كذلك بين ما كان للاستراحة أو النزهة، و بين ما كان للحرفة و المعاملة بعد فرض عدم التضيّق على المارّة، فلو جلس فيها كذلك بأيّ غرض من الأغراض لا يجوز لأحد إزعاجه و منعه عن التصرّف المذكور.

(2) 2- لو جلس في موضع من الطريق العامّ ثمّ قام عنه، ففيه صور:

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 242

..........

______________________________

الاولى: ما كان الغرض من الجلوس الاستراحة أو النزهة أو شبههما، و في هذه الصورة و إن كان لا يجوز لأحد إزعاجه و إجباره على القيام منه، إلّا أنّه مع القيام الاختياري يبطل

حقّه، و يجوز لغيره الجلوس فيه. الثانية: ما إذا كان الغرض من الجلوس الحرفة و المعاملة، و قام بعد استيفاء غرضه و عدم نيّة العود، و حكم هذه الصورة حكم الصورة الاولى، فلو عاد إليه و رأى جلوس غيره فيه لا يجوز له دفعه و إزعاجه بتوهّم ثبوت حقّ له، كما لا يخفى. الثالثة: الصورة المتقدّمة، لكن كان القيام قبل استيفاء غرضه، و في المتن: ناوياً للعود، و لكن مقتضى المقابلة مع الشرطيّة الاولى- الواقع في شرطها أمران- أن يكون الشرط في هذه القضيّة انتفاء مجموع الأمرين: إمّا بانتفائهما، أو بانتفاء أحدهما، و قد استشكل في ثبوت حقّ له فيه. و الوجه فيه: عدم الدليل عليه، بخلاف ما إذا جلس في المسجد لإقامة الصلاة، ثمّ قام عنه لتجديد الوضوء، أو الوضوء و عاد إلى محلّه مع وجود علامة لمحلّ جلوسه. نعم، لا يجوز التصرّف في بساطه؛ لأنّه تصرّف في مال الغير. و كيف كان، لو قام قبل استيفاء الغرض و لو بنيّة العود، لكنّه رفع بساطه بحيث لا أمارة على جلوسه، استظهر في المتن جواز جلوس غيره مكانه. و الوجه فيه:

عدم وجود البساط، و عدم معلوميّة نيّة العود، و لكنّه ذكر أنّ الاحتياط حسن.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 243

ثبوت الحقّ للجالس للمعاملة و عدمه

مسألة 8: ثبوت الحقّ للجالس للمعاملات و نحوها مشكل، بل الظاهر عدمه، لكن لا يجوز إزعاجه ما دام فيه، و لا التصرّف في بساطه، و لا مانع من إشغال ما حوله و لو احتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين معه. و كذا يجوز له القعود بحيث يمنع من رؤية متاعه، أو وصول المعاملين إليه، و ليس له منعه، لكنّ

الاحتياط حسن و مراعاة المؤمن مطلوب (1).

______________________________

(1) 1- المستفاد من المسألة السابقة وجود الحقّ للجالس للمعاملات و نحوها، كثبوت الحقّ للجالس للاستراحة أو النزهة، و لكنّه استشكل في هذه المسألة بالإضافة إليه، بل استظهر العدم، و لعلّ الوجه فيه أنّ الطريق و الشارع العامّ موضوع لمرور الكلّ و عبورهم و لو مع وسائلهم النقليّة و غيرها. و أمّا الاشتغال بالمعاملة و إيجادها فيه بالجلوس في جزء منه، فلا. نعم، لا يجوز إزعاجه و دفعه ما دام الشخص فيه، كما أنّه لا يجوز التصرّف في بساطه بدون إذنه، كما أنّه لا مانع من إشغال ما حوله و لو احتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين معه. و كذا يجوز له القعود بحيث يمنع من رؤية متاعه، أو وصول المعاملين إليه، و لكنّ الاحتياط حسن، و رعاية حال المؤمن- سيّما مع فقره و احتياجه في المعاملة إلى ذلك المحلّ- مطلوب؛ لأنّه إعانة إليه.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 244

جواز تضليل الجالس للمعاملة على موضع جلوسه

مسألة 9: يجوز للجالس للمعاملة أن يظلّل على موضع جلوسه ممّا لا يضرّ بالمارّة بثوب أو بارية و نحوهما، و ليس له بناء دكّة و نحوها فيه (1).

كون حقّ الجلوس في موضع من الطريق لمن سبق

مسألة 10: إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم، فسبقه في يوم آخر شخص آخر و أخذ مكانه، فليس للأوّل إزعاجه و مزاحمته (2).

______________________________

(1) 1- وجه الجواز عدم الدليل على المنع مع عدم الإضرار بالمارّة بوجه. نعم، لا يجوز بناء مثل الدكّة؛ لعدم الاختصاص كذلك.

(2) 2- إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم أو أزيد، فسبقه في اليوم الذي لم يجلس فيه لأجلها شخص آخر و أخذ مكانه، فليس للأوّل إزعاجه و مزاحمته بمجرّد هذه السابقة؛ لما عرفت من عدم ثبوت الحقّ أوّلًا، و عدم إدامته للتالي كلّ يوم على تقديره ثانياً و لو كان مسبوقاً بشخص آخر، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 245

صيرورة الشارع عامّاً بامور

مسألة 11: إنّما يصير الموضع شارعاً عامّاً بامور: الأوّل: بكثرة التردّد و الاستطراق، و مرور القوافل و نحوها في الأرض الموات كالجوادّ الحاصلة في البراري و القفار، التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد. الثاني: أن يجعل إنسان ملكه شارعاً و سبّله تسبيلًا دائميّاً لسلوك عامّة الناس، و سلك فيه بعض الناس؛ فإنّه يصير بذلك طريقاً عامّاً، و لم يكن للمسبّل الرجوع بعد ذلك. الثالث: أن يحيي جماعة أرضاً مواتاً قرية أو بلدة و يتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور و المساكن، و يفتحوا إليه الأبواب. و المراد بكونه نافذاً أن يكون له مدخل و مخرج يدخل فيه الناس من جانب، و يخرجون من جانب آخر إلى جادّة عامّة، أو إلى أرض موات (1).

______________________________

(1) 1- إنّما يصير الموضع شارعاً عامّاً بأحد امور تالية: الأوّل: الأرض الموات التي يكثر التردّد و الاستطراق، و مرور القوافل، و عبور الأحمال و الأثقال منها، كالجادّات الحاصلة

في البراري التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد، و لا ترتبط بشخص خاصّ. الثاني: أن يجعل إنسان ملكه الخاصّ شارعاً و سبّله تسبيلًا دائميّاً لسلوك عامّة الناس، و بعبارة اخرى: يجعله وقفاً لذلك، كجعل ملكه مسجداً مثلًا، و لذا يعتبر فيه سلوك بعض الناس، كالصلاة في المحلّ الذي وقفه مسجداً، و لا يجوز للصاحب الأصلي الرجوع كما في سائر الموارد. الثالث: أن يحيي جماعة أو شخص أرضاً مواتاً بعنوان القرية أو البلدة، و يبقوا

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 246

..........

______________________________

مسلكاً نافذاً بين الدور و المساكن، و يفتحوا إليه الأبواب. و قد عرفت «1» المراد من الطريق النافذ في تقسيم الطريق إلى النافذ و غيره، و حاصله يرجع إلى أن يكون له مدخل و مخرج يدخل فيه الناس من جانب، و يخرجون من جانب آخر إلى جادّة عامّة، أو أرض مباحة في مقابل الدريبة التي هي شارع خاصّ و له أحكام مخصوصة، كما عرفت «2».

و هنا طريق رابع متداول في هذه الأزمنة و هذه الأمكنة؛ من اشتراء رئيس البلديّة دوراً كثيرة، و تخريبها و جعلها شارعاً لأجل كثرة الزحام و كثرة الوسائل النقليّة، بشرط كون الاشتراء خالياً عن الإكراه، و واجداً لطيب النفس، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 234- 235.

(2) في ص 234- 235.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 247

ثبوت الحريم للشارع العامّ في بعض الموارد

مسألة 12: لا حريم للشارع العامّ لو وقع بين الأملاك، فلو كانت بين الأملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع مثلًا، و استطرقها الناس حتّى صارت جادّة، لم يجب على الملّاك توسيعها و إن تضيّقت على المارّة. و كذا لو سبّل شخص في وسط

ملكه، أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة أذرع مثلًا للشارع. و أمّا لو كان الشارع محدوداً بالموات بطرفيه، أو أحد طرفيه، فكان له الحريم؛ و هو المقدار الذي يوجب إحياؤه نقص الشارع من سبعة أذرع على الأحوط، فلو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات، جاز إحياء طرفيه إلى حدّ يبقى له سبعة أذرع، و لا يتجاوز عن هذا الحدّ. و كذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه أربعة أذرع مثلًا، فسبّله شارعاً لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة أذرع، و لو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة، و في الطرف الآخر أرض موات، كان الحريم من طرف الموات. بل لو كان طريق بين الموات، و سبق شخص و أحيا أحد طرفيه إلى حدّ الطريق، اختصّ الحريم بالطرف الآخر، فلا يجوز للآخر الإحياء إلى حدّ لا يبقى للطريق سبعة أذرع، فلو بنى بناءً مجاوزاً لذلك الحدّ الزم هو بهدمه و تبعيده دون المحيي الأوّل (1).

______________________________

(1) 1- في المسألة فروع: الأوّل: أنّ الشارع العامّ لو وقع بين الأملاك، و كانت الشارعيّة العامّة بالنحو الأوّل من الأنحاء الثلاثة المتقدّمة في المسألة السابقة؛ بأن كانت بين الأملاك قطعة

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 248

..........

______________________________

أرض له موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع أو أكثر، و استطرقها الناس حتّى صارت جادّة؛ فإنّه حينئذٍ لا يجب على الملّاك الواقعين في طرفيها توسيعها مطلقاً و إن تضيّقت على المارّة لقلّة العرض. الثاني: ما إذا كان الشارع العامّ بالنحو الثاني من تلك الأنحاء؛ و هو جعل المالك ملكه كذلك؛ سواء كان وسط ملكه أو طرف ملكه المجاور

لملك غيره و لو لم يكن أزيد من ثلاثة أذرع؛ فإنّه لا يجب عليه و لا على الآخرين التوسيع كذلك. الثالث: ما لو كان الشارع العامّ محدوداً بأرض موات بطرفيه، أو أحد طرفيه، فالثابت له في هذه الصورة الحريم؛ و هو المقدار الذي يوجب إحياؤه نقص الشارع من سبعة أذرع على ما هو مقتضى الاحتياط، و الظاهر أنّ ذكر المقدار المذكور لأجل وجود التضيّق بدونه عرفاً. و يمكن أن يكون الدليل عليه رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه و آله في حديث قال: و الطريق يتشاحّ عليه أهله، فحدّه سبعة أذرع «1». لكن في رواية اخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام خمس أذرع «2». و مقتضى الاحتياط الأوّل. و فرّع عليه في المتن أنّه لو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات، جاز إحياء طرفيه إلى حدّ يبقى له سبعة أذرع، و لا يتجاوز عن هذا الحدّ، و هكذا بالإضافة إلى الأرض المباحة، فلو كان لأحد في وسطه ملك عرضه أربعة أذرع مثلًا، فسبّله شارعاً لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق المقدار المذكور.

______________________________

(1) الكافي 5: 296 ح 8، تهذيب الأحكام 7: 145 ح 643، و عنهما وسائل الشيعة 18: 455، كتاب الصلح ب 15 ح 2، و ج 25: 425، كتاب إحياء الموات ب 11 ح 5.

(2) تهذيب الأحكام 7: 130 ح 570، و عنه وسائل الشيعة 18: 455، كتاب الصلح ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 249

..........

______________________________

الرابع: ما لو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة، و في الطرف الآخر أرض موات، فمقتضى ما ذكرنا

ثبوت الحريم من طرف الموات. الخامس: ما لو كان طريق بين الموات، و سبق شخص و أحيا أحد طرفيه إلى حدّ الطريق، و في هذه الصورة يختصّ الحريم بالطرف الآخر، فلا يجوز للشخص الآخر الإحياء إلى حدّ لا يبقى للطريق المقدار المذكور. و عليه: فلو بنى بناءً مع التجاوز عن ذلك الحدّ الزم الباني بهدمه دون الأوّل.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 250

جواز إحياء الطريق إذا انقطع عنه المارّة و ارتفع موضوعه

مسألة 13: إذا استؤجم الطريق، أو انقطعت عنه المارّة زال حكمه، بل ارتفع موضوعه و عنوانه، فجاز لكلّ أحد إحياؤه كالموات، من غير فرق في صورة انقطاع المارّة بين أن يكون ذلك لعدم وجودهم، أو بمنع قاهر إيّاهم، أو لهجرهم إيّاه و استطراقهم غيره، أو بسبب آخر. نعم، في المسبّل لا يخلو جواز الإحياء من إشكال (1).

______________________________

(1) 1- إذا صار الطريق مستأجماً غير قابل للسلوك فيه و العبور عنه، أو انقطعت عنه المارّة بأحد الامور المذكورة في المتن و شبهها، يزول حكم الشارع و الطريق العامّ عنه، بل يرتفع موضوعه و عنوانه، فيصير كالحالة قبل الاتّصاف بذلك، فيجوز لكلّ أحد إحياؤه كالموات. نعم، في الطريق المسبّل الذي جعله المالك الشخصي وقفاً لذلك، فالحكم و العنوان و إن كانا يزولان، إلّا أنّ جواز إحيائه محلّ إشكال، و لعلّ الوجه فيه كونه ملكاً شخصيّاً موقوفاً لذلك، و عروض الاستئجام، أو انقطاع المارّة بأحد الأنحاء المذكورة و شبهها يوجب العود إلى ما كان عليه من ملكيّة الواقف المسبّل، لا صيرورته كالموات القابل للإحياء، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 251

لو زاد الطريق عن سبعة أذرع

مسألة 14: لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع، ففي المسبّل لا يجوز لأحد أخذ ما زاد عليها و إحياؤه و تملّكه قطعاً. و أمّا غيره، ففي جواز إحياء الزائد و عدمه وجهان، أوجههما العدم، إلّا إذا كان الزائد معرضاً عنه (1).

______________________________

(1) 1- لو زاد عرض الطريق العامّ المسلوك عن سبعة أذرع، التي عرفت «1» أنّ مقتضى الاحتياط رعايتها، ففيه صورتان: الاولى: ما كان صيرورته شارعاً بنحو المسبّل الذي جعله المالك الشخصي كذلك و سبّله لهذه الجهة، كسائر الموقوفات المنظور فيها جهة

خاصّة، ففي هذه الصورة لا يجوز مع الزيادة معاملة الموات معها و إحياؤها و تملّكها؛ لأنّه جميعاً قد سبّله المالك و وقفه كذلك، و الوقوف على حسب وقف الواقف، و لا يخرج بالزيادة عن هذا العنوان قطعاً. الثانية: ما كانت صيرورته شارعاً عامّاً بأحد النحوين الآخرين، و قد أفاد في المتن: أنّ في جواز إحياء الزائد و عدم جوازه وجهان: منشؤهما أنّ فرض الزيادة يوجب كون الزائد حكمه كالأوّل قبل الصيرورة شارعاً، فيجوز إحياؤه، و أنّ الزائد على السبعة و إن كان غير لازم في الاتّصاف المذكور، إلّا أنّه لا يستلزم الخروج عن هذا العنوان في صورة الزيادة، و قد استوجه الوجه الثاني مستثنياً لما إذا كان الزائد معرضاً عنه؛ لصيرورة الزائد مع هذا الفرض بحكم الأوّل؛ لتحقّق الإعراض و عدم الاستفادة منه بهذا العنوان، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 248، الفرع الثالث.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 252

كون المسجد من المشتركات

مسألة 15: و من المشتركات المسجد، و هو من مرافق المسلمين يشترك فيه عامّتهم و هم شرع سواء في الانتفاع به، إلّا بما لا يناسبه و نهى الشارع عنه، كمكث الجنب فيه و نحوه، فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء، بل و تدريس، أو وعظ، أو إفتاء و غيرها، ليس لأحد إزعاجه؛ سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه، فليس لأحد بأيّ غرض كان مزاحمة من سبق إلى مكان منه بأيّ غرض كان. نعم، لا يبعد تقدّم الصلاة جماعة أو فرادى على غيرها من الأغراض، فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس، و أراد أحد أن يصلّي في

ذلك المكان جماعة أو فرادى، يجب عليه تخلية المكان له. نعم، ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرّد الاقتراح، بل كان إمّا لانحصار محلّ الصلاة فيه، أو لغرض راجح دينيّ، كالالتحاق بصفوف الجماعة و نحوه. هذا، و لكن أصل المسألة لا تخلو من إشكال فيما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة- كالدعاء و القراءة- لا لمجرّد النزهة و الاستراحة، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة، و للسابق بتخلية المكان له، و الظاهر تسوية الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة، فلا أولويّة للثانية على الاولى، فمن سبق إلى مكان للصلاة منفرداً فليس لمريد الصلاة جماعة إزعاجه لها و إن كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له، و لا يكون منّاعاً للخير عن أخيه (1).

______________________________

(1) 1- لا شبهة في أنّه من المشتركات المسجد؛ و هو معبد المسلمين في مقابل معبد اليهود و معبد النصارى و غيرهما من الملل الاخر، يشترك فيه عامّتهم من دون

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 253

..........

______________________________

زيادة ارتباط إلى أحد، و تشترك المساجد من هذه الجهة و إن اختلفت من حيث مقدار الفضيلة، كمسجد الحرام، أو مسجد المدينة، أو مسجد الجامع، أو مسجد السوق، أو مسجد المحلّ، و المسلمون كلّهم شرعٌ سواء في الانتفاع به، إلّا بما لا يناسبه و نهى الشارع عنه، كمكث الجنب و نحوه، و يحتمل أن يكون العطف بأو، و المكث مثال للثاني، فما لا يناسبه عبارة عن جعله محلّ حرفته و معاملته، سيّما بالإضافة إلى الامور غير المتناسبة للإدخال في المسجد، كالأنعام الثلاثة و نحوها. و كيف كان، فمن سبق إلى

مكان منه لصلاة أو عبادة اخرى، بل و لو لم يكن بحسب بادئ النظر عبادة، بل كان تدريساً، أو وعظاً، أو إفتاءً، أو قضاءً و رفع تخاصم و نحوها، لا يجوز لأحد إزعاجه و منعه؛ سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه. و جعل مثل التدريس و الوعظ مقابلًا للعبادة لعلّه بملاحظة ما أفاده الماتن قدس سره في علم الاصول؛ من أنّ النسبة بين المقرّبيّة و العباديّة عموم و خصوص مطلقاً؛ نظراً إلى أنّ كلّ عبادة مقرّبة، و ليس كلّ مقرّب عبادة؛ فإنّ الواجبات التوصّليّة إذا اريد بها التقرّب تصير مقرّبة، و لا تكون عبادة، و التحقيق هناك «1». نعم، نفى في المتن البعد عن تقدّم الصلاة مطلقاً على غيرها من الأغراض، و لعلّ السرّ فيه أنّ الغرض الأصلي من تأسيس المساجد و إيجادها هي الصلاة، و لأجله سمّيت بالمساجد، فتدبّر. و قد فرّع عليه أنّه لو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو مثلها، و أراد أحد أن يصلّي في ذلك المكان جماعة أو فرادى، يجب عليه تخلية المكان له، خصوصاً

______________________________

(1) تهذيب الاصول 1: 206- 207، مناهج الوصول 1: 258- 259.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 254

..........

______________________________

بالإضافة إلى الأزمنة التي يصلّي الناس فيه جماعة، و ذكر أنّه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرّد الاقتراح، بل كان إمّا لانحصار محلّ الصلاة فيه، أو لغرض راجح دينيّ، كالمثال المذكور في المتن. و لكن مع ذلك ذكر أنّ أصل المسألة لا تخلو من إشكال فيما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة لا الاستراحة و نحوها، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط بالإضافة إلى

كليهما المسبوق لأجل عدم المزاحمة، و السابق بتخلية المكان له. و هذا نظير ما يقال في الضيف من أنّه لا ينبغي له أن يوقع صاحبه في الكلفة و المشقّة، و ينبغي للصاحب أن يضيفه بقدر الإمكان، و استظهر في آخر المسألة التسوية في الصلاة بين الجماعة و الفرادى من هذه الجهة، و إن جعل الأولى للسابق تخلية المكان للجماعة إذا وجد مكان آخر للصلاة فرادى؛ فإنّه يحسن أن لا يكون الإنسان منّاعاً للخير.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 255

بطلان حقّ الجالس السابق بالإعراض عنه

مسألة 16: لو قام الجالس السابق و فارق المكان رافعاً يده منه معرضاً عنه بطل حقّه- على فرض ثبوت حقّ له- و إن بقي رحله، فلو عاد إليه و قد أخذه غيره ليس له إزعاجه. نعم، لا يجوز التصرّف في بساطه و رحله. و إن كان ناوياً للعود، فإن كان رحله باقياً بقي حقّه لو قلنا بثبوت حقّ له، و لكن لا يجوز التصرّف في رحله على أيّ حال، و إلّا فالظاهر سقوط حقّه على فرض ثبوته، لكن ثبوت حقّ في أمثال ذلك مطلقاً لا يخلو من تأمّل و إن يظهر منهم التسالم عليه في خصوص المسجد، و الأحوط عدم إشغاله، خصوصاً إذا كان خروجه لضرورة، كتجديد طهارة، أو إزالة نجاسة، أو قضاء حاجة (1).

______________________________

(1) 1- لو قام الجالس السابق و فارق المكان، ففيه صورتان: إحداهما: ما إذا رفع يده منه معرضاً عنه، و في هذه الصورة حكم ببطلان حقّه على فرض ثبوت حقّ له؛ سواء بقي رحله أم لا، فلو عاد إليه بقصد جديد و قد أخذه غيره ليس له إزعاجه و دفعه حتّى يجلس مكانه. نعم، لا يجوز التصرّف

في بساطه و رحله؛ لأنّه من أمواله فلا يحلّ التصرّف فيه بدون إذنه. ثانيتهما: ما إذا لم يعرض عنه، بل كان ناوياً للعود، و قد فصّل فيها بأنّه إن كان رحله باقياً بقي حقّه لو قلنا بثبوت حقّ له، و إلّا فالظاهر سقوط حقّه، لكن نفى الخلوّ عن التأمّل في ثبوت الحقّ في أمثال ذلك، قائلًا: و إن يظهر منهم التسالم عليه في خصوص المسجد، و لذا احتاط وجوباً بعدم اشتغاله، خصوصاً إذا كان خروجه لضرورة، كالأمثلة المذكورة في المتن.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 256

وضع الرحل مقدّمة للجلوس

مسألة 17: الظاهر أنّ وضع الرحل مقدّمة للجلوس، كالجلوس في إفادة الأولويّة، لكن إن كان ذلك بمثل فرش سجّادة و نحوها ممّا يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه، لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك و شبهها (1).

______________________________

(1) 1- لا يلزم في ثبوت الأولويّة نفس الجلوس، بل يكفي وضع الرحل مقدّمة للجلوس، لكنّ اللازم أن يكون ذلك مثل فرش سجّادة و نحوها ممّا يشغل مقدار مكان الصلاة كاملًا أو معظمه، أو شيئاً ظاهراً في الاختصاص، و ثابتاً لمالك خاصّ، لا مثل وضع تربة أو سبحة أو نحو ذلك ممّا يكون فاقداً للأمرين، و لا إشعار فيه بالمقدّمية للجلوس، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 257

اعتبار عدم طول الزمان بين وضع الرحل و مجيئه

مسألة 18: يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل و مجيئه طول زمان؛ بحيث استلزم تعطيل المكان، و إلّا لم يفد حقّاً، فجاز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه، و رفع رحله و الصلاة مكانه إذا شغل المحلّ بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلّا برفعه، و الظاهر أنّه يضمنه الرافع إلى أن يوصله إلى صاحبه. و كذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء رحله فيه (1).

______________________________

(1) 1- يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل و مجيئه طول زمان، أو كان وضع الرحل دليلًا على إرادة الواضع الشركة في صلاة الجماعة، و مع ذلك انعقدت و تمّت و لم يجي ء و إن لم يطل الزمان، و في هذا الفرض يجوز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه، و رفع رحله و الصلاة مكانه إذا شغل المحلّ بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلّا برفعه، و الظاهر ثبوت المنافاة بين ما هنا، و بين ما تقدّم في

المسألة السادسة عشر؛ لأنّ ظاهرها عدم جواز التصرّف في رحله على أيّ حال. و كيف كان، فالحكم الوضعي- و هو الضمان- ثابت بمقتضى على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي «1»؛ لأنّ المورد من مصاديقه، و العجب أنّه قدس سره يصرّح بأنّه و كذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء رحله فيه، إلّا أن يقال: إنّ النظر إلى الحكم الوضعي فقط، فتدبّر.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1429 ه ق

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة؛ ص: 257

______________________________

(1) تقدّم في ص 17 من كتاب الغصب.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 258

كون المشاهد كالمساجد

مسألة 19: المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام؛ فإنّ المسلمين فيها شرعٌ سواء؛ سواء العاكف فيها و الباد، و المجاور لها و المتحمّل إليها من بُعد البلاد، و من سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة، ليس لأحد إزعاجه. و هل للزيارة أولويّة على غيرها كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويّتها؟ لا يخلو من وجه، لكنّه غير وجيه، كأولويّة من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين و إن كان ينبغي لهم مراعاتهم، و حكم مفارقة المكان و وضع الرحل و بقائه كما سبق في المساجد (1).

______________________________

(1) 1- قد تعرّض في هذه المسألة لحكم المشاهد، و أنّها كالمساجد في جميع الأحكام المذكورة لها؛ نظراً إلى أنّ المسلمين فيها شرع سواء؛ من دون فرق بين العاكف فيها و الباد. و قد وقع التصريح بذلك في

الكتاب بالإضافة إلى بعضها بقوله- تعالى: «سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ» «1»، و كذا؛ من دون فرق بين المجاورين لها و لو قصدوا الإقامة ما دامت الحياة، و المتحمّل إليها من البلاد البعيدة، و من سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة، لا يجوز لأحد إزعاجه. و هل للزيارة أولويّة على غيرها كالصلاة في المسجد، كما نفى البُعد عنه في المسألة الخامسة عشر، و ذكرنا ما هو الوجه في ذلك؟ قد نفى خلوّه عن الوجه هنا، لكنّه ذكر عقيبه أنّه غير وجيه، و لعلّ الوجه فيه شبيه ما ذكرناه في المساجد، و لكنّه

______________________________

(1) سورة الحجّ 22: 25.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 259

..........

______________________________

يرد عليه: أنّه لم يوضع المشاهد لمجرّد الزيارة؛ لاشتمال الزيارة على الصلاة و الدعاء نوعاً، فهي موضوعة للجميع، أ لا ترى أنّ زيارة عليّ بن موسى الرضا عليهما آلاف التحيّة و الثناء تشتمل على الصلاة المركّبة من سورتي يٰس و الرحمن، و الدعاء عقيبها «1». كما أنّه لا أولويّة لمن جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين و إن كان ينبغي لهم بملاحظة توفيقهم للزيارة طول السنة مراعاة المسافرين المقيمين في مدّة محدودة و زمان غير طويل، و حكم مفارقة المكان و وضع الرحل و بقائه كما سبق في المساجد؛ من دون فرق بينهما من هذه الجهة أصلًا، كما لا يخفى.

______________________________

(1) كامل الزيارات: 513- 519 ب 102 ح 801، الفقيه 2: 363- 367 ب 223، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 267- 270 ب 68، تهذيب الأحكام 6: 86- 89 ب 35 ح 171، المزار الكبير: 647- 653 ب 1، مصباح الزائر:

388- 394، الفصل الثالث عشر، و في بحار الأنوار 102: 44- 48 ب 5 ح 1 عن العيون و كامل الزيارات.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 260

كون المدارس من المشتركات

مسألة 20: و من المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم، أو الطائفة الخاصّة منهم إذا خصّها الواقف بصنف خاصّ، كما إذا خصّها بصنف العرب أو العجم، أو طالب العلوم الشرعيّة، أو خصوص الفقه مثلًا، فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم يفارقها معرضاً عنها و إن طالت مدّة السكنى، إلّا إذا اشترط الواقف له مدّة معيّنة، كثلاث سنين مثلًا، فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة و إن لم يؤمر به، أو شرط اتّصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة، كما إذا شرط كونه مشغولًا بالتحصيل أو التدريس، فطرأ عليه العجز لمرض و هرم أو نحو ذلك (1).

______________________________

(1) 1- من المشتركات المدارس؛ فإنّها على حسب وقفها- كسائر الامور الموقوفة- لا يجوز أوّلًا لغير من وقف عليه السكنى في حجراتها؛ سواء كان الموقوف عليهم مطلق طالب العلم، أو خصوص طائفة من الطلّاب، و سواء كانت الخصوصيّة من جهة العربيّة و العجميّة و غيرهما، أم كانت من جهة العلوم التي يشتغلون بها، كعلم الفقه، أو علم الطبّ و مثلهما، فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم يفارقها معرضاً عنها و إن طالت مدّة السكنى. و قد تأمّل الماتن قدس سره في بعض المسائل السابقة في ثبوت الحقّ في غير المسجد، لكن لا ترجع عبارته في هذه المسألة إلى ثبوت الحقّ؛ لأنّه على تقدير عدمه أيضاً ليس للمزعج خصوصيّة زائدة بالإضافة إلى العين الموقوفة؛ لأنّ المفروض اشتراكه مع السابق في

هذه الجهة، و قد استثنى في المتن موردين: أحدهما: ما إذا اشترط الواقف للسكونة في المدرسة مدّة معيّنة، كثلاث سنين

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 261

..........

______________________________

مثلًا، فاللازم عليه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة و إن لم يؤمر به. ثانيهما: ما إذا شرط اتّصافه بصفة كالعدالة مثلًا، فزالت عنه تلك الصفة، و كالمثالين المذكورين في المتن، و مثله ما إذا شرط على الموقوف عليه شيئاً، كالإتيان بصلاة الليل أو قراءة القرآن في كلّ يوم، فلم يعمل بالشرط مطلقاً، أو في بعض الأيّام و الليالي؛ فإنّه حينئذٍ لا يجوز له البقاء في المدرسة.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 262

عدم بطلان حقّ الساكن بالخروج لحاجة معتادة

مسألة 21: لا يبطل حقّ الساكن بالخروج لحاجة معتادة، كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة و نحوها قطعاً و إن لم يترك رحله، و لا يلزم تخليف أحد مكانه، بل و لا بالأسفار المتعارفة المعتادة، كالرواح للزيارة، أو لتحصيل المعاش، أو للمعالجة مع نيّة العود و بقاء متاعه و رحله ما لم تطل المدّة إلى حدّ لم يصدق معه السكنى و الإقامة عرفاً، و لم يوجب تعطيل المحلّ زائداً على المتعارف، و لم يشترط الواقف لذلك مدّة معيّنة، كما إذا شرط أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلًا، فيبطل حقّه لو تعدّى زمن خروجه عن تلك المدّة (1).

______________________________

(1) 1- لا يوجب بطلان حقّ الساكن في المدرسة الخروج لحاجة معتادة، كالأمثلة المذكورة في المتن، خصوصاً إذا كانت شرعيّة، كالخروج لغسل الجنابة مثلًا، و الظاهر أنّ «الواو» في قوله: «و إن لم يترك رحله» زيادة و من غلط النسخة، و المراد عدم البطلان مشروطاً بعدم ترك

الرحل، و كذا لا يبطل بالأسفار المتعارفة مع نيّة العود و بقاء رحله و متاعه، و قد تداول في هذه الأزمنة و البلاد سفر الروحانيّين للتبليغ و الترويج في شهر رمضان و العشر الأوّل من شهر محرّم الحرام ثمّ العود إلى مدارسهم، و كذا في الشتاء لحرارة الهواء. و كيف كان، فأصل الجواز و إن كان لا شبهة فيه، إلّا أنّه مشروط أوّلًا بعدم طول المدّة إلى حدّ لا يصدق معه السكنى عرفاً، و موجب لتعطيل المحلّ زائداً على المتعارف، و ثانياً بعدم اشتراط الواقف لذلك مدّة معيّنة كما في المتن، فيبطل حقّه لو تعدّى زمان خروجه عن تلك المدّة المشترطة، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 263

حقّ الإقامة في الحجرة لمن يستحقّ السكنى بها

مسألة 22: من أقام في حجرة منها ممّن يستحقّ السكنى بها، له أن يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدّاً لواحد، إمّا بحسب قابليّة المحلّ، أو بسبب شرط الواقف، و لو اعدّ لما فوقه لم يكن له منع غيره إلّا إذا بلغ العدد الذي اعدّ له، فللسكنة منع الزائد (1).

______________________________

(1) 1- إذا كان المسكن في المدرسة معدّاً لواحد، إمّا لأجل عدم قابليّة المحلّ لأزيد منه، أو بسبب شرط الواقف، لا يجوز لغير من أقام في حجرة منها من المستحقّين للسكنى بها أن يشارك الساكن، و له أن يمنعه منها، و إذا كان المسكن معدّاً لأزيد من واحد لا يجوز للساكن كذلك السابق مزاحمة الغير، إلّا مع بلوغ العدد الذي اعدّ له، فلمن سكن منع الزيادة على العدد المذكور، كالواحد على ما عرفت.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 264

كون الرباطات من المشتركات

مسألة 23: يلحق بالمدارس الرباطات؛ و هي المواضع المبنيّة لسكنى الفقراء، و الملحوظ فيها غالباً للغرباء، فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها كان أحقّ به، و ليس لأحد إزعاجه، و الكلام في مقدار حقّه، و ما به يبطل حقّه، و جواز منع الشريك و عدمه فيها، كما سبق في المدارس (1).

______________________________

(1) 1- يلحق بالمدارس التي تقدّم حكمها من جهة السكونة في حجراتها الرباطات؛ و هي المواضع المبنية لسكنى الفقراء، أعمّ من البلد أو في الطريق العامّ الذي يتحقّق منه السفر، كما هو كذلك في بعض الأبنية التي أوجدها بعض الامراء، و الآن أثرها باقٍ، و الملحوظ فيها غالباً الفقراء. و كيف كان، فمن سبق من المستحقّين إلى إقامة بيت منها موقّتاً أو دائماً كان أحقّ به، و ليس لغيره

إزعاجه و دفعه. و الكلام فيها كالكلام في المدارس على ما عرفت «1».

______________________________

(1) في ص 260- 261.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 265

كون المياه من المشتركات

مسألة 24: و من المشتركات المياه، و المراد بها مياه الشطوط و الأنهار الكبار كدجلة و الفرات و النيل، أو الصغار التي لم يجرها أحد، بل جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج، و كذلك العيون المنفجرة من الجبال، أو في أراضي الموات، و المياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار؛ فإنّ الناس في جميع ذلك شرعٌ سواء، و من حاز منها شيئاً بآنية أو مصنع أو حوض و نحوها مَلَكه و جرى عليه أحكام الملك؛ من غير فرق بين المسلم و الكافر. و أمّا مياه العيون و الآبار و القنوات التي حفرها أحد في ملكه، أو في الموات بقصد تملّك مائها، فهي ملك للحافر كسائر الأملاك، لا يجوز لأحد أخذها و التصرّف فيها إلّا بإذن المالك، عدا بعض التصرّفات التي مرّ بيانها في كتاب الطهارة «1»، و ينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعيّة، قهريّة كانت كالإرث، أو اختياريّة كالبيع و الصلح و الهبة و غيرها (1).

______________________________

(1) 1- من المشتركات المياه؛ لا كلّها بل مياه الشطوط و الأنهار الكبار، كالموارد المذكورة في المتن، أو الأنهار الصغار الجارية بنفسها من دون أن يكون شخص دخيلًا في جريانها، و كان المنشأ لجريانها بنفسها إمّا كونها من العيون، و إمّا السيول، و إمّا ذوبان الثلوج، و كذلك العيون المنفجرة من الجبال، أو في أراضي الموات، و كذلك المياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار؛ فإنّ جميع الناس في ذلك شرعٌ سواء؛ من دون الاختصاص بالبلد أو القرية التي تكون

هي فيها، فماء الفرات عامّ لا يختصّ بواحد و لو كان حاكماً و أميراً، فكيف أمروا بأن يمنعوه عن

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 28 مسألة 7.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 266

..........

______________________________

آل الرسول صلى الله عليه و آله؟! و بالجملة: من حاز من المياه المشتركة شيئاً بآنية، أو مصنع، أو حوض و نحوها ملكه و جرى عليه أحكام الملك، و لا فرق في حصول الملكيّة بالحيازة بين المسلم و الكافر و إن كان ربما يحتمل أو يقال بالفرق بينهما في مسألة الإحياء، فتدبّر. و أمّا مياه العيون غير المنفجرة، و الآبار و القنوات التي حفرها أحد في ملكه أو في الموات مع قصد حيازة الماء و تملّكها، فهي ملك للحافر كسائر الأملاك، و لا يجوز لأحد أخذها و التصرّف فيها إلّا بإذن المالك، عدا بعض التصرّفات التي مرّ بيانها في كتاب الطهارة «1»، كالوضوء منها، و يترتّب عليها الانتقال بالنواقل الشرعيّة، قهريّة أو اختياريّة؛ لعدم الفرق بينها، و بين سائر الأملاك بوجه، كما عرفت.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، أحكام التخلّي و الوضوء: 213- 214.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 267

تمليك ماء النهر الّذي شقّه من ماء مباح

مسألة 25: إذا شقّ نهراً من ماء مباح كالشطّ و نحوه، ملك ما يدخل فيه من الماء، و يجري عليه أحكام الملك، كالماء المحوز في آنية و نحوها، و تتبع ملكيّة الماء ملكيّة النهر، فان كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام، و إن كان لجماعة ملكَ كلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من ذلك النهر، فإن كان لواحد نصفه و لآخر ثلثه و لثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة و هكذا،

و لا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي التي تسقى منه. فلو كان النهر مشتركاً بين ثلاثة أشخاص بالتساوي، كان لكلّ منهم ثلث الماء، و إن كانت الأراضي التي تسقى منه لأحدهم ألف جريب، و لآخر جريباً، و لآخر نصف جريب، فيصرفان ما زاد على احتياج أرضهما فيما شاءا، بل لو كان لأحدهما رحىً يدور به و لم يكن له أرض أصلًا، يساوي مع كلّ من شريكيه في استحقاق الماء (1).

______________________________

(1) 1- إذا أوجد نهراً و أوصله بماء مباح كالبحر و الشطّ و الأنهار الكبيرة التي عرفت أنّ الناس فيها شرع سواء، و لا مزيد لأحد بالإضافة إليها، فهو كما أنّه مالك للنهر؛ لأنّ المفروض إيجاده في الأراضي المباحة أو الموات كذلك مالك لما يدخل فيه من الماء، و يجري عليه أحكام الملك؛ لأنّ النهر كالظرف لتلك الماء، كالآنية الصغيرة التي يحاز فيها الماء و نحوها. غاية الأمر أنّ مقدار ملكيّة الماء تابع لمقدار ملكيّة النهر، فإن كان النهر لواحد ملك تمام الماء الجاري فيه، و إن كان لجماعة ملك كلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من النهر، فإن كان لواحد نصفه و لآخر ثلثه و لثالث سدسه ملكوا التمام بنسبة النصف

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 268

..........

______________________________

و الثلث و السدس، و لا يكون هناك ما زاد أصلًا؛ لأنّ النسب الثلاثة مجموعها تمام الماء، و لا وجه لأن تكون ملكيّة الماء تابعة لمقدار الأراضي التي تسقى منه. ففي المثال المذكور في المتن يكون النهر مشتركاً بين الثلاثة بالتساوي فرضاً، و لكنّ الأراضي التي تسقى منه يكون لأحدهم ألف جريب، و لآخر جريباً، و لآخر نصف جريب، فيجوز للأخيرين صرف

ما زاد على احتياج أرضهما فيما شاءا. و قد ذكر في المتن: بل لو كان لأحدهما رحىً يدور به، و لم يكن له أرض أصلًا، يساوي مع كلّ من شريكيه في استحقاق الماء، و لا يوجب الرحى زيادة استحقاق له و لو بهذا المقدار، بل مقدار الاستحقاق تابع لملكيّة النهر على ما عرفت.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 269

كيفيّة ملكيّة النهر المتّصل بالمباح

مسألة 26: إنّما يملك النهر المتّصل بالمباح بحفره في الموات بقصد إحيائه نهراً مع نيّة تملّكه إلى أن يوصله بالمباح، كما مرّ في إحياء الموات، فإن كان الحافر واحداً ملكه بالتمام، و إن كان جماعة كان بينهم على قدر ما عملوا، فمع التساوي بالتساوي، و مع التفاوت بالتفاوت (1).

______________________________

(1) 1- قد مرّ «1» في كتاب إحياء الموات أنّ ملكيّة النهر المتّصل بالمباح في أرض الموات إنّما هو بحفره فيه بقصد إحيائه نهراً مع نيّة تملّكه إلى أن يوصله بالموات، فإن كان الحافر كذلك مباشرة أو استئجاراً واحداً ملكه- أي النهر- بالتمام، و إن كان جماعة كذلك كان بينهم على قدر ما عملوا، أو الاجرة التي أعطوها الأجير، فمع التساوي بالتساوي، و مع التفاوت بالتفاوت. و بالجملة: فملكيّة النهر تابعة للعمل مباشرة أو تسبيباً، و قد عرفت أنّ ملكيّة الماء تابعة لملكيّة النهر.

______________________________

(1) في ص 232.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 270

حكم النهر المشترك بين جماعة

مسألة 27: لمّا كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركاً بينهم، كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكلّ واحد منهم التصرّف فيه و أخذه و السقاية به إلّا بإذن باقي الشركاء، فإن لم يكن بينهم تعاسر، و يبيح كلّ منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كلّ وقت و زمان، فلا بحث. و إن وقع بينهم تعاسر، فإن تراضوا بالتناوب و المهاياة بحسب الساعات أو الأيّام أو الأسابيع مثلًا فهو، و إلّا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء؛ بأن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتّى يتساوى الماء الجاري فيها، و يجعل لكلّ منهم من الثقب بمقدار

حصّته، و يجري كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به في ساقية تختصّ به. فإذا كان بين ثلاثة و سهامهم متساوية، فإن كانت الثقب ثلاثاً متساوية جعلت لكلّ منهم ثقبة، و إن كانت ستّاً جعلت لكلّ منهم ثقبتان، و إن كانت سهامهم متفاوتة تجعل الثقب على أقلّهم سهماً، فإذا كان لأحدهم نصفه، و لآخر ثلثه، و لثالث سدسه جعلت الثقب ستّاً، ثلاث منها لذي النصف، و اثنتان لذي الثلث و واحدة لذي السدس، و هكذا، و بعد ما أفرزت حصّة كلّ منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت اشتراك ماء النهر إذا كان النهر مشتركاً بين جماعة، اثنين أو أزيد، و عليه: فحكمه حكم سائر الأموال المشتركة في أنّه لا يجوز لكلّ واحد من الشريكين أو الشركاء التصرّف فيه و أخذه و السقاية في المقام إلّا بإذن باقي الشركاء، فإن لم يكن بينهم تعاسر و أباح كلّ منهم سائر الشركاء أن يقضي منه

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 271

..........

______________________________

حاجته في كلّ وقت و زمان فلا كلام. و إن وقع بينهم تعاسر و تضايق، فإن تراضوا بالتناوب و المهاياة- سواء كانت بحسب الساعات، أو الأيّام، أو الأسابيع، أو الأشهر مثلًا- فهو، و إلّا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء. و كيفية التقسيم كذلك على ما في المتن، و يساعده الاعتبار و العرف، أن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتّى يتساوى الماء الجاري فيها، و يجعل لكلّ منهم من الثقب بمقدار حصّته، و يجري كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به في ساقية تختصّ به، و توضّحه

الأمثلة المذكورة في المتن، و لا حاجة بل لا فائدة في التكرار و الإعادة، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 272

حكم القسمة بحسب الأجزاء، أو المهاياة

مسألة 28: الظاهر أنّ القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها، و هي لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها. و أمّا المهاياة، فهي موقوفة على التراضي، و ليست بلازمة، فلبعضهم الرجوع عنها حتّى فيما إذا استوفى تمام نوبته و لم يستوف الآخر نوبته و إن ضمن حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل مع إمكانه، و إلّا فبالقيمة (1).

______________________________

(1) 1- لقد استظهرت في هذه المسألة أنّ القسمة إن كانت بحسب الأجزاء، فهي قسمة إجبار؛ لأنّه لا تعقل القسمة الحقيقيّة بدونها، و لازمها أنّه إذا طلبها أحد الشريكين أو الشركاء يجبر الممتنع عليها، و هي لازمة، و ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها، و هي المذكورة عمدتاً في بحث القسمة من كتاب الشركة، كتقسيم الدار المشترك بين اثنين بنصفين حقيقيّين؛ فإنّه لازم كما هو المذكور في ذلك البحث «1». و إن كانت مهاياة و واقعة على نحو التناوب الذي هي كالقسمة الحقيقيّة؛ لعدم خروجها عن الزيادة و النقيصة في الجملة، فهي موقوفة على التراضي ابتداءً و استدامةً. أمّا من حيث الابتداء، فيمكن أن لا يرضى الجميع بذلك. و أمّا من حيث الاستدامة، فيمكن لبعضهم الرجوع عنها، و في هذه الصورة لا فرق بين أن يكون الرجوع قبل استيفاء نوبته أو بعده و لو استوفى تمام نوبته و لم يستوف الباقون شيئاً، غاية الأمر ثبوت الضمان حينئذٍ بالمثل أو القيمة كسائر موارد الضمان.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الشركة: 121- 122.

تفصيل الشريعة - الغصب،

إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 273

اجتماع أملاك على ماء مباح

مسألة 29: إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو وادٍ أو نهر و نحوها؛ بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي، أو الدوالي، أو النواعير، أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار، كان للجميع حقّ السقي منه، فليس لأحد أن يشقّ نهراً فوقها يقبض الماء كلّه، أو ينقصه عن مقدار احتياج تلك الأملاك، و حينئذٍ فإن وفى الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو. و إن لم يف و وقع بين أربابها في التقدّم و التأخّر التشاح و التعاسر يقدّم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن علم السابق، و إلّا يقدّم الأعلى فالأعلى، و الأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء و أصله، فيقضي الأعلى حاجته ثمّ يرسله إلى ما يليه و هكذا، لكن لا يزيد للنخل عن الكعب- أي قبّة القدم- على الأحوط و إن كان الجواز إلى أوّل الساق لا يخلو عن قوّة، و للشجر عن القدم، و للزرع عن الشراك (1).

______________________________

(1) 1- إذا اجتمعت أملاك لأشخاص متعدّدة؛ سواء كانت تلك الأملاك مشتملة على النخل، أو على شجر آخر، أو كانت معدّة للزراعة و زرع صاحبها فيها، أو مختلفة من هذه الجهة، و كان اجتماعها على ماء مباح من عين أو واد أو نهر و نحوها، و كان هؤلاء الأشخاص مشتركين في إحيائها ليسقوها منه ما يتعلّق بهم من الأملاك بأحد الوسائل المذكورة في المتن، يكون للجميع حقّ السقي منه؛ لاشتراكهم في الإحياء على ما هو المفروض. و عليه: فلا يجوز لأحد أن يشقّ نهراً فوقها موجباً لقبض الماء كلّه، أو حدوث النقص على مقدار احتياج تلك الأملاك.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات

و اللقطة، ص: 274

..........

______________________________

و حينئذٍ إن وفى الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو، و إن لم يف و وقع التشاحّ و التنازع بين أربابها في التقدّم و التأخّر، فإن كان السابق و من بعده معلوماً يقدّم الأسبق فالأسبق، و إلّا فلا محيص عن تقديم الأعلى فالأعلى و الأقرب فالأقرب إلى أصل الماء، فيقضي الأعلى حاجته ثمّ يرسله إلى ما يليه و هكذا، لكن ذكر في المتن للنخل و الشجر و الزرع حدّاً معيّناً، منشؤه بعض الروايات الواردة. كرواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: قضى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله في سيل وادي مهزور للزرع إلى الشراك، و للنخل إلى الكعب، ثمّ يرسل الماء إلى أسفل من ذلك. قال ابن عمير- الراوي عن غياث مع واسطة-: و مهزور موضع واد «1». و قال الصدوق بعد نقل الرواية: و في خبر آخر للزرع إلى الشراكين و للنخل إلى الساقين. قال: و هذا على حسب قوّة الوادي و ضعفه. و قال صاحب الوسائل: لا منافاة؛ لأنّ الكعب متّصل بالساق، و لعلّ المراد هنا:

أوّل الساق «2». أقول: الظاهر أنّ مراده «أنّ المراد بالكعب هنا» خلاف ما في آية الوضوء «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» «3» المفسّر في الروايات «4» و في

______________________________

(1) الكافي 5: 278 ح 3، الفقيه 3: 56 ح 194، تهذيب الأحكام 7: 140 ح 619، و عنها وسائل الشيعة 25: 420، كتاب إحياء الموات ب 8 ح 1.

(2) الفقيه 3: 56 ح 195، و عنه وسائل الشيعة 25: 421، كتاب إحياء الموات ب 8 ح 2.

(3) سورة المائدة 5: 6.

(4) وسائل

الشيعة 1: 388- 389 و ص 392، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب 15 ح 3 و 9.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 275

..........

______________________________

الكلمات بقبّتي القدم «1»، و هو الوجه في الاحتياط المذكور في المتن. و ذكر في حاشية الوسائل المطبوعة حديثاً، المشتملة على عشرين مجلّداً: مهزور بتقديم الزاء على الراء؛ وادي بني قريظة، و على العكس موضع سوق المدينة، كان تصدّق به رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله على المسلمين. و قال الصدوق في الفقيه: سمعت من أثق به من أهل المدينة، أنّه وادي مهزور، و مسموعي من شيخنا محمّد بن الحسن رضى الله عنه أنّه قال: وادي مهروز بتقديم الراء غير المعجمة على الزاء المعجمة، و ذكر أنّها كلمة فارسية، و هو من هرز الماء، و الماء الهرز بالفارسية الزائد على المقدار الذي يحتاج إليه «2»، انتهى. و ذكر محشيّها «3» أنّه متفرّد بهذا الضبط، و هو واد لبني قريظة مسيل، و ربما كان يجري منه السيل إلى المدينة الطيّبة، كان خطراً على دورها و أبنيتها «4».

______________________________

(1) المقنعة: 44، شرائع الإسلام 1: 22، المختصر النافع: 47، التنقيح الرائع 1: 83- 84، الروضة البهيّة 1: 76، كشف اللثام 1: 547، الحدائق الناضرة 2: 295- 306، و قال فيه: كما هو المشهور.

(2) الفقيه 3: 56 ذ ح 195.

(3) أي الحاج الشيخ أبو الحسن الشعراني رحمه الله.

(4) وسائل الشيعة 17: 334 بتحقيق الشيخ محمّد الرازي، مع تعليقات تحقيقيّة لسماحة الحجّة الحاجّ الشيخ أبي الحسن الشعراني قدس سره.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 276

الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط و نحوها

مسألة 30: الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط و نحوها إذا وقع التعاسر بين

أربابها- بأن كان الشطّ لا يفي في زمان واحد بإملاء جميع تلك الأنهار- كان حالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح المتقدّم في المسألة السابقة، فالأحقّ ما كان شقّه أسبق ثمّ الأسبق. و إن لم يعلم الأسبق، فالمدار هو الأعلى، فالأعلى، فيقبض الأعلى ما يسعه ثمّ ما يليه و هكذا (1).

______________________________

(1) 1- الأنهار المملوكة- سواء كان مالكها واحداً أو أشخاصاً متعدّدين- مع انشقاقها من الشطوط و نحوها إذا وقع التعاسر و التشاحّ بين أربابها؛ من أجل أنّ الشطّ و مثله لا يكون كافياً في زمان واحد لأن يملي جميع تلك الأنهار، و يسقي مثلًا جميع الأراضي التي كانت تسقي في غير مثل هذا الزمان، كان حالها حال اجتماع أملاك متعدّدة على الماء المباح المتقدّم في بعض المسائل المتقدّمة. و من مصاديق هذه المسألة النهر الكبير الواقع في بلدة قم، المسمّى ب «رودخانه»، الذي قد يجري فيه السيل الكثير، و غالباً يشتمل على الماء غير السيل، و قد شقّ منه أنهار متعدّدة طول امتداده، و قاعدةً بعضها أعلى من بعض، كما أنّه من المسلّم وجود الأسبق فالأسبق، و هذا المورد مصداق لرواية غياث المتقدّمة قطعاً، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 277

احتاج النهر المشترك إلى تنقية أو نحوها

مسألة 31: لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق و نحو ذلك، فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المئونة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر؛ سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار من حاكم قاهر جائر، أو بإلزام من الشرع، كما إذا كان مشتركاً بين المولّى عليهم، و رأى الوليّ المصلحة الملزمة في تعميره مثلًا. و إن لم يقدم إلّا

البعض لم يجبر الممتنع، و ليس للمقدمين مطالبته بحصّته من المئونة ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه و تعهّده ببذل حصّته. نعم، لو كان النهر مشتركاً بين القاصر و غيره، و كان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر، إمّا لعدم اقتداره بدونه، أو لغير ذلك، وجب على وليّ القاصر مراعاةً لمصلحته تشريكه في التعمير، و بذل المئونة من ماله بمقدار حصّته (1).

______________________________

(1) 1- لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى أحد الامور المذكورة في المتن و مثله، فهنا صورتان: الاولى: إقدام جميع الشركاء على ذلك و توافقهم عليه، ففي هذه الصورة تكون المئونة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر؛ نصفاً أو ثلثاً أو سدساً على ما تقدّم «1»، و لا فرق بين أن يكون إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار و لو من حاكم قاهر جائر، أو بإلزام من الشرع، كما إذا كان مشتركاً بين المولّى عليهم لأجل الصغر أو السفه مثلًا، و رأى الوليّ المصلحة اللازمة في التعمير؛ فإنّه يجب عليه هذا العمل لو كان لهم

______________________________

(1) في ص 266- 267.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 278

..........

______________________________

مال كاف بذلك. الثانية: ما إذا لم يقدم، إلّا البعض و لا يكون الإقدام متحقّقاً إلّا بالالتماس و التعهّد ببذل الحصّة، و لا يكفي واحد منهما فقط، و لا يكون هنا كما إذا أمر أجيراً بعمل؛ فإنّ مجرّد الأمر مع تحقّق العمل من الأجير كاف في الاستحقاق، كما مرّ في أسباب الضمان. و ذكر في المتن في هذه الصورة أنّه لا يكون للمقدمين مطالبته بحصّته من المئونة في غير صورة الإقدام المذكورة؛ لأنّ غاية الأمر توجّه الضرر إلى الجميع؛ لأنّه مع عدم الامور المذكورة

يصير الماء الجاري في النهر قليلًا بالإضافة إلى الصورة الأصليّة، إلّا أنّه لا وجه لإلزام غير المقدم على ذلك، خصوصاً بعد ملاحظة توجّه الضرر إليه أيضاً لا محالة. و قد استثنى في المتن ما إذا كان النهر مشتركاً بين القاصر و غيره، و كان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر؛ فإنّ الواجب على الوليّ تشريكه في التعمير مراعاةً للمصلحة.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 279

كون المعادن من المشتركات

مسألة 32: و من المشتركات المعادن، و هي إمّا ظاهرة؛ و هي ما لا تحتاج في استخراجها و الوصول إليها إلى عمل و مئونة، كالملح و القير و الكبريت و المومياء و الكحل و النفط إذا لم يحتجّ كلّ منها إلى الحفر و العمل المعتدّ به. و إمّا باطنة، و هي ما لا تظهر إلّا بالعمل و العلاج، كالذهب و الفضّة و النحاس و الرصاص، و كذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما هو المعمول غالباً في هذه الأعصار. فأمّا الظاهرة، فهي تملك بالحيازة لا بالإحياء، فمن أخذ منها شيئاً ملك ما أخذه قليلًا كان أو كثيراً و إن كان زائداً على ما يعتاد لمثله و على مقدار حاجته، و يبقى الباقي ممّا لم يأخذه على الاشتراك، و لا يختصّ بالسابق في الأخذ، و ليس له على الأحوط أن يحوز مقداراً يوجب الضيق و المضارّة على الناس. و أمّا الباطنة، فهي تملك بالإحياء؛ بأن ينهي العمل و النقب و الحفر إلى أن يبلغ نيلها، فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء، و قد مرّ «1» أنّها تُملك بحفرها حتّى يبلغ الماء، و يملك بتبعها الماء، و لو عمل

فيها عملًا لم يبلغ به نيلها، كان تحجيراً أفاد الأحقّية و الأولويّة دون الملكيّة (1).

______________________________

(1) 1- من الامور المشتركة بين الناس ابتداءً غير المختصّة بطائفة خاصّة أو فرد خاصّ؛ المعادن، و هي على قسمين: القسم الأوّل: المعادن الظاهرة؛ و هي كما في المتن ما لا تحتاج في استخراجها و الوصول إليها إلى عمل و مئونة، و اللازم إضافة- أو- زيادة عمل، أو زيادة

______________________________

(1) في ص 232 مسألة 4.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 280

..........

______________________________

مئونة كالأُمور المذكورة فيه إذا لم يحتجّ كلّ منها إلى الحفر و العمل المعتدّ به، أو زيادة العمل أو المئونة. القسم الثاني: المعادن الباطنة؛ و هي ما لا تظهر إلّا بالعمل و العلاج، و لازمه الاحتياج إلى المئونة، كالأُمور المذكورة فيه أيضاً، و منها: النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار، كما هو المعمول غالباً في هذه الأعصار. أقول: بل المعمول فيها بالإضافة إلى النفط الحفر العميق الذي ربما يزيد على ألف أو ألفين من حيث المتر، و لأجله يحتاج إلى آلات مخصوصة لم تكن في أزمنة الأئمّة عليهم السلام. و حينئذٍ فذكر النفط في بعض الروايات «1» المتعرّضة للُامور التي يتعلّق بها الخمس- كما تقدّم تفصيله في كتابه «2»- لا بدّ فيه أن يقال بعدم الاحتياج إلى ذلك المقدار من الحفر، إمّا لأجل وقوعه في بعض الأراضي في أقلّ من العمق المذكور بكثير. و إمّا لما شاهدناه في الأزمنة الأخيرة من الفوران في بعض الأراضي من دون حفر، كما يتحقّق مثله بالإضافة إلى الماء، و قد رأيت فوران الماء من دون حفر و وسيلة أيضاً. أمّا القسم الأوّل: و هي المعادن الظاهرة التي عرفت

تفسيرها، فالطريق إلى ملكيّتها هي الحيازة دون الإحياء الجارية في الأراضي و مثلها على ما تقدّم «3»، فمن أخذ منها شيئاً ملك ما أخذه؛ سواء كان قليلًا أو كثيراً، غير زائد على ما يعتاد لمثله

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 122 ح 349، الفقيه 2: 21 ح 76، المقنع: 173، و عنها وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه ب 3 ح 4.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس و الأنفال: 45- 47.

(3) في ص 226- 232.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 281

..........

______________________________

و على مقدار حاجته أو زائداً؛ لأنّه لا يعتبر في الحيازة إلّا صدقها كذلك، غاية الأمر أنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي الاقتصار على ما لا يوجب الضيق و الضرر على الباقين. و أمّا القسم الثاني: و هي المعادن الباطنة التي عرفت تعريفها أيضاً، فالطريق إلى ملكيّتها هي الإحياء، كما في الآبار المحفورة لغرض الماء؛ من دون فرق بينهما من هذه الجهة أصلًا، فاللازم إنهاء العمل و النقب و الحفر إلى أن يبلغ نيلها، و كما أنّه يملك الماء في الآبار المذكورة بالحفر حتّى يبلغ الماء، و بعد البلوغ يصير مالكاً للبئر و الماء الموجود فيه بالتبع، كذلك بالنسبة إلى آبار النفط من دون فرق. و من العجيب في هذا الزمان أنّه قد يحفر بعض آبار النفط في قعر البحار و عمق مركز المياه بالآلات المخصوصة الموجودة، و لو كان العمل غير موجب للبلوغ إلى النيل، فهو ليس بإحياء موجب للملكيّة، بل تحجيراً لا يفيد إلّا الأولويّة، و يجري عليه أحكام التحجير المتقدّمة «1»، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 214- 224.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و

اللقطة، ص: 282

حكم إحياء معدن ثمّ إهماله

مسألة 33: إذا شرع في إحياء معدن ثمّ أهمله و عطّله، أُجبر على إتمام العمل، أو رفع يده عنه، و لو أبدى عذراً انظر بمقدار زوال عذره، ثمّ الزم على أحد الأمرين، كما سبق ذلك كلّه في إحياء الموات (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت أنّ الشروع في إحياء المعدن مع عدم البلوغ إلى النيل ليس بإحياء، بل هو تحجير موجب لثبوت حقّ الأولويّة فقط. و عليه: ففي صورة الإهمال و التعطيل يجبر على أحد الأمرين: إتمام العمل، و رفع اليد عنه كلّاً، و قد عرفت «1» عبارة الشرائع في السابق في بحث إحياء الموات، و لو أظهر عذراً امهل بمقدار زوال عذره، ثمّ بعد الزوال يجبر على أحد الأمرين المذكورين كما هو ظاهر.

______________________________

(1) في ص 222- 223.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 283

ظهور معدن في أرض أحياه للزراعة

مسألة 34: لو أحيا أرضاً مزرعاً أو مسكناً مثلًا، فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها؛ سواء كان عالماً به حين إحيائها أم لا (1).

شرط ربّ المعدن لآخر العمل فيه بنصف الخارج

مسألة 35: لو قال ربّ المعدن لآخر: اعمل فيه و لك نصف الخارج مثلًا، بطل إن كان بعنوان الإجارة، و صحّ لو كان بعنوان الجعالة (2).

______________________________

(1) 1- كما أنّه في الأرض التي يكون ملكاً شخصيّاً له كالدار مثلًا، إذا ظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها و إن لم يستخرج منها شيئاً، فضلًا عن مقدار الاحتياج، كذلك في الأراضي التي أحياها واقعاً لكن بعنوان المزرعة أو المسكن مثلًا، فظهر فيها معدن يصير مالكاً له تبعاً و إن لم يتحقّق الاستخراج أصلًا، و هذا من دون فرق بين صورتي العلم بذلك حال الإحياء و عدمه؛ لأنّ العلم لا مدخليّة له في ذلك، كما أنّه لا مدخليّة له في المشبّه به أصلًا، كما لا يخفى.

(2) 2- في المعادن الباطنة التي عرفت أنّ ملكيّتها متوقّفة على الإحياء، و ليست كالمعادن الظاهرة المتوقّفة ملكيّتها على الحيازة المحدودة بعمله كما عرفت، لو قال ربّ المعدن لآخر: اعمل فيه و لك نصف الخارج مثلًا، فإن كان بعنوان الإجارة، فالظاهر أنّه باطل لجهالة النصف الذي هو مال الإجارة، و إن كان بعنوان الجعالة، فهو صحيح؛ لأنّ الجعل يتحمّل من الجهالة ما لا يتحمّله مال الإجارة، كما هو المقرّر في البابين «1».

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 63- 65، جواهر الكلام 35: 194- 195، تحرير الوسيلة 1: 559 مسألة 5.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 284

..........

______________________________

لقد تمّ بحمد اللّٰه و المنّة شرح كتاب إحياء الموات و المشتركات من كتاب تفصيل الشريعة، الذي

هو شرح لكتاب تحرير الوسيلة للإمام الفقيد الراحل الخميني قدس سره، و أنا العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغنيّ؛ محمّد الفاضل اللنكراني، عفى عنه و عن والديه المرحومين، و المرجوّ من اللّٰه- تبارك و تعالى- أن يوفّقني لإتمام هذا الشرح و إن كانت الأمراض كثيرة، و الموانع غير عديدة، و المشكلات غير قليلة، بحقّ من يحبّونه و يتولّونه من النبيّ و عترته الطاهرة، صلوات اللّٰه عليه و عليهم. و كان تاريخ الفراغ 12 شهر شوّال المكرّم 1424.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 285

كتاب اللقطة

اشارة

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 287

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*

تعريف اللقطة

و هي بمعناها الأعمّ كلّ مال ضائع عن مالكه و لم يكن يد عليه، و هي إمّا حيوان، أو غير حيوان (1).

______________________________

(1) 1- قال في الجواهر في ذيل عنوان الكتاب: بضمّ اللّام و فتح القاف و إسكانها:

المال المخصوص على ما هو المعروف بين أهل اللغة، كالأصمعي و ابن الأعرابي و الفرّاء و أبي عبيدة، بل عن الأخير: أنّ التحريك عليه عامّة أهل العلم، بل عن الأزهري: أنّه قول جميع أهل اللغة و حذّاق النحويّين «1»، و في الإيضاح: أجمعت الرواة على رواية زيد الجُهَني بالتحريك «2». و لكن مع ذلك كلّه ففي التذكرة «3» عن الخليل بن أحمد: أنّها بالسكون للمال، و بالفتح للملتقط «4»، كما هو في كلّ ما كان على وزن «فُعَلَة»، نحو «همزة و لمزة»

______________________________

(1) معجم تهذيب اللّغة 4: 3286- 3287، لسان العرب 5: 513- 514.

(2) إيضاح الفوائد 2: 135- 136.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 250 (الطبعة الحجريّة).

(4) كتاب العين: 881.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 288

..........

______________________________

و غيرهما. و من الغريب اختياره في التنقيح «1» مع ندرته، بل عن الأزهري، عن الليث: السكون «2»، و لم أسمعه لغيره، بل عن بعضهم عدّ السكون من لحن العوام «3». و الرواية هي التي حكيت عن سنن البيهقي و غيرها، و نقلها صاحب الجواهر قدس سره بعد صفحة؛ و هي: أنّه جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فسأله عن اللقطة؟ فقال: اعرِف عِفاصها و وكاءها، ثمّ عرِّفها سنة، فإن جاء صاحبها، و إلّا فشأنك بها، قال: فضالّة الغنم؟ قال: هي لك أو

لأخيك أو للذئب. قال: فضالّة الإبل؟ قال: مالك و لها؟

معها سِقاؤُها و حِذاؤُها، ترد الماء و تأكل الشجر حتّى يلقاها ربّها «4». و العفاص: الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك، و الأصل فيه الجلد الذي تلبسه رأس القارورة «5»، و الوكاء: الخيط الذي يشدّ به المال «6»، «7». و كيف كان، فقد ذكر في المتن أنّ اللقطة بمعناها الأعمّ كلّ مال ضائع عن مالكه و لم يكن يد عليه، و هي إمّا حيوان أو غير حيوان. و من المعلوم أنّ الحيوان قد يكون إنساناً، و قد يكون غير إنسان، فهنا مباحث متعدّدة يأتي تفصيلها إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) التنقيح الرائع 4: 105- 106.

(2) معجم تهذيب اللغة 4: 3286.

(3) جواهر الكلام 38: 145- 146.

(4) صحيح البخاري 3: 110، كتاب 42 ب 13 ح 2372 و ص 127، كتاب 45 ب 2 ح 2427 و ص 128 ب 4 ح 2429 و ص 130 ب 9 ح 2436، صحيح مسلم 3: 1085، كتاب 31 ح 1722، السنن الكبرى للبيهقي 9: 190، كتاب اللقطة ح 12281 و ص 196- 197 ح 12297- 12298.

(5) لسان العرب 5: 376.

(6) لسان العرب 6: 485، المصباح المنير: 418.

(7) جواهر الكلام 38: 146- 147.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 289

القول في لقطة الحيوان

اشارة

و هى المسمّاة بالضالّة: مسألة 1:

إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه

و وضع اليد عليه أيّ حيوان كان، فمن أخذه ضمنه و يجب عليه حفظه من التلف، و الإنفاق عليه بما يلزم، و ليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق. نعم، إن كان شاة حبسها ثلاثة أيّام، فإن لم يأت صاحبها باعها و تصدّق بثمنها، و الظاهر ضمانها لو جاء صاحبهما و لم يرض بالتصدّق، و لا يبعد جواز حفظها لصاحبها أو دفعها إلى الحاكم أيضاً. و لو كان الحيوان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان، و يجب عليه الإنفاق عليه، و جاز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه، و إن كان له منفعة من ركوب، أو حمل عليه، أو لبن و نحوه، جاز له استيفاؤها و احتسابها بإزاء ما أنفق، و يرجع إلى صاحبه إن كانت النفقة أكثر، و يؤدّي إليه الزيادة إن زادت المنفعة عنها (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة متعرّضة لحكم الضالّة؛ و هي لقطة الحيوان في مقابل الإنسان و الأموال و غيرهما، و الكلام فيها في أمرين: الأوّل: إذا وجد الحيوان في العمران لا في مفازة و نحوها، لا يجوز أخذه و وضع

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 290

..........

______________________________

اليد عليه أيّ حيوان كان، بل قال المحقّق في الشرائع: إنّ أخذه في صورة الجواز مكروه «1». و في محكيّ السرائر لابن إدريس: أخذ اللقطة عند أصحابنا على الجملة مكروه؛ لأنّه قد روي في الأخبار أنّه لا يأخذ الضالّة إلّا الضالّون «2» «3»، و ما أبعد ما بينه و بين فتوى أبي حنيفة القائل بوجوب أخذ اللقطة؛ نظراً إلى أنّ

المؤمنين بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ «4»، فيكون كوليّ الأيتام، و أنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه «5» «6»، و الظاهر أنّها اجتهاد في مقابل النصّ، و كم له من نظير. و كيف كان، فالظاهر أنّ من وجده و أخذه عليه حكمان: الحكم الوضعي و هو الضمان، و الحكم التكليفي و هو وجوب الحفظ من التلف، و الإنفاق عليه بما يلزم، و ليس له حقّ الرجوع على صاحبه بما أنفق بعد عدم وقوعه بأمره، و كون الحيوان قد وجد في العمران من دون أن يكون في معرض الخطر لمرض أو هرم أو غيرهما، و استثنى من ذلك ما لو كان الحيوان شاة؛ فإنّه يحبسها ثلاثة أيّام، فإن لم يأت صاحبها باعها و تصدّق بثمنها، و استظهر الضمان لو جاء صاحبها و لم يرض بالتصدّق، و نفى البُعد عن جواز حفظها لصاحبها أو دفعها إلى الحاكم أيضاً.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 289.

(2) وسائل الشيعة 25: 440- 441، كتاب اللقطة ب 1 ح 5 و 7، و فيهما: «لا يأكل»، و ح 10، و فيه: «لا يؤوي».

(3) السرائر 2: 112.

(4) إشارة إلى قوله- تعالى- في سورة التوبة 9: 71.

(5) حلية الأولياء 7: 334، التفسير الكبير للفخر الرازي 3: 194، مجمع الزوائد 4: 172، كنز العمّال 1: 93 ح 404، عوالي اللئالي 3: 473 ح 4، و في بحار الأنوار 29: 407 عن تفسير فخر الرازي.

(6) المغني لابن قدامة 6: 319، جواهر الكلام 38: 216.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 291

..........

______________________________

و يدلّ على الحكم الوضعي و هو الضمان عموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1» بضميمة عدم كونها أمانة مالكيّة و لا شرعيّة، بل قد

ذكرنا «2» ثبوت الضمان في المقبوض بالسّوم و إن ناقشنا فيه مع قطع النظر عن الإجماع، مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه و كذا الإشكال، كما في الجواهر «3». كما أنّه يدلّ على الحكم التكليفي أنّه من المعلوم من مذاق الشرع و نظر الشارع عدم جواز إرسال ذي الحياة غير القادر على تهيئة نفقته بحاله، بل يجب عليه الإنفاق، و يجوز له الرجوع على صاحبها مع عدم قصد المجّانية. و أمّا ما يدلّ على الحبس في الشاة ثلاثة أيّام، فإن جاء صاحبها، و إلّا باعها و تصدّق له بثمنها؛ فهي رواية ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: جاء رجل من المدينة، فسألني عن رجل أصاب شاة، فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام، و يسأل عن صاحبها، فإن جاء صاحبها، و إلّا باعها و تصدّق بثمنها «4»؛ أي تصدّق لصاحبها. و في رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء، هل تحلّ له؟ قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب، فخذها و عرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها، و إن لم تعرف فكلها و أنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردّها عليه «5».

______________________________

(1) تقدّم في ص 17 من كتاب الغصب.

(2) في ص 51- 52 من كتاب الغصب.

(3) جواهر الكلام 38: 221.

(4) تهذيب الأحكام 6: 397 ح 1196، و عنه وسائل الشيعة 25: 459، كتاب اللقطة ب 13 ح 6.

(5) قرب الإسناد: 273 ح 1086، مسائل عليّ بن جعفر عليه السلام: 104 ح 5، و عنهما وسائل الشيعة 25:

457، كتاب اللقطة ب 13 ح 7. و في بحار الأنوار 104: 249 ح 8 عن قرب الإسناد.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 292

..........

______________________________

و في رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- بعد حكايته قول رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله المذكور- قال: و ما احبّ أن أمسّها «1». و هو دليل على أنّ الجواز إنّما هو بنحو الكراهة، كما لا يخفى، و أنّ صدر كلامه صلى الله عليه و آله مسوق لإفادة نفي الحرمة و إن كان المراد منه غير معلوم حقيقةً، فتدبّر. الأمر الثاني: ما لو كان الحيوان في معرض الخطر لمرض أو غيره، و قد حكم فيه بجواز الأخذ ل «قاعدة الإحسان» «2» من دون استلزام الجواز للضمان، و هو و إن كان قد يجتمع مثله مع الجواز، كما في لبس الرجل المحرم الثوب المخيط اضطراراً؛ فإنّه جائز، و لكنّ الكفّارة ثابتة كما بيّناه في كتاب الحجّ «3»، إلّا أنّه في مثل المقام لا يكون ضمان؛ لعدم الدليل عليه بعد عدم ثبوت الكراهة أيضاً، و قد استثنى المحقّق في الشرائع من صورة الحكم بالكراهة ما إذا يتحقّق التلف، معلّلًا بقوله: فإنّه طلق.

و حكم بعده باستحباب الإشهاد؛ لما لا يؤمن تجدّده على الملتقط، و لنفي التهمة «4». ثمّ إنّه في هذا الفرض يجب عليه الإنفاق عليه، و مع قصد الرجوع إلى المالك يجوز له الرجوع عليه بما أنفق. غاية الأمر أنّه إن كان له منفعة كالأُمور المذكورة في المتن- سيّما اللبن- يجوز له استيفاؤها و احتسابها بإزاء ما أنفق، و يرجع إلى صاحبه إن كانت النفقة أكثر، و يؤدّي الزيادة في صورة العكس.

______________________________

(1) تهذيب

الأحكام 6: 394 ح 1185، الفقيه 3: 188 ح 848، و عنهما وسائل الشيعة 25: 459، كتاب اللقطة ب 13 ح 5.

(2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره: 289- 301.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 4: 76- 79 مسألة 16.

(4) شرائع الإسلام 3: 289.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 293

وجوب الفحص عن صاحب الحيوان

مسألة 2: بعد ما أخذ الحيوان في العمران و صار تحت يده، يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ و عدمه، فإذا يئس من صاحبه تصدّق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك (1).

______________________________

(1) 1- إذا أخذ الحيوان في العمران و صار تحت يده و مستولياً عليه، يجب عليه الفحص عن صاحبه؛ سواء كان الأخذ جائزاً- و قد قلنا «1» فيه بالكراهة في غير صورة كون الحيوان في معرض المرض و نحوه- أم كان غير جائز أصلًا؛ فإنّ الجواز و عدمه لا دخل له في ذلك، بل الواجب الفحص عن صاحبه، فإذا يئس يعامل معه معاملة مجهول المالك، فيجب أن يتصدّق به أو بثمنه له، كما في بعض الروايات المتقدّمة.

______________________________

(1) ص 289- 290.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 294

دخول الحيوان الّذي لم يعرف صاحبه دار الإنسان

مسألة 3: ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان- كالدجاج و الحمام ممّا لم يعرف صاحبه- الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة، بل هو داخل في عنوان مجهول المالك، فيتفحّص عن صاحبه، و عند اليأس منه يتصدّق به، و الفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك؛ بأن يسأل من الجيران و القريبة من الدور و العمران، و يجوز تملّك مثل الحمام إذا ملك جناحيه و لم يعلم أنّ له صاحباً، و لا يجب الفحص، و الأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً و لو من جهة آثار اليد أن يعامل معه معاملة مجهول المالك (1).

______________________________

(1) 1- ما يدخل في دار الإنسان من غير اختياره من الحيوانات و الطيور الأهليّة، كالدجاج و الحمام و لم يعرف صاحبه، كما هو الغالب في الأوّل، أو لم يعرف أنّ له صاحباً أصلًا، كما لعلّه

الغالب في الثاني، فقد استظهر في المتن خروجه عن عنوان اللقطة؛ لأنّها عبارة عمّا يجده الإنسان بعد ما كان ضائعاً على مالكه، كما عرفت «1» في تعريف اللقطة بالمعنى الأعمّ. و في مفروض المسألة يدخل الحيوان في دار الإنسان و هو يغاير اللقطة، خصوصاً مع عدم اختياره غالباً و عدم علمه كذلك، لكنّه لا يستلزم الخروج عن عنوان مجهول المالك، بل هو داخل فيه، فيجب عليه الفحص عن صاحبه، و عند اليأس منه يتصدّق به عنه. غاية الأمر أنّ الفحص اللازم هنا ليس كالفحص المتداول في غيره من مجهول المالك، الذي يلتقط من الشوارع و الطرق العامّة، بل الفحص اللازم هو المتعارف

______________________________

(1) في ص 288.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 295

..........

______________________________

في أمثال ذلك؛ بأن يسأل من الجيران و الدور القريبة، فلا يلزم في زماننا الإعلام في المساجد، سيّما مسجد الجامع، و لا الإعلام في المطبوعات الدارجة، و مثل الراديو و شبهه. و قد استثنى في الذيل الحمام الذي لم يعلم أنّ له صاحباً أصلًا، و قال بجواز تملّك مثله إذا ملك جناحيه، بخلاف ما إذا علم أنّ له مالكاً و لو من جهة آثار اليد، فاحتاط وجوباً أن يعامل معه معاملة مجهول المالك. و الظاهر أنّه مع العلم بثبوت المالك له من أيّ طريق حصل لزوم تلك المعاملة، لا كونه مقتضى الاحتياط و لو اللزومي، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 296

وجدان الحيوان في غير العمران

مسألة 4: ما يوجد من الحيوان في غير العمران؛ من الطرق و الشوارع و المفاوز و الصحاري و البراري و الجبال و الآجام و نحوها، إن كان ممّا يحفظ نفسه بحسب العادة

من صغار السباع، مثل الثعالب و ابن آوى و الذئب و الضبع و نحوها- إمّا لكبر جثّته كالبعير، أو لسرعة عدوه كالفرس و الغزال، أو لقوّته و بطشه كالجاموس و الثور- لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه إذا كان في كلأ و ماء، أو كان صحيحاً يقدر على تحصيل الماء و الكلأ. و إن كان ممّا تغلب عليه صغار السباع، كالشاة و أطفال البعير و الدوابّ جاز أخذه، فإذا أخذه عرّفه على الأحوط في المكان الذي أصابه و حواليه إن كان فيه أحد، فإن عرف صاحبه ردّه إليه، و إلّا كان له تملّكه و بيعه و أكله مع الضمان لمالكه لو وجد، كما أنّ له إبقاءه و حفظه لمالكه و لا ضمان عليه (1).

______________________________

(1) 1- قال المحقّق في الشرائع: البعير لا يؤخذ إذا وجد في كلاء و ماء، أو كان صحيحاً؛ لقوله صلى الله عليه و آله «1» في الرواية المتقدّمة «2»، و الظاهر اتّحادها مع صحيحتي هشام ابن سالم و الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إنّي وجدت شاة، فقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال:

يا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: إنّي وجدت بعيراً، فقال: معه حذاؤه و سقاؤه، حذاؤه خفّه، و سقاؤه كرشه، فلا تهجه «3».

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 289.

(2) في ص 288.

(3) الكافي 5: 140 ح 12، تهذيب الأحكام 6: 392 ح 1176 و ص 394 ح 1184، الفقه المنسوب للإمام رضا عليه السلام: 266- 267، و عنها وسائل الشيعة 25:

457، كتاب اللقطة ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 297

..........

______________________________

و كذا اتّحادها مع صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1»، و هنا روايات «2» اخرى دالّة على هذا المعنى. و الظاهر أنّ ذكر البعير ليس لخصوصيّة فيه، بل لما أشار إليه في الرواية، أمّا وجدانه في كلأ أو ماء، أو كونه صحيحاً يقدر على تحصيل الماء و الكلاء، و يكون مأموناً من إيذاء السباع و الحيوانات المؤذية معمولًا، فلا يجوز الأخذ و وضع اليد عليه إذا كان مثل البعير في هذه الجهة. و يؤيّد التعميم رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل ترك دابّته من جهد، فقال: إن تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له، يأخذها حيث أصابها، و إن تركها في خوف و على غير ماء و لا كلأ، فهي لمن أصابها «3». نعم، لو كان الحيوان ممّا تغلب عليه صغار السباع فضلًا عن كبارها- كالأمثلة المذكورة في المتن- جاز أخذه، فإذا أخذه فمقتضى بعض الروايات المتقدّمة و إن كان جواز تملّكه بمجرّده، إلّا أنّ مقتضى الاحتياط اللزومي التعريف بالنحو المتعارف، و هو التعريف في المكان الذي أصابه و حواليه إن كان فيه أحد، فإن عرف صاحبه ردّه إليه، و مقتضى القاعدة الضمان كما في سائر الموارد.

______________________________

(1) تقدّم في ص 291.

(2) وسائل الشيعة 25: 457، كتاب اللقطة ب 13.

(3) الكافي 5: 140 ح 14، تهذيب الأحكام 6: 393 ح 1178، الفقيه 3: 188 ح 850، و عنها وسائل الشيعة 25: 458، كتاب اللقطة ب 13 ح 4.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء

الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 298

كون آخذ البعير ضامناً في صورة عدم جواز الأخذ

مسألة 5: لو أخذ البعير و نحوه في صورة لا يجوز له أخذه ضمنه، و يجب عليه الإنفاق عليه، و ليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه و إن كان من قصده الرجوع عليه، كما مرّ «1» فيما يؤخذ من العمران (1).

______________________________

(1) 1- أخذ البعير و نحوه مع عدم جواز الأخذ يكون ضامناً له بلا إشكال؛ لجريان «قاعدة على اليد» «2» الدالّة على ثبوت الضمان كذلك، و يجب عليه الإنفاق عليه لاحتياجه إليه و توقّف بقاء حياته عليه، غاية الأمر أنّه ليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه و لو مع نيّة الرجوع؛ لأنّ المفروض أنّه يكون في ماء و كلأ، أو صحيح يقدر على الوصول إليهما من دون أخذه، فلا يجوز له الرجوع.

______________________________

(1) في ص 289 مسألة 1.

(2) راجع ص 11 من كتاب الغصب.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 299

ترك الحيوان في الطرق أو الصحاري

مسألة 6: إذا ترك الحيوان صاحبه و سرّحه في الطرق أو الصحاري و البراري، فإن كان بقصد الاعراض عنه جاز لكلّ أحد أخذه و تملّكه، كما هو الحال في كلّ مال أعرض عنه صاحبه. و إن لم يكن بقصد الإعراض، بل كان من جهة العجز عن إنفاقه، أو من جهة جهد الحيوان و كلاله- كما يتّفق كثيراً أنّ الإنسان إذا كلّت دابّته في الطرق و المفاوز و لم يتمكّن من الوقوف عندها، يأخذ رحلها أو سرجها و يسرّحها و يذهب- فإن تركه في كلأ و ماء و أمن ليس لأحد أن يأخذه، فلو أخذه كان غاصباً ضامناً له، و إن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من الضمان. و في وجوب حفظه و الإنفاق عليه و عدم الرجوع على

صاحبه ما مرّ فيما يؤخذ في العمران. و إن تركه في خوف و على غير ماء و كلأ جاز أخذه، و هو للآخذ إذا تملّكه (1).

______________________________

(1) 1- إذا ترك الحيوان صاحبه و سرّحه و أرسله في الطرق أو الصحاري و البراري، ففيه صور: الاولى: أن يكون بقصد الإعراض عنه، فحكمه حكم سائر موارد الإعراض، فيجوز لكلّ أحد أخذه و تملّكه مع إحراز الإعراض و إن كان في ماء و كلأ و أمن. الثانية: ما إذا لم يكن بقصد الإعراض، بل كان الداعي إلى تسريحه و إرساله عجزه عن الإنفاق على الحيوان أو جهده و كلاله، كما فيما مثّله في المتن، و كان ذلك في كلأ و ماء و أمن، فمقتضى القاعدة و بعض الروايات المتقدّمة و الروايات الاخر عدم جواز الأخذ، فلو أخذه كان غاصباً ضامناً له، و لا يرتفع الضمان بإرساله، كما أنّه مع الإنفاق عليه الواجب، لا يجوز له الرجوع إلى الصاحب بما أنفق لما مرّ. الثالثة: الصورة الثانية بضميمة ما إذا كان في غير ماء و كلأ، أو مع عدم الأمن، و الحكم في هذه الصورة جواز الأخذ و التملّك كما عرفت.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 300

الشكّ في إعراض المالك و عدمه

مسألة 7: إذا أصاب دابّة و علم بالقرائن أنّ صاحبها قد تركها، و لم يدر أنّه قد تركها بقصد الإعراض أو بسبب آخر، كانت بحكم الثاني، فليس له أخذها و تملّكها إلّا إذا كانت في مكان خوف بلا ماء و لا كلأ (1).

مسألة 8: إذا أصاب حيواناً في غير العمران و لم يدر أنّ صاحبه قد تركه بأحد النحوين، أو لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه، كان بحكم

الثاني من التفصيل المتقدّم، فإن كان مثل البعير لم يجز أخذه و تملّكه إلّا إذا كان غير صحيح و لم يكن في ماء و كلأ، و إن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقاً (2).

______________________________

(1) 1- قد عرفت في المسألة السابقة أنّه مع إحراز إعراض المالك يجوز له الأخذ و التملّك، و مع إحراز العدم لا يجوز، فاعلم أنّه في صورة الشكّ في تحقّق الإعراض و عدمه، يبني على عدمه لاستصحاب العدم، إلّا إذا كانت الدابّة في مكان خوف أو بلا ماء و لا كلأ، كما مرّ.

(2) 2- إذا أصاب حيواناً في غير العمران و لم يدر أنّ صاحبه تركه إمّا إعراضاً، أو لأجل سبب آخر، أو أنّه لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه، و بالنتيجة قد ضاع عنه مع عدم علمه، أو عدم قدرته، فيجري فيه التفصيل المتقدّم «1» في البعير، و قد عرفت «2» أنّه لا خصوصيّة فيه للبعير، بل إذا لم يكن في ماء و كلأ، أو كان و لكن لم يكن صحيحاً لم يجز أخذه و تملّكه، و إن كان مثل الشاة يجوز أخذه مطلقاً، فراجع.

______________________________

(1) (، 2) في ص 296- 297.

(2)

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 301

القول في لقطة غير الحيوان

اشارة

و هي التي يطلق عليها «اللقطة» عند الإطلاق، و اللقطة بالمعنى الأخصّ، و يعتبر فيها عدم معرفة المالك، فهي قسم من مجهول المالك لها أحكام خاصّة.

اعتبار الضياع عن المالك

مسألة 1: يعتبر فيها الضياع عن المالك، فما يؤخذ من يد الغاصب و السارق ليس من اللقطة؛ لعدم الضياع عن مالكه، بل لا بدّ في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع و لو بشاهد الحال، فالمداس المتبدّل بمداسه في المساجد و نحوها يشكل ترتّب أحكام اللقطة عليه. و كذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام و نحوه؛ لاحتمال تعمّد المالك في التبديل، و معه يكون من مجهول المالك، لا من اللقطة (1).

______________________________

(1) 1- لقطة غير الحيوان هي التي يطلق عليها اللقطة عند الإطلاق، و اللقطة بالمعنى الأخصّ في مقابل الضالّة التي عرفت «1» أنّها لقطة الحيوان، و اللقطة بالمعنى

______________________________

(1) في ص 289.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 302

..........

______________________________

الأعمّ، و قد عرفت «1» إطلاق «اللقطة» على لقطة البعير في بعض الروايات المتقدّمة؛ و هي رواية الجهني. و كيف كان، فاللقطة قسم من مجهول المالك، غاية الأمر أنّ لها أحكاماً خاصّة؛ ضرورة أنّ أقسام مجهول المالك كثيرة، مثل ما إذا كان عنده مال أمانة لا يعرف صاحبها؛ لطول مدّة الأمانة و نسيان الأمين المالك، و مثل ما إذا أتلف شيئاً و صار ضامناً للمثل أو القيمة، لكن لا يعلم مالك الشي ء المتلَف بوجه، أو أتلف في حال الصغر و الآن صار كبيراً لكنّه لم يعلم المالك، و موارد اخرى كثيرة. و بالجملة: فالمعتبر في اللقطة بالمعنى الأخصّ الضياع عن المالك، و إحراز الضياع و لو بشاهد الحال، فالمأخوذ من يد الغاصب و السارق لا يكون من اللقطة؛

لعدم الضياع بالإضافة إلى المالك، بل قد أخذ منه بسبب الغصب أو السرقة، و هما عنوانان آخران. و قد فرّع عليه في المتن: أنّ المداس المتبدّل بمداسه في المساجد و نحوها يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه. و كذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام و نحوه؛ لاحتمال تعمّد المالك في التبديل، و معه يكون من مجهول المالك لا من اللقطة، كما أنّه ربما يكون كذلك بالإضافة إلى الذي وقع منه التبديل؛ ضرورة أنّه مع العلم بالصاحب الأصلي يصير غاصباً، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 288 و 296.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 303

اعتبار الأخذ في صدق اللقطة

مسألة 2: يعتبر في صدق اللقطة و ثبوت أحكامها الأخذ و الالتقاط، فلو رأى غيره شيئاً و أخبر به فأخذه كان حكمها على الآخذ، دون الرائي و إن تسبّب منه، بل لو قال: ناولنيه، فنوى المأمور الأخذ لنفسه، كان هو الملتقط دون الآمر، و لو أخذه لا لنفسه و ناوله إيّاه، ففي كون الآمر ملتقطاً إشكال، فضلًا عن أخذه بأمره و نيابته؛ من دون أن يناوله إيّاه (1).

______________________________

(1) 1- يعتبر في صدق اللقطة موضوعاً و كذا ترتّب أحكامها الأخذ و الالتقاط، من دون فرق بين أن يكون غير حيوان أو حيواناً، و لذا فرّق بين مصاديقها بالمعنى الأعمّ في بعض الروايات المتقدّمة «1»، و قد فرّع في المتن عليه أنّه لو رأى شيئاً و أخبر به، فأخذه غيره بحيث كان هو الرائي و الآخذ غيره، يكون حكم اللقطة ثابتاً بالإضافة إلى الثاني دون الأوّل و إن كان هو السبب في الأخذ، بل لو قال الرائي: ناولنيه، فأخذه المأمور لنفسه كان هو الملتقط؛ لأنّ الملاك موجود فيه دون الآمر

و إن كان مريداً للأخذ، لكنّ الأخذ الخارجي إنّما هو بالنسبة إلى المأمور. و لو أخذه لا لنفسه و ناوله إيّاه و أخذه منه، فقد استشكل في المتن في كون الآمر ملتقطاً، منشؤه أنّه لم يتحقّق منه الأخذ أوّلًا و إن أخذه ثانياً، و من أنّه لم يأخذه لنفسه، بل لأجل أن يناوله الآمر. و كذا لو وقع الآخذ بأمره و نيابته، لكن لم يناوله إيّاه و لم يتحقّق الأخذ من الآمر، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 288.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 304

لو أخذ الشي ء بظنّ أنّه ماله ثمّ تبيّن كونه ضائعاً

مسألة 3: لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فأخذه بظنّ أنّه ماله، فتبيّن أنّه ضائع عن غيره، صار بذلك لقطة و عليه حكمها. و كذا لو رأى مالًا ضائعاً فنحّاه بعد أخذه من جانب إلى آخر. نعم، لو دفعه برجله أو بيده من غير أخذ ليتعرّفه، فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطاً، بل و لا ضامناً؛ لعدم صدق اليد و الأخذ (1).

______________________________

(1) 1- لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فأخذه بظنّ أنّه مال نفسه، فتبيّن أنّه ضائع عن غيره، صار بذلك لقطة و يترتّب عليه حكمها؛ لأنّه لا يعتبر في صدقها عدم اعتقاد أنّه مال نفسه، و ليس عنوان «اللقطة» من العناوين القصديّة، بل هو كعنوان «الغصب» المتحقّق بالاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ، كما عرفت «1» في تعريف الغصب. و كذا لو رأى مالًا ضائعاً فأخذه ثمّ نحّاه من جانب إلى آخر؛ فإنّ مجرّد الأخذ يحقّق الالتقاط و لا أثر للعمل بعده. نعم، لو دفعه برجله أو بيده من غير أخذه ليعرّفه، فالظاهر عدم تحقّق عنوان الالتقاط بذلك، و كذا لا يكون ضامناً؛ لعدم تحقّق عنوان

الغصب حتّى يدخل في دائرته، و لا عنوان الآخذ ليشمله حديث «على اليد ما أخذت» «2» كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 8- 9 من كتاب الغصب.

(2) تقدّم في ص 17 من كتاب الغصب.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 305

حكم المال المجهول المالك

مسألة 4: المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلّا إذا كان في معرض التلف، فيجوز بقصد الحفظ، و يكون حينئذٍ في يده أمانة شرعيّة، و لا يضمن إلّا بالتعدّي أو التفريط. و على كلّ من تقديري جواز الأخذ و عدمه، لو أخذه يجب عليه الفحص عن مالكه إلى أن ييئس من الظفر به، و عند ذلك يجب عليه أن يتصدّق به أو بثمنه، و لو كان ممّا يعرض عليه الفساد و لا يبقى بنفسه يبيعه أو يقوّمه و يصرفه، و الأحوط أن يكون البيع بإذن الحاكم مع الإمكان، ثمّ بعد اليأس عن الظفر بصاحبه يتصدّق بالثمن (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة متعرّضة لحكم مطلق المال المجهول المالك غير الضائع عليه، كما في اللقطة بالمعنى الأعمّ على ما مرّ «1»، و هو: أنّه لا يجوز أخذه و وضع اليد و الاستيلاء؛ لصدق عنوان الغصب عليه غير المنحصر بصورة كون المالك معلوماً و لو إجمالًا. و قد عرفت «2» في مسألة تعاقب الأيادي على العين المغصوبة أنّه لا فرق بين صورتي العلم و الجهل من حيث الضمان و إن كان تقييد عنوان الاستيلاء المزبور بصورة العدوان ربما يكون دليلًا على اختصاص عنوانه بصورة العلم، إلّا أنّ الظاهر تسالمهم على العدم كما عرفت. و كيف كان، فإن أخذ المال المجهول المالك يكون ضامناً، إلّا

إذا كان في معرض

______________________________

(1) في ص 288.

(2) في ص 102 و ما بعدها مسألة 36 من كتاب الغصب، القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره 1: 146- 161.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 306

..........

______________________________

التلف و غرضه من الأخذ و الاستيلاء الحفظ؛ فإنّه يجوز أخذه حينئذٍ و يكون أمانة شرعيّة عنده، و ليس بضامن إلّا مع التعدّي أو التفريط، كما هو المقرّر في محلّه «1»، و على كلّ من التقديرين- أي سواء جاز أخذه أو لم يجز- فلو أخذه لا بدّ شرعاً من الفحص عن مالكه إلى أن يئس من الظفر به، و بعد اليأس يجب عليه التصدّق عن المالك؛ لأنّه أحسن طرق الإيصال إليه. و لو كان ممّا يعرض عليه الفساد و لا يبقى بنفسه، يتخيّر بين أن يبيعه، أو يقوّمه و يصرفه لنفسه «2». و قد احتاط لزوماً أن يكون البيع بإذن الحاكم في صورة الإمكان؛ و الوجه فيه ولايته على الغائب بعد عدم الوصول إليه، ثمّ بعد اليأس عن الظفر بصاحبه يتصدّق بالثمن كما عرفت «3»، ثمّ إنّ جعل غاية وجوب الفحص اليأس عن الظفر بالمالك يشعر بل يدلّ على أنّه لا خصوصيّة للسنة، بل الملاك هو اليأس و لو كان قبلها، و عدمه و لو كان بعدها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدس سره 1: 27- 43.

(2) كما يأتي في ص 322- 323.

(3) في ص 293.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 307

شدّة كراهيّة لقطة الحرم

مسألة 5: كلّ مال غير الحيوان أحرز ضياعه عن مالكه المجهول و لو بشاهد الحال- و هو الذي يطلق عليه اللقطة كما مرّ «1»- يجوز أخذه و التقاطه على كراهة،

و إن كان المال الضائع في الحرم- أي حرم مكّة زادها اللّٰه شرفاً و تعظيماً اشتدّت كراهة التقاطه، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه (1).

______________________________

(1) 1- المقصود من هذه المسألة- بعد ما عرفت «2» من كراهية جواز الالتقاط و لو في صورة الجواز- أنّ المال الضائع في حرم مكّة- زادها اللّٰه شرفاً و تعظيماً- يكون جواز أخذه على كراهيّة شديدة، و يدلّ عليه مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد، عن بعض أصحابه، عن الماضي عليه السلام قال: لقطة الحرم لا تمسّ بيد و لا رجل و لو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها «3». و لعلّ السرّ فيه عدم كون الاجتماع الكثير المتحقّق فيها إلّا في مواضع مخصوصة معيّنة، و قاعدتاً إذا ضاع المالك ماله يرجع إلى تلك المواضع، خصوصاً المسجد الحرام فيجد ماله، بخلاف غير مكّة، و لأجله قال: لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه.

______________________________

(1) في ص 301 مسألة 1.

(2) في ص 289- 290.

(3) تهذيب الأحكام 6: 390 ح 1167، و عنه وسائل الشيعة 25: 439، كتاب اللقطة ب 1 ح 3.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 308

حكم لقطة دون الدرهم، و الدرهم و ما زاد

مسألة 6: اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملّكها في الحال، من دون تعريف و فحص عن مالكها، و لا يملكها قهراً بدون قصد التملّك على الأقوى، فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها إليه مع بقائها و إن تملّكها على الأحوط لو لم يكن الأقوى، و إن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط، و ليس عليه عوضها إن كان بعد التملّك، و كذا قبله إن تلفت من غير تفريط منه. و إن كانت قيمتها درهماً أو أزيد وجب عليه تعريفها و الفحص

عن صاحبها فإن لم يظفر به، فإن كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين: التصدّق بها مع الضمان، كاللقطة في غير الحرم، أو إبقاؤها و حفظها لمالكها فلا ضمان عليه، و ليس له تملّكها، و إن كانت لقطة غير الحرم تخيّر بين أمور ثلاثة: تملّكها، و التصدّق بها مع الضمان فيهما، و إبقاؤها أمانة بيده من غير ضمان (1).

______________________________

(1) 1- اللقطة إن كانت قيمتها أقلّ من الدرهم- الذي سيجي ء بيانه في المسألة الآتية لا يحتاج إلى التعريف و فحص عن المالك، بل يجوز أخذه و الانتفاع به على وجه الملك. و قد نفى صاحب الجواهر قدس سره وجدان الخلاف فيه «1»، بل عن التذكرة: لا يجب تعريفه، و يجوز تملّكه في الحال عند علمائنا أجمع، و في موضع آخر من محكيّها: لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل و الانتفاع به من غير تعريف «2». و يدلّ عليه- مضافاً إلى ما ذكر- مرسلة الصدوق المعتبرة، قال: و قال

______________________________

(1) جواهر الكلام 38: 278.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 256 سطر 22 و 16 (الطبعة الحجريّة).

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 309

..........

______________________________

الصادق عليه السلام: أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها، و لا يتعرّض لها، فلو أنّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه، و إن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها، فإن وجدت في الحرم ديناراً مطلّساً فهو لك لا تعرّفه، و إن وجدت طعاماً في مفازة، فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة، فإن وجدت لقطة في دار و كانت عامرة فهي لأهلها، و إن كانت خراباً فهي

لمن وجدها «1». و قوله عليه السلام في مرسلة محمّد بن أبي حمزة قال: سألته عن اللقطة؟ قال: تعرّف سنة قليلًا كان أو كثيراً، قال: و ما كان دون الدرهم فلا يعرّف «2». و الظاهر أنّ المقصود من الروايتين كون لقطة ما دون الدرهم مباحاً له، لكن تملّكه يحتاج إلى القصد- كحيازة المباحات- كما قوّاه في المتن، مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل عدم حصول التملّك قبل قصده، و إلى أنّ ظاهر المرسلة الثانية أنّ الفرق بين ما دون الدرهم و غيره إنّما هو في التعريف و عدمه، مع وضوح أنّه في صورة التعريف يحتاج التملّك بعده إلى القصد؛ لأنّه لا يتحقّق الملكيّة إلّا به، و لكنّه مع ذلك فإن جاء صاحبها بعد ما التقطها مع بقائها دفعها إليه احتياطاً لو لم يكن الأقوى و إن قصد التملّك و صار الملتقط مالكاً له؛ لأنّه حينئذٍ كالهبة غير المعوّضة التي تكون جائزة، و للواهب الرجوع مع بقاء العين الموهوبة، و لازمه أنّه في صورة التلف لا يكون المتملّك ضامناً. نعم، إذا كان التلف مستنداً إلى تفريط منه يكون ضامناً كالأمين المتعدّي

______________________________

(1) الفقيه 3: 190 ح 855، و عنه وسائل الشيعة 25: 443، كتاب اللقطة ب 2 ح 9.

(2) الكافي 5: 137 ح 4، تهذيب الأحكام 6: 389 ح 1162، الاستبصار 3: 68 ح 226، و عنها وسائل الشيعة 25: 446، كتاب اللقطة ب 4 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 310

..........

______________________________

أو المفرّط، مع أنّه في لقطة الدرهم أو ما زاد على ما سيأتي «1» إذا تصدّق بها لصاحبه و جاء و لم يرض به يكون ضامناً له، هذا كلّه في

لقطة ما دون الدرهم. و أمّا لقطة الدرهم فما زاد، فقد فصّل فيها في المتن بأنّه إن كانت في الحرم ليس له تملّكه بوجه، بل هو مخيّر بين أمرين: التصدّق مع الضمان، و الإبقاء و الحفظ. نعم، قد استثنى في مرسلة الصدوق المتقدّمة أنّه إن وجدت في الحرم ديناراً مطلّساً فهو ذلك لا تعرّفه، و الدينار المطلّس كما في مجمع البحرين: الذي لا نقش فيه «2»، و في لقطة غير الحرم يكون مخيّراً بين امور ثلاثة، و الثالث التملّك. و لا يخفى أنّه مع اختيار الأمانة و الإبقاء و الحفظ ليس عليه ضمان؛ لثبوت الأمانة الشرعيّة و عدم التعدّي أو التفريط، و التفصيل المزبور مستفاد من ملاحظة مجموع الروايات الواردة في المقام، مثل: رواية كثير قال: سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن اللقطة؟ فقال: يعرّفها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه، و إلّا حبسها حولًا، فإن لم يجي ء صاحبها، أو من يطلبها تصدّق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده، و كان الأجر له، و إن كره ذلك احتسبها، و الأجر له «3». و رواية حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً، و اللصّ مسلم هل يردّ عليه؟ فقال:

لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل، و إلّا كان في يده بمنزلة اللقطة

______________________________

(1) في ص 338- 339.

(2) مجمع البحرين 2: 1108.

(3) تهذيب الأحكام 6: 389 ح 1164، الاستبصار 3: 68 ح 228، و عنهما وسائل الشيعة 25: 441، كتاب اللقطة ب 2 ح 2.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة،

ص: 311

..........

______________________________

يصيبها، فيعرّفها حولًا، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، و إلّا تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر، و إن اختار الغرم غرم له، و كان الأجر له «1». و رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن اللقطة؟ قال:

لا ترفعها، فإن ابتليت بها فعرّفها سنة، فإن جاء طالبها، و إلّا فاجعلها في عرض مالك، يجري عليها ما يجري على مالك، حتّى يجي ء لها طالب، فإن لم يجي ء لها طالب فاوص بها في وصيّتك «2». و المراد من الجملة الأخيرة وجوب جعلها في الوصيّة الملازم لقصد التملّك، لا جواز الجعل كذلك، كما يتوهّم في بادئ النظر. و غير ذلك من الروايات «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 308 ح 21، الفقيه 3: 190 ح 856، المقنع: 382، تهذيب الأحكام 6: 396 ح 1191، الاستبصار 3: 124 ح 440، و عنها وسائل الشيعة 25: 464، كتاب اللقطة ب 18 ح 1.

(2) الكافي 5: 139 ح 11، و عنه وسائل الشيعة 25: 444، كتاب اللقطة ب 2 ح 10.

(3) وسائل الشيعة 25: 441- 445، كتاب اللقطة ب 2.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 312

المراد من الدرهم

مسألة 7: الدرهم هو الفضّة المسكوكة الرائجة في المعاملة، و هو و إن اختلف عياره بحسب الأزمنة و الأمكنة، إلّا أنّ المراد هنا ما كان على وزن اثنتي عشرة حمّصة و نصف حمّصة عشرها. و بعبارة اخرى: نصف مثقال و ربع عشر المثقال بالمثقال الصيرفي، الذي يساوي أربع و عشرين حمّصة معتدلة، فالدرهم يقارب نصف ريال عجميّ، و كذا ربع روپية انگليزية (1).

______________________________

(1) 1- قد تقدّم

البحث في الدرهم في مواضع من هذا الشرح، مثل كتاب الطهارة «1»، و كتاب الصلاة «2»، و كتاب الزكاة «3»، فلا حاجة إلى الإعادة و إن كان البحث هنا من حيث القيمة دون الوزن.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها: 448- 453.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصلاة، شرح مسألة 10 من الستر و الساتر.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الزكاة، أوائل زكاة النقدين.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 313

المدار في القيمة

مسألة 8: المدار في القيمة مكان الالتقاط و زمانه في اللقطة و في الدرهم.

فإن وجد شيئاً في بلاد العجم مثلًا و كان قيمته في بلد الالتقاط و زمانه أقلّ من نصف ريال، أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروپية، و كان قيمته أقلّ من ربعها، جاز تملّكه في الحال، و لا يجب تعريفه (1).

وجوب التعريف فوراً إذا لم يكن أقلّ من الدرهم

مسألة 9: يجب التعريف فيما لم يكن أقلّ من الدرهم فوراً على الأحوط.

نعم، لا يجوز التسامح و الإهمال و التساهل فيه، فلو أخّره كذلك عصى إلّا مع العذر، و على أيّ حال لم يسقط التعريف (2).

______________________________

(1) 1- الملاك في القيمة في اللقطة و في الدرهم مكان الالتقاط و زمانه؛ ضرورة أنّه لا وجه لغيرهما؛ لعدم خصوصيّة فيه، و يؤيّده إضافة اللقطة إلى الحرم، مع أنّ الملتقط نوعاً يكون من غيره كإضافتها إلى غير الحرم، مع أنّ الملتقط قد يكون مكّياً مثلًا، و فرّع عليه مثالين في المتن.

(2) 2- ظاهر ما دلّ على وجوب التعريف فيما لم يكن أقلّ من الدرهم هو الوجوب فوراً، و لا أقلّ من أن يكون على سبيل الاحتياط اللزومي، و وجهه لزوم الردّ إلى المالك كذلك المتوقّف على التعريف مع عدم إذنه في كونه عنده، كوجوب الردّ بالإضافة إلى المال الذي يكون مالكه معلوماً و لم يأذن له بوجه في ذلك. نعم، إذا أدّى التأخير إلى التسامح و الإهمال و التساهل، فهو غير جائز و يوجب تحقّق العصيان إلّا في صورة العذر المقبول، و على أيّ لا يسقط التعريف بوجه؛ لأنّه لا مجال لتوهّم السقوط.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 314

وجوب التعريف في الدرهم و ما زاد مطلقاً

مسألة 10: قيل: لا يجب التعريف إلّا إذا كان ناوياً للتملّك بعده، و الأقوى وجوبه مطلقاً و إن كان من نيّته ذلك، أو التصدّق، أو الحفظ لمالكها، أو غير ناوٍ لشي ء أصلًا (1).

______________________________

(1) 1- هل وجوب التعريف فيما كانت قيمته درهماً أو أزيد مشروط بما إذا كان من قصده التملّك بعد التعريف، أو يكون مطلقاً شاملًا لما إذا كان من نيّته التصدّق، أو الحفظ للمالك،

أو لم يكن ناوياً لشي ء أصلًا؟ قد قوّى في المتن الثاني، و هو الظاهر من الروايات التي تقدّم بعضها «1»، و لكن نسب إلى مبسوط الشيخ الاشتراط «2»، و ليس له وجه بعد ما عرفت من ظهور النصوص في الإطلاق، و يؤيّده أنّ التعريف إنّما هو لاحتمال مجي ء الصاحب، و لا دخل للنيّة المذكورة في هذه الجهة أصلًا، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 291 و 309- 311.

(2) المبسوط 3: 322.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 315

مدّة التعريف الواجب

مسألة 11: مدّة التعريف الواجب سنة كاملة، و لا يشترط فيها التوالي، فإن عرّفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف: إنّه عرّفها في تلك المدّة، ثمّ ترك التعريف بالمرّة، ثمّ عرّفها في سنة اخرى ثلاثة شهور، و هكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات مثلًا، كفى في تحقّق التعريف الذي هو شرط لجواز التملّك و التصدّق و سقط عنه ما وجب عليه و إن كان عاصياً في تأخيره بهذا المقدار إن كان بدون عذر (1).

______________________________

(1) 1- يدلّ على أنّ مدّة التعريف الواجب سنة كاملة جملة كثيرة من الروايات، و قد تقدّم بعضها «1». و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ قال: و اللقطة يجدها الرجل و يأخذها، قال: يعرّفها سنة، فإن جاء لها طالب، و إلّا فهي كسبيل ماله «2». و منها: رواية حنّان قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- و أنا أسمع- عن اللقطة؟

فقال: تعرّفها سنة، فإن وجدت صاحبها، و إلّا فأنت أحقّ بها، و قال: هي كسبيل مالك، و قال: خيّره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها، و

بين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها «3». و منها: رواية داود بن سرحان- و في سندها سهل بن زياد- عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) في ص 309- 311.

(2) تهذيب الأحكام 6: 389 ح 1163، الاستبصار 3: 68 ح 227، و عنهما وسائل الشيعة 25: 441، كتاب اللقطة ب 2 ح 1.

(3) تهذيب الأحكام 6: 396 ح 1194، الاستبصار 3: 69 ح 230، الفقيه 3: 188 ح 849، قرب الإسناد: 124 ح 435، و عنها وسائل الشيعة 25: 442، كتاب اللقطة ب 2 ح 5 و 6.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 316

..........

______________________________

أنّه قال في اللقطة: يعرّفها سنة، ثمّ هي كسائر ماله «1». و منها: رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن اللقطة يصيبها الرجل؟ قال: يعرّفها سنة، ثمّ هي كسائر ماله، قال: و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول لأهله: لا تمسّوها «2». و منها: غير ذلك من الروايات «3» الواردة في هذا المجال، و لا يبعد دعوى التواتر الإجمالي فيها، و ظاهرها لزوم التعريف سنة كاملة. و أمّا التوالي، فلا دليل على اعتباره فيها، ففي المثال المذكور في المتن يتحقّق الواجب و يسقط الأمر بالتعريف و إن كان عاصياً لو أخّره و لو بهذا المقدار بدون عذر. و ينبغي تقييد إطلاق المتن بما إذا كان التفريق غير موجب لتخيّل كونه لقطة اخرى غير الاولى، فإذا وجد سبحة ثمينة و شرع في التعريف في المدّة المعتبرة لا بدّ و أن يكون التعريف في السنة الثانية على ما في المثال معدوداً عرفاً من تتمّة التعريف الأوّل، بحيث لو سمعها رجل

لم يتخيّل مغايرة التعريف الثاني للأوّل من حيث تعدّد السبحة الملتقطة؛ لأنّه في هذه الصورة لا يتحقّق تعريف السنة.

______________________________

(1) الكافي 5: 137 ح 2، تهذيب الأحكام 6: 389 ح 1161، الاستبصار 3: 67 ح 1، و عنها وسائل الشيعة 25: 444، كتاب اللقطة ب 2 ح 11.

(2) قرب الإسناد: 269 ح 1070، و عنه وسائل الشيعة 25: 444، كتاب اللقطة ب 2 ح 12، و بحار الأنوار 104: 248 ح 3.

(3) وسائل الشيعة 25: 441- 445، كتاب اللقطة ب 2.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 317

عدم اعتبار مباشرة الملتقط في التعريف

مسألة 12: لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط، بل يجوز استنابة الغير مجّاناً أو بالاجرة مع الاطمئنان بإيقاعه. و الظاهر أنّ اجرة التعريف على الملتقط إلّا إذا كان من قصده أن يبقى بيده و يحفظها لمالكه؛ فإنّ في كون الاجرة على المالك أو عليه تردّداً، و الأحوط التصالح (1).

______________________________

(1) 1- مباشرة الملتقط غير معتبرة في التعريف، بل يجوز استنابة الغير مجّاناً أو بالاجرة بشرط الاطمئنان بإيقاعه؛ فإنّ النيابة و إن كان على خلاف القاعدة، و لا يصار إليها مع عدم الدليل، إلّا أنّ موردها الامور العباديّة و القربيّة؛ ضرورة أنّه في مثل المقام ممّا يعلم الغرض من التعريف- و هو إمكان وصول المال إلى مالكه- لا فرق بين المباشرة و الاستنابة، خصوصاً مع ملاحظة أنّه لا تكون المباشرة شأن جميع الأشخاص. و قد استظهر في المتن أنّ اجرة التعريف على الملتقط؛ لأنّه وظيفته و الواجب عليه، و قد استثنى من ذلك ما إذا كان من قصده أن يبقى بيده للحفظ على المالك؛ فإنّه في هذه الصورة يكون في ثبوت الاجرة عليه أو على المالك

تردّد ينشأ من أنّ التعريف واجب عليه كما قلنا، فالاجرة عليه، و من أنّه حيث يكون الغرض رعاية مصلحة المالك و الإبقاء و الحفظ عليه، فاللازم ثبوت الاجرة عليه، و لكن احتاط وجوباً بالتصالح بين الشخصين؛ لعدم ثبوت مرجّح في البين.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 318

كون الغرض من التعريف إمكان الوصول إلى المالك

مسألة 13: لو علم بأنّ التعريف لا فائدة فيه، أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة، سقط و تخيّر بين الأمرين في لقطة الحرم، و الأحوط ذلك في لقطة غيره أيضاً (1).

______________________________

(1) 1- الظاهر أنّ التعريف الواجب في المدّة المذكورة- و هي السنة الكاملة- ليس له موضوعيّة، بل كما يفهم العرف من الروايات «1» الواردة في هذا المجال أنّ الغرض منه و فائدته إمكان الوصول إلى المالك، و جعل المال تحت يده، فإذا علم بأنّه لا فائدة في التعريف أصلًا لأيّة جهة، أو حصل له اليأس من ذلك قبل تماميّة التعريف في السنة، فالظاهر حينئذٍ سقوط الوجوب، و ثبوت التخيير بين الأمرين المتقدّمين «2» في لقطة الحرم. و احتاط لزوماً بثبوت هذا التخيير في لقطة غير الحرم أيضاً، و مرجعه إلى حذف قصد التملّك و نيّته بعد التعريف؛ لأنّه يحتمل قويّاً ثبوت الارتباط بين التعريف و قصد التملّك، و لذا عرفت «3» من بعض أنّ وجوب التعريف مشروط بصورة نيّة التملّك و إن استظهرنا خلافه.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 309- 311 و 315- 316.

(2) في ص 310.

(3) في ص 314.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 319

تعذّر التعريف في أثناء السنة

مسألة 14: لو تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر، و ليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة، بل يكفي تتميمها (1).

______________________________

(1) 1- لو تعذّر التعريف في أثناء السنة لعذر ناف للعصيان- المتحقّق مع التساهل و التسامح- لا يسقط وجوب تعريف السنة، بل ينتظر رفع العذر، فإذا ارتفع لا يلزم عليه استئناف السنة، بل يكفي تتميمها. نعم، ينبغي ملاحظة ما ذكرنا «1» من كون التعريف الثاني دواماً للتعريف الأوّل، لا تعريف

لشي ء جديد.

______________________________

(1) في ص 316.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 320

عدم العثور على المالك بعد تعريف سنه

مسألة 15: لو علم بعد تعريف سنة أنّه لو زاد عليها عثر على صاحبه، فهل تجب الزيادة إلى أن يعثر عليه، أم لا؟ وجهان، أحوطهما الأوّل، خصوصاً إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت أنّ تعريف السنة لا يكون له موضوعيّة، و لأجله لا يجب مع العلم بعدم الفائدة، أو بعد اليأس و لو قبل إكمال السنة، فهل الواجب في صورة عدم العثور على الصاحب- بعد تعريف السنة فيما لو علم بعد تعريفها أنّه لو زاد عليها عثر عليه- الزيادة إلى أن يعثر عليه، أم لا؟ ذكر في المتن أنّ فيه وجهين: منشؤهما أنّ الواجب كما في الروايات «1» هو تعريف السنة، و المفروض تحقّقه، فلا تجب الزيادة عليه و لو في الصورة المذكورة، و أنّ تعريف السنة إنّما هو لإمكان العثور على الصاحب نوعاً، فإذا علم بعثوره عليه مع زيادة تجب تلك الزيادة، خصوصاً إذا كانت يسيرة في جنب السنة، كأسبوع مثلًا، و لكن مقتضى الاحتياط- الظاهر في الاحتياط اللزومي- هو الوجه الثاني، و لعلّه لاقتضاء الاستصحاب ذلك، فتدبّر.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 309- 311 و 315- 316.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 321

ضياع اللقطة من الملتقط

مسألة 16: لو ضاعت اللقطة من الملتقط و وجدها شخص آخر، لم يجب عليه التعريف، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأوّل. نعم، لو لم يعرفه وجب عليه التعريف سنة طالباً به المالك، أو الملتقط الأوّل، فأيّاً منهما عثر عليه يجب دفعها إليه، من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده (1).

______________________________

(1) 1- لو ضاعت اللقطة من الملتقط و وجدها شخص آخر، فتارةً: يعرف الشخص الملتقط الأوّل،

و اخرى: لا يعرفه أيضاً، ففي الصورة الاولى: لا يجب عليه التعريف، بل يجب عليه الإيصال إلى الملتقط الأوّل؛ لأنّه الذي صار بالالتقاط مكلّفاً بالتعريف و مخيّراً بعده بين أمرين أو امور ثلاثة كما تقدّم «1»، فكأنّه له حقّ تعلّق بها و لو من هذه الجهة، و في الصورة الثانية يجب عليه التعريف لطلبه المالك، أو الملتقط الأوّل، و أيّاً منهما عثر عليه يجب الدفع إليه. نعم، الظاهر أنّه مع العثور على المالك لا محيص من الدفع إليه، و لا فرق فيما ذكر بين أن يكون ضياع اللقطة من الملتقط قبل تعريفه سنة، أو بعده، ففيما إذا كان بعد السنة أيضاً لا يسقط التعريف عن الشخص الواجد.

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 322

كون اللقطة ممّا لا تبقى لسنة

مسألة 17: إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى لسنة- كالطبيخ و البطّيخ و اللحم و الفواكه و الخضروات- جاز أن يقوّمها على نفسه و يأكلها و يتصرّف فيها، أو يبيعها من غيره و يحفظ ثمنها لمالكها، و الأحوط أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان و إن كان الأقوى عدم اعتباره، و الأحوط حفظها إلى آخر زمان الخوف من الفساد، بل وجوبه لا يخلو من قوّة. و كيف كان، لا يسقط التعريف، فيحفظ خصوصيّاتها و صفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثمّ يعرّفها سنة، فإن جاء صاحبها و قد باعها دفع ثمنها إليه، و إن أكلها غرمها بقيمتها، و إن لم يجي ء فلا شي ء عليه (1).

______________________________

(1) 1- إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى لسنة- كالأُمور المذكورة في المتن- جاز أن يقوّمها و يأكلها و يتصرّف فيها، و جاز أن يبيعها من غيره و يحفظ

ثمنها لمالكها. قال المحقّق في الشرائع: و لو كانت ممّا لا يبقى كالطعام، قوّمه على نفسه و انتفع به، و إن شاء دفعه إلى الحاكم و لا ضمان «1». و الأصل في هذه المسألة رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سُئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها، و خبزها، و جبنها، و بيضها، و فيها سكّين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوّم ما فيها، ثمّ يؤكل؛ لأنّه يفسد، و ليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، فقيل: يا أمير المؤمنين عليه السلام لا يدرى سفرة مسلم، أو سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا «2».

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 292.

(2) الكافي 6: 297 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 11، و ج 25: 468، كتاب اللقطة ب 23 ح 1، و في ج 34: 90، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبح ب 38 ح 2 عنه و عن المحاسن 2: 239 ح 1737. و في بحار الأنوار 65: 139- 140 ح 15 و 16 عنهما و عن نوادر الراوندي: 219 ح 443، و في ج 80: 78 ملحق ح 7 عن النوادر، و في ج 104: 249 ح 9 و 15 عن المحاسن و النوادر. و في مستدرك الوسائل 2: 588، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 35 ح 2810 و 2811 عن الجعفريّات: 27 و النوادر، و في ج 17: 133، كتاب اللقطة ب 14 ح 20976 عن الجعفريّات و دعائم الإسلام 2: 497 ح 1773 و رواه في تهذيب الأحكام 9: 99 ح 432

عن محمّد بن يعقوب.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 323

..........

______________________________

و في مرسلة الفقيه المتقدّمة «1»: و إن وجدت طعاماً في مفازة، فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة؛ الخ. و مقتضى التعليل في الاولى، و إلغاء الخصوصيّة في الثانية جريان الحكم في كلّ ما يفسد و ليس له بقاء بلا اختصاص بالسفرة و الطعام، كما أنّ الأخيرة و إن كانت ظاهرة في تعيّن التقويم على النفس للصاحب ثمّ الأكل بخلاف الاولى، إلّا أنّ الظاهر التخيير بين الأمرين. و كيف؟! فقد احتاط في المتن أن يكون البيع بإذن الحاكم في صورة الإمكان؛ نظراً إلى ثبوت الولاية له بالإضافة إلى الغائب، إلّا أنّه قد قوّى العدم لخلوّ الرواية عن اشتراط ذلك، لكن مقتضى الاحتياط الوجوبي حفظها إلى آخر زمان الخوف من الفساد، بل ذكر أنّ وجوبه لا يخلو عن قوّة، و لعلّه لأنّ آخر أزمنة الخوف من الفساد هو جهة الافتراق بين الأشياء التي تبقى أكثر من سنة و بين غيرها؛ ضرورة أنّه قبله لا فرق بينهما، و على أيّ لا يوجب ذلك سقوط التعريف الواجب في اللقطة. غاية الأمر أنّه إن جاء صاحبها في طول السنة أو بعدها دفع ثمنها إليه و إن أكلها غرمها، و إن لم يجئ فلا شي ء عليه من التصدّق و مثله.

______________________________

(1) في ص 308- 309.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 324

كون تعريف اللقطة عرفيّاً

مسألة 18: يتحقّق تعريف سنة بأن يكون في مدّة سنة- متوالية أو غير متوالية- مشغولًا بالتعريف؛ بحيث لم يعدّ في العرف متسامحاً متساهلًا في الفحص عن مالكه، بل عدّوه فاحصاً عنه في هذه المدّة، و

لا يتقدّر ذلك بمقدار معيّن، بل هو أمر عرفي. و قد نسب إلى المشهور تحديده: بأن يعرّف في الاسبوع الأوّل في كلّ يوم مرّة، ثمّ في بقيّة الشهر من كلّ اسبوع مرّة، و بعد ذلك في كلّ شهر مرّة. و الظاهر أنّ المراد بيان أقلّ ما يصدق عليه تعريف سنة عرفاً، و مرجعه إلى كفاية بضع و عشرين مرّة بهذه الكيفيّة. و فيه إشكال من جهة الإشكال في كفاية كلّ شهر مرّة في غير الشهر الأوّل، و الظاهر كفاية كلّ اسبوع مرّة إلى تمام الحول، و الأحوط أن يكون في الاسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة (1).

______________________________

(1) 1- الظاهر أنّه لم يقع في شي ء من الروايات «1» الدالّة على وجوب التعريف سنة كاملة في اللقطة إلّا نفس هذا العنوان، من دون التعرّض لكيفيّة تحقّقه، و الظاهر أنّه أمر عرفيّ لا بدّ في تشخيصه من الرجوع إلى العرف، فما أفاده المشهور «2» ممّا حكى في المتن لا دليل عليه. كما أنّ ما استظهره الماتن قدس سره في الذيل من كفاية كلّ اسبوع مرّة- و مرجعه إلى عدم جواز الاقتصار عن ذلك حتّى بالنسبة إلى غير الشهر الأوّل من الشهور-

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 309- 311 و 315- 316.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 10: 458، و نسبه في كفاية الفقه، المعروف ب «كفاية الأحكام» 2: 539، إلى الأصحاب، و هو خيرة الروضة البهيّة 7: 109، و مفاتيح الشرائع 3: 178، و جامع المقاصد 6: 160، و انظر جواهر الكلام 38: 360.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 325

..........

______________________________

أيضاً كذلك، بل ليس شأن الفقيه بيان ذلك بعد كونه أمراً عرفيّاً؛ فإنّ شأنه بيان الحكم، و الظاهر

أنّ التوالي غير معتبر، بل اللازم عدم عدّه متسامحاً متساهلًا في التعريف، بل معدوداً فاحصاً عن المالك. و على ما ذكرنا سابقاً «1» ينبغي بل لا بدّ أن يكون بحيث لا يحتمل في حقّ التعريف الثاني و الثالث، و هكذا أن يكون تعريفاً للقطة اخرى، كما في مثال السبحة المتقدّم «2».

______________________________

(1) في ص 316 و 319- 320.

(2) في ص 316 و 319- 320.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 326

محلّ التعريف

مسألة 19: محلّ التعريف مجامع الناس، كالأسواق و المشاهد و محلّ إقامة الجماعات و مجالس التعازي، و كذا المساجد حين اجتماع الناس فيها و إن كره ذلك فيها، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها، أو خروجهم عنها (1).

______________________________

(1) 1- حيث إنّ التعريف لغرض معرفة المالك و إيصال ماله إليه، فلا بدّ من أن يكون محلّ التعريف مجامع الناس، كالموارد المذكورة في المتن؛ ضرورة أنّ التعريف في غير هذه الموارد و لو في الاجتماعات الخصوصيّة التي فيها أفراد مخصوص لا يحصّل هذا الغرض، و الجمع بين التعريف في المساجد في حال اجتماع الناس فيها؛ ضرورة أنّ اجتماعهم فيها إنّما يكون في مواقع مخصوصة، و بين كراهة ذلك فيها إنّما يتحقّق بالوقوف على أبوابها و تعريف الناس حين الدخول و الخروج. و في هذه الأزمنة التي شاعت الإذاعة و التلفيزيون و المطبوعات بأقسامها المختلفة ينبغي بل يلزم أن يكون التعريف بهذه الوسائل، و لا يبعد الاكتفاء بالنصب على الجدار و نحوه فيما إذا كان اجتماع الناس في محلّ واحد، و قد أعدّ موضع في ذلك المحلّ لإراءة الملتقطات و إن كان يجري إشكال أنّه ربما لا يكون المالك الواقعي واصلًا

بيده ماله، بل أخذه غيره كذباً أو مثله، و الجمع يمكن بإراءة إعلاميّة في ذلك المحلّ مشتملة على بيان الالتقاط، و ذكر بعض خصوصيّات اللقطة دون الكلّ حتّى يرجع إليه المالك، و يظهر سائر الخصوصيّات أيضاً، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 327

وجوب كون التعريف في موضع الالتقاط

مسألة 20: يجب أن يعرّف اللقطة في موضع الالتقاط مع احتمال وجود صاحبها فيه إن وجدها في محلّ متأهّل من بلد أو قرية و نحوهما، و لو لم يقدر على البقاء لم يسافر بها، بل استناب شخصاً أميناً ثقة ليعرّفها، و إن وجدها في المفاوز و البراري و الشوارع و أمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها، حتّى أنّه لو اجتازت قافلة تبعهم و عرّفها فيهم، فإن لم يجد المالك فيها أتمّ التعريف في غيرها من البلاد؛ أيّ بلد شاء ممّا احتمل وجود صاحبها فيه، و ينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت «1» أنّ محلّ التعريف و كيفيّته غير مذكورين في الروايات الواردة «2» في هذا المجال، فاعلم أنّ مناسبة الحكم و الموضوع، و وضوح كون التعريف لغرض إمكان الوصول إلى المالك، و إيصال ماله بيده، تقتضي أن يكون التعريف في موضع الالتقاط مع احتمال وجود صاحبها فيه إن وجدها في محلّ متأهّل من بلد أو قرية أو نحوهما، و في صورة عدم القدرة على البقاء فيه يستنيب شخصاً أميناً ثقة ليعرّفها؛ لما عرفت «3» من عدم اعتبار المباشرة. و إن وجدها في المفاوز و البراري و الشوارع و نحوها عرّفها لمن يجده فيها حتّى أنّه لو اجتازت قافلة تبعهم و عرّفها فيهم، فإن لم يجد المالك أكمل

التعريف في غيرها من البلاد، و رعاية الأقرب من البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان ممّا ينبغي، و قد عرفت أنّه في هذه الأزمنة يمكن بل يجب التعريف بالوسائل الحديثة التي يسمعها، أو يراها الجلّ أو الكثير من الناس.

______________________________

(1) في ص 324.

(2) المتقدّمة في ص 291، 309- 311 و 315- 316.

(3) في ص 317.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 328

كيفيّة التعريف

مسألة 21: كيفيّة التعريف أن يقول المنادي: من ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب؟ و ما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب. و يجوز أن يقول:

من ضاع له شي ء أو مال؟ بل ربما قيل: إنّ ذلك أحوط و أولى، فإذا ادّعى أحد ضياعه سأله عن خصوصيّاته و صفاته و علاماته؛ من وعائه و خيطه و صنعته و امور يبعد اطّلاع غير المالك عليه؛ من عدده و زمان ضياعه و مكانه و غير ذلك. فإذا توافقت الصفات و الخصوصيّات التي ذكرها مع الخصوصيّات الموجودة في ذلك المال، فقد تمّ التعريف، و لا يضرّ جهله ببعض الخصوصيّات التي لا يطّلع عليها المالك غالباً، و لا يلتفت إليها إلّا نادراً. أ لا ترى أنّ الكتاب الذي يملكه الإنسان، و يقرؤه و يطالعه مدّة طويلة من الزمان، لا يطّلع غالباً على عدد أوراقه و صفحاته؟ فلو لم يعرف مثل ذلك، لكن وصفه بصفات و علامات اخر لا تخفى على المالك، كفى في تعريفه و توصيفه (1).

______________________________

(1) 1- قد عرفت أنّ كيفيّة التعريف غير مذكورة في النصوص، فاللازم صدقه بنظر العرف، و كيفيّته المتعارفة غالباً أن ينادي المنادي: من ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب أو سبحة؟ و أمثال ذلك من الألفاظ بلغة

يفهمها العرف الحاضر في المجمع، و ربما يقال: إنّ مقتضى الاحتياط أن لا يتعرّض لجنس اللقطة من كونه ذهباً أو فضّة أو غيرهما. بل يقول المنادي: من ضاع عنه شي ء قابل للصدق على جميع الأشياء؟ فإذا وجد المدّعي للملكيّة فاللازم عليه بيان الخصوصيّات التي يبعد اطّلاع غير المالك عليها من الخصوصيّات غير المذكورة في كلام الملتقط، فإن ذكرها و وافقها يتمّ

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 329

..........

______________________________

التعريف و يجب الردّ إليه، و مع المخالفة لا بدّ في استمرار التعريف و إدامة مدّة مذكورة، و لا يضرّ جهل المالك ببعض الخصوصيّات التي لا يلتفت إليها المالك نوعاً، كمثال الكتاب المذكور في المتن.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 330

عدم كون اللقطة قابلة للتعريف

مسألة 22: إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف؛ بأن لم تكن لها علامة و خصوصيّات ممتازة عن غيرها حتّى يصف بها من يدّعيها و يسأل عنها الملتقط، كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور و لا مكسور، سقط التعريف. و حينئذٍ هل يتخيّر بين الامور الثلاثة المتقدّمة من دون تعريف، أو يعامل معه معاملة مجهول المالك، فيتعيّن التصدّق به؟ وجهان، أحوطهما الثاني (1).

______________________________

(1) 1- هذه المسألة مورد للابتلاء كثيراً، خصوصاً بالإضافة إلى الدرهم و الدينار و الاسكناس (الورق المالي) و نحوها، فقد شاع في هذه البلاد التقاط الاسكناس الإيراني من دون أن يكون له علامة أصلًا حتّى التعدّد و التكرّر، فيلتقط الاسكناس الذي قيمته عشرة آلاف بحسب الريال من دون علامة ربما توجد في بعضها من ذكر الاسم أو علامة اخرى. و من الواضح: أنّه لا مجال للتعريف في مثل ذلك بعد لزوم ذكر المالك العلامة و

هو فاقد لها رأساً، و ذكر وجهين في ثبوت التخيير بين الامور الثلاثة المتقدّمة «1» في لقطة غير الحرم، أو الأمرين المتقدّمين «2» في لقطة الحرم، و بين المعاملة معه معاملة مجهول المالك، الذي عرفت «3» أنّ حكمه تعيّن التصدّق به. و منشأ الوجهين عدم استثنائه من اللقطتين في شي ء من الروايات المتقدّمة «4»، فيجري فيها التخيير كالباقي، و أنّ موردها بلحاظ إيجاب التعريف ما إذا كانت لها

______________________________

(1) (، 2) في ص 310.

(2)

(3) في ص 305- 306.

(4) في ص 291، 309- 311 و 315- 316.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 331

..........

______________________________

علامة أو علامات، فإذا لم تكن فيها فهي خارجة عنه، فاللازم أن يعامل معه معاملة مجهول المالك، خصوصاً مع أنّ مقتضى الاستصحاب لزوم إرجاع المال الذي لا يكون يده عليها أمانة إلى مالكه، و لا طريق أسهل من التصدّق و أقرب، فتدبّر. و مقتضى الاحتياط الثاني.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 332

التقاط اثنان لقطة واحدة

مسألة 23: إذا التقط اثنان لقطة واحدة، فإن كانت دون درهم، جاز لهما تملّكها في الحال من دون تعريف، و كان بينهما بالتساوي. و إن كانت بمقدار درهم فما زاد، وجب عليهما تعريفها و إن كانت حصّة كلّ منهما أقلّ من درهم، و يجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما، أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل، فإن توافقا على أحد الأنحاء فقد تأدّى ما هو الواجب عليهما و سقط عنهما، و إن تعاسرا يوزّع الحول عليهما بالتساوي. و هكذا بالنسبة إلى اجرة التعريف- لو كانت- عليهما. و بعد ما تمّ حول التعريف يجوز اتفاقهما على التملّك أو التصدّق أو الإبقاء أمانة.

و يجوز أن يختار أحدهما غير ما يختار الآخر؛ بأن يختار أحدهما التملّك و الآخر التصدّق مثلًا بنصفه، ثمّ إن تصدّى أحدهما لأداء تكليفه من التعريف، و ترك الآخر عصياناً أو لعذر، فالظاهر عدم جواز تملّك التارك حصّته. و أمّا المتصدّي، فيجوز له تملّك حصّته إن عرّفها سنة، و الأحوط لهما في صورة التوافق على التوزيع أن ينوي كلّ منهما التعريف عنه و عن صاحبه، و إلّا فيشكل تملّكهما. و كذا في صورة التوافق على تصدّي أحدهما أن ينوي عن نفسه و عن صاحبه (1).

______________________________

(1) 1- إذا التقط اثنان لقطة واحدة و أخذاها معاً من دون تقدّم و تأخّر، فإن كانت دون درهم جاز لهما تملّكها في الحال من دون تعريف، كما تقدّم «1» بالنسبة إلى ما دون الدرهم، و يكون بينهما بالتساوي من دون تفاضل.

______________________________

(1) في ص 308- 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 333

..........

______________________________

و إن كانت بمقدار درهم فما زاد، يكون التكليف بوجوب التعريف متوجّهاً إلى كليهما؛ لأنّهما التقطا الدرهم فما زاد في آنٍ واحد عرفي، من دون فرق بين أن تكون حصّة كلّ منهما على فرض التقسيم أقلّ من الدرهم، و بين غيره، و يجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما، أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل؛ بأن يعرّفها أحدهما أربعة أشهر مثلًا، و الآخر بقيّة الشهور حتّى يتمّ الحول، فإن توافقا على أحد الأنحاء الثلاثة، ففي المتن: فقد تأدّى ما هو الواجب عليهما و سقط عنهما؛ أي بعد العمل بما توافقا عليه. و إن وقع بينهما التعاسر و التشاحّ، فالحول يوزّع عليهما بالتساوي؛ لعدم الرجحان، و هكذا بالإضافة إلى اجرة التعريف لو كانت عليهما، و

بعد ما تمّ الحول فقد عرفت «1» أنّه في لقطة غير الحرم يتخيّر بين امور ثلاثة، و في لقطة الحرم بين أمرين، و عند ذلك يجوز اتّفاقهما على أمر منهما أو منها، و يجوز اختيار أحدهما غير ما يختاره الآخر؛ بأن يختار أحدهما الإبقاء، و الآخر التصدّق بالنصف مثلًا. ثمّ إن تصدّى أحدهما للتعريف الواجب عليه و تركه الآخر؛ إمّا لعصيان أو لعذر، فقد استظهر في المتن عدم جواز تملّك التارك حصّته. و أمّا المتصدّي، فيجوز له تملّك حصّته إن عرّف اللقطة سنة. و منشأ عدم الجواز للأوّل إن كان اشتراك المال و ثبوت الإشاعة، فهو مشترك بينه و بين المتصدّي، فلا بدّ و أن لا يجوز عليه أيضاً، و إن كان عدم وقوع التعريف، فقد تقدّم في صدر المسألة أنّه يجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما، أو يوزّع بينهما.

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 334

..........

______________________________

و المفروض في هذا الفرع كون المتصدّي قد عرّف مجموع اللقطة سنة، فالجمع بينهما لا مجال له، و لعلّه لذا جعل الأحوط- الظاهر في الاحتياط اللزومي في صورة التوافق على التوزيع- أن ينوي كلّ منهما التعريف عن نفسه و عن صاحبه، و إلّا فيشكل تملّكهما، و هكذا في صورة التوافق على تعريف أحدهما، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 335

التقاط الصبيّ و المجنون

مسألة 24: إذا التقط الصبيّ أو المجنون، فما كان دون درهم ملكاه إن قصد وليّهما تملّكهما، و أمّا تأثير قصدهما في ذلك فمحلّ إشكال، بل منع، و ما كان مقدار درهم فما زاد يعرّف، و كان التعريف على وليّهما، و بعد تمام الحول يختار ما هو

الأصلح لهما من التملّك لهما، و التصدّق، و الإبقاء أمانة (1).

______________________________

(1) 1- إذا التقط الصبيّ أو المجنون، فإن كان دون درهم، فإن قصد وليّهما تملّكهما ملكاه، و قد استشكل في تأثير قصد أنفسهما في ذلك، بل منع، و السرّ أنّ عمدهما خطأ و قصدهما كلا قصد، و قد ورد في الرواية المعروفة: أنّ عمد الصبي و خطأه واحد «1». و لذا يترتّب على قتله العمدي ما يترتّب على القتل الخطئي من ثبوت الدية على العاقلة، و لا ينافي ذلك شرعيّة عبادات الصبيّ في مقابل تمرينيّتها على ما قرّرناه في القواعد الفقهيّة «2». و إن كان مقدار درهم فما زاد يجب فيه التعريف كسائر الموارد، و لكنّ المتصدّي للتعريف لا بدّ و أن يكون هو الوليّ؛ لأنّ التعريف واجب كما تقدّم، و الوجوب غير ثابت عليهما. نعم، يجري فيهما الأحكام الوضعيّة- كالضمان- إذا أتلفا مال الغير مثلًا، ثمّ بعد تمام الحول و عدم الوصول إلى المالك لا بدّ و أن يختار الوليّ ما هو الأصلح لهما من

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 10: 233 ح 920، و عنه وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 11 ح 2.

(2) القواعد الفقهيّة 1: 355- 370.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 336

..........

______________________________

الامور الثلاثة المتقدّمة، أو الأمرين كذلك «1»، للزوم رعاية مصلحتهما في هذه الامور. هذا. و أمّا السفيه، فيترتّب على التقاطه ما يترتّب على التقاط الرشيد، و ليس الالتقاط تصرّفاً ماليّاً غير جائز له كما هو ظاهر.

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 337

كون اللقطة في مدّة التعريف أمانة

مسألة 25: اللقطة في مدّة التعريف أمانة لا يضمنها الملتقط إلّا مع التعدّي

أو التفريط. و كذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها. و أمّا إن اختار التملّك أو التصدّق، فإنّها تصير في ضمانه كما تعرفه (1).

______________________________

(1) 1- اللقطة إن لوحظت بالإضافة إلى مدّة التعريف الواجب، فهي أمانة شرعيّة في يد الملتقط، و لا يضمنها من دون تعدّ و تفريط، و إن لوحظت بالإضافة إلى بعد تماميّة الحول، و اختيار البقاء و الحفظ للمالك، فهي أيضاً أمانة شرعيّة لا يضمنها إلّا في إحدى الصورتين. و أمّا إذا اختار التملّك في مورد جواز اختياره، أو التصدّق فقد عرفت «1» و ستعرف «2» أيضاً أنّها تصير في ضمانه و يجب عليه أداء المثل أو القيمة عند التلف.

______________________________

(1) في ص 308- 311.

(2) في المسألة الآتية.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 338

وجدان المالك بعد تملّك الملتقط

مسألة 26: إن وجد المالك و قد تملّكها الملتقط بعد التعريف، فإن كانت العين باقية أخذها، و ليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة. و كذا ليس له إلزام المالك بأخذ البدل. و إن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع و نحوه، أخذ بدلها من الملتقط من المثل أو القيمة، و إن وجد بعد ما تصدّق بها، فليس له أن يرجع العين و إن كانت موجودة عند المتصدّق له، و إنّما له أن يرجع على الملتقط و يأخذ منه بدل ماله إن لم يرض بالتصدّق، و إن رضي به لم يكن له الرجوع عليه، و كان أجر الصدقة له. هذا إذا وجد المالك. و أمّا إذا لم يوجد فلا شي ء عليه في الصورتين (1).

______________________________

(1) 1- في المسألة صورتان: صورة وجدان المالك بعد التعريف، و صورة العدم. أمّا الصورة

الاولى: ففيها فروض: الأوّل: ما إذا وجد المالك بعد التعريف و قد اختار الملتقط من الامور الثلاثة المتقدّمة «1» التملّك و قد تملّكها الملتقط. فتارةً: تكون العين باقية، و في هذا الفرض يأخذ المالك العين لوجودها عند الملتقط، و ليس له و لا للمالك الإلزام بدفع البدل، أو قبوله من المثل أو القيمة، كما إذا كانت العين المغصوبة محفوظة عند الغاصب بشخصها. و اخرى: تكون العين تالفة في يد الملتقط، أو كالتالفة مثل الانتقال إلى الغير بنقل لازم كالبيع و نحوه، أخذ المالك بدلها من الملتقط، و لا مجال لتوهّم جريان الفضوليّة هنا بعد التملّك شرعاً.

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 339

..........

______________________________

الثاني: الفرض المتقدّم مع اختيار الملتقط التصدّق، و قد تصدّق في هذا الفرض، و ليس لكلّ من الملتقط و المالك الرجوع إلى المتصدّق له و إن كانت العين موجودة عنده، بل إن لم يرض المالك بالصدقة، فله الرجوع إلى الملتقط بالمثل أو القيمة، و يكون أجر الصدقة له، كما في جملة من الروايات المتقدِّمة «1». و هنا فرض ثالث ترك التعرّض له في المتن لأجل وضوح حكمه؛ و هو ما لو اختار الملتقط الحفظ و الإبقاء أمانة ثمّ وجد المالك. و أمّا الصورة الثانية: و هي ما إذا لم يوجد المالك بعد التعريف، كما في سنته، فلا شي ء عليه في هذه الصورة أصلًا، كما هو ظاهر.

______________________________

(1) في ص 310- 311.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 340

عدم سقوط التعريف بالدفع إلى الحاكم

مسألة 27: لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم و إن جاز له دفعها إليه قبل التعريف و بعده، بل إن اختار التصدّق

بها بعد التعريف، كان الاولى أن يدفعها إليه ليتصدّق بها (1).

______________________________

(1) 1- التكليف بوجوب التعريف في المدّة المعيّنة إنّما يكون متوجّهاً إلى الملتقط.

نعم، قد عرفت أنّ في المجنون و الصبيّ يعرّف عنهما وليّهما، ثمّ يختار ما هو الأصلح بحالهما من الامور الثلاثة، أو الأمرين «1» على اختلاف اللقطتين، و عليه: فلا يسقط هذا التكليف بالدفع إلى الحاكم، و إلّا يصير أمر الالتقاط سهلًا و خالياً عن الصعوبة، كما أنّه تصير وظيفة الحاكم و اشتغاله كثيراً جدّاً. نعم، لا مانع من جواز الدفع إليه؛ سواء كان قبل التعريف الكامل أو بعده؛ لثبوت الولاية له بالإضافة إلى مال الغائب كما أشرنا إليه «2»، و لأجله استظهرنا ظاهراً الرجوع إليه في مطلق مجهول المالك غير اللقطة على ما عرفت «3».

و لأجله جعل الأولى في صورة اختيار التصدّق أن يدفعه إلى الحاكم ليتصدّق به؛ لأنّه أعرف بموارد التصدّق أوّلًا، و صيرورة الملتقط بعيداً عن التهمة ثانياً، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تقدّم بيانها في ص 310.

(2) في ص 306 و 323.

(3) في ص 306 و 323.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 341

حصول النماء للقطة

مسألة 28: لو وجد المالك و قد حصل للّقطة نماء متّصل، يتبع العين فيأخذها بنمائها؛ سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده، و سواء حصل قبل التملّك أو بعده. و أمّا النماء المنفصل، فإن حصل بعد التملّك كان للملتقط، فإذا كانت العين موجودة يدفعها إلى المالك دون نمائها، و إن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملّك كان للمالك (1).

______________________________

(1) 1- لو وجد المالك و قد حصل للّقطة بالمعنى الأعمّ من الضالّة على ما عرفت «1» نماء، فتارةً: يكون النماء متّصلًا، و اخرى:

يكون منفصلًا، فالأوّل تابع للعين، فيأخذها المالك بنمائها كذلك، من دون فرق بين الموارد المذكورة في المتن و إن حصل النماء بتعليف الملتقط و حفظه، و ذلك مثل اجرة التعريف لو احتاج إليها، مثل صورة الاستنابة؛ فإنّها ليست على المالك، بل على الملتقط من دون جواز رجوع إليه. و الثاني قد فصّل فيه في المتن بأنّه إن حصل بعد التملّك كان للملتقط؛ لأنّ المفروض تحقّقه في زمن ملكيّته، فإذا كانت العين موجودة يدفعها إلى المالك لفرض وجدانه دون النماء كذلك، و إن حصل في زمن التعريف، أو بعده قبل التملّك، كان للمالك، كما أنّه من الظاهر ملكيّته للمتصدّق له إذا حصل في يده و بعده، و كذلك ملكيّته للمالك ظاهرة إذا أراد البقاء و الحفظ أمانة، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 288.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 342

جواز تملّك الملتقط النماء بتبع العين و عدمه

مسألة 29: لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط، فعرّف العين حولًا و لم يجد المالك، فهل له تملّك النماء بتبع العين، أم لا؟ وجهان، أحوطهما الثاني؛ بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك (1).

______________________________

(1) 1- لو حصل للّقطة نماء منفصل بعد الالتقاط و قبل إكمال تعريف الحول، فعرّف العين في المدّة المعتبرة و لم يجد المالك، و صار في مقام اختيار أحد الامور الثلاثة المتقدّمة «1»، و اختار منها تملّك العين، فهل ذلك النماء المنفصل المتحقّق قبله تابع للعين، فله تملّكه بتبعها، كما أنّ النماء المتّصل تابع قهراً، فيه وجهان. منشؤهما: أنّ التبعيّة في هذه الصورة متحقّقة؛ لفرض تعريف العين و عدم وجدان المالك، و أنّ النماء المنفصل لا يكون تابعاً للعين، و المفروض تحقّق التعريف بالإضافة إليها،

و قد احتاط فيه بأن يعمل مع النماء معاملة مجهول المالك في غير اللقطة، فيتصدّق بالنماء بعد اليأس عن المالك و إن اختار التملّك بالنسبة إلى أصل العين، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 343

ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة

مسألة 30: ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها، و في المفاوز و كلّ أرض لا ربّ لها، فهو لواجده من دون تعريف، و عليه الخمس مع صدق الكنز عليه، كما مرّ في كتابه. و كذا لواجده ما كان مطروحاً و علم أو ظنّ بشهادة بعض العلائم و الخصوصيّات أنّه ليس لأهل زمن الواجد. و أمّا ما علم أنّه لأهل زمانه فهو لقطة، فيجب تعريفه إن كان بمقدار الدرهم فما زاد، و قد مرّ «1» أنّه يعرّف في أيّ بلد شاء (1).

______________________________

(1) 1- قد مرّ «2» في كتاب الخمس أنّ ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها، و كذا ما يوجد في المفاوز و كلّ أرض لا ربّ لها أصلًا، فهو لواجده من دون تعريف، و يجب عليه الخمس مع صدق الكنز عليه، أمّا عدم لزوم التعريف، فلأجل أنّه لغرض عرفان المالك، و مع العلم بعدم حصول هذا الغرض لا يجب التعريف، كما في مورد اللقطة إذا علم بذلك و عدم عرفانه أصلًا. و أمّا وجوب الخمس مع الصدق المذكور، فلأنّ الكنز من الامور المتعلّقة للخمس، و مرجعه إلى ملكيّته له، غاية الأمر وجوبه و لو قلنا فيه بالإشاعة، كما تقدّم «3». و هكذا الحال من جهة ملكيّة الواجد من دون تعريف ما كان مطروحاً في سطح الأرض، و لكن علم أو ظنّ بشهادة بعض العلائم و الخصوصيّات

أنّه ليس لأهل زمن الواجد، بخلاف ما علم أنّه لأهل زمانه، فهو لقطة، فاللازم التفصيل بين

______________________________

(1) في ص 327 مسألة 20.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الخمس: 76- 83.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الخمس: 70- 92.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 344

..........

______________________________

ما كان أقلّ من الدرهم، و بينه فما زاد كما تقدّم «1» فيها. غاية الأمر مكان التعريف ما يكون أقرب احتمالًا إلى الوصول إلى المالك، و مع عدم الإمكان يستنيب، و مع تساوي الأمكنة في ذلك يتخيّر بينها، و لم يتعرّض لصورة الشكّ في أنّه لأهل زمانه أم لا، و الاحتياط يقتضي التصدّق عنه لما مرّ «2».

______________________________

(1) في ص 308- 311.

(2) في ص 305- 306 و 330- 331.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 345

عدم إمكان الإيصال إلى المالك

مسألة 31: لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده، لكن لم يمكن الإيصال إليه و لا إلى وارثه، ففي إجراء حكم اللقطة عليه، من التخيير بين الامور الثلاثة، أو إجراء حكم مجهول المالك عليه و تعيّن التصدّق به، وجهان.

و الأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم (1).

______________________________

(1) 1- لو صار المالك معلوماً في اللقطة قبل التعريف أو بعده حيّاً أو ميّتاً، و لكن لم يمكن الإيصال إليه و لا إلى وارثه، أو كان الإيصال مستلزماً للفتنة و التّهمة، كما في المواد المخدّرة الملتقطة في هذه الأزمنة و الأمكنة. فهل يجري عليه حكم اللقطة من التخيير، أو يجري عليه حكم مجهول المالك من تعيّن التصدّق به؟ وجهان، و احتاط بإرجاع الأمر إلى الحاكم، لكنّ الكلام في معاملته.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 346

موت الملتقط

مسألة 32: لو مات الملتقط، فإن كان بعد التعريف و التملّك ينتقل إلى وارثه، و إن كان بعد التعريف و قبل التملّك يتخيّر وارثه بين الامور الثلاثة، و إن كان قبل التعريف أو في أثنائه، فلا يبعد جريان حكم مجهول المالك عليه (1).

______________________________

(1) 1- لو مات الملتقط ففيه صور ثلاث: الاولى: ما إذا كان الموت بعد التعريف سنة، و بعد اختيار التملّك من الامور الثلاثة المتقدّمة «1»، و في هذه الصورة لا إشكال في أنّه لا يجب على الورثة شي ء، بل اللقطة ينتقل إليهم من مورّثهم. أمّا الأوّل؛ لفرض تحقّق الواجب. و أمّا الثاني؛ فلصيرورتها ملكاً للمورّث باختياره. الثانية: ما إذا كان بعد التعريف أيضاً و لكن كان قبل اختيار التملّك، و في هذه الصورة ينتقل حقّ الاختيار بين تلك الامور إلى الوارث، و لا ينتقل اللقطة إليهم ابتداءً؛

لأنّ المفروض عدم قصد المورّث ذلك، و هذا واضح كالحكم في الصورة الاولى المتقدّمة. الثالثة: ما إذا كان الموت قبل الشروع في التعريف، أو في أثناء حوله، و في هذه الصورة إن كان يبدو في النظر أن يقوم الوارث مقام المورّث في أصل التعريف، أو في إكماله، إلّا أنّه لأجل عدم كونها لقطة بالإضافة إلى الوارث، نفى في المتن البُعد عن جريان حكم مجهول المالك عليه من تعيّن التصدّق به، و لعلّه الظاهر كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 347

وجدان مال في دار معمورة يسكنها الغير

مسألة 33: لو وجد مالًا في دار معمورة يسكنها الغير؛ سواء كانت ملكاً له، أو مستأجرة، أو مستعارة، بل أو مغصوبة، عرّفه الساكن، فإن ادّعى ملكيّته فهو له، فليدفع إليه بلا بيّنة، و لو قال: لا أدري، ففي جريان هذا الحكم إشكال، و لو سلبه عن نفسه فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه، و أحوط منه إجراء حكم مجهول المالك، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك (1).

______________________________

(1) 1- لو وجد مالًا في دار معمورة غير الخربة، أي يسكنها الغير؛ سواء كانت ملكاً له، أو مستأجرة، أو مستعارة، و في المتن: بل أو مغصوبة، و الوجه فيه: أنّ مغصوبيّة الدار لا ارتباط لها بهذه الجهة، و مجرّد كون الساكن غاصباً فرضاً لا يوجب عدم احترام الأموال الشخصيّة له، فاللازم تعريفه الساكن، و حينئذٍ يتصوّر صور ثلاث أيضاً: إحداها: ادّعاء الساكن الملكيّة لما وجد في داره، ففي المتن: فليدفع إليه بمجرّد الادّعاء، و لا حاجة إلى البيّنة التي لا بدّ للمدّعي في سائر الموارد، و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته

عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها، فالذي وجد المال أحقّ به «1». و رواها صاحب الوسائل في باب واحد مرّتين بعنوان روايتين «2»، و قد نبّهنا في مثله مراراً عدم التعدّد بوجه.

______________________________

(1) (، 2) الكافي 5: 138 ح 5، تهذيب الأحكام 6: 390 ح 1169 و 1165، و عنهما وسائل الشيعة 25: 447، كتاب اللقطة ب 5 ح 1 و 2.

(2)

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 348

..........

______________________________

ثانيتها: ما لو قال الساكن بأيّ نحو من الأنحاء المذكورة في المتن: لا أدري، و استشكل في جريان حكم الصورة الاولى في هذه الصورة، و لا تبعد دعوى الإطلاق في الصحيحة المتقدّمة و الحكم بشمولها لهذه الصورة أيضاً. ثالثتها: ما لو سلبه الساكن عن نفسه، و قد احتاط فيه بإجراء حكم اللقطة عليه؛ من لزوم التعريف ثمّ اختيار أحد الامور الثلاثة المتقدّمة «1»، و جعل شدّة الاحتياط في معاملة مجهول المالك معه بتعيّن التصدّق به بعد اليأس عن المالك، و ذلك لأنّه أقرب طرق الإيصال إلى المالك مع الجهل به و اليأس عن الوصول إليه، و لا يبعد أن يقال بأرجحيّته عن الإبقاء و الحفظ، فضلًا عن التملّك.

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 349

وجدان شي ء في جوف حيوان

مسألة 34: لو وجد شيئاً في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره، فإن كان غير السمك- كالغنم و البقر- عرّفه صاحبه السابق، فإن ادّعاه دفعه إليه. و كذا إن قال: «لا أدري» على الأحوط، و إن كان الأقوى أنّه لواجده، و إن أنكره كان للواجد. و

إن وجد شيئاً- لؤلؤة أو غيرها- في جوف سمكة اشتراها فهو له. و الظاهر أنّ الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير السمك بحكم السمك، كما إذا اصطاد غزالًا فوجد في جوفه شيئاً، و إن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك عليه (1).

______________________________

(1) 1- لو وجد شيئاً في جوف حيوان، فتارةً: يكون منتقلًا إليه من غيره، و اخرى: لا يكون كذلك، فالأوّل قد يكون مثل البقر و الغنم، و قد يكون مثل السمك، و الثاني قد يكون سمكاً، و قد يكون غير سمك، كالمثال الأخير المذكور في المتن؛ و هو أنّه لو وجد شيئاً في جوف غزال اصطاده من دون أن يكون قد اشتراه مثلًا، فهنا فروض: الأوّل: ما يوجد في جوف حيوان مثل البقر و الغنم، و قد ورد فيه بعض الروايات: مثل رواية عبد اللّه بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع عليه السلام: عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّٰه إيّاه «1».

______________________________

(1) الكافي 5: 139 ح 9، الفقيه 3: 189 ح 853، تهذيب الأحكام 6: 392 ح 1174، و عنها وسائل الشيعة 25: 452، كتاب اللقطة ب 9 ح 1 و 2.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 350

..........

______________________________

و قد نقلها في الوسائل في باب واحد بعنوان روايتين، مع أنّه من الواضح ثبوت الوحدة لا التعدّد، و الظاهر أنّ المراد بتعريف البائع هو تعريفها ببعض الخصوصيّات لا الجميع. و إن قال البائع في هذا الفرض: لا أدري،

فقد قوّى أنّه لواجده و إن احتاط استحباباً بالدفع إليه، و وجه القوّة ظهور الرواية في أنّه إن لم يكن يعرفها البائع فالشي ء لك رزقك اللّٰه إيّاه، و وجه الاحتياط كذلك واضح. الثاني: ما يوجد في جوف سمكة اشتراها، و قد ورد فيه بعض الروايات أيضاً مثل: رواية أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: أنّ رجلًا عابداً من بني إسرائيل كان محارفاً «1»، فأخذ غزلًا، فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة، فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائل فدقّ الباب، فقال له الرجل: ادخل، فقال له:

خذ أحد الكيسين، فأخذ أحدهما و انطلق، فلم يكن بأسرع من أن دقّ السائل الباب، فقال له الرجل: ادخل، فدخل فوضع الكيس في مكانه، ثمّ قال: كُلْ هنيئاً مريئاً، أنا ملك من ملائكة ربّك، إنّما أراد ربّك أن يبلوك، فوجدك شاكراً، ثمّ ذهب «2». الثالث: ما يوجد في جوف حيوان لا يكون له مالك سابق، و يكون مثل السمك، و قد استظهر في المتن أوّلًا أن يكون مثل السمك في أنّه لواجده، و لعلّ الوجه فيه: أنّه لا خصوصيّة لعنوان السمك في ذلك، بل الملاك في حكمه عدم ثبوت مالك يحتمل كون ما وجده له، و إن احتاط استحباباً بإجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك عليه، فتدبّر.

______________________________

(1) المحارف: يقال للمحروم الذي قتّر عليه رزقه (لسان العرب 2: 63 في كلمة حرف).

(2) الكافي 8: 385- 386 ح 585، و عنه وسائل الشيعة 25: 453، كتاب اللقطة ب 10 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 351

وجدان شي ء في دار يسكنها

مسألة 35: لو وجد في داره التي يسكنها شيئاً و لم يعلم أنّه ماله أو مال غيره،

فإن لم يدخلها غيره، أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتّفاق- كالدخلانيّة المعدّة لأهله و عياله- فهو له. و إن كانت ممّا يتردّد فيها الناس- كالبرّانيّة المعدّة للأضياف و الواردين و العائدين و المضايف و نحوها- فهو لقطة يجري عليه حكمها. و إن وجد في صندوقه شيئاً و لم يعلم أنّه ماله أو مال غيره، فهو له، إلّا إذا كان غيره يدخل يده فيه، أو يضع فيه شيئاً فيعرّفه ذلك الغير، فإن أنكره كان له لا لذلك الغير، و إن ادّعاه دفعه إليه، و إن قال: «لا أدري» فالأحوط التصالح (1).

______________________________

(1) 1- لو وجد في داره التي يسكنها شيئاً؛ سواء كانت ملكاً له أو مستأجرة أو مستعارة، بل و لو مغصوبة و لم يعلم أنّه ماله أو مال غيره، فقد فصّل في المتن في المسألة بين ما إذا كانت الدار لم يدخلها غيره، أو يدخلها الغير أحياناً و من باب الاتّفاق و الندرة، كالدخلانيّة (اندرونى) المعدّة لخصوص الأهل و العيال و البعض النادر، فالظاهر أنّه له، و بين ما إذا كانت الدار ممّا يتردّد فيه الناس معمولًا، كالبرّانية (بيروني) المعدّة للطوائف المذكورين في المتن، فهو لقطة يجري عليه حكمها. و لعلّ الوجه في التفصيل- مع قطع النظر عن الرواية الدالّة عليه، التي ستجي ء- ثبوت اليد بالإضافة إلى الأوّل، و عدم ثبوته في الثاني، و اليد أمارة حتّى بالإضافة إلى النفس؛ ضرورة أنّه إذا وجد في كيسه ديناراً مثلًا، و لم يعلم أنّه له أو لغيره، يحكم لأجل اليد بثبوت الملكيّة لنفسه ما لم تكن هناك قرينة واضحة على الخلاف.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 352

..........

______________________________

و كذا فصّل في المتن

فيما إذا وجد في صندوقه شيئاً و لم يعلم أنّه ماله، أو مال غيره، بين ما إذا لم يدخل أحد يده فيه، و لا يضع فيه شيئاً، فحكم بكونه له، و بين غيره فيعرّفه، فإن لم يعرفه فهو له كما في الحيوان المشترى، و إن قال: لا أدري، فاحتاط لزوماً بالتصالح؛ لعدم الخروج عنهما. و الرواية ما رواه جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل وجد في منزله ديناراً، قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم، كثير، قال: هذا لقطة، قلت:

فرجل وجد في صندوقه ديناراً، قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره، أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا، قال: فهو له «1».

______________________________

(1) الكافي 5: 137 ح 3، الفقيه 3: 187 ح 841، تهذيب الأحكام 6: 390 ح 1168، و عنها وسائل الشيعة 25: 446، كتاب اللقطة ب 3 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 353

أخذ مال من غير مالكه جهلًا بالحال

مسألة 36: لو أخذ من شخص مالًا، ثمّ علم أنّه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعي و عدواناً، و لم يعرف المالك، يجري عليه حكم مجهول المالك، لا اللقطة؛ لما مرّ من أنّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك و لا ضياع في هذا الفرض. نعم، في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالًا، ثمّ تبيّن أنّه مال غيره و لم يعرفه، يجب عليه أن يمسكه و لا يردّه إلى السارق مع الإمكان، ثمّ هو بحكم اللقطة، فيعرّفه حولًا فإن أصاب صاحبه ردّه عليه، و إلّا تصدّق به، فإن جاء صاحبه بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله، و إن اختار الغرم غرّم له و كان

الأجر له، و ليس له على الأحوط أن يتملّكه بعد التعريف، فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة (1).

______________________________

(1) 1- لو أخذ من شخص مالًا، ثمّ علم أنّه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعي و عدواناً بحسب الواقع و إن كان اعتقاده أنّه قد أخذه بوجه شرعيّ و لم يعرف الآخذ المالك، ففي المتن: يجري عليه حكم مجهول المالك كاللقطة؛ لأنّه يعتبر في صدقها- كما عرفت «1» في تعريف اللقطة بالمعنى الأعمّ الشاملة للضالّة- الضياع عن المالك، و المفروض أنّه لا ضياع في هذا المورد بوجه. ثمّ استدرك خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالًا، ثمّ تبيّن أنّه مال غيره و المالك غير معلوم له؛ فإنّه يجب عليه أن يمسكه و لا يردّه إلى السارق مع الإمكان، ثمّ هو بحكم اللقطة من جهة لزوم تعريف الحول، فإن أصاب صاحبه ردّه عليه،

______________________________

(1) في ص 288.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 354

..........

______________________________

و إلّا تصدّق به مع الضمان للمالك إن جاء بعده و لم يرض بالتصدّق و ثبوت أجره له. غاية الأمر أنّك قد عرفت «1» أنّه في اللقطة في الدرهم فما زاد يمكن له قصد التملّك، و هنا لا يجوز؛ إمّا لأنّ صحّة قصد التملّك على خلاف القاعدة، و إمّا لوجود الرواية الواردة في هذا المجال؛ و هي: رواية حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً، و اللص مسلم، هل يردّ عليه؟ فقال:

لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل، و إلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرّفها حولًا، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، و

إلّا تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر، و إن اختار الغرم غرم له، و كان الأجر له «2».

______________________________

(1) في ص 309- 311.

(2) تقدّمت في ص 310- 311.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 355

ادّعاء شخص حاضر بعد الالتقاط بانّه ماله

مسألة 37: لو التقط شيئاً، فبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر و قال:

«إنّه مالي»، يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه، بل يحتاج إلى البيّنة إلّا إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنّه في يده، أو ادّعاه قبل أن يلتقطه، فيحكم بكونه ملكاً للمدّعي، و لا يجوز أن يلتقطه (1).

______________________________

(1) 1- لو التقط شيئاً، و بعد ما أخذه و صار في يده ادّعاه شخص حاضر ناظر للجريان، و قال ذلك الشخص: «إنّه مالي» فقد استشكل في جواز دفعه إليه بمجرّد دعواه، بل يحتاج إلى البيّنة؛ لأنّها دعوى في مقابل ذي اليد و إن لم يكن مالكاً بحسب اعتقاده أيضاً لفرض اللقطة، و قد استدرك ما إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنّه في يده، أو ادّعاه قبل الالتقاط و الأخذ. و الظاهر أنّ المراد من الأوّل ما كان في يده قبل الالتقاط و إلّا فبعده لا يكون إلّا في يد الملتقط، و نحن و إن فرضنا في بعض المسائل السابقة «1» التقاط اثنين لشي ء واحد دفعة، إلّا أنّه غير المفروض هنا، و كيف كان فقد حكم في المتن بكونه ملكاً للمدّعي، و أنّه لا يجوز له أن يلتقطه، فتدبّر في الجمع بين ذلك، و بين موضوع المسألة.

______________________________

(1) في ص 332- 334 مسألة 23.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 356

عدم وجوب دفع اللقطة إلى من يدّعيها إلّا مع العلم

مسألة 38: لا يجب دفع اللقطة إلى من يدّعيها إلّا مع العلم أو البيّنة و إن وصفها بصفات و علامات لا يطّلع عليها غير المالك غالباً إذا لم يفد القطع بكونه المالك. نعم، نسب إلى الأكثر: أنّه إن أفاد الظنّ جاز دفعها إليه، فإن تبرّع بالدفع لم يمنع، و إن امتنع لم يجبر،

و هو الأقوى، و إن كان الأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البيّنة (1).

______________________________

(1) 1- البحث في هذه المسألة تارةً: في وجوب دفع اللقطة إلى من يدّعيها، و اخرى: في جواز الدفع إليه. أمّا الأوّل: ففي المتن عدم الوجوب إلّا مع العلم أو البيّنة و إن وصفها بصفات و علامات لا يطّلع عليها غير المالك غالباً مع عدم إفادة القطع بكونه المالك.

و الظاهر أنّ المراد من القطع ما يعمّ القائم مقامه؛ و هي البيّنة المذكورة في الصدر أو الاطمئنان، الذي يعامل معه معاملة القطع عرفاً. و أمّا الثاني: فالمشهور «1» هو الجواز في صورة إفادة الظنّ، بل قيل: عن اللمعة «2» و التحرير «3» جواز الدفع بالتوصيف و إن لم يفد الظنّ، لكن في الجواهر استظهر خلافه «4». و قد قوّى في المتن المشهور، و إن احتاط استحباباً بالاقتصار على صورة العلم

______________________________

(1) جامع المقاصد 6: 184، كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 2: 541، و في مسالك الأفهام 12: 552 و الروضة البهيّة 7: 113- 116، أنّه الأشهر.

(2) اللمعة الدمشقيّة: 145.

(3) تحرير الأحكام 4: 472.

(4) جواهر الكلام 38: 384- 385.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 357

..........

______________________________

أو البيّنة، و وجه الاقوائيّة ظهور روايات «1» التعريف، خصوصاً ما تضمّن منها قوله عليه السلام: و إن جاءك طالب لا تتّهمه، ردّه عليه «2»- بعد حمل الأمر بالردّ على الجواز؛ لأنّه في مقام توهّم الحظر، و بعض التعبيرات الاخرى- في كفاية التوصيف بالأوصاف المذكورة، الموجبة لحصول الظنّ نوعاً، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 441- 445، كتاب اللقطة ب 2.

(2) تهذيب الأحكام 6: 394 ح 1186، و عنه وسائل الشيعة 25:

461، كتاب اللقطة ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 358

تبدّل المداس أو الثياب

مسألة 39: لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره أو تبدّل ثيابه في حمّام أو غيره بثياب آخر، فإن علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرّف فيه، بل يتملّكه بعنوان التقاصّ عن ماله إذا علم أنّ صاحبه قد بدّله متعمّداً و جريان الحكم في غير ذلك محلّ إشكال، و إن لا يخلو من قرب، لكن بعد الفحص عن صاحبه و اليأس منه. و كذا يجب الفحص في صورة تعمّده.

نعم، لو كان الموجود أجود ممّا أخذ يلاحظ التفاوت، فيقوّمان معاً و يتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك، و إن لم يعلم بأنّ المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره، يعامل معه معاملة مجهول المالك، فيتفحّص عن صاحبه، و مع اليأس عنه يتصدّق به، بل الأحوط ذلك أيضاً فيما لو علم أنّ الموجود للآخذ لكن لم يعلم أنّه قد بدّل متعمّداً (1).

______________________________

(1) 1- لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو حسينيّة أو مجمع غيرهما، أو تبدّل ثيابه بثياب آخر في الحمّام و غيره، كما يتّفق في الحمّامات في الأزمنة السابقة، بل في هذا الزمان بالنسبة إلى القرى و البلاد الصغيرة، ففيه صور: الاولى: ما لو علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله مع عدم اختلافهما بحسب القيمة، و في هذه الصورة تارةً: يعلم أنّ صاحبه قد بدّله متعمّداً و مع القصد و الاختيار، و اخرى: لا يعلم بذلك، و قد جوّز التصرّف فيه، بل تملّكه بعنوان التقاصّ عن ماله في الفرض الأوّل و إن قيّده بوجوب الفحص عن الصاحب و اليأس منه، كما في

اللقطة. غاية الأمر عدم ثبوت التعريف الواجب هناك، كما عرفت «1»، وجه الجواز أنّه مع التعمّد لا إشكال في اشتغال ذمّته بالمثل أو القيمة للذي قد بدّل متاعه،

______________________________

(1) في ص 313.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 359

..........

______________________________

فيجوز لغيره التقاصّ من ماله بهذا المقدار، لكن استشكل في غير هذا الفرض و إن نفى الخلوّ عن القرب، لكن بعد الفحص و اليأس. الثانية: الفرض المزبور مع كون الموجود أجود ممّا أخذ، و في هذه الصورة يلاحظ التفاوت بينهما، فيقوّمان معاً و يتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن الوصول إلى صاحب المتروك، و لا مجال لتملّك مقدار التفاوت بعد عدم كون المقام لقطة مشمولة للروايات المتقدّمة «1» الواردة فيها، و تعيّن التصدّق به إمّا لأجل أنّه أقرب طرق الإيصال إلى المالك المجهول، و إمّا للاستفادة من الرواية الواردة المتقدّمة «2» في إيداع السارق المال الذي سرقه عند آخر، الدالّة على تعيّن التصدّق كما مرّ آنفاً. الثالثة: ما إذا لم يعلم بأنّ المتروك لمن أخذ ماله، أو لغيره، فلا إشكال في أنّه يعامل معه معاملة مجهول المالك من التصدّق به بعد التفحّص عن صاحبه بمقدار يوجب اليأس عنه، بل احتاط لزوماً ذلك فيما لو علم أنّ الموجود للآخذ، لكن لم يعلم أنّه قد بدّله متعمّداً، بل يحتمل التبديل اشتباهاً كما هو الغالب نوعاً؛ و الوجه في الاحتياط و إن مرّ «3» في تعريف الغصب الذي يوجب الضمان بلا إشكال أنّ ذكر «العدوان» قيداً للاستيلاء على ما للغير من حقّ أو مال غير دخيل في معناه- و لذا يحكمون في تعاقب الأيادي بجواز رجوع المالك إلى كلّ منهم و إن كان بعضهم أو أكثرهم جاهلًا

بالغصبيّة- إلّا أنّه حيث كان هذا القيد مذكوراً في كلامهم، فالاحتياط المذكور بحاله، فراجع.

______________________________

(1) في ص 291، 309- 311 و 315- 316.

(2) في ص 310- 311 و 354.

(3) في ص 10- 11 من كتاب الغصب.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 360

[خاتمة]

وجدان صبيّ ضائع لا كافل له

خاتمة: إذا وجد صبيّاً ضائعاً لا كافل له، و لا يستقلّ بنفسه على السعي فيما يصلحه و الدفع عمّا يضرّه و يهلكه- و يقال له: اللقيط- يجوز بل يستحبّ التقاطه و أخذه، بل يجب مقدّمة إن توقّف حفظه عليه لو كان في معرض التلف؛ سواء كان منبوذاً قد طرحه أهله في شارع أو مسجد و نحوهما عجزاً عن النفقة، أو خوفاً من التهمة، أو غيره، بل و إن كان مميّزاً بعد صدق كونه ضائعاً تائهاً لا كافل له. و بعد ما أخذ اللقيط و التقطه يجب عليه حضانته و حفظه و القيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره، و هو أحقّ به من غيره إلى أن يبلغ، فليس لأحد أن ينتزعه من يده و يتصدّى حضانته، غير من له حقّ الحضانة شرعاً بحقّ النسب، كالأبوين و الأجداد و سائر الأقارب، أو بحقّ الوصاية، كوصيّ الأب أو الجدّ إذا وجد أحد هؤلاء، فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط؛ لوجود الكافل له حينئذٍ، و اللقيط من لا كافل له، و كما لهؤلاء حقّ الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه، كذلك عليهم ذلك، فلو امتنعوا اجبروا عليه (1).

______________________________

(1) 1- قال المحقّق قدس سره في الشرائع: قال الشيخ رحمه الله: أخذ اللقيط واجب على الكفاية؛ لأنّه تعاون على البرّ «1»، و لأنّه دفع لضرورة المضطرّ «2»، و الوجه الاستحباب «3».

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 2.

(2) المبسوط

3: 366.

(3) شرائع الإسلام 3: 285.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 361

..........

______________________________

و قد فصّل في المتن بأنّه إن توقّف حفظه عليه لو كان في معرض التلف يجب التقاطه و أخذه، و إلّا فيجوز بل يستحبّ. أقول: أمّا الجواز بل الاستحباب، فيدلّ عليه مضافاً إلى ما في كلام المحقّق؛ الروايات «1» الكثيرة الواردة في هذا المجال. و أمّا الوجوب في صورة التوقّف، فيرد عليه- مضافاً إلى إنكار الماتن قدس سره وجوب المقدّمة في بحث مقدّمة الواجب في علم الاصول «2»-: أنّ الواجب في الصورة المذكورة هو عنوان الحفظ لا الالتقاط، و هو مع أنّه أعمّ منه لا يكون على فرض التساوي و الانطباق موجباً لسراية الأمر إليه، كنذر صلاة الليل، الذي لا يجب به إلّا عنوان الوفاء لا صلاة الليل، كما ذكرنا مراراً «3». و كيف كان، فالمعتبر في اللقيط أن يكون صبيّاً ضائعاً لا كافل له، و لا يستقلّ بنفسه في جلب مصالحه و دفع ما يضرّه و يهلكه؛ من دون فرق بين أن لم يكن مميّزاً و بين أن يكون كذلك؛ لأنّه ربّ مميّز متّصف بوصف اللقيط، كما أنّه لا فرق بين أن يكون منبوذاً مطروحاً في شارع أو مسجد أو نحوهما لأجل العجز عن النفقة، أو خوفاً من التهمة أو غيره، كما أنّه ربما يتّفق أحد الأمرين غالباً في هذه الأزمنة. ثمّ إنّه بعد ما أخذ اللقيط و التقطه يجب عليه حضانته و حفظه و القيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره، و هو أحقّ به من غيره إلى أن يبلغ، فلا يجوز لأحد

______________________________

(1) يراجع وسائل الشيعة 16: 285- 299، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أبواب

فعل المعروف ب 1- 4.

(2) تهذيب الاصول 1: 395- 400، فصل 4 في مقدّمة الواجب.

(3) سيرى كامل در اصول فقه 5: 117- 120.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 362

..........

______________________________

أن ينتزعه من يده و يتصدّى حضانته إلّا لمن كان له حقّ الحضانة شرعاً بحقّ النسب، أو بحقّ الوصاية، كالأشخاص المذكورين في المتن. و الوجه فيه: خروجه بسبب ذلك عن عنوان اللقيط؛ لأنّه كما عرفت عبارة عن من لا كافل له، و المفروض وجود الكافل حينئذٍ، و كما لهم حقّ الحضانة- و يترتّب عليه جواز انتزاعهم من يد الآخذ غير الكافل شرعاً- كذلك يجب عليهم ذلك، فلو امتنعوا اجبروا عليه، كما فيما كان أبو اللقيط معلوماً مشخّصاً؛ فإنّه يتوجّه إليه الحكم بالحضانة و لا مفرّ له منها، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 363

جواز صرف مال اللقيط في إنفاقه

مسألة 1: إذا كان للّقيط مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته أو غير ذلك، جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله، و مع تعذّرهما و تعذّر عدول المؤمنين، على الأحوط جاز له ذلك بنفسه، و لا ضمان عليه. و إن لم يكن له مال، فإن وجد من ينفق عليه- من حاكم بيده بيت المال، أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها، أو متبرّع- كان له الاستعانة بهم في إنفاقه، أو الإنفاق عليه من ماله، و ليس له حينئذٍ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه و يساره و إن نوى الرجوع عليه. و إن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه، و كان له الرجوع عليه مع قصد

الرجوع لا بدونه (1).

______________________________

(1) 1- إذا كان للّقيط مال زائد على مقدار حاجته من فراش أو غطاء أو غيرهما، يجوز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله؛ لأنّ الحاكم وليّ مثله، و مع تعذّرهما يرجع إلى عدول المؤمنين على الأحوط احتمالًا لثبوت الولاية لهم في هذه الحالة كما لا يبعد، و لا ضمان عليه أصلًا. و إن لم يكن له مال، أو كان قليلًا لا يكتفى به في الإنفاق، فإن وجد من ينفق عليه من حاكم كان بيده بيت المال، أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من الزكاة أو غيرها، أو متبرّع، كان له الاستعانة بهم في إنفاقه، و لا يجوز له الرجوع على اللقيط بعد بلوغه و يساره. و إن لم يكن أمثال ما ذكر تعيّن على الملتقط، فإن قصد التبرّع فلا رجوع له، و إن قصد الرجوع يجوز له، و قد ورد في المسألة بعض الروايات، مثل: رواية حاتم بن إسماعيل المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المنبوذ حرّ، فإن أحبّ

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 364

..........

______________________________

أن يوالي غير الذي ربّاه والاه، فإن طلب منه الذي ربّاه النفقة و كان موسراً ردّ عليه، و إن كان معسراً كان ما أنفق عليه صدقة «1». و رواية عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السلام قال: المنبوذ حرّ، فإذا كبر فإن شاء توالى إلى الذي التقطه، و إلّا فليردّ عليه النفقة، و ليذهب فليوال من شاء «2». بعد حمل الثانية على صورة قصد الرجوع بقرينة الاولى.

______________________________

(1) الكافي 5: 224 ح 2، تهذيب الأحكام 7: 78 ح 337، و عنهما وسائل الشيعة 25:

467، كتاب اللقطة ب 22 ح 2.

(2) الكافي 5: 225 ح 3، تهذيب الأحكام 7: 78 ح 336، و عنهما وسائل الشيعة 25: 467، كتاب اللقطة ب 22 ح 3.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 365

الامور المعتبرة في الملتقط

مسألة 2: يشترط في الملتقط البلوغ و العقل و الحرّيّة، و كذا الإسلام إن كان اللقيط محكوماً بالإسلام (1).

______________________________

(1) 1- قد نفى في الجواهر وجدان الخلاف بين العامّة و الخاصّة بالنسبة إلى الأوّلين، و كذا الإشكال؛ معلّلًا بقصورهما عن ولاية الالتقاط، و فرّع عليه أنّه لا حكم لالتقاط الصبي و إن كان مميّزاً مراهقاً، و لا المجنون و لو أدواراً حال جنونه «1». و أمّا الحريّة، فالمشهور «2» اعتبارها، بل في بعض كتب الأجلّة: أنّه ممّا قطع به الأصحاب «3»، و استظهر في محكيّ مجمع البرهان الإجماع على ذلك «4»، بل ربما يعبّر فيه بنفي الريب «5». و علّله في الشرائع بأنّه مشغول باستيلاء المولى على منافعه «6»، لكنّ البحث فيه في هذه الأزمنة و الأمكنة بلا فائدة لعدم الموضوع. و أمّا الإسلام، فاعتباره في الملتقط فيما إذا كان اللقيط محكوماً بالإسلام كما سيجي ء حكمه من هذه الجهة في المسألة الآتية، فالمحكي عن الشيخ قدس سره و جميع من

______________________________

(1) جواهر الكلام 38: 158- 159.

(2) جواهر الكلام 38: 159، و هو خيرة المبسوط 3: 340، و تذكرة الفقهاء 2: 252 (الطبعة الحجريّة)، و تحرير الأحكام 4: 448، و اللمعة الدمشقيّة: 143، و مسالك الأفهام 12: 465، و الروضة البهيّة 7: 71.

(3) كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 2: 522.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 10: 398.

(5) جامع المقاصد 6: 106.

(6) شرائع الإسلام 3: 284.

تفصيل الشريعة

- الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 366

..........

______________________________

تأخّر عنه الاعتبار «1»، و عن مجمع البرهان دعوى الإجماع عليه «2». و من الغريب كما في الجواهر ما حكي عن التنقيح من أنّ الأصحاب أطلقوا جواز الالتقاط من غير تقييد «3»، و أجاب عنه بعدم معرفة من أطلق هنا، و إنّما هو كذلك في المال، و الفرق بينهما في كمال الوضوح «4». و علّل الاعتبار في اللقيط المزبور المحقّق في الشرائع بأنّه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه ظاهراً، و بأنّه لا يؤمن مخادعته عن الدين «5»، و إن نوقش في الثاني. و كيف كان، فالظاهر أنّ التقاطه و التصدّي لحفظه و إنفاقه سبيل «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» «6».

______________________________

(1) المبسوط 3: 340- 341، تحرير الأحكام 4: 448، قواعد الأحكام 2: 201، تذكرة الفقهاء 2: 252 (الطبعة الحجريّة)، الدروس الشرعيّة 3: 75، مسالك الأفهام 12: 466- 467، مفتاح الكرامة 17: 531- 534، رياض المسائل 12: 379- 381، جواهر الكلام 38: 160- 161.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 10: 399- 400، و في رياض المسائل 12: 380، قال: إنّه خيرة أكثر أصحابنا، بل عامّتهم.

(3) التنقيح الرائع 4: 106.

(4) جواهر الكلام 38: 161.

(5) شرائع الإسلام 3: 284.

(6) سورة النساء 4: 141.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 367

لقيط دار الإسلام و دار الكفر

مسألة 3: لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام، و كذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولّد اللقيط منه. و إن كان في دار الكفر و لم يكن فيها مسلم، أو كان و لم يحتمل كونه منه، يحكم بكفره، و فيما كان محكوماً بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ

يحكم بكفره، لكن لا يجري عليه حكم المرتدّ الفطري على الأقوى (1).

______________________________

(1) 1- ذكر في المتن أنّ لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام، و كذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم يمكن تولّد اللقيط منه، و إن كان في دار الكفر و لم يكن فيها مسلم، أو كان و لم يحتمل كونه منه، فهو محكوم بالكفر ما دام لم يبلغ. و لا بدّ من بيان المراد من دار الإسلام و دار الفكر. فنقول: قال في محكيّ المبسوط: دار الإسلام على ثلاثة أضرب: بلد بُني في الإسلام و لم يقربها المشركون، كبغداد و البصرة فلقيطها يحكم بإسلامه و إن جاز أن يكون لذميّ؛ لأنّ الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه. و الثاني: كان دار كفر فغلب عليها المسلمون أو أخذوها صلحاً، و أقرّوهم على ما كانوا عليه على أن يؤدّوا الجزية، فإن وجد فيها لقيط نظرت، فإن كان هناك مسلم مستوطن فإنّه يحكم بإسلامه؛ لما ذكرناه، و إن لم يكن هناك مسلم أصلًا حكم بكفره؛ لأنّ الدار دار كفر. و الثالث: دار كانت للمسلمين و غلب عليها المشركون، مثل طرسوس، فإذا وجد فيها لقيط نظرت، فإن كان هناك مسلم مستوطن حكم بإسلامه، و إلّا فلا، قال: و دار الحرب، مثل الروم، فإن وجد فيها لقيط نظرت، فإن كان هناك أسارى

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 368

..........

______________________________

فإنّه يحكم بإسلامه، و إن لم يكن اسارى و يدخلهم التجّار قيل: فيه وجهان:

أحدهما: الحكم بإسلامه، و الآخر: الحكم بكفره «1»، انتهى. و قال في الجواهر: و في التذكرة جعل دار الإسلام دارين: و هما الضرب الأوّل و الثاني اللّذان في المبسوط، و جعل الثالث

المذكور أخيراً في المبسوط دار كفر «2». و عمدة الإشكال على الشيخ قدس سره أنّه لم يتعرّض لبيان الضابطة بالإضافة إلى العنوانين و إن لم يردا في شي ء من الروايات موضوعين للحكم. و لعلّ الأضبط من الجميع، ما ذكره في محكيّ جامع المقاصد في شرح القواعد من كلام الشهيد الأوّل قدس سره في الدروس، قال فيها: المراد بها ما ينفذ فيها حكم الإسلام فلا يكون بها كافر إلّا معاهداً، فلقيطها حرّ مسلم. و حكم دار الكفر التي تنفذ فيها أحكام الإسلام كذلك إذا كان فيها مسلم صالح للاستيلاد و لو واحداً. و أمّا دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفّار فإن علم فيها مسلم فهي كدار الإسلام، و إلّا فلا، و تجويز كون المسلم فيها مخفيّاً نفسه غير كاف في إسلام اللقيط. و أمّا دار الكفر فهي ما ينفذ فيها أحكام الكفّار فلا يسكن فيها مسلم إلّا مسالماً، و لقيطها محكوم بكفره و رقّه، إلّا أن يكون فيها مسلم و لو تاجراً إذا كان مقيماً، و كذا لو كان أسيراً أو محبوساً، و لا تكفي المارّة من المسلمين «3»، انتهى. و لا بدّ من التنبيه على أمرين: أحدهما: أنّ المراد من دار الإسلام و دار الكفر ليس عبارة عن البلدين اللّذين

______________________________

(1) المبسوط 3: 343.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 275- 276 (الطبعة الحجريّة)، جواهر الكلام 38: 185.

(3) الدروس الشرعيّة 3: 78، جامع المقاصد 6: 123.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1429 ه ق

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة؛ ص: 369

تفصيل الشريعة - الغصب،

إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 369

..........

______________________________

ينطبق عليهما إحدى الضابطتين، بل حيث إنّ المتداول وجود ممالك متعدّدة، و كلّ مملكة مركّبة من عدّة بلاد؛ سواء كانت إسلاميّة أو غير إسلاميّة، فاللازم ملاحظة الحكم النافذ في المملكة المركّبة من البلاد، فدار الإسلام عبارة عن المملكة النافذة في جميع بلادها أحكام الإسلام، و لا يلاحظ في هذه الجهة كلّ بلد بحياله و مستقلّاً. ثانيهما: قال في المسالك: إنّ المراد من دار الإسلام هنا غير المراد بها في حكمهم بأنّ سوق المسلمين يحكم على لحومه و جلوده بالطهارة؛ لأنّ المسلم الواحد لا يكفي في ذلك إذا كان أصل البلد للمسلمين، و لا يصدق عليه سوق المسلمين «1». فرع ذكره الماتن قدس سره في آخر المسألة؛ و هو: أنّه فيما كان اللقيط محكوماً بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره؛ لاعترافه بالكفر في حال كونه بالغاً، لكن لا يجري عليه أحكام المرتدّ الفطري؛ لأنّ موردها المرتدّ الذي أُحرز إسلامه في حال الانعقاد أو قبل البلوغ. و أمّا من كان محكوماً بالإسلام لأجل كونه لقيطاً في دار الإسلام لا يترتّب على كفره ما يترتّب على هذا النحو من الإسلام. قد وقع الفراغ من هذه الأوراق في شرح كتاب تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف، و أنا العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغنيّ محمّد الفاضل اللنكراني، عفى عنه و عن والديه المرحومين، و جعل مستقبل أمره خيراً من ماضيه، و لم يجعل عمره مرتعاً للشيطان، بل جعله في خدمة الدِّين و ترويج شريعة سيّد المرسلين محمّد و آله الطاهرين، صلّى اللّٰه عليه و عليهم أجمعين، و المرجوّ من القرّاء أن لا ينسوني من صالح الدُّعاء،

كما أنّي لا أنساهم إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 12: 476- 477.

تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، ص: 370

..........

______________________________

و كان تاريخ الفراغ غرّة ذي القعدة الحرام من شهور سنة 1424، التي اشتهرت بكونها يوم ولادة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام فاطمة المعصومة، كريمة أهل البيت، و مريم آل الرسول عليهم السلام، و التي يكون جوارها مبدأً للخيرات و البركات و النعمات، و قد حكي عن الإمام الجواد عليه السلام أنّه قال: من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة «1» و هكذا الروايات «2» المتعدّدة في هذا المجال، و الحمد للّٰه خير ختام.

______________________________

(1) كامل الزيارات: 536 ح 827، و عنه وسائل الشيعة 14: 576، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه ب 94 ح 2، و بحار الأنوار 102: 265 ح 3.

(2) وسائل الشيعة 14: 576، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه ب 94 ح 1، و بحار الأنوار 102: 265- 267 ب 1.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - الغصب، إحياء الموات، المشتركات و اللقطة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1429 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.