تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: القصاص

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله .شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: القصاص/ تالیف محمد الفاضل اللنکرانی؛ تحقیق مرکز الفقه الائمه الاسمار علیهم السلام.

مشخصات نشر : قم: مرکز فقه الائمه، الاطهار علیهم السلام، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهری : 463ص.

شابک : 15000ریال 964-92309-2-0: ؛ 30000ریال : چاپ سوم 964-7709-35-8 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : پشت جلد لاتینی شده: Muhammad Al -Fadil Al-Lankarani. Tafsil-ul-sharia fi sharh...

يادداشت : چاپ سوم: 1427ق. = 1385.

یادداشت : کتابنامه: ص. [447] - 454؛ همچنین به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر : القصاص

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : قصاص

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

رده بندی کنگره : BP183/9 /خ8ت30237244 1379

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 79-16356

مقدمة الناشر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

شكر و تقدير

قد تمّت مراجعة هذا الكتاب و تنسيقه و تخريج مصادره و طبعه بحلّة جديدة في مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) بجهود جماعة من الفضلاء الأماجد:

1 حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ حسين الواثقي: تنسيق الكتاب و الإشراف المباشر.

2 الأخ الفاضل محمّد مهدي مقدادي: تخريج المصادر.

3 حجّة الإسلام الشيخ عباد اللّٰه سرشار الميانجي الطهراني: المقابلة و التخريج.

و نحن إذ نقدّم شكرنا و تقديرنا، نسأل اللّٰه تعالىٰ أن يوفّقهم للمزيد من الأعمال العلميّة.

قم المقدّسة مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام)

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 6

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصلاة على نبيّنا محمّد و آله الطاهرين، و اللعن الدائم على

أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

أمّا بعد: إنّ كتاب (وسيلة النجاة) رسالة علمية عملية ألّفها فقيه عصره و فريد أوانه آية اللّٰه العظمى السيّد أبو الحسن الأصفهاني قدّس اللّٰه نفسه الزكية، و قد علّق عليها الفقهاء عليها من بعده بآرائهم الخاصّة، و منهم السيّد الإمام آية اللّٰه العظمى الحاج آقا روح اللّٰه الموسوي الخميني أفاض اللّٰه تعالى عليه من شآبيب رحمته.

و بعد قيامه ضدّ الحكومة الپهلوية الطاغية نُفي إلى بورسا من بلاد تركيا و فيها أدرج الحواشي و نظراته في وسيلة النجاة. و بعد مهاجرته إلى النجف الأشرف أتمّها و حرّرها و سمّاها تحرير الوسيلة، يقول الإمام نفسه:

فقد علّقت في سالف الزمان تعليقة على كتاب وسيلة النجاة تصنيف السيّد الحجّة الفقيه الأصبهاني قدّس سرّه العزيز، فلمّا اقصيت في أواخر شهر جمادى الثانية عام 1384 ه عن مدينة قم إلى بورسا من مدائن تركيا لأجل حوادث محزنة حدثت للإسلام و المسلمين لعلّ التاريخ يضبطها و كنت فارغ البال تحت النظر و المراقبة، أحببت أن أدرج التعليقة في المتن لتسهيل التناول، و لو وفّقني اللّٰه تعالى لأضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء «1». فصار التحرير رسالة علمية عملية له.

و ما مضى زمان طويل من طبع هذا الكتاب حتّى شمّر ذراع الجدّ و الجهد أحد تلامذته و خاصّته فقدم شرحاً استدلاليّاً لتحرير الوسيلة حاوياً لأكثر المباني الفقهيّة من القدماء و المعاصرين لا سيّما المباني المختصّة بالسيّد الإمام (رحمه اللّٰه) لتحرير الوسيلة، و هو فقيه العصر و المرجع الديني الكبير في هذا الزمان سماحة آية اللّٰه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني مدّ ظلّه العالي. و سمّاه (تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة) فكتب الشرح على بعض أبوابه و طبع في حياة

السيّد الإمام الخميني (قدّس سرّه)، و بعد رحلة الإمام أيضاً استمرّ بتأليف الكتاب.

فقد قال الشارح: قد شرعت فيه في بلدة يزد المعروفة بدار العبادة و الإيمان حينما كنت مقيماً فيها بالإقامة الإجبارية من ناحية الحكومة الجائرة الپهلوية لأجل المبارزة معه تبعاً و اقتداء بالإمام ..

شرعت في شرح الكتاب و اشتغلت به جميع مدّة إقامتي فيها الذي هو سنتان و أكثر من نصف، و وفّقت في تلك المدّة لتأليف مجلّدات متعدّدة منه «2».

و حتّىٰ الآن صدرت منه المجلّدات التالية:

1 الاجتهاد و التقليد، 2 المياه، 3 أحكام التخلّي، 4 غسل الجنابة، التيمّم، المطهّرات. 5 النجاسات و أحكامها، 6 الصلاة ج 1، 7 11 الحجّ في خمسة أجزاء، 12 الإجارة، 13 الحدود، 14 القصاص، 15 الديات.

و أمّا التي ما زالت تحت الطبع: المواريث، الطلاق، النكاح، المضاربة و الشركة و المزارعة، القضاء و الشهادات.

نسأل اللّٰه تبارك و تعالى أن يمدّ في عمره المبارك حتّى يتمّ العمل و يبلغ الأمل و هو إتمام الشرح لما يقرب من أربعين مجلّداً.

و هذا كتاب القصاص بين أيديك أيُّها القارئ العالم، و قد طبع أول مرّة في سنة 1407 ه.

و بعد تأسيس مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) عزمنا على تجديد طبعه بحلّة جديدة، تتضمّن تخريجاً للآيات و مصادر الروايات و مدارك ما حواه من أقوال لعلماء و آراء لفقهاء كان الكتاب بحاجة إليها. و قد تمّ هذا المشروع بجهود جماعة من الفضلاء في المركز:

1) حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ حسين الواثقي: المشرف المباشر.

2) الأخ الفاضل الشيخ محمد مهدي المقدادي: تخريج المصادر.

3) حجّة الإسلام الشيخ عباد اللّٰه السرشار الميانجي: المقابلة.

نسأل اللّٰه تعالى أن يوفّقنا لإخراج تمام أجزائه. إنّه سميع مجيب قم المقدّسة مركز فقه

الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) غرّة شهر اللّٰه الأكبر، رمضان المبارك 1420 ه

______________________________

(1) مقدّمة تحرير الوسيلة.

(2) ص 7 من المقدّمة من كتاب الاجتهاد و التقليد من الطبعة الاولى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 7

كتاب القصاص و هو إمّا في النفس و إمّا فيما دونها

[القسم الأوّل: في قصاص النفس]

اشارة

القسم الأوّل: في قصاص النفس و النظر فيه في الموجب و الشرائط المعتبرة فيه و ما يثبت به و كيفية الاستيفاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 9

[القول في الموجب]

اشارة

القول في الموجب و هو إزهاق النفس المعصومة عمداً مع الشرائط الآتية (1).

______________________________

(1) القِصاص بالكسر-: فعال من قصّ أثره، إذا تتبعه، و من هذا الباب القصة، باعتبار كونها تذكرة للأمر الواقع فيما مضى، و المراد به في المقام تعقيب الجناية الواقعة من قتل أو جرح أو مثلهما بإيراد مثله على الجاني و الإتيان بمثل فعله.

و قد ورد في الكتاب العزيز بهذا العنوان أو بما لا ينطبق إلّا عليه في ضمن الآيات الكثيرة، فمن الأوّل قوله تعالىٰ وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ «1».

و المراد من الآية دفع ما ربّما يتوهّم في باب القصاص من أنّ مرجعه إلى ضمّ موت إلى موت آخر و مثله، و هذا ممّا لا يقبله العقل السليم، و ربما يضاف إلى ذلك أنّ من يتصدّى لقتل غيره عدواناً و ظلماً لا يكون إلّا مريضاً، و اللازم أن يعالج حتى لا يتحقّق منه مثله.

______________________________

(1) البقرة 2: 179.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 10

..........

______________________________

و لكن هذا الكلام إنّما يتمّ لو كان النظر مقصوراً على القاتل فقط و لم يلاحظ الاجتماع و سائر الناس، و أمّا مع ملاحظة العموم فالقصاص ضامن لحفظ الحياة، فإنّه مع تحقّقه لا يتحقّق القتل من غيره إلّا نادراً، خصوصاً مع ملاحظة أنّ كلّ أحد في مقام السعي و المجاهدة لحفظ حياة نفسه و عدم تحقّق ما يوجب التهديد بالإضافة إليها. فإذا رأى أنّ القتل يؤثّر في زوال حياته بالقصاص لا يكاد ينقدح

في نفسه إرادته خصوصاً مع كون التصديق بالفائدة من مبادي الإرادة، و لا يتصوّر الفائدة مع انتفاء الموضوع أصلًا، كما لا يخفى.

و من الثاني قوله تعالىٰ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً «1».

فإن الظاهر أنّ المراد من قوله «بِغَيْرِ نَفْسٍ» هو عدم كونه بعنوان القصاص، و أمّا التشبيه الواقع في الآية فقد ورد في توجيهه من أصحاب التفسير أقوال «2»:

منها: أنّ معناه هو أنّ الناس كلّهم خصماؤه في قتل ذلك الإنسان، و قد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعاً، فأوصل إليهم من المكر ما يشبه القتل الذي أوصله إلى المقتول، فكأنّه قتلهم كلّهم؛ و من استنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو ما يميت لا محالة أو استنقذها من ضلال فكأنّما أحيا الناس جميعاً، أي أجره على اللّٰه أجر من أحياهم جميعاً.

و منها: أنّ من قتل نبيّاً أو إمام عدل فكأنّما قتل الناس جميعاً، أي يعذَّب عليه،

______________________________

(1) المائدة 5: 32.

(2) ذكرها الطبرسي في مجمع البيان: 3/ 309 310.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 11

..........

______________________________

كما لو قتل الناس كلّهم، و من شدّ على عضد نبي أو إمام فكأنّما أحيا الناس جميعاً في استحقاق الثواب.

و منها: أنّ معناه من قتل نفساً بغير حق فعليه مثل مأثم كلّ قاتل من الناس، لأنّه سنّ القتل و سهّله لغيره، فكان بمنزلة المشارك فيه، و من زجر عن قتلها بما فيه حياتها على وجه يقتدي به فيه بأن يعظّم تحريم قتلها كما حرّمه اللّٰه، فلم يقدم على قتلها لذلك فقد أحيا الناس بسلامتهم منه.

و

منها: غير ذلك من التأويلات.

و لكنّ الظاهر عدم تمامية شي ء منها و عدم انطباقه على ما هو ظاهر الآية، و لكنّه قد ورد في تفسيرها روايات و لا محيص عن حملها عليها، مثل رواية محمد ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ- مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً قال: له في النار مقعد، لو قتل الناس جميعاً لم يرد إلّا ذلك المقعد «1».

و رواية حمران قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) ما معنىٰ قول اللّٰه عزّ و جلّ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً قال: قلت: كيف كأنّما قتل الناس جميعاً، فإنّما قتل واحداً؟ فقال: يوضع في موضع من جهنّم إليه ينتهي شدّة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعاً لكان إنّما يدخل ذلك المكان. قلت: فإنّه قتل آخر؟ قال: يضاعف عليه «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 2، أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 2، أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 12

..........

______________________________

و رواية حنّان بن سدير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً قال: هو وادٍ في جهنّم لو قتل الناس جميعاً كان فيه، و لو قتل نفساً واحدة كان فيه «1».

و مرجعها إلى اشتراك كليهما في الورود في واد خاصّ في جهنّم، الذي إليه ينتهي شدّة

عذاب أهلها، غاية الأمر وجود الاختلاف من جهة الشدّة و الضعف بينهما، كما صرّح بالتضاعف في رواية حمران.

بقي الكلام في بيان ما يوجب القصاص، و قد ذكر في المتن أنّه إزهاق النفس المعصومة عمداً مع الشرائط الآتية، و قد عرّفه المحقّق في الشرائع بأنّه: إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمداً عدواناً «2». فأدخل جملة من الشرائط في قوله: المكافئة، و جملة في العمد، نظراً إلى أنّ عمد الصبي و المجنون خطأ.

و يرد على المتن مضافاً إلى أنّ الجمع بين توصيف النفس بالمعصومة مع جعل واحد من الشرائط الآتية «كونه محقون الدم» ممّا لا فائدة فيه أصلًا؛ لأنّ المراد منهما أمر واحد أنّه إن كان المراد بالمعصومة هو المعصومة مطلقا و بالإضافة إلى كلّ أحد كما هو ظاهر الإطلاق، فاللازم أن لا يكون قتل من استحق القتل قصاصاً أو دفاعاً موجباً للقصاص إذا تحقّق من الأجنبيّ؛ لعدم كونه معصوماً مطلقاً؛ لجواز قتله بالإضافة إلى ورثة المقتول أو الدافع، و إن كان المراد هو المعصومة بالإضافة إلى القاتل فاللازم التقييد به و عدم الاقتصار على الإطلاق.

ثمّ إنّ النفس غير المعصومة قد تكون مهدورة الدّم كما في سابّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 5، أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 10.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 971.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 13

[مسألة 1- يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل و لو نادراً]

مسألة 1- يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل و لو نادراً، و بقصد فعل يقتل به غالباً و إن لم يقصد القتل به. و قد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الدّيات (1).

______________________________

مدّعي النبوّة، حيث إنّه يجوز لكلّ من سمع ذلك منهما التصدي لقتله و إزهاق نفسه،

ففيه لا يتحقّق الموجب للقصاص بلا إشكال، و قد يكون إزهاقها بعنوان الحدّ الذي يتوقف على إذن الحاكم، كما في الزاني المحصن و اللائط إيقاباً و المرتدّ الفطري، و تحقّق الموجب فيه محلّ إشكال بل منع، لأنّ مجرّد لزوم مباشرة الحاكم و إذنه لا يوجب كون النفس معصومة بعد وضوح أنّ الشارع أسقط احترامها لأجل الجناية التي ارتكبها، و سيأتي عند تعرّض المتن له تفصيل البحث في ذلك إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

(1) ظاهر العبارة أنّ العمد محضاً الذي هو معتبر في ما يوجب القصاص يتحقّق في موارد ثلاثة:

المورد الأوّل: ما إذا قصد القتل و كانت الآلة ممّا يتحقّق به القتل غالباً، و يستعمل في هذا الغرض نوعاً، و هذا هو القدر المتيقّن من موارد العمد، لأنّ المفروض صدور القتل عن قصد و إرادة، و كون الآلة مؤثِّرة في حصوله غالباً «1».

المورد الثاني: ما إذا قصد القتل و لكن لم تكن الآلة مؤثّرة في القتل إلّا نادراً، كالعصا و نحوه و اتّفق القتل به، و قد قيل: إنّ فيه قولين، و لكن في الجواهر بعد نسبة ثبوت القصاص إلى الأشهر و احتماله أنّ عليه عامّة المتأخّرين: لم أجد فيه خلافاً، و إن

______________________________

(1) الوسيلة: 429، شرائع الإسلام: 4/ 971، قواعد الأحكام: 2/ 277، تحرير الأحكام: 2/ 240، كنز العرفان: 2/ 366، مسالك الأفهام: 15/ 67، رياض المسائل: 10/ 234.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 14

..........

______________________________

أرسل «1»، نعم يظهر من اللمعة نوع تردّد فيه «2».

و كيف كان فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة هو ثبوت القصاص؛ لأنّ المفروض قصد القتل و تحقّقه في الخارج، و مجرّد عدم تأثير الآلة في القتل إلّا نادراً لا يقتضي

الخروج عن صدق عنوان العمد، و لكنّه ورد في هذا الأمر روايات مختلفة:

فطائفة منها تدلّ على تحقّق العمد في هذا المورد:

مثل: صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج قال: قال لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): يخالف يحيى ابن سعيد قضاتكم؟ قلت: نعم، قال: هات شيئاً ممّا اختلفوا فيه، قلت: اقتتل غلامان في الرحبة، فعضّ أحدهما صاحبه، فعمد المعضوض إلى حجر فضرب به رأس صاحبه الذي عضّه، فشجّه فكزّ فمات، فرفع ذلك إلى يحيى بن سعيد فأقاده، فعظم ذلك على ابن أبي ليلى و ابن شبرمة، و كثر فيه الكلام و قالوا: إنّما هذا الخطأ، فودّاه عيسىٰ بن علي من ماله. قال: فقال: إنّ من عندنا ليقيدون بالوكزة، و إنّما الخطأ أن يريد الشي ء فيصيب غيره «3».

و الغلامان في الرّواية محمول على البالغين، و الظاهر إرادة القتل في مورد الرّواية، كما يدلّ عليه قوله: «اقتتل»، و عليه فحصر الخطأ فيما إذا أراد الشي ء فأصاب غيره ظاهر في ثبوت العمد في مورد الرواية مع كون الحجر لا يقتل غالباً.

و صحيحة الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا كلّه عمد؛ و الخطأ من اعتمد شيئاً

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 13.

(2) اللمعة الدمشقية: 174.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 23، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 15

..........

______________________________

فأصاب غيره «1».

و مرسلة جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب فعليه القود، و إنّما الخطأ أن تريد الشي ء فتصيب غيره. و قال: إذا أقرّ على نفسه بالقتل قتل

و إن لم يكن عليه بيّنة «2».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لو أنّ رجلًا ضرب رجلًا بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمداً «3». و القدر المتيقّن منها صورة إرادة القتل و قصده لا مجرّد الضرب بإحداها، و إن لم يكن قاصداً للقتل أصلًا.

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج المروية في تفسير العياشي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: إنّما الخطأ أن تريد شيئاً فتصيب غيره، فأمّا كلّ شي ء قصدت إليه فأصبته فهو العمد «4».

و مرسلة ابن أبي عمير المروية في التفسير المزبور عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال: كلّما أُريد به ففيه القود، و إنّما الخطأ أن تريد الشي ء فتصيب غيره «5». و نقلها في الجواهر هكذا: مهما أُريد تعيّن القود «6» ..، و جعلها من الروايات المعارضة لهذه الروايات مع وضوح ظهورها في ثبوت القود في المقام، خصوصاً مع حصر الخطأ فيما ذكر.

و طائفة ظاهرها عدم تحقّق العمد و عدم ثبوت القود.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 24، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 25، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 26، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 8.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 28، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 18.

(5) وسائل الشيعة: 19/ 28، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 16.

(6) جواهر الكلام: 42/ 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 16

..........

______________________________

مثل: رواية أبي العباس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أرمي الرّجل بالشي ء الذي لا يقتل مثله، قال: هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها،

قلت: أرمي الشاة فأُصيب رجلًا، قال: هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه؛ و العمد الذي يضرب بالشي ء الذي يقتل بمثله «1». و ظهورها في كون المفروض فيها صورة إرادة القتل لا شكّ فيه، كما أنّ دلالتها على عدم كون المقام من موارد العمد ظاهرة.

و مرسلة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): في الخطأ شبه العمد أن تقتله بالسّوط أو بالعصا أو بالحجارة، إنّ دية ذلك تغلظ، و هي مائة من الإبل. الحديث «2».

و رواية أبان بن عثمان، عن أبي العباس و زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: إنّ العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتل مثله، و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله، يقتله بما لا يقتل مثله، و الخطأ الذي لا شكّ فيه أن يتعمّد شيئاً آخر فيصيبه «3». و الظّاهر أنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «لا يريد قتله» هو عدم إرادة القتل حينما يتعمّده و يقصده، و لذا لا يستصحب الآلة القتّالة، و لكنّه بعد الوصول إليه يحدث له إرادة القتل فيقتله بما لا يقتل مثله، لظهورها في أنّ الفرق بين هذا الفرض و الفرض الأوّل هو مجرّد كون الآلة فيه قتّالة بخلافه، و في أنّ الفرق بينه و بين الفرض الأخير هو عدم تعلّق قصد القتل بالمقتول بل بشي ء آخر، فالفروض الثلاثة كلّها مشتركة في أصل إرادة القتل.

و مثل هذه الرواية رواية زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: إنّ الخطأ أن تعمده

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 25، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 7.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 27، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح

11.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 27، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 17

..........

______________________________

و لا تريد قلته بما لا يقتل مثله، و الخطأ ليس فيه شكّ أن تعمد شيئاً آخر فتصيبه «1».

و رواية أُخرى لزرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: العمد أن تعمده فتقتله بما مثله يقتل «2».

و مرسلة يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: إن ضرب رجل رجلًا بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يشبه العمد، فالدية على القاتل؛ و إن علاه و ألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به، و إن ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثم مكث يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد «3». و الظاهر أنّ اختلاف الفروض إنّما هو في تحقّق قصد القتل في الصورة الثانية المستلزم للإلحاح، و مثله دون الصورتين الآخرتين، و عليه فتصير الرواية من روايات الطائفة الأُولىٰ.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ الجمع بين الطائفتين يمكن بوجهين:

أحدهما: حمل الطائفة الأُولىٰ الدالّة بظاهرها على ثبوت العمد في المقام على شبه العمد بقرينة الطائفة الثانية، فالنتيجة حينئذٍ عدم ثبوت القصاص لعدم تحقّق موجبه الذي هو العمد.

ثانيهما: حمل الطائفة الثانية على صورة عدم إرادة القتل و عدم تحقّق قصده بقرينة الطائفة الأُولىٰ، فينتج ثبوت القصاص في المقام.

و الظاهر أنّ الترجيح مع الوجه الثاني لأنّ مضافاً إلى عدم ظهور الطائفة الثانية في صورة إرادة القتل، بل حمل بعضها على هذه الصورة كان بعيداً حمل الطائفة الأولى على شبه العمد لا يكاد يجتمع مع ثبوت الحكم بالقصاص في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 28، أبواب القصاص

في النفس ب 11 ح 17.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 28، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 20.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 25، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 18

..........

______________________________

بعضها، كما في مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة، و ليس المذكور في جميعها كلمة «العمد» حتى تحمل على شبه العمد، بل الحكم بالقود الذي لا يتحقّق إلّا بعد ثبوت موجبه الذي هو العمد محضاً، فالترجيح مع هذا الوجه.

ثم إنّه لو فرض ثبوت التعارض و عدم إمكان الجمع لكان الترجيح مع الطائفة الأولى، الموافقة للشهرة الفتوائية المحققة، كما مرّت الإشارة إليه مراراً.

المورد الثالث: ما إذا قصد فعلًا يقتل به غالباً و إن لم يقصد القتل به، و قيل: يفهم من الغنية الإجماع عليه «1»، و هو الذي تقتضيه القاعدة، لأنّ القصد إلى الفعل الذي يتحقّق به القتل غالباً مع التوجه و الالتفات إلى ذلك لا يكاد ينفكّ من قصد القتل، غاية الأمر أنّه يصير القتل مقصوداً بالتبع، و الفعل يكون مقصوداً بالأصالة، و هو لا يوجب الخروج عن عنوان العمد، فإنّ من ضرب الغير بآلة قتّالة مع العلم بكونها كذلك يكون عند العرف قاتلًا بالقتل العمدي، و إن كان غرضه غير القتل كامتحان الآلة، أو امتحان رميه إيّاها، أو غير ذلك من الأغراض.

و يدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكرنا صحيحة الحلبي و أبي الصباح الكناني جميعاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال (قالا ظ) سألناه عن رجل ضرب رجلًا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أ يدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث به، و لكن يجيز عليه

بالسيف «2». و مثلها رواية موسى بن بكر «3». و رواية سليمان بن خالد «4».

______________________________

(1) غنية النزوع: 402.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 24، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 26، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 10.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 27، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 19

..........

______________________________

و العصا و إن لم يكن بمجرده من الآلات القتّالة، إلّا أنّ تكرار الضرب به و عدم قلع الضرب عنه يوجب صيرورته من هذه الآلات. و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال أنّه لا فرق بين ما إذا كان مراد الضارب القتل أو مجرّد الضرب فقط، و عليه فظاهر الجواب كون هذا المورد أيضاً من موارد العمد التي فيها القصاص، و الظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «و لكن لا يترك يعبث به» هو عدم المعاملة مع القاتل معاملة ما صنعه بالمقتول، بل يسرع عليه بالسيف الذي يوجب قتله من دون زجر و تمثيل. يقال: أجاز عليه، أي أجهزه و أسرع في قتله. و عليه فالروايات المذكورة مطابقة لما تقتضيه القاعدة.

ثمّ إنّ بعض الأعلام استدلّ لكون المورد الثالث من موارد العمد بصحيحة فضل ابن عبد الملك التي رواها الصدوق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، أنّه قال: إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد. قال: سألته عن الخطأ الذي فيه الدية و الكفارة أ هو أن يعتمد ضرب رجل و لا يعتمد قتله؟ فقال: نعم، قلت: رمى شاة فأصاب إنساناً، قال: ذاك الخطأ الذي لا شكّ فيه، عليه الدية و الكفّارة «1».

قال في تقريب الاستدلال بها: إنّها تدلّ على أنّ الضرب بالحديدة

الذي يترتّب عليه القتل عادة من القتل العمدي، و إن لم يقصد الضارب القتل ابتداء، و أمّا مع قصد القتل فلا خصوصية للحديدة «2».

و يرد عليه، انّ الحديدة لا تكون من الآلات القتّالة، لأنّ المراد بها هي الحديدة الصغيرة، و قد جعلها في بعض الروايات المتقدّمة في رديف الحجر و العصا و الوكزة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 26، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 9.

(2) مباني تكملة المنهاج: 2/ 4 مسألة 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 20

..........

______________________________

و المراد من ضرب الرجل بها هو الضرب المقرون مع قصد القتل و إرادته، و يدلّ عليه سؤال الراوي بعده عن الخطأ، و أنّه هو أن يعتمد ضرب رجل و لا يعتمد قتله الظاهر في أنّ الفرق بينه و بين العمد هو إرادة القتل فيه دونه، و عليه فالرواية تنطبق على المورد الثاني دون الثالث.

كما أنّه استدلّ له أيضاً بصحيحة أبي العباس و زرارة المتقدّمة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: إنّ العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتل مثله، و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله، و الخطأ الذي لا شك فيه أن يتعمّد شيئاً آخر فيصيبه «1». نظراً إلى أنّ التقييد بقوله (عليه السّلام) «بما لا يقتل مثله» يدلّ على أنّ الآلة إذا كانت قتّالة فليس هو من الخطأ، و إن لم يقصد القتل ابتداءً «2».

و يرد عليه أنّ هذا التقييد كما وقع في الخطأ وقع التقييد بما يقتل مثله في العمد، مع أنّ الظاهر عدم كونه مقيّداً به، لما عرفت في المورد الثاني من أنّ قصد القتل يوجب تحقّق العمد و إن لم تكن الآلة

قتّالة، فالإنصاف أنّ الدليل في هذا المورد هي الروايات التي أوردناها، و قد استدلّ بها صاحب الجواهر (قدّس سرّه) «3».

بقي الكلام في أنّه هل يتحقّق العمد فيما إذا لم يقصد القتل و لم يكن الفعل مؤثِّراً في القتل بحسب الغالب أو لا يتحقّق؟ فيه وجهان، بل قولان، حكى عن الغنية الإجماع على الثاني «4». و قال في الجواهر: لا أجد فيه خلافاً بين المتأخّرين «5».

______________________________

(1) تقدّمت في ص 16.

(2) مباني تكملة المنهاج: 2/ 4 مسألة 1.

(3) جواهر الكلام: 42/ 14.

(4) غنية النزوع: 402.

(5) جواهر الكلام: 42/ 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 21

..........

______________________________

و لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط: أنّه عمد «1»، كالمورد الثالث إمّا مطلقاً كما حكاه عنه بعض «2»، أو في خصوص الأشياء المحدّدة فقط، كما هو مقتضى العبارة المحكية عنه في كشف اللثام «3».

و أمّا بالنظر إلى الرواية، فقد ذكر المحقّق في الشرائع: أنّ فيه روايتين: أشهرهما أنّه ليس بعمد يوجب القود «4». و مراده هو الطائفتان من الروايات، لا خصوص روايتين، و لا بدّ قبل ملاحظتهما من النظر في أنّ مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الرواية هل هو الوجه الأوّل أو الثاني.

فنقول: ظاهر الجواهر بل صريحه هو الأوّل، نظراً إلى أنّه لا مدخلية للقصد في صدق القتل عرفاً، بل و لا في صدق القتل عمداً؛ لأنّ معناه حصوله على جهة القصد إلى الفعل عدواناً الذي حصل به القتل، و إن كان ممّا يقتل نادراً. إذ ليس في شي ء من الأدلّة العمد إلى القتل، بل و لا العرف يساعد عليه، فإنّه لا ريب في صدق القتل عمداً على من ضرب رجلًا عاديا غير قاصد للقتل، أو قاصداً

عدمه فاتّفق ترتّب القتل على ضربه العادي منه المتعمّد له «5».

و يدلّ عليه عدم ثبوت قصد القتل في المورد الثالث من موارد القتل عمداً، فيظهر منه عدم كون إرادة القتل دخيلة في تحقّق عنوان العمد أصلًا، و لكنّ الظّاهر خلاف ما أفاده، نظراً إلى عدم صدق تفسير الموجب للقصاص عليه و عدم

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 16.

(2) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: 15/ 68.

(3) كشف اللثام: 2/ 439.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 971.

(5) جواهر الكلام: 42/ 17 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 22

..........

______________________________

مساعدة العرف أيضاً، فإنّه لا يقال لمن ضرب الغير بالكفّ مثلًا ضربة واحدة غير مؤثّرة في القتل نوعاً، و لكن اتّفق موته بسببها علىٰ خلاف الغلبة: أنّه تحقّق منه قتل العمد و أزهق النفس المحترمة عمداً. و قد ذكرنا أنّ ثبوت هذا العنوان في المورد الثالث إنّما هو بلحاظ عدم انفكاك قصد القتل عن قصد الفعل مع الالتفات إلى كون الآلة قتّالة، و إن كان مقصوده الأصلي غير القتل، و عليه فالظّاهر أنّ مقتضى القاعدة عدم تحقّق العمد في المقام.

و أمّا الروايات، فطائفة منها ظاهرة في ذلك، مثل صحيحة فضل بن عبد الملك المتقدّمة في المورد الثالث، نظراً إلى قوله: «سألته عن الخطأ الذي فيه الدية و الكفّارة، أ هو أن يعتمد ضرب رجل و لا يعتمد قتله؟ قال: نعم». فإنّ مقتضاه تحقّق الخطأ الذي يكون المراد به شبه العمد مع عدم قصد القتل، و عدم كون الآلة قتّالة، كما هو المفروض في كلام الإمام (عليه السّلام) قبل هذا السؤال و هو الضرب بالحديدة، و كذا صحيحة أبي العبّاس و زرارة المتقدّمة في المورد الثالث أيضاً، فإنّ قوله (عليه السّلام):

«و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله، يقتله بما لا يقتل مثله» ظاهر في تحقّق الخطأ بالمعنى المذكور مع اجتماع عدم إرادة القتل، و كون الفعل غير مؤثِّر في القتل نوعاً.

و كذا صحيحة أُخرى لأبي العباس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أرمي الرجل بالشي ء الذي لا يقتل مثله، قال: هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشاة فأُصيب رجلًا، قال: هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه، و العمد الذي يضرب بالشي ء الذي يقتل بمثله «1» فإنّ الظاهر أو القدر المتيقّن من قوله: «أرمي الرجل» هو الرمي الخالي عن إرادة القتل، فتدلّ الرواية على كونه خطأ.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 23

..........

______________________________

و جملة منها ظاهرة في تحقّق العمد في المقام، مثل رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لو أنّ رجلًا ضرب رجلًا بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمداً «1». فإنّ ظاهره إمّا خصوص صورة إرادة مجرّد الضرب دون القتل، أو أنّ مقتضى إطلاقه الشمول لهذه الصورة، و على أيّ حال فتدلّ الرواية على تحقّق العمد في المقام.

و مرسلة جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب فعليه القود، و إنّما الخطأ أن تريد الشي ء فتصيب غيره. الحديث «2» فإنّ مقتضى إطلاق إرادة الضرب الشمول لما إذا كان المراد الضرب فقط في مقابل القتل.

و صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا كلّه عمد، و الخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب

غيره «3»، نظراً إلى أنّ الآلات المذكورة فيها التي لا تكون قتّالة نوعاً شاهد على عدم كون المراد من قوله: «اعتمد شيئاً» هو قصد قتله و إرادة إزهاق نفسه فقط، لعدم اجتماعه مع شي ء من هذه الآلات، بل أعمّ منه و ممّا إذا كان المراد مجرّد الضرب فقط. و غير ذلك من الروايات.

و اللّازم أن يقال: إمّا بلزوم تقييد إطلاقات الطائفة الثانية على تقدير ثبوت الإطلاق لها، كما عرفت في بعضها بمقتضى الطائفة الأُولى الظاهرة بل الصريحة في عدم تحقّق العمد في المقام، و إمّا بلزوم ترجيح الطائفة الأُولىٰ على الثانية علىٰ فرض

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 26، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 8.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 25، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 24، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 24

[مسألة 2 العمد قد يكون مباشرة]

مسألة 2 العمد قد يكون مباشرة: كالذبح و الخنق باليد و الضرب بالسيف و السكين، و الحجر الغامز، و الجرح في المقتل، و نحوها ممّا يصدر بفعله المباشري عرفاً ففيه القود، و قد يكون بالتسبيب بنحو، و فيه صور نذكرها في ضمن المسائل الآتية (1).

______________________________

ثبوت التعارض للشهرة الفتوائية المحقّقة كما مرّ، فتصير النتيجة موافقة للطائفة الأُولىٰ.

(1) قد مرّ في تعريف موجب القصاص أنّ المدار فيه إنّما هو على قتل النفس المحترمة عمداً، كما أنّ المستفاد من الروايات المتقدّمة أيضاً ذلك، و عليه فلا بدّ في تحقّق ذلك من إضافة القتل إلى الفاعل و اتّصافه بوقوعه عن عمد، و قد مرّ أيضاً أنّ موارد العمد لا يتجاوز عن ثلاثة، فاللّازم في جميع موارد ثبوت القصاص من

تحقّق هذا العنوان إلّا فيما إذا ثبت بدليل خاصّ علىٰ خلاف القاعدة، و عليه فليس في شي ء من الأدلّة عنوان الحكم بلفظ المباشرة و السبب، بل الموجود فيها هو عنوان قتل العمد.

و لكنّ العمد قد يتحقّق بالمباشرة، كالأمثلة المذكورة في المتن، و كسقي السمّ القاتل بإيجاره في حلقه، و بعض التزريقات المهلكة، و غير ذلك من موارد صدور القتل المباشر، و لا إشكال في ثبوت القصاص في جميع هذه الموارد.

و قد يتحقّق بالتسبيب لا مطلقاً، بل ببعض مراتبه و هو ما إذا انفرد الجاني بالتسبيب المتلف، و فيه صور مذكورة في ضمن المسائل الآتية.

و أمّا الشرط فلا يجب به قصاص أصلًا، لعدم تحقّق عنوان قتل العمد بسببه، لأنّ المراد به ما يقف عليه تأثير المؤثِّر من دون أن يكون دخيلًا في العلّة للزهوق، مثل حفر البئر بالنسبة إلى الوقوع فيها، فإنّ الوقوع مستند إلى علّته و هي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 25

[مسألة 3 لو رماه بسهم أو بندقة فمات فهو عمد]

مسألة 3 لو رماه بسهم أو بندقة فمات فهو عمد، عليه القود و لو لم يقصد القتل به، و كذا لو خنقه بحبل و لم يزح عنه حتّى مات، أو غمسه في ماء و نحوه و منعه عن الخروج حتى مات، أو جعل رأسه في جراب النورة حتى مات، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب المتلف فهي من العمد (1).

______________________________

التخطّي، و البئر شرط للتأثير بمعنى أنّه لو لم يحفرها لم يتحقّق القتل أصلًا، لكنّه لم يكن دخيلًا في الوقوع، بل الوقوع مستند إلى ما ذكر من التخطّي، و هو موجب لتحقّق القتل.

و بالجملة: فالضابط ما ذكرنا من صدق عنوان قتل العمد من دون

أن يكون عنوان آخر دخيلًا في الحكم، فلا بدّ في الحكم بثبوت القصاص من ملاحظة تحققه، و عليه ففي جميع المسائل الآتية ليس المدار غير ما ذكر.

(1) هذه هي الصورة الأُولى من صور انفراد الجاني بالتسبيب المتلف، و الحكم بثبوت القود في الفرض الأوّل إنّما هو لأجل كون مثل السهم و البندقة من الآلات المؤثِّرة في القتل غالباً، و عليه فلا فرق بين ما إذا قصد القتل به و بين ما إذا لم يقصد، لما عرفت من اشتراك كلّ من الفرضين في تحقّق عنوان العمد مع كون الآلة كذلك، أي مؤثِّرة في القتل غالباً، لكن لا بدّ من تقييد ذلك بما إذا وقع في المقتل، فإنّه لو أراد برميه غير المقتل فأصاب المقتل، كما إذا كان المراد من رميه هو الوقوع في الرِّجل الذي لا يؤثِّر في القتل نوعاً، و لكنّه أصاب المقتل علىٰ خلاف ما أراد، فالظاهر عدم تحقّق قتل العمد، بل لا يبعد أن يقال بكونه من مصاديق قتل الخطأ المحض، فإنّ قوله (عليه السّلام) في بعض الروايات المتقدّمة: «إنّما الخطأ أن تريد شيئاً فتصيب غيره» يشمل بإطلاقه مثل المقام الذي أراد ضرب الرجل فأصاب المقتل، فإنّه لا فرق بينه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 26

[مسألة 4 في مثل الخنق و ما بعده، لو أخرجه منقطع النفس]

مسألة 4 في مثل الخنق و ما بعده، لو أخرجه منقطع النفس أو غير منقطع لكن متردّد النفس فمات من أثر ما فعل به فهو عمد عليه القود (1).

[مسألة 5 لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالباً لمثله]

مسألة 5 لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالباً لمثله، ثم أرسله فمات بسببه، فإن قصد و لو رجاء القتل به ففيه القصاص، و إلّا فالدية، و كذا لو داس بطنه بما لا يقتل به غالباً، أو عصر خصيته فمات، أو أرسله منقطع القوة فمات (2).

______________________________

و بين ما إذا أراد قتل حيوان فأصاب إنساناً فقتله.

و هذا التقييد لا يجري في سائر الأمثلة و الفروض المذكورة في المتن، فإنّه بالخنق بالحبل و عدم الإرخاء حتى الموت، أو الغمس في مثل الماء و منعه عن الخروج كذلك، أو جعل رأسه في جراب النورة كذلك أيضاً يتحقّق العنوان الموجب للقصاص من دون تقييد، و لو لم يقصد القتل به أصلًا.

(1) الوجه في ذلك وضوح استناد الموت إلى الخنق و الغمس و جعل الرأس في جراب النورة، و لو كان في حال الإخراج منقطع النفس أو متردّدة و بقي مريضاً زمناً حتّى مات، بل في كشف اللثام: طالت المدّة قدراً يقتل الخنق في مثله غالباً أو لا «1». و قد عرفت أنّه لا فرق بين صورة قصد القتل و عدمه بعد كون مثل الخنق مؤثّراً في حصول القتل غالباً.

(2) الوجه في التفصيل بين صورة قصد القتل و بين غيرها ظاهر بملاحظة ما ذكرنا، فإنّه مع كون المفروض عدم تأثير العمل في قتله بحسب الغالب، كما في

______________________________

(1) كشف اللّثام: 2/ 440.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 27

[مسألة 6 لو كان الطرف ضعيفاً]

مسألة 6 لو كان الطرف ضعيفاً لمرض أو صغر أو كبر و نحوها، ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة فالظاهر أنّ فيه القصاص و لو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه، و إلّا ففيه

التفصيل المتقدّم (1).

______________________________

الأمثلة المذكورة في المسألة الثالثة مع التقييد بالمقدار الذي لا يكون موجباً لقتله كذلك، و كما فيما لو داس بطنه أي وطئه برجله أو عصر خصيته مع التقييد بالمقدار المذكور، و لكنّه أثّر في القتل علىٰ خلاف الغلبة لا يبقىٰ مجال لتحقّق عنوان قتل العمد إلّا من ناحية قصد القتل، لاعتبار أحد الأمرين علىٰ سبيل منع الخلوّ في تحقّقه كما عرفت، و تحقّق القصد مع كون المفروض عدم التأثير في القتل غالباً إنّما هو بنحو الرجاء و الاحتمال الناشئ عن التأثير مع وصف الندرة، كما لا يخفى.

ثمَّ إنّه لا فرق في هذه الجهة بين ما إذا تحقّق الموت حينما داس بطنه أو عصر خصيته، و بين ما إذا أرسله منقطع القوّة فمات، كما عرفت في المسألة الرابعة.

(1) المقصود من هذه المسألة أمران:

أحدهما: أنّه لا بدّ في ملاحظة مقدار التأثير، و أنّه هل يؤثّر في القتل غالباً أم لا، و من ملاحظة حال الطرف من جهة القوّة أو الضعف الناشئ عن المرض أو الصغر أو الكبر أو نحوهما، فربّما يكون الخنق بالحبل مثلًا في زمان قليل مؤثِّراً في قتل الضعيف نوعاً، و لا يؤثّر في هذا المقدار من الزمان في قتل القويّ كذلك، فاللّازم ملاحظة حال الطرف من هذه الجهة.

ثانيهما: إنّ الملاك ليس هو الضعف الواقعي بمجرّده، بل العلم بثبوت هذا الضعف فيه، فلو كان بحسب الواقع ضعيفاً و لكنّه كان الجاني جاهلًا بذلك لا يكاد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 28

[مسألة 7 لو ضربه بعصا مثلًا فلم يقلع عنه حتّى مات]

مسألة 7 لو ضربه بعصا مثلًا فلم يقلع عنه حتّى مات، أو ضربه مكرّراً ما لا يتحمّله مثله بالنسبة إلى بدنه، ككونه ضعيفاً أو صغيراً، أو بالنسبة

إلى الضرب الوارد، ككون الضارب قويّاً، أو بالنسبة إلى الزمان، كفصل البرودة الشديدة مثلًا فمات فهو عمد (1).

______________________________

يتحقّق قتل العمد إذا لم يكن قاصداً للقتل. و الوجه فيه عدم صدق العنوان الموجب للقود مع الجهل بالحال. و إن كان يظهر الاستشكال فيه من بعض أو الميل إلى العدم، كما من صاحب الجواهر «1» بناء على ما رجّحه من التوسعة في قتل العمد، كما عرفت.

(1) المقصود من هذه المسألة التنبيه على أنّه لا بدّ في مثل ضرب العصا من جهة اتّصافه بأنّه يتحمّل أوّلًا من ملاحظة المضروب من جهة الضعف و القوّة، كما مرّ في المسألة السابقة، و من ملاحظة الضارب و الضرب الصادر منه، و أنّه هل يكون قويّاً أو لا، و من ملاحظة زمان الضرب و أنّه هل يكون فصل البرودة الشديدة التي يكون تأثير الضرب فيها أكثر من غيره من الفصول.

و هذا الفرض من الضرب بالعصا مضافاً إلى أنّ مقتضى القاعدة أنّ حكمه هو القصاص لتحقّق موجبه الذي هو قتل العمد قد ورد فيه بعض الروايات.

مثل: رواية الحلبي و أبي الصباح الكناني جميعاً قال: سألناه عن رجل ضرب رجلًا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات، أ يدفع إلىٰ وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث به، و لكن يجيز عليه بالسيف «2». فإنّ الظاهر أنّ

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 17 18.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 24، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 29

..........

______________________________

مورد السؤال هي صورة عدم قصد القتل بقرينة السؤال الحاكي عن وجود شبهة موجبة له، و من الواضح أنّه لو فرض ثبوت القصد مع كون العمل مؤثِّراً

في القتل لا مجال للشبهة أصلًا؛ لأنّه المورد الظاهر من قتل العمد. فنفس السؤال قرينة علىٰ عدم ثبوت قصد القتل بوجه، و علىٰ تقدير التنزّل فمقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب عدم الفرق بين صورتي القصد و عدمه، و على أيّ تقدير فالرواية تدلّ علىٰ حكم المقام، و أنّه هو ثبوت العمد و لو مع عدم القصد.

و مرسلة يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: إن ضرب رجل رجلًا بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يشبه العمد فالدية على القاتل، و إن علاه و ألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتّى يقتله فهو عمد يقتل به، و إن ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثم مكث يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد «1». بناء على أنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «و إن علاه» ليس إذا كان قاصداً للقتل، و إن كان قوله (عليه السّلام): «حتّى يقتله» مشعراً بذلك، لأنّه ظاهر في أنّ الفرق بين هذا الفرض و بين الفرض الأوّل المذكور في الرواية ليس إلّا في مجرّد كون مورد الفرض الأوّل هو الضرب بمثل العصا ضربة واحدة من دون أن يكون مقروناً بقصد القتل، و مورد الفرض الثاني هو الضرب مع الإلحاح و التكرّر المنجرّ إلى الموت.

فلو كان المفروض في هذه الصورة تحقّق قصد القتل أيضاً يلزم ثبوت الاختلاف بين الفرضين من وجهين، و هو خلاف ظاهر الرواية، و عليه فيكون قوله (عليه السّلام): «حتّى يقتله» في هذه الرواية بمعنى قوله (عليه السّلام): «حتّى مات» في الرواية الأُولىٰ،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 25، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - القصاص، ص: 30

[مسألة 8 لو ضربه بما لا يوجب القتل فأعقبه مرضاً بسببه]

مسألة 8 لو ضربه بما لا يوجب القتل فأعقبه مرضاً بسببه و مات به فالظاهر أنّه مع عدم قصد القتل لا يكون عمداً و لا قود، و مع قصده عليه القود (1).

______________________________

فالإنصاف ظهور الروايتين في أنّ الضرب المؤثِّر في القتل نوعاً موجب لتحقق موجب القصاص، و إن لم يكن مقروناً بقصد القتل.

(1) و ربما يقال بثبوت عنوان قتل العمد الموجب للقصاص في المقام و إن لم يكن مقروناً بقصد القتل، قال في المسالك في وجهه: لأنّ ضربه و إن لم يكن قاتلًا غالباً و لا قصده، إلّا أنّ أعقابه للمرض الذي حصل به التلف صيّر الأمرين بمنزلة سبب واحد، و هو ممّا يقتل غالباً؛ و إن كان الضرب علىٰ حدته مما لا يقتل. و يؤيّده ما سيأتي من أنّ سراية الجرح عمداً يوجب القود و إن كان الجرح قاتلًا، و هذا من أفراده؛ لأنّ المرض مسبَّب من الجرح، و منه نشأ الهلاك، فكان في معنى السراية. و بهذا الحكم صرّح في القواعد «1» و التحرير «2».

و لكنّه استشكل فيه بقوله: و لا يخلو من إشكال، لأنّ المعتبر كما تقدّم إمّا القصد إلى القتل أو فعل ما يقتل غالباً، و المفروض هنا خلاف ذلك، و إنّما حدث القتل من الضرب و المرض المتعقب له، و المرض ليس من فعل الضارب، و إن كان سبباً فيه «3».

و أمّا صاحب الجواهر فقد اختار فيها «4» أنّه عمد مطلقاً، نظراً إلى مسلكه من

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 278.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 241.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 70.

(4) جواهر الكلام: 42/ 24.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 31

..........

______________________________

عدم اعتبار قصد القتل

و لا كون الشي ء ممّا يقتل مثله غالباً، إذ هو عمد إلى القتل، لا قتله عامداً، و العنوان في الأدلّة الثاني لا الأوّل. و ذكر أنّ ما في بعض النصوص من عدم تحقّق العمد فيما إذا ضرب ضربة بالعصا فمات المضروب إنّما هو علىٰ خلاف القاعدة فيقتصر فيه علىٰ مورده، و أمّا المقام فلم يدلّ دليل علىٰ خروجه، فيبقى تحت القاعدة و يحكم بكونه عمداً، و الحكم بثبوت القود في مورد سراية الجرح غير القاتل إنّما هو لهذه الجهة، لا لأجل كونه بسبب السراية يصير ممّا يقتل مثله.

و الحقّ أن يقال بناءً على ما اخترناه من اعتبار أحد الأمرين في تحقّق عنوان العمد علىٰ سبيل منع الخلوّ، و لازمه كون ما ورد في الضربة بالعصا من النصوص الدالّة على أنّه يشبه العمد إنّما هو علىٰ وفق القاعدة لا علىٰ خلافها-: إنّ اللّازم في المقام التفصيل في صورة عدم قصد القتل ابتداءً و أصالة، بين ما إذا علم الضارب بأنّ ضربه يعقب المرض و أنّه يؤثّر في القتل غالباً، و بين صورة الجهل بذلك، ففي الصورة الأولىٰ لا ينفكّ علمه بذلك عن قصد القتل تبعاً؛ لوضوح أنّه مع العلم بأنّ ضربه معقِّب للمرض الذي يترتّب عليه الموت كيف لا يكون قاصداً للقتل تبعاً، و لو لم يقصده بالأصالة.

و أمّا في صورة الجهل فلا وجه لتحقّق عنوان العمد، بعد ما كان الصادر منه هو الضربة الواحدة غير المؤثِّرة في القتل غالباً، و إعقابها للمرض المؤثّر فيه لم يكن معلوماً له بوجه. و قد مرّ في المسألة السادسة أنّ ثبوت القصاص في ضرب الضعيف المؤثّر في قتله إنّما هو فيما إذا كان الضارب عالماً بضعفه، و لا يشمل

صورة الجهل، فالمقام أيضاً من هذا القبيل. و لعلّ الحكم بثبوت العمد في مورد سراية الجرح غير القاتل إنّما هو في خصوص صورة العلم بالسراية المؤثرة في القتل دون الأعمّ منها و من صورة الجهل. و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 32

[مسألة 9 لو منعه عن الطعام أو الشراب مدّة لا يحتمل لمثله البقاء]

مسألة 9 لو منعه عن الطعام أو الشراب مدّة لا يحتمل لمثله البقاء فهو عمد و إن لم يقصد القتل، و إن كان مدّة يتحمّل مثله عادة و لا يموت به لكن اتفق الموت، أو أعقبه بسببه مرض فمات ففيه التفصيل بين كون القتل مقصوداً و لو رجاءً أو لا (1).

[مسألة 10 لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتّى مات]

مسألة 10 لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتّى مات، أو منعه عنه حتّى مات قتل به، و لو لم يخرج منها عمداً و تخاذلًا فلا قود و لا دية قتل، و عليه دية جناية الإلقاء في النار، و لو لم يظهر الحال و احتمل الأمران لا يثبت قود و لا دية (2).

______________________________

(1) لا إشكال في ثبوت العمد الموجب للقصاص في الفرض الأوّل و إن لم يقصد القتل، لأنّ المفروض عدم تحمّل مثله من جهة السنّ و الحال و غيرهما؛ للممنوعية عن الطعام أو الشراب في تلك المدة.

كما أنّه لا إشكال في عدم تحقّق العمد مع عدم قصد القتل فيما إذا كان المنع مدّة يتحمّل مثله عادة و لا يموت به غالباً، و لكن تحقّق الموت علىٰ سبيل المصادفة و الاتفاق، كضربة واحدة بمثل العصا، و أمّا فيما إذا أعقب مرضاً و صار المرض سبباً للموت فاللّازم بمقتضىٰ ما مرّ في المسألة المتقدّمة التفصيل مع عدم قصد القتل، بين صورة علمه بذلك و أنّ المنع يعقب مرضاً كذلك، فيتحقّق العمد لثبوت قصد القتل لا محالة و لو تبعاً؛ و بين صورة الجهل بذلك، فلا وجه للقصاص لعدم تحقّق العمد بوجه.

(2) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو طرحه في النار، و لكنّه كان عاجزاً عن الخروج مع العلم بذلك أو

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 33

..........

______________________________

منعه عنه حتّى مات، و لا إشكال فيه في ثبوت القود، لتحقّق موجبه الذي هو قتل العمد، لكون العمل مؤثِّراً في القتل و الموت من دون فرق بين صورة العجز و صورة المنع، و هذا واضح.

الثاني: ما لو طرحه في النار و لكنّه كان قادراً على الخروج، و مع ذلك لم يخرج منها عمداً و تخاذلًا، و لا ينبغي الإشكال في عدم استناد القتل في هذا الفرض إلى الملقي، بل هو مستند إلى البقاء الذي هو فعل اختياريّ للمطروح، ضرورة أنّه لو لم يختر المكث و البقاء لما تحقّق الموت أصلًا، فالموت مستند إلى نفسه لا محالة، و لا يستند إلى عمل الملقي الذي هو مجرّد الإلقاء الذي لا يترتّب عليه الموت. و منه يظهر أنّه كما لا مجال للقصاص في هذا الفرض، لا يثبت دية أيضاً؛ لأنّ ثبوت الدية فرع الاستناد، و لو كان بنحو الخطأ أو شبه العمد، و المفروض انتفاء الاستناد رأساً. نعم لو ترتّب على مجرّد الإلقاء جناية تجب ديتها على الملقي، و لكنّها لا ترتبط بالقتل الموجب للقصاص أو الدية.

ثمّ إنّ الفرق بين هذه الصورة، و بين ما إذا كان قادراً على المعالجة و المداواة، و لكنّه تركها اختياراً حتّى مات الذي ادّعىٰ صاحب الجواهر (قدّس سرّه) «1» فيه الاتفاق على الضمان هو أنّه مع ترك المعالجة و إن كان يتحقّق التقصير بملاحظة عدم رعاية حفظ النفس الواجب عليه لأنّ المفروض القدرة عليه، إلّا أنّه لا يوجب استناد الموت إلى التارك لها، بل الموت مستند إلى مثل الجارح، فإنّ الجرح صار سبباً لتحقق الموت، و إن كان المجروح قادراً على إيجاد المانع بسبب المعالجة،

إلّا أنّ استناد الموت إنّما هو إلى المقتضي و السبب دون عدم المانع. و هذا كما لو كان من يراد

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 27.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 34

..........

______________________________

قتله قادراً على الفرار و لكنّه لم يفرّ، فقتل، فإنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ القتل إنّما يكون مستنداً إلى القاتل لا إلى المقتول، باعتبار القدرة على الفرار المانع عن تحقّق القتل. و هذا بخلاف المقام فإنّ الموت مستند إلى البقاء في النّار اختياراً، و لا مجال لاستناده إلى الإلقاء.

و بعبارة أُخرى: السبب في المقام هو البقاء، و إن كان اختياره متفرّعاً على الإلقاء، بمعنى أنّه لولا الإلقاء لما اختار البقاء، إلّا أنّ ذلك لا يوجب الاستناد إلى الإلقاء بوجه.

الثالث: صورة الشك في أنّ عدم الخروج هل كان مستنداً إلى العجز أو ناشئاً عن التعمّد و التخاذل، و فيه وجهان، بل قولان. يظهر القول بثبوت القصاص من المحقّق في الشرائع، حيث قال: «لو طرحه في النار فمات قتل به، و لو كان قادراً على الخروج لأنّه قد يشدّه، و لأنّ النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة، فلا يتيسر الفرار» «1».

و ليس مراده من القدرة على الخروج هي القدرة عليه المساوقة للتعمّد و التخاذل، لأنّه مضافاً إلى وضوح عدم ثبوت القصاص في مورد التعمّد لا يلائمه التعليل، لأنّ ظاهره أنّ الدهشة الحاصلة و كذا تشنّج الأعصاب بالملاقاة ربّما يمنع عن الفرار، فالمفروض صورة الشك، و التعميم إنّما هو بلحاظ هذه الصورة.

و يظهر من العلّامة في القواعد عدم ثبوت القصاص، قال: «و إن تركه في نار فتمكّن من التخلّص منها لقلّتها أو لكونه في طرفها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج فلا قصاص، و

في الضمان للدية إشكال، أقربه السقوط، إن علم أنّه ترك

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 972.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 35

..........

______________________________

الخروج تخاذلًا؛ و لو لم يعلم ذلك ضمنه، و إن قدر على الخروج، لأنّ النار قد ترغبه و تدهشه و تشنج أعضائه بالملاقاة فلا يظفر بوجه المخلّص» «1».

فإنّ التفصيل في الدية بين صورة العلم بالتخاذل و صورة الشكّ فيه مع إطلاق الحكم بعدم ثبوت القصاص يعطي عموم الحكم بالعدم فيه، و إن كان ظاهر صدر العبارة يشعر بالاختصاص بصورة العلم بالتخاذل، كما لا يخفىٰ.

و قد ذكر الشهيد في المسالك في وجه ثبوت القصاص في المقام: أن السبب المقتضي للضمان و هو الإلقاء متحقّق، مع الشك في المسقط، و هو القدرة على الخروج مع التهاون فيه، و لا يسقط الحكم بثبوت أصل القدرة ما لم يعلم التخاذل عن الخروج، لاحتمال أن يعرض له ما يوجب العجز من دهشة و تحيّر، أو تشنّج أعضائه و نحو ذلك «2».

و يرد عليه أنّه لم يدلّ دليل علىٰ سببيّة الإلقاء للضمان، و من الواضح افتقار السببية إلى جعل الشارع و قيام الدليل. و قد حقّقنا في الأصول أنّ الأحكام الوضعيّة بأجمعها مجعولة للشارع، غاية الأمر أنّ تعلّق الجعل ببعضها ربّما يكون بجعل منشأ انتزاعه، و إن كان يمكن فيه الجعل مستقلا أيضاً.

و بالجملة: اقتضاء الإلقاء بمجرّده للضمان و سببيّته له لم يدلّ عليه دليل بوجه، فلا مجال لما في المسالك.

مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ مراده من المسقط هو المانع، و عليه لا يحكم بترتّب المقتضى بالفتح مع إحراز المقتضي بالكسر و الشكّ في وجود المانع.

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 279.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 73.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 36

..........

______________________________

و يظهر من كاشف اللّثام في وجه ترديد القواعد في الحكم بالدية ما يجري في القصاص أيضاً. قال: «و مبنى الوجهين على تعارض ظاهرين و أصلين، فإنّ الظاهر من حال الإنسان أنّه لا يتخاذل عن الخروج حتى يحترق، و ظاهر النار المفروضة سهولة الخروج عنها، و أنّه لا يحترق بها إلّا من تعمّد اللّبث فيها، و الأصل براءة الذمّة، و الأصل عدم الشركة في الجناية «1».

و يرد عليه مضافاً إلى المناقشة في مثل أصالة عدم الشّركة في الجناية، فإنّ الشركة فيها ليست لها حالة سابقة وجودية أو عدميّة، مع أنّ هذا الأصل لا يثبت استقلال المُلقى، إلّا على القول بالأصل المثبت الذي هو على خلاف التحقيق، و أنّ الشك ليس في الشركة و عدمها، بل في استقلال المُلقى في الجناية و استقلال المطروح في النار فيها، فالترديد إنّما هو في استقلال المُلقى أو المطروح أنّ ما هو العمدة في الحكم بعدم القصاص هو عدم إحراز موضوع الحكم بالقصاص، و هو قتل العمد، فإنّه مع احتمال كون الموت ناشئاً عن البقاء الاختياري في النار و معه لا يستند الموت إلى المُلقى بوجه يشك في استناد القتل إليه و صدوره منه، و مع الشك في صدور القتل منه و عدمه لم يحرز عنوان قتل العمد الّذي يعتبر فيه أوّلًا إضافة القتل إلى من يراد قصاصه، و مع الشكّ في ذلك و عدم إحرازه لا يبقى مجال لترتيب الحكم بالقصاص.

فالعمدة في مبنى المسألة ما ذكرنا من عدم إحراز الموضوع و الشك في تحقّقه، و منه يظهر أنّه كما لا وجه للقصاص في هذه الصورة التي هي فرض الشك، لا وجه لثبوت الدية

أيضاً، لأنّ موضوعها هو القتل المضاف إلى من يراد أخذ الدية منه أو

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 441.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 37

[مسألة 11 لو ألقاه في البحر و نحوه فعجز عن الخروج حتّى مات]

مسألة 11 لو ألقاه في البحر و نحوه فعجز عن الخروج حتّى مات، أو منعه عنه حتى مات قتل به، و مع عدم خروجه عمداً و تخاذلًا أو الشكّ في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة، و لو اعتقد أنّه قادر على الخروج لكونه من أهل فنّ السباحة فألقاه ثمّ تبيّن الخلاف و لم يقدر الملقي على نجاته لم يكن عمداً (1).

[مسألة 12 لو فصده و منعه عن شدّه فنزف الدّم و مات فعليه القود]

مسألة 12 لو فصده و منعه عن شدّه فنزف الدّم و مات فعليه القود، و لو فصده و تركه فإن كان قادراً على الشدّ فتركه تعمّداً و تخاذلًا حتى مات فلا قود و لا دية النفس، و عليه دية الفصد، و لو لم يكن قادراً فإن علم الجاني ذلك فعليه القود، و لو لم يعلم فإن فصده بقصد القتل و لو رجاءً فمات فعليه القود ظاهراً، و إن لم يقصده بل فصده برجاء شدّه فليس عليه القود، و عليه دية شبه العمد (2).

______________________________

من عاقلته، مع أنّ إضافته إليه مشكوكة كما هو المفروض. فالتحقيق يقتضي الحكم بعدم ثبوت الدية أيضاً، كما في المتن.

(1) هذه المسألة مشتركة مع المسألة السابقة في الفروض الثّلاثة، التي عرفت ثبوت القصاص في الفرض الأوّل و عدم ثبوت القصاص و لا الدية في الفرضين الآخرين، و تشتمل على فرض رابع و هو: صورة اعتقاد المُلقي قدرة المُلقى على الخروج، لكونه من أهل فنّ السباحة، ثم تبيّن الخلاف بعد الإلقاء، و لم يقدر المُلقي حينئذٍ على نجاته. و الظاهر عدم كونه عمداً، لأنّ المفروض عدم قصد القتل و عدم كون العمل مؤثراً في القتل بحسب اعتقاد المُلقي. و قد مرّ اعتبار العلم بذلك في تحقّق عنوان العمد، فلا مجال للقصاص، بل عليه الدية

لكونه شبه العمد.

(2) أمّا ثبوت القود في الفرض الأوّل، فلثبوت قتل العمد المتحقّق بمجموع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 38

[مسألة 13 لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً]

مسألة 13 لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً، فإن كان ذلك ممّا يقتل به

______________________________

الفصد و المنع عن الشدّ اللّذين هما فعلان اختياريان للفاصد، و أمّا عدم ثبوت القود و لا دية النفس في الفرض الثاني فلاستناد الموت إلى النزف الناشئ عن عدم الشدّ مع القدرة عليه و تركه تعمّداً و تخاذلًا، و ليس عدم الشدّ مماثلًا لترك المعالجة الذي قد عرفت الاتفاق على الضمان فيه، و ذلك لأنّ شدّة النزف و دوامه سبب للموت و مقتض له، لا أصل الفصد بمجرده، بخلاف ترك المعالجة الذي هو بمنزلة عدم المانع، فالمقام إنّما هو كالبقاء في النار في المسألة المتقدّمة عمداً مع كون البقاء متفرّعاً على الإلقاء، و لو لم يكن إلقاء لما اختار البقاء، و هذا بخلاف ترك المعالجة كما لا يخفىٰ. فلا قصاص و لا دية للقتل.

نعم لا إشكال في ثبوت دية الفصد، لأنّ المفروض في أصل المسألة تحقّقه ظلماً و عدواناً، كما في الإلقاء في البحر أو النّار، أو منع الطعام أو الشراب، أو مثلها في المسائل المتقدمة، فإنّ المفروض في الجميع صورة تحقّق العمل بنحو العدوان و الظلم المحرّم.

و أمّا ثبوت القود في الفرض الثالث، فلأنّ عدم القدرة على الشدّ يوجب اتّصاف الفصد بكونه مؤثِّراً في القتل غالباً، و المفروض العلم بذلك، فلا إشكال في القصاص.

و أمّا التفصيل في الفرض الرابع، و هو صورة عدم العلم بعدم القدرة الشامل لصورة الاعتقاد بالقدرة و صورة الشك فيها، فلأنّ العمل حينئذٍ لا يكون مؤثِّراً في القتل على اعتقاده

أو لم يحرز تأثيره فيه، فاللّازم أن يقال بأنّه إن كان العمل ناشئاً عن قصد القتل و لو رجاءً فهو عمد يوجب القصاص، و إن لم يكن كذلك فلا قود، بل الثابت هي دية شبه العمد، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 39

غالباً و لو لضعف المُلقى عليه لكبر أو صغر أو مرض فعليه القود، و إلّا فإن قصد القتل به و لو رجاءً فكذلك هو عمد عليه القود، و إن لم يقصد فهو شبه عمد، و في جميع التقادير دم الجاني هدر، و لو عثر فوقع على غيره فمات فلا شي ء عليه لا دية و لا قوداً، و كذا لا شي ء على الّذي وقع عليه (1).

______________________________

(1) هنا فروع تعرّض المتن لاثنين منها:

الأوّل: ما لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً، و لا بدّ في ثبوت القصاص فيه من ملاحظة الأمرين المعتبرين في قتل العمد على سبيل منع الخلوّ، و هما: قصد القتل بسببه و لو رجاءً؛ و كون العمل ممّا يقتل به غالباً و لو مع ملاحظة وصف المُلقى عليه من جهة الكبر أو الصغر أو المرض، و ملاحظة حال الملقي من جهة القوّة و مثلها، و كيفية الإلقاء و الوقوع عليه، و مقدار العلوّ و الارتفاع و غيرها من الأُمور التي لها مدخليّة. فإن تحقّق واحد من الأمرين يثبت القصاص، و إلّا فهو شبه عمد، لكون نفس العمل مقصوداً يثبت فيه الدية على نفسه، و في جميع هذه الفروض الثلاثة يكون دم المُلقي الذي هو الجاني هدراً. و الظاهر أنّه علىٰ تقدير موته و موت المُلقى عليه ينتفى موضوع القصاص و يثبت الدية في ماله، كما

سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الثاني: ما لو عثر فوقع علىٰ غيره من دون اختيار فمات الغير أو مات هو نفسه أو ماتا معاً، و الظاهر عدم ثبوت شي ء فيه، لا دية و لا قوداً أصلًا. و الوجه فيه عدم صدور فعل من الواقع و لا من الذي وقع عليه بوجه أصلًا، لأنّ المفروض أنّه عثر قهراً و وقع كذلك، فالموت مطلقا لا يكون مستنداً إلى واحد منهما حتى يتّصف بكونه عمداً أو شبه عمد أو خطأ. و يدلّ على ذلك مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة روايات متعدّدة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 40

..........

______________________________

مثل: رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وقع على رجل فقتله؟ فقال: ليس عليه شي ء «1». و الظاهر أنّ المراد هو الوقوع من غير اختيار.

و رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال في الرجل يسقط على الرجل فيقتله، فقال: لا شي ء عليه. و قال: من قتله القصاص فلا دية له «2».

و رواية أُخرى لعبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما؟ قال: ليس على الأعلى شي ء و لا على الأسفل شي ء «3». و الظاهر اتّحادها مع الرواية الأُولىٰ، و إن كان بينهما اختلاف.

و رواية ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، في الرجل يقع علىٰ رجل فيقتله فمات الأعلى، قال: لا شي ء على الأسفل «1». و الظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «فيقتله» هو إرادة قتله، و إن كان يبعّده أنّ مجرّد إرادة القتل مع عدم تحقّقه لا يترتّب عليه أثر من هذه الجهة.

الثالث:

الذي لم يقع التعرّض له في المتن، ما لو دفعه الغير و وقع على آخر و تحقّق موته أو موت الآخر أو كليهما، و الظاهر عدم ثبوت شي ء من القصاص أو الدية على الواقع المدفوع، و كذا على الآخر الذي وقع عليه، لعدم تحقّق فعل منهما بوجه أصلًا، لأنّ الدفع الموجب للوقوع إنّما هو عمل الدافع، و لا ارتباط له بالآخرين أصلًا، فلا مجال لثبوت شي ء عليهما.

و أمّا الدافع، فلا بدّ في ثبوت القصاص عليه من ملاحظة تحقّق واحد من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 40، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 41، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 41، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 3.

(1) وسائل الشيعة: 19/ 41، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 41

..........

______________________________

الأمرين المتقدّمين في ضابط الموجب للقصاص، و أنّه هل يكون قاصداً لقتل المدفوع أو الآخر أو كليهما أو غير قاصد للقتل أصلًا، و أنّ عمله هل يكون مؤثِّراً غالباً في قتل المدفوع أو الآخر أو كلاهما أو لا يكون، فإذا كان في مورد تحقّق واحد من الأمرين يتحقّق الضمان، أي القصاص. و ربّما يتحقّق في أحدهما أحد الأمرين، و في الآخر الأمر الآخر، و مع انتفاء كلا الأمرين في كلا الرجلين تثبت الدية.

غاية الأمر أنّ ثبوتها بالإضافة إلى الرجل الذي وقع عليه المدفوع إنّما هو من قبيل دية شبه العمد مع الالتفات إلى الوقوع عليه، و من قبيل دية الخطأ مع عدم الالتفات، كما لا يخفىٰ. هذا ما تقتضيه القاعدة، و هنا روايات ربما يظهر من بعضها

خلاف ذلك.

مثل: ما رواه المشايخ الثلاثة عن عبد اللّٰه بن سنان أو عنه و ابن رئاب جميعاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل دفع رجلًا على رجل فقتله، قال: الدية على الذي دفع على الرجل فقتله لأولياء المقتول. قال: و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه. قال: و إن أصاب المدفوع شي ء فهو على الدافع أيضاً «1».

و مورد الحكم هو ما إذا علم أنّ الرجل دفع رجلًا على رجل آخر فقتله، غاية الأمر أنّ الجواب الدالّ علىٰ ضمان الدية قرينة على عدم كون المراد من «قتله» هو إرادة قتله لثبوت القصاص في هذه الصورة، كما أنّه يحمل على عدم كون الدفع مؤثِّراً في القتل غالباً لما ذكرنا، فالمراد صورة تحقّق القتل من دون إرادة و من دون كون الدفع مؤثِّراً فيه كذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 41، أبواب القصاص في النفس ب 21 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 42

..........

______________________________

و عليه فلا مجال لما عن كشف اللّثام «1» من الحمل على أنّه لم يعلم إلّا وقوعه و لم يعلم تعمّده و لا دفع غيره له، و ذلك لمخالفته لما هو صريح الرواية لدلالتها كذلك على عدم كون المفروض صورة الشك بوجه، مع انّه على هذا التقدير لا وجه لثبوت الدية أيضاً، لأنّه بعد احتمال كون الوقوع غير مستند إلى التعمّد و لا إلىٰ دفع الغير لم يحرز موجب ضمان الدية، فلا محيص عن حمل الرواية علىٰ ما هو ظاهرها ممّا ذكرنا.

نعم يبقىٰ على الرواية حينئذ أنّه لا وجه لثبوت الدية على المدفوع أوّلًا، لعدم استناد الدفع إليه بوجه، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكروه في كتاب الغصب: من أنّ الضمان

من أوّل وهلة على المُكْرِه دون المُكْرَه بالفتح، و إن كان قد أتلف هو المال و لكن بالإكراه، فإذا لم يكن المُكْرَه بالفتح ضامناً مع استناد العمل إليه ففي المقام لا يكون المدفوع ضامناً بطريق أولىٰ، لعدم وقوع عمل منه في الخارج، و عليه فلا بدّ من حمل الرواية على التعبّد المخالف للقواعد.

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره و تعقر دابته رجلًا آخر؟ قال: هو ضامن لما كان من شي ء «2».

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل كان راكباً على دابّة فغشي رجلًا ماشياً حتّى كاد أن يوطئه، فزجر الماشي الدابّة عنه فخرّ عنها، فأصابه موت أو جرح؟ قال: ليس الذي زجر بضامن، إنّما زجر عن نفسه «3». و في التعليل كلام يأتي.

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 441.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 42، أبواب القصاص في النفس ب 21 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 42، أبواب القصاص في النفس ب 21، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 43

[مسألة 14 لو سحره فقتل و علم سببية سحره له فهو عمد]

مسألة 14 لو سحره فقتل و علم سببية سحره له فهو عمد إن أراد بذلك قتله، و إلّا فليس بعمد بل شبهه، من غير فرق بين القول بأنّ للسحر واقعيّة أو لا، و لو كان مثل هذا السحر قاتلًا نوعاً يكون عمداً و لو لم يقصد القتل به 1.

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّه هل يكون للسحر واقعيّة و حقيقة موضوعية أم لا؟ فيه خلاف، فالمحكيّ عن الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) «1» أنّه لا حقيقة للسحر لقوله تعالىٰ وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ

مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ «2». و قوله تعالىٰ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ «3». و قوله تعالىٰ سَحَرُوا أَعْيُنَ النّٰاسِ «4». بل عن تبيانه: «كلّ شي ء خرج عن العادة الجارية لا يجوز أن يتأتّىٰ من الساحر، و من جوّز للساحر شيئاً من هذا فقد كفر، لأنّه لا يمكنه مع ذلك العلم بصحّة المعجزات الدالّة على النبوّة، لأنّه أجاز مثله من جهة الحيلة و السحر» «5».

و لكنّه ذكر المحقّق في الشرائع «6»: إنّ في الأخبار ما يدلّ على أنّ له حقيقة.

و ذكر في الجواهر: بل فيها ما يدلّ على وقوعه في زمن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) حتّى قيل: إنّه سحر بحيث يخيّل إليه كأنّه فعل الشي ء و لم يفعله، و فيه نزلت المعوّذتان «7».

و الحقّ أنّه لا مجال لإنكار ثبوت الحقيقة للسحر في الجملة، بمعنى تأثير بعض

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 260، الخلاف: 5/ 327 328 مسألة 14.

(2) البقرة 2: 102.

(3) طه 20: 66.

(4) الأعراف 7: 116.

(5) التبيان: 1/ 374، بحار الأنوار: 63/ 3.

(6) شرائع الإسلام: 4/ 973.

(7) جواهر الكلام: 42/ 32 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 44

..........

______________________________

أقسامه واقعاً، و قوله تعالىٰ وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ لا ينافيه، لأنّه يجوز نفي الإضرار من كلّ مضرّ مع استثناء إذن اللّٰه، فيقال: السمّ ليس بضارّ إلّا بإذن اللّٰه، فلا دلالة له على عدم تأثيره حقيقة، خصوصاً مع وقوعه عقيب قوله تعالىٰ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ «1» الظاهر في تأثيره في التفرقة بين الزوجين حقيقة، و أمّا اشتباهه مع المعجزة كما استدلّ به الشيخ في عبارته فيدفعه مضافاً إلى أنّ السحر ليس أمراً خارقاً للعادة، لأنّه

علم خاص يوجب العمل به، و الاستفادة منه تحقّق بعض الآثار التكوينية، و يحصل العلم بذلك لكلّ من تعلّمه، كعلم الطّب الّذي يختصّ بخصوص من تعلّمه و صار عارفاً به، و ربّما يترتّب عليه بعض الآثار العجيبة سيّما في هذه الأزمنة التي بلغ مثله المرتبة العالية الكمالية أنّ قاعدة اللطف التي اقتضت إرسال الرسل و إنزال الكتب تقتضي بيان حال ما ظاهره الإعجاز من حيث الصدق و الكذب، و قد أوجب الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم تعلّم السحر على نحو الكفاية لغرض إبطال سحر مدّعي النبوّة الكاذبة.

و يؤيّد بل يدلّ على أنّ للسّحر واقعيّة مضافاً إلى أنّه من السبع الموبقات في عداد الشّرك باللّٰه كما في بعض الروايات «2» ما يدلّ على ترتّب حدّ القتل عليه، فإنّ ترتّب حدّ القتل لا يناسب مع الأمر الذي لا يكون له واقعية أصلًا، بل يكون تخييلياً محضاً، بل في بعض الروايات ترتّب حدّ القتل على مجرّد تعلّمه و إن لم يعمل شيئاً، كما تقدّم في كتاب الحدود «3».

نعم لا مجال لإنكار كون بعض أقسامه تخييلياً غير واقعي، و عليه فيصير

______________________________

(1) البقرة 2: 102.

(2) وسائل الشيعة: 11/ 261، أبواب جهاد النفس، ب 46 ح 34.

(3) تفصيل الشريعة، كتاب الحدود: 328.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 45

..........

______________________________

السّحر كما في الجواهر ذات قسمين «1».

المقام الثاني: في أنّه لو قلنا بأنّ للسّحر واقعيّة لو تحقّق السّحر و صار سبباً لقتل المسحور، فإن كان مقروناً بقصد القتل من الساحر أو كان سحره ممّا يؤثِّر في القتل غالباً يتحقّق قتل العمد الموجب للقصاص، و يعرف تأثيره فيه كذلك، إمّا من ناحية إقرار السّاحر، و إمّا من طريق البيّنة العارفة بذلك،

و لا يختصّ بالإقرار كما يظهر من صاحب المسالك «2»، و مع عدم الأمرين يتحقّق شبه العمد مع عدم الاشتباه في المسحور و الخطأ مع الاشتباه، غاية الأمر أنّ إقراره بالخطإ لا يؤثِّر في ثبوت الدية على العاقلة لأنّه إقرار على الغير.

و أمّا لو لم نقل بأنّ للسّحر واقعيّة فقد ذكر في الشرائع: أنّه لو سحره فمات لم يوجب قصاصاً و لا دية «3». و لكن الظاهر أنّه على تقدير هذا القول لا مجال لإنكار تأثير السحر في الموت، و لو من جهة التخييل و إراءة غير الواقع بصورة الواقع الموجب لتحقّق الخوف المستلزم للموت، و لا ينحصر سبب الخوف بالأمر الواقعي الحقيقي.

و العجب من صاحب الجواهر حيث اعترض على مجمع البرهان «4» الظاهر فيما ذكرنا، بأنّه بناء على أنّه لا حقيقة له لا يؤثّر شيئاً حتّى الخوف «5»، فإنّه يقال عليه: إنّه على تقدير عدم تأثيره في الخوف و لو من ناحية التخييل فأيّ فائدة يترتّب على

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 33.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 77.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 973.

(4) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 167 168.

(5) جواهر الكلام: 42/ 34.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 46

[مسألة 15 لو جنى عليه عمداً فسرت فمات]

مسألة 15 لو جنى عليه عمداً فسرت فمات فإن كانت الجناية ممّا تسري غالباً فهو عمد، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك، و أمّا لو كانت ممّا لا تسري و لا تقتل غالباً و لم يقصد الجاني القتل ففيه إشكال، بل الأقرب عدم القتل بها و ثبوت دية شبه العمد (1).

______________________________

هذا العمل، الذي له سابقة تاريخية و متداول بين العقلاء، سيما غير الملتزمين منهم بالأديان و المذاهب، فإنّ الأمر الذي لا يترتّب

عليه فائدة لا معنى لأن يكون رائجاً شائعاً بين العقلاء، فلا محالة يكون له تأثير في الخوف و مثله، و لو لأجل التخييل و إراءة غير الواقع بصورة الواقع.

فالإنصاف أنّه على هذا التقدير أيضاً يثبت القصاص مع تحقّق أحد الأمرين المعتبرين في موجبه على سبيل منع الخلوّ، كما أُفيد في المتن.

ثم إنّ ما ذكر في السحر يجري في مثله من الأسباب غير المتعارفة كالعين و الدّعاء و الحسد و نحو ذلك، فإنّه لو علم سببية مثله للموت و تحقّق فيه أحد الأمرين المعتبرين في موجب القصاص يتحقّق القصاص على وفق القاعدة، و إن لم يتعارف التضمين في هذه الأسباب.

ثم إنّه قد يجتمع على الساحر حدّ القتل الذي هو من حقوق اللّٰه و القصاص الذي هو من حقوق الناس، و الظاهر تقدّم الثاني على الأوّل، نعم لو عفى عنه أولياء المقتول أو أخذوا الدّية منه يقتل حدّا، كما في سائر الموارد.

(1) لا إشكال بملاحظة ما تقدّم من الضّابط في موجب القصاص في ثبوته في الفرضين الأوّلين؛ لتحقّق القصد في أحدهما، و التأثير في القتل غالباً في الآخر. إنّما الإشكال في الفرض الثالث، و منشأه ما ذكره في محكيّ كشف اللّثام بعد استظهار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 47

[مسألة 16 لو قدّم له طعاماً مسموماً ممّا يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به]

مسألة 16 لو قدّم له طعاماً مسموماً ممّا يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به، فلو لم يعلم الحال فأكل و مات فعليه القود، و لا أثر لمباشرة المجنيّ عليه، و كذا الحال لو كان المجنيّ عليه غير مميّز، سواء خلطه بطعام نفسه و قدّم إليه، أو أهداه، أو خلطه بطعام الآكل (1).

______________________________

الاتّفاق عليه، من أنّ إطلاقهم يشمل كلّ جراحة قصد بها القتل

أم لا، كانت ممّا تسري غالباً أم لا «1».

و عليه فيحتمل ثبوت الاتفاق في هذا الفرض أيضاً، و لكنّه حيث لم يثبت الإطلاق خصوصاً مع كون الإجماع من الأدلّة اللّبيّة التي يقتصر فيها على القدر المتيقّن فالأقرب عدم ثبوت القصاص فيه، بل فيه دية شبه العمد.

(1) إلى هنا كان العنوان المشترك بين المسائل المتقدّمة هو انفراد الجاني بالتسبيب، و من هنا يتبدّل العنوان و يصير هو التسبيب المنضمّ إليه مباشرة المجني عليه، بحيث لو لم تتحقّق المباشرة من ناحيته لما كان يمكن تحقّق الجناية المؤثرة في القتل.

و كيف كان ففي مفروض المسألة التي يكون المقدِّم للطّعام إمّا قاصداً للقتل بتقديم الطّعام، و إمّا عالماً بكون الطعام المقدَّم إليه مؤثِّراً في القتل غالباً إذا كان الآكل جاهلًا بالحال فأكل و مات يتحقّق قتل العمد من ناحية المقدِّم، فعليه القصاص و لا أثر للأكل الاختياري الصادر من المجنيّ عليه؛ لأنّ استناد القتل في هذا الفرض إنّما هو إلى المقدِّم، و حكم المباشرة يسقط بالغرور، كما صرّح به المحقّق في الشرائع «2»

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 441.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 973.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 48

[مسألة 17 لو قدم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلًا]

مسألة 17 لو قدم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلًا، فأكل متعمّداً و عن اختيار فلا قود و لا دية، و لو قال كذباً: إنّ فيه سمّاً غير قاتل و فيه علاج لكذا، فأكله فمات فعليه القود، و لو قال: فيه سمّ و أطلق فأكله فلا قود و لا دية (1).

______________________________

خلافاً للشافعي «1» حيث حكي عنه أنّه اختار نفي القود ترجيحاً للمباشرة.

و بالجملة: لا خفاء في أنّ العرف و العقلاء يرون المقدِّم قاتلًا و

أنّ القتل مستند إليه، و حيث أنّه كان المفروض تحقّق أحد الأمرين في ضابطة العمد فلا محالة يثبت القصاص، و منه يظهر ثبوت القصاص فيما لو كان المجنيّ عليه غير مميّز بطريق أولىٰ، كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: ما لو قدّم إليه طعاماً مسموماً و علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلًا فأكل متعمّداً و عن اختيار فلا ضمان فيه على المقدِّم، لا بعنوان القصاص و لا بعنوان الدية، لاستناد القتل في هذه الصورة إلى نفس الآكل، و لا أثر للتقديم في هذه الجهة و إن كان لا يختار الآكل مع عدمه، إلّا أنّ اختياره مع وجوده يمنع عن الاستناد إلى غيره، فهو كتقديم السكّين إلى من يريد قتل نفسه اختياراً، فإنّ هذا العمل و إن كان يمكن أن يقال بحرمته و عدم المشروعية مع العلم بترتّب القتل عليه، إلّا أنّ الحرمة أمر و كونه القاتل أمراً آخر؛ لأنّه من الواضح عدم كون المقدِّم قاتلًا في المثال، فكذا المقام.

ثمّ إنّه حكي عن مجمع البرهان للمقدس الأردبيلي أنّه قال: لو قدّم شخص إلى

______________________________

(1) الأم: 6/ 43، المجموع: 20/ 49 50.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 49

..........

______________________________

غيره طعاماً مسموماً فأكله ذلك الغير عالماً بالسمّ و كونه قاتلًا، لا شي ء على المقدِّم من القصاص و الدية، لأنّه السبب القوي بل المباشر، فهو القاتل نفسه لا غير، و إن جهل أحدهما يكون المقدِّم قاتل عمد، فعليه القصاص مع علمه بهما و الدية عليه مع جهله بأحدهما «1».

و يرد عليه مضافاً إلى اضطراب عبارة الذيل الظّاهرة في ثبوت قتل العمد مع الدية أيضاً، إلّا أن يقال: بأنّ مراده الأعمّ من العمد و من

شبه العمد أنّ الظاهر إنّ قوله: «و إن جهل أحدهما» له مصداقان: أحدهما العلم بكونه سمّاً و الجهل بكونه قاتلًا نوعاً، و ثانيهما العلم بكونه قاتلًا مع الجهل بكون سببه السمّ الموجود فيه.

و من الواضح إسناد القتل في المصداق الثاني إلى الآكل دون المقدِّم؛ لأنّ مجرّد العلم بكونه قاتلًا و إن لم يعلم سببه يكفي في عدم صحّة الإضافة إلى المقدِّم. إلّا أن يقال بخروج هذا المورد عن كلامه كما لا تبعد دعواه. و أمّا المصداق الأوّل فيمكن المناقشة فيه أيضاً بأنّه مع احتمال كون السمّ الموجود فيه المعلوم عنده قاتلًا، يمكن أن يقال: بأنّ إقدامه حينئذٍ على الأكل يوجب انتساب القتل إليه لا إلى المقدِّم.

و أمّا قوله في الذيل: «و الدية عليه مع جهله بأحدهما» فالظاهر عدم تمامية الإطلاق فيه، فإنّه يكون الثابت في بعض فروض الجهل هو القصاص لا الدية، و في بعض الفروض لا مجال لثبوت الدية أيضاً فضلًا عن القصاص، نعم تثبت الدية فقط في بعض الفروض الأُخر.

أمّا ما كان الثابت فيه هو القصاص، فإنّه لو كان المقدِّم جاهلًا بوجود السمّ في الطعام، و لكنّه كان عالماً بكون الطعام مؤثِّراً في القتل غالباً، و مع ذلك قدّم الطّعام

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 385.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 50

..........

______________________________

إليه و فرض جهل الآكل بكلا الأمرين، فالظّاهر فيه ثبوت القصاص، لتحقّق الضابطة في قتل العمد فيه بعد ضعف المباشرة بالغرور و جهل الآكل، و الجهل بالسمّ لا تأثير له في ارتفاع هذا العنوان بوجه، لأنّ الملاك هو العلم بتأثيره في القتل لا العلم بعنوانه.

كما أنّه لو كان جاهلًا بكون السمّ المعلوم له مؤثراً في القتل غالباً

و لكنه كان التقديم مقروناً بقصد القتل، فالظاهر بمقتضىٰ ما ذكرنا ثبوت القصاص فيه أيضاً.

و أمّا ما لا مجال للحكم بثبوت الدية فيه أيضاً فهو ما إذا كان المقدِّم جاهلًا بكلا الأمرين و كان وضع السمّ في الطعام فعلًا لغيره، أو كان الطعام صار مسموماً بسبب الفساد الناشئ من حرارة الهواء أو غيرها، فإنّه مع جهل المقدِّم بهما و جهل الآكل أيضاً كما هو المفروض لا ترجيح للحكم باستناد القتل إلى المقدِّم بعد كونه مسبَّباً عن التقديم المقرون بالجهل و الأكل كذلك، لو لم نقل بأولويّة المباشر مع التساوي لكونه الجزء الأخير لتحقّق القتل.

فالمقام كما في الجواهر «1» نظير ما ذكروه من الحكم بعدم ضمان الدافع الجاهل لشخص إذا وقع في البئر المحفورة في الطريق عدواناً، بل المقام أولى من ذلك، لأنّ الدفع في المثال مؤثِّر في القتل من دون واسطة فعل اختياري من المقتول، و في المقام تكون الواسطة متحقّقة، فإذا لم يضمن فيه فهنا لا يكون ضمان بطريق أولىٰ.

و لا وجه لتنظير المقام بما ذكره جماعة من الأصحاب كالمحقّق «2» و العلّامة «3» و جمع آخر من ثبوت الدية على من حفر بئراً في داره فدعا غيره فوقع في البئر،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 37.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 1028.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 317، تحرير الأحكام: 2/ 266.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 51

..........

______________________________

و إن كان ناسياً، للفرق بأنّ الحافر في المثال إنّما هو الفاعل للسبب و إن كان قد نسيه، و في المقام لم يتحقّق من المقدِّم مثله، بل وقع عمل مقرون بالجهل ليس استناد القتل إليه بأولى من الاستناد إلى التناول الذي هو عمل الآكل كما عرفت.

و دعوى أنّ

هذه الصورة خارجة عن مفروض كلام المحقّق الأردبيلي؛ لأنّ المفروض في كلامه صورة الجهل بأحد الأمرين و هذه صورة الجهل بكليهما، مدفوعة بأنّ الظاهر أنّ مراده الجهل بأحد الأمرين أو كليهما، و إلّا يلزم عدم اشتمال كلامه على التعرّض لهذه الصورة بعد التعرّض لصورة العلم بهما و صورة الجهل بأحدهما. و بعبارة أُخرى ظاهر كلامه أنّ المراد بالجهل هو ما يقابل صورة العلم بكلا الأمرين، فيشمل كلتا الصورتين، فتدبّر.

و أمّا ما تثبت فيه الدية فهو غير الفرضين اللّذين ذكرنا، كما إذا جهل بكون السمّ في الطعام مؤثِّراً في القتل، و لم يكن قاصداً للقتل أيضاً، فإنّ الظاهر فيه ثبوت الدية، كما لا يخفى.

الفرع الثاني: ما لو قال المقدِّم كذباً أي مع علمه بخلافه أنّ فيه سمّاً غير قاتل و فيه علاج لكذا، فأكله فمات. و قد حكم في المتن بثبوت القصاص عليه، و الوجه فيه هو الوجه في ثبوته في المسألة السادسة عشر، و هو ضعف المباشرة بسبب الغرور الناشئ عن التقديم المقرون بإظهار الكذب، و إعلام أنّ فيه سمّاً غير قاتل، مع علمه بكونه قاتلًا غالباً، و ليس مجرّد الإعلام بثبوت السمّ فيه رافعاً لاستناد القتل إليه عمداً، بعد توصيفه بأنّه مداو و معالج، و لا يتحقّق فيه وصف القاتلية بوجه.

و بالجملة: اسناد القتل إليه عند العقلاء و كذا كونه من مصاديق قتل العمد ممّا لا خفاء فيه أصلًا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 52

[مسألة 18 لو قدّم إليه طعاماً فيه سمّ غير قاتل غالباً، فإن قصد قتله و لو رجاء]

مسألة 18 لو قدّم إليه طعاماً فيه سمّ غير قاتل غالباً، فإن قصد قتله و لو رجاء فهو عمد لو جهل الآكل، و لو لم يقصد القتل فلا قود (1).

[مسألة 19 لو قدّم إليه المسموم بتخيّل أنّه مهدور الدم فبان الخلاف]

مسألة 19 لو قدّم إليه المسموم بتخيّل أنّه مهدور الدم فبان الخلاف لم يكن قتل عمد و لا قود فيه (2).

______________________________

الفرع الثالث: ما لو قال المقدِّم أنّ فيه سمّاً و أطلق، فأكله فمات، و الحكم فيه كما في المتن أنّه لا قود فيه و لا دية. و الوجه فيه عدم تحقّق الغرور الموجب لضعف المباشرة، فإنّه مع الإعلام باشتمال الطّعام على السمّ و احتمال الآكل كون السمّ قاتلًا لا يستند القتل إلّا إلى المباشر، و لا يكون من ناحية المقدِّم ما يوجب الضعف، و لا يجب عليه شرعاً توصيف السمّ بكونه قاتلًا و إن كان ذلك معلوماً له، فليس المقدِّم قاتلًا أصلًا حتى يتّصف قتله بالعمد أو بغيره، فلا يكون في البين ضمان مطلقاً.

(1) الوجه في هذه المسألة في كلا فرضيها واضح، لثبوت ضابطة قتل العمد مع قصد القتل و لو رجاءً، و عدم ثبوتها مع عدمه بعد كون المفروض أنّ السمّ لا يقتل بحسب الغالب.

(2) الوجه في عدم ثبوت قتل العمد الموجب للقصاص في هذا الفرض ما مرّ في تعريف الموجب من لزوم وقوع القتل بنحو العدوان، و بعبارة أُخرى تجب أن تكون النفس معصومة، فإذا اعتقد عدم كونها كذلك و أنّها مهدورة الدم لا مجال لثبوت القصاص، و قد مر نظيره في بعض مسائل المرتدّ «1»، و ذكرنا هناك أنّ مقتضى

______________________________

(1) تفصيل الشريعة، كتاب الحدود: 560 561.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 53

[مسألة 20 لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل فأكله صاحب المنزل من غير علم به]

مسألة 20 لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل فأكله صاحب المنزل من غير علم به، فمات فعليه القود لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل، و أمّا لو جعله بقصد قتل كلب مثلًا فأكله

صاحب المنزل فلا قود، بل الظاهر أنّه لا دية أيضاً، و لو علم أنّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنّ عليه القود (1).

______________________________

القاعدة عدم ثبوت القصاص. نعم الظاهر كما يشعر به عبارة المتن هنا و وقع التصريح به في تلك المسألة ثبوت الدية عليه، لعدم بطلان دم محقون الدّم، غاية الأمر أنّ اعتقاد خلافه يرفع القصاص.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل فأكله من غير علم فمات، و كان المقصود من الجعل قتل صاحب المنزل. هكذا عنون في المتن. و الظاهر أنّه ليس المراد من السمّ المفروض إلّا ما كان قاتلًا غالباً، و عليه فيظهر من المتن ثبوت كلتا الضابطتين لقتل العمد، و هما: قصد القتل و كون السمّ قاتلًا غالباً في هذا الفرع. مع أنّ الظاهر أنّ المفروض في كلمات الأصحاب وجود إحداهما. و يمكن أن يكون قوله في الذيل: «و لو علم» قرينة علىٰ خلاف ما هو ظاهر الصدر من اعتبار كلتيهما.

و كيف كان فقد حكى المحقّق في الشرائع عن الشيخ في الخلاف «1» و المبسوط «2» ثبوت القود في هذا الفرع، و قال بعده: «و فيه إشكال» «3»، و الوجه في ثبوت القود ما مرّ في مثله من ضعف المباشرة بالغرور، و استناد قتل العمد إلى الجاعل، و عدم

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 171 مسألة 32.

(2) المبسوط: 7/ 46.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 973.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 54

..........

______________________________

كون التقديم الموجب للقصاص في بعض المسائل المتقدّمة له موضوعية و خصوصية، فأيّ فرق بين المقام و بين صورة التقديم؟

هذا، مضافاً إلى ما في محكيّ مجمع البرهان: من أنّه لو لم يكن مثل هذا موجباً

[للقود] للزم منه وجود قتل كثير من عدم القصاص «4».

و الوجه في استشكال المحقّق هو قوّة المباشرة و عدم كون الأكل إلّا صادراً عن الاختيار، و المفروض أنّه لا يكون في البين تقديم للطعام. و لكنّ الظّاهر ما ذكرنا من أنّه لا موضوعية للتقديم، و الملاك هو استناد القتل العمدي إلى الجاعل المتحقّق في المقام، نعم بناء على عدم ثبوت القصاص لا مجال للإشكال في ثبوت الدية على الجاعل بوجه، لما مرّ من أنّه «لا يبطل دم امرئ مسلم» «5».

الثاني: ما لو جعله بقصد قتل كلب مثلًا، مع عدم العلم بأنّ صاحب المنزل يأكل منه، و لكنّه أكله صاحب المنزل فمات، و قد حكم فيه في المتن بأنّه لا قود فيه، و استظهر عدم ثبوت الدية أيضاً. و الوجه فيه عدم استناد القتل إلى الجاعل بوجه، و لكنه يتمّ في صورة العلم بعدم أكل صاحب المنزل منه، و أمّا في صورة الاحتمال كما إذا كان الطعام بكيفية و في محلّ يمكن أن يأكل منه صاحب المنزل لعدم عروض الفساد عليه و كونه بمرأى و منظر منه، فالحكم فيه محل اشكال. و مجرّد عدم كون المقصود إلّا قتل الكلب مثلًا لا يوجب عدم استناد القتل إليه، فلا أقلّ من ثبوت الدية لو لم نحكم فيه ثبوت القود، فتدبّر.

الثالث: الفرض الثاني مع العلم بأنّ صاحب المنزل يأكل منه، فالظاهر فيه ثبوت

______________________________

(4) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 386.

(5) وسائل الشيعة: 18/ 258، كتاب الشهادات، ب 24، ح 1. و ج 19/ 109، و كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 6، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 55

[مسألة 21 لو كان في بيته طعام مسموم فدخل شخص بلا إذنه]

مسألة 21 لو كان في

بيته طعام مسموم فدخل شخص بلا إذنه فأكل و مات فلا قود و لا دية، و لو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله بلا إذن منه و عدواناً فلا قود (1).

______________________________

القود كما في المتن لاستناد القتل إليه، و كون السم مؤثّراً في القتل غالباً كما هو المفروض. فيتحقّق قتل العمد، و قد مرّ أنّ الحكم بثبوت القود في هذه الصورة قرينة على عدم اعتبار كلا الأمرين في الفرض الأوّل، و إلّا يلزم التهافت، كما لا يخفى.

(1) الوجه في عدم ثبوت الضمان قوداً و دية في الفرض الأوّل أنّ الآكل متعدّ بالدخول بلا اذن و الأكل من الطعام، و الظاهر ثبوت الحكم حتى مع العلم بدخول الشخص كذلك و أكله من الطعام، فإنّ مجرّد العلم بذلك لا يوجب أن يستند القتل إليه، بداهة أنّ العرف لا يرون استناد القتل إلّا إلى الداخل الآكل. و الفرق بين هذا الفرض و بين الفرع الثالث في المسألة المتقدّمة واضح، لأنّ المفروض فيه جعل السمّ في الطعام الذي هو لصاحب المنزل، فإذا علم بأنّه يأكل منه يتحقّق قتل العمد و لو لم يقصد قتله أصلًا. و أمّا المفروض هنا دخول الآكل بلا إذن و أكله كذلك، فالعلم بذلك لا يوجب الاستناد إليه أصلًا.

بل في الجواهر: لو قصد قتله بذلك لم يكن عليه شي ء، مثل أن يعلم أنّ ظالماً يريد هجوم دار، فيترك السم في الطعام ليقتله، مع فرض توقف دفعه على ذلك «1».

و يرد عليه إنّ عدم ثبوت شي ء عليه في المثال إنّما هو لتوقّف دفعه على ذلك، و المفروض كونه ظالماً يريد الهجوم، و هذا لا يلازم نفي الضمان مطلقاً فيما إذا كان الغرض من دخوله غير المشروع

مجرّد الأكل من طعامه، كما لو فرض اطّلاعه على أنّ لصاحب البيت ضيوفاً فدخل هو معهم و فرض أنّ الطعام الذي صار باختياره مسموماً،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 39.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 56

[مسألة 22 لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها و دعا غيره الذي جهلها]

مسألة 22 لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها و دعا غيره الذي جهلها بوجه يسقط فيها بمجيئه، فجاء فسقط و مات فعليه القود، و لو كانت البئر في غير طريقه و دعاه لا على وجه يسقط فيها، فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها لا قود و لا دية (1).

______________________________

فأراد صاحب المنزل قتله بذلك، فالظّاهر أنّ الحكم بنفي الضمان فيه مشكل جدّاً.

و أمّا الحكم بعدم ثبوت القود بل الدّية كما هو ظاهر المتن و إن لم يقع التصريح بنفي الدية في الفرض الثاني فالوجه فيه: أنّه أيضاً يكون متعدّياً بالأكل و إن كان الدخول مجازاً، بل عن كشف اللّثام «1» تعميم الحكم لمن يجوز له الأكل من بيوتهم و هم الطوائف المذكورون في الآية الشريفة «2»، و لكنّه محلّ نظر كما في الجواهر «3»؛ لعدم تحقّق التعدّي في هذه الصورة.

(1) الحكم بثبوت القود في الصّورة الأولى إنّما هو لتحقّق موجبه و هو قتل العمد، لأنّه بعد فرض كون البئر المحفورة ممّا يقتل الوقوع فيها بحسب الغالب، و كون حفرها في الطريق الذي يسلكه مثل المدعوّ نوعاً بنحو يتحقّق السقوط فيها لا محالة مع الجهل بها، فالقتل يكون مستنداً إلى الحافر، لأنّ عمله المشتمل على الخصوصيات المذكورة لا يقصر عن تقديم الطعام المسموم إلى الآكل الذي تقدّم ثبوت القود فيه، و العمدة ثبوت الاستناد و تحقّق ضابطة وصف العمد الّتي تقدّمت.

و أمّا الصورة الثانية فظاهر الجواهر «4»

ثبوت الدية فيه، و استظهر من إطلاق

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 442.

(2) النور 24: 61.

(3) جواهر الكلام: 42/ 39.

(4) جواهر الكلام: 42/ 39.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 57

[مسألة 23 لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّيّ مجهز]

مسألة 23 لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّيّ مجهز بحيث يستند القتل إليه لا إلى الجرح لا قود في النفس، و في الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه، و إلّا فأرش الجناية، و لو لم يكن مجهّزاً لكن اتّفق القتل به و بالجرح معاً سقط ما قابل فعل المجروح، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته (1).

______________________________

عبارة الشرائع ثبوت القود، مع أنّ التأمّل فيها يقضي بعدم تعرّضها إلّا للصورة الأُولىٰ، حيث قال: «لو حفر بئراً بعيدة في طريق و دعا غيره مع جهالته، فوقع فمات، فعليه القود لأنّه ممّا يقصد به القتل غالباً» «1».

فإنّ المراد من الطريق هو الطريق الذي يسكله المدعوّ معمولًا، و المفروض كون البئر بعيدة عميقة من جهة، و كون المدعوّ جاهلًا من جهة أُخرى.

هذا، مضافاً إلى أنّ التعليل المذكور في العبارة لا ينطبق إلّا على الصورة الأُولىٰ، لعدم تحقّق القتل إلّا بهذه الكيفية، كما لا يخفى.

و الظّاهر عدم ثبوت الدية أيضاً، لعدم استناد القتل في الصورة الثانية إلى الحافر أصلًا، لأنّ حفر البئر في غير الطريق المسلوك بحسب المتعارف لا يوجب الاستناد، و لو مع فرض جهل المدعوّ، لأنّ الجهل لا يلزم أن يكون مستنداً بغيره.

فالظاهر حينئذٍ ما في المتن، و إن كان يظهر من الجواهر «2» أنّه القدر المتيقّن من الضمان في المقام، فتدبّر.

(1) الظّاهر أنّ المفروض في هذه المسألة صورة الجرح لا بقصد القتل، بل كان

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 973.

(2) جواهر الكلام: 42/ 39.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 58

..........

______________________________

المقصود مجرّد تحقّق الجرح. فما في بعض الكلمات «1» من التقييد بصورة قصد القتل خارج عمّا هو المفروض في كلمات الأصحاب، و ما هو محطّ البحث في هذه المسألة.

فنقول: إنّ الجرح يتصوّر فيه فروض ثلاثة:

الأوّل: ما فرضه في المسالك من قوله: إن كان الجرح الأوّل متلفاً و قد انتهى المجروح إلى حركة المذبوح فالأوّل هو القاتل «2». و مرجعه إلىٰ عدم كون التداوي مؤثِّراً و مانعاً عن تحقّق التلف، بل كان الجرح سبباً تامّاً لتحقّق التلف. و لا إشكال في ثبوت القود في هذا الفرض، لكون الفعل مؤثِّراً في القتل و إن لم يقصد القتل، كما هو المفروض.

الثاني: ما لو كان المؤثِّر في القتل هو التداوي بدواء سمّي مجهز، و لم يكن الجرح مؤثِّراً فيه بوجه، و لا خفاء في عدم ثبوت القصاص في النفس هنا بعد عدم استناد القتل إلّا إلى ذلك الدواء، و تفرّع التداوي به على الجرح لا يوجب الاستناد إلى الجارح، و أمّا القصاص في الطرف فيثبت إن كان في الجرح قصاص، و إلّا فأرش الجناية.

الثالث: ما لو كان القتل مسبَّباً عن الجرح و التداوي بذلك الدواء معاً، و الظاهر فيه ثبوت القصاص كما في جميع موارد الشركة في القتل، و مرجعه إلى أنّ المراد من الضابطة المذكورة في قتل العمد بملاحظة تأثير الفعل في القتل غالباً ليس هو التأثير بنحو الانفراد و الاستقلال، و إلّا يلزم عدم ثبوت القصاص في موارد الشركة أصلًا؛ لأنّ القتل فيها لا يكون مستنداً إلى عمل كلٍّ من الشريكين مثلًا، بل إلى مجموع

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 2/ 9 مسألة 10.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 79.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 59

[مسألة 24 لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد]

مسألة 24 لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد و نحوه، فقتله السباع فهو قتل عمد عليه القود، و كذا لو ألقاه إلى أسد ضار فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو و لو بالفرار، و لو أمكنه ذلك و ترك تخاذلًا و تعمّداً لا قود و لا دية، و لو لم يكن الأسد ضارياً فألقاه لا بقصد القتل، فاتّفق أنّه قتله لم يكن من العمد، و لو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد عليه القود، و لو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده (1).

______________________________

العملين، فالمراد هو التأثير فيه نوعاً و لو لم يكن بنحو الاستقلال. و المقام من هذا القبيل، كما أنّ الخصوصية الموجودة في موارد الشركة من جهة التنصيف مثلًا موجودة هنا، فلا يلاحظ نسبة التأثير، بل إذا كان هناك شخصان يحسب النصف على كلّ واحد منهما، و لو كان مقدار تأثير عمله أزيد أو أقل.

و عليه فإذا أراد الولي في المقام القصاص يجب عليه أن يردّ نصف الدية، كما أنّه إذا أراد أخذ الدية لا يجوز له إلّا أخذ نصف الدية، كما في سائر المقامات.

(1) هذه المسألة شروع في البحث عن عنوان ثالث من الجناية الموجبة لتحقّق الموت، و هو ما لو انضمّ إلى عمل الجاني فعل من الحيوان، و صار ذلك موجباً لتحقّق القتل، فالإلقاء من الجاني و الافتراس من السبع الضاري مثلًا. و عليه فلو ألقى إنساناً في مسبعة كزبية الأسد و نحوه فقتله سبع من السباع فهو قتل عمد، لاستناد القتل إلى الملقي، و كون الحيوان المباشر بمنزلة الآلة كالسيف و

نحوه، و حيث يكون ذلك موجباً لتحقّق القتل غالباً فهو قتل العمد، و إن لم يكن مقروناً بقصد القتل أصلًا.

و هكذا لو ألقاه إلى أسد ضار و لو لم يكن في مسبعة، فإنّه مع العلم بكونه ضارياً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 60

[مسألة 25 لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفاً]

مسألة 25 لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفاً، فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو قتل عمد بلا إشكال، بل هو من العمد مع احتمال ذلك و إلقائه بقصد الافتراس و لو رجاء، نعم مع علمه أو اطمئنانه بأنّه لا يتردّد السباع، فاتّفق ذلك لا يكون من العمد، و الظاهر ثبوت الدية (1).

______________________________

مفترساً إذا جعل إنساناً في اختياره يستند القتل إلى الجاعل لا محالة. نعم لا بدّ من التقييد بما إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو و لو بالفرار، فإنّه مع إمكانه و تركه تخاذلًا و تعمّداً يستند إلى التارك المتعمّد، كالملقي في النار إذا اختار البقاء فيها تعمّداً، على ما مرّ «1».

و أمّا مع العلم بعدم كونه ضارياً و عدم قصد القتل، فاتّفق أنّه قتله بعد الإلقاء، لا يتحقّق قتل العمد، بل هو شبه العمد عليه الدية. نعم لو كان في هذه الصورة قصد القتل فهو عمد لثبوت إحدى ضابطتيه.

و أمّا لو كان حال الأسد مجهولًا من جهة كونه ضارياً و عدمه، فإن قصد قتله فلا خفاء في تحقّق العمد، و مع عدمه فقد استظهر في المتن تحقّقه أيضاً. و الوجه فيه أنّ احتمال عدم كونه ضارياً احتمال ينافيه طبع مثل الأسد من جهة الافتراس و السبعية، فإنّ السباع من شأنها كذلك، و إذا لم يكن بعض أفرادها ضارياً مفترساً فهو على خلاف الطبع الأوّلي، و عليه

ففي صورة الجهل بحاله يستند العرف و العقلاء القتل إلى الملقي، فيتحقّق قتل العمد و إن لم يكن مقروناً بقصد القتل.

(1) أمّا ثبوت العمد مع العلم بتردّد السباع عنده، فلوضوح كون التردّد المعلوم و التكتّف المانع عن الفرار و نحوه يوجب كون الفعل ممّا يؤثِّر في القتل غالباً، و قد مرّ

______________________________

(1) في ص 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 61

[مسألة 26 لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لا يقتل به]

مسألة 26 لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لا يقتل به، لكن سرى فمات فهو عمد عليه القود 1.

______________________________

أنّ الحيوان في مثله إنّما هو كالآلة غير المانعة عن استناد القتل إلى المُلقي العالم بذلك.

كما أنّه مع العلم أو الاطمئنان بعدم التردّد و اتّفاق تردّد بعض السباع و قتله فهو ليس من العمد، بل شبهه الذي تثبت فيه الدية عليه، و أمّا في صورة احتمال التردّد فإن كان الإلقاء مقروناً بقصد الافتراس و لو رجاءً فلا إشكال في ثبوت العمد، و أمّا مع عدم الاقتران به فيظهر من المتن عدم الثبوت. و الفرق بين هذه الصورة و صورة الاحتمال المتقدّمة في المسألة السابقة التي استظهر المتن فيها ثبوت القود ما أشرنا إليه، من كون احتمال عدم الافتراس في الأسد و نحوه احتمالًا مخالفاً لما هو طبيعته الأوّلية، فلا يترتّب عليه المنع من قتل العمد، و هذا بخلاف هذه المسألة فإنّ احتمال عدم تردّد السباع لا ينافيه شي ء حتّى لا يترتّب عليه أثر، و كون المفروض في المسألة هي الأرض المسبعة ليس معناه هو اشتمالها على السبع قطعاً، بل معناه هو احتمال الاشتمال الجامع لجميع فروض المسألة، فتدبّر.

و يمكن أن يكون المراد هو الاشتمال القطعي، لكنّه لا يلزم التردّد عند الملقي، و

لا مانع عن احتمال عدم التردّد، و لا ينافيه شي ء.

(1) الوجه في ثبوت العمد ما تقدّم من ضمان سراية الجرح، فإنّ العضّ المتحقّق من السبع بمنزلة الجرح الصادر من الجارح، بعد كون الحيوان بمنزلة الآلة غير المانعة عن استناد القتل إلى المُلقي، و عليه فيجري فيه ما ذكرنا من ضمان سراية الجرح، و لكنّه لا بدّ من تقييده حينئذٍ كما هناك بما إذا كان العضّ مؤثِّراً في السراية غالباً، أو كان في البين قصد القتل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 62

[مسألة 27 لو أنهشته حيّة لها سمّ قاتل]

مسألة 27 لو أنهشته حيّة لها سمّ قاتل بأن أخذها و ألقمها شيئاً من بدنه فهو قتل عمد عليه القود، و كذا لو طرح عليه حيّة قاتلة فنهشته فهلك، و كذا لو جمع بينه و بينها في مضيق لا يمكنه الفرار، أو جمع بينها و بين من لا يقدر عليه لضعف كمرض أو صغر أو كبر، فإنّ في جميعها و كذا في نظائرها قوداً (1).

[مسألة 28 لو أغرى به كلباً عقوراً قاتلًا غالباً فقتله فعليه القود]

مسألة 28 لو أغرى به كلباً عقوراً قاتلًا غالباً فقتله فعليه القود، و كذا لو قصد القتل به و لو لم يكن قاتلًا غالباً، أو لم يعلم حاله و قصد و لو رجاء القتل فهو عمد (2).

______________________________

و يمكن أن يكون الوجه فيه هو أن نفس الإلقاء عند السبع مؤثِّراً في القتل غالباً، غاية الأمر أنّ القتل قد يتحقّق بالافتراس، و قد يتحقّق بما ذكرنا، و عليه فلا يلزم التقييد المزبور.

(1) الوجه في ثبوت القصاص في الفروع المذكورة في هذه المسألة واضح، بعد ملاحظة كون العمل مؤثِّراً في القتل غالباً، و كون الحيّة القاتلة بمنزلة الآلة من دون فرق بين الانهاش و الطرح و الجمع و مثلها، و قد عرفت مدخلية حال المجنيّ عليه من جهة القوّة و الضعف في تحقّق العمد.

(2) الوجه في ثبوت القصاص في هذه المسألة أيضاً واضح، لثبوت ضابطة قتل العمد التي هي كون العمل مؤثِّراً في القتل غالباً، أو تحقّق قصد القتل، و يظهر من المتن عدم تحقّق العمد في صورة الجهل بحال الكلب من جهة كونه قاتلًا غالباً و عدمه مع عدم قصد القتل. و الوجه فيه ما أشرنا إليه من عدم كون الكلب كالأسد حتى يكون مقتضىٰ طبعه الأوّلي الافتراس و كونه ضارياً، و

عليه فمجرّد احتمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 63

[مسألة 29 لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود]

مسألة 29 لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود، و لو ألقاه في البحر ليقتله فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر فعليه القود، و إن لم يكن من قصده القتل بالتقام الحوت بل كان قصده الغرق، و لو ألقاه في البحر و قبل وصوله إليه وقع على حجر و نحوه فقتل فعليه الدية، و لو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أنّ عليه القود (1).

______________________________

كونه كذلك لا يوجب تحقّق قتل العمد إذا لم يقترن بقصد القتل.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه، بمعنى كون المقصود هو الإلقاء إلى الحوت الذي يكون قاتلًا بحسب الغالب، و لا إشكال فيه في القود، لكون العمل مؤثِّراً في القتل نوعاً، و كون الحوت بمنزلة الآلة، و لا فرق فيه بين صورة قصد القتل و عدمه.

الثاني: ما لو ألقاه في البحر بقصد قتله بالغرق، فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر، و يظهر من المتن ثبوت القود فيه جزماً، كما أنّه يظهر من استظهاره ثبوت القود فيما لو التقمه الحوت قبل الوصول إلى البحر المناقشة فيه.

قال المحقّق في الشرائع: إذا ألقاه في البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله فعليه القود؛ لأنّ الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة، و قيل: لا قود لأنّه لم يقصد إتلافه بهذا النوع، و هو قوي «1».

و حكي عن الفاضل «2» التصريح بكون الأوّل عمداً، و الاستشكال في الثاني، لوصوله قبله إلى المهلك.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 974.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 280.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 64

..........

______________________________

و الوجه في ثبوت القود في الفرضين و إن كانا مختلفين

بالظهور و الخفاء، ما أفاده المحقّق من أنّ الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة، سيّما مع كون المقصود هو تحقّق القتل به، كما هو المفروض في هذه الفروع، و مجرّد تعلّق القصد بكيفية خاصة غير متحقّقة لأنّ المقصود هو القتل بالغرق لا بالتقام الحوت لا يوجب الخروج عن قتل العمد، بعد كون التقام الحوت أحد طرق القتل بالبحر. فهو كما لو ألقىٰ من علو يقتل مثله فأصابته سكّين مثلًا فقتلته، و لا مجال لتنظير المقام بما لو رمى من شاهق فاستقبله غيره فقدّه نصفين، الذي سيأتي ثبوت القود فيه على القادّ لا الرامي، لأنّ المباشر للقتل فيه هو القادّ، فالقود عليه، و هذا بخلاف المقام الذي يستند القتل إلى الملقي، و إن لم يتحقّق القتل بالكيفية المقصودة له.

و بالجملة: لا فرق بين ما إذا كان التقام الحوت له بعد الغرق أو كان قبله، كما مرّ أنّه لا فرق بين ما إذا كان الالتقام بعد الوصول إلى البحر أو كان قبل الوصول إليه.

الثالث: ما لو ألقاه إلى البحر و قبل وصوله إليه وقع على حجر أو نحوه فقتل، أو كما في الجواهر «1» اختطفه طير و نحوه ممّا لا مدخلية له في التلف بالإلقاء في البحر. و قد حكم فيه في المتن بثبوت الدّية، و ظاهره أنّه لا مجال للإشكال فيه، و أنّه لا وجه للحكم بثبوت القود في هذه الصورة، و لعلّ الوجه فيه أنّ القتل الواقع بمثل الحجر أو اختطاف الطير لا يرتبط عادة بالبحر، فإنّ القتل الواقع بسببه إمّا بطريق الغرق أو التقام الحوت أو نحوهما. و عليه فما قد تحقّق من القتل بمثل الحجر لم يكن مقصوداً بوجه.

و لكنّه يمكن الإيراد عليه بأنّه

بعد ما كان المقصود هو القتل و فعل ما يوجب

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 42.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 65

[مسألة 30 لو جرحه ثم عضّه سبع و سرتا فعليه القود]

مسألة 30 لو جرحه ثم عضّه سبع و سرتا فعليه القود لكن مع ردّ نصف الدية، و لو صالح الوليّ على الدية فعليها نصفها إلّا أن يكون سبب عضّ السبع هو الجارح فعليه القود، و مع العفو على الدية عليه تمام الدية (1).

[مسألة 31 لو جرحه ثمّ عضّه سبع ثمّ نهشته حيّة فعليه القود مع ردّ ثلثي الدية]

مسألة 31 لو جرحه ثمّ عضّه سبع ثمّ نهشته حيّة فعليه القود مع ردّ ثلثي الدية، و لو صالح بها فعليه ثلثها، و هكذا. و ممّا ذكر يظهر الحال في جميع موارد اشتراك الحيوان مع الإنسان في القتل (2).

______________________________

تحققه يثبت القود، و إن كان سبب القتل أمراً آخر غير مقصود بل و لا غير مترقّب، فهو شبيه بالقتل بالسكين في المثال المتقدّم الذي عرفت ثبوت القصاص فيه، فتدبّر.

(1) الوجه في ثبوت القود كون الجرح مؤثِّراً في القتل بالسراية و لو لم يكن مستقلا في التأثير، و قد عرفت أنّ مقتضى ثبوت القصاص في مورد الشركة عدم اعتبار الاستقلال في التأثير فيه، و المقام أيضاً من هذا القبيل، غاية الأمر كون الشركة بين الإنسان و الحيوان، و عليه فإذا أراد الوليّ القصاص فاللّازم عليه ردّ نصف الدية، و احتمال كون اشتراك الحيوان مع الإنسان يوجب ثبوت تمام الضمان على الإنسان؛ لعدم كون الحيوان ضامناً مدفوع بأنّ عدم ضمانه لا يستلزم كون الضمان بتمامه على الإنسان، فلو صالح الوليّ على الدية لا يجب عليه إلّا نصفها لا تمامها. نعم يتحقق الاستقلال و يخرج من الاشتراك ما لو كان سبب العضّ هو الجارح، كما لو ألقي المجروح إلى سبع عضّه، فإنّ الحكم فيه ثبوت القود بلا ردّ، و مع المصالحة على الدية يجب تمامها.

(2) يظهر حكمه ممّا ذكر في المسألة السابقة. نعم ينبغي التنبيه على

أنّ تعدّد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 66

[مسألة 32 لو حفر بئراً و وقع فيها شخص بدفع ثالث]

مسألة 32 لو حفر بئراً و وقع فيها شخص بدفع ثالث فالقاتل الدافع لا الحافر، و كذا لو ألقاه من شاهق و قبل وصوله إلى الأرض ضربه آخر بالسيف مثلًا فقدّه نصفين، أو ألقاه في البحر و بعد وقوعه فيه قبل موته مع بقاء حياته المستقرّة قتله آخر، فإنّ القاتل هو الضارب لا الملقي (1).

______________________________

الحيوان يوجب تعدّد الشركاء، و لا مجال لحساب المجموع واحداً. نعم كما أنّه لا يلاحظ في موارد اشتراك أفراد الإنسان إلّا عددهم، و لا يحاسب مقدار تأثير أفعالهم قلّة و كثرة، كذلك لا يلاحظ في المقام تعدّد العضّ و النهش و نحوهما، بل الملاك أصل التأثير.

(1) ظاهر مسألة حفر البئر في كلمات الفقهاء رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين هو ما لو كان الحفر مأذوناً و مشروعاً، و لم يكن غرض الحافر إلّا مجرّد حفر البئر لبعض حوائجه، لا قتل الغير، كما أنّ المفروض صورة علم الدّافع بوجودها، و أنّ دفعه دفع إلى البئر و موجب للوقوع فيها، و لا شبهة فيه في أنّ القاتل هو الدافع لا الحافر، لأنّ عمله لا تأثير له إلّا كتأثير الشرط البعيد الذي لا يستند إليه الفعل بوجه.

هذا، و لكن ظاهر المتن بملاحظة الفرعين المذكورين بعد فرع البئر، أنّ المفروض ما لو كان قصد الحافر قتل المدفوع، و لكنّه وقع الدفع بفعل الدافع فمات، و كيف كان فلا خفاء في أنّ القود على الدافع العالم المختار؛ لاستناد القتل إليه، و المفروض كون عمله قد أثّر في القتل، و حفر البئر و لو كان مقروناً بقصد القتل و لكنّه لم يكن القتل مستنداً إلى

الحافر، فلا وجه لثبوت الضمان عليه. و قد مرّ في بعض المباحث السابقة «1» أنّه لو كان الدافع جاهلًا بوجود البئر و كان البئر محفورة

______________________________

(1) مرّ في ص 56 57.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 67

[مسألة 33 لو أمسكه شخص و قتله آخر و كان ثالث عيناً لهم فالقود على القاتل]

مسألة 33 لو أمسكه شخص و قتله آخر و كان ثالث عيناً لهم فالقود على القاتل لا الممسك، لكنّ الممسك يحبس أبداً حتّى يموت، و الربيئة تسمل عيناه بميل محمي و نحوه 1.

______________________________

عدواناً و بنحو غير مشروع يكون الضمان على الحافر، لقوّة السبب في هذا الفرض، بخلاف المقام. و ممّا ذكرنا يظهر وجه الحكم في الفرضين الآخرين.

ثمّ إنّ هذه المسألة شروع في عنوان رابع في الجناية الموجبة لتحقّق الموت، و هو ما لو كانت متحقّقة بانضمام إنسان آخر، واحد أو متعدّد، غير المجنيّ عليه، و بعبارة أُخرى كان عمل أزيد من إنسان واحد مؤثِّراً في تحقّق الجناية و الموت، كالحفر و الدفع في المثال الأوّل، و الإلقاء و الضرب في المثال الثاني، و الإلقاء و القتل في المثال الثالث.

(1) وجه ثبوت القود على القاتل دون الممسك مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة لاستناد القتل إليه دونه، ما ورد من الروايات الدالّة عليه و على أنّ الممسك يحبس أبداً حتى يموت، مضافاً إلى ما في الجواهر من قوله: بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل عن الخلاف «1» و الغنية «2» و غيرهما الإجماع عليه «3».

و أمّا الرّوايات:

فمنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى علي (عليه السّلام) في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر، قال: يقتل القاتل، و يحبس الآخر حتى يموت غمّاً، كما حبسه

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 174 مسألة 36.

(2)

غنية النزوع: 407.

(3) جواهر الكلام: 42/ 46.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 68

..........

______________________________

حتّى مات غمّاً. الحديث «5».

و منها: رواية سماعة قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل شدّ على رجل ليقتله، و الرجل فارّ منه، فاستقبله رجل آخر فأمسكه عليه حتّى جاء الرّجل فقتله، فقتل الرجل الذي قتله، و قضى على الآخر الذي أمسكه عليه أن يطرح في السجن أبداً حتى يموت فيه، لأنّه أمسكه على الموت «1».

و الظاهر أنّ قتل الرجل القاتل إنّما كان بعنوان القصاص، و عليه فالظّاهر اعتبار وجود الشرائط فيه التي منها اختيار وليّ المقتول.

و قد ورد في الممسك صحيحة حريز، عن أبي عبد الهّٰا (عليه السّلام) قال: لا يخلّد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، و المرأة ترتدّ عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل «2».

و أمّا ما ورد في الربيئة التي معناها هو الناظر المراقب لأن يتحقّق القتل فهو رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام): واحد منهم أمسك رجلًا، و أقبل الآخر فقتله، و الآخر يراهم، فقضى في صاحب الرؤية أن تسمل عيناه، و في الذي أمسك أن يسجن حتّى يموت كما أمسكه، و قضى في الذي قتل أن يقتل. و رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) نحوه «3»، و قد عمل بها الأصحاب، بل في محكيّ الخلاف الإجماع عليه «4»، و المراد من قوله:

______________________________

(5) وسائل الشيعة: 19/ 35، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 1.

(1) وسائل الشيعة: 19/ 35، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 550، أبواب حدّ المرتد

ب 4 ح 3.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص؛ ص: 68

(3) وسائل الشيعة: 19/ 35، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 3.

(4) الخلاف: 5/ 174 مسألة 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 69

[مسألة 34 لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر إذا كان بالغاً]

مسألة 34 لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر إذا كان بالغاً عاقلًا دون المُكرِه، و إن أوعده على القتل، و يحبس الآمر به أبداً حتّى يموت، و لو كان المُكرَه مجنوناً أو طفلًا غير مميّز فالقصاص على المُكرِه الآمر، و لو أمر شخص طفلًا مميّزاً بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القود، و الدّية على عاقلة الطفل، و لو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المُكرِه القود أو الحبس أبداً، الأحوط الثاني (1).

______________________________

«تسمل» هو تفقأ أي تقلع بمثل الشوك، و لكنّ الظاهر أنّه لا خصوصية فيه، بل المراد هو العمل بعينيه بما يوجب العمى و انتفاء البصيرة، فيجوز أن تكحل بمسمار محمي و نحوه.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو تحقّق الإكراه على القتل و كان كلّ من المُكرِه و المُكرَه بالغاً عاقلًا، سواء توعّده بالقتل إن لم يقتله أو بغيره، و الحكم فيه عندنا نصّاً و فتوى هو ثبوت القصاص على المباشر دون الآمر، و من العامّة من نفي القود و الدية عنهما، و منهم من حكم بثبوت القود على المُكرِه وحده. و المحكيّ عن الشافعي قولان: الاشتراك في الجناية و ثبوت القصاص عليهما، و مع العفو الدية نصفين، و ثبوت القود على المُكرِه و

نصف الدية على المباشر، و في صورة العفو على المُكرِه نصف الدّية أيضاً «1».

و يدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى دلالة النّصوص عليه التي منها الرواية الآتية في حكم المكره ملاحظة أمرين:

______________________________

(1) راجع الأم: 6/ 41، و المجموع: 20/ 52، و المغني لابن قدامة 9: 331، و الخلاف: 5/ 167 مسألة 29.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 70

..........

______________________________

أحدهما: إنّ القتل مع الإكراه لا ينسب إلّا إلى المُكرَه المباشر، و لا يضاف إلّا إليه، و الإكراه لا يوجب سلب الإضافة بعد صدور الفعل عن المُكرَه عن إرادة و اختيار، و ترجيحه على الضرر المتوعَّد به من ناحية المُكرِه. و يدلّ عليه العرف و العقلاء و اللغة أيضاً، فكما أنّ الإكراه على شرب الخمر مثلًا لا ينافي الإسناد إلى المباشر و الحكم بأنّه شارب الخمر، كذلك الإكراه على القتل، فالقاتل هو المباشر دون الآمر، و هذا من الوضوح بمكان.

ثانيهما: إنّ حديث الرفع «1» و إن كان مشتملًا على رفع ما استُكرِهوا عليه، و يدلّ على رفع الحكم التكليفي و الوضعي المترتّب على العمل المُكرَه عليه مع قطع النظر عن الإكراه، إلّا أنّه لا يشمل الإكراه على القتل، و إن توعّده بالقتل، لما ورد في النص و الإجماع من أنّه «إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية» «2» بل قد ذكرنا في أوائل كتاب الحدود «3»: إنّ إطلاق حديث الرفع لا يشمل كل محرَّم سوى القتل أيضاً، ضرورة أنّه لا يكاد يسوغ بالإكراه و التوعّد بالضرر المالي مثلًا و إن كان مضرّاً بحاله الزنا، خصوصاً إذا كان مقروناً بالإحصان، و لا يخرج عن الحرمة مثل ذلك بمجرّد التوعيد بالإهانة الموجبة

لهتك الحيثية و أشباههما.

و بالجملة: كما لا يسوغ قتل الشخص لأكله في المخمصة لأجل الاضطرار، كذلك لا يجوز قتل الشخص لأجل الإكراه عليه، فهو القاتل عمداً عدواناً، و القود عليه لا على المُكرِه. نعم ورد في رواية صحيحة وجوب حبسه حتّى يموت، و هي ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 11/ 295، أبواب جهاد النفس ب 56 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 11/ 483، كتاب الجهاد، أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 1 و 2.

(3) تفصيل الشريعة، كتاب الحدود: 20 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 71

..........

______________________________

رواه المشايخ الثلاثة بطرق صحيحة عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل أمر رجلًا بقتل رجل فقتله، فقال: يقتل به الذي قتله، و يحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت. و في رواية الصدوق: أمر رجلًا حرّا «1».

و قال صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بعد نقل الرواية: و لا بأس بالعمل بها بعد صحّتها و عمل غير واحد من الأصحاب بها، فما عساه يظهر من المتن من التوقف في ذلك في غير محلّه «2».

أقول: لعلّ منشأ توقف المحقّق في الشرائع «3» وجود صحيحة حريز المتقدّمة الدالّة على انحصار التخليد في السجن في الثلاثة، و هذا المورد ليس منها، لأنّها عبارة عن الممسك على الموت، و المرأة المرتدّة، و السارق في المرّة الثالثة. و هي أيضاً رواية صحيحة لا بدّ من ملاحظتها، و هل يمكن الجمع بينهما بحمل الحصر فيها على الحصر الإضافي، أو بحمل هذه الرواية على مجرّد الرجحان دون خصوص الوجوب، و الظّاهر استبعاد كلا الجمعين، فإنّ الحصر الإضافي مع كون الأُمور الثلاثة المذكورة فيها غير مرتبطة و غير مجتمعة تحت جامع في غاية البعد،

كما أنّ الرجحان في باب الحدود و القصاص لا مجال له و لا يقاس بباب العبادات، كما لا يخفى، فالإنصاف أنّ للتوقّف في المسألة مجالًا.

الثاني: ما لو كان المُكرَه غير مميِّز كالمجنون و الطفل غير المميِّزين، و لا خفاء في ثبوت القصاص في هذا الفرض على المكره الآمر، لأنّ غير المميِّز بمنزلة الآلة بالإضافة إلى الآمر، و القتل ينسب إليه لا إلى غير المميِّز، فالقود عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 32، أبواب القصاص في النفس ب 13 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 42/ 48.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 975.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 72

..........

______________________________

الثالث: ما لو كان المُكرَه طفلًا مميّزاً، و يظهر من المتن أنّ فيه صورتين:

إحداهما: ما إذا كان في البين مجرّد الأمر الخالي عن الإيعاد و التخويف المتحقّق في الإكراه.

ثانيتهما: ما إذا كان في البين الإكراه المشتمل على التخويف، و الظاهر أنّه لا مجال للإشكال في الصورة الأُولىٰ في أنّه لا يثبت القود على واحد منهما؛ إمّا على الآمر فلعدم استناد القتل إليه بعد كون المباشر مميِّزاً، و إمّا على المباشر فلعدم كونه بالغاً، و البلوغ معتبر في القصاص. نعم حكي عن الشيخ في المبسوط «1» و النهاية «2» و ابن البرّاج في المهذب «3» و الجواهر «4» أنّه يقتصّ منه إن بلغ عشراً مستنداً إلى أنّه مقتضى عموم أخبار القصاص، و يؤيّده ما دلّ على جواز عتقه و صدقته و طلاقه و وصيّته، و حكي عن الوسيلة «5» أنّ المراهق كالعاقل، و عن المقنع «6» و المقنعة «7» يقتصّ منه إن بلغ خمسة أشبار، لقول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خبر السكوني: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه، و

إذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضى بالدية «8».

و لكن يرد على الأوّلين ما دلّ على رفع القلم عن الصبي حتّى يبلغ «9»، و ما دلّ

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 44.

(2) النهاية: 761.

(3) لم نعثر عليه.

(4) جواهر الفقه: 214 مسألة 744.

(5) الوسيلة: 438.

(6) المقنع: 523.

(7) المقنعة: 748.

(8) وسائل الشيعة: 19/ 66، أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 1.

(9) وسائل الشيعة: 1/ 32، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 73

[مسألة 35 لو قال بالغ عاقل لآخر: اقتلني و إلّا قتلتك]

مسألة 35 لو قال بالغ عاقل لآخر: اقتلني و إلّا قتلتك، لا يجوز له القتل و لا ترفع الحرمة، لكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز قتله دفاعاً بل وجب، و لا شي ء عليه، و لو قتله بمجرّد الإيعاد كان آثماً، و هل عليه القود؟ فيه إشكال و إن كان الأرجح عدمه، كما لا يبعد عدم الدية أيضاً (1).

______________________________

على أنّ عمد الصبي و خطأه واحد، أو أنّ عمد الصبي خطأ «1»، و الحكم بجواز مثل العتق و الصدقة لا يستلزم الحكم بثبوت الحرمة التي لا يتحقّق موجب القصاص بدونها.

و أمّا الأخير، فالرواية معرَض عنها لدى المشهور «2»، فلا مجال للأخذ بها، فالظّاهر حينئذٍ عدم ثبوت القصاص على الصبي و لو كان مراهقاً.

و أمّا الصورة الثانية المشتملة على الإكراه، فقد احتمل فيها في المتن ثبوت القود على المُكرِه بعد عدم ثبوته على المُكرَه لعدم البلوغ، و الحبس أبداً حتّى يموت، و لكنّ الظاهر أنّه لا وجه للاحتمال الأوّل؛ لأنّ عدم البلوغ لا يوجب استناد القتل إلى المُكرِه، لأنّه لا فرق في هذه الجهة بين كون المُكرَه مميّزاً أو بالغاً، و مع عدم الاستناد لا مجال

لثبوت القصاص، فالظاهر هو الاحتمال الثاني، لو فرض ثبوت الحبس أبداً في الفرع الأوّل من فروع الإكراه.

(1) في هذه المسألة جهتان من البحث:

الأُولىٰ: في أنّه على تقدير هذا القول هل يصير قتله مجازاً و مشروعاً، أو أنّه لا يصير القتل بذلك مشروعاً. و الظاهر أنّ هذا القول بمجرّده لا يوجب صيرورة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 307، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 11 ح 2 و 3.

(2) راجع مسالك الأفهام: 15/ 87 و جواهر الكلام: 42/ 48.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 74

..........

______________________________

القتل جائزاً، فإنّه إذا لم يشرع لنفسه أن يقتل نفسه، لعدم كونه مسلَّطاً من قبل المالك الحقيقي على هذا النحو من التصرّف، فلا وجه لأن يكون إذنه و طلبه موجباً لجوازه للغير، فهذا القول بمجرّده لا يرفع الحرمة و لا يجوّز القتلَ.

نعم، لو حمل عليه المُكرِه بعد عدم إطاعته، ليحقّق القتل المتوعّد به، يجوز بل يجب عليه الدفاع و لو انجرّ إلى قتل المُكرِه، لكنّ الجواز في هذه الصورة مستند إلى عنوان الدفاع، كما فيما لو حمل عليه كذلك من دون إكراه، لا إلى الإذن المستفاد من قوله، و لو كان مقروناً بالإكراه و التوعيد.

الثانية: أنّه لو تحقّق القتل من المُكرَه، مع عدم جوازه له و كونه آثماً في ذلك، فهل يكون عمله موجباً للقصاص، كما إذا كان المُكرَه عليه قتل غير المُكرِه، كما فيما تقدّم من ثبوت القصاص على المُكرَه المباشر أو لا يكون موجباً له، لخصوصية في المقام غير موجودة في ذلك المورد؟ وجهان:

من أنّه لا فرق بين كون المُكرَه عليه قتل الغير، و بين ما لو كان قتل نفس المُكرِه، فإنّه في كلتا الصورتين يكون القتل محرَّماً

موجباً للقصاص، لصدوره عمداً عدواناً.

و من ثبوت الفرق، إمّا من جهة أنّه إذا كان للوارث الذي هو وليّ المقتول و فرعه، إسقاط الحقّ و العفو عن ضمان القصاص و الدية، فثبوت هذا الحق للمورِّث الذي هو الأصل إنّما هو بطريق أولىٰ، ضرورة أنّ الرجوع إلى الوارث إنّما هو لعدم إمكان الرجوع إلى المورِّث بسبب الموت، و إلّا فالحق له أوّلًا، فيجوز له إسقاط حقّه، كما فيما إذا لم يكن في البين إكراه، كما إذا علم زيد بأنّ عمراً إنّما يكون بصدد قتله و أنّه يقتله في الآجل، فأسقط حقّه من القصاص و الدية، قائلًا بأنّه إذا صدر قتلي من ناحية عمرو أسقطت حقّي منه، و الظاهر أنّه لا مجال للإشكال في ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 75

[مسألة 36 لو قال: اقتل نفسك، فإن كان المأمور عاقلًا مميِّزاً فلا شي ء على الآمر]

مسألة 36 لو قال: اقتل نفسك، فإن كان المأمور عاقلًا مميِّزاً فلا شي ء على الآمر، بل الظاهر أنّه لو أكرهه على ذلك فكذلك، و يحتمل الحبس أبداً لإكراهه فيما صدق الإكراه، كما لو قال: اقتل نفسك و إلّا قتلتك شرّ قتلة (1).

______________________________

نعم يمكن الإشكال في صغرى المسألة بأنّ الإذن في القتل بمجرّده لا يلازم إسقاط الحقّ، بل يمكن أن يكون الإذن في القتل لغرض ثبوت القصاص أو الدّية عليه، كما لا يخفى.

و إمّا من جهة الشك في شمول أدلّة القصاص للمقام الذي وقع فيه الإذن من المقتول، خصوصاً مع كون إذنه مقروناً بالتوعيد و الإكراه، و كذا شمول أدلّة الدّية، و لا أقلّ من أن يكون ذلك شبهة دارئة لخصوص القصاص، بناء على كونه كالحدود يدرأ بالشبهات، كما لا تبعد دعواه، و ممّا ذكرنا ظهر وجه ما جعله في المتن أرجح، أو نفى

البعد عنه من عدم ثبوت القصاص و الدية، فتدبّر.

(1) في هذه المسألة صور:

الاولىٰ: ما لو قال له: «اقتل نفسك»، من دون أن يكون مقروناً بالتوعيد و التخويف، بل كان في البين مجرّد الأمر و الطّلب، و في هذه الصورة لو كان المأمور عاقلًا مميّزاً سواء كان بالغاً أم لا يكون القتل مستنداً إلى المأمور المباشر، لفرض صدوره منه عن تمييز و إرادة، و عدم تحقّق شي ء من الأمر، سوى مجرّد الأمر و الطلب، فلا مجال لثبوت شي ء عليه، نعم لو كان المأمور غير مميّز فالقود على الآمر كما مرّ، لكونه في هذه الصورة بمنزلة الآلة له، و القتل يكون مستنداً إليه لا إلى المباشر.

الثانية: ما لو قال له: «اقتل نفسك و إلّا قتلتك»، و الظاهر أنّ الحكم فيها هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 76

..........

______________________________

الحكم في الصورة الأُولىٰ، لأنّ التوعيد بالقتل بمجرّده لا يوجب تحقّق الإكراه مع كون المُكرَه عليه هو قتل نفس المُكرِه، لأنّه لا معنى للفرار عن القتل المتوعّد به بإيجاده نفسه، و لا مجال لرفع الخوف عن القتل بسبب فعله.

الثالثة: ما إذا كان في البين إكراه، و قد فرضها في محكيّ المسالك «1» و كشف اللّثام «2» بقولهما: «نعم لو كان التخويف بنوع من القتل أصعب من النوع الذي قتل به نفسه، فدفعه به، اتّجه حينئذٍ تحقّق الإكراه، و ترتّب القصاص حينئذٍ على المُكرِه الّذي هو أقوى من المباشر».

و يمكن فرضها فيما إذا كان صدور القتل من المُكرِه مبغوضاً للمُكرَه زائداً على أصل القتل، فيختار القتل لئلّا يتحقّق من المُكرِه الآمر، و قد احتمل فيها في المتن ثبوت الحبس أبداً بالنسبة إلى المُكرِه؛ لعدم الفرق بين هذه

الصورة و بين صورة الإكراه على قتل الغير، التي قد عرفت ثبوت الحبس كذلك فيها فيما تقدّم.

و يحتمل عدم الثبوت؛ لعدم شمول دليله لمثل هذه الصورة، و إلغاء الخصوصية غير ظاهر.

و أمّا ترتّب القصاص كما في عبارتي المسالك و الكشف فلا يظهر له وجه؛ لعدم صيرورة قتل النفس مشروعة بمجرّد ذلك، فهو كقتل الغير الذي لا يسوغ بمجرّد الإكراه، فأيّ فرق بين الصورتين. و كون القتل المتوعَّد به أصعب أو مبغوضاً لا يجوِّز صدور القتل الإكراهي، و إلّا لجاز كما في الجواهر للعالم بأنّه يموت عطشاً مثلًا أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك «3». و لجاز للمريض الذي يعلم بأنّ مرضه

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 90.

(2) كشف اللثام: 2/ 444.

(3) جواهر الكلام: 42/ 54.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 77

[مسألة 37 يصحّ الإكراه بما دون النفس، فلو قال له: اقطع يد هذا و إلّا قتلتك]

مسألة 37 يصحّ الإكراه بما دون النفس، فلو قال له: اقطع يد هذا و إلّا قتلتك، كان له قطعها و ليس عليه قصاص، بل القصاص على المُكرِه، و لو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر، و لو أكرهه على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما، أو قطع يد أحد الرجلين فاختار إحداهما فليس عليه شي ء، و إنّما القصاص على المُكرِه الآمر (1).

______________________________

ينجرّ إلى موته أن يقتل نفسه تخلّصاً عن الوجع و الألم الذي هو لازم المرض، و من المعلوم خلافه.

ثمّ إنّه على فرض جواز القتل و مشروعيته في هذه الصورة، يكون ثبوت القصاص على المُكرِه غير معلوم أيضاً، لأنّ جوازه للمُكرَه لا يوجب الاستناد إلى المُكرِه، و سيأتي البحث في هذه الجهة في المسألة الآتية.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: الإكراه بما دون النفس، مثل ما إذا قال له: «اقطع يد

هذا و إلّا قتلتك»، و لا شبهة في الجواز في هذا الفرض؛ لشمول إطلاق دليل رفع الإكراه له، و عدم وجود ما يدلّ على استثنائه منه، كاستثناء الإكراه على القتل على ما مرّ، و مقتضى الشمول مضافاً إلى رفع الحرمة التي هي حكم تكليفي رفع الحكم الوضعي، و هو ضمان القصاص أو الدية، فلا شي ء على المُكرَه القاطع في المثال.

و أمّا المُكرِه الآمر، فظاهرهم كما في المتن ثبوت القصاص عليه، و المحكيّ عن القواعد «1» الإشكال فيه، نظراً إلى أقوائية السبب عن المباشر و إلى عدم المباشرة، فتجب عليه الدية دون القصاص.

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 282.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 78

..........

______________________________

و أورد عليه في الجواهر، بأنّ وجوب الدية ليس إلّا لأجل قوّة السبب على المباشرة، و هي مقتضية لثبوت القصاص دون الدية «1».

أقول: أمّا القصاص، فمنشأه الأقوائية، و الوجه فيها غير واضح، فإنّ الأقوائية إن كانت مستندة إلى نفس الإكراه، فاللّازم الحكم بثبوت القصاص في جميع موارد الإكراه و لو كان المُكرَه عليه هو القتل، و إن كانت مستندة إلى الإكراه الخاصّ المتحقّق في مثل المقام، و هو ما لو كان الإكراه موجباً لرفع الحرمة عن العمل المكرَه عليه، فنقول: إنّ مجرّد ذلك لا يوجب الأقوائية المستلزمة لاستناد الفعل إلى المُكرِه الآمر، و اللّازم تحقّق هذا الاستناد حتّى يثبت القود.

و الظاهر إنّ رفع الحرمة عن المُكرَه المأمور لا يوجب الاستناد إلى المُكرِه الآمر، كما في مثل الإكراه على شرب الخمر، فإنّ الإكراه فيه و إن كان موجباً لرفع الحرمة، فلا يترتّب عليه حدّ شرب الخمر، إلّا أنّه لا يوجب الاستناد إلى المُكرِه الآمر، حتّى يكون هو شارب الخمر فيترتّب على

عمله المحرّم الحدّ، كما لا يخفىٰ.

نعم لا يبعد الحكم بثبوت الدّية، لئلّا يذهب عضو المسلم هدراً، و إن كان فيه تأمّل أيضاً، لاحتمال ثبوت الدّية في بيت المال.

الثاني: الأمر بالقطع من دون إكراه و اشتمال على التوعيد و التخويف، و لا خفاء فيه في ثبوت القصاص على المباشر، لعدم ارتفاع الحرمة بمجرّد الأمر، و كون صدوره عن إرادة و اختيار.

الثالث: الإكراه على قطع إحدى اليدين بنحو الإبهام و التخيير، أو قطع يد أحد الرجلين كذلك، و قد تردّد في ثبوت القصاص فيه أوّلًا في الشرائع، نظراً إلى أنّ

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 55.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 79

[مسألة 38 لو أكرهه على صعود شاهق فزلقت رجله و سقط فمات]

مسألة 38 لو أكرهه على صعود شاهق فزلقت رجله و سقط فمات، فالظاهر أنّ عليه الدية لا القصاص، بل الظاهر أنّ الآمر كذلك لو كان مثل الصعود موجباً

______________________________

التعيين عري عن الإكراه. ثم قال: و الأشبه القصاص على الآمر، لأنّ الإكراه تحقّق، و التخلّص غير ممكن إلّا بأحدهما «1».

أقول: البحث فيه إنّما هو بعد الفراغ عن ثبوت القصاص على الآمر في الفرع الأوّل، و إلّا فبناء على المناقشة في ذلك كما ذكرنا لا يبقى مجال لهذا البحث، و على تقدير الفراغ فالظّاهر أنّه لا فرق بين هذا الفرع و الفرع الأوّل من جهة تحقّق الإكراه، و حصول التعيين عن اختيار و ترجيح لا ينافي الإكراه بوجه، ضرورة أنّ الخصوصيات في جميع موارد الإكراه إنّما تنشأ عن اختيار المكرَه من دون أن يكون للإكراه دخل فيها، أ لا ترى أنّه في الإكراه على شرب الخمر مثلًا يكون المكرَه عليه هو نفس تحقّق هذا العنوان، و أمّا وقوعه في زمان كذا، أو مكان كذا، أو

في ظرف كذا، أو في حالة كذا، أو في غيرها من سائر الخصوصيات فهي خارجة عن دائرة الإكراه، و غير منافية لتحقّقه الموجب لرفع ما استكرهوا عليه، و قد ثبت في باب العبادات التي يعتبر فيها قصد القربة أنّ اختيار الخصوصيات لا يلزم أن يكون بداع إلٰهي، بل لا مانع من اختيارها بالدواعي النفسانية.

و بالجملة: لا مجال للإشكال و الترديد في المقام، بل ما يختاره المكرَه من إحدى اليدين أو أحد الرجلين يكون مرفوعاً عنه، و القصاص حينئذٍ على المكرِه، بناء على ثبوته في الفرع الأوّل.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 976.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 80

للسقوط غالباً على إشكال (1).

[مسألة 39 لو شهد اثنان بما يوجب قتلًا كالارتداد مثلًا]

مسألة 39 لو شهد اثنان بما يوجب قتلًا كالارتداد مثلًا، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا، ثم ثبت أنّهم شهدوا زوراً بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم

______________________________

(1) المهمّ في هذه المسألة ملاحظة أنّ ما ذكرنا من ضابطة قتل العمد الموجب للقصاص، و هي ما لو كان العمل مؤثِّراً في القتل غالباً، أو كان مقروناً بقصد القتل و إن لم يكن مؤثِّراً فيه كذلك، هل يختصّ بما إذا كان هناك مباشرة الجاني، أو يجري في صورة الإكراه أيضاً؟ فإذا كان العمل المكرَه عليه مؤثِّراً في القتل غالباً، أو كان قصد المكرِه القتل و إن لم يكن المكرَه عليه كذلك، يثبت القصاص على المكرِه، لتحقّق قتل العمد منه. يظهر من صاحب الجواهر الوجه الثاني و إن احتمل الأوّل أيضاً «1».

و الظاهر أنّه لا مجال للاحتمال الثاني؛ لأنّ الإكراه لا يوجب الاستناد إلى المكرِه بحيث كان هو الفاعل بنظر العرف، و إلّا يلزم أن يكون في مورد الإكراه على القتل أن يثبت القود

على المكرِه، مع أنّك قد عرفت عدم ثبوته عليه في الإكراه على قتل الغير، بل الثابت هو الحبس مؤبَّداً. و في الإكراه على قتل النفس يحتمل ثبوت الحبس كذلك، و يحتمل عدم ثبوت شي ء عليه أصلًا. فمن ذلك يظهر أنّ الإكراه لا يصحّح الاستناد بوجه.

و الفرق بين الإكراه على القتل و الإكراه على غيره، بعدم كون الإكراه موجباً للمشروعية في الأوّل دون الثاني مضافاً إلى إمكان منعه فيما إذا كان الصعود على شاهق كالجبل و الشجر و نحوهما مستلزماً للسقوط غالباً لا يوجب الفرق من

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 56.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 81

يضمن الحاكم و لا المأمور من قبله في الحدّ، و كان القود على الشهود زوراً مع ردّ الدية على حساب الشهود، و لو طلب الوليّ القصاص كذباً و شهد الشهود زوراً، فهل القود عليهم جميعاً أو على الوليّ أو على الشهود؟ وجوه، أقربها الأخير (1).

______________________________

جهة الاستناد و عدمه، فإنّ المشروعية و عدمها لا دخل لها في هذه الجهة، فالظاهر حينئذٍ عدم ثبوت القصاص في مفروض المسألة على المكره، نعم لا يبعد ثبوت الدية كما تقدّم.

(1) لو شهد شاهدان بما يوجب القتل حدّا أو قصاصاً، كالإرتداد، أو قتل العمد الموجب للقصاص، أو شهد أربعة بما يوجب الرجم كالزنا المقرون بالإحصان، ثمّ ثبت بالإقرار أو بغيره أنّهم شهدوا زوراً، بعضاً أو كلًّا، بعد استيفاء الحدّ أو القصاص، فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في الحدّ كالارتداد و الزّنا، و الكلام فيه تارة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الباب، و أُخرى مع ملاحظتها.

أمّا مع قطع النظر عنها، فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة ثبوت القود على شهود الزّور، و لا

مجال لثبوته على الحاكم الآمر و لا المأمور المباشر، لأنّ الحكم بالنسبة إلى الأوّل، و الإجراء و التصدّي بالإضافة إلى الثاني كان أمراً مشروعاً راجحاً بل واجباً، و لا معنى لثبوت القصاص فيه، و أمّا شهود الزور الّذين كانوا عالمين بكذبهم في مقام أداء الشهادة، و أنّ المشهود عليه بري ء ممّا يوجب القتل من الارتداد و الزنا و نحوهما، فالقتل يكون منسوباً إليهم لأقوائية السبب في مثل المقام من المباشر عند العرف و العقلاء، و حيث يكون القتل عدواناً لعلمهم بكذبهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 82

..........

______________________________

فالقود ثابت عليهم، غاية الأمر أنّه إذا كان شاهد الزور واحداً يثبت القود عليه، و ليس على الوليّ ردّ الدية أو شي ء منه، و إذا كان أزيد من واحد يجري حكم الشريكين أو الشركاء في القتل، فيجب عليه ردّ الدية إذا أراد قتل الاثنين، أو ديتين إذا أراد قتل الثلاثة، و هكذا.

و أمّا مع ملاحظتها فقد ورد في المسألة روايات:

منها: مرسلة ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزّنا، ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل، فقال: ان قال الرابع (الراجع ظ): و همت ضرب الحدّ و غرم الدّية، و إن قال: تعمّدت قتل «1».

و مثلها موثقة مسمع كردين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم، ثم رجع أحدهم فقال: شككت في شهادتي، قال: عليه الدّية قال: قلت: فإنّه قال: شهدت عليه متعمّداً، قال: يقتل «2».

و ظاهرهما و إن كان ثبوت تمام الدية على الراجع و إن كان واحداً، إلّا أنّه لا بدّ من حملها على الرّبع إذا

كان واحداً، و ربعين إذا كان اثنين، و هكذا، بقرينة الروايات الآتية.

و منها: رواية أُخرى لمسمع، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قضى في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها، فيرجم، ثم يرجع واحد منهم. قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبّه عليّ، فإن رجع اثنان و قالا: شبّه علينا غرما نصف الدّية، و إن رجعوا و قالوا: شبّه علينا، غرموا الدية، و إن قالوا: شهدنا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 96، أبواب القصاص في النفس ب 63 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 240، كتاب الشهادات ب 12 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 83

..........

______________________________

بالزّور قتلوا جميعاً «1». و مثلها رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) «2».

و منها: رواية الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في أربعة شهدوا على رجل أنّه زنى فرجم، ثم رجعوا و قالوا: قد وهمنا، يلزمون الدية، و إن قالوا: إنّما تعمّدنا، قتل أيّ الأربعة شاء وليّ المقتول، و ردّ الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني، و يجلد الثلاثة كلّ واحد منهم ثمانين جلدة، و إن شاء وليّ المقتول أن يقتلهم ردّ ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة، و يجلدون ثمانين كلّ واحد منهم، ثم يقتلهم الإمام. الحديث «3».

و الظاهر أنّ الحدّ المذكور في مثل هذه الرواية هو حدّ القذف الذي هو ثمانون جلدة، غاية الأمر وجود الاختلاف بين الرّوايات من جهة ظهور المرسلة في ثبوت هذا الحدّ في صورة الوهم دون العمد، و ظهور الرواية الأخيرة في عدم ثبوته في غير صورة التعمّد، بل في التفصيل في صورة التعمّد

بين ما إذا اختار قتل واحد من الأربعة، و بين ما إذا اختار قتلهم جميعاً، بعدم ثبوته فيه، دونهم، و اللّازم في هذه الجهة ملاحظة موارد ثبوت القذف، و قد تقدّم التفصيل في كتاب الحدود، فراجع.

المقام الثاني: في القصاص، و يتصوّر فيه من جهة علم الوليّ بالكذب كالشهود و جهله، و من جهة تصدّيه لاستيفاء حق القصاص بالمباشرة أو اقتصاره على مجرّد المطالبة فروض:

أحدها: ما إذا كان الوليّ جاهلًا بكذب الشهود، و قد طلب القصاص باعتقاد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 97، أبواب القصاص في النفس ب 64 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 243، كتاب الشهادات ب 14 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 97، أبواب القصاص في النفس ب 64 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 84

[مسألة 40 لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح]

مسألة 40 لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح بحيث لا يبقى له حياة مستقرّة، فذبحه آخر، فالقود على الأوّل و هو القاتل عمداً، و على الثاني دية

______________________________

كونه مستحقّاً له عقيب حكم الحاكم، و لا خفاء في هذا الفرض في عدم ثبوت القود على الوليّ بوجه، و إن تصدّى للقصاص بالمباشرة، لعدم كون عمله صادراً عدواناً و غير مشروع، فلا يوجب القصاص بوجه، فالقود في هذا الفرض على شهود الزور فقط.

ثانيها: ما إذا كان الوليّ عالماً بكذب الشهود و عدم كون حق القصاص ثابتاً له بوجه، و مع ذلك يتصدّى للاستيفاء بالمباشرة، و يتحقّق منه القتل متعمّداً، و لا تنبغي المناقشة في ثبوت القود في هذا الفرض على خصوص الوليّ، لصدور القتل منه متعمّداً عالماً بكونه غير مشروع، و أنّه يصدر عدواناً، و لا وجه للاستناد إلى الشهود أيضاً، و إن كانت شهادتهم صارت

موجبة لفتح هذا الباب عليه، إلّا أنّه لا يوجب بمجرّده الاستناد بوجه.

و على تقدير التنزّل عمّا ذكرنا، لا مجال لإخراج الوليّ عن دائرة القصاص رأساً و احتمال كون القود ثابتاً على خصوص الشهود، لا أقلّ من التشريك، كما لا يخفىٰ.

ثالثها: ما إذا كان الوليّ عالماً بالكذب، و لكنّه لم يتحقّق منه إلّا مجرّد المطالبة من دون أن يتحقّق منه الاستيفاء، بل المباشر له هو المأمور من قبل القاضي، و يجري فيه احتمال ثبوت القود على الوليّ و الشهود معاً، لكون كلّ من الشهادة و المطالبة مؤثِّرة في تحقّق القتل، فهو مستند إلى كليهما، و على هذا الاحتمال يمكن أن يكون التشريك بنحو التنصيف، بأن يعدّ الشهود واحداً و الوليّ واحداً، و يمكن أن يكون بنحو التقسيط على الرؤوس، لما مرّ من أنّه لا يحسب في الشركة على القتل إلّا الرؤوس، و لا ينظر إلى مقدار تأثير العمل كمّاً و كيفاً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 85

الجناية على الميت، و لو جنى عليه و كانت حياته مستقرّة فذبحه آخر فالقود على الثاني، و على الأوّل حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً، سواء كان الجرح ممّا لا يقتل مثله أو يقتل غالباً (1).

______________________________

و احتمال ثبوت القود على خصوص الوليّ، لكون طلبه السّبب القريب و الجزء الأخير لصدور القتل و تحقّقه، فهو منسوب إليه دون الشهود.

و احتمال ثبوته على خصوص الشهود، كما استقربه المتن، نظراً إلى أنّ الأصل في تحقّق هذا العمل هي شهادة الزور، و المطالبة إنّما تكون متفرِّعة عليها، فالقتل منسوب إلى خصوص الشهود، و لكنّ الظاهر أقربية الاحتمال الثاني لما ذكرنا.

ثمّ إنّه يرد على المتن بعد وضوح عدم شموله للفرض الأوّل أنّه

إن كان المراد كلا الفرضين الأخيرين فمن الواضح أنّه لا يجري في الفرض الثاني الاحتمالات الثلاثة، و لا مجال للحكم بأقربية الاحتمال الأخير فيه بوجه، و إن كان المراد خصوص الفرض الأخير، كما لا تبعد دعواه، فلا وجه لترك التعرّض للفرض الثاني و لو بصورة الاستدراك و الاستثناء، خصوصاً مع التعرّض له في مثل الشرائع «1»، فتدبّر.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: ما لو جنى عليه جناية، فصيّره بذلك في حكم المذبوح، بأن لا تبقى حياته مستقرّة، بحيث لا يدرك و لا يكون له نطق اختياري و لا حركة كذلك، كالغنم بعد فري أوداجه الأربعة، فإنّ الحركة الثابتة له حركة غير اختيارية، و كذا الصوت الصادر منه، و في هذا الحال ذبحه إنسان آخر، فلا مجال للإشكال حينئذ في أنّ القود

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 976.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 86

[مسألة 41 لو جرحه اثنان، فاندمل جراحة أحدهما و سرت الأخرى فمات]

مسألة 41 لو جرحه اثنان، فاندمل جراحة أحدهما و سرت الأخرى فمات، فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها، و على الثاني القود، فهل

______________________________

على الأوّل، لأنّه القاتل حقيقة، و على الثاني الذابح دية قطع رأس الميت، لأنّ ذبحه لا يخرج عن هذا العنوان. و ستعرفها إن شاء اللّٰه تعالى في بحث الديات.

ثمّ إنّه ذكر العلّامة في محكيّ القواعد: «و لو قتل مريضاً مشرفاً على الموت وجب القود» «1» و في شرحه كشف اللّثام: «و إن لم يكن بقيت له حياة مستقرّة لصدق القتل، و الفرق بينه و بين من جنى عليه جناية لم تبق له حياة مستقرّة وقوع جنايتين مضمونتين عليه، و إنّما نوجب القصاص على أدخلهما في تلف النفس؛ لأنّ المريض ربّما انتهى إلى مثل تلك الحالة ثم

برأ؛ للاشتراك، نعم يصلح ضميمة إلى ما قلنا» «2».

و يرد عليه إنّ الحكم بعدم ثبوت القود على الذابح فيما هو المفروض في المقام ليس إلّا لأجل كون ذبحه واقعاً على من هو بحكم الميت من جهة عدم بقاء حياته مستقرّة، لا لأجل كون الجناية الأُولى أدخل في تلف النفس، و من المعلوم تحقّق هذا الملاك في مثال المريض بعينه، و كون الجناية في المقام مضمونة لا يقتضي نفي القود عن الذابح بعد إمكان تحقّق الاشتراك و إجراء حكم الشريكين عليه، و أدخلية الأوّل لا توجب مزية في مورد الشركة، كما أشرنا إليه مكرّراً.

و بالجملة: بعد فرض كون المريض في حال لم يكن بقيت له حياة مستقرّة بالمعنى

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 283.

(2) كشف اللّثام: 2/ 445.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 87

يقتل بعد ردّ دية الجرح المندمل أم يقتل بلا ردّ؟ فيه إشكال، و إن كان الأقرب عدم الردّ (1).

______________________________

الذي ذكرنا، لا يكون قتله إلّا كالذبح في فرض الجناية، و لا فرق بينهما أصلًا، كما لا يخفىٰ.

الثاني: ما لو كان الذبح في الفرض الأوّل في حال بقاء حياته مستقرّة، و الظّاهر أنّ الجاني الأوّل في هذا الفرض لا ينطبق عليه إلّا عنوان الجارح فقط، فيترتّب عليه حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً، من دون فرق بين ما إذا كان جرحه ممّا يؤثِّر في القتل غالباً كشقّ الجوف، و ما إذا لم يكن كقطع الأصابع. و اقتضاء الأوّل و إيجابه للموت على تقدير عدم الذبح لا يترتّب عليه أثر، بعد ما صار الذبح موجباً لقتله و سبباً فعلياً لتحقّقه.

و منه يظهر أنّ الجاني الثاني هو القاتل، و الذي يستند إليه القتل فعلًا فالقود

عليه، و حكي عن مالك «1» جعل الأوّل قاتلًا إذا كانت جراحته تقضي بالموت و لو بعد يوم أو يومين مثلًا. و قد ظهر ممّا ذكرنا ضعفه.

(1) لا مجال للإشكال في أنّ من اندملت جراحته و لم تسر أصلًا لا يترتّب عليه إلّا دية الجراحة أو قصاصها، لعدم استناد القتل إليه بوجه، و في أنّ من سرت جنايته حتّى مات يكون عليه القصاص لاستناد القتل إليه. إنّما الإشكال في أنّه هل يجب على وليّ المقتول في صورة أخذ دية الجراحة ردّها إلى من عليه القصاص، كما

______________________________

(1) حكى عنه في جواهر الكلام: 42/ 58، و نسب هذا القول إلى بعض العامّة في مسالك الأفهام: 15/ 94، لكن لم نعثر تصريحاً بذلك في كتب العامّة على ما تتبعنا، بل قال ابن قدامة في المغني: 9/ 384: «و لا أعلم فيه مخالفاً».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 88

[مسألة 42 لو قطع أحدٌ يده من الزند و آخر من المرفق فمات]

مسألة 42 لو قطع أحدٌ يده من الزند و آخر من المرفق فمات، فإن كان قطع الأوّل بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني، كما لو كانت الآلة مسمومة و سرى السمّ في الدّم و هلك به و بالقطع الثاني كان القود عليهما، كما أنّه لو كان القتل مستنداً إلى السمّ القاتل في القطع و لم يكن في القطع سراية كان الأوّل قاتلًا فالقود عليه، و إذا كان سراية القطع الأوّل انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلًا (1).

______________________________

صرّح به المحقّق في الشرائع «1»، أو لا يجب عليه ذلك؟ فيه وجهان.

و منشأهما إنّ المقام هل يكون مماثلًا لما إذا كانت كلتا الجراحتين مسريتين مؤثِّرتين في الموت، حيث إنّه يجب على فرض قصاص أحدهما أن يردّ عليه نصف

الدية المأخوذ من الآخر، أو يكون مماثلًا لما إذا قتل مقطوع اليدين أو الرجلين، حيث يستحقّ وليّ المقتول القصاص من القاتل و إن كان كاملًا و المقتول ناقصاً، لعدم اشتراط التساوي في هذه الجهة في القصاص؟

الظاهر هو الثاني لثبوت الفرق بين المقام و بين الفرض الأوّل بعد عدم استناد القتل هنا إلّا إلى خصوص الثاني، كما لا يخفى.

(1) لا إشكال في ثبوت القصاص على الجارحين، إذا كان كلّ واحد من الجرحين مسرياً مؤثِّراً في الموت، بأن كان كلّ واحد في عرض الآخر و غير مرتبط به، كما إذا قطع أحد يده و الآخر رجله، إنّما الإشكال فيما إذا دخل الأوّل في الثاني و كان بينهما طولية، كالمثال المذكور في المتن. و منشأ الإشكال أنّ الجناية الثانية قد صارت مانعة عن سراية الجناية الأولىٰ؛ لعدم بقاء موضوعها معها، بخلاف الصورة الأولى، و عليه فيشكل الحكم بثبوت القصاص على الجاني الأوّل بعد

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 977.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 89

[مسألة 43 لو كان الجاني في الفرض المتقدّم واحداً دخل دية الطرف في دية النفس]

مسألة 43 لو كان الجاني في الفرض المتقدّم واحداً دخل دية الطرف في دية النفس على تأمّل في بعض الفروض، و هل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً أو لا مطلقاً، أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات بضربة واحدة، فلو ضربه ففقئت عيناه و شجّ رأسه فمات دخل قصاص الطرف في قصاص النفس؛ و أمّا إذا كانت الجنايات بضربات عديدة لم يدخل في قصاصها، أو يفرق بين ما كانت الجنايات العديدة متوالية، كمن أخذ سيفاً و قطع الرجل إرباً إرباً حتّى مات فيدخل قصاصها في قصاص النفس، و بين ما إذا كانت متفرّقة كمن قطع يده في يوم

و قطع رجله في يوم آخر، و هكذا إلى أن مات فلم يدخل قصاصها في قصاصها؟ وجوه، لا يبعد أوجهية الأخير، و المسألة بعد مشكلة، نعم لا إشكال في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات، فمن قطع يد رجل فلم يمت و اندملت جراحتها ثم قطع رجله فاندملت ثم قتله يقتصّ منه ثم يقتل (1).

______________________________

انقطاع سراية جنايته بجناية الثاني.

نعم لو فرض بقاء السراية بعد القطع الأوّل، كما لو كانت الآلة مسمومة و سرى السمّ في الدّم، فإن كان الموت مسبَّباً عنه فقط يثبت القود عليه، و إن كان مسبَّباً عنه و عن القطع الثاني كان القود عليهما، لسببية كلتا الجنايتين و عدم ثبوت مزية في البين، فالقصاص على الشخصين.

(1) المراد بالفرض المتقدّم ما إذا كانت الجناية الثانية مؤثِّرة في القتل و مانعة عن سراية الجناية الأولى. و الكلام فيه إنّما هو فيما إذا كانت كلتاهما صادرتين من شخص واحد، تارة من جهة الدية و أخرى من جهة القصاص.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 90

..........

______________________________

أمّا الكلام في الدية، فمحصَّله أنّ الإجماع قائم على أنّ دية الطرف داخلة في دية النفس، و لكنّ القدر المتيقّن منه إنّما هو ما إذا كانت الدية ثابتة بالأصالة، بأن كان الحكم الأوّلي المجعول فيه الدية من جهة الجرح و القتل، و أمّا إذا كانت الدية قد انتقل إليها بعد العفو عن القصاص بحيث قد صولح بها عنه فلا يعلم شمول الإجماع له، بل يتفرّع ذلك على ملاحظة حكم القصاص من جهة الدخول و عدمه، كما لا يخفى. و لو لا الإجماع أو نوقش فيه لأمكن استفادة الحكم في بعض الفروض من صحيحة أبي عبيدة

الآتية في بحث القصاص.

و أمّا الكلام في القصاص فتفصيله أنّ فيه أقوالًا أربعة:

القول بالدخول مطلقاً، و هو الذي اختاره الشيخ في موضع من المبسوط «1» و الخلاف «2»، و حكي عن التبصرة «3» و الجامع «4».

و القول بعدم الدخول مطلقاً، و هو الذي اختار الشيخ أيضاً في موضع آخر من الكتابين «5». و قيل: هو خيرة السرائر «6»، و المحقِّق في نكت النهاية «7»، و إليه مال ابن زهرة «8».

و التفصيل بين ما إذا كانت الجناية بضربة واحدة، و بين ما إذا كانت بضربات

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 22 و 113.

(2) الخلاف: 5/ 163 مسألة 23.

(3) تبصرة المتعلّمين: 193.

(4) الجامع للشرائع: 594.

(5) المبسوط: 7/ 21، و الخلاف: 5/ 210، مسألة 89.

(6) السرائر: 3/ 405 406.

(7) نكت النهاية: 3/ 446.

(8) غنية النزوع: 408.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 91

..........

______________________________

عديدة، بالدخول في الأوّل و عدمه في الثاني. و هو الذي اختاره الشيخ في النهاية «1»، و حكم بأقربيته المحقِّق في الشرائع «2»، و حكي عن التحرير «3» و الإرشاد «4» و التلخيص «5» و المسالك «6» و الروضة «7»، بل نسبه في الأخير إلى أكثر المتأخرين.

و التفصيل بين ما إذا كانت الجنايات العديدة متوالية، و بين ما إذا كانت متفرّقة، بالدخول في الأوّل و عدمه في الثاني، و هو الذي نفى في المتن البعد عن أوجهيته، و إن قال بعده: و المسألة بعد مشكلة.

و لا بدّ من توضيح محلّ هذه الأقوال و مركز البحث و النزاع، فنقول:

إنّ هنا فرعين: لا إشكال و لا خلاف ظاهراً في الدخول في أحدهما و عدم الدخول في الآخر.

الأوّل: ما إذا كان الموت مسبباً عن سراية الجناية الأُولى، كما

إذا قطع يده فسرت إلى نفسه، و لا إشكال فيه في عدم ترتّب ما عدا قصاص النفس عليه، و لا مجال لاحتمال قطع اليد و قصاص النفس معاً.

الثاني: الفرض المذكور في المتن أخيراً، و هو ما لو اندملت الجراحة ثم تعرّض لقتله، و لا وجه فيه سوى الحكم بثبوت قصاصين، و عدم دخول قصاص الطرف

______________________________

(1) النهاية: 771.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 977.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 243 و 254.

(4) إرشاد الأذهان: 2/ 199.

(5) تلخيص الخلاف: 3/ 136 مسألة 23.

(6) مسالك الأفهام: 15/ 98- 99.

(7) الروضة البهية: 10/ 92 93.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 92

..........

______________________________

في قصاص النفس.

إذا عرفت هذين الفرعين فاعلم أنّ محل البحث في المقام هو الوسط بين الفرعين، بمعنى تعدّد الجناية الواقعة فيه، فيغاير الأوّل لعدم صدور أزيد من جناية واحدة فيه، و عدم تحقّق الاندمال المانع عن السراية، فيغاير الثاني لفرض عدم السراية فيه بوجه.

و بعد ذلك يقع الكلام تارة فيما هو مقتضى القواعد و الأدلّة العامة الواردة في القصاص، و أُخرى فيما هو مقتضى الروايات الخاصة الواردة في المقام، فنقول:

أمّا من جهة القواعد و الأدلّة العامة مثل: قوله تعالىٰ وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ إلى آخر الآية «1». فلا إشكال في أنّ مقتضاه تعدّد القصاص فيما إذا كانت الجنايات العديدة متفرّقة واقعة في أزمنة مختلفة و إن لم يتخلّل بينهما الاندمال؛ لأنّ مقتضى الآية جواز قصاص العين بالعين مثلًا مطلقاً، من دون فرق بين ما إذا تحقّق بعد جناية العين جناية أخرى موجبة للموت، و ما إذا لم تتحقّق جناية كذلك،

لعدم وقوع التقييد فيه.

كما أنّ مقتضى الآية الجواز كذلك من دون فرق بين ما إذا كانت الجنايات العديدة متحقّقة بضربات متعدّدة، و بين ما إذا كانت متحقّقة بضربة واحدة، و إن كان ظاهر المحقّق في الشرائع خلافه، حيث قال في وجه أقربية قول النهاية:

______________________________

(1) المائدة 5: 45.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 93

..........

______________________________

«لثبوت القصاص بالجناية الأولى، و لا كذا لو كانت الضربة واحدة» «1» فإنّ ظاهره اقتضاء مثل الآية من الأدلّة العامة للتفصيل الذي اختاره، مع أنّ الظاهر خلافه؛ لعدم وقوع التقييد فيها بما إذا كانت الضربات متعدّدة؛ لأنّ مقتضاها وقوع العين في مقابل العين بعنوان القصاص، من دون فرق بين ما إذا كان جناية القتل واقعة بعدها، و ما إذا لم تقع كذلك.

فكما أنّه لا فرق في قصاص الأطراف مع التعدّد، بين ما إذا كانت الجنايات الموجبة لقصاصها واقعة بضربات متعدّدة أو بضربة واحدة، ضرورة أنّه لو ضرب كذلك، ففقأ العين و قطع الأذن يترتّب عليه قصاصان، كذلك لا فرق في قصاص الطرف بين ما إذا كان القتل الواقع بعد الجناية على العضو، بضربة تلك الجناية أو بضربة أخرى متعدّدة.

و أمّا الدخول في مسألة السراية، فهو إمّا للإجماع، و إن كان مقتضى القاعدة فيها عدم الدخول أيضاً، و إمّا لثبوت الفرق بينها و بين المقام، من جهة تحقّق جناية واحدة فيها فقط متعلّقة بالعضو، و إن كان يحكم عليه بثبوت القود بالإضافة إلى النفس، إلّا أنّ الحكم قد ثبت عليه للإجماع على خلاف مقتضى القاعدة الواردة في موجب القصاص، و أمّا في المقام فقد تحقّق فيه جنايتان، و لو كانت الضربة واحدة.

و إن شئت قلت: إذا قطع اليد فسرت فمات،

فهذا أي قطع اليد بمنزلة ضرب العنق المترتّب عليه الموت، و لا يلاحظ العضو في هذه الصورة مستقلا، بخلاف المقام الذي يكون المفروض فيه عدم استناد القتل إلى قطع العضو، بل كان كلّ منهما

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 977.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 94

..........

______________________________

مسبَّباً عن الضربة الواحدة الصادرة منه، كما لا يخفى.

و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مقتضى القاعدة في المقام هو الحكم بعدم الدخول مطلقاً.

و أمّا بملاحظة الروايات فلا بدّ من نقلها و ملاحظة مفادها، فنقول:

منها: رواية صحيحة لمحمد بن قيس، عن أحدهما (عليهما السّلام) في رجل فقأ عيني رجل و قطع أذنيه ثم قتله، فقال: إن كان فرّق ذلك اقتصّ منه ثم يقتل، و إن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه و لم يقتصّ منه «1». و ورودها في المقام ظاهر، كما أنّ دلالتها على القول الثالث الذي اختاره الشيخ في النهاية و استقر به المحقّق في الشرائع أيضاً كذلك.

و منها: صحيحة حفص بن البختري، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل ضُرِبَ علىٰ رأسه، فذهب سمعه و بصره و اعتقل لسانه ثم مات؟ فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثمّ قتل، و إن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل و لم يقتصّ منه «2». و لكنّ الظاهر أنّ موردها السراية الخارجة عن محلّ البحث.

و منها: صحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل ضرب رجلًا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة، فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله؟ قال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة و لا يعقل ما قال و لا ما قيل

له فإنّه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه و بين السنة أقيد به ضاربه، و إن لم يمت فيما بينه و بين السنة و لم يرجع إليه عقله اغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 82، أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 83، أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 95

..........

______________________________

قلت: فما ترى عليه في الشجّة شيئاً؟ قال: لا، لأنّه إنّما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين، فألزمته أغلظ الجنايتين و هي الدية، و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان، إلّا أن يكون فيها الموت «1» بواحدة، و تطرح الأُخرىٰ فيقاد به ضاربه. فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت، فيقاد به ضاربه.

قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات «2».

و هي ظاهرة بل صريحة في أنّه مع تعدّد الضربة و ترتّب جنايتين إحداهما الموت، لا يترتّب إلّا مجرّد قصاص الضارب بالإضافة إلى النفس، فيدخل قصاص الطرف في قصاص النفس في هذه الصورة، و قد مرّ ظهور صحيحة محمد بن قيس باعتبار القضية الشرطية الاولى في عدم الدخول و تعدّد القصاص، و عليه فيقع التعارض بين الصحيحتين في الصورة المذكورة.

و الجمع الدلالي بينهما إمّا بحمل التفريق في صحيحة ابن قيس على التفريق من حيث الزمان لا على تعدّد الضربة، و إمّا بحمل قوله (عليه السّلام): «إلّا أن يكون فيهما الموت» و كذا «ما لم

يكن فيها الموت» علىٰ مورد السراية، كما ربّما استظهره صاحب الجواهر (قدّس سرّه) «3» ممّا لا مجال له أصلًا، لظهور الرواية الأولى بقرينة المقابلة في كون

______________________________

(1) و في نقل صاحب الجواهر بعد كلمة «الموت»: «فيقاد به ضاربه بواحدة و يطرح الأخرىٰ» جواهر الكلام: 42/ 63، و هو الظاهر (المؤلّف).

(2) وسائل الشيعة: 19/ 281، أبواب ديات المنافع ب 7 ح 1.

(3) جواهر الكلام: 42/ 62.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 96

..........

______________________________

المراد بالتفريق هو تعدّد الضربة، و إن وقعتا في زمان واحد بل في آن واحد، كما إذا أخذ بيده اليمنىٰ سيفاً و بيده اليسرىٰ سيفاً آخر فضرب بهما دفعة، فقطع اليد بإحداهما و قتل بالأُخرىٰ.

و عليه فالحمل علىٰ خلافه حمل علىٰ غير ظاهر من دون جهة، كما أنّ حمل الرواية الثانية على صورة السراية خلاف ظاهرها بل صريحها، فلا يبقى مجال للجمع من حيث الدّلالة، بل اللّازم الرجوع إلى قواعد باب التعارض و الأخبار الواردة في علاج المتعارضين.

و حيث إنّه ليست في المسألة شهرة من حيث الفتوى حتّى يؤخذ بما يوافقها، فتصل النوبة إلى المرجِّحات البعدية، و الظاهر حينئذٍ أنّ الترجيح مع صحيحة محمّد بن قيس؛ لموافقتها للكتاب الظاهر في عدم التداخل علىٰ ما مرّ في بيان مقتضى القاعدة.

و هذا لا ينافي تخصيص القاعدة في صورة الضربة الواحدة التي اتفقت الروايتان على ثبوت التداخل فيها، لعدم استلزامه للتخصيص في صورة التعدّد أيضاً بعد اختلافهما في ذلك، كما لا يخفىٰ.

و على ما ذكرنا فملاحظة الروايات تقتضي ترجيح التفصيل الذي اختاره الشيخ في النهاية «2» و المحقّق في الشرائع «3»، و إن كان مستند الثاني اقتضاء القاعدة له، كما عرفت.

بقي الكلام في أُمور:

الأوّل:

أنّه حكي عن نكت النهاية «4» للمحقّق أنّه حكم بأنّه يعارض صحيحة

______________________________

(2) النهاية: 771.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 977.

(4) نكت النهاية: 3/ 446.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 97

..........

______________________________

أبي عبيدة المتقدّمة خبر إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل ضرب رجلًا بعصا، فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حيّ، بستّ ديات «1».

و عن مرآة العقول: لعلّ المراد بذهاب الفرج ذهاب منفعة البول بالسلس، أو أنّه لا يستمسك غائطه و لا بوله، و يحتمل أن يكون في اللّسان ديتان لذهاب منفعة الذوق و الكلام معاً، فيكون قوله: «و انقطع جماعه» عطف تفسير، و يحتمل على بعد أن يكون بالحاء المهملة محرّكة أي صار بحيث يكون دائماً خائفاً، فيكون بمعنى طيران القلب، كما قيل، لكن مع بعده لا ينفع، إذ الفرق بينه و بين ذهاب العقل مشكل، و الأوّل أظهر «2».

و الظاهر أنّ مراده المعارضة في مسألة الدية لظهور رواية أبي عبيدة في الوحدة، و هي دية أغلظ الجنايات، و ظهور الخبر في التعدّد، و إمّا مسألة القصاص التي هي محل البحث في المقام فلا مجال لدعوى المعارضة بعد عدم تعرّض الخبر للقصاص بوجه.

الثاني: ذكر صاحب الجواهر «3» أنّه من جملة أدلّة القول بالتداخل مطلقاً ما روي من أنّه إذا مثّل إنسان بغيره و قتله لم يكن عليه إلّا القتل، و لم يجز التمثيل به «4».

و قد جمعت الروايات الواردة في هذا الأمر في الباب الثاني و الستّين من أبواب

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 280، أبواب ديات المنافع ب 6 ح 1.

(2) مرآة العقول:

24/ 114.

(3) جواهر الكلام: 42/ 64.

(4) وسائل الشيعة: 19 95 96، أبواب القصاص في النفس ب 62.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 98

..........

______________________________

القصاص في النفس في كتاب الوسائل «1». و بعد المراجعة إليها ظهر عدم ارتباطها بالمقام، لأنّ بعضها وارد في مورد وصية أمير المؤمنين (عليه السّلام) بأن لا يمثَّل بقاتله، و بعضها وارد في تفسير قوله تعالىٰ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ «2» و أنّ المراد من النهي عن الإسراف هو النهي عن أن يقتل غير قاتله أو يمثّل بالقاتل، و بعضها وارد في مورد رجل ضرب رجلًا بعصا، فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات، و أنّه يجوز قتله، و لكن لا يترك يعبث به، و لكن يجيز عليه بالسيف.

و من الواضح عدم ارتباط شي ء منها بالمقام. أمّا عدم ارتباط الأوّلين فظاهر، لأنّ المفروض عدم تحقّق التمثيل من القاتل قبلًا، حتّى يمثّل به. و أمّا عدم ارتباط الأخير، فلعدم ظهوره في تحقّق موجب القصاص بالإضافة إلى الطرف من ناحية الضارب، لأنّ مورده إدامة الضرب بالعصا حتّى انجرّ إلى الموت. و أمّا تحقق جناية موجبة للقصاص في العضو، فلا دلالة عليه لو لم نقل بأنّ عدم التعرّض يكشف عن عدمه، كما لا يخفىٰ. و الحكم بأنّه يجيز عليه بالسيف لا يلازم الاقتصار على القتل في مورد ثبوت موجب القصاص في العضو، خصوصاً فيما كانت الضربات متعدّدة، كما هو محلّ الاختلاف بين الصّحيحتين المتقدّمتين على ما عرفت، فهذه الروايات لا يستفاد منها شي ء في المقام.

الثالث: إنّ ما في المتن من نفي البعد عن أوجهية الوجه الأخير مع عدم دلالة شي ء من الأدلّة المتقدّمة عليه ظاهراً

يمكن أن يكون مستنداً إلى أحد وجهين:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19 95 96، أبواب القصاص في النفس ب 62.

(2) الإسراء 17: 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 99

[مسألة 44 لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم]

مسألة 44 لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم إذا أراد الوليّ، فيردّ عليهم ما فضل من دية المقتول، فيأخذ كلّ واحد ما فضل عن ديته، فلو قتله اثنان و أراد القصاص يؤدّي لكلّ منهما نصف دية القتل، و لو كانوا ثلاثة فلكلّ ثلثا ديته، و هكذا، و للوليّ أن يقتصّ من بعضهم، و يردّ الباقون

______________________________

أحدهما: أن يحمل قوله (عليه السّلام) في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة: «و إن كان ضربه ضربة واحدة» على أنّ المراد هو العمل الواحد الذي لا ينافي تعدّد الضربات المتوالية، و عليه فالمراد بالتفريق الواقع في مقابله هو تعدّد العمل المستلزم للتفرّق و الفصل، و يؤيّده أنّ وقوع مجموع هذه الجنايات بالضربة الواحدة بمعناها المقابل لتعدّد الضربات مستبعد جدّاً، فالمراد وقوعها متوالية من غير فصل.

ثانيهما: هو الرجوع إلى القاعدة، و رفع اليد عن الروايات بعد تعارضها و عدم إمكان الجمع بينها، كما يستفاد ذلك من المحقِّق في الشرائع، حيث استدلّ على مختاره بالقاعدة كما عرفت.

و عليه فالقاعدة تقتضي هذا الوجه الأخير، لأنّه مع اتّحاد العمل الموجب للموت لا ينطبق على العامل إلّا مجرّد عنوان القاتل الموجب لقصاص النفس، و تعدّد الضربات بعد فرض التوالي لا يقدح في الاتّحاد بوجه، و عليه فالدليل الشامل للمقام هو دليل قصاص النفس.

و أمّا مع تعدّد العمل و تحقّق الضربات مع الفصل، فلا مانع عن شمول دليل القصاص للجناية الأُولى الواردة على العضو الموجبة للقصاص، و تعقّبها بجناية القتل لا يمنع

عن ذلك، فلا مجال للتداخل في هذا الفرض، و لكن بعد ملاحظة ما ذكرنا من المراد من الرواية و من بيان مقتضى القاعدة، يظهر أنّ كلّاً من الوجهين مخدوش، و لا ينبغي الاعتماد عليه، و لكن كما في المتن «و المسألة بعد مشكلة»، فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 100

المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتصّ منه، ثم لو فضل للمقتول أو المقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به و يردّه إليهم، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين فيردّ المتروك دية جنايته و هي الثلث إليهما و يردّ الوليّ البقية إليهما، و هي دية كاملة، فيكون لكلّ واحد ثلثا الدية (1).

______________________________

(1) يقع البحث في هذه المسألة من جهات:

الاولى: في أنّه هل يكون للوليّ في صورة الشركة في القتل بحيث يكون القاتل متعدّداً، و يسند القتل إلى أزيد من واحد أن يقتصّ من الجميع، أو ليس له حقّ القصاص أصلًا، أو ليس له حقّ القصاص بالنسبة إلى أزيد من واحد؟ وجوه و احتمالات في بادئ النظر. و في الجواهر نفى وجدان الخلاف في الأوّل، قال: بل الإجماع بقسميه عليه «1»، و حكي عن بعض العامّة «2» أنّه ليس للوليّ إلّا قتل واحد منهم و يأخذ حصّة الآخرين و لا يقتل الجميع، و عن بعضهم «3» فضّ القصاص عليهم، على معنى استحقاق الوليّ عشر الدم في العشرة إلّا أنّه لا يمكن استيفاؤه إلّا باستيفاء الباقي، و قد يستوفي من المتعدّي غير المستحق عليه، كما إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلّا به، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيّق و احتيج في ردّه إلى هدم الجدار و قلع الباب.

و لا بدّ

أوّلًا من ملاحظة أن الأدلّة العامّة الواردة في القصاص هل يستفاد منها ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى الجميع، كما هو ظاهر الجواهر «4» أم لا؟

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 66.

(2) الخلاف: 5/ 156 مسألة 14، المغني لابن قدامة: 9/ 366 367.

(3) المغني لابن قدامة: 9/ 366، المجموع: 20/ 33.

(4) جواهر الكلام: 42/ 67.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 101

..........

______________________________

الظاهر هو الثاني؛ لأنّ قوله تعالىٰ وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ «1» إنّما كان مسوقاً لبيان مشروعية القصاص و ترتّب الحياة الاجتماعية عليه، و أمّا ثبوته في مورد الشركة بالنسبة إلى أزيد من واحد فلا دلالة له عليه، كما أنّ قوله تعالىٰ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً «2» ربّما يدلّ على العدم على تقدير كون المراد بالإسراف المنهيّ عنه هو قتل أزيد من واحد، كما ورد تفسيره به في رواية أبي العبّاس الآتية، و علىٰ تقدير كون المراد به هو عدم قتل غير القاتل و عدم المثلة بالقاتل، كما في بعض الروايات التي أُشير إليها في المسألة المتقدّمة، فلا دلالة للآية علىٰ شي ء من طرفي النفي و الإثبات، كما لا يخفى.

و كذا قوله تعالىٰ وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «3» إلى آخر الآية، لا دلالة له على وقوع نفوس متعدّدة في مقابل نفس واحدة. و هكذا حديث نفي الضرر، بناء على ارتباطه بالأحكام الكلّية الفقهيّة الإلٰهيّة، كما لا يخفى.

نعم، يستفاد ذلك من الروايات الخاصّة الواردة في المقام:

منها: رواية الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) في عشرة قتلوا رجلًا، قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً و غرموا

تسع ديات، و إن شاؤوا تخيّروا رجلًا، و ادّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر الدية كلّ رجل منهم. قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم «4».

______________________________

(1) البقرة 2: 179.

(2) الإسراء 17: 33.

(3) المائدة 5: 45.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 30، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 102

..........

______________________________

و منها: رواية عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلين قتلا رجلًا، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة و قتلوهما، و تكون الدية بين أولياء المقتولين، فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه و ادّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول، و إن لم يؤدّ دية أحدهما و لم يقتل أحدهما قبل الدية صاحبه من كليهما، و إن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما «1».

و في مقابلهما رواية أبي العبّاس و غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا اجتمع العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاءوا، و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إنّ اللّٰه عزّ و جل يقول وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ «2».

و لكن حيث إنّ الشهرة بل الإجماع كما عرفت علىٰ خلافها، فلا يبقى مجال للأخذ بها.

الثانية: إذا أراد الوليّ قتل الجميع فهل الواجب عليه أن يردّ الدية إليهم، ثم يتصدّى للقصاص بحيث كان الأداء مقدَّماً على القصاص، أو لا يجب عليه ذلك؟ مقتضى الروايتين المتقدّمتين العدم، لوقوع العطف بالواو، و لكن يدلّ علىٰ خلافه صحيحة أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجلين اجتمعا علىٰ قطع يد رجل، قال: إن أحبّ

أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثم يقطعهما، و إن أحبّ أخذ منهما دية يد. قال: و إن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 30، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 30، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 7.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 140 141، أبواب قصاص الطرف ب 25 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 103

..........

______________________________

إلّا أن يقال: بأنّه لا دليل على تساوي قصاص النفس و قصاص الطرف في هذه الجهة، فمن المحتمل ثبوت الفرق مضافاً إلى عدم وجود الجملة المشتملة على كلمة «ثم» في بعض نسخ نقل الرواية، و سيأتي البحث في هذه الجهة في مسألة خمسين الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الثالثة: ظاهر الروايتين المتقدّمتين في الجهة الأولى أنّه في صورة اختيار قتل البعض يثبت على المتروك الباقي الدية بقدر جنايته، و لا عهدة على الوليّ في ذلك المقدار، فإذا أراد قتل واحد من الاثنين القاتلين لا يجب على الوليّ ردّ نصف الدية إلى من أراد قتله، بل العهدة في ذلك على المتروك الباقي، فإذا لم يؤدّ الدية بمقدار جنايته لا يستحق على الوليّ شيئاً.

و يدلّ عليه أيضاً صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في عشرة اشتركوا في قتل رجل، قال: يخيّر أهل المقتول فأيّهم شاؤوا قتلوا، و يرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدّية «2».

الرابعة: ظاهر رواية الفضيل المتقدّمة و إن كان هو التخيير بين قصاص الجميع و بين قصاص الواحد، إلّا أنّ المتفاهم العرفي منه جواز اختيار أزيد من واحد، و لو لم يكن هو الجميع،

فيجوز في مورد الرواية اختيار قصاص خمسة رجال. و دعوى عدم استفادة ذلك من الرواية لا ينبغي الإصغاء إليها.

كما أنّ المستفاد من الجمع بين ثبوت الدية على المتروك بقدر جنايته و بين ثبوت الزائد على الجناية على الوليّ إذا أراد قتل الجميع أنّه في صورة اختيار قصاص البعض ربّما يلزم على كليهما الأداء بالنسبة، كما لو كان الشركاء ثلاثة فأراد

______________________________

(2) وسائل الشيعة: 19/ 29، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 104

[مسألة 45 تتحقّق الشركة في القتل بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد]

مسألة 45 تتحقّق الشركة في القتل بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد، كأن أخذوه جميعاً فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق، أو جرحوه بجراحات كلّ واحدة منها قاتلة لو انفردت، و كذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية، فلو اجتمع عليه عدّة فجرحه كلّ واحد بما لا يقتل منفرداً، لكن سرت الجميع فمات فعليهم القود بنحو ما مرّ. و لا يعتبر التساوي في عدد الجناية، فلو ضربه أحدهم ضربة و الآخر ضربات و الثالث أكثر و هكذا، فمات بالجميع فالقصاص عليهم بالسواء و الدية عليهم سواء. و كذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية، فلو جرحه أحدهما جائفة و الآخر موضحة مثلًا، أو جرحه

______________________________

اقتصاص الاثنين، فإنّه يجب على المتروك أداء ثلث الدية، و على الوليّ دية كاملة، لاستحقاق كلّ منهما ثلثي الدية بعد كون الجناية بمقدار الثلث. فما عن كشف اللِّثام «1» في هذا الفرض من أنّه يؤدي الثالث ثلث الدية و الوليّ ثلثي الدية، فلعلّه لاشتباه في المحاسبة، و إلّا فقد عرفت استحقاق كلّ واحد ثلثي الدية، فيصير المجموع دية كاملة و ثلث،

و بعد استحقاق الثلث على المتروك يبقى على الولي دية كاملة، كما لا يخفىٰ.

و لا يخفىٰ عليك أنّه لا يتصوّر هذا الفرض فيما لو كان المقتول قصاصاً واحداً، فإنّه في هذه الصورة يكتفي بما أدّاه المتروك، و لا يجب على الوليّ شي ء في شي ء من الموارد، بل مورد هذا الفرض ما إذا كان المقتول كذلك أزيد من واحد، كما في مثال شركة الثلاثة، و عليه فما في المتن من قوله: لو فضل للمقتول أو المقتولين .. مخدوش من هذه الجهة، فتدبّر.

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 447.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 105

أحدهما و ضربه الآخر يقتصّ منهما سواء، و الدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما (1).

______________________________

(1) ظاهر المسألة ثبوت كيفيتين لتحقّق الشركة في القتل:

إحداهما: أن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد كالأمثلة المذكورة في المتن، و كما لو اشتركوا في تقديم الطعام المسموم، و هذه الكيفية هي الكيفية الواضحة للشركة.

ثانيتهما: ما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية، و مرجعه إلى عدم تأثير فعل كلّ واحد منهم مع الانفراد و الاستقلال، و أنّ التأثير مستند إلى المجموع، و حينئذٍ يقع الكلام في المرد من قصد الجناية الذي وقع التقييد به في المتن تبعاً للشرائع «1»، و إن كان ظاهر الجواهر «2» بل صريحه إرجاعه إلى كلتا الكيفيتين علىٰ خلاف ظاهر العبارة.

و كيف كان فالظّاهر أنّ المراد من قصد الجناية هو قصد القتل، و المراد من التقييد به أنّه حيث لا يكون عمل كل واحد منهم مؤثِّراً في القتل بنحو الاستقلال، فاللّازم أن ينضمّ إليه قصد القتل حتّى تتحقّق الضابطة الثانية لقتل العمد، و هي قصد القتل فيما إذا

لم يكن العمل مؤثِّراً فيه غالباً.

و لكنّ الظاهر خلاف ذلك، فإنّ استناد القتل إلى مجموع الأعمال يكفي في تحقّق قتل العمد من جهة الضابطة الأولى، و لا يلزم الاقتران بقصد القتل، و يؤيّده التفريع المذكور في المتن، الخالي عن وجود القصد.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 978.

(2) جواهر الكلام: 42/ 69.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 106

[مسألة 46 لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف يقتصّ منهم]

مسألة 46 لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف يقتصّ منهم كما يقتصّ في النفس، فلو اجتمع رجلان علىٰ قطع يد رجل، فإن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما، و إن أحبّ أخذ منهما دية يد، و إن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية، و على هذا القياس اشتراك الجماعة (1).

______________________________

و يحتمل على بُعد أن يكون المراد من قصد الجناية هو قصد العمل غير المشروع، و بعبارة أُخرى قصد تحقّق العدوان في مقابل ما إذا لم يكن المقصود هي الجناية، بل شيئاً آخر غير محرَّم. و لعلّه منشأ ما عرفت من الجواهر من الإرجاع إلى كلتا الكيفيتين، و لكنّه خلاف ظاهر الشرائع و صريح المتن.

(1) لا إشكال في أنّه كما يقتصّ من جميع الشركاء في القتل، كذلك يقتصّ من الشركاء في الجناية على الأطراف. و يدلّ عليه مضافاً إلى الأولويّة صحيحة أبي مريم الأنصاري المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثمّ يقطعهما، و إن أحبّ أخذ منهما دية يد. قال: و إن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع

الدية «1». و الرواية تدلّ على حكم الفروض الثلاثة المذكورة في المتن، و المراد بربع الدّية هو ربع الدّية الكاملة الذي هو نصف دية يد واحدة.

ثمَّ إنّ ظاهر الرواية كما مرّ سابقاً ترتّب القطع على أدائه إليهما دية يد واحدة، و قد مرّ أنّه لا ملازمة بين هذه الجهة في المقام، و بينها في الشركة في القتل «2»، فراجع.

______________________________

(1) تقدّمتا في ص 102 103.

(2) تقدّمتا في ص 102 103.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 107

[مسألة 47 الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد]

مسألة 47 الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضي للقطع، بأن يكرهوا شخصاً على قطع اليد أو يضعوا خنجراً على يده و اعتمدوا عليه أجمع حتى تقطع، و أمّا لو انفرد كلّ علىٰ قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما، و كذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده و الآخر تحتها فقطع كل جزء منها حتّى وصل الآلتان و قطعت اليد فلا شركة و لا قطع، بل كلّ جنى جناية منفردة، و عليه القصاص أو الدية في جنايته الخاصّة (1).

______________________________

(1) لا إشكال في تحقّق الشركة في الجناية على الطرف فيما لو اشتركوا في الفعل الواحد المقتضي للقطع، كالمثالين المذكورين في المتن، و كما لو شهدوا عليه بما يوجب القطع ثم يرجعوا و يكذِّبوا أنفسهم، و الظاهر تحقّقها بالكيفية الثانية المتقدّمة في الشركة في القتل، كما لو قطع أحدهم بعض اليد من غير إبانة، و الثاني في موضع آخر كذلك، و الثّالث في موضع ثالث، و سرى الجميع حتى سقطت اليد لعدم الفرق بين المقامين.

و الملاك استناد القتل أو القطع إلى عمل المجموع و تأثيره فيه، كما إذا لم يكن في البين إلّا عمل واحد،

و منه يظهر أنّه لا يكون من قبيل الشركة ما لو انفرد كلّ علىٰ قطع جزء من يده، كما إذا قطع أحدهما يده من الزند، و الآخر من المرفق أو المنكب، فإنّه يكون حينئذٍ جنايتان مستقلّتان من دون أن تتحقّق الشركة، و لكلّ جناية حكمها من القصاص أو الدّية، و كذا لو وضع أحدهما آلته فوق اليد و الآخر تحتها، فقطع كلّ جزءاً منها حتّى وصل الآلتان و قطعت اليد، فإنّه حينئذٍ أيضاً يكون عمل كل واحد جناية مستقلّة من دون تحقّق الشركة في شي ء منه، حتّى الجزء الأخير الذي تحصّل به الإبانة التي هي من جملة القطع، لا شي ء خارج عنه كالموت.

و بالجملة: فالملاك في حصول الشركة و عدمها وحدة الجناية المتحقّقة من أزيد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 108

[مسألة 48 لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به]

مسألة 48 لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير ردّ شي ء، و لو كنّ أكثر فللوليّ قتلهنّ و ردّ فاضل ديته يقسّم عليهنّ بالسوية، فإن كنّ ثلاثاً و أراد قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة و هي بينهنّ بالسوية، و إن كنّ أربعاً فدية امرأتين كذلك، و هكذا، و إن قتل بعضهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل من جنايتها، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت المتروكة ثلث ديته على المقتولين (المقتولتين ظ) بالسوية، و لو اختار قتل واحدة ردّت المتروكتان على المقتولة ثلث ديتها، و على الوليّ نصف دية الرجل (1).

______________________________

من واحد و تعدّدها، فمع الوحدة تتحقّق الشركة لا محالة، و مع التعدّد لا مجال لحصولها، كما لا يخفى.

(1) لا خلاف في أنّه لو اشترك في قتله امرأتان تقتلان به و لا ردّ، إذ لا فضل لهما

عن ديته. و في صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن امرأتين قتلتا رجلًا عمداً؟ قال: تقتلان به، ما يختلف في هذا أحد «1».

و على ما ذكر، فلو كنّ أكثر من اثنتين يجوز للوليّ قتلهنّ أجمع، و ردّ فاضل ديته المساوية لاثنتين عليهنّ، فإن كنّ ثلاثاً يردّ عليهنّ دية امرأة، و إن كنّ أربعاً دية رجل، و هكذا. و إن قتل بعضهنّ ردّ البعض غير المقتولة ما فضل من جنايتها، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت الباقية غير المقتولة ثلث دية الرجل على المقتولتين بالسوية، و إن اختار في الفرض قتل واحدة تردّ الباقيتان اللّتان علىٰ عهدة كلّ منهما ثلث دية الرجل على المقتولة ثلث دية المرأة، و على الوليّ تمام ديتها التي هي نصف دية الرجل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 62، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 109

[مسألة 49 لو اشترك في قتل رجلٍ رجلٌ و امرأةٌ]

مسألة 49 لو اشترك في قتل رجلٍ رجلٌ و امرأةٌ فعلى كلّ منهما نصف الدية، فلو قتلهما الوليّ فعليه ردّ نصف الدية على الرّجل، و لا ردّ على المرأة، و لو قتل المرأة فلا ردّ، و على الرّجل نصف الدية، و لو قتل الرّجل ردّت المرأة عليه نصف ديته لا ديتها (1).

______________________________

(1) ظاهر العبارة إنّ وليّ المقتول يتخيّر في مفروض المسألة بين أُمور أربعة:

أحدها: أخذ الدية من كلّ منهما بدلًا عن القصاص، و من الواضح أنّه لا يجوز أخذ الزائد من دية كاملة، لعدم تحقّق قتل أزيد من واحد، و الدية بينهما علىٰ نحو التنصيف، لاشتراك الجناية بينهما و إضافتها إليهما من دون ترجيح، و كون دية المرأة نصف دية الرجل لا

يقتضي عدم التنصيف بعد كون الدية في مقابل الجناية، و هي مشتركة بينهما، كما لا يخفىٰ.

هذا، مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهراً، و يدلّ عليه بعض النصوص الآتية.

ثانيها: قتل كلّ من الرجل و المرأة، و لا شبهة بملاحظة ما تقدّم في مشروعيّته و جوازه، و عليه يجب على وليّ المقتول ردّ نصف الدية على الرجل فقط، و لا يشترك فيه المرأة وفاقاً للأكثر، بل المشهور «1»، و خلافاً للمحكيّ عن مقنعة المفيد (قدّس سرّه) «2»: من أنّه يقسّم النصف بينهما أثلاثاً. و القاعدة موافقة لما هو المشهور، لما عرفت من اشتراكهما في الجناية بنحو يكون النصف بحسابه و النصف بحسابها، و لذا يجب على كلّ منهما نصف الدية كما عرفت في الأمر الأوّل، فإذا كان النصف بحساب الرّجل فاللّازم ردّ نصف الدية إليه فقط جبراً للنصف، و المرأة لا تستحقّ شيئاً بعد

______________________________

(1) النهاية: 745، المهذّب: 2/ 468، السرائر: 3/ 345، مسالك الأفهام: 15/ 104.

(2) المقنعة: 752.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 110

..........

______________________________

كون ديتها بقدر الجناية المتحقّقة منه من دون نقص و زيادة، و لا مجال للتثليث أصلًا.

و يؤيّده صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سئل عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلًا خطأ، فقال: إنّ خطأ المرأة و الغلام عمد، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما، و يردّوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم، و إن أحبّوا أن يقتلوا الغلام قتلوه و تردّ المرأة على أولياء الغلام ربع الدية، و إن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها و يردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية. قال: و إن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا

الدية كان على الغلام نصف الدية، و على المرأة نصف الدية «1».

و لكن اشتمال الرواية على أنّ خطأ المرأة و الغلام عمد، مع كونه مخالفاً للمشهور بل الإجماع، كما عن المجلسي (قدّس سرّه) في المرآة «2»، و للرّوايات الدالّة على أنّ عمد الصبيّ خطأ تحمله العاقلة يوجب الوهن فيها، مع ثبوت الخلل فيها من بعض الجهات الأُخر أيضاً، كما تأتي الإشارة إليه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

ثالثها: قتل المرأة فقط، و لا ريب في جوازه بعد جواز قتلها مع الرجل معاً، و لا ردّ عليها بعد كون جنايتها بمقدار ديتها. نعم يجب على الرجل الجاني غير المقتول نصف الدية و ردّه إلى أولياء المقتول لإضافة نصف الجناية إليه، و اللّازم تداركه بالدية التي هي نصف الدية الكاملة. نعم في رواية أبي بصير المتقدّمة لزوم ردّ ربع الدية إلى أولياء المرأة، و هي مخالفة للقاعدة، و المشهور من جهتين و لا يمكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 64، أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 1.

(2) مرآة العقول: 24/ 64.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 111

[مسألة 50- قالوا: كلّ موضع يوجب الردّ يجب أولًا الردّ ثم يستوفي، و له وجه]

مسألة 50- قالوا: كلّ موضع يوجب الردّ يجب أولًا الردّ ثم يستوفي، و له وجه. ثمّ إنّ المفروض في المسائل المتقدّمة هو الرّجل المسلم الحرّ و المرأة كذلك (1).

______________________________

الالتزام به.

رابعها: قتل الرجل فقط، و اللّازم بمقتضى ما ذكرنا من إضافة الجناية إليه و إلى المرأة بالنصف لزوم ردّ نصف الدية إليه من جانب المرأة، لإضافة النصف إليها، و اللّازم تداركه و ردّه إلى الرجل. و المحكيّ عن النهاية «1» و المهذَّب «2» لزوم ردّ ربع الدية الذي هو نصف دية المرأة من جانبها، فلو كان المستند فيه هي

رواية أبي بصير المتقدّمة فالظّاهر أنّه لا يمكن الالتزام به بعد وجود الخلل فيها من جهات متعدّدة، و إن كان المستند فيه هي القاعدة، فمقتضاها النصف، كما عرفت.

(1) وقع التصريح بالتقديم في الشرائع «3» و القواعد «4». و لا بدّ أوّلًا من بيان أنّ العموم يشمل ما إذا كان من يجب عليه الرّد هو وليّ المقتول المتصدّي للقصاص، و ما إذا كان من يجب عليه الرّد هو الشريك في الجناية الذي لم يقصد قصاصه، كما إذا اشترك رجلان في قتل رجل، فإن أراد الوليّ قتلهما يكون الرّد واجباً عليه، و من أراد قتل أحدهما يكون الرّد واجباً على الشريك الباقي، كما أنّ الظاهر شمول العموم

______________________________

(1) النهاية: 745.

(2) المهذّب: 2/ 468.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 979.

(4) قواعد الأحكام: 2/ 285.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 112

..........

______________________________

لما إذا كان قصاصاً في الطرف دون النّفس.

و الظاهر أيضاً أنّ مراد القائلين بلزوم الرّد أوّلًا ليس مجرّد ثبوت حكم تكليفي نفسي، بل مرادهم شرطية الرّد لثبوت حق القصاص، بحيث إذا لم يتحقّق الرّد لم يكن له حقّ في القصاص، لتوقّفه عليه و اشتراطه به.

ثمّ إنّ البحث في المسألة تارة بلحاظ ما هو مقتضى القاعدة في الباب، و أُخرى بلحاظ الروايات الواردة فيها، فنقول:

أمّا من جهة القاعدة: فالظاهر أنّ مقتضاها فيما إذا كان من يجب عليه الرّد هو وليّ المقتول هو عدم لزوم الرّد أوّلًا، لأنّه بعد قيام الدليل على جواز قصاص أزيد من نفس واحدة في صورة تحقّق الجناية بنحو الاشتراك، و دلالة الدليل أيضاً على لزوم ردّ الزائد على ما يقابل نفساً واحدة، يفهم العرف ثبوت حقّين في المقام و وقوع التعارض بينهما، و من

المعلوم أنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخر مع عدم قيام الدليل عليه.

و أمّا إذا كان من يجب عليه الردّ هو الشريك في الجناية، فعدم لزوم الردّ أوّلًا أوضح، لعدم الارتباط بين الحقّين: حقّ القصاص الثابت للوليّ و حقّ الردّ الثابت لأحد الشريكين على الآخر.

و أمّا من جهة الروايات: فأظهر الروايات الواردة في المقام صحيحة أبي مريم الأنصاري المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثم يقطعهما، و إن أحبّ أخذ منهما دية يد. قال: و إن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية «1».

______________________________

(1) تقدّمت في ص 102.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 113

..........

______________________________

حيث إنّ صدرها صريح بناء على بعض النسخ، و ظاهر بناءً على البعض الآخر، في ترتّب القصاص على أداء دية يد أحد إليهما فيما إذا كان من يجب عليه الأداء هو المقطوع عدواناً، و ذيلها ظاهر في عدم لزوم الرّد أوّلًا فيما إذا كان من يجب عليه الأداء هو الشريك في القطع، فالرواية ظاهرة في التفصيل، و حمل قوله (عليه السّلام) في الذيل: «و إن قطع يد أحدهما» على كون المراد إرادة القطع و حبّه كما وقع التعبير به في الصدر خلاف الظاهر جدّاً، و قد عرفت أنّ موضع القصاص في الطرف أيضاً من مصاديق المسألة.

نعم يبقى احتمال اختصاص الحكم بذلك و عدم شموله لما إذا كان هناك قصاص في النفس، و يدفعه مضافاً إلى بعده في نفسه عدم القول بالفصل ظاهراً.

و من الروايات صحيحة عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في رجلين قتلا رجلًا، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة و قتلوهما و تكون الدية بين أولياء المقتولين، فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه و أدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول. الحديث «1». فإن اختلاف التعبير في الموردين ظاهر في التفصيل المذكور، و إن لم يكن ظهورها بالغاً مرتبة الظهور في الرواية الاولىٰ.

و منها: جملة من الروايات الواردة فيما إذا قتل رجل امرأة، الظاهرة في ترتّب حقّ القصاص لأوليائها على أداء نصف الدية إليه، التي منها صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: في الرجل يقتل المرأة متعمّداً، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية، و إن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، و إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 30، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 114

..........

______________________________

قتلت المرأة الرجل قتلت به ليس لهم إلّا نفسها الحديث «1».

نعم رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة السابقة ظاهرة في خلاف التفصيل و اشتراك الفرضين في عدم لزوم التقديم، لكن قد عرفت ثبوت الاختلال فيها من وجوه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 59، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 115

[القول في الشرائط المعتبرة في القصاص]

اشارة

القول في الشرائط المعتبرة في القصاص و هي أُمور:

[الأوّل: التساوي في الحرّية و الرِّقيّة]

اشارة

الأوّل: التساوي في الحرّية و الرِّقيّة، فيقتل الحرّ بالحرّ و بالحرّة لكن مع ردّ فاضل الدية، و هو نصف دية الرجل الحرّ، و كذا تقتل الحرّة بالحرّة و بالحرّ لكن لا يؤخذ من وليّها أو تركتها فاضل دية الرجل (1).

______________________________

(1) المراد من التساوي المذكور عدم قتل الحرّ بالعبد لا العكس، فإنّه لا إشكال في قتل العبد بالحرّ، و قد فرّع عليه في المتن فروعاً أربعة:

الأوّل: قتل الحرّ بالحرّ، و لا شبهة فيه، بل هو المصداق الظاهر و الفرد المتيقّن من القصاص، و قد قال اللّٰه تعالىٰ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ فِي الْقَتْلىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ الآية «1». و الرّوايات من هذه الجهة متواترة.

الثاني: قتل الحرّ بالحرّة، و لا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه كما في

______________________________

(1) البقرة 2: 178.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 116

..........

______________________________

الجواهر «1».

و يدلّ عليه روايات متعدّدة مفادها الجواز مع ردّ فاضل الدية، و هو نصف دية الرجل الحرّ، و لا ينافيه قوله تعالى في الآية المتقدّمة وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ، فإنّ المراد منه مجرّد ثبوت القصاص في الأنثى بالأنثىٰ لا الاختصاص، و إلّا لا يجوز قتل العبد بالحرّ لقوله تعالىٰ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ.

و منها: رواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: اتي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) برجل قد ضرب امرأة حاملًا بعمود الفسطاط فقتلها، فخيّر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم، و غرّة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها، أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف و يقتلوه «2». و المراد من

الوصيف و الوصيفة هو العبد و الأمة، و المراد من الغرة إمّا نفس العبد و الأمة مطلقاً كما يظهر من نهاية ابن الأثير «3»، و عليه فتكون الإضافة بيانيّة، و إمّا خصوص الأبيض منهما كما يظهر من بعض اللغويين، و يحتمل أن يكون المراد بها في المقام العبد و الأمة في أوائل ولادتهما.

و منها: رواية أبي بصير التي جعلها في الوسائل روايتين، و الظّاهر وحدتهما عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: إن قتل رجل امرأة و أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف الدية إلى أهل الرجل «4».

و منها: صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة السابقة.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 82.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 60، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 5.

(3) النهاية لابن الأثير: 5/ 191.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 60، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 6 و 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 117

..........

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة عليه.

و في مقابلها رواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر (عليه السّلام) أنّ رجلًا قتل امرأة فلم يجعل عليّ (عليه السّلام) بينهما قصاصاً، و ألزمه الدية «1» و لكنّه ذكر الشيخ (قدّس سرّه) أنّه يجوز أن يكون القتل خطأً لا عمداً، فلا قصاص، و يجوز أن يكون لم يجعل بينهما قصاصاً لا يحتاج معه إلى ردّ فضل الدية «2».

و قال صاحب الوسائل: يمكن حمله على امتناع الوليّ من ردّ فضل الدية.

و علىٰ تقدير عدم إمكان الحمل يكون الترجيح مع الروايات المتقدّمة الموافقة لفتوى المشهور بل الإجماع، كما عرفت من الجواهر.

الثالث: قتل الحرّة بالحرّة، و هو مثل الفرع الأوّل لا شبهة فيه، و يدلّ عليه صريح الكتاب و السنّة المتواترة.

الرابع: قتل الحرّة

بالحرّ، و لا شبهة في أصل ثبوت القصاص فيه، و أنّه تقتل الحرّة بالحرّ. إنّما الكلام في أنّه هل يؤخذ من تركتها أو من الوليّ فاضل دية الرجل و هو النصف أم لا؟ نسب الثاني في الشرائع إلى الأشهر «3»، مشعراً بوجود الخلاف فيه، بل بعدم خلوّ القول الآخر عن الشهرة، لكن ذكر في الجواهر أنّه لا نجد فيه خلافاً «4»، و يدلّ عليه روايات صحيحة:

مثل: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المشتملة على قوله (عليه السّلام): و إن قتلت

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 62، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 16.

(2) الاستبصار: 4/ 266.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 980.

(4) جواهر الكلام: 42/ 83.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 118

..........

______________________________

المرأة الرجل قتلت به، ليس لهم إلّا نفسها «1».

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المشتملة على قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في امرأة قتلت زوجها متعمّدة، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، و ليس يجني أحد أكثر من جنايته علىٰ نفسه «2».

و صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه «3».

و في مقابلها صحيحة أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في امرأة قتلت رجلًا، قال: تقتل و يؤدّي وليّها بقيّة المال «4».

و لكنّها رماها غير واحد بالشذوذ و موافقة العامة «5»، و قد احتمل الحمل على الإنكار و على الاستحباب. و في الوسائل يحتمل أن يكون أصله في امرأة قتلها رجل، قال: يقتل، و يكون غلطاً من الرّاوي أو الناسخ. مضافاً إلى عدم ظهورها في نفسها في أداء نصف

الدّية؛ لعدم ظهور «بقيّة المال» فيه.

و حكي عن الراوندي «6» حملها على يسار المرأة، و حمل الروايات الصحيحة المتقدّمة على إعسارها. و يرد عليه مضافاً إلى أنّ التعليل الواقع في الروايات المتقدّمة «و أنّه لا يجني الجاني على أكثر من نفسه» لا يلائم الحمل على الإعسار،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 59، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 59، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 61، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 10.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 62، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 17.

(5) الإستبصار: 4/ 268، مسالك الأفهام: 15/ 109 110.

(6) راجع رياض المسائل: 10/ 256 257.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 119

..........

______________________________

كما أنّ الحكم في هذه الرواية بلزوم أداء الوليّ، لا الأداء من تركتها لا يلائم الحمل على اليسار أنّه لا شاهد على هذا الجمع بوجه.

و لو وصلت النوبة إلى ملاحظة الترجيح بعد فرض ثبوت المعارضة، يكون الترجيح من تلك الروايات، لموافقتها للشهرة الفتوائية «1» بل المجمع عليه، فتدبّر.

ثمَّ إنّه يوجد في بعض الروايات أنّ قوله تعالىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ «2» ناسخ لقوله تعالىٰ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «3» كما ورد في تفسير علي ابن إبراهيم «4».

و في رسالة المحكم و المتشابه لعلي بن الحسين المرتضى نقلًا من تفسير النعماني بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث قال: و من الناسخ ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص، و هو قوله تعالىٰ وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ إلى آخر الآية، فكان الذكر و الأنثىٰ و الحرّ و العبد

شرعاً، فنسخ اللّٰه تعالى ما في التوراة بقوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ فِي الْقَتْلىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ فنسخت هذه الآية وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «5».

و ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الرواية أنّ النسخ هنا بمعنى التخصيص، فلا ينافي ما مرّ من أنّها محكمة لبقاء العمل بها بعده.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 108.

(2) البقرة 2: 178.

(3) المائدة 5: 45.

(4) تفسير القمي: 1/ 64 65، مستدرك الوسائل: 18/ 240، أبواب القصاص في النفس ب 30 ح 4.

(5) وسائل الشيعة: 19/ 63، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 120

[مسألة 1 لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية]

مسألة 1 لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية أو كان فقيراً و لم

______________________________

و لكنّ الظاهر أنّ الالتزام بالنسخ أو التخصيص يتوقّف على ثبوت المنافاة بين الآيتين، و لو بنحو العموم و الخصوص أو المطلق و المقيّد، و ثبوت المنافاة يتوقّف على أن يكون المراد من قوله تعالىٰ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ هو العموم أو الإطلاق، بحيث يرجع إلى أن يكون المراد هو وقوع كلّ نفس في مقابل كلّ نفس، و على أن يكون المراد من قوله تعالىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ إلى الآخر هو الانحصار، و حينئذٍ تتحقّق المغايرة و لو بنحو العموم و الخصوص، مع أنّ كليهما ممنوعان، لعدم اشتمال الأوّل على أداة العموم و عدم ثبوت الإطلاق فيه، لعدم كونه في مقام البيان، إلّا من جهة وقوع النفس في مقابل النفس، لا وقوعها في مقابل مثل الأنف و العين.

و أمّا أنّ كلّ نفس واقعة في مقابل كل نفس فلا تكون الآية بصدد بيانها، كما أنّ الآية

الثانية لا دلالة لها على الانحصار، بحيث كان مرجعها إلى انحصار وقوع الحرّ في مقابل الحرّ، و العبد في مقابل العبد، و الأنثى في مقابل الأنثى، بعد صراحة الروايات و الفتاوى في جواز قتل الحرّ بالحرّة، و العبد بالحرّ، و الأنثى بالذكر.

فهل هذه الروايات مخالفة لظاهر الآية باعتبار دلالتها على الانحصار؟ الظاهر العدم، و عليه فلا تنافي بين الآيتين أصلًا، حتّى يكون مجال للنسخ أو التخصيص.

مضافاً إلى دلالة رواية موثقة على عدم ثبوت النسخ، و هي رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ الآية، قال: هي محكمة «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 61، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 121

يرض القاتل بالدية أو كان فقيراً يؤخّر القصاص إلى وقت الأداء و الميسرة (1).

[مسألة 2 يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف]

مسألة 2 يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف، و كذا يقتصّ للمرأة من الرجل فيها من غير ردّ، و تتساوى ديتهما في الأطراف ما لم يبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحر فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيهما، فحينئذٍ لا يقتصّ من الرجل لها إلّا مع ردّ التفاوت (2).

______________________________

(1) و عن القواعد: الأقرب أنّ له (أي للوليّ الممتنع أو الفقير) المطالبة بدية الحرّة، [و إن لم يرض القاتل]، إذ لا سبيل إلى طلّ الدّم «1».

و أورد عليه في الجواهر بأنّ الأصل فيها القود، و الدّية إنّما تثبت صلحاً موقوفاً على التراضي، فمع عدم رضا القاتل تقف مطالبته بالقصاص على بذل الولي الزائد، و امتناعه عن ذلك لا يوجب الدية، بل و كذا فقره، بل أقصاه التأخير إلى وقت

الميسرة، و ليس مثل ذلك طلّاً، كما هو واضح «2».

(2) لا خلاف و لا إشكال في أنّه يقتصّ للرّجل من المرأة في الأطراف، كما يقتصّ له منها في النفس، من دون رجوع من الرجل إلى زائد عن الجرح، كما أنّه يقتصّ للمرأة من الرجل في الأطراف من غير ردّ التفاوت فيما إذا كانت ديتهما متساوية فيها، و هو ما لم يبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحرّ، كما في قطع إصبع واحدة أو إصبعين أو ثلاث أصابع منها، فإنّه يتحقّق القصاص حينئذ من غير ردّ شي ء، و هذا بخلاف ما إذا قطع أربع أصابع مثلًا منها، فإنّه لا يقتصّ لها منه إلّا بعد ردّ

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 284.

(2) جواهر الكلام: 42/ 82.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 122

..........

______________________________

التفاوت، لرجوع الدية إلى النصف بعد البلوغ إلى الثلث.

و يدلّ عليه روايات صحيحة مستفيضة:

منها: صحيحة أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة، كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل، قلت: قطع اثنتين؟ قال: عشرون، قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعاً؟ قال: عشرون. قلت: سبحان اللّٰه يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون، و يقطع أربعاً فيكون عليه عشرون؟! إنّ هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممَّن قاله و نقول: الذي جاء به شيطان! فقال: مهلًا يا أبان هذا حكم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس، و السنّة إذا قيست محق الدين «1». رواها المشايخ الثلاثة.

و بالجملة: لا إشكال في أصل الحكم، إنّما الإشكال

في أنّ الرجوع إلى النصف هل يكون مترتّباً على عنوان البلوغ إلى الثلث من غير اعتبار التعدّي و التجاوز عنه، أو يكون مترتّباً على عنوان التجاوز، بحيث لا يكفي مجرّد البلوغ من دون تحقّق التجاوز؟ و الشهرة على الأوّل «2»، و نسب خلافها إلى الشيخ (قدّس سرّه) في النهاية، حيث قال: «و تتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية، فإذا بلغ ثلث الدية نقصت المرأة و يزيد الرجل» «3». و أنت خبير بأنّ الذيل يمنع عن ظهور ما قبله في اعتبار التجاوز في مقابل البلوغ، و لعلّه لذا احتمل في الجواهر أن يكون التعبير بالمجاوزة فيها إنّما وقع مسامحة، أو نظراً إلى كون البلوغ إلى الثلث من دون زيادة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 268، أبواب ديات الأعضاء ب 44 ح 1.

(2) رياض المسائل: 10/ 258.

(3) النهاية: 773، و كذا خالف ابن إدريس في السرائر: 3/ 403، و العلّامة في إرشاد الأذهان: 2/ 206.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 123

..........

______________________________

و لا نقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة «1».

و كيف كان فيدلّ على أنّ المناط هو البلوغ مضافاً إلى صحيحة أبان المذكورة صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة بينها و بين الرجل قصاص؟ قال: نعم في الجراحات حتى يبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل و سفلت المرأة «2».

و الجواب قرينة على أنّ محطّ النظر في السؤال إنّما هو في قصاص الطرف دون النفس، كما أنّه شاهد أيضاً على أنّ المراد من القصاص المذكور فيه هو القصاص من غير ردّ، و إلّا ففي أصل القصاص لا فرق بين صورتي البلوغ و عدمه، كما لا

يخفى.

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الجراحات؟ فقال: جراحة المرأة مثل جراحة الرجل حتّى تبلغ ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدّية سواء أضعفت جراحة الرجل ضعفين على جراحة المرأة، و سنّ الرجل و سنّ المرأة سواء «3».

و أمّا ما ظاهره التعليق على التجاوز فهي موثقة ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قطع إصبع امرأة؟ قال: تقطع إصبعه حتّى إلى ثلث المرأة، فإذا جاز الثلث أُضعف الرجل «4».

و صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن جراحات الرجال و النساء في

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 88.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 122، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 3.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 122، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 123، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 124

..........

______________________________

الديات و القصاص سواء؟ فقال: الرجال و النساء في القصاص، السنّ بالسِّن، و الشّجة بالشَّجة و الإصبع بالإصبع سواء حتّى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدّية، و دية النساء ثلث الدية «1».

و في محكيّ كشف اللِّثام بعد الحكم بأنّ أخبار الأوّل أكثر و أصحّ، قال: و لكن ربما يمكن فهم التجاوز من نحو قوله (عليه السّلام): «فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل» فإنّ مثل هذه العبارة ليست بعزيزة في إرادة المجاوزة، و لعلّه للإشارة إليه وقع ما سمعته من عبارة النهاية «2».

و يؤيّده الجمع بين التعبيرين في روايتي التجاوز المتقدّمتين.

و ذكر صاحب الجواهر بعد الإيراد عليه بمنع تعارف التعبير عن المجاوزة بالبلوغ-: إنّ الترجيح مع نصوص

الأوّل، لأنّ النصوص المعارضة غير واضحة الدلالة إلّا من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل، و هو معارض بمفهوم الغاية في الصدر، و الجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس، فلا يمكن الاستدلال بها «3».

و يؤيّده أنّه علىٰ هذا التقدير تصلح نصوص الأوّل للترجيح و بيان الجمع و رفع الإجمال، كما لا يخفى.

و يرد عليه أنّ مقتضى التحقيق كما قرّرنا في الأصول عدم ثبوت المفهوم بوجه لشي ء من القضايا، فلا مجال لدعوى التعارض بين المفهومين.

و الظاهر أنّه لا تعارض بين الطائفتين من الروايات في المقام، و ذلك إنّما هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 123، أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 6.

(2) كشف اللثام: 2/ 446.

(3) جواهر الكلام: 42/ 87 88.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 125

..........

______________________________

للتعبير بالبلوغ و الانتهاء في الطائفة الثانية أيضاً، غاية الأمر تفريع عنوان التجاوز عليه بكلمة الفاء التفريعية، و لا مانع من الالتزام بأنّه إنّما هو تفريع علىٰ بعض مصاديق الضابطة المذكورة قبله التي علّق فيها الحكم على البلوغ، و لا دليل على كون التفريع إنّما هو تفريعاً على كلّ الضابطة الشاملة لجميع المصاديق، و هذا النحو من التعبير شائع متعارف، و له مصاديق كثيرة في الكتاب و السنّة، و هذا بخلاف التفريع في الطائفة الأولى، فإنّه إنّما يكون تفريعاً على مجموع الضابطة، و إلّا فلا مجال للجمع بين التعبيرين في كلام واحد أصلًا.

ثمّ إنّه لو فرض التعارض و عدم إمكان الجمع بوجه يكون الترجيح مع الأولى أيضاً، لموافقتها للشهرة المحقّقة «2»، بل قد عرفت «3» أنّ كلام الشيخ في النهاية أيضاً لا يكون صريحاً في الخلاف، فلا محيص عمّا هو المشهور

كما في المتن.

ثم إنّ الظاهر أنّ الرجوع إلى النصف مع بلوغ الثلث إنّما هو فيما إذا كان قطع أربع أصابع المرأة بضربة واحدة بحيث كان في البين جناية واحدة، و أمّا لو كان بضربات متعدّدة موجبة لتعدّد الجناية بحيث كان لكلّ جناية قصاص مستقلا، كما إذا قطع إصبعين منها مرّة و إصبعين أُخريين بعد شهر مثلًا، فلا إشكال في جواز قطع الأربع بعنوان القصاص من غير ردّ شي ء، لتساويها مع الرجل في كلتا الجنايتين، و لا مجال لسقوط حكم الاولى بلحوق الثانية، و لا يشمله الروايات الدالّة على الرجوع إلى النصف مع بلوغ الثلث، و قد مرّ ما هو المناط في وحدة الجناية و تعدّدها في بعض المسائل المتقدّمة «4».

______________________________

(2) تقدّم في ص 122.

(3) تقدّم في ص 122.

(4) تقدّم في ص 91 92.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 126

..........

______________________________

و هاهنا فروع:

الأوّل: لو اختارت المرأة فيما إذا قطع الرجل أربع أصابعها القصاص في إصبعين من الرجل من دون ردّ شي ء هل يجوز لها ذلك أم لا؟

ربّما يقال: بالجواز نظراً إلى تحقّق العمل بمقتضى التفاوت بينهما، و هو الرجوع إلى النصف بعد بلوغ الثلث، و بعبارة أخرى مجموع أصابع المرأة الأربعة يساوي عشرين من الإبل بمقتضى النصّ و الفتوىٰ، و إصبعان من الرجل يساوي هذا المقدار، فلا مانع من قصاصهما في مقابل الأربعة. و إن شئت قلت: إنّه كان يجوز لها قطع إصبعين منه مع قطعه خصوص الإصبعين منها، فمع قطع الأربع يجوز لها ذلك أيضاً، لأنّ شدّة الجناية و كثرتها لا يكون مانعة بوجه.

و لكنّ الظاهر خلاف ذلك، لأنّ مقتضى ما ذكر من لزوم ردّ عشرين من الإبل فيما إذا اختارت القصاص

في الأربع منه أنّه يجوز لها في كلّ إصبع القصاص بشرط أداء خمسة من الإبل، بمعنى ثبوت حقّ القصاص لها في النصف المشاع من كلّ إصبع، و لزوم ردّ قيمة النصف الآخر. و عليه فتبديل حقّ القصاص في الإصبعين الآخرتين بالإصبعين الأوّلتين بحيث لم يجب عليها ردّ شي ء يحتاج إلى دليل يدلّ على ذلك، و لا يستفاد من النصوص المتقدّمة مشروعيّته.

و بالجملة: فغاية ما يستفاد من النصّ مشروعية قصاص الجميع مع ردّ خمسة من الإبل في مقابل النّصف المشاع من كل إصبع، و أمّا مشروعية قصاص البعض مكان الردّ فلم يدلّ عليها النصّ بوجه.

الثاني: لو اختارت القصاص في ثلاث و العفو عن الرابعة فهل يجوز لها ذلك أم لا؟ الظاهر العدم، لأنّ وقوع الثلاث في مقابل الثلاث إنّما هو فيما إذا لم تتجاوز الجناية عن الثلاث، و أمّا مع التجاوز المقتضي للرجوع إلى النصف فلا مجال لهذه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 127

[الثاني: التساوي في الدين]

اشارة

الثاني: التساوي في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده قتل الكفّار (1).

[مسألة 1 لا فرق بين أصناف الكفّار من الذمّي و الحربي و المستأمن و غيره]

مسألة 1 لا فرق بين أصناف الكفّار من الذمّي و الحربي و المستأمن و غيره، و لو كان الكافر محرَّم القتل كالذمّي و المعاهد يعزَّر لقتله و يغرم المسلم دية الذمّي لهم (2).

[مسألة 2 لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة جاز الاقتصاص منه بعد ردّ فاضل ديته]

مسألة 2 لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة جاز الاقتصاص منه بعد ردّ فاضل ديته. و قيل إنّ ذلك حدّ لا قصاص، و هو ضعيف (3).

______________________________

المقابلة، بل مقتضى ما ذكرنا أنّ لها حقّ القصاص في النصف المشاع من كلّ إصبع، و يلزم عليها ردّ دية النصف الآخر، و عليه فليس لها القصاص في الثلاث فضلًا عن الأربع الذي هو مقتضى العفو.

الثالث: في الفرض المزبور لو ردّت الدية بدلًا عن العفو المذكور فالظّاهر الجواز، لأنّه إذا كان لها حقّ القصاص في الأربع مع ردّ التفاوت فلها هذا الحقّ مع ردّ التفاوت هنا أيضاً لعدم الفرق، لو لم نقل بأولوية المقام، غاية الأمر أنّ مقتضىٰ ما ذكرنا من لزوم ردّ خمسة من الإبل في مقابل كلّ إصبع لزوم ردّ خمسة عشر من الإبل في هذا الفرض، لاختيار القصاص في ثلاث فيقع في مقابلها هذا المقدار، و الإصبع الباقية و إن كانت تساوي عشرة من الإبل إلّا أنّ عدم استفادة حقّ القصاص منها لا يوجب الانتقال إلى العشرة مع كون المقطوع قصاصاً ثلاثاً، فالظاهر أنّ الردّ الواجب عليها في هذا الفرض هو ردّ خمسة عشر من الإبل، فتدبّر.

(1) يقع الكلام في أصل هذا الشرط و في المسألتين في مقامات:

(2) يقع الكلام في أصل هذا الشرط و في المسألتين في مقامات:

(3) يقع الكلام في أصل هذا الشرط و في المسألتين في مقامات:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 128

..........

______________________________

المقام الأوّل: في أصل اعتبار

التساوي في الدين، بمعنى عدم قتل المسلم بالكافر لا بنحو الإطلاق، كما أنّه سيأتي جواز قتل اليهودي بالنصراني و بالعكس، و نفى وجدان خلاف معتدّ به بين الإمامية فيه في الجواهر بل الإجماع بقسميه عليه «1»، و المحكيّ عن مقنع الصدوق أنّه سوّى بين المسلم و الذمّي في أنّ الوليّ إن شاء اقتصّ من قاتله المسلم بعد ردّ فاضل الدية، و إن شاء أخذ الدية «2»، كما أنّ المحكيّ عن أبي يوسف من العامة الحكم بجواز قتل المسلم بالكافر «3». و قد قال فيه الشاعر مثل قوله:

جار على الدين أبو يوسف بقتله المسلم بالكافر «4»

و ربّما يستدلّ لذلك بقوله تعالىٰ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «5» نظراً إلى دلالته على نفي السبيل لوليّ الكافر المقتول إن كان مثله كافراً، و القصاص سبيل بل أيّ سبيل، و يتمّ بالنسبة إلى الوليّ المسلم بعدم القول بالفصل.

و أمّا الروايات، فالتتبع فيها يقضي بأنّها على طوائف ثلاث:

الأولىٰ: ما تدلّ على أنّه لا يقاد مسلم بذمّي مطلقاً، من دون تفصيل بين صورة الاعتياد و عدمه.

مثل: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات، و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي علىٰ قدر دية

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 150.

(2) المقنع: 534.

(3) ذهب أبو حنيفة و أصحابه منهم: أبو يوسف إلى أنّ المسلم يقتل بالذمّي، و زاد أبو يوسف أنّه يقتل بالمستأمن أيضاً. الخلاف: 5/ 146 مسألة 2، المبسوط للسرخسي: 26/ 131، المغني لابن قدامة: 9/ 341 342.

(4) راجع جواهر الكلام: 42/ 150.

(5) النساء 4: 141.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 129

..........

______________________________

الذمّي

ثمانمائة درهم «1».

الثانية: ما تدلّ بظاهرها علىٰ ثبوت القود مطلقاً.

مثل: رواية ابن مسكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا قتل المسلم يهوديّاً أو نصرانياً أو مجوسياً فأرادوا أن يقيدوا، ردّوا فضل دية المسلم و أقادوه «2».

و موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قتل رجلًا من أهل الذمّة، فقال: هذا حديث شديد لا يحتمله الناس، و لكن يعطي الذمّي دية المسلم، ثم يقتل به المسلم «3».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه، و أدّوا فضل ما بين الديتين «4».

و روايته الأخرىٰ قال: سألته عن ذمّي قطع يد مسلم قال: تقطع يده إن شاء أولياؤه و يأخذون فضل ما بين الديتين، و إن قطع المسلم يد المعاهد خيّر أولياء المعاهد، فإن شاؤوا أخذوا دية يده، و إن شاؤوا قطعوا يد المسلم و أدّوا إليه فضل ما بين الديتين، و إذا قتله المسلم صنع كذلك «5».

الثالثة: ما تدلّ على التفصيل في القصاص بين صورة الاعتياد و عدمه.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص؛ ص: 129

مثل ما رواه جعفر بن بشير، عن إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل قتل رجلًا من أهل الذمّة، قال: لا يقتل به إلّا أن يكون متعوِّداً للقتل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 80، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 79، أبواب القصاص في النفس ب

47 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 79، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 3.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 80، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 4.

(5) وسائل الشيعة: 19/ 138، أبواب قصاص الطرف ب 22 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 130

..........

______________________________

و روى مثله محمّد بن الفضل (الفضيل ظ)، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) «1». و عليه فيتحقّق التعدّد في الرواية لاختلاف الراوي و المرويّ عنه فيهما.

و ما رواه أحمد بن الحسن، عن أبان، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة؟ قال: لا إلّا أن يكون معوّداً لقتلهم، فيقتل و هو صاغر «2». و الظاهر اتحادها مع الرواية الأولى و عدم كونها رواية أُخرى غيرها، لاتّحاد الرّاوي و المرويّ عنه فيهما.

و ما رواه علي بن الحكم و غيره، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دماء المجوس و اليهود و النصارى هل عليهم و علىٰ من قتلهم شي ء إذا غشّوا المسلمين و أظهروا العداوة لهم؟ قال: لا إلّا أن يكون متعوّداً لقتلهم. قال: و سألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة و أهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا إلّا أن يكون معتاداً لذلك، لا يدع قتلهم، فيقتل و هو صاغر «3». و الظاهر اتّحادها مع الأوليين و عدم كونها ثلاث روايات كما في الوسائل و الجواهر.

ثمَّ الظاهر وجود الاضطراب في متن هذه الرواية؛ لأنّه مضافاً إلى ظهوره في كون السؤالين متصلين، و وقوع الثاني عقيب الجواب عن السؤال الأوّل بلا فصل، مع أنّه ليس أمراً مغايراً للأوّل خصوصاً مع

اتّحاد الجواب في كليهما، لظهور الأوّل أيضاً في ثبوت القتل في صورة الاعتياد.

و دعوىٰ كون محطّ السؤال في الأوّل هو أهل الذمّة مع إخلالهم بشرائط الذمّة كما هو مفاد قوله: «إذا غشّوا المسلمين و أظهروا العداوة لهم»، و في الثاني هم مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 80، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 7.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 80، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 6.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 79، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 131

..........

______________________________

العمل بشرائطها مدفوعة بأنّ عطف أهل الكتاب على أهل الذمّة في الثاني ينافي ذلك، كما أنّه عليه كان اللّازم التصريح بالعمل بشرائط الذمّة، كما أنّه وقع في الأوّل التصريح بخلافه إنّ احتمال وجود شي ء و ثبوته على المقتولين من المجوس و اليهود و النصارى ممّا لا مجال له، و احتمال ثبوته عليهم بلحاظ الإخلال بشرائط الذمّة لا يرتبط بثبوته عليهم بلحاظ كونهم مقتولين، كما يدلّ عليه قوله: «عن دماء المجوس»، و كما يدلّ عليه قوله: «و على من قتلهم شي ء»، فالظاهر حينئذٍ وجود الاضطراب في الرواية.

ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الطوائف الثلاث جعل الطائفة الثالثة شاهدة للجمع بين الأوّلتين، و الحكم بثبوت التفصيل بين صورة الاعتياد و عدمه، و مع وجود الجمع الدلالي بهذه الكيفية لا يبقى مجال لمثل الحمل على التقية.

المقام الثاني: في أنّ القتل في صورة الاعتياد هل يكون بعنوان القصاص؟ كما هو المحكيّ عن المرتضى «1» و الشيخين «2» و ابني حمزة «3» و سعيد «4» و سلار «5» و الشهيدين «6»، أو بعنوان الحدّ، بمعنى ثبوت التعزير قبل الاعتياد، و الحدّ بعده، كما

عن أبي علي «7» و التقي «8»، بل عن

______________________________

(1) الإنتصار: 542 مسألة 302.

(2) المقنعة: 739، النهاية: 749.

(3) الوسيلة: 433.

(4) الجامع للشرائع: 572.

(5) المراسم العلوية: 238.

(6) اللمعة الدمشقية: 176، الروضة البهية: 10/ 57 58.

(7) حكىٰ عنه في مختلف الشيعة: 9/ 335 مسألة 32.

(8) الكافي في الفقه: 384.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 132

..........

______________________________

المختلف «9» و ظاهر الغنية «01»، أو بعنوان عقوبة المخالفة مع الإمام كما عن الفقيه «11».

و تظهر الثمرة بين الأولين في الخصوصيات الموجودة في القصاص من السقوط بالعفو، و عدم الاستيفاء إلّا بعد مطالبة الوليّ، و لزوم ردّ الفضل بين الديتين. فعلى الأوّل تثبت هذه الخصوصيات دون الثاني. نعم حكي عن المحقّق الثاني في الحاشية «21» و الروضة «31» احتمال لزوم ردّ الفضل مع كون القتل حدّا، و لكنّه غير ظاهر الوجه.

و الظاهر إنّ جميع الروايات المتقدّمة ما عدا رواية سماعة التي سيأتي البحث فيها ظاهرة في القصاص باعتبار التعبير بمثل قوله: «المسلم هل يقتل بأهل الذمّة» الظاهر في كون قتله بإزاء المقتول و بعوضه، و واقعاً في مقابله، و بعبارة أُخرى ظاهر الباء كونها بمعنى المقابلة لا السببيّة، و المقابلة متحقّقة في القصاص فقط، أو باعتبار التعبير بالقود الذي هو بمعنى القصاص، أو باعتبار الحكم بلزوم ردّ فضل دية المسلم، أو باعتبار تعليق جواز القتل على إرادة أولياء المقتول و أهله، الذي قد عرفت أنّه من خصوصيات القصاص.

و بالجملة: لا مجال للترديد في أنّ ظاهر الروايات هو ما عليه المشهور.

و أمّا رواية سماعة، فظاهرها هو كون القتل بعنوان الحدّ، للحكم فيها بلزوم الإعطاء إلى الذمّي أي وليّه دية المسلم التي هي دية كاملة. و في الحقيقة يكون

______________________________

(9)

مختلف الشيعة: 9/ 335.

(01) غنية النزوع: 407.

(11) الفقيه: 4/ 102.

(21) حكى عنه في جواهر الكلام: 42/ 155.

(31) الروضة البهية: 10/ 57.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 133

..........

______________________________

الواقع في مقابل المقتول هي دية المسلم، و عليه فيكون القتل بعده ظاهراً في كونه بعنوان الحدّ الذي يكون مرتبطاً بالحاكم، و لعلّ ثبوت الدية الكاملة و القتل معاً هو المراد من الحديث الشديد الذي لا يحتمله النّاس.

و هنا رواية أُخرى لسماعة استدلّ بها صاحب الجواهر «1» على هذا القول، لا بمعنى تعيّن القتل، بل بمعنى إيكال أمر ذلك إلى الإمام (عليه السّلام). حيث قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مسلم قتل ذمّيا؟ فقال: هذا شي ء شديد لا يحتمله الناس، فليعط أهله دية المسلم حتّى ينكل عن قتل أهل السّواد و عن قتل الذمّي. ثم قال: لو أنّ مسلماً غضب علىٰ ذمّي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه و يؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم إذن يكثر القتل في الذمّيين، و من قتل ذمّيا ظلماً فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمّيا حراماً ما آمن بالجزية و أدّاها و لم يجحدها «2».

و لكنّ الظاهر اتّحادها مع الرواية الأولى و عدم كونها رواية أُخرى غيرها، و عليه فيتردّد الأمر بين أن يكون الصادر من الإمام (عليه السّلام) هو ما يطابق الأولى أو ما يطابق الثانية، فلا مجال حينئذ للاتكاء على عنوان «التنكيل» الذي لا يقبل الحمل على غيره من القصاص و نحوه. و هذا بخلاف عنوان القتل المذكور في الأولى، فإنّه يقبل الحمل على عنوان القصاص بقرينة الروايات المتكثرة المتقدّمة الظاهرة بل الصريحة في القصاص، و إن لم يكن مجال لهذا الحمل مع قطع النظر

عنها.

و أمّا الحكم بلزوم الإعطاء إلى وليّ المقتول دية المسلم فلا ينافي حمل القتل المذكور بعده على القصاص بعد إمكان الحمل على الاستحباب.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 154.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 163، أبواب ديات النفس ب 14 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 134

..........

______________________________

و بالجملة: لا تنهض هذه الرواية في مقابل الرّوايات المتقدّمة بعد إمكان حملها عليها، و عدم إمكان العكس. نعم يبقى على هذا القول استلزامه للتخصيص في عموم آية نفي السبيل باعتبار ثبوت السبيل لوليّ الكافر إذا كان كافراً في صورة الاعتياد؛ لثبوت حقّ القصاص له و هو سبيل على هذا القول، مع أنّه آبٍ عن التخصيص، و إن التزم به صاحب الجواهر «1».

و يمكن الالتزام في هذه الصورة بلزوم أن يكون الاستيفاء من ناحية الحاكم، و إن كان متوقّفاً على مطالبة الكافر، و عليه فلا يتحقّق السبيل بوجه.

المقام الثّالث: في اختصاص مورد الحكم بثبوت القصاص في صورة الاعتياد بخصوص أهل الذمّة، و الدليل عليه ظهور الرّوايات المتقدّمة في ذلك باعتبار ذكر أهل الذمّة بالخصوص، كما في أكثر تلك الروايات، أو باعتبار الحكم بلزوم ردّ الفضل، مع أنّه لا دية لغير الذمّي من الكفار بوجه. و عطف «أهل الكتاب» على «أهل الذمة» في ذيل إحدى روايات إسماعيل بن الفضل المتقدّمة لا ينافي ذلك، بعد ما عرفت من اتّحادها و عدم تعدّدها، و عليه فلم يثبت هذا العطف بوجه، فالظاهر الاختصاص حينئذٍ.

و الظاهر أيضاً تحقّق الاعتياد بالمرّة الثالثة؛ لعدم تحقّقها قبلها عند العرف، و ثبوت العادة في الحيض بالمرّتين لا يلازم الثبوت في مثل المقام. كما أنّ الظاهر أنّ ثبوت القصاص مع تحقّق الاعتياد إنّما هو بالإضافة إلى القتل الموجب

لتحقّقه، فالمطالِب هو وليّ المقتول الثالث فقط. و أمّا الأوّلان فهما و إن كانا دخيلين في تحقّق الاعتياد إلّا أنّه لا قصاص فيهما، لعدم ثبوته معهما.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 154.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 135

[مسألة 3 يقتل الذّمّي بالذّمّي و بالذمّية مع ردّ فاضل الدية]

مسألة 3 يقتل الذّمّي بالذّمّي و بالذمّية مع ردّ فاضل الدية، و الذّمية بالذّمية و بالذّمي من غير ردّ الفضل كالمسلمين، من غير فرق بين وحدة ملّتهما و اختلافهما، فيقتل اليهودي بالنصراني و بالعكس، و المجوسي بهما و بالعكس (1).

______________________________

(1) الحكم في الذمّي و الذمّية فيما إذا كان القاتل و المقتول كلاهما ذميّين ما عرفت فيما إذا كانا مسلمين، فيقتل من غير ردّ مع التساوي في الذكورة و الأُنوثة، و مع ردّ فاضل الدية إذا كان المقتول مؤنَّثاً، و بدون شي ء فيما إذا كان مذكراً.

و لا فرق في ذلك بين وحدة ملّتهما و الاختلاف، لا لعموم النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1»، لما مرّ من عدم ثبوت الإطلاق، بل لكون الكفر ملّة واحدة و عدم ثبوت المزيّة فيه، و لرواية السكوني، عن الصادق (عليه السّلام) إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يقول: يقتصّ اليهودي و النصراني و المجوسي بعضهم من بعض، و يقتل بعضهم بعضاً إذا قتلوا عمداً «2». و يستفاد منها صدور هذا القول من علي (عليه السّلام) مكرّراً.

و حكي عن أبي حنيفة عدم قتل الذمّي بالمستأمن «3»، و فساده ظاهر بعد كون المستأمن محرّم القتل. نعم عن كشف اللِّثام أنّه لا يقتل الذمّي و لا المستأمن بالحربي «4». و لعلّ الوجه عدم كون الحربي محقون الدّم، و قد مرّ لزوم كون النفس متّصفة بالاحترام و العصمة حتى يتحقّق موجب القصاص، و مقتضى ذلك عدم ثبوت القصاص

فيما إذا كان القاتل حربيّا أيضاً، كما جزم به العلّامة في محكيّ

______________________________

(1) المائدة 5: 45.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 81، أبواب القصاص في النفس ب 48 ح 1.

(3) المبسوط للسرخسي: 26/ 134، بدائع الصنائع: 6/ 276.

(4) كشف اللثام: 2/ 454.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 136

[مسألة 4 لو قتل ذمّي مسلماً عمداً دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول]

مسألة 4 لو قتل ذمّي مسلماً عمداً دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول، و هم مخيَّرون بين قتله و استرقاقه، من غير فرق بين كون المال عيناً أو ديناً، منقولًا أو لا، و لا بين كونه مساوياً لفاضل دية المسلم أو زائداً عليه، أو مساوياً للدّية أو زائداً عليها (1).

______________________________

القواعد «1»، إلّا أنّه ذكر صاحب الجواهر أنّ الالتزام به مشكل، لأنّ أهل الذمّة فيما بينهم كالحربيين إذ لا ذمّة لبعضهم على بعض. قال: فالعمدة حينئذٍ الإجماع إن كان «2».

(1) أصل الحكم في المسألة و هو دفع القاتل الذمّي إلى أولياء المقتول ليقتلوه أو يسترقّوه أو يعفوا عنه، و كذا دفع أمواله في الجملة إليهم مشهور بين الأصحاب «3» شهرة محقَّقة، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه «4». و العمدة في مستند الحكم صحيحة ضريس الكناسي التي رواها المشايخ الثلاثة، عنه، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في نصراني قتل مسلماً، فلمّا أخذ أسلم، قال: اقتله به. قيل: و إن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا عفوا، و إن شاؤوا استرقّوا. قيل: و إن كان معه عين (مال)؟ قال: دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله.

قال في الوسائل بعد نقله عن الكليني: و رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب، و رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن

محبوب، عن علي بن رئاب، عن

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 290.

(2) جواهر الكلام: 42/ 156.

(3) التنقيح الرائع: 4/ 427، مسالك الأفهام: 15/ 144.

(4) الإنتصار: 547 مسألة 307، الروضة البهية: 10/ 61، و ظاهر نكت النهاية: 3/ 388.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 137

..........

______________________________

ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1».

و ظاهره ثبوت روايتين، روى إحداهما الضريس، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و قد رواه المشايخ الثلاثة؛ و روى الأُخرىٰ عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) رواها الشيخ فقط، و مع ذلك لا اختلاف بينهما من جهة المتن أصلًا. نعم يكون الاختلاف في النسخة في نفس رواية ضريس من جهة ثبوت كلمة «عين» أو كلمة «مال»، و إلّا لا يكون بين الروايتين اختلاف بوجه.

و ظاهر الجواهر خلاف ذلك، حيث قال بعد نقل الشهرة و الإجماع: و هو الحجّة بعد صحيح ضريس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في نصرانيّ قتل مسلماً يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا عفوا، و إن شاؤوا استرقّوا؛ و إن كان معه عين مال له دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله. و في حسنة عنه (عليه السّلام) أيضاً، و حسن عبد اللّٰه ابن سنان، عن الصادق (عليه السّلام) في نصرانيّ قتل مسلماً فلمّا أخذ أسلم، قال: اقتله به، قيل: فإن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو و ماله «2».

و لا إشكال في أنّ الملاك هو ما في الوسائل خصوصاً بملاحظة مراعاة الدقّة في المراجعة إلى المصادر و المنابع في الطبعة الحديثة المشتملة على عشرين مجلَّداً، و

لكن لا يقدح ذلك في أصل الحكم.

و أمّا البحث في الخصوصيات فيقع في جهات:

الأُولىٰ: أنّه هل المدفوع إلى أولياء المقتول جميع أموال القاتل عيناً كان أو ديناً، منقولًا أو غير منقول، مساوياً لفاضل الدية أو زائداً عليه، بما يساوي أصل الدية

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 81، أبواب القصاص في النفس ب 49 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 42/ 156 157.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 138

..........

______________________________

أو مطلقاً، و لو كان مساوياً لأضعاف الدية، كما لعلّه المشهور المصرّح به في التحرير «1»، و ظاهر المحقّق في الشرائع «2» و غيره من الأصحاب «3»، أو خصوص فضل ما بين دية المسلم و الذّمي، كما عن الصدوق «4»، أو خصوص دية المسلم أو قيمته إن كان مملوكاً كما عن الحلبيين «5»، أقوال.

و لا بدّ بملاحظة ما ذكرنا من عدم الاختلاف بين الروايتين أن يقال: لو كانت النسخة هي «المال» بدل «العين» لكان مقتضى الإطلاق لزوم دفع جميع الأموال من غير استثناء، نعم ربّما يناقش من جهة التعبير بالدفع الذي لا يلائم مع المال غير المنقول، خصوصاً مع التعبير بكلمة «مع» الظاهرة في كونه مستصحباً له، و لكنّه مندفع بملاحظة العرف، كما لا يخفىٰ.

و لو كانت النسخة هي العين دون المال، فالتقييد بها حيث كان واقعاً في كلام السائل يكون العدول في الجواب عن التعبير بها بالتعبير بالمال يظهر منه أنّه لا اختصاص للحكم بها أصلًا، و علىٰ ما ذكرنا يكون المستفاد من الرواية ما عليه المشهور، و لا مجال للقولين الآخرين، كما أنّه لا مجال للاستبعاد بوجه.

الثانية: الظّاهر أنّ قتل الذمّي في الفرض ليس لأجل خروجه عن الذمة بسبب ارتكاب قتل المسلم، لأنّه مضافاً إلى

عدم كون قتل المسلم من أسباب الخروج عن

______________________________

(1) تحرير الأحكام: 2/ 248.

(2) شرائع الأحكام: 4/ 986.

(3) كابن حمزة في الوسيلة: 434 435 و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 581 و الشهيد الأوّل في اللمعة: 176.

(4) المقنع: 534.

(5) الكافي في الفقه: 385، غنية النزوع: 406.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 139

..........

______________________________

الذمّة لاختلاف الإخلال بشرائط الذمة من هذه الجهة كما قرّر في محلّه، يكون الدليل عليه أنّه لو كان القتل لأجل ذلك لما كان حينئذ امتياز و خصوصية لورثة المقتول من جهة اختيار العفو أو القتل، بل كانوا حينئذٍ كسائر الناس، و لم يكن لهم العفو أصلًا، مع أنّ الرواية صريحة في خلافه، فلا وجه حينئذٍ لما عن كشف اللّثام «6» و بعض آخر «7».

الثالثة: الظاهر أيضاً أنّ التخيير بين الأمور الثلاثة المذكورة في الرواية بالإضافة إلى نفس القاتل أمر، و دفع أمواله إلى أولياء المقتول أمر آخر، لا ارتباط له بخصوص الاسترقاق من تلك الأمور الثلاثة، خلافاً لما عن ابن إدريس «8» من أنّه لا يجوز أخذ المال إلّا مع الاسترقاق، لأنّ مال المملوك لمولاه، و في محكيّ كشف اللِّثام: «و يحتمله الخبر و كلام الأكثر» «9».

و لكنّ الظاهر، أنّه مخالف لظاهر الرواية جدّاً، لأنّه لا إشعار فيها فضلًا عن الدلالة بتوقّف ملك الأموال على الاسترقاق. هذا مضافاً إلى أنّ القاعدة لا تقتضيه أيضاً، لعدم استلزام الاسترقاق في الموارد الأخر لتملّك أموال المسترَّق، بل كما قالوا: يبقى ماله فيئاً أو ملكاً للإمام (عليه السّلام)، و كون مال المملوك لمولاه معناه هو المال الحاصل له في حال العبودية و الملك، لا ما يعمّ المال الذي كان له قبل الملك. هذا مضافاً

إلى أنّ مرجع ذلك إلى ثبوت المال له في صورة الاسترقاق، و هو لا ينفي الثبوت مع عدم الاسترقاق، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(6) كشف اللثام: 2/ 454.

(7) كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 385.

(8) السرائر: 3/ 351.

(9) كشف اللثام: 2/ 455.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 140

[مسألة 5 أولاد الذّمي القاتل أحرار]

مسألة 5 أولاد الذّمي القاتل أحرار لا يسترقّ واحد منهم لقتل والدهم، و لو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: عدم جواز استرقاق أولاد الذمّي القاتل للمسلم لقتل والدهم، و من الظاهر أنّ المراد بهم هو الصغار منهم لا المطلق، كما في المتن، و المحكي عن المفيد «1» و سلار «2» و ابن حمزة «3» جواز الاسترقاق، و عن ابن إدريس «4» و من تأخّر عنه «5» عدم الجواز، و تردّد فيه المحقّق في الشرائع «6»، و إن جعل الأشبه البقاء على الحرّية.

و كيف كان، فربّما يستدلّ على الجواز بتبعية الأولاد الصغار للوالد و مقتضى التبعية جواز استرقاقهم أيضاً بالخروج عن الذّمة بسبب ارتكاب القتل و الالتحاق بأهل الحرب، و من أحكامهم استرقاق أولادهم الصّغار.

و قد مرّ الجواب عن الأمر الثاني في المسألة الرابعة المتقدّمة، و أنّ ارتكاب القتل لا يوجب الخروج عن الذمّة و الالتحاق بأهل الحرب. و أمّا الأمر الأوّل فيردّه عدم قيام الدّليل على سعة دائرة التبعية و شمولها لمثل المقام، خصوصاً بعد قوله تعالىٰ وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ «7».

و ربّما يستدلّ على العدم كما في الجواهر: بخلوّ النصوص عن ذلك، مع أنّها

______________________________

(1) المقنعة: 740.

(2) المراسم العلوية: 238.

(3) الوسيلة: 435.

(4) السرائر: 3/ 351.

(5) كشف الرموز: 2/ 609، إرشاد

الأذهان: 2/ 204.

(6) شرائع الإسلام: 4/ 986.

(7) الأنعام 6: 164.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 141

[مسألة 6 لو قتل الكافر كافراً و أسلم لم يقتل به]

مسألة 6 لو قتل الكافر كافراً و أسلم لم يقتل به، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية (1).

______________________________

في مقام البيان «1»، و لكنّه يتمّ بناء على نقل صاحب الجواهر للرواية بالنحو الذي عرفت، و أمّا بناء على نقل صاحب الوسائل فلا يتمّ، لعدم كون الرواية بهذا النقل في مقام البيان، و لو لم يقع السؤال عن حكم المال لم يكن في الرواية تعرّض لحكمه أيضاً، بل غاية ما كانت الرواية بصدد بيانه هو حكم نفس القاتل من جهة القتل و الاسترقاق و العفو.

و لكن ذلك لا يقدح في أصل الحكم بعد كون جواز الاسترقاق مفتقراً إلى الدّليل، و قد عرفت أنّه لا دليل عليه، فمقتضى الأصل العدم.

الثاني: لو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله، فلا يجوز استرقاقه و لا تملّك أمواله، للاقتصار في الرواية المتقدّمة في الجواب عن سؤال هذا الفرض بقوله (عليه السّلام): «اقتله به» الظاهر في انحصار حكمه فيما إذا لم يرد العفو بالقتل.

(1) الوجه في عدم قتله به أنّ الملاك في ذلك حال الاقتصاص، فإنّ مثل قوله (عليه السّلام) في بعض الروايات المتقدّمة: «لا يقاد مسلم بذمّي» «2» ظاهر في المسلم حال إرادة القصاص، و إن لم يكن متّصفاً بذلك حال الجناية. و عليه فاللّازم عليه الدية، و قد قيّده في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع «3» بما إذا كان المقتول ذا دية، مع أنّه إذا لم يكن

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 158.

(2) تقدّم في ص 128.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 987.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - القصاص، ص: 142

[مسألة 7 يقتل ولد الرشيدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميزه]

مسألة 7 يقتل ولد الرشيدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميزه و لو لم يبلغ، و أمّا في حال صغره قبل التميز أو بعده و قبل إسلامه ففي قتله به و عدمه تأمّل و إشكال (1).

______________________________

كذلك لا يبقى موضوع للقصاص من الأوّل. و بعبارة أخرى محلّ الكلام ما إذا كان هناك قصاص، مع قطع النظر عن إسلامه الجديد، و هو يتحقّق فيما إذا كان المقتول محقون الدّم، و لا يشمل مهدور الدّم، و عليه فالتقييد المذكور بلا فائدة.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في فرعين:

الأوّل: ما إذا أظهر ولد الزنا الإسلام بعد التميز، سواء بلغ أو لم يبلغ. و منشأ توهّم عدم اقتصاص ولد الحلال بقتله أحد أمرين:

الأوّل: كونه محكوماً بالكفر، كما عليه بعض الأصحاب كالسيّد المرتضى (قدّس سرّه) «1»، و قد مرّ أنّه لا يقتل المسلم بالكافر.

الثاني: كون ديته بمقدار الذمّي و هو ثمانمائة درهم، فيستكشف من ذلك إجراء حكم الذمّي عليه، و من أحكامه عدم قتل المسلم به.

و الجواب منع كونه في هذا الحال و هو حال إظهار الإسلام و وصفه محكوماً بالكفر، و قد مرّ في بحث نجاسة الكافر عدم كون ولد الحرام بمجرّده كافراً، و منع كون التساوي في الدية موجباً للتساوي في القصاص بعد كون الملاك هنا عدم قتل المسلم بالكافر، و هو لا ينطبق عليه، و عليه فالظاهر ثبوت القصاص في هذا الفرع.

الثاني: ولد الحرام قبل تميّزه أو بعده مع عدم إظهار الإسلام و وصفه. و الظاهر

______________________________

(1) الإنتصار: 544 مسألة 503.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 143

[و من لواحق هذا الباب فروع]
اشارة

و من لواحق هذا الباب فروع:

[منها: لو قطع مسلم يد ذمّي عمداً فأسلم و سرت إلى نفسه]

منها: لو قطع مسلم يد ذمّي عمداً فأسلم و سرت إلى نفسه، فلا قصاص في الطرف و لا قود في النفس، و عليه دية النفس كاملة. و كذا لو قطع صبيّ يد بالغ فبلغ ثم سرت جنايته لا قصاص في الطرف و لا قود في النفس، و على عاقلته دية النفس (1).

______________________________

أنّه في هذه الصورة لا يكون محكوماً بالكفر و لا بالإسلام، لأنّ المفروض عدم إظهاره للإسلام، و ليس في البين تبعية للأبوين كما في الكفر، أو لأحدهما كما في الإسلام، بعد انتفاء النسب شرعاً و سلب الأبوّة و الأمومة، و جريان بعض أحكامهما لا يلازم ثبوتهما، و عليه فهو ليس بمسلم و لا كافر و لو حكماً.

و حينئذٍ إن كان الملاك في المقام اعتبار التساوي في الدين كما ادّعى عليه الإجماع صاحب الجواهر «1» و إن كان فيه نظر بل منع، لوضوح كون مستند المسألة هي الروايات الواردة فيها فلا يكون للإجماع أصالة، فاللّازم عدم ثبوت القصاص لعدم تحقّق التساوي في الدين المعتبر فيه. و إن كان الملاك هو أنّه لا يقاد مسلم بكافر كما وقع التعبير به في الرواية، فاللّازم ثبوت القصاص، لأنّ المقدار الخارج عن عموم أدلّة القصاص و إطلاقها هو ما إذا كان المسلم قاتلًا للكافر، و المفروض عدم تحقّقه في المقام، لعدم كون المقتول محكوماً بالكفر، و الظاهر هو هذا الوجه، لدلالة الرواية التي هي مستند المسألة على هذا الأمر، كما لا يخفىٰ.

(1) بعد الفراغ عن عدم ثبوت القصاص في الجناية على الأطراف، إذا كان الجاني مسلماً و المجنيّ عليه كافراً ذمّيا، لورود بعض الروايات المتقدّمة في قصاص

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 159.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 144

..........

______________________________

النفس في قطع المسلم يد الذمّي «1»، و بعد الفراغ عن ضمان السراية كما مرّ البحث فيه في أوائل كتاب القصاص «2»، يقع الكلام هنا في أنّه لو قطع المسلم يد الذمّي عمداً، فأسلم و سرت إلى نفسه في حال إسلامه، فهل يكون هناك قصاص في النفس بلحاظ وقوع السراية المضمونة في حال الإسلام، أو أنّه لا مجال للقصاص؟ لأنّ الملاك حال الجناية، و المفروض عدم تحقّق التساوي في الدين حالها، و هو معتبر في القصاص كما عرفت. الظاهر هو الوجه الثاني لعدم صدق موجب القصاص و هو قتل النفس المسلمة ظلماً و عدواناً، فإنّ مجرّد قطع يد الذّمي و لو انجرّ إلى النفس بعد صيرورته مسلماً، لا يوجب إضافة قتل المسلم ظلماً إليه، فلا معنى للقصاص.

و لكنّه حيث تكون السراية مضمونة كما هو المفروض، تثبت دية النفس تامّة على المسلم، و الظاهر ثبوت دية المسلم لا دية الذّمي، لأنّ ضمان السراية إنّما كان في حال الإسلام، و الفرق بين الدية و القصاص ما عرفت من عدم صدق موجب القصاص هنا. و أمّا الدية فموجبها الاستناد إليه و لو بالسراية، و هذا متحقِّق في المقام، و بعبارة أُخرى معنىٰ ضمان السراية يرجع إلى انضمام ما تحقّق بالسراية إلى الجناية الواقعة ابتداءً، و حيث إنّ الواقع أوّلًا مضمون بالدية فلا بدّ أن تكون السراية مضمونة بها أيضاً. غاية الأمر أنّه حيث كان وقوعها في حال الإسلام فاللّازم الالتزام بثبوت دية المسلم.

و من هذا الفرع ظهر حكم الفرع الثاني، فإنّه حيث كانت الجناية واقعة في حال

______________________________

(1) و هو صحيحة محمد بن قيس، وسائل الشيعة: 19/ 80، أبواب القصاص

في النفس ب 47 ح 5.

(2) في ص 46 47.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 145

[و منها: لو قطع يد حربي أو مرتدّ فأسلم، ثم سرت فلا قود و لا دية]

و منها: لو قطع يد حربي أو مرتدّ فأسلم، ثم سرت فلا قود و لا دية على الأقوىٰ، و قيل بالدية اعتباراً بحال الاستقرار و الأوّل أقوى، و لو رماه فأصابه بعد إسلامه فلا قود و لكن عليه الدية، و ربّما يحتمل العدم اعتباراً بحال الرمي و هو ضعيف، و كذا الحال لو رمىٰ ذمّيا فأسلم ثم أصابه فلا قود و عليه الدية (1).

[و منها: لو قتل مرتدّ ذمّيا يقتل به]

و منها: لو قتل مرتدّ ذمّيا يقتل به، و إن قتله و رجع إلى الإسلام فلا قود

______________________________

عدم البلوغ، و هي لا توجب القصاص، فاللّازم ثبوت الدية. و حيث كانت السراية مضمونة، فاللّازم ثبوت دية النفس. غاية الأمر أنّها علىٰ عهدة العاقلة، لوقوع الجناية في حال الصغر، و عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة. و لا تكون السراية في حال البلوغ موجبة لتبدّل الدية إلى القصاص، أو لانتقال عهدة العاقلة إلى عهده الجاني، كما لا يخفىٰ.

(1) أمّا عدم ثبوت القود بالإضافة إلى النفس، و القصاص بالنسبة إلى الطرف، فلما عرفت في الفرض المتقدّم، لأنّه بعد عدم الثبوت في الذمّي يكون عدم الثبوت في الحربي و المرتدّ بطريق أولىٰ.

و أمّا عدم ثبوت الدية، فقد استدلّ له بأنّ الجناية لم تكن مضمونة بقصاص و لا دية، فلا توجب السراية ضمانها، كما إذا تحقّق القطع لأجل السرقة أو القصاص، ثم سرى إلى النّفس، حيث لا تكون الدية أيضاً ثابتة كالقصاص.

و لكنه ناقش فيه صاحب الجواهر بما يرجع إلى تحقّق عنوانها بنسبة القتل إليه و لو بالسراية المتولّدة من فعله، و أنّه لا فرق بين هذا الفرض و الفرض الثاني الذي حكم فيه بثبوت الدية، لاتّحاد السراية مع الإصابة في التوليد من فعله. قال: و عدم الدية

بسراية السرقة و القصاص لدليله، و إلّا فلا منافاة بين الإذن في الجناية مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 146

و عليه دية الذمّي، و لو قتل ذمّي مرتدّاً و لو عن فطرة قتل به، و لو قتله مسلم فلا قود، و الظاهر عدم الدية عليه و للإمام (عليه السّلام) تعزيره (1).

______________________________

الضمان بالسّراية «1».

و يؤيّده أنّه يمكن الحكم بعدم كون الجناية في المقام مأذوناً فيه، لأنّ مهدورية دم الحربي أو المرتد بناء على ثبوتها إمّا مطلقاً أو بالنسبة إلىٰ خصوص المسلمين كما سيأتي الكلام فيه لا تقتضي مشروعية قطع يده، خصوصاً بالإضافة إلى المرتدّ الذي يكون قتله بعنوان الحدّ لا بعنوان سلب الاحترام عنه، كما ربّما يحتمل، و عليه فبعد عدم مشروعية الجناية و ثبوت السراية المضمونة تثبت الدّية.

و لكنّه يدفعه مضافاً إلىٰ ثبوت الفرق بين الفرضين لتوقّف القتل على الرمي و الإصابة و هي الجزء الأخير منه، فإذا كانت الإصابة في حال الإسلام يصدق عنوان قتل المسلم الموجب لثبوت الدية، و هذا بخلاف المقام الذي كانت السّراية في حال الإسلام أنّه قد عرفت أنّ مرجع ضمان السراية إلى انضمامها إلى أصل الجناية، فإذا لم يكن أصل الجناية مضموناً فكيف يتحقّق ضمان السراية. و إن شئت قلت: إنّ القدر المتيقّن من معقد الإجماع على ضمان السراية هي السراية في غير المقام، و هو ما كان أصل الجناية مضموناً، و عدم مشروعية الجناية أمر، و الضمان أمر آخر، كما هو ظاهر.

و ممّا ذكرنا ظهر الحكم بثبوت الدية في الفرضين الأخيرين، كما أنّه ظهر أنّ احتمال عدم ثبوت الدية في الفرض الثاني اعتباراً بحال الرمي في كمال الضعف.

(1) لا بدّ في الوصول إلى

أحكام هذه الفروض الثلاثة من ملاحظة أمرين:

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 160.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 147

..........

______________________________

الأوّل: إنّه لا إشكال في تحرّم المرتد بالإسلام الموجب للمنع من نكاحه للذمّية و من إرث الكافر له و من استرقاقه، و لوجوب قضاء الصلاة عليه بعد إسلامه و توبته و قبولها، كما أنّه لا إشكال في ترتّب بعض الأحكام عليه الموجب لكونه أسوء حالًا من الذمّي، كوجوب قتله مع عدم التوبة أو عدم قبولها، و عدم حلّ ذبيحته إجماعاً، بخلاف الذمّي الذي هو محلّ الخلاف و عدم إقراره بالجزية و نحو ذلك. و لأجل ذلك يشكل حكم المرتد في أمثال المقام.

الثاني: أنّ المرتدّ هل يكون مهدور الدّم مطلقاً و بالإضافة إلى كل أحد كالكافر الحربي، و إن كان جواز قتله متوقّفاً على إذن الامام، و يتحقّق الإثم بعدم الاستئذان بحيث يترتّب عليه التعزير المترتّب على جميع المعاصي، أو أنّه غير محترم بالإضافة إلىٰ خصوص المسلمين و بالنسبة إليهم فقط، فيكون محترماً بالإضافة إلى الكفّار و لو الذمّي منهم، و عليه فيتحقّق الفرق بين المسلم و غيره في قتله. أو أنّه غير محترم بالإضافة إلى خصوص الإمام و الحاكم، و لا يتعدّىٰ عنه إلى آحاد المسلمين، فلا فرق حينئذٍ بين المسلم و غيره في مقام القتل، وجوه و احتمالات.

يظهر الأوّل من الشافعية «1»، حيث صرّحوا بأنّه مباح الدم، فلا يجب القصاص بقتله كالحربي. و الثاني من المحقّق في الشرائع «2» حيث حكم بثبوت القصاص للذمّي القاتل له معلّلًا بأنّه محقون الدم بالنسبة إلى الذمّي.

إذا عرفت هذين الأمرين يظهر لك أنّ الحكم بثبوت القصاص في الفرع الأوّل

______________________________

(1) الأم: 6/ 163، الحاوي الكبير: 16/ 424 425.

(2)

شرائع الإسلام: 4/ 988.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 148

..........

______________________________

من الفرض الأوّل، إنّما هو لكون الدليل المخصِّص أو المقيِّد في مقابل عمومات أدلّة القصاص و إطلاقاتها هو قوله (عليه السّلام) في بعض الروايات المتقدّمة: «لا يقاد مسلم بذمّي» «1»، و من المعلوم عدم انطباقه على المقام، فيبقى تحت العموم أو الإطلاق. و لو جعل المناط هو التساوي في الدين يمكن القول بثبوته في المقام، كما صرّح به المحقّق في الشرائع «2» حيث علّل الحكم بثبوت القصاص بثبوت التساوي في الكفر، كما يقتل النصراني باليهودي لأنّ الكفر ملّة واحدة، مضافاً إلى منع كون المناط ذلك، كما عرفت.

كما أنّه ظهر عدم ثبوت القصاص في الفرع الثاني من هذا الفرض، لأنّ الملاك هو الإسلام حال الاقتصاص، و المفروض تحقّقه فلا يقاد به، بل عليه دية الذمّي. و أمّا ثبوت القصاص في الفرض الثاني، فمضافاً إلى نفي وجدان الخلاف بل الإشكال فيه في الجواهر «3» يدلّ عليه أنّه لم يقم دليل في مقابل أدلّة القصاص على إثبات كون المرتدّ مهدور الدم بالإضافة إلىٰ كلّ واحد، و مجرّد وجوب قتله و عدم قبول توبته كما في المرتدّ الفطري بناء على عدم القبول لا يلازم المهدوريّة بوجه، كما سيأتي في من وجب قتله بالزّنا أو اللّواط، حيث لا يكون وجوب القتل فيه ملازماً للمهدورية بوجه بعد كونه مسلماً مرتكباً للذنب فقط، و لعلّه تاب عنه.

غاية الأمر عدم تأثير توبته في رفع الحكم بالقتل، كالتوبة بعد إقامة البيّنة و صدور الحكم من الحاكم، فإنّه حينئذٍ يكون مسلماً تائباً عن الذّنب، غاية الأمر وجوب قتله، فمجرّد الوجوب لا يلازم المهدورية المطلقة، فمقتضى عموم أدلّة

______________________________

(1) تقدّم في ص 128.

(2)

شرائع الإسلام: 4/ 988.

(3) جواهر الكلام: 42/ 165.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 149

و منها: لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي، كان عليه القود. و لو وجب قتله بالزنا أو اللّواط فقتله غير الإمام (عليه السّلام) قيل: لا قود عليه و لا دية، و فيه تردّد (1).

______________________________

القصاص ثبوته في المقام.

و أمّا الفرض الثالث، فقد قطع المحقّق في الشرائع «1» بعدم ثبوت القود فيه، و يستفاد منه عدم كونه أقرب من الذمّي إلى الإسلام، لوضوح أنّه حينئذ يتحقّق القصاص فيه، لعدم شمول قوله (عليه السّلام): «لا يقاد مسلم بذمّي» له، لاختصاصه بالذمّي و من هو في رتبته أو في الرّتبة المتأخّرة عنه، فالمستفاد من الحكم بعدم القصاص فيه كونه مثل الذمّي أو دونه.

و أمّا الحكم بعدم ثبوت الدّية فيه أيضاً كما استظهره في المتن تبعاً للفاضلين «2» و بعض آخر «3» فيبتني علىٰ ثبوت كونه مهدور الدّم بالإضافة إلى المسلم حتّى يتحقّق الفرق بينه و بين الذمّي، الذي يجب على قاتله المسلم الدية و لم يثبت ذلك، و قد مرّ أنّ وجوب قتله لا يلازم المهدورية، خصوصاً بعد ترتّب جملة من أحكام الإسلام عليه، نعم لو ثبت عدم الدية فيمن وجب قتله بالزنا أو اللّواط يكون عدم الثبوت في المقام بطريق أولى، لكنّه ممنوع كما سيأتي.

(1) أمّا ثبوت القصاص في الفرع الأوّل، فلكون نفس من عليه القصاص محترمة و معصومة بالإضافة إلى القاتل غير الولي، فمقتضى عموم أدلّة القصاص

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 988.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 988، قواعد الأحكام: 2/ 290، إرشاد الأذهان: 2/ 204.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك: 15/ 154 و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان:

14/ 39.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 150

[الشرط الثالث: انتفاء الأبوّة]

اشارة

الشرط الثالث: انتفاء الأبوّة، فلا يقتل أب بقتل ابنه، و الظاهر أن لا يقتل

______________________________

ثبوته بالنسبة إليه، و لا يمنعها جواز القتل لخصوص الوليّ، لعدم اقتضائه خروجه عن العصمة و الاحترام مطلقاً، كما لا يخفىٰ.

و أمّا الحكم بعدم ثبوت القصاص و الدية في الفرع الثاني فقد استدلّ عليه المحقّق في الشرائع بأنّ عليّاً (عليه السّلام) قال لرجل قتل رجلًا و ادّعى أنّه وجده مع امرأته: عليك القود إلّا أن تأتي ببيّنة «1».

و مراده من الرواية ما رواه سعيد بن المسيب قال: إنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري: إنّ ابن أبي الجسرين وجد رجلًا مع امرأته فقتله، فاسأل لي عليّاً عن هذا، قال أبو موسى: فلقيت عليّاً (عليه السّلام) فسألته. قال: فقال علي (عليه السّلام): و اللّٰه ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة و لا هذا بحضرتي، فمن أين جائك هذا؟ قلت: كتب إليّ معاوية لعنه اللّٰه إنّ ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلًا فقتله، و قد أشكل عليه القضاء فيه فرأيك في هذا. قال: فقال: أنا أبو الحسن، إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد، و إلّا دفع برمّته «2».

فإنّ المستفاد منها أنّه مع الإتيان بأربعة يشهدون لا يترتّب على القتل شي ء من القصاص أو الدية، و لكنّ الرواية مضافاً إلى ضعفها من حيث السند غير قابلة للاستدلال بها من جهة الدلالة، لاحتمال اختصاص الحكم المذكور فيها بالزوج، كما سيأتي البحث فيه. و عليه فلا دلالة لها على العدم مطلقاً، كما لا يخفىٰ. و ممّا ذكر ظهر وجه الترديد، كما في المتن.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 988.

(2) التهذيب: 10/ 314 ح 1168،

الفقيه: 4/ 150 ح 447، وسائل الشيعة: 19/ 102، أبواب القصاص في النفس ب 69 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 151

أب الأب، و هكذا (1).

______________________________

(1) يدلّ على اعتبار هذا الشرط مضافاً إلى ما في الجواهر «1» من نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه الروايات المستفيضة بل المتواترة من حيث المعنى، كصحيحة حمران، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: لا يقاد والد بولده، و يقتل الولد إذا قتل والده عمداً «2».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يقتل ابنه أ يقتل به؟ قال: لا «3».

و مرسلة فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقتل الرجل بولده إذا قتله، و يقتل الولد بوالده إذا قتل والده. الحديث «4».

و رواية العلاء بن الفضيل قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): لا يقتل الوالد بولده، و يقتل الولد بوالده، و لا يرث الرجل الرجل إذا قتله و إن كان خطأ «5».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يقتل الأب بابنه إذا قتله، و يقتل الابن بأبيه إذا قتل أباه «6».

و موثقة إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: لا يقتل والد بولده إذا قتله، و يقتل الولد بالوالد إذا قتله، و لا يحدّ الوالد للولد إذا قذفه،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 169.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 56، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 56، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 2. و رواه في الباب ح 7 بعنوان رواية أخرى، و لكن الظاهر عدم التعدّد، كما

أشرنا إليه مراراً (المؤلّف).

(4) وسائل الشيعة: 19/ 57، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 3.

(5) وسائل الشيعة: 19/ 57، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 4.

(6) وسائل الشيعة: 19/ 57، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 152

[مسألة 1 لا تسقط الكفارة عن الأب بقتل ابنه و لا الدية]

مسألة 1 لا تسقط الكفارة عن الأب بقتل ابنه و لا الدية، فيؤدّي الدية إلىٰ غيره من الورّاث، و لا يرث هو منها (1).

______________________________

و يحدّ الولد للوالد إذا قذفه «1».

و صحيحة ظريف، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: و قضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه، فأصابه عيب من قطع و غيره، و يكون له الدية و لا يقاد «2». و يظهر من هذه الرواية كون هذا الشرط أيضاً معتبراً في قصاص الطرف أيضاً، و لا يختصّ بقصاص النفس، و عليه فتفريع عدم القتل على هذا الشرط كما في المتن إنّما هو تفريع على البعض لا الكلّ.

ثمّ إنّ المشهور شهرة عظيمة «3» شمول الحكم لأب الأب و هكذا، و حكي عن المحقّق في النافع الترديد فيه «4»، و لكن مقتضى إطلاق كثير من الروايات و ترك الاستفصال في بعضها كرواية الحلبي المتقدّمة الشمول لصدق الوالد لغة و عرفاً عليه، كصدق الولد على ولد الولد، و الأظهر من ذلك ما عبّر فيه بالأب و الابن كرواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً.

(1) أمّا عدم سقوط الكفارة فلترتّبها على قتل العمد المحرّم، و المفروض تحقّقه، و سقوط القصاص لا يستلزم سقوطها أيضاً، كما أنّ الظاهر ثبوت الدية لاحترام

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 58، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 8.

(2) وسائل الشيعة: 19/

58، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 10.

(3) المبسوط: 7/ 9، الخلاف: 10/ 152 مسألة 10، الوسيلة: 431، شرائع الإسلام: 4/ 988، كشف الرموز: 2/ 610، قواعد الأحكام: 2/ 291، تحرير الأحكام: 2/ 248 249، إرشاد الأذهان: 2/ 203، اللمعة الدمشقية: 176، الروضة البهية: 10/ 64، رياض المسائل: 10/ 291.

(4) المختصر النافع: 314.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 153

[مسألة 2 لا يقتل الأب بقتل ابنه و لو لم يكن مكافئاً]

مسألة 2 لا يقتل الأب بقتل ابنه و لو لم يكن مكافئاً، فلا يقتل الأب الكافر بقتل ابنه المسلم (1).

[مسألة 3 يقتل الولد بقتل أبيه، و كذا الأمّ]

مسألة 3 يقتل الولد بقتل أبيه، و كذا الأمّ و إن علت بقتل ولدها، و الولد يقتل بأُمّه، و كذا الأقارب كالأجداد و الجدّات من قبل الأم، و الإخوة من الطرفين، و الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات 2.

______________________________

دم الولد، و لم يدلّ دليل على كونه هدراً و لو بالإضافة إلى خصوص الوالد، و سقوط القصاص لا يوجبه، هذا مضافاً إلى التصريح به في صحيحة ظريف، نعم لا يرث الأب المؤدّي للدية عنها، لكون القتل المحرّم مانعاً عن ثبوت الإرث. و الظاهر ثبوت التعزير أيضاً، و إن كان عدم التعرّض له في المتن يشعر بعدم ثبوته، و الوجه في الثبوت مضافاً إلى ثبوته في المعصية مطلقاً أو في خصوص الكبيرة، و سقوط القصاص لا ينافيه رواية جابر، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يقتل ابنه أو عبده قال: لا يقتل به، و لكن يضرب ضرباً شديداً و ينفى عن مسقط رأسه «3»، بناء على حملها على كونه من مصاديق التعزير بما يراه الحاكم.

(1) الوجه فيه إطلاق الأدلّة و الروايات الشامل لصورة عدم التكافؤ في الإسلام أو في الحرية.

(2) أمّا قتل الولد بقتل أبيه، فيدلّ عليه مضافاً إلى عمومات أدلّة القصاص صريح كثير من الروايات المتقدّمة الواردة في هذا الشرط، و الظاهر كون المسألة إجماعيّة أيضاً. و أمّا قتل الأمّ و إن علَتْ بقتل ولدها، فقد خالف فيه من علمائنا

______________________________

(3) وسائل الشيعة: 19/ 58، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 154

..........

______________________________

الإسكافي «1»

الذي وافق العامّة على ذلك «2»، و لا دليل على الالتحاق بالأب إلّا القياس و الاستحسان، و أدلّة احترامها حتّى زائدة على الأب لا تقتضي مساواتها له في هذه الجهة أيضاً، بعد عدم شمول دليل المخصِّص في مقابل عمومات أدلّة القصاص لها، و بعد الاختلاف بينها و بين الأب في بعض الأحكام كالولاية و نحوها.

و أمّا قتل الولد بقتل أُمّه فيدلّ عليه مضافاً إلى العمومات، خصوص صحيحة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قتل أُمّه؟ قال: يقتل بها صاغراً، و لا أظنّ قتله بها كفّارة له، و لا يرثها «3».

و قد احتمل المجلسي الأوّل في شرح «من لا يحضره الفقيه» في معنىٰ قوله (عليه السّلام): «صاغراً» احتمالين:

أحدهما: كونه بمعنى عدم ردّ فاضل الدية، و هو النصف عليه، مع ثبوته في سائر موارد قتل الرجل المرأة.

و ثانيهما: كونه بمعنى الضّرب الشديد قبل القتل، و معنى قوله (عليه السّلام): «لا أظنّ» هو عدم كون القصاص بمجرّده كفارة لذنب القتل المحرَّم الصّادر منه، فلا ينافي كون التوبة مؤثِّرة في التكفير «4».

و كيف كان فإن كان معنى قوله (عليه السّلام): «صاغراً» هو الاحتمال الأوّل، فالرواية ناطقة بعدم رد فاضل الدية؛ و إن كان معناه هو الاحتمال الثاني فعدم الردّ يستفاد من

______________________________

(1) حكىٰ عنه في مختلف الشيعة: 9/ 451 مسألة 129.

(2) المغني لابن قدامة: 9/ 360، الحاوي الكبير: 15/ 163.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 57، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 5.

(4) روضة المتقين: 10/ 329 330.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 155

[مسألة 4 لو ادّعى اثنان ولداً مجهولًا]

مسألة 4 لو ادّعى اثنان ولداً مجهولًا، فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود، و لو قتلاه معاً

فهل هو كذلك لبقاء الاحتمال بالنسبة إلى كلّ منهما أو يرجع إلى القرعة؟ الأقوىٰ هو الثاني، و لو ادّعياه ثمّ رجع أحدهما و قتلاه توجّه القصاص على الراجع بعد ردّ ما يفضل عن جنايته، و على الآخر نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه، و لو قتله الراجع خاصّة اختصّ بالقصاص، و لو قتله الآخر لا يقتصّ منه، و لو رجعا معاً فللوارث أن يقتصّ منهما بعد ردّ دية نفس عليهما، و كذا الحال لو رجعا أو رجع أحدهما بعد القتل، بل الظاهر أنّه لو رجع من أخرجته القرعة كان الأمر كذلك، بقي الآخر على الدعوى أم لا 1.

______________________________

عدم التعرّض في الرواية له، مع كون ظاهر السؤال أنّ محطّه هو جميع الأحكام الثابتة في هذا الفرض، و الجواب متعرِّضاً لمسألة الإرث و الكفّارة أيضاً، و لعلّه لذلك قال في الجواهر: ظاهر النّص عدم ردّ فاضل ديته عليه «1».

و أمّا سائر الأقارب فالحكم فيهم على طبق القاعدة المقتضية للقصاص، و صدق الوالد على أب الأُمّ أيضاً لا يقتضي اللّحوق بأب الأب، بعد عدم الفتوى بذلك أصلًا، كما لا يخفىٰ.

(1) لو ادّعى اثنان ولداً مجهولًا فقد ذكر له في هذه المسألة المرتبطة بالقصاص فروع:

الأوّل: ما لو قتله أحدهما قبل القرعة، و في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع أنّه لا قود فيه و لا قصاص عليه، و استدلّ عليه في الشرائع بتحقّق الاحتمال في طرف

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 171.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 156

..........

______________________________

القاتل «1». و أضاف عليه صاحب الجواهر قوله: فلم يثبت شرط القصاص الذي هو انتفاء الأبوّة في الواقع، مضافاً إلى إشكال التهجّم على الدماء مع الشبهة «2».

و صريح بعض الأعلام

«3» ثبوت القصاص فيه، نظراً إلى أنّه لا مانع من إحراز موضوع جواز القتل بالأصل، لجواز التمسّك به لإثبات كون الفرد المشكوك فيه من الأفراد الباقية تحت العام، فلا مانع في المقام من الرجوع إلى استصحاب عدم كون القاتل والداً للمقتول، و به يحرز الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل.

و يرد عليه ما حقّقناه في الأصول من عدم جريان مثل هذا الاستصحاب ممّا كانت القضيّة المتيقّنة قضية سالبة بانتفاء الموضوع، و كانت القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول، لتغاير القضيتين و عدم تحقّق الوحدة في البين، و المقام كذلك كما هو ظاهر.

و الحقّ في المقام عدم ثبوت القصاص، لا لعدم إحراز الشرط كما عرفت من الجواهر لعدم ثبوت الشرط الاصطلاحي في المقام، و جعل انتفاء الأبوّة شرطاً في الكتب الفقهية كما في المتن لا يوجب الثبوت، بعد كون الدليل عبارة عن عمومات أدلّة القصاص و الروايات الدالّة على أنّه لا يقاد والد بولده التي هي مخصصة لتلك العمومات، و التخصيص لا يرجع إلى شرطية ما عدا عنوانه أو مانعية عنوانه، كما لا يخفى.

و حينئذ فالدليل على عدم ثبوت القود في المقام، عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص، و بعبارة أخرى الدليل عليه هو عدم الدليل على ثبوت القصاص، بعد قصور العامّ عن التمسّك به.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 989.

(2) جواهر الكلام: 42/ 171.

(3) مباني تكملة المنهاج: 2/ 73 مسألة 81.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 157

..........

______________________________

هذا، و لو قيل بالرجوع إلى القرعة في هذا الفرع أيضاً نظراً إلى شمول أدلّة القرعة له أيضاً كما سيأتي البحث فيه في الفرع الثاني فهو ليس ببعيد، فانتظر.

الثاني: ما لو قتلاه معاً بالشركة قبل القرعة،

قال المحقّق في الشرائع: و لو قتلاه [معاً] فالاحتمال بالنسبة إلى كلّ واحد منهما باق. و ربما حُظِرَ الاستناد إلى القرعة، و هو تهجّم على الدم، فالأقرب الأوّل «1».

و الظاهر أنّ محلّ الكلام في هذا الفرع صورة العلم الإجمالي بصدق أحد المدعيين و عدم خروج الأب الواقعي عنهما، لأنّه في صورة عدم العلم الإجمالي و احتمال كون الأب شخصاً ثالثاً يكون الحكم هو الحكم في الفرع الأوّل، لعدم شمول أدلّة القرعة لهذه الصورة، و عليه فكلّ منهما شبهة مصداقية لا مجال للتمسّك بالعام فيها.

و أمّا في صورة العلم الإجمالي التي هي محل البحث، فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال في الاستناد إلى القرعة، بعد وضوح لزوم الاستناد إليها في صورة عدم القتل، لعمومات أدلّة القرعة و خصوص الروايات الصحيحة الواردة في هذه المسألة، لأنّ القتل لا يوجب الخروج عن أدلّتها بعد ترتّب الأثر على التشخيص بها من جهة القصاص و غيره من الأحكام المترتّبة على الولد، فهل يتوهّم أحد قصور أدلّة القرعة عن الشمول لما إذا عرض لهذا الولد الذي يدّعيه اثنان الموت الطبيعي؟ الظاهر أنّه لا مجال للتوهّم في المقام أيضاً، و معه ليس ذلك تهجّماً على الدم كما في عبارة الشرائع، مضافاً إلى أنّ نفي القصاص عمّن ليس بأب واقعاً، مع أنّ لجامعة المسلمين فِي الْقِصٰاصِ حياة ممّا لا وجه له، و ربّما يصير مثل ذلك موجباً للتهجّم على الدم، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 989.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 158

..........

______________________________

الثالث: ما لو رجع أحدهما بعد ما ادّعيا و قتلاه معاً، فإنّه يتوجّه القصاص على الراجع بناء على انتفائه عنه بمجرّد الرجوع فيما إذا كان مستند اللحوق مجرّد

الدعوى، كما في المقام و لو بملاحظة رجوع الراجع الى ثبوت القصاص في حقّه و إقراره على نفسه باستحقاق القصاص في صورة القتل، فإنّه حينئذٍ يتوجّه القصاص عليه، لكن يجب عليه ردّ نصف الدية إليه، لفرض الاشتراك في الجناية، كما أنّه يجب على المدّعى غير الراجع المنتفى عنه القصاص، لما ذكرنا في الفرع الأوّل ردّ نصف الدية إلى ورثة الطفل المجهول، و لا ارتباط بين الردين، فإذا امتنع غير الراجع عن الردّ لا ينتفي الوجوب عن الورثة، بل يجب عليهم ردّ النصف، بل لا يشرع القصاص بدونه، كما مرّ.

الرابع: هذا الفرض مع تحقّق القتل من الراجع فقط، و قد ظهر ممّا ذكرنا في الفرع الثالث ثبوت القصاص بالنسبة إليه فقط، من غير ردّ عليه و لا ردّ الآخر على الورثة.

الخامس: هذا الفرض أيضاً مع تحقّق القتل من المدعي غير الراجع خاصّة، و الحكم فيه عدم القصاص و ثبوت الدية كما في الفرع الأوّل.

السادس: تحقّق الرجوع من كلّ منهما ثمّ الاشتراك في القتل، و الحكم فيه جواز الاقتصاص من كلّ منهما، مع ردّ تمام الدية إليهما بالتنصيف، كما هو ظاهر.

السابع: ما لو كان الرجوع في الفروع المتقدّمة واقعاً بعد القتل، و الحكم فيه ما تقدّم فيها، و قبول الرجوع هنا أوضح لترتّب أثر القصاص عليه، بخلاف الرجوع قبل القتل، فإنّه ليس بهذا الوضوح.

الثامن: ما لو كان الرجوع بعد القرعة، و كان الراجع من أخرجته القرعة، و الحكم فيه أنّه حيث لا تكون القرعة مؤثّرة في حصول القطع، و اعتبارها لا ينافي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 159

[مسألة 5 لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصحّ]

مسألة 5 لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصحّ، و

قيل: لا يملك أن يقتصّ من والده، و هو غير وجيه (1).

______________________________

اعتبار الإقرار على خلافها، فعليه يكون الرجوع مؤثِّراً في ثبوت القصاص، و إن كانت القرعة معيِّنة له للأبوّة النافية للقصاص، و لا دليل على اشتراط قبول الرجوع حينئذٍ بما إذا كان الآخر باقياً على ادّعائه غير راجع عنه، كما حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط «1»، بل الظاهر أنّه لا فرق بين بقائه على دعواه و عدمه.

(1) حكي القول بعدم ثبوت القصاص على الزوج حينئذ عن الشيخ «2» و الفاضل «3»، بل عن المسالك «4» نسبته إلى المشهور، و لكن في المتن تبعاً لصاحب الجواهر «5» الثبوت.

و يدلّ على عدم الثبوت أُمور:

أحدها: الأولويّة، نظراً إلى أنّه إذا لم يملك الولد أن يقتصّ من والده فيما إذا قتله الوالد عمداً، ففيما إذا كان المقتول غيره كأمّه لا يملك بطريق أولىٰ؛ لعدم تحقّق القتل بالنسبة إليه، فكيف يملك الاقتصاص من الأب.

و يدفعه منع الأولوية جدّاً، فإنّ عدم ملك الاقتصاص فيما إذا كان الولد مقتولًا إنّما هو لأجل اقتضاء الأبوّة و البنوّة له، بحيث لو فرض كون الولد المقتول ممكناً له مطالبة القصاص لم يكن له ذلك للاقتضاء المزبور، و هذا بخلاف المقام الذي يكون

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 9 10.

(2) المبسوط: 7/ 10.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 291، تحرير الأحكام: 2/ 249، إرشاد الأذهان: 2/ 203.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 159.

(5) جواهر الكلام: 42/ 175 176.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 160

..........

______________________________

المطالبة للقصاص بعنوان الأُمّ التي لا تقدر على المطالبة بنفسها. و لو فرض ثبوت القدرة لها كانت هي المطالبة، و لم يكن في البين ما يقتضي عدمها لأجل عدم اقتضاء مجرّد الزوجية له،

فدعوى مساواة المقام لتلك الصورة ممنوعة فضلًا عن الأولويّة.

ثانيها: قوله (عليه السّلام) في بعض الروايات المعتبرة المتقدّمة: «لا يقاد والد بولده» «6»، بناء على ما في محكي المسالك «7» من أنّ استيفاء القصاص موقوف على مطالبة المستحقّ، و إذا كان هو الولد و طالب به كان هو السبب في القود، فيتناوله عموم النصّ أو إطلاقه.

و يدفعه أنّ المتفاهم العرفي من مثل هذا القول خصوصاً مع التصريح بالقتل عقيبه بقوله (عليه السّلام): «و يقتل الولد إذا قتل والده عمداً» «8»، و مع التعبير به في كثير من الروايات المتقدّمة في أصل هذا الشرط هو كون المراد عدم قتل الوالد، كما أنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «لإيقاد مسلم بذمّي» «9» هو عدم اقتصاص المسلم بسبب قتل الذمّي، فالظاهر اختصاص مثل هذه التعبيرات بالقتل أو شبهه كالجناية على العضو مثلًا، و لا يعمّ السببية بمعنى مجرّد المطالبة أصلًا.

ثالثها: صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في كتاب الحدود المشتملة على قوله: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا؟ قال: لو قتله ما قتل به، و إن قذفه لم يجلد له. إلى أن قال (عليه السّلام): و إن كان قال لابنه: يا ابن الزانية، و أُمّه ميتة و لم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحدّ، لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده

______________________________

(6) تقدّمت في ص 151.

(7) مسالك الأفهام: 15/ 160.

(8) وسائل الشيعة: 19/ 56، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 1.

(9) وسائل الشيعة: 19/ 80، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 161

[الشرط الرّابع و الخامس: العقل و البلوغ]

اشارة

الشرط الرّابع و الخامس: العقل

و البلوغ، فلا يقتل المجنون سواء قتل عاقلًا أو مجنوناً، نعم تثبت الدية على عاقلته، و لا يقتل الصبيّ بصبي و لا ببالغ و إن بلغ عشراً، أو بلغ خمسة أشبار، فعمدة خطأ حتى يبلغ حدّ الرجال في السنّ أو سائر الأمارات، و الدية على عاقلته (1).

______________________________

منها. الحديث «1».

فإنّ مقتضى عموم التعليل عدم ثبوت القصاص في المقام، خصوصاً بملاحظة صدر الرواية الظاهر في الملازمة بين القصاص و حدّ القذف، فإذا لم يثبت الحدّ في الفرض المذكور في الذيل، فالظاهر عدم ثبوت القصاص أيضاً.

و دعوىٰ كون مجرى التعليل هو حقّ الحدّ و لا وجه لتعميمه بالإضافة إلى القصاص، مدفوعة بظهور التعليل في أنّ الانتقال إلى الولد مانع عن الثبوت بالنسبة إلى الوالد من دون فرق بين الحدّ و بين القصاص، كما لا يخفىٰ.

و الظاهر تماميّة هذا الدليل، و اقتضاؤه عدم ملك الاقتصاص من الوالد، كعدم ثبوت حدّ القذف في مشابه المسألة، فتدبّر.

(1) و الدّليل على اعتبار العقل في حال تحقّق الجناية و صدور القتل مضافاً إلى عموم حديث رفع القلم المجمع عليه كما عن السرائر «2»، و مقتضاه رفع القلم مطلقاً، و لا ينافي ذلك ثبوت الدية على العاقلة الثابتة في قتل الخطأ، و ذلك للتصريح به في ذيل الحديث، و مضافاً إلى أنّه حكم على العاقلة الروايات المستفيضة، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يجعل جناية المعتوه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 447، أبواب حدّ القذف، ب 14 ح 1.

(2) السرائر: 3/ 324.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 162

..........

______________________________

على عاقلته خطأً كان أو عمداً «1».

و رواية إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد

اللّٰه (عليه السّلام): أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام): يسأله عن رجل مجنون قتل رجلًا عمداً، فجعل الدّية على قومه، و جعل خطأه و عمده سواء «2».

و رواية أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السّلام) أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق، و الصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم «3».

و رواية بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن رجل قتل رجلًا عمداً فلم يقم عليه الحدّ و لم تصحّ الشهادة عليه حتّى خولط و ذهب عقله، ثمّ إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنّه قتله؟ فقال: إن شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله و هو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به، و إن لم يشهدوا عليه بذلك و كان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل، و إن لم يكن له مال اعطي الدية من بيت المال، و لا يبطل دم امرئ مسلم «4»، فإنّها ظاهرة في ترتّب القصاص على إحراز كون القاتل عاقلًا حين القتل، و ليس به علّة من فساد العقل.

و أمّا قوله (عليه السّلام): «و إن لم يشهدوا عليه بذلك»، فالظاهر أنّ المراد به عدم الشهادة على عقله، مع ثبوتها على أصل تحقّق القتل منه، غاية الأمر أنّه لا يعلم كونه عاقلًا أو مجنوناً حينه، و حينئذ فالحكم بثبوت الدية في مال القاتل دون القصاص و دون

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 307، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 11 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 307، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 11 ح 5.

(3) وسائل

الشيعة: 19/ 66، أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 52، أبواب القصاص في النفس ب 29 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 163

..........

______________________________

الثبوت على العاقلة إنّما هو لعدم الطريق إلى إحراز شي ء من العقل أو الجنون و لو بالاستصحاب، لعدم العلم بالحالة السابقة. و مع عدم إحراز العقل لا يثبت القصاص لعدم إحراز شرطه، كما أنّه مع عدم إحراز الجنون لا يثبت على العاقلة، للزوم إحرازه فيه، فاللّازم ثبوت الدية على القاتل؛ لئلّا يبطل دم امرئ مسلم.

و ممّا ذكرنا يظهر بطلان ما عن كشف اللّثام «1» من دلالة الرواية على أنّه إذا لم يكن للمجنون عاقلة فالدية على بيت المال، و ذلك لأنّ مورد فرض الثبوت على بيت المال في الرواية صورة كون القاتل مشكوك الجنون، و حكمه في صورة وجود المال ثبوت الدية في ماله، ففرض عدم العاقلة لا يرتبط بالرواية أصلًا. هذا كلّه في اعتبار العقل.

و أمّا اعتبار البلوغ حال الجناية كما عليه المشهور «2»، بل في الجواهر: عليه عامّة المتأخّرين «3»، بل نسبه بعض إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه «4»، بل عن الغنية دعواه عليه صريحاً «5»، بل عن الخلاف: عليه إجماع الفرقة و أخبارهم «6» فيدلّ عليه مضافاً إلى حديث رفع القلم «7» روايات مستفيضة أيضاً مثل:

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: عمد الصبيّ و خطأه واحد «8».

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 456.

(2) مفتاح الكرامة: 11/ 28.

(3) جواهر الكلام: 42/ 178.

(4) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 7، رياض المسائل: 10/ 292.

(5) غنية النزوع: 403.

(6) الخلاف: 5/ 176 مسألة 39.

(7) وسائل الشيعة: 1/ 32، أبواب مقدّمة العبادات ب

4 ح 11.

(8) وسائل الشيعة: 19/ 307، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 11 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 164

..........

______________________________

و موثقة إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة «1». و رواية أبي البختري المتقدّمة في اعتبار العقل.

و في مقابل ما ذكر روايات لا بدّ من التعرّض لها و ملاحظة حالها مع ما ذكر:

إحداها: رواية مرسلة في الكتب الفقهية مشتملة على قوله: «يقتصّ من الصبيّ إذا بلغ عشراً». و حكي عن الشيخ الفتوى بمضمونها في النهاية «2» و المبسوط «3» و الاستبصار «4». و ذكر صاحب الجواهر بعد الاعتراف بعدم الظفر بها مسندة قوله: نعم النصوص المسندة بجواز طلاقه و وصاياه و إقامة الحدود عليه موجودة، و لعلّ من رواها أراد هذه النصوص بإدخال القصاص في الحدود، أو أنّ مبنى ما تضمّنته على ثبوت البلوغ بذلك، و لا فرق بينه و بين القصاص «5».

و أشار بذيل قوله إلى إمكان كون المراد من الرواية تحقّق البلوغ بالعشر و الخروج عن الرفع بسببه، و عليه فتنافي هذه الرواية مع الروايات المذكورة في كتاب الحجر «6»، الدالّة على عدم تحقّق البلوغ السنّي بأقل من خمسة عشر. و لكنّه يرد على صاحب الجواهر عدم إقامة الحدود على الصبيّ البالغ عشراً، كما تحقّق في كتاب الحدود. و ليس هنا رواية دالّة عليه، و القائل به إنّما حكم بذلك للاستفادة من الطلاق و الوصية، لا لقيام الدليل عليه بالخصوص.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 307، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 11 ح 3.

(2) النهاية: 733 و 761.

(3) المبسوط: 7/ 44.

(4) الإستبصار: 4/ 287.

(5) جواهر الكلام: 42/ 180.

(6)

وسائل الشيعة: 13/ 142، كتاب الحجر ب 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 165

..........

______________________________

و يمكن أن يكون مستند الشيخ (قدّس سرّه) في الفتوى المذكورة صحيحة أبي أيّوب الخزّاز قال: سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين، قلت: و يجوز أمره؟ قال: فقال: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته «1».

و من الواضح عدم حجّية الرواية؛ لعدم اعتبار قول إسماعيل، خصوصاً مع وضوح بطلان قياسه و استدلاله. و على ما ذكرنا فلا مجال لهذا القول، سواء أُريد به حصول البلوغ به أو أُريد ثبوت القصاص في العشر، و إن لم يتحقّق البلوغ.

ثانيتها: صحيحة سليمان بن حفص، عن الرجل (عليه السّلام) قال: إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره، و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية تسع سنين فكذلك «2». و مثلها ما رواه حسن بن راشد في الصحيح، عن العسكري (عليه السّلام)، إلّا أنه قال: و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك «3».

و لا مجال للأخذ بهما، سواء كان المراد بهما تحقّق البلوغ بذلك، أو كان المراد ثبوت الأحكام و لو لم يتحقّق البلوغ، لمخالفتهما على التقدير الأوّل للروايات الواردة في البلوغ السنّي، و على التقدير الثاني للروايات الواردة في المقام الحاكمة بأنّ عمد الصبيّ خطأ، مضافاً إلى عدم القائل بهما.

ثالثتها: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل و غلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين

(عليه السّلام): إذا بلغ الغلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 252، كتاب الشهادات ب 22 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 18/ 526، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 13.

(3) التهذيب: 9/ 183 ح 736.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 166

..........

______________________________

خمسة أشبار اقتصّ منه، و إذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضى بالدية. و في رواية الصدوق بإسناده عن السكوني: اقتصّ منه و اقتصّ له «1». و حكي العمل بها عن الشيخين «2» و الصّدوقين «3» و جماعة «4»، و إن قال صاحب الجواهر: و إن كنّا لم نتحقّق الجماعة «5».

و الظاهر أنّه لا مجال للأخذ بها أيضاً على كلا الاحتمالين، بعد كون تلك الروايات موافقة للشهرة الفتوائية المحقَّقة، مضافاً إلى أنّه لا معنى لجعل الأشبار دليلًا على البلوغ، مع أنّه أمر واقعي موجب لتحوّل حال الطفل و تغيّر خصوصياته، و مقدار القامة لا مدخل له في ذلك أصلًا، كما لا يخفى.

رابعتها: صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سئل عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلًا خطأ، فقال: إنّ خطأ المرأة و الغلام عمد، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما. الحديث «6».

و الظاهر لزوم الإعراض عن هذه الرواية و ردّ علمها إلى أهلها، لأنّه لا مجال لجعل خطأ الغلام عمداً، و هكذا المرأة، مع أنّ نقصهما و قصورهما مقتض للعكس.

ثمّ إنّ الإشكال في المسألة من المحقّق الأردبيلي (قدّس سرّه) «7» بما يرجع إلى استلزام تخصيص القرآن الكريم و الأخبار المتواترة بالإجماع و أخبار الآحاد، و إلى احتمال

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 66، أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 1.

(2) المقنعة: 748، النهاية: 761، و فيه: «إلى أن يبلغ

عشر سنين أو خمسة أشبار».

(3) المقنع: 523.

(4) قاله الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام: 2/ 456.

(5) جواهر الكلام: 42/ 181.

(6) وسائل الشيعة: 19/ 64، أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 1.

(7) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 5 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 167

[مسألة 1 لو قتل عاقل ثم خولط و ذهب عقله لم يسقط عنه القود]

مسألة 1 لو قتل عاقل ثم خولط و ذهب عقله لم يسقط عنه القود، سواء ثبت القتل بالبيّنة أو بإقراره حال صحّته (1).

______________________________

اختصاص حديث رفع القلم بغير القصاص الذي قد يقال: إنّه من القلم الوضعي الذي لم يرفع عن الصبيان، و لذا يضمن لو أتلف مال الغير. و إلى احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دلّ على الاقتصاص منه على صورة القصد، و ما دلّ على عدمه على صورة عدمه مندفع جدّاً؛ لأنّ مبنى الفقه على تخصيص عمومات الكتاب و السنّة المتواترة بالخبر الواحد، و إلّا تلزم لغوية اعتباره تقريباً، و ظهور بعض الروايات المتقدّمة في ارتباط رفع القلم و ثبوت الدية على العاقلة الظاهر في شمول الرفع للقصاص أيضاً.

و احتمال الجمع بالنحو المذكور مدفوع بعدم مساعدة العرف و العقلاء عليه، و كونه جمعاً تبرعيّاً كما لا يخفىٰ. فالظاهر حينئذٍ بملاحظة ما ذكر عدم الإشكال في المسألة بوجه، و أنّ البلوغ حال الجناية شرط في القصاص، ينتفي بانتفائه.

(1) قد مرّ أنّ الشرط في القصاص هو العقل حال القتل و صدور الجناية، و عليه فلو قتل في حال العقل ثم صار مجنوناً لا يسقط عنه القصاص. و إن حكي عن بعض العامّة الخلاف «1» و عن بعض آخر منهم التفصيل بين ما إذا جنّ قبل أن يقدَّم للقصاص، و بين ما إذا جنّ بعده، بالحكم بالاقتصاص في خصوص

الثاني «2». و الدليل علىٰ عدم السقوط الاستصحاب، و يؤيّده خبر بريد العجلي المتقدّم في أدلّة اشتراط البلوغ في القصاص المشتمل على قوله (عليه السّلام) في الذي خولط و ذهب عقله: «إن شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله و هو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به».

______________________________

(1) العزيز شرح الوجيز: 10/ 158.

(2) العزيز شرح الوجيز: 10/ 158.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 168

[مسألة 2 لا يشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص]

مسألة 2 لا يشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص، فلو قتل بالغ غير رشيد فعليه القود (1).

[مسألة 3 لو اختلف الولي و الجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته]

مسألة 3 لو اختلف الولي و الجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته، فقال الولي: قتلته حال بلوغك أو عقلك، فأنكره الجاني، فالقول قول الجاني بيمينه، و لكن تثبت الدية في مالهما بإقرارهما لا العاقلة، من غير فرق بين الجهل بتاريخهما أو بتاريخ أحدهما دون الآخر، هذا في فرض الاختلاف في البلوغ، و أمّا في الاختلاف في عروض الجنون فيمكن الفرق بين ما إذا كان القتل معلوم التاريخ

______________________________

فإنّه صريح في القصاص حال الجنون. و لا فرق فيما ذكر بين ثبوت القتل بالبيّنة كما في الرواية، و بين ثبوته بالإقرار في حال الصحّة و عدم فساد العقل، لجريان الاستصحاب في كليهما، و عدم ما يدلّ على الفرق، و قيامه عليه في بعض الموارد كما في الرجم لا دلالة له على الفرق مطلقاً.

(1) حكي عن التحرير «1» اشتراط الرشد أيضاً في القصاص، و الظاهر أنّه غير تامّ، فإنّه إن كان المراد به هو المعنى المصطلح في كتاب الحجر الذي هو أمر ثالث مغاير للبلوغ و العقل، و يقابله السفه الذي هو مغاير للصغر و الجنون، فالظاهر أنّه لا دليل على اعتباره في مقابل إطلاقات أدلّة القصاص، و إن كان المراد به هو كمال العقل فهو داخل في الشرطين المذكورين اللّذين جعلهما المحقّق في الشرائع «2» شرطاً واحداً معبِّراً عنه بعنوان كمال العقل، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) تحرير الأحكام: 2/ 249.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 990.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 169

و شكّ في تاريخ عروض الجنون فالقول قول الوليّ، و بين سائر الصور فالقول قول الجاني، و لو لم

يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر أنّ القول قول الوليّ أيضاً (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

أحدهما: ما إذا اختلف الولي و الجاني بعد بلوغ الجاني و إقراره بصدور القتل منه، و الاختلاف إنّما هو في أنّ القتل الصادر هل كان في حال البلوغ حتّى يترتّب عليه القصاص، كما يدّعيه وليّ المقتول، أو كان في حال عدم تحقّق البلوغ، فلا يترتّب عليه القصاص، كما يدّعيه الجاني؟ و قد حكم فيه في المتن بتقديم قول الجاني في فروضه الثلاثة التي هي صورة الجهل بتاريخ كلّ من القتل و البلوغ معاً، أو بتاريخ خصوص واحد منهما دون الآخر، و الوجه فيه إمّا في صورة الجهل بهما، فلعدم جريان شي ء من استصحاب عدم القتل إلى حال البلوغ، و استصحاب عدم البلوغ إلى حال القتل، أو تعارض الاستصحابين و تساقطهما على الخلاف في مجهولي التاريخ. و بعد ذلك يشكّ في تحقّق البلوغ الذي هو شرط في حال صدور الجناية، و معه يشكّ في ثبوت القصاص، و الأصل عدمه، فالقول قول موافق الأصل مع يمينه.

و أمّا في صورة الجهل بتاريخ البلوغ فقط، فاستصحاب عدم تحقّق البلوغ إلى حال القتل يترتّب عليه فقدان شرط القصاص، فلا مجال له. و أمّا في صورة الجهل بتاريخ القتل فقط، فاستصحاب عدم القتل إلى زمان البلوغ لا يثبت تحقّق القتل في حال البلوغ حتّى يترتّب عليه القصاص.

ثم إنّه بعد عدم ثبوت القصاص تثبت الدية في ماله، لأنّ ثبوت القتل بالإقرار يمنع عن ثبوت الدية على العاقلة لكونه إقراراً عليهم، فاللّازم ثبوت الدية في ماله،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 170

..........

______________________________

لئلّا يبطل دم امرئ مسلم، كما فيما إذا لم يكن هناك تخاصم، فتدبّر.

ثانيهما: ما

إذا اختلف الوليّ و الجاني في الجنون حال القتل و صدور الجناية، و فيه فروض ثلاثة لم يقع التعرّض في المتن لأوّلها:

الأوّل: ما إذا كان الجنون من أوّل الولادة و الوجود محرزاً و مسلّماً بين الطرفين كعدمه حال الاختلاف، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في أنّ القتل هل كان في حال الجنون الباقي من حين الولادة، كما يدّعيه الجاني، أو بعد زواله و تحقّق الإفاقة، كما يقول به الولي؟ و يجري في هذا الفرض حكم الفرع الأوّل، و هو كون القول قول الجاني بيمينه من دون الفرق بين صورة الجهل بتاريخ كلّ من حدوث القتل و حدوث الإفاقة، و بين صورة الجهل بتاريخ أحدهما فقط، لعدم الفرق بين هذا الفرض و صورة الاختلاف في البلوغ أصلًا، كما هو ظاهر.

الثاني: ما إذا كان الجنون عارضاً و مسبوقاً بالعدم، بحيث كان عروضه في برهة من الزمن و زواله في حال الاختلاف مسلّماً بينهما، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في أنّ القتل هل كان في تلك البرهة أو قبلها، و قد حكم فيه في المتن بتقديم قول الوليّ في خصوص ما إذا كان تاريخ القتل معلوماً، و تاريخ عروض الجنون مشكوكاً، و الوجه فيه جريان استصحاب عدم الجنون إلى زمان القتل، و به يتحقّق موجب القصاص الذي هو القتل في حال عدم الجنون، و قد حقّق في الأصول صحّة جريان الاستصحاب في الشرط، و خلوّه عمّا ربّما يستشكل فيه بعدم ترتّب الأثر الشرعي عليه، و مع جريان هذا الاستصحاب الذي يوجب تقدّم قول الولي لا يبقى مجال لأصالة البراءة التي توجب تقدّم قول الجاني. و أمّا في صورة العكس و صورة كون كلا التاريخين مجهولين، فلا أصل فيهما يوجب ترجيح

قول الوليّ أصلًا، كما لا يخفىٰ.

الثالث: ما إذا كان أصل الجنون مشكوكاً، و هو الذي عبّر عنه في المتن بأنّه لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 171

[مسألة 4 لو ادّعى الجاني صغره فعلًا و كان ممكناً في حقّه]

مسألة 4 لو ادّعى الجاني صغره فعلًا و كان ممكناً في حقّه فإن أمكن إثبات بلوغه فهو، و إلّا فالقول قوله بلا يمين، و لا أثر لإقراره بالقتل إلّا بعد زمان العلم ببلوغه و بقائه على الإقرار به (1).

[مسألة 5 لو قتل البالغ الصبيّ قتل به على الأشبه]

مسألة 5 لو قتل البالغ الصبيّ قتل به على الأشبه، و إن كان الاحتياط أن لا يختار ولي المقتول قتله بل يصالح عنه بالدية، و لا يقتل العاقل بالمجنون و إن كان أدوارياً مع كون القتل حال جنونه، و تثبت الدية على القاتل إن كان عمداً أو

______________________________

يعهد للقاتل حال جنون. و قد استظهر فيه في المتن أنّ القول قول الولي، و الوجه فيه كون قوله موافقاً لأصالة السلامة التي هي أصل عقلائي. و لعلّ منشأها غلبة السلامة في أفراد الإنسان، كالسلامة من سائر العيوب فيها و في جميع الأشياء. و عليها يبتنى خيار العيب الذي هو من الخيارات السبعة المعروفة مع عدم اشتراط السلامة في متن العقد نوعاً.

(1) الوجه في قبول قوله كونه موافقاً لأصالة عدم البلوغ مع إمكانه في حقّه كما هو المفروض، و الوجه في عدم اليمين عدم إمكانها، لأنّ التحليف لإثبات المحلوف عليه، و لو ثبت صباه بطلت يمينه، فلا وجه لما عن الشهيد الأوّل (قدّس سرّه) «1» من احتمال تحليفه بل القول به، كما أنّ إقراره في هذه الحالة لا يترتّب عليه أثر إلّا إذا بقي عليه إلى زمان العلم بالبلوغ و ثبوته، فإذا بلغ و مضى على إقراره أُخذت منه الدية، لأنّ المقرّ به هو القتل في حال الصغر، و لا يوجب ذلك الثبوت على العاقلة، كما مرّ.

______________________________

(1) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

القصاص، ص: 172

شبهه، و على العاقلة إن كان خطأ محضاً، و لو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شي ء عليه من قود و لا دية، و يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما إذا قتل البالغ الصبيّ، و المشهور فيه شهرة محقَّقة عظيمة «1»، بل لم يحك الخلاف إلّا عن الحلبي «2» من القدماء هو ثبوت القصاص فيه. و الوجه فيه مضافاً إلى عمومات أدلّة القصاص و إطلاقاتها خصوص ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن فضال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أنّ يتعمّد فعليه القود. قال في الوسائل: و رواه الصدوق بإسناده عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) إلّا أنّه قال: «كلّ من قتل بشي ء» «3». و ربّما نسب الوسائل إلى الاشتباه و سهو القلم باعتبار عدم وجود هذه الرواية في الفقيه، و لكن في حاشية الوسائل بالطبعة الجديدة قد عيّن محلّه في الفقيه فراجع.

و كيف كان فالرواية على تقدير الإرسال منجبرة بالشهرة المذكورة، و لا مجال للإشكال فيها من حيث السند، كما أنّ دلالتها واضحة.

و أمّا ما يمكن أن يستدلّ به على عدم القصاص في هذا الفرع فمضافاً إلى أنّه لا يقتصّ من الكامل للناقص صحيحة أبي بصير يعني المرادي قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قتل رجلًا مجنوناً، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه

______________________________

(1) راجع مسالك الافهام: 15/ 164 و رياض المسائل: 10/ 295.

(2) الكافي في الفقه: 384.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 56، أبواب القصاص في النفس ب 31 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - القصاص، ص: 173

..........

______________________________

فقتله فلا شي ء عليه من قود و لا دية، و يعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين. قال: و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، و أرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، و يستغفر اللّٰه و يتوب إليه «1».

فإنّ الرواية و إن كانت واردة في المجنون إلّا أنّ قوله في جزاء القضية الشرطية: «فلا قود لمن لا يقاد منه» ربّما يستفاد منه ضابطة كلّية، و هي عدم ثبوت القصاص لمن لا يقتصّ منه، فيشمل قتل الصبيّ أيضاً، لأنّه لا يقتصّ منه إذا كان قاتلًا، كما عرفت.

هذا، و الظاهر أنّ هذه الاستفادة تكون تامّة لو كانت الضابطة واردة بعنوان التعليل، و أمّا لو كانت واردة بمثل ما في الرواية من كونها جزاء للشرط المفروض فيه المجنون فلا مجال لها، نعم لا وجه لإنكار إشعاره بذلك، و لكن مجرّد الإشعار لا ينهض في مقابل الأدلّة العامّة و الخاصّة. نعم يوجب تحقّق موضوع الاحتياط بأن لا يختار ولي المقتول القصاص، بل يصالح عنه بالدية، كما في المتن.

و أمّا أنّه لا يقتصّ من الكامل للناقص، فهو أوّل الكلام، و إن أُريد به مطلق الكمال و النقص فهو ممنوع، بداهة أنّه يقتصّ من العالم للجاهل و شبهه.

الثاني: ما إذا قتل العاقل المجنون، و لا خلاف في عدم ثبوت القصاص فيه، بل في محكيّ كشف اللّثام نسبته «2» إلى قطع الأصحاب، بل عن كشف الرموز الإجماع عليه «3»، و يدلّ عليه صحيحة أبي بصير المتقدّمة آنفاً في الفرع الأوّل، كما أنّها تدلّ على ثبوت الدية في مال القاتل، و أنّه يدفعها إلى

ورثة المجنون.

و الظّاهر أنّه لا فرق في المجنون بين الإطباقي و الأدواريّ، كما أنّ الظاهر أنّه لو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 51، أبواب القصاص في النفس ب 28 ح 1.

(2) كشف اللثام: 2/ 456.

(3) كشف الرموز: 2/ 611.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 174

..........

______________________________

كان القاتل أدواريّاً أيضاً بأن كان القتل في دور عقله لا يثبت عليه القصاص، لإطلاق الرّواية من الجهتين.

الثالث: ما لو كان المجنون أراده بسوء بأن يقتله و كان دفعه متوقّفاً على قتله، فدفعه بقتله، فلا إشكال و لا خلاف في أنّه لا قصاص فيه، و لا دية على القاتل و لا على عاقلته، إنّما الخلاف في أنّه هل يثبت الدية على غيرهما من بيت مال المسلمين أم لا؟ فالمحكيّ عن كثير من الكتب الفقهية «1» التي وقع فيها التعرّض لهذه الجهة هو الثاني، بل عن غاية المرام نسبته إلى المشهور «2»، و عن المفيد «3» و الجامع «4» هو الأوّل كما في المتن. و يدلّ عليه صدر صحيحة أبي بصير المتقدّمة في الفرع الأوّل، حيث وقع فيها التصريح بأنّه يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين، و الظاهر أنّه لم تبلغ الشهرة في المسألة إلى حدّ الإعراض عن الرواية حتّى يكون ذلك قادحاً في حجيّتها، لكن في مقابلها روايتان:

إحداهما: رواية أبي الورد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أو لأبي جعفر (عليه السّلام): أصلحك اللّٰه رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة، فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله، فقال: أرى أن لا يقتل به و لا يغرم ديته، و تكون ديته على الإمام، و لا يبطل دمه «5».

______________________________

(1) كالنهاية: 759 760 و السرائر: 3/ 368

و المهذّب: 2/ 514 515 و القواعد: 2/ 292 و الإرشاد: 2/ 202 و كشف الرموز: 2/ 611.

(2) غاية المرام: 4/ 387.

(3) حكى عنه في التنقيح الرائع: 4/ 431، و لم نجده في المقنعة.

(4) الجامع للشرائع: 575.

(5) وسائل الشيعة: 19/ 52، أبواب القصاص في النفس، ب 28، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 175

..........

______________________________

و لكنّها على تقدير كون المراد من قوله: «فتناول» هو توقف الدفع على الضرب و القتل، و إن كان يبعّد ذلك أنّه بعد صيرورة السيف في يد العاقل لا يتحقّق التوقف نوعاً، كما لا يخفىٰ محمولة على كون المراد من الامام هو بيت المال، خصوصاً مع عدم قائل بما هو ظاهره.

ثانيتهما: الأخبار المتعدّدة الواردة في مطلق الدفاع عن النفس، الظاهرة في أنّه إذا توقّف الدفاع على قتل المهاجم لا يكون في هذا القتل شي ء أصلًا، و يكون دمه هدراً، فتنافي مع رواية أبي بصير في المقام.

و الجواب: أنّ تلك الأخبار لا تخلو من أحد أمرين: إمّا أن تكون مطلقة شاملة لما إذا كان الحامل و المهاجم مجنوناً، و إمّا أن لا تكون شاملة للمقام، فعلى التقدير الأوّل تكون صحيحة أبي بصير مقيِّدة لها و موجبة لإخراج المجنون، و على التقدير الثاني لا ارتباط بين المقام و بين تلك الروايات، لاختلافهما من حيث المورد.

و دعوىٰ: أنّه علىٰ تقدير الاختصاص بغير المجنون، يكون شمول الحكم له بطريق أولىٰ، لأنّه إذا كان دم العاقل المهاجم هدراً، فدم المجنون كذلك بطريق أولىٰ، لعدم تحقّق القصاص فيه دونه.

مدفوعة: بأنّه يمكن أن يكون للعقل مدخلية في كون دم المهاجم هدراً، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الغرض عدم تكرّر التهاجم من غيره، و هذه الجهة

غير متحقِّقة في المجنون، و لأجله تحقّق الفرق بين قتل العمد و قتل الخطأ مثلًا في الحكم مع اشتراكهما في تحقّق القتل و صدوره من القاتل. و عليه فيمكن أن لا يكون دم المجنون المهاجم هدراً مطلقاً، بل يلزم أن يعطى ديته من بيت مال المسلمين، فالأولوية ممنوعة جدّاً، و التساوي فاقد للدليل، فلا محيص عن الأخذ بالصحيحة في المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 176

[مسألة 6 في ثبوت القود على السكران الآثم في شرب المسكر]

مسألة 6 في ثبوت القود على السكران الآثم في شرب المسكر إن خرج به عن العمد و الاختيار تردّد، و الأقرب الأحوط عدم القود، نعم لو شكّ في زوال العمد و الاختيار منه يلحق بالعامد، و كذا الحال في كلّ ما يسلب العمد و الاختيار، فلو فرض أنّ في البنج و شرب المرقد حصول ذلك يلحق بالسكران، و مع الشك يعمل معه معاملة العمد، و لو كان السكر و نحوه من غير إثم فلا شبهة في عدم القود، و لا قود على النائم و المغمىٰ عليه، و في الأعمىٰ تردّد (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: هل يثبت القود على السكران القاتل أم لا؟ و المفروض هنا ثبوت قيدين: كونه آثماً في شربه، و خروجه بالسكر عن العمد و الاختيار في حال صدور القتل. و قد تردّد فيه في المتن أوّلًا، ثم جعل الأقرب العدم، تبعاً للعلّامة في الإرشاد «1» و القواعد «2»، و لصاحب المسالك «3»، و لكن جعل المحقّق في الشرائع «4» الثبوت أشبه، وفاقاً للأكثر، بل ربّما يشعر أو يصرّح بعض الكتب بالإجماع عليه «5»، و اللّازم التكلّم فيه في مقامين:

الأوّل: في أنّ مقتضى القاعدة بملاحظة الضابطة الأصلية في باب القصاص هل

هو ثبوت القصاص، أو عدمه، أو التفصيل بين الموارد مع قطع النظر عمّا ورد في

______________________________

(1) إرشاد الأذهان: 2/ 202 203.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 292.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 165 166، و قال: و هو اختيار الأكثر.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 990.

(5) حكى في جواهر الكلام: 42/ 186 الإشعار بالإجماع عن غاية المراد: 366 و التصريح به عن إيضاح الفوائد: 4/ 601.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 177

..........

______________________________

المقام من النصّ؟ فنقول:

الظاهر هو التفصيل بين من يعلم بأنّ شربه للمسكر يترتّب عليه القتل نوعاً، و بين من لا يعلم بذلك، لأنّ صدور القتل و إن كان في حال زوال الاختيار و الخروج عن العمد، إلّا أنّ ارتكابه للشرب عن عمد و اختيار و توجّه و التفات مع العلم بترتّب القتل عليه نوعاً بعد تحقّق السكر يجعل القتل قتلًا عمدياً عند العقلاء. و بعبارة أُخرى لا ينفكّ التعمّد للارتكاب مع العلم بالترتّب عن التعمّد للقتل، فإنّ من علم بأنّه إذا ذهب إلى مجلس فلاني و دخل فيه يترتّب على دخوله تحقّق المعصية و صدور عمل محرَّم اضطراراً أو إكراهاً لا يكون مع التعمّد في الذهاب و اختيار الدخول مع العلم بذلك مضطرّاً إلى المعصية أو مكرَهاً عليها، بل هي معصية عمدية موجبة لاستحقاق العقوبة و المؤاخذة، نعم مع عدم العلم بذلك أو عدم الالتفات إليه لا ينبغي المناقشة في عدم الاستحقاق، لعدم تحقّق المعصية العمديّة.

و ليس صدق قتل العمد في الفرض الأوّل لأجل كونه آثماً في شرب المسكر، بل لأجل صدوره منه اختياراً، و عليه فلو فرض إباحة الشرب مثلًا يتحقّق التعمّد في القتل أيضاً، كما في مثال الذهاب إلى المجلس، حيث لا يكون نفس

الذهاب إليه محرَّماً، نعم في صورة الوجوب في مثل المقام لا بدّ من ملاحظة الأهمّ من الحرمة و الوجوب، كما لا يخفىٰ.

الثاني: في ملاحظة مقتضى النصّ، فنقول: قد ورد في المقام روايتان:

إحداهما: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فسجنهم، فمات منهم رجلان و بقي رجلان، فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 178

..........

______________________________

بصاحبينا، فقال للقوم: ما ترون؟ فقالوا: نرى أن تقيدهما، فقال علي (عليه السّلام) للقوم: فلعلّ ذينك اللّذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا: لا ندري، فقال علي (عليه السّلام): بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة، و آخذ دية جراحة الباقيين من دية المقتولين «1». و الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «فلعلّ ذينك» يستفاد منه مفروغية ثبوت القود عليهما مع العلم بصدور القتل منهما، و عليه فنفي الحكم بالقود إنّما هو لأجل الشكّ في أصل صدور القتل منهما، مع لزوم إحرازه في مقام القصاص، و مقتضاه أنّه لا فرق في ثبوت القود مع العلم بالصدور بين الصورتين اللّتين كان مقتضى القاعدة هو التفصيل بينهما.

و العجب من بعض الأعلام حيث استدلّ بالرواية على التفصيل الذي هو مقتضى القاعدة، و قال في تقريبه: أنّه لا بدّ من حملها على أنّ شربهم المسكر كان في معرض التباعج بالسكاكين المؤدّي إلى القتل عادة، بقرينة أنّه فرّع فيها ثبوت القود على فرض العلم بأنّ الباقيين قتلاهما، و عدم ثبوته على فرض عدم العلم بذلك و احتمال أنّ كلّاً منهما قتل صاحبه «2».

و من الواضح أنّه مصادرة على المطلوب. و أمّا

ما جعله مؤيِّداً لما أفاده من استفادة الاستمرار و التكرر من التعبير بقوله (عليه السّلام): «كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون» نظراً إلى ظهوره في ترتّب التباعج نوعاً. فيدفعه أنّه لا مجال لهذه الاستفادة في خصوص المقام، لظهور الرواية في أنّ الرفع إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان مرّة واحدة، و هي المرّة الواقعة فيها هذه القصّة، و لو كان العمل متكرّراً و الرفع مرّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 173، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 1 ح 2.

(2) مباني تكملة المنهاج: 2/ 81 مسألة 87.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 179

..........

______________________________

لكان اللّازم التقييد بمثل المرّة الأخيرة. مضافاً إلى أنّه مع وحدة القوم المركّب من أربعة نفرات لا معنى لتكرّر التباعج المؤدي إلى القتل، فبقاؤهم في المرّة التي تحقّق بعدها الرفع دليل علىٰ عدم تحقّق القتل في المرّات السابقة، كما لا يخفى.

فالإنصاف ظهور الرواية في ثبوت القصاص في صورة العلم بصدور القتل من الباقيين، من دون فرق بين الصورتين أصلًا.

ثانيتهما: صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في أربعة شربوا مسكراً، فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا، فقتل اثنان و جرح اثنان، فأمر المجروحين فضرب كلّ واحد منهما ثمانين جلدة، و قضى بدية المقتولين على المجروحين، و أمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية، فإن مات المجروحان فليس على أحد من أولياء المقتولين شي ء «1».

و الظاهر أنّ مورد هذه الرواية و الرواية المتقدّمة واحد، بمعنى أنّه كان في زمن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قصّة واحدة مرفوعة إليه، و هي اشتراك أربعة رجال في شرب المسكر، و الأخذ بعده بالسلاح و السكين، و تحقّق

الاقتتال المؤدّي إلى قتل اثنين و جرح اثنين، و هذه القصّة محكيّة في الرواية السابقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و في هذه الرواية عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و عليه فهو أيضاً شاهد على بطلان التأييد المتقدّم الذي ذكره بعض الأعلام، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ هذه الرواية لا تعارض الرواية المتقدّمة فيما يرجع إلى القصاص الّذي هو مورد البحث في المقام، لظهور الاولى كما عرفت في ثبوت القصاص مع تعيّن القاتل و تشخّصه و إن كان سكراناً. و لا ظهور في هذه الرواية في خلافه، لعدم التعرّض

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 172، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب 1 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 180

..........

______________________________

لهذه الجهة. و ظهورها في عدم القصاص في المورد إنّما هو لأجل عدم تعيّن القاتل في مثل المورد، كما يقتضيه طبع القصة، فإنّه مع تحقّق القتل في مثله لا طريق إلى تشخيص القاتل مع عدم حضور الشاهد، بل و مع الحضور نوعاً لأنّه لا يمكن التشخيص كذلك. و من المعلوم أنّ رفع الخصومة كان من أمير المؤمنين (عليه السّلام) مبنيّاً على الموازين و الضوابط المعمولة، لا على الاعتماد على مثل علم الغيب. و عليه فعدم الحكم بالقصاص في المورد لأجل عدم وضوح القاتل و عدم الطريق إلى تعيينه، فلا ينافي ما دلّ على القصاص مع العلم به و تعيّنه، كما هو الظاهر من الرواية الأولىٰ.

إلّا أن يُقال: إنّ الحكم بثبوت دية المقتولين علىٰ خصوص المجروحين كما في الرواية لا يستقيم إلّا مع العلم بصدور القتل منهما، لأنّه لا مجال له بدون العلم به، و عليه فتدلّ الرواية على نفي القصاص مع تعيّن القاتل،

فتعارض مع الرواية الأُولى.

و لكنّه مدفوع بأنّه لا إشعار في الرواية بهذه الجهة، و قد عرفت أنّ مقتضى طبع القصّة هو الإبهام و عدم التعيّن، خصوصاً مع صراحة النقل الأوّل فيه، غاية الأمر أنّ الحكم بثبوت الدية على المجروحين حكم تعبّدي مغاير للرواية الأولى الدالّة علىٰ ثبوت الدية على قبائل الأربعة، و لا مجال لاستفادة ما ذكر منه، فالإنصاف أنّه لا تعارض بين الروايتين فيما يرجع إلى المقام، و هو ثبوت القصاص على السكران القاتل.

و بعد ذلك يقع الكلام في ترجيح القول بعدم القصاص كما في المتن، فهل يكون منشأه استفادة العدم من الصحيحة و ترجيحها على رواية السكوني، لعدم بلوغها في الاعتبار إلى مرتبة الصحيحة، بل رواية السكوني حجّة فيما لم يكن على خلافها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 181

..........

______________________________

رواية معتبرة، كما هو المحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) في العدة «1»، و منشأ الاستفادة ما ذكرنا من الحكم بثبوت الدية على المجروحين.

أو أنّ منشأه وجود المعارضة بين الروايتين و تساقطهما لأجل عدم ثبوت مزيّة في البين، فاللّازم الرجوع إلى القاعدة، و هي تقتضي عدم ثبوت القصاص.

فإن كان المنشأ هو الأوّل فقد عرفت عدم تمامية الاستفادة المزبورة، و إن كان المنشأ هو الثاني كما هو الظاهر من المتن فقد عرفت أنّه لا تعارض بين الروايتين أوّلًا، و عدم كون القاعدة مقتضية لعدم القصاص ثانياً، بل مقتضاها التفصيل، كما مرّ في المقام الأوّل.

الفرع الثاني: السكران غير الآثم مع خروجه عن العمد و الاختيار في حال صدور القتل، و الظاهر لزوم الرجوع فيه إلى القاعدة التي قد عرفت أنّ مقتضاها التفصيل بين صورة الجهل بترتّب القتل على شربه فلا يتحقّق موجب القصاص،

و بين صورة العلم به، فاللّازم الحكم به مع اتصاف الشرب بالإباحة، و ملاحظة الأهمّ و المهمّ مع الاتصاف بالوجوب.

و من الواضح أنّه لا يستفاد حكم هذا الفرع من النصّ، بعد كون مورده الشرب المحرَّم بقرينة إجراء حدّ الشرب عليه، كما في الصحيحة المتقدّمة، و عدم وضوح إلغاء الخصوصية بدعوى أنّ الحكم المذكور فيه هو حكم السكران القاتل، من دون فرق بين كون الشرب محرّماً أو غيره، كما لا يخفىٰ.

الفرع الثالث: استعمال ما يسلب العمد و الاختيار كالبنج و المرقد و غيرهما،

______________________________

(1) عُدّة الأصول: 1/ 380.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 182

..........

______________________________

و المحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) «1» أنّه ألحقه بالسكران الذي هو مورد الرواية، و حكم فيه بثبوت القصاص مطلقاً. و ظاهر المتن عدم ثبوت القصاص كذلك لاقتضاء القاعدة له.

و الحقّ بعد عدم جواز التعدّي عن مورد الرواية، خصوصاً بعد كون الحكم المذكور فيه مخالفاً للقاعدة، و لا يكون العرف موافقاً لإلغاء الخصوصية الرجوع إلى القاعدة الّتي قد عرفت اقتضاؤها التفصيل المتقدّم.

ثمّ إنّه في جميع هذه الفروض، لو شكّ في زوال العمد و الاختيار في حال صدور القتل، يكون مقتضى استصحاب عدم الزوال و بقاء الاختيار في تلك الحال تحقّق موجب القصاص، و هو قتل العمد فيترتّب عليه.

الفرع الرابع: القتل الصادر من النائم أو المغمىٰ عليه، و في الجواهر: لا إشكال نصّاً و فتوى في أنّه لا قود على النائم، بل الإجماع بقسميه عليه، لعدم القصد الذي يدرجه في اسم العمد، و كونه معذوراً في سببه «2».

و الظاهر أنّه لم يرد في خصوص المسألة نصّ، بل مراده بالنصّ هو النصوص العامّة الواردة في النائم الدالّة على معذوريته، و عدم ترتّب

حكم العمد على عمله، و قد وقع الاختلاف بعد عدم ثبوت القصاص عليه في أنّ الدية هل يكون في ماله كما في قتل شبه العمد، أو يكون على عاقلته كما في قتل الخطأ؟ و التحقيق موكول إلى كتاب الدّيات.

الفرع الأخير: القتل الصادر من الأعمى، و تردّد في ثبوت القصاص فيه في المتن.

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 50.

(2) جواهر الكلام: 42/ 188.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 183

..........

______________________________

و المنشأ أنّ المسألة خلافيّة، فالمحقّق في الشرائع استظهر ثبوت القصاص «1»، و نسب صاحب الجواهر ذلك إلى أكثر المتأخّرين «2»، و المحكيّ عن أبي علي «3» و الشيخ «4» و الصهرشتي و الطبرسي «5» و ابن حمزة «6» و ابن البراج «7»، بل و عن ظاهر الصدوق عدم ثبوت القصاص عليه «8»، و عن غاية المراد نسبة هذا القول إلى المشهور بين الأصحاب «9»، و منشأ الاختلاف وجود روايتين في المسألة في مقابل عمومات أدلّة القصاص، لا بدّ من ملاحظتهما من جهة تمامية السند و الدلالة و عدمها، و من جهة وجود الاختلاف بينهما و عدمه، فنقول:

الأولى: رواية محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول، فسالت عيناه على خدّيه، فوثب المضروب على ضاربه فقتله، قال: فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): هذان متعدّيان جميعاً، فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً، لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمىٰ جنايته خطأ يلزم عاقلته، يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 991.

(2) جواهر الكلام: 42/ 188.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 359 مسألة 47.

(4)

النهاية: 760.

(5) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11/ 32.

(6) الوسيلة: 455.

(7) المهذّب: 2/ 495 496.

(8) الفقيه: 4/ 93 ح 271.

(9) غاية المراد: 367.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 184

..........

______________________________

ماله، يؤخذ بها في ثلاث سنين، و يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه «1».

و تضعيف سند الرواية كما في المسالك «2» إنّما هو على طريق الشّيخ الذي فيه محمد بن عبد اللّٰه بن هلال الذي لم يرد فيه توثيق، بل و لا مدح، و أمّا على طريق الصدوق الذي رواه بإسناده عن العلاء فالرواية صحيحة لا مجال للمناقشة فيها من حيث السند.

و أمّا من جهة الدّلالة، فالظاهر أنّ محطّ النظر في السؤال إلى وقوع القتل عقيب الضرب الموجب لسيلان العينين على الخدّين، و تحقّق العمى لا بعنوان الدفاع الذي مرجعه إلى كون غرض الضارب قتل المضروب و عدم الاكتفاء بالضرب الكذائي، بل بعنوان العقوبة على عمله و الجزاء على فعله، بحيث لو لم يتحقّق منه ذلك لم يكن هناك أمر آخر، فما عن المختلف «3» من حمل الرواية على قصد الدفع مخالف لظاهر السؤال، مضافاً إلى أنّه مخالف لكثير من الأحكام المذكورة في الجواب، مثل الحكم بكونه متعدّياً أيضاً، و بثبوت الدّية على العاقلة أو على نفسه.

و أمّا الجواب: فالظاهر أن قوله (عليه السّلام): «و الأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته» يكون الخبر فيه هو «خطأ» بالرفع، و المقصود إعلام كون جناية الأعمى الصادرة في حال العمد خطأً و موضوعاً للدية المترتّبة على قتل الخطأ، كما في التعبيرات الواردة في الصبي و المجنون المشابهة لهذا التعبير. و أمّا احتمال كون «خطأ» منصوباً للحالية، و جعل الخبر هي الجملة الفعلية التي بعده، كما في

المسالك «4»، فيدفعه مضافاً إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 306، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 10 ح 1.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 167 168.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 360 مسألة 47.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 168.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 185

..........

______________________________

عدم اختصاص هذا الحكم بالأعمى، بل المبصر أيضاً تكون جنايته الصادرة في حال الخطأ على العاقلة أنّ الرواية صريحة في الاستدلال على نفي القود الذي موضوعه القتل العمدي الصادر من الأعمىٰ، و لا معنى لجعل الكبرى هو كون جناية الأعمى الصادرة في حال الخطأ على عهدة العاقلة. و حمل قوله في السؤال: «فوثب» على صورة الخطأ خطأ واضح، فلا ينبغي الارتياب في ظهور جملة «الأعمى جنايته خطأ» بل صراحتها في أنّ عمد الأعمى خطأ، و يترتّب عليه لزوم الدية على العاقلة، و أنّه لا قصاص فيه بوجه.

الثانية: رواية أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أعمى فقأ عين صحيح، فقال: إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدية في ماله، فان لم يكن له مال فالدية على الإمام، و لا يبطل حقّ امرئ مسلم «1».

و رمي الرواية بضعف السند كما في المسالك «2» أيضاً لا يكون له منشأ إلّا وجود عمّار الساباطي في السند، مع أنّه ثقة، بل من أجلّ الثقات، فلا مجال لهذا أصلًا.

و أمّا الدلالة فلو كان الجواب مشتملًا على الحكم بثبوت الدية في مورد الرواية لما كان يستفاد منه العدم في جميع موارد جناية الأعمى عمداً؛ لعدم إمكان القصاص في مورد الرواية كما هو الظّاهر، و أمّا الجواب بمثل ما ذكر في الرواية، فهو يدلّ على عدم القصاص في الأعمى مطلقاً، لإفادته قاعدة كلية، و هو أنّ عمد

الأعمى خطأ، فإنّ ظاهره شمول الحكم لجميع موارد عمده، فتدلّ على عدم ثبوت

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 65، أبواب القصاص في النفس ب 35 ح 1.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 167 168.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 186

[الشرط السادس: أن يكون المقتول محقون الدم]

الشرط السادس: أن يكون المقتول محقون الدم، فلو قتل من كان مهدور الدم كالساب للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فليس عليه القود، و كذا لا قود على من قتله بحقّ كالقصاص و القتل دفاعاً، و في القود على قتل من وجب قتله حدّا كاللّائط

______________________________

القصاص فيه.

و قد انقدح ممّا ذكرنا تمامية الروايتين من جهة إفادة عدم القصاص في الأعمىٰ، و لكن يبقى في البين أمران:

أحدهما: ما ذكره الشهيد الثاني (قدّس سرّه) في محكي المسالك «1» من ثبوت الاختلاف بين الرّوايتين، نظراً إلى اشتمال الأُولى على كون الدية تجب ابتداء على العاقلة، و مع عدمها تجب على الجاني؛ و اشتمال الثانية على كون الدية تجب على الجاني دون العاقلة، و مع عدم مال له تثبت على الامام.

و يدفعه أنّ الاختلاف بينهما إنّما هو بنحو الإطلاق و التقييد الذي لا يكون في الحقيقة اختلافاً، لوجود الجمع الدلالي عرفاً بينهما، فيقيّد الحكم بالثبوت على الجاني في الثانية بما إذا لم يكن للأعمى عاقلة، بشهادة الرّواية الأُولى التي وقع فيها هذا القيد، كما أنه يستفاد من الثانية ثبوت الدية على الإمام إذا لم يكن للجاني مال، فيقيّد به إطلاق الأولى لو كان لها إطلاق، من دون أن يكون بينهما اختلاف بوجه.

ثانيهما: أنّه علىٰ تقدير عدم الاختلاف و ثبوت الجمع بالنحو المذكور، يصير حاصل مفاد الروايتين ثبوت الدية على العاقلة أوّلًا، و على الجاني ثانياً، و على الإمام ثالثاً؛

مع أنّ الشهرة على خلافه، لعدم كون حكم الخطأ الثبوت على الجاني بعد عدم العاقلة، فتصير الروايتان معرَضاً عنهما، فكيف يجوز الاعتماد عليهما.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 168.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 187

و الزاني و المرتدّ فطرة بعد التوبة تأمّل و إشكال، و لا قود على من هلك بسراية القصاص أو الحدّ (1).

______________________________

و يمكن دفعه أيضاً بأنّ إعراض المشهور عن هذه الجهة لا يقدح فيما هو محلّ البحث في المقام، و هو ثبوت القصاص و عدمه، و قد عرفت دلالتهما على العدم، و لم يتحقّق إعراض المشهور عن هذه الجهة، بل ربّما تكون الشهرة موافقة لهما، كما عرفت في نقل القولين «1»، و لعلّ ما ذكر هو وجه تردّد المتن، و لكنّ الظّاهر أنّه لا مساغ لرفع اليد عن مقتضى الروايتين مع اعتبارهما من حيث الدلالة، خصوصاً مع كون مقتضى الاحتياط ذلك أيضاً.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص؛ ص: 187

(1) قد مرّ في أوّل الكتاب الإشكال على المتن، و مثله في تعريف موجب القصاص بأنّ الجمع بين توصيف النفس بالمعصومة، مع جعل أحد الشرائط كون المقتول محقون الدم ممّا لا وجه له، لكون المراد منهما أمراً واحداً، كما هو ظاهر.

و كيف كان فلا إشكال في أنّه لو كان المقتول مهدور الدم مطلقاً و لكلّ أحد، كالسابّ للنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) لا يترتّب على قتله قصاص و لو كان قتله عمداً، كما أنّه لا إشكال في عدم ثبوت القود بالإضافة

إلى ورثة المقتول إذا اختاروا القصاص و قتلوا القاتل. ففي صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد. و قال: من قتله الحدّ فلا دية له «2».

فإنّ السؤال و إن كان عن ثبوت الدية لمن قتله القصاص، إلّا أنّ الاستدلال في

______________________________

(1) تقدّم في ص 183.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 188

..........

______________________________

الجواب ظاهر في عدم ثبوت القصاص لَه أيضاً، و الروايات الدالّة على نفي الدية لمن قتله القصاص، الظاهرة في عدم ثبوت القصاص له أيضاً، بل بطريق أولىٰ، بل ربّما يستشعر منه مفروغية عدم القصاص كثيرة.

و لا إشكال أيضاً في عدم ثبوت القود لمن قتله الحدّ، كما يدلّ عليه الصحيحة المزبورة و الروايات الكثيرة الدالّة على أنّه أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له. و في رواية أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عمّن أُقيم عليه الحدّ، إيقاد منه أو تؤدّى ديته؟ قال: لا إلّا أن يزاد على القود «1». و يستفاد من هذه الرواية عدم ثبوت القصاص و لا الدية لمن قتله الحدّ أو القصاص، فتدبّر.

و كذا لا إشكال في أنّ الدافع القاتل للمهاجم الذي أراده لا يترتّب على قتله شي ء من القصاص و لا الدية، لدلالة الرّوايات الواردة فيه على أنّه لا شي ء عليه، و في بعضها التعبير بأنّ دمه هدر «2».

و كذا لا إشكال في عدم ثبوت القصاص لمن هلك بسراية القصاص أو الحدّ، و يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق

مثل قوله (عليه السّلام): أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له «3»، لأنّه أعمّ ممّا إذا كان الحدّ أو القصاص موجباً للقتل، أو كان القتل بالسراية رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة «4».

فإنّ قوله (عليه السّلام): «في قتل و لا جراحة» قرينة على عموم قوله: «من قتله

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 47، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 7.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 42 44، أبواب القصاص في النفس ب 22.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 47، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 9.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 47، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 189

..........

______________________________

القصاص»، كما لا يخفى.

هذه هي الموارد التي لا إشكال في عدم ثبوت القصاص فيها، و هنا موارد لا ينبغي الإشكال في ثبوت القصاص فيها. مثل ما إذا تعرّض لقتل القاتل الذي عليه القصاص غير ورثة المقتول من دون إذن و لا وكالة، فإنّ الظاهر ثبوت القصاص بالإضافة إلى القاتل الأجنبي، و إن كان المقتول مستحقّاً للقصاص بالنسبة إلى ورثة المقتول أوّلًا.

و مثل ما إذا تعرّض لقتل المهاجم في مسألة الدفع غير الدافع الذي وقع مورداً للتهاجم، فإنّ المهاجم بالإضافة إلى غير الدافع لا يكون مهدور الدم بوجه، و لا يشرع قتله كذلك، و عليه فقتله موجب للقصاص.

إنّما الإشكال و الكلام فيمن وجب قتله حدّا كالزاني المحصن و اللائط و غيرهما، و أنّه هل يكون قتله من دون مراجعة الحاكم و الاستئذان منه موجباً للقصاص أم لا؟ و في الجواهر: ليس في شي ء

ممّا وصل إلينا من النصوص تعرّض لذلك، فضلًا عن تواترها، نعم ظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك بالنسبة للمسلم «1». و قد أشار بذلك إلى الإشكال على صاحب الرياض، حيث إنّه بعد الاستدلال بالإجماع الظاهر المصرَّح به في كثير من العبائر كالغنية «2» و السرائر «3» استدلّ بالاعتبار و المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر «4»، و أورد منها رواية أبي الصباح الكناني المتقدّمة، مع وضوح عدم تعرّضها لهذه المسألة.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 192.

(2) غنية النزوع: 403.

(3) السرائر: 3/ 324.

(4) رياض المسائل: 10/ 301 302.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 190

..........

______________________________

و كيف كان فالعمدة في المسألة دعوى الإجماع من جماعة من الفقهاء العظام، و فتوى مثل المحقِّق في الشرائع بأنّ المسلم لو قتله يعني المرتد لم يثبت القود «1». و مقتضى إطلاق كلامه الشمول للمرتدّ الفطري و لو بعد التوبة و قبولها، لأنّه مع عدم القبول يكون عدم القصاص لفقدان شرط التساوي في الدين المتقدّم ذكره، فإنّ تحقّق اطمئنان من نقل هؤلاء و من فتوى مثل المحقّق، فاللّازم الحكم بعدم ثبوت القصاص، و إلّا فلا دليل على نفيه. و مجرّد كون الحدّ هو القتل لا يستلزم نفي القصاص. و ممّا ذكرنا ظهر وجه التأمّل و الإشكال في المسألة كما في المتن.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 991.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 191

[القول في ما يثبت به القود]

اشارة

القول في ما يثبت به القود و هو أُمور:

[الأوّل: الإقرار بالقتل]

اشارة

الأوّل: الإقرار بالقتل و يكفي فيه مرّة واحدة، و منهم من يشترط مرّتين، و هو غير وجيه (1).

______________________________

(1) أمّا أصل الثبوت بالإقرار، فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه أصلًا عموم: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز «1»، و خصوص الروايات الواردة في المقام الدالّة على مفروغية ذلك.

و أمّا كفاية المرّة فعليه الأكثر «2»، و المحكي عن الشيخ «3» و ابن إدريس «4» و ابن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 111، كتاب الإقرار ب 3 ح 2، مستدرك الوسائل: 16/ 31، كتاب الإقرار ب 2 ح 1.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 174.

(3) النهاية: 742.

(4) السرائر: 3/ 341.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 192

[مسألة 1 يعتبر في المقرّ: البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد، و الحرية]

مسألة 1 يعتبر في المقرّ: البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد، و الحرية. فلا عبرة بإقرار الصبي و إن كان مراهقاً، و لا المجنون و لا المكرَه و لا الساهي و النائم و الغافل و السكران الذي ذهب عقله و اختياره.

______________________________

البراج «1» و ابن سعيد «2» و بعض آخر «3» اشتراط مرّتين، و يدلّ على الأوّل مضافاً إلى العموم المذكور خصوص بعض الروايات، كالمرفوعة الآتية في المسألة الرابعة و غيرها.

و أمّا اعتبار التعدّد فلا وجه له سوى مسألة الاحتياط في الدماء التي لا يبقى لها مجال مع وجود الدليل على خلافها، مضافاً إلى أنّها معارضة بمثلها، لاحتمال تحقّق القتل العمدي من المقرّ.

نعم يمكن الاستدلال عليه بالأولوية، بالإضافة إلى السرقة التي لا يثبتها الإقرار إلّا مع التعدّد، حيث إنّها مع عدم ترتّب الأثر عليها نوعاً إلّا القطع يعتبر فيها التعدّد، ففي المقام الذي يراد ترتيب أثر القصاص على الإقرار يكون اعتبار التعدّد بطريق أولىٰ.

و يدفعه أنّ اعتبار التعدّد في السرقة

إنّما هو بالإضافة إلى القطع الذي هو حقّ اللّٰه، و أمّا بالإضافة إلى المال فيكفي فيه المرّة، و المقام أيضاً من حقوق الناس، فلا مجال للأولوية.

(1) قد مرّ البحث في اعتبار هذه الأُمور غير الحرية في الإقرار مراراً، و أمّا

______________________________

(1) المهذّب: 2/ 502.

(2) الجامع للشرائع: 577.

(3) كالطبرسي، حكى عنه في التنقيح الرائع: 4/ 432.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 193

[مسألة 2 يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمدي]

مسألة 2 يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمدي، فيؤخذ بإقراره، و يقتصّ منه في الحال من غير انتظار لفكّ حجره (1).

[مسألة 3 لو أقرّ شخص بقتله عمداً و آخر بقتله خطأً]

مسألة 3 لو أقرّ شخص بقتله عمداً و آخر بقتله خطأً، كان للولي الأخذ بقول صاحب العمد فيقتصّ منه، و الأخذ بقول صاحب الخطأ فيلزمه بالدية، و ليس له الأخذ بقولهما (2).

______________________________

اعتبار الحرّية فلأنّ إقرار العبد إنّما هو على المولى، فلا يقبل، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه.

(1) الوجه فيه أنّ الحجر المالي للسفه أو الفلس لا يستلزم الحجر بالإضافة إلى مثل المقام، فيؤثِّر إقراره في ثبوت القتل العمدي، و يقتصّ منه من دون انتظار لزوال حجره، و لا يبعد القول بجواز المصالحة مع وليّ المقتول على الدية، غاية الأمر أنه لا يشترك مع الغرماء في المال، بل يثبت في ذمّته، كما إذا أقرّ بقتل غير العمد، فتدبّر.

(2) الظاهر أنّ مقتضى القاعدة فيما إذا كان هناك أزيد من إقرار واحد متعلق بالقتل، سواء كان هو القتل عمداً أو القتل خطأ أو على الاختلاف هو التخيير، أي تخيير وليّ المقتول في الرجوع، و لا مجال للرجوع إلى الجميع بعد العلم الإجمالي بعدم ثبوت هذا الحقّ له، لأنّ المقرّ به هو القتل على سبيل الانفراد دون الاشتراك، فالحقّ الثابت للوليّ إنّما هو بالإضافة إلى واحد دون أزيد، فلا يجوز له الرجوع إلى الجميع.

كما أنّ الظاهر أنّه لا مجال في المقام لدعوى التساقط الذي هو الأصل الأولي في تعارض الأمارتين أو الأصلين، لثبوت بناء العقلاء على التخيير، دون رفع اليد عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 194

[مسألة 4 لو اتّهم رجل بقتل و أقرّ المتّهم بقتله عمداً، فجاء آخر و أقرّ]

مسألة 4 لو اتّهم رجل بقتل و أقرّ المتّهم بقتله عمداً، فجاء آخر و أقرّ أنّه هو الذي قتله و رجع المقرّ الأوّل عن إقراره، درأ عنهما القصاص و الدية، و تؤدّىٰ

______________________________

الجميع. و كيف كان فإن

كان مقتضى القاعدة في المقام هو التخيير، فلا حاجة في مقام الاستدلال إلى أزيد منها، و إن لم يكن كذلك فربّما يستدلّ على التخيير بدعوى الإجماع عليه كما في محكيّ الانتصار «1» و بما رواه الحسن بن محبوب، عن الحسن ابن صالح قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وجد متقولًا فجاء رجلان إلى وليّه، فقال أحدهما: أنا قتلته عمداً، و قال الآخر: أنا قتلته خطأً؟ فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل، و إن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل (شي ء). و رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن حيّ «2».

و الظاهر أنّه هو الحسن بن صالح، و أنّ حيّاً هو جدّه. و لكنّه على ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) متروك العمل بما يختصّ بروايته و يتفرّد بها «3»، كما في المقام. و ابن محبوب و إن كان من أصحاب الإجماع إلّا أنّه قد تقدّم في كتاب الحدود، أنّ كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يوجب أزيد من تسلّم وثاقته و الاعتماد عليه، و لا يقتضي بالنسبة إلى من يروي عنه شيئاً. فالرواية غير قابلة للاعتماد، كما أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد لا حجّية فيه.

و عليه فلو فرض كون التخيير على خلاف القاعدة لا مجال للاستدلال عليه بالرواية و الإجماع المذكورين، خصوصاً بعد عدم موافقة شهرة محقّقة للرواية،

______________________________

(1) الإنتصار: 543 مسألة 303.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 106، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 3 ح 1.

(3) التهذيب: 1/ 408.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 195

دية المقتول من بيت المال على رواية عمل بها الأصحاب، و لا

بأس به، لكن يقتصر علىٰ موردها، و المتيقّن من مورد فتوى الأصحاب، فلو لم يرجع الأوّل عن إقراره عمل على القواعد، و لو لم يكن بيت مال للمسلمين فلا يبعد إلزامهما أو إلزام أحدهما بالدية، و لو لم يكن لهما مال ففي القود إشكال (1).

______________________________

لأنّه حكي عن الغنية «1» و الإصباح «2» تخيّر الولي بين قتل المقرّ بالعمد و أخذ الدية منهما نصفين.

ثمّ إنّ إلزام الدية على المقرّ بالقتل خطأ إنّما هو لعدم تأثير إقراره بالإضافة إلى العاقلة، لكونه إقراراً عليهم، و ثبوت الدية على العاقلة يحتاج إلى إحراز الخطإ، كما أنّ القصاص يحتاج إلى إحراز العمد، و أمّا ثبوت الدية على القاتل فلا يحتاج إلى إحراز شي ء سوى القتل و عدم إحراز العمد أو الخطأ، فتدبّر.

(1) الرواية هي ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) برجل وجد في خربة و بيده سكّين ملطَّخ بالدم، و إذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السّلام): ما تقول؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فأقيدوه به، فلمّا ذهبوا به أقبل رجل مسرع إلى أن قال: فقال: أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) للأوّل: ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال: و ما كنت أستطيع أن أقول، و قد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال، و أخذوني و بيدي سكين ملطَّخ بالدَّم، و الرّجل يتشحّط في دمه و أنا قائم عليه خفت الضرب فأقررت، و أنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة،

______________________________

(1) غنية النزوع: 407.

(2) إصباح الشيعة: 494، و كذا في الكافي في الفقه: 386 387.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 196

..........

______________________________

و أخذني البول فدخلت الخربة فرأيت الرجل متشحّطاً في دمه، فقمت متعجِّباً! فدخل عليَّ هؤلاء فأخذوني، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن، و قولوا له: ما الحكم فيهما؟ قال: فذهبوا إلى الحسن و قصّوا عليه قصّتهما، فقال الحسن (عليه السّلام): قولوا لأمير المؤمنين (عليه السّلام): إن كان هذا ذبح ذاك فقد أحيى هذا، و قد قال اللّٰه عزّ و جلّ وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً «1». يخلّى عنهما و تخرج دية المذبوح من بيت المال.

و رواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم نحوه، و رواه أيضاً مرسلًا نحوه، و رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام) نحوه «2»، و لكنّه ربّما يقال: بأنّ ما في الوسائل من أنّ الصدوق رواه بالإسناد المذكور إنّما هو سهو من قلم صاحب الوسائل «3».

و كيف كان فالظاهر أنّ الحكم الأوّل بإجراء القصاص عليه لا بدّ و أن يحمل على وجود شرائطه، و منها اختيار الولي ذلك، أو كون المورد ممّن لا وليّ له غير الإمام، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من شهود جماعة هو شهودهم لكون الرجل مذبوحاً، و كون الآخر قائماً عليه و بيده سكين كذائي لا شهادتهم على القتل. كما أنّ خوفه من الضرب الموجب للإقرار لا يستلزم كون إقراره لا عن اختيار، لعدم تحقّق توعيد و تهديد من ناحية الجماعة المذكورين بوجه، و الخوف الباطني من دون اقتران بالتوعيد لا يوجب تحقّق الإكراه، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الإقرار وقع عند أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و في ذلك الوقت لا يحتمل الضرب أصلًا.

______________________________

(1) المائدة 5: 32.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 107،

كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 4 ح 1.

(3) انظر مباني تكملة المنهاج: 2/ 95 مسألة 97.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 197

..........

______________________________

ثمّ إنّ الرواية مضافاً إلى كونها ضعيفة السند مخالفة للقاعدة، لأنّ مقتضاها فيما إذا كان هناك إقراران تخيير وليّ المقتول في الرجوع إلى أحد المقرّين و الاقتصاص منه، و رجوع المقرّ الأوّل عن إقراره بعد الإقرار الثاني لا يستلزم عدم جواز رجوع الولي إليه، لأنّه لا أثر للرجوع بعد الإقرار، كما قد تحقّق في كتاب الإقرار، فمقتضى القاعدة في مورد الرواية أيضاً المشتمل على الرجوع تخيير الوليّ في الاقتصاص، فالرواية مخالفة للقاعدة.

كما أنّ استدلال الإمام الحسن (عليه السّلام) لسقوط القصاص عنهما بأنّ المقرّ الثاني إن كان ذبح المقتول فقد أحيى المقرّ الأوّل المحكوم بالقصاص، مستشهداً بقوله تعالىٰ وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً ممّا لا يكون مبيَّناً لنا، و لا يبتنى الفقه عليه على الضوابط الموجودة و القواعد المحقَّقة، فإنّه إذا أقرّ شخص بقتل زيد مثلًا و صار محكوماً بالقصاص فهل يرتفع قصاصه إذا منع عمراً من قتل بكر، بحيث لو لم يتحقّق المنع لكان القتل متحقّقاً قطعاً مع أنّ الدليل المذكور يجري فيه.

و عليه فالاستدلال المذكور غير مبيَّن لنا، و لكنّه لا يقدح في ظهور الرواية من حيث الدلالة على سقوط القصاص عنهما، فلو فرض انجبار ضعف السند بعمل الأصحاب و استناد المشهور إليه لا بدّ من الحكم على طبق الرواية، كما نفى البأس عنه في المتن. و الظاهر ثبوت الاستناد، فعن التنقيح «1» و غاية المرام «2»: عليها عمل الأصحاب، و عن السرائر نسبته إلى رواية أصحابنا «3».

______________________________

(1) التنقيح الرائع: 4/ 434.

(2) غاية المرام: 4/ 393.

(3)

السرائر: 3/ 343.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 198

..........

______________________________

و أمّا ما عن المسالك «1» و أبي العباس «2» من المخالفة نظراً إلى إرسال الرواية و إلى اقتضاء ذلك إسقاط حق المسلم، لجواز التواطؤ من المقرّين على قتله و إسقاط القصاص و الدية فيدفعه أنّ الإرسال لا يقدح مع الانجبار، و الاعتبار المذكور لا ينهض في مقابل الرواية المنجبرة. مضافاً إلى بطلانه في نفسه، لأنّ المفروض أنّه لا طريق إلى إحراز القتل غير الإقرار، و عليه فلا ملزم للتواطؤ المذكور بعد إمكان عدم الإقرار من واحد منهما من رأس، كما لا يخفىٰ.

ثم إنّ الرواية حيث تكون مخالفة للقاعدة يقتصر في الحكم على طبقها على خصوص موردها، و عليه فلو لم يرجع المقرّ الأوّل عن إقراره بعد الإقرار الثاني بل بقي على إقراره يرجع فيه إلى القاعدة التي عرفت أنّ مقتضاها تخيير الولي في الرجوع و الاقتصاص، و إن كان مقتضى الاستدلال المذكور في الرواية عدمه.

و أمّا لو لم يكن بيت مال للمسلمين مع ثبوت المال للمقرّين فلا يبعد كما في المتن عدم تغيّر الحكم، لأنّ التأدية من بيت المال إنّما هو لئلّا يبطل دم مسلم، فإذا فرض إمكان التأدية من مال المقرِّين بالاشتراك أو بالتخيير لا يوجب تحقّق البطلان، و عليه فسقوط القصاص عنهما بحاله، فتدبّر.

و هذا بخلاف ما إذا لم يكن مال لهما أيضاً، فإنّه يشكل الحكم حينئذٍ من جهة أنّ سقوط القصاص مستلزم للبطلان المذكور، و من جهة أنّ سقوط القصاص و لزوم أداء المال أمران، فإذا لم يمكن الثاني كما هو المفروض يبقى الأوّل بحاله، و لأجله استشكل في المتن في القود، و مقتضى الاحتياط العدم، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)

مسالك الأفهام: 15/ 177، الروضة البهية: 10/ 70.

(2) المهذّب البارع: 5/ 202.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 199

[الثاني: البيّنة]

اشارة

الثاني: البيّنة لا يثبت ما يوجب القصاص سواء كان في النفس أو الطرف إلّا بشاهدين عدلين، و لا اعتبار بشهادة النساء فيه منفردات و لا منضمّات إلى الرجل، و لا توجب (لا يجب ظ) بشهادتهنّ الدية فيما يوجب القصاص، نعم تجوز شهادتهنّ فيما يوجب الدية كالقتل خطأ أو شبه عمد، و في الجراحات التي لا توجب القصاص كالهاشمة و ما فوقها، و لا يثبت ما يوجب القصاص بشهادة شاهد و يمين المدّعى على قول مشهور (1).

______________________________

(1) لا إشكال و لا خلاف في ثبوت القتل الموجب للقصاص و كذا الجناية على العضو الموجبة له بشاهدين عادلين، كما أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في عدم ثبوته بشهادة النساء منفردات، و أمّا مع الانضمام فالمحكيّ عن الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط «1» و العلّامة «2» و بعض آخر «3» الثبوت به، و عن جماعة منهم الشيخ في النهاية «4» ثبوت الدية بدلًا عن القصاص، و حكم المحقِّق في الشرائع بشذوذه «5»، و صريح المتن عدم ثبوت القصاص و لا الدية.

نعم تجوز شهادتهنّ و لو منفردات في الأمور المالية؛ كالقتل خطأً أو شبه عمد، و كالجراحات التي حكم الشارع في موردها بالدية، كالهاشمة المؤثّرة في كسر العظم

______________________________

(1) حكاه عن مبسوطه العلّامة في المختلف: 8/ 483 مسألة 74، و كذا الشهيد في المسالك: 15/ 178، و لكن في المبسوط: 8/ 172 قوّى الثبوت و استثنى القصاص.

(2) مختلف الشيعة: 8/ 483 مسألة 74.

(3) كابن أبي عقيل، حكى عنه في المختلف: 8/ 474 و 483 مسألة 74 و المحقّق

في الشرائع: 4/ 921.

(4) النهاية: 333.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 993.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 200

[مسألة 1 يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحة أو كالصريحة]

مسألة 1 يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحة أو كالصريحة نحو قوله: «قتله بالسيف» أو «ضربه به فمات» أو «أراق دمه فمات منه». و لو كان فيه إجمال أو احتمال لا تقبل، نعم الظاهر عدم الاعتبار بالاحتمالات العقلية التي لا تنافي الظهور أو الصراحة عرفاً، مثل أن يقال في قوله: «ضربه بالسيف فمات»، يحتمل أن يكون الموت بغير الضرب، بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائي، و لا يلزم التصريح بما لا يتخلّل فيه الاحتمال عقلًا (1).

______________________________

التي تكون ديتها عشرة أبعرة ظاهراً، و التحقيق في هذا الباب موكول إلى كتاب الشهادات. كالبحث في الاكتفاء بشاهد و يمين فيما يوجب القصاص، كما هو المنسوب إلى المشهور.

(1) الظاهر أنّ القتل ليس له خصوصية موجبة لاعتبار كون شهادته بنحو الصراحة التي لا يجري فيها احتمال الخلاف و لو عقلًا، بل هو كسائر الموضوعات التي يكفي في ثبوتها دلالة الشهادة عليه، و لو بنحو الظهور العرفي الذي مرجعه إلى عدم وجود احتمال عقلائي معتدّ به على خلافه، و إن كان هناك احتمال الخلاف عقلًا.

و شبهة ثبوت الإجماع في خصوص المقام، كما تشعر بها عبارة الجواهر «1» مندفعة بظهور عدم تحقّق الإجماع في المقام، بل و لم يتحقّق دعوى الإجماع أيضاً. و التعبير بلزوم كون الشهادة صافية عن الاحتمال كما في الشرائع «2» يكون المراد به

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 210.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 993.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 201

[مسألة 2 يعتبر في قبول الشهادة أن ترد شهادتهما على موضوع واحد]

مسألة 2 يعتبر في قبول الشهادة أن ترد شهادتهما على موضوع واحد و وصف واحد، فلو شهد أحدهما أنّه قتله غدوة و الآخر عشية، أو شهد أحدهما أنّه قتله بالسمّ و الآخر أنّه بالسيف،

أو قال أحدهما: أنّه قتله في السوق، و قال الآخر: في المسجد، لم يقبل قولهما. و الظاهر أنّه ليس من اللّوث أيضاً، نعم لو شهد أحدهما بأنّه أقرّ بالقتل و الآخر بمشاهدته لم تقبل شهادتهما، و لكنّه من اللّوث (1).

______________________________

هو الاحتمال العقلائي المنافي للظهور، لا الصراحة بدليل التمثيل بقوله: «ضربه بالسيف فمات»، فتدبّر.

(1) لا شبهة في أنّه مع توقّف ثبوت القتل مثلًا على شهادة شاهدين، لا محيص عن اعتبار اتّحادهما من حيث الموضوع و من حيث الأوصاف و الخصوصيات الراجعة إلى الزمان و المكان و آلة القتل و نحوها، فلا اعتبار بالشهادة في الأمثلة المذكورة في المتن، لثبوت الاختلاف الّذي مرجعه إلى التكاذب المقتضي للتساقط. و اشتراكهما في الشهادة على أصل القتل لا يجدي بعد عدم انفكاكه عن الخصوصية الموجودة فيه المشهودة بها. و منه يظهر عدم كون هذا المورد لوثاً، خلافاً للشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط «1»؛ لأنّ مورده ما إذا كان هناك شاهد واحد مثلًا، و مرجع المقام بعد التساقط إلى عدم وجود شهادة في البين أصلًا، فلا يكون لوثاً. و هذا بخلاف الفرض الأخير، فإنّه و إن لم تكن الشهادة فيه مقبولة بلحاظ إثبات الإقرار أو أصل القتل لعدم اجتماع الشرائط من هذه الجهة، إلّا أنّه حيث لا يكون بين الشهادتين تكاذب لإمكان صحّتهما و صدقهما، بل كون كلّ واحدة منهما مؤيِّدة

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 254.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 202

[مسألة 3 لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقاً، و شهد الآخر بالإقرار عمداً]

مسألة 3 لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقاً، و شهد الآخر بالإقرار عمداً، ثبت أصل القتل الذي اتّفقا عليه، فحينئذٍ يكلّف المدّعىٰ عليه بالبيان، فإن أنكر أصل القتل لا يقبل منه، و إن أقرّ بالعمد

قبل منه، و إن أنكر العمد و ادّعاه الولي فالقول قول الجاني مع يمينه. و إن ادّعى الخطأ و أنكر الولي قيل يقبل قول الجاني بيمينه، و فيه إشكال، بل الظاهر أنّ القول قول الولي، و لو ادّعى الجاني الخطأ و ادّعى الولي العمد فالظاهر هو التداعي (1).

______________________________

للأُخرىٰ يكون لوثاً، كما هو ظاهر.

(1) أمّا ثبوت أصل القتل فلاتّحاد الشهادتين في المشهود به، و هو الإقرار بالقتل، و إضافة توصيفه بالعمد في إحداهما لا تنافي القبول، لأنّ عدم تعرّض الآخر له لا ينافي تعرّض الأوّل بوجه. و عليه فيصير محكوماً بالإقرار بالقتل، و حيث لا يكون معلوماً من حيث النوع فالحاكم يكلّفه بالبيان و التفسير، فإن أقرّ بالعمد يقبل منه مع تصديق الوليّ له، كما أنّه لو أقرّ بالخطإ و صدّقه الوليّ ينتفى القصاص و تثبت الدية على المقرّ لا على العاقلة، لعدم نفوذ إقراره في حقّهم، و لو كان مقروناً بتصديق الوليّ لجواز التواطؤ عليه، كما لا يخفىٰ.

و إن وقع الاختلاف بين المقرّ و الوليّ ففيه فروض ثلاثة:

الأوّل: ما إذا كان الوليّ مدّعياً و المقرّ منكراً، كما إذا ادّعى الوليّ العمد و أنكره المقرّ، و لا إشكال في أنّ القول قول المقرّ الجاني بيمينه لكونه منكراً.

الثاني: ما إذا كان المقرّ مدّعياً للخطإ و الوليّ منكراً له، و استظهر في المتن أنّ القول قول الوليّ بيمينه، لكونه منكراً لما يدّعيه المقرّ. و ظاهر الفاضلين في الشرائع «1»

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 994.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 203

[مسألة 4 لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمداً، و الآخر بالقتل المطلق]

مسألة 4 لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمداً، و الآخر بالقتل المطلق، و أنكر القاتل العمد و ادّعاه الولي، كان شهادة الواحد لوثاً، فإن أراد

الولي إثبات دعواه فلا بدّ من القسامة 1.

______________________________

و القواعد «2» اشتراك هذا الفرض مع الأوّل في تقديم قول الجاني، نظراً إلى أنّه أمر لا بدّ من الرجوع إليه، لكونه بياناً و تفسيراً لإقراره، و لا يعرف ذلك إلّا من قبله، و لكنّ الظاهر ما في المتن لما ذكر.

الثالث: ما إذا كان كلّ واحد منهما مدّعياً، بأن كان الوليّ مدّعياً للعمد، و المقرّ مدّعياً للخطإ. و الحكم فيه يمين كلّ منهما، و مقتضاها سقوط الدعويين، و الظاهر الرجوع إلى الدية في مال المقرّ. و مقتضى الاحتياط المصالحة عليها، كما لا يخفىٰ.

(1) الوجه في كون شهادة الواحد لوثاً عدم التكاذب و التعارض بين الشاهدين، لعدم تعرّض الآخر لصفة العمد لا نفيه لها. و عدم التعرّض المذكور و إن كان يوجب عدم ثبوت قتل العمد الذي هو موجب القصاص إلّا أنّه لا يوجب أن لا تكون شهادة الواحد لوثاً، فيكون كما لو لم يكن هناك شاهداً آخر. نعم لا ينبغي الإشكال في ثبوت أصل القتل بذلك، فإن أراد الوليّ القصاص لادّعائه كون القتل بنحو العمد لا بدّ له في إثبات دعواه من القسامة، و إلّا فتثبت الدية.

و هذا بخلاف ما إذا شهد أحدهما بالقتل عمداً و الآخر بالقتل خطأً، فإنّه لا تكون شهادة الأوّل لوثاً، و إن اختاره العلّامة في التحرير «1»، بل و لا يثبت أصل

______________________________

(2) قواعد الأحكام: 2/ 294.

(1) تحرير الأحكام 2: 251.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 204

[مسألة 5 لو شهد اثنان بأنّ القاتل زيد مثلًا]

مسألة 5 لو شهد اثنان بأنّ القاتل زيد مثلًا، و آخران بأنّه عمرو دونه، قيل: يسقط القصاص و وجب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبيهاً به، و

على عاقلتهما لو كان خطأ. و قيل: إنّ الولي مخيّر في تصديق أيّهما

______________________________

القتل بذلك، و إن استشكل فيه في القواعد «1».

أمّا أصل القتل فربّما يقال فيه بالثبوت، لاتّفاق الشهادتين في ثبوته، و اختلافهما في الصفة. و الفرق بين هذا المقام و بين ما تقدّم من الاختلاف في الخصوصيات الراجعة إلى الزمان أو المكان أو آلة القتل أو نحوها حيث لا يثبت أصل القتل فيه كما مرّ، بأنّ تلك الخصوصيات إنّما كانت مرتبطة و مضافة إلى القتل، لكونها ظرفاً زمانيّاً أو مكانياً للفعل أو آلة لتحقّقه و أشباههما، و أمّا خصوصية العمديّة و الخطئيّة فمرتبطة بالفاعل، من جهة كونه قاصداً و مريداً و عدم كونه كذلك، فلا مجال للتشبيه.

و لكن يدفعه أنّ الفعل كما له إضافة و ارتباط بالأمور المذكورة، كذلك له إضافة بالفاعل من جهة القصد و عدمه، و لذا يترتّب عليه الحسن و القبح، فالعمل الصادر عن قصد يغاير العمل الصادر عن غيره. و حينئذ فلا فرق بين أن يكون الاختلاف في الأُمور المذكورة، و بين أن يكون في جهة العمد و الخطأ. و عليه فلا يثبت أصل القتل، لثبوت التعارض و التكاذب.

و منه يظهر عدم كون هذا الفرض لوثاً، لأنّ مورده صورة وجود الشاهد الواحد الخالي عن المعارض الموجب للسقوط، فمع وجود المعارض لا يتحقّق اللّوث بوجه، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 294.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 205

شاء، كما لو أقرّ اثنان كلّ واحد بقتله منفرداً، و الوجه سقوط القود و الدية جميعاً (1).

______________________________

(1) يستفاد من الجواهر «1» أنّ صحّة تصوير قيام البيّنتين إمّا أن تكون لأجل اختيار صحّة التبرّع بالشهادة بالدّم، أو لأجل ثبوت وكيلين للمدّعي

و ادّعاء كل واحد منهما مقروناً بإقامة بيّنة خاصّة، أو لأجل القول بأنّه يجوز للمدّعىٰ عليه إبراء نفسه بإقامة البيّنة على أنّ القاتل غيره.

و يمكن أن يكون لأجل تخيّل المدّعى أنّ الأربعة يشهدون بكون القاتل فلاناً، ثم رأى الاختلاف بينهما عند الحاكم من جهة المشهود عليه، و يمكن أن يكون لغير ذلك، و كيف كان ففي المسألة أقوال:

أحدها: سقوط القصاص و تنصيف الدية عليهما أو على العاقلة بالنحو المذكور في المتن. و حكي هذا القول عن الشيخين في المقنعة «2» و النهاية «3»، و القاضي «4» و الصهرشتي و أبي منصور الطبرسي «5»، و الفاضل في بعض كتبه «6» و ولده «7» و أبي العبّاس «8».

و مرجعه إلى تعارض البيّنتين و تساقطهما بالإضافة إلى ما يترتّب على قتل العمد

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 218 219.

(2) المقنعة: 737.

(3) النهاية: 742.

(4) المهذّب: 2/ 502.

(5) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11/ 47.

(6) مختلف الشيعة: 9/ 314 مسألة 22، تحرير الأحكام: 2/ 251.

(7) إيضاح الفوائد: 4/ 608.

(8) المقتصر: 431.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 206

..........

______________________________

من القصاص، و إن كان المشهود به لكليهما هو قتل العمد، و لكن لا تتساقطان بالإضافة إلى الدية، بل تثبت بالاشتراك و التنصيف بينهما أو بين عاقلتهما.

أقول: أمّا سقوط القصاص في قتل العمد مع تعارض البيّنتين، فلا شبهة فيه بعد ما عرفت من أنّ اختلافهما في الخصوصيات مثل الزمان و المكان يوجب تساقطهما، فإنّه إذا كان الاختلاف في الزمان مثلًا موجباً لعدم ترتّب الأثر على شي ء من البيّنتين مع عدم مدخليته في القصاص أصلًا؛ لأنّ الموجب له هو قتل العمد بلا مدخلية للزمان، فالاختلاف في تعيين القاتل موجب للسقوط بطريق أولىٰ.

هذا،

مضافاً إلى أنّ الاقتصاص من كليهما مع العلم ببراءة أحدهما و عدم صدور القتل منه بوجه لا مجال له أصلًا. و الاقتصاص من أحدهما ترجيح بلا مرجّح، و تخيير الوليّ كما في الإقرارين لا دليل له بعد كون مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين هو التساقط، كما حقّق في الأصول. و أمّا القرعة فلا مجال لها أصلًا، لا لما في الجواهر «1» من الاحتياط في الدماء، بل لعدم العلم الإجمالي بعدم خروج القاتل عنهما.

و أمّا ثبوت الدية عليهما أو على عاقلتهما بنحو التنصيف، فربّما يستدلّ عليه بأنّه إن لم نقل بذلك يلزم إمّا بطلان دم امرئ مسلم إن لم نقل بثبوت الدية أصلًا، أو إيجاب شي ء بغير سبب و لا علّة، إن قلنا بثبوتها على الأجنبي الذي هو شخص ثالث، أو الترجيح بلا مرجّح إن أوجبناه على أحدهما المعيّن، فاللّازم هو الحكم

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 219.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 207

..........

______________________________

بالثبوت عليهما بنحو الاشتراك «1».

و يرد عليه أنّ هذا الدليل لا يقتضي ارتباط القتل و استناده بهما، بعد تعارض الأمارتين و اقتضائه التساقط، فاللّازم الحكم بثبوت الدية على بيت المال مثلًا، كسائر الموارد التي لا يعرف القاتل بوجه.

هذا، مضافاً إلى أنّه يمكن القول بالتخيير الذي مرجعه إلى عدم العلم بأخذ الدّية ممّن لا يكون قاتلًا، بخلاف التشريك و التنصيف.

و بالجملة: إثبات ذلك من طريق القاعدة كما رامه المستدلّ مشكل بل ممنوع جدّاً. نعم يمكن القول بأنّ فتوى الشيخين في كتابي المقنعة «2» و النهاية «3» اللّتين هما من الكتب المعدَّة لنقل فتاوي الأئمّة (عليهم السّلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم، كما هو الشأن في تدوين الكتب الفقهية في الأزمنة السالفة إلى

زمن تأليف مبسوط الشيخ يكشف عن وجود نصّ دالّ على ذلك، و أنّ ذلك النصّ كان مفتى به لهما. و يؤيّده تصريح السرائر «4» و التحرير «5» بثبوت الرواية في المقام.

هذا، و لكنّه حيث لا تكون الرواية واصلة إلينا و لا منقولة في كتب الحديث، و فتواهما و إن كانت كاشفة عن النصّ لما ذكر، إلّا أنّه حيث تكون الرواية المكشوفة بهذا الطريق مرسلة لا محالة؛ لعدم تعرّضهما لذكر السند، فإن كان مفتى بها عند المشهور لكان إرسالها منجبراً باستناد المشهور إليها، و أمّا مع عدم تحقّق الشهرة

______________________________

(1) راجع إيضاح الفوائد: 4/ 608 و المهذّب البارع: 5/ 203 204.

(2) المقنعة: 737.

(3) النهاية: 742.

(4) السرائر: 3/ 341.

(5) تحرير الأحكام: 2/ 251.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 208

..........

______________________________

فلا يبقى مجال للانجبار، و لأجله لا يمكن الفتوى علىٰ طبقها مع كونها مخالفة للقاعدة، كما عرفت.

ثانيها: كون الوليّ مخيّراً في تصديق أيّهما شاء، كما لو أقرّ اثنان كلّ واحد بقتله منفرداً، و هو محكي عن ابن إدريس «1» و عن المحقّق الثاني الجزم به «2»، و عمدة ما استدلّ به عليه ثبوت التخيير فيما لو شهد اثنان على واحد بأنّه القاتل و أقرّ آخر بالقتل، و قياس المقام عليه، و يرد عليه مضافاً إلى عدم معلومية ثبوت التخيير هناك كما يأتي في المسألة السادسة إن شاء اللّٰه تعالىٰ أنّه على تقديره لا مجال للقياس، خصوصاً في الحكم المخالف للقاعدة، لما عرفت من اقتضائها التساقط.

ثمّ إنّه ذكر في الجواهر عقيب هذا القول و ردّه ما لفظه: «و للمصنّف أي المحقّق تفصيل في نكت النهاية، تبعه عليه تلميذه الآبي في كشف الرموز «3»، و أبو العبّاس

فيما حكي عنه «4» و المقداد «5»، بل كأنّه مال إليه الشهيدان «6»، فإنّه بعد أن أورد كلام السائل عن عبارة النهاية مورداً عليها بأنّه لم يعمل بشي ء من الشهادتين، فإيجاب الدية عليهما حكم بغير بيّنة و لا إقرار، ثم الشهادة ليست بأنّهما اشتركا قال: الجواب، الوجه: أنّ الأولياء إمّا أن يدّعوا القتل على أحدهما، أو يقولوا: لا نعلم، فإن ادّعوه على أحدهما قتلوه، لقيام البيّنة على الدعوى، و تهدر البيّنة

______________________________

(1) السرائر: 3/ 341 342.

(2) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 49.

(3) كشف الرموز: 2/ 614 615.

(4) المهذّب البارع: 5/ 203 205.

(5) التنقيح الرائع: 4/ 435 436.

(6) غاية المراد: 386 387، المسالك: 15/ 192.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 209

[مسألة 6 لو شهدا بأنّه قتل عمداً]

مسألة 6 لو شهدا بأنّه قتل عمداً، فأقرّ آخر أنّه هو القاتل و أنّ المشهود عليه بري ء من قتله، ففي رواية صحيحة معمول بها: إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه، و لا سبيل لهم على الآخر، ثمّ لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، و إن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه، و لا سبيل لهم على الّذي أقرّ، ثم ليؤد الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء

______________________________

الأُخرى، فلا يكون لهم على الآخر سبيل. و إن قالوا: لا نعلم، فالبيّنتان متعارضتان على الانفراد لا على مجرّد القتل، فيثبت القتل من أحدهما، و لا يتعيّن، و القصاص يتوقّف على تعيين القاتل، فيسقط و تجب الدية؛ لأنّه ليس نسبة القتل إلى أحدهما أولى من نسبته إلى الآخر «1».

و فيه: إنّه تخصيص لكلام الشيخين و الجماعة بالصورة الثانية، و هو مناف لإطلاقهم المبني

ظاهراً على اعتبار البيّنة الثانية، و إن كانت على التبرّع، و عليه يتّجه التعارض حينئذ و إن صدّق الولي أحدهما «2». انتهى موضع الحاجة من كلامه.

ثالثها: سقوط القود و الدية جميعاً، و هو مختار المتن، و الوجه فيه بعد عدم ثبوت رواية خاصّة معتبرة في المقام، و عدم دليل على التخيير فيه، لزوم الرجوع إلى القاعدة التي مقتضاها التساقط، و عدم ترتّب الأثر على شي ء من البيّنتين. و عدم بطلان دم امرئ مسلم لا يقتضي ضمانهما أو أحدهما للدّية كلّاً أو بعضاً، بل الحكم فيه مثل ما إذا لم يكن هناك بيّنة أصلًا من الثبوت على بيت مال المسلمين، كما لا يخفى.

______________________________

(1) نكت النهاية: 3/ 374 375.

(2) جواهر الكلام: 42/ 221 222.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 210

الذي شهد عليه نصف الدية، و إن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً ذاك لهم، و عليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصّاً دون صاحبه ثم يقتلوهما، و إن أرادوا أن يأخذوا الدية فهي بينهما نصفان، و المسألة مشكلة جدّاً يجب الاحتياط فيها و عدم التهجّم على قتلهما (1).

______________________________

(1) مورد هذه المسألة كما يظهر من المسألة السابعة الآتية ما إذا لم يكن أولياء الميّت مدّعين للقتل على أحدهما بالخصوص، و فيه صورتان: لأنّه تارة لا يعلم بعدم ثبوت الاشتراك بينهما، بل يحتمل صدوره بنحو الشركة، و أُخرى يعلم بالعدم و أنّه كان القتل متحقّقاً بنحو الانفراد، و لا بدّ قبل ملاحظة الرواية الصحيحة الواردة في المقام من ملاحظة مقتضى القاعدة في الصورتين، فنقول:

أمّا الصورة الأولىٰ: فربّما يقال: إنّ مقتضى القاعدة فيها جواز قتلهما معاً؛ لأنّ البيّنة القائمة لا تخلو إمّا أن تكون

لها دلالة التزامية على نفي اشتراك غيره في القتل، أو لا تكون لها هذه الدلالة، و على كلا التقديرين لا تنفي اشتراك الغير بوجه، أمّا على الفرض الثاني فواضح، و أمّا على الفرض الأوّل فلسقوط الدلالة الالتزامية بالإقرار المثبت لكون القاتل هو المقرّ، و صراحة الإقرار في نفي الغير كما هو المفروض لا تقدح بعد كون دائرة حجّية الإقرار محدودة بما كان مضافاً إلى نفس المقرّ و ثابتاً عليه.

و أمّا ما هو خارج عن هذه الدائرة كنفي الغير في المقام فلا يكون الإقرار حجّة بالنسبة إليه.

فالجمع بين البيّنة و الإقرار يقتضي ثبوت القتل بنحو الاشتراك، و مقتضاه جواز قتل أحدهما و كذا قتل كليهما، غاية الأمر أنّه في صورة قتل كليهما يجب على أولياء المقتول ردّ نصف الدية إلى ورثة المشهود عليه، و لا يجب ردّ نصف آخر إلى ورثة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 211

..........

______________________________

المقرّ بعد اقتضاء إقراره عدم استحقاق الدية مع قصاصه بوجه، كما أنّه في صورة قتل المقرّ فقط لا يجب على المشهود عليه ردّ نصف الدية إلى ورثة المقرّ بعد الاقتضاء المذكور. نعم في صورة قتل المشهود عليه يجب على المقرّ ردّ نصف الدية إلى ورثته، كما أنّه في صورة اختيار الدية يجب على كلّ منهما أداء النصف، كما هو ظاهر.

و أمّا الصورة الثانية: فهل مقتضى القاعدة فيها التساقط، كما في تعارض البيّنتين على ما مرّ، أو التخيير كما في تعارض الإقرارين على ما مرّ أيضاً، أو الأخذ بخصوص الإقرار و عدم ترتيب الأثر على البيّنة؟ وجوه:

و الظاهر هو الوجه الأخير؛ لأنّ بناء العقلاء على الأخذ بالإقرار و ترجيحه على البيّنة المعارضة كما يظهر من المراجعة

إليهم، و لعلّ منشأه أنّ الإقرار شهادة على النفس و البيّنة شهادة على الغير، و من الواضح أنّ الأوّل أقوى، كما لا يخفىٰ.

و أمّا الرواية فهي رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي، و جاءه قوم فشهد عليه الشهود أنّه قتل عمداً، فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يريموا حتّى أتاهم رجل فأقرّ عند الوالي أنّه قتل صاحبهم عمداً، و أنّ هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود بري ء من قتل صاحبه، فلا تقتلوه به و خذوني بدمه؟

قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام): إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه و لا سبيل لهم على الآخر، ثمّ لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، و إن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوا و لا سبيل لهم على الذي أقرّ، ثم ليؤدّ الدّية الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية، قلت: أ رأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً؟ قال: ذاك لهم، و عليهم أن يدفعوا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 212

..........

______________________________

إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصّاً دون صاحبه، ثم يقتلونهما.

قلت: إن أرادوا أن يأخذوا الدّية؟ قال: فقال: الدّية بينهما نصفان، لأنّ أحدهما أقرّ و الآخر شُهد عليه، قلت: كيف جعلت لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حيث قتل، و لم تجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شهد عليه و لم يقرّ؟ قال: فقال: لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الّذي أقرّ، الذي شهد عليه لم يقرّ و لم يبرأ صاحبه، و

الآخر أقرّ و برأ صاحبه، فلزم الذي أقرّ و برأ صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه و لم يقرّ و لم يبرأ صاحبه «1».

و المراد بقول زرارة في صدر السؤال: «رجل قتل» هو المتّهم بالقتل، لا الصدور منه قطعاً. و المراد بقوله (عليه السّلام): «لا سبيل لهم على الآخر .. أو على الذي أقرّ» هو عدم السبيل من جهة أخذ الدية، و يحتمل أن يكون المراد أنّه مع اختيار قتل أحدهما، ثم القتل لا يبقى له مجال لقتل الآخر مع تجدّد الإرادة، و إن كان يجوز له أوّل الأمر اختيار قتل كليهما.

ثم لم يتبيّن وجه التعبير بالورثة أو الأولياء في كلام الإمام و السائل في صورة قتل المقرّ، مع أنّ المشهود عليه حينئذٍ بنفسه باق، و على تقدير لزوم الأداء لا بدّ أن يكون المؤدّىٰ هو المشهود عليه لا الورثة، كما لا يخفىٰ.

و هل الرواية ناظرة إلى كلتا صورتي المسألة، أو تختصّ بخصوص صورة احتمال الشركة و عدم العلم بعدمها، أو بخصوص صورة العلم بعدم الشركة؟

يظهر الأوّل من صاحب الجواهر «2»، و الثاني من بعض الأعلام «3»، و الثالث من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 108، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 5 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 42/ 224.

(3) مباني تكملة المنهاج: 2/ 100 101 مسألة 108.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 213

..........

______________________________

المحقّق في الشرائع، حيث أنّه بعد نقل مفاد الرواية و الإشارة إليها قال: و في قتلهما إشكال لانتفاء الشركة، و كذا في إلزامهما بالدية نصفين، ثم قال: و القول بتخيير الوليّ في أحدهما وجه قوي، غير انّ الرواية من المشاهير «1».

فإنّ التعليل بانتفاء الشركة ظاهر في أنّ المورد صورة

العلم بعدمها، و إن فسّره في الجواهر بقوله: كما هو مقتضى البيّنة و الإقرار، و خصوصاً مع علم المدعي بعدم ذلك «2»، إلّا أنّ الظاهر عدم كون هذا التفسير مراداً للمصنّف، بل انتفاء الشركة إنّما هو مع قطع النظر عن البيّنة و الإقرار.

و كيف كان فيظهر من تفسير صاحب الجواهر أنّ الرواية عنده ناظرة إلى الصورتين، غاية الأمر حمل عبارة المتن أيضاً على ذلك.

و الظاهر هو الوجه الأخير؛ لأنّه بملاحظة هذه المسألة مع المسألة المتقدّمة الواردة في تعارض البيّنتين يظهر أنّه لا اختلاف بين المسألتين من حيث المورد، و أنّ الاختلاف يرجع إلى كون التعارض هناك إنّما هو بين البيّنتين، و هنا بين البيّنة و الإقرار.

فلو كانت هذه المسألة لها صورتان و الرواية ناظرة إلى كلتيهما لكان اللّازم هناك أيضاً تصويرهما، و الفرق بين الصورتين خصوصاً مع أنّه لم يرد هناك نصّ ظاهر معتبر. و عليه كان اللّازم إجراء أحكام الشركة في القتل في إحدى الصورتين، مع أنّه لم ينقل عن أحد ذلك كما تقدّم.

فيظهر أنّ المورد صورة العلم بالعدم مع قطع النظر عن البيّنتين، و عليه فمورد مسألتنا هذه أيضاً تكون هذه الصورة.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 995.

(2) جواهر الكلام: 42/ 224.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 214

..........

______________________________

نعم يمكن أن يقال: بأنّ مورد المسألة و إن كانت صورة واحدة، إلّا أنّه لا يمنع أن تكون الرواية بنفسها ناظرة إلى كلتا الصورتين أو الصورة المقابلة لتلك الصورة.

و لكنّ الظاهر أنّ الأصحاب بأجمعهم قد فهموا من الرواية صورة العلم بعدم الشركة، أعمّ ممّن عملوا بها و أفتوا على طبقها، و ممّن لم يعملوا بها و أفتوا على طبق القاعدة باعتقادهم.

أمّا العاملون بها كما

هو المشهور بل في محكي الرياض: قد صرّحوا بشهرة الرواية مشعرين ببلوغها درجة الإجماع «1» و لعلّه كذلك، فقد أفتى به الشيخ «2» و أتباعه «3» و الإسكافي «4» و الحلبي «5» و غيرها، بل لم نرَ لهم مخالفاً عدا من مرّ، و عبائرهم غير صريحة في لمخالفة عدا الحلي «6» و فخر الدين «7». إلى آخره» «8».

فلأنّهم تمسّكوا بها في مسألة تعارض البيّنة و الإقرار التي أوردوها عقيب مسألة تعارض البينتين التي عرفت أنّ موردها صورة العلم بعدم الشركة، و لذا لم يقل أحد فيها بجواز قتل كلا المشهود عليهما. و الظاهر اتّحاد مورد المسألتين كما مرّ آنفاً، فيظهر أنّهم قد فهموا من الرواية خصوص هذه الصورة.

و أمّا غير العاملين بالرواية إمّا لأجل عدم حجّية خبر الواحد، أو لأجل كونها

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 995، مسالك الأفهام: 15/ 194.

(2) النهاية: 743.

(3) المهذّب: 2/ 502، إصباح الشيعة: 493 494، غنية النزوع: 407.

(4) حكاه عنه في مختلف الشيعة: 9/ 315 316 مسألة 23.

(5) الكافي في الفقه: 387.

(6) السرائر: 3/ 342 343.

(7) إيضاح الفوائد: 4/ 609 610.

(8) رياض المسائل: 10/ 310.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 215

..........

______________________________

مخالفة للقواعد من وجوه مختلفة، كالحلّي «1» و العلّامة في التحرير «2»، و فخر الدين في الإيضاح «3»، و بعض آخر «4» فلأجل أنّ ما ذهبوا إليه هو الحكم بالتخيير.

و هذا يدلّ على ما ذكرنا من وجهين من جهة أنّ الرواية لو لم تكن مخالفة للقاعدة لما كان وجه لطرحها، و هي إنّما تتمّ على تقدير كون موردها صورة العلم بعدم الشركة، و من جهة نفس الفتوى بالتخيير الكاشفة عن كون موردها خصوص هذه الصورة، و إلّا

لقالوا بجواز قتل كليهما و لو في إحدى صورتي المسألة.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لا محيص عن الحكم على طبق الرواية و لو مع العلم بعدم الشركة، و مخالفتها للقواعد لا تقدح بعد كون اعتبار حجّية الخبر إنّما هو للاستفادة منه فيما إذا كان مخالفاً للقاعدة، ضرورة أنّه مع الموافقة لا حاجة إلى الخبر بوجه، فتدبّر.

و عليه فيظهر صحّة ما أفاده صاحب الجواهر من أنّه لا بأس بالخروج بمثلها عن القواعد، بل لعلّ طرحها و العمل بما تقتضيه القواعد كالاجتهاد في مقابلة النصّ «5».

كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وجه لإيجاب الاحتياط كما في المتن، لأنّه لا يبقى لوجوبه مجال مع وجود الرواية الصحيحة الصريحة، كما عرفت.

______________________________

(1) السرائر: 3/ 342 343.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 251، و كذا ظاهر قوله في قواعد الأحكام: 2/ 295 و مختلف الشيعة: 9/ 316 مسألة 23.

(3) إيضاح الفوائد: 4/ 609 610.

(4) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع: 4/ 437.

(5) جواهر الكلام: 42/ 225.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 216

[مسألة 7 لو فرض في المسألة المتقدّمة إنّ أولياء الميّت ادّعوا على أحدهما دون الآخر سقط الآخر]

مسألة 7 لو فرض في المسألة المتقدّمة إنّ أولياء الميّت ادّعوا على أحدهما دون الآخر سقط الآخر، فإن ادّعوا على المشهود عليه سقط إقرار المقرّ، و إن ادّعوا على المقرّ سقطت البيّنة (1).

______________________________

(1) صرّح بذلك المحقّق في محكيّ نكت النهاية «1»، و تبعه على ذلك أبو العبّاس «2» و المقداد «3» و الفاضل الأصبهاني «4». و الوجه فيه واضح، ضرورة أنّه مع فرض كون الدعوى من أولياء الميّت على خصوص المقرّ لا يجوز لهم الرجوع إلى المشهود عليه و الاقتصاص منه أو أخذ الدّية عنه. و الرواية في المسألة المتقدّمة لا تكون شاملة لهذه الصورة، لوضوح أنّ

موردها ما إذا لم يكن للأولياء دعوى على خصوص أحدهما، فالحكم في الرواية و إن كان مخالفاً للقاعدة و لا محيص عن الأخذ به إلّا أنّها لا تشمل هذه الصورة قطعاً، كما انّه لو فرض كون الدعوى على خصوص المشهود عليه لا يسوغ لهم الرجوع إلى المقرّ بعد اعتقادهم عدم جواز الاقتصاص منه و لا أخذ الدية منه، و عليه فيظهر أنّ مورد المسألة المتقدّمة ما إذا كان الأولياء غير عالمين بالقاتل و لا مدّعين على أحد.

______________________________

(1) النهاية و نكتها: 3/ 377.

(2) المهذّب البارع: 5/ 207.

(3) التنقيح الرائع: 4/ 437.

(4) كشف اللثام: 2/ 460.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 217

[الثالث: القسامة]

اشارة

الثالث: القسامة و البحث فيها في مقاصد:

[الأوّل: في اللوث]
اشارة

الأوّل: في اللوث و المراد به أمارة ظنّية قامت عند الحاكم على صدق المدّعى، كالشاهد الواحد أو الشاهدين مع عدم استجماع شرائط القبول، و كذا لو وجد متشحّطاً بدمه و عنده ذو سلاح عليه الدّم، أو وجد كذلك في دار قوم أو في محلّة منفردة عن البلد لا يدخل فيها غير أهلها، أو في صفّ قتال مقابل الخصم بعد المراماة. و بالجملة كلّ أمارة ظنّية عند الحاكم توجب اللّوث، من غير فرق بين الأسباب المفيدة للظّن فيحصل اللّوث بإخبار الصبي المميِّز المعتمد عليه و الفاسق الموثوق به في إخباره، و الكافر كذلك و المرأة و نحوهم (1).

______________________________

(1) قال في الجواهر في معنى القسامة: هي الأيمان تقسم على جماعة يحلفونها كما في الصحاح «1». أو الجماعة الذين يحلفونها كما في القاموس «2». و لا يبعد صدقها عليهما كما عن المصباح «3». و عن غير واحد: أنّها لغة اسم للأولياء الّذين يحلفون على دعوى الدم، و في لسان الفقهاء اسم للأيمان، و على التقديرين هي اسم أُقيم مقام المصدر، يقال: أقسم أقساماً و قسامة، و هي الاسم له. يقال: أكرم إكراماً و كرامة، و لا اختصاص لها بأيمان الدماء لغة، و لكنّ الفقهاء خصّوها بها «4».

______________________________

(1) الصحاح: 5/ 2010.

(2) القاموس المحيط: 4/ 166.

(3) المصباح المنير: 2/ 690.

(4) جواهر الكلام: 42/ 226.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 218

..........

______________________________

و القسامة جارية في خصوص القتل و مثله، و لا تجري في سائر الحقوق، و الوجه فيها كما يظهر من بعض الروايات أنّها إنّما جعلت ليحقن بها دماء المسلمين، نظراً إلى أنّه بدونها تتحقّق الجرأة على القتل نوعاً، لأنّه بعد

عدم كون القاتل مقرّاً بالقتل نوعاً، و عدم كون البيّنة حاضرة عند تحقّق القتل كذلك لو لم تشرع القسامة مضافة إلى الإقرار و البيّنة يلزم بطلان دماء المسلمين و صيرورتها هدراً، فالغرض من تشريعها إنّما هو ذلك، و الظاهر أنّها من وضع الإسلام، و عدم ثبوت السابقة لها قبله، كما يظهر من بعض الروايات الآتية أيضاً.

و أمّا اللّوث فهو لغة القوّة، أو من التلوّث و هو التلطّخ. و الأوّل يناسب تفسيره بأنّه أمارة ظنّية قامت عند الحاكم على صدق المدّعى كالأمثلة المذكورة في المتن؛ لأنّه يوجب تقوّى دعوى المدّعى. و الثاني يناسب تفسيره بالتهمة و سوء الظّن التي يوجب تلك الأمارات تحقّقها، و توجب تلوّث المتّهم و تلطّخه، و كلا التفسيرين يظهر من المتن.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ أصل اعتبار القسامة لإثبات القتل، فقد ذكر في الجواهر بعد قوله: و لم نجد مخالفاً في ذلك من العامة و الخاصّة إلّا عن الكوفي منهم «1»: هي من الضروريات بين علماء المسلمين «2».

كما أنّ اعتبار اللّوث في القسامة بمعنى عدم اعتبارها بدونه، بخلاف الإقرار و البيّنة، حيث لا يشترط في اعتبارهما اللّوث بوجه، ضرورة اعتبار الإقرار و لو لم يكن المقرّ متَّهماً بالقتل بوجه. كما أنّه من الواضح اعتبار البيّنة و لو لم يكن المشهود

______________________________

(1) نيل الأوطار: 7/ 38، حاشية ردّ المحتار: 6/ 627، الخلاف: 5/ 303 مسألة 1.

(2) جواهر الكلام: 42/ 227.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 219

..........

______________________________

عليه متّهماً كذلك. فقد ادّعى عليه الشيخ في محكيّ الخلاف الإجماع «1»، و كذا صاحب الغنية «2»، و لا بدّ من ملاحظة النّصوص الواردة في المقام ليظهر اعتبار القسامة أوّلًا، و أنّه هل

تدلّ على اعتبار اللّوث فيها أم لا ثانياً؟ حيث إنّه يظهر من المقدّس الأردبيلي عدم دلالة هذه النصوص على ذلك، حيث قال: و كأنّ لهم على ذلك إجماعاً أو نصّاً ما اطّلعت عليه «3»، فنقول:

منها: صحيحة بريد بن معاوية، التي رواها المشايخ الثلاثة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن القسامة؟ فقال: الحقوق كلّها البيّنة على المدّعى و اليمين على المدّعىٰ عليه إلّا في الدّم خاصّة، فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بينما هو بخيبر، إذ فقدت الأنصار رجلًا منهم فوجدوه قتيلًا، فقالت الأنصار: إنّ فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيده (أقده) برمّته، فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلًا أقيده برمّته.

فقالوا: يا رسول اللّٰه ما عندنا شاهدان من غيرنا، و إنّا لنكره أن نقسم على ما لم نره، فودّاه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و قال: إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة؛ لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به، فكفّ عن قتله؛ و إلّا حلف المدّعىٰ عليه قسامة خمسين رجلًا ما قتلنا و لا علمنا قاتلًا؛ و إلّا أُغرموا الدية إذا وجدوا قتيلًا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون «4».

و دلالتها على اعتبار القسامة واضحة، و أمّا اعتبار اللّوث فيها فموردها و إن

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 303 مسألة 1.

(2) غنية النزوع: 441.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 183.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 114، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 220

..........

______________________________

كانت صورة تحقّق اللّوث و التهمة إلّا أنّه

لا يظهر من الرواية مدخليّته فيها؛ لعدم كون المورد موجباً للتقييد، كما أنّ ذكر الفاجر الفاسق في مقام التعليل لا دلالة له على أنّه لأجل تحقّق الاتّهام، بل يمكن أن يكون لأجل عدم صدور القتل من غيره نوعاً، أو تحقّق الإقرار بعد القتل كذلك، فتدبّر.

و منها: رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن القسامة أين كان بدؤها؟ فقال: كان من قبل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) لمّا كان بعد فتح خيبر تخلّف رجل من الأنصار عن أصحابه، فرجعوا في طلبه فوجدوه متشحّطاً في دمه قتيلًا، فجاءت الأنصار إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فقالوا: يا رسول اللّٰه قتلت اليهود صاحبنا، فقال: ليقسم منكم خمسون رجلًا على أنّهم قتلوه، قالوا: يا رسول اللّٰه كيف نقسم على ما لم نرَ؟ قال: فيقسم اليهود، قالوا: يا رسول اللّٰه من يصدّق اليهود؟ فقال: أنا إذن أدّي صاحبكم، فقلت له: كيف الحكم فيها؟

فقال: إنّ اللّٰه عزّ و جلّ حكم في الدّماء ما لم يحكم في شي ء من حقوق الناس لتعظيمه الدّماء، لو أنّ رجلًا ادّعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقلّ من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدّعى، و كانت اليمين على المدّعىٰ عليه، فإذا ادّعى الرّجل على القوم أنّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدّم قبل المدّعى عليهم، فعلى المدّعى أن يجي ء بخمسين يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً، فيدفع إليهم الذي حلف عليه، فإن شاؤوا عفوا، و إن شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا قبلوا الدّية، و إن لم يقسموا فإنّ على الذين ادّعي عليهم أن يحلف خمسون ما قتلنا و لا علمنا له قاتلًا، فإن فعلوا أدّى أهل القرية

الّذين وجد فيهم، و إن كان بأرض فلاة أُدّيت ديته من بيت المال، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 118، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 10 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 221

..........

______________________________

و الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام) في صدر الرواية: «من قِبَل» بكسر القاف و فتح الباء، لا بفتح القاف و سكون الباء، فمفاده أنّ مشروعية القسامة كان من ناحية رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، و لا سابقة لها قبل الإسلام، و هذه الرواية هي التي أشرنا إليها في أوّل البحث.

و موردها إن كانت صورة تحقّق اللّوث و التهمة إلّا أنّ دلالتها على اعتبارها في القسامة ممنوعة، سيّما مع إطلاق كلام الإمام (عليه السّلام) بعد نقل القصة الواقعة بخيبر، فإنّ ظاهره أنّ مسألة الدّم لها خصوصية من جهة اعتبار القسامة من دون مدخلية أمر آخر، و التفصيل في الذيل في الدية بين ما إذا وجد المقتول في القرية، و بين ما إذا وجد في أرض فلاة، بلزومها على أهل القرية في الأوّل، و لزوم أدائها من بيت المال في الثاني، لعلّه يستفاد منه عدم اعتبار اللّوث، فتدبّر.

و منها: صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن القسامة؟ فقال: هي حقّ، إنّ رجلًا من الأنصار وجد قتيلًا في قليب من قلب اليهود، فأتوا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله)، فقالوا: يا رسول اللّٰه إنّا وجدنا رجلًا منّا قتيلًا في قليب من قلب اليهود، فقال: ائتوني بشاهدين من غيركم، قالوا: يا رسول اللّٰه ما لنا شاهدان من غيرنا، فقال لهم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله): فليقسم خمسون رجلًا منكم على رجل ندفعه إليكم، قالوا: يا رسول اللّٰه كيف نقسم على ما لم نرَ؟ قال: فيقسم اليهود، قالوا: يا رسول اللّٰه كيف نرضى باليهود و ما فيهم من الشرك أعظم، فودّاه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله).

قال زرارة: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّما جعلت القسامة احتياطاً لدماء الناس، كيما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلًا أو يغتال رجلًا حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 117، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 10 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 222

..........

______________________________

و ذكر الفاسق في مقام التعليل لا دلالة له على اعتبار اللّوث، بعد احتمال أن يكون لأجل عدم صدور القتل من غير الفاسق نوعاً، كما تقدّم.

و منها: صحيحة مسعدة بن زياد، عن جعفر (عليه السّلام) قال: كان أبي رضي اللّٰه عنه إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه، حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً باللّٰه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلًا، ثمّ تؤدّى «1» الدّية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حيّ واحد، فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال «2».

و الظّاهر أنّ التعبير عن المدّعىٰ عليه بالمتّهم كما في الرواية لا دلالة له على اعتبار الاتّهام في القسامة، و أمّا التفصيل في الذيل فسيأتي البحث في المراد منه.

و منها: موثّقة زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشرّ المتّهم، فإن شهدوا عليه جازت شهادتهم «3».

و قد جعله في الجواهر

«4» أظهر من الرواية المتقدّمة في الدلالة على اعتبار اللّوث، و إن حكم بعده بعدم ظهورها فيه كالرواية السابقة، و لعلّ الوجه فيه أنّ ذيل الرواية الظاهر في جواز الشهادة على المتّهم بعد القسامة كما يظهر من التفريع ظاهر في أنّ المراد بالقسامة في الصدر هي الإيمان المتوجّهة إلى المدّعى عليه، لا الأيمان الثابتة ابتداء على المدّعى، و عليه فالتغليظ فيها بلحاظ الرجل الكذائي الذي يفرّ من القتل الذي صدر منه لا دلالة له على انحصار مورد الأيمان بذلك.

______________________________

(1) كذا في التهذيبين، و لكن في كلا طبعتي الوسائل: يؤدّي.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 115، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 6.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 116، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 7.

(4) جواهر الكلام: 42/ 231.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 223

..........

______________________________

و بعبارة أُخرى مرجع الرواية إلى أنّ التغليظ في ناحية المدّعىٰ عليه إنّما هو لئلّا تتحقّق الأيمان منه إذا فرض صدور القتل منه، و هذا لا يلازم اختصاص مشروعية القسامة بخصوص مثل الرّجل، كما لا يخفىٰ.

و منها: رواية ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط يحتاط على الناس، لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص «5». و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لا دلالة لها أيضاً على اعتبار اللّوث.

هذا، و لكن لا تنبغي المناقشة في أصل اعتباره، و إن كانت دلالة الروايات عليه بالظهور ممنوعة، لكون المورد في كثير منها صورة وجود اللّوث، كما في واقعة خيبر، و المطلقات إنّما يكون إطلاقها لبيان أصل المشروعية لا في مقام بيان ثبوتها بنحو الإطلاق.

فاللّازم الاقتصار على القدر المتيقّن، خصوصاً بعد

ملاحظة كون القسامة مخالفة للقاعدة من وجوه، لأنّ مقتضاها ثبوت اليمين على المنكر دون المدّعى. مضافاً إلى عدم تعدّد الحلف في مورد سوى القسامة، كما أنّه لا مجال لجواز حلف الإنسان لإثبات حقّ غيره، و غيره من الوجوه المخالفة للقاعدة. و عليه فلا بدّ في إثبات إطلاقها من وجود دليل قويّ عليه، و الظاهر أنّه غير موجود في المقام، فلا محيص عن اعتبار اللّوث، و قد عرفت في أوّل البحث دعوى الإجماع عليه.

و يؤيّده أنّك عرفت في بعض الروايات أنّ مشروعيّة القسامة إنّما هي للاحتياط في دماء المسلمين، و الاحتياط فيها يقضي باعتبار اللّوث فيها، و إلّا فربّما يدّعي الفاسق الفاجر القتل على مؤمن، و يأتي بالأيمان لإثباتها مع عدم وجود أمارة ظنّية على صدقه في دعواه بوجه، و عليه فلو أخذ به يلزم بطلان دم المسلم كما لا يخفى،

______________________________

(5) وسائل الشيعة: 19/ 116، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 224

[مسألة 1 لو وجد في قرية مطروقة فيها الإياب و الذهاب أو محلّة منفردة]

مسألة 1 لو وجد في قرية مطروقة فيها الإياب و الذهاب أو محلّة منفردة كانت مطروقة فلا لوث، إلّا إذا كانت هناك عداوة فيثبت اللّوث (1).

______________________________

فمقتضى الاحتياط في الدماء اعتبار اللّوث أيضاً.

و أمّا معنى اللّوث، فهو كما عرفت هي التّهمة الحاصلة بسبب الأمارات الظنّية عند الحاكم الحاكمة بصدق المدّعى في دعواه، و أمّا المدّعى فاللازم أن يدّعي بصورة الجزم، لأنّ الجزم من شروط سماع الدعوى و قابليّتها للطرح عند الحاكم. و الظاهر أنّ المراد من الظنّ هو الظنّ الشخصي الحاصل للحاكم. فاللّازم ملاحظة حصوله، و الأُمور المذكورة في المتن إنّما يوجب حصول الظنّ نوعاً، و إذا لم يوجب في مورد فالظاهر عدم

تحقّق اللّوث في ذلك المورد. و بعبارة أخرى: الملاك هو الظنّ الشخصي الحاصل من أيّ سبب، و لا مدخلية لخصوصية سبب. و الظاهر أيضاً أنّه ليس من شأن الفقه و الفقيه بيان موارد اللّوث و تمييزها عن غيرها، بعد وضوح الضابطة الكلّية و عدم ثبوت التعبّد في هذه الجهة أصلًا.

(1) لا خفاء في أنّه مع عدم ثبوت العداوة لا يكون هناك لوث، لأنّ المفروض أنّ القرية أو المحلّة مطروقة، و يجري فيها الإياب و الذهاب من غير أهلها، و هذا بخلاف ما لا يدخل فيها غير أهلها، كما ذكره في المتن من موارد ثبوت اللوث و حصول التهمة، كما أنّه يظهر انّه لو كانت المحلّة يدخلها غير أهلها نهاراً لا ليلًا، فإن وجد قتيلًا فيها ليلًا يثبت اللّوث دون النهار، و كذا العكس، و لا يعتبر في هذه الصورة العداوة بوجه، و إن كان محكيّاً عن جماعة «1»، و لكن سيأتي في المسألة

______________________________

(1) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 459 و ابن فهد في المهذّب البارع: 5/ 214 و الشهيد في المسالك: 15/ 199.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 225

[مسألة 2 لو وجد قتيل بين القريتين فاللّوث لأقربهما إليه]

مسألة 2 لو وجد قتيل بين القريتين فاللّوث لأقربهما إليه، و مع التساوي فهما سواء في اللّوث، نعم لو كان في إحداهما عداوة فاللّوث فيها و إن كانت أبعد (1).

______________________________

الثانية الآتية أنّ ضمان أهل القرية الذين وجد القتيل فيهم لا يرتبط بمسألة اللّوث، فانتظر.

(1) قد تعرّض لهذه المسألة المحقّق في الشرائع «1»، و جعل الملاك في اللوث و عدمه هو القرب و البعد، من دون التعرّض لعنوان العداوة أصلًا، و حكى في الجواهر عن صاحب الغنية الإجماع عليه «2»، ثم استدلّ

عليه بروايات متعدّدة «3».

و لا بدّ في هذه المسألة و كذا السابقة من ملاحظة الروايات الواردة في الباب، ليظهر أنّها هل تدلّ على ارتباط مسألة ضمان أهل القرية بمسألة اللّوث أم لا؟

فنقول: منها ذيل صحيحة بريد المتقدّمة في أصل البحث، و هو قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): و إلّا أي و إن لم يحلف المدّعى حلف المدّعىٰ عليه قسامة خمسين رجلًا ما قتلنا و لا علمنا قاتلًا، و إلّا أُغرموا الدّية إذا وجدوا قتيلًا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون «4».

فإنّه يدلّ على أنّه مع نكول المدّعىٰ عليه عن الحلف يجب عليه أداء الدية أي من ماله إذا كان القتيل قد وجد بين أظهرهم، أي في قريتهم أو محلّتهم مثلًا.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 996.

(2) غنية النزوع: 414 415.

(3) جواهر الكلام: 42/ 233.

(4) تقدّمت في ص 219.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 226

..........

______________________________

و ظاهره أنّ وجوب أداء الدية إنّما هو لأجل كون القتيل قد وجد كذلك، لا لأجل ثبوت اللّوث و كونهم متّهمين كما هو مقتضىٰ ثبوت القسامة عليهم. و بعبارة أُخرى ظاهر الرواية أنّه بمجرّد النكول و الإباء عن الحلف يرتفع موضوع القسامة و خصوصياتها، و يثبت حكم آخر و هو ضمان الدية مع وجدان القتيل بين أظهرهم، و هذا أمر لا يرتبط بالقسامة و باللّوث المعتبر فيها، كما لا يخفى.

و منها: ذيل رواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً، و هو قوله (عليه السّلام): و إن لم يقسموا أي المدّعون فإنّ على الذين ادّعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا و لا علمنا له قاتلًا، فإن فعلوا أدّى أهل القرية الذين وجد فيهم، و إن كان بأرض فلاة أدّيت ديته

من بيت المال، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئٍ مسلم «1».

و الظاهر أنّ المراد من أهل القرية غير المدّعىٰ عليهم، و يدلّ عليه التصريح بفاعل «أدّى» مع أنّ مقتضى الجمع بينها و بين سابقتها ذلك كما هو ظاهر، و عليه فلا معارضة بين هذه الرواية و بين الرواية المتقدّمة، كما أنّه عليه يكون أهل القرية غير داخلين في مسألة القسامة و اللوث، بل الحكم بضمانهم و لزوم الدية عليهم لأجل مجرّد وجدان القتيل فيهم، كما أنّه لو وجد بأرض فلاة تثبت ديته على بيت المال.

و منها: صحيحة مسعدة المتقدّمة أيضاً قال: كان أبي رضي اللّٰه عنه إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه، حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً باللّٰه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلًا، ثمّ تؤدّى الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حيّ واحد، فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته

______________________________

(1) تقدّمت في ص 220.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 227

..........

______________________________

تدفع إلى أوليائه من بيت المال «1».

و ظاهرها لزوم الدية على المتهمين مع حلفهم بالنحو المذكور، و هذا ينافي ما تقدّم، و مقتضى الجمع حمل الذيل على كون المتّهمين غير أهل الحي الواحد، الذي وجد القتيل فيه و تحقّق القتل فيه أيضاً، و عليه فكما ترتفع المعارضة و يتحقّق الجمع يظهر أنّ ضمان أهل ذلك الحيّ الذي تحقّق القتل فيه لا يكون مرتبطاً بالقسامة و بالدعوى و الاتّهام أصلًا.

و أمّا ما أفاده بعض الأعلام «2» من الحمل على أداء الدية من بيت المال لعدم تعرّض الرواية للمؤدّي، ففي غاية الغرابة خصوصاً

مع المقابلة مع الذيل، فتدبّر.

و منها: رواية علي بن الفضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعاً ما قتلوه و لا يعلمون له قاتلًا، فإن أبوا أن يحلفوا أُغرموا الدية فيما بينهم في أموالهم سواء سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين «3». و البحث فيها هو البحث في ذيل رواية بريد المتقدّم.

و منها: صحيحة الحلبي و موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يوجد قتيلًا في القرية أو بين قريتين؟ قال: يقاس ما بينهما فأيّهما كانت أقرب ضمنت «4».

و الجواب و إن كان متعرّضاً لحكم الفرض الثاني في السؤال إلّا أنّه يستفاد منه حكم الفرض الأوّل و هو الضمان من دون قيد، فيظهر أنّ الحكم بالضمان في الفرضين

______________________________

(1) تقدّمت في ص 222.

(2) مباني تكملة المنهاج: 2/ 113 مسألة 115.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 115، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 5.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 112، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 8 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 228

..........

______________________________

حكم مطلق ثابت بنحو التعبّد، من دون دخالة لمسألة اللّوث فيه أصلًا.

و منها: صحيحة محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل قتل في قرية أو قريباً من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بيّنة على أهل تلك القرية أنّهم ما قتلوه «1». و ظهورها فيما ذكرنا واضح.

و أمّا صحيحتا محمّد بن مسلم و عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في رجل كان جالساً مع قوم فمات

و هو معهم، أو رجل وجد في قبيلة و على باب دار قوم فادّعى عليهم، قال: ليس عليهم شي ء و لا يبطل دمه «2». فمحمولتان على عدم ثبوت القصاص عليهم، لعدم وجود البيّنة و عدم تحقّق اللّوث الذي يجري فيه القسامة، و أنّ المراد من عدم بطلان دمه لزوم أداء الدية عليهم، لوجود القتيل عندهم و احتمال كونهم قاتلين.

و قد انقدح ممّا ذكرنا أنّ وجود القتيل في القرية أو قريباً منها أو أشباههما يوجب ضمان أهل القرية و مثلهم إن لم يكن هناك بيّنة على أنّ القاتل غيرهم، و لم ينفه أولياء المقتول. و لا ارتباط لذلك بمسألة اللّوث أصلًا، و الدليل عليه ملاحظة الروايات، كما عرفت.

و لقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال: و النصوص المزبورة لا تعرّض فيها للقسامة، و إنّما اقتصرت على وجوب الدية، و مقتضى الجمع بينها ما تضمّنه صحيح مسعدة و خبر عليّ بن الفضيل من وجوب الدية، إلّا إذا علم الأولياء براءتهم و أنّ القاتل غيرهم، و هذا حكم آخر غير القسامة. نعم لمّا كان اللّوث أمارة تفيد الحاكم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 112، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 8 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 111، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 229

[مسألة 3 لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي]

مسألة 3 لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي، فلا قسامة و لا تغليظ، و البيّنة على المدّعى و اليمين على المدّعىٰ عليه، فللوليّ مع عدم البيّنة إحلاف المنكر يميناً واحداً (1).

______________________________

ظنّاً بصدق المدّعى لو ادّعى، فهناك يجري حكم القسامة، بخلاف ما إذا لم يدّع، فإنّ الدية حينئذٍ عليهم إلّا مع البيّنة

على أنّ القاتل غيرهم أو القسامة أو براءة الأولياء لهم «1».

كما أنّه ظهر بطلان الجمع بالنحو الذي ذكره الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)، حيث أنّه في محكيّ التهذيب و الاستبصار بعد نقل صحيحتي الحلبي و محمد بن قيس قال: إنّما يلزم أهل القرية أو القبيلة إذا وجد القتيل بينهم إن كانوا متّهمين بالقتل و امتنعوا من القسامة، فأمّا إذا لم يكونوا متّهمين بالقتل أو أجابوا إلى القسامة فلا دية عليهم، و تؤدّى ديته من بيت المال «2»، و استشهد لذلك بروايتي مسعدة و عليّ ابن الفضيل المتقدّمتين.

(1) و الوجه فيه واضح بعد ما عرفت من اختلاف القسامة مع الإقرار و البيّنة في اشتراط اعتبارها بصورة حصول اللّوث دونهما، فإنّ مقتضى ذلك أنّه مع عدم حصول اللّوث يكون الحكم في القتل متّحداً مع سائر الدعاوي، فيجري فيه القاعدة الكلية و هي: «البيّنة على المدّعى، و اليمين على المدّعىٰ عليه»، فالوليّ مع عدم إقامة البيّنة ليس له إلّا إحلاف المنكر حلفاً واحداً من دون قسامة و لا تغليظ، كما هو ظاهر.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 234.

(2) الاستبصار: 4/ 278، التهذيب: 10/ 205.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 230

[مسألة 4 لو قتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد]

مسألة 4 لو قتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد أو وجد في فلاة أو سوق أو على جسر و لم يعلم من قتله فديته من بيت مال المسلمين، نعم لو كان في الموارد المذكورة أمارة ظنّية على كون القتل بفعل شخص معيّن مثلًا حصل اللوث (1).

______________________________

(1) ثبوت الدية على بيت المال في الموارد المذكورة و أشباهها مع عدم اللّوث بالإضافة إلى فرد معيّن أو أفراد معينين ممّا ادّعي عليه الإجماع في محكي الغنية «1»،

و يدلّ عليه روايات مستفيضة بل متواترة.

مثل: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و عبد اللّٰه بن بكير جميعاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل وجد مقتولًا لا يدرى من قتله، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين، و لا يبطل دم امرئ مسلم؛ لأنّ ميراثه للإمام، فكذلك تكون ديته على الامام، و يصلّون عليه و يدفنونه. قال: و قضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات، أنّ ديته من بيت مال المسلمين «2».

و صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة علي (عليه السّلام) بالكوفة فقتلوا رجلًا، فودّى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين «3».

و رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله،

______________________________

(1) غنية النزوع: 42/ 234.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 109، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 109، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 231

..........

______________________________

فديته من بيت المال «1».

و ذيل خبر أبي بصير المتقدّم المشتمل على قوله (عليه السّلام): و إن كان بأرض فلاة أدّيت ديته من بيت المال، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم «2».

و ذيل رواية مسعدة المتقدّمة المشتمل على قوله (عليه السّلام): فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من

بيت المال «3».

و رواية سوار، عن الحسن «4» قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) لما هزم طلحة و الزبير أقبل الناس منهزمين، فمرّوا بامرأة حامل على الطريق ففزعت منهم، و طرحت ما في بطنها حيّاً، فاضطرب حتّى مات ثم ماتت أُمّه من بعده، فمرّ بها علي (عليه السّلام) و أصحابه، و هي مطروحة على الطريق و ولدها على الطريق، فسألهم عن أمرها، فقالوا: إنّها كانت حبلى، ففزعت حين رأت القتال و الهزيمة، قال: فسألهم: أيّهما مات قبل صاحبه؟ فقيل: إنّ ابنها مات قبلها، قال: فدعا بزوجها أبي الغلام الميّت، فورثه ثلثي الدية و ورث أُمّه ثلث الدية، ثم ورث الزوج من المرأة الميّتة نصف ثلث الدية التي ورثتها من ابنها، و ورّث قرابة المرأة الميّتة الباقي، ثم ورث الزوج أيضاً من دية امرأته الميتة نصف الدية، و هو ألفان و خمسمائة درهم، و ورّث قرابة المرأة الميّتة نصف الدية و هو ألفان و خمسمائة درهم، و ذلك أنّه لم يكن لها ولد غير الذي رمت به حين فزعت، قال: و ادّى ذلك كلّه من بيت مال البصرة «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 110، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 5.

(2) تقدم في ص 220.

(3) تقدّمت في ص 222.

(4) هو الحسن البصري، و سوار هو ابن عبد اللّٰه بن قدامة بن عنزة البصري من رواته، و كلاهما من العامّة.

(5) وسائل الشيعة: 17/ 393 394، أبواب موانع الإرث ب 10 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 232

[مسألة 5 لو تعارضت الأمارات الظنّية بطل اللّوث]

مسألة 5 لو تعارضت الأمارات الظنّية بطل اللّوث، كما لو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطّخ بالدّم و سبع من شأنه قتل الإنسان، و

لم تكن أمارة لحصول القتل بأيّهما و في كلّ طرف شكّ محض، فلا بدّ في مثله فصل الخصومة بالطرق

______________________________

بقي أمران:

الأوّل: أنّه لا ينافي الروايات المتقدّمة رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): ليس في الهايشات عقل و لا قصاص، و الهايشات الفزعة تقع بالليل و النهار فيشجّ الرجل فيها، أو يقع قتيل لا يدرى من قتله و شجّه «1».

و الظاهر أنّ تفسير الهايشات من كلام الصادق (عليه السّلام)، و هي جمع هيش بمعنى الفتنة.

و الوجه في عدم المنافاة أنّ نفي العقل و القصاص في الفتن لا يستلزم عدم الثبوت على بيت المال، و لا أقلّ من كون الروايات المتقدّمة شاهدة على ذلك.

و يؤيّد بل يدلّ على عدم المنافاة قول السكوني: و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث آخر: رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فودّاه من بيت المال «2».

الثاني: أنّ ظاهر الروايات المتقدّمة و إن كان الثبوت في بيت المال مطلقاً من دون فرق بين وجود اللّوث و عدمه، إلّا أنّ الظاهر كون الإطلاق فيها مبنيّاً على الغالب، و هو عدم ثبوت اللّوث بالنسبة إلى فرد معيّن أو أفراد معيّنين، و في الحقيقة يكون الإطلاق منصرفاً عن موارد ثبوت اللّوث، ففي هذه الموارد تجري القسامة و أحكامها؛ كما هو ظاهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 110، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 110، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 233

المعهودة غير القسامة (1).

[مسألة 6 لا يشترط في اللّوث وجود أثر القتل على الأقوىٰ]

مسألة 6 لا يشترط في اللّوث وجود أثر القتل على الأقوىٰ بعد قيام الأمارة الظنّية على أصل

القتل، و لا يشترط في القسامة حضور المدّعىٰ عليه، كما في سائر المقامات على الأصحّ (2).

______________________________

(1) الوجه في بطلان اللّوث أنّك عرفت أنّ معناه هي الأمارة الموجبة للظّن الشخصي للحاكم بصدق المدّعى في دعواه، و من الواضح أنّه مع تعارض الأمارة الموجبة لذلك لولا المعارض مع الأمارة الموجبة للظن بالخلاف كذلك لا يتحقّق هناك ظنّ بالصدق المذكور، لأنّ تعارض الأمارتين يوجب تساقطهما و جعلهما كأنّه لم يكن في البين أمارة، و عليه فلا يتحقّق اللّوث مع التعارض بوجه، بل لا بدّ في مثله فصل الخصومة بغير القسامة بعد اشتراط مشروعيتها بخصوص صورة اللّوث، كما عرفت.

(2) قال في الجواهر: لا أجد فيه أي في أنّه لا يشترط في اللّوث وجود أثر القتل خلافاً بيننا إلّا من أبي علي «1». نعم حكي عن أبي حنيفة من العامة الاشتراط حيث قال: إن لم يكن جراحة و لا دم فلا قسامة، و إن كان جراحة ثبتت، و إن لم يكن و كان دم فإن خرج من أذنه ثبتت، لا إن خرج من أنفه «2» و حكي عن مبسوط الشيخ (قدّس سرّه) «3» تقويته «4».

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 9/ 445 مسألة 118.

(2) بدائع الصنائع: 6/ 356، الحاوي الكبير: 16/ 254، المبسوط للسرخسي: 26/ 114، الخلاف: 5/ 310 مسألة 8.

(3) المبسوط: 7/ 215.

(4) جواهر الكلام: 42/ 241 242.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 234

[مسألة 7 لو ادّعى الوليّ إنّ فلاناً من أهل الدار قتله بعد أن وجد مقتولًا فيها حصل اللّوث]

مسألة 7 لو ادّعى الوليّ إنّ فلاناً من أهل الدار قتله بعد أن وجد مقتولًا فيها حصل اللّوث، و ثبتت الدعوى بالقسامة بشرط ثبوت كون المدّعىٰ عليه في الدار حين القتل، و إلّا فلا لوث بالنسبة إليه، فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان

القول قوله مع يمينه (1).

______________________________

و لكنّه كما ترى واضح الضعف، لأنّ الملاك في اللّوث تحقّق أمارة ظنّية كذائية على صدق المدّعى، و لا دليل على اشتراط أثر القتل من دم أو جرح أو أثر خنق و شبهها بعد تحقّق اللّوث بغير ذلك.

و أمّا عدم اشتراط حضور المدّعىٰ عليه في القسامة، فلأنّه لا دليل على خصوصية للمقام، بعد جواز الحكم على الغائب في سائر المقامات، و الاحتياط في الدم لا يقتضيه خصوصاً بعد كون مشروعية القسامة لحقن دماء المسلمين، و عدم تحقّق القتل غير المشروع من الفاسق الفاجر الذي ينتظر الفرصة لاغتيال عدوّه و قتله، كما عرفت في بعض الروايات المتقدّمة.

(1) المهم في هذه المسألة أمران:

الأوّل: إنّ وجدان الشخص قتيلًا في دار غيره و إن كان يوجب تحقّق اللّوث بالإضافة إلى جميع أهالي تلك الدار ممّن يصلح أن يصدر القتل منه بلحاظ السنّ و غيره من الجهات الدخيلة، إلّا أنّه حيث يكون جريان القسامة إنّما هو فيما إذا كانت هناك دعوى، ضرورة أنّه بدون الدعوى لا يترتّب على اللّوث و مجرّد وجود الأمارة الظنّية شي ء؛ لعدم حجية هذه الأمارة بوجه كما عرفت «1»، و عليه فإذا كانت الدعوى بالنسبة إلى فرد خاص من أهالي تلك الدار يجوز إثبات الدعوى

______________________________

(1) تقدّم في ص 218.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 235

[المقصد الثاني: في كمّية القسامة]
اشارة

المقصد الثاني: في كمّية القسامة و هي في العمد خمسون يميناً، و في الخطأ و شبهه خمس و عشرون على الأصحّ (1).

______________________________

حينئذٍ بالقسامة، لوجود الدّعوى و تحقّق اللّوث، و أمّا سائر الأفراد فهم و إن كانوا مشتركين مع المدّعىٰ عليه في اللوث إلّا أنّهم باعتبار عدم كونهم طرفاً للدعوى لا تجري القسامة

بالنسبة إليهم.

الثاني: إنّ تحقّق اللّوث في الفرض المذكور إنّما هو مع ثبوت كون المدّعىٰ عليه في الدار حين القتل بالإقرار أو بالبيّنة، ضرورة أنّه مع عدم كونه في الدار حين القتل لا مجال لتحقّق اللّوث أصلًا، و عليه فلو أنكر المدّعىٰ عليه كونه فيها في تلك الحال يكون القول قوله مع يمينه، لموافقة قوله لاستصحاب عدم كونه حال القتل في الدار، أو لكونه منكراً بحسب نظر العرف، و لو فرض عدم كون قوله موافقاً للأصل كما لو فرض العلم بكونه في الدار ساعة قبل القتل، و لو فرض العلم بكونه في الدار في زمان و تحقّق القتل فيها في زمان أيضاً يجري استصحاب عدم كونه فيها في حال القتل، و يترتّب عليه الأثر، و لا مجال لاستصحاب عدم القتل في حال كونه في الدار، لعدم ترتّب الأثر عليه، من غير فرق بين صورة العلم بتاريخ أحدهما و صورة الجهل بتاريخ كليهما، فتدبّر.

(1) حكي الخلاف في العمد عن ابن حمزة فقط، حيث قال: إنّها خمسة و عشرون في العمد إذا كان هناك شاهد واحد «1»، و ربّما يقال في وجهه: إنّه مبنيّ على أنّ الخمسين بمنزلة البيّنة التي هي الشاهدان، فيقع في مقابل كلّ شاهد خمسة

______________________________

(1) الوسيلة: 460.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 236

..........

______________________________

و عشرون.

و من الواضح ضعف هذا الوجه، لعدم الدليل على المحاسبة المذكورة، و مشروعية القسامة مع عدم البيّنة لا يقتضي ذلك بوجه، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الشاهد الواحد لا يترتّب عليه الأثر لإثبات القتل أصلًا، كما يدلّ عليه نفس دليل حجّية البيّنة، كما لا يخفىٰ.

و ربّما يقال: إن الإطلاق أيضاً ينفي هذا القول، و لكنّه إنّما يتمّ على

تقدير ثبوت كونه في مقام البيان و لو من هذه الجهة، و أمّا لو كان في مقام بيان مجرّد الاعتبار و أصل المشروعية فلا مجال للأخذ به، هذا في العمد.

و أمّا في الخطأ و شبهه، فالمشهور كما اعترف به العلّامة «1» بل عن الغنية نسبته إلى رواية الأصحاب، مشعراً بالإجماع عليه «2»، بل عن الشيخ دعوى الإجماع عليه صريحاً أنّها خمسة و عشرون «3»، و لكنّ المحكيّ عن المفيد «4» و الديلمي «5» و الحلّي «6» و الفاضل «7» و ولده «8» و الشهيدين «9» هو الحكم بالتسوية بينهما و بين العمد في اعتبار الخمسين.

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 297.

(2) غنية النزوع: 441.

(3) الخلاف: 5/ 308 مسألة 4.

(4) المقنعة: 736.

(5) المراسم: 233.

(6) السرائر: 3/ 338.

(7) تحرير الأحكام: 2/ 252 253، و لكن اختار في المختلف: 9/ 311 مسألة 19 «أنها خمسة و عشرون».

(8) إيضاح الفوائد: 4/ 615.

(9) اللمعة الدمشقية: 177، الروضة البهية: 10/ 73 74.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 237

[مسألة 1 إن كان له قوم بلغ مقدار القسامة حلف كلّ واحد يميناً]

مسألة 1 إن كان له قوم بلغ مقدار القسامة حلف كلّ واحد يميناً، و إن نقصوا عنه كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا القسامة، و لو كان القوم أكثر فهم

______________________________

و يدلّ على التفصيل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): في القسامة خمسون رجلًا في العمد، و في الخطإ خمسة و عشرون رجلًا، و عليهم أن يحلفوا باللّٰه «11».

و صحيحة ابن فضال و يونس جميعاً، عن الرضا (عليه السّلام). و رواية أبي عمرو المتطبّب المشتملة على عرضه للصادق (عليه السّلام) و ما أفتى به أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الديات، المتضمّنة لقوله: و القسامة جعل في النفس

على العمد خمسين رجلًا، و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلًا «21».

و بلحاظ هاتين الروايتين يقيّد إطلاق الروايات المتقدّمة الظاهرة في اعتبار خمسين إن كان لها إطلاق لصورتي الخطأ و شبهه أيضاً، و إن لم يكن لها إطلاق كما هو الظاهر فلا تصل النوبة إلى تقييد الإطلاق أيضاً، خصوصاً مع كون مورد جملة منها كالروايات الحاكية لقصّة خيبر صورة العمد. و الظاهر أنّه لا إشكال في أصل الحكم، إنّما الإشكال في أنّ المشهور حكموا بالتسوية بين الخطأ و بين شبهه، مع أنّه لم يقع التعرّض لشبه العمد في الروايتين أصلًا.

و عليه فكما يحتمل لحوقه بالخطإ يحتمل لحوقه بالعمد أيضاً، خصوصاً مع ملاحظة أنّه لو كان لأدلّة الخمسين إطلاق لا بدّ من الرجوع إليه، إذا كان دليل التقييد مجملًا مردّداً بين الأقل و الأكثر كما في المقام، حيث لا يعلم أنّ المراد

______________________________

(11) وسائل الشيعة: 19/ 119، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 11 ح 1.

(21) وسائل الشيعة: 19/ 120، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 11 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 238

مختارون في تعيين خمسين منهم في العمد، و خمسة و عشرين في غيره (1).

______________________________

بالخطإ هل هو الخطأ المحض أو الأعمّ منه و من شبه الخطأ، و لو لم يكن لتلك الأدلة إطلاق يكون مقتضى أصالة عدم ثبوت القتل بأقلّ من خمسين اعتبارها في هذه الصورة أيضاً، و عليه فيشكل الحكم بالتسوية بين الخطأ و بين شبهه، كما في المتن و غيره.

(1) في هذه المسألة فروض ثلاثة:

الأوّل: ما إذا بلغ القوم بضميمة المدعي مقدار خمسين، و كان كلّ واحد منهم جازماً بالقتل و صدق المدّعى، و

هذا هو الفرض الواضح من القسامة حيث يحلف كلّ واحد منهم يميناً، فيتحقّق خمسون يميناً من خمسين رجلًا، و لا شبهة فيه.

الثاني: ما إذا كان القوم أكثر من خمسين، و المحكيّ عن الشهيد (قدّس سرّه) أنّه قال: لو كانوا أكثر من خمسين حلف كلّ واحد يميناً «1»، و مرجعه إلى أنّ الاكتفاء بالخمسين إنّما هو فيما إذا لم يكن العدد زائداً عليها، و إلّا فيلزم حلف الجميع. و من الواضح منافاة هذا الكلام لظاهر النصوص و الفتاوى، فإنّ مقتضاهما الاكتفاء بها مطلقاً، و عليه فهم مختارون في تعيين خمسين منهم في قتل العمد، و خمسة و عشرين في الخطأ.

الثالث: ما إذا كان المجموع من القوم و المدّعي ناقصاً عن خمسين مثلًا، فالّذي صرّح به غير واحد أنّه تكرّر عليهم الأيمان حتّى يكمّلوا القسامة، و عن الغنية الإجماع عليه، بل عنها و عن الخلاف أنّه إن كان الولي واحداً أقسم خمسين إجماعاً، بل زاد في الثاني نسبته إلى أخبار الفرقة أيضاً «2».

______________________________

(1) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 61.

(2) غنية النزوع: 440 441، الخلاف: 5/ 308 مسألة 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 239

[مسألة 2 لو لم يكن للمدّعي قسامة أو كان و لكن امتنعوا كلّاً أو بعضاً]

مسألة 2 لو لم يكن للمدّعي قسامة أو كان و لكن امتنعوا كلّاً أو بعضاً حلف المدّعى و من يوافقه إن كان، و كرّر عليهم حتّى تتمّ القسامة، و لو لم يوافقه أحد كرّر عليه حتّى يأتي بتمام العدد (1).

[مسألة 3 لو كان العدد ناقصاً فهل يجب التوزيع عليهم بالسوية]

مسألة 3 لو كان العدد ناقصاً فهل يجب التوزيع عليهم بالسوية، فإن كان عددهم عشرة يحلف كلّ واحد خمسة، أو يحلف كلٌّ مرّة و يتمّ وليّ الدم النقيصة، أو لهم الخيرة بعد يمين كلّ واحد، فلهم التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا؟

______________________________

و لكن أكثر الروايات المتقدّمة ظاهرة في اعتبار خمسين رجلًا، نعم قوله (عليه السّلام) في صحيحة بريد المتقدّمة: فأقيموا قسامة خمسين رجلًا «1» يكون على قرائته بالإضافة ظاهراً في إرادة خمسين يميناً، كما أنّ قوله (عليه السّلام) في صحيحة مسعدة المتقدّمة: حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً «2» أيضاً ظاهر في أنّ الملاك هو تعدّد الأيمان لا تعدّد من يحلفونها، مضافاً إلى أنّ تعليل مشروعية القسامة بحقن دماء المسلمين لئلّا يغتال الفاسق رجلًا فيقتله مع عدم رؤية أحد، يقتضي عدم تعليق الحكم على عدد خمسين، لعدم تحقّقه إلّا نادراً، كما لا يخفىٰ. و عليه فلا تنبغي المناقشة في الحكم في هذا الفرض.

(1) ظهر حكم هذه المسألة من حكم الفرض الثالث في المسألة المتقدّمة، فإنّ مقتضاه حلف المدّعى خمسين، سواء لم يكن غيره أو كان و لكن لم يوافقه أحد في الحلف.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 219.

(2) تقدّمت في ص 222.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 240

لا يبعد الأخير، و إن كان الأولى التوزيع بالسوية، نعم لو كان في التوزيع كسر كما إذا كان عددهم سبعة فبعد التوزيع بقي الكسر واحداً فلهم الخيرة، و

الأولى حلف وليّ الدّم في المفروض، بل لو قيل أنّ النقيصة مطلقا على وليّ الدّم أو أوليائه فليس ببعيد، فإذا كان العدد تسعة فالباقي خمسة يحلفها الولي أو الأولياء، فإن كان في التوزيع بين الأولياء كسر فهم بالخيار، و لو وقع فيهم تشاحّ فلا يبعد الرجوع إلى القرعة، و ليس هذا نكولًا (1).

______________________________

(1) صرّح المحقّق في الشرائع «1» بلزوم التوزيع بالسوية، و تبعه الفاضل في القواعد «2». و قال كاشف اللثام في شرحها: ذكوراً كانوا أو أناثاً أو مختلفين، وارثين بالسوية أو لا بها، أو غير وارثين، لاشتراكهم في الدعوى و انتفاء دليل على التفاضل، و لا يفيده التفاضل في الإرث على أنّه ليس بشرط «3».

و يرد عليه مضافاً إلى منع الاشتراك في الدعوى أنّه لا يلزم أن يكون كلّ واحد من الحالفين مدّعياً ما عرفت من المستفاد من النصوص اعتبار بلوغ مقدار الحلف خمسين، و أمّا لزوم التسوية بين العدد الناقص فلا دلالة لشي ء منها عليه، بل ظاهرها خلافه، و عليه فلا مجال لدعوى لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن، و هو التساوي في القسمة بينهم.

و المحكيّ عن المبسوط لزوم القسمة بين الوارثين على حسب الحصص، فلو فرض ابن و بنت حلف الابن أربعاً و ثلاثين، و البنت سبع عشرة «4»، نظراً إلى أنّهم

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 998.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 297.

(3) كشف اللثام: 2/ 462.

(4) المبسوط: 7/ 222.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 241

[مسألة 4 هل يعتبر في القسامة أن تكون من الوراث فعلًا]

مسألة 4 هل يعتبر في القسامة أن تكون من الوراث فعلًا، أو في طبقات الإرث و لو لم تكن وارثاً فعلًا، أو يكفي كونها من قبيلة المدّعى و عشيرته عرفاً و إن لم تكن من أقربائه؟

الظاهر عدم اعتبار الوراثة فعلًا، نعم الظاهر اعتبار ذلك في المدّعى، و أمّا سائر الأفراد فالاكتفاء بكونهم من القبيلة و العشيرة غير بعيد، لكن الأظهر أن يكونوا من أهل الرجل و أقربائه، و الظاهر اعتبار الرجولية في القسامة، و أمّا في المدّعى فلا تعتبر فيه و إن كانت أحد المدّعين، و مع عدم العدد من الرجال ففي كفاية حلف النساء تأمّل و إشكال، فلا بدّ من التكرير بين

______________________________

إنّما يحلفون خلافه عن القتيل، فيحلف كلّ بقدر خلافته، فيحلف الذكر ضعف الأُنثىٰ.

و ممّا ذكرنا يظهر بطلانه أيضاً، لعدم الإشعار في شي ء من النصوص المتقدّمة إليه، بل ظاهرها اعتبار بلوغ مقدار الحلف خمسين من دون فرق بين الحالفين بوجه. فانقدح أنّ الظاهر ثبوت الخيار و جواز التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا، و إن كانت أولوية التسوية لا شبهة فيها.

و أمّا أولويّة حلف وليّ الدم فيما إذا كان هناك نقيصة كما في المثال المذكور في المتن، بل تعيّنه كما يظهر منه، فلعلّ الوجه فيه أنّ الحلف يكون ثابتاً عليه ابتداء، لأنّه مستحقّ القصاص أو الدية، و جوازه من غيره إنّما هو على خلاف القاعدة، فاللّازم ثبوته عليه بالإضافة إليها، فتدبّر.

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا مورد للرجوع إلى القرعة في تشاحّ الأولياء، بعد عدم ثبوت خصوصيّة لأحدهم في الواقع، غاية الأمر توقّف إثبات حقّهم على النّصاب المذكور، فإن تحقّق النصاب يثبت الحق، و إلّا فلا. و منه يظهر أنّه لا وجه للرجوع إليها في تشاحّ القوم الحالفين غير الأولياء لعين ما ذكر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 242

الرجال، و مع الفقد يحلف المدعي تمام العدد و لو كان من النساء (1).

______________________________

(1) لا إشكال في أنّه يعتبر

في المدّعى واحداً كان أو متعدّداً الوراثة بالفعل، و بعبارة أُخرى يعتبر أن يكون مستحقّاً للقصاص أو الدية على تقدير ثبوت القتل، ضرورة أنّه بدونه لا تسمع دعواه، و لا تكون قابلة للطرح عند الحاكم و ترتيب الأثر عليها.

كما أنّه لا إشكال في عدم اعتبار الرجولية في المدّعى كسائر المقامات؛ لعدم الدليل عليه، مضافاً إلى أنّه قد يكون الوارث منحصراً بالمرأة، فلا مجال لعدم سماع دعواها بعد كون مشروعية القسامة لحقن دماء المسلمين، كما عرفت.

و أمّا القسامة، ففيها احتمالات ثلاثة مذكورة في المتن، و نفى فيه البعد عن الوجه الثالث، لكن جعل الأظهر هو الوجه الثاني. و هنا احتمال رابع و هو: عدم اشتراط شي ء فيها سوى الموافقة للمدّعي و علمه بصدور القتل من المدّعىٰ عليه، و لا يبعد اختيار هذا الوجه، لأنّه لا يستفاد من شي ء من الروايات اعتبار القرابة أو كونه من قبيلة المدّعى و عشيرته، خصوصاً مع ملاحظة الروايات المتعدّدة المتقدّمة الحاكية لقصّة خيبر، المشتملة على أنّ الأنصار فقدوا رجلًا منهم ثم وجدوه مقتولًا متشحّطاً بدمه، و على أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) حكم فيهم بالقسم بمقدار خمسين، مع أنّه من الواضح أنّ المقتول كان مشتركاً معهم في كونه من الأنصار من دون قرابة، بل و لا الاشتراك في القبيلة و العشيرة.

هذا، مضافاً إلى أنّ مقتضى حكمة مشروعيّة القسامة عدم الاختصاص، و لعلّ الوجه لما في المتن، أنّه قد عبّر في بعض الروايات و الفتاوى بالقوم أو الأهل، و لكنّه لا ينهض في مقابل ما ذكرنا بوجه.

و أمّا اعتبار الرجولية في القسامة فللتعبير بالرجل في كثير من الروايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 243

[مسألة 5 لو كان المدّعى أكثر من واحد فالظاهر كفاية خمسين قسامة]

مسألة

5 لو كان المدّعى أكثر من واحد فالظاهر كفاية خمسين قسامة، و أمّا لو كان المدّعىٰ عليه أكثر ففي كفاية خمسين قسامة و عدمها إشكال، و الأوجه تعدّد القسامة حسب تعدّد المدّعى عليه فلو كان اثنين يحلف كلّ منهما مع قومه خمسين قسامة على ردّ دعوى المدّعى و إن كان الاكتفاء بالخمسين لا يخلو عن وجه، لكن الأوّل أوجه (1).

______________________________

المتقدّمة، و من الواضح أنّه لا مجال في مثل المقام ممّا يحتمل فيه خصوصية الرجولية لدعوى إلغاء الخصوصية كما في بعض المقامات، مثل: رجل شكّ بين الثلاث و الأربع في ركعات الصلاة الرباعية، و منه يظهر اعتبار كونهم بالغين أيضاً، كما لا يخفىٰ.

(1) يظهر منهم التسالم على كفاية خمسين قسامة فيما إذا كان المدّعى أكثر من واحد، و أمّا إذا كان المدّعىٰ عليه كذلك فالمشهور عدم الاكتفاء، بل لزوم التعدّد حسب تعدّد المدّعىٰ عليه «1»، خلافاً لما حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف من الاكتفاء بالخمسين منهم أجمع، مدّعياً عليه الإجماع «2».

أقول: أمّا المدّعى فمع قطع النظر عن التسالم و الإجماع و عن الدليل الاعتباري الذي مرجعه إلى عدم الاختلاف بين المدّعين أو المدعيين في الدعوى؛ لأنّ ادّعاء كون زيد مثلًا قاتلًا للمقتول أمر مشترك بينهم أو بينهما، و لا اختلاف فيه أصلًا-

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 222، شرائع الإسلام: 4/ 998، إرشاد الأذهان: 2/ 219، تحرير الأحكام: 2/ 253، إيضاح الفوائد: 4/ 616، مسالك الأفهام: 15/ 207.

(2) الخلاف: 5/ 314 مسألة 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 244

..........

______________________________

يشكل استفادته من الروايات، و إن كان يظهر من الجواهر دلالتها عليه «3»؛ لأنّ الظاهر أنّ محطّ نظره هي الروايات الحاكية لقصّة خيبر المشتملة على

حكمه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بأنّه على تقدير حلف خمسين رجلًا من الأنصار يثبت القتل، و يترتّب عليه آثاره، نظراً إلى تعدّد المدّعى فيها، و هم الأنصار، مع أنّ في هذه الروايات إعضالًا و إشكالًا، و هو أنّه يعتبر في المدّعى كما عرفت أن يدّعي جزماً و بصورة اليقين، و لا تسمع الدعوى إذا لم تكن جازمة، و الأنصار إذا كانوا مدعين بهذا النحو فكيف امتنعوا من الحلف؟ معلِّلًا بأنّا نكره أن نقسم على ما لم نره، و من المعلوم أنّ مرادهم من عدم الرؤية عدم العلم و اليقين، لأنّه لا يعتبر في الحلف إلّا اليقين، و لا تعتبر الرؤية بوجه، و إذا لم يكونوا مدّعين لعدم الجزم، فكيف طلب رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) منهم الحلف مع عدم وجود مدّع في البين؟ و قد عرفت أنّ اعتبار القسامة إنّما هو في صورة الدّعوى و وجود المدّعى.

و دعوى أنّه يمكن وجود المدّعى بين الأنصار مدفوعة مضافاً إلى أنّها حينئذٍ لا دلالة لها على تعدّد المدعي الذي هو محلّ البحث بأنّه على هذا التقدير كان اللّازم مطالبة خمسين يميناً من ذلك المدّعى بعد عدم حلف غيره معه، فالإنصاف أنّه لا مجال لاستفادة ما في الجواهر.

و أمّا المدّعىٰ عليه فمقتضى الدليل الاعتباري فيه التعدّد حسب تعدّده، لأنّ حلف كلّ قسامة إنّما يرجع إلى براءة من أحضر تلك القسامة و عدم ارتباط القتل إليه. و هذا لا ينافي الاستناد بالمدّعى عليه الآخر، فبراءة الجميع يتوقّف على إحضار كلّ واحد منهم قسامة يحلفون بالبراءة، كما أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على

______________________________

(3) جواهر الكلام: 42/ 250 251.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 245

..........

______________________________

لزوم إقامة المدّعى عليه القسامة التعدّد، لانطباق هذا العنوان على كلّ واحد منهم، و لو وصلت النوبة إلى يمين شخص المدّعىٰ عليه، كما لو لم يكن له قسامة أو امتنعوا من الحلف لا محيص عن اعتبار خمسين بالإضافة إلى كلّ واحد منهما أو منهم، ضرورة أنّه لا يكفي يمين واحد إلّا لنفسه، كما في سائر المقامات التي كان المدّعىٰ عليه فيها متعدّداً، فإنّه يجب أن يحلف كلّ واحد و لا يكفي يمين واحدة.

أضف إلى ذلك أنّه لو فرض اعتبار القرابة أو الاشتراك في القومية في القسامة يمكن أن لا يكون بين المدّعىٰ عليهما قرابة أو اشتراك في القومية أصلًا، فاللّازم على كلّ واحد منهما إحضار قسامة خاصّة.

و أمّا ما ذكره الشيخ في الخلاف فربّما يستدلّ عليه برواية أبي بصير المتقدّمة، المشتملة على قول الصادق (عليه السّلام): فإذا ادّعى الرّجل على القوم أنّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدّم قبل المدّعى عليهم، فعلى المدّعى أن يجي ء بخمسين يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً، فيدفع إليهم الّذي حلف عليه، فإن شاؤوا عفوا، و إن شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا قبلوا الدية، و إن لم يقسموا فإنّ على الذين ادّعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا و لا علمنا له قاتلًا الحديث «1»، نظراً إلى ظهوره في تعدّد المدّعىٰ عليه و كفاية حلف خمسين.

و لكن فيه: أنّه و إن وقع التعبير عن المدّعىٰ عليه في صدر العبارة ب «القوم»، و في الذيل ب «الذين ادّعي عليهم»، إلّا أنّ الظاهر كون المدّعىٰ عليه شخصاً معيَّناً و واحداً مشخَّصاً من القوم، و الشاهد عليه قوله (عليه السّلام): يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً. و قوله عقيبه: فيدفع إليهم الذي حلف عليه. و

إسناده إلى القوم إنّما هو باعتبار كون

______________________________

(1) تقدّمت في ص 220.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 246

[مسألة 6 لو لم يحلف المدّعى أو هو و عشيرته]

مسألة 6 لو لم يحلف المدّعى أو هو و عشيرته فله أن يردّ الحلف على المدّعىٰ عليه، فعليه أيضاً خمسون قسامة، فليحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته و حلف كلّ واحد ببراءته، و لو كانوا أقلّ من الخمسين كرّرت عليهم

______________________________

القاتل منهم و من قبيلتهم و عشيرتهم.

و يستدلّ عليه أيضاً ببعض النصوص الواردة في قصّة خيبر، الظاهر في كون الدّعوى على اليهود و الاكتفاء بحلف خمسين منهم، و لكنّ الظاهر أنّ الإسناد فيه إلى اليهود إنّما هو لما ذكرنا. و يؤيّده بل يدلّ عليه التصريح في بعضها كما في صحيحة بريد المتقدّمة بأنّ فلان اليهودي قتل صاحبنا «1»، و كذا قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) في بعضها الآخر: فليقسم خمسون رجلًا منكم على رجل ندفعه إليكم «2».

نعم يمكن التمسّك لذلك بصحيحة مسعدة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السّلام): حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً باللّٰه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلًا «3». و إن لم يتمسك به صاحب الجواهر «4»، لظهوره في تعدّد المتّهمين، خصوصاً مع قوله (عليه السّلام) قبله: «و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه» الظاهر في أنّ الجمع ليس باعتبار تعدّد القضايا، كما لا يخفىٰ.

و لكنّ الجواب أنّه يلزم رفع اليد عن هذا الظهور، و الحمل على لزوم الخمسين على كلّ واحد من المتّهمين بقرينة النصّ و الفتوىٰ، فتدبّر.

و يمكن أن يكون الجمع باعتبار المدّعى عليه و قومه.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 219.

(2) تقدّم في ص 221.

(3) تقدّمت في ص 222.

(4) جواهر الكلام: 42/ 250.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- القصاص، ص: 247

الأيمان حتّى يكملوا العدد، و حكم ببراءته قصاصاً و دية، و إن لم يكن له قسامة من قومه يحلف هو خمسين يميناً، فإذا حلف حكم ببراءته قصاصاً و دية، و إن لم تكن له قسامة و نكل عن اليمين الزم بالغرامة، و لا يردّ في المقام اليمين على الطرف (1).

______________________________

(1) بعد تطابق النصّ و الفتوى على أنّه لو لم يحلف المدّعى أو هو و عشيرته، له أن يردّ الحلف على المدّعىٰ عليه، يقع الكلام في جهات:

الجهة الأُولىٰ: أنّه إذا كان للمدّعىٰ عليه إحضار قومه للحلف ممكناً، فهل يجب عليه ذلك أم يجوز له الاكتفاء بحلف نفسه خمسين، من دون حاجة إلى إحضار القوم بوجه، كما في ناحية المدّعى، حيث يجب عليه ذلك كما مرّ؟

ربّما يقال كما عليه بعض الأعلام: بأنّ الأوّل و إن كان هو المشهور شهرة عظيمة بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من الفقهاء، إلّا أنّ ذلك لم يرد في شي ء من الروايات، و أمّا رواية أبي بصير المتقدّمة «1» فهي مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً بعلي بن أبي حمزة لا تدلّ على أنّ المدّعىٰ عليه يحضر من قومه من يحلف معه لإكمال العدد، بل المفروض فيها طلب الحلف من المدّعىٰ عليهم، بل مقتضى صحيحة مسعدة المتقدّمة أيضاً أنّ الباقر (عليه السّلام) كان يحلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً «2». و أمّا ما في صحيحة بريد: و إلّا حلف المدّعىٰ عليه قسامة خمسين رجلًا ما قتلنا و لا علمنا قاتلًا «3» فلا دلالة فيه على لزوم حلف غير المدّعىٰ عليه، بل تدلّ على أنّ المدّعىٰ عليه لا بدّ و أن يكون هو الحالف، و لكن لا يكتفى بحلفه

مرّة واحدة، بل لا بدّ و أن

______________________________

(1) تقدّمت في ص 220.

(2) تقدّمت في ص 222.

(3) تقدّمت في ص 219.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 248

..........

______________________________

يكون حلفه قسامة خمسين رجلًا، بمعنى أنّه يلزم عليه الحلف خمسين مرّة «1».

و يرد عليه ما عرفت في المسألة السابقة من أنّ المدّعىٰ عليه في رواية أبي بصير واحد، و الحلف متوجّه إلى القوم الذي هو فرد منهم، و التعبير عن القوم بالمدّعى عليهم قد عرفت النكتة فيها، مع أنّ فرض تعدّد المدّعىٰ عليه بحيث يحلف منهم خمسون الظاهر في أنّهم أزيد من خمسين في مقام إلقاء الضابطة في مسألة القسامة و بيان مشروعيتها ممّا لا وجه له أصلًا، فلا محيص عن الالتزام بوحدة المدّعى عليه.

و أمّا صحيحة مسعدة فتحمل و لو بقرينة رواية أبي بصير على توجّه الحلف إلى المتّهم و قومه، و يمكن أن يكون الجمع لا بلحاظ تعدّد المدّعىٰ عليه، بل بلحاظ تعدّده مع قومه كما عرفت، كما أنّ صحيحة بريد يكون الظاهر باعتبار ضمير المتكلّم مع الغير تعدّد الحالف، و كونه بلحاظ المدّعىٰ عليه و قومه، و عليه فيصير ذلك قرينة على كون «خمسين رجلًا» بياناً لا مضافاً إليه.

الجهة الثانية: لا خلاف و لا إشكال في أنّه مع حلف المدّعىٰ عليه إمّا مع القوم أو بنفسه مع عدمهم أو امتناعهم تتحقّق البراءة المطلقة قصاصاً و دية، لكن في صحيحة مسعدة المتقدّمة بعد حلف المتّهمين: «ثم يؤدّي الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حيّ واحد، فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال». و ظاهره لزوم أداء الدية بعد تحقّق الحلف من المتّهمين، و

لكن ذكر صاحب الجواهر أنّ المراد هو أداء الدية من بيت المال، و الفرق بينه و بين قتيل العسكر أو السوق أنّ الأخير تدفع ديته من بيت المال ابتداء لا بعد القسامة،

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 2/ 111 مسألة 114.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 249

..........

______________________________

بخلافه فإنّه بعد القسامة «1».

و يؤيّده التعبير بكلمة «تؤدّىٰ» بصيغة المبني للمجهول الظاهر في كون المؤدّي غير المتّهمين، و إلّا لكان المناسب التعبير بصيغة الجمع و بنحو المبني للمعلوم، كما هو ظاهر.

و قد عرفت منّا أنّ مقتضى الجمع بين الصحيحة و بين الروايات الأُخر حمل الذيل على كون المؤدّين أهل ذلك الحي الذي وجد القتيل فيه، و هم غير المتّهمين، و ضمانهم لا يرتبط بمسألة القسامة أصلًا، بل لأجل مجرّد وجدان القتيل في حيّهم و احتمال تحقّق القتل من كل واحد من أهله.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص؛ ص: 249

نعم هنا إشكال، و هو أنّه بعد توجّه الدعوى إلى خصوص المتّهمين، و لازمه الاعتراف بعدم صدور القتل من غيرهم، كيف يجوز لأولياء المقتول أخذ الدية من غيرهم، سواء كان هو بيت المال أو أهل ذلك الحيّ الذي وجد القتيل فيه.

و بعبارة أُخرى: من كان طرف الدعوى قد خلّص نفسه بالقسامة و تحقّقت البراءة له، و غيره لا يكون طرفاً للدعوى، فكيف يجوز الأخذ منه، سواء كان أهل الحيّ أو بيت المال.

و الجواب: أنّه و إن كان لا نصيب للمدعي من ناحية دعواه، لفرض حلف المدّعىٰ عليه الموجب

لسقوط الدّعوىٰ رأساً، إلّا أنّه لا مانع من حكم الشارع بلزوم الدّية لئلّا يبطل دم امرئ مسلم، غاية الأمر حكمه بالتفصيل بين ما لو وجد القتيل في حيّ أو قرية أو قبيله، فالدية على أهلها، و بين ما لو وجد في مثل فلاة أو عسكر أو سوق مدينة فالدية من بيت المال، ففي الحقيقة لا منافاة بين

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 251 252.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 250

..........

______________________________

ثبوت الدية للعلّة المذكورة و بين سقوط الدعوى بالحلف رأساً، فتدبّر.

هذا، و ربّما يقال بدلالة روايتين آخرتين أيضاً على لزوم الدية على المدّعىٰ عليه بعد الحلف:

إحداهما: ذيل رواية أبي بصير المتقدّمة و هو قوله (عليه السّلام): فإنّ على الّذين ادّعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا و لا علمنا له قاتلًا، فإن فعلوا أدّى أهل القرية الذين وجد فيهم، و إن كان بأرض فلاة أديت ديته من بيت المال. الحديث «1».

و يجاب عنها بضعف سند الرواية فلا حجّية فيها.

و لكنّ الظاهر أنّه لا دلالة لها على ذلك أصلًا، لأنّ الظاهر مغايرة ضمير الجمع في «فعلوا» مع «أهل القرية» و إلّا لكان المناسب التعبير بالضمير في أدّى أيضاً، و عليه فالفاعل للحلف هم المدّعىٰ عليهم، و الثابت عليه الدية هم أهل القرية الذين وجد فيهم، فالرواية لا دلالة لها بوجه. و العجب من القائل أنّه كيف غفل عمّا ذكرنا و اعتقد أنّ طريق التخلّص ينحصر بتضعيف السند «2».

و ثانيتهما: رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام) أنّه اتي علي (عليه السّلام) بقتيل وجد بالكوفة مقطّعاً، فقال: صلوا عليه ما قدرتم عليه منه، ثم استحلفهم قسامة باللّٰه ما قتلناه و

لا علمنا له قاتلًا، و ضمنهم الدية «3».

و هذه الرواية مضافاً إلى ضعف سندها بأبي البختري و هو وهب بن وهب المعروف بالكذب، قاصرة من حيث الدلالة؛ لعدم ظهورها أوّلًا في وجود المدّعى في البين، و قد عرفت أنّ مجرى القسامة و موردها ما إذا كانت في البين دعوى،

______________________________

(1) تقدّمت في ص 220.

(2) راجع مباني تكملة المنهاج: 2/ 113 مسألة 115.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 113، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 8 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 251

..........

______________________________

و عدم دلالتها ثانياً علىٰ عدم تحقّق الحلف من ناحية المدّعى، و عدم ظهورها ثالثاً في تحقّق الحلف من المدّعىٰ عليه، لأنّ الاستحلاف أعمّ من الحلف، فلا دلالة لها على ثبوت الدية بعد تحقّق الحلف.

الجهة الثالثة: إنّ الظاهر تمامية المخاصمة مع حلف المدّعىٰ عليه أو نكوله، و لا مجال لردّ الحلف على المدّعى بعد نكول المدّعىٰ عليه، كما حكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط «4»، بل في ظاهر محكيّ عبارته دعوى الإجماع عليه. و وجهه عموم أدلّة الرّد، و خصوصاً في المقام، لاقتضاء الاحتياط في الدماء له. بل ظاهر عبارته أنّ التي تردّ هي القسامة بأجمعها لا خصوص يمين واحدة كما في سائر المقامات.

و لكنّ الظاهر أنّه لا وجه للرد في المقام أصلًا، لأنّ مورد أدلّة الردّ ما إذا كان الحلف وظيفة المنكر ابتداء، فإنّه يجوز له حينئذٍ النكول و ردّ اليمين إلى المدّعى. و أمّا في المقام فالحلف ابتدأ على المدّعى، و انتقاله إلى المدّعىٰ عليه إنّما هو بعد نكون المدّعى و ردّه، مع أنّه لا وجه لردّ الحلف إلى من كان عليه الحلف و امتنع منه، فإنّه لو كان

غير ممتنع من الحلف لكان يحلف أوّلًا، و الاحتياط في الدماء لا يقتضي ذلك لعدم الدليل على تأثير الحلف المردود من المدّعىٰ عليه، و الأخذ به لعلّه ينافي الاحتياط، كما لا يخفىٰ.

الجهة الرابعة: انّه إذا نكل المدّعىٰ عليه عن الحلف و امتنع منه ففي كلام المحقّق في الشرائع «5» و عن السرائر «6» و الجامع «7» بل قيل: إنّه الأشهر، و عليه عامة

______________________________

(4) المبسوط: 7/ 223.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 998.

(6) السرائر: 3/ 340.

(7) الجامع للشرائع: 577.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 252

..........

______________________________

متأخّري أصحابنا «1» أُلزم الدعوى، و ظاهر هذا التعبير ثبوت الدعوى بمجرّد النكول، فإن كانت هي قتل العمد يترتّب عليه حقّ القصاص، و إن كانت غيره تثبت الدية، و قد صرّح بهذا الظهور العلّامة في التحرير حيث قال: و لو امتنع المدّعىٰ عليهم من اليمين لم يحبسوا حتّى يحلفوا، بل يثبت الدعوى عليهم و يثبت القصاص إن كان القتل عمداً، أو الدية إن كان خطأ «2». و لكن في المتن: الزم بالغرامة، و ظاهره ثبوت الدّية مطلقاً، و في الجواهر «3» الاستدلال لما في الشرائع بروايتين ظاهرتين في ثبوت الدية بمجرّد النكول:

إحداهما: ذيل صحيحة بريد المتقدّمة، و هو قوله (عليه السّلام): و إلّا حلف المدّعىٰ عليه قسامة خمسين رجلًا ما قتلنا و لا علمنا قاتلًا، و إلّا أُغرموا الدية إذا وجدوا قتيلًا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون «4».

و ثانيتهما: رواية عليّ بن الفضيل المتقدّمة أيضاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعاً ما قتلوه و لا يعلمون له قاتلًا، فإن أبوا أن يحلفوا أُغرموا الدية فيما بينهم في أموالهم،

سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين «5».

أقول: أمّا الرواية الثانية فلا ترتبط بما نحن فيه من مسألة القسامة التي يكون موردها صورة وجود المدّعى و المدّعىٰ عليه، و ثبوت الحلف على الأوّل و قومه

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 326.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 253.

(3) جواهر الكلام: 42/ 252 253.

(4) تقدّمت في ص 219.

(5) تقدّمت في ص 227.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 253

..........

______________________________

أوّلًا، و على الثاني و قومه ثانياً. و مقدار الحلف هو خمسون؛ لأنّ الرواية ظاهرة في حلف القوم بأجمعهم و لو كان عددهم أزيد من خمسين، و إنّ الحلف يتوجّه إليهم ابتداء، و لم يفرض فيها وجود المدّعى و المدّعىٰ عليه بوجه، غاية الأمر ثبوت الاحتمال بالإضافة إلى أفراد القوم، و عليه فالحكم بلزوم غرامة الدية بعد الإباء عن الحلف لا يرتبط بما هو محلّ البحث في المقام أصلًا.

و أمّا الرواية الأُولىٰ فهي و إن كانت واردة في مورد وجود المدّعى و المدّعىٰ عليه، إلّا أنّ تقييد الحكم بالغرامة في صورة عدم الحلف بما إذا وجد القتيل بين أظهرهم، يشعر بل يدلّ على أنّ المناط في لزوم الدية و ثبوت الغرامة ليس الإباء عن الحلف، بل وجدان القتيل بين أظهرهم، مثل ما إذا وجد في محلّتهم أو قريتهم أو قبيلتهم.

و إن كان يتوجّه إشكال حينئذٍ على الرواية، بأنّ المدّعىٰ عليه الذي فرض إباؤه عن الحلف إن كان محكوماً بشي ء من القصاص أو الدية، يلزم أن يقع في مقابل قتل واحد شيئان: أحدهما على المدّعىٰ عليه، و الآخر على الّذين وجد القتيل بين أظهرهم، و إن لم يكن محكوماً بشي ء يلزم أن يكون وجود الحلف و عدمه سيّان في المدّعىٰ

عليه.

و بعبارة أُخرى الحكم بالغرامة الظاهر في ثبوت الدية، إن كان لأجل الامتناع عن الحلف فما وجه التقييد بوجدان القتيل بين أظهرهم؟ لأنّ الملاك حينئذٍ هو مجرّد النكول بما أنّه نكول من المدّعىٰ عليه، و إن كان لأجل القيد المذكور فظاهره حينئذٍ عدم ترتّب شي ء على الامتناع، و هو يستلزم المساواة بين وجود الحلف و عدمه. فالإنصاف أنّ الوصول إلى مراد الذيل في غاية الإشكال. و عليه فلم يدلّ دليل ظاهر على لزوم الغرامة، بل مقتضى القاعدة لزوم الدعوى بمجرّد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 254

[مسألة 7 تثبت القسامة في الأعضاء مع اللّوث]

مسألة 7 تثبت القسامة في الأعضاء مع اللّوث، و هل القسامة فيها خمسون في العمد و خمس و عشرون في غيره فيما بلغت الجناية الدية كالأنف و الذكر و إلّا فبنسبتها من خمسين يميناً في العمد و خمس و عشرين في الخطأ أو شبهه، أو ستة أيمان فيما فيه دية النفس، و بحسابه من الستّ فيما فيه دون الدية؟ الأحوط هو الأوّل، و الأشبه هو الثاني، و عليه ففي اليد الواحدة أو الرجل الواحدة و كلّ ما فيه نصف الدية ثلاث أيمان، و فيما فيه ثلثها اثنتان، و هكذا. و إن كان كسر في اليمين أكمل بيمين إذ لا تكسر اليمين، فحينئذ في الإصبع الواحدة يمين واحدة، و كذا في الأنملة الواحدة، و كذا الكلام في الجرح، فيجزي الستّ بحسب النسبة، و في الكسر يكمل بيمين (1).

______________________________

النكول، و هي قد يترتّب عليها القصاص، و قد يترتّب عليها الدية، فتدبّر جيّداً.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الأولىٰ: في أصل ثبوت القسامة و جريانها في الأعضاء، أعمّ ممّا فيه القصاص و ما فيه الدية، كجريانها في

النفس، و الدليل عليه مضافاً إلى الاشتراك في حكمة المشروعية المصرَّح بها في بعض الروايات المتقدّمة، و هي أن لا يريد الفاسق قتل الآخر أو اغتياله، و إلى ما حكي عن المبسوط «1» و الخلاف «2» من ثبوتها فيها عندنا بعض الروايات الواردة في كمّية القسامة في الأعضاء الدالّة على ثبوتها فيها، و يأتي نقلها.

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 220 و 223.

(2) الخلاف: 5/ 312 مسألة 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 255

..........

______________________________

الثانية: في اعتبار اللّوث في قسامة الأعضاء أيضاً، و قد صرّح به غير واحد كالمحقّق في الشرائع «1»، و عن السرائر الإجماع عليه «2»، خلافاً لما حكي عن مبسوط الشيخ (قدّس سرّه) من عدم اعتباره «3»، وفاقاً لأكثر العامة أو جميعهم عدا الشافعي في تفصيل له «4».

و يدلّ عليه ما دلّ على اعتباره في القتل من الإجماع و التسالم، و مخالفة الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط لا تقدح، خصوصاً مع كون القسامة مخالفة للقاعدة، و القدر المتيقّن صورة وجود اللّوث.

و دعوى أنّ مقتضى إطلاق النّصوص الدالّة على ثبوت اليمين للمدّعي في الدم ثبوتها في المقام من دون لوث، لأنّ القدر المتيقّن تقييد قسامة القتل باللوث، و لا دليل على التقييد في المقام، مدفوعة بأنّ الدليل ما ذكرنا من الإجماع و التسالم.

الثالثة: في كمّية القسامة في الأعضاء، فالمحكيّ عن المفيد «5» و سلّار «6» و ابن إدريس «7» أنّها خمسون في العمد، و خمس و عشرون في غيره، إن كانت الجناية تبلغ الدية كالأنف و الذكر، و إلّا فبنسبتها من المقدارين. و ربّما قيل: إنّه خيرة أكثر

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 998.

(2) السرائر: 3/ 338.

(3) المبسوط: 7/ 223.

(4) الخلاف: 5/ 312 مسألة

12، المغني لابن قدامة: 10/ 33.

(5) لم نعثر عليه في المقنعة، لكن حكى عنه ابن إدريس في السرائر: 3/ 341.

(6) المراسم: 233.

(7) السرائر: 3/ 340.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 256

..........

______________________________

المتأخرين «1»، لكنّهم كما في الجواهر «2» لم يذكروا الخمس و عشرين في الخطأ، بل أطلقوا ذكر الخمسين، و في المسالك أنّه مذهب الأكثر بقول مطلق «3»، بل عن غيرها أنّه المشهور «4»، بل عن السرائر «5» الإجماع عليه، لكن قيل: يحتمل أن يريد منه أنّ الثبوت بالخمسين مجمع عليه.

و المحكي عن الشيخ «6» و أتباعه «7» بل خيرة العلّامة في بعض كتبه «8» ستّ أيمان فيه دية النفس، و بحسابه من ستّ فيما فيه دون الدية.

يدلّ على الأوّل مضافاً إلى دعوى الشهرة بل الإجماع كما عرفت، و إلى كونه مقتضى الاحتياط في الدماء، و إلى أنّ القسامة مخالفة للقاعدة فيقتصر فيها على المتيقّن الذي هو الخمسون مطلقاً، أو في خصوص صورة العمد إطلاق صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في القسامة خمسون رجلًا في العمد، و في الخطإ خمسة و عشرون رجلًا، و عليهم أن يحلفوا باللّٰه «9». حيث لم يقع فيها التقييد بالقتل، بل أطلق فيها القسامة، فتشمل قسامة الأعضاء أيضاً.

______________________________

(1) رياض المسائل: 10/ 328.

(2) جواهر الكلام: 42/ 254.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 208 209.

(4) غاية المراد: 389 390.

(5) السرائر: 3/ 341.

(6) المبسوط: 7/ 223، النهاية: 741 742، الخلاف: 5/ 313 مسألة 12.

(7) المهذّب: 2/ 501، الكافي في الفقه: 439، غنية النزوع: 441، إصباح الشيعة: 530.

(8) مختلف الشيعة: 9/ 313 مسألة 21.

(9) وسائل الشيعة: 19/ 119، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 11 ح

1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 257

..........

______________________________

و يدلّ على الثاني ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال؛ و عن محمد بن عيسى، عن يونس جميعاً، عن الرضا (عليه السّلام). و عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف بن ناصح، عن أبيه ظريف بن ناصح، عن عبد اللّٰه بن أيّوب، عن أبي عمرو المتطبّب قال: عرضت على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ما أفتى به أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الديات، فممّا أفتىٰ به في الجسد و جعله ستّ فرائض: النفس، و البصر، و السمع، و الكلام، و نقص الصوت من الغنن و البحح، و الشّلل من اليدين و الرجلين.

ثم جعل مع كلّ شي ء من هذه قسامة على نحو ما بلغت الدية، و القسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلًا، و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلًا، و على ما بلغت ديته من الجروح ألف دينار ستّة نفر، و ما كان دون ذلك فحسابه من ستّة نفر، و القسامة في النفس و السمع و البصر و العقل و الصوت من الغنن و البحح و نقص اليدين و الرجلين فهو ستّة أجزاء الرجل.

تفسير ذلك: إذا أُصيب الرجل من هذه الأجزاء الستّة، و قيس ذلك، فإن كان سدس بصره أو سمعه أو كلامه أو غير ذلك حلف هو وحده، و إن كان ثلث بصره حلف هو و حلف معه رجل واحد، و إن كان نصف بصره حلف هو و حلف معه رجلان، و إن كان ثلثي بصره حلف هو و حلف معه ثلاثة نفر، و إن كان أربعة أخماس بصره

حلف هو و حلف معه أربعة، و إن كان بصره كلّه حلف هو و حلف معه خمسة نفر، و كذلك القسامة في الجروح كلّها، فإن لم يكن للمصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان، فإن كان سدس بصره حلف مرة واحدة، و إن كان الثلث حلف مرّتين، و إن كان النصف حلف ثلاث مرّات، و إن كان الثلثين حلف أربع مرّات، و إن كان خمسة أسداس حلف خمس مرّات، و إن كان كلّه حلف ستّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 258

..........

______________________________

مرّات، ثم يعطى «2».

قال في الوسائل بعد نقل الرواية بالكيفية المذكورة: و رواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم، و رواه الشيخ و الصدوق كما يأتي من أسانيدهما إلى كتاب ظريف.

و كيف كان لا مجال لتضعيف سند الرواية بعد كون روايتها بطرق متعدّدة فيها الصحيح و الموثق و غيرهما، و إن كان بعض طرقها مشتملًا على الضعف لضعف أبي عمرو المتطبّب، و المناقشة في سهل بن زياد.

و بهذه الرواية يجاب عن أدلّة القول الأوّل، لأنّه لا مجال مع تماميّتها من حيث السند و الدلالة للأخذ بالاحتياط و لا بالقدر المتيقّن، و بها يقيد إطلاق صحيحة ابن سنان المتقدّمة، و دعوى الشهرة و الإجماع مدفوعة بعدم ثبوتهما، بل ربّما يقال: بتحقّق الشهرة القديمة علىٰ خلافه.

ثمّ الظاهر أنّ قوله: «و تفسير ذلك» ليس من الكليني؛ لعدم معهودية هذا النوع من التفسير له، مضافاً إلى أنّه لا شاهد في الرواية بكونه منه، بل الظاهر كونه جزء للرواية و إن كان الاستدلال بها لا يتوقّف علىٰ هذه الجهة. نعم فيها اضطراب من جهة مغايرة ستة أجزاء المذكورة في الصدر مع ما هو المذكور بعده،

لعدم اشتمال الأولى على العقل و اشتمال الثانية عليه، و لكنّه لا يقدح في الحجية بالإضافة إلى ما نحن بصدده أصلًا، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ ظاهر الرواية أنّ ما يثبت بستّ أيمان هو الدية مطلقاً دون القصاص، و لأجله لا فرق بين العمد و الخطأ في الأعضاء من جهة اعتبار الستّ و عدم

______________________________

(2) وسائل الشيعة: 19/ 120، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 11 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 259

[مسألة 8 يشترط في القسامة علم الحالف]

مسألة 8 يشترط في القسامة علم الحالف، و يكون حلفه عن جزم و علم، و لا يكفي الظنّ (1).

[مسألة 9 هل تقبل قسامة الكافر على دعواه على المسلم في العمد و الخطأ]

مسألة 9 هل تقبل قسامة الكافر على دعواه على المسلم في العمد و الخطأ

______________________________

التفصيل بين الصورتين، كما قد صرّح به فيها في القتل.

ثم إنّه على كلا القولين لو كان هناك كسر في اليمين أُكمل بيمين، لأنّه لا تكسر اليمين، فعلى القول الثاني إذا بلغت الجناية سدس الدية أو أقل ففي الجميع يمين واحدة، و على القول الأوّل إذا بلغت خمس عشر الدية أو أقل يكون كذلك، و في المتوسط بين الكسور يلحق بالكسر الذي يكون فيه يمين أكثر؛ لعدم تكسّر اليمين كما عرفت. و على كلا القولين ربّما تتّحد الجنايتان في مقدار اليمين، و إن كانت نسبتهما إلى الدية مختلفة، فتدبّر جيّداً.

(1) الظاهر أنّه لا خلاف في اعتبار علم الحالف، و أنّه لا يكفي الظن و لو كان غالباً، و نسبة الخلاف «1» إلى مبسوط الشيخ «2» ممنوعة كما في الجواهر «3»، و الوجه في الاعتبار أنّه لا خصوصيّة للمقام، فكما يعتبر ذلك في سائر المقامات يعتبر في المقام أيضاً، خصوصاً مع ملاحظة إباء الأنصار عن الحلف معلِّلًا بعدم رؤيتهم و تقرير النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) لهم، مضافاً إلى أنّه لا معنى للحلف على شي ء مع عدم العلم به، و الحلف على ثبوت الظنّ به لا يغني أصلًا.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام: 2/ 463.

(2) المبسوط: 7/ 216.

(3) جواهر الكلام: 42/ 256 257.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 260

في النفس و غيرها؟ فيه خلاف، و الوجه عدم القبول (1).

______________________________

(1) هذه المسألة خلافية، فعن الشيخ في بعض كتبه «1» و العلّامة «2»

و فخر المحقّقين «3» أنّه لا تقبل، و جعله المحقّق في الشرائع أظهر «4»، لكن حكي عن مبسوط الشيخ «5» و جمع من الأصحاب «6» القبول، و قوّاه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) «7».

و استدلّ للأوّل بأنّ القسامة على خلاف الأصل، و مورد الروايات قسامة المسلم، فيقتصر على القدر المتيقّن، و بأنّه قد صرّح في بعض الروايات المتقدّمة بأنّه إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة، و في بعضها إنّما جعلت القسامة احتياطاً لدماء المسلمين، فيستفاد منه أنّ مشروعية القسامة لأجل التحفّظ على دم المسلم فقط، و بأنّه إن أُريد بالقسامة إثبات القصاص في القتل عمداً فمن الواضح أنّ الكافر لا يستحقّ القصاص على المسلم، و إن أُريد بها إثبات الدية فاللّازم الحكم بثبوت مال للكافر على المسلم باليمين الابتدائية من الكافر، مع أنّا نعلم بأنّهم يستحلّون دماء المسلمين و أموالهم.

و بأنّها سبيل منفيّ للكافر على المسلم، و بتقرير النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) الأنصار على إبائهم و امتناعهم قبول قسامة اليهود، و لذا أدّاه هو (صلّى اللّٰه عليه و آله) من بيت المال.

و يمكن المناقشة في الجميع.

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 311 مسألة 10.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 297، تحرير الأحكام: 2/ 254.

(3) إيضاح الفوائد: 4/ 618.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 999.

(5) المبسوط: 7/ 216.

(6) مختلف الشيعة: 9/ 476 مسألة 172، مسالك الأفهام: 15/ 209 210.

(7) جواهر الكلام: 42/ 258.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 261

..........

______________________________

أمّا تقرير النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله) فهو مسبوق بأمر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) بقسامة اليهود، و هو صريح في مشروعية قسامتهم مع كونهم كافرين بل مشركين، و عليه فلا بدّ من توجيهه بنحو، لأنّه لا مجال لجعل

الوجه فيه هو عدم المشروعية بعد صراحة القول فيها.

و يمكن أن يكون الوجه فيه هو علم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) بصدور القسامة من اليهود بعد أمرهم بها، و عليه فكان يترتّب عليها براءتهم و لزوم أداء الدية من بيت المال، و يبقى في نفوس الأنصار الاعتراض على قبول قسامتهم، فرأى (صلّى اللّٰه عليه و آله) المصلحة في صرف النظر عن قسامتهم و أداء الدية من بيت المال ابتداءً، و عليه فالوجه في التقرير خصوصيّة المورد لا عدم مشروعيّة القسامة، و لو سلّمنا عدم تبين وجه التقرير لنا لكن ذلك لا يستلزم رفع اليد عن القول الصريح في المشروعية.

نعم مقتضاها مشروعية القسامة من الكافر في جانب المدّعىٰ عليه، و هو و إن لم يكن ملازماً للمشروعية في ناحية المدّعى، خصوصاً بملاحظة بعض الأدلّة المذكورة مثل نفي السبيل، إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق بين القسامتين من هذه الجهة عند الأصحاب (قدّس سرّهم) فالإنصاف أنّ الرواية دليل قويّ على المشروعية مطلقاً.

و أمّا نفي السبيل فيمكن المناقشة في الاستدلال به بعد وضوح أنّ ثبوت دعوى الكافر بسبب قسامته لا يستتبع القصاص بوجه، لأنّ المفروض كون المدّعى كافراً و هو يستلزم كون المقتول كذلك، لعدم إرث الكافر من المسلم، و قد سبق أنّ من شرائط القصاص التساوي في الدين، و أنّه لا يقتل مسلم بذمّي، و عليه فثبوت دعوى الكافر بالقسامة في المقام لا يترتّب عليه إلّا الدية التي هي حقّ مالي، و من الواضح أنّ ثبوت مال للكافر على المسلم لا يكون سبيلًا له عليه، و إلّا يلزم عدم جواز افتراض المسلم من الذمّي، و يلزم أن لا يثبت القتل و لو بالبيّنة، لأنّ مقتضاها ثبوت الدية

على القاتل المسلم، مع أنّ صريح النصّ و الفتوى خلافه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 262

[مسألة 10 لا بدّ في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع و مورد الحلف عن الإبهام]

مسألة 10 لا بدّ في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع و مورد الحلف عن الإبهام و الاحتمال، من ذكر القاتل و المقتول و نسبهما و وصفهما بما يزيل الإبهام و الاحتمال، و ذكر نوع القتل من كونه عمداً أو خطأً أو شبه عمد، و ذكر الانفراد أو الشركة و نحو ذلك من القيود (1).

______________________________

و منه يظهر الجواب عن الدليل المتقدّم على هذا الدليل، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الشاهد و اليمين الابتدائية من الكافر يكفي في إثبات المال على المسلم.

و أمّا ما ورد في مشروعية القسامة فلا دلالة فيها على الحصر، بل و لا مفهوم له إلّا مفهوم اللّقب الذي قد حقّق في الأصول عدم ثبوت المفهوم له. نعم لا يستفاد منه المشروعية في غير المسلمين، لكن هنا بعض ما تدلّ على المشروعية، مثل قوله (عليه السّلام) في بعض الروايات: هي (القسامة) حقّ، و لو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً «1». و في البعض الآخر: و إنّما القسامة نجاة للناس «2».

و لا منافاة بين الطائفتين حتى بالإطلاق و التقييد، بل الطائفة الثانية متعرّضة لما لم تتعرّض له الأولى، كما لا يخفىٰ.

و منه يظهر أنّه لا مجال للأخذ بالقدر المتيقّن بعد وجود الروايات المطلقة، خصوصاً مع صراحة الرواية الواردة في قصة الأنصار في مشروعية قسامة الكفّار كما مرّ، و عليه فالوجه هو القبول خلافاً للمتن.

(1) لا شبهة في أنّه لا بدّ في اليمين من أن يكون منطبقة على الدعوى في جانب المدّعى، و على ما أنكره في جانب المدّعىٰ عليه، و حيث إنّ الظاهر أنّه

يعتبر في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 116، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 8.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 114، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 263

..........

______________________________

سماع الدّعوى أن لا تكون مطلقة مجرّدة بل مشتملة على بيان الخصوصيات، بنحو يزيل الإبهام و الاحتمال من جهة القاتل و المقتول و نوع القتل و الانفراد أو الشركة و غير ذلك، فالظاهر حينئذٍ كفاية اليمين على طبق الدعوى من دون اعتبار ذكر الخصوصيات في اليمين أيضاً، إلّا أنّه حكي عن مبسوط الشيخ أنّه تحتاج يمين المدّعى إلى أربعة أشياء، و هي المذكورة في المتن، و يمين المدّعىٰ عليه إلى ستّة أشياء يقول: ما قتل فلاناً، و لا أعان على قتله، و لا ناله من فعله، و لا بسبب فعله شي ء، و لا وصل بشي ء إلى بدنه، و لا أحدث شيئاً مات منه «1».

و ظاهره لزوم التعرّض في اليمين لهذه الخصوصيات و عدم الاكتفاء بالفاقدة لذكر بعضها، و إن كان يظهر من ذيل كلامه أنّ هذا فيما إذا كانت الدعوى مطلقة و قلنا بسماعها. و قد وقع التصريح باعتبار الأمور الأربعة في يمين المدّعى في عبارة الشرائع «2»، و حكي عن بعض كتب العلّامة «3» و بعض متأخّري المتأخّرين «4».

و كيف كان فالظاهر أنّه لا دليل على خصوص اليمين في قسامة القتل من هذه الجهة، بل الظاهر أنّ حكمها حكم اليمين في سائر المقامات، و إن اختلف معها من حيث الكمّية. نعم ورد في بعض روايات المقام التعبير بأنّ فلاناً قتل فلاناً.

كما أنّه ورد في بعضها في ناحية المدّعىٰ عليه التعبير بأنّه «ما قتلنا و لا علمنا

له قاتلًا»، مع أنّه لم يقع التعرّض لهذه الجهة الأخيرة في شي ء من الكلمات حتّى عبارة المبسوط، فإنّ مرجع الأمور الستّة المذكورة فيه إلى عدم دخالة المدّعىٰ عليه في

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 237 239.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 999.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 253، إرشاد الأذهان: 2/ 219.

(4) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 198.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 264

[المقصد الثالث: في أحكامها]
اشارة

المقصد الثالث: في أحكامها

[مسألة 1 يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد]

مسألة 1 يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد، و الدية على القاتل في الخطأ شبيه العمد، و على العاقلة في الخطأ المحض، و قيل: تثبت في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة و هو غير مرضيّ (1).

______________________________

القتل بوجه. و أمّا عدم علمه بالقاتل و لو كان هو غير المدّعىٰ عليه فليس فيها التعرّض له أصلًا.

هذا، و مقتضى القاعدة و إن كان ما ذكرنا من كفاية الانطباق على الدعوى، و بعد اشتمالها على الخصوصيات لا يكون ذكرها في اليمين ثانياً و ثالثاً و هكذا بلازم، إلّا أنّ رعاية الاحتياط في الدماء من ناحية، و ظواهر الروايات الواردة في كيفية يمين المدّعى و المدّعىٰ عليه مثل ما عرفت من ناحية أخرى تقتضي التعرّض في اليمين لتلك الخصوصيات أيضاً، كما أنّه ينبغي التعرّض لعدم العلم بالقاتل في ناحية المدّعىٰ عليه أيضاً.

(1) لا شبهة و لا خلاف عندنا نصّاً و فتوى في أنّه يترتّب على القسامة في قتل العمد ثبوت قتل العمد و ترتّب القصاص عليه، كما فيما إذا ثبت بالإقرار أو بالبيّنة. و حكي عن أبي حنيفة «1» و الشافعي في الجديد «2» ثبوت الدية مغلظة في مال الجاني دون القصاص، و في الجواهر بعد نقله: و هو اجتهاد في مقابلة النصّ النبوي و غيره «3».

و يدلّ على ما ذكرنا صريح جملة من الروايات المتقدّمة مثل صحيحة بريد بن

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 306 مسألة 2، المبسوط للسرخسي: 26/ 108، بدائع الصنائع: 6/ 352.

(2) الخلاف: 5/ 306 مسألة 2، مغني المحتاج: 4/ 117، الأم: 6/ 96 97.

(3) جواهر الكلام: 42/ 265.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 265

..........

______________________________

معاوية المتقدّمة المشتملة على قوله

(صلّى اللّٰه عليه و آله): لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكفّ عن قتله «2». و رواية ابن سنان المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله (عليه السّلام): لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص «3» و رواية زرارة المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): فليقسم خمسون رجلًا منكم على رجل ندفعه إليكم «4». و غير ذلك من الروايات.

مع أنّ ظاهر الروايات الواردة في مشروعية القسامة أنّها بحكم البيّنة و الإقرار في ترتّب القصاص، و إلّا لكان اللّازم التصريح بالاختلاف و عدم ثبوت القصاص هنا. و لا شبهة أيضاً في ثبوت الدية على القاتل في الخطأ شبه العمد هنا؛ و أمّا الخطأ المحض فالمشهور فيه ثبوت الدية على العاقلة «5»، كما إذا ثبت بالبيّنة، و لكنّ المحكيّ عن تحرير العلّامة «6» و حواشي الشهيد «7» ثبوت الدية على القاتل في الخطأ أيضاً، و لعلّ مستندهما رواية زيد بن عليّ، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: لا تعقل العاقلة إلّا ما قامت عليه البيّنة. قال: و أتاه رجل فاعترف عنده، فجعله في ماله خاصّة و لم يجعل على العاقلة شيئاً «8». و لكن الرواية مضافاً إلى ضعف السند قاصرة من حيث الدلالة، لأنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّ الحصر فيها إضافي في مقابل الإقرار لا حقيقي، شامل للقسامة أيضاً، خصوصاً مع ظهور روايات القسامة في خلافه.

______________________________

(2) تقدّمت في ص 219.

(3) تقدّمت في ص 223.

(4) تقدّمت في ص 221.

(5) كشف اللثام: 2/ 464.

(6) تحرير الأحكام: 2/ 254.

(7) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 79.

(8) وسائل الشيعة: 19/ 306، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 266

[مسألة 2 لو ادّعى على اثنين و له على أحدهما لوث]

مسألة 2 لو ادّعى على اثنين و له على أحدهما لوث فبالنسبة إلى ذي اللّوث كان الحكم كما تقدّم من إثباته بخمسين قسامة، و بالنسبة إلى غيره كانت الدعوى كسائر الدّعاوي، اليمين على المدّعىٰ عليه و لا قسامة. فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه، و إن ردّ اليمين على المدّعى حلف، و هذا الحلف لا يدخل في الخمسين، بل لا بدّ في اللوث من خمسين غير هذا الحلف على الأقوى (1).

[مسألة 3 لو أراد قتل ذي اللّوث بعد الثبوت عليه بالقسامة]

مسألة 3 لو أراد قتل ذي اللّوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يردّ عليه نصف

______________________________

(1) مورد هذه المسألة ما إذا ادّعى القتل على اثنين بنحو الشركة، و كان اللّوث متحقّقاً بالإضافة إلى أحدهما فقط، و عليه فالحكم فيها هو ما في المتن من ملاحظة اللّوث و عدمه، فبالنسبة إلى ذي اللّوث يتوقّف إثبات دعوى القتل على القسامة، و يترتّب عليها شركة المدّعىٰ عليه في القتل، و أمّا بالنسبة إلى غير ذي اللّوث فلا مجال للقسامة؛ لعدم وجود شرطها الذي هو اللّوث كما عرفت. و عليه فتجري الضابطة الجارية في سائر الموارد، و هي أنّه مع عدم البيّنة للمدّعي تصل النوبة إلى يمين المدّعىٰ عليه، فإذا حلف سقطت دعواه بالإضافة إليه، و إن ردّ اليمين على المدّعى حلف و تثبت دعواه على الآخر أيضاً، و هي شركته في القتل.

و الظاهر أنّ هذا الحلف لا يرتبط بالقسامة و لا يدخل في الخمسين؛ لأنّه مضافاً إلى مغايرة طرفه مع طرفها يكون مقتضاهما مختلفاً، فإنّ القسامة إنّما تثبت شركة ذي اللّوث في القتل، و لا تثبت بها شركة غيره بوجه. و عليه فلا بدّ في إثباتها من حلف مربوط به، و لا يبتني الدخول و عدمه على القولين فيما

إذا تعدّد المدّعىٰ عليه، و كان لوث بالإضافة إلى الجميع، فإنّ المفروض في المقام عدم اللّوث بالإضافة إلى الثاني، و كون اليمين هي اليمين المردودة، و لا ربط له بتلك المسألة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 267

ديته، و كذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة و أراد قتله يردّ عليه نصف الدية (1).

[مسألة 4 لو كان لوث و بعض الأولياء غائب و رفع الحاضر الدّعوى]

مسألة 4 لو كان لوث و بعض الأولياء غائب و رفع الحاضر الدّعوى إلى الحاكم تسمع دعواه و يطالبه خمسين قسامة، و مع الفقد يحلفه خمسين يميناً في العمد، و في غيره نصفها حسب ما عرفت، و يثبت حقّه و لم يجب انتظار سائر الأولياء، و له الاستيفاء و لو قوداً، ثم لو حضر الغائب و أراد استيفاء حقّه قالوا: حلف بقدر نصيبه، فإذا كان واحداً ففي العمد خمس و عشرون، و إن كان اثنين فلكلّ ثلث و هكذا، و في الكسور يجبر بواحدة، و يحتمل ثبوت حقّ الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه. و يحتمل التفصيل بين قسامة الحاضر، فيقال بثبوت حقّ الغائب بها و يمينه خمسين يميناً مع فقد القسامة. فيقال بعدم ثبوته بها. و يحتمل ثبوت حقّ الغائب بضمّ يمين واحدة إلى عدد القسامة و مع فقدها و يمين الحاضر ضمّ حصّته من الأيمان. و يحتمل عدم ثبوت دعوى الغائب إلّا بخمسين

______________________________

(1) الظاهر أنّ المفروض في هذه المسألة ما إذا أثبت المدّعى دعواه بالإضافة إلى واحد منهما فقط، أمّا الأوّل من طريق القسامة، و أمّا الثاني من طريق اليمين المردودة، فإنّه حينئذٍ إذا أراد القتل لا بدّ له أن يردّ نصف الدية من نفسه، لعدم التمكّن من إثبات دعواه على غيره، و المفروض أنّ ما أثبته

كان هو القتل لا بنحو الانفراد بل بنحو الشركة، فمع الاعتراف بالشركة بنحو التنصيف لا بدّ له من ردّ نصف الدية من نفسه. و أمّا لو فرض ثبوت الدّعوى على كليهما و أراد قتل أحدهما فاللّازم أن يردّ الآخر النصف لا وليّ المقتول، كما في موارد ثبوت الشركة في القتل بالإقرار أو بالبيّنة، كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 268

قسامة و مع فقدها يحلف خمسين يميناً كالحاضر، و لو كان الغائب أزيد من واحد و ادّعى الجميع كفاهم خمسون قسامة أو خمسون يميناً من جميعهم. أقوى الاحتمالات الأخير، سيّما إذا ثبت حقّه بخمسين يميناً منه. و يأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

الأوّل: في جواز رفع الوليّ الحاضر الدّعوى إلى الحاكم و ما يترتّب عليه، و الوجه في الجواز إطلاق الأدلّة الدالّ على عدم مانعية غيبة بعض الأولياء عن رفع الحاضر الذي هو لأجل إثبات حقّه و استيفائه، خصوصاً مع أنّه ربّما يحتمل عدم عود الغائب، و عدم تبدّل غيبته إلى الحضور، أو عدم كونه مدّعياً بعد الحضور، فمجرّد الغيبة لا يتّصف بالمانعية، و عليه فيجوز للحاضر رفع دعواه، و تكون هذه الدعوى مسموعة عند الحاكم.

غاية الأمر حيث قام الدليل على أنّه إذا لم يكن لمدّعي القتل بيّنة و لم يكن هناك إقرار من القاتل فالطريق منحصر في القسامة، فاللّازم في إثبات دعواه في المقام إقامة خمسين قسامة، أو خمسين يميناً في العمد، و نصفه في غيره، و إن كان على تقدير حضور الغائب يكون سهمه من اليمين هو النصف، إلّا أنّه بالغيبة لا يتغيّر الحكم و لا يوجب ثبوت القتل بالنصف،

فاللّازم خمسون يميناً حتّى يثبت حقّه، و مع الإثبات يجوز له الاستيفاء من دون انتظار، و لو كان بنحو الاقتصاص، لما سيأتي في مسائل كيفيّة استيفاء القصاص من جواز التصدّي له من بعض الأولياء.

الثاني: في أنّه إذا حضر الغائب و أراد استيفاء حقّه فبأيّ طريق يمكن له إثبات حقّه، و المذكور في كلماتهم بنحو يوجب شبهة تحقّق الإجماع كما في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 269

..........

______________________________

الجواهر «1»، حيث أرسل من تعرّض له من الشيخ «2» و الفاضلين «3» و الشهيدين «4» و غيرهم من الشارحين «5» له إرسال المسلّمات هو أنّه يحلف الغائب بقدر نصيبه، فإذا كان واحداً يحلف خمساً و عشرين في العمد، و إن كان اثنين يحلف كلّ واحد منهما سبع عشرة لعدم تكسّر اليمين، و الوجه في هذا أنّ الغائب لو كان حاضراً عند رفع الحاضر لم يجب عليه أزيد من هذا، بل كان اللّازم عليه الحلف بقدر نصيبه، فإذا حضر بعد الغيبة لا يتغيّر الحكم.

و تجري المناقشة في هذا الوجه لأنّه على تقدير الحضور ربّما لا يكون الحلف عليه لازماً، لوجود خمسين رجلًا يحلفون، كما أنّه على هذا التقدير ربّما لا يكون الحلف بقدر النصيب بلازم، لإمكان حلف الحاضر أزيد، و قد مرّ جوازه.

و في المتن بعد نقل هذا الحكم منسوباً إلى الأصحاب احتمل فيه احتمالات أُخر:

أحدها: أنّه كما ثبت حقّ الحاضر بخمسين رجلًا أو يميناً كذلك ثبت حقّ الغائب بها، و لا يحتاج إثبات دعواه إلى دليل آخر، لأنّ المفروض عدم كون دعواه مغايرة مع دعوى الحاضر، و المفروض أنّه قد أثبت دعواه، فيبقى للغائب مجرّد الاستيفاء، و لا حاجة إلى الإثبات ثانياً.

ثانيها: أنّه إذا

أثبت الحاضر حقّه بخمسين رجلًا فبذلك يثبت حق الغائب

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 269.

(2) المبسوط: 7/ 233 234.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 1000، قواعد الأحكام: 2/ 298، إرشاد الأذهان: 2/ 220.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 215 216، و أمّا الشهيد الأوّل فحكاه عن كتابه «الروض» السيد العاملي في مفتاح الكرامة: 11/ 80.

(5) كشف اللثام: 2/ 464.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 270

..........

______________________________

أيضاً، نظراً إلى أنّ قسامة خمسين بمنزلة البيّنة التي يكفي لإثبات الحقّ مطلقاً، ضرورة أنّه لو كان الحاضر أثبت حقّه بالبيّنة لكان ذلك كافياً في إثبات حقّ الغائب أيضاً، فقسامة خمسين بمنزلة البيّنة في ذلك، و هذا بخلاف خمسين يميناً التي يحلفه الحاضر، فإنّه لا دليل على أزيد من إثبات حقّه بها، و أمّا ثبوت حقّ الغائب أيضاً فلا يستفاد من الأدلّة، بل لا بدّ للغائب من إقامة الدليل، و الظاهر في هذا الاحتمال أيضاً أنّ دليله هو الحلف بقدر نصيبه.

ثالثها: هو الاحتمال الثاني مع الفرق في أنّه يلزم بعد تحقّق قسامة خمسين رجلًا في إثبات دعوى الحاضر يمين واحدة من الغائب إذا حضر، و الوجه فيه لزوم كون المدّعى من جملة الخمسين، فكما أنّه كان الحاضر أحدهم يلزم أن يحلف الغائب بعد حضوره ليكون أحدهم أيضاً.

رابعها: ما قوّاه في المتن و هو أنّه يحتاج الغائب في إثبات دعواه إلى قسامة خمسين رجلًا أو خمسين يميناً ثانياً كالحاضر، نعم لو كان الغائب أزيد من واحد كفى الجميع ذلك، كما إذا كانوا حاضرين. و الوجه فيه إطلاق أدلّة القسامة الدالّ على أنّ مدّعي القتل يحتاج في إثبات دعواه مع عدم البيّنة و الإقرار إلى القسامة، و من الواضح أن الغائب مدّع للقتل، و

المفروض تمامية دعوى الحاضر و فصل الخصومة بالإضافة إليه، و هذه دعوى جديدة.

نعم لو كان الغائب حاضراً لا يحتاج إلى تعدّد القسامة، لأنّ الخصومة واحدة. و قد عرفت أنّ ظاهر أدلّة القسامة عدم كون تعدّد المدّعى موجباً لتعدّدها، لكن هذا مع حضورهم. و أمّا مع الافتراق فالظاهر التعدّد، كما إذا كانوا جميعاً حاضرين. و لكن صدر الادعاء من واحد منهم لعدم ثبوت القاتل عند غيره، فبعد إثبات المدّعى دعواه بالقسامة و تمامية الخصومة، إذا صدر الادعاء من غيره أيضاً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 271

..........

______________________________

يحتاج إلى قسامة جديدة، لأنّه دعوى جديدة و هو مدّع جديد، و اللّازم عليه ذلك.

و هذا الاحتمال مضافاً إلى أنّه أقوى، سيّما إذا أثبت الحاضر حقّه بخمسين يميناً من نفسه دون خمسين رجلًا، الذي يحتمل فيه كونه كالبيّنة المثبتة للدّعوى مطلقاً موافق للاحتياط أيضاً، خصوصاً بعد كون القسامة علىٰ خلاف القاعدة، كما عرفت.

ثمّ إنّه إذا استوفى الحاضر حقّه بالدية فتارة يريد الغائب بعد حضوره و إثبات حقّه بنحو عرفت استيفاء حقّه بالدية أيضاً، و أُخرى يريد استيفاءه بالقصاص، ففي الصورة الأولى يأخذ نصف الدّية مثل الحاضر، و لا إشكال حينئذٍ، و في الصورة الثانية يجوز له الاقتصاص، غاية الأمر بعد أداء نصف الدية، لأنّ المفروض أنّه قد أدّى المقتصّ منه نصف الدية إلى الحاضر أوّلًا، فاللّازم الأخذ من الغائب الذي ليس له من الحقّ إلّا النصف.

و أمّا إذا استوفى الحاضر حقّه بالقصاص و لازمه أداء نصف الدية إلى المقتصّ منه أو ورثته، لعدم جواز الاقتصاص بعد كون حقّه بمقدار النصف إلّا بعد الأداء المذكور فتارة يريد الغائب الاستيفاء بالدية و أُخرى بالقصاص، ففي الصورة الأُولى يأخذ

نصف الدية من الورثة، و في الصورة الثانية و إن كان لا يترتّب على إثبات دعواه بالقسامة من جهة القصاص شي ء، لأنّ المفروض تحقّقه، و لأجله ربّما يحتمل عدم القسامة عليه للورثة، إلّا أنّه حيث يترتّب على دعواه لزوم دفع الورثة النصف الذي أخذ من الحاضر إليه، لأنّه لا يقع في مقابل النفس أزيد من نفس واحدة، فإلزامه بذلك يتوقّف على إثبات دعواه بالقسامة، و في الحقيقة لا تكون مطالبة القسامة حينئذ بنفع الورثة بل بضررهم، لأنّه مع عدم المطالبة يكون نصف الدية بأيديهم، بل تكون القسامة مؤثِّرة في حصول نفع إلى الوليّ الحاضر، و لأجله يمكن أن يقال بعدم سماع دعوى الغائب في هذه الصورة، لأنّه بعد إرادة القصاص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 272

[مسألة 5 لو كذّب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللوث فيما إذا كانت أمارات على القتل]

مسألة 5 لو كذّب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللوث فيما إذا كانت أمارات على القتل، نعم لا يبعد القدح إذا كان اللّوث بشاهد واحد مثلًا، و المقامات مختلفة (1).

______________________________

لا نفع في هذه الدعوى بالإضافة إليه أصلًا.

ثمّ إنّه ذكر في ذيل المتن أنّه يجري الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء، و مراده من القاصر الصبي و المجنون، و مراده أنّه لو كان أحد الوليّين صبيّاً أو مجنوناً يجري فيه حكم الولي الغائب، فيأتي فيه جميع الاحتمالات المذكورة فيه. و لكن اللّازم تقييده بما إذا لم يدّع الوليّ عنهما مع المدّعين، و إلّا فيجري فيه حكم تعدّد المدّعى الذي قد عرفت عدم تعدّد القسامة فيه، بخلاف تعدّد المدّعىٰ عليه.

(1) قد وقع عنوان المسألة بهذه الكيفية في المتن تبعاً للشرائع «1» و محكي الخلاف «2» و المبسوط «3» و القواعد «4» و بعض آخر «5»، و

لكنّ الظاهر أنّه بهذه الكيفية لا يرتبط بالفقيه، إذ ليس من شأنه بيان موارد وجود اللّوث و موارد عدمه بعد بيان مفهومه و معناه، و أنّه هي الأمارة المفيدة للظنّ الشخصي للحاكم بصدق المدعي، لأنّه لا مجال لأن يتعرّض الفقه في أيّ مورد يتحقّق الظن الشخصي، و في أيّ مورد لا يتحقّق، بعد ملاحظة اختلاف المقامات و اختلاف الأشخاص و اختلاف الأمارات.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1000.

(2) الخلاف: 5/ 315 مسألة 15.

(3) المبسوط: 7/ 233.

(4) قواعد الأحكام: 2/ 296.

(5) إيضاح الفوائد: 4/ 612 613، مسالك الأفهام: 15/ 217.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 273

..........

______________________________

و يرد على المتن مضافاً إلى ذلك نفي البعد عن القدح مع كون اللّوث بشاهد واحد، و لعلّ نظره إلى تعارض شهادته مع تكذيب الوليّ الآخر. و الوجه في الإيراد أنّه ربّما يكون الولي الآخر متّهماً بالخطإ أو السهو أو العداوة أو الغرض، و لا يقدح تكذيبه في حصول الظنّ من الشاهد الواحد بعد فرض عدالته، كما لا يخفى.

و الذي ينبغي أن يقع محلّاً للبحث في هذه المسألة، أنّه كما أنّ مشروعية القسامة مشروطة بوجود اللّوث، فهل تكون في صورة وجود وليّين مثلًا مشروطة بعدم تكذيب الوليّ الآخر أم لا تكون مشروطة به بوجه؟ و ربّما يقال بالاشتراط نظراً إلى الاقتصار على القدر المتيقّن بعد كون القسامة مخالفة للقاعدة من جهات.

و لكن يدفعه أنّ لازم الاشتراط المذكور عدم صحّة القسامة إذا كان بعض الورثة غائباً أو صغيراً حتّى يحضر أو يبلغ، فلا يكذب خصوصاً مع عدم كون سائر الدعاوي ساقطة بتكذيب أحد الوارثين حق الآخر، فلو ادّعى أحد الوارثين ديناً للمورِّث و أقام عليه شاهداً واحداً مع يمينه؛ لا

يمنع تكذيب الآخر من صحّة يمينه و ثبوت حقّه بوجه.

ثمّ إنّه قد تعرّض صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في ذيل هذه المسألة لفروع لا بأس بالتعرّض لاثنين مهمّين منها:

الأوّل: لو قال أحدهما: قتل أبانا زيد، و قال الآخر: بل عمرو، ففي الجواهر أقسم كلّ واحد على من عيّنه بعد ثبوت اللّوث و لو بالبيّنة على أنّ القاتل أحدهما و أخذ نصف الدية «1» و مبنى هذا عدم بطلان القسامة بالتكاذب و التعارض.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 271.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 274

..........

______________________________

و يرد عليه منع هذا المبنى، فإنّ الظاهر بعد عدم إمكان الجمع بين القسامتين لاقتضاء كلّ واحدة منهما كون القاتل غير الذي يدّعيه الآخر، و المفروض توافقهما على عدم الشركة و صدور القتل بنحو الانفراد تساقطهما و عدم صلاحية شي ء منهما لإثبات الدعوى، و هذا من دون فرق بين أن يكون اعتبارها لأجل الأمارية و الكاشفية كما لا يبعد، و بين أن يكون لا لأجل ذلك، ضرورة أنّ اعتبارها إنّما هو مع عدم العلم بالخلاف، و هو غير متحقّق في المقام، فتدبّر.

هذا، مع أنّ تحقّق اللّوث في مثل المقام ممنوع، و مجرّد قيام البيّنة على أنّ القاتل أحدهما إنّما يوجب الظنّ بكون أحدهما القاتل في مقابل غيرهما، و أمّا كون كلّ واحد قاتلًا فلا ظنّ بالإضافة إليه بل لا يعقل؛ لأنّ الظنّ بالمتخالفين غير ممكن، فلا يوجب مشروعية القسامة المشروطة بوجود اللّوث بالنسبة إلى كلّ واحد منهما، كما لا يخفىٰ.

الثاني: لو قال أحدهما: قتله هذا وحده، و قال الثاني: بل هذا مع آخر. ففي الجواهر: «فعلى المختار من عدم الإبطال حلف الأوّل على الذي عيّنه و استحق نصف الدية، و حلف

الثاني عليهما و استحق النصف على كلّ واحد الربع، نعم بناء على الإبطال بالتكاذب يحتمل أن يقال: إنّه حصل في النصف فلا يستحقّانه بالقسامة، فيحلف الأوّل على الذي عيّنه و يأخذ الربع، و يحلف الآخر عليه و يأخذ الربع، و لا يحلف على الآخر لتكذيب الأخ له في شركته» «1».

أقول: الظاهر أنّه بناء على الإبطال بالتكاذب كما هو الظاهر على ما عرفت،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 271 272.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 275

[مسألة 6 لو مات الوليّ قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه قام وارثه مقامه]

مسألة 6 لو مات الوليّ قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه قام وارثه مقامه في الدعوىٰ، فعليه إذا أراد إثبات حقّه القسامة، و مع فقدها خمسون أو خمس و عشرون يميناً، و إن مات الولي في أثناء الأيمان فالظاهر لزوم استئناف الأيمان، و لو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقّه من غير يمين (1).

______________________________

يكون مقتضاه التساقط مطلقاً و عدم ثبوت شي ء من الدعويين بوجه، كما في الفرع المتقدّم، و أمّا احتمال حصول التكاذب في النصف و جواز رجوع كلّ منهما إلى الذي عيّنه الأوّل بالربع فيدفعه مضافاً إلى كونه مخالفاً للظاهر أنّ لازمه ليس جواز الرجوع المزبور، بل يمكن القول بثبوت القصاص حينئذ لتوافقهما على كون زيد مثلًا قاتلًا و عدم ثبوت دعوى الانفراد، و كذا دعوى الاشتراك لا يمنع من ثبوت القصاص لجوازه على كلا التقديرين، غاية الأمر عدم توقّفه على الردّ بناء على الانفراد و توقّفه عليه على الاشتراك.

(1) في هذه المسألة فروض ثلاثة:

الأوّل: ما إذا مات الولي قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه، و لا شبهة في أنّه يقوم وارثه مقامه في الدعوى و إقامة القسامة أو الحلف، و في الحقيقة ما ينتقل في

هذا الفرض بالموت إلى الوارث إنّما هو حقّ الدعوى و صلاحية دعواه للسماع، بعد أن لم تكن كذلك في حياة المورّث، و بعد ذلك يحتاج بمقتضى أدلّة القسامة إثبات دعواه إليها أو إلى الحلف، ضرورة أنّه لا مجال للثبوت بدونها.

الثاني: ما إذا مات الولي في أثناء الأيمان، و في المتن الظاهر لزوم استئناف الأيمان، و المحكي عن الشيخ (قدّس سرّه) «1» التعليل له بأنّه لو أتمّ لأثبت حقّه بيمين غيره،

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 234.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 276

..........

______________________________

و بأنّ الخمسين كيمين واحدة، و لو مات في أثنائها لزم الوارث استئنافها.

و يرد على الأوّل أنّ إثبات الحقّ بيمين الغير من خصوصيات القسامة، فلا يكون ذلك من التوالي الفاسدة، و تنزيل الخمسين منزلة يمين واحدة لا دليل على إطلاقه، بل غايته التنزيل في إثبات الدعوى به و توقف ثبوتها عليه، و أمّا كونها مثلها في جميع الآثار و الخواص فلم يقم دليل عليه.

و التحقيق أنّ الدّليل على هذا القول مضافاً إلى أنّ كون القسامة علىٰ خلاف القاعدة يقتضي الاقتصار على القدر المتيقّن و هو الاستئناف في المقام أنّ مقتضى إطلاق أدلّة القسامة أنّ دعوى القتل تحتاج في إثباتها إلى القسامة، و من الواضح أنّ دعوى الوارث بعد الولي دعوى جديدة، و هو مدّع جديد يفتقر إثباتها إلى القسامة بعد طرح الدعوى و سماعها.

و الدليل على كونه مدّعياً جديداً أنّه لم يكن له مجال مع وجود الولي، مع أنّه يمكن أن لا يكون له ادّعاء بعده، و عليه فلا وجه لإتمام القسامة و لا لإقامتها، فاحتياج ذلك إلى دعواه يكشف عن كونها دعوى جديدة. و من الظاهر توقّف إثباتها على القسامة بعدها، مع

أنّك عرفت في المسألة الرابعة أنّ حضور الولي الغائب بعد إقامة القسامة من الولي الحاضر يوجب توقّف إثبات دعواه أيضاً على قسامة جديدة، كما قوّيناه، ففي المقام الذي لا يكون الوارث في عرض الولي بل في طوله يكون التوقّف المذكور أوضح بل أولىٰ، فتدبّر.

الثالث: ما إذا مات الولي بعد تمامية الأيمان، و لا إشكال حينئذٍ في أنّه لا يجب على الوارث إقامة القسامة أو الحلف، لأنّ ما ينتقل إلى الوارث حينئذٍ ليس هو طرح الدعوى، لأنّ المفروض إثباتها من ناحية الولي، بل هو حق الاقتصاص من القاتل أو أخذ الدية منه، كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 277

[مسألة 7 لو حلف المدّعى مع اللّوث و استوفى الدية ثم شهد اثنان أنّه كان غائباً]

مسألة 7 لو حلف المدّعى مع اللّوث و استوفى الدية ثم شهد اثنان أنّه كان غائباً غيبة لا يقدر معها على القتل أو محبوساً كذلك، فهل تبطل القسامة بذلك و استعيدت الدية أم لا مجال للبيّنة بعد فصل الخصومة باليمين؟ فيه تردّد، و الأرجح الثاني، نعم لو علم بذلك وجداناً بطلت القسامة و استعيدت الدية. و لو اقتصّ بالقسامة أو الحلف أخذت منه الدية لو لم يعترف بتعمّد الكذب، و إلّا اقتصّ منه (1).

______________________________

(1) الظاهر كما في المتن أنّه بعد تمامية فصل الخصومة بالقسامة، و استيفاء المدّعى الدية لا يبقى مجال لطرحها ثانياً، و إقامة البيّنة من طرف القاتل على كونه مسافراً حال القتل سفراً لا يجتمع مع القتل بوجه، أو مريضاً كذلك أو محبوساً كذلك، كما في سائر الدعاوي، فإنّه بعد الحكم على طبق يمين المنكر فيها و فصل الخصومة بها لا مجال للمدّعي لإقامة البيّنة علىٰ دعواه، و لكن في الشرائع «1» و محكيّ القواعد «2» و غيرهما «3»

بطلان القسامة بذلك و لزوم ردّ الدية إلى القاتل، و لم يعرف له وجه يعتمد عليه.

نعم في المسالك: لو قال الشهود لم يقتله هذا و اقتصروا عليه لم تقبل شهادتهم «4» و لعلّ وجهه عدم حجّية الشهادة على النفي؛ لعدم كونه قابلًا للمشاهدة أولًا، و عدم إحرازه نوعاً ثانياً، لافتقاره إلى مراقبة تامّة و معاشرة كاملة، كما لا يخفى.

و كيف كان فالظاهر عدم بطلان القسامة بالبيّنة بعدها، نعم لو تحقّق العلم

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1000.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 296.

(3) المبسوط: 7/ 242، إرشاد الأذهان: 2/ 218، مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 190، كشف اللثام: 2/ 461.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 220.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 278

[مسألة 8 لو استوفى حقّه بالقسامة، فقال آخر: أنا قتلته منفرداً]

مسألة 8 لو استوفى حقّه بالقسامة، فقال آخر: أنا قتلته منفرداً، فإن كان المدّعى حلف وحده أو مع القسامة فليس له الرجوع إلى المقرّ إلّا إذا كذّب نفسه و صدّق المقر، و حينئذٍ ليس له العمل بمقتضى القسامة و لا بدّ من ردّ ما استوفاه، و إن لم يحلف و قلنا بعدم لزوم حلفه و كفى حلف قومه، فإذا ادّعى جزماً فكذلك ليس له الرجوع إلى المقرّ إلّا مع تكذيب نفسه، و إن ادّعى ظنّاً و قلنا بسماع دعواه كذلك جاز له الرجوع إلى المقرّ و جاز العمل بمقتضى القسامة، و الظاهر ثبوت الخيار لو لم يكذّب نفسه و رجع عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ (1).

______________________________

الوجداني علىٰ خلافها يكشف ذلك عن بطلان حكم الحاكم، و عليه فاللّازم ردّ الدية إلى من أخذها منه، هذا فيما لو استوفى الدية. و مثله ما لو استوفى حقّه بالاقتصاص فلا تبطل القسامة بالبيّنة و تبطل بالعلم الوجداني

بالخلاف، و اللّازم حينئذٍ أخذ الدية من المقتصّ و أداؤها إلى ورثة المقتصّ منه لو لم يعترف بتعمّد الكذب و إلّا يقتصّ من المقتصّ، كما لا يخفىٰ.

و ممّا ذكرنا تظهر المسامحة في المتن في بيان حكم الاستيفاء بالقصاص، فتدبّر.

(1) المحكيّ عن الشيخ في الخلاف فيما لو استوفى حقّه بالقسامة فقال آخر: أنا قتلته منفرداً، أنّ الولي بالخيار «1». و الظاهر أنّ مراده من الخيار هو خيار الولي بين البقاء على مقتضى القسامة و بين الرجوع إلى المقرّ و استيفاء الحقّ منه، و لكنّه في محكي المبسوط «2» استشكل في ذلك بأنّه ليس له ذلك لأنّه لا يقسم إلّا مع العلم فهو مكذِّب للمقِرّ، و مرجعه إلى أنّه مع تكذيبه للمقِرّ كيف يجوز له الرجوع إليه.

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 315، مسألة 16.

(2) المبسوط: 7/ 242.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 279

[مسألة 9 لو اتّهم رجل بالقتل و التمس الولي من الحاكم حبسه]

مسألة 9 لو اتّهم رجل بالقتل و التمس الولي من الحاكم حبسه حتّى يحضر البيّنة، فالظاهر جواز إجابته إلّا إذا كان الرجل ممّن يوثق بعدم فراره، و لو أخّر

______________________________

و لذا حكي عن كاشف اللثام «3» أنّ المراد من الخيار هو التخيير بين أن يصدِّقه و يكذِّب نفسه، و بين أن يكذِّبه و يثبت على ما كان عليه.

و التحقيق بعد ظهور كون المراد من الخيار هو التخيير بين البقاء على مقتضى القسامة و بين الرجوع إلى المقرّ هو التفصيل في ذلك كما في المتن، بأن يقال: إنّ الدّعوى إن كانت جزماً و مرجعها إلى علم المدّعى بكون القاتل هو زيداً مثلًا لا مجال له للرّجوع إلى المقرّ بوجه إلّا مع تكذيب نفسه، سواء قلنا بلزوم حلفه مع القسامة و حلف معهم، أم لم

نقل بذلك و قلنا بكفاية حلف القوم. و أمّا إذا كانت دعواه ظنّاً و قلنا بسماع هذا النحو من الدّعوى جاز له الرجوع إلى زيد بمقتضى القسامة، و جاز له الرّجوع إلى عمرو المقرّ بمقتضى إقراره، كما أنّه إذا كانت دعواه جزماً و لكنّه رجع بعد الإقرار عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ فإنّه حينئذٍ يكون له الخيار أيضاً، لأنّه بالرجوع عن الجزم لا يتحقّق تكذيب المقرّ.

لكن يظهر من الجواهر بطلان القسامة في هذه الصورة، حيث قال: و عروض الشك له بعد الإقرار و الإتيان بالقسامة يقتضي عدم الرجوع على الأوّل أيضاً، لأنّ الثابت من صحّة القسامة الأخذ بها لمن هو باق على مقتضاها «4». و يرد عليه أنّ الحكم بتوقّف صحّة القسامة على البقاء على مقتضاها يوجب عدم جريانها أصلًا لعدم إحرازه نوعاً، كما لا يخفى.

______________________________

(3) كشف اللثام: 2/ 464.

(4) جواهر الكلام: 42/ 275.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 280

المدّعى إقامة البيّنة إلى ستّة أيّام يخلّى سبيله (1).

______________________________

(1) قد وقع الإشكال و الخلاف في جواز حبس المتّهم في الدّم، فالمحكيّ عن الشيخ «1» و أتباعه «2» و الصهرشتي «3» و الطبرسي «4» و العلّامة في التحرير «5» و بعض آخر «6» الجواز، و عن الحلّي «7» و الفخر «8» و جدّه «9» و بعض آخر «10» العدم، و عن المختلف التفصيل، حيث إنّه قال فيما حكي عنه: التحقيق أن نقول: إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزم الحبس ستّة أيّام، عملًا بالرواية و تحفّظاً للنفوس عن الإتلاف، و إن حصلت لغيره فلا، عملًا بالأصل «11».

و المستند الوحيد في المسألة بعد وضوح كون الحبس على خلاف القاعدة لأنّه عقوبة مع عدم ثبوت

الجناية بعد؛ لأنّ المفروض تحقّق مجرّد الاتهام ما رواه الشيخ بأسانيده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام، فإن جاء أولياء

______________________________

(1) النهاية: 744.

(2) المهذّب: 2/ 503، الوسيلة: 461، لكن قيّده بثلاثة أيام.

(3) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11/ 84.

(4) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11/ 84.

(5) تحرير الأحكام: 2/ 254.

(6) كابن الجنيد على ما حكاه عنه ابن فهد الحلي في المهذّب البارع: 5/ 210، قال: «الخامس: قال أبو علي: إن ادّعى الولي أنّ له بيّنة حبس سنة».

(7) السرائر: 3/ 343.

(8) إيضاح الفوائد: 4/ 619.

(9) حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد: 4/ 619.

(10) كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 10/ 76 و المسالك: 15/ 223.

(11) مختلف الشيعة: 9/ 318 مسألة 24.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 281

..........

______________________________

المقتول بثبت، و إلّا خلّى سبيله «1».

و ذكر المحقّق في الشرائع أنّه في المستند ضعف «2». و الظاهر أنّ مراده هو الضعف في السند باعتبار السكوني، مع أن الظاهر اعتبار روايته مطلقاً لكونه ثقة. و في مثل المقام يكون استناد المشهور إلى روايته جابراً لضعفها على تقديره. نعم من لا يعتمد على خبر الواحد مطلقاً كالحلّي لا مانع له من ترك العمل بها.

و أمّا دلالة الرواية فالظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «انّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) كان يحبس» و إن كان هو الحبس و لو من دون التماس الولي، إلّا أنّه حيث يكون الحق له و يعتبر طلب ذي الحقّ في الأخذ له بحقّه لا مانع من تقييده بصورة

الالتماس، كما في المتن تبعاً للشرائع «3». كما أنّ الظاهر أنّ المراد من التهمة ليس مجرّد احتمال كونه قاتلًا بل تحقّق الظن بذلك من سبب موجب لإفادة الظن، و هو المعبَّر عنه باللّوث في مسألة القسامة.

و لا يبعد القول بما عرفت من المختلف من التفصيل لظهور الرواية في كون التهمة حاصلة للحاكم، كما مرّ مثله في باب القسامة، و عليه فالإشكال عليه كما في الجواهر «4» بأنّه خروج عن إطلاق الرواية محلّ نظر بل منع. و المراد من الدّم الذي أُضيفت إليه التهمة هو القتل لا ما يعمّ الجرح، لانصراف إطلاق الدّم إليه، مضافاً إلى كون الحكم على خلاف القاعدة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من مجي ء أولياء المقتول هو مجيئهم في الستّة لا بعدها، و إن كان التعبير بالفاء لعلّه يشعر بخلافه، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 121، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب 12 ح 1.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 1001.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 1001.

(4) جواهر الكلام: 42/ 277.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 282

..........

______________________________

كما أنّ الظاهر أنّ المراد بقوله (عليه السّلام): «بثبت» في الرواية أعمّ من البيّنة فيشمل القسامة، و عليه فالتعبير بالبيّنة في مثل المتن إنّما هو من باب المثال لا لإرادة التخصيص، كما أنّ استثناء صورة الوثوق بعدم الفرار في المتن إنّما هو لأجل كون مناسبة الحكم و الموضوع مقتضية لكون ملاك الحبس هو عدم الفرار، فلا مجال له مع الوثوق بعدمه، كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 283

[القول في كيفية الاستيفاء]

اشارة

القول في كيفية الاستيفاء

[مسألة 1 قتل العمد يوجب القصاص عيناً]

مسألة 1 قتل العمد يوجب القصاص عيناً، و لا يوجب الدية لا عيناً و لا تخييراً، فلو عفا الولي القود يسقط و ليس له مطالبة الدية، و لو بذل الجاني نفسه ليس للولي غيرها، و لو عفا الولي بشرط الدية فللجاني القبول و عدمه، و لا تثبت الدية إلّا برضاه، فلو رضي بها يسقط القود و تثبت الدية، و لو عفا بشرط الدية صحّ على الأصحّ، و لو كان بنحو التعليق فإذا قبل سقط القود، و لو كان الشرط إعطاء الدية لم يسقط القود إلّا بإعطائه، و لا يجب على الجاني إعطاء الدية لخلاص نفسه، و قيل: يجب لوجوب حفظها (1).

______________________________

(1) الاحتمالات الجارية ابتداء فيما يوجبه قتل العمد ثلاثة:

الأوّل: تعيّن الدية كأختيه و هما شبه العمد و الخطأ، و لا ريب في بطلانه، بل الضرورة تقتضي خلافه؛ لاقتضائه حذف عنوان القصاص الذي قد عرفت أنّ مفهومه هو فعل المماثل، و إيجاد مثل العمل الذي وقع لعدم ثبوت المورد له حينئذٍ بوجه، مع أنّ الكتاب و السنّة حاكمان بثبوته ضرورة، فهذا الاحتمال منفي بلا شبهة.

الثاني: ثبوت التخيير بين القصاص و بين الدية بحيث كان اختيار أحد الطرفين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 284

..........

______________________________

بيد الولي، و لا مدخل لرضا الجاني فيه أصلًا. و قد حكي القول به عن العماني «1» و الإسكافي «2»، و لكن نفى في الجواهر «3» صراحة كلام الأوّل فيه، حيث قال: «فان عفا الأولياء لم يقتل و كانت عليه الدية لهم». نظراً إلى احتماله لكون الوجوب لأجل التحفّظ على النفس لا لكونه طرفاً للتخيير.

الثالث: تعيين القصاص، فعن المبسوط: أنّه الذي نصّ عليه أصحابنا و

اقتضته أخبارهم «4»، و عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم «5»، و عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه تارة، و نسبته إلى الأصحاب أُخرى، و الإجماع عليه ثالثة «6»، و حكي دعوى الإجماع عن غيره «7» أيضاً.

و يدلّ عليه من الكتاب مثل قوله تعالىٰ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «8» إلى آخر الآية، الظاهر في وقوع النفس في مقابل النفس، و كذا الأعضاء مثل العين و الأنف و الأذن. و قوله تعالىٰ فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «9» و غيرهما من آيات القصاص الظاهرة في تعيّنه.

و من النصوص روايات كثيرة ادّعى في الجواهر تواترها «10»، مثل صحيحة

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 9/ 286 287 مسألة 2.

(2) مختلف الشيعة: 9/ 286 287 مسألة 2.

(3) جواهر الكلام: 42/ 278.

(4) المبسوط: 7/ 52.

(5) الخلاف: 5/ 176 و 178 مسألة 40.

(6) السرائر: 3/ 324 و 327 و 329 و 330.

(7) غنية النزوع: 405.

(8) المائدة 5: 45.

(9) البقرة 2: 194.

(10) جواهر الكلام: 42/ 279.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 285

..........

______________________________

عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: من قتل مؤمناً متعمّداً قيد منه إلّا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية و أحبّ ذلك القاتل فالدية «1». الحديث.

و ربّما يستدلّ لقول الإسكافي بروايات:

مثل: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و ابن بكير جميعاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً إلى أن قال: فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، و أعتق نسمة، و صام شهرين متتابعين، و أطعم

ستّين مسكيناً توبة إلى اللّٰه عزّ و جلّ «2».

و صحيحة ابن سنان الثانية، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل قتل مؤمناً و هو يعلم أنّه مؤمن، غير أنّه حمله الغضب على أنّه قتله، هل له من توبة إن أراد ذلك أو لا توبة له؟ قال: توبته إن لم يعلم انطلق إلى أوليائه فأعلمهم أنّه قتله، فإن عفي عنه أعطاهم الدية، و أعتق رقبة، و صام شهرين متتابعين، و تصدّق على ستّين مسكيناً «3». و لكنّ الظاهر عدم كونها رواية أُخرى غير الاولى، بل هي متّحدة معها كما أشرنا إليه مراراً.

و رواية أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل قتل رجلًا متعمّداً، قال: جزاؤه جهنّم. قال: قلت له: هل له توبة؟ قال: نعم يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستّين مسكيناً، و يعتق رقبة، و يؤدّي ديته. قال: قلت: لا يقبلون

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 37، أبواب القصاص في النفس ب 19 ح 3.

(2) وسائل الشيعة: 15/ 579، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفّارات ب 28 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 15/ 580، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفارات ب 28 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 286

..........

______________________________

منه الدية، قال: يتزوّج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها. قال: قلت: لا يقبلون منه و لا يزوّجونه. قال: يصرّه صرراً ثمّ يرمي بها في دارهم «1».

و النبويّ: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إمّا أن يفدي و إمّا أن يقتل «2».

و النبويّ الآخر: من أُصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: بين أن يقتصّ أو يعفو، أو يأخذ العقل «3».

لكن في النبويين إشكال ضعف

السند، و الروايات الأُخر لا تنطبق على دعوى مدّعي التخيير، لأنّ ظاهرها لزوم إعطاء الدية و لو مع عدم قبول الولي، و العفو عنها أيضاً مع أنّ القائل بالتخيير لا يرى ذلك بوجه، لأنّ مرجعه إلى ثبوت الدية أيضاً بعنوان حقّ الولي، فإذا عفى عنه و أسقطه لا يجب الإعطاء، و عليه فيحتمل أن يكون لزوم إعطاء الدية في الروايات من شؤون التوبة، فتدبّر. و لعلّه لذا لم يذكر صاحب الجواهر هذه الروايات من أدلّة قول الإسكافي، بل كان ذلك في كلام بعض الأعلام «4».

ثم على تقدير الدلالة تكون موافقة الروايات الظاهرة في قول المشهور للشهرة المحقّقة مرجّحة لها و موجبة لتعيّن الأخذ بها، فلا محيص عن اختيار القول بتعيّن القصاص.

ثمّ إنّه يترتّب على ما ذكرنا من تعيّن القصاص حكم مسألة العفو، و فيها صور.

فإنّه تارة يعفو وليّ المقتول بنحو يصرّح بنفي المال و عدم إرادة الدية، و لا شبهة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 15/ 580، كتاب الإيلاء و الكفّارات، أبواب الكفارات ب 28 ح 4.

(2) سنن البيهقي: 12/ 83 84 ح 16473.

(3) سنن البيهقي: 12/ 82 ح 16469، و الخبل: الجراح.

(4) مباني تكملة المنهاج: 2/ 123 124 مسألة 130.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 287

..........

______________________________

حينئذٍ في تأثير العفو في سقوط حقّ القصاص، كما أنّه لا شبهة في عدم ثبوت الدية.

و أُخرى يتحقّق العفو بنحو الإطلاق من دون التعرّض للدية نفياً و إثباتاً، و في هذه الصورة أيضاً يسقط القود و لا تثبت الدية، لأنّ المفروض أنّ ما وجب بقتل العمد كان مجرّد القصاص، و الفرض أنّه أسقطه، و الدية لم تكن في البين حتّى تثبت. نعم على القول بالتخيير يكون العفو

موجباً لسقوط القود و تبقى الدية بحالها؛ لأنّها أحد طرفي التخيير، و في هاتين الصورتين لا فرق بين وجود رضا الجاني و عدمه، لعدم ارتباط الحق إثباتاً و إسقاطاً إلّا بالولي.

و ثالثة يتحقّق العفو مرتبطاً بثبوت الدية، و الارتباط قد يكون بنحو التعليق و قد يكون بنحو الاشتراط، كما أنّ المشروط أو المعلَّق عليه قد يكون هو ثبوت الدية الذي يماثل شرط النتيجة، و قد يكون إعطاء الدية الذي يماثل شرط الفعل.

أمّا إذا كان بنحو التعليق ففي الجواهر نفى الريب عن بطلانه «5»، و لعلّه لما هو المشهور من بطلان التعليق في العقود و الإيقاعات، و لكنّه جعل في المتن الصحّة هي الأصحّ، و وجهه إمّا عدم معلومية شمول دليل بطلان التعليق الذي هو الإجماع المدّعى لمثل المقام، و إمّا إطلاق أدلّة صحّة العفو هنا، فتدبّر.

و أمّا إذا كان بنحو الاشتراط ففي الجواهر: أنّه مبني على لزوم الشرط في الإيقاع مع رضا المشترط عليه، و هو لا يخلو من بحث بل منع، إلّا في مثل الخلع و نحوه ممّا ثبت بالأدلّة، و لذا ذكر غير واحد «1» أنّه على المختار لا تثبت الدية إلّا صلحاً «2».

______________________________

(5) جواهر الكلام: 42/ 281.

(1) المختصر النافع: 316، إرشاد الأذهان: 2/ 198، اللمعة الدمشقية: 178.

(2) جواهر الكلام: 42/ 281.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 288

..........

______________________________

أقول: الظاهر إنّ الشرط في ضمن الإيقاع و إن لم يكن لازماً و لو مع رضا المشترط عليه، ضرورة أنّه إذا اشترط الزوج في ضمن الطلاق مثلًا أن لا تتزوّج زوجته بزوج آخر و رضيت بذلك، لا يحرم عليها التزوّج بالغير أصلًا. إلّا أنّ الدليل على اللّزوم في المقام صحيحة عبد اللّٰه

بن سنان المتقدّمة المشتملة على قوله: «و إن رضوا بالدية و أحبّ ذلك القاتل فالدية» فإنّ مرجعها إلى اشتراط العفو بالدية و رضا الجاني به، و لا مجال لحملة على الصلح بعد ظهوره في كون الشروع من ناحية الولي، و وضوح شروع الصلح من ناحية الجاني، و على تقدير التسليم فمقتضى الإطلاق عدم الاختصاص بالصلح.

ثم إنّه يتفرّع على ما ذكرنا أيضاً لزوم تحقّق رضا الجاني في ثبوت الدية لخروجها عن دائرة حق الولي، و الانتقال إليها لا يتحقّق بدون التراضي، و هذا بخلاف القول بالتخيير الذي يترتّب عليه ثبوت الدية مع اختيار الولي لها، و إن لم يكن الجاني راضياً به بوجه.

و على ما ذكرنا لا مجال لإجبار الجاني على الدية، فلو بذل نفسه للقصاص لا يكون للولي إلّا القصاص أو العفو. نعم ربّما يقال بوجوب الدية عليه لو طلبها الولي من باب وجوب حفظ النفس، كما عن جماعة من الفقهاء مثل العلّامة «1» و ولده «2»، و لكن ظاهر الصحيحة المتقدّمة خلافه لدلالتها على ثبوت الاختيار للجاني، و وضوح أنّه في صورة الوجوب يجبر عليه، مع عدم وضوح شمول دليل وجوب حفظ النفس للمقام الذي تعلّق بها حقّ الغير و تكون مهدورة و لو في الجملة، فتدبّر.

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 312.

(2) إيضاح الفوائد: 4/ 653 654.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 289

[مسألة 2 يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها]

مسألة 2 يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص، فلو لم يرض الولي إلّا بأضعاف الدية جاز و للجاني القبول، فإذا قبل صحّ و يجب عليه الوفاء (1).

[مسألة 3 لا يجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية]

مسألة 3 لا يجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية، فإن اشتبه عنده و لم يقم بيّنة على ذلك و لم يثبت بإقرار الجاني اقتصر على القصاص أو الأرش في الجناية لا النفس، فإذا قطع يد شخص و لم يعلم و لو بالبيّنة أو الإقرار أنّ القتل حصل بالجناية لا يجوز القتل (2).

[مسألة 4 يرث القصاص من يرث المال]

مسألة 4 يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج و الزوجة فإنّهما لا

______________________________

(1) كما يجوز العفو مشروطاً بالدية على ما عرفت، كذلك يجوز التصالح عليها أو على الزائد عليها، أو الناقص عنها على حسب التراضي. و الدليل على الجواز عمومات أدلّة الصلح و إطلاقاتها الشاملة للمقام الذي وقع في أحد الطرفين سقوط حقّ القصاص و في الآخر المال. و لا حاجة إلى الاستدلال عليه بمثل الصحيحة المتقدّمة، و عليه فمع تحقّق المصالحة يجب على الجاني الوفاء بها و يسقط القصاص.

(2) الوجه في عدم الجواز واضح، ضرورة لزوم إحراز موجب القصاص في النفس حتى يجوز الحكم به، فإذا أحرز أن التلف كان لأجل سراية الجناية على الطرف، سواء كان بالعلم أو بالبيّنة أو بإقرار الجاني يجوز الحكم بالقصاص في النفس، و مع عدم إحرازه بشي ء من الأُمور الثلاثة لا مجال للحكم به، كما هو الشأن في سائر الموضوعات، حيث يتوقّف إثبات الحكم عليها على إحرازها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 290

يستحقّان قصاصاً، و منهم من قال: لا يرث القصاص الإخوة و الأخوات من الأُمّ و من يتقرّب بها، و قيل: ليس للنساء قود و لا عفو و إن تقرّبن بالأب، و الأوّل أشبه 1.

______________________________

(1) لا شبهة في أنّ الزوج و الزوجة لا يستحقّان القصاص

للإجماع عليه، و أمّا غيرهما ففي المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: ما عن المبسوط «1» و موضع من السرائر «2» و التحرير «3» و المختلف «4» و الإرشاد «5» و الإيضاح «6» و اللمعة «7» و المسالك «8» و الروض «9» و الروضة «10» من أنّه يرث القصاص جميع من يرث المال، و عن المبسوط نسبته إلى الأكثر.

الثاني: ما عن الشيخ في النهاية «11» و الاستبصار «12» و بعض كتبه الأُخر «13»، من اختصاص إرث القصاص بالعصبة و عدم إرث المتقرّبين بالأُمّ له أصلًا، و جعله

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 54.

(2) السرائر: 3/ 328.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 255.

(4) مختلف الشيعة: 9/ 297 مسألة 8.

(5) إرشاد الأذهان: 2/ 198.

(6) إيضاح الفوائد: 4/ 621.

(7) اللمعة الدمشقية: 179.

(8) مسالك الأفهام: 15/ 227 و 13/ 45.

(9) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 85.

(10) الروضة البهية: 10/ 94.

(11) النهاية: 735.

(12) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 86، و لم نعثر عليه.

(13) مختصر الفرائض (الإيجاز في الفرائض و المواريث) المطبوع ضمن الرسائل العشر: 277، و ظاهر كلامه في الخلاف: 5/ 178 مسألة 41.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 291

..........

______________________________

المحقّق في الشرائع أظهر «1». و عن الحلّي في موضع آخر من السرائر نفي الخلاف فيه «2»، و حكي أيضاً عن الشهيد في الحواشي «3».

الثالث: ما نسب إلى الشيخ في المبسوط «4» و كتابي الأخبار «5» و إن قال في الجواهر: إنّي لم أتحقّقه «6» من أنّه ليس للنساء مطلقاً عفو و لا قود.

و الدّليل على القول الأوّل الذي عرفت أنّه المشهور عموم أدلّة الإرث كتاباً و سنّة، الدالّ على أنّ كلّ ما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه، غاية الأمر

خروج الزوج و الزوجة في المقام كخروج الزوجة عن بعض الأموال، و كذا يدلّ عليه إطلاق قوله تعالىٰ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «7» الآية، بناء على كون المراد من الوليّ هو الوارث كما هو الظاهر.

و أمّا القولان الآخران، فالدليل عليهما هو ما رواه علي بن الحسن بن فضال بسنده عن أبي العبّاس فضل البقباق أنّه قال للصادق (عليه السّلام): هل للنساء قود أو عفو؟ قال: لا، و ذلك للعصبة. قال علي بن الحسن: هذا خلاف ما عليه أصحابنا «8».

و ربّما يناقش في الرواية بضعف السند كما في المسالك «9»، و لكنّه أُجيب عنه بأنّ

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1001.

(2) السرائر: 3/ 336.

(3) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة: 11/ 86.

(4) المبسوط: 7/ 11، قال: «عندنا أنّ المرأة لا ترث من القصاص شيئاً بحال»، و لازمه نفي جواز عفوهنّ.

(5) التهذيب: 9/ 397 ح 1418، الاستبصار: 4/ 262 ح 988. و ذيل ح 991.

(6) جواهر الكلام: 42/ 284.

(7) الإسراء 17: 33.

(8) وسائل الشيعة: 17/ 432، أبواب موجبات الإرث ب 8 ح 6.

(9) مسالك الأفهام: 15/ 228.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 292

[مسألة 5 يرث الدية من يرث المال حتّى الزوج و الزوجة]

مسألة 5 يرث الدية من يرث المال حتّى الزوج و الزوجة، نعم لا يرث منها الإخوة و الأخوات من قبل الأُمّ، بل مطلق من يتقرّب بها على الأقوىٰ، لكنّ الاحتياط في غير الإخوة و الأخوات حسن 1.

______________________________

طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال و إن كان فيه علي بن محمد بن الزبير و هو لم يذكر بمدح و لا قدح، إلّا أنّه حيث تكون الكتب للراوي المذكور الموجودة عند الشيخ هي الكتب الموجودة عن النجاشي، و

كان للنجاشي إلى تلك الكتب طريق معتبر فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة.

و يرد على الاستدلال بالرواية و لو على فرض اعتبار سندها:

أوّلًا: عدم انطباقها على شي ء من القولين، لأنّ مفادها اعتبار أمرين في إرث القصاص: أحدهما عدم كون الوارث مؤنثاً، و الآخر كونه من العصبة و من يتقرّب إلى المقتول بالأب. و ظاهر القولين اعتبار خصوص واحد منهما كما لا يخفىٰ. و لعلّه لذا ذكر الراوي إنّ هذه الرواية خلاف ما عليه أصحابنا.

و ثانياً: إنّ إعراض المشهور عنها يوجب الوهن فيها و عدم جواز الاستناد إليها، في مقابل عمومات الكتاب و السنّة.

نعم هنا شي ء، و هو أنّه لو قيل بعدم إرث كلالة الأُمّ أو مطلق النساء من الدية يكون عدم إرثهما من القصاص بطريق أولىٰ، و سيأتي البحث فيه في المسألة الآتية. و كيف كان فالظاهر هو القول الأوّل الذي جعله في المتن أشبه.

(1) بعد ظهور شمول عمومات أدلّة الإرث كتاباً و سنّة و إطلاقاتها للدية التي هي في الأصل متعلّقة بالميّت و من جملة ما تركه من دون فرق بين الدية الثابتة بالأصالة، كما في قتل شبه العمد و الخطأ و بعض موارد العمد، كقتل الوالد ولده

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 293

..........

______________________________

و المسلم الذمّي على ما مرّ، و بين ما ثبتت بدلًا عن القصاص صلحاً أو مشروطاً في العفو يقع الكلام في هذه المسألة في موردين:

أحدهما: الزوج و الزوجة، فإنّهما مع عدم استحقاقهما للقصاص على ما مرّ في المسألة المتقدّمة يستحقّان للدية بلا خلاف و لا إشكال، بل في الجواهر: بل الإجماع بقسميه عليه، بل لم أجد فيه مخالفاً إلا من ابن أبي ليلى «1»، بناء

منه على زوال الزوجيّة بالوفاة و لا ريب في فساده «2».

نعم يؤيّده رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً (عليهم السّلام) كان لا يورِّث المرأة من دية زوجها شيئاً، و لا يورث الرجل من دية امرأته شيئاً، و لا الإخوة من الأُمّ من الدية شيئاً «3». فإن أمكن حملها على ما لو قتل أحدهما صاحبه بغير العمد، كما حملها الشيخ (قدّس سرّه) «4» على ذلك أو على غيره فهو، و إلّا فالواجب طرحها بعد اتفاق علماء الفريقين على خلافها كما عرفت.

ثانيهما: الإخوة و الأخوات من قبل الأُمّ بل مطلق المتقرّب بها، فإنّ ظاهر المشهور الاستثناء فيه و الحكم بعدم الإرث من الدية «5»، و عن الخلاف «6» و السرائر «7» الإجماع عليه، و مستنده روايات مستفيضة، و فيها الصحيحة

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 179 مسألة 41، المجموع: 20/ 94.

(2) جواهر الكلام: 42/ 283.

(3) وسائل الشيعة: 17/ 396، أبواب موانع الإرث ب 11 ح 4.

(4) التهذيب: 9/ 380، الإستبصار: 4/ 195.

(5) المقنعة: 702، النهاية: 673، الكافي في الفقه: 376، المهذّب: 2/ 163، غنية النزوع: 330، إصباح الشيعة: 371، إيضاح الفوائد: 4/ 180، الدروس الشرعية: 2/ 347، مسالك الأفهام: 13/ 44.

(6) الخلاف: 5/ 178 مسألة 41.

(7) السرائر: 3/ 336.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 294

..........

______________________________

و الموثقة و غيرهما.

كصحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى عليّ (عليه السّلام) في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّٰه و سهامهم، إذا لم يكن على المقتول دين، إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً «1».

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه

السّلام): قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ الدية يرثها الورثة إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً «2».

و صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: الدية يرثها الورثة على فرائض الميراث إلّا الإخوة من الأُمّ، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً «3».

و رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا يرث الإخوة من الأُمّ من الدية شيئاً «4».

و رواية أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته هل للإخوة من الأُمّ من الدية شي ء؟ قال: لا «5».

و بعد ملاحظة هذه الروايات لا يبقى مجال للارتياب في استثناء المتقرّب بالأُم في الجملة، لكن يقع الكلام في جهات:

الأُولىٰ: أنّ اشتمال بعض الروايات على استثناء خصوص الإخوة من دون التعرّض للأخوات لا يوجب الاختصاص، بعد وضوح كون المراد من

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 17/ 393، أبواب موانع الإرث ب 10 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 17/ 393، أبواب موانع الإرث ب 10 ح 2.

(3) وسائل الشيعة: 17/ 394، أبواب موانع الإرث ب 10 ح 4.

(4) وسائل الشيعة: 17/ 394، أبواب موانع الإرث ب 10 ح 5.

(5) وسائل الشيعة: 17/ 394، أبواب موانع الإرث ب 10 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 295

[مسألة 6 الأحوط عدم جواز المبادرة للوليّ إذا كان منفرداً إلى القصاص]

مسألة 6 الأحوط عدم جواز المبادرة للوليّ إذا كان منفرداً إلى القصاص سيّما في الطرف إلّا مع إذن والي المسلمين، بل لا يخلو من قوّة، و لو بادر

______________________________

الإخوة الأعم من الأخوات، و لو بقرينة التصريح بها في الروايات الأُخر، كما لا يخفىٰ.

الثانية: أنّ الحكم هل يختصّ بالإخوة و الأخوات أو يعمّ مطلق المتقرّب بالأمّ كما في كلام المشهور و

قوّاه في المتن؟ ظاهر الروايات الأوّل، و لكنّه ربّما يعمّم لمطلق المتقرّب، إمّا للأولويّة و إمّا لعدم القول بالفصل، و لا يبعد القول به، و إن كان الاحتياط في غير الإخوة و الأخوات حسناً، كما في المتن.

الثالثة: أنّه ربّما يستشكل على المشهور بأنّ الحكم بعدم إرث المتقرّب بالأُمّ من الدية يقتضي الحكم بعدم إرثه من القصاص بطريق أولى، لأهمّية القصاص و أقوائيّته من الدية، فكيف حكموا بإرث المتقرّب بالأمّ من القصاص، كما عرفت في المسألة السابقة.

و يظهر من الجواهر «1» الجواب بأنّ ما يدلّ عليه روايات استثناء المتقرّب بالأمّ من إرث الدية هو عدم إرثه من الدية الثابتة بالأصالة، إمّا لظهورها فيه، و إمّا لأنّه القدر المتيقّن بعد كون الحكم على خلاف القاعدة، و عليه فالدية التي هي بدل عن القصاص صلحاً أو شرطاً لا استثناء فيها في هذه الجهة، و عليه فلا أولويّة، لأنّ الدية التي هي بدل القصاص لا ممنوعية من إرثها، و الدّية الثابتة بالأصالة لا يكون القصاص أولى منها، كما لا يخفى. و لكن الجواب خلاف ظاهر إطلاق كلام المشهور، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 286.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 296

فللوالي تعزيره، و لكن لا قصاص عليه و لا دية (1).

______________________________

(1) صرّح المحقّق في الشرائع بجواز المبادرة «1»، و حكي ذلك عن موضع من المبسوط «2» و عن الفاضل «3» و ولده «4» و الشهيدين «5» و أبي العبّاس «6» و المقدس الأردبيلي «7»، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر «8»، و في الرياض إلى أكثر المتأخّرين بل عامّتهم «9».

و المحكيّ عن المقنعة «10» و الخلاف «11» و الغنية «12» و المهذب «13» و موضع آخر من

المبسوط «14» و العلّامة في القواعد «15» عدم جواز المبادرة بدون إذن الإمام أو من يأمره.

و الظاهر أنّ محلّ الخلاف ما إذا كان الموجب للقصاص ثابتاً من دون حكم

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1002.

(2) المبسوط: 7/ 56.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 255، مختلف الشيعة: 9/ 472 مسألة 164.

(4) إيضاح الفوائد: 4/ 622.

(5) اللمعة الدمشقية: 179، الروضة البهية: 10/ 94.

(6) المقتصر: 434.

(7) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 429.

(8) مسالك الأفهام: 15/ 229.

(9) رياض المسائل: 10/ 334.

(10) المقنعة: 736.

(11) الخلاف: 5/ 205 مسألة 80.

(12) غنية النزوع: 407.

(13) المهذّب: 485.

(14) المبسوط: 7/ 100.

(15) قواعد الأحكام: 2/ 299.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 297

..........

______________________________

الحاكم، كما إذا أقرّ القاتل بالقتل و علم وليّ المقتول بذلك مثلًا، فإنّه في مثله وقع الخلاف في جواز المبادرة و عدم المراجعة إلى الحاكم و الاستئذان منه و عدمه، و أمّا مع ثبوت الاختلاف في أصل الموجب و توقّف الثبوت على حكم الحاكم، كما إذا ثبت القتل بالقسامة، فالظاهر أنّ ثبوته عند الحاكم كاف و لا يحتاج بعد الثبوت إلى الاستئذان منه في إجراء القصاص و إعماله، بحيث كان اللّازم المراجعة إليه في مرحلتين: إثبات الموجب، و إجراء القصاص.

و لعلّ من تحرير محلّ النزاع يظهر عدم جواز المبادرة، لاستلزام الجواز تحقّق القتل بعنوان القصاص في موارد كثيرة لم يتحقّق الموجب فيها، و هو يستلزم الاختلال في الجامعة الإسلامية و مجتمع المسلمين. و به يظهر الفرق بين حق القصاص و بين مثل حقّ الشفعة، الذي تجوز المبادرة إلى استيفائه من دون مراجعة إلى الحاكم، ضرورة عدم تحقّق تال فاسد فيه بعد بقاء حياة الأشخاص الذين يرتبط بهم حقّ الشفعة، و هذا بخلاف المقتول

بعنوان القصاص، فإنّه لو فرض عدم ثبوت الوليّ له و المفروض موته لا سبيل إلى إثبات كونه لا بهذا العنوان واقعاً، و هذا أمر أهمّ من مجرّد الاحتياط، حتّى يقال كما في الجواهر «1» بعدم وجوب مراعاته.

و يؤيّده دعوى نفي الخلاف فيه في محكي الخلاف، حيث قال: لا ينبغي أن يقتصّ بنفسه، لأنّ ذلك للإمام (عليه السّلام) أو من يأمره بلا خلاف «2». و إن كان التعبير ب «لا ينبغي» لا يكون ظاهراً في عدم الجواز، خصوصاً مع فتوى الشيخ في موضع

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 287.

(2) الخلاف: 5/ 205 مسألة 80.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 298

..........

______________________________

من المبسوط بالجواز كما عرفت، و مع حكمه في الخلاف بعدم التعزير مع المخالفة. و كذا يؤيّده دعوى نفي الخلاف أيضاً من الغنية، حيث قال: و لا يستقيد إلّا سلطان الإسلام أو من يأذن له في ذلك، و هو ولي من ليس له ولي، إلى أن نفى الخلاف في ذلك كلّه «1». كما أنّه يؤيّده رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة «2».

بقي الكلام في أمرين:

أحدهما: أنّ القصاص في الطرف أولى و أشدّ من جهة رعاية الاحتياط من القصاص في النفس، و الوجه فيه أنّ المحكيّ عن المهذّب «3» و المقتصر «4» الإجماع على توقّف الاقتصاص فيه على الإذن، و إنّ الخلاف إنّما هو في النفس، و هذه الدعوى و إن كانت فاقدة للحجّية خصوصاً مع شهادة التتبع لكلمات الأصحاب بخلافه، كما في الجواهر «5»، إلّا أنّ اقتضائها للزوم رعاية الاحتياط بعنوانه مما لا مجال لإنكاره، كما لا

يخفى.

ثانيهما: أنّه على تقدير عدم الجواز و لزوم المراجعة إلى الحاكم و الاستئذان منه، لو خالف و بادر إلى القصاص يجب تعزيره لعدم رعايته لما هو وظيفته من المراجعة، و لا خلاف و لا إشكال في عدم كونه ضامناً، بحيث يترتّب على عمله القصاص أو الدية، ضرورة أنّه استوفى حقّه و إن أثم بترك المراجعة، و لازمه ثبوت التعزير فقط.

______________________________

(1) غنية النزوع: 407 408.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 47، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 8.

(3) المهذّب البارع: 5/ 222.

(4) المقتصر: 434.

(5) جواهر الكلام: 42/ 288.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 299

[مسألة 7 لو كان أولياء الدم أكثر من واحد فالأقوى عدم جواز الاستيفاء]

مسألة 7 لو كان أولياء الدم أكثر من واحد فالأقوى عدم جواز الاستيفاء إلّا باجتماع الجميع و إذن الولي (الوالي ظ)، لا بمعنى ضرب كلّ واحد إيّاه، بل بمعنى إذنهم لأحد منهم أو توكيلهم أحداً، و عن جمع أنّه يجوز لكلّ [واحد] منهم المبادرة، و لا يتوقّف على إذن الآخر، لكن يضمن حصص من لم يأذن، و الأوّل أقوى، نعم لو بادر و استبدّ فلا قود، بل عليه حصص البقية مع عدم الإذن، و للإمام (عليه السّلام) تعزيره (1).

______________________________

(1) أمّا القول الأوّل الذي قوّاه في المتن، فهو ظاهر المحقّق في الشرائع «1»، و محكي عن الفاضل «2» و الشهيدين «3» و المقداد «4» و الأردبيلي «5» و الكاشاني «6»، بل عن غاية المرام أنّه المشهور «7». و الثاني محكي عن الشيخ في المبسوط «8» و الخلاف «9» و عن أبي علي «10» و علم الهدى «11» و القاضي «12» و الكيدري «13» و ابني حمزة «14»

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1002.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 255، قواعد الأحكام: 2/ 299.

(3) اللمعة

الدمشقية: 179، الروضة البهية: 10/ 95.

(4) التنقيح الرائع: 4/ 445.

(5) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 430 431.

(6) مفاتيح الشرائع: 2/ 139.

(7) غاية المرام: 4/ 402.

(8) المبسوط: 7/ 54 و 72.

(9) الخلاف: 5/ 179 مسألة 42.

(10) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 88.

(11) حكى عنه في رياض المسائل: 10/ 336.

(12) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 88.

(13) إصباح الشيعة: 493.

(14) الوسيلة: 432.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 300

..........

______________________________

و زهرة «1»، بل في محكي البرهان نسبته إلى أخبار الأكثر، بل عن المرتضى و الخلاف و الغنية و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل عن الخلاف نسبته إلى أخبار الفرقة أيضاً، و قوّاه صاحب الجواهر و أيّده بأمور كثيرة، كبناء القصاص على التغليب، و لذا إذا عفا الأولياء إلّا واحداً كان له القصاص، مع أنّ القاتل قد أحرز بعض نفسه، و بأنّه إذا جاز القصاص مع عفو الباقين و إحراز القاتل بعض نفسه، فمع السكوت أو الجهل و عدم الإحراز أولى.

و بأنّ ثبوت السلطان للولي يقتضي تسلّط كلّ واحد منهم على ذلك منفرداً، كما هو مقتضى الإضافة، و إلّا لم يتم له السلطان.

و بأنّ الباقين إمّا أن يريدوا قتله أو الدية أو العفو، و الفرض أنّ الأوّل قد حصل، و الدية مبذولة من القاتل، و العفو باق في محلّه، فانّ المقصود به المثوبة و هي موجودة.

و بأنّه مخالف لما أجمع عليه العامّة أو معظمهم الذين جعل اللّٰه الرشد في خلافهم.

و بأنّ اشتراك الحقّ المزبور ليس على حسب غيره من الأموال التي لا يجوز التصرّف فيها بدون إذن الشريك، بل المراد من اشتراكه أنّ لكلّ واحد منهم استيفاؤه، لا كونه بينهم على الحصص، و لا أنّه

حقّ للمجموع من حيث كونه كذلك، ضرورة عدم تعقّل الأوّل، و منافاة الثاني لبقائه مع عفو البعض، و غرم الدية انّما هو لدليله لا لاشتراكه «2».

و لكنّ الظاهر أنّه لا تنهض هذه الأُمور لإثبات القول الثاني، فإنّه لا خفاء في

______________________________

(1) غنية النزوع: 406.

(2) جواهر الكلام: 42/ 289 290.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 301

..........

______________________________

ثبوت الحقّ للأولياء المتعدّدين بنحو الشركة، و قد خرجنا عن مقتضى قاعدتها بالإضافة إلى عفو البعض، فإنّه من الواضح أنّ عفو البعض لا يوجب سقوط حق القصاص بالنسبة إلى غيره، و أمّا مع عدم إحراز العفو فلا مجال للخروج عن مقتضاها بالإضافة إلى لزوم إحراز إذن الشريك و رضاه لعدم الدليل عليه، و ما أفاده من الوجوه و المؤيّدات لا يصلح لذلك، فإنّ جواز القصاص مع عفو الباقين لا يقتضي بنحو الأولوية للجواز مع السكوت و عدم الإحراز، خصوصاً مع أنّ حقّ القصاص يترتّب عليه التشفّي بالنسبة إلى الأولياء، و مع العفو لا يبقى مجال للتشفّي، فلا يستلزم ذلك الجواز في صورة عدم الإحراز أصلًا فضلًا عن الأولوية.

و الآية الكريمة «2» مفادها ثبوت السلطان بالإضافة إلى وليّ المقتول ظلماً، و أمّا أنّ هذه السلطنة ثابتة بنحو الإطلاق حتّى مع عدم إحراز موافقة الآخر، فلا دلالة لها عليها.

و من الممكن لأجل حصول التشفّي له أن يكون لاستناد القتل و قصاص المقتول أمّا إذناً و إمّا توكيلًا مدخلًا في ذلك كما لا يخفىٰ، فإنّه مع حصول القتل بمجرّده و لو كان من الأجنبي لا يتحقّق التشفّي بوجه.

و الظاهر كون الاشتراك في المقام إنّما هو على حسب الاشتراك في الأموال، غاية الأمر قد عرفت الخروج عن مقتضى قاعدة الشركة في

مورد عفو البعض فقط، و لا وجه للخروج عنه بالإضافة إلى هذه الجهة أيضاً.

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ محل النزاع بين القولين ما إذا أراد بعض الأولياء المبادرة إلى إعمال حقّ القصاص و استيفائه، مع عدم إحراز مراد الباقين من جهة القصاص

______________________________

(2) الإسراء 17: 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 302

..........

______________________________

أو الدية أو العفو مجاناً، أو مع إحراز أنّ مرادهم أيضاً القصاص. و أمّا مع إحراز مراد الباقين و أنه هي الدية أو العفو فلا شبهة في جواز استيفاء الأوّل القصاص. و قد عرفت أنّ من جملة الوجوه المذكورة في الجواهر بعنوان التأييد هو الحكم بأولوية المقام من صورة الإحراز المذكورة، و إن ناقشنا في الأولوية بل المساواة كما مرّ.

و على ما ذكر من بيان محلّ النزاع لا يبقى مجال للاستدلال ببعض الروايات، كما صنعه بعض الأعلام «1»، حيث استدلّ لما اختاره من القول الثاني مضافاً إلى جملة من الوجوه المذكورة في الجواهر بصحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قتل و له أُمّ و أب و ابن؟ فقال الابن: أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي، و قال الأب: أنا أُريد أن أعفو، و قالت الأُمّ: أنا أُريد أن آخذ الدية. قال: فقال: فليعط الابن أُمَّ المقتول السدس من الدية، و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفا، و ليقتله «2» لأنّ مورد هذه الرواية صورة إحراز مراد الجميع و عدم تعلّق إرادة غير الابن بالقصاص، و هو متسالم عليه بين القولين، فلا دلالة للرواية على حكم المقام إلّا بالنحو المذكور في الجواهر، و قد عرفت عدم تماميته.

ثمَّ إنّه تظهر

ثمرة القولين في التعزير، فعلى القول بجواز المبادرة لا مجال للتعزير، و على القول بالعدم كما في المتن يعزّر المبادر لارتكاب الخلاف و فعل غير المشروع، بناء على ثبوت التعزير في كلّ معصية، و قد مرّ البحث فيه في

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج: 2/ 129 130 مسألة 135.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 83، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 303

[مسألة 8 لو تشاحّ الأولياء في مباشرة القتل و تحصيل الإذن]

مسألة 8 لو تشاحّ الأولياء في مباشرة القتل و تحصيل الإذن يقرع بينهم، و لو

______________________________

كتاب الحدود «1».

و هل يكون هنا ثمرة أُخرى أم لا؟ حكي عن الفاضل «2» و من تبعه «3» احتمال ترتّب القصاص على القول بعدم جواز المبادرة، لأنّه استوفى أكثر من حقّه، فهو عادٍ في الزائد على حقّه، فيترتّب عليه القصاص، بل قد يقال على هذا القول-: إنّه يكون مثل قتل الأجنبي للقاتل الذي لا ريب في ترتّب القصاص عليه.

و لكنّ الظاهر كما في المتن عدم ترتّب القصاص بناء على هذا القول أيضاً؛ لأنّ مجرّد عدم جواز المبادرة قبل وضوح مراد الباقين لا يوجب صيرورة القاتل معصوماً و محترماً بالإضافة إلى من يريد القصاص، بل هو مهدور الدم بالنسبة إليه، غاية الأمر ثبوت تكليف في البين، و هو المراجعة إلى الباقين و الاستئذان، و عليه فلا مجال لاحتمال ثبوت القصاص بوجه.

ثم إنّه على تقدير القول بجواز المبادرة هل يكون ضمان حصص من لم يأذن مترتّباً على إعمال القصاص و متفرّعاً عليه، فلا يجب عليه إعطاء شي ء من قبل القصاص، أو أنّ الضمان ثابت قبل الإعمال، فيجب عليه الإعطاء في هذا الحال؟ ظاهر الجواهر «4» هو الأوّل، و يمكن استفادة الثاني من صحيحة

أبي ولّاد المتقدّمة، حيث أنّ ظاهرها جواز القتل بعد إعطاء السدسين، و الظاهر أنّه لا فرق بين موردها و بين المقام من هذه الجهة، فتدبّر.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة، كتاب الحدود: 330 331.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 299.

(3) التنقيح الرائع: 4/ 445، مسالك الأفهام: 15/ 230.

(4) جواهر الكلام: 42/ 291.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 304

كان بينهم من لا يقدر على المباشرة لكن أراد الدخول في القرعة ليوكّل قادراً في الاستيفاء يجب إدخاله فيها (1).

[مسألة 9 ينبغي لوالي المسلمين أو نائبه أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين عدلين]

مسألة 9 ينبغي لوالي المسلمين أو نائبه أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين عدلين فطنين عارفين بمواقعة و شرائطه احتياطاً، و لإقامة الشهادة إن حصلت منازعة بين المقتصّ و أولياء المقتصّ منه، و أن يعتبر الآلة لئلّا تكون مسمومة موجبة لفساد البدن و تقطّعه و هتكه عند الغسل أو الدفن، فلو علم مسموميّتها بما

______________________________

(1) هذه المسألة إنّما هو على تقدير القول الأوّل في المسألة السابقة، ضرورة أنّه على تقدير القول الآخر لا يبقى مجال للتشاح، بل يجوز لكلّ واحد منهم المبادرة و الرجوع إلى القرعة، إمّا لأجل أنّ موردها صورة تزاحم الحقوق و عدم الترجيح، كما عليه سيّدنا الأستاذ الأعظم الماتن دام ظلّه العالي في رسالته في «القرعة» «1»، و إمّا لأجل أنّ المراد بالمشكل و المشتبه و مثلهما في دليل القرعة هو المشكل الذي لا يستفاد حكمه من شي ء من الأدلّة و الأمارات و الأصول الشرعية و العقلية أصلًا لا ما اشتبه حكمه الواقعي فقط كما لعلّه الظاهر، و على كلا المبنيين يرجع إلى القرعة.

هذا على تقدير عدم تعلّق إرادتهم بالتوكيل و إلّا يوكّلوا واحداً مع الاتفاق، و مع الاختلاف أيضاً يقرع. و منه يظهر أنّه لو كان بينهم

من لا يقدر على المباشرة لضعف أو مرض أو كونه امرأة، و أراد الدخول في القرعة، لا للمباشرة بل لتوكيل القادر، لا مجال لإخراجه عنها، بل يجب إدخاله فيها، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) الرسائل: 1/ 346.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 305

يوجب الهتك لا يجوز استعمالها في قصاص المؤمن، و يعزّر فاعله (1).

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص؛ ص: 305

______________________________

(1) أمّا الحكم الأوّل فالدليل عليه كما في المتن، أوّلًا رعاية الاحتياط في الدماء لئلّا يقتل غير المستحقّ و يقتصّ منه، و ثانياً إقامة الشهادة إن حصلت منازعة بعداً، و لكن لا بدّ من التنبيه على أمرين:

أحدهما: إنّ رعاية الاحتياط و رفع المنازعة لا ينحصر طريقهما في زماننا بإحضار شاهدين مع الأوصاف المذكورة، لأنّهما يتحقّقان بسبب ضبط حكم الحاكم و كتابته و حفظ المكتوب و الثبت في الدفتر مع جميع الخصوصيات، و لعلّ الانحصار كان في الأزمنة السابقة التي لم تتعارف كتابة في المحاكم و لم يكن الحكم مكتوباً و لا مضبوطاً في دفتر أصلًا.

ثانيهما: إنّ التعبير بكلمة «ينبغي» هل المراد به الاستحباب أو مجرّد الإرشاد، و لا مجال لاستفادة الأوّل من طريق التسامح في أمر الندب؛ للزوم ثبوت الأمر و لو بطريق ضعيف حتّى يجبر بقاعدة التسامح، لكنّه يمكن الاستفادة من طريق الأمر بالاحتياط الثابت في الشرع خصوصاً في الدماء، و عليه فلا يبعد الاستحباب.

و أمّا الحكم الثاني و هو أنّه ينبغي للوالي أو نائبه اعتبار الآلة و اختبارها لئلّا تكون مسمومة،

فالوجه فيه هو ترتّب فساد البدن و تقطّع الأعضاء عليه، و هو يوجب الهتك و تعسّر الغسل و الدفن، و لا سبيل إلى استفادة الاستحباب في هذا الحكم، بل الظاهر أنّه لمجرّد الإرشاد، كما لا يخفىٰ.

و أمّا الحكم الثالث المتعلّق بالمباشر للقصاص، و هو عدم جواز استعمال الآلة المسمومة مع العلم بكونها كذلك، فالوجه فيه هو ترتّب فساد البدن و التقطّع عليه نوعاً، و هو يوجب الهتك، و لا شبهة في أنّ هتك المؤمن حرام و لو في حال الموت. و ذكر في المبسوط أنّه بمنزلة جناية عليه بعد استيفاء القصاص، فهو كما لو قتله ثم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 306

[مسألة 10 لا يجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسمومة التي توجب السراية]

مسألة 10 لا يجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسمومة التي توجب السراية، فإن استعملها الولي المباشر ضمن، فلو علم بذلك و يكون السمّ ممّا يقتل به غالباً أو أراد القتل و لو لم يكن قاتلًا غالباً يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته إن مات بهما، فلو كان القتل لا عن عمد يردّ نصف دية المقتول، و لو سرى السمّ إلى عضو آخر و لم يؤدّ إلى الموت فإنّه يضمن ما جنى دية و قصاصاً مع الشرائط (1).

______________________________

عاد فقطّعه أو حرّقه «1». نعم لو كان التقطّع حاصلًا بعد الدفن لا يوجب ذلك الهتك بوجه.

و أمّا مسألة تعسّر الغسل فلا تقتضي الحرمة بوجه، لتقدّم غسله على القصاص أوّلًا، لأنّه لا يغسل بعد موته، و عدم كون تعسّره موجباً للحرمة ثانياً.

ثمّ إنّ حرمة استعمال الآلة المسمومة ثابتة فيما لو كانت الجناية واقعة بمثل هذه الآلة أيضاً، لأنّ وقوعها بمثلها لا يوجب جواز القصاص بمثله، كما سيأتي في المسائل الآتية. ثمّ

إنّ مقتضى ثبوت الحرمة استحقاق العامل للتعزير، كما في سائر موارد ثبوت التعزير.

(1) عدم جواز استعمال الآلة المسمومة في قصاص النفس إنّما هو مجرّد تكليف، و لا يكون معه حكم وضعيّ و هو الضمان أصلًا. و أمّا في قصاص الطرف فالاستعمال مضافاً إلى كونه محرَّماً لفرض اقتضائها للسراية يكون موجباً للضمان قصاصاً أو دية. فإن كان معه أحد الأمرين المعتبرين في قتل العمد، و هو كون الآلة ممّا تقتل غالباً، أو كون الفاعل مريداً للقتل و لو لم يكن مؤثِّراً في القتل

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 108.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 307

[مسألة 11 لا يجوز الاستيفاء في النفس و الطرف بالآلة الكالّة]

مسألة 11 لا يجوز الاستيفاء في النفس و الطرف بالآلة الكالّة و ما يوجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف، مثل أن يقطع بالمنشار و نحوه، و لو فعل أثم و عزّر لكن لا شي ء عليه، و لا يقتصّ إلّا بالسيف و نحوه، و لا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخ، بل و بالاتّصال بالقوّة الكهربائية، و لو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه، و لو كانت جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة، و لا يجوز التمثيل به (1).

______________________________

غالباً يتحقّق موجب القصاص، و إن لم يكن معه شي ء من الأمرين تثبت الدية.

غاية الأمر أنّه حيث يكون القتل مسبّباً عن قطع العضو بالآلة المسمومة، و هو أمر واحد اجتمع فيه حيثيّتان: حيثية الاستحقاق من جهة أصل القطع، و حيثية عدم الاستحقاق من جهة كون القطع بالآلة الكذائية، فلا محالة يتحقّق المناصفة. ففي صورة القصاص لا بدّ من ردّ نصف الدية إليه أو إلى وارثه، و في صورة إعطاء الدية لا يلزم إلّا أداء

نصف الدية، لما عرفت من اجتماع جهتين في سبب واحد و فعل فأرد. و قد عرفت في مسألة الشركة أنّ مجرّد تحقّقها يوجب التنصيف، و لا يلاحظ عمل الشريكين من جهة الكمّية و الكيفية أصلًا، بل الموجب مجرّد انتساب العمل إلى كليهما، و ممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو سرى السمّ إلى عضو آخر من دون أن يؤدّي إلى الموت، فإنّه يتحقّق بالإضافة إليه الضمان قصاصاً أو دية.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الأُولىٰ: عدم جواز الاستيفاء مطلقاً نفساً أو طرفاً بالآلة الكالة التي توجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف، مثل القطع بالمنشار المذكور في المتن. و قد استدلّ له في الجواهر مضافاً إلى نفي الخلاف فيه بالنبوي: إذا قتلتم فأحسنوا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 308

..........

______________________________

القتلة «1»، و بالأمر بإراحة الذبيحة و تحديد الشفرة للذبح، ففي الآدميّين أولىٰ «2».

و الأولى الاستدلال له بأنّ غاية ما ثبت في الشريعة بمقتضى الكتاب و السنّة هو القصاص بمعنى النفس بالنفس و العين بالعين و هكذا، و أمّا التعذيب الزائد الذي يستلزمه استعمال الآلة الكالّة فلم يثبت جوازه فيها، فكما أنّه لا يجوز عقوبة زائدة على أصل القتل بمثل الضرب و نحوه، كذلك لا يجوز استعمال الآلة المذكورة لعين ذلك، و لا فرق في هذه الجهة بين ما لو كانت الجناية الأصلية واقعة بالكالّ أم لا، لما سيأتي من عدم جواز رعاية المماثلة في هذه الجهات. نعم لو خالف و استعمل الآلة المذكورة لا يترتّب عليه ضمان، بل يعزَّر للمخالفة.

الجهة الثانية: هل تجوز المماثلة في مقام الاستيفاء و رعاية الجناية الواقعة فلو كانت بالغرق مثلًا حكم بجوازه بالإضافة إلى المقتصّ منه

أم لا تجوز ذلك؟ حكي الأول عن أبي علي «3» و ابن أبي عقيل «4» و عن الجامع حيث قال: إنّه يقتصّ بالعصا ممّن ضرب بها «5»، و لعلّه يستفاد من كلامه لزوم المماثلة فضلًا عن جوازها. و لكن الأكثر «6»، بل المشهور «1»، بل ادّعي نفي الخلاف فيه «2»، بل الإجماع «3»، بل إجماع

______________________________

(1) سنن البيهقي: 12/ 98 ح 16509.

(2) جواهر الكلام: 42/ 296.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 453 مسألة 132.

(4) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 113.

(5) الجامع للشرائع: 599.

(6) مسالك الأفهام: 15/ 235.

(1) رياض المسائل: 10/ 337.

(2) غنية النزوع: 408.

(3) التنقيح الرائع: 4/ 446، الروضة البهية: 10/ 92.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 309

..........

______________________________

الفرقة و أخبارهم على الثاني «1».

و استدلّ للأوّل مضافاً إلى قوله تعالىٰ فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «2» الظاهر في مماثله الاعتداء الواقع المقابل مع الاعتداء أوّلًا من جميع الجهات بالنبوي: من حرّق حرّقناه و من غرّق غرّقناه «3». و بالنبوي الآخر: إنّ يهودياً رضخ رأس جارية بالحجارة، فأمر (صلّى اللّٰه عليه و آله) فرضخ رأسه بالحجارة «4». و الرضخ بمعنى الضرب.

و في محكي المختلف بعد الاستدلال بالآية قال: و هو وجه قريب «5». و في المسالك: لا بأس به «6». و في مجمع البرهان: الظاهر الجواز إن لم يكن إجماع «7». و الظاهر عدمه كما يفهم من شرح الشرائع «8». و في الروضة: هو متّجه لولا الاتفاق على خلافه «9».

و الظاهر أنّه لا دلالة للآية على ذلك، لأنّها في مقام بيان أصل مشروعية المماثلة بمعنى وقوع النفس بالنفس و العين بالعين و مثلهما الذي وقع التصريح به في بعض آيات

القصاص على ما عرفت، و أمّا المماثلة في الكيفية فلا تكون الآية بصدد بيانها

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 189 190 مسألة 55.

(2) البقرة 2: 194.

(3) سنن البيهقي: 12/ 65 ملحق ح 16424.

(4) سنن البيهقي: 12/ 62 ح 16416 و 16417.

(5) مختلف الشيعة: 9/ 454 مسألة 132.

(6) مسالك الأفهام: 15/ 236.

(7) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 425.

(8) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 113.

(9) الروضة البهية: 10/ 92.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 310

..........

______________________________

و إفادتها بوجه، مع وضوح ضعف العموم في الآية، لعدم جواز المماثلة في أصل الاعتداء أيضاً في جميع الموارد، ضرورة عدم جواز الاعتداء بالسبّ و الفحش مثلًا في مقابل الاعتداء بهذا النحو، مع أنّ الروايات الآتية التي هي مستند المشهور مقيّدة لإطلاق الآية بناء على ثبوته.

و أمّا النبويّان فمضافاً إلى عدم ثبوتهما و عدم ظهورهما في تحقّق الموت بالأُمور المذكورة فيهما، لا ينهضان للمقابلة مع الروايات الصحيحة الظاهرة الدلالة الآتية، خصوصاً مع استناد المشهور إليها و الفتوى على طبقها، و هي:

صحيحة الحلبي و أبي الصباح الكناني جميعاً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألناه عن رجل ضرب رجلًا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات، أ يدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث به و لكن يجيز عليه بالسيف «1».

و رواية موسى بن بكر، عن عبد صالح (عليه السّلام) في رجل ضرب رجلًا بعصا فلم يرفع العصا حتى مات، قال: يدفع إلى أولياء المقتول و لكن لا يترك يتلذّذ به، و لكن يجاز عليه بالسيف «2».

و صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل ضرب رجلًا بعصا فلم يرفع

عنه حتّى قتل، أ يدفع إلى أولياء المقتول؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث به و لكن يجاز عليه «3». و غير ذلك من الروايات الظاهرة في هذه الجهة. و مع ملاحظتها لا يبقى ارتياب في أنّ الحقّ ما عليه المشهور.

الجهة الثالثة: في أنّه بعد عدم جواز المماثلة المطلقة هل يتعيّن الاقتصاص

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 24، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 26، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 10.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 27، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 311

..........

______________________________

بالسيف أو يجوز بمطلق الحديد أو يجوز بالوسائل الموجودة في هذا الزمان، التي هي أسهل من السيف كالأمرين المذكورين في المتن؟ ظاهر أكثر العبارات الأوّل «1»، و أضيف إلى السيف في بعض الكتب: و ما جرى مجراه «2». و قد وقع التعبير بالحديد في بعض آخر «3»، و نفى في المتن البعد عن الثالث.

و الحقّ أن يقال: إنّه قد وقع في الروايتين من الروايات المتقدّمة التعبير بأنّه يجاز أو يجيز عليه بالسيف. يقال: أجاز عليه: أي أجهزه و أسرع في قتله. و قد وقع في رواية منها التعبير بأنّه يجاز عليه، و حينئذٍ يحتمل أن يقال: بأنّ إطلاق الرواية الأخيرة مقيّد بالروايتين الآخرتين، و يحتمل أن يقال: ببقاء الرواية على إطلاقها و حمل التقييد بالسيف على كونه لأجل تأثيره في تحقّق السرعة في الموت، فلا خصوصية له بوجه.

فعلى الأوّل يتعيّن الاقتصاص بالسيف إلّا أن يقال بشمول الجواز لما هو أسهل بتنقيح المناط أو بالأولويّة، و عليه يمكن منع هذا القول، فتدبّر.

و على الثاني يكون الجواز في

السيف و ما هو أسهل بنحو واحد، لفرض إطلاق الدليل و اقتضائه مجرّد الإسراع في القتل بأيّة آلة تحقّق، كما لا يخفىٰ. و عليه فما في المتن يبتنى على الأوّل.

الجهة الرابعة: في أنّه إذا أُريد الاقتصاص بالسيف تعييناً أو تخييراً فلا إشكال في عدم جواز التمثيل به و قطع الأعضاء متعاقباً، و ذلك للنّهي في أخبار كثيرة عن

______________________________

(1) كالمقنعة: 736 و المراسم العلوية: 237 و شرائع الإسلام: 4/ 1002 و اللمعة الدمشقية: 179 و إرشاد الأذهان: 2/ 198 و قواعد الأحكام: 2/ 301.

(2) كالمبسوط: 7/ 72 و المختصر النافع: 316.

(3) كالنهاية: 734 و الخلاف: 5/ 189 مسألة 55 و الغنية: 408 و إصباح الشيعة: 494.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 312

..........

______________________________

المثلة به و أنّه لا تجوز و لو في الكلب العقور «1»، و قد وقع تفسير قوله تعالىٰ فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ «2» به مع ظهوره فيه في نفسه أيضاً، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالإسراف هو الإسراف في الكيفية أو الأعم منها و من الكمّية، و على التقديرين يدلّ على عدم جواز المثلة كما هو ظاهر.

و الظاهر أنّ الاقتصاص بالسيف لا يجوز بمثل قطع العنق و قطع الأوداج كما في مقام الذبح، بل يتعيّن بمثل الضرب بالعنق، كما هو الموجود في عبارات الأصحاب من المقنعة إلى الرياض «3» كما في الجواهر «4»، و لعلّ الوجه فيه مضافاً إلى كونه مسرعاً في قتله نوعاً و عدم تحقّق الإسراع بدونه تعارف هذا النحو من القتل في الجنايات و قصاصها، فالأدلّة تنصرف إلى ما هو المتعارف من قطع العنق كانصرافها إلى عدم إيقاع السيف على المخّ أو البطن أو نحوهما. فالظاهر و لو

بملاحظة ما ذكرنا من عدم الاستفادة من أدلّة القصاص إلّا مجرّد مشروعيته عدم التعدّي عمّا هو المتعارف من ضرب السيف بالعنق إذا تحقّق بالسيف كما في المتن، فتدبّر.

ثمّ إنّه استثنى في الجواهر على القول بجواز المماثلة المطلقة مثل القتل بالسحر و القتل بالجماع قبلًا و دبراً و القتل بإيجار الخمر و نحوه ممّا هو مذكور في الجواهر «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 95، أبواب القصاص في النفس ب 62.

(2) الإسراء 17: 33.

(3) المقنعة: 737، الكافي في الفقه: 390، الجامع للشرائع: 572، شرائع الإسلام: 4/ 1002، إرشاد الأذهان: 2/ 198، مسالك الأفهام: 15/ 235، رياض المسائل: 10/ 337.

(4) جواهر الكلام: 42/ 298.

(5) جواهر الكلام: 42/ 299.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 313

[مسألة 12 اجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال]

مسألة 12 اجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال، و اجرة المقتصّ على ولي الدم لو كان الاقتصاص في النفس، و على المجنيّ عليه لو كان في الطرف، و مع إعسارهما استدين عليهما، و مع عدم الإمكان فمن بيت المال، و يحتمل أن تكون ابتداء على بيت المال، و مع فقده أو كان هناك ما هو أهمّ فعلى الولي أو المجنيّ عليه، و قيل: هي على الجاني (1).

______________________________

(1) وقع الخلاف بعد أنّه لا شبهة في أنّ أُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال المعدّ للمصالح الراجعة إلى الإسلام و المسلمين في أجرة من يستوفي القصاص على أقوال ثلاثة:

أحدها: ما في المتن من ثبوتها أوّلًا على من يكون له القصاص من الوليّ أو المجنيّ عليه، و ثانياً على بيت المال. و الوجه فيه أنّ الحق إنّما يكون ثابتاً له، و توقّف استيفاؤه على الأجرة لا يلزم ثبوتها على بيت المال،

أو على الجاني، كما في سائر موارد توقّف استيفاء الحقّ على مئونة. فإذا توقّف استيفاء الدّين مثلًا على بذل مئونة لا يستلزم ذلك ثبوت تلك المئونة على بيت المال أو على المديون، مع عدم مخالفته لما وجب عليه في هذا الأمر، فالقصاص مثله، لكن يمكن الإيراد عليه بأنّ الحكم بالثبوت على بيت المال ثانياً لا يستقيم على إطلاقه، فإنّه يمكن القول بالاستدانة من بيت المال عليهما و الأداء بعد ذلك إذا حصل اليسار، فتدبّر.

ثانيها: عكس القول الأوّل و هو الثبوت ابتداء على بيت المال، و مع الفقد أو وجود ما هو أهم كالجهاد مثلًا يثبت على من له القصاص، و هو ظاهر المحقّق في الشرائع حيث قال: و أُجرة من يقيم الحدود من بيت المال، فإن لم يكن بيت المال أو كان هناك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 314

[مسألة 13 لا يضمن المقتصّ في الطرف سراية القصاص]

مسألة 13 لا يضمن المقتصّ في الطرف سراية القصاص إلّا مع التعدّي في اقتصاصه، فلو كان متعمّداً اقتصّ منه في الزائد إن أمكن، و مع عدمه يضمن الدية أو الأرش، و لو ادّعى المقتصّ منه تعمّد المقتصّ و أنكره فالقول قول المقتصّ بيمينه، بل لو ادّعى الخطأ و أنكر المقتصّ منه فالظاهر أنّ القول قول

______________________________

ما هو أهمّ كانت الأُجرة على المجني عليه «1». و التعبير عن القصاص بالحدود كالتعبير عن من له القصاص بخصوص المجنيّ عليه، مع أنّه يكون تارة هو الولي لا يخلو عن المسامحة. و الدليل على هذا القول دعوى اتّحاد حكم المقام مع سائر الموارد التي يرجع إلى بيت المال، لكونه أيضاً من المصالح التي أعدّ لها بيت المال.

و لكنّه يندفع بأنّ استيفاء الحقّ الشخصي إذا كان متوقّفاً

على مئونة لا مجال لأخذ تلك المئونة من بيت المال، كاستيفاء الدين في المثال المتقدّم.

ثالثها: ثبوت الأُجرة على الجاني، و الوجه فيه دعوى اتحاد حكم المقام مع اجرة الكيال الواجبة على البائع، و لكنّها مندفعة بأنّ ثبوت الأُجرة على البائع إنّما هو فيما إذا توقّف القبض الواجب عليه على التعيين بالكيل الذي يتوقّف على الأُجرة، و أمّا لو كان البيع موجباً لتحقّق شركة المشتري مع البائع في المبيع مثلًا فلا يكون هناك شي ء على البائع، و في المقام الواجب على الجاني هو التمكين، و جعل نفسه باختيار من له القصاص، و لا ترتبط الأُجرة به بوجه.

ثمّ الظاهر أنّه على هذا القول لو أراد الوليّ مثلًا المباشرة و أخذ الأُجرة من الجاني كان له ذلك، لعدم الفرق، بل الظاهر أنّه على القول الثاني أيضاً يجوز له الأخذ من بيت المال.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1002.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 315

المقتصّ بيمينه على وجه، و لو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشي ء من جهته فالقول قول المقتصّ منه (1).

______________________________

(1) قد استدلّ في الجواهر «1» على عدم ضمان السراية في قصاص الطرف مع عدم التعدّي في الاقتصاص بعد نفي الخلاف و الإشكال فيه بالأصل و جملة من الروايات التي احتمل دعوى تواترها أو القطع بمضمونها، و لكنّ الظاهر أنّ عمدتها واردة في قصاص النفس، مثل صحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد. و قال: من قتله الحدّ فلا دية له «2».

فإنّ الظاهر أنّ المراد بقتل القصاص للرجل ليس هو قتله بالسراية

بالقصاص في الطرف بل قتله بالقصاص الموجب للقتل، و الشاهد عليه الجواب، فإنّه لو كان المراد منه هو الأوّل لا يستلزم ذلك سدّ باب الاقتصاص، خصوصاً مع ندرة تحقّق السراية في قصاص الطرف. و هذا بخلاف ما لو كان المراد منه هو المعنى الثاني، فإنّ اقتضاء قصاص النفس للدية يوجب سدّ باب الاقتصاص، كما لا يخفىٰ.

و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن «3». و ظهورها فيما ذكرنا واضح، و التعبير بقتيل القرآن إنّما هو في مقابل قتيل العدوان مثلًا.

نعم في خصوص رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: من قتله

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 246.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 316

[مسألة 14 كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف]

مسألة 14 كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف، و من لا يقتصّ له في النفس لا يقتصّ له في الطرف، فلا يقطع يد والد لقطع يد

______________________________

القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة «1». و لكنّ الظاهر أنّه لا حاجة إلى الاستدلال بمثل هذه الروايات، بعد كون ضمان السراية مفتقراً إلى قيام الدليل، و لو لا الإجماع عليه في صورة الجناية المحرّمة و التعدّي غير المشروع لم نقل به. و قد ظهر بما ذكرنا ثبوت الضمان مع التعدّي في الاقتصاص، فإن كان متعمّداً و كان القصاص ممكناً كما إذا قطع إصبعاً زائدة مثلًا يقتصّ منه، و مع عدم التعمّد أو عدم إمكان القصاص كما إذا قطع من

المنكب مع كون الحق بالإضافة إلى القطع من المرفق يكون ضامناً للدية أو الأرش.

ثم إنّه لو وقع الاختلاف بين المقتصّ و المقتصّ منه في العمد و الخطأ، فتارة يقع الادّعاء من ناحية المقتصّ منه، و الإنكار من ناحية المقتصّ، كما إذا ادّعى الأوّل التعمّد و أنكره الثاني، فلا شبهة في أنّ القول قول المنكر بيمينه؛ لأنّ البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر، و أُخرى يكون بالعكس كما إذا ادّعى المقتصّ الخطأ و أنكره الآخر، فظاهر المحقّق في الشرائع «2» أنّ القول قول المقتصّ أيضاً، نظراً إلى أنّه أعرف بنيّته و كون قوله موافقاً للظاهر أو الأصل.

و أمّا الفرع الأخير فهو ما لو ادّعى المقتصّ حصول الزيادة لشي ء من ناحية المقتصّ منه و أنكره الآخر، فالظاهر أنّ القول فيه قول المنكر، خلافاً لكاشف اللثام «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 47، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 8.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 1002.

(3) كشف اللثام: 2/ 469.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 317

ولده، و لا يد مسلم لقطع يد كافر (1).

[مسألة 15 إذا كان له أولياء شركاء في القصاص]

مسألة 15 إذا كان له أولياء شركاء في القصاص، فإن حضر بعض و غاب بعض فعن الشيخ (قدّس سرّه) للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية، و الأشبه أن يقال: لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجي ء الغائب، و الظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار، و لو كان غير (غيبته ظ) منقطعة أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب، و لو كان بعضهم مجنوناً فأمره إلى وليّه، و لو كان صغيراً ففي رواية: انتظروا الذين قتل أبوهم

أن يكبروا، فإذا بلغوا خيّروا، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا (2).

______________________________

(1) الوجه في مساواة القصاص في الطرف مع القصاص في النفس في الشرائط المذكورة المتقدّمة مضافاً إلى الفتاوى، إطلاق جملة من النصوص و صراحة بعضها في التعميم، مثل صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات، و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم «1».

و صحيحة أبي أيوب الخزاز، عن حمران، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: لا يقاد والد بولده، و يقتل الولد إذا قتل والده عمداً «2». و ذكر القتل في الذيل لا دلالة فيه على اختصاص الصدر به، كما لا يخفىٰ، و غير ذلك من الروايات.

(2) في هذه المسألة فرعان، و الظاهر وقوع الخلط بينهما في المتن:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 80، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 5.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 56، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 318

..........

______________________________

الأوّل: ما إذا كان بعض الأولياء حاضراً كاملًا بالبلوغ و العقل، و البعض الآخر غائباً أو فاقداً للكمال للصغر أو الجنون، و المحكيّ عن الشيخ في الخلاف «1» و المبسوط «2» أنّه للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية، و الظاهر عمومية كلامه للصغير و المجنون أيضاً.

و الظاهر إنّ جواز استيفاء الحاضر الكامل لا يتوقّف على شي ء إن قلنا في المسألة السابعة المتقدّمة بجواز المبادرة، و الاستبداد لكلّ واحد من الأولياء، و عدم توقّف الاستيفاء على إذن الجميع، لأنّه إذا جاز الاستيفاء من دون مراجعة مع اشتراك الجميع في الحضور و الكمال،

فالجواز مع العدم ثابت بطريق أولىٰ.

و أمّا إن قلنا في تلك المسألة بعدم جواز المبادرة و لزوم الاستئذان فيمكن أن يقال بما في المتن من أنّه إذا كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجي ء الغائب، و لا مانع من حبس الجاني مع خوف الفرار، و إذا كانت منقطعة أو طويلة فأمره بيد الوالي، و لا مجال للمناقشة في ثبوت الولاية في هذا الفرض بعد كون الاستيفاء بيد الحاضر الكامل، خصوصاً مع ملاحظة أنّه لو اختار الوالي الدية لأجل المصلحة يجوز للحاضر أيضاً الاستيفاء، و هكذا الحكم في المجنون و الصغير. و الرواية المنقولة في المتن واردة في الفرع الثاني الآتي، و عليه فالحكم في الصغير في هذا الفرع أيضاً كالمجنون يكون أمره بيد وليّه، و لا يلزم منه عمومية دائرة الولاية للقصاص حتّى يناقش فيها، كما يأتي.

الثاني: ما إذا كان الولي المنحصر صغيراً مثلًا، أو كان الوليّ المتعدّد كذلك. و قد

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 179 مسألة 42 و 43.

(2) المبسوط: 7/ 54.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 319

..........

______________________________

أفتى الشيخ (قدّس سرّه) في هذا الفرع في الكتابين المذكورين بأنّه لا يكون لأحد أن يستوفي القصاص حتّى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا، سواء كان القصاص في الطرف أو النفس، بل عن الكتابين الإجماع عليه «1»، و يمكن الاستدلال عليه مضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم ثبوت الولاية على مثل القصاص بالرواية المشار إليها في المتن، و هي رواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه: إن عليّاً (عليهم السّلام) قال: انتظروا بالصغار الذين قتل أبوهم أن يكبروا، فإذا بلغوا خيّروا، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا «2».

و لازم هذا القول

جواز حبس القاتل حتى يبلغ الصبي و يفيق المجنون، و قد يكون عشر سنين أو أزيد، و عليه فربّما يستشكل فيه بأنّه تعذيب شديد و عقوبة كثيرة زائدة على القصاص، خصوصاً مع استلزامه لصرف مئونة كثيرة، و لعلّه لذا حكي عن جماعة الأخذ بعموم الولاية و شمولها للقصاص، كالعلّامة في بعض كتبه «3» و ولده في الإيضاح «4» و الشهيدين في الحواشي «5» و الروضة «6» و المسالك «7» و المحقّق الكركي في جامع المقاصد «8» و الفيض الكاشاني في المفاتيح «9»، و قال في

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 179 181 مسألة 43، المبسوط: 7/ 54 55.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 85، أبواب القصاص في النفس ب 53 ح 2.

(3) إرشاد الأذهان: 2/ 199، قواعد الأحكام: 1/ 168.

(4) إيضاح الفوائد: 4/ 623 624.

(5) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 91.

(6) الروضة البهية: 10/ 96.

(7) مسالك الأفهام: 15/ 239.

(8) جامع المقاصد: 5/ 187.

(9) مفاتيح الشرائع: 2/ 140.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 320

[مسألة 16 لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل لم يسقط القود]

مسألة 16 لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل لم يسقط القود لو أراد غيره ذلك، فللآخرين القصاص بعد أن يردّوا على الجاني نصيب من فاداه من الدية، من غير فرق بين كون ما دفعه أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر، ففي جميع الصور يردّ إليه مقدار نصيبه، فلو كان نصيبه الثلث يردّ إليه الثلث، و لو دفع الجاني أقلّ أو أكثر، و لو عفا أو صالح بمقدار و امتنع الجاني من البذل جاز لمن أراد القود أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه، نعم لو اقتصر على مطالبة الدية و امتنع الجاني لا يجوز الاقتصاص إلّا

بإذن الجميع، و لو عفا بعض مجّاناً لم يسقط القصاص، فللباقين القصاص بعد ردّ نصيب من عفا على الجاني (1).

______________________________

الجواهر أنّه هو الأقوى في النظر «1».

و الإنصاف أنّ المسألة مشكلة من جهة عدم وضوح شمول أدلّة الولاية لمثل القصاص، و كون لازم القول المزبور الحبس المستلزم للأُمور المذكورة، و من جهة أنّه لا وجه لرفع اليد عن مقتضى الرواية الظاهرة في وجوب الانتظار حتى يكبروا، و كأن الاستناد في المتن إلى الرواية يشعر بالتردّد. و الذي يؤيّد الإشكال أنّه لم يقع في كلام صاحب الجواهر الإشارة إلى الرواية بوجه.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود و تسلّمها من القاتل، ففي الشرائع: المشهور أنّه لا يسقط أي القصاص و للآخرين القصاص بعد أن يردّوا

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 304.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 321

..........

______________________________

عليه نصيب من فاداه «1» بل عن ظاهر المبسوط «2» و غاية المرام «3» و صريح الغنية «4» الإجماع عليه، و أيّده في الجواهر بعدم العثور فيه على مخالف منّا «5»، كما اعترف به غير واحد «6»، و الوجه فيه أنّه لا دليل على سقوط حقّ القصاص للآخرين بذلك، و توقّف الاستيفاء على إذن الجميع إنّما هو فيما لو أرادوا القصاص بأجمعهم، و أمّا مع عدم إرادة البعض له فلا مجال للرجوع إليه.

و بالجملة: مقتضى الأصل بقاء حقّ القصاص للآخرين بعد عدم الدليل على السقوط، غاية الأمر لزوم الردّ إلى الجاني مقدار نصيب الذي اختار الدية، من دون فرق بين كون ما وقع عليه التراضي و تسلّمه من القاتل بمقدار نصيبه أو أقلّ أو أكثر.

الثاني: هذا الفرض مع امتناع القاتل من البذل،

بمعنى وقوع العفو المشروط أو المصالحة مع التراضي، غاية الأمر عدم التسلّم من القاتل لامتناعه من البذل، و الحكم فيه هو الحكم في الفرع الأوّل من دون تفاوت، لعدم الفرق بين التسلّم خارجاً و عدمه كما لا يخفىٰ، غاية الأمر لزوم ردّ نصيب الشريك إليه لعدم وصول شي ء إليه.

الثالث: ما لو كان في البين مجرّد مطالبة الدية، و بعبارة أُخرى طرحها للجاني و امتناعه من أصل القبول، في هذه الصورة لم يسقط حقّ القصاص من

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1003.

(2) المبسوط: 7/ 55 و 69.

(3) غاية المرام: 4/ 404.

(4) غنية النزوع: 405 406.

(5) جواهر الكلام: 42/ 306.

(6) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع: 4/ 446 و الشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 10/ 96.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 322

..........

______________________________

الطالب فضلًا عن الآخرين، لعدم كون مجرّد المطالبة موجباً للسقوط. و عليه فيجري فيه حكم المسألة السابقة المتقدّمة من توقّف الاستيفاء على إذن الجميع.

الرابع: ما لو عفا بعض مجّاناً، و قد استقرّ الفتاوى على عدم سقوط حقّ القصاص للباقين، و نسبه في محكيّ المسالك «1» و غيرها «2» إلى الأصحاب، و في محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة و أخبارها «3»، بل في الجواهر: لم أجد من تأمّل أو تردّد فيها «4». و يدلّ عليه من النصوص صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قتل و له أُمّ و أب و ابن، فقال الابن: أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي، و قال الأب: أنا أُريد أن أعفو، و قالت الأُمّ: أنا أُريد أن آخذ الدية، قال: فقال: فليعط الابنُ أُمَّ المقتول السدس من الدّية، و يعطي ورثة القاتل السدس

من الدية حقّ الأب الذي عفا، و ليقتله «5».

و رواية جميل بن درّاج، عن بعض أصحابه، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل قتل و له وليّان، فعفا أحدهما و أبى الآخر أن يعفو، قال: إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل، و ردّ نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه «6».

لكن في مقابلها روايات متعدّدة ظاهرة في سقوط حقّ القصاص مطلقاً مع عفو

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 241.

(2) رياض المسائل: 10/ 341.

(3) الخلاف: 5/ 181 مسألة 44.

(4) جواهر الكلام: 42/ 307.

(5) وسائل الشيعة: 19/ 83، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 1.

(6) وسائل الشيعة: 19/ 84، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 323

..........

______________________________

بعض الأولياء:

مثل صحيحة أبي ولّاد أيضاً قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قتل و له أولاد صغار و كبار أ رأيت إن عفا الأولاد الكبار؟ قال: فقال: لا يقتل، و يجوز عفو الأولاد الكبار في حصصهم، فإذا كبر الصغار كان لهم أن يطلبوا حصصهم من الدية «1». و إن كان يحتمل فيها أن يكون المراد بالذيل عدم سقوط حقّ حصص الصغار من الدية بعفو الكبار، لا عدم سقوط حقّهم مطلقاً حتّى من القصاص.

و صحيحة عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجلان قتلا رجلًا عمداً، و له وليّان فعفا أحد الوليّين، قال: فقال: إذا عفا بعض الأولياء درأ عنهما القتل و طرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا، و أدّيا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا «2».

و رواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام)

فيمن عفا من ذي سهم فإنّ عفوه جائز؛ و قضى في أربعة إخوة عفا أحدهم، قال: يعطى بقيّتهم الدية و يرفع عنهم بحصّة الذي عفا «3».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجلين قتلا رجلًا عمداً و له وليّان، فعفا أحد الوليّين، فقال: إذا عفا عنهما بعض الأولياء درأ عنهما القتل و طرح عنهما من الدّية بقدر حصة من عفا، و ادّى الباقي من أموالهما إلى الذي لم يعف. و قال: عفو كلّ ذي سهم جائز «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 84، أبواب القصاص في النفس ب 53 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 85، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 85، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 2.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 86، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 324

..........

______________________________

و رواية إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه، أنّ عليّاً (عليهم السّلام) كان يقول: من عفا عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز، و سقط الدم و تصير دية، و يرفع عنه حصّته الذي عفا «1».

و مرسلة الصدوق قال: قد روي أنّه إذا عفا واحد من الأولياء ارتفع القود «2».

و لو لم يمكن حمل هذه الروايات على التقية أو الندب أو بعض الوجوه الأُخر، كحمل بعضها على سقوط القود بالإضافة إلى العافي، نظراً إلى نفوذ عفوه و جوازه، لكان اللّازم طرحها بعد كون الشهرة الفتوائية المحقّقة بل الإجماع على خلافها «3». و حينئذٍ لا إشكال في أصل الحكم و الفتوى بعدم سقوط حقّ القصاص بالإضافة إلى غير العافي، لكنّه ينبغي التنبيه على أمرين:

أحدهما: إنّ المحقّق في

الشرائع «4» مع حكمه في هذا الفرع بما عليه المشهور جعل هذه الروايات الدالّة على سقوط حقّ القصاص بعفو البعض دليلًا على السقوط في الفرع الأوّل، فإن كان نظره إلى اتّحاد حكم الفرعين و عدم الفرق فالظاهر لزوم الحكم بالسقوط في الفرع الأخير أيضاً، و إن لم يكن نظره إلى ذلك فلا وجه لإيراد هذه الروايات و الإشارة إليها في الفرع الأوّل أصلًا.

ثانيهما: إنّ ظاهر المتن تبعاً لظاهر كثير من العبائر لزوم كون القصاص عقيب ردّ نصيب العافي إلى القاتل أو ورثته، و الظاهر أنّ في صحيحة أبي ولّاد الحنّاط المتقدّمة إشعاراً بذلك، و إن كان التعبير فيها بقوله (عليه السّلام): «و يعطي ورثة القاتل» يشعر بخلافه،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 86، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 4.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 86، أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 5.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 241، الخلاف: 5/ 181 مسألة 44.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 1003.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 325

[مسألة 17 إذا اشترك الأب و الأجنبي في قتل ولده]

مسألة 17 إذا اشترك الأب و الأجنبي في قتل ولده أو المسلم و الذّمي في قتل ذمّي، فعلى الشريك القود لكن يردّ الشريك الآخر عليه نصف ديته أو يردّ الولي نصفها و يطالب الآخر به، و لو كان أحدهما عامداً و الآخر خاطئاً فالقود على العامد بعد ردّ نصف الدية على المقتصّ منه، فإن كان القتل خطأً محضاً فالنصف على العاقلة، و إن كان شبه عمد كان الردّ من الجاني، و لو شارك العامد سبع و نحوه يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته (1)

______________________________

كما أنّ مرسلة جميل أيضاً كذلك، و قد تقدّم الكلام في ذلك سابقاً فراجع «1».

(1) و الضابط لفروع

هذه المسألة و نظائرها ما إذا كان القتل متحقّقاً بنحو الشركة، و لكن كان الموجب للقصاص و الشرائط المعتبرة فيه موجوداً في أحد الشريكين مثلًا دون الآخر، بحيث لو كان الأوّل منفرداً و مستقلّاً في القتل كان عليه القصاص، كما أنّه لو كان الثاني كذلك لم يكن عليه قصاص، و حينئذٍ وقع الكلام في أنّ عدم ثبوت القصاص على الآخر لكونه أباً أو مسلماً أو خاطئاً أو سبعاً مثلًا هل يوجب عدم الثبوت على الأوّل أم لا؟ و الظاهر هو الثاني، لأنّه لا وجه لعدم الثبوت بعد وجود الموجب و تحقّق الشرائط، و عدم كون الشركة مانعة عن ذلك، و لو تحقّق العفو عن أحد الشريكين كما عرفت، مضافاً إلى أنّ الحكم بعدم الثبوت وسيلة للتهجم على الدماء بالتواطؤ على الشركة بواحد من الأنحاء المذكورة و إراقة دم الغير، و الظاهر أنّ الوجه في التعرّض لهذه الفروع مع وضوح عدم سقوط القصاص فيها لأجل مخالفة العامة، حيث إنّه يظهر من الجواهر «2» مخالفة بعضهم في

______________________________

(1) تقدّم في ص 301 302.

(2) جواهر الكلام: 42/ 311.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 326

[مسألة 18 لا يمنع الحجر لفلس أو سفه من استيفاء القصاص]

مسألة 18 لا يمنع الحجر لفلس أو سفه من استيفاء القصاص، فللمحجور عليه الاقتصاص، و لو عفا المحجور عليه لفلس على مال و رضي به القاتل قسّمه على الغرماء، كغيره من الأموال المكتسبة بعد حجر الحاكم جديداً عنه، و الحجر السابق لا يكفي في ذلك، و للمحجور عليه العفو مجّاناً و بأقلّ من الدية (1).

______________________________

الفرع الأوّل، و بعضهم في الثاني، و بعضهم في الثالث. ثم إنّ الحكم بردّ الدية مع الاقتصاص من الشريك إنّما هو بالكيفية المذكورة في المتن.

(1) أمّا

عدم كون الحجر لفلس أو سفه مانعاً عن استيفاء القصاص، فلعدم كون الاقتصاص تصرّفاً ماليّاً و اختصاص الحجر عليهما بالمال، و هذا لا فرق فيه بين القول بأنّ الثابت في قتل العمد هو القصاص بنحو التعيّن كما مرّ سابقاً، و بين القول بأن الثابت فيه هو أحد الأمرين: القصاص، و الدية. أمّا على الأوّل فواضح، و أمّا على الثاني فلأنّ مجرّد ذلك لا يجعله ماليّاً، و لا يجب على المحجور عليه للفلس اختيار الدية، لأنّه تكسّب لا يجب عليه.

و أمّا إذا عفا هذا المحجور عليه على مال، و وقع التراضي بينه و بين القاتل، لا بدّ له بعد أخذ المال من تقسيمه على الغرماء، كسائر الأموال المكتسبة، نعم قيّده في المتن بما إذا تحقّق الحجر الجديد من الحاكم نظراً إلى عدم الاكتفاء بالحجر السابق في ثبوت الحجر بالإضافة إلى الأموال المكتسبة بعد الحجر القديم. و تفصيل هذه الجهة في كتاب الحجر.

و أمّا العفو مجّاناً أو بأقلّ من الدية فلا إشكال فيه أيضاً، بناء على كون الثابت هو القصاص بنحو التعيّن، و أمّا على القول الآخر ففيه إشكال، لثبوت المال حينئذٍ و عدم كونه اكتساباً جديداً، كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 327

[مسألة 19 لو قتل شخص و عليه دين، فإن أخذ الورثة ديته]

مسألة 19 لو قتل شخص و عليه دين، فإن أخذ الورثة ديته صرفت في ديون المقتول و وصاياه كباقي أمواله، و لا فرق في ذلك بين دية القتل خطأ أو شبه عمد أو ما صولح عليه في العمد، كان بمقدار ديته أو أقل أو أكثر، بجنس ديته أو غيره (1).

______________________________

(1) و الوجه في لزوم صرف الدية في ديون المقتول و وصاياه و عدم جواز التقسيم بين الوراث

مضافاً إلى أنّه لا خلاف معتدّ به بل الإجماع بقسميه عليه «1»، و إلى وضوح ارتباط الدية بالمقتول أوّلًا، لأنّها بدل نفسه، غاية الأمر إنّ عدم إمكان التصرّف له و عدم اعتبار الملكية له أوجب الانتقال إلى الورثة، فإذا كان في البين ما يكون مقدَّماً على الإرث كالدين و الوصية على حسب الكتاب و السنّة، فاللّازم صرفها فيه مقدَّماً عليه روايات دالّة على ذلك مثل:

موثقة إسحاق بن عمّار، عن جعفر (عليه السّلام): إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال «2». و إذا كان الحكم في العمد كذلك مع أنّ الثابت فيه أوّلًا هو القصاص بنحو التعيّن كما عرفت ففي غيره بطريق أولى.

و ذيل رواية علي بن أبي حمزة الآتية في المسألة الآتية، و هو قوله (عليه السّلام): بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالحوا عليها أولياؤه، فإنّه أحقّ بديته من غيره «3».

و رواية عبد الحميد بن سعيد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالًا فأخذ أهله الدية من قاتله عليهم أن يقضوا دينه؟ قال:

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 11/ 108، جواهر الكلام: 42/ 312.

(2) وسائل الشيعة: 17/ 397، أبواب موانع الإرث ب 14 ح 1.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 92، أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 328

[مسألة 20 هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون]

مسألة 20 هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون من دون ضمان الدية للغرماء؟ فيه قولان، و الأحوط عدم الاستيفاء إلّا بعد الضمان، بل الأحوط مع هبة الأولياء دمه للقاتل ضمان الدية للغرماء (1).

______________________________

نعم، قلت: و هو لم يترك

شيئاً، قال: إن أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه «1».

و السؤال إمّا أن يكون مطلقاً شاملًا لأنواع القتل، و إمّا أن يكون في خصوص قتل العمد، كما ربّما يؤيّده التعبير بالأخذ، و على التقديرين يدلّ على تمام المطلوب، غاية الأمر إنّه على التقدير الثاني يدلّ عليه بضميمة الأولوية، كما أنّ الظاهر لزوم قضاء الدين بمقدار الدية المأخوذة، لا قضاؤه بأجمعه، كما أنّه لا مانع من المصالحة على أقلّ من الدية أو العفو مجّاناً في هذا الفرض.

(1) وقع الاختلاف في هذه المسألة، فالمحكي عن ابن إدريس «2» و من تأخّر عنه «3» هو جواز الاستيفاء من دون ضمان، بل ادّعى صريحاً الإجماع عليه «4»، و جعل المحقّق في الشرائع «5» هذا القول أولى، و صاحب الجواهر في الشرح «6» أصحّ، و المحكي عن الشيخ في النهاية عدم الجواز «7»، و عن الدروس نسبته إلى المشهور «8»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 13/ 111، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 24 ح 1.

(2) السرائر: 2/ 48 49.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 301، تحرير الأحكام: 2/ 256، جامع المقاصد: 5/ 222، الروضة البهية: 10/ 98.

(4) السرائر: 2/ 49.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 1004.

(6) جواهر الكلام: 42/ 313.

(7) النهاية: 309.

(8) الدروس الشرعية: 3/ 313.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 329

..........

______________________________

و عن الغنية الإجماع عليه «9». و مستند الأوّل عمومات أدلّة القصاص كتاباً و سنّة، مثل قوله تعالىٰ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «10»، و إن كان للمناقشة في إطلاق مثله مجال واسع، كما أنّ التمسك بالأصل مع أنّ مقتضاه عدم ثبوت حقّ القصاص من دون الضمان ممنوع.

و مستند الثاني ما رواه الشيخ صحيحاً عن الصفار، عن

محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن أسلم الجبلي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقتل و عليه دين و ليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين؟ فقال: إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهبوا أولياؤه دية القاتل فجائز، و إن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتّى يضمنوا الدّين للغرماء، و إلّا فلا «1».

لكن الرواية مضافاً إلى اضطراب متنها لعدم المناسبة بين كون أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، و بين تفريع جواز هبة الدم للقاتل عليه، فإنّ مقتضى كونهم هم الخصماء عدم جواز الهبة المذكورة بوجه، خصوصاً مع كون مورد السؤال هي صورة الهبة، و لا يلائمه تمهيد كون أصحاب الدّين كذلك لبيان حكمه، فتدبّر قد رواها الشيخ أيضاً في مورد آخر من التهذيب بإسناده عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير؛ و بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن أسلم الجبلي، عن يونس بن عبد الرحمن. و الصدوق بإسناده عن محمد بن أسلم، عن يونس بن عبد الرحمن، هكذا قال: يعني أبا بصير

______________________________

(9) غنية النزوع: 241.

(10) الإسراء 17: 33.

(1) التهذيب: 6/ 312 ح 861، وسائل الشيعة: 13/ 112، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 24 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 330

..........

______________________________

ليث المرادي سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قتل و عليه دين و ليس له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين؟ فقال: إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهب

أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء و إلّا فلا «1». و من الواضح عدم كونها رواية أُخرى بل هي نفس الرواية الأُولىٰ، غاية الأمر وقوع الاشتباه في النقل أو الغلط في النسخة، و عليه فلم تثبت الرواية بالنقل الأوّل.

نعم يمكن أن يقال: بعدم المنافاة بين النقلين بالإضافة إلى الاقتصاص الذي هو محلّ البحث فعلًا، لأنّ النقل الأوّل صريح في عدم جواز الاقتصاص قبل الضمان، و النقل الثاني يستفاد منه ذلك، لأنّه ليس معنى قوله (عليه السّلام): «و إلّا فلا» أنّه إن لم تتحقّق الهبة فلا يكون هناك ضمان، حتّى يتحقّق التعارض بين النقلين كما أفاده بعض الأعلام «2» لعدم كون الشرطية الأولى بنحو يكون الشرط هو الهبة، و الجزاء هو الضمان، كما هو ظاهرها، لأنّ المراد بالضمان هنا ليس هو ما يكون حكماً وضعيّاً ثابتاً في مورد إتلاف مال الغير و مثله، حيث يكون الإتلاف سبباً له و هو مترتّب عليه، بل المراد هو الضمان الثابت في كتاب الضمان، و هو ضمان الدين عن المديون.

و من المعلوم تقدّم هذا الضمان في المقام على استيفاء القصاص، كما يدلّ عليه تعبير المتن تبعاً للفقهاء، و عليه فمرجع الشرطية الاولى إلى أنّه إن تحقّق الضمان تجوز الهبة، فمعنى قوله (عليه السّلام): «و إلّا فلا» أنّه إن لم يتحقّق الضمان لا تجوز الهبة، كما وقع التعبير بمثله في النقل الأوّل.

و عليه فالرواية بظاهرها لا تعرّض فيها لحكم الاقتصاص، لكن حيث كان

______________________________

(1) التهذيب: 10/ 180 ح 18، وسائل الشيعة: 19/ 92، أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 1.

(2) مباني تكملة المنهاج: 2/ 135 136 مسألة 44.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 331

..........

______________________________

الحكم بعدم جواز

الهبة متفرعاً على كون أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، و من الواضح اقتضاؤه لعدم جواز الاقتصاص من دون ضمان أيضاً، لأنّه لا فرق بين الهبة و الاقتصاص من هذه الجهة، فمقتضى الرواية حينئذٍ عدم جواز الاقتصاص المزبور، و عليه فيتّحد النقلان في الدلالة على هذا الأمر، غاية الأمر أن دلالة الأوّل إنّما هي بالصراحة، و دلالة الثاني بإلغاء الخصوصية و ثبوت المناط.

نعم تعارضهما رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: قلت له: جعلت فداك رجل قتل رجلًا متعمّداً أو خطأ و عليه دين و ليس له مال، و أراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل؟ قال: إن وهبوا دمه ضمنوا ديته، فقلت: إن هم أرادوا قتله؟ قال: إن قتل عمداً قتل قاتله و ادّى عنه الإمام الدِّين من سهم الغارمين، قلت: فإنّه قتل عمداً و صالح أولياؤه قاتله على الدية، فعلى من الدين، على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال: بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالحوا عليها أولياؤه، فإنّه أحقّ بديته من غيره «1».

و لكن حيث أنّ الأولتين صحيحتان، و هذه الرواية ضعيفة فلا مجال لنهوضها في مقابلهما، بل اللّازم الأخذ بهما و الحكم بعدم جواز الاقتصاص إلّا بعد الضمان بمقدار الدية، هذا كلّه في الاقتصاص.

و أمّا الهبة مجّاناً فالمحكي عن المبسوط أنّه قال: إنّ الذي رواه أصحابنا إنّه لم يكن لوليّه العفو على غير مال و لا القود، إلّا أن يضمن حقّ الغرماء «2». و عن أبي علي أنّه قال: لا يجوز للأولياء العفو إلّا إذا ضمنوا الدية «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 92، أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 2.

(2) المبسوط: 7/ 56.

(3) مختلف الشيعة: 9/

455 مسألة 135.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 332

..........

______________________________

لكن الشيخ (قدّس سرّه) قال في محكي النهاية: لم يكن لأوليائه القود إلّا بعد أن يضمنوا الدية عن صاحبهم، فإن لم يفعلوا لم يكن لهم القود و جاز لهم العفو بمقدار ما يصيبهم «1».

فإن ظاهره جواز العفو في مقابل القصاص، لكن التقييد بقوله: «بمقدار ما يصيبهم» مع أنّ العفو مطلقاً إنّما يمضى في خصوص مقدار العافي و لا يتعدّى عنه ربّما يكون قرينة على أن المراد بالعفو هنا هو العفو بمقدار ما يصيبهم من الزائد على مقدار الدِّين، و عليه فلا دلالة للعبارة على جواز العفو في مقابل الاقتصاص، كما لا يخفى.

و أمّا الروايات، فمقتضى خبر أبي بصير على النقل الثاني و خبر علي بن أبي حمزة المتقدّمين عدم جواز هبة الدم للقاتل قبل ضمان الدية للغرماء، لكن خبر أبي بصير على النقل الأوّل ظاهره الجواز، بناء على كون الفاعل في قوله (عليه السّلام): «فإن وهبوا» هو الأولياء كما هو الظاهر بل المتعيّن بناء على نقل الجواهر، حيث نقل هكذا: فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز «2». و أمّا بناء على ما نقلنا من قوله: فإن وهبوا أولياؤه دية القاتل فيمكن أن يقال: بأنّ معناه أنّه إن وهب أصحاب الدّين أولياء المقتول دية القاتل فجائز حينئذٍ هبة الأولياء للدم. لكن من الظاهر كون هذا الاحتمال خلاف الظاهر جدّاً، و عليه فظاهر الرواية هو جواز الهبة في مقابل الاقتصاص.

و لكن الظاهر ثبوت قرائن شاهدة على عدم الجواز، و هو أنّه لا فرق بين الهبة

______________________________

(1) النهاية: 309.

(2) جواهر الكلام: 42/ 314.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 333

[مسألة 21 لو قتل واحد رجلين أو أكثر عمداً على التعاقب أو معاً]

مسألة 21 لو

قتل واحد رجلين أو أكثر عمداً على التعاقب أو معاً قتل بهم و لا سبيل لهم على ماله، فلو عفا أولياء بعض لا على مال كان للباقين القصاص من دون ردّ شي ء، و إن تراضى الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ منهم دية كاملة، فهل لكلّ واحد منهم الاستبداد بقتله من غير رضا الباقين أو لا، أو يجوز مع كون قتل الجميع معاً، و أمّا مع التعاقب فيقدّم حقّ السابق فالسابق، فلو قتل عشرة متعاقباً يقدّم حقّ ولي الأوّل، فجاز له الاستبداد بقتله بلا إذن منهم، فلو عفا فالحقّ للمتأخّر منه و هكذا؟ وجوه، لعلّ أوجهها عدم جواز الاستبداد و لزوم الإذن من الجميع، لكن لو قتله ليس عليه إلّا الإثم، و للحاكم تعزيره و لا شي ء عليه و لا على الجاني في ماله، و لو اختلفوا في الاستيفاء و لم يمكن الاجتماع فيه فالمرجع القرعة، فإن استوفى أحدهم بالقرعة أو بلا قرعة سقط حقّ الباقين (1).

______________________________

و الاقتصاص على تقدير القول بعدم الجواز فيه بل أولويتها منه، كما لا يخفىٰ. و كون الخبر على النقل الآخر صريحاً في عدم الجواز، و كون التفريع على أنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل مناسباً للعدم لا للجواز، خصوصاً مع اشتراك النقلين في هذا التمهيد، فمقتضى الاحتياط الوجوبي لو لم يكن أقوى هو العدم، كما في المتن.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الأُولى: أنّه لا خلاف و لا إشكال في ثبوت حقّ القصاص لكلّ من أولياء المقتول المتعدّد، بنحو لو اجتمعوا على المطالبة فقتلوه مباشرة أو استنابة فقد استوفى كلّ منهم حقّه من دون زيادة و لا نقصان، و لا مجال لاحتمال ثبوت الدية على حسب تعدّد القتل مع القصاص

مع كسر واحدة، إذ ليس لهم عليه إلّا نفسه، و الجاني لا يجني على أكثر منها، خلافاً لبعض أهل الخلاف حيث قال: يقتل بجماعتهم، فإذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 334

..........

______________________________

قتل سقط من الديات واحدة، و كان ما بقي من الديات في تركته «1».

الثانية: لا إشكال في أنّ عفو أولياء بعض موجب لسقوط حقّه من القصاص، و أمّا حقّ غيره فهو باق على حاله، و لا مجال لدعوى السقوط فيه أصلًا. و عليه فلو استوفى غير العافي القصاص فقد استوفى تمام حقّه، و لا يجب عليه ردّ شي ء إلى القاتل أو ورثته، بخلاف ما تقدّم في صورة تعدّد أولياء المقتول الواحد إذا عفى بعضهم و اختار غيره الاستيفاء، حيث يجب عليه ردّ ما زاد عن نصيبه إلى القاتل أو ورثته على ما عرفت، و الفرق واضح.

و يدلّ في خصوص المقام صحيحة عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قتل رجلين عمداً و لهما أولياء، فعفا أولياء أحدهما و أبى الآخرون؟ قال: فقال: يقتل الذي لم يعف، و إن أحبّوا أن يأخذوا الدية أخذوا. الحديث «2».

الثالثة: لو تراضى الأولياء مع القاتل بما هو بدل جنايته من الدية، فالظاهر تعدّد الدية بتعدّد الجناية لا تقسيم دية واحدة عليهم، و الوجه فيه استحقاق كلّ واحد منهم نفساً أو ما هو بدلها من الدية الكاملة، و ليس مثل تعدّد الأولياء مع وحدة الجناية، حيث إنّ تراضيهم على الدية يوجب ثبوت دية واحدة. نعم قد عرفت أنّه يمكن وقوع التراضي في الجناية الواحدة على أضعاف الدية، و لا يرتبط بما يقع بدلًا عن النفس، كما لا يخفىٰ.

الرابعة: فيما لو أراد

الجميع القصاص، و قد ذكر في المتن احتمالات ثلاثة في جواز استبداد كلّ واحد منهم من دون الاستئذان من الباقي، و عدم جوازه في

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 183 مسألة 47، المجموع للنووي: 20/ 86 87.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 84، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 335

..........

______________________________

هذه الصورة.

منشأ الأوّل: ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى كلّ واحد منهم مستقلا، لكون جنايته بالنسبة إليه هي الجناية على النفس، و لا وجه للزوم المراجعة إلى الغير و الاستئذان منه.

و منشأ الثاني: إنّ الحقّ و إن كان ثابتاً لكلّ واحد كذلك، إلّا أنّ كون متعلّق الحقّ واحداً يقتضي عدم ترجيح واحد على الآخر، بل توقّف الاستيفاء على الاستئذان، و جعله في المتن أوجه الاحتمالات.

و منشأ التفصيل: أنّه في القتل المتعاقب يكون ثبوت حقّ القصاص لوليّ الأوّل قبل ثبوته للثاني، و ثبوته للثاني قبل ثبوته للثالث، و هكذا، بخلاف القتل المعي و المقارن، فإنّه لا تقدّم لواحد على الآخر أصلًا.

و لكنّه يرد عليه أنّ القبلية الزمانية لا توجب ثبوت حقّ التقدّم كما في الغرماء المتعدّد بالإضافة إلى المديون الواحد، و عليه فلا فرق بين الفرضين أصلًا.

ثمَّ إنّه علىٰ تقدير عدم جواز الاستبداد لو بادر فهل يترتّب علىٰ عمله مجرّد الإثم و التعزير، أو يكون موجباً لثبوت الدية عليه أو على الجاني؟ الظاهر أنّه لا مجال لاحتمال ثبوت الدية عليه أصلًا، بعد كون استيفائه بمقدار حقّه من دون زيادة و لا نقصان، بخلاف الأولياء المتعدّدين في الجناية الواحدة إذا استبدّ أحدهم و بادر إلى القصاص.

و أمّا ثبوت الدية في مال الجاني، فالظاهر وقوع الاختلاف فيه، فالمشهور بل المحكي عن المبسوط «1»

و الخلاف «2» الإجماع عليه هو سقوط حق الباقين لا إلى

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 61.

(2) الخلاف: 5/ 182 183 مسألة 47.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 336

..........

______________________________

بدل «3»، و عن أبي علي «4» و العلّامة في بعض كتبه «5» و ولده «6» و بعض آخر «7» إنّ لغير المستوفي الدية، و تردّد المحقّق في الشرائع «8».

و منشأ الثبوت أنّ الجاني قد أتلف على كلّ واحد منهم نفساً كاملة لا ارتباط لها بباقي النفوس المتلفة، و إنّما يملك الجاني بدلًا واحداً، فكان لمن لم يقتصّ الدية لتعذّر البدل، و لئلا يبطل دم امرئ مسلم، و لفحوى الثبوت فيمن قتل و هرب و مات.

و يظهر الجواب عن أكثر هذه الوجوه مع ملاحظة أمرين:

أحدهما: ما تقدّم من أنّ الثابت في مورد القصاص و ثبوت الموجب له هو القصاص بنحو التعيّن لا التخيير بينه و بين الدية، بحيث كان الولي مخيّراً بين القصاص و بين أخذ الدية، و إذا اختار الدية كان اللّازم على الجاني القبول بل الانتقال إليها يتوقّف على التراضي، و ربّما كان التراضي بالزائد على الدية أو أقل منها.

ثانيهما: أنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، كما وقع التصريح به في بعض الروايات المتقدّمة «1»، فإنّه مع ملاحظة هذين الأمرين لا يبقى مجال لثبوت الدية بالإضافة إلى الباقين.

______________________________

(3) النهاية: 747، المهذّب: 2/ 469، الوسيلة: 432، السرائر: 3/ 348، الجامع للشرائع: 579، المختصر النافع: 317.

(4) حكىٰ عنه في مختلف الشيعة: 9/ 452 مسألة 130.

(5) إرشاد الأذهان: 2/ 201، مختلف الشيعة: 9/ 452 مسألة 130، قواعد الأحكام: 2/ 284.

(6) إيضاح الفوائد: 4/ 573 و 626.

(7) التنقيح الرائع: 4/ 449.

(8) شرائع الإسلام: 4/ 1004.

(1)

وسائل الشيعة: 19/ 59 و 61 و 62، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1 و 10 و 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 337

[مسألة 22 يجوز التوكيل في استيفاء القصاص]

مسألة 22 يجوز التوكيل في استيفاء القصاص، فلو عزله قبل استيفائه فإن علم الوكيل بالعزل فعليه القصاص، و إن لم يعلم فلا قصاص و لا دية، و لو عفا الموكّل عن القصاص قبل الاستيفاء فإن علم الوكيل و استوفاه فعليه القصاص، و إن لم يعلم فعليه الدية و يرجع فيها بعد الأداء على الموكِّل (1).

______________________________

مع أنّ الفرق بين صورة الاجتماع على القصاص و بين صورة مبادرة أحدهم به بعدم ثبوت الدية في الأولى دون الثانية ممّا لا يكون له وجه، فإن مجرّد المبادرة و إن كان غير جائز بناء على القول بعدم الجواز، إلّا أنّ اقتضاءه لثبوت الدية على الجاني مع تحقّق مراد الباقين و هو القصاص لا سبيل إليه أصلًا، و ثبوت الحكم في القاتل الذي هرب و مات حيث يكون على خلاف القاعدة لا مجال لإسرائه إلى المقام.

و عدم بطلان دم امرئ مسلم لا يقتضي ثبوت الدية بعد تحقّق القصاص، و عدم الاستئذان لا يستلزم البطلان كما لا يخفى. فالظاهر بملاحظة ما ذكرنا سقوط حقّ الباقين مطلقاً، نعم لو تراضوا قبل إجراء القصاص من المستوفي على الدية و أخذوها من القاتل لا يكون القصاص موجباً لرجوعها إلى ورثة القاتل.

الخامسة: إذا اختلفوا في الاستيفاء و لم يمكن الاجتماع بالمباشرة أو بالتوكيل فلا محيص عن الرجوع إلى القرعة، لما مرّ في بعض المسائل المتقدّمة.

(1) لا خلاف و لا إشكال في جواز التوكيل في استيفاء القصاص لعدم كون المباشرة واجبة و لا عبادة، بل استيفاؤه إنّما

هو كاستيفاء الدّين الذي يجري فيه التوكيل بلا شبهة، و بعد ذلك يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في العزل، فنقول: إذا عزله قبل استيفاء القصاص فتارة يعلم الوكيل بالعزل قبله، و أُخرى لا يعلم به كذلك، ففي الصورة الأولى لا خلاف و لا إشكال في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 338

..........

______________________________

ثبوت القصاص على الوكيل؛ لتحقّق موجبه و هو القتل عدواناً و ظلماً، و لكن لا بدّ من تقييده بما إذا علم بالانعزال بالعزل، و أمّا لو اعتقد خلافه بتخيّل أنّ الوكالة من العقود اللّازمة التي لا تنفسخ بفسخ أحدهما فالظاهر عدم استحقاقه للقصاص حينئذٍ بل ثبوت الدية.

و في الصورة الثانية إن قلنا بتوقّف الانعزال على العزل و بلوغه إلى الوكيل فاللّازم تحقّق الاستيفاء في حال بقاء الوكالة، فلا يترتّب عليه قصاص و لا دية أصلًا، و إن قلنا بتوقّفه على العزل فقط، و لا يشترط البلوغ بوجه فالاستيفاء قد وقع في حال زوال الوكالة، و لكنّه حيث كان الوكيل غير عالم به بل كان معتقداً لبقاء الوكالة، و على تقدير الشك كان مقتضى الاستصحاب البقاء، فاللّازم عدم ثبوت القصاص بوجه لعدم تحقّق موجبه، و أمّا الدّية فالظاهر ثبوتها على الوكيل لمباشرته للقتل من غير حق.

و دعوى كون السبب أقوى من المباشر مدفوعة في المقام؛ لعدم كونه أقوى، بل من الواضح استناد القتل إلى الوكيل، غاية الأمر جواز رجوع الوكيل إلى الموكّل بعد أداء الدية لقاعدة الغرور، و وضح ثبوته هنا.

الثاني: في العفو، و نقول: لا شبهة في أنّه لا يترتّب عليه شي ء إذا كان بعد الاستيفاء و تحقّق مورد الوكالة، كما أنّ الظاهر أنّه لو كان قبل الاستيفاء و علم الوكيل

بذلك و مع ذلك استوفى القصاص، يثبت عليه القصاص لتحقّق موجبه و هو القتل عدواناً، و ينبغي أيضاً تقييده بما إذا علم الوكيل أيضاً بسقوط حقّ القصاص بعفو الوليّ، و أمّا لو اعتقد خلافه بتخيّل عدم تأثير العفو في السقوط فالظاهر عدم ترتّب القصاص على قتله قصاصاً، و إن علم بأصل العفو.

و أمّا لو كان الوكيل جاهلًا بذلك سواء اعتقد عدم صدور العفو من الولي أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 339

..........

______________________________

احتمل الصدور و لكن اعتمد على استصحاب العدم، ففي ثبوت الدية عليه و عدمه وجهان: من صدور القتل منه بغير حق مباشرة، و عدم كون السبب أقوى من المباشر، فهو كمن قدّم إليه الطعام المغصوب فأكله غاية الأمر رجوعه إلى الموكّل، للقاعدة المتقدّمة كما في المثال، و هذا من دون فرق بين صورة عدم التمكّن من الإعلام و صورة التمكّن، و لا مجال للتخصيص بالصورة الثانية. و من أنّ العمل مشروع له ظاهراً و مباح كذلك، فلا وجه لترتّب الضمان عليه، و كون العفو مع عدم علم الوكيل لغواً لعدم ترتّب أثر عليه، لأنّ الأثر المترقّب هو تخلّص الجاني من القصاص، و من الواضح عدم ترتّبه مع جهل الوكيل به، فهو يشبه العفو بعد خروج السهم من يده مثلًا.

و لكن يرد على الأوّل منع ملازمة المشروعيّة لعدم الضمان، فإنّ الضمان حكم وضعي يثبت مع تحقّق موجبه من دون فرق بين كونه مباحاً أو غيره، أ لا ترى أنّ أكل مال الغير بدون إذنه في حال الاضطرار مثلًا مباح، و مع ذلك يترتّب عليه الضمان لقاعدة الإتلاف.

و على الثاني منع كون العفو لغواً؛ بحيث كان وجوده كعدمه، و ذلك لترتّب

أثر الدية عليه، و التشبيه بما ذكر ممنوع بعد كون ذلك المورد بمنزلة العفو بعد الاستيفاء، لخروج الأمر من يده. فالظاهر بمقتضى ما ذكر ثبوت الدية و الرجوع بها إلى الموكِّل بعد الأداء. هذا كلّه في العفو مجّاناً الذي هو ظاهر المتن.

و أمّا العفو على مال الذي قد عرفت أنّه مشروط بالتراضي مع الجاني، فإن لم يعلم به الوكيل و استوفى القصاص، و فرضه إنّما يتحقّق بادّعاء الجاني العفو المذكور و اعتقاد الوكيل كذبه، فالحكم فيه من جهة ثبوت الدية على الوكيل ما تقدّم في العفو مجّاناً، و أمّا من جهة المال الذي وقع التراضي به فيمكن أن يقال برجوعه إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 340

[مسألة 23 لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع حملها]

مسألة 23 لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع حملها و لو تجدّد الحمل بعد الجناية، بل و لو كان الحمل من زنا، و لو ادّعت الحمل و شهدت لها أربع قوابل ثبت حملها، و إن تجرّدت دعواها فالأحوط التأخير إلى اتّضاح الحال، و لو وضعت حملها فلا يجوز قتلها إذا توقّف حياة الصبي عليها، بل لو خيف موت الولد لا يجوز و يجب التأخير. و لو وجد ما يعيش به الولد فالظاهر أنّ له القصاص، و لو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملًا فالدية على الولي القاتل (1).

______________________________

ورثة الجاني، لأنّ المال إنّما هو في مقابل عدم القصاص، و المفروض تحقّقه. و يمكن أن يقال بعدم رجوعه إليهم لأنّه وقع في مقابل إسقاط حقّ القصاص، و المفروض أنّ الوليّ أسقطه، و صدور القتل من الوكيل لا يرتبط بذلك أصلًا، و الأرجح هو الاحتمال الأوّل، فتدبّر.

(1) في هذه المسألة مباحث:

الأوّل: في أنّه لا يقتصّ من الحامل

ما دامت كونها حاملًا، و المفروض فعلًا هو قصاص النفس، و في الجواهر نفى وجدان الخلاف فيه «1»، بل في محكي كشف اللّثام الاتفاق عليه «2». و الوجه فيه مضافاً إلى ذلك و إلى ما تقدّم من روايات الحدود المتقدّمة في كتاب الحدود «3»، التي منها الرواية الواردة في امرأة مجحّ «4»، و إن كان موردها عدم تمامية الإقرار قبل الوضع؛ لكنّه يستفاد منها أنّ التأخير إنّما هو

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 322.

(2) كشف اللثام: 2/ 469.

(3) تفصيل الشريعة، كتاب الحدود: 155 158.

(4) وسائل الشيعة: 18/ 377، أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1، و المجحّ: الحامل المقرب التي دنا وِلادُها، النهاية لابن الأثير: 1/ 240.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 341

..........

______________________________

بملاحظة الحمل و لزوم التحفّظ على النفس المحترمة التي هي الحمل، من دون فرق بين كونه قبل جناية الأُمّ أو بعدها، و كذا لا فرق بين كونه من زنا أو من غيره، مضافاً إلى تفسير الإسراف في القتل المنهي عنه في ذيل بعض آيات القصاص بذلك، مع ظهور كونه منه و إن لم ينحصر به.

الثاني: لا إشكال في ثبوت الحمل المانع عن استيفاء القصاص بشهادة أربع قوابل بذلك، و أمّا لو كانت دعواها مجرّدة عن البيّنة فقد ذكر المحقّق في الشرائع: قيل: لا يؤخذ بقولها، لأنّ فيه دفعاً للولي عن السلطان، و لو قيل: يؤخذ كان أحوط «1». و يظهر منه كون المسألة خلافية، مع أنّ الظاهر كما في الجواهر «2» عدم وجدان مخالف صريح للقبول، فإنّ جماعة من الأكابر و إن عبّروا بأنّ الأولى الاحتياط؛ لكنّ الظاهر أنّ مرادهم هو الاحتياط اللّازم كما هو ظاهر الشرائع، و عليه فالظاهر

ثبوت الشهرة على القبول.

و يدلّ على القبول مضافاً إلى أنّ للحمل أمارات مخفيّة أيضاً تجدها الحامل من نفسها، و تختصّ بمراعاتها على وجه يتعذّر إقامة البيّنة عليها، فيقبل قولها فيه كالحيض و نحوه قوله تعالىٰ وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ «3» نظراً إلى أنّ عدم حلّية الكتمان مستلزم للحجّية و الاعتبار، و إن كان يمكن المناقشة في الاستدلال به بوروده في المطلقات، و لا دليل على التعميم. و رواية الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق (عليه السّلام) في قوله تعالى وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ قال: قد فوّض اللّٰه إلى النساء ثلاثة أشياء:

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1004 1005.

(2) جواهر الكلام: 42/ 322.

(3) البقرة 2: 228.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 342

..........

______________________________

الحيض، و الطهر، و الحمل «1». و إن كانت ضعيفة من حيث السند إلّا أنّ ضعفها منجبر بالشهرة المذكورة، و لا أقلّ من كون الأخذ بقولها إلى اتّضاح الحال مقتضى الاحتياط الوجوبي، كما في المتن و مثله.

الثالث: لو وضعت حملها، فإن توقّف حياة الولد عليها إمّا من جهة اللّبإ الذي حكي عن الشيخ «2» و العلّامة «3» و الشهيد «4» و غيرهم «5» أنّه لا يعيش الصّبي بدونه، و إن كان الوجدان يشهد بخلافه إلّا أن يراد به الغالب، و هو يكفي في لزوم الرعاية؛ و إمّا من جهة انحصار غذائه بالأُمّ لعدم وجود ما يعيش به غيرها، لا يجوز قتلها و استيفاء القصاص منها؛ لما ذكر في عدم الجواز مع الحمل من لزوم حفظ النفس المحترمة. نعم مع وجود ما يعيش به غيرها من ألبان الحيوانات أو المراضع

الأُخر أو اللبن اليابس المتداول في هذه الأزمنة لا مانع من استيفاء القصاص، و إن كان يمكن القول باستحباب الصبر؛ لئلّا يفسد خلقه و نشؤه بالألبان المختلفة أو لبن غير الأُمّ الذي هو أوفق بطبعه و أنسب بمزاجه، لكنّه لا يصل إلى حدّ المنع مع كون القصاص حقّا للناس.

ثم في فرض انحصار غذائه بالأُمّ لو خالف و اقتصّ من الأُمّ فمات الولد بعده هل يقتصّ من المقتصّ أم لا؟ قد حكي عن بعض «6» احتمال القصاص عليه لصدق قتله

______________________________

(1) مجمع البيان: 2/ 101، وسائل الشيعة: 15/ 441، كتاب الطلاق، أبواب العدد ب 24 ح 2.

(2) المبسوط: 7/ 59.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 302.

(4) اللمعة الدمشقية: 120.

(5) الروضة البهية: 10/ 452.

(6) مسالك الأفهام: 15/ 253.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 343

..........

______________________________

التسبّبي، نحو ما لو حبس رجلًا و منعه من الطعام أو الشراب حتّى مات جوعاً أو عطشاً.

و لكنّ الظاهر عدم ثبوت القتل في المقام، فإنّ الموت مسبَّب عن عدم الغذاء، و نفي موضوع الغذاء بالقصاص لا يوجب تحقق القتل. أ لا ترى أنّه لو ترك المكلَّف إنقاذ الغريق مع القدرة عليه فمات الغريق بترك الإنقاذ لا يوجب ذلك تحقق القتل و إضافته إلى التارك للإنقاذ، بل غاية الأمر عصيان التكليف الوجوبي المتعلّق بالإنقاذ. و كذلك لو سرق السارق طعام الغير المتوقّف عليه بقاء حياته لا يوجب ذلك انطباق عنوان القاتل عليه، إذا مات المسروق منه بسبب عدم الطعام، و أمثال ذلك.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه كما لا وجه لثبوت القصاص كذلك لا وجه للحكم بثبوت الدّية كما في الجواهر «8»؛ لعدم تحقّق القتل أصلًا، و الموجب لها هو القتل مع كونه شبه

عمد أو خطأ.

الرابع: ما عنونه في المتن بقوله: «و لو قتلت المرأة قصاصاً»، و الظاهر بقرينة قوله: «فبانت حاملًا» هو كون المقتصّ جاهلًا بالحمل حال القصاص، إمّا لاعتقاده بالعدم، أو لوجود مجرّد الاحتمال مع كون مقتضى الاستصحاب العدم لخلوّه عن الدعوى أيضاً، كما أنّ الظاهر كون الحاكم الآذن جاهلًا أيضاً، و عليه فالحكم بثبوت الدية بلحاظ قتل الحمل و إن كان ظاهراً، إلّا أنّ الحكم بثبوتها على الولي محلّ إشكال، لأنّ القتل حينئذٍ يكون من قبيل قتل الخطأ الذي تكون الدية فيه على العاقلة، إلّا أن يكون المراد بما في المتن نفي الثبوت على بيت المال، فالمراد بالوليّ هو الأعم منه و من العاقلة. هذا في صورة جهلهما.

و أمّا صورة علمهما فالظاهر ثبوت الدية على الولي القاتل، لتحقّق قتل العمد

______________________________

(8) جواهر الكلام: 42/ 323.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 344

[مسألة 24 لو قطع يد رجل و قتل رجلًا آخر تقطع يده أوّلًا ثم يقتل]

مسألة 24 لو قطع يد رجل و قتل رجلًا آخر تقطع يده أوّلًا ثم يقتل، من غير فرق بين كون القطع أوّلًا أو القتل، و لو قتله ولي المقتول قبل القطع أثم، و للوالي تعزيره و لا ضمان عليه، و لو سرى القطع في المجني عليه قبل القصاص

______________________________

منه بالنسبة إلى الحمل، غاية الأمر إنّ عدم وجود شرط القصاص فيه أوجب الانتقال إلى الدية. و لا مجال في هذه الصورة لتوهّم ثبوت القصاص على المقتصّ بالنسبة إلى قتل الأُمّ، لأنّه و إن كان التأخير إلى الوضع واجباً عليه شرعاً، و التقديم مخالفاً لما هو وظيفته كذلك، إلّا أنّ ذلك لا يوجب صيرورة القتل متّصفاً بكونه ظلماً و عدواناً، كما إذا تصدّى للقصاص من دون استئذان من الحاكم و قلنا بلزومه، فإنّه

لا يوجب تحقّق موجب القصاص، كما مرّ سابقاً.

و أمّا الحاكم، فالظاهر أنّه لا وجه للحكم بثبوت ضمانه إمّا بانفراده أو بالاشتراك، كما احتملهما في محكي المسالك «1»، نظراً إلى أنّ فعل الولي صادر عن رأيه و اجتهاده، فهو كالآلة، أو إلى أنّ أمر الحاكم كالمباشرة كفعل الولي، فيتحقّق التشريك، و الوجه في العدم عدم استناد القتل إلى الحاكم بوجه؛ لوجود المباشر العالم على ما هو المفروض، و عليه فالظاهر ثبوت الدية على خصوص الولي.

و ممّا ذكر يظهر أنّ الحكم كذلك بطريق أولى فيما إذا كان المباشر عالماً و الحاكم الآذن جاهلًا، و أمّا في صورة العكس فقد صرّح المحقّق في الشرائع بضمان الحاكم «2»، و لعلّ المراد استقرار الضمان عليه، نظراً إلى أنّ ولي الحمل يرجع إلى القاتل أوّلًا، و هو يرجع بعد أداء الدية إليه إلى الحاكم لقاعدة الغرور، فتدبّر.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 255.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 1005.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 345

يستحقّ وليّه و ولي المقتول القصاص، و لو سرى بعد القصاص فالظاهر عدم وجوب شي ء في تركة الجاني، و لو قطع فاقتصّ منه ثم سرت جراحة المجني عليه فلوليّه القصاص في النفس (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو قطع يد رجل و قتل رجلًا آخر فهل يتعيّن أن يكون القطع قبل القتل أم لا؟ فيه وجهان، و استدلّ للأوّل كما في الشرائع «1» و شرحه «2» بأنّ فيه توصّلًا إلى استيفاء الحقّين و جمعاً بينهما، من غير فرق بين تقدّم زمان جناية القطع على زمان جناية القتل و تأخّره. و لكن يمكن المناقشة فيه بأنّ الجمع المذكور لا يقتضي إلّا مجرّد المشروعية و جواز تقدّم القطع على

القتل، و أمّا التعيّن الذي مرجعه إلى وجوب انتظار وليّ المقتول و عدم استيفاء القصاص حتّى يتحقّق قصاص اليد فلا، خصوصاً مع مسامحة المجنيّ عليه في استيفاء القصاص أو غيبته، فإنّه لا دليل على الوجوب المذكور، و إن كان لا يترتّب على مخالفته سوى الإثم و التعزير دون الضمان، إلّا أن هذا المقدار أيضاً يفتقر إلى دليل و هو مفقود، فالمقام نظير ما إذا أخذ بعض الدُّيّان دينه من المفلس الذي لم يحكم عليه بالتفليس بعد، فإنّه يجوز ذلك و إن استلزم ذلك عدم وصول شي ء إلى غيره. نعم حيث يكون القصاص مطلقاً مشروطاً بالاستئذان من الحاكم، يمكن أن يقال: بأنّ الحاكم يؤخّر الإذن في قصاص النفس إلّا أنّ الكلام في لزوم التأخير على الحاكم.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1005.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 257.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 346

..........

______________________________

و بالجملة: الظاهر أنّه لا دليل على لزوم التأخير على وليّ المقتول، فلو قتله قبل القطع لا يترتّب عليه إثم، كما لا يترتّب عليه ضمان، على ما عرفت.

الثاني: ما لو سرى القطع في المجنيّ عليه، و فيه صورتان:

الاولىٰ: ما إذا كانت السراية قبل القصاص بحيث تحقّقت السراية في حال حياة الجاني، و حيث إنّ السراية في هذا الحال تكون مضمونة على ما مرّ سابقاً، فاللّازم حينئذٍ ثبوت قصاص النفس بالإضافة إلى القطع أيضاً، فيصير كما لو قتل رجلين حيث يستحقّ كلّ واحد من الوليّين القصاص في النفس.

الثانية: ما إذا كانت السراية بعد القصاص و موت القاتل و تحقّق القصاص في اليد، و المذكور في الجواهر «1» أنّ فيه أقوالًا ثلاثة:

أحدها: ما حكي عن المبسوط «2» و ظاهر المحقّق في الشرائع «3» من أنّه

يثبت لوليّ المقطوع نصف الدية من تركة الجاني، لأنّ قطع اليد بدل عن نصف الدية، فيثبت النصف الآخر بالسراية.

ثانيها: إنّ لوليّ المقتول بالسراية الرجوع بالدية أجمع، لأنّ للنفس دية على انفرادها، و الذي استوفاه في العمد وقع قصاصاً فلا يتداخل. و حكي عن العلّامة في التحرير «4» انّه اختار هذا القول، و عن كشف اللّثام انّه المشهور «5».

ثالثها: ما استظهره في المتن تبعاً للجواهر، من أنّه لا يثبت للولي في تركة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 325 326.

(2) المبسوط: 7/ 63.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 1005.

(4) تحرير الأحكام: 2/ 256 257.

(5) كشف اللثام: 2/ 469 470.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 347

[مسألة 25 لو هلك قاتل العمد سقط القصاص بل و الدّية]

مسألة 25 لو هلك قاتل العمد سقط القصاص بل و الدّية، نعم لو هرب فلم يقدر عليه حتّى مات ففي رواية معمول بها إن كان له مال أخذ منه و إلّا أخذ من الأقرب فالأقرب، و لا بأس به لكن يقتصر على موردها (1).

______________________________

الجاني شي ء، لأنّ الدية لا تثبت في العمد إلّا صلحاً، و المفروض عدمه، و القصاص قد فات محلّه، و الأولى الاستدلال عليه بأنّ الدليل على ضمان السراية على ما عرفت هو الإجماع، و لم يتحقّق ثبوته مع وقوع السراية بعد موت الجاني، فعدم ثبوت الدية لعدم تحقّق موجبها و عدم الدليل على ضمانها، و هذا القول هو الظاهر.

الثالث: لا إشكال بمقتضى ضمان السراية في أنّه لو قطع يد رجل فسرت حتّى انجرّت إلى الموت في ثبوت قصاص النفس و عدم موضوع لقصاص الطرف، كما أنّه لا إشكال في هذه الصورة في عدم ثبوت قصاصين بعد كون الجناية واحدة، بخلاف ما إذا قطع يد رجل و قتل رجلًا آخر،

كما لا يخفىٰ.

إنّما الإشكال في الفرض المذكور فيما إذا تحقّق قصاص الطرف، ثم سرت و انجرّت إلى الموت، و الظاهر بمقتضى ضمان السراية ثبوت القصاص في النفس. و لا ينافيه القصاص الذي وقع أوّلًا، لعدم كونه مانعاً عن ضمان السراية بوجه، و إن كان لولاه لما كان هناك إلّا قصاص النفس فقط كما عرفت، إلّا أنّه مع وجوده لا دليل على ارتفاع ضمان النفس، و كون الجناية واحدة لا تقتضي ذلك، كما إذا قطع بضربة واحدة اليد و الرجل معاً.

(1) أمّا سقوط القصاص فلانتفاء موضوعه بالهلاك، و أمّا سقوط الدية فقد وقع الخلاف فيه، فالمحكيّ عن مبسوط الشيخ هو السقوط، بل قال أنّه الذي يقتضيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 348

..........

______________________________

مذهبنا «1». و كذا حكي ذلك عن ابن إدريس «2» و المحقّق الكركي «3» و ظاهر العلّامة في المختلف «4» و غاية المراد «5» و مجمع البرهان «6» و بعض آخر «7». لكن المحكي عن العلّامة في كثير من كتبه «8» وجوبها في تركة الجاني، بل قيل: إنّه خيرة الخلاف في أوّل كلامه «9». و البحث فيه تارة من جهة ما هو مقتضى القواعد العامّة و الأدلّة الكلّية الواردة في القصاص، و أُخرى من جهة بعض الروايات الواردة في بعض فروض المسألة.

أمّا من الجهة الأُولىٰ، فالدليل على السقوط ما تقدّم من أنّ الثابت في قتل العمد هو القصاص بنحو التعيّن، و الانتقال إلى الدية إنّما هو في طول القصاص و متوقّف على رضى القاتل أيضاً، فإنّه إذا بذل نفسه لوليّ المقتول لا يكون له غيرها، و لا يجوز إجباره على أداء الدية. و على ما ذكر فما هو الثابت بقتل

العمد قد انتفى موضوعه بالهلاك، و الدّية لم تكن ثابتة حتى تبقى و تتعيّن بانتفاء موضوع القصاص، و الشرط و هو رضا القاتل لا يمكن أن يتحقّق، فلا وجه لثبوتها.

و لكنّه ربّما يستدلّ على الثبوت بقوله تعالىٰ:

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 65.

(2) السرائر: 3/ 329 330.

(3) في جامع المقاصد: 5/ 394 خلافه، حيث قال: «وجبت الدية كما لو هرب القاتل عمداً أو مات».

(4) ظاهره بل صريحه في المختلف: 9/ 298 299 مسألة 9، ثبوت الدية.

(5) غاية المراد: 360 361.

(6) مجمع الفائدة و البرهان: 13/ 412.

(7) كشف الرموز: 2/ 622.

(8) كتبصرة المتعلّمين: 198 و إرشاد الأذهان: 2/ 198 و مختلف الشيعة: 9/ 298 299 مسألة 9.

(9) الخلاف: 5/ 184 185 مسألة 50.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 349

..........

______________________________

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «1»، نظراً إلى أنّ الحكم بسقوط الدية أيضاً مستلزم لسلب سلطانه مطلقاً، و بما ورد في الروايات المتقدّمة من قولهم (عليهم السّلام): «لا يبطل دم امرئ مسلم» «2»، و بأنّه كمن قطع يد رجل و لا يد له، فانّ عليه الدية فكذا النفس.

و يرد على الأوّل ظهور كون المراد من السلطان في الآية هو السلطان على القتل، و يدلّ عليه تفريع قوله تعالىٰ فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ، و عليه فهذه الآية إنّما تكون كسائر آيات القصاص، و لا تعرّض فيها لمسألة الدية بوجه.

و على الثاني مضافاً إلى منع اقتضائه لثبوت الدّية في مال الجاني، بل يمكن أن تكون ثابتة في بيت المال، و يؤيّده وقوعه تعليلًا في كثير من الروايات للحكم بالثبوت في بيت المال، و عليه فلا ينطبق الدليل على المدّعىٰ أنّه لا يعلم شموله للمقام الذي كان

الجاني باذلًا نفسه للقصاص، و قد تمهّدت مقدّماته، لكن الموت العارض للقاتل منع عن تحقّقه، فتدبّر.

و على الثالث أنّه قياس، مضافاً إلى كونه مع الفارق، لوجود الجاني في المقيس عليه و كون أداء الدية من ماله، و هذا بخلاف المقام الذي يكون الأداء من مال الوارث، فافهم.

و أمّا من الجهة الثانية، فقد روى الكليني عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قتل رجلًا متعمّداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أُخذت الدية من ماله و إلّا فمن الأقرب فالأقرب، فإن لم

______________________________

(1) الإسراء 17: 33.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 52، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب 29 ح 1 و ب 46 ح 2 وص 104 أبواب دعوى القتل ب 2 ح 1 وص 109 ب 6 ح 1 وص 111 ب 8 ح 3، و غيرها من الروايات.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 350

..........

______________________________

يكن له قرابة أدّاه الإمام، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم. و رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن علي بن فضال، عن ظريف بن ناصح، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) مثله إلى قوله: الأقرب فالأقرب «1».

و روى ابن أبي نصر، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل قتل رجلًا عمداً ثم فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات، قال: إن كان له مال أُخذ منه، و إلّا أخذ من الأقرب فالأقرب «2». و حيث إنّ ابن أبي نصر البزنطي لا يمكن له

النقل عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) من دون واسطة فلا بدّ إمّا أن يلتزم بكون الرواية مرسلة، و إمّا أن يقال بأنّ المراد هو أبو جعفر الجواد (عليه السّلام).

و البحث في الروايات يقع من جهات:

الأولىٰ: أنّه لا محيص عن الأخذ بمقتضى هذه الروايات في الجملة، و إن كان مخالفاً للقاعدة على ما عرفت، و ذلك لاعتبار بعضها في نفسه، و انجبار البعض الآخر بفتوى المشهور و استناد جلّ الأصحاب إليها. فقد حكي عن غاية المراد «3» و المسالك «4» و التنقيح «5» نسبة مفادها إلى الأصحاب تارة، و إلى أكثرهم أُخرى، بل عن الغنية الإجماع عليه «6»، و إن كان إسناد المحقّق في الشرائع «7» ذلك إلى الرواية يشعر بتردّده فيه، و لكنّ الظاهر أنّه لا محيص عن الأخذ به و الفتوى على طبقه، كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 302، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 4 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 303، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب 4 ح 3.

(3) غاية المراد: 361 (مخطوط).

(4) مسالك الأفهام: 15/ 261 262.

(5) التنقيح الرائع: 4/ 447.

(6) غنية النزوع: 405.

(7) شرائع الإسلام: 4/ 1005.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 351

..........

______________________________

لا يخفىٰ. فلا وجه لما عن السرائر من أنّ موجب القتل العمد، القود دون الدّية، فإذا فات محلّه و هو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل، و انتقاله إلى مال الذي للميّت أو إلى مال أوليائه حكم شرعي يحتاج مثبتة إلى دليل شرعي و لن يجده أبداً، و هذه أخبار آحاد و شواذ أوردها شيخنا في نهايته إيراداً لا اعتقاداً؛ لأنّه رجع عن هذا القول في مسائل خلافه و أفتى بخلافه، و هو الحقّ اليقين

«1».

و ذلك لاعتبار بعض هذه الروايات بنفسها و بعضها بالانجبار، و قد ثبت في محلّه عدم اختصاص الحجّية بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة، فلا مجال لمثله.

الثانية: الظاهر أنّ مورد رواية أبي بصير كما عرفت هو مجرّد الهرب بنحو لا يقدر عليه، و لم يقع فيه التقييد بالموت، و يدلّ عليه مضافاً إلى ظهوره فيه لعدم التعرّض للموت ما ذكره في الوسائل بعد نقل الرواية بالنحو المذكور من قوله: قال الكليني: و في رواية أُخرى: ثم للوالي بعد حبسه و أدبه «2»، فإنّ ظاهره فرض حياة القاتل و أدبه و حبسه بعد الرّجوع عن الفرار و أخذ الدية من ماله أو مال أقربائه، و عليه فتصير رواية أبي بصير قرينة على أنّ فرض الموت في رواية ابن أبي نصر لا دخالة له في الحكم المذكور فيها، بل الموضوع للحكم هو مجرّد الفرار بنحو لا يقدر عليه، لأنّ الجمع بين الروايتين ينحصر بهذا الطريق، و حينئذٍ يقع الإشكال في أمرين:

أحدهما: أنّ المحقّق في الشرائع نقل رواية أبي بصير بنحو يشتمل على ذكر

______________________________

(1) السرائر: 3/ 330.

(2) الكافي: 7/ 365 ذيل ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 352

..........

______________________________

الموت، حيث قال: و في رواية أبي بصير: إذا هرب فلم يقدر عليه حتّى مات أُخذت من ماله، و إلّا فمن الأقرب فالأقرب «1». مع أنّك عرفت خلوّها عنه في جميع أنحاء طرق نقلها.

ثانيهما: أنّ ظاهر الأصحاب حيث قيّدوا الموضوع بالموت مدخليّته في الحكم، بحيث لو كان الهرب بالنحو المذكور خالياً عن الموت لا تثبت الدية بوجه، فإن كان مستندهم فهمهم من رواية أبي بصير ذلك فيرد عليه عدم دلالتها عليه أصلًا، و إن كان اقتضاء

الجمع بين الروايتين فقد عرفت أنّ مقتضى الجمع الحكم بعدم مدخلية الموت المذكور في الرواية الثانية، خصوصاً بعد عدم إمكان إضافة الموت إلى الأُولى، لما عرفت من الوسائل. و على ما ذكرنا فلا محيص بعد لزوم الأخذ بالروايتين عن الحكم بثبوت الدية بمجرّد الهرب بنحو لا يقدر عليه، و يساعده الاعتبار أيضاً، فإنّ الحكم بلزوم الانتظار إلى سنين بل عشرات السنين أحياناً لا يناسب أصل جعل الحكم، كما لا يخفىٰ.

الثالثة: لو قلنا بأنّ مورد الروايتين مقيّد بما إذا وقع الموت، كما هو ظاهر المتن تبعاً للمشهور، فهل يكون الحكم بثبوت الدية منحصراً بموردهما، أو يتعدّى عنه إلى جميع موارد تعذّر القصاص و تحقّق الموت بعده؟ كما إذا امتنع من استيفاء القصاص عنه مثلًا.

الظاهر هو الأوّل، لأنّ الحكم في الروايتين على خلاف القاعدة، لأنّ مقتضاها على ما عرفت عدم ثبوت الدية بوجه، و الاستدلال في ذيل رواية أبي بصير بقوله (عليه السّلام): «فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم» إنّما هو على الثبوت في بيت المال بعد

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1005.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 353

[مسألة 26 لو ضرب الوليّ القاتل و تركه ظنّاً منه أنّه مات فبرأ]

مسألة 26 لو ضرب الوليّ القاتل و تركه ظنّاً منه أنّه مات فبرأ، فالأشبه أن يعتبر الضرب، فإن كان ضربه ممّا يسوغ له القتل و القصاص به لم يقتصّ من الوليّ، بل جاز له قتله قصاصاً، و إن كان ضربه ممّا لا يسوغ القصاص به كأن ضربه بالحجر و نحوه كان للجاني الاقتصاص، ثم للوليّ أن يقتله قصاصاً أو يتتاركان (1).

______________________________

الفراغ عن أصل الثبوت، لا على أصل الثبوت. و من الواضح لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على خصوص مورده، فلا مجال للتعدّي، كما أفاده

في المتن.

(1) الظاهر أنّ التفصيل المذكور في المتن بقرينة عدم الإشارة إلى وجود نصّ معتبر في المسألة و بقرينة التعبير بالأشبه إنّما هو بلحاظ القاعدة، و يؤيّده أنّ المحقّق في الشرائع «1» بعد ذكر مفاد الرواية و الحكم بضعفها و إرسالها جعل الأقرب هذا التفصيل، و عليه فالكلام في المسألة يقع في مقامين:

الأوّل: فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الرواية الواردة، و نقول: ظاهر المتن تبعاً للشرائع هو أنّ مقتضاها التفصيل، نظراً إلى أنّه إن كان ضربه بما كان له الاقتصاص به، بأن اقتصّ منه بالسيف بضربة بالعنق، فظنّ أنّه أبانه بضربة، على ما تقدّم في بعض المسائل السابقة «2» في كيفية الاستيفاء من عدم جواز الاقتصاص بأيّة كيفية شائها المقتصّ حتّى و لو كانت مماثلة لكيفية الجناية، بل الظاهر لزوم وقوعه بالنحو المتعارف الذي كان هو القطع أي قطع العنق بالسيف في تلك الأزمنة و أمر آخر يتحقّق بالوسائل الجديدة في هذه الأزمنة.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1006.

(2) تقدّم في ص 310 311، الجهة الثالثة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 354

..........

______________________________

و كيف كان فلو كان ضربه بالنحو المشروع و المجاز لكن ظنّ الموت فانكشف عدمه، فالظاهر أنّه لا مجال للاقتصاص من المقتصّ لعدم كون عمله عدواناً و ظلماً، و موجب القصاص هي الجناية غير المشروعة. و أمّا إن كان ضربه بما ليس له الاقتصاص به، فالضرب المذكور يكون غير مجاز فيترتّب عليه القصاص، لكن يرد عليه أنّ الضرب المذكور و إن كان غير مجاز و لا مشروع إلّا أنّ الظاهر عدم ترتّب الضمان عليه بوجه، بل غايته ترتّب مجرّد الإثم و التعزير عليه، و لا ملازمة بين عدم الجواز و

بين ثبوت الضمان، و قد تقدّم سابقاً أنّ مخالفة الكيفية المعتبرة في الاستيفاء لا يوجب القصاص، فلو ضربه بالعصا حتّى مات تحقّق الإثم و التعزير فقط.

و حينئذٍ فأيّ فرق بينه و بين ما إذا ضربه بالعصا فظنّ الموت ثم انكشف الخلاف، خصوصاً مع كون ساعات الضرب و مقداره أقلّ، و مع كون الضرب بالعصا في كلتا الصورتين بقصد القصاص و بعنوان التأثير في الموت، فهل فرق حينئذٍ بين ما إذا ترتّب عليه الموت و ما إذا لم يترتّب؟ فكما أنّه لا يترتّب القصاص في تلك الصورة كذلك لا مجال لترتّبه في هذه الصورة، فالإنصاف أنّ مقتضى القاعدة عدم القصاص في كلتا صورتي المسألة.

الثاني: في الرواية الواردة في المسألة، و هي ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبان بن عثمان، عمّن أخبره، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: أُتي عمر بن الخطاب برجل قد قتل أخا رجل، فدفعه إليه و أمره بقتله، فضربه الرجل حتّى رأى أنّه قد قتله، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه فبرأ، فلمّا خرج أخذه أخو المقتول الأوّل، فقال: أنت قاتل أخي و لي أن أقتلك، فقال: قد قتلتني مرّة، فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله، فخرج و هو يقول: و اللّٰه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 355

..........

______________________________

قتلتني مرّة، فمرّوا على أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأخبره خبره، فقال: لا تعجل حتّى أخرج إليك، فدخل على عمر فقال: ليس الحكم فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن؟ فقال: يقتصّ هذا من أخي المقتول الأوّل ما صنع به ثم يقتله بأخيه، فنظر الرجل أنّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه، فعفا

عنه و تتاركا. و رواه الشيخ بإسناده عن علي ابن مهزيار، عن إبراهيم بن عبد اللّٰه، عن أبان بن عثمان، و رواه الصدوق بإسناده عن أبان بن عثمان «1».

و قد مرّ أنّ المحقّق (قدّس سرّه) في الشرائع حكم بضعف أبان و إرسال الرواية.

أقول: أمّا ضعف أبان فمنشأه ما في الكشّيّ من أنه من الناووسية «2» و هي الفرقة المطعونة، مع أنّ مجرّد فساد العقيدة على تقدير ثبوته لا يستلزم الضعف، خصوصاً مع كون الحاكي لهذه الجهة ابن فضال الذي هو مثله في فساد العقيدة، مضافاً إلى أنّ المحكي عن المقدس الأردبيلي «3» أنّ الموجود في نسخة الكشّي التي كانت عنده هو أنّه من القادسية قرية معلومة، و إلى معارضته بما عن نفس الكشي «4» من كونه من أصحاب الإجماع، و قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، فالحكم بضعف أبان لا مجال له أصلًا.

و أمّا الإرسال فيمكن منع قدحه، إمّا لأجل اقتضاء كونه من أصحاب الإجماع صحّة ما صحّ عنه، و إن كان نقله مرسلًا أو عن ضعيف. و في المقام و إن كان نقل الكليني مرسلًا، و لازمه عدم تحقّق الصحّة عنه، إلّا أنّ النقلين الآخرين خاليين

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 94، أبواب القصاص في النفس ب 61 ح 1.

(2) رجال الكشي: 352، الرقم 660.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 9/ 323.

(4) رجال الكشي: 375، الرقم 705.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 356

..........

______________________________

عن هذا الإرسال. و إمّا لأجل ظهور نقل غير الكليني في عدم الإرسال، كما حكاه صاحب الجواهر «1»، و إمّا لأجل انجباره بالعمل نظراً إلى عمل ابن إدريس «2» به، و نسبة العمل به إلى الشيخ «3» و

أتباعه «4»، و إلى ما ذكره صاحب الجواهر أيضاً من أنّ تفصيل المحقّق و من تأخّر عنه لا يخلو عن العمل بالخبر المزبور في الجملة لاقتضاء الإعراض عنه عدم ضمان شي ء من الجراحات هنا، لا قصاصاً و لا دية «5».

و لكنّ الظاهر بطلان جميع هذه الوجوه:

أمّا الوجه الأوّل: فلما مرّ في كتاب الحدود «6» من عدم اقتضاء كون الرجل من أصحاب الإجماع إلّا مجرّد وثاقته و كونه معتمداً عليه، و أمّا صحّة روايته و إن كان نقله مرسلًا أو عن ضعيف فلا، فالامتياز لهؤلاء إنّما هو في مجرّد الاتفاق على وثاقتهم و الاعتماد عليهم.

و أمّا الوجه الثاني: فالظاهر كما عرفت من الوسائل اشتراك الطرق في الإسناد إلى أبان، و تحقّق الإرسال بعده، فالرواية مرسلة على جميع الطرق.

و أمّا الوجه الثالث: فالدليل عليه ما عرفت من المحقّق من أنّه بعد طرح الرواية جعل الأقرب هو التفصيل المذكور، و ظاهره كون التفصيل موافقاً للقاعدة عنده، فلا مجال لدعوى استناد التفصيل إلى الرواية و كونه عملًا بها و لو في الجملة،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 342، و المحكي عنه هو الطباطبائي في رياض المسائل: 10/ 347.

(2) السرائر: 3/ 405.

(3) النهاية: 774 775.

(4) الوسيلة: 438.

(5) جواهر الكلام: 42/ 341.

(6) مرّ في تفصيل الشريعة، كتاب الحدود: 353 357.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 357

[مسألة 27- لو قطع يده فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس]

مسألة 27- لو قطع يده فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس، و هل هو بعد ردّ دية اليد أم يقتل بلا ردّ؟ الأشبه الثاني، و كذا لو قتل رجل صحيح رجلًا مقطوع اليد قتل به، و في رواية: إن قطعت في جناية جناها أو قطع يده و أخذ ديتها يردّ

عليه دية يده و يقتلوه، و لو قطعت من غير جناية و لا أخذ لها دية قتلوه بلا غرم، و المسألة مورد إشكال و تردّد، و الأحوط العمل بها، و كذا الحال في مسألة أُخرى بها رواية، و هي لو قطع كفّاً بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع، فإنّها مشكلة أيضاً (1).

______________________________

و يؤيّده عدم إشارة المتن إلى وجود رواية في المسألة كما مرّ.

فالإنصاف أنّه لا مجال للأخذ بالرواية لضعفها و عدم الجابر لها بوجه، فاللّازم الأخذ بالقاعدة، و قد عرفت أنّ مقتضاها عدم القصاص مطلقاً.

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة، و مقتضى القاعدة في جميعها مع قطع النظر عن الروايتين الواردتين في الفرعين الأخيرين أنّ نقص المقتول أو المقطوع لا يقدح في أصل القصاص بوجه. فما ذكره الشيخ احتمالًا، من سقوط القصاص رأساً و ثبوت نصف الدية في الفرع الأوّل، نظراً إلى أنّ القتل بعد القطع بمنزلة السراية، فهو كالجناية الواحدة إذا عفا عن بعضها، فيسقط القصاص عن جميعها «1» في غاية الضعف، لأنّه لا مجال لنفي القصاص مع ثبوت موجبه، و هو إزهاق نفس معصومة عدواناً و ظلماً.

كما أنّ ما ذكره ابن إدريس في الفرع الأخير من أنّه لا خلاف بيننا أنه لا يقتصّ العضو الكامل للناقص إلى أن قال: و الأولى الحكومة في ذلك و ترك القصاص

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 67.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 358

..........

______________________________

و أخذ الأرش «1»، لا سبيل له أيضاً، لعين ما ذكرنا من ثبوت موجب القصاص في الطرف و هو قطع العضو عدواناً و ظلماً، فالإنصاف أنّه لا مجال للحكم بعدم ثبوت القصاص في شي ء من الفروع الثلاثة.

كما أنّ مقتضى القاعدة في

الجميع الثبوت من غير ردّ شي ء لظهور أدلّته و عموماته كتاباً و سنّة في ثبوته و عدم لزوم ردّ شي ء أصلًا.

و أمّا الرواية الواردة في الفرع الثاني فهي رواية سورة بن كليب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن رجل قتل رجلًا عمداً، و كان المقتول أقطع اليد اليمني؟ فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن (أو ظ) كان أخذ دية يده و يقتلوه، و إن شاؤوا طرحوا عنه دية يد و أخذوا الباقي، قال: و إن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه، و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله و لا يغرم شيئاً، و إن شاؤوا أخذوا دية كاملة، قال و هكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السّلام) «2».

و الكلام في الرواية تارة من جهة اعتبارها في موردها، و أُخرى بعد فرض الاعتبار في المورد في شمولها للفرع الأوّل من جهة الحكم بلزوم الردّ، فنقول:

أمّا من الجهة الأُولىٰ فهي ضعيفة بسورة، لعدم توثيقه قطعاً، و عدم مدحه ظاهراً. و ما ذكره الكشي «3» فيه ممّا يدلّ على مدحه يكون الناقل له شخص هذا الرجل، و الانجبار بالشهرة غير معلوم؛ لعدم ثبوت الشهرة الفتوائية حتى تكون

______________________________

(1) السرائر: 3/ 404.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 82، أبواب القصاص في النفس ب 50 ح 1.

(3) رجال الكشي: 376، الرقم 706.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 359

..........

______________________________

جابرة، و عمل ابن إدريس الذي لا يعمل إلّا بالقطعيات لا يوجب الجبر. فالرواية من جهة

ضعف السند و عدم الجابر لا تكون حجّة في موردها فضلًا عن غيره، و توصيفها بكونها حسنة كما في محكي المسالك «1» و قد ارتضاه صاحب الجواهر «2» لا مجال له.

و أمّا من الجهة الثانية، فالحكم بلزوم ردّ دية اليد عند الاقتصاص من القاتل في الفرع الأوّل انّما يبتنى على كون العفو أي إسقاط حق القصاص في اليد مجاناً من مصاديق أخذ دية اليد، مع أنّه ممنوع جدّاً لعدم صدق أخذ الدية على العفو بوجه.

و دعوى كونه أخذ العوض الذي هو الثواب بل يظهر من غير المقام تنزيل العفو منزلة الأداء، مدفوعة بعدم كون ذلك مساعداً لما هو المتفاهم عند العرف، مضافاً إلى أنّ العفو قد لا يكون لغرض الثواب أصلًا، و التنزيل لا دليل على شموله لمثل المقام أيضاً.

فالإنصاف أنّ الرواية تدلّ على الفرع الأوّل بمقتضى ذيلها، باعتبار عدم كون العفو من مصاديق القطع في جناية جناها على نفسه الذي هو بمعنى القصاص، لأنّ الجاني المستحقّ للقصاص قد جنى على نفسه و عدم كونه من مصاديق أخذ دية اليد، فيجوز الاقتصاص من دون غرامة شي ء، كما أنّه على تقدير أخذ الدية من القاتل تؤخذ دية كاملة. نعم لا ينبغي ترك الاحتياط في الأخذ بالرواية.

و أمّا الرواية الواردة في الفرع الثالث، فهي ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش، عن أبي جعفر

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 265.

(2) جواهر الكلام: 42/ 337.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 360

..........

______________________________

الثاني (عليه السّلام) قال: قال أبو جعفر الأوّل (عليه السّلام) لعبد اللّٰه بن عبّاس: يا ابن عباس أنشدك اللّٰه هل في حكم اللّٰه اختلاف؟ قال:

فقال: لا، قال: فما تقول في رجل قطع رجل أصابعه بالسيف حتّى سقطت فذهبت، و أتى رجل آخر فأطار كفّ يده فأتى به إليك و أنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفّه، و أقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت و ابعث إليهما ذوي عدل. فقال له: قد جاء الاختلاف في حكم اللّٰه و نقضت القول الأوّل، أبى اللّٰه أن يحدث في خلقه شيئاً من الحدود و ليس تفسيره في الأرض، اقطع يد قاطع الكفّ أصلًا، ثم أعطه دية الأصابع، هذا حكم اللّٰه «1».

و الرواية ضعيفة من حيث السند بابن العبّاس بل و بسهل، و لا جابر له، و إن ادّعاه صاحب الجواهر «2» نظراً إلى عمل الشيخ «3» و المحقّق «4» و بعض آخر بها «5» و إلى ما في غاية المراد «6» و المسالك «7» من أنّه عمل بها الأكثر، و ذلك لعدم تحقّق الشهرة بنحو تكون جابرة، و عليه فاللّازم الأخذ بمقتضى القاعدة، و إن كان مقتضى الاحتياط الأخذ بالرواية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 129، أبواب قصاص الطرف ب 10 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 42/ 338.

(3) النهاية: 774.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 1006.

(5) كالعلّامة في التحرير: 2/ 256، و الإرشاد: 2/ 199.

(6) غاية المراد: 364.

(7) مسالك الأفهام: 15/ 266.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 361

[القسم الثاني في قصاص ما دون النفس]

اشارة

القسم الثاني في قصاص ما دون النفس (1)

______________________________

(1) جعل العنوان ما دون النفس أولى من جعله الطرف كما في الشرائع «1»، لشموله لغير الأطراف المشهورة من البطن و الظهر و نحوهما. و الدليل على ثبوت القصاص في هذا القسم عموم مثل قوله تعالىٰ وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «2» بعد التعرّض لثبوته

في العين و الأنف و الأُذن و السنّ، مضافاً إلى الروايات المتواترة الآتية أكثرها، و إلى أنّه لا خلاف فيه من حيث الفتوى، بل كما في الجواهر «3» الإجماع بقسميه عليه، كما أنّه لا إشكال في أنّ الموجب له خصوص الجناية العمدية، لدلالة الروايات عليه.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1006.

(2) المائدة 5: 45.

(3) جواهر الكلام: 42/ 343.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 362

[مسألة 1 الموجب له ها هنا كالموجب في قتل النفس]

مسألة 1 الموجب له ها هنا كالموجب في قتل النفس، و هو الجناية العمدية مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت، فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد، قصد الإتلاف به أولا، و لو جنى بما لا يتلف به غالباً فهو عمد مع قصد الإتلاف و لو رجاءً (1).

[مسألة 2 يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس]

مسألة 2 يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس من التساوي في الإسلام و الحرّية و انتفاء الأبوّة و كون الجاني عاقلًا بالغاً، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس (2).

______________________________

(1) قد مرّ مقتضى التحقيق في معنى العمد في أوّل كتاب القصاص و أنّه يعتبر فيه أحد أمرين على سبيل منع الخلو، إمّا كون الآلة مؤثِّرة في القتل هناك و في تلف العضو هنا بحسب النوع و الغالب، سواء كان مقروناً بقصد القتل أو الإتلاف أم لم يكن كذلك؛ و إمّا كون العمل مقروناً بالقصد المذكور و إن لم تكن الآلة مؤثِّرة في تحقّق المقصود غالباً، غاية الأمر تعلّق القصد به رجاء و احتمالًا، كالضرب بالعصا مع قصد القتل ثم تحقّقه.

(2) الدليل على اعتبار الشرائط المذكورة هناك في المقام مضافاً إلى إطلاق بعض الأدلّة النافي لعدم القود في الوالد بالنسبة إلى ولده، أو المسلم بالإضافة إلى الذمّي مثلًا الشامل للقصاص في الطرف أيضاً، التصريح بذلك في بعض الروايات، مثل ما في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) من قوله: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات، و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 127 128، أبواب قصاص الطرف ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 363

[مسألة 3 لا يشترط التساوي في الذكورة و الأُنوثة]

مسألة 3 لا يشترط التساوي في الذكورة و الأُنوثة، فيقتصّ فيه للرجل من الرجل و من المرأة من غير أخذ الفضل، و يقتصّ للمرأة من المرأة و من الرجل لكن بعد ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ (1).

[مسألة 4 يشترط في المقام زائداً على ما تقدّم التساوي في السلامة من الشلل]

مسألة 4 يشترط في المقام زائداً على ما تقدّم التساوي في السلامة من الشلل و نحوه على ما يجي ء أو كون المقتصّ منه أخفض، و التساوي في الأصالة و الزيادة و كذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه، فلا تقطع اليد الصحيحة مثلًا بالشلّاء و لو بذلها الجاني، و تقطع الشلّاء بالصحيحة، نعم لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية (2).

______________________________

(1) قد تقدّم البحث في هذه المسألة مفصّلًا في المسألة الثانية من مسائل الشرائط المعتبرة في قصاص النفس، فراجع.

(2) أمّا اعتبار التساوي في السلامة من الشلل و عدم قطع اليد الصحيحة مثلًا بالشلّاء، و الرجل الصحيحة كذلك بالعرجاء فهو المشهور، بل ادّعى في الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه «1»، بل حكى الإجماع عن ظاهر بعض الكتب بل صريحه «2»، و اللّازم إقامة الدليل عليه بعد اقتضاء قوله تعالىٰ وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «3» لثبوت القصاص في المقام كثبوته في القتل، حيث لا فرق فيه بين كون المقتول صحيحاً بأعضائه و جوارحه أو غير صحيح كذلك.

فنقول: يمكن الاستدلال على تخصيص عموم الآية بأُمور ثلاثة:

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 348.

(2) في ظاهر المبسوط: 7/ 80، و صريح الخلاف: 5/ 194 مسألة 61.

(3) المائدة 5: 45.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 364

..........

______________________________

أحدها: قوله تعالىٰ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «1» نظراً إلى ظهوره في لزوم المماثلة و هي غير متحقّقة في

المقام؛ لعدم كون قطع اليد الصحيحة مماثلًا لقطع اليد الشلّاء، فاللّازم الرجوع إلى الدية.

و يرد عليه: أنّ المراد من المماثلة في الآية هي المماثلة في أصل الاعتداء، لا المماثلة في الكيفية، فلا دلالة له على جواز الشتم في مقابل الاعتداء بالشتم، و جواز الغصب مثلًا في مقابل الاعتداء بالغصب، بل مفاده عدم كون الاعتداء بلا جواب، بل يجري في مقابله الجزاء و العقوبة، و أمّا كيفيتها فلا دلالة له عليه، و عليه فلا ينافي الآية المتقدّمة الدالّة بعمومها على ثبوت القصاص في المقام.

ثانيها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن حمّاد بن زياد، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل قطع يد رجل شلّاء، قال: عليه ثلث الدية «2».

و ضعف السند بحمّاد، حيث إنّه مجهول و لم يذكر بتوثيق و لا مدح، و رواية الحسن عنه لا تدلّ على الوثاقة بوجه ينجبر باستناد المشهور إليها في مقابل القاعدة المقتضية للقصاص، لكن الكلام في الدلالة، فنقول: الظاهر أنّ المراد من الدية المضاف إليها الثلث هي دية يد واحدة صحيحة التي هي نصف الدية الكاملة، و عليه فدية اليد الشلّاء سدس الدية الكاملة، و يدلّ على ذلك الرواية الآتية الصريحة في أنّ دية الأصابع الشلل ثلث دية الصحاح منها.

و أمّا الاستدلال بالرواية فيبتني على ثبوت الإطلاق لها، بأن كان المراد ثبوت

______________________________

(1) البقرة 2: 194.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص؛ ص: 364

(2) وسائل الشيعة: 19/ 253، أبواب ديات الأعضاء ب

28 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 365

..........

______________________________

الدية مطلقاً، سواء أراد المجني عليه القصاص أم لم يرد ذلك، فيرجع ذلك إلى نفي ثبوت القصاص في مورد السؤال. و قد استفاد الأصحاب من الرواية هذا المعنى، و لذا أفتوا بخلاف ما هو مقتضى عموم دليل القصاص، و لكنّ الظاهر أنّ ثبوت الإطلاق للرواية مبنيّ على كونها في مقام البيان من هذه الجهة، مع أنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد بيان مقدار دية اليد الشلّاء من غير نظر إلى ثبوت القصاص و عدمه، و ليس في السؤال ما يدلّ بظاهره على كون محطّه هو السؤال عن ثبوت القصاص و عدمه، و إلّا كان المناسب التعرّض لذلك لا تعيين مقدار الدية، خصوصاً مع عدم التصريح في السؤال بكون يد القاطع صحيحة، و استناد المشهور إلى الرواية و إن كان جابراً لضعفها و مخرجاً لها عن عدم الحجية إليها إلّا أنّ فهم المشهور و استفادتهم من الرواية شيئاً لا دليل على حجيته بوجه.

ثالثها: رواية الحسن بن صالح قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن عبد قطع يد رجل حرّ و له ثلاث أصابع من يده شلل، فقال: و ما قيمة العبد؟ قلت: اجعلها ما شئت، قال: إن كانت قيمة العبد أكثر من دية الإصبعين الصحيحتين و الثلاث الأصابع الشلل ردّ الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة و أخذ العبد، و إن شاء أخذ قيمة الإصبعين الصحيحتين و الثلاث الأصابع الشلل، قلت: و كم قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ و الثلاث الأصابع الشلل؟ قال: قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ ألفا درهم؛ و قيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكف ألف درهم،

لأنّها على الثلث من دية الصحاح، قال: و إن كانت قيمة العبد أقلّ من دية الإصبعين الصحيحتين و الثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه و يأخذ العبد «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 253، أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 366

..........

______________________________

و تقريب الاستدلال بها و كذا الجواب عنه ما تقدّم في الرواية السابقة، و يؤيّد عدم كون الرواية متعرّضة للقصاص بوجه اشتمال اليد المقطوعة على إصبعين صحيحتين، لأنّه من البعيد كون الثلاث الأصابع الشلل مانعاً عن جريان القصاص فيهما و كونهما محكومين بحكمها، كما لا يخفىٰ.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تماميّة شي ء من الأُمور الثلاثة التي استدلّ بها على أنّه لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلّاء، و عليه فتصير المسألة مشكلة جدّاً من جهة ما ذكرنا، و من جهة أنّه لم يحك خلاف و لو من أحد في المسألة. و قد عرفت أنّ ظاهر الجواهر كون المسألة مفروغاً عنها عندهم، و مقتضى الاحتياط أيضاً ما ذكره الأصحاب.

ثمّ إنّه يرد عليهم أنّه لو سلّمنا دلالة الروايتين فغاية مدلولهما عدم قطع اليد الصحيحة باليد الشلّاء، و أمّا شمول الحكم لسائر الأعضاء و الأطراف بحيث يستفاد منهما قاعدة كلّية و هي اعتبار التساوي في السلامة من الشلل و نحوه بحيث لا يجوز قطع الرجل الصحيحة بالرجل العرجاء كما مثّلنا به أيضاً في أوّل البحث فلا شاهد له، لأنّه بعد كون الحكم في الروايتين على خلاف القاعدة المقتضية للقصاص فاللّازم الاقتصار على خصوص موردهما كما في نظائر المسألة، و على ما ذكرنا تصير توسعة الحكم كأصله مورداً للإشكال أيضاً، فتدبّر.

ثم إنّه وقع

في المتن و نحوه تعميم الحكم بعدم جواز قطع الصحيحة بالشلّاء لصورة ما إذا بذلها الجاني أيضاً، و الغرض إنّ بذل الجاني و رضاه بالقطع لا يؤثِّر في الجواز، فإنّه كما لا يجوز للإنسان أن يقطع شيئاً من أعضاء بدنه كذلك لا يجوز له بذله لقطع غيره مع عدم كون القطع مجازاً و مشروعاً، و في المقام يكون الثابت خصوص الدية. و منه يظهر عدم استيفائه بغيرها و لا يكون البذل مؤثِّراً في تحقّق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 367

[مسألة 5 المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة]

مسألة 5 المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة و لم تعمل عملها و لو بقي فيها حسّ و حركة غير اختيارية، و التشخيص موكول إلى العرف كسائر الموضوعات، و لو قطع يداً بعض أصابعها شلّاء ففي قصاص اليد الصحيحة تردّد، و لا أثر للتفاوت بالبطش و نحوه فتقطع اليد القوية بالضعيفة، و اليد السالمة باليد البرصاء و المجروحة (1).

______________________________

الاستيفاء، كما أنّه لا يبعد دعوى ثبوت القصاص مع قطع يد الجاني الصحيحة، لأنّه قطع عدواني موجب للقصاص، إلّا أن يقال: بأنّ البذل الملازم للرضا بقطعه من دون قصاص يمنع عن ثبوته، فتدبّر.

بقي في المسألة أمر واحد، و هو أنّه لا مانع من قطع اليد الشلاء بالصحيحة؛ لعدم اقتضاء شي ء من الأدلّة اعتبار التساوي في السلامة من الشلل في كلّ من الطرفين، بل غاية مفادها اعتباره من ناحية المقتصّ منه، و عليه فمقتضى عموم دليل القصاص ثبوته هنا. و الظاهر أنّه لا يضمّ إليها أرش، كما في اقتصاص وليّ الرجل من المرأة في باب القتل. و ما في جملة من الروايات من أنّ الجاني لا يجني على أكثر من

نفسه «1» يجري في المقام أيضاً.

ثم إنّه وقع استدراك هذا الحكم في مثل المتن، بما لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها بالاحتمال العقلائي المعتدّ به، و الوجه فيه لزوم التحفّظ على النفس التي هي أهمّ من الطرف في الشرع، فاللّازم الرجوع إلى الدية. و الظاهر سقوط القطع في هذه الصورة في باب الحدود أيضاً، كالسرقة و المحاربة.

(1) غير خفيّ أنّ عنوان «الشلل» المأخوذ في النصّ و الفتوى، إنّما هو كسائر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 59 و 61 و 62، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1 و 10 و 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 368

..........

______________________________

العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام يرجع في معناه إلى العرف، فالتشخيص موكول إليه فقط، و عليه فالظاهر أنّ معناه عند العرف هو الحدّ المتوسط بين موت اليد الذي يوجب عدم تحقّق شي ء من آثار الحياة فيها، و بين ضعفها الموجب لثبوت حركة ضعيفة فيها، فمعناه هو ما في المتن من اليبس بحيث تخرج عن الطاعة و لم تعمل عملها، و لو بقي فيها حسّ و حركة اختيارية.

ثم إنّه لو قطع يداً أي كفّاً مشتملًا على الأصابع لكن كان بعض الأصابع شللًا، ففي محكيّ القواعد «1» و كشف اللثام «2» بل المبسوط «3» انّه لم يقتصّ من الجاني الصحيح الأصابع في الكفّ، بل في أربع أصابع الصحيحة، و يؤخذ منه ثلث دية إصبع صحيحة عوضاً عن الشلاء، و حكومة ما تحتها و ما تحت الأصابع الأربع من الكفّ.

أقول: قد ورد في هذا الفرع رواية حسن بن صالح المتقدّمة في المسألة السابقة، فإن عملنا بتلك الرواية و قلنا بظهورها في نفي القصاص، فاللّازم الحكم بعدم

ثبوت القصاص في الأصابع الصحيحة أيضاً؛ لدلالتها عليه على هذا الفرض، و إلّا فلا دليل على عدم ثبوت القصاص حتّى في الكفّ أيضاً، لأنّ كون بعض الأصابع شلّاء لا يقتضي صدق كون اليد كذلك، و المأخوذ في الفتوى و النصّ المتقدّم و هي رواية سليمان بن خالد هو اليد الشلّاء.

و أمّا الترديد في المتن في أصل القصاص في اليد في هذه الصورة فلعلّ منشأه الترديد في العمل برواية ابن صالح أو الترديد في شمول رواية ابن خالد، فتدبّر.

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 303.

(2) كشف اللثام: 2/ 471.

(3) المبسوط: 7/ 84 85.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 369

[مسألة 6 يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده]

مسألة 6 يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده، فتقطع اليمين باليمين و اليسار باليسار، و لو لم يكن له يمين و قطع اليمين قطعت يساره، و لو لم يكن له يد أصلًا قطعت رجله على رواية معمول بها و لا بأس به، و هل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء؟ وجهان، و لو قطع اليسرى و لم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال و مع عدمهما قطع الرجل، و لو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال، و التعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين و الأذن و الحاجب و غيرها مشكل، و إن لا يخلو من وجه، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى (1).

______________________________

ثمّ إنّك عرفت أنّ المستثنى هو خصوص الشلل، و عليه فكون اليد المجنيّ عليها برصاء أو مجروحة أو ضعيفة في مقابل الأبطش لا يمنع عن ثبوت القصاص أصلًا.

(1) أمّا أصل اعتبار التساوي

في المحلّ مع وجوده في الجملة فلا خلاف فيه، بل ربّما ظهر من محكي الخلاف نفيه بين المسلمين «1»، بل في كشف اللثام الاتّفاق عليه «2»، و عليه فتقطع اليد اليمنى باليد اليمنى و اليسرى باليسرى.

و لو لم يكن له يمين و قطع اليمين قطعت يساره، كما عن الأكثر، بل المشهور «3»، بل عن الخلاف و الغنية إجماع الفرقة و أخبارهم «4»، و لو لم يكن له يمين

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 193 مسألة 59.

(2) كشف اللثام: 2/ 471.

(3) النهاية: 771، الكافي في الفقه: 389، المهذّب: 2/ 479 480، مختلف الشيعة: 9/ 403 404 مسألة 79.

و قد نسب هذا الترتيب الشهيد الثاني في المسالك: 15/ 271 إلى الأكثر، و قال الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان ج 14/ 111: انّه مشهور.

(4) غنية النزوع: 410.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 370

..........

______________________________

و لا يسار أصلًا قطعت رجله، خلافاً للحلّي «1» و الفخر «2» و الشهيد الثاني في بعض كتبه «3».

و الدليل على الأمرين رواية حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، قال: فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولًا، و تقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيراً، لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير و يمينه قصاص للرجل الأوّل. قال: فقلت إنّ عليّاً (عليه السّلام) إنّما كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى، فقال: إنّما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق اللّٰه، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد (يدان)، و الرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد.

فقلت له: أومأ تجب عليه الدية و تترك

له رجله؟ فقال: إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يدان و لا رجلان، فثمّ تجب عليه الدية؛ لأنّه ليس له جارحة يقاص منها «4».

و ربّما يناقش في الرواية بضعف السند نظراً إلى أنّ المرادي و هو حبيب لا نصّ على توثيقه بل و لا على مدحه، غاية ما وقع في ترجمته أنّه كان شارياً و رجع إلى الباقر و الصادق (عليهما السّلام) و انقطع إليهما «5».

و لكنّ الظاهر أوّلًا إمكان توصيف الرواية بالصحّة، نظراً إلى توصيف جماعة

______________________________

(1) السرائر: 3/ 396 397.

(2) إيضاح الفوائد: 4/ 573 574.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 272.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 131، أبواب قصاص الطرف ب 12 ح 2.

(5) انظر رجال الكشي: 347، الرقم 646.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 371

..........

______________________________

من الأصحاب الرواية بالصحّة، كما عن المختلف «1» و الإيضاح «2» و المهذب البارع «3» و التنقيح «4»، بل في الروضة «5» نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب، بل عن الوحيد البهبهاني (قدّس سرّه) المتبحّر خصوصاً في الحديث و الرجال عن جدّه أنّه حكم بأنّه ثقة «6».

و ثانياً انجبار الضعف على تقديره بالفتوى على طبقها و الاستناد إليها من المشهور، بل في الجواهر: لم نعثر على رادّ له غير الحلّي «7» و ثاني الشهيدين في بعض المواضع «8»، «9» بناء على مبناهما في باب خبر الواحد. و عليه فلا محيص عن الأخذ بالرواية و الفتوى على طبقها في الانتقال من اليد اليمنى إلى اليسرى مع عدم اليمنى، و في الانتقال إلى الرجل مع عدم اليد رأساً.

ثم انّه هل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى في اليد اليسرى، أو هما معاً

سواء؟ فيه وجهان كما في المتن: من أنّ مقتضى رعاية المماثلة في القصاص بعد تعذّر اليد على ما هو المفروض اعتبار اليمينية و اليسارية، و من أنّ مقتضى إطلاق رواية حبيب الدالّة على الانتقال إلى الرجل في مورد تعذّر اليد عدم

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 9/ 404 مسألة 79.

(2) إيضاح الفوائد: 4/ 573.

(3) المهذّب البارع: 5/ 173.

(4) التنقيح الرائع: 4/ 422.

(5) الروضة البهية: 10/ 78.

(6) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 136، بل حكاه في تعليقة منهج المقال: 91 عن خاله.

(7) السرائر: 3/ 397.

(8) مسالك الأفهام: 15/ 272.

(9) جواهر الكلام: 42/ 352، و كذا في رياض المسائل: 10/ 279.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 372

..........

______________________________

الاعتبار، كما لا يخفىٰ.

هذا، و لو قطع اليد اليسرى و لم يكن للقاطع اليد اليسرى فهل يقتصّ منه في اليد اليمنى أم لا؟ الظاهر نعم، لأنّه مع عدم الاقتصاص في اليد اليمنى فاللّازم أنّه إمّا أن يقال: بثبوت الدية، و إمّا أن يقال: بالانتقال إلى الرجل، و كلاهما مخالفان لظاهر رواية حبيب؛ لدلالة ذيلها على أنّ الانتقال إلى الدية إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع جارحة يقاصّ منها، و دلالة صدرها على أنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد، و عليه فلا مجال للإشكال كما في المتن، خصوصاً مع قوله (عليه السّلام) فيها: «اليد باليد إذا كان للقاطع يد»، و ما في بعض النسخ من قوله (عليه السّلام): «يدان» «1» لا دلالة له على شي ء، خصوصاً مع التصريح بعده بأنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد. و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الانتقال إلى الرجل في هذه الصورة

مع عدم اليدين لا شبهة فيه أصلًا.

و لو قطع الرِّجل من لا رِجل له فهل تقطع يده بدل الرِّجل؟ الظاهر هو القطع أيضاً لثبوت الجارحة التي يقاصّ منها في هذه الصورة، مضافاً إلى دعوى الأولوية لكون آثار الرجل أكثر من آثار اليد، فتدبّر.

ثم إنّه هل يتعدّى ما ذكر إلى سائر الأعضاء كالعين و الأذن و الحاجب و نحوها أم لا؟ و التحقيق أن يقال: إنّ المراد بالتعدّي إن كان هو التعدّي في هذه الأعضاء من كلّ من اليمنى إلى اليسرى و بالعكس، بحيث تقلع العين اليسرى بالعين اليمنى مثلًا مع عدمها في القاطع. فالظاهر أنّ مقتضى مشروطية اعتبار التساوي في المحلّ بوجوده و إمكانه ذلك، فإنّه مع عدم العين اليمنى لا يبقى مجال لاعتبار التساوي حينئذٍ، إلّا أن

______________________________

(1) التهذيب: 10/ 259 ح 1022.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 373

[مسألة 7 لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه و رجلاه]

مسألة 7 لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه و رجلاه بالأوّل فالأوّل، و عليه للباقين الدية، و لو قطع فاقد اليدين و الرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية (1).

[مسألة 8 يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولًا و عرضاً]

مسألة 8 يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولًا و عرضاً، قالوا: و لا يعتبر عمقاً و نزولًا، بل يعتبر حصول اسم اشجّة، و فيه تأمّل و إشكال. و الوجه التساوي

______________________________

يقال بعدم الدليل عليه بالنحو الكلّي و في جميع الأعضاء. لكن ظاهر الجواهر «1» نفي الخلاف فيه بهذا النحو. و تؤيده رواية السجستاني، مضافاً إلى قوله تعالىٰ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «2» و إن كان إطلاقه محل تأمّل و إشكال.

و إن كان المراد التعدّي إلى العضو الآخر بما أنّه، كما يتحقّق الانتقال من اليد إلى الرجل كذلك، يمكن دعوى الانتقال من العين إلى عضو آخر، فالظاهر أنّه لم يقل به أحد من الأصحاب.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ جعل التعدّي بهذا النحو غير خال عن الوجه كما في المتن ممّا لا وجه له أصلًا.

(1) الوجه في الفرع الأوّل هي رواية حبيب المتقدّمة في المسألة الأُولى الدالّة على قطع اليد اليمنى أو اليسرى باليد المقطوعة أوّلًا، و الأُخرى باليد المقطوعة ثانياً، و الرجل بالثالث، و الرجل الأُخرى بالرابع، و الانتقال إلى الدية في الباقي، كما أنّ مقتضاها ثبوت الدية في الفرع الثاني.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 353.

(2) المائدة 5: 45.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 374

مع الإمكان، و لو زاد من غير عمد فعليه الأرش، و لو لم يمكن إلّا بالنقص لا يبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمّل. هذا في الحارصة و الدامية و المتلاحمة، و أمّا في السمحاق و الموضحة فالظاهر عدم اعتبار

التساوي في العمق، فيقتصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق و الموضحة (1).

______________________________

(1) قد ادّعي الإجماع «1» على عدم اعتبار العمق و النزول، بل في محكيّ الرياض أنّ عليه الاتفاق على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر «2»، و استدلّ عليه بتفاوت الرؤوس في السمن و الهزال و غلظ الجلد و رقته على وجه لو اعتبر انتفى القصاص، فقطع النظر عنه كما قطع عن الصغر و الكبر في الأعضاء.

و ظاهره كون الحكم على وفق القاعدة، و عليه فلا تبقى أصالة للإجماع على تقدير تحقّقه و ثبوته.

و لكنّ الظاهر كما في المتن هو التفصيل بين «الحارصة» و هي التي تقشر الجلد شبه الخدش من غير إدماء، و «الدامية» و هي التي تدخل في اللحم يسيراً و يخرج معه الدم، و «المتلاحمة» و هي التي تدخل في اللحم كثيراً، و لكن لم تبلغ مرتبة السمحاق، و بين «السمحاق» و هي التي تقطع اللّحم و تبلغ الجلدة الرقية المغشية للعظم، و «الموضحة» و هي التي تكشف عن وضح العظم، أي بياضه.

و الوجه فيه أنّه في العناوين الثلاثة الأُولى يكون اعتبار الجناية من جهة شروعها و بدئها، و في العنوانين الآخرين من جهة انتهائها و آخرها، و عليه فلا مجال لاعتبار التساوي في العمق فيهما بعد كون الملاك هو البلوغ إلى الجلدة الرقيقة

______________________________

(1) نسب الإجماع في جواهر الكلام: 42/ 354 إلىٰ ظاهر كشف اللثام: 2/ 479 و مفاتيح الشرائع: 2/ 131.

(2) رياض المسائل: 10/ 354.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 375

[مسألة 9 لا يثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف]

مسألة 9 لا يثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف، و كذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة و لا نقيصة

كالجائفة و المأمومة، و يثبت في كلّ جرح لا تعزير في أخذه بالنفس و بالطرف و كانت السلامة معه غالبة، فيثبت في الحارصة و المتلاحمة و السمحاق و الموضحة، و لا يثبت في الهاشمة و لا المنقلة و لا لكسر شي ء من العظام، و في رواية صحيحة: إثبات القود في السنّ و الذراع إذا كسرا عمداً، و العامل بها قليل (1).

______________________________

أو الكشف عن بياض العظم، و أمّا غيرهما من العناوين الثلاثة الأولى ففي صورة الإمكان لا مانع من اعتبار التساوي في العمق؛ لعدم كون تفاوت الرؤوس مانعاً عن رعايته، و لو زاد من غير عمد فعليه الأرش.

و لو لم يمكن إلّا بالنقص فلا يبعد ثبوت الأرش، كما ذكروا نظيره في المساحة طولًا، من أنّه لا بدّ من اعتبار التساوي فيه و إن استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره، و لا يكمل الزائد من القفا و لا من الجبهة، بل يقتصر على ما يحتمله العضو، و يأخذ للزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح من الدية، و التأمّل في الثبوت إنّما هو بلحاظ كون اعتبار التساوي في العمق إنّما هو في صورة الإمكان، و مع عدمه يسقط الاعتبار رأساً، فلا وجه لثبوت الأرش، فتدبّر.

(1) لا خفاء في أنّ مقتضى قوله تعالىٰ وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ «1» ثبوت القصاص في جميع موارد ثبوت الجراحة في الأعضاء، و يدلّ عليه أيضاً موثقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيما كان من جراحات الجسد

______________________________

(1) المائدة 5: 45.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 376

..........

______________________________

أنّ فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها «1».

و رواها في الوسائل أيضاً بعنوان رواية

أُخرى، مع وضوح عدم تعدّدها كما هو واضح. و المصرِّح بثبوت القصاص كذلك ابن حمزة في الوسيلة «2» المصرح بثبوت القصاص في الهاشمة و المنقلة، و المراد بالأولى ما تهشم العظم و تكسره، و بالثانية على تفسير جماعة ما تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره.

و لكنّ الظاهر بملاحظة وجوب التحفّظ على النفس المحترمة و كذا الطرف عدم ثبوت القصاص فيما فيه تغرير بإحداهما و إلقائها في الخطر و التّلف، لتعذّر استيفاء الحقّ حينئذٍ، فاللّازم الانتقال إلى الدية، و كذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة و لا نقيصة، كالجائفة التي تصل إلى الجوف من أيّ جهة، سواء كانت بطناً أو صدراً أو ظهراً أو جنباً، و المأمومة و هي التي تبلغ أمّ الرأس أي الخريطة التي تجمع الدماغ و الوجه فيه مدخلية المماثلة في مفهوم القصاص و معناه، و مع تعذّر الاستيفاء بلا زيادة و لا نقيصة يتعذّر القصاص لا محالة، فلا وجه لثبوته.

و قد ورد في مقطوعة أبان: الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلّا الحكومة، و المنقلة تنقل منها العظام و ليس فيها قصاص إلّا الحكومة، و في المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلّا الحكومة «3».

نعم في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن السنّ و الذراع يكسران عمداً، لهما أرش أو قود؟ فقال: قود، قال: قلت: فإن أضعفوا الدية؟ قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 132، أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 3 و 5.

(2) الوسيلة: 444 445.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 135، أبواب قصاص الطرف ب 16 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 377

[مسألة 10 هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية؟ قيل: لا]

مسألة 10 هل يجوز الاقتصاص

قبل اندمال الجناية؟ قيل: لا، لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس، و الأشبه الجواز. و في رواية: لا يقضى في شي ء من الجراحات حتّى تبرأ، و في دلالتها نظر، و الأحوط الصبر سيّما فيما لا يؤمن من السراية، فلو قطع عدّة من أعضائه خطأ هل يجوز أخذ دياتها و لو كانت أضعاف دية النفس أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال، فإن اندملت أخذ الباقي و إلّا فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس؟ الأقوى جواز الأخذ و وجوب الإعطاء، نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس (1).

______________________________

إن أرضوه بما شاء فهو له «1». و لكنّها لم يعمل بها غير الشيخين «2».

(1) في هذه المسألة فرعان، أحدهما وارد في القصاص، و الآخر في الدية، و تفريع الثاني على الأوّل كما في المتن لا مجال له، كما سيأتي.

أمّا القصاص فالقائل بعدم جوازه قبل الاندمال هو الشيخ (قدّس سرّه) في محكي المبسوط «3»، و استدلّ عليه باحتمال تحقّق السراية في المجنيّ عليه الموجبة لتلف النفس، و يترتّب عليه دخول قصاص الطرف في قصاص النفس. و في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع «4» أنّ الأشبه الجواز، و الوجه فيه إنّ مقتضى إطلاق قوله تعالىٰ وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ عدم لزوم الانتظار إلى الاندمال، و دخول قصاص الطرف في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 132، أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 4.

(2) المقنعة: 761، النهاية: 772، و كذا ابن زهرة في غنية النزوع: 409، و ظاهرهم العمل بهذه الرواية فيما إذا كان المكسور شيئاً لا يرجى صلاحه.

(3) المبسوط: 7/ 75.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 1008.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 378

..........

______________________________

قصاص النفس على ما تقتضيه الرواية ليس يرجع إلى كون السراية الموجبة لتلف النفس كاشفة عن عدم تأثير الجناية على الطرف في ثبوت القصاص، بحيث كان مرجعه إلى تخصيص عموم وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ بصورة السراية المذكورة. بل كان مرجعه إلى سقوط القصاص بالنسبة إلى الطرف بعد ثبوت قصاص النفس، فقصاص النفس بمنزلة المسقط لذلك القصاص.

و من الواضح إنّ احتمال تحقّق المسقط في الاستقبال لا يمنع عن استيفاء الحقّ في لحال، بل العلم بذلك أيضاً لا يكون مسقطاً، و عليه فمقتضى القاعدة الجواز، و أمّا الرواية فهي معتبرة إسحاق بن عمّار، عن جعفر (عليه السّلام)، إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: لا يقضى في شي ء من الجراحات حتّى تبرأ «1». و لكنّه تنظّر في دلالتها في المتن، لأجل احتمال كون المراد منها انتظار حال البرء، لأجل احتمال سعة دائرة الجناية لا لأجل احتمال السراية الموجبة لتلف النفس، و لكن في أصل المسألة شي ء، و هو أنّ مسألة دخول قصاص الطرف في قصاص النفس مفروضة في غير مورد السراية، و هو ما لو كانت هناك جنايات متعدّدة بعضها في الطرف، و بعضها في النفس، و لا يشمل ما إذا كان في البين جناية واحدة مسرية إلى النفس.

هذا في الفرع الأوّل، و أمّا الفرع الثاني فكذلك أيضاً، فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً يجوز أخذ دياتها و لو كانت أضعاف دية النّفس، و لا يقتصر على مقدار دية النفس، كما عن جماعة، منهم: الشيخ في المبسوط «2». و قال المحقّق في الشرائع: إنّه أولىٰ، لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقاً «3»، و ذلك لأنّ الوفاق المذكور

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 211، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان

ب 42 ح 2.

(2) المبسوط: 7/ 81 82.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 1008.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 379

[مسألة 11 إذا أريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن الاستيفاء]

مسألة 11 إذا أريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه، و ربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لا يتمكّن من الاضطراب، ثم يقاس بخيط و نحوه، و يعلم طرفاه في محلّ الاقتصاص، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الأُخرىٰ، و لو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضاً، و إذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات، و هل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجني عليه؟ فيه تأمّل (1).

[مسألة 12 لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شي ء عليه]

مسألة 12 لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شي ء عليه، و لو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك، فإن كان عن عمد يقتصّ منه و إلّا فعليه الدية أو الأرش، و لو ادّعى الجاني العمد و أنكره المباشر فالقول قوله، و لو ادّعى المباشر الخطأ و أنكر الجاني قالوا: القول قول المباشر، و فيه تأمّل (2).

______________________________

لا يقتضي الاقتصار لعين ما ذكرنا في الاقتصاص من عدم كونه كاشفاً بل مسقطاً، و عليه فيجوز الأخذ، نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس، كما هو ظاهر.

(1) كان اللّازم التعرّض للعمق أيضاً لاعتباره في غير الشجاج بلا خلاف، و فيه أيضاً على مختار المتن في صورة الإمكان، و طريقه التعيين في الآلة و وضع العلامة فيها و النزول إلى حدّها، و الوجه في التأمّل في جواز الاستيفاء بدفعات مع عدم رضا المجنيّ عليه أنّ التأخير منوط بنظره، و الدفعات غير لازمة، و استلزام الدفعة للمشقّة لا يمنع عنها بوجه، كما لا يخفىٰ.

(2) الوجه في عدم ثبوت شي ء على المقتصّ مع استناد الزيادة إلى الاضطراب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص،

ص: 380

[مسألة 13 يؤخَّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ و البرد وجوباً إذا خيف من السراية]

مسألة 13 يؤخَّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ و البرد وجوباً إذا خيف من السراية، و إرفاقاً بالجاني في غير ذلك، و لو لم يرض في هذا الفرض المجنيّ عليه ففي جواز التأخير نظر (1).

[مسألة 14 لا يقتصّ إلّا بحديدة حادّة غير مسمومة]

مسألة 14 لا يقتصّ إلّا بحديدة حادّة غير مسمومة و لا كالّة مناسبة لاقتصاص مثله، و لا يجوز تعذيبه أكثر ممّا عذبه. فلو قلع عينه بآلة كانت سهلة في القلع لا يجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيباً، و جاز القلع باليد إذا قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل، و الأولى للمجني عليه مراعاة السهولة و جاز له المماثلة. و لو تجاوز و اقتصّ بما هو موجب للتعذيب و كان أصعب ممّا فعل به فللوالي تعزيره و لا شي ء عليه، و لو جاوز بما يوجب القصاص اقتصّ منه أو بما يوجب الأرش أو الدية أخذ منه (2).

______________________________

عدم إضافتها في هذا الفرض إلى المقتصّ، فلا يقاس بالجناية الخطائية التي يكون الاستناد فيها إلى الجاني، غاية الأمر صدورها خطأً.

و الوجه في التأمّل في الذيل كون الأظهر في تشخيص عنواني المدّعى و المنكر المراجعة إلى العرف الذين هم المرجع في العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام، و عليه فالظاهر كون المباشر في هذه الصورة مدّعياً و عليه البيّنة.

(1) أمّا وجوب التأخير مع خوف السراية فلأجل لزوم رعاية المماثلة في القصاص بحيث لا تتحقّق السراية، فمع خوفها فاللّازم هو التأخير، و مع عدم الخوف لا مجال للوجوب بعد ثبوت الحقّ و إرادة المجنيّ عليه الاستيفاء، خصوصاً مع أنّه ربّما يكون في التأخير آفة.

(2) قد مرّ في المسألة الحادية عشر من مسائل كيفية الاستيفاء في قصاص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص،

ص: 381

..........

______________________________

النفس عدم جواز المماثلة في الكيفية إذا كانت الجناية بنحو الغرق، أو الحرق، أو الرضخ بالحجارة، أو القطع بالمنشار، أو مثلها، بل لا بدّ من ضرب العنق بالسيف، أو من الاستفادة من الآلات الحديثة المتداولة، و قد ورد في مورد القتل بالعصا ما دلّ على أنّه يجاز عليه بالسيف و لا يترك يعبث به، و عليه فعدم جواز المماثلة هناك في بعض الموارد كان مستنداً إلى قيام الدليل و دلالة الرواية.

و أمّا هنا فقد وقع الخلط في عنوان المسألة في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع «1»، فإنّه إن كان المراد بيان كون القصاص في الطرف كالقصاص في النفس، بحيث إذا كانت الجناية بقطع اليد بالمنشار أو بالخيط الحديدي مثلًا لا يجوز الاقتصاص بمثله و رعاية المماثلة في هذه الجهة، كما هو ظاهر قوله: «لا يقتصّ إلّا بحديدة» إلى قوله: «مناسبة لاقتصاص مثله»، فيرد عليه مضافاً إلى التصريح بجواز المماثلة بعد ذلك و إلى تجويز القلع باليد إذا قلع الجاني باليد أنّه لا دليل على ذلك في المقام، و قيام الدليل في قصاص النفس لا يستلزم إسراء الحكم إلى المقام.

و إن كان المراد بيان عدم جواز التعذيب بأكثر ممّا وقع من تعذيبه، بل اللّازم رعاية المماثلة في مقدار التعذيب كما يدلّ عليه تفريع هذا الحكم، فيرد عليه أنّ إفادة هذا الحكم لا تتحقّق بمثل التعبير بقوله: «لا يقتص إلّا بحديدة» الظاهر في انحصار كيفية الاستيفاء بذلك، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ ثبوت التعزير مع كون التعذيب أشدّ من جهة الكيفية، إنّما هو لأجل كون الاقتصاص بهذا النحو غير مجاز، فيترتّب عليه التعزير، و أمّا عدم ثبوت شي ء عليه من القصاص أو الدية أو الأرش فلوضوح

عدم تحقّق الزيادة من جهة الكمّية حتّى يثبت القصاص أو الدية أو الأرش، فتدبّر.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1008.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 382

[مسألة 15 لو كان الجرح يستوعب عضو الجاني مع كونه أقلّ في المجنيّ عليه]

مسألة 15 لو كان الجرح يستوعب عضو الجاني مع كونه أقلّ في المجنيّ عليه لكبر رأسه مثلًا، كأن يكون رأس الجاني شبراً و رأس المجنيّ عليه شبرين و جنى عليه بشبر يقتصّ الشبر و إن استوعبه، و إن زاد على العضو كأن جنى عليه في الفرض بشبرين لا يتجاوز عن عضو بعضو آخر، فلا يقتصّ من الرقبة أو الوجه، بل يقتصّ بقدر شبر في الفرض و يؤخذ الباقي بنسبة المساحة إن كان للعضو مقدّر و إلّا فالحكومة، و كذا لا يجوز تتميم الناقص بموضع آخر من العضو. و لو انعكس و كان عضو المجنيّ عليه صغيراً فجنى عليه بمقدار شبر و هو مستوعب لرأسه مثلًا لا يستوعب في القصاص رأس الجاني بل يقتصّ بمقدار شبر و إن كان الشبر نصف مساحة رأسه (1).

______________________________

(1) الملاك في هذه المسألة أنّه لو كان تقدير الجناية و ملاحظة ميزانها بسبب المساحة، و كان للطول و العرض مدخلية في تقديرها، لكان اللّازم الالتزام بجواز الاقتصاص بشبر، و إن كان مستوعباً لرأس الجاني دون المجنيّ عليه، لعدم كون مقدار النسبة إلى الرأس و هي النصف في محلّ الفرض دخيلًا في التقدير، فلا يقال إنّه قد وقع نصف رأسه مورداً للجناية، بل يقال: أنّه قد جنى عليه بمقدار شبر.

و من هنا يظهر الفرق بين المقام و بين مثل قطع اليد الذي لا يلاحظ في القصاص الصغر و الكبر و السمن و الهزال و مثل ذلك، فإنّ التقدير هناك إنّما هو بعنوان القطع الذي يراعى

ذلك في مقام الاقتصاص، و أمّا في المقام فالتقدير بالمساحة كما عرفت، فاللّازم رعايتها من دون فرق بين الاستيعاب و عدمه، نعم مع عدم إمكان رعايتها لصغر رأس الجاني و كون الجناية أزيد منه كما في الفرض الثاني فاللّازم الرجوع في المقدار الباقي إلى الدية أو الأرش، لأنّ الحكم بلزوم الاقتصار على المقدار الممكن و رفع اليد عن البقية ينافي حقّ المقتصّ منه، كما أنّ الحكم باستيفاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 383

[مسألة 16 لو أوضح جميع رأسه بأن سلخ الجلد و اللحم من جملة الرأس]

مسألة 16 لو أوضح جميع رأسه بأن سلخ الجلد و اللحم من جملة الرأس فللمجني عليه ذلك مع مساواة رأسهما في المساحة، و له الخيار في الابتداء بأيّ جهة، و كذا لو كان رأس المجنيّ عليه أصغر (أكبر ظ) لكن له الغرامة في المقدار الزائد بالتقسيط على مساحة الموضحة، و لو كان أكبر (أصغر ظ) يقتصّ من الجاني بمقدار مساحة جنايته و لا يسلخ جميع رأسه، و لو شجّه فأوضح في بعضها فله دية موضحة، و لو أراد القصاص استوفى في الموضحة و الباقي. (1)

______________________________

المقدار و لو في الوجه أو الرقبة لا مجال له، لعدم كونهما من الرأس بوجه. و ما في بعض الروايات من كون الوجه من الرأس «1» مضافاً إلى عدم ثبوته لا يكون لازمه جواز الاستيفاء من الوجه، لعدم كون الجناية في هذا الجزء من الرأس كما لا يخفى.

و منه ظهر أنّه لا مجال للتكميل من جزء آخر من الرأس كالتكميل من جانب اليمين، لو فرض كون الجناية واقعة في طرف اليسار، للزوم رعاية المماثلة من هذه الجهة و كون الجناية واقعة في امتداد واحد.

و ممّا ذكرنا ظهر الحكم في الفرض الأخير، و أنّه

لا بدّ من رعاية مساحة الجناية، و لو كان عضو المجنيّ عليه صغيراً و الجناية مستوعبة لرأسه دون الجاني، كما هو واضح.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: ما لو أوضح جميع رأس المجنيّ عليه، بأن سلخ الجلد و اللّحم، بحيث ظهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 296، أبواب ديات الشجاج ب 5 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 384

[مسألة 17 في الاقتصاص في الأعضاء غير ما مرّ كلّ عضو ينقسم إلى يمين و شمال]

مسألة 17 في الاقتصاص في الأعضاء غير ما مرّ كلّ عضو ينقسم إلى يمين و شمال كالعينين و الأُذنين و الأنثيين و المنخرين و نحوها لا يقتصّ إحداهما بالأُخرىٰ، فلو فقأ عينه اليمنى لا تقتصّ عينه اليسرى، و كذا في غيرها، و كلّ ما

______________________________

وضح العظم و بياضه، و الحكم فيه في صورة الثلاثة واضح، بمقتضىٰ ما تقدّم من اعتبار المساحة أي الطول و العرض في مثله زائداً على العمق، و عليه مع تساوي الرأسين في المساحة يقتصّ المجنيّ عليه بمثله، و يوضح جميع رأس الجاني كذلك. و مع كون رأس المجنيّ عليه أكبر يثبت له الغرامة أيضاً، زائدة على إيضاح جميع الرأس في المقدار الزائد بالتقسيط على مساحة الموضحة، و فيما إذا كان رأس المجنيّ عليه أصغر لا يقتصّ من الجاني إلّا بمقدار مساحة جنايته، و لا يجوز له سلخ جميع الرأس، و في هذه الصورة يقع الكلام في أنّه هل يتعيّن عليه الابتداء بما ابتدأ منه الجاني كما اختاره في محكيّ المسالك «1»، أو أنّ التفويض إلى الحاكم، أو أنّ الخيار إلى المقتصّ في المقدّم و المؤخّر و الوسط كما لعلّه الأقوىٰ؟ و عليه لا يبعد القول بالتبعيض، بأن يقتصّ بمقدار المساحة من الأبعاض المختلفة من الرأس، فتدبّر.

الثاني: ما لو شجّه فأوضح

في بعضها، و الظاهر التحقّق بضربة واحدة، و لا شبهة في أنّه لو أراد القصاص استوفى في الموضحة و الباقي، و لو وصلت النوبة إلى الدية فليست في البين إلّا دية واحدة و هي دية الموضحة لا هي مع الحارصة مثلًا. و الوجه فيه أنّه لو كان الشجاج بنحو الإيضاح في المجموع لم يكن في البين إلّا دية الموضحة، إذ لا تفاوت في ديتها بتفاوتها طولًا و قصراً، و التفاوت إنّما هو في القصاص لا الدية، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 276.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 385

يكون فيه الأعلى و الأسفل يراعى في القصاص المحلّ، فلا يقتصّ الأسفل بالأعلىٰ، كالجفنين و الشفتين (1).

[مسألة 18 في الأذن قصاص يقتصّ اليمنى باليمنى و اليسرى باليسرى]

مسألة 18 في الأذن قصاص يقتصّ اليمنى باليمنى و اليسرى باليسرى، و تستوي أذن الصغير و الكبير و المثقوبة و الصحيحة إذا كان الثقب على المتعارف، و الصغيرة و الكبيرة، و الصمّاء و السامعة، و السمينة و الهزيلة. و هل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة، و كذا الصحيحة بالمثقوبة على غير المتعارف بحيث تعدّ عيباً أو يقتصّ إلى حدّ الخرم و الثقب و الحكومة فيما بقي، أو يقتصّ مع ردّ دية الخرم؟ وجوه لا يبعد الأخير، و لو قطع بعضها جاز القصاص (2).

______________________________

(1) الوجه في اعتبار خصوصية اليمينية و الشمالية في الاقتصاص في الأعضاء التي ينقسم إلى يمين و شمال كالأعضاء المذكورة في المتن مضافاً إلى دلالة بعض الروايات و وروده في بعضها كاليد على ما عرفت وضوح اعتبار المماثلة في معنى القصاص لغة و عرفاً من دون فرق بين اختلاف اليمين و اليسار في الآثار المترتّبة عليهما و بين اتّفاقهما فيها، و لا مجال للاستدلال بإطلاق مثل

قوله تعالىٰ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «1» بعد عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، بل في مقام بيان عدم وقوع العين في مقابل الاذن مثلًا، و ممّا ذكرنا ظهر اعتبار خصوصية كون العضو أعلى و أسفل في الاقتصاص.

(2) أمّا أصل جريان القصاص في الاذن، فيدلّ عليه مضافاً إلى قوله تعالىٰ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ الروايات و بعدهما الإجماع، كما أنّ اعتبار المماثلة في المحلّ قد تقدّم

______________________________

(1) المائدة 5: 45.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 386

..........

______________________________

في المسألة السابقة. و أمّا الاستواء في الصغير و الكبير، و كذا في الصغيرة و الكبيرة، و كذا الصماء و السامعة، و كذا السمينة و الهزيلة، و كذا الصحيحة و المثقوبة إذا كان الثقب على المتعارف بحيث لم تكن عيباً، فيدلّ عليه إطلاق النصّ و الفتوى.

نعم وقع الخلاف في أنّه هل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة و كذا بالمثقوبة على غير المتعارف، بحيث تعدّ عيباً على أقوال و احتمالات:

أحدها: الأخذ، أخذاً بمقتضى إطلاق الأدلة كما في الموارد المتقدّمة.

ثانيها: ما عن الشيخ «2» و ابن حمزة «3» و العلّامة «4» و الشهيد الثاني «5» من أنّه يقتصّ إلى حدّ الخرم و الثقب، و يثبت له الحكومة فيما بقي، نظراً إلى عدم إمكان رعاية المماثلة في محلّ الخرم و الثقب، و إمكانها إلى ذلك الحد.

ثالثها: ما استحسنه المحقّق في الشرائع «6» و جعله في كشف اللثام «7» أشبه، و نفى عنه البعد في المتن و هو الاقتصاص في المجموع، مع ردّ دية الخرم إلى المقتصّ منه، نظراً إلى إطلاق الأدلّة المؤيّد برواية الحسن بن حريش المتقدّمة الواردة في رجل ضربت أصابعه بالسيف حتّى سقطت، فأتى رجل فأطار يده «8» الدالّة

على أنّه تقطع يد قاطع الكفّ و تعطى دية الأصابع.

______________________________

(2) المبسوط: 7/ 96.

(3) الوسيلة: 445 446، لكن ظاهره الانتقال إلى الدية.

(4) تحرير الأحكام: 2/ 258، إرشاد الأذهان: 2/ 207.

(5) الروضة البهية: 10/ 85، مسالك الأفهام: 15/ 286.

(6) شرائع الإسلام: 4/ 1010.

(7) كشف اللثام: 2/ 477.

(8) تقدّمت في ص 359 360.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 387

[مسألة 19 لو قطع أذنه فألصقها المجنيّ عليه و التصقت]

مسألة 19 لو قطع أذنه فألصقها المجنيّ عليه و التصقت فالظاهر عدم سقوط القصاص، و لو اقتصّ من الجاني فألصق الجاني أذنه و التصقت ففي رواية قطعت ثانية لبقاء الشين. و قيل: يأمر الحاكم بالإبانة، لحملة الميتة و النجس. و في الرواية ضعف، و لو صارت بالإلصاق حيّة كسائر الأعضاء لم تكن ميّتة، و تصحّ الصلاة معها، و ليس للحاكم و لا لغيره إبانتها، بل لو أبانه شخص فعليه القصاص لو كان عن عمد و علم و إلّا فالدية، و لو قطع بعض الأذن و لم يبنها فإن أمكنت المماثلة في القصاص ثبت و إلّا فلا، و له القصاص و لو مع إلصاقها (1).

______________________________

و حكى في الجواهر «1» عن بعض الناس الانتقال إلى الدية «2»، و لكنّ الظاهر أنّه لا مجال لاحتماله بوجه، كما لا يخفىٰ.

(1) الأصل في هذه المسألة رواية رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): إنّ رجلًا قطع من بعض اذن رجل شيئاً، فرفع ذلك الى علي (عليه السّلام) فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من اذنه فردّه على اذنه بدمه، فالتحمت و برئت، فعاد الآخر إلى علي (عليه السّلام) فاستقاده، فأمر بها

فقطعت ثانية و أمر بها فدفنت، و قال (عليه السّلام): إنّما يكون القصاص من أجل الشين «3».

و قد ضعّفها في المتن، مع أنّ الحسن بن موسى الخشاب من وجوه الأصحاب، و أمّا غياث بن كلوب فقد ذكر الشيخ في العدّة: أنه عملت الطائفة برواياته فيما

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 385.

(2) احتمله المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 91، كما هو ظاهر ابن حمزة في الوسيلة: 446.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 139، أبواب قصاص الطرف ب 23 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 388

..........

______________________________

لم يكن عندهم خلافه «1»، و عليه فالظاهر اعتبار الرواية. و على تقدير الضعف فالظاهر عدم كونه منجبراً بالعمل، كما عن الرياض «2» و تبعه صاحب الجواهر (قدّس سرّهما) «3».

ثمّ إنّه لو كانت الرواية معتبرة فالظاهر بمقتضى التعليل الوارد فيها الذي هو الملاك في الحكم و يتبعه سعة و ضيقاً عدم ثبوت القصاص في الفرض الأوّل؛ لأنّه بعد إلصاق المجنيّ عليه و الالتصاق لا يبقى مجال للقصاص، لاعتبار المماثلة في الشين فيه المنتفية مع الالتصاق قبله.

و أمّا الفرض الثاني فهو المعنون في المتن بما إذا ألصق الجاني اذنه بعد القصاص و التصقت، و الظاهر أنّه مورد الرواية المذكورة و إن كان يظهر من بعض العبارات أنّ عنوانه ما إذا ألصق المجنيّ عليه اذنه بعد القصاص مثل الشرائع، حيث قال: و لو قطعت أُذن إنسان فاقتصّ ثم ألصقها المجنيّ عليه كان للجاني إزالتها لتحقّق المماثلة «4». و مراده هي المماثلة في الشين، و عليه فيظهر منه أنّه حمل الرواية المذكورة على هذا الفرض.

و مثل التنقيح، حيث قال فيما حكي عنه: لا خلاف في جواز إزالتها، لكن اختلف في

العلّة، فقيل: ليتساويا في الشين، و قيل: لكونه ميتة، و يتفرّع على الخلاف أنّه لو لم يزلها الجاني و رضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني، لكونه حامل

______________________________

(1) عدّة الأُصول: 1/ 380.

(2) رياض المسائل: 10/ 359.

(3) جواهر الكلام: 42/ 366.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 1008.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 389

..........

______________________________

نجاسة فلا تصحّ الصلاة مع ذلك «1».

و كيف كان فالحكم في هذا الفرض هو القطع ثانياً، سواء كان بالعنوان المذكور في المتن أو بما هو مذكور في الشرائع، غاية الأمر كون أحد العنوانين مورداً للرواية و الآخر مستفاداً من العلّة المذكورة فيها.

كما أنّ المستفاد من العلّة هو القطع ثانياً، و لو كان الالتصاق موجباً لصيرورتها حيّة مترتّبة عليها آثار الحياة من الإحساس و غيره، لعدم الفرق في جريان العلّة بين ما إذا لم تصر حيّة، و بين ما إذا صارت كذلك، بل يمكن أن يقال بظهور موردها في هذه الصورة، فتدبّر. هذا كلّه على تقدير القول باعتبار الرواية.

و أمّا على تقدير القول بالعدم، فمقتضى القاعدة عدم سقوط القصاص في الفرض الأوّل؛ لعدم الدليل على سقوطه بعد اقتضاء الإطلاقات للثبوت. كما أنّه لا دليل على جواز القطع و الإزالة ثانياً في الفرض الثاني بعد تحقّق القصاص، كما هو المفروض، و عدم الدليل على كون الالتصاق موجباً للقصاص ثانياً، أو لثبوت حق الإزالة للجاني على العنوانين في هذا الفرض.

نعم يدخل ذلك في مسألة النهي عن المنكر باعتبار كونه قطعة مبانة من حيّ و محكومة بالنجاسة، فلا تصحّ الصلاة معها، فلا يرتبط بالجاني بما هو كذلك، و لا بالمجنيّ عليه أيضاً، بل لا بدّ من رعاية شرائط تلك المسألة، و عليه فلا يبقى

مجال لجواز القطع و الإزالة فيما لو صار الالتصاق موجباً لثبوت وصف الحياة و ترتّب آثارها عليها، فإنّها حينئذٍ تخرج عن عنوان الميتة و النجاسة، فلا مجال للنهي عن المنكر أيضاً.

______________________________

(1) التنقيح الرائع: 4/ 454.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 390

[مسألة 20 لو قطع أُذنه فأزال سمعه فهما جنايتان]

مسألة 20 لو قطع أُذنه فأزال سمعه فهما جنايتان، و لو قطع أذناً مستحشفة شلّاء ففي القصاص إشكال، بل لا يبعد ثبوت ثلث الدية (1).

______________________________

و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مستند المتن هو الوجه الثاني الذي يبتنى على عدم اعتبار الرواية، و قال في الجواهر: و التحقيق الالتفات إليهما (يعني كلا الوجهين من الرواية و الوجه الآخر) فمع العضو يبقى حقّ النجاسة، و مع سقوط النجاسة إمّا لعدم انفصالها تماماً فلا تكون مبانة من حيّ، أو لحصول ضرر يسقط وجوب الإزالة بالنسبة إلى الصلاة دون غيرها، يبقى حق المساواة في الشين «1». و إن كان يرد عليه أنّه مع الالتزام بالرواية لا مجال للحكم بعدم سقوط القصاص في الفرض الأوّل، كما لا يخفى. نعم الظاهر تمامية ما حقّقه من الالتفات إلى كلا الوجهين.

ثمّ إنّه يجري في قطع بعض الاذن حكم قطع الكلّ، بل مورد الرواية المتقدّمة هو قطع بعض الاذن. و أمّا التعبير عنه في المتن بما لو قطع بعض الاذن و لم يبنها فالظاهر وجود الخدشة فيه، لأنّ المراد صورة القطع بالنحو المذكور في قطع الكلّ، فتدبّر.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الأول: ما إذا قطع أُذنه فأزال سمعه، و الظاهر كما في المتن أنّهما جنايتان. و الوجه فيه وجود الانفكاك بينهما و ثبوت ديتين فيهما، و عليه فيترتّب على كلّ واحدة منهما حكمه، فيقتصّ لقطع الاذن، و كذا لإزالة السمع

بالنحو الذي يأتي في إذهاب ضوء البصر، و على تقدير الانتقال إلى الدية تثبت الدية بالإضافة إليها، كما لا يخفى.

الثاني: ما لو قطع أُذناً مستحشفة عادمة للحسّ و الحركة، و قد تقدّم أنّ مقتضى النصّ و الفتوى أنّه لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلّاء، و أمّا هنا فالمحكي عن

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 366.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 391

[مسألة 21 يثبت القصاص في العين و تقتصّ مع مساواة المحلّ]

مسألة 21 يثبت القصاص في العين و تقتصّ مع مساواة المحلّ، فلا تقطع اليمنى باليسرى و لا بالعكس، و لو كان الجاني أعور اقتصّ منه و إن عمي فإن الحقّ أعماه، و لا يردّ شي ء إليه و لو كان ديتها دية النفس إذا كان العور خلقة أو بآفة من اللّٰه تعالى، و لا فرق بين كونه أعور خلقة أو بجناية أو آفة أو قصاص، و لو قلع أعور العين الصحيحة من أعور يقتصّ منه (1).

______________________________

ظاهر ديات المبسوط الإجماع على أنّه يجب على قاطعها ثلث الدية «1»، و عن حواشي الشهيد المنقول عدم القصاص «2»، و عن القواعد الإشكال في ثبوت القصاص في الاذن المستحشفة «3». و يؤيّد عدم القصاص مضافاً إلى إلغاء الخصوصية من النصّ الوارد في اليد كون ديتها الثلث، مع أنّ دية الأُذن الصحيحة النصف، فالاختلاف في مقدار الدية كاشف عن عدم المماثلة، و عليه فينتفى القصاص كما نفى عنه البعد في المتن.

(1) أمّا أصل ثبوت القصاص في العين فيدلّ عليه قوله تعالىٰ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «4»، و الروايات، كما انّ اعتبار مساواة المحلّ و رعاية خصوصية اليمينية و اليسارية قد تقدّم في بعض المسائل المتقدّمة.

و أمّا لو كان الجاني أعور الذي ذهبت واحدة من عينيه فيقتصّ منه، و

إن كان ذلك موجباً لصيرورته أعمى، فإنّ الحقّ أعماه كما في الرّواية. ففي رواية محمّد بن

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 125.

(2) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 173.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 307 308.

(4) المائدة 5: 45.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 392

[مسألة 22 لو قلع ذو عينين عين أعور اقتصّ له بعين واحدة]

مسألة 22 لو قلع ذو عينين عين أعور اقتصّ له بعين واحدة، فهل له مع ذلك الردّ بنصف الدية؟ قيل: لا، و الأقوى ثبوته، و الظاهر تخيير المجني عليه بين أخذ الدية كاملة و بين الاقتصاص و أخذ نصفها، كما أنّ الظاهر أنّ الحكم ثابت فيما تكون لعين الأعور دية كاملة، كما كان خلقة أو بآفة من اللّٰه، لا في غيره مثل ما إذا قلع عينه قصاصاً (1).

______________________________

قيس قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أعور فقأ عين صحيح، فقال: تفقأ عينه، قال: قلت: يبقى أعمى، قال: الحقّ أعماه «1»، و مثلها مرسلة أبان التي هي رواية أُخرى، و إن كان ظاهر الوسائل عدم التعدّد، و الفتوى على وفقهما جابرة للضعف و الإرسال، فلا مجال للإشكال. و عليه فيقتصّ من غير أن يردّ شي ء إليه، و لو كان ديتها دية النفس فيما إذا كان العور خلقة أو بآفة من اللّٰه، كما سيأتي في الديات، و منه يظهر أنّه لو كان المجنيّ عليه أعور مثل الجاني، و كانت الجناية قلع العين الصحيحة يقتصّ بطريق أولىٰ.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الاولى: ثبوت الاقتصاص للمجنيّ عليه بعين واحدة دون العينين، و لا خلاف فيه إلّا من أبي عليّ الإسكافي «2»، حيث خيّر المجنيّ عليه بين قلع عيني صاحبه و دفع خمسمائة دينار، و بين قلع إحداهما و أخذ ذلك، و هو كما في

الجواهر «3» مع شذوذه و عدم وضوح مستنده و مخالفته لظاهر النصّ غريب، فإنّ العينين إمّا أن تساويا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 134، أبواب قصاص الطرف ب 15 ح 1.

(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 458 459 مسألة 137.

(3) جواهر الكلام: 42/ 370.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 393

..........

______________________________

عينه فلا ردّ و إلّا فلا قلع.

الثانية: أنّه مع الاقتصاص بعين واحدة هل يثبت للمجنيّ عليه نصف الدية أيضاً، أو أنّ الثابت مجرّد الاقتصاص من غير ردّ، فيه قولًا. الظاهر ثبوت الشهرة للقول الأوّل «4»، و قد حكي الثاني عن المفيد «5»، و إن حكي عنه القول الآخر أيضاً «6» و الحلّي «7»، و قوّاه في التحرير «8» و المسالك «9»، و جعله المحقّق في الشرائع أولى «01»، و استدلّ عليه بقوله تعالىٰ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ.

مع أنّه يرد عليه مضافاً إلى أنّ مثله إنّما هو في مقام بيان مصداق القصاص الذي يعتبر في مفهومه المماثلة، و الغرض منه إنّما هو وقوع العين في مقابل العين لا في مقابل الأعضاء الأُخر، و أمّا اعتبار الانحصار و عدم ثبوت شي ء آخر فلا يكون في مقام بيانه و إفادته أنّه مع وجود الروايات الدالّة على ثبوت الردّ يقيَّد إطلاق الآية و تصير تلك الروايات بمنزلة القرينة على خلاف الظاهر، و هي عبارة عن صحيحة محمد بن قيس قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة، ففقئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه و يعقل له نصف

______________________________

(4) المقنع: 517، المبسوط: 7/ 146، النهاية: 765 766، الوسيلة: 446 447، مختلف الشيعة: 9/ 459 مسألة 137، إيضاح الفوائد: 4/

644، الروضة البهية: 10/ 82.

(5) المقنعة: 761.

(6) راجع مفتاح الكرامة: 11/ 164.

(7) السرائر: 3/ 381.

(8) تحرير الأحكام: 2/ 259.

(9) مسالك الأفهام: 15/ 282، لكنّه قوّى القول الأوّل.

(01) شرائع الإسلام: 4/ 1009.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 394

..........

______________________________

الدية، و إن شاء أخذ دية كاملة و يعفى عن صاحبه «1». و الظاهر أنّ قوله: و إن شاء من كلام أبي جعفر (عليه السّلام).

و رواية عبد اللّٰه بن الحكم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور؟ فقال: عليه الدية كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتصّ من صاحبه و يأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل؛ لأنّ له الدية كاملة، و قد أخذ نصفها بالقصاص «2».

و ضعف السند على تقديره منجبر بالشهرة، و المناقشة في الدلالة بما في المسالك «3» من أنّ الرواية تصلح شاهداً مؤيّداً بوجوب الدية لهذه الجناية كاملة على تقدير الخطأ واضحة البطلان، لصراحة الروايتين خصوصاً الثانية في القصاص، فلا مجال لما أفاده.

الثالثة: ثبوت التخيير في المقام بين الاقتصاص و أخذ نصف الدية و بين أخذ الدية كاملة، و ظاهر الجواهر «4» ثبوت الشهرة بين المتقدّمين عليه حتّى كاد أن يكون إجماعاً منهم، بل عن الخلاف الإجماع عليه «5»، و هذا و إن كان على خلاف ما تقدّم في استيفاء القصاص من أنّ ثبوت القصاص في محله إنّما يكون بنحو التعين، و الانتقال إلى الدية إنّما هو في الرتبة المتأخّرة و في طول القصاص، إلّا أنّه لا مانع من الالتزام بالتخيير في المقام مع دلالة الرواية عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 252، أبواب ديات الأعضاء ب 27 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 253، أبواب

ديات الأعضاء ب 27 ح 4.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 282.

(4) جواهر الكلام: 42/ 370، و صريح مفتاح الكرامة: 11/ 163.

(5) الخلاف: 5/ 251 مسألة 57.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 395

[مسألة 23 لو قلع عيناً عمياء قائمة فلا يقتصّ منه]

مسألة 23 لو قلع عيناً عمياء قائمة فلا يقتصّ منه، و عليه ثلث الدية (1).

[مسألة 24 لو أذهب الضوء دون الحدقة اقتصّ منه بالمماثل]

مسألة 24 لو أذهب الضوء دون الحدقة اقتصّ منه بالمماثل بما أمكن إذهاب الضوء مع بقاء الحدقة، فيرجع إلى حذّاق الأطباء ليفعلوا به ما ذكر. و قيل في طريقه: يطرح على أجفانه قطن مبلول ثمّ تحمى المرآة و تقابل بالشمس ثم تفتح عيناه و يكلّف بالنظر إليها حتى يذهب النظر و تبقى الحدقة،

______________________________

الرابعة: إنّ مورد الروايتين و إن كان مطلق من كان أعور، سواء كان خلقة أو بآفة سماويّة أو كان بالجناية الواقعة عليه أو قصاصاً، إلّا أنّ الظاهر الاختصاص بالأوّلين، لأنّ الدية الكاملة إنّما تكون بالإضافة إليهما، كما هو مقتضى النصّ و الفتوى، و عليه فقوله (عليه السّلام): «و إن شاء أخذ دية كاملة» في الرواية الأُولىٰ، و قوله (عليه السّلام): «لأن له الدية كاملة» في الرواية الثانية قرينة على الاختصاص بهما.

ثمّ إنّ الحكم في المقام بجواز الاقتصاص و أخذ نصف الدية لا يستلزم الحكم بعدم ثبوت القصاص فيما إذا كان الجاني أعور و المجنيّ عليه ذا عينين، كما في المسألة المتقدّمة، بعد كون مقتضى ثبوت جنايته العمدية تحقّق القصاص، و لا مجال للحكم بسقوطه، و إن كانت عينه الواحدة مساوية للعينين، لأنّ الحقّ أعماه، كما في الروايات المتقدّمة.

(1) الوجه في عدم الاقتصاص هنا مضافاً إلى عدم تحقّق المماثلة المعتبرة في مفهوم القصاص الاتفاق عليه ظاهراً كما في الجواهر «1»، نعم في كون الدية الثلث أو الربع خلاف يأتي في كتاب الديات إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 371.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 396

و لو لم يكن إذهاب الضوء إلّا بإيقاع جناية أخرى

كالتسميل و نحوه سقط القصاص و عليه الدية (1).

______________________________

(1) الوجه في لزوم الاقتصاص بالمماثل أي بالنحو الذي يوجب ذهاب الضوء فقط مع بقاء الحدقة و عدم التعدّي اعتبار المماثلة في مفهومه على ما عرفت. و عليه فمقتضى القاعدة الرجوع إلى الطبيب الحاذق و استعلام الكيفية المذكورة، أو توكيله في أن يفعل به ما ذكر. و لكن ورد في المسألة رواية، و هي ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن سليمان الدهان، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّ عثمان (عمر) أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه، فأنزل الماء فيها، و هي قائمة ليس يبصر بها شيئاً، فقال له: أعطيك الدية، فأبى، قال: فأرسل بهما إلى علي (عليه السّلام) و قال: احكم بين هذين، فأعطاه الدية، فأبى، قال: فلم يزالوا يعطونه حتّى أعطوه ديتين، قال: فقال: ليس أُريد إلّا القصاص، قال: فدعا علي (عليه السّلام) بمرآة فحماها ثم دعا بكرسف فبلّه، ثم جعله على أشفار عينيه و على حواليها ثم استقبل بعينه عين الشمس، قال: و جاء بالمرآة فقال: انظر، فنظر فذاب الشحم و بقيت عينه قائمة و ذهب البصر «1».

و لم يثبت وثاقة سليمان الدهّان، لكن عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم «2». و عن الروضة: القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور «3». و لكن التعبير عن هذا القول بمثل «قيل» كما في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع «4»

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 129، أبواب قصاص الطرف ب 11 ح 1.

(2) الخلاف: 5/ 175 مسألة 38.

(3) الروضة البهية: 10/ 84.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 1009.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص:

397

[مسألة 25 تقتصّ العين الصحيحة بالعمشاء و الحولاء و الخفشاء و الجهراء و العشياء]

مسألة 25 تقتصّ العين الصحيحة بالعمشاء و الحولاء و الخفشاء و الجهراء و العشياء (1).

______________________________

يشعر بل يدلّ على عدم ثبوت الشهرة.

و كيف كان، فإن كان المراد تعيّن الاستيفاء بهذا الوجه كما أشار إليه في المتن، فيرد عليه أنّه لا دلالة في الرواية على التعيّن بوجه، بل غايته الدلالة على مشروعية هذه الكيفية، و إن كان المراد مجرّد المشروعية، فيمكن أن يقال: انّ المشروعية في تلك الأزمنة لعلّها كانت بلحاظ أنّها أسهل الطرق إلى الوصول بالغرض المذكور، و أمّا في زماننا هذا مع تكامل العلوم المختلفة إذا كان للوصول إليه طريق أسهل لا يستلزم تعذيب الجاني بالمقدار الموجود في هذه الكيفية، فلا دليل على مشروعيتها بوجه، بل تتعيّن الاستفادة من الأدوية المؤثِّرة و التزريقات كذلك و مثلهما.

و بالجملة: يتعيّن الرجوع إلى الطبيب الحاذق كما في المتن، و إن كان فيه إشارة إلى أنّه لا مانع من الأخذ بها للاكتفاء على النقل من دون إشعار إلى تضعيفه، فتدبر.

ثم إنّ الظاهر أنّ المراد من استقبال عين الشمس في الرواية هي عينها المنعكسة في المرآة، و إلّا لا خصوصية في المرأة لو كان الغرض منها مجرّد الحرارة دون شعاع الشمس، و عليه فلا فرق بين ما في المتن و ما في الرواية.

كما أنّه من الواضح أنّه مع عدم إمكان القصاص إلّا بإيقاع جناية أُخرى كالتسميل و نحوه يسقط القصاص، و يتحقّق الانتقال إلى الدية، كما لا يخفىٰ.

(1) الوجه في الاقتصاص بها دون العمياء كون التفاوت بالنفع، إذ العمش كما في الجواهر «1» خلل في الأجفان يقتضي سيلان الدمع غالباً، و الحول الاعوجاج،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 371.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 398

[مسألة 26 في ثبوت القصاص لشعر الحاجب و الرأس و اللّحية و الأهداب و نحوها تأمّل]

مسألة 26 في

ثبوت القصاص لشعر الحاجب و الرأس و اللّحية و الأهداب و نحوها تأمّل، و إن لا يخلو من وجه. نعم لو جنى على المحلّ بجرح و نحوه يقتصّ منه مع الإمكان (1).

______________________________

و الخفش عدم حدّة في البصر بحيث يرى من بعد، أو بعض الاحتمالات الأُخر مثل صغر العين. و الجهر عدم البصر نهاراً ضد العشاء الّذي هو عدم البصر ليلًا. و من الواضح أنّ التفاوت بالصحّة و العيب لا يمنع عن القصاص، كما في سائر الأعضاء.

(1) صرّح المحقّق في الشرائع بثبوت القصاص في الحاجبين و شعر الرأس و اللّحية «1»، نعم عن القواعد بعد الحكم بثبوت القصاص في الأهداب و الأجفان: و في شعر الرأس و اللحية و الحاجبين على إشكال ينشأ من أنّه إن لم يفسد المنبت فالشعر يعود، و إن أفسده فالجناية على البشرة، و الشعر تابع «2»، أي فان كان إفساده بما يمكن الاقتصاص له اقتصّ و هو قصاص للبشرة لا الشعر، و إلّا تعيّنت دية الشعر على التفصيل الآتي في محلّه و أرش البشرة إن جرحت «3».

و مقتضى التحقيق هو التفصيل بين ما إذا كانت الجناية موجبة لزوال الشعر فقط، من دون أن تكون مفسدة للمنبت، فالظاهر ثبوت الاقتصاص، لأنّه لا مانع من ثبوته بعد عموم أدلّة القصاص و إمكان الاقتصاص. و أمّا إذا أفسدت المنبت فحيث أنّ الجناية واحدة و أصلها واقع على البشرة و الشعر تابع، فإن أمكن الاقتصاص كما هو الظاهر في زماننا هذا فالظاهر ثبوته، و إن لم يمكن فيسقط

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1009.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 307.

(3) كشف اللثام: 2/ 477.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 399

..........

______________________________

و ينتقل إلى الدية. كما

أنّه لو جنى على المحلّ بمثل الجرح يتحقّق القصاص مع الإمكان.

هذا هو مقتضى القاعدة، و لكن ورد في المسألة بعض الروايات مثل صحيحة سليمان بن خالد التي هي متّحدة مع مرسلة علي بن خالد (حديد) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: الرجل يدخل الحمّام فيصبّ عليه صاحب الحمّام ماءً حارّاً فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت، فقال: عليه الدية كاملة «1».

و يمكن أن يكون الوجه لثبوت الدية دون القصاص عدم إمكان الاقتصاص، كما لعلّه الظاهر في تلك الأزمنة، و يمكن أن يكون الوجه أن الجناية لم تكن عمدية موجبة للقصاص بل شبه عمد موجبة للدّية، و على التقدير الثاني تخرج الرواية عن باب القصاص.

و رواية سلمة بن تمام قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره، فاختصموا في ذلك إلى علي (عليه السّلام) فأجّله سنة، فجاء فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية «2».

و هذه الرواية مضافاً إلى ضعفها، لعدم توثيق سلمة الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام)، لا دلالة لها على نفي القصاص مع إمكانه و إيجاد مماثل الجناية، و التأجيل لا دلالة له على عدم ثبوت القصاص في الشعر المجرّد عن فساد المنبت، لما عرفت من أنّه مع الإفساد يكون الشعر تابعاً، و ليس جناية مستقلّة.

و رواية مسمع، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في اللّحية إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 261، أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 2.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 261، أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 400

[مسألة 27 يثبت القصاص في الأجفان مع التساوي في المحلّ]

مسألة 27 يثبت القصاص في الأجفان مع التساوي في المحلّ، و لو

خلت أجفان المجنيّ عليه عن الأهداب ففي القصاص وجهان، لا يبعد عدم ثبوته، فعليه الدية (1).

[مسألة 28 في الأنف قصاص]

مسألة 28 في الأنف قصاص، و يقتصّ الأنف الشام بعادمه، و الصحيح

______________________________

حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية «1».

و هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في عدم القصاص في حلق اللحية مع النبات إلّا أنّه لأجل ضعفها لا يمكن الاعتماد عليها في مقابل العمومات. ثمّ إنّ ظاهر المتن باعتبار إضافة الشعر إلى الحاجب كون الحاجب غير الشعر، كما في محكي القاموس حيث قال: الحاجبان العظمان فوق العينين بلحمهما و شعرهما «2». و لكن ظاهر المحقّق في الشرائع «3» أنّ المراد به هو الشعر كما في اللحية.

(1) أمّا ثبوت القصاص في الأجفان فلإمكانه و شمول الأدلّة، لكن مع رعاية التساوي في المحلّ من جهة اليمينية و الشمالية و الأسفلية و الأعلائية، و أمّا مع خلوّ أجفان المجنيّ عليه عن الأهداب و اشتمال أجفان الجاني عليها ففي القصاص وجهان: من تبعية الأهداب للأجفان، كالشعور النابتة على اليد غير المانعة عن القصاص، كما في المرأة و الرجل؛ و من أنّ الأهداب لها أصالة باعتبار ترتّب آثار كثيرة عليها، و لها وحدها دية، فلا يقاس بتلك الشعور. و هذا الوجه هو الأقرب، فالظاهر حينئذٍ أنّ فيه الدية دون القصاص.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 260، أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 1.

(2) القاموس المحيط: 1/ 54.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 1009.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 401

بالمجذوم ما لم يتناثر منه شي ء، و إلّا فيقتصّ بمقدار غير المتناثر. و الصغير و الكبير و الأفطس و الأشمّ و الأقنى سواء. و الظاهر عدم اقتصاص الصحيح بالمستحشف الذي هو كالشلل، و يقتصّ

بقطع المارن و بقطع بعضه، و المارن هو ما لان من الأنف، و لو قطع المارن مع بعض القصبة فهل يقتصّ المجموع أو يقتصّ المارن و في القصبة حكومة؟ وجهان، و هنا وجه آخر، و هو القصاص ما لم تصل القصبة إلى العظم، فيقتصّ الغضروف مع المارن و لا يقتصّ العظم (1).

______________________________

(1) أمّا أصل ثبوت القصاص في الأنف، فيدلّ عليه الكتاب و لا شبهة فيه. و أمّا اقتصاص الأنف الشامّ بعادمه فلأجل عدم ارتباط الشمّ بالعضو، فهو كقطع الأذن الصحيحة بالصمّاء على ما عرفت.

كما أنّ الظاهر اقتصاص الصحيح بالمجذوم إذا لم يتناثر منه شي ء، كما في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع «1». لكن عن القواعد «2» و كشف اللثام «3» أنّه لا يقطع العضو الصحيح بالمجذوم و إن لم يسقط منه شي ء فإنّه معرض له، و لكن يرد عليهما أن المعرضية للسقوط ما دام لم يتحقّق السقوط لا دليل على كونها مانعة عن القصاص في مقابل العمومات، و لا دليل على كونه كالأنف المستحشف الذي يكون فاقداً لآثار الحياة و عادماً للحركة الطبيعية، حيث لا يقتصّ به الصحيح، كما في الأذن المستحشف و في اليد الشلّاء على ما تقدّم. نعم مع سقوط مقدار منه بالجذام يتحقّق الاقتصاص بمقدار غير المتناثر.

و لا فرق أيضاً بين الصغير و الكبير، و الأفطس الذي هو من انخفضت قصبة

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1010.

(2) قواعد الأحكام: 2/ 303.

(3) كشف اللثام: 2/ 471.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 402

[مسألة 29 يقتصّ المنخر بالمنخر مع تساوي المحلّ]

مسألة 29 يقتصّ المنخر بالمنخر مع تساوي المحلّ، فتقتصّ اليمنى باليمنى و اليسرى باليسرى، و كذا يقتصّ الحاجز بالحاجز، و لو قطع بعض الأنف قيس المقطوع إلى أصله

و اقتصّ من الجاني بحسابه، فلو قطع بعض المارن قيس إلى تمامه، فإن كان نصفاً يقطع من الجاني النصف أو ثلثاً فالثلث، و لا ينظر إلى عظم المارن و صغره، أو قيس إلى تمام الأنف فيقطع بحسابه لئلّا يستوعب أنف الجاني إن كان صغيراً (1).

______________________________

أنفه، و الأشم الذي هو من ارتفعت قصبته قليلًا في استواء، و الأقنى الذي هو عبارة عمن ارتفع وسط قصبته و ضاق منخراه، هذا كلّه في قطع تمام الأنف.

و أمّا قطع البعض فإن كان المقطوع هو المارن الذي هو ما لان من الأنف أو بعضه فالظاهر ثبوت القصاص فيه لإمكانه و شمول الأدلّة، و إن كان المقطوع هو المارن مع بعض القصبة فهل يقتصّ المجموع لإمكانه، أو يقتصّ المارن و في القصبة حكومة؛ لأنّها غضروف و هو نوع من العظم و لا قصاص فيه، أو ثبوت القصاص في القصبة ما لم تصل إلى العظم؛ لأنّ العظم الذي لا يجري فيه القصاص هو العظم المشتمل على الصعوبة، و أمّا الغضروف فلا مانع من جريان القصاص فيه؟ وجوه ثلاثة؛ لا يبعد ترجيح الوجه الثالث كما ربّما يشعر به المتن.

(1) في هذه المسألة فرعان:

أحدهما: ثبوت القصاص في أحد المنخرين اللّذين هما ثقبا الأنف مع التساوي في المحلّ، و كذا في الحاجز، و الوجه فيه شمول الأدلة و ثبوت الحدّ له الموجب لإمكان القصاص.

ثانيهما: مقدار القصاص في قطع بعض الأنف، و ذكر في المتن ثبوت طريقين له:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 403

..........

______________________________

أحدهما: مقايسة المقدار المقطوع من المارن مثلًا مع تمام المارن، إن نصفاً فنصف، و إن ثلثاً فثلث، و هكذا، من دون نظر إلى عظم المارن و صغره.

ثانيهما: مقايسة المقدار

المذكور مع مجموع الأنف بالنحو المذكور، و الاقتصاص من الجاني بالحساب، و علّل الوجهين بأن لا يتحقّق استيعاب أنف الجاني إن كان صغيراً. و الظاهر عدم الاختلاف بين الوجهين إلّا أحياناً و بمقدار يسير.

و في الجواهر: كذا ذكره من تعرّض لذلك كالشيخ «1» و الفاضل «2» و ثاني الشهيدين «3» و الاصبهاني «4». ثم أورد عليه باقتضائه قطع القليل بالكثير و بالعكس، و بمنافاته لما مرّ في الشجاج من أنّه لو كان رأس الشاج صغيراً استوعبناه و أخذنا أرش الزائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح. ثم قال: اللّهمّ إلّا أن يدعىٰ استفادة النسبة المزبورة ممّا ورد من قوله تعالىٰ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ «5» مثلًا، و لكنّه كما ترى. ثم قال: و لعلّ الأولى فيه التقاصّ بما يمكن منه عرفاً و الرجوع في غيره إلى الدية «6».

أقول: الظاهر أنّ الفرق بين المقام و بين الشجاج و هي الجراحات الواردة على الرأس هو العرف الحاكم بتقدير الجناية في الرأس من جهة الطول و العرض و العمق، و بتقديرها في المقام من جهة تمام المارن مثلًا أو نصفه و هكذا لا من جهة

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 96.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 259.

(3) الروضة البهية: 10/ 86.

(4) كشف اللثام: 2/ 477.

(5) المائدة 5: 45.

(6) جواهر الكلام: 42/ 384.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 404

[مسألة 30 تقتصّ الشفة بالشفة مع تساوي المحلّ]

مسألة 30 تقتصّ الشفة بالشفة مع تساوي المحلّ، فالشفة العليا بالعليا و السفلىٰ بالسفلىٰ، و تستوي الطويلة و القصيرة، و الكبيرة و الصغيرة، و الصحيحة و المريضة ما لم يصل إلى الشلل، و الغليظة و الرقيقة، و لو قطع بعضها فبحساب المساحة كما مرّ، و قد ذكرنا حدّ الشفة في كتاب الديات (1).

[مسألة 31 يثبت القصاص في اللسان و بعضه ببعض بشرط التساوي في النطق]

مسألة 31 يثبت القصاص في اللسان و بعضه ببعض بشرط التساوي في النطق، فلا يقطع الناطق بالأخرس و يقطع الأخرس بالناطق و بالأخرس، و الفصيح بغيره، و الخفيف بالثقيل، و لو قطع لسان طفل يقتصّ به إلّا مع إثبات خرسه، و لو ظهر فيه علامات الخرس ففيه الدية (2).

______________________________

المساحة، فالفارق هو العرف، و منه يظهر عدم تمامية العلّة المذكورة في المتن، فإنّ الاستيعاب بمجرّده لو كان مانعاً لكان مانعاً في الرأس أيضاً، فتدبّر.

(1) أما أصل ثبوت القصاص في الشفة، فيدلّ عليه عمومات أدلّة القصاص بضميمة إمكان القصاص و رعاية المماثلة، و اللّازم رعاية تساوي المحلّ من جهة العلو و السفل، و لا فرق فيه من جهة الخصوصيات و العوارض المؤثِّرة في كثرة النفع و قلّته و جماله و غيره ما لم يصل إلى الشلل الموجب لانعدام الحركة الطبيعيّة و زوال آثار الحياة، فلا يقتصّ بها الصحيحة كما في اليد الشلّاء و غيرها، و لو قطع بعضها فبحساب المساحة المركّبة من الطول و العرض كما في الرأس، و حدّ الشفة مذكور في كتاب الديات، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

(2) أمّا أصل ثبوت القصاص في اللّسان و في بعضه فلما ذكر في المسألة السابقة، و يشترط فيه التساوي في النطق، فلا يقطع الناطق بالأخرس، و لا يقاس اللسان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - القصاص، ص: 405

[مسألة 32 في ثدي المرأة و حلمته قصاص]

مسألة 32 في ثدي المرأة و حلمته قصاص، فلو قطعت امرأة ثدي أخرى أو حلمة ثديها يقتصّ منها، و كذا في حلمة الرجل القصاص فلو قطع [الرجل] حلمته يقتصّ منه مع تساوي المحلّ، فاليمنىٰ باليمنى و اليسرى باليسرى، و لو قطع الرجل حلمة ثدي المرأة فلها القصاص من غير ردّ (1).

______________________________

بالاذن التي عرفت استقلالها عن القوّة السامعة، و جريان الاقتصاص في الصحيحة و إن كان المجنيّ عليها صمّاء، و ذلك للفرق بارتباط النطق باللسان بخلاف الاذن، كما لا يخفىٰ. و لا فرق في الاقتصاص بين الخصوصيات من جهة الفصاحة و الخفّة و غيرهما.

و لو قطع لسان طفل، فإن ظهر فيه علامات الخرس فلا يجري فيه الاقتصاص، كما أنّه لو ظهر فيه علامات النطق يتحقّق الاقتصاص بلا إشكال، و في صورة الشكّ و عدم ظهور شي ء من العلامتين فظاهر المتن الثبوت. و لعلّ الوجه فيه أصالة السلامة الناشئة من غلبتها المعتبرة عند العقلاء، و إلّا فالظاهر عدم الثبوت، لأنّه لا مجال للتمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية للمخصّص. بل يمكن القول بأنّ المقام شبهة مصداقية لنفس العامّ، لاعتبار المماثلة في مفهوم القصاص و هي مشكوكة، و لا شبهة فيه في عدم جواز التمسك، كما لا يخفىٰ.

(1) أمّا أصل ثبوت القصاص في ثدي المرأة و كذا في حلمته و في حلمة الرجل فلما مرّ من عموم أدلّة القصاص، غاية الأمر لزوم رعاية تساوي المحلّ من جهة اليمين و اليسار، فلو تساوى الجاني و المجنيّ عليه من جهة الذكورة و الأُنوثة فالأمر واضح. و لو اختلفا فان قطع الرجل حلمة ثدي المرأة ففي المتن: ان لها القصاص من غير ردّ، و مقتضاه ثبوت

القصاص في العكس أيضاً. و مرجعه إلى أنّ اختلاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 406

[مسألة 33 في السنّ قصاص بشرط تساوي المحلّ]

مسألة 33 في السنّ قصاص بشرط تساوي المحلّ، فلا يقلع ما في الفكّ الأعلى بما في الأسفل و لا العكس، و لا ما في اليمين باليسار و بالعكس، و لا تقلع الثنية بالرباعية أو الطاحن أو الناب أو الضاحك و بالعكس، و لا تقلع الأصلية بالزائدة، و لا الزائدة بالأصلية، و لا الزائدة بالزائدة مع اختلاف المحلّ (1).

______________________________

اللحمتين في الآثار و ترتّب آثار مهمّة على حلمة ثدي المرأة لا يوجب خللًا في القصاص، و ليس مثل العضو الصحيح و الشلل، و هذا هو الظاهر.

(1) الدليل على ثبوت القصاص في السنّ قوله تعالى وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ «1» و كذا عمومات أدلّة القصاص كتاباً و سنّة. و الظاهر لزوم رعاية تساوي المحلّ من جهة الفكّ الأعلى و الأسفل، و من جهة اليمين و اليسار، و كذا من جهة العناوين الموجودة في السنين، حيث إنّها ثمان و عشرون واحداً، اثنتا عشر في مقاديم الفم، ثنيتان من فوق و هما وسطها، و رباعيتان خلفهما، و نابان خلفهما، و مثلها من أسفل. و المآخير ستّة عشر و هي في كلّ جانب ضاحك، و ثلاثة أضراس، و مثلها من أسفل. و زاد الشافعي «2» أضراس العقل و هي النواجذ الأربعة، فتكون اثنتين و ثلاثين. و لكنه ليست غالبة في العادة، و الوجه في لزوم رعاية الجهتين اعتبار المماثلة في القصاص كما عرفت.

و لكنّه ربّما يقال بعدم اعتبار تساوي المحلّ أخذاً بإطلاق قوله تعالىٰ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ، و قد عرفت مراراً عدم جواز الأخذ بمثله بعد عدم كونه في مقام البيان من

هذه الجهة، مضافاً إلى وضوح الاختلاف باختلاف المحلّ، كما في سائر الأعضاء.

______________________________

(1) المائدة 5: 45.

(2) الحاوي الكبير: 15/ 349 350، المجموع: 20/ 71.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 407

[مسألة 34 لو كانت المقلوعة سنّ مثغر]

مسألة 34 لو كانت المقلوعة سنّ مثغر، أي أصلي نبت بعد سقوط أسنان الرضاع ففيها القصاص، و هل في كسرها القصاص أو الدية و الأرش؟ وجهان الأقرب الأوّل، لكن لا بدّ في الاقتصاص كسرها بما يحصل به المماثلة كالآلات الحديثة، و لا يضرب بما يكسرها لعدم حصولها نوعاً (1).

______________________________

و أمّا قلع الأصلية بالزائدة، فإن كان المراد بالزائدة هي التي نبتت مع الأصلية من منبت واحد فالظاهر عدم الجواز؛ لعدم تحقّق المماثلة بوجه؛ و إن كان المراد بها هي التي يعبَّر عنها بالنابتة، و هي ما نبتت في مكان الأصلية بعد قلعها، على خلاف حكم أهل الخبرة بعدم العود و هي التي تكون هبة اللّٰه، فالظاهر الجواز لثبوت المساواة و تحقّق المماثلة. و لكن الظّاهر عدم كون المراد بالزائدة الوجه الثاني، خصوصاً بعد كون دية الزائدة ثلث دية الأصلية و دية النابتة تمامها. و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يجوز قلع الزائدة بالأصلية أيضاً. نعم يجوز قلع الزائدة بالزائدة مع اتحاد المحلّ لتحقّق المماثلة حينئذٍ.

(1) المراد بالمثغر هو الشخص الذي نبت سنّه بعد سقوط أسنان الرضاع من أصلها الذي يكون مدفوناً في اللحم، و عليه فجعله بمعنى الأصلي الذي هي صفة للسنّ فيه مسامحة كما في المتن، مع أنّه على هذا التقدير كان المناسب جعله وصفاً يتبع الموصوف في الإعراب، فكان اللّازم نصب السنّ، كما لا يخفىٰ.

و كيف كان فثبوت القصاص فيه مع القلع إنّما هو لدلالة الآية عليه كما عرفت، بل هو

المصداق الظاهر لها. و أمّا مع الكسر دون القلع فالظاهر ثبوت القصاص فيه أيضاً، لأنّه و إن كان من العظام إلّا أنّه حيث يكون لحماً بارزاً ظاهراً يشاهد من أكثر جوانبه يمكن تحقّق المماثلة فيه من جهة الكسر، خصوصاً بالآلات الحديثة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 408

[مسألة 35 لو عادت المقلوعة قبل القصاص فهل يسقط القصاص أم لا؟]

مسألة 35 لو عادت المقلوعة قبل القصاص فهل يسقط القصاص أم لا؟ الأشبه الثاني، و المشهور الأوّل، و لا محيص عن الاحتياط بعدم القصاص، فحينئذٍ لو كان العائدة ناقصة أو متغيّرة ففيها الحكومة، و إن عادت كما كانت فلا شي ء غير التعزير إلّا مع حصول نقص ففيه الأرش (1).

______________________________

الشائعة في زماننا هذا. نعم لا مجال للضرب بما يكسره، لإمكان التفاوت بين الضربين و عدم حصول المماثلة نوعاً.

(1) لو عادت المقلوعة المفروضة في المسألة السابقة قبل القصاص، كما إذا تأخّر القصاص مدّة لفرار الجاني أو غيره فهل يسقط القصاص أم لا؟ صريح المتن إنّ المشهور هو الأوّل «1»، و في الجواهر بعد حكم المحقّق «2» بنفي القصاص و الدية قال: بلا خلاف محقّق أجده فيه «3». و الوجه في السقوط ما عرفت من الرواية الواردة في الاذن الدالّة على أنّ القصاص إنّما يكون لأجل الشين «4»، و المفروض ارتفاعه بعود المقلوعة و إن كان على خلاف العادة، كما أنّ الوجه في عدم السقوط مضافاً إلى الاستصحاب كون هذه نعمة و هبة جديدة من اللّٰه تعالى بإنباته، فلا يسقط حقّه به على الجاني، لكنّ الاحتياط اللّازم في ترك القصاص.

ثمّ على تقدير عدم القصاص تارة تكون المقلوعة ناقصة أو متغيّرة، و أُخرى تكون كما كانت، ففي الفرض الأوّل يكون فيها الحكومة و الأرش، و هل هي

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 289.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 1011.

(3) جواهر الكلام: 42/ 387.

(4) تقدّمت في ص 387.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 409

..........

______________________________

تفاوت ما بين قيمته بسنّ تامّة لو فرض عبداً و ما بين قيمته بسنّ متغيّرة و ملاحظة التفاوت مع الدية الكاملة، كما هو المحكي عن بعض «1»، أو أنّها عبارة عن تفاوت ما بين كونه مقلوع السنّ مدّة ثم نبتت متغيّرة، و بين كونه بسنّ في تلك المدّة و بعدها غير متغيّرة، كما عن غاية المراد «2» و المسالك «3» للشهيدين؟ وجهان.

و في الفرض الثاني حكم في المتن بأنّه لا شي ء فيه غير التعزير إلّا مع حصول نقص ففيه الأرش، و قد استحسن المحقّق في الشرائع «4» ثبوت الأرش فيه مطلقاً، و قد أوضحه الشهيد في محكي غاية المراد بأن يقوّم مقلوعها مدّة و غير مقلوعها أصلًا «5»، و إنّما كان ذلك هو الوجه؛ لأنّه نقص دخل على المجنيّ عليه بسبب الجاني فلا يهدر، للحديث «6» و لزوم الظلم، و عود السنّ نافي القصاص أو الدية لا ذلك النقص، لاستحالة إعادة المعدوم.

و أمّا التفصيل في ثبوت الأرش في هذا الفرض بين مورد حصول النقص و غيره، فالظاهر أنّ النظر فيه إلى أنّ المقلوعية مدّة هل أوجبت نقصاً كمرض و نحوه أم لا؟ فإن أوجبت يلاحظ التفاوت بالإضافة إليه، و عليه فمرجعه إلى عدم تسلّم ما في غاية المراد، فيدلّ على أنّ المراد بالحكومة في الفرض الأوّل هو الوجه الأول. و لعلّ الوجه فيه ما في الجواهر: من عدم كون الحرّ مالًا يدخله النقص في

______________________________

(1) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع: 4/ 457.

(2) غاية المراد: 375.

(3) مسالك الأفهام: 15/ 290.

(4)

شرائع الإسلام: 4/ 1011.

(5) غاية المراد: 375.

(6) وسائل الشيعة: 19/ 134، أبواب قصاص الطرف ب 14 ح 3 وص 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 410

[مسألة 36 لو عادت بعد القصاص فعليه غرامتها للجاني]

مسألة 36 لو عادت بعد القصاص فعليه غرامتها للجاني بناء على سقوط القصاص إلّا مع عود سنّ الجاني أيضاً، و تستعاد الدية لو أخذها صلحاً. و لو اقتصّ و عادت سنّ الجاني ليس للمجنيّ عليه إزالتها، و لو عادت سنّ المجنيّ عليه ليس للجاني إزالتها (1).

______________________________

مثل ذلك، و كون العبد أصلًا له في ما ليس له مقدّر إنّما هو في الجراحات، و ليس ذلك منها «1». مع إمكان المنع في العبد أيضاً، لأنّ المقلوعية مدّة بمنزلة فقد الصحّة فيها مع العود بعدها، كما لا يخفىٰ.

(1) الوجه في ثبوت الغرامة بناء على سقوط القصاص في المسألة المتقدّمة إنّما هو كون العود كاشفاً عن عدم ثبوت حقّ القصاص، و إنّه قد وقع في غير محلّه، و حيث إنّ وقوعه كان مشروعاً مستنداً إلى أصالة عدم العود فلا محالة تثبت الغرامة بدلًا عن القصاص و الدية إلّا مع عود سنّ الجاني أيضاً، فلا مجال للغرامة، خلافاً لما عن الشيخ «2» و الفاضلين «3» من عدم غرامة الدية، و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو كان المجنيّ عليه أخذ الدية صلحاً و بعوض القصاص مع التراضي فاللّازم مع العود إرجاعها إلى الجاني.

و لو اقتصّ و عادت سنّ الجاني ففي المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع «4» و ابن إدريس «5»

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 388.

(2) المبسوط: 7/ 99.

(3) مختلف الشيعة: 9/ 390 391، مسألة 69.

(4) شرائع الإسلام: 4/ 1011.

(5) السرائر: 3/ 387.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- القصاص، ص: 411

..........

______________________________

و الفاضل «1» و الشهيدين «2» و الأردبيلي «3» على ما حكي عنهم لم يكن للمجنيّ عليه إزالتها، و لكن المحكيّ عن الخلاف «4» و المبسوط «5» و الوسيلة «6» أنّ له إزالتها أبداً أي متعدّداً ما دام العود، بل في المبسوط أنّه الذي يقتضيه مذهبنا، بل في الأول أنّ عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، و إن اعترض عليه في السرائر بعدم ثبوت الإجماع و الأخبار بوجه. قال: و إنّما أجمعنا في الاذن لأنّها ميتة لا تجوز الصلاة معها؛ لأنّه حامل نجاسة و لإجماعنا و تواتر أخبارنا، فالتعدية إلى السنّ قياس و هو باطل عندنا.

و لكن ذكر في الجواهر أنّه يمكن أن يكون الشيخ أشار بالأخبار إلى ما سمعته في الاذن من قول أمير المؤمنين (عليه السّلام): و إنّما يكون القصاص من أجل الشين «7»، الصريح في أنّ إزالتها لذلك لا لنجاستها، بل و إلى ما ورد «8» في سنّ غير المثغر التي أنبتت من عدم القصاص بها، إذ ليس هو إلّا لإنباتها، فلا يقلع بها سنّ المثغر التي لم تعد في العادة إن قلعت، و بنبات السنّ من المثغر في الفرض يظهر أنّها بحكم غير المثغر، و إن كان على خلاف العادة، فلا تصلح أن تكون قصاصاً عن سنّ المثغر و إلّا لشرع القصاص لها بسنّ المثغر، فالمتجه حينئذٍ ما ذكره الشيخ «9».

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 308، إرشاد الأذهان: 2/ 207.

(2) الروضة البهية: 10/ 87، و حكى عن حواشي الشهيد الأول في مفتاح الكرامة: 10/ 182.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 99.

(4) الخلاف: 5/ 204 مسألة 77.

(5) المبسوط: 7/ 99.

(6) الوسيلة: 448.

(7) وسائل الشيعة: 19/ 139، أبواب قصاص الطرف ب

23 ح 1.

(8) وسائل الشيعة: 19/ 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 1.

(9) جواهر الكلام: 42/ 395.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 412

[مسألة 37 لو قلع سنّ الصبي ينتظر به مدّة جرت العادة بالإنبات فيها]

مسألة 37 لو قلع سنّ الصبي ينتظر به مدّة جرت العادة بالإنبات فيها، فإن عادت ففيها الأرش على قول معروف، و لا يبعد أن يكون في كلّ سنّ منه بعير، و إن لم تعد ففيها القصاص (1).

______________________________

و كيف كان فإن قلنا بحجّية ما ورد في الاذن المشتمل على التعليل المذكور، فاللّازم الالتزام بجواز الإزالة أبداً، و إلّا فاللّازم الأخذ بمقتضى القاعدة، و ربّما يقال بالابتناء على كون العائدة هبة من اللّٰه تعالى فلا تجوز الإزالة، أو بدل الفائت فتجوز. و لكنّ الظاهر أنّه بناء على البدليّة لا تجوز الإزالة أيضاً، لأنّ العود بمنزلة اندمال الجرح الواقع قصاصاً، فكما أنّه لا يوجب مشروعية القصاص ثانياً فكذلك العود، و عدم مشروعية القصاص في سنّ المثغر إذا كانت الجناية على سنّ غير المثغر لا يستلزم جواز الإزالة في المقام بوجه.

ثم إنّه لو قلنا بعدم جواز الإزالة في سنّ الجاني العائدة، فعدم جوازها في سن المجنيّ عليه العائدة يكون بطريق أولى، كما لا يخفىٰ.

(1) أمّا صورة العود ففي الجواهر بعد حكم المتن فيها بثبوت الحكومة: بلا خلاف أجده فيه أيضاً «1» أي كأصل وجوب الانتظار بل عن الخلاف «2» و السرائر «3» الإجماع عليه.

و الوجه في عدم ثبوت القصاص فيها بل الأرش فكأنّه مضافاً إلى مقتضى التعليل الوارد في رواية الأُذن المتقدّمة، و هو قوله (عليه السّلام): «إنّما يكون القصاص من

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 389.

(2) الخلاف: 5/ 244 مسألة 39.

(3) السرائر: 3/ 386 387.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

القصاص، ص: 413

..........

______________________________

أجل الشين» لاقتضائه ثبوت القصاص مع عدم عود السن مرسلة جميل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه قال في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت، قال: ليس عليه قصاص و عليه الأرش «1». و رواها في الوسائل في باب آخر أيضاً مع إضافة قال علي أي علي بن حديد الراوي عن جميل-: و سأل جميل كم الأرش في سنّ الصبي و كسر اليد؟ قال: شي ء يسير و لم يُرو فيه شيئاً معلوماً «2».

و الظاهر أنّ المراد بالأرش في نفسه هو تفاوت ما بين كونه فاقد السنّ و زمن ذهابها و واجدها لو كان عبداً، لكن حكي عن المبسوط أنّ المراد بها حكومة الجرح و إسالة الدم، حيث قال: فأمّا إسالة الدم فإن كان عن جرح في غير مغرزها و هو اللّحم الذي حول السنّ و محيط بها ففيه حكومة لأنّها جناية على محلّ السنّ «3». و الظاهر اعتبار كلا الأمرين و رعاية الجهتين على تقدير ثبوت الأرش، و إن كان يمكن المناقشة في أصل الثبوت نظراً إلى كون الرواية مرسلة، و أنّه لا فرق في عدم حجّية الروايات المرسلة بين الرواة المرسلين لها، و إنّ ما اشتهر من المعاملة مع بعض المراسيل معاملة المسند غير صحيح كما حقّقناه في كتاب الحدود «4»، و لم يعلم في المقام استناد المشهور إلى الرواية حتى يكون جابراً لها، بل يحتمل أن يكون حكمهم بذلك مستنداً إلى اقتضاء القاعدة لثبوت الأرش، و عليه فلا بدّ من ملاحظتها. و يمكن أن يقال حينئذٍ بعدم الاقتضاء لما أشرنا إليه من أنّ كون العبد أصلًا إنّما هو في مورد الجراحات لا فيما يشمل المقام، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل

الشيعة: 19/ 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 19/ 134، أبواب قصاص الطرف ب 14 ح 2.

(3) المبسوط: 7/ 97.

(4) تفصيل الشريعة، كتاب الحدود، 353 357.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 414

..........

______________________________

ثمّ إنّ هنا روايتين آخرتين:

إحداهما: رواية مسمع، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّ عليّاً (عليه السّلام) قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كلّ سنّ «5».

ثانيتهما: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قضى في سنّ الصبي إذا لم يثغر ببعير «6».

و يظهر من المتن أنّه حمل هاتين الروايتين على خصوص صورة العود التي هي مورد المرسلة المتقدّمة، و لعلّ الوجه فيه كون الغالب في سنّ الصبيّ غير المثغر العود، لأنّ طبعه يقتضي السقوط ثم الإنبات. و عليه فإن كان قوله في المتن: «بعير» منصوباً كما هو المحتمل قويّاً و إن كان على خلاف النسخة الموجودة عندي، يكون الظاهر منه أنّ الأرش الذي هو مدلول المرسلة مفسَّر في الروايتين بالبعير، و لا مانع من أن يكون مقدّراً في بعض الموارد، و إن كان لولا التفسير لكان المراد منه ما ذكرنا من التفاوت و الجرح.

و إن كان قوله في المتن: «بعير» مرفوعاً كما في النسخة الموجودة عندي فربّما يشعر المتن بثبوت الأرش بمعناه العرفي و البعير معاً، و هو في غاية البعد، لعدم كون الجناية المتحقّقة بالقلع بالغة في الشدّة حدّا يترتّب عليها الجمع بين الأمرين، كما لا يخفى. هذا ما يتعلّق بصورة العود.

و أمّا صورة عدم العود فقد اعترف غير واحد بأنّ المشهور بين الأصحاب ثبوت القصاص فيه «1»، بل في الجواهر: لا أجد فيه خلافاً

محقّقاً، و إن حكى في

______________________________

(5) وسائل الشيعة: 19/ 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 2.

(6) وسائل الشيعة: 19/ 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 3.

(1) رياض المسائل: 10/ 365.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 415

..........

______________________________

المسالك قولًا بالعدم «1»، لأنّ سنّ الصبيّ فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرّة بعد اخرى «2» و حكى في الشرائع بعد حكمه بثبوت الأرش في صورة العود و القصاص في صورة العدم، قولًا بأنّ في سنّ الصبي بعيراً مطلقاً «3»، و في الجواهر نقل هذا القول عن المهذب «4» و الغنية «5» و الكافي «6» و الوسيلة «7» و الإصباح «8» و ديات المبسوط «9»، بل حكى عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، و عن المختلف أنّ عليه عمل الأكثر «10».

و ظاهر حكاية المحقّق إنّ هذا القول في مقابل القول بثبوت الأرش مع العود و القصاص مع عدمه، و عليه فمقتضاه ثبوت البعير في قلع سنّ الصبي مطلقاً، و تنطبق هذه الفتوى على الروايتين الأخيرتين بضميمة دعوى كون المراد من موردهما هو سنّ الصبيّ غير المثغر أعم من صورة العود و عدمه.

و لكن يرد عليه مضافاً إلى ضعف الروايتين و عدم ثبوت جابر لهما أنّه كيف يجتمع ثبوت الشهرة و تحقّقها على الأرش و القصاص، مع دعوى الإجماع على هذا

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 15/ 289.

(2) جواهر الكلام: 42/ 390.

(3) شرائع الإسلام: 4/ 1011.

(4) المهذّب: 2/ 483.

(5) غنية النزوع: 418.

(6) الكافي في الفقه: 398.

(7) الوسيلة: 448.

(8) إصباح الشيعة: 505.

(9) المبسوط: 7/ 138.

(10) مختلف الشيعة: 9/ 389 مسألة 67.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 416

[مسألة 38 يثبت القصاص في قطع الذكر]

مسألة 38 يثبت القصاص في

قطع الذكر، و يتساوى في ذلك الصغير و لو رضيعاً و الكبير بلغ كبره ما بلغ، و الفحل و الذي سلّت خصيتاه إذا لم يؤدّ إلى شلل فيه، و الأغلف و المختون، و لا يقطع الصحيح بذكر العنين و من في ذكره شلل، و يقطع ذكر العنين بالصحيح و المشلول به، و كذا يثبت في قطع الحشفة، فتقطع الحشفة بالحشفة، و في بعضها أو الزائد عليها استوفى بالقياس إلى الأصل، إن

______________________________

القول، أو كون عمل الأكثر عليه كما في المختلف، بل كيف تجتمع هاتان الروايتان مع المرسلة الدالّة على الأرش مع العود، و هل وجه الجمع حملهما على صورة العدم أو الحكم بالجمع بين البعير و الأرش، كما حكي احتماله عن الشيخ (قدّس سرّه) «1»؟ لا مجال للثاني لكونه واضح الفساد كما في الجواهر «2»، كما أنّه لا مجال للأوّل لأنّه مضافاً إلى عدم التنافي المقتضي للتقييد لكون الطرفين مثبتين يلزم حمل الروايتين على الفرد النادر، و هي صورة عدم العود.

هذا، و مقتضى القاعدة بعد ضعف الروايتين و عدم ثبوت الجابر الرجوع إلى عمومات أدلّة القصاص، و الحكم بثبوته مع عدم العود كما هو المفروض.

ثمّ إنّ تقييد مدّة الانتظار بما جرت العادة بالإنبات فيها إنّما هو في مقابل مثل القواعد «3» لأنّ ظاهرها تعيين مدّة الانتظار بالسّنة، لأنّه لا دليل عليه بوجه. و عن الشهيد في غاية المراد «4» أنّه غريب جدّاً، نعم وقع التحديد بالسَّنة فيما إذا ضربت السنّ و لم تقلع في بعض الروايات، و لكنّه غير المقام.

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 138.

(2) جواهر الكلام: 42/ 391.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 309.

(4) غاية المراد: 376 (مخطوط).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 417

نصفاً فنصفاً،

و إن ثلثاً فثلثاً، و هكذا (1).

[مسألة 39 في الخصيتين قصاص]

مسألة 39 في الخصيتين قصاص، و كذا في إحداهما مع التساوي في المحلّ، فتقتصّ اليمنى باليمنى و اليسرى باليسرى، و لو خشي ذهاب منفعة الأُخرى تؤخذ الدية، و لا يجوز القصاص إلّا أن يكون في عمل الجاني ذهاب المنفعة فيقتصّ، فلو لم تذهب بالقصاص منفعة الأُخرى مع ذهابها بفعل الجاني فإن أمكن إذهابها مع قيام العين يجوز القصاص و إلّا فعليه الدية، و لو قطع الذكر و الخصيتين اقتصّ منه، سواء قطعهما على التعاقب أو لا (2).

______________________________

(1) لا إشكال و لا خلاف في ثبوت القصاص في قطع الذكر، لعموم الأدلّة و إمكان التساوي و المماثلة من دون فرق بين الموارد و الخصوصيات، نعم لا يقطع الصحيح بذكر العنين و من في ذكره شلل، و الأوّل نوع من الثاني أو بحكمه. و المراد من الثاني أن يكون منقبضاً لا ينبسط و لو في الماء الحارّ، أو منبسطاً لا ينقبض و لو في الماء البارد، و إن التذّ صاحبه و أمنى بالمساحقة و أولد. و الدليل ما ورد في اليد من عدم قطع الصحيحة بالشلّاء، نعم لا مانع من العكس كما في اليد أيضاً.

و كما يكون القصاص ثابتاً في قطع تمام الذكر، كذلك يكون ثابتاً في قطع بعضه من الحشفة بتمامها أو بعضها أو الزائد عليها. و التقدير بلحاظ القياس إلى الأصل من النصف و الثلث و مثلهما، لا بلحاظ الطول؛ لعدم كون تقدير الجناية بهذا اللحاظ بحسب نظر العرف بخلاف الرأس، كما تقدّم.

(2) لا إشكال و لا خلاف أيضاً في ثبوت القصاص في الخصيتين، و كذا في إحداهما مع رعاية التساوي في المحل و إمكان المعاملة بالمثل، فلو خشي

ذهاب منفعة الأخرى في الجاني من دون أن يكون في عمله مثله ينتقل إلى الدية و لا يجوز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 418

[مسألة 40 في الشفرين القصاص]

مسألة 40 في الشفرين القصاص، و المراد بهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، و كذا في إحداهما، و تتساوى فيه البكر و الثّيب و الصغيرة و الكبيرة، و الصحيحة و الرتقاء و القرناء و العفلاء و المختونة و غيرها، و المفضاة و السليمة، نعم لا تقتصّ الصحيحة بالشلّاء، و القصاص في الشفرين إنّما هو فيما جنت عليها المرأة. و لو كان الجاني عليها رجلًا فلا قصاص عليه، و عليه الدية، و في رواية غير معتمد عليها: إن لم يؤدّ إليها الدية قطع لها فرجه، و كذا لو قطعت المرأة ذكر الرجل أو خصيته لا قصاص عليها و عليها الدية (1).

______________________________

القصاص، و كذا في صورة ذهاب المنفعة في المجنيّ عليه إن كان القصاص موجباً لذهابها في الجاني و إلّا فبما أمكن، خصوصاً في هذه الأزمنة و مع عدم الإمكان يأخذ الدية زائداً على قصاص الأولى، و كما يتحقّق القصاص في خصوص الذكر أو الخصيتين يجري في مجموعهما من دون فرق بين وقوع الجناية دفعة أو على نحو التعاقب. و من دون فرق في صورة التعاقب بين ما إذا شلّ الذكر بعد قطع الخصيتين، و بين ما إذا لم يتحقّق الشلل، و ذلك لأنّ الشلل الجائي من قبل الجاني مضمون لا يمنع عن القصاص بوجه، كما لا يخفىٰ.

(1) الدليل فيه ما تقدّم في المسائل السابقة من عموم الأدلّة و إمكان المساواة، و لا فرق فيه بين الموارد و الخصوصيات، نعم لا تقتصّ الصحيحة بالشلّاء، كما أنّ مورد

القصاص ما إذا كان الجاني امرأة واجدة للشفرين، أمّا مع انتفاء إحدى الخصوصيتين لا مجال للقصاص، بل تتعيّن الدية. نعم هنا رواية و هي رواية عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّ في كتاب علي (عليه السّلام): لو أنّ رجلًا قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها، و إن لم يؤدّ إليها الدية قطعت لها فرجه إن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 419

[مسألة 41 لو أزالت بكر بكارة أخرى فالظاهر القصاص]

مسألة 41 لو أزالت بكر بكارة أخرى فالظاهر القصاص، و قيل بالدية، و هو وجيه مع عدم إمكان المساواة، و كذا تثبت الدية في كلّ مورد تعذّر المماثلة و المساواة (1).

[و هنا فروع]

اشارة

و هنا فروع:

[الأوّل: لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد يداً كاملة صحيحة]

الأوّل: لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد يداً كاملة صحيحة فللمجنيّ عليه القصاص. فهل له بعد القطع أخذ دية ما نقص عن يد الجاني؟ قيل: لا، و قيل: نعم فيما يكون قطع إصبعه بجناية و أخذ ديتها أو استحقّها، و أمّا إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحقّ المقتصّ شيئاً، و الأشبه أنّ له الدية مطلقاً،

______________________________

طلبت ذلك «1».

و ظاهر أنّ المراد بقطع الفرج هو قطع اللّحمين المذكورين، و في المتن أنّ الرواية غير معتمد عليها، و الظاهر أنّ نظره إلى ابن سيابة، حيث لم يرد فيه توثيق، و لكن حيث إنّه واقع في أسانيد كامل الزيارات «2» لا مانع من الحكم بصحّة روايته، غير أنّ الظاهر أنّه لم يفت الأصحاب على طبقها.

ثمّ إنّه ظهر أنّه مع قطع المرأة ذكر الرجل أو خصيته أو قطع رجل مقطوع الذكر أو الخصية لا مجال للقصاص، بل تتعيّن الدية.

(1) ثبوت القصاص إنّما هو على تقدير إمكان المساواة، و عليه فالاختلاف يرجع إلى الإمكان و عدمه، لكونها من البواطن و لا تدرك بالبصر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 128، أبواب قصاص الطرف ب 9 ح 2.

(2) كامل الزيارات: 149 باب 23 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 420

و لو قطع الصحيح الناقص عكس ما تقدّم فهل تقطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه، أو لا يقتصّ و عليه الدية، أو يقتصّ ما وجد و في الباقي الحكومة؟ وجوه، و المسألة مشكلة مرّ نظيرها (1).

______________________________

(1) في هذا الفرع أمران:

الأمر الأوّل: لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد يداً كاملة فلا اشكال و لا خلاف في

عدم منع ذلك من القصاص بوجه، إنّما الخلاف في أنّه بعد القصاص منه يستحقّ دية ما نقص من الإصبع أو الأزيد أم لا؟ و فيه أقوال ثلاثة:

أحدها: ما جعله في المتن الأشبه و اختاره الشيخ في الخلاف «1» و موضع من المبسوط «2» و العلّامة في التحرير «3» و الشهيد الثاني «4» و المحقّق الكركي «5» و بعض آخر «6» بل ادّعى في الخلاف الإجماع عليه من استحقاق أخذ الدية مطلقاً، سواء كانت مفقودة خلقة، أو بآفة، أو قصاصاً، أو بجناية موجبة لاستحقاق الدية، سواء استوفاها أم لا؟

و الدليل عليه أنّه بعد عدم إمكان القصاص بالإضافة إليه لا بدّ من الحكم بالانتقال إلى الدية، و الشاهد عليه جريان القصاص فيه مستقلا مع الإمكان، و ثبوت ديته كذلك مع عدم الإمكان، و عدم استحقاق شي ء في اقتصاص اليد

______________________________

(1) الخلاف: 5/ 193 مسألة 60.

(2) المبسوط: 7/ 79 80.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 260.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 292.

(5) قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: 11/ 133: و قد حكي [هذا القول] عن المحقّق الثاني.

(6) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 100، و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع: 2/ 130.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 421

..........

______________________________

الشلّاء بالصحيحة إنّما هو لأجل أنّ الاختلاف بينهما إنّما هو في الكيفية و وصف الصحّة و السلامة الموجود في المجنيّ عليه، فهو مثل اقتصاص المرأة بالرجل، و أمّا المقام فالاختلاف في الكمية و النقص و التمام. فالمقام كما قيل نظير ما لو أتلف على شخص صاعي حنطة و وجد للمتلف صاع واحد فقط، فإنّ لصاحب الحقّ أخذه و المطالبة ببدل الفائت، دون ما لو وجد له صاعي حنطة

رديئة مثلًا، فإنّه ليس له أخذها و المطالبة ببدل الفائت، و إن قال في الجواهر بعد نقله: فيه نظر واضح «1». و وجهه وجود عنوانين في الحنطة من جهة وحدة الصاع و تعدّده، بخلاف المقام الذي لا يوجب اختلاف اليد في النقص و التمام تعدّد العنوان، و لكن مع ذلك لا يوجب الخلل في التنظير الإشكال في أصل الحكم: و هو ثبوت الدية من دون فرق بين صور الفقدان المذكورة.

ثانيها: ما اختاره الشيخ (قدّس سرّه) في موضع آخر من المبسوط «2» و تبعه ابن البراج في محكي الكتابين المهذّب «3» و الجواهر «4» من التفصيل بين ما إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة فلا يستحق و بين غيرهما من الموارد فيستحقّ، و قد استدلّ عليه برواية سورة بن كليب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن رجل قتل رجلًا عمداً و كان المقتول أقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده و يقتلوه، و إن شاؤوا

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 397.

(2) المبسوط: 7/ 85.

(3) المهذّب: 2/ 477.

(4) جواهر الفقه: 215 216 مسألة 748.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 422

..........

______________________________

طرحوا عنه دية يد و أخذوا الباقي، قال: و إن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله و لا يغرم شيئاً، و إن شاؤوا أخذوا دية كاملة. قال: و هكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السّلام) «1».

و لكنّ

الرواية مضافاً إلى ضعف سندها لعدم توثيق سورة بن كليب واردة في القتل و لا دليل على الجريان في الطرف أيضاً. مع أنّ موردها كون المجنيّ عليه ناقصاً، و محلّ الكلام في المقام ما إذا كان الجاني كذلك، فلا يمكن الاستدلال بها لما نحن فيه.

ثالثها: عدم استحقاق الدية مطلقاً، و هو الذي اختاره بعض متأخري المتأخّرين «2»، و ربّما يستدلّ له أنّه لا دليل على ثبوتها بعد صدق اليد باليد، كما ورد في بعض الروايات «3».

و لكن يرد عليه مضافاً إلى عدم كون مثل اليد باليد وارداً في مقام البيان من هذه الجهة عدم تحقّق المقاصّة المعتبرة في مفهومها المماثلة بدون الدية، فالأشبه كما في المتن هو القول الأوّل.

الأمر الثاني: ما لو قطع الصحيح الناقص عكس الأمر الأوّل، و فيه أيضاً وجوه ثلاثة:

أحدها: ما عن القواعد «4» و التحرير «5» و المسالك «6» من أنّه لا تقطع يد الجاني بل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 82، أبواب القصاص في النفس ب 50 ح 1.

(2) راجع مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 81.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 131، أبواب قصاص الطرف ب 12 ح 2.

(4) قواعد الأحكام: 2/ 304.

(5) تحرير الأحكام: 2/ 260.

(6) مسالك الأفهام: 15/ 293.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 423

[الثاني: لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثمّ اندملت]

الثاني: لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثمّ اندملت ثبت القصاص فيهما، فتقطع كفّه من المفصل، و لو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص، و لو قطع معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع، و في الزائد يحتمل الحكومة و يحتمل الحساب بالمسافة (حة ظ)، و لو قطعها من المرفق فالقصاص، و في الزيادة ما مرّ، و حكم

الرجل حكم اليد، ففي القطع من المفصل قصاص، و في الزيادة ما مرّ (1).

______________________________

يقطع منها الأصابع التي قطعها، و يؤخذ منه حكومة الكفّ.

ثانيها: المنع عن القصاص على هذا الوجه لعدم المماثلة. قال في الجواهر: و لعلّ هذا القول هو المحكي عن ابن إدريس «1» بل هو الذي فهمه بعض من عبارة الإرشاد: يقتصّ للكامل من الناقص و لا يضمّ أرش، و لا يجوز العكس فتثبت الدية «2» «3».

ثالثها: قطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه، و هذا القول هو المشهور، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه «4»، و قد تقدّم البحث في نظير هذه المسألة، فراجع ما هناك «5».

(1) في هذا الفرع أُمور:

الأوّل: ما لو قطع إصبع رجل مثلًا فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثم اندملت. و في الشرائع بعد الحكم بثبوت القصاص فيهما قال: و هل له القصاص في الإصبع و أخذ

______________________________

(1) لاحظ السرائر: 3/ 416.

(2) إرشاد الأذهان: 2/ 207.

(3) جواهر الكلام: 42/ 398.

(4) غنية النزوع: 410.

(5) تقدّم في ص 357 360.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 424

..........

______________________________

الدية في الباقي؟ الوجه لا، لإمكان القصاص فيهما «1». و عليه ففيه احتمالان:

أحدهما: ثبوت القصاص في كلّ من الإصبع و الكفّ و إن تحقّق الاندمال، و الوجه فيه يظهر بعد وضوح ضمان السراية و كونها من توابع جنايته، و إن كانت الجناية المتبوعة صادرة بالمباشرة و الجناية التابعة مستندة إليه لأجل أقوائية السبب. و بعد إمكان جريان القصاص في كلّ من الأمرين بقطع يد الجاني من الكفّ فهو كما إذا قطعت الكفّ ابتداء عمداً بضربة واحدة، حيث لا يجري فيه غير القصاص إلّا مع التراضي، بل كما لو

جنى عليه باليد فسرت إلى النفس فإنّه ليس للوليّ الاقتصاص في اليد و أخذ الدية من النفس، بل يثبت قصاص النفس.

ثانيهما: ما أشار إليه المحقّق في الشرائع «2» من ثبوت حقّ القصاص في الإصبع و جواز أخذ الدية في الباقي و لو مع عدم التراضي، و ظاهره جواز القصاص أيضاً. و الوجه فيه تعدّد الجناية و ثبوت حكم كلّ واحدة عليها مستقلا، فبالإضافة إلى الإصبع القصاص و بالإضافة إلى الكفّ الدية؛ لعدم إمكان قصاصها مستقلّة.

و فيه: مضافاً إلى وضوح بطلان التعدّد و كون السراية من آثار الجناية الأولى و توابعها، إنّ لازمه حينئذٍ تعيّن أخذ الدية في الكفّ لا التخيير بينه و بين القصاص، كما هو ظاهر هذا الاحتمال.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص؛ ص: 424

الثاني: لو قطع يده من مفصل الكوع، فالظاهر ثبوت القصاص لعموم أدلّته و إمكان تحقّق المماثلة؛ لفرض كونه مفصلًا، و المراد من مفصل الكوع هو طرف الزند الذي يلي الإبهام.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1011 1012.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 1012.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 425

..........

______________________________

الثالث: الفرض الثاني مع إضافة قطع بعض الذراع معه، و فيه احتمالات:

أحدها: ما في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع من ثبوت الاقتصاص في اليد من مفصل الكوع لإمكانه و انضباطه و الحكومة في الزائد دون القصاص، لعدم المفصل و اختلاف أوضاع العروق و الأعصاب و عدم القصاص في كسر العظام، و المراد بالحكومة التفاوت على تقدير هذا النقص لو فرض كونه عبداً،

كما في سائر الموارد.

ثانيها: ما عن ابن إدريس «1» من الحكم باعتبار المساحة بدل الحكومة، و المراد بالمساحة ملاحظة النسبة، إن كان المقطوع نصف الذراع كان عليه نصف دية الذراع، و إن كان ثلثاً فثلث، و هكذا. و احتمل صاحب الجواهر «2» أن يكون المراد بالحكومة في القول الأوّل هي المساحة في هذا القول، مع أنّه خلاف الظاهر جدّاً.

ثالثها: ما عن أبي علي «3» من أنّ له القصاص من المرفق بعد ردّ الفاصل.

رابعها: ما احتمله صاحب الجواهر، حيث قال: لولا ظهور الاتّفاق أمكن القول بالانتقال إلى الدية؛ لتعذّر القصاص من محلّ الجناية، و لا دليل على ثبوته في غيرها «4».

و الظاهر هو الاحتمال الأوّل الذي اختاره في المتن تبعاً للشرائع، و ذلك لأنّ الحكم بثبوت القصاص في مقدار الجناية فقط لا مجال له بعد عدم إمكان تحقّق المماثلة غالباً، و بثبوته في المرفق الذي هو زائد على مقدار الجناية لا مجال له أيضاً،

______________________________

(1) السرائر: 3/ 395.

(2) جواهر الكلام: 42/ 401.

(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 458 مسألة 136.

(4) جواهر الكلام: 42/ 401.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 426

[الثالث: يشترط في القصاص التساوي في الأصالة و الزيادة]

الثالث: يشترط في القصاص التساوي في الأصالة و الزيادة، فلا تقطع أصلية بزائدة و لو مع اتّحاد المحلّ، و لا زائدة بأصلية مع اختلاف المحلّ، و تقطع الأصلية بالأصلية مع اتّحاد المحلّ، و الزائدة بالزائدة كذلك، و كذا الزائدة بالأصلية مع اتّحاد المحلّ و فقدان الأصلية، و لا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى و بالعكس، و لا الزائدة اليمنى بالأصلية اليسرى، و كذا العكس (1).

______________________________

لكونه زائداً على الحق، و لا دليل على جريان القصاص فيه. و الانتقال إلى الدية في المجموع

كما في الاحتمال الأخير لا سبيل له، لأنّ التفكيك في القصاص بين قطع المفصل و بين قطع الزائد عنه في غاية الغرابة، مع أنّ العرف يعبّر عن الثاني بقطع المفصل و الزيادة، و لازمه كون الزيادة مانعة عن القصاص، فالظاهر حينئذٍ هو الجمع بين القصاص من مفصل الكوع و بين الدية بالإضافة إلى الزائد الذي لا يجري فيه القصاص.

كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الحكومة ما ذكرنا، لا ما هو المحكي عن ابن إدريس من حساب المساحة، لأنّ ثبوت الدية للعضو لا يقتضي التوزيع إن نصفاً فنصف و إن ثلثاً فثلث، و إن كان فيه كلام سيأتي في كتاب الديات إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الرابع: ما لو قطع من المرفق أو الزائد عنه، فيجري القصاص في المرفق لما ذكر، و يجري في الزيادة الحكومة بنحو ما مرّ.

الخامس: يجري جميع الفروض المذكورة في اليد في الرجل، و يترتّب عليه الأحكام المذكورة هناك من دون فرق أصلًا.

(1) لا خلاف في اعتبار التساوي في الأصالة و الزيادة في القصاص، بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 427

[الرابع: لو قطع كفّه فإن كان للجاني و المجنيّ عليه إصبعاً (إصبع ظ) زائدة في محلّ واحد]

الرابع: لو قطع كفّه فإن كان للجاني و المجنيّ عليه إصبعاً (إصبع ظ) زائدة في محلّ واحد كالإبهام الزائدة في يمينها و قطع اليمين من الكفّ اقتصّ منه، و لو كانت الزائدة في الجاني خاصّة، فإن كانت خارجة عن الكفّ يقتصّ منه و تبقى الزائدة، و إن كانت في سمت الأصابع منفصلة فهل يقطع الكفّ و تؤتى دية الزائدة، أو يقتصّ الأصابع الخمس دون الزائدة و دون الكفّ، و في الكفّ

______________________________

الظاهر كما في الجواهر «1» الاتفاق عليه، كما اعترف به في كشف اللّثام «2»، فلا يجوز قطع الأصليّة

بالزائدة سواء اتّحد المحلّ أو اختلف و لم يتّحد، لعدم جواز أخذ الكامل بالنّاقص بعد اعتبار المماثلة في القصاص. و كذلك لا يجوز قطع الزائدة بالأصلية في صورة اختلاف المحلّ، و كذا في صورة وجود الأصلية. نعم مع اتّحاد المحلّ و فقدان الأصلية لا مانع من القطع، لأنّ المفروض الفقدان و الاتّحاد، و مجرّد الاختلاف في الأصالة و الزيادة لا يمنع إذا كانت الزيادة في الجاني، لجواز أخذ الناقص بالكامل دون العكس.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه تقطع الأصلية بالأصلية مع اتّحاد المحلّ، و كذا الزائدة بالزائدة كذلك، فلا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى و بالعكس، للاختلاف في المحلّ. و قد عرفت أنّ مجرّد الاختلاف في الزيادة و الأصالة لا يقدح فيما إذا كانت الزيادة في الجاني إذا كان هناك أمران، اتّحاد المحل و فقدان الأصلية. فمع فقد أحدهما لا مجال لجواز القطع، كما أنّه لا تقطع الأصلية بالزائدة مطلقاً.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 403.

(2) كشف اللثام: 2/ 473.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 428

الحكومة؟ وجهان، أقربهما الثاني. و لو كانت الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة فله القصاص في الكفّ و له دية الإصبع الزائدة، و هي ثلث دية الأصلية، و لو صالح بالدية مطلقاً كان له دية الكفّ و دية الزائدة. و لو كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصلية و خامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني السالمة، و للمجني عليه القصاص في أربع و دية الخامسة و أرش الكفّ (1).

______________________________

(1) في هذا الفرع الذي يرتبط بقطع الكفّ من جهة و باعتبار التساوي في الأصالة و الزيادة من جهة أُخرى فروض:

أحدها: ما إذا كان لكلّ من الجاني و المجنيّ عليه إصبع

زائدة في مكان واحد، كالابهام الزائدة في يمينهما و فرض كون الجناية عبارة عن قطع اليمين من الكفّ، و لا شبهة في جريان الاقتصاص فيه بعد ثبوت المماثلة من جميع الجهات، كما لا يخفىٰ.

ثانيها: ما إذا كانت الإصبع الزائدة في الجاني خاصّة، فإن كانت خارجة عن دائرة الكفّ التي هي محلّ الاقتصاص يقتصّ منه و تبقى الزائدة، و إن لم يكن كذلك بل كانت في سمت الأصابع منفصلة بحيث لا يكون قطع الأصابع مستلزماً لقطعها ففيه وجهان:

الأوّل: قطع الكفّ المشتمل على الأصابع و الاصبع الزائدة بأجمعها و أداء دية الزائدة إلى الجاني، عملًا ببعض الروايات، و هي رواية الحسن بن العبّاس بن الحريش المتقدّمة «1» الواردة في رجل قطع كفّ رجل فاقد للأصابع، الدالّة على قصاص مجموع كفّ الجاني و أصابعه و إعطاء دية الأصابع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 19/ 129، أبواب قصاص الطرف ب 10 ح 1، و قد تقدّم ذكرها في ص 359 360.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 429

..........

______________________________

الثاني: ما استقربه في المتن و اختاره المحقّق في الشرائع «1» من دون إشارة إلى الوجه الأوّل، و هو ثبوت القصاص في الأصابع الخمس دون الزائدة و دون الكفّ، و في الكفّ الحكومة، و الوجه فيه مع قطع النظر عن الرواية عدم إمكان رعاية المماثلة بعد استلزام القصاص في المجموع لقطع اليد الزائدة، فاللّازم الاقتصار فيه على الأصابع و الرجوع في الكفّ إلى الحكومة. و لكن ذكر صاحب الجواهر «2» وجود الاضطراب في كلام الأصحاب، حيث أفتوا على طبق الرواية مرّة و أعرضوا عنها أُخرى، و مقتضى الاحتياط هو هذا الوجه.

ثالثها: ما إذا كانت الإصبع الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة، و المفروض

شمول الجناية لها أيضاً، و من الظاهر عدم منعه من القصاص، غاية الأمر ثبوت دية الإصبع الزائدة له، و هي ثلث دية الأصلية، كما أنّه في صورة التصالح و التراضي على الدية يكون له دية الكفّ و دية الإصبع الزائدة معاً.

رابعها: ما إذا كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصليّة و خامسة غير أصليّة، و لا يجوز فيه قطع اليد السالمة للجاني أي قطع الكفّ المشتمل على جميع الأصابع الأصلية و ذلك لما عرفت من أنّه لا يؤخذ الكامل بالناقص و الأصليّة بالزائدة، و عليه فإذا أراد الاقتصاص يجوز القصاص في أربع أصابع التي تكون أصلية، غاية الأمر أنّه يجوز له أخذ دية الزائدة غير الأصلية، و كذا أرش الكفّ؛ لعدم جواز قطعه لاستلزامه لقطع جميع الأصابع الأصلية.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1012.

(2) جواهر الكلام: 42/ 404.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 430

[الخامس: لو قطع من واحد الأنملة العليا و من آخر الوسطى]

الخامس: لو قطع من واحد الأنملة العليا و من آخر الوسطى فإن طالب صاحب العليا يقتصّ منه و للآخر اقتصاص الوسطى، و إن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقاً على صاحب العليا أخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر، فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى، و إن عفا أو أخذ الدية فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا، أو ليس له القصاص بل لا بدّ من الدية؟ وجهان، أوجههما الثاني، و لو بادر صاحب الوسطى و قطع قبل استيفاء العليا فقد أساء، و عليه دية الزائدة على حقّه و على الجاني دية أنملة صاحب العليا (1).

______________________________

و ممّا ذكرنا يظهر جواز الاقتصاص من الجميع في صورة العكس، و هو ما إذا كان للجاني أربع أصابع أصلية و خامسة غير أصلية، لأنّه

لا مانع من جواز أخذ الناقص بالكامل كما في اليد الشلّاء، حيث يقتصّ بها من الصحيحة. نعم في ثبوت الدية بمعنى الأرش ما عرفت في اليد الشلّاء، فراجع.

(1) في هذا الفرع فروض:

أحدها: ما إذا طالب صاحب العليا الاقتصاص قبل الآخر، و لا شبهة فيه في الجواز و في أنّه يجوز للآخر الاقتصاص بعده، لإمكانه بعد القصاص الأوّل.

ثانيها: عكس هذا الفرض، و هو ما إذا سبق صاحب الوسطى بمطالبة حقّه و استيفائه، و اللّازم بعد عدم إمكان الاقتصاص في هذه الحال تأخير حقّه إلى اتّضاح حال الآخر، فإن أراد الآخر الاقتصاص و اقتصّ يتحقّق موضوع القصاص للأوّل، كالفرض المتقدّم، فيقتصّ بلا إشكال.

و إن أراد الآخر العفو أو أخذ الدية مع التراضي و لم يقتصّ ففيه وجهان:

الأوّل: أنّه لصاحب الوسطى القصاص المستلزم لقطع العليا أيضاً، غاية الأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 431

[السادس: لو قطع يميناً مثلًا فبذل شمالًا للقصاص]

السادس: لو قطع يميناً مثلًا فبذل شمالًا للقصاص فقطعها المجنيّ عليه من غير علم بأنّها الشمال فهل يسقط القود أو يكون القصاص في اليمنى باقياً؟ الأقوى هو الثاني، و لو خيف من السراية يؤخَّر القصاص حتّى يندمل اليسار،

______________________________

لزوم ردّ ديتها، و اختاره الشيخ «1» و العلّامة في بعض كتبه «2»، و يؤيّده كونه كعفو أحد الشريكين، و كردّ الامرأة الزائد على الرجل و غيرهما من النظائر.

الثاني: أنّه ليس له القصاص أصلًا، بل ينتقل إلى الدّية، و قد قوّاه في محكي كشف اللّثام «3»، بل عن العلّامة الميل إليه في القواعد «4» كما في المسالك «5»، و في المتن أنّه أوجه من الأوّل، و لعلّ الوجه ما عرفت من اعتبار المماثلة في القصاص، بمعنى أنّه لا يجوز للمجنيّ عليه استيفاء

الزائد على حقّه و إن كان مقتضى رواية الحسن بن العبّاس بن الحريش المتقدّمة الجواز، لكن عرفت من الجواهر إعراض الأصحاب عن مقتضاها في كثير من الموارد، و لعلّه لذا تردّد في القواعد في ظاهرها. و مقتضى الاحتياط هذا الوجه أيضاً.

ثالثها: الفرض الثاني مع مبادرة صاحب الوسطى بالاقتصاص عملًا قبل استيفاء العليا، و الحكم فيه ثبوت العصيان و ثبوت دية الزائدة على حقّه؛ لعدم إمكان الاقتصاص فيه كما هو ظاهر. و على الجاني دية أنملة صاحب العليا، لانتفاء موضوع القصاص بالإضافة إليه.

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 90.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 260، إرشاد الأذهان: 2/ 210.

(3) كشف اللثام: 2/ 473.

(4) استشكل الحكم بجواز الاقتصاص في قواعد الأحكام: 2/ 305.

(5) مسالك الأفهام: 15/ 298.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 432

و لا دية لو بذل الجاني عالماً بالحكم و الموضوع عامداً، بل لا يبعد عدمها مع البذل جاهلًا بالموضوع أو الحكم، و لو قطعها المجنيّ عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل الجاني بل عليه القود، و أمّا مع علمه و بذله فلا شبهة في الإثم، لكن في القود و الدية إشكال (1).

______________________________

(1) لو قطع يميناً مثلًا فبذل الجاني شمالًا للقصاص فقطعها المجنيّ عليه مكان اليمين ففيه صورتان:

الصورة الأُولىٰ: ما إذا لم يعلم المجنيّ عليه بأنّها الشمال، بل تخيّل أنّها اليمين التي وقعت الجناية في مثلها، و فيها جهات من الكلام:

الأولىٰ: أنّه هل يكون قطع الشمال مكان اليمين موجباً لسقوط حقّ الاقتصاص بالإضافة إلى اليمين أم لا؟ حكي الأوّل عن الشيخ في المبسوط حيث قال: و الذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسقط عنه القود «1». و علّله في الجواهر بأنّ اليسار تكون بدلًا عن اليمين في

الجملة، و لصدق «اليد باليد» «2». و الثاني عن المهذب «3» بل هو خيرة أكثر المتأخّرين «4»، و تردّد المحقّق في الشرائع «5» معلّلًا بأنّ المتعيّن قطع اليمين فلا تجزئ اليسرى مع وجودها، و على هذا يكون القصاص في اليمنى باقياً.

و الأقوى كما في المتن هو هذا الوجه حتى في صورة العلم بأنّها الشمال؛ لأنّه يصير مثل ما إذا وقعت جناية عمدية من المجنيّ عليه بالإضافة إلى الجاني، فإنّه لو جنى

______________________________

(1) المبسوط: 7/ 101.

(2) جواهر الكلام: 42/ 409.

(3) المهذّب: 2/ 485.

(4) راجع جواهر الكلام: 42/ 410.

(5) شرائع الإسلام: 4/ 1013.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 433

..........

______________________________

كلّ من اثنين على آخر بقطع اليمين من أحد و اليسار من آخر، فهل يوجب ذلك سقوط القصاصين أو أنّ حقّ كلّ واحد ثابت في البين؟ الظاهر هو الثاني، فكذا المقام بل أولىٰ. نعم لو خيف من السراية إلى النفس بتوارد القطعين و توالي العملين يؤخّر القصاص إلى اندمال اليسار. قال كاشف اللِّثام بعد الحكم بضمان أحد القطعين دون الآخر: فيضمن نصف السراية، بخلاف ما لو قطع يدين فإنّه يوالي بين قطع يديه، فإنّ السراية إن حصلت فعن غير مضمون «1». و تنظّر فيه في الجواهر بقوله: و فيه نظر، أمّا أوّلًا فلاحتمال عدم الضمان فيهما في الفرض للجهل بالأوّل و الاستحقاق في الثاني. و أمّا ثانياً فقد يقال بضمانه هنا النفس، و إن كان الجرحان معاً غير مضمونين، باعتبار اشتراط استيفاء القصاص في الطرف بعدم التغرير بها، فإذا اقتصّ مغرّراً بها ضمنها، و إن لم تكن الجناية مضمونة لو اندملت فهو كما لو قطع اليد الشلّاء التي حكم أهل الخبرة بعدم انحسامها. و قال

بعد ذلك: و المسألة لا تخلو من إشكال «2».

الثانية: لا إشكال في أنّ قطع الشمال في هذه الصورة التي يكون المجنيّ عليه فيها جاهلًا بأنّها هي الشمال لا يوجب ثبوت حقّ القصاص للجاني بالنسبة إلى المجنيّ عليه؛ لعدم تحقّق موجبه الذي هو القطع عدواناً و ظلماً. و من الواضح اعتبار العلم في ثبوت الظلم المحرّم.

الثالثة: هل يثبت على المجنيّ عليه دية ما قطعه من الشمال أم لا؟ ظاهر المتن عدم الثبوت مطلقاً و لو كان الجاني جاهلًا بالموضوع أو الحكم، و ظاهر المحقّق في

______________________________

(1) كشف اللثام: 2/ 472.

(2) جواهر الكلام: 42/ 410.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 434

..........

______________________________

الشرائع التفصيل، حيث قال: و أمّا الدية، فإن كان الجاني سمع الآمر بإخراج اليمنى فأخرج اليسار مع العلم بأنّها لا تجزي، و قصده إلى إخراجها فلا دية أيضاً «1»، و هو المحكيّ عن الشيخ «2» و العلّامة «3» و غيرهما.

و استدلّ في الجواهر لعدم ثبوت الدية في هذا الفرض، بأنّ السبب فيه أقوى من المباشر، فهو كتقديم الطعام المسموم للضيف و غيره.

و استشكل فيه في محكيّ المسالك: بأنّ الحكم في تقديم الطعام و نظائره مستند إلى العادة الغالبة مع اتّفاق المسئول و المبذول، و الأمر في المتنازع «4» ليس كذلك، فإنّ المسئول إخراج اليمنى، و المبذول اليسار، و لأنّ الإذن في هذا الفعل لا يؤثّر في الإباحة، بخلاف الأمثلة المذكورة، فكان القول بثبوت الدية أوجه «5».

و الظاهر عدم صحّة الإشكال المزبور بعد عدم ابتناء المسألة على الإذن، بل على أقوائية السبب من المباشر، و هي لا فرق فيها بين المال و النفس أصلًا.

و أمّا فرض جهل الجاني بالموضوع أو الحكم الذي هو عبارة

عن عدم الاجتزاء به في مقام قصاص الجناية، فربّما يقال فيه بأنّ الأقوائيّة المزبورة متحقّقه، لأنّ الملاك فيها هو جهل المستوفي بالحال، و أمّا جهل الباذل فلا دخالة له فيها، فلا مجال لثبوت الدية أيضاً كالقصاص. و لكنّه ربّما يقال بعد لزوم معرفة المجنيّ عليه كونها يميناً في مقام القصاص: إنّه مقصّر في قطعها، اعتماداً على بذل المقتصّ منه

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1013.

(2) المبسوط: 7/ 100.

(3) تحرير الأحكام: 2/ 261، إرشاد الأذهان: 2/ 209، قواعد الأحكام: 2/ 304.

(4) مسالك الأفهام: 15/ 299 300.

(5) جواهر الكلام: 42/ 410 411.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 435

..........

______________________________

لها، و لكن لا قصاص عليه لعدم العدوان عمداً فيه، بخلاف الدية.

و لكن يرد عليه كما في الجواهر «31» بأنّه يكفي إقرار من عليه الحق بأنّها اليمين، لعموم أدلّة الإقرار، فتأمّل. و مع ذلك كلّه فالمسألة مشكلة، و الحكم بثبوت الدية لعلّه أشبه.

الصورة الثانية: ما إذا قطعها المجنيّ عليه عالماً بكونها اليسار، فإن كان ذلك مع جهل الجاني فلا إشكال في ثبوت القود عليه، و لكنّه لا يوجب سقوط حقّ القصاص الذي كان مستحقّاً له، و عليه فلكلّ من المجنيّ عليه و الجاني حقّ الاقتصاص، و كان اللّازم أن يتعرّض المتن لهذه الجهة التي لأجلها وقع التعرّض لهذا الفرع، كما لا يخفىٰ.

و أمّا مع علم الجاني أيضاً بذلك و مع ذلك وقع البذل منه، ففي المتن بعد نفي الشبهة عن ثبوت الإثم استشكل في القصاص و الدية، و لكن ربّما يقال بثبوت القصاص؛ لأنّ المجنيّ عليه مع فرض علمه بأنّ هذه يساره و لا يجوز له قطعها، إذا أقدم عليه و قطعها دخل ذلك في القطع عمداً

و عدواناً، الذي هو الموضوع للقصاص. و قال في محكيّ المبسوط: سقط القود إلى الدية، لأنّه بذلها للقطع، و كانت شبهة في سقوط القود «41». و أورد عليه المحقّق في الشرائع «51» بأنّه أقدم على قطع ما لا يملكه، فيكون كما لو قطع عضواً غير اليد، و الإذن لا يوجب شرعية القطع، و لا مجال لدعوى كون الشبهة لأجل تولّد الداعي فيه إلى قطعها ببذلها، و عليه فلا مجال لما عن غاية المراد من كونها هدراً؛ لأنّه أخرج بنيّة الإباحة،

______________________________

(31) جواهر الكلام: 42/ 411.

(41) المبسوط: 7/ 102.

(51) شرائع الإسلام: 4/ 1013.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 436

[السابع: لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى مثلًا ثم اليد اليمنى من آخر]

السابع: لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى مثلًا ثم اليد اليمنى من آخر اقتصّ للأوّل، فيقطع إصبعه ثم يقطع يده للآخر، و رجع الثاني بدية إصبع على الجاني، و لو قطع اليد اليمنى من شخص ثم قطع إصبعاً من اليد اليمنى لآخر اقتصّ للأوّل، فتقطع يده و عليه دية الإصبع الآخر (1).

______________________________

و لا يضمن السراية و يعزّران لحق اللّٰه تعالىٰ «1».

و كيف كان فالظاهر بعد عدم تأثير العلم أي علم الجاني و إذنه ثبوت القصاص، فهو كما لو أذن صريحاً بالقتل فقتله القاتل عدواناً، حيث لا يوجب ذلك سقوط القصاص بوجه. و ثبوت استحقاق القصاص في المقام لا يوجب الفرق بعد علم المجنيّ عليه بعدم كون العضو المبذول هو العضو الذي يجري فيه القصاص، كما لا يخفىٰ.

(1) أمّا الفرض الأوّل فالوجه في الاقتصاص فيه واضح، لإمكانه بالنسبة إلى كلا المجنيّ عليهما، فيقطع الأوّل الإصبع، و الثاني اليد، و الوجه في رجوع الثاني بدية إصبع على الجاني هو كون يده في حال الاقتصاص الثاني

ناقصة بإصبع، و قد تقدّم البحث في هذه الجهة في بعض المسائل السابقة «2».

و أمّا الفرض الثاني فالوجه في اقتصاص اليد فيه ظاهر أيضاً، و حيث أنّه لا يبقى معه موضوع للاقتصاص الثاني فيجب عليه ردّ دية إصبع إلى الثاني، لكن هل اللّازم في مقام القصاص مراعاة المتقدّم في الجناية أم لا؟ كلام تقدّم البحث فيه أيضاً «3»، فراجع.

______________________________

(1) غاية المراد: 378 (مخطوط).

(2) تقدّم في ص 420 422.

(3) تقدّم في ص 373.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 437

[الثامن: إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال]

الثامن: إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال، فإن اندملت فلا قصاص في عمده و لا دية في خطئه و شبه عمده، و لو قال: عفوت عن الجناية فكذلك. و لو قال في مورد العمد: عفوت عن الدية لا أثر له. و لو قال: عفوت عن القصاص سقط القصاص و لم تثبت الدية، و ليس له مطالبتها. و لو قال: عفوت عن القطع أو عن الجناية، ثم سرت إلى الكفّ خاصّة سقط القصاص في الإصبع و هل له القصاص في الكفّ مع ردّ دية الأصابع المعفو عنها أو لا بدّ من الرجوع إلى دية الكفّ؟ الأشبه الثاني مع أنّه أحوط. و لو قال: عفوت عن القصاص ثم سرت إلى النفس فللولي القصاص في النفس، و هل عليه ردّ دية الإصبع. المعفوّ عنها؟ فيه إشكال بل منع و إن كان أحوط، و لو قال: عفوت عن الجناية ثم سرت إلى النفس فكذلك، و لو قال: عفوت عنها و عن سرايتها فلا شبهة في صحّته فيما كان ثابتاً. و أمّا فيما لم يثبت ففيه خلاف، و الأوجه صحّته (1).

______________________________

(1) إذا قطع إصبع رجل،

ثم تحقّق العفو من المجنيّ عليه قبل الاندمال، فتارة يتحقّق الاندمال بعده، و أُخرى يسري إلى خصوص الكفّ، و ثالثة إلى النفس. كما أنّ المعفوّ عنه تارة يكون هو القطع، و أُخرى الجناية فقط، أو هي مع السراية، و ثالثة الدية في مورد العمد، و رابعة القصاص، ففي المسألة فروض متعدّدة لا بدّ من التعرّض لها إن شاء اللّٰه تعالىٰ، فنقول:

أمّا فيما إذا تحقّق الاندمال بعده و لم تتحقّق السراية بوجه، فإن كان المعفوّ عنه هو القطع أو الجناية يترتّب عليه سقوط القصاص في العمد و الدية في أُختيه، و لا مجال لدعوى عدم صحّة العفو، لأنّ العبرة في الجناية بحال الاندمال الذي هو حال الاستقرار، فلا حكم للعفو قبله، و ذلك لوضوح مخالفته للكتاب و السنّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 438

..........

______________________________

و الفتاوى، فإنّ ظاهرها فعليّة الحقّ بتحقّق الجناية، و الاندمال لا يكشف عن عدمه، و مع ثبوته و فعليّته يجوز إسقاطه من صاحبه.

و لو قال في هذا الفرض في مورد العمد: عفوت عن الدية لا أثر له، لما عرفت من أنّه مع تحقّق موجب القصاص يكون الحكم المترتّب عليه هو القصاص بنحو التعيّن لا الدية، و لا التخيير بين القصاص و بين الدية. و عرفت أيضاً أنّ الانتقال إلى الدية إنّما هو في صورة التراضي و تحقّق المصالحة، فالحقّ الثابت ابتداءً هو القصاص، و عليه فلا مجال للعفو عن الدية في مورده، و يترتّب على ما ذكرنا أنّه لو قال في هذا لمورد عفوت عن القصاص، يترتّب عليه سقوط القصاص بلا شبهة، لأنّه حقّ فعليّ ثابت له، و بتبعه يسقط الدية أيضاً، لأنّ ثبوتها كان بعنوان المصالحة عنه

و وقوعها عوضاً، و مع سقوطه لا يبقى للمعاوضة و المصالحة مجال، كما لا يخفىٰ.

و أمّا فيما إذا تحقّق بعد العفو عن القطع أو الجناية السراية إلى الكفّ بحيث لم يكن في حال العفو سراية بوجه، فلا إشكال و لا خلاف في تأثير العفو في سقوط حقّ القصاص بالإضافة إلى الإصبع المقطوعة، لثبوته فعلًا، كما أنّه لا معنى لدعوى سراية العفو إلى السراية المتحقّقة بعده، لكون السراية غير متحقّقة حال العفو أوّلًا، و كون المعفوّ هو القطع أو الجناية، و السراية ليست بقطع، و لا تلك الجناية، بل هي كالجناية الجديدة ثانياً.

و عليه فالسراية مضمونة، و حينئذٍ يقع الكلام بعد سقوط حق القصاص في الإصبع و ضمان السراية الحادثة بعد العفو، في أنّه يجوز له الاقتصاص في الكفّ المستلزم لقطع الإصبع المعفوّ عنها، غاية الأمر يجب عليه ردّ دية تلك الإصبع إلى الجاني، لتحقّق العفو بالإضافة اليه، أو أنّه ينتقل إلى الدية، و لا يبقى مجال للاقتصاص في الكف؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 439

..........

______________________________

ظاهر الأصحاب هو الثاني، و قد صرّح به المحقّق في الشرائع «1»، و كذا في محكيّ المسالك «2» و الإرشاد «3» و الروض «4» و مجمع البرهان «5»، بل حكي عن الشيخ في المبسوط «6» أيضاً. و الوجه فيه أنّ في قطع الكفّ تغريراً بالإصبع المعفوّ عنها فيسقط القصاص فيه، لكونه كقطع كفّ كامل بناقص، و لكن قد عرفت أنّ المستفاد من بعض الروايات «7» جواز القطع له مع ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها، و لكن حيث أنّ الأصحاب لم يتعدّوا عن مورده، بل كلماتهم في الموارد مختلفة و مضطربة، حيث يظهر التعدّي في بعض الموارد و

عدم التعدّي في البعض الآخر، فلا مساغ للعدول عمّا هو مقتضى القاعدة، و عليه فالأرجح هو القول الثاني مع أنّه أحوط، كما في المتن.

و أمّا إذا تحقّق العفو عن القصاص أو الجناية، ثم سرت الجناية إلى النفس فلا شبهة في عدم تأثير العفو المزبور في سقوط القصاص بالإضافة إلى النفس، لعدم تعرّض للعفو للشمول للقصاص في النفس، لأنّ المفروض كون المعفوّ عنه هو القصاص أو الجناية، و السراية حادثة بعده. و المحكي عن الأردبيلي (قدّس سرّه) احتمال سقوط القصاص، لأنّه قد عفى عن هذه الجناية، فصار ما ثبت لها ساقطاً، و باقي أثرها معفوّ عنه غير مضمون حينئذٍ، لأنّ المتبادر من العفو عن الجناية العفو عنها

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 4/ 1014.

(2) مسالك الأفهام: 15/ 308.

(3) إرشاد الأذهان: 2/ 212.

(4) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 155.

(5) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 140.

(6) المبسوط: 7/ 109.

(7) مرّ في ص 359 360.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 440

..........

______________________________

و عن جميع لوازمها. قال: و هذا يجري في الكفّ، نعم لو قيل: إنّه لو علم أنّ المراد العفو عن الواقع فقط أو أنّ العفو عن السراية لم يصحّ، اتّجه ذلك، و إلّا ففيه تأمّل «1».

و يرد عليه أنّه إن أراد شمول العفو للسراية أيضاً فمن الواضح خلافه؛ لعدم وجه للشمول بعد عدم كون السراية متحقّقة في حال العفو، و العفو عن الجناية الجزئية لا يستلزم العفو عن الجناية الكلّية و هي النفس. و إن أراد أنّ دليل ضمان السراية إنّما يكون موردها ما إذا كان أصل الجناية مضمونة، فبعد العفو عنه لا مجال لشمول دليل ضمان السراية، خصوصاً لو قلنا بأنّ الدليل عليه هو الإجماع

الذي يقتصر فيه على القدر المتيقّن، فيرد عليه وضوح كون أصل الجناية في المقام مضمونة، غاية الأمر سقوط الضمان بالعفو، و عليه فمقتضى كون السراية مضمونة ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى النفس، فتدبّر.

و بعد ثبوت حقّ الاقتصاص بالنسبة إليها هل يجب على المقتصّ ردّ دية الإصبع المعفوّ عن قصاصها أو جنايتها كما صرّح به المحقّق في الشرائع «2» أو لا؟ و في المتن تبعاً للقواعد «3» و فخر المحقّقين «4» و الشهيد «5» و المقدس الأردبيلي «6» الإشكال فيه، بل في المتن المنع، و لعلّ الوجه فيه ما عرفت من دخول الطرف في النفس، فهو كقتل كامل بمن قطع يده غيره أو تلف بآفة، أو أنّه بعفوه عنه كأنّه اقتصّ منه، فكما لا

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 141.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 1014.

(3) قواعد الأحكام: 2/ 306.

(4) إيضاح الفوائد: 4/ 640.

(5) غاية المراد: 382 (مخطوط).

(6) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 141.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 441

..........

______________________________

يغرم لو سرى الجرح بعد اقتصاصه عوضه فيقتله بالسراية من غير ردّ لما استوفاه فكذا المقام. و في الجواهر بعد ذكر الوجهين: إلّا انّهما معاً كما ترى «1».

و الوجه فيه عدم كون الطرف داخلًا في النفس بصورة الإطلاق، بل قد تقدّم فيه التفصيل «2» و عدم كون العفو بمنزلة القصاص في جميع الآثار، و المسألة مشكلة، و مقتضى الاحتياط هو الردّ.

بقي الكلام في هذا الفرع فيما لو عفا عن الجناية و السراية معاً، فإن كان العفو في حال تحقّق السراية كما في السراية إلى الكفّ بعد تحقّقها، فلا إشكال في صحّته و سقوط حكم الجناية و السراية معاً.

و إن كان في حال عدم تحقّقها

فالمسألة خلافية. فعن الشيخ في الخلاف «3» الصحّة، بل عن الشهيدين في غاية المراد «4» و الروض «5» و المقدس الأردبيلي في مجمع البرهان «6» الميل أو القول إليها، و المحكي عن أبي علي «7» و الشيخ في المبسوط «8» و العلّامة «9» و ولده «10» و غيرهم «11» عدم الصحّة، و اختاره

______________________________

(1) جواهر الكلام: 42/ 427.

(2) تقدّم في ص 90 94.

(3) الخلاف: 5/ 208 مسألة 86.

(4) غاية المراد: 382 (مخطوط).

(5) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11/ 157.

(6) مجمع الفائدة و البرهان: 14/ 142 143.

(7) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/ 456 مسألة 135.

(8) المبسوط: 7/ 110.

(9) إرشاد الأذهان: 2/ 212، مختلف الشيعة: 9/ 457 مسألة 135.

(10) إيضاح الفوائد: 4/ 641.

(11) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: 15/ 309.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 442

..........

______________________________

صاحب الجواهر «21».

و عمدة ما يستدلّ به عليه أنّه إبراء ممّا لا يجب، و أنّه إسقاط لحقّ الغير و هو الوليّ، نظراً إلى أنّ القصاص إنّما يكون مجعولًا للوارث، كما هو ظاهر قوله تعالىٰ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً «31»، فإنّ ظاهره جعل السلطنة ابتداء للوارث من دون أن يكون منتقلًا إليه من المورِّث، كسائر ما تركه من مال أو حقّ، بل و مثل القصاص الدية و إن تعلّقت بها وصاياه و ديونه، للدليل.

و عليه فلا مجال لجعل العفو المفروض من مصاديق الوصيّة للقاتل، و إن حكي عن الشيخ في الخلاف أنّه قال: يصحّ العفو عنها و عمّا يحدث عنها، فلو سرت كان عفوه ماضياً من الثلث، لأنّه بمنزلة الوصية «41». و ذلك لأنّ مورد الوصية إنّما هو مال الميّت أو حقّه، و بعد

عدم كون القصاص حقّا له بوجه لا يبقى وجه للحكم بكونه وصية يترتّب عليه أحكامها.

هذا، و لكنّ الظاهر الذي يساعد الاعتبار أنّ حقّ القصاص إنّما يكون للميّت ابتداء، لأنّه عوض نفسه، كما أنّ حقّ الاقتصاص في الطرف ثابت للمجنيّ عليه، غاية الأمر إنّ الفرق بينهما هو إمكان استيفاء الحقّ في الثاني للمجنيّ عليه و عدم إمكانه في الأوّل له، و لأجله ينتقل إلى الوارث خصوصاً مع ما ذكرنا من أنّ المراد بالوليّ هو الوارث، و خروج الزوج و الزوجة أو المتقرّب بالأُمّ مطلقاً أو خصوص الإخوة و الأخوات كما مرّ البحث فيه «1» لا ينافي ذلك، كخروج الزوجة عن إرث

______________________________

(21) جواهر الكلام: 42/ 430.

(31) الإسراء 17: 33.

(41) الخلاف: 5/ 208 مسألة 86.

(1) مرّ في ص 290 292.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 443

[التاسع: لو عفا الوارث الواحد أو المتعدّد عن القصاص سقط بلا بدل]

التاسع: لو عفا الوارث الواحد أو المتعدّد عن القصاص سقط بلا بدل فلا يستحقّ واحد منهم الدية رضي الجاني أو لا، و لو قال: عفوت إلى شهر أو إلى سنة لم يسقط القصاص، و كان له بعد ذلك القصاص. و لو قال: عفوت عن نصفك أو عن رجلك، فإن كنى عن العفو عن النفس صحّ و سقط القصاص، و إلّا ففي سقوطه إشكال بل منع. و لو قال: عفوت عن جميع أعضائك إلّا رجلك مثلًا، لا يجوز له قطع الرجل و لا يصحّ الإسقاط (1).

______________________________

بعض الأموال في كتاب الإرث. و عليه فلا يكون مرجع العفو إلى إسقاط حقّ الغير و هو الولي، بل إسقاط لحقّ نفسه.

و أمّا كونه إبراء ممّا لا يجب، فلا مانع منه بعد قيام الدليل على جوازه و صحّته في بعض الموارد، كالإبراء عن

الجناية للطبيب و البيطار، بل في المقام يكون بطريق أولى، لأنّه هناك كان الإبراء عن الجناية قبلها، و هنا يكون بين الجناية و بين السراية كما هو المفروض. مضافاً إلى دلالة عموم مثل قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله): «المؤمنون عند شروطهم» «1» عليه، و إلى ما ورد من الترغيب في العفو شرعاً الملازم للصحّة و التأثير، و لعلّه لما ذكرنا جعل الأوجه في المتن الصحّة، فتدبّر.

(1) في هذا الفرع فروض:

أحدها: ما لو عفا الوارث واحداً كان أو متعدّداً عن القصاص فهل يسقط بلا بدل أو تستحقّ الدية مع سقوط القصاص خصوصاً مع رضا الجاني بذلك؟ الظاهر هو الأوّل، لما مرّ في المسألة الاولى من مسائل كيفية الاستيفاء من أنّ الثابت في قتل العمد هو القصاص على سبيل التعيّن لا الدية و لا التخيير بينها و بينه، و عليه فما هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 15/ 30، كتاب النكاح، أبواب المهور ب 20 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 444

[العاشر: لو قال: عفوت بشرط الدية، و رضي الجاني وجبت دية]

العاشر: لو قال: عفوت بشرط الدية، و رضي الجاني وجبت دية المقتول لا دية القاتل (1).

______________________________

الثابت ليس إلّا القصاص فقط، و المفروض عفو الوارث عنه، فلا مجال لثبوت البدل له و لو مع رضا الجاني بذلك.

ثانيها: ما لو قال الوارث: عفوت إلى شهر أو إلى سنة، الظاهر بطلان العفو في هذا الفرض، لأنّ القصاص الذي هو حقّ ثابت للولي لا يكون مرتبطاً بالزمان و متفرّقاً على أجزائه، فتقييده بالشهر أو السنة يوجب عدم وقوعه صحيحاً، إلّا أن يكون مراده تأخير إجرائه إلى ذلك الزمان، و لا دليل على لزوم العمل به حينئذٍ أيضاً. أو يقال: إنّ التقييد بالزمان المذكور حيث يستلزم

بطلان العفو فلِمَ لا يكون التقييد باطلًا، و عليه فيبقى إطلاق العفو بحاله، و لازمه سقوط القصاص، فتدبّر.

ثالثها: ما لو قال الوارث: عفوت عن نصفك مثلًا أو عن رجلك، فإن كان المراد هو العفو عن قصاص النفس و قد وقع التعبير بذلك كناية عنه فالظاهر صحّته و سقوط القصاص، و إلّا ففي سقوط القصاص إشكال بل منع، لعدم تبعّضه في النفس فالتقييد بالبعض لا يكاد يقع صحيحاً، فلا يترتّب عليه سقوط القصاص بوجه.

رابعها: ما لو قال الوارث: عفوت عن جميع أعضائك إلّا رجلك مثلًا، و ظهر ممّا ذكرنا في الفرض الثالث عدم صحّة هذا النحو من الإسقاط، و يترتّب عليه عدم سقوط حقّ القصاص بوجه، كما أنّه لا يجوز له قطع الرجل في المثال، سواء قلنا بعدم سقوط حقّ القصاص أو قلنا بالسقوط، كما لا يخفىٰ.

(1) الوجه في ثبوت دية المقتول دون القاتل إذا اختلفا في الدية كالرجل و المرأة، وضوح كون المراد وقوعها عوضاً عن المقتول بدلًا للقصاص الذي كان هو حق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 445

..........

______________________________

الوليّ ابتداء، فالمعوّض في كليهما هو نفس المقتول، و لا ارتباط من هذه الجهة بالقاتل، فإطلاق الدية المشروطة من حيث اللفظ ينطبق على خصوص دية المقتول من حيث المراد، كما هو ظاهر.

هذا تمام البحث في شرح كتاب القصاص من كتاب تحرير الوسيلة لسيّدنا الأُستاذ الأعظم الإمام الخميني أدام اللّٰه ظلّه الوارف على رؤوس المسلمين، و أخرجهم ببركته من سلطة الكفّار و المعاندين و من يحذو حذوهم من الجاهلين و المرتجعين.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً و ظاهراً و باطناً، و أنا المفتقر إلى رحمة ربِّه الغني: محمّد الموحّدي المعروف بالفاضل اللنكراني ابن

العلّامة الفقيد آية اللّٰه المرحوم الحاج الشيخ فاضل اللنكراني قدّس سرّه الشريف، و الرجاء منه تعالى التوفيق لإتمام سائر المباحث، و أن يجعل ذلك ذخيرة لي ليوم لا ينفع فيه مال و لا بنون، بحق محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّٰه و سلامه عليه و عليهم أجمعين. و كان ذلك في بلدة قم المحميّة في شهر ذي قعدة الحرام من شهور سنة 1407 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء و التحية، و السلام خير ختام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 447

مصادر التحقيق

القرآن الكريم

- أ-

1 اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، من منشورات جامعة مشهد 1348 ه. ش.

2 إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، للعلّامة أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي الحلّي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولى 1410 ه. ق.

3 الإستبصار، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة 1390 ه. ق.

4 إصباح الشيعة، لقطب الدين البيهقي الكيدري، ط/ مؤسسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، قم، الطبعة الأولى 1416 ه. ق.

5 الأم، لمحمّد بن إدريس الشافعي، ط/ دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1408 ه. ق.

6 الإنتصار، للسيّد الشريف المرتضىٰ علم الهدىٰ عليّ بن الحسين الموسوي البغدادي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم- 1415 ه. ق.

7 إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، لأبي طالب محمّد بن الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي، ط/ المطبعة العلمية، قم، الطبعة الأولىٰ 1389 ه. ق.

- ب-

8 بحار الأنوار، للعلّامة شيخ الإسلام المولى محمد باقر المجلسي، ط/ دار الكتب الإسلامية، طهران.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- القصاص، ص: 448

9 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن سعود الكاساني الحنفي، ط/ دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولىٰ 1417 ه. ق.

- ت-

10 تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين، للعلّامة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، ط/ مؤسسة الطبع و النشر التابعة لوزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولىٰ 1411 ه. ق.

11 التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، ط/ مكتبة الأمين، النجف، الطبعة الأولىٰ.

12 تحرير الأحكام، للعلّامة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام)، قم (الطبعة الحجرية).

13 تحرير الوسيلة، لآية اللّٰه العظمىٰ و مولانا الأعظم الحاج السيّد روح اللّٰه الموسوي الخميني (قدّس سرّه)، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة السادسة 1417 ه. ق.

14 تعليقات على منهج المقال، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد أكمل الملقّب بالوحيد البهبهاني، المطبوع في هامش منهج المقال، طهران، 1307 ه. ق. (الطبعة الحجريّة).

15 تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود، لآية اللّٰه العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، ط/ المطبعة العلمية، قم، الطبعة الأولى 1406 ه. ق.

16 تفسير القمي، لأبي الحسن عليّ بن إبراهيم القمّي، من منشورات مكتبة الهدىٰ، الطبعة الثانية 1387 ه. ق.

17 تلخيص الخلاف، للشيخ مفلح بن حسن بن رشيد الصيمري، من منشورات مكتبة آية اللّٰه العظمى المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأولىٰ 1408 ه. ق.

18 التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، للفقيه جمال الدين مقداد بن عبد اللّٰه السيوري الحلّي، من منشورات مكتبة آية اللّٰه العظمى المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأولىٰ 1404 ه. ق.

19 تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ دار الكتب

الإسلامية، طهران 1401 ه. ق.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 449

- ج-

20 الجامع للشرائع، للفقيه البارع يحيى بن سعيد الحلّي، من منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلمية 1405 ه. ق.

21 جامع المقاصد في شرح القواعد، للمحقّق الثاني: الشيخ علي بن الحسين الكركي، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولىٰ 1408 ه. ق.

22 جواهر الفقه، للفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولىٰ 1411 ه. ق.

23 جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّد حسن النجفي، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السابعة.

- ح-

24 حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار، لمحمّد أمين الشهير بابن عابدين، ط/ دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1386 ه. ق.

25 الحاوي الكبير، لأبي الحسن علي بن محمّد بن حبيب الماوردي، ط/ دار الفكر، بيروت، 1414 ه. ق.

- خ-

26 الخلاف، لشيخ الطائفة الإماميّة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولىٰ.

- د-

27 الدروس الشرعية في فقه الإمامية، للشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية 1417 ه. ق.

- ر-

28 الرسائل، لآية اللّٰه العظمىٰ الإمام الراحل السيّد الخميني (قدّس سرّه)، ط/ مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 450

الثالثة، 1410 ه. ق.

29 الرسائل العشر، لشيخ الطائفة الإمامية أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.

30 الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، للشهيد السعيد زين الدين الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني، ط/ دار إحياء التراث

العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1403 ه. ق.

31 روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، للفقيه المولى محمّد تقي المجلسي المعروف بالمجلسي الأوّل، ط/ المطبعة العلمية، قم.

32 رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل، لآية اللّٰه المحقّق السيد علي الطباطبائي، ط/ دار الهادي، بيروت، الطبعة الأولىٰ 1412 ه. ق.

33 السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، للفقيه أبي جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية 1411 ه. ق.

- س-

34 السنن الكبرى، للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، ط/ دار الفكر، بيروت.

- ش-

35 شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، للمحقّق أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي، ط/ مؤسّسة الوفاء، بيروت.

- ص-

36 الصحاح، لإسماعيل بن حماد الجوهري، ط/ دار العلم للملايين، بيروت 1407 ه. ق.

- ع-

37 عُدّة الأُصول، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام)، الطبعة الأولى 1403 ه. ق.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 451

38 العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير، لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني الشافعي، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417 ه. ق.

- غ-

39 غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ مفلح الصيمري البحراني، ط/ دار الهادي، الطبعة الأولى 1420 ه. ق.

40 غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، للشيخ محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل، مخطوط، مكتبة المسجد الأعظم، الرقم 2105.

41 غنية النزوع، للسيد أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، من منشورات مؤسسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، الطبعة الأولى 1417 ه. ق.

- ف-

42 الفقيه، للشيخ الصدوق أبي جعفر

محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، ط/ دار الإضواء، بيروت، الطبعة الثانية 1413 ه. ق.

- ق-

43 القاموس المحيط، لمجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي، ط/ دار الجيل، بيروت.

44 قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام، للعلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي، من منشورات الرضي، قم (الطبعة الحجرية).

- ك-

45 الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، ط/ دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية.

46 الكافي في الفقه، للفقيه الأقدم أبي الصلاح الحلبي، من منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أصفهان.

47 كامل الزيارات، للشيخ الأقدم أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، ط/ مؤسسة نشر الفقاهة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 452

الطبعة الأولى 1417 ه. ق.

48 كشف الرموز في شرح المختصر النافع، لزين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب بن أبي المجد اليوسفي، المعروف بالفاضل و المحقق الآبي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولىٰ.

49 كشف اللثام و الإبهام عن قواعد الأحكام، للشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي، من منشورات مكتبة آية اللّٰه العظمى المرعشي النجفي، قم (الطبعة الحجرية) 1405 ه. ق.

50 كنز العرفان في فقه القرآن، للشيخ جمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري من منشورات المكتبة المرتضويّة، طهران، 1384 ه. ق.

- ل-

51 اللمعة الدمشقية، لأبي عبد اللّٰه محمّد بن جمال الدين مكي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل، من منشورات مركز بحوث الحج و العمرة، طهران، الطبعة الأولىٰ 1406 ه. ق.

- م-

52 مباني تكملة المنهاج، لآية اللّٰه العظمى السيّد أبي القاسم الموسوي الخوئي، ط/ مطبعة الآداب، النجف.

53 المبسوط، لشمس الدين السرخسي، ط/ دار الكتب العلمية،

بيروت، الطبعة الأولىٰ 1414 ه. ق.

54 المبسوط في فقه الإمامية، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، ط/ المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

55 مجمع البيان في تفسير القرآن، للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ط/ دار الفكر، بيروت 1414 ه. ق.

56 مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان، للفقيه المولى أحمد المقدّس الأردبيلي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولىٰ.

57 المجموع شرح المهذّب، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، ط/ دار الفكر، بيروت الطبعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 453

الأولىٰ 1417 ه. ق.

58 المختصر النافع في فقه الإمامية، للمحقّق أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي، من منشورات المكتبة الأهلية، بغداد 1383 ه. ق.

59 مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، للعلّامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي، من منشورات مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية، الطبعة الأولىٰ 1412 ه. ق.

60 مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، للعلّامة شيخ الإسلام المولى محمّد باقر المجلسي، ط/ دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الأولىٰ.

61 المراسم العلوية في الأحكام النبوية، للفقيه الأعظم الشيخ أبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي، ط/ دار الحق، بيروت 141 ه. ق.

62 مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، لزين الدين بن علي العاملي الشهير بالشهيد الثاني، ط/ مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاولىٰ.

63 مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، للمحدّث الميرزا حسين النوري الطبرسي، ط/ مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية 1408 ه. ق.

64 المصباح المنير، لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيّومي، ط/ دار الكتب العلمية، قم، الطبعة السابعة.

65 المغني، لموفق الدين أبي محمّد عبد اللّٰه بن أحمد بن

محمّد بن قدامة، (المطبوع مع كتاب الشرح الكبير) ط/ دار الكتب العلمية، بيروت.

66 مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لشمس الدين محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني، ط/ دار الفكر، بيروت.

67 مفاتيح الشرائع، للمحدّث الفقيه المولى محمّد محسن الفيض الكاشاني، ط/ مجمع الذخائر الإسلامية، قم 1401 ه. ق.

68 مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، للمحقّق السيد محمّد جواد الحسيني العاملي، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت.

69 المقتصر من شرح المختصر، لجمال الدين أبي العباس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي، ط/ مطبعة سيد الشهداء (عليه السّلام)، قم، الطبعة الأولىٰ 1410 ه. ق.

70 المقنع، للشيخ الأقدم أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، من منشورات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، ص: 454

مؤسسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، قم 1415 ه. ق.

71 المقنعة، لأبي عبد اللّٰه محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية 1410 ه. ق.

72 المهذّب، للفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم 1406 ه. ق.

73 المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، للعلّامة جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.

- ن-

74 نكت النهاية، للمحقق الأوّل أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي الحلّي، ط/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولىٰ.

75 النهاية في غريب الحديث و الأثر، لمجد الدين المبارك بن محمّد الجزري، المعروف بابن الأثير، ط/ دار الفكر، بيروت.

76 النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوىٰ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن

بن علي الطوسي، ط/ دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولىٰ 1390 ه. ق.

77 نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار، لمحمّد بن علي بن محمّد الشوكاني، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت.

- و-

78 وسائل الشيعة إلىٰ تحصيل مسائل الشريعة، للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السادسة 1412 ه. ق.

79 الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة، للفقيه عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة، من منشورات مكتبة آية اللّٰه العظمى المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأولىٰ 1408 ه. ق.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - القصاص، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1421 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.