المختار فی احکام الخیار: دراسه مبسطه فی الخیار و احکامه و الشروط و النقد و السیئه و القبض

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : المختار فی احکام الخیار: دراسه مبسطه فی الخیار و احکامه و الشروط و النقد و السیئه و القبض/ تالیف جعفر سبحانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق، 1414ق. = 1372.

مشخصات ظاهری : ص 756

شابک : 4550ریال ؛ 4550ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

رده بندی کنگره : BP190/1/س 2م 3 1372

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی : م 72-3995

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على خاتم رسله و آخر سفرائه و أمينه على وحيه و صفيّه من عباده امام الرحمة، و قائد الخير، و مفتاح البركة، و على آله حجج اللّه في أرضه الذين ختم بهم على جميع من ذرأ و جعلهم شهداء على من جحد، و كثّرهم بمنّه على من قلّ، صلاة دائمة ما دامت السماء ذات أبراج و الأرض ذات فجاج «1».

أمّا بعد: فقد طلب منّي حضّار بحوثي الفقهية الكرام، القاء محاضرات في أحكام المعاملات- و ذلك بعد إنهاء البحث- عن أحكام النكاح و الطلاق و الفرائض (الأحوال الشخصية)، فلبّيت طلبهم، و نزلت عند رغبتهم، فاخترت أحكام الخيارات على ضوء ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري- قدّس اللّه سرّه- ملتزما بالبحث عن الأهمّ فالأهمّ، معرضا عمّا لا يمسّ الحياة، و لا يمتّ إلى الفقه بصلة.

______________________________

(1)- مقتبس من دعاء الإمام زين العابدين- عليه السلام- في الصحيفة، الدعاء 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 4

و تشتمل هذه الصحائف على لبّ ما ألقيته في المحاضرات و أرجو أن تكون رصيدا لبغاة الفقه الإسلامي، و مصباحا لمن يريد أن يسلك طريقه و يقتطف ثماره ...

و

تتميز هذه المحاضرات بأمور ثلاثة:

1- إنّ رائدنا في عنوان المسائل و تنظيمها، هو كتاب الشيخ الأعظم الأنصاري في الخيارات و أحكامها و الشروط و النقد و النسيئة و القبض- فلذلك مشينا على ضوئه ترتيبا و عنونة- و اقتفينا أثره بتوضيح مقاصده تارة، و نقدها أخرى بتعابير خالية عن التعقيد.

2- لما كان للمشايخ العظام- الذين جاءوا بعده و تربّوا في أحضانه، و ارتووا من منهل علمه- آراء و أفكار جديدة فيها فقد عطفنا النظر إليها أيضا، و قمنا بتحليلها بالمشراط العلمي- فلذلك- ترى بعض المواضع طويلة الذيل، مترامية الأطراف.

3- الالماع إلى آراء المتقدمين من الفقهاء حتى يتبين للناظر مسير المسألة تاريخيا و تتخذ المحاضرات لنفسها صبغة الفقه المقارن حتى ينتفع بها القارئ الكريم.

و اللّه الهادي إلى سواء السبيل و هو حسبي و نعم الوكيل

قم- مؤسسة الإمام الصادق جعفر السبحاني

6- ربيع الأوّل من شهور عام 1413

المختار في أحكام الخيار، ص: 5

الفصل الأوّل الخيار لغة و اصطلاحا

اشارة

الأصل في البيع اللزوم.

ما هو الدليل على هذا الأصل في الكتاب و السنّة.

الاستدلال بالأصل على اللزوم.

الأصل المعارض لهذا الأصل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 7

الخيار لغة و اصطلاحا الخيار اسم مصدر من الاختيار، نصّ به الجوهري في الصحاح، و قال:

الخيار: الاسم من الاختيار، و تبعه ابن منظور في لسان العرب، و الفيروزآبادي في القاموس، و الزبيدي في تاج العروس، و يظهر أيضا من النهاية الأثيرية في تفسير قوله: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» فقال: الخيار: الاسم من الاختيار، و هو طلب خير الأمرين: إمّا امضاء البيع أو فسخه.

و لعلّ وجهه هو أنّ المصدر الثلاثي من الفعل المزيد فيه، يكون اسم مصدر لا نفسه، مثل قوله: طلّق طلاقا، أو اغتسل غسلا، و في

المقام: اختار خيارا.

و أمّا معناه لغة: فالظاهر أنّه بمعنى الاصطفاء. قال سبحانه: وَ اخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقٰاتِنٰا (الأعراف/ 155) و قال: وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمٰا يُوحىٰ (طه/ 13) و مثلها آيات أخر «1».

فإذا كان الخيار بمعنى الترجيح فهو من مقدّمات الإرادة بعد تصوّر المراد و التصديق بملائمته للطبع أو العقل، أي ترجيحه ثم الاشتياق إلى ايجاده، ثمّ التصميم.

فعلى ذلك فالمعنى اللغوي منه يغاير المعنى المعروف بين الفقهاء، فهو عندهم بمعنى حقّ الخيار، و حقّ الاصطفاء، لا الاختيار و الانتخاب، فلا مناص عن القول بالنقل عن المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي و هو حقّ الترجيح و حق الاصطفاء.

______________________________

(1)- القصص/ 68، الدخان/ 32.

المختار في أحكام الخيار، ص: 8

تعريف الخيار:

اشارة

عرّف الخيار المصطلح بوجوه:

ألف- الخيار: هو حقّ الاصطفاء من الفسخ و عدمه،

و إن شئت قلت:

سلطنة ذي الخيار على الفسخ، فالخيار من مقولة «الحق» و هو سلطنة خاصة للعاقد على تعيين أحد الطرفين.

ب- الخيار: هو ملك فسخ العقد.

و هو المنقول عن «فخر المحقّقين» «1».

و اعترض عليه بأنّه غير جامع و لا مانع. أمّا الأوّل فلخروج الخيار الثابت في مورد المحجور عليه كالسفيه و المجنون، إذ لا سلطنة لهما على فسخ العقد.

و أمّا الثاني فلدخول موارد في التعريف مع أنّها ليست من الخيار المصطلح، أعني:

1- ملك الفسخ في العقود الجائزة.

2- ملك الفسخ في العقد الفضولي.

3- ملك الوارث ردّ العقد على ما زاد على الثلث.

4- ملك العمّة و الخالة لفسخ العقد على بنت الأخ و الأخت.

5- ملك الأمة المزوّجة من عبد، فسخ العقد إذا أعتقت.

6- ملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب.

______________________________

(1)- نسبه الشيخ الأنصاري إلى موضع من الايضاح و لم نجده في الموضع المعدّ لبيانه، لاحظ: إيضاح القواعد: 1/ 480.

المختار في أحكام الخيار، ص: 9

يلاحظ على الأوّل: بأنّه داخل في التعريف، إذ السلطنة ثابتة للمحجور عليه، و هو مالك لزمام العقد لكنّه لا يقوم به بنفسه، بل يقوم به غيره، و ليس التعريف ظاهرا في كون صاحب السلطنة قائما بنفسه بإعمالها، و بعبارة أخرى:

المحجور عليه، يملك فسخ العقد، و لكنّه ينوب عنه وليّه، كسائر التصرّفات التي فيها غبطة المحجور عليه فيقوم به وليّه.

و يلاحظ على الثاني: بأنّه تختلف أحكام هذه الموارد. أمّا الأوّلان: فلا يدخلان فيه و ذلك لأنّ المراد من ملك الفسخ هو السلطة عليه، الحاصلة من العقد، النابعة منه، بمعنى أن يكون العقد سببا للسلطة كما في خياري المجلس و الحيوان و غيرهما. و أمّا ملك الفسخ في العقود الجائزة و العقد الفضولي: فليس نابعا من عقد العارية أو عقد

الفضولي، و إنّما هو نابع من ملكيّة المعير للمستعار، و ملكية المالك لماله المبيع بغير اذنه، و بعبارة أخرى: انّ قوله: «ملك فسخ العقد» هو السلطة الابتدائية الحاصلة بالعقد و السلطة في الموردين ليست ابتدائية، بل ثابتة قبل العقد، لعدم انقطاع العلقة بين المالك و ماله، لا في العقود الجائزة و لا في البيع الفضولي.

و أمّا المتوسّطان: فلأنّ المتبادر من ملك فسخ العقد هو تملّك العاقد فسخ عقده كما في الخيارات المعروفة، و الأمر فيهما ليس كذلك بل الزوجة مالكة لفسخ عقده كما في الخيارات المعروفة، و الأمر فيهما ليس كذلك بل الزوجة مالكة لفسخ عقد زوجها، كما أنّ الوارث مالك لفسخ عقد المورّث، فيما زاد على الثلث، فمثل ذلك غير داخل في التعريف حتى يحتاج إلى الاخراج، و إن شئت قلت: المتبادر ملك فسخ عقد نفسه لا عقد غيره.

و أمّا الأخيران: فلا وجه لاخراجهما فكلّ من الزوج و الزوجة ذو خيار عند

المختار في أحكام الخيار، ص: 10

ظهور العيوب المجوّزة للفسخ، كما أنّ الأمة المزوّجة من عبد ذات خيار، إذا أعتقت. فتلخّص أنّ التعريف جامع و مانع و هو عبارة أخرى عمّا اخترناه من التعريف من السلطنة على الفسخ و عدمه.

ج- الخيار: هو ملك إقرار العقد و إزالته.

و أورد عليه الشيخ: بأنّ المراد من اقرار العقد إمّا ابقاؤه على حاله بترك الفسخ، أو جعله عقدا لازما غير قابل للفسخ.

فعلى الأوّل، فذكره مستدرك لكفاية قوله «ملك ازالته» عن ذكر اقرار العقد و ابقاؤه على حاله، لأنّ من يملك الازالة، يملك الابقاء على حاله.

و على الثاني، يكون مرجعه إلى إسقاط حقّ الخيار، لأنّ جعل العقد لازما غير قابل للانفساخ، لا يتحقّق إلّا بإسقاط حقّ الخيار، فلا يؤخذ مثله في تعريف نفس

الخيار.

أضف إلى ذلك: أنّه لا يصدق التعريف- على الاحتمال الثاني- إلّا على الخيار القائم بطرف واحد لا الخيار المشترك، إذ باسقاطه لا يصير العقد عقدا لازما إلّا من طرفه لا مطلقا مع أنّ ظاهر التعريف كونه لازما مطلقا.

يلاحظ على الأوّل: بأنّ كلّ واحد من القيدين يغني عن الآخر، فملك اقرار العقد يلازم ملك ازالته كما أنّ ملك الازالة يلازم ملك الاقرار، فعلى ذلك، فليس الاستدراك منحصرا في لفظ اقرار العقد، بل ذكر كلّ واحد، يوجب استدراك الآخر.

و مع ذلك كلّه لا يعد مثل ذلك استدراكا إذا كان الهدف هو التعريف بصورة واضحة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 11

و أمّا الثاني أعني: جعل العقد لازما و غير قابل للفسخ، فليس مرجعه إلى اسقاط حقّ الخيار بل إلى جعل العقد عقدا لازما غير قابل للفسخ، فلا يلزم من تفسيره بالمعنى الثاني أخذ إسقاط الخيار في تعريف الخيار، غاية الأمر أنّ الاسقاط سبب لجعله لازما لا نفسه.

و الشاهد على ذلك: أنّك لو عرّفت الخيار بما ذكر، لا يكون مخالفا لما هو المتبادر من الخيار عند العقلاء، بخلاف ما لو فسّرت بقولك: «الخيار هو اسقاط حقّ الخيار».

و أمّا ما أفيد أخيرا من ظهوره في جعله لازما مطلقا من كلا الطرفين، فليس التعريف ظاهرا فيه بل المتبادر هو الأعم منه و من اللزوم النسبي.

ثمّ إنّ المتبادر من الروايات في تفسير الخيار هو التعريف الأوّل و الثاني.

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» «1» فمعناه أنّ له السلطة على انتخاب أحد الطرفين إلى أن يفترقا و بعده لا سلطنة له.

و في رواية الحلبي ... فإذا افترقا وجب البيع

«2».

و روى الصفار عن أبي محمد- عليه السلام- في الدابّة التي أحدث فيها المشتري حدثا من أخذ الحافر و غيره، أنّه- عليه السلام- وقّع: «إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء» «3». وجه الدلالة أنّه إذا كان البيع بمعنى العقد متعلقا للّزوم يكون العقد متعلقا للخيار أيضا.

______________________________

(1)- الوسائل: 12، الباب الأوّل من أبواب الخيار، الحديث 3- 4.

(2)- الوسائل: 12، الباب الأوّل من أبواب الخيار، الحديث 3- 4.

(3)- المصدر نفسه: الباب الرابع، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 12

الأصل في البيع اللزوم

اشارة

قال العلّامة في التذكرة: الأصل في البيع اللزوم «1».

ما هو المراد من «الأصل» في المقام؟

اشارة

قد ذكرت عدّة احتمالات:

1- الراجح:

مستندا في تصحيحه إلى الغلبة.

و أورد عليه: أنّه إن أراد غلبة الأفراد فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط.

و إن أراد الغلبة من حيث الزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة لأنّ الفرد المشكوك من البيع، مشكوك من أوّل وجوده و أنّه هل هو جائز أو لازم، فلا يفيده كون البيع في أغلب الأزمنة لازما.

2- القاعدة المستفادة من العمومات

التي يجب الرجوع إليها عند الشك.

3- الاستصحاب:

أي استصحاب بقاء أثر العقد بعد الفسخ.

4- المعنى اللغوي:

بمعنى أنّ وضع البيع و أساسه عرفا على اللزوم و صيرورة المالك الأوّل كالأجنبي، فإنّ لكلّ معاملة في نظر العقلاء طبعا خاصا، فطبيعة العارية هو الجواز لأنّ المعير لم يقطع علاقته عن ماله، و إنّما دفعه إلى المستعير

______________________________

(1)- التذكرة: 1/ 490، إيضاح الفوائد في شرح القواعد: 1/ 480.

المختار في أحكام الخيار، ص: 13

ليقضي به حاجته ثم يردّه إلى صاحبه، بخلاف طبيعة الوقف فإنّها عبارة عن قطع المالك علقته عن الموقوف، و ادخاله في سلطة الموقوف عليهم، و مثله البيع فإنّ غرض كل من المتعاقدين هو التصرّف فيما صار إليه تصرّفا مأمونا من نقض صاحبه عليه.

و بعبارة أخرى: أنّ كلّا من البائع و المشتري إنّما يقدم على البيع لأن يقضي بالثمن أو المثمن، حاجته التي لا تقضى إلّا أن يكون مالكا له على وجه، تنقطع به سلطة البائع، فالمشتري- مثلا- يريد أن يشتري بيتا و يسكن فيه و تحصل له الطمأنينة من أزمة المسكن بحيث لا تكون للبائع سلطة الرد و تعود المشكلة، أو يريد أن يجعله صداقا لامرأته أو غير ذلك من الأمور التي تقتضي بطبعها كون البيع عقدا لازما.

و لعلّ هذا الوجه أحسنها و أطبقها على عبارة التذكرة، بل هو كاف في اثبات اللزوم للبيع في موارد الشك من دون حاجة إلى التجشّمات التي ارتكبها الشيخ في أوّل البيع. و في المقام، فإذا كانت طبيعة البيع في نظر العرف مقتضية للّزوم و قد أمضاه الشارع بما له هذه الطبيعة، فهو المحكّم في الموارد المشكوكة حتى يدل دليل على خلافه كما هو الحال قبل التفرّق، و بالجملة: الأولى دراسة طبائع المعاملات و خصائصها و نتائجها عند

العرف حتى نقضي على أنّ الأصل ما هو، و من المعلوم أنّها بهذا الوصف، وقع مورد التصويب و الامضاء، فما لم يدل دليل على خلافه يؤخذ بالمعنى المتبادر عند العرف.

ثمّ إنّ العلّامة ذكر أنّه يخرج من هذا الأصل بأمرين: ثبوت خيار، أو ظهور عيب. و يحتمل أن يكون العطف من باب عطف الخاص على العام كما يحتمل أن

المختار في أحكام الخيار، ص: 14

يكون من باب عطف المباين على المباين، و أنّ المراد من المعطوف عليه، ما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين، و من المعطوف ما اقتضى نفس المعاملة كما إذا كان أحد العوضين معيبا. و هناك وجه ثالث، و هو: أنّ وجه التفكيك بين خيار العيب و سائر الخيارات، هو أنّ الثابت في الثاني هو الفسخ فقط و في الأوّل الفسخ و الارش معا.

ما هو الدليل على أنّ الأصل هو اللزوم:

اشارة

استدلّ الشيخ عليه بآيات و روايات، نذكر المهم منها:

[الاستدلال بالآيات القرآنية]
1- آية الوفاء بالعقود:
اشارة

قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «1».

وجه الدلالة: أنّ المراد بوجوب الوفاء، العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب الدلالة اللفظية، و من المعلوم أنّ مدلول عقد البيع حسب الدلالة اللفظية هو مالكية المشتري للمثمن، فيجب حسب الآية، العمل بما تقتضيه مالكيته، فكما أنّ أخذه من يده بغير رضاه و التصرّف فيه، نقض لمضمون ذلك العقد، فهكذا التصرّفات الواقعة بعد فسخ المتصرّف من دون رضا صاحبه، حرام. فمدلول الآية حسب الدلالة المطابقية، حرمة كلّ تصرّف يعد نقضا لمالكية المشتري للمثمن سواء أ كان قبل الفسخ كما هو المسلّم أو بعد الفسخ كما هو مورد البحث، فإذا

______________________________

(1)- المائدة/ 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 15

حرم التصرّف، كشف عن بطلان الفسخ و هو ملازم للزوم البيع، فمدلول الآية حكم تكليفي و هو حرمة كل تصرّف يعد نقضا فينتزع منه حكم وضعي و هو بطلان الفسخ المساوي للّزوم.

أورد على الاستدلال بالآية بما يلي:

إنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد، العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز، فلا يتمّ الاستدلال به على اللزوم لأنّه لم يحرز- بعد- أنّ مفاد العقد في البيع، هو اللزوم.

و بعبارة أخرى: الآية تقضي بأنّه يجب العمل على طبق العهد و العقد، فلو كان العقد لازما تجب الحركة على طبقه، و إن كان جائزا تجب كذلك، و هذا مثل ما يقال: يجب العمل بالأحكام الشرعية، فيدخل تحته العمل بالواجبات و المستحبّات.

فأجاب عنه الشيخ: إنّ اللزوم و الجواز من الأحكام الشرعية للعقد و ليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع، فالذي يجب الوفاء به ما هو مقتضاه

حسب الدلالة اللفظية، و ما يدل عليه العقد بهذه الدلالة هو مالكية المشتري للمثمن فيجب الوفاء بها و الاحترام لها، و أمّا الوجوب و اللزوم فخارجان عن مفاد العقد فيخرج عن اطار وجوب الوفاء.

هذا توضيح ما أفاده الشيخ:

يلاحظ على أصل الاستدلال أوّلا: بالفرق بين التصرّف قبل الفسخ و التصرّف بعده، فالأوّل حرام بحكم الآية لأنّه نقض لمضمون العقد المتحقّق فعلا على وجه القطع، و أمّا الثاني فبما أنّ العقد مشكوك البقاء بعد الفسخ لاحتمال كون البيع عقدا جائزا يجوز حلّه، فلا يصحّ لنا القول بأنّه نقض للوفاء بالعقد، لأنّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 16

العقد بعد مشكوك، و التمسّك بالآية في هذا الظرف تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

و بعبارة أخرى: أنّ وجوب الوفاء بالعقد فرع وجوده، فهو بعد مشكوك و لا يحرز إلّا بالاستصحاب، و المفروض الاستدلال بالآية لا به، و سيجي ء البحث عنه مستقلّا.

و ثانيا: أنّ الوفاء بالعقد و العهد يتصوّر على وجهين: آنيّ و استمراريّ، إذ يتصوّر للعقد، تارة وفاء استمراري كما إذا نذر صلاة الليل في كل ليلة أو نذر ألّا يشرب التبغ إلى سنة، ففي هذه الصورة يكون كل زمان موضوعا للوفاء بالعقد و العهد، فلو صلّى شهرا و تركها شهرا، فقد نقض عهده و لم يف بعقده.

و أخرى وفاء آنيّ كما في البيع، فإنّ من باع شيئا بشي ء فالوفاء به عبارة عن تمليك المثمن و تملّك الثمن، فإذا قاما بهذا الأمر فقد وفيا بالعقد، و ليس بعده موضوع حتى يجب الوفاء به، حتى و لو نزع المثمن من يد المشتري جبرا و ظلما بعد ما دفع إليه اختيارا ففي هذا الوقت، ارتكب الحرام و غصب مال الناس، لا أنّه

نقض عهده و لم يف بعقده.

و بذلك يظهر ضعف ما أفاده أحد السادة- قدّس سرّه- حيث قال: إنّ معنى الوفاء يختلف باختلاف متعلّقه، فإن تعلّق بفعل، كان بمعنى إيجاده كالوفاء بالوعد، و إن تعلّق بموجود، كان بمعنى ترتيب الآثار عليه كالوفاء بالعقد حيث إنّه موجود قد وجد بانشائه. إلّا أنّ اطلاق الأمر به بأيّ معنى كان، و عدم تقييده بقيد «ما لم يفسخ» يوجب ظهوره عرفا في عدم انحلاله و انفساخه بحلّ العقد و فسخه من دون رضا المعقود له كما أنّ اطلاق «أوفوا بالعقد و النذر و الشرط» يدل

المختار في أحكام الخيار، ص: 17

على عدم انحلالها بحلّ العاهد و الناذر و الشارط من دون رضا المعهود له، و المنذور و المشروط له، و هو معنى اللزوم «1».

وجه الضعف هو الفرق الواضح بين الوفاء بالنذر و العهد، و الوفاء بالعقد، فإنّ الوفاء في الأوّلين يتصوّر له استمرار، كما إذا كانت مدّة النذر سنة. و أمّا البيع فلا يتصوّر له مدّة وراء الزمن الذي اتّفقا عليه من كون المبادلة نقدا أو نسيئة أو سلفا، فإذا قاما على ما عقدا عليه و تفرّقا و حصل القبض، فقد وفيا بعقدهما و حصل الامتثال و سقط الأمر لحصول الموضوع، فالوفاء بعد هذه المدّة خارج عن مدلول الآية.

و يلاحظ على ما ذكره الشيخ في دفع الاشكال على الاستدلال من التفكيك بين مضمون العقد و أحكامه و القول بأنّ ما يجب به الوفاء هو مضمون العقد لا أحكامه الشرعية و العرفية، بأنّه تفكيك عقلي لا يلتفت إليه العرف، إذ هو لا يميّز بين مضمون العقد (مالكية المشتري) و أحكامه من لزوم البيع و جوازه، فما ذكره- قدّس سرّه- من

أنّ اللزوم و الجواز من الأحكام الشرعيّة للعقد و ليس من مقتضيات العقد، مع قطع النظر عن حكم الشارع و إن كان صحيحا لكن العرف لا يميّز بينهما. فعندئذ يصحّ ما نقله من الاعتراض من أنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد هو العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز، فلا يصحّ الاستدلال بوجوب الوفاء على لزوم البيع.

و الانصاف أنّ الآية قاصرة عن الدلالة على لزوم البيع بعد الفسخ فلا بدّ من التماس دليل آخر.

______________________________

(1)- نثارات الكواكب، ص 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 18

ذبّ اشكال عن دلالة الآية:

و ربّما يعترض على دلالة الآية بأنّ المراد من العقود في الآية هو العهود، كما ورد في مرسلة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ؟ قال: العهود «1». فتكون الآية أجنبية عن المقام، إذ لا عهد في البيع و نظائره.

قال أبو عبيدة: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ: واحدها عقد و مجازها العهود، و الأيمان التي عقّدتم.

و قال الحطيئة:

قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدّوا العناج و شدّوا فوقه الكربا

و يقال: اعتقد فلان لنفسه «2».

يلاحظ عليه- مضافا إلى أنّ الرواية مرسلة نقلها العياشي في تفسيره، و عامّة رواياته في التفسير الموجود بأيدينا مراسيل-: أنّ العقد في اللغة كما صرّح به الراغب في مفرداته: هو الجمع بين أطراف الشي ء، و يستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل و عقد البناء. و على هذا فليس له معنى سوى ما هو المتبادر من أمثال عقد الحبل و عقد أطراف الرداء، و أمّا استعماله في الأمور المعنوية فباستعارة و تناسب، فكأنّه بالتبادل يعقد المعوض بالعوض أو ذمّته بذمّة الآخر فتحصل منهما حالة خاصة

تطلق عليها العقدة، قال سبحانه: وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 25 من أبواب النذر و العهد، الحديث 3.

(2)- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي (المتوفّى عام 210) ج 1، ص 145.

المختار في أحكام الخيار، ص: 19

حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ (البقرة/ 235)، و قال سبحانه: إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (البقرة/ 237).

و بذلك يعلم أنّ استعماله في العهد لأجل أنّ فيه شدّا و ربطا بين العاهد و المعهود، و ليس العهد إلّا مصداقا من مصاديق المعنى الكلّي الشامل لكلّ أمر فيه نحو عقد و توثيق بين الشيئين. و الشاهد على ذلك أن فعل هذه المادة استعمل في الذكر الحكيم في التحكيم و التوثيق الموجود في نفس اليمين، قال سبحانه:

لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ (المائدة/ 89) أي حلفتم بوعي و دقّة، و قال سبحانه: وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (النساء/ 33) و الظاهر أنّ المراد من الآية الأخيرة هو ضامن الجريرة، و أمّا الرواية فيمكن أن تكون مشيرة لمصداق ربّما يغافل عنه الانسان، فإنّ العهود و المواثيق و الأيمان عقود و عهود يجب الوفاء بها.

و على ذلك فالآية مطلقة تعمّ كل عقد عقدة الانسان و لا يحلّ إلّا بسبب.

هذا و انّ للأعلام حول الآية كلمات في تقريبها للدلالة على المقصود، و لكنّها ليست بمقنعة و لا متبادرة من الآية حتى تكون حجّة، بل أكثرها مفروضة عليها فإنّ الاستظهار يجب أن يكون على حدّ فهم العرف من الآية و ليست كذلك فلاحظ.

2- آية حلّية البيع:

قال سبحانه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ

قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا

المختار في أحكام الخيار، ص: 20

فَمَنْ جٰاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهىٰ فَلَهُ مٰا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّٰهِ وَ مَنْ عٰادَ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (البقرة/ 275).

و قد استدلّ بها الشيخ في المقام، قائلا بأنّ حلّية البيع لا يراد منها إلّا حلّية جميع التصرّفات «1» المترتب عليه، التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضا الآخر، مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ و كونه لغوا غير مؤثّر «2».

يلاحظ عليه: بأنّ الاستدلال فرع كون الآية في مقام بيان حلّية جميع التصرّفات حتى بعد الفسخ، مع أنّها في مقام نفي التساوي الذي كان المشركون المرابون يكرّرونه في أنديتهم، و كانوا يقولون: لا فرق بين البيع و الربا، و إنّ البيع مثل الربا، فنزلت الآية ردّا على قولهم بنفي المساواة، و أنّه سبحانه أحلّ البيع و حرّم الربا من غير تعرّض لسائر الحالات من حلّية البيع بعد فسخ الفاسخ، فإنّ هذا فرع كون المتكلّم في مقام البيان من هذه الناحية.

قال ابن عباس: كان الرجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه فطالبه به، قال المطلوب منه له: زدني في الأجل و أزيدك في المال، فيتراضيان عليه و يعملان به، فإذا قيل لهم: هذا ربا، قالوا: هما سواء، يعنون بذلك أنّ الزيادة في الثمن حال البيع، و الزيادة فيه بسبب الأجل عند محلّ الدين سواء، فذمّهم اللّه به و ألحق الوعيد بهم و خطّأهم في ذلك بقوله: «و أحلّ البيع و حرّم الربا» أحلّ اللّه البيع الذي لا ربا فيه و حرّم البيع الذي فيه الربا ... «3».

______________________________

(1)- لا يخفى أنّ ظاهر الآية، هو حلّية

نفس البيع لا التصرّفات من غير فرق بين قبل الفسخ و بعده.

(2)- المتاجر، قسم الخيارات، ص 215.

(3)- مجمع البيان: 1/ 389 و بيّن في ذيل التفسير الفروق بين البيع و الدين و الزيادة فيهما.

المختار في أحكام الخيار، ص: 21

و بعبارة أخرى: أنّ الحلّية إمّا تكليفية أو وضعية، فعلى الأوّل يكون مفادها أنّ البيع حلال لا حرام مثل قولنا: الغنم حلال و الكلب حرام، و من المعلوم أنّه لا يمكن الاحتجاج بحلّية الغنم على كونه حلالا و لو كان مغصوبا أو موطوءا أو جلّالا.

و على الثاني يكون مفاده أنّ البيع أمضاه الشارع و أحلّه محلّه دون الربا و أمّا أنّه أحلّه في كلّ ظرف و موقف و أمضاه في جميع الشرائط، فالآية ساكتة عنه.

3- آية التجارة عن تراض:

قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29).

و الاستدلال تارة بالمستثنى منه و أخرى بالمستثنى، أمّا الأوّل فيقال: إنّ أخذ مال الغير و تملّكه من دون اذن صاحبه باطل عرفا، فتعمّه الآية.

يلاحظ عليه: بالشك في وجود الموضوع، إذ لو كان العقد جائزا في الواقع يكون تملّكه حينئذ أكلا بالحق كما هو الحال في العقود الجائزة بالذات أو بالعرض، و حيث إنّ الحال غير معلوم يكون المورد من قبيل الشبهة المصداقية للآية.

و أمّا الثاني فبأن يقال: إنّه بإطلاقه يدل على حلّية أكل المال إذا كان سبب حصول ذلك المال، تجارة عن تراض، فيكون مفاده هو حلّية التصرّف للمشتري مطلقا قبل الفسخ و بعده.

و يعلم ضعفه ممّا ذكرنا من أنّه ليس إلّا بصدد كون التجارة سببا لحلّية

المختار في أحكام الخيار، ص:

22

التصرّف، و لا نظر له إلى الخصوصيات حتّى يعم بعد الفسخ.

ثمّ إنّ للآية تفسيرا آخر أوعزنا إليه عند البحث عن المكاسب المحرّمة و حاصله: أنّ الآية ليست بصدد بيان حلّيّة المسبّبات كالبيع و غيره، و إنّما هي بصدد بيان الأسباب و أنّه يجب على الناس التمسّك بالأسباب الحقّة دون الباطلة، فالتجارة عن تراض سبب حقّ، و أمّا أكل المال عن طريق بيع المنابذة و الربا فهو ممنوع، فعندئذ تكون الآية أجنبية عن الاستدلال على اللزوم.

هذه جملة الآيات التي استدلّ بها الشيخ على كون الأصل في البيع، اللزوم.

الاستدلال بالروايات:
اشارة

ثمّ إنّه استدل بروايات و هي بين مرسلة و مسندة:

1- الاستدلال بالمراسيل:

قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الناس مسلّطون على أموالهم، فالنبويّان مرسلان غير مسندين، و قد تمسّك بهما الفقهاء في جميع الأعصار من غير توقّف.

و أمّا كيفيّة الاستدلال بهما على كون الأصل في البيع اللزوم، فهو ما ذكره الشيخ من أنّ مقتضى السلطنة التي أمضاها الشارع أن لا يجوز أخذه من يده و تملّكه عليه من دون رضاه.

يلاحظ على الاستدلال: بأنّ المقام من قبيل الشبهة المصداقية للدليل الاجتهادي فإنّا نشكّ في المثمن هل هو ملك للمشتري بعد الفسخ أو لا؟

المختار في أحكام الخيار، ص: 23

و بعبارة أخرى: نشكّ في كونه مالا له حتى يصحّ له التصرّف و لا يحل للغير التصرّف فيه إلّا بطيب نفسه أو لا؟ إذ من المحتمل أنّ الفسخ مؤثّر في اخراجه عن ملكه و ماله.

فهذا الاشكال السيّال متوجّه على جميع ما استدلّ به الشيخ من الآيات و الروايات، و إن كان الاستدلال بالآيات غير خال عن اشكالات أخرى.

2- الاستدلال بالمسانيد:

استدلّ بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «المؤمنون عند شروطهم» فقد رواه الكليني بسند صحيح عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه قال: سمعته يقول: «من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه، فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه. و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ» «1».

وجه الاستدلال بالحديث يتوقّف على بيان مقدمة و هي أنّ صاحب القاموس فسر الشرط بأنّه: الزام الشي ء و التزامه في البيع و غيره، لكن صاحب الحدائق و غيره كالسيّد الطباطبائي في تعليقته على مبحث الشروط استظهرا أنّه

أعم من الشرط التبعي و الابتدائي، فالبيع بنفسه شرط و عهد و هكذا النكاح، و تدل على عمومية الشرط روايات متفرّقة في الأبواب نذكر بعضها:

1- رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه قال: في الحيوان كلّه، شرط ثلاثة أيام للمشتري و هو بالخيار فيها إن شرط أو لم يشترط «2».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2.

(2)- المصدر نفسه: الباب 3، من أبواب الخيار، الحديث 1 و 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 24

و المراد من الشرط هو الحكم الشرعي المستقل النافذ على المتبايعين، لا الشرط الضمني التبعي بقرينة قوله: «شرط أو لم يشترط».

2- ما رواه أصحاب الصحاح و المسانيد في حقّ بريرة لما اشترتها عائشة و شرط مواليها عليها ولاءها، فوقف عليه النبيّ و قال: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليس في كتاب اللّه، من اشترط شرطا ليس في كتاب اللّه فهو باطل، و إن اشترط مائة شرط، قضاء اللّه أحق و شرطه أوثق، و الولاء لمن اعتق» «1».

و المراد من شرطه سبحانه هو حكم اللّه المطلق «الولاء لمن اعتق».

و بهذه الروايات و نظائرها «2» ذهب الشيخ إلى أنّ الحديث يعمّ كلا الالتزامين: التبعي و الابتدائي، فعند ذلك يصحّ الاستدلال به على لزوم البيع، فإنّ العقد على هذا شرط، فيجب الوفاء به حسب قوله: «المؤمنون عند شروطهم» من غير فرق بين قبل الفسخ و بعده.

يلاحظ عليه بنفس ما ذكرناه في الأدلة المتقدمة، فإنّ وجوب الوفاء فرع

______________________________

(1)- صحيح البخاري الجزء الأوّل، كتاب الصلاة، الباب 70 ص 94 و الجزء الثالث كتاب البيوع، الباب 67، ص 71، و كتاب الشروط، الباب 3 ص 189، و مسند أحمد 6: 86 مع اختلاف

مع ما في المتن.

الوسائل: الجزء 14، الباب 52، من أبواب نكاح العبيد و الاماء، الحديث 2 و 14.

روى البخاري في تفسير قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا جٰاءَكُمُ الْمُؤْمِنٰاتُ مُهٰاجِرٰاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ- إلى قوله:- غَفُورٌ رَحِيمٌ قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشرط منهنّ قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد بايعتك. كلاما يكلّمها به و اللّه ما مسّت يده يد امرأة قط في المبايعة.

صحيح البخاري: الجزء الثالث، كتاب الشروط الباب 1 ص 189.

(2)- لاحظ بحث الشروط من الخيارات، ص 277، طبعة تبريز، و لا يبعد أنّ الاستعمال في رواية بريرة و أمثالها في الشرط الابتدائي في باب المشاكلة، فلا تصلح للاستدلال.

المختار في أحكام الخيار، ص: 25

وجود الشرط، و هو قبل الفسخ محقّق و بعده مشكوك.

3- ما رواه الكليني بسند صحيح عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» و في حديث آخر: «فإذا افترقا وجب البيع» «1».

وجه الاستدلال أنّه لا خيار لهما إذا افترقا بعد الرضا (بالبيع حين الانشاء) فيعم حتى بعد الفسخ.

يلاحظ عليه: أنّ الرواية بصدد بيان الوجوب النسبي لا المطلق، و حاصله أنّه لا خيار لهما من هذا الجانب أي المجلس، و أمّا أنّه لا خيار لهما أبدا فليست بصدد بيانه، بشهادة وجود الخيار بعد الافتراق لأجل الشرط و الغبن و التدليس و غيره.

إلى هنا تمّ الاستدلال بالآيات و الروايات و قد عرفت عدم دلالة واحد منهما على المقصود.

الاستدلال بالأصل على اللزوم:

بقي الكلام في الاستدلال بالأصل و لم يقرّره الشيخ، بل ذكره مجملا و يمكن تقريره

هكذا:

1- أصالة بقاء العقد بعد الفسخ.

2- أصالة بقاء البيع بعده.

3- أصالة بقاء الشرط بعده.

______________________________

(1)- الوسائل: الجزء 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 3 و 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 26

و الأصل يجري على نحو مفاد كان الناقصة لا التامّة. فالأصل الموضوعي يحرز موضوع الأدلة الاجتهادية، فيثبت أنّ هنا عقدا و بيعا و شرطا حتى بعد الفسخ فيجب الوفاء به، كما يحلّ للمشتري التصرّف فيما أخذه من البائع، و يجب على المتعاملين الوفاء بهذا الشرط.

و على كل تقدير فهو من قبيل القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي كما إذا شككنا في أنّ الحيوان الموجود في الدار حصان أو بقرة، فعلى الأوّل قطعي الارتفاع، و على الثاني قطعي البقاء فيستصحب الجامع بينهما، و نظيره المقام حيث إنّ الانسان يشك في أنّ العقد الموجود هل هو عقد لازم لا يرتفع بفسخ الفاسخ قطعا، أو عقد جائز مرتفع معه قطعا فيستصحب بقاء العقد، فينقح الأصل، موضوع الدليل الاجتهادي فتتم الحجّة بثبوت الصغرى بالاستصحاب، و الكبرى بالدليل الاجتهادي.

فإن قلت: إنّ أقصى ما يثبته الاستصحاب وجود العقد و البيع، و لا يكفي ثبوتهما في اثبات لزوم العقد بعد انقسامهما إلى جائز و لازم، فيكون التمسّك بالكبرى مع انقسام العقد إلى قسمين، أشبه بالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص.

و بعبارة أخرى: الوفاء بالعقد و إن كان واجبا لكنّه خرجت منه العقود الجائزة، فاستصحاب بقاء العقد لا يثبت سوى عنوان العام و هو العقد و هو لا يكفي إلّا مع احراز عدم انطباق عنوان المخصّص أيضا و هو كونه عقدا جائزا، و المفروض عدم احرازه، فيكون التمسّك بالعام غير تام. و كون بقاء العقد ملازما للّزوم لأنّه لو بقي حتى بعد

الفسخ، يكون لازما، غير مفيد لكونه أصلا مثبتا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 27

قلت: الاشكال مبني على أنّه سبحانه قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ثمّ ورد عليه التخصيص بقوله إلّا العقود الجائزة، فنشك في دخول البيع تحت عنوان المخصّص أي العقود الجائزة أو لا، و لكن الواقع ليس كذلك، و العقود الجائزة عنوان انتزاعي من المخصّصات الواردة على العام، كعقد الهبة و العارية، و عندئذ يكون الشكّ في خروج البيع عن تحت العام، شكّا في أصل التخصيص، أي في التخصيص الزائد، و الأصل عدمه، لا شكّا في الشبهة المصداقية له.

توضيح ذلك: أنّ الشك في المقام على قسمين:

تارة نشك في العقد الخارجي المشخّص المعيّن أنّه هل هو بيع أو هبة، فلو كان بيعا لا ينفسخ بفسخ البائع (بناء على لزومه) و إن كان هبة ينفسخ بفسخه، ففي مثله لا يصح استصحاب بقاء العقد و لا يكون منقّحا لحال الشبهة المصداقية الخارجية، لأنّ العقد بما هو عقد لا يجب الوفاء به إلّا بعد احراز عدم انطباق عنوان المخصّص أعني: كونه هبة، و بما أنّه غير محرز يكون التمسّك بالعام في مثله، كالتمسّك بوجوب اكرام العالم عند الشك في كونه عالما عادلا أو فاسقا مع تسليم خروج الفاسق، فإنّ احراز العالم غير كاف في وجوب الاكرام إلّا بعد احراز عدم عنوان الخاص، و في المثال المزبور إلّا بعد احراز عدم انطباق عنوان الهبة.

و أخرى يكون الشكّ في خروج العنوان الكلّي عن تحت العام مثلا نعلم أنّه خرج من تحت وجوب الوفاء بالعقد، العارية و الهبة و نشك في أنّه خرج البيع عن تحته أو لا، فإذا ثبت كون عقد البيع موجودا للاستصحاب، حتى بعد فسخ الفاسخ يصحّ التمسّك بالعام إذ

لولاه يلزم تخصيص زائد على العام. و المفروض أنّ الشبهة حكمية كلية و أنّ البيع بما هو هو لازم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 28

فإن قلت: إنّ ما يجب الوفاء به إنّما هو العقد الواقعي، لا العقد التعبّدي و لا يثبت بالاستصحاب إلّا العقد التعبّدي.

قلت: إنّ الاستصحاب يثبت بقاء العقد الواقعي في ظرف الشك، فالثابت به هو بقاء العقد الواقعي لا العقد التعبّدي، نعم بفضل التعبّد يثبت بقاؤه في ظرف الشك، و التعبّد بالبقاء سبب لاثبات وجود المستصحب لا هو قيد للمستصحب، فالذي يستصحب هو نفس العقد لا العقد التعبّدي.

هذا كلّه حول هذه الأصول الثلاثة.

نعم هناك أصول أخرى متوافقة المضمون مع ما سبق نشير إليها:

1- استصحاب بقاء ملك المشتري، و هو و إن كان صحيحا لكنّه مسبّب عن بقاء العقد، فباجراء الأصل السببي يستغنى عن الأصل المسبّبي و إن كانا متوافقي المضمون.

أضف إلى ذلك: أنّه لا يثبت به إلّا جواز تصرّف المالك لا لزوم العقد، اللّهمّ إلّا أن يقال بحجّية الأصل المثبت لأنّ جواز التصرّف و حلّيته بعد الفسخ يلازم عقلا كونه لازما، إذ لو كان جائزا لما صحّ التصرّف.

2- استصحاب عدم تأثير الفسخ، و لكنّه ليس له أثر شرعي لأنّه ليس موضوعا لدليل اجتهادي كما هو الحال في كل أصل موضوعي جار في الموضوعات اللّهمّ إلّا أن يقال بقاعدة المقتضي و المانع، حيث إنّ المقتضي و هو العقد و البيع، موجود، و الشك في تأثير فسخ الموجود، فالأصل عدم تأثيره، و لكن هذه القاعدة غير تامّة لعدم الدليل على حجّيتها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 29

3- استصحاب عدم ارتفاع أثر العقد، و لكنّه بالنسبة إلى اثبات بقاء الملك مثبت لأنّ عدم ارتفاع أثر العقد

يلازم بقاء الملك.

الأصل المعارض:

ثمّ إنّ هناك أصلا معارضا أشار إليه الشيخ و قال: إنّ مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، و المراد المالك الأوّل هو البائع، و لو صحّ هذا الاستصحاب يكون حاكما على الأصول الثلاثة الأخيرة، إذ لو ثبت بقاء علاقة المالك الأوّل، لارتفع الشك في بقاء المال في ملك المشتري، فلا يصحّ استصحاب بقاء ملكه مع صحّة استصحاب بقاء علاقة المالك الأوّل.

يلاحظ عليه: أنّ علاقة المالك الأوّل إن كانت نابعة من مالكيته للمبيع فقد انتفت باخراج المال عن ملكه قطعا، و إن كانت نابعة من غير هذا الوجه كاحتمال سلطة اعادة العين إلى ملكه فهو مشكوك الحدوث، و لا معنى لاستصحابه.

فتلخّص أنّ الدليل الصالح لاثبات كون الأصل في البيع، اللزوم هو قضاء طبع العقد عليه مع ما عرفت من الاستصحاب. و المهم هو الأوّل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 31

في أقسام الخيارات

ذكر المحقّق للخيار خمسة أقسام:

1- خيار المجلس.

2- خيار الحيوان.

3- خيار الشرط.

4- خيار الغبن.

5- خيار التأخير.

و زاد في النافع و قواعد العلّامة، و ارشاده، و تذكرته: خيار الرؤية، و خيار العيب، فصارت سبعة.

و ذكر في اللمعة أربعة عشر، و جعل منها: خيار الشركة، و خيار تبعّض الصفقة مع دخولهما تحت خيار العيب، كما لا يخفى، و ربّما أنهاها بعضهم إلى عشرين، و لكن يمكن ادغام كثير منها تحت السبعة.

و على كل حال فنحن نقتفي أثر شيخنا الأنصاري فندرس السبعة و يعلم حكم ما لم نذكر منها ممّا ذكرناه إن شاء اللّه، فنقول:

المختار في أحكام الخيار، ص: 33

الفصل الثاني خيار المجلس

اشارة

دليله.

ثبوته للوكيل.

ثبوته للموكّل أيضا.

هل خيار المجلس للوكيل و الموكل واحد؟

تفويض الأمر إلى الوكيل.

عدم ثبوت الخيار للفضولي.

خيار المجلس لو كان العاقد واحدا.

في مستثنيات خيار المجلس.

خيار المجلس و سائر العقود.

خيار المجلس و بيع الصرف و السلم.

في مسقطات خيار المجلس الأربعة:

أ- اشتراط سقوطه في نفس العقد.

ب- اسقاطه بعد العقد.

ج- التفرّق عن رضا.

د- التصرّف قبل التفرّق.

المختار في أحكام الخيار، ص: 35

خيار المجلس

[تعريف خيار المجلس]

و اضافته إليه إمّا من باب اضافة الحال إلى المحلّ، و المراد من المجلس:

مطلق مكان العقد، و إن كانا قائمين فيه أو من باب اضافة المسبّب إلى السبب لكون المجلس سببا للخيار كخيار الغبن و العيب لكونهما سببا له.

و هذا الخيار من ضروريات فقه الإمامية، و أمّا غيرهم فقد اختلفوا فيه، قال الشيخ في الخلاف: البيع ينعقد بوجود الايجاب من البائع و القبول من المشتري، لكنّه لا يلزم المتبايعين بنفس العقد بل يثبت لكلّ واحد منهما خيار الفسخ ما داما في المجلس إلى أن يتفرّقا أو يتراضيا بالتبايع في المجلس.

و روي هذا عن الصحابة عن علي- عليه السلام- و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن عباس و أبي هريرة و أبي برزة الأسلمي، و به قال الحسن البصري و سعيد بن المسيب، و الزهري و عطاء، و من الفقهاء: الأوزاعي و أحمد و إسحاق و الشافعي.

و ذهبت طائفة إلى أنّ البيع يلزم بمجرّد العقد، و لا يثبت فيه خيار المجلس بحال، ذهب إليه من التابعين شريح و النخعي، و من الفقهاء مالك و أبو حنيفة و أصحابه، ثمّ استدلّ الشيخ على مذهبه بما روى نافع عن ابن عمر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

المختار في أحكام الخيار، ص: 36

قال:

المتبايعان كلّ واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرّقا إلّا بيع الخيار «1».

[أدلة خيار المجلس]

و قد تضافرت الروايات على ذلك من طرقنا، فرواه محمد بن مسلم و زرارة و فضيل بن يسار و الحلبي عن الصادق- عليه السلام- كما رواه علي بن اسباط عن الرضا- عليه السلام- و كلّها غير الأخيرة صحيحة السند واضحة الدلالة. نذكر بعضها:

1- محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام».

2- و روى أيضا عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سمعته يقول: «بايعت رجلا فلمّا بايعته قمت فمشيت خطا ثمّ رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا».

3- و روى زرارة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: سمعته يقول: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان ثلاث (يريد ثلاثة أيام)» «2».

ثمّ إنّه روى غياث بن إبراهيم (الذي هو زيدي بتريّ) عن علي- عليه السلام- أنّه قال: «إذا صفّق الرجل على البيع، فقد وجب و إن لم يفترقا» «3».

و الظاهر أنّ المراد من التصفيق هو اسقاط خيار المجلس، و لعلّه كان علامة لصيرورة العقد لازما و اسقاط الخيار من الطرفين، و على كل تقدير فلا يعتمد على الرواية الشاذة في مقابل المتضافر منها، و لقد وقعت الحنفية لأجل نفي خيار

______________________________

(1)- الخلاف ج 3، كتاب البيع، المسألة 6. و التذكرة 1/ 490 و فيها: قال أبو حنيفة و مالك: يلزم النكاح بالايجاب و القبول و لا يثبت خيار المجلس ...

(2)- لاحظ: الوسائل 12: الباب 1 من أبواب الخيار: عامة الروايات، و ما نقله في الباب الثالث عن محمّد بن مسلم برقم 3، متّحد مع ما نقله في الباب

الأوّل عنه.

(3)- المصدر نفسه: الرواية 7.

المختار في أحكام الخيار، ص: 37

المجلس في حيص و بيص تبعا لإمام مذهبهم، حيث واجهوا بالروايات المتضافرة الدالة على خيار المجلس، فحاولوا أن يجمعوا بين النص و الفتيا فوقعوا فيما وقعوا فلاحظ كتبهم.

ثبوت خيار المجلس للوكيل:

اشارة

هل يختص خيار المجلس بالعاقدين المالكين أو يعم الوكيلين أيضا؟ فيه أقوال:

الأوّل: ما ذهب إليه صاحب الحدائق بثبوته للأصيل و الوكيل

حيث قال:

و اطلاق الأخبار المذكورة شامل لما قدّمنا ذكره من كون المتبايعين مالكين أو وكيلين أو بالتفريق، لصدق البيّعان على الجميع، و هما من وقع منهما الايجاب و القبول «1».

الثاني: خيرة صاحب المقاصد من اختصاصه بالعاقدين المالكين،

قال: إنّ الحديث دال على حكم المالكين المتعاقدين، لأنّه الغالب و أمّا إذا كان العاقد وكيلا لهما فيستفاد حكمه من أمر خارج «2» و يستدل على هذا القول بوجهين:

الأوّل: إنّه لا يصدق «البيّع» على الوكيل حقيقة و اطلاقه عليه مجاز، لأنّ مبادئ اسم المصدر غير قائم به، و أنّه بمنزلة الآلة، و كأنّه لسان الموكل.

يلاحظ عليه: أنّه كيف لا يصدق البيّع على الوكيل مع صحّة صدقه على الفضولي و المكره و ليس الوكيل بأدون منهما، و أمّا المبادئ فالتصوّر و التصديق

______________________________

(1)- الحدائق: ج 19، ص 7.

(2)- جامع المقاصد: 4/ 286.

المختار في أحكام الخيار، ص: 38

و العزم قائمة به، لفرض كون بيعه فعلا اختياريا له.

الثاني: أنّ دليل لزوم العقد أعني: قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ متوجّه إلى المالكين أو إلى من له الأمر، كالأولياء و الوكيل المطلق، و الوكيل في خصوص اجراء الصيغة لا يجب عليه الوفاء بأيّ نحو فسّر، سواء أ كان مفاده حكما تكليفيا أي وجوب ابقاء العقد و ترتيب أثره، أو حكما وضعيا و هو لزوم العقد، و حيث إنّ أدلّة الخيار مقيّدة لدليل وجوب الوفاء، فلا بدّ أن يختصّ الخيار بمن يجب عليه الوفاء، و لا يعمّ الأجنبي.

و أجاب عنه سيدنا الأستاذ- قدّس سرّه-: بأنّ للآية الكريمة مدلولين:

أحدهما: مطابقي، و الآخر: استلزامي، و دليل الخيار بمنزلة الاستثناء من الحكم الوضعي، أي اللزوم المستفاد استلزاما من قوله تعالى لا من الحكم التكليفي المطابقي فكأنّه قال: كل عقد من عقودكم لازم و استثنى

منه العقد الخياري، سواء أ كان الخيار للمالك أو لغيره، و يشهد له قوله- عليه السلام-: «فاذا افترقا وجب البيع» فإنّه ظاهر كالصريح في أنّ الاستثناء من الحكم الوضعي، فكأنّه قال: لا يجب البيع قبل الافتراق «1».

يلاحظ عليه: أنّه ليس للآية إلّا مدلول مطابقي و هو الالزام التكليفي و أمّا اللزوم الوضعي فهو منتزع من وجوب الوفاء بالعقد و المفروض أنّ الحكم التكليفي مختصّ بالمالك لا الأعم منه و من الوكيل، و لا معنى لكون المنتزع أعم من منشأ الانتزاع، و ليس المنتزع كلازم المعنى الذي يمكن أن يكون أعم من الملزوم، و لعلّ تعبيره بالمعنى اللازم لأجل دفع ما ذكرناه.

______________________________

(1)- المتاجر، قسم الخيارات ج 4، ص 46.

المختار في أحكام الخيار، ص: 39

و الأولى أن يقال: إنّ وجوب الوفاء لا يختص بالعاقدين المالكين، فإنّ العامل في المضاربة وكيل يجب عليه الوفاء بما عقد، فليس له الامتناع من دفع المثمن أو غير ذلك، و سيوافيك أنّ الموضوع أوسع من مثل العامل في المضاربة.

الثالث: ما اختاره الشيخ من اختصاصه بالوكيل الذي له حقّ التصرّف في المبيع،

قال: «إنّ مفاد أدلّة الخيار اثبات حقّ و سلطنة لكلّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر، بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلّط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج ألا ترى أنّه لو شك المشتري في كون المبيع ممّن ينعتق عليه لقرابة، أو يجب صرفه لنفقة أو اعتاقه لنذر فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه بأدلّة الخيار بزعم اثباتها للخيار المستلزم لجواز ردّه على البائع و عدم وجوب عتقه.

فعلى ما ذكره: إذا لم يكن مستقلّا في التصرّف في مال الموكّل بل كان وكيلا في التصرّف على وجه المعاوضة، فليس للوكيل الخيار لعدم تمكّنه من ردّ

ما انتقل إليه كما صرّح به الشيخ في ذيل كلامه، و أولى منه بعدم ثبوت الخيار إذا كان وكيلا لاجراء الصيغة فقط».

يلاحظ عليه: بأنّه إن أراد التسلّط المطلق فهو ليس بموجود حتى في عامل القراض، إذ ليس له العتق و لا الاتلاف، و لا الوقف، و إن أراد التصرّف على النقل بعقد جديد حتى يجوز له الفسخ مثل العقد الجديد، فما الدليل عليه.

و إن أراد التسلّط على الفسخ فقط فهذا مثل السابق، بل هو يستفاد من دليل الخيار، لا أنّه يحرز قبل الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 40

و الحاصل: أنّ اطلاق الدليل محكّم على هذه الاحتمالات، و التقييد و التخصيص مشكوك من رأس. و بهذا يظهر الجواب عن الأمثلة التي لا يجوز التمسّك فيها بالخيار عند احتمال كون المبيع ممّن ينعتق عليه أو ممّا يجب صرفه في النفقة، أو اعتاقه لنذر و ذلك لأنّ وجود المخصّص و المقيّد قطعي في تلك الأمثلة فيكون المورد شبهة مصداقية لهما، فلا يجوز التمسّك بالعام و لا المطلق، و هذا بخلاف المقام، فإنّ أصل التخصيص و التقييد مشكوك.

الرابع: نظرية السيد الطباطبائي و المحقّق الخراساني

فاكتفيا بكفاية السلطنة على نفس العقد ايجادا و اعداما، قائلين بأنّه لو كان وكيلا في أصل المعاملة بأن جعل أمرها إليه من غير أن يكون وكيلا في التصرّف في العين كفى في ثبوت الخيار، فالمدار السلطنة على المعاملة مطلقا، و إن لم يكن مسلّطا على سائر التصرّفات في العين، ثمّ قال السيّد: و بالجملة كل مورد تجوز له الإقالة يثبت له الخيار، و كلّ مورد لم تثبت له الإقالة لا تنصرف إليه الأدلّة، و ليس له الخيار، و الوكيل في مجرّد اجراء الصيغة ليست له الإقالة، فليس له الفسخ.

و لعلّ

هذا القول هو أوجه الأقوال و أسدّها فيؤخذ بإطلاق الرواية إلّا في مورد الوكالة في اجراء الصيغة، و يؤيّد ذلك أنّ الحكمة في جعل هذا الخيار هو فسح المجال للطرفين حتى ينظرا فيما يبيعان أو يشتريان و هو و إن كانت حكمة لا علّة، و لكنّها تصلح لأن تصير سببا للانصراف عن الوكيل في اجراء الصيغة و يبقى الباقي تحته.

ثمّ إنّ الكلام في المقام في اثبات الخيار بأدلّة خيار المجلس، و أنّ هذا الحق الشرعي هل هو ثابت للمالك أو يعمّ وكيله، و أمّا البحث عن سعة دلالة عقد الوكالة على الفسخ و عدمه فهو خارج عن موضوع البحث، فسواء كان نطاق

المختار في أحكام الخيار، ص: 41

دلالته وسيعا شاملا للفسخ أو ضيّقا قاصرا عنه فلا يؤثّر في ثبوت حقّ الخيار للوكيل و عدمه، لأنّ حقّ الفسخ لو كان ثابتا في المقام للوكيل، فإنّما هو حقّ شرعي ثبت من جانب الشرع لا من جانب المالك الموكل، فالبحث عن سعة دلالة عقد الوكالة و ضيقها خارج عن مصبّ البحث، و بذلك يظهر الخلط فيما ذكره صاحب المسالك «1» فلاحظ.

ثمّ إنّه إذا كان الموكّل غير راض بالفسخ فهل يجوز للوكيل القيام به أو لا؟

ذهب الشيخ الأعظم إلى المنع، و لعلّ وجهه هو انصراف الدليل عن هذه الصورة و ذلك لأنّ الخيار لأجل فسح المجال للتروّي في مصالح الموكّل، فإذا كان هو غير راض بالفسخ، فكيف يجوز للوكيل فسخه، و مع ذلك فيمكن أن يقال:

إنّ هذا حقّ للبيّع بما هو بيّع، فلا وجه للمنع عن الشمول و ليس في هذا نائبا عن الموكّل و وكيلا عنه، و إنّما هو وكيل له في البيع، و هذا الحق أعطاه

الشارع إيّاه بما هو بيّع.

فلو فرضنا وجود الاطلاق فتقع المعارضة بينه و بين عموم «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه» و النسبة عموم و خصوص من وجه، فيجتمعان في هذا المورد، فعلى الاطلاق يصحّ فسخه، و على النبوي يحرم فعله، فينتزع منه الفساد، و لعلّ اطلاق الخيار أقوى من اطلاق النبوي فيقدّم عليه خصوصا على القول بأنّ النبوي بصدد بيان الحكم التكليفي لا الوضعي، و المسألة لا تخلو من اشكال، فلاحظ.

______________________________

(1)- المسالك ج 1، في شرح قول المحقّق: «و لكلّ من المتبايعين خيار الفسخ» حيث قال: فإن لم ينصّ لهما الموكّل على الخيار، لم يكن لهما الفسخ فينتفي الحكم عنهما و إن وكّلهما فيه ...، و أنت ترى أنّه خروج عن البحث لأنّه في ثبوت هذا الحق للوكيل من جانب الشارع و عدمه و لا صلة لتوكيل الموكّل له في الفسخ و عدمه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 42

هل للموكّل خيار المجلس؟

قد تعرّفت على أنّ للوكيل في غير مورد الوكالة في اجراء الصيغة، خيار المجلس، فهل للموكّل خيار أيضا في عرض الخيار للوكيل؟ وجوه:

1- له الخيار مطلقا، لكون الخيار حقّا لصاحب المال شرعا ارفاقا له، و أنّ ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه، يستلزم ثبوته للمنوب عنه.

2- عدمه كذلك، لتبادر المتعاقدين من النص، فللمباشرة مدخلية في ثبوت الخيار.

3- له الخيار فيما إذا لم يكن للوكيل خيار و ذلك لأنّ خيار المجلس كاللازم لماهيّة البيع، فإذا كان الوكيل غير ذي خيار، فلا محالة يكون للموكّل خيار.

ثمّ إنّ سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- اختار القول الثاني، و قال في كلام مفصّل ما هذا حاصله: إنّ «البيّع» قد وضع لمن صدر منه البيع و ليس هو إلّا الوكيل، و تصوّر

أنّه موضوع لمن صدر عنه البيع و من كان سببا لصدوره أعني الموكّل غير تام، لأنّه موضوع للجامع البسيط، و ليس هنا جامع بسيط بين المباشر و السبب، و الجامع المركّب و إن كان موجودا لكنّه ليس موضوعا للمشتق كما حقّقناه في محلّه.

و الحاصل: أنّ المفهوم البسيط مختص بالمباشر، و الجامع المركّب و إن كان يعمّ الوكيل و الموكّل و المباشر و من هو سبب، لكنّه ليس موضوعا له، و استعماله مجازا في المباشر و السبب خلاف الظاهر، فعلى ذلك فهو يختصّ بمن قام بالبيع

المختار في أحكام الخيار، ص: 43

و هو الوكيل «1».

يلاحظ عليه: أنّه لو أريد من البيّع العاقد لاختصّ بالمباشر قطعا، لأنّ من صدر منه العقد هو الوكيل، و أمّا إذا أريد منه من قام به المعنى الاعتباري، فلا اشكال في أنّ البيع صدر من الوكيل و الموكّل معا، و لأجل صدوره منهما يتوقّف على وجود شروط في الموكّل من كونه عاقلا بالغا مريدا غير مكره، مالكا للمبيع غير محجور، و موكّلا إيّاه، و على شروط في الوكيل، و عندئذ يرى العرف كليهما مصدرين لتحقّق تلك الماهية، و لا يعد ذلك من قبيل السبب و المباشر كالأمر بالقتل، إذ لا شكّ هنا أنّ القتل قائم بالمباشر لا بالسبب، بل يعد ذلك من قبيل نسبة أفعالنا إلى الأعضاء و الجوارح، و في الوقت نفسه ينسب إلى أنفسنا فالعين ترى كما أنّ النفس ترى كذلك، و كلتا النسبتين حقيقيتان، و نظير ذلك نسبة أفعالنا إلينا و في الوقت نفسه إلى المبادئ العالية، فالفعل كما هو منتسب إلينا انتسابا صدوريا فكذلك منتسب إلى المبادئ العالية حقيقة لا بالتسبيب، و من المعروف قول المحقّق السبزواري:

«و

الفعل فعل اللّه و هو فعلنا».

و من رأى أنّ مسألة أفعال العباد بالنسبة إلى اللّه سبحانه مسألة التسبيب، فقد غفل عن حقيقة التوحيد الافعالي و مع ذلك لا ينسب إليه نقائص الأفعال و شرورها و عناوينها المادّية كالأكل و الشرب و نظير المقام أيضا، الأفعال التي تقوم بها جنود الرب من الملائكة كالتوفّي و غيره، فالتوفّي صادر من اللّه سبحانه و في الوقت نفسه صادر عن الملائكة. قال سبحانه: اللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا

______________________________

(1)- كتاب البيع، قسم الخيارات، ج 4، ص 58- 60 بتلخيص منّا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 44

(الزمر/ 46) و كذلك يقول: الَّذِينَ تَتَوَفّٰاهُمُ الْمَلٰائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ (النحل/ 32).

و على الجملة فبما أنّ بعض مبادئ البيع قائم بالموكّل و البعض الآخر بالوكيل، يرى العرف كليهما مصدرين له، و المتّبع هو المفهوم العرفي لا الدقة العقليّة، فالبيّع بمعناه البسيط (من صدر منه البيع الاعتباريّ) منطبق على الوكيل و الموكّل معا في نظر العرف، و هذا كاف.

و لعل الأقوى هو القول الأوّل و هو ثبوت الخيار لهما مطلقا.

هل الخيار في الوكيل و الموكّل واحد أو متعدّد؟

ثمّ إذا قلنا بأنّ لكل واحد من الوكيل و الموكّل حقّا مجعولا من جانب الشارع يقع الكلام في أنّه:

هل الخيار في موردهما خيار واحد فكل من سبق منهما إلى إعماله نفذ و سقط خيار الآخر، فلو أنفذ الوكيل أو الموكّل فقد نفذ البيع و لا يبقى للآخر مجال للاعمال، و ذلك لأنّ هنا حقّا واحدا فقد سبق أحدهما إلى حيازته فلم يبق موضوع للآخر.

كما أنّه سبق إلى إعماله بالفسخ فلا يبقى للآخر موضوع، فليس المقام على هذه الصورة من قبيل تقديم الفاسخ على المجيز، كما إذا كان لكلّ من البائع و المشتري خيار، فلو

فسخ أحدهما لم يبق للآخر مجال الاجازة و ذلك لأنّه فيما إذا كان الحق متعدّدا، فيكون الفسخ من أحد الجانبين مقدّما على إجازة الآخر.

المختار في أحكام الخيار، ص: 45

و أمّا المقام فالفاسخ و إن كان مقدّما لكن تقدّمه على المجيز لأجل عدم الموضوع للاجازة بعد كون الحق واحدا سبق إليه الفاسخ، فلم يبق بعد الفسخ موضوع حتى يسبق إليه المجيز، فالتقدّم أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع.

هذا ما يظهر من الشيخ بتوضيح منّا.

و لكن يمكن أن يقال بتعدّد الحق، و ذلك لأنّ الحكم متعلّق بعنوان البيّع و هو منطبق على كل من الوكيل و الموكّل، و للوكيل خيار لكونه مصداق «البيّع» و للموكّل خيار لكونه مصداقه، فالخيار و إن كان حكما واحدا لكنّه يتكسّر بتعدّد موضوعه.

فعند ذلك يختلف حكم الصورتين. أمّا إذا قام أحدهما بالتنفيذ فعلى مبنى الشيخ يسقط خيار الآخر لعدم الموضوع له، و على هذا المسلك لا يتعدّى تنفيذه عن اسقاط خياره، فيبقى للبيّع الآخر خياره بما هو بيّع.

و أمّا إذا قام أحدهما بالفسخ فيكون من قبيل تقديم الفاسخ على المجيز، فيكون للتقدّم موضوع كما إذا كان لكل من البائع و المشتري خيار.

و على هذا الأساس يظهر حكم التفرّق عن المجلس فيما إذا كان للوكيل و الموكّل خيار، فعلى القول الأوّل يكفي مطلق التفرّق لفرض أنّ هنا خيارا واحدا مغيّا بالتفرّق و هو حاصل بتفرّق واحد من الأصيل أو الوكيل.

و على القول الثاني أعني: القول بتعدّده حسب تعدّد البيّع فتفرّق أحدهما لا يتجاوز عن إسقاط خياره فيبقى للآخر حكمه، و إنّما يسقط خيار الآخر

المختار في أحكام الخيار، ص: 46

بالتفرّق الكامل أي تفرّق كلّ من الأصيل و الوكيل.

و العجب أنّ الشيخ الأعظم مع

أنّه اختار المذهب الأوّل أي وحدة الخيار مع كثرة من قام به، قوّى كون الملاك في التفرّق هو تفرّق الكل، مع أنّ لازم مبناه هو الاكتفاء بصرف التفرّق.

و لأجل ذلك أورد عليه السيد الطباطبائي بأنّ الظاهر أنّ الحكم معلّق على صدق التفرّق و المفروض صدقه.

تفويض الأمر إلى الوكيل:

فلو كان الموكّل ذا خيار دون الوكيل كما إذا كان وكيلا في اجراء الصيغة فقط، فهل للموكّل تفويض الأمر إلى الوكيل؟ قال الشيخ: الأقوى العدم لأنّ المتيقّن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد، لا لحوقه له بعده. نعم يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرّف فسخا أو التزاما «1».

يلاحظ عليه: بأنّ الخيار القابل للتفويض حدث حين العقد و إنّما يفوّض إليه بعد العقد، فما هو الشرط و هو أصل الخيار موجود حينه، نعم كون الوكيل ذا حقّ خياري فإنّما هو بعده، و لا يظهر من الدليل لزوم وجود التفويض حين العقد، بشهادة أنّ الخيار حقّ قابل للنقل و الاسقاط كما سيوافيك، فكيف يصحّ لنا المنع منه؟

______________________________

(1)- الشيخ الأنصاري: المتاجر: قسم الخيارات ص 217.

المختار في أحكام الخيار، ص: 47

عدم ثبوت الخيار للفضولي:

إنّ الكلام في البيع الفضولي و تحقيقه موكول إلى محلّه، فالبيع الفضولي عندنا قبل الاجازة ليس عقدا و لا بيعا و لا تشمله العمومات و المطلقات، بل هو شي ء لغو عند العقلاء، و أشبه بتنظيم الأجنبي سندا لبيع دار الغير فلا يعد مثل ذلك مصداقا للبيع الممضى من قبل الشرع. نعم إذا لحقته الاجازة ينطبق عليه البيع و يشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بمعنى أوفوا بعقودكم، فقبل الاجازة فاقد للاستناد، و إنّما يتحقّق الاستناد بالاجازة لكن إذا صدر ممّن له صلة بالمالك بنحو من الأنحاء كالقرابة و الصداقة، لا ما إذا كان أجنبيّا بحتا، لعدم كونه متعارفا.

و على ضوء ما ذكرنا فليس للفضولي خيار المجلس لا قبل الاجازة لعدم صدق «البيع» و لا «البيّع» الواردين في العمومات و المطلقات، و لا بعدها فلأنّه لا يتجاوز عن الوكيل في مجرّد اجراء الصيغة، و

قد علمت عدم شمول الدليل لمثله.

و أمّا كون المالك ذا خيار في المقام فلا بأس به، لأنّه يكون بيّعا بعد الاجازة، و قد علمت أنّ البيّع وضع لمن صدر منه البيع، و هو- بعد الاجازة- من مصاديق من صدر عنه البيع، و لكنّ الكلام في تعيين مجلس الخيار، فهل الميزان هو حضورهما (المالكين) في مجلس العقد و هو يتوقّف على أن لا يتفرّقا من زمان اجراء الصيغة إلى زمان صدور الاجازة، أو الميزان هو مجلس الاجازة بشرط حضورهما في مجلس الاجازة فما لم يتفرّقا لكان لكلّ من المجيز و المالك الآخر خيار المجلس؟ هذا هو الأقوى لما عرفت من أنّ عقد الفضولي ليس بيعا و لا عقدا ممضى للشارع و إنّما يصير عقدا من حين الإجازة، فكأنّ الاجازة تنفخ الروح في

المختار في أحكام الخيار، ص: 48

العقد، و يعتبر أمرا قانونيا في مجلس الاجازة في عالم الاعتبار، فما دام المجيز و المالك الآخر غير متفرّقين عن مجلس الاجازة، فالخيار باق.

هذا من غير فرق بين كون الاجازة ناقلة أو كاشفة إمّا على الأوّل فهو واضح و إمّا على الثاني، فلأنّ الكشف الحقيقي باطل بمعنى وجود الملكيّة في الواقع قبل تحقّق الاجازة لأنّ معناه الغاء الاجازة و الرضا في تحقّق الملكية، فينحصر المراد منه بأمرين:

1- الكشف الحكمي بمعنى ترتيب آثار الملكية للعين المشترى من الفضولي.

2- القول بأنّ الاجازة توجد ملكيّة في الماضي من زمان الاجازة كما أنّ العقد من المالك يوجد ملكيّة في المستقبل، و بما أنّ الملكيّة من الأمور الاعتبارية فلا مانع من كون مال في يوم واحد ملكا للمجيز و بعد الاجازة ملكا للمشتري، و ذلك لاختلاف زمن اعتبار الملكيّة للشخصين، فالعين و زمان

مملوكيتها و إن كانا واحدين لكن زمان الاعتبار مختلف.

و على كل تقدير فبما أنّ الحكم بترتيب الآثار بكلا المعنيين إنّما هو بنفس الاجازة فالعبرة بمجلسها لا بمجلس العقد.

ثمّ إنّه إذا تبايع غاصبان ثمّ تفاسخا، قال الشيخ: لم يزل العقد قابلا للحوق الاجازة، بخلاف ما لو ردّ الموجب منهما قبل قبول الآخر، لاختلال صورة المعاقدة.

يلاحظ عليه: بأنّ ما ذكره مبني على أنّ إيجاب الفضولي (الغاصب) كايجاب المالك حكما فيجوز للثاني إبطال ايجابه قبل قبول القابل، فكذا يجوز للفضولي ردّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 49

ايجابه بعد تحقّقه لكن القياس غير صحيح، فكما أنّه لا حقّ للفضولي بعد تحقّق الكل فهكذا لا حقّ له بعد تحقّق الجزء، و كما أنّ الكل قابل للاجازة فهكذا الجزء قابل للحوق القبول، و ليس ايجاب الفضولي مثل ايجاب المالك الذي له ابطال ايجابه قبل قبول المشتري، و بعبارة أخرى: إذا كان أمر الفضولي أشبه بتنظيم السند الخالي عن الامضاء فلا بأس للاعتناء به مطلقا من غير فرق بين الجزء و الكل.

لو كان العاقد واحدا:

هذا كلّه في ما إذا كان هناك عاقدان، و ربّما يتّحد العاقد و يعقد عن الطرفين ولاية و وكالة، أو أصالة من جانب نفسه، و ولاية و وكالة من جانب غيره، فالصور المتصوّرة أربعة، و الصحيح منها ثلاثة:

1- أن يشتري لنفسه عن غيره.

2- أن يشتري لغيره عن نفسه.

3- أن يشتري لغيره عن غيره.

و أمّا القسم الرابع: و هو أن يشتري لنفسه عن نفسه فهو باطل «1».

فيقع الكلام في مقامين: «الأوّل»: في ثبوت الخيار و عدمه، «الثاني»: في ما هو المسقط على فرض الثبوت.

أمّا المقام الأوّل ففيه قولان: الأوّل: ثبوت الخيار و هو الظاهر عن الشيخ في

______________________________

(1)- و بذلك

يظهر معنى عبارة الشيخ حيث يقول: لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة، فالمقصود أن يعقد لنفسه (عن غيره)، أو لغيره عن نفسه، أو لغيره (عن غيره).

المختار في أحكام الخيار، ص: 50

مبسوطه و ابن البراج في مهذبه و المحقّق في شرائعه، و الشهيد في دروسه. و الثاني:

عدم الخيار، و استقر به صاحب الحدائق.

أمّا القول بثبوت الخيار، فيقال: إنّ العاقد الواحد بائع و مشتر فله ما لكلّ منهما كسائر أحكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين، فكما أنّ سائر أحكام المتبايعين ثابت للعاقد الواحد فهكذا خيار المجلس «1».

فإن قلت: إنّ الموضوع في لسان الدليل: «البيّعان» و هو لا يصدق على الواحد.

قلت: إنّ التثنية، لجهة بيان أنّ الحكم ثابت لكلّ من البائع و المشتري و ليس خاصّا بواحد منهما، و ليست ناظرة إلى وجوب التعدّد حتى يخرج العاقد الواحد، فالغاية من التثنية هو تسرية الحكم إليهما لا لإخراج العاقد الواحد، و لأجل ذلك يقول المحقّق: لو كان العاقد واحدا عن اثنين كالأب و الجد، كان الخيار ثابتا، و مثله غيره.

أمّا عدم ثبوت الخيار: فإنّ الظاهر من الغاية هو ثبوت الخيار فيما إذا أمكن التفرّق، و هو غير ممكن في المقام، و إن شئت قلت: إنّ الموضوع بالنظر إلى النصّ صورة التعدّد، و الغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدّد، و لو أجيب عن الأوّل بأنّ الاتيان بالتثنية لغاية التسرية لا لاعتبار التعدّد، يبقى امكان الافتراق بحاله.

فربّما يجاب عن الاستدلال بأنّ قوله ما لم يفترقا محمول على إرادة السلب بمعنى أنّ الخيار ثابت ما لم يحصل الافتراق، و هنا (إذا كان العاقد واحدا) لم يحصل

______________________________

(1)- فلو كان وليا لصغير فأكره على

العقد يلحقه حكم الاكراه، و إن كان وكيلا من جانب آخر و لم يحصل التقابض في المجلس في الصرف و السلم يبطل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 51

افتراق لعدم ما يحصل به الافتراق، و هو التعدّد.

يلاحظ عليه: أنّ حمل الذيل على إرادة السلب أي تقابل السلب و الايجاب، بعيد. و الظاهر كون التقابل تقابل العدم و الملكة.

و ربّما يجاب عن الاستدلال أيضا بأنّ كلمة «حتى» كما تدخل على الممكن، تدخل على المستحيل، مثل قوله تعالى:

وَ لٰا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّٰى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيٰاطِ (الأعراف/ 40).

يلاحظ عليه: بأنّه إذا دخلت لفظة «حتى» على المستحيل لا تكون غاية حقيقة بل تكون صورة غاية، و المقصود هو كون الحكم مستمرّا إلى الأبد، لا أنّه مستمر إلى تلك الغاية. و هذا بخلاف المقام، فإنّ الافتراق غاية للحكم، و المقصود انقطاع استمراره بحصول الغاية.

و الأولى: أن يجاب بالفرق بين كون الغاية قيدا للحكم و بين كونها غاية له، فلو كان المراد هو الأوّل يكون الموضوع الخيار المقيّد بما قبل الافتراق و هذا لا يتحقّق إلّا في مورد أمكن الافتراق، و إن كان المراد هو الثاني يكون الخيار ثابتا لكلّ من المتبايعين بلا قيد و شرط، و كون التفرّق غاية له، يعني أنّه إن حصل التفرّق يرتفع الخيار، و إن لم يحصل يبقى بحاله، و لا يختص بما إذا حصل التفرّق، و لأجل ذلك لو تعدّد العاقد، و لكن لم يمكن الافتراق كما في الانسانين المتلاصقين إذا تعاملا يكون لهما الخيار و إن لم يمكن الافتراق، و هذا مثلما إذا قيل: «أكرم العلماء إلى أن يفسقوا» و ليس المراد الإكرام المقيّد بكونه قبل الفسق بل المراد أنّ الفسق على فرض

حصوله رافع للوجوب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 52

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم توقّف في المسألة و قال: الأولى التوقّف تبعا للتحرير، و لكنّه لا مجال له، إذ غاية الأمر صيرورة الحديث مجملا فيرجع إلى الأصل الأوّلي الذي أسّسه في البحث السابق و هو أصالة اللزوم إلّا ما قام الدليل على الخيار فيه.

هذا كلّه في المقام الأوّل أعني: ثبوت الخيار و عدمه، و أمّا المقام الثاني و هو أنّه على فرض الثبوت فما هو المسقط؟! فذكر المحقّق هنا أمورا ثلاثة، و قال:

1- كان الخيار ثابتا ما لم يشترط سقوطه (في متن العقد).

2- أو يلتزم به عنهما بعد العقد.

3- أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على قول.

و ذكر في الجواهر أنّه لم يعرف قائل المسقط الثالث و لعلّه لبعض العامّة «1».

و وهنه ظاهر، لأنّ رافع الخيار ليس هو مفارقة المجلس، و لأجل ذلك لو كان البائعان مصطحبين إلى مقدار من النهار بقي الخيار و إن تركا مجلس العقد، فما ربّما يقال بأنّ مفارقة المجلس مسقطة فإنّما هو لأجل تلازمه مع التفرّق و إلّا فلا، و الأولى الاكتفاء بالمسقطين المذكورين، و إلّا فيبقى العقد خياريا حتى يسقط الخيار بسائر الأمور المسقطة الآتية.

______________________________

(1)- الجواهر، ج 23، ص 20.

المختار في أحكام الخيار، ص: 53

في مستثنيات خيار المجلس:

اشارة

ربّما يستثنى بعض أشخاص المبيع عن عموم هذا الخيار، و قد ذكر الشيخ موارد أربعة:

1- من ينعتق على أحد المتبايعين.

2- العبد المسلم المشترى من الكافر.

3- شراء العبد نفسه.

4- المبيع إذا لم يكن قابلا للبقاء كالجمد في الجو المشمس الحار.

المسألة الأولى:

اشارة

إذا اشترى رجل من ينعتق عليه فيقع الكلام في موضعين:

الأوّل: تعلّق الخيار بالعين.

الثاني: تعلّقه بأخذ القيمة.

أمّا الأوّل فالظاهر من غير واحد عدم الخيار بالنسبة إلى العين، غير أنّه حكي عن الدروس ثبوت الخيار للبائع. أمّا بيان عدم تعلّقه بالعين على وجه الاجمال فلتضافر الروايات على أنّهم إذا ملكوا عتقوا. كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: «إذا ملك الرجل والديه أو اخته أو خالته أو عمّته عتقوا» «1».

و موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه: «إذا ملك الرجل والديه أو اخته أو عمّته أو خالته عتقوا» «2».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 7، من كتاب العتق، الحديث 1 و 3، و لاحظ: الحديث 1، من الباب الرابع من كتاب بيع الحيوان.

(2)- الوسائل: ج 16، الباب 7، من كتاب العتق، الحديث 1 و 3، و لاحظ: الحديث 1، من الباب الرابع من كتاب بيع الحيوان.

المختار في أحكام الخيار، ص: 54

و ظاهر الرواية تحقّق الانعتاق بمجرّد التملّك، و من المعلوم أنّه لا رقّية بعد الحرية، فلا يعود الحر رقّا.

نعم، على قول من يذهب إلى توقّف الملكية على انقضاء زمان الخيار، أو قول من يقول بأنّ الانعتاق من آثار الملكية المستقرّة لا المتزلزلة، أو قول من يقول إنّ الانعتاق و إن كان يحصل بمجرد الملك إلّا أنّه متزلزل يقبل العود إلى الرقية، و ما دلّ على أنّ الحر لا يعود رقّا، فإنّما هو في الحرية

المستقرّة أو الأصلية،- على هذه الأقوال- فالخيار بعد باق لامكان رجوع العين، غير أنّ المبنى الأوّل باطل لذهاب المشهور إلى خلافه، و لم ينقل إلّا عن الشيخ.

و أمّا المبنى الثاني فكون العتق من آثار الملكيّة المستقرّة على خلاف اطلاق الروايتين، فإنّ ظاهره أنّ الملكية آنا ما يوجب العتق من غير فرق بين المستقرّة و غيرها، و بذلك يظهر ضعف الثالث من التشكيك في اطلاق عدم عود الحرّ رقّا فتخصيصه بالحرية المستقرّة كما ترى.

ثمّ لو صحّت هذه الاحتمالات لم يبق فرق بين رد المشتري و البائع فلا وجه لتخصيص الخيار بالبائع دون المشتري، غير أنّ المعلوم من مذاق الشارع هو اشاعة العتق و تقليل الرقّية، فالاحتمالات الثلاثة لا تجتمع مع ما هو المعلوم من مذاق الشارع في مورد الرقّية، فعدم تعلّق الخيار بالعين هو الأظهر.

تعلّق الخيار بأخذ القيامة:

أمّا الثاني أي تعلّقه بأخذ قيمة العين ففيه وجهان بل قولان: بين ناف لبقاء الخيار، و مثبت له، فقد استدل النافي بوجوه نشير إليها:

المختار في أحكام الخيار، ص: 55

1- عدم صدق البيّعين على المتعاقدين و إنّما هو صورة شراء، و الانشاء مقدمة للانعتاق، و المقام أشبه بالبيع الاستنقاذيّ، كما في شراء الأسير المسلم من الكافر «1».

يلاحظ عليه: أنّه خلط بين الغاية و نفس العمل، فالغاية شي ء و ما يقوم به الطرفان شي ء آخر، و العمل في نظر العرف بيع و شراء، فهذا يبيع رقيقه، و ذاك يشتريه، و إن كان الباعث للشراء هو العطوفة و المحبّة الرحمية.

2- ما ذكره في التذكرة من أنّ المشتري وطّن نفسه على الغبن المالي و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروّى لدفع الغبن عن نفسه، و أمّا من جهة البائع فهو و إن كان

عقد معاوضة لكن النظر إلى جانب العتق أقوى «2».

يلاحظ عليه: بأنّ المشتري وطّن نفسه لصرف مقدار من المال يساوي قيمة الرقيق في طريق رحمه، و لا يطلب من ذلك سوى عتقه، و أمّا التوطين على صرف ما يزيد على قيمته (و إن لم يصدق الغبن) فليس بثابت لو لم نقل بثبوت خلافه فيقوم باعمال الخيار لدفع الضرر بدفع القيامة و أخذ الثمن.

3- انصراف دليل الخيار إلى حال وجود العوضين، فإذا تلف أحدهما أو كلاهما فلا خيار، فإنّ الانعتاق شرعا يعد نوع تلف، لامتناع رجوع الحرّ رقّا.

يلاحظ عليه: بأنّه لا وجه للانصراف أو للاختصاص ببقاء العين سوى ما سيجي ء في الوجه الخامس من قيام الخيار بالعين، فإذا تلفت العين تكوينا أو تشريعا فلا موضوع للخيار، و سيوافيك ضعفه، و انّ الخيار قائم بالبيع و العقد،

______________________________

(1)- منية الطالب: ج 2، ص 17.

(2)- تذكرة الفقهاء: ج 1/ 491.

المختار في أحكام الخيار، ص: 56

و تعلّق الخيار حدوثا و إن كان متوقّفا على وجود العوضين أو أحدهما، و لكن بقاؤه أوسع من ذلك فيبقى الخيار ببقاء البيع و العقد، و إن كانت العين تالفة حقيقة أو حكما.

4- ما اعتمد عليه الشيخ الأعظم من أنّ الشراء، إتلاف له في الحقيقة و إخراج له عن المالية، و سيجي ء سقوط الخيار بالاتلاف بل بأدنى تصرّف، فسقوط خيار المشتري لأجل كونه متلفا.

و أمّا سقوط خيار البائع، فلأنّ بيعه ممّن ينعتق عليه اقدام على اتلافه و اخراجه عن الماليّة. ثمّ قال: إنّا إذا قلنا إنّ الملك فيمن ينعتق عليه، تقديري لا حقيقي، فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطاة على اخراجه عن المالية و انسلاكه في ما لا يتموّل لكنّه حسن مع علمهما «1».

و حاصل كلامه

أنّ بيع العبد ممّن ينعتق عليه اتلاف بشرطين:

الأوّل: علمهما بأنّ المبيع ممّن ينعتق على المشتري.

الثاني: أنّ مالكية المشتري لمن ينعتق عليه تقديري لا حقيقي.

أمّا الأوّل فشرطه واضح، لأنّ الجاهل لم يقدم على الاتلاف، و إن كان التلف مترتّبا عليه.

و أمّا الثاني فلأنّه إذا كانت الملكية تقديرية كانت الغاية من البيع هي التحرير، و يكون العقد صورة قانونية للهدف من دون أن يكون هناك بيع و لا شراء، بل أشبه باستنقاذ الأسير المسلم من الكافر. و على ذلك فالاقدام على بيع من

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات ص 218.

المختار في أحكام الخيار، ص: 57

ينعتق، اقدام على الإعتاق، و انشاؤه إنشاء له، و هذا بخلاف ما إذا كانت الملكيّة حقيقية فالبائع إنّما أقدم على ملكية المشتري، و الثاني اشتراه لتلك الغاية، و أمّا الانعتاق فهو أثر مترتّب على الملكية و على المنشأ.

هذا ما يمكن به توضيح كلام الشيخ.

و لكن يمكن أن يقال: إنّه لا فرق بين كون الملكية تقديرية أو تحقيقية، أمّا على الأوّل فلما ذكره، و أمّا على الثاني فالطرفان و إن أقدما على الملكية لا على التحرير، و لكنّهما لما كانا واقفين على أنّ إنشاء الملكيّة يترتّب عليه التحرير، و الانعتاق، فلا ينفك قصد السبب عن قصد المسبّب، أعني: التحرير، و هذا نظير ما إذا قامت أمّ الزوجة بارضاع ولد بنتها مع العلم بأنّه يترتّب عليه شرعا حرمة بنتها على زوجها فلا يصحّ لها أن تعتذر بأنّها لم تقصد إلّا الرضاع و سدّ الجوع دون التحريم، و إنّما هو حكم قضى به الشارع، و ذلك لأنّ العلم بأنّ السبب (ارضاع ولد الولد) لا ينفك عن المسبّب، يستلزم كونه قاصدا للتحريم بلا شك.

و الحاصل: أنّه لا

يظهر فرق بين الملكية التحقيقية و التقديرية في عد البيع في أحدهما إتلافا دون الآخر و إن كان الانعتاق في الثانية نتيجة الانشاء بلا فصل، و نتيجة الملكية المنشأة في الأولى.

و بذلك يظهر عدم تمامية ما ذكره السيد الطباطبائي- قدّس سرّه- من أنّ الشراء ليس إتلافا بحسب قصد المتعاقدين و إن علما بأنّ الحكم الشرعي ذلك، فهو كما لو باعا مع العلم بوجود خيار المجلس أو الحيوان، فإنّه ليس إقداما على الخيار و جعلا له، حتى يكون راجعا إلى خيار الشرط.

و بعبارة أخرى: المفروض أنّه لا يقصد منه إلّا التملّك الحقيقي، و الانعتاق

المختار في أحكام الخيار، ص: 58

حكم تعبّدي شرعي قهري، بل لو قصد بالشراء الاعتاق بطل، لأنّ العتق فرع الملكية «1».

وجه النظر يظهر ممّا ذكرناه، إذ لا شكّ أنّ الطرفين قصدا الملكية لكن قصد الملزوم لا ينفك عن قصد لازمه عند العلم بالملازمة.

و تبعه المحقّق النائيني حيث قال: إنّ الانعتاق حكم شرعي مترتّب على الملك، فمجرّد علم المتبايعين به لا يؤثّر في سقوط الخيار لأنّهما لم يقدما إلّا على بيع العبد، و الانعتاق و الخيار حكمان مجعولان واردان على الموضوع، فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر «2».

و الأولى في الجواب أن يقال: إنّه ليس هناك دليل لفظي على بطلان الخيار بالاتلاف إلّا ما ورد في باب خيار الحيوان من أنّ التصرّف و الاحداث فيه يسقط خيار الحيوان، ففي صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيّام فذلك رضا منه، فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟

قال: إن لامس أو قبّل

أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء» «3».

و هذه الروايات صريحة في التصرّف التكويني، و أمّا التصرّف التشريعي بمعنى إيجاد فعل يحكم الشارع عليه بالانعدام تشريعا، فلا يشمله لسان الدليل، فالحق بقاء الخيار حتى مع الانعتاق.

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي على الخيارات، ص 7.

(2)- منية الطالب: ج 2، ص 17.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 4، من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 59

5- أنّ الفسخ عبارة عن ارجاع العوضين إلى محلّهما قبل البيع، و لا يعقل ارجاع المعدوم كما لا يعقل بيع المعدوم، و المنعتق و إن لم يكن معدوما لكنّه بحكمه لأنّه لا يمكن ارجاعه تحقيقا إلى محلّه، و لا ارجاعه إلى ملك المشتري لينتقل منه إلى البائع تحقيقا لحقيقة الفسخ.

يلاحظ عليه: أنّ مبنى الاستدلال أنّ الخيار متعلّق بالعين، فإذا تلفت و لو شرعا لم يبق لاعمال الفسخ مجال لأنّه عبارة عن ارجاع العوضين إلى محلّهما قبل البيع، و لا يعقل ارجاع المعدوم، و في كلا الأمرين نظر.

أمّا الأوّل: أي تعلّق الخيار بالعين، فهو خلاف ظاهر الأدلّة لأنّ لسانها هو «البيّعان بالخيار» بمعنى أنّ المتعاقدين بالخيار، فالخيار يحمله العقد و إن كان أثره يظهر في متعلقه، أعني: الثمن و المثمن، و العقد حدوثا و إن كان يتوقّف على وجود العوضين أو أحدهما، و لكنّه بقاء غير متوقّف عليه، فلو تلف المبيع لا يكون العقد معدوما فالتعهّد أو التعاهد باقيان على حالهما، فلو كان هناك فسخ فيتعلّق بحل العقد و رفع العهد، و حلّه.

و أمّا الثاني: أعني كون الفسخ عبارة عن ارجاع العوضين إلى محلّهما قبل البيع فهو أيضا غير تام و إنّما هو أثر الفسخ في بعض الموارد فالفسخ

حقيقة عقلائية، و حل العقد أمر عرفي، له آثار مختلفة حسب اختلاف موارده.

فتارة يكون أثره هو ما ذكر كما إذا حلّ العقد و كانت العينان باقيتين.

و أخرى يكون ارجاع من جانب و التخلّي عن العهد من جانب آخر، كما إذا باع قمحا على وجه السلف و أخذ الثمن ثمّ فسخه المشتري، فيرجع الثمن إلى المشتري، و لا يرجع إلى البائع شي ء سوى تخلّيه عن العهد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 60

و الحاصل: أنّ الفسخ أمر عقلائي يطلب لنفسه في كلّ مورد أثرا و لا ينحصر أثره بما ذكر، و على ضوء ذلك فلو فسخ البائع و كانت العين باقية، ترجع العين إلى ملكه، و أمّا لو كانت تالفة تكوينا أو تشريعا فينتقل إلى بدلها، أعني: القيامة السوقية حسب حكم العقلاء، و لا يكون لحلّ العقد هنا أثر إلّا ذاك، فإذا كان لدليل الخيار اطلاق حتى في مورد تلف العين، يكون العمل به على هذا النحو العقلائي.

ثمّ إنّ الشيخ ذكر هناك وجهين مختلفين: فعلى الأوّل ذهب إلى أنّه لا أثر لاعمال الخيار، و هو رجوع المبيع إلى المشتري، حتى ينتقل إلى بدله دون الثاني، و إليك ملخّص عبارته، ثمّ إيضاحها.

الوجه الأوّل:

إذا قلنا: إنّ فسخ العقد خروج الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه نظرا إلى أنّ خروج أحد العوضين (المبيع) عن ملك أحدهما (المشتري) يستلزم دخول الآخر فيه و لو تقديرا «1» لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه. و لو قلنا بكون الخيار بمجرد العقد، و الانعتاق عقيب الملك آنا ما إذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه لأن يخرج من ملك المشتري إلى ملك البائع و لو تقديرا، إذ ملكية

المشتري لمن ينعتق عليه لا يترتّب عليه سوى الانعتاق، و لا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري إلى ملك البائع ثمّ انعتاقه مضمونا

______________________________

(1)- هو قيد للخروج أي خروج المبيع عن ملك المشتري تقديرا، و دخوله في ملك البائع و فرض تلفه في ملكه حتى يكون مضمونا له على المشتري لأنّ المفروض أنّ المتلف هو المشتري و قد أتلفه في ملك البائع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 61

على المشتري، كما لو فرض بيع المشتري للمبيع في زمن الخيار ثمّ فسخ البائع، و الحاصل أنّ الفاسخ يتلقّى الملك من المفسوخ عليه، و هذا غير حاصل فيما نحن فيه «1».

توضيح هذا الوجه بذكر أمرين:

1- أنّ ضمان المشتري للمبيع لا يتحقّق إلّا إذا تلف المبيع في ملك البائع، فلأجل ذلك لا مناص من تقديره ملكا للبائع حتى يكون التلف من جانب المشتري في ملكه و يكون ضامنا.

2- أنّ الفاسخ لا يتلقّى الملك إلّا من المفسوخ عليه، و هو المشتري، فيجب أن يتملّكه المشتري قبل التلف ثمّ يخرج من ملكه إلى ملك البائع و يفرض التلف في ملكه.

و بما أنّ الأمر الثاني لا يتحقّق في المقام لأنّه كلّما تملّكه المشتري بعد فسخ البائع، يترتّب عليه الانعتاق و لا تصل النوبة إلى تلقّي الفاسخ الملك من ملك المفسوخ عليه، فلا يكون لهذا الفسخ أثر، و هذا بخلاف ما إذا كان التلف تكوينيّا كما إذا تلف المبيع عند المشتري، فإذا فسخ البائع يقدّر خروجه عن ملك المشتري و دخوله في ملك البائع قبل التلف، فيكون التلف في ملك البائع.

هذا هو مقصوده، و لكنّك خبير بأنّ ما ذكره اعتبارات لا يساعده العرف في المقام، إذ لا دليل على

الأمر الأوّل، أي بأن يكون الضمان موقوفا على كون التلف في ملك البائع، بل لو فرضنا أنّ التلف كان في ملك المشتري و لكن قام البائع لحل

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات ص 218، طبعة تبريز، و في المطبوعة سقط قوله: «ملك من انتقل إليه إلى» فلاحظ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 62

العقد عن حين الفسخ. لزم على المشتري عند العقلاء أن يقوم بردّ المبيع إن كان موجودا و بدله إن كان تالفا أخذا بالتعهّد من دون حاجة إلى هذه التجشّمات.

كما لا دليل على الأمر الثاني أي تملّك الفاسخ الملك (العين) من المفسوخ عليه، بل يكفي تملّكه البدل منه.

الوجه الثاني:

إن قلنا إنّ الفسخ لا يقتضي أزيد من ردّ العين إن كانت موجودة و بدلها إن كانت تالفة أو كالتالف، و لا يعتبر في صورة التلف امكان تقدير تلقّي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه، بل يكفي أن يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف ... كان الأوفق بعمومات الخيار، القول به هنا.

و هذا هو الذي أيّدناه و قلنا إنّ حكم العقلاء بالضمان لا يتوقّف على التكلّفات الموجودة في الوجه الأوّل.

هذا كلّه حول المسألة الأولى أي بيع العبد ممّن ينعتق عليه.

و ليعذرني اخواني فقد خرجنا عمّا تعهّدنا به في صدر البحث من الاجتناب عمّا لا يمسّ الحياة في عصرنا هذا، و لكن لمّا كان البحث عن هذه المسألة مفيدا لأجل تحقيق حقيقة الفسخ، فقد آثرنا خطوات القوم في المقام.

المسألة الثانية: العبد المسلم المشترى من الكافر

إذا اشترى العبد المسلم من الكافر فربّما يحتمل عدم الخيار لما ذكره الشيخ في الوجه الأوّل من أنّ الفسخ يتوقّف على رجوع العين إلى مالكها الأصلي (الكافر) و لو تقديرا، لتكون مضمونة له بقيمتها على من انتقلت إليه و رجوع المسلم إلى الكافر

المختار في أحكام الخيار، ص: 63

غير جائز.

و لكنّك قد عرفت أنّ الفسخ لا يتوقّف على رجوع العين، لا إلى المشتري ثمّ البائع كما في المسألة الأولى، و لا إلى المالك الأصلي كما في المقام، و بما أنّ رجوع المسلم إلى الكافر غير جائز يكفي في الضمان لزوم الخروج عن عهدته، فلو كانت العين موجودة فبردّها و إلّا فبقيمتها من دون حاجة إلى دخولها إلى ملك أحد من المشتري أو البائع.

[المسألة الثالثة: شراء العبد نفسه]

و أمّا المسألة الثالثة: أعني شراء العبد نفسه، فلعلّ عدم الخيار و لو بالنسبة إلى القيامة هو الأظهر لعدم شمول أدلّته له.

[المسألة الرابعة: إذا لم يكن المبيع قابلا للبقاء]

و أمّا المسألة الرابعة: أعني عدم الخيار فيما إذا لم يكن قابلا للبقاء فلانصراف الأدلّة عن مثله.

خيار المجلس و سائر العقود:

يظهر من غير واحد، اتّفاق العلماء على عدم دخول خيار المجلس في العقود الجائزة، قال الشيخ الطوسي: الوكالة، و العارية، و القراض، و الجعالة، و الوديعة لا خيار فيها في المجلس، و لا يمتنع دخول الشرط فيها، ثمّ قال: دليلنا على عدم الدخول، هو الاجماع «1».

و سبب ذلك أنّ الموضوع لخيار المجلس في الروايات، هو البيّع، فلا يثبت في العقود الأخرى مطلقا، جائزة كانت أم لازمة، أمّا الأولى فلاختصاص أدلّة

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 13، كتاب البيوع، المسألة 7. و قريب منه كلام القاضي في جواهره لاحظ المسألة 195.

المختار في أحكام الخيار، ص: 64

خيار المجلس بالعقد اللازم، مضافا إلى لغوية دخوله فيها، لأنّها في جميع الأوقات جائزة، و لا حاجة للتوقيت.

إنّما الكلام في ثبوته، في العقود اللازمة كالاجارة و الصلح، فالحق حسب أصولنا عدمه، لاختصاص الموضوع بالبيّع، و هو غير صادق على الموجر و المتصالح، قال الشيخ: إذا احال بمال عليه على غيره، فقبل المحتال الحوالة، جاز أن يدخلها خيار الشرط و لا خيار مجلس فيه، و قال الشافعي: لا يدخله خيار الشرط و في خيار المجلس وجهان «1»، و ذكر في ما إذا ملك الشفيع الشقص بالثمن، و انتزع عن يدي المشتري أنّه ليس له خيار المجلس «2».

فإن قلت: إنّ الظاهر من الفقهاء تسرية أحكام البيع إلى سائر العقود المعاوضية مثل: كل مبيع قد تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، و نحو ذلك، فليكن المقام من هذا القبيل.

قلت: إنّ أحكام البيع على قسمين: منها ما يستظهر من أدلّتها أنّها ثابتة للبيع لكونه معاوضة، مثلا انّ الضمان

المعاوضي اقتضى كون التلف قبل اقباضه من مال بائعه، لا خصوص البيع. و مثله خيار العيب فإنّ جواز الردّ لأجل وجود الاشتراط الضمني على أن يكون المبيع سالما لأنّ الأصل في الخلقة هو السلامة- على ما سيوافيك تفصيله- فلو تخلّفت يكون له نقض المعاوضة، لأنّه على خلاف الأصل الذي هو كالشرط الضمني فيعم الحكم كل معاوضة، و هذا بخلاف المجلس فإنّه حكم تعبّدي ورد في مورد البيع لا يتعدّى من البيع إلى غيره إلّا بدليل شرعي.

______________________________

(1)- الخلاف: 3/ 13، كتاب البيوع، المسألة 11 و 13.

(2)- الخلاف: 3/ 13، كتاب البيوع، المسألة 11 و 13.

المختار في أحكام الخيار، ص: 65

خيار المجلس و بيع الصرف و السلم:

لا اشكال في شمول اطلاق الدليل لبيع الصرف بعد التقابض، و السلم بعد الاقباض، إنّما الكلام في شموله لما قبلهما. و بعبارة أخرى: الكلام في مبدأ الخيار، فيهما بعد كونه من حين العقد في غيرهما فهنا وجهان:

الأوّل: إنّ مبدأ الخيار هو العقد في غير الصرف و السلم لظهور النص في كون البيع علّة تامّة للخيار و أمّا فيهما فإنّما هو بعد التقابض و الإقباض، و ذلك لأنّ الخيار يتعلّق بالعقد الصحيح، و المفروض أنّه لا صحّة قبلهما، فلو تبايعا و لم يتقابضا، و تفرّقا، بطل العقد، بخلاف ما إذا تفرّقا في غيرهما فلا يبطل العقد، و بذلك يظهر الفرق بين التقابض في الصرف و السلم و التقابض في غيرهما، فإنّ التقابض في الأوّل مكمّل للعقد و جزء منه، و لولاه لكان العقد ناقصا و هذا بخلافه في غيرهما، فإنّ البيع و العقد كاملان، و ليس التقابض إلّا عملا بالتعهّد و خروجا عن عهدة الواجب الذي فرضه عليهما العقد.

و إن شئت قلت- في وجه عدم الخيار

قبل التقابض-: إنّ الخيار فك العقد الصحيح و حلّه و هو فرع كونه موجودا، و المفروض أنّه لا يتمّ إلّا بالتقابض و هو غير متحقّق بعد، و يترتّب عليه: أنّه لا موضوع للخيار قبل التقابض و الدليل لا يعمّهما بل هو خارج عنه موضوعا.

الثاني: إنّ مبدأ الخيار هو العقد مطلقا، غاية الأمر: أنّ جعل الخيار قبل إكمال العقد، يتوقّف على وجود الأثر و هو موجود، لأنّه إن قلنا بوجوب التقابض تكليفا، فثمرته هو رفع وجوبه بالفسخ فله أن يمتنع عنه بعده، و إن قلنا بعدم

المختار في أحكام الخيار، ص: 66

وجوبه، فثمرة الفسخ، هو خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض المملك، و لأجل ذلك لو فرض اشتراط سقوط خيار المجلس في العقد، لم يخرج العقد بفسخ أحدهما عن قابليّته.

يلاحظ عليه: أنّ حقيقة الفسخ، هو فك العقد، فلو أمكن صحّ جعله، و إلّا فلا، و أمّا رفع وجوب التقابض أو إخراج العقد عن القابلية و الصلاحية لأن يلحقه القبض المملّك، فليسا من الآثار البارزة له حتّى يصحّ ثبوته لأجل ذينك الأثرين.

نعم لو صحّ حلّ العقد تترتّب عليه الآثار الآخر من رفع الوجوب أو إسقاط الصلاحية، و لكن المفروض أنّه لم يتحقّق الموضوع (العقد).

ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على وجوب التقابض بوجهين:

1- ما ذكر العلّامة في التذكرة من أنّه لولاه، لزم الربا. و الاستدلال ضعيف:

أمّا أوّلا: فلأنّه يتمّ فيما إذا كان العوضان من جنس واحد لا ما إذا كانا من جنسين كبيع الذهب بالفضّة، فإنّ الزيادة في الأوّل ممنوع دون الثاني.

و ثانيا: فلأنّ ترك التقابض يوجب البطلان لا الربا، و إنّما يتصوّر الربا فيما إذا قبض واحد، متأخّرا عن الآخر بمقدار معتد به، فبما

أنّ للأجل قسطا من الثمن، فالمتأخّر قد أخذ أزيد ممّا أخذه المتقدّم «1».

2- ما ذكره الشيخ الأعظم من أنّه مقتضى قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إن لم يكن العقد هنا بنفسه مملكا. و هذا الوجه كالسابق، لأنّ المفروض أنّه

______________________________

(1)- التذكرة: 1/ 517، في بيع الصرف قال: لو تعذر عليهما التقابض في المجلس و أرادا الافتراق لزمهما أن يتفاسخا العقد بينهما فإن تفرّقا قبله كان ذلك ربا ....

المختار في أحكام الخيار، ص: 67

لا عقد قبل التقابض، لأنّه شرط في صحّة العقد، فما لم يتحقّق التقابض لا يتمّ العقد، و كونه عقدا عرفا قبله غير مفيد، بعد تضافر الروايات على شرطية التقابض في صحّة العقد. ففي رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: «قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلّا يدا بيد، و لا يبتاع ذهبا بفضّة إلّا يدا بيد» «1». و لأجل كونه شرطا في الصحّة جاء في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «إذا اشتريت ذهبا بفضّة أو فضّة بذهب، فلا تفارقه حتّى تأخذ منه و إن نزى «2» حائطا فانز معه» «3».

فالحقّ أن يقال: إنّ مبدأ الخيار في الصرف و السلم إنّما هو بعد التقابض دون غيرهما، فالمبدأ فيه هو تمام العقد مع صحّته.

______________________________

(1)- الوسائل: 12، الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 3.

(2)- نزى: وثب.

(3)- الوسائل: 12، الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 8.

المختار في أحكام الخيار، ص: 68

في مسقطات خيار المجلس:

اشارة

ذكر الفقهاء أنّه يسقط بأمور أربعة:

1- اشتراط سقوطه في نفس العقد.

2- اسقاطه بعد العقد.

3- التفرّق عن رضا.

4- التصرّف.

فلنأخذ كلّ واحد بالبحث:

المسقط الأوّل: اشتراط سقوطه في نفس العقد:

اشارة

لا يظهر الخلاف في سقوطه بالاشتراط في متن العقد. و الدليل عليه هو عموم: «المؤمنون عند شروطهم» «1» و المفروض أنّ الشرط المزبور أمر جائز في نفسه فلا يشمله ذيله: إلّا ما حرّم حلالا أو أحلّ حراما.

فإن قلت: إنّه معارض بإطلاق أدلّة خيار المجلس و النسبة بين الدليلين عموم من وجه، فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر.

قلت: إنّ دليل نفوذ الشرط الجائز مقدّم على دليل خيار المجلس و ذلك لأنّ معنى دليل الخيار أنّ البيع بما هو هو مع قطع النظر عن الطوارئ و العوارض مقتضى للخيار، و أمّا معها فلا بأس من منع تأثير المقتضى كما هو الحال في كلّ

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2 و 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 69

العناوين الأوّلية بالنسبة إلى الثانويّة، فالتوضّؤ للصلاة بما هو هو واجب و النوافل الليلية بما هي هي مستحبّة، و لا ينافي ذلك ارتفاع وجوب الأوّل بالضرر و الحرج، أو كونها واجبة بالنذر و غيره «1».

و ما أفاده السيّد الأستاذ- قدّس سرّه- من أنّ وزان قوله: «من شرط شرطا فليف بشرطه» وزان قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، غير تامّ لما فيه أوّلا: أنّه أي فرق بين دليل الشرط و دليل النذر، أعني قوله: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (الحجّ/ 29) حيث يوصف الثاني دليلا ثانويا دون الأوّل مع اتّحادهما في اللسان، أعني: «من شرط شرطا فليف به».

و ثانيا: إنّ التقدّم ليس رهن كون دليل الشرط عنوانا ثانويّا حتّى يمنع عنه بل يكفي فهم العرف من أنّ الخيار

أمر اقتضائي نافذ لو لم يمنع عنه طارئ و حادث مثل الشرط.

و بذلك يعلم أنّه لا حاجة في علاج المعارضة بترجيح دليل الشرط بالكتاب فإنّ الترجيح فرع المعارضة.

ثمّ إنّ هناك شبهات تعرّض لها الشيخ فلنذكرها.

شبهات ثلاث حول اشتراط سقوطه في العقد:
الأولى: إنّ الشرط إنّما يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه لازما

لأنّ الشرط في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه على أصل العقد، فلزوم الشرط يتوقّف على لزوم العقد، فلو ثبت لزومه بلزوم الشرط لزم الدور.

______________________________

(1)- نسبة الوجوب إليها بالعرض و المجاز، و الواجب حقيقة هو الوفاء بالنذر و لا يخرج الإنسان من عهدته إلّا باقامتها بنيّة الاستحباب كما حقّقناه في محلّه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 70

يلاحظ عليه: أنّ البيع من العقود اللازمة بالطبع و بالذات، و خيار المجلس طارئ و مانع عن نفوذ لزومه قبل التفرّق، فإذا ارتفع المانع باشتراط السقوط، يعود اللزوم، و ليس للاشتراط شأن إلّا رفع المزاحم فلا يحتاج في اتّصافه باللزوم الفعلي إلى شي ء آخر سوى رفع المزاحم.

و على ذلك فاللزوم الاقتضائي أمر طبيعي له، لا يتوقّف على شي ء من صحّة الشرط و لزومه، و أمّا اللزوم الفعلي فهو يتوقّف على رفع المزاحم المتوقّف على صحّة الشرط، و أمّا صحّة الشرط فلا يتوقّف على لزوم العقد لا اقتضاء و لا فعلا بشهادة صحّة الشرط في العقود الجائرة و إن لم تكن لازمة لتبعية العقود للقصود. و على ذلك فالتوقّف من جانب واحد، و هو توقّف اللزوم الفعلي على صحّة الشرط، لا من جانبين حتّى يتوقّف صحّة الشرط على شي ء.

و بالجملة: صحّة الشرط بنفسه كاف في إثبات اللزوم الفعلي.

الثانية: إنّ هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد

على ما هو ظاهر البيّعان بالخيار، فاشتراط عدم كونهما بالخيار، اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد.

أقول: الصحيح في طرح الإشكال أن يقال: إنّ اشتراط عدم كونهما بالخيار مخالف لمقتضى السنّة لا أنّه مخالف لمقتضى العقد، و ذلك لأنّ المراد من مقتضى العقد هو ما لا ينفكّ عنه في نظر العرف، و يكون تفكيكه عنه بمنزلة تفكيك اللازم عن الملزوم، و يكون أشبه بالتناقض

في الإنشاء، و هذا كما إذا تزوّج امرأة بشرط أن لا يتمتّع منها، فإنّ هذا الشرط مخالف لمقتضى عقد التزويج فإنّ الغاية منه هو التمتّع الجنسي، فالغاؤه بتاتا لا يجتمع مع التزويج، و مثله إذا باع بلا ثمن أو آجر بلا أجرة فإنّ البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة لا يعد بيعا و لا إجارة بل يعدّ محاباة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 71

و على ضوء ذلك فشرط عدم الخيار ليس منافيا لمقتضى العقد إذ ليس الخيار إلّا حكما شرعيا مترتّبا عليه بشهادة عدم وجوده بين غير المسلمين، و لو كان من مقتضياته لما انفكّ عنه في ظرف دون ظرف.

نعم يمكن أن يقال: إنّ شرط عدم الخيار مناف للسنّة الواردة القائلة بأنّ البيّعان بالخيار.

يلاحظ عليه: أنّ الهدف من الاشتراط ليس هو نفي الحكم الشرعي، حتّى يكون اشتراطه مخالفا للسنّة بل المراد من حكم الشرع بالخيار، أنّه قد أعطى للبائع أو المشتري حقّا ماليّا باسم خيار المجلس، فيشترط إسقاط حقّه كما يشترط على الزوجة إسقاط حقّ قسمها في متن العقد، و الحكم الشرعي لما صار مصدرا لهذا الحقّ فالمقصود من الاشتراط هو تسليط ذي الحقّ على إسقاط حقّه المنتزع من هذا الحكم.

و بعبارة أخرى: تارة يشترط على عدم كون العقد خياريا، و أخرى عدم كون البيّع ذا خيار، بإسقاط حقّه، فما يعدّ مخالفا للسنّة هو الأوّل، لأنّه تصرّف في حريم الشارع، دون الثاني لأنّه تصرّف في حريم ذي الحقّ فله إسقاطه برضاه.

الثالثة: إنّ إسقاط الخيار في ضمن العقد، إسقاط لما لم يجب

لأنّ الخيار لا يحدث إلّا بعد البيع فإسقاطه فيه كإسقاطه قبله.

يلاحظ عليه: أنّ إسقاط ما لم يجب كضمانه أمر باطل، لأنّ الإسقاط فرع الثبوت فلا معنى لإسقاط ما لم يثبت كما أنّ الضمان

في مذهب الإمامية نقل ذمّة إلى ذمّة فما لم تشتغل ذمّة المضمون عنه بشي ء و لم يثبت فيها لا وجه لنقله إلى ذمّة أخرى، و هذا ما يقال: إنّ ضمان ما لم يجب باطل.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 71

و لكن إسقاط أو ضمان ما لم يثبت، من الأمور الاعتبارية، و صحّتهما

المختار في أحكام الخيار، ص: 72

و بطلانهما تدوران مدار صلاحية الشي ء للثبوت و الإسقاط عند العقلاء، فلو لم يكن هناك ثبوت بتاتا حتّى بنحو المقتضي، فاعتبار السقوط أو الضمان أمر لغو لا يحوم حوله العقلاء و أمّا إذا كان هناك مقتض للثبوت و إن لم تكن هناك علّة تامّة فيصح الإسقاط كما يصحّ الضمان، و لأجل ذلك أطبق الفقهاء على صحّة ضمان المبيع أو إسقاط ضمانه عند احتمال كون المال مسروقا أو مستحقّا للغير فللمشتري أن يضمّنه إذا بان المال مستحقّا للغير، حتّى يرجع إليه و يأخذ منه ثمنه و لا يقال: إنّه ضمان ما لم يجب، لوجود المقتضى و هو العقد و عدم ثبوت كونه مال الغير لا يضرّ بالضمان بعد كون المورد مظنّة لذلك، كما أنّه يصحّ للبائع البراءة من ذلك و ليس ذلك إسقاطا لما لم يجب لوجود المقتضي، و على ذلك فيكفي في الثبوت وجود المظنّة له، و لأجل ذلك صحّحنا طلب الطبيب البراءة من الدية إذا انجرّ العمل إلى التلف، و لا يقال: إنّه إسقاط ما لم يجب بل يعد ذلك إسقاطا لما له مظنّة الثبوت.

و بذلك يتبيّن أنّ المقام من قبيل إسقاط ما ثبت لأنّ

العقد بنفسه مقتض للخيار لو لم يكن هناك اشتراط السقوط، فيكفي هذا المقدار من الاقتضاء لإسقاطه، فيكون المقام من قبيل الدفع لا من قبيل الرفع.

و بذلك تتّضح قوّة ما ذكره العلّامة في التذكرة: «لو وكّله في شراء عبده و عتقه، و في تزويج امرأة و طلاقها، و استدانة دين و قضائه، صحّ» مع أنّه لا عتق إلّا في ملك، و لا طلاق إلّا بعد نكاح، و المفروض أنّه بعد لم يملك و لم يتزوّج و مع ذلك صحّ توكيله لحصول المقتضي، بخلاف ما إذا وكّله في طلاق زوجة سينكحها.

و مثل ما إذا قال البائع: بعته و ارتهنته، قبل قبول المشتري و قال: اشتريته و رهنته.

المختار في أحكام الخيار، ص: 73

و تدلّ على صحّته صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل كان له أب مملوك، و كان لأبيه امرأة مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك، قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك؟ قال- عليه السلام-: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم «1».

و الرواية صالحة للاستدلال على حكومة أدلّة الشروط على أدلّة الأحكام الأوّلية، و قد استدلّ بها الشيخ عليها، كما أنّها صالحة للاستدلال بها على المقام، فيكفي في الإسقاط وجود المقتضي، حيث إنّ المكاتبة بعد لم تملك الخيار، مع أنّها أسقطتها قبله.

صور إسقاط الخيار في العقد:
اشارة

ثمّ إنّه يتصوّر إسقاط خيار المجلس في متن العقد على وجوه:

1- سقوطه في متن العقد على وجه شرط النتيجة

بأن يكون الخيار ساقطا بهذا الشرط من دون أن يحتاج سقوطه إلى سبب آخر، و هذا كما إذا باع الشاة و اشترط كونها صدقة أو وقفا بمعنى صيرورة الشاة بنفس هذا البيع و الشرط- لا بسبب آخر- صدقة أو وقفا.

2- أن يشترط عدم الفسخ على نحو شرط الفعل

فيقول: بعت بشرط أن لا أفسخ في المجلس، فيرجع إلى الالتزام بترك الفسخ، و المراد من الفعل هو الالتزام بترك الفسخ، و هذا نظير أن يبيع من زيد و يشترط عليه أن لا يبيعه من عمر.

3- أن يشترط إسقاط الخيار بعد العقد و هو أيضا شرط فعل

، و هذا نظير أن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 11 من أبواب المكاتبة، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 74

يبيع شيئا و يشترط بيعه من آخر.

إنّ صحّة الصورة الأولى تتوقّف على أن يكون السقوط من الأمور التي لا يتوقّف في تحقّقه على سبب خاصّ و إلّا فلو كان محتاجا إلى سبب معيّن لا يصحّ اشتراطه، كما إذا اشترط كون زوجته مطلقة أو أمواله صدقة أو عبيده أحرارا، فإنّ هذه المسبّبات رهن أسباب خاصّة في الشرع لا تحصل بنفس الاشتراط، و هذا بخلاف إسقاط الحقّ فإنّه لا يتوقّف على سبب خاصّ، فيصحّ على كلتا الصورتين بنحو شرط الفعل و شرط النتيجة.

ثمّ إنّ التعبير عن هذا القسم بعدم الثبوت لا يخلو من إشكال إذ ربّما يتوهّم منه عدم كون العقد خياريا، و عندئذ يكون على خلاف السنّة، و الأولى أن يعبّر عنه بالسقوط أو دفع الخيار باعتبار تحقّق مقتضيه، في مقابل الارتفاع الذي هو عند تحقّق العلّة التامّة.

و أمّا الصورة الثانية: أي إذا شرط الالتزام بعدم الفسخ بعد العقد، فيقع الكلام في موارد:

1- إذا اشترط ترك الفسخ هل يكون ترك الفسخ واجبا باعتبار أنّ الوفاء بالشرط لا يتمّ إلّا به، نظير صلاة الليل إذا نذرها حيث تكون واجبة لكون الوفاء لا يتمّ إلّا بها؟

المشهور ذلك و لكن التحقيق خلافه، لأنّ ما هو الواجب بالذات هو الوفاء بالنذور، قال سبحانه: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (الحجّ/ 29): كما أنّ الواجب بالذات في

المقام هو الوفاء بالشرط، قال علي- عليه السلام-: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به» «1».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيارات الحديث 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 75

و أمّا الإتيان بصلاة الليل أو الالتزام بترك الفسخ فإنّما من محقّقات الوفاء بالنذر و الشرط، و الحكم الشرعي لا يتعدّى من موضوعه الواقعي إلى ما ليس موضوعا، و لو صحّ إطلاق الواجب عليهما فهما واجبان بالعرض.

و بالجملة فرق بين مصداق الكلّي، كالفريضة بالنسبة إلى الصلاة، و بين منطبق العنوان الواجب كالصلاة بالنسبة إلى الوفاء بالنذر، فهي ليست مصداقا له بل محقّقا و موجدا له فهي لا تتصف إلّا بالوجوب العرضي.

2- إذا ترك الالتزام فهل يكون الفسخ محرّما تكليفيا بزعم أنّ الأمر بالشي ء (الالتزام بترك الفسخ) نهي عن ضدّه، أعني: نفس الفسخ أو لا؟ التحقيق لا، لما ثبت في محلّه من عدم الاقتضاء في الأمر المتعلّق بالشي ء حقيقة فكيف إذا كان تعلّق الأمر عرضيّا.

3- حكم الفسخ وضعا و أنّه هل يكون نافذا لو فسخ، أو لا؟ و هذا هو المهمّ في المقام، ذكر الشيخ الأعظم فيه وجهين:

الأوّل: عدم النفوذ و ذلك لأنّ وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب إجباره عليه، و عدم سلطنته على تركه، كما لو باع منذور التصدّق، على ما ذهب إليه غير واحد، فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذ في حقّه.

توضيحه: أنّ وجوب الوفاء بالشرط (حتّى بعد الفسخ) مستلزم لوجوب الإجبار عليه، و هو دليل على بقاء العقد، حتّى بعده و عدم تأثير الفسخ و هذا هو المطلوب.

يلاحظ عليه: أنّه لا دليل على وجوب الوفاء بالشرط بعد التخلّف بالفسخ

المختار في أحكام الخيار، ص: 76

حتّى يترتّب عليه الإجبار الملازم لبقاء

العقد، الكاشف عن عدم تأثير الفسخ، لأنّ شموله عليه- بعد الفسخ- فرع إحراز وجود العقد و هو أوّل الكلام، إذ يحتمل أن يكون المقام أشبه بالعصيان في الأحكام التكليفية، الموجب لسقوط الأمر، و في المقام يكون موجبا لارتفاع الموضوع و هو العقد.

و بعبارة أخرى: يجب عليه العمل بالشرط و صيانة العقد عن الفسخ ما دام موجودا، و أمّا إذا فسخ و ارتفع الموضوع بالعصيان فلا معنى لوجوب العقد- بعد ارتفاعه- حتّى يستلزم الأمور المذكورة المثبتة لعدم تأثير العقد.

و بذلك يظهر ما ذكره في آخر كلامه حيث قال: «هذا الاحتمال أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط، الدالّ على وجوب ترتّب آثار الشرط و هو عدم الفسخ في جميع الأحوال حتّى بعد الفسخ فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا».

الثاني: النفوذ لعموم دليل الخيار و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ على ما قاله بعضهم من أنّ بيع منذور التصدّق، حنث موجب للكفّارة لا فاسد. و حينئذ لا فائدة في هذا غير الإثم على مخالفته إذ ما يترتّب على مخالفة الشرط في غير هذا المقام من تسلّط المشروط له على الفسخ لو خولف الشرط، غير مترتّب هنا (لكونه تحصيلا للحاصل).

توضيحه: أنّ عموم دليل الخيار يعمّ المقام و لا مانع سوى الالتزام بترك الفسخ شرعا في متن العقد. و مخالفته بالفسخ و إن كان حراما لكنّه لا يوجب فساده، و ذلك لأنّه لم يسقط حقّ الخيار حتّى لا يعمّه دليل الخيار، و إنّما التزم بترك الفسخ فإذا خالف فيؤخذ بمقدار ما خالف، فلو كان عمله حنثا كما إذا باع منذور التصدّق، تترتب عليه الكفّارة، و لكن لا يبطل لعدم خروجه عن ملكه بالنذر

المختار في أحكام الخيار، ص: 77

(اللهمّ إلّا إذا جعله صدقة على نحو شرط النتيجة بحيث صار صدقة بنفس الشرط كما سيأتي)، و لو لم يكن عمله حنثا، لكن كان عملا محرّما، يؤدّب لأجل المخالفة، و يكون فسخه نافذا لتمسّكه بحقّه الذي لم يسقط بعد، و هذا نظير ما إذا صرف النفقة الواجبة في غير موردها، أو نكح امرأة حلف على ترك نكاحها، أو اشترى عينا حلف على عدم شرائها.

و بذلك يظهر الفرق بين كون الشرط سقوط حقّ الفسخ (شرط النتيجة) و كونه الالتزام بترك الفسخ (شرط الفعل) فإنّ الفسخ في الأوّل غير نافذ، إذ لم يبق هناك حقّ حتى يتمسّك به، بخلاف الثاني. و مثله الفرق بين منذور التصدّق، و الالتزام بالتصدّق ففي الأوّل- بناء على صحّته- خرجت العين عن ملكه فلا موضوع للبيع إذ لا بيع إلّا في ملك، بخلاف الثاني لأنّه التزم فيه أن يتصدّق بها مع كونها ملكا له و لم تخرج عن ملكه، و بهذا اتّضح معنى قوله «و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب الفساد».

و أمّا التمسّك لتضعيف هذا الوجه بعموم قوله: «المؤمنون عند شروطهم»، قائلا بأنّ له عموما أحواليا كما أنّ له عموما أفراديّا، و من جملة أحواله، حال العقد بعد وقوع الفسخ فيكون مقتضاه وجوب الوفاء حتّى في هذا الظرف فضعيف جدّا مضافا إلى ما عرفت من أنّ وجوب الوفاء لا يدلّ على بطلان الفسخ، أنّ التمسّك بالإطلاق الأحوالي فرع إحراز كونه فردا للعام و هو فرع إحراز عدم تأثير الفسخ، و لو ثبت به لدار إذ من المحتمل خروج البيع بعد الفسخ عن تحت عموم دليل الشرط.

أمّا الصورة الثالثة: أعني: أن يشترط إسقاط الخيار، بعد العقد فلو أخلّ به و فسخ العقد يجري

فيه الوجهان، و قد عرفت الأقوى.

المختار في أحكام الخيار، ص: 78

حكم الشرط غير المذكور في العقد:

إنّ إسقاط الخيار في العقد يتصوّر على وجوه ثلاثة:

1- أن يذكر سقوطه في متن العقد، كأن يقول: بعتك بشرط عدم خيار المجلس بيننا.

2- أن يشترطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار ثمّ يتعاقدا مع الإشارة إلى الشرط المتقدّم كأن يقول بعتك على الشرط المزبور.

3- أن يتقاولا على السقوط ثمّ يتعاقدا مجرّدا عن التصريح و الاشارة إلى الشرط.

لا إشكال في صحّة الأوّل و الثاني و لزوم الوفاء بهما. إنّما الكلام في الصورة الثالثة و هو المسمّى عند الفقهاء بالشرط المبنيّ عليه العقد، فهل يجب الوفاء به، مثل المذكور أو هو أشبه بالوعد بالالتزام، أو هو التزام تبرّعي، فلا يجب الوفاء إلّا تبرّعا؟ قال الشيخ:

«إذا شرطا قبل العقد، أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد، صحّ الشرط، و لزم العقد بنفس الإيجاب و القبول، و للشافعي فيه قولان: أحدهما أنّ ذلك لا يصحّ و على ذلك أكثر أصحابه، و منهم من قال بصحّته، مثل ما قلناه دليلنا أنّه لا مانع من هذا الشرط، و الأصل جوازه، و عموم الأخبار في جواز هذا الشرط يتناول هذا الموضع» «1».

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3، كتاب البيوع، المسألة 28.

المختار في أحكام الخيار، ص: 79

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم حمل عبارة الخلاف على الشرط المذكور في متن العقد بصورة الإشارة إلى ما تبايعا عليه، لا على الصورة المجرّدة عن أي ذكر و إشارة «1»، و لكن عبارة الخلاف لو لم تكن ظاهرة في الثالثة ليست ظاهرة في الصورة الثانية.

و ما أفاده الشيخ الأعظم في عدم وجوب الوفاء يتلخّص في أمور:

1- إنّ المتبادر من الشرط هو الإلزام و الالتزام المرتبط بمطلب

آخر، و قد عرّفه القاموس بالإلزام أو الالتزام في البيع، و هو لا يصدق إلّا على القسمين الأوّلين دون الثالث، إذ ليس هناك حبل يربط الأوّل بالثاني، فلا تعمّه أدلّة الشروط، لعدم صدق الموضوع.

2- إنّ المتحقّق في السابق إمّا وعد أو التزام تبرّعي لا يجب الوفاء به، و العقد اللاحق و إن وقع مبنيّا عليه لكن لا يلزمه لأنّه إلزام مستقل لا يرتبط بالعقد، إلّا بجعل المتكلّم، و المفروض عدمه.

3- لا يقاس الشرط المذكور قبل العقد على أوصاف العوضين كالحنطة الحمراء، و لا على الشروط التي جرت العادة و العرف على الالتزام بها في العقد، و ذلك:

لأنّ ذكر الأوصاف قبل العقد يوجب انصراف العوض إليها في العقد، فلا يحتاج إلى إنشاء على حدّة.

و أمّا الشروط فلو كانت من الشروط العامّة كالسلامة من العيوب، أو التسليم و التسلّم، فإنشاء العقد إنشاء لهذه الشروط العامّة، لأنّها من لوازم ألفاظ العقود، فكما أنّها تنشأ بها معانيها المطابقة فكذا مداليلها الالتزامية.

______________________________

(1)- المتاجر، قسم الخيارات، ص 221، و لاحظ: منية الطالب، ج 2، ص 27.

المختار في أحكام الخيار، ص: 80

و هذا بخلاف الشرط الخاصّ (كإسقاط الخيار) للعاقد الخاص، فإنّه ليس من المداليل الالتزامية، و ليس كالشروط النوعيّة، و لا كأوصاف العوضين، فليس هو المنشأ في العقد إلّا مع ارتباط العقد به صريحا أو إشارة.

هذا غاية توضيح لكلام الشيخ، و على ذلك بنى عدم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائية التي لا يتقدّمها عقد و لا يتأخّرها أيضا، بل تنعقد اتفاقية ابتدائية بين الطرفين كعقد التأمين في الشركات و التجارات.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه لم يثبت كون الشرط هو التزام في التزام بل استعمل في غير واحد من الروايات في نفس التعهّد، و

سيوافيك تفصيله في بحث الشروط و مضى بعض الكلام فيه عند الكلام في حديث «بريرة» و على فرض التسليم، يقع الكلام في كيفيّة هذا الالتزام، فهل تكفي التبعية الواقعيّة، النفس الأمرية، ككون الشرط من شئون المشروط واقعا و بين المتعاقدين أو تشترط التبعيّة في الإنشاء و اخراجه بصورة التزام في التزام في عالم اللفظ، فعلى الأوّل فالشرط حاصل لأنّهما التزما بسقوط الخيار في العقد الذي جاء بعده بلا فصل، فالالتزام الأوّل يعد من شئون الالتزام الثاني، و ليس التزاما مستقلّا، و على الثاني أي لزوم كون التبعية منشأ باللفظ و إن كان لا تعمّه أدلّة الشروط- حسب الفرض- لكنّه باطل لإطلاق قوله:

«المؤمنون عند شروطهم» فغاية ما يمكن أن يقال هو إخراج الالتزامات الابتدائية غير المرتبطة بالتزام، و أمّا المرتبط معنى المنفكّ إنشاء، فداخل تحته.

و ثانيا: إنّ قوله: إنّ إسقاط الخيار قبل العقد إمّا وعد أو التزام تبرّعي ليس حاصرا بل هو إنشاء لإسقاط خيار العقد الذي بصدد إنشائه و ليس من قبيل إسقاط ما لم يجب، لوجود المقتضى.

المختار في أحكام الخيار، ص: 81

أضف إلى ذلك ما في صحيحة سليمان به خالد، فإنّ الظاهر أنّه من هذا القسم، حيث يقول:

هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتّى تؤدّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي، إذا أنت ملكت نفسك، قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك. قال- عليه السلام-: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم «1».

فالظاهر أنّ الإعطاء تحقّق بالمعاطاة، بانيا على الشرط المذكور من قبل. مع أنّ المرجع في المعاملات، هو العرف و العقلاء، و هم لا يفرّقون بين الأقسام الثلاثة قدر شعرة.

و لو

صحّ ما ذكره الشيخ في الأوصاف، من كفاية المقاولة السابقة في وصف العوضين، فليكن كذلك الشروط الخاصّة، إذا ذكرت قبل العقد، بل الأمر في العوضين أشدّ لأنّهما من الأركان دون الشروط، و سيوافيك تمام الكلام في بحث الشروط.

المسقط الثاني: الإسقاط بعد العقد:

اشارة

قد تعرّفت على المسقط الأوّل و هو اشتراط السقوط في العقد بأقسامه الثلاثة، و هذا هو المسقط الثاني و وصفه الشيخ بأنّه المسقط الحقيقي، و أظنّ أنّ

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 11 من أبواب المكاتبة، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 82

المسألة من المسائل الواضحة التي لا تحتاج إلى الاطناب و إقامة الدليل و البرهان، غير أنّ الشيخ الأعظم تلقّى المسألة نظريّة، و تمسّك على الجواز بوجوه، و لكنّها غنية عنها لأنّ كون ذي الحقّ مختارا في إسقاط حقّه ممّا أطبق عليه العقلاء، و المقام من مصاديق هذا الأصل فإنّ احتمال عدم سقوط خيار المجلس بعد العقد مبنيّ على احتمالات كلّها منتفية و إليك بيانها:

1- إنّ خيار المجلس من الحقوق التعبّدية التي ليس لذي الحقّ فيها حقّ الإسقاط، كحقّ الرجوع إلى الزوجة، و من المعلوم انتفاء هذا الاحتمال لأنّ خيار المجلس كسائر الخيارات الرائجة من الحيوان و العيب و الغبن التي شرعت لصالح صاحبه، فله أن يتقلّب في حقّه كيفما شاء، ما لم يمنعه عنه دليل خاص و هذا لا ينافي أنّ المشرّع لخيار المجلس هو الشرع و لعلّه لم يكن بين العقلاء منه عين و لا أثر، لأنّه لا يوجب اختلافا في الماهية، حتّى يتميّز عن سائر الخيارات جوهرا. و إن شئت قلت: الشارع عطف هذا الخيار على سائر الخيارات التي كانت معتبرة عند العقلاء، و معدودة من حقوق المتعاملين.

2- احتمال أنّه من الحقوق

غير القابلة للإسقاط كحقّ الحضانة و الولاية و غير ذلك، و هو أيضا احتمال منفي في المقام، و إلّا يلزم أن تكون ماهيّته مغايرة لماهيّة سائر الخيارات.

3- عدم سقوطه بالأسباب العرفيّة، و هذا أيضا كالسابق إذ مرجعه إلى تصرّف الشارع في حقيقته حتّى لا يسقط إلّا بمسقط شرعي، و على ضوء ذلك يكون خيار المجلس من الحقوق العقلائيّة.

و من المعلوم أنّ لذي الحق أن يتقلّب في حقّه كيفما أراد ما لم يمنع عنه دليل

المختار في أحكام الخيار، ص: 83

كالإتلاف و الإسراف و غير ذلك، و هذا المقدار يكفي في إسقاطه بعد العقد، نعم استدلّ الشيخ بوجوه من الأدلّة بعد الإجماع نأتي ببعضها:

1- ما ورد في خيار الحيوان في صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه قال:

«الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط» «1».

بتقريب أنّ التصرّف مسقط لكونه كاشفا عن الرضا النوعي أو الشخصي بالبيع، فإذا كفى ذلك في السقوط، فالتصريح بالسقوط أولى بأن يكون مسقطا.

و أورد على الاستدلال بالفرق بين المقيس و المقيس عليه، فإنّ المقيس عليه إعمال الخيار بإمضاء البيع و المقيس إعدام الخيار، و استفادة الحكم الثاني من الأوّل لا يخلو عن غموض «2».

يلاحظ عليه: أنّ العبرة بعموم التعليل و هو أنّ كلّ ما يكشف عن رضا العاقد بالبيع فهو مسقط لخياره، و المقيس و المقيس عليه و إن كانا من بابين، و لكن عموم التعليل يعمّ الموردين، فالتفاوت بينهما غير مخلّ بالاستدلال.

2- قوله: الناس مسلّطون على أموالهم، فإذا كانوا مسلّطين عليها فأولى أن يكونوا مسلّطين على حقوقهم المتعلّقة بالأموال، و لا معنى

لتسلّطهم على مثل هذه الحقوق غير القابلة للنقل، إلّا نفوذ تصرّفهم فيها بما يشمل الإسقاط.

و أورد على الاستدلال: أنّ دليل السلطنة في مقام أصل التشريع و هو أنّ لصاحبها أنحاء السلطنة على ماله، و بالفحوى أنّ له انحاء السلطة على حقّه،

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1.

(2)- نخبة الأزهار في أحكام الخيار، تقرير شيخ الشريعة الاصفهاني، بقلم الوالد- قدّس سرّهما-، ص 97.

المختار في أحكام الخيار، ص: 84

و أمّا نوعية سبب التسلّط حتّى الإسقاط بعد العقد و أنّه بيده فلا إطلاق له، فلا يمكن استكشاف جواز السبب (الإسقاط) من إطلاق دليل السلطنة، إذ هو في مقام بيان أصل السلطنة، لا أسبابها، و لأجل ذلك لا يمكن أن يستدلّ بإطلاقه على جواز العقد بغير العربية أو نفوذ الإنشاء بالفعل كالقول، و ذلك لأنّ جواز السبب و عدمه يطلب من دليل آخر، و لا يمكن استفادته من دليل السلطنة، لأنّ تشخيص جواز السبب و عدمه ليس من أنحاء السلطنة حتّى ينفع الإطلاق في حقّه.

يلاحظ عليه: أنّ الأعراض عن العين أو الحقّ من أنحاء السلطنة على المال و من أقسامها و مصاديقها، و لذلك لا يجوز للمفلس الاعراض لأنّه قد سلبت عنه هذه السلطنة و مثله الأكل و الشرب، فإنّهما من انحائها لا من أسبابها، و بذلك يظهر الحال في الحقوق. و ذلك لأنّ العرف لا يرى إسقاط الخيار إلّا من أنحاء السلطنة على الحقّ، نعم ربّما يقال من أنّ الحديث بصدد إثبات السلطنة للناس و الإسقاط إعدام لها.

يلاحظ عليه: بأنّ الإعدام- كالأكل و الشرب- إذا كان لصالح صاحب السلطنة، يعد ذلك من أقسام السلطنة، و تحقيقا لها.

ثمّ إنّه ربّما يستدلّ بقوله سبحانه: أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ (المائدة/ 1)، و الاستدلال ضعيف جدا لأنّ الإسقاط ليس عقدا، و مثله الاستدلال بأدلّة الشروط، و هو فرع شمولها للشروط الابتدائية، و إن كان غير بعيد.

ثمّ إنّ الإسقاط كما يتحقّق باللفظ، يتحقّق بالكتابة أيضا و هو أمر عرفي لا إشكال فيه، بل يرى العرف الكتابة في هذه الأزمنة أضبط من الكلام، و احتمال أنّه لم يكن في مقام الإسقاط غير مسموع بين العقلاء.

المختار في أحكام الخيار، ص: 85

سقوط الخيار بقوله: «اختر»

لو قال أحدهما لصاحبه «اختر». فهل يسقط خيار الآمر أو لا؟ فله صور لأنّه إذا قال ذلك، فالمخاطب إمّا أن:

1- يختار الفسخ.

2- أو يختار الإمضاء.

3- أو يسكت.

أمّا الصورة الأولى: فينفسخ العقد بلا إشكال و لا يترتّب على البحث عن مفاد «قول الآمر» فائدة.

أمّا الصورة الثانية ففيها احتمالات:

الف: يسقط خياره مطلقا و هو خيرة الشيخ في الخلاف «1».

ب: يسقط بشرط إرادة تمليك الخيار للمخاطب و إلّا فهو باق.

ج: يسقط بشرط إرادة التمليك أو التفويض، دون إرادة الاستكشاف.

و أمّا الصورة الثالثة ففيها أيضا احتمالات:

الف: يسقط مطلقا.

ب: لا يسقط كذلك.

ج: لا يسقط إذا لم يملك.

قال الشيخ في الخلاف: إذا قال أحد المتبايعين لصاحبه في المجلس بعد العقد: اختر، فإن اختار إمضاء العقد انقطع بينهما الخيار، و إن سكت أو لم يختر «2»،

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3، كتاب البيوع، 27.

(2)- بأن يقول لا أختار شيئا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 86

كان الخيار كما كان.

و قال الشافعي: يثبت في حيّز الساكت، و في حيّز الآخر وجهان:

أحدهما: يثبت- و الآخر هو المذهب-: إنّه ينقطع خياره وحده، و لصاحبه الخيار. دليلنا: انّا أجمعنا على أنّ لهما الخيار قبل هذا القول، فمن ادّعى أنّ خيار أحدهما قد زال فعليه الدلالة «1».

إذا عرفت ذلك فنقول:

إنّ لفظة «اختر» لا تدلّ في عرفنا إلّا على الاستكشاف لا على السقوط، و لا التمليك و التفويض، و لعلّ من قال بواحد من هذه الاحتمالات لأجل أحد أمرين:

1- إنّ لفظة «اختر» مسقط تعبّدي، كالافتراق، و يدلّ عليه ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه «اختر» «2». و لكن المروي مرسل، لا يحتجّ به.

2- إنّ اللفظة كانت ظاهرة في تلك الأيّام في أحد الوجوه الثلاثة و لو ثبت ذلك لا صلة له بزماننا هذا، فإنّه للاستكشاف فيها لا غير. نعم ورد في باب الطلاق عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها بانت منه، فأجاب الإمام، لا إنّما هذا شي ء كان لرسول اللّه خاصّة «3».

إكمال: إنّ إسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر.

كما أنّه لو أجاز أحدهما و فسخ الآخر انفسخ العقد، لأنّه مقتضى ثبوت

______________________________

(1)- الخلاف: كتاب البيع ج 3 المسألة 27.

(2)- المستدرك: ج 13، الباب 2 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(3)- الوسائل: ج 15، الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 87

الخيار و ليس من قبيل تقدّم الفاسخ على المجيز، إذ لا تعارض بين الحقّين، فلكلّ حقّ مستقل، أجاز أحدهما دون الآخر.

نعم لو ثبت الخيار لمتعدّد كالأصيل و الوكيل، و قلنا: بأنّ هنا خيارا واحدا مشتركا (لا أنّ لكلّ واحد خيارا مستقلّا و إلّا فلا يسقط خيار الآخر بإسقاط أحدهما خياره إذ لا تعارض) فأجاز أحدهما أو لم يكن له خيار، و فسخ الآخر دفعة واحدة، يقدّم الفاسخ و هو من صغريات القاعدة المزبورة. (تقدّم الفاسخ على المجيز).

هذا من غير فرق بين كون التعدّد لجانب واحد- كالبائع-

أو كليهما.

و إلى هذه الصورة يشير الشيخ الأعظم بقوله: نعم لو اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفين (الأصيل و الوكيل) كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف أحد المتعاقدين أو من طرفهما، لمتعدّد «1» كالأصيل و الوكيل.

و مثله إذا تصرّف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة كما لو باع عبدا بجارية ثمّ اعتقهما حيث إنّ إعتاق العبد فسخ، و إعتاق الجارية إجازة.

و نظيره اختلاف الورثة في الإجازة و الفسخ.

و هذه الموارد الثلاثة من قبيل تقديم الفاسخ على المجيز عند العلّامة. و لكنّ الحقّ أنّه يقع التعارض بين الفسخ و الإجازة، لأنّ الأوّل إبطال للعقد، و الثاني تثبيت له، و هما متنافيان، فلا يجتمعان، فيرجع إلى الأصل المقرّر في المورد و هو بقاء العقد مع الخيار.

______________________________

(1)- المتعدّد، متعلّق لقوله «ثبوت الخيار».

المختار في أحكام الخيار، ص: 88

المسقط الثالث: الافتراق

اشارة

لا إشكال في سقوط الخيار به لتضافر الروايات فيه، و لا يعتبر أن يكون الافتراق حاكيا عن رضا الطرفين أو واحد منهما بالعقد بل الرضا حين العقد كاف، و إن لم يعلم الرضا حينه، بل علم عدمه، لكن افترقا مع عدم الاكراه، و أمّا ما رواه فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما «1» ففيه احتمالات:

1- رضيا بالبيع وقته.

2- رضيا بالبيع حين الافتراق و يكون الافتراق عن رضا منهما.

3- رضيا بالبيع حين الافتراق و يكون الافتراق كاشفا نوعيا عن الرضا، و يكون الاعتداد به لكونه كاشفا نوعيّا عنه.

4- رضيا بالافتراق و لا يكون عن إكراه.

و الظاهر هو المعنى الأوّل، ثم الأخير، و المقصود أنّ البيع مقتض للّزوم، و المجلس

مانع عن تأثيره فإذا زال، أثّر المقتضي.

و أمّا ما هو المحقّق للافتراق فهناك أقوال:

1- ما حكاه الشيخ: عن الشافعي أنّه قال: يرجع في ذلك إلى العادة.

2- و قال الشيخ: أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة فصاعدا «2».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(2)- الخلاف: ج 3 ص 21 كتاب البيوع، المسألة 26.

المختار في أحكام الخيار، ص: 89

3- و ذهب الشيخ الأعظم إلى أنّ الملاك هو افتراقهما بالنسبة إلى الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد، فإذا حصل الافتراق الإضافي و لو مسمّاه ارتفع الخيار فلا تعتبر الخطوة، بل يكفي الأقل منها، فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفى مجرّد افتراقهما «1».

و الظاهر قوّة القول الأوّل- لو لم يرد هناك تحديد من الشرع- و ذلك لأنّ الافتراق من المفاهيم العرفيّة فيرجع فيه إليه، و من المعلوم أنّه لا يصدق عندهم بالخطوة و الخطوتين، فضلا عن انفصال السفينتين بأقلّ من خطوة، خصوصا إذا كان الافتراق لغرض عقلائي غير خارج عن حيطة المعاملة كما إذا كان المكان ضيّقا و المكان حارّا فيتحرّك من جانب إلى جانب، فالاكتفاء بالخطوة فضلا عن الأقل منها غير المتبادر من الرواية.

و أمّا التحديد في بعض الروايات ب «خطى» فهي روايات حاكية لعمل أبي جعفر الباقر- عليه السلام- فالمروي عن محمد بن مسلم عنه أنّه قال: «بايعت رجلا، فلمّا بايعته قمت فمشيت خطى، ثمّ رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا» «2».

و المروي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- عن أبيه- عليه السلام- هو أنّه قال: فلمّا استوجبها قام فمضى فقلت له: يا أبه عجلت القيام؟ فقال: يا بني، أردت أن يجب البيع «3».

فالظاهر من النقل الأوّل، أنّ الإمام مشى

خطوات ثمّ رجع إلى المجلس،

______________________________

(1)- المتاجر، ص 222.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 2 من أبواب الخيار، الحديث 2 و 3.

(3)- المصدر نفسه: الباب 2 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 90

و الظاهر من النقل الثاني أنّ الإمام قام من المجلس و مضى إلى مكان آخر، و تبعه أبو عبد اللّه- عليه السلام- و ظاهر النقلين أنّهما يحكيان موضوعا واحدا، و لأجل ذلك لا يمكن الأخذ بهما، و هذا يكشف عن طرء اضطراب عليها عند النقل.

و على فرض كون النقلين راجعين إلى موردين مختلفين فلا يمكن الأخذ بما رواه محمّد بن مسلم، و ذلك للفرق بين قولنا «امش خطى» و قولنا: «ثمّ مشيت خطى» فبما أنّ الأوّل أمر و طلب يؤخذ بإطلاقه، و يقال: إنّ ثلاث خطوات و هي أقل الجمع كافية في حصول الغاية أخذا بالإطلاق، و هذا بخلاف الأخبار عن فعل الإمام بأنّه خطوات فبما أنّها تصدق على الأقل و الأكثر و يصير مجملا من هذه الجهة لأنّها حكاية عن واقعة، و ليس يلزم على الحاكي تعيين المرتبة الخاصة التي تحقّق بها الافتراق حتى يحمل على المرتبة النازلة عند عدم القرينة على الأكثر فإنّ الخطى كما تصدق على ثلاثة تصدق على ثلاثين أيضا، و على ذلك فالحقّ أنّ الملاك هو الافتراق العرفي.

ثمّ إنّ الشيخ نقل عن بعضهم التأمّل في كفاية الخطوة مستدلّا أوّلا:

بانصراف الاطلاق إلى أزيد منها، و ثانيا: باستصحاب الخيار، أي كون العقد خياريا.

و لا يخفى أنّ الجمع بينهما غير صحيح لأنّ الشبهة شبهة حكمية مفهومية، فلو قلنا بالانصراف فهو دليل اجتهادي لا يحتاج معه إلى الاستصحاب كما هو واضح. نعم لو كانت الشبهة موضوعية، كان للاستصحاب

مجال فقط دون الانصراف.

المختار في أحكام الخيار، ص: 91

الافتراق عن إكراه:

إذا أكره المتعاقدان على التفرّق فهل يسقط خيارهما أو لا؟ نقول: إنّ للمسألة صورتين:

الأولى: إذا أكرها على التفرّق على وجه يتمكّنان من الفسخ و الإمضاء.

الثانية: إذا أكرها على التفرّق مع المنع من التخاير.

أمّا الأولى: فالظاهر من كلمات الفقهاء سقوط خيارهما. قال الشيخ في الخلاف: إذا أكره المتبايعان أو أحدهما على التفرّق بالأبدان على وجه يتمكّنان من الفسخ و التخاير فلم يفعلا بطل خيارهما أو خيار من تمكّن من ذلك. و للشافعي فيه وجهان، فقال أبو إسحاق مثل ما قلناه، و قال غيره: لا ينقطع الخيار. دليلنا:

انّه إذا كان متمكّنا من الإمضاء و الفسخ فلم يفعل حتى وقع التفرّق بالأبدان دلّ على الرضا بالإمضاء «1».

و لا يخفى ضعف الدليل، فإنّ المتعاقدين و إن كانا متمكّنين من الإمضاء و الفسخ و لكن ربّما لا يكونان جازمين بأحد الطرفين فيتوقّف الجزم على استمرار مجلس العقد حتّى يتروّيا في مصالحهما و التمكّن من الفسخ و الإمضاء لا يحكي عن رضاهما بالعقد، و لو لا التسالم لكان للتشكيك في السقوط مجال، كما سيوافيك بيانه.

أمّا الثانية: أعني ما إذا لم يتمكّنا من التخاير أي اختيار الفسخ أو العمل

______________________________

(1)- الخلاف، ج 3، كتاب البيوع، المسألة 35، و كلام الشيخ في الأعم من كون المكره، كل من المتعاقدين أو واحد منهما، و سيجي ء في البحث عن إكراه الواحد في المسألة الثانية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 92

على مقتضى الخيار، بأن يسدّ أفواههما أو هدّدا عليه، فالمشهور هو عدم السقوط.

قال في الشرائع: و لم يبطل الخيار لو أكرها على التفرّق، و قال في الجواهر: بلا خلاف أجده، بل في الغنية و عن تعليق

الشرائع الإجماع عليه، للأصل بعد تبادر الاختيار من النصوص، و لذا يصحّ في التحقيق أن يقال: لم يفترقا و لكن فرقا «1».

و لا يخفى أنّ الجمع بين الأصل و التبادر غير وجيه، فإنّ الثاني دليل اجتهادي و الآخر دليل فقاهتي، و على كلّ تقدير فقد استدلّ على عدم السقوط بوجوه نشير إليها:

1- تبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل المختار.

يلاحظ عليه: أنّه إن أراد منه لزوم كون الفعل إراديا في مقابل الافتراق غير الإرادي، مثل نقل كلّ واحد إلى مكان خاصّ من دون إرادة واحد منهما، فالافتراق هنا إرادي لأنّ الفعل الإرادي ما سبقته الإرادة، و المكره من أقسام الفاعل الإرادي فهو يرجّح تطبيق العمل على ما يطلبه المكره بترجيح الفعل على الترك أو بالعكس بالتروي و التفكّر، ففعله إرادي قطعا، مقابل غير الإرادي مثل الفعل الصادر عن النائم، أو من ألقى عليه القبض فجرّ إلى مكان آخر.

و إن أراد كونه شرطا اختياريّا في مقابل كونه إكراهيا فهو ممنوع، و ادّعاء التبادر كما ترى، و الشاهد عليه أنّهم حكموا بسقوط الخيار إذا حصل التفرّق عن غفلة أو نوم أحد الطرفين أو اضطرار، كما إذا حالت الريح و السيل بينهما أو تفرّقا فرارا عن لصّ أو هجوم سبع أو غير ذلك، فسقوط الخيار في تلك الموارد يكشف عن عدم اشتراط كون الفعل إراديّا بهذا المعنى.

______________________________

(1)- الجواهر: ج 23، ص 9.

المختار في أحكام الخيار، ص: 93

2- حديث الرفع المروي في الخصال بسند صحيح: رفع عن أمّتي تسعة:

الخطأ و النسيان، و ما أكرهوا عليه و ما لا يعلمون ... «1» و ممّا رفع: هو «ما استكرهوا عليه»: و ليست المؤاخذة متعلّق الرفع لأنّها أمر تكويني لا يمتّ

إلى التشريع بصلة بل المرفوع هو الأعم من التكليف و الوضع، و الشاهد على عمومية الرفع هو ما رواه البرقي في المحاسن بسند صحيح عن أبي الحسن- عليه السلام- في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟

فقال: لا، قال رسول اللّه: رفع عن أمّتي ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «2» حيث استدل الإمام- عليه السلام- على عدم لزوم العمل بالحلف عن إكراه بالحديث و الصحيحة دلّت على أنّ المرفوع، الأعمّ من التكليف و الوضع، فيكون لزوم العقد مرتفعا بارتفاع الافتراق حكما.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه لو قلنا بالرفع في الإكراه يجب أن نقول بمثله في الافتراق عن نسيان و اضطرار لأنّهما من التسعة التي رفع حكمهما، و لم يقل به أحد.

ثانيا: انّ الافتراق ليس موضوعا للحكم الشرعي بل حدّ له، فلو انعدم الحد يرتفع الحكم سواء كان عن اختيار أو لا كما إذا قال: أكرم زيدا ما دام كونه في المسجد، فإذا أخرج قهرا سقط الحكم.

3- صحيحة فضيل عن أبي عبد اللّه في حديث: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» «3».

______________________________

(1)- الصدوق: الخصال: باب التسعة الحديث 9 ص 417.

(2)- الوسائل: ج 16، الباب 12 من أبواب كتاب الإيمان، الحديث 12.

(3)- المصدر نفسه: ج 12، الباب 1، من أبواب الخيار، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 94

و تقريب الاستدلال بوجهين:

الأوّل: إنّها دلّت على أنّ الشرط في السقوط، الافتراق و الرضا منهما، و المراد هو الرضا المتّصل بالتفرّق بحيث يكون التفرّق ناشئا عن الرضا بالبيع، و من المعلوم أنّ التفرّق الإكراهي لا ينشأ عن الرضا بالبيع بل عن إكراه المكره.

الثاني: إنّ قوله «بعد

الرضا» إشارة إلى إناطة السقوط بالرضا بالعقد، الكاشف عنه الافتراق، فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد و إعراضهما عن الفسخ «1».

و حاصل هذا الوجه أنّ المسقط هو الافتراق الكاشف عن الرضا بالعقد، و ليس الافتراق الإكراهي كاشفا عنه.

و الفرق بين الوجهين واضح، فإنّ الأوّل يعتمد على أنّ المسقط الافتراق الناشئ عن الرضا بالبيع، و الوجه الثاني يعتمد على أنّ المسقط هو الافتراق الكاشف عن الرضا، و على كلّ تقدير فليس الافتراق الإكراهي كاشفا عن الرضا بالبيع.

يلاحظ على الوجه الأوّل: أنّه لو كان المسقط هو التفرّق عن رضى بالبيع، لزم أن لا يسقط الخيار إذا علم أنّ الافتراق لم ينشأ عن الرضا بالبيع، و إنّما نشأ من عامل آخر مثل الجهل بالحكم، أو لعامل آخر كهجوم السبع و غيره، مع أنّ الظاهر سقوطه.

و أمّا الثاني فهو كون المسقط التفرّق الكاشف عن الرضا بالبيع حين

______________________________

(1)- المتاجر، قسم الخيارات، ص 222.

المختار في أحكام الخيار، ص: 95

التفرّق، فذلك احتمال مرجوح في مقابل ما عرفته من الاحتمال، و هو أنّ المراد هو الرضا بالبيع حين البيع، لا الرضا به حين الافتراق، و ذلك لأنّ الرواية بصدد بيان أنّ المقتضى للّزوم هو نفس العقد الذي أوقعه الطرفان بالرضا، و المانع هو الخيار، فالمقتضي موجود لإيقاعهما العقد بالرضا، و المانع مرتفع بالتفرّق، فلا وجه لبقاء الخيار، فعلى ذلك فما هو الشرط، هو وجود الرضا حين البيع، لا الرضا حين الافتراق، و لا الافتراق الكاشف عن الرضا بالبيع، حتى تكون المحتملات الثلاثة صحيحة، و الذي ذكرناه هو الواضح.

هذا كلّه حول أدلّة القوم بعدم السقوط و تحليلها، و قد عرفت عدم تماميتها، و مع ذلك كلّه يمكن القول بعدم

السقوط إذا أكرها على التفرّق و ذلك لانصراف دليل الخيار عن مثله، لأنّ خيار المجلس شرع لفسح المجال للمتعاقدين للتفكّر فيما عقدا، فصار التفرّق آية لجنوحهما (بعد التروي) إلى الالتزام بالعقد، و من المعلوم أنّ مثل ذلك لا يتحقّق إلّا في الافتراق الاختياري لا الإكراهي.

فإن قلت: إنّ ما ذكرت ليس ملاكا للحكم، بل حكمة له، و لأجل ذلك ربّما يتخلّف الحكم عنها، كسقوط الخيار بذهاب واحد مع غفلة الآخر، أو حيلولة الريح بينهما أو التفرّق لأجل الفرار من الحيوان الضاري أو غير ذلك، ممّا أفتوا بسقوط الخيار فيه مع تخلّف الحكمة.

قلت: إنّ كونه حكمة تكفي في انصراف الدليل عن صورة التفرّق الإكراهي الذي يحمله الغير على التفرّق و إن كان غير منصرف عمّا إذا كان هناك دافع عن نفسه، نظير:

المختار في أحكام الخيار، ص: 96

1- إذا أكره أحدهما على الذهاب، و لم يمنع الآخر من المصاحبة و التخاير، و لكن بقى في المجلس مختارا.

2- أكره أحدهما على البقاء و ترك التخاير و ترك الآخر المجلس اختيارا.

نعم إذا أكره أحدهما على الذهاب، و منع الآخر عن المصاحبة و التخاير فهو داخل في المسألة السابقة أي الإكراه على الطرفين جميعا، و قد عرفت عدم سقوط خيارهما. إنّما الكلام في الصورة الأولى، فالأقوال فيها أربعة:

1- سقوط خيارهما.

2- ثبوت خيارهما.

3- سقوط خيار المختار.

4- التفصيل بين بقاء المختار، فيثبتان و مفارقته المكان، فيسقطان.

هذه هي الأقوال، و إليك مبانيها.

فإن قلنا: إنّ الغاية حصول الافتراق الاختياري لكليهما و إنّ افتراق كلّ واحد منهما مسقط لخيار نفسه على وجه العام الاستغراقي، يسقط عندئذ خيار المختار دون المكره، إذ الفرض أنّ تفرّق كلّ واحد منهما، غاية لخيار نفسه لا لخيار الآخر، فالمختار يسقط

خياره دون المكره لعدم الاعتداد شرعا بإذهابه المساوق مع الافتراق.

و إن قلنا: بأنّ الغاية هو حصول الافتراق الاختياري لكليهما لكن يتوقّف سقوط خيار كلّ واحد منهما على مجموع الافتراقين الاختياريين على وجه العام

المختار في أحكام الخيار، ص: 97

المجموعي، فما لم يحصل هناك مجموعهما اختيارا، فلا يسقط خيار واحد منهما، و على هذا يثبت خيارهما لعدم حصول الغاية، أعني: مجموع الافتراقين الموصوف بالاختياري.

هذا إذا قلنا بأنّ الغاية هو الافتراقان، إمّا على نحو العام الاستغراقي أو على نحو العام المجموعي.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الغاية حصول افتراق من أحدهما، فإن قلنا بأنّه يعتبر في المسقط كونه فعلا وجوديا فيأتي التفصيل بين بقائه، و ذهابه، فلو بقي فيثبت الخياران، لعدم صدور افتراق مسقط منهما أمّا المكره فلعدم الاعتداد بافتراقه، و أمّا المختار فلعدم صدور فعل منه.

و أمّا إذا قلنا بأنّه يكفي كونه تركا اختياريا فعندئذ يسقط الخياران بصدور التفرّق من واحد منهما، و هو جلوسه في المكان و عدم مصاحبته للمكره.

هذه هي المباني، و لكن الشيخ أهمل ترجيح أحدهما على الآخر، و الظاهر هو الأوّل، لأنّ قوله «البيّعان» في قوّة قوله «البائع و المشتري بالخيار» و قوله: «ما لم يفترقا» في قوّة قوله: «ما لم يفترق البائع و المشتري»، فالمقابلة فيها في الحكم ثبوتا و سقوطا على نحو واحد، فإذا كان كلّ محكوما بخيار مستقل فهو بحكم المقابلة محكوم بمسقط مستقلّ، فيكون تفرّق كلّ واحد منهما مسقطا لخيار نفسه، و تكون النتيجة هو العام الاستغراقي ثبوتا و سقوطا.

و احتمال كون مجموع التفرّق- إذا وصف بالاختيار- غاية لكلا الخيارين على نحو العام المجموعي، بعيد عن الأذهان العرفية، و أبعد منه الاحتمال الثالث.

و منه يظهر حكم الصورة الثانية،

و هي ما إذا أكره أحدهما على البقاء ممنوعا

المختار في أحكام الخيار، ص: 98

من التخاير، و فارق الآخر اختيارا، و إنّ مقتضى ما ذكرنا سقوط خيار المختار دون المكره.

ثمّ إنّه إذا زال الإكراه، فهناك احتمالات:

1- جعل مجلس زوال الإكراه بمنزلة مجلس العقد، و إن كانا متباعدين.

2- إذا اجتمعا بعد الزوال يكون ذلك مجلس الخيار.

3- إنّ الغاية ممتنعة الحصول في المورد، فيبقى الخيار بحاله إلى أن يسقط بأحد المسقطات، و لا يخفى أنّ الاحتمالين الأوّلين تخرّص على الغيب، فإنّ الثابت شرعا هو بقاء خيارهما إذا أكرها و تكون النتيجة بقاء الخيار بعد الافراج عنهما، و أمّا تنزيل مجلس زوال الإكراه أو تنزيل المجلس الجديد عند الاجتماع منزلة مجلس الخيار فهو يحتاج إلى دليل، فلا مانع من القول ببقاء الخيار إلى أن يسقط بسائر المسقطات كالانسانين المتلاصقين لا يسقط خيارهما بالتفرّق لعدم امكانه.

المسقط الرابع: التصرّف:

إنّ كون التصرّف مسقطا لخيار المجلس على وجه يأتي في خياري الحيوان و الشرط، ممّا لم يظهر بين الفقهاء خلاف فيه و إن لم يرد في خصوصه نص، و إنّما ورد النص في غيره، و يظهر من الشيخ في الخلاف ورود النص فيه، قال: «روي عنهم- عليهم السلام- من أنّ المشتري إذا تصرّف في المبيع بطل خياره» «1» و مورد النصّ هو خيار الحيوان «2» و قد تلقّاه الشيخ ضابطة كلّية، و لأجل ذلك قال في الجواهر: «إنّا لم

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3/ 23، المسألة 30.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 99

نجد ما يدلّ على إبطال التصرّف بمطلق الخيار ...» «1» و حكى القول بمسقطيته عن جواهر القاضي و لم نجده في مظانّه، و

لكن قال في المهذب: «و إذا ثبت لزوم البيع أمّا بوقوعه مطلقا أو بمضي المدّة إن كان مشروطا، أو تصرّف المشتري فيه بتمليك أو عتق أو هبة» «2».

و على كلّ تقدير فيمكن استظهار السقوط ممّا ورد في التعليل الوارد في خيار الحيوان، حيث قال: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيّام، فذلك رضا منه فلا شرط» «3» و يؤيّد ذلك ما سيوافيك من أنّ المتبادر في كلام الشيخ في الخلاف و بعض الروايات أنّ خيار الحيوان، ليس بخيار مستقلّ بل هو نفس خيار المجلس الممتدّ في مورد الحيوان إلى ثلاثة أيّام.

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 17.

(2)- المهذّب: 1/ 357.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 101

الفصل الثالث خيار الحيوان

اشارة

اختصاص خيار الحيوان بالمشتري و عدمه.

مبدأ خيار الحيوان و منتهاه.

في مسقطات خيار الحيوان.

أ- اشتراط سقوطه في ضمن العقد.

ب- اسقاطه بعد العقد بقوله: التزمت بالعقد.

ج- سقوطه بكل فعل دال على التزامه بالعقد.

د- التصرّف.

المختار في أحكام الخيار، ص: 103

خيار الحيوان

[تعريف خيار الحيوان:]

خيار الحيوان: ممّا انفردت به الإمامية، و لم يقل به غيرهم، و يظهر من خلاف الشيخ، أنّ المتلقّى في زمانه: إنّ خيار الحيوان، هو نفس خيار المجلس، و هو في غير الحيوان ينقضي بالافتراق و فيه بمضيّ ثلاثة أيّام و لكن غيرهم قالوا بأنّ حكم الحيوان و جميع المبيعات واحد، و قال: يثبت في الحيوان الشرط ثلاثة أيّام شرط ذلك أو لم يشرط، و قال جميع الفقهاء: حكم الحيوان حكم سائر المبيعات «1».

و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان، و فيما سوى ذلك من بيع حتى يتفرّقا.

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- قال سمعته يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: البيّعان بالخيار حتى يتفرّقا، و صاحب الحيوان ثلاث.

و على كلّ تقدير، فمقتضى الاطلاقات هو شمول الحكم لكلّ ذي حياة له قيمة فيعم النحل، ودود القزّ و العلق و لكنّه منصرف عن المبتاع لا بما أنّه حيوان بل بما أنّه لحم، مثل السمك المخرج عن الماء و الجراد المحرز، و الصيد المشرف على

______________________________

(1)- الخلاف، ج 3، كتاب البيوع، المسألة 8.

المختار في أحكام الخيار، ص: 104

الموت، كما هو منصرف عن الحيوان الكلّي، فإنّه ليس حيوانا إلّا بالحمل الأوّلي لا بالحمل الشائع، و تصوّر كون مبدأ الخيار هو أوّل زمان التسليم، خلاف النص، من كون مبدئه، هو

العقد، و لو لا النصّ على شموله للرقّ من الإنسان، لقلنا بنفس هذا الانصراف فيه، لأنّه ليس بحيوان عرفا و إن كان كذلك عقلا، و كيف كان فيقع الكلام في مواضع:

1- اختصاص خيار الحيوان بالمشتري و عدمه.

2- مبدأ الخيار و منتهاه.

3- مسقطاته.

الموضع الأوّل: في اختصاصه بالمشتري و عدمه:

اشارة

هل يختصّ الخيار بالمشتري أو يعمّه و البائع، المشهور هو الأوّل، قال العلّامة في المختلف: خيار الحيوان ثلاثة أيّام يثبت بالعقد سواء شرطاه أو لا، للمشتري خاصّة ذهب إليه الشيخان و ابن الجنيد، و سلّار و الصدوق و ابن البراج و ابن إدريس «1».

و قال السيّد المرتضى: يثبت الخيار للبائع و المشتري و حكي القول الثاني عن ابن طاوس و قوّاه الشهيد الثاني في المسالك.

و هناك قول احتمله العلّامة في مختلفه و هو ثبوته لصاحب الحيوان بائعا كان أو مشتريا، مثمنا كان أو ثمنا.

______________________________

(1)- مختلف الشيعة: كتاب التجارة، 172.

المختار في أحكام الخيار، ص: 105

[حجية القول الأوّل]

استدل للقول الأوّل بوجوه:

1- الأصل في البيع هو اللزوم خرج عنه المشتري و بقي الباقي تحته، و المراد منه هو مقتضى العمومات اللفظية التي مرّ البحث عنها.

2- صحيحة فضيل: «عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيّام للمشتري، قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» «1» و الاستظهار منه بأنحاء:

الف: قد ثبت في محلّه أنّ المسند إليه إذا كان معرّفا باللام يفيد الحصر مثل قوله: «الطلاق لمن أخذ بالساق» و قوله: «الولاء لمن اعتق» و على ذلك يكون قوله:

«ثلاثة أيّام للمشتري» بقرينة السؤال بمنزلة قوله: «الخيار ثلاثة أيّام للمشتري».

ب: مقتضى المقابلة حيث عبّر في غير الحيوان بقوله: «البيّعان» و في الحيوان بالمشتري فلو كان عاما لما كان وجه للعدول عنهما إليه.

ج: دلالة القيد في مقام التحديد على المفهوم.

3- صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط» «2»

و دلالتها على المدّعى، لأجل إفادتها الحصر على ما بين أوّلا، و كون القيد في مقام التحديد دالّا على المفهوم ثانيا.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3، من أبواب الخيار، الحديث 5، و الباب 1، الحديث 3 و قد فرّقها على البابين كعادته في الكتاب.

(2)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 106

4- صحيحته الأخرى: قال: «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء» «1».

5- صحيحته الثالثة: «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ فقال: الخيار لمن اشترى» «2».

6- صحيحة الحلبي: عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري» «3» وجه الدلالة ذكر القيد في مقام التحديد.

7- خبر علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- قال سمعته يقول:

«الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري» «4» وجه الدلالة نفس ما سبق من ذكر دلالة الهيئة على الحصر أوّلا و كون القيد في مقام التحديد ثانيا.

8- استفاضت الروايات على أنّه لو مات الحيوان في أيّام الخيار، يكون الضمان على البائع دون المشتري «5» هذا من جانب، و من جانب آخر اتّفقت كلمتهم على أنّ كلّ مبيع قد تلف في زمن الخيار، فهو ممّن لا خيار له، و من ملاحظة الأمرين تحصل صغرى و كبرى بالنحو التالي: الضمان في زمن الخيار على البائع، و كل من كان الضمان عليه، فهو ممّن لا خيار له ينتج: البائع ممّن لا خيار له.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3 من

أبواب الخيار، الحديث 9.

(2)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(3)- المصدر نفسه: الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 1.

(4)- المصدر نفسه: الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 5.

(5)- المصدر نفسه: الباب 5 من أبواب الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 107

هذه هي الوجوه التي استدلّ بها القائل على اختصاص الخيار بالمشتري.

يلاحظ على الدليل الأوّل: أنّه إن أراد من العموم، مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فقد خرج منه بيع الحيوان حسب مجموع الروايات، فعندئذ سواء أ كان الخيار للمشتري أم للأعم منه و البائع، لا يلزم منه تخصيص زائد، و إنّما يتمسّك بالعموم فيما إذا دار الأمر بين أصل التخصيص و عدمه أو بين الأقل و الأكثر، و التخصيص في المقام مسلّم، و هو خروج بيع الحيوان، فلا فرق بين أن يكون الخيار لواحد من الطرفين، أو لكليهما.

و نظير ذلك إذا كان المتمسّك هو قوله: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»: ببيان أنّ مفاده هو اللزوم بعد الافتراق خرج منه المشتري و بقي البائع تحته، يلاحظ أنّه مقيّد ببيع غير الحيوان، بقرينة قوله في صحيحة فضيل، حيث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» «1».

و مثله صحيحة محمّد بن مسلم حيث يقول: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان، و في ما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا» «2» فإذا كان لزوم البيع بالافتراق مقيّدا ببيع غير الحيوان لا يتفاوت الأمر بين كون الخيار لواحد أو لأكثر كما مرّ.

و أمّا الحجج الباقية فهي بين صريح كرواية علي بن رئاب التي لا تقبل التأويل بل أمرها يدور بين الأخذ بها، أو طرحها (إذا تمّ دليل القول الثاني)، أو غير صريح بل

دلالته بالمفهوم الصالح لرفع اليد عنها بدليل أقوى، و لا يمكن القضاء في الحجج الباقية إلّا بعد دراسة حجّة القول الثاني.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: ج 12، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 108

حجة القول الثاني:

احتجّ القائل بالأعم، بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» «1».

و الدلالة واضحة فهي تثبت الخيار حقّا للبائع و المشتري مطلقا، سواء بيع حيوان بنقد أو حيوان بحيوان، أو الحنطة بحيوان، ثمّ إنّ الصحيحة و إن كانت تعارضها رواية ابن رئاب، إلّا أنّها لا تعادل صحيحة محمد بن مسلم لأنّها مروية في قرب الاسناد و هو من الكتب التي وقف عليها الأصحاب في العصور الأخيرة، بخلاف الصحيحة فإنّها مروية في الكتب الأربعة. و أمّا غيرها فبما أنّ دلالتها بالمفهوم فيمكن إخلاء القضية عن المفهوم بالقول بأنّ القيد (المشتري) وارد مورد الغالب، فيؤخذ بإطلاق الصحيحة.

يلاحظ على الاستدلال:

أوّلا: بأنّ مجموع ما استدل به القائل بالقول الأوّل لا يقصر في الاعتبار عن صحيحة محمد بن مسلم، فلو تنازلنا فيجب الحكم بالتعارض و الرجوع إلى الأصول دون الأخذ بالصحيحة.

و ثانيا: أنّ هناك رواية أخرى لمحمد بن مسلم قد جاء فيها مكان «المتبايعين»، لفظ «صاحب الحيوان»، رواها عن أبي عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: البيّعان بالخيار حتى يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام «2»، و هي

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: الباب 1، من أبواب الخيار، الحديث

1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 109

نفس الرواية السابقة غير أنّ فيها تقديما و تأخيرا، ففي الثانية قدّم خيار المجلس و أخّر خيار الحيوان، بخلاف الأولى، و في الوقت نفسه عبّر عن موضوع واحد بلفظين مختلفين (المتبايعان و صاحب الحيوان).

و حينئذ إن قلنا: إنّهما رواية واحدة عن أبي عبد اللّه رويت بصورتين مختلفتين فطرأ الاضطراب عليها فهذا يصدّنا عن الأخذ بالأعم منهما، و هو المتبايعان.

و إن قلنا: إنّهما روايتان مختلفتان، يقع التعارض بينهما، فإنّ الأولى ترى الخيار للبائع و المشتري، و الثانية تراه لصاحب الحيوان بائعا كان أو مشتريا فيعامل معهما معاملة المتعارضين.

حجّة القول الثالث:

قد عرفت أنّ العلّامة جنح إلى ثبوت الحكم في مطلق صاحب الحيوان سواء أ كان مشتريا كما هو واضح أم بائعا كما في بيع الحنطة بالحيوان، بحيث يكون الحيوان ثمنا، و الدليل على ذلك هو ما عرفت من الصحيحة الثانية لمحمد بن مسلم، حيث جعل الموضوع فيه «صاحب الحيوان» لا المشتري. و سيوافيك ما رواه زرارة في هذا الشأن أيضا.

يلاحظ عليه: أنّه فسّر صاحب الحيوان في موثقة ابن فضال مقيدا بالمشتري. روى الحسن بن علي بن فضال، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا- عليه السلام- يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيّام «1». و مع هذا التقيّد كيف يمكن الأخذ بإطلاق الصحيحة، و الموثّقة حجة كالصحيحة.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3، من أبواب الخيار، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 110

نعم، تخلّص الشيخ من هذا الاشكال باحتمال ورود القيد مورد الغالب، لأنّ الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا.

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ هذا الاحتمال لأجل الغلبة لصحّ تنزيل الاطلاق في صحيحة محمد بن مسلم على الفرد الغالب و هو المشتري،

إذ لو كانت الغلبة مصحّحة للتصرّف في القيد لكانت مسوّغة للتصرّف في الاطلاق فيحمل المطلق (صاحب الحيوان) على الفرد الغالب (المشتري) فما الفرق بين التصرّفين حيث ادّعى الشيخ الأنصاريّ أنّ الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل القيد عليها، و لا توجب تنزيل الاطلاق.

و مع ذلك كلّه، فالقول الأوّل هو الأرجح، و لكنّه ينطبق على القول الثالث أيضا، و إليك البيان بذكر أمرين:

الأوّل: إنّ مضمون الروايات لا يتجاوز عن ثلاثة:

1- الخيار لخصوص المشتري، و هو الأكثر.

2- الخيار لصاحب الحيوان، و قد جاء في صحيحة محمد بن مسلم، كما جاء في صحيحة زرارة، و قد روى عن أبي جعفر قال: سمعته يقول: قال رسول اللّه:

«البيّعان بالخيار حتى يتفرّقا و صاحب الحيوان ثلاث» «1».

3- ثبوته للمتبايعين، و قد ورد في رواية محمد بن مسلم، و قد عرفت كيفية الجمع بين الروايات في التقرير السابق، و أنّ الآخذ بالقول الأوّل بحمل الاطلاق في صاحب الحيوان بالخيار، على كونه واردا مورد الغالب و هو المشتري، كما أنّ الآخذ بالقول الثالث بحمل القيد الوارد في حجج القول الأوّل، على الفرد

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 6.

المختار في أحكام الخيار، ص: 111

الغالب، و قد عرفت أنّه لا ترجيح لأحد الحملين على الآخر.

و أمّا ما دلّ على ثبوته للمتبايعين، فهو إمّا مضطرب المتن أو معارض برواية أخرى عن نفس محمد بن مسلم، و سيوافيك رفع التعارض بغير هذا الوجه.

الثاني: إنّ البيع إذا كان متحقّقا بالنقد فصاحب المتاع بائع و الناقد مشتر، و أمّا إذا كان المتاع في مقابل المتاع فكلّ واحد بائع من جهة، و مشتر من جهة أخرى، و لا اعتبار ببعض الوجوه الذي يذكره الشيخ

في مثل المقام من عدّ صاحب الحاجة مشتريا، و المقابل بائعا، و الشاهد على ذلك أنّ الطرف المقابل إذا أراد بيع ما أخذ من صاحب الحاجة يقول: اشتريته بمتاع كذا. كل ذلك يعرب عن اتّصاف كل من الطرفين بالبيع و الاشتراء.

إذا عرفت هذين الأمرين، فنقول:

ما ورد من أنّه خيار الحيوان للمشتري فهو ناظر إلى ما إذا كانت المعاملة متحقّقة بالنقد فالخيار للمشتري دون البائع.

و ما ورد فيه من أنّ الخيار لصاحب الحيوان فهو ناظر إلى ما إذا كانت المبادلة بين الحيوان و متاع آخر، فعندئذ فمن أخذ الحيوان و دفع المتاع الآخر، و إن كان بائعا من جهة، لكنّه مشتر أيضا من جهة أخرى، فكما يصحّ لنا أن نصفه بأنّه صاحب الحيوان، يصحّ لنا أن نصفه بأنّه مشتر، فيكون العنوانان منطبقين عليه.

و أمّا العنوان الثالث، أعني: المتبايعين فهو محمول على مبادلة حيوان بحيوان، فلكل خيار الحيوان لأنّهما متبايعان و أنّهما صاحبا الحيوان كما أنّ كليهما مشتريان أيضا، فلا منافاة بين ثبوت الخيار لخصوص المشتري و ثبوته للمتبايعين.

المختار في أحكام الخيار، ص: 112

و بهذا البيان يمكن الجمع بين الروايات بلا اشكال، و بما أنّ المعاملات في العصور السابقة خصوصا في البلاد النائية عن الحضارات، كانت تتحقق بتبديل متاع بمتاع آخر أو من جنسه، فلا بعد في حمل هذه الروايات على هذا النوع من المعاملات و لا يعد ذلك من الجمع التبرّعي.

الموضع الثاني: في مبدأ خيار الحيوان و منتهاه:

اشارة

المشهور أنّ مبدأ خيار الحيوان هو زمان العقد «صرّح به جماعة و هو ظاهر الباقين» «1» و حكي الخلاف عن الغنية، فزعم أنّ مبدأه من حين التفرّق. و يمكن استظهار الخلاف من الشيخ و الحلّي حيث قالا: بأنّ مبدأ خيار الشرط من حين التفرّق،

قال في المبسوط: الأولى أن يقال: إنّه يعني خيار الشرط يثبت من حين التفرّق لأنّ الخيار يدخل إذا ثبت العقد، و العقد لم يثبت قبل التفرّق «2».

و لو صحّ ما ذكره لجرى في خيار الحيوان أيضا، و التحقيق هو القول الأوّل، و ذلك ببيان مقدمة، و هي أنّك قد عرفت فيما سبق هو أنّ روح النزاع في عصر الشيخ بين المثبت و المنكر، كان في امتداد خيار المجلس إلى ثلاثة أيام و عدمه، فالإمامية على الامتداد خلافا لغيرهم حيث قالوا بأنّ الغاية واحدة. و على ذلك خيار الحيوان على فرض ثبوته ليس خيارا مستقلّا، بل هو نفس خيار المجلس الذي وافق عليه كل الفقهاء سوى الحنفية غير أنّه عند الإمامية في غير الحيوان مغيّا

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 23، ص 28.

(2)- المبسوط: 2/ 85.

المختار في أحكام الخيار، ص: 113

بالتفرّق، و فيه إلى ثلاثة أيام، و عند غيرنا للجميع غاية واحدة و هو التفرّق في الحيوان و غيره.

و يمكن استظهار ذلك من الروايات و أنّه ليس هنا إلّا خيار واحد لجميع المبيعات و إنّما الاختلاف بين الحيوان و غيره في منتهى الخيار.

منها: صحيحة محمد بن مسلم حيث اتّخذت المتبايعين موضوعا في الحيوان و غيره، و فصّلت بين كون المبيع حيوانا و غيره، و قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، و في ما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا «1». و ظاهره أنّ الخيار المتحقّق في الحيوان، نفس الخيار المتحقّق في غيره، و إنّما الاختلاف في الغاية.

و تؤيّده أيضا رواية علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام-، قال:

«سمعته يقول: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام و في غير الحيوان أن يفترقا» «2».

و نظيرها صحيحة

فضيل، حيث تقول: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال:

ثلاثة أيام للمشتري. قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا «3».

فإنّ الظاهر من رواية علي بن أسباط أنّ هنا خيارا واحدا في المبيع غير أنّه تختلف غايته حسب اختلاف المبيع، كما أنّ الظاهر من صحيحة فضيل أنّ الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و هو في غيره ما لم يفترقا، فالمجعول خيار واحد غير أنّه رعاية للحكمة، جعل غايته في غير الحيوان الافتراق لسرعة تبيّن حاله و في الحيوان-

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: الحديث 8.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 5، و الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 114

لحاجته إلى التروّي و الامعان- إلى ثلاثة أيّام. هذا هو الظاهر من الروايات.

و منه يظهر أنّه لا غبار في الحكم بأنّ مبدأه هو زمان العقد كحكمه في سائر المبيعات، لأنّه في الحيوان و غيره من جنس واحد تشمله أدلّة خيار المجلس، نعم على القول بالتعدّد يأتي النزاع في مبدئه.

فإن قلت: يلزم على ذلك عدم الخيار للبائع بتاتا لا بعنوان خيار المجلس، و لا بعنوان خيار الحيوان في بيع الحيوان لأنّ خيار الحيوان هو استمرار لخيار المجلس، و قد قرّر عند المشهور أنّه للمشتري دون البائع، فيلزم عليه أن لا يثبت له الخيار أبدا.

قلت: لا مانع من الالتزام به، إذا وافقه الدليل، فالمتبايعان في غير الحيوان لهما الخيار ما لم يتفرّقا، كما لهما الخيار في بيع الحيوان، حسب العمومات لكن خرج عنه البائع بدليل منفصل.

فان قلت: إنّ رواية الفضيل ليست في بيان أصل الخيار، حتى تستنتج منها وحدة الخيار، بل هي

في مقام بيان الغاية.

قلت: لا دليل على عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة أيضا مع أنّ الإمام حكى في حديثه قول النبيّ و هو: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، و من المعلوم أنّ النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان في مقام بيان أصل الخيار مع غايته لما سبق أنّ خيار المجلس من الأحكام الإسلامية غير المسبوقة بحكم عرفي.

ثمّ إنّه لو قلنا بتعدّد الخيار، و إنّ هناك خيار مجلس يعم المتبايعين غايته التفرّق، و خيارا آخر لصاحب الحيوان غايته ثلاثة أيام، يمكن استظهار قول المشهور أيضا من نفس الروايات و ذلك بوحدة السياق، لا من ملاحظة رواية

المختار في أحكام الخيار، ص: 115

حاكية عن أنّ مبدأ الخيارين هو العقد، فلاحظ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: البيّعان بالخيار حتى يفترقا، و صاحب الخيار بالحيوان ثلاثة أيام «1».

و إن شئت قلت: إنّ الخيارين مترتّبان على العنوانين: البيّعان، و صاحب الحيوان، و بما أنّهما يتحققان بنفس العقد، لازمه أنّه يتحقّق الخيار بتحقّقهما، لأنّ المفروض أنّ كل واحد تمام الموضوع للحكم. هذا كلّه حول قول المشهور.

ثم إنّه استدلّ على القول الآخر بوجوه مختلفة نشير إليها:

1- وجود المانع العقلي عن كون مبدأ الخيار هو العقد و ذلك لأنّ العقد المتزلزل بخيار المجلس لا يقبل التزلزل من جانب خيار الحيوان، إذ هو تحصيل للحاصل، و إن شئت قلت: إنّ البيع جائز بسبب خيار المجلس فلا وجه للحكم بجوازه أيضا لكونه لغوا، و بعبارة ثالثة: إنّ الخيار شي ء واحد فلا يصحّ توارد سببين تامّين عليه.

يلاحظ عليه: أنّ هذه الوجوه الثلاثة مردودة بوجهين اجمالا و تفصيلا:

أمّا الاجمال، فإنّها من باب خلط الأمور الاعتبارية بالحقائق

الخارجية، فإنّ هذه التعليلات تتمشّى في الحقائق، دون المسائل الاعتبارية.

و أمّا تفصيلا، فعن الأوّل: بأنّ معنى قوله: «العقد المتزلزل لأجل خيار المجلس لا يصحّ توصيفه بالتزلزل لأجل خيار آخر»، إنّه لا يصحّ اجتماع خيارين في عقد واحد و هو منقوض باجتماع خيار العيب و الغبن في عقد واحد. أضف إلى ذلك: أنّه لا مانع من اجتماعهما لترتّب الأثر عليهما باسقاط واحد و ابقاء الآخر، فربّما يسقط خيار الغبن في العقد و يبقى خيار العيب، و ما يظهر من عبارته من

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 116

امتناع تزلزل المتزلزل أشبه باجراء حكم التكوين إلى التشريع.

و أمّا عن الثاني: فلأنّ عدم جواز الحكم بالجوازين على عقد، إنّما هو إذا اتّحدت الجهة فعقد الهبة لا يكون جائزا بجوازين، و أمّا إذا اختلفت الجهة فلا مانع، فيجوز أن يكون عقد البيع جائزا لأجل خيار المجلس و جائزا أيضا لأجل خيار الحيوان.

و أمّا عن الثالث: أعني امتناع توارد سببين على مؤثّر واحد، فإنّما هو من خصائص التكوين لا التشريع، فإنّ الأسباب الشرعية ليست مؤثّرات و موجدات بل موضوعات، فلا مانع من أن يكون البيّعان موضوعا للخيار لأجل التروّي في مجلس العقد مطلقا حيوانا كان أو غير حيوان، و أن يكون عنوان الحيوان سببا آخر لخيار ثلاثة أيام لحاجة المشتري إلى التروّي المستمر. فالاختلاف في الموضوع صار سببا لاعتبار خيارين.

هذا كلّه حول المانع العقلي.

2- و أمّا المانع الشرعي فهو عبارة عن الأصول العملية كأصالة عدم حدوث خيار الحيوان حين التفرّق، أو أصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد.

يلاحظ عليه: أنّ الأصلين مثبتان، فإنّ المطلوب اثبات أنّ مبدأ خيار الحيوان

هو العقد، و هذا أثر عقلي للأصلين كما هو واضح.

ثمّ إنّه ربّما يؤيّد خلاف المشهور بما دلّ على أنّ تلف الحيوان في الثلاثة من البائع «1» مع أنّ التلف في الخيار المشترك من المشتري.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 117

يلاحظ عليه: أنّ هذا يمكن أن يكون دليلا على عدم تعدّد الخيار، و أنّ هنا خيارا واحدا غايته التفرّق في غير الحيوان، و انقضاء ثلاثة أيام فيه، مع اختصاصه بالمشتري، و التلف في هذه المدّة من البائع لكونه ممن لا خيار له، و لو تنزّلنا عن ذلك و قلنا بتعدّد الخيار، فنقول: إنّ الاطلاق وارد مورد الغالب، فإنّ التلف قلّما يتّفق في مجلس البيع، و إنّما يتحقّق بعده. فلأجل ذلك قالوا: بأنّ التلف في الثلاثة من البائع، لأنّ التلف يتّفق عند انقضاء خيار البائع بالتفرّق، و بقاء خيار المشتري إلى ثلاثة أيام، و إلّا فلو تلف قبل التفرّق فيحكم عليه بحكم الخيار المشترك.

هذا كلّه في بيع المالك، و أمّا عقد الفضولي و بيع السلم، فنقول: أمّا الأوّل فإن قلنا: إنّ الاجازة ناقلة فلا شك أنّ مبدأ الخيار هو زمن صدور الاجازة، و أمّا إذا قلنا بكونها كاشفة فلها احتمالات:

1- الكشف الحقيقي: بمعنى حصول الملكية للمشتري بمجرّد عقد الفضولي، و إن لم يكن هناك رضا المالك و لكنّها كانت غير معلومة، كشفت عنها الاجازة، و على ذلك فلا تأثير للاجازة في حصولها، بل لها تأثير في حصول العلم بها، و هذا الاحتمال باطل لظهور الأدلّة في تأثير الرضا في النقل و الانتقال لا في ظهورهما.

2- الكشف الحقيقي: بمعنى أنّ الاجازة في زمن صدورها تحدث ملكية للمشتري فيما سبق كما

أنّ عقد المالك يحدث له ملكية فيما يأتي، و لمّا كانت الملكية أمرا اعتباريا يصحّ جعلها و اعتبارها في السابق و اللاحق، و لا تتوقف صحّة الاعتبار على شي ء سوى ترتّب الأثر، و تصوّر استلزامه أن يكون شي ء واحد ملكا

المختار في أحكام الخيار، ص: 118

لشخصين في زمان واحد، مدفوع بأنّه لا مانع منه، لاختلاف زمان الاعتبار، و إن كان زمان المعتبر واحدا، و لا يضر ذلك إذا اختلف زمان الاعتبار، فلو باع الفضولي يوم السبت و أجاز المالك يوم الأحد فالمجيز كان مالكا في يوم السبت قبل صدور الاجازة، و بعد اجازته يتغيّر الاعتبار و يفرض كون المشتري مالكا فيه.

هذا غاية التوجيه للكشف الحقيقي بهذا المعنى، و قد كان سيدنا الأستاذ الحجّة الكوه كمري- قدّس اللّه سرّه- «1» يستقربه في تفسير الروايات الدالة على الكشف و لكنّه فرض بعيد عن الأذهان العرفية، فلا يصح تنزيل ما دلّ على الكشف على هذا الفرض.

فلمّا بطل الفرضان تعيّن الكشف الحكمي و هو ترتيب آثار الملكية للمشتري لا فرضه مالكا، و إنّما يكون مالكا من زمان صدور الاجازة، فيتعلّق خيار الحيوان بهذا الظرف، لما تضافرت الروايات على أنّ خيار الحيوان لصاحبه و هو ليس صاحبا إلّا من هذا الزمان.

أمّا بيع الحيوان سلفا، فلو قلنا بتعلّق خيار الحيوان بالكلي كتعلّقه بالجزئي، يكون مبدؤه هو العقد كسائر العقود، و لو قلنا بعدم تعلّقه بالكلّي، فلا مناص من تصويره فيما إذا كان الحيوان ثمنا كما إذا باع طعاما سلفا بحيوان نقدا، و قد عرفت أنّ الخيار لصاحب الحيوان من غير فرق بين كونه بائعا أو مشتريا، أضف إليه أنّه مشتر بعنوان آخر، فلا ينافي القول بثبوت الخيار هنا له، القول باختصاصه

بالمشتري كما مر.

______________________________

(1)- الفقيه الحفيظ و قد حضرنا بحثه أزيد من ثلاث سنوات، كان- قدّس سرّه- آية في الذكاء و الحفظ و التتبع. توفّي- رحمه اللّه- في جمادي الآخرة من شهور عام 1372 و دفن في مقبرته الواقعة في المدرسة الحجتية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 119

في دخول الليالي:

إنّ للأيام في القرآن و العرف اطلاقات نشير إليها:

1- قد تطلق الأيام و يراد منها الدورات التكوينية السائدة على الموجود، كما في قوله سبحانه: اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ (السجدة/ 4)، فلو قلنا: إنّ المراد مجموع السماوات و الأرض سواء كانت تحت المجرّة أم فوقها، و بعبارة أخرى: العوالم الكونية مطلقا، فلا مناص من تفسير الآية بالدورات التدريجية التي مضت عليها، و صارت سببا لاستكمالها من النقص إلى الكمال، نعم لو قلنا: إنّ المراد هو السماء المحسوس، فلا مانع من تصوير أيّام لها باعتبار أيام سائر المنظومات، و عندئذ يكون اليوم بمعناه اللغوي.

2- و قد تطلق الأيام و يراد منها الفصول الأربعة، قال سبحانه: وَ قَدَّرَ فِيهٰا أَقْوٰاتَهٰا فِي أَرْبَعَةِ أَيّٰامٍ سَوٰاءً لِلسّٰائِلِينَ (فصلت/ 10).

3- و قد تطلق الأيام و يراد منها ما يقابل الليالي. قال سبحانه: سَخَّرَهٰا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيٰالٍ وَ ثَمٰانِيَةَ أَيّٰامٍ حُسُوماً (الحاقة/ 7).

4- و قد تطلق الأيام و يراد منها بياض الأيام مع لياليها، قال سبحانه خطابا لزكريا: آيَتُكَ أَلّٰا تُكَلِّمَ النّٰاسَ ثَلٰاثَةَ أَيّٰامٍ إِلّٰا رَمْزاً (آل عمران/ 41)، فإنّ المراد امساك لسانه عن الكلام في الأيام و الليالي إلّا إيماء من غير آفة حدثت فيه.

و قال سبحانه حاكيا عن صالح: فَعَقَرُوهٰا فَقٰالَ تَمَتَّعُوا فِي دٰارِكُمْ ثَلٰاثَةَ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (هود/ 65).

و ليس ذلك الاستعمال بعزيز بل

ترى نظيره في الروايات مثل قوله: «أقلّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 120

الحيض ثلاثة أيام و أكثره عشرة أيام» «1» و قوله: «إذا دخلت بلدا و أنت تريد المقام عشرة أيام فأتم الصلاة» «2» و لا شكّ أنّ المراد هو الأيام مع لياليها.

و على ذلك فالظاهر أنّ المراد من الأيام في روايات الباب هي مع لياليها، و تؤيّد ذلك حكمة جعل الخيار فانّها لإمهال المشتري كما في صحيحة علي بن رئاب: «الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة» «3» أي مهلة حتى يختبر، و عند ذلك يكون المراد من قوله: «فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء» مضيّها بلياليها معا.

إذا عرفت ذلك فلنذكر أحكام الصور المتصوّرة موضوعا و حكما:

1- لا شك في دخول الليلتين المتوسّطتين، إذ لولاه يلزم انقطاع الخيار في الليالي و حدوثه في الأيام و هو كما ترى. إنّما الكلام في كيفية الدخول، فذهب الشيخ الأنصاري إلى أنّ دخولهما تبعيّ لحفظ الاستمرار، و على ما ذكرنا دخولهما حقيقي و موضوعي لأنّه أريد من الأيام- و لو مجازا- الأيام و لياليها و ذلك أمر متعارف، و هناك فرق بين قولنا للمشتري: الخيار من حين العقد إلى مضي ثلاثة أيّام، و قولنا: له الخيار ثلاثة أيّام، أو أنّ الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام، فيراد من التعبير الأوّل بياض يوم، و يكون دخول الليالي حكما و تبعا، بخلاف التعبير الثاني فانّه ظاهر في دخول الليالي في مفهوم الأيام و أنّ لها موضوعية كموضوعيتها.

2- لو عقد في أوّل النهار، فعلى ما ذكره الشيخ من أنّ دخول الليلتين

______________________________

(1)- لاحظ الوسائل: ج 2، الباب 10، من أبواب الحيض.

(2)- المصدر نفسه: الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 17.

(3)-

المصدر نفسه: ج 12، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 9.

المختار في أحكام الخيار، ص: 121

المتوسطتين دخول حكمي دخلتا لحفظ الاستمرار حتى ينقضي الخيار إلى آخر اليوم الثالث، لا تدخل الليلة الثالثة لعدم الحاجة إلى الاستمرار، و على ما اخترناه ينقضي بانتهاء الليلة الثالثة.

3- إذا عقد في أثناء الليل أو النهار، فالظاهر من الشيخ التلفيق بأي نحو اتّفق، بقي من اليوم شيئا يسيرا أو كثيرا، و مثله الليل، و ذلك هو الأقوى لأنّ المقياس هو مضي زمان يعادل ثلاثة أيام مع لياليها حتى يقف المشتري على معايب الحيوان، و هذا لا يتفاوت فيه كون مبدؤه أوّل النهار أو وسطه.

غير أنّ السيد الطباطبائي ذكر للمسألة صورا ثلاث، و قال: و لو كان في أثناء النهار فإن كان ما مضى منه قليلا، بحيث يصدق اليوم الكامل على بقيته فيحسب ذلك اليوم يوما واحدا، كما إذا كان في آخر النهار بحيث لم يبق منه إلّا يسير لا يعتنى به فيلغى بالمرّة، و لا بد من مضي ثلاثة أيام تامة غيره، و إن كان في الأثناء و لم يكن الماضي أو الباقي ملحقا بالعدم، فاللازم بمقتضى القاعدة الغاء ذلك اليوم، و مضي ثلاثة أيّام أخر، و ذلك لأنّ التلفيق من اليوم الرابع فرع إرادة مقدار بياض يوم، مع أنّ ظاهر اللفظ إرادة نفس اليوم لا مقداره «1».

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره بعيد من ذوقه و فقاهته، لأنّ المعاملات أمور عرفية و التروّي ثلاثة أيام إمهال للمشتري لينظر فيما اشترى، و القول بأنّ المراد هو اليوم الكامل لا مقداره، يناسب العبادات التي تطلب لنفسها الجمود لا المعاملات التي تطلب السهولة و اليسر.

4- لو عقد بعد مضي مقدار من الليل

فعلى ما ذكرنا لا ينقضي إلّا بعد مضي هذا المقدار من الليلة الرابعة، و قال الشيخ بانقضاء الخيار بانتهاء اليوم

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 18.

المختار في أحكام الخيار، ص: 122

الثالث، و احتمل بعضهم ورود النقص على اليوم الثالث بمقدار ما استغرق من الليلة الأولى و هو فاسد، لأنّه يستلزم إرادة مقدار اليوم من النصوص أي الساعات (36 ساعة مثلا) و عليه يكفي يوم و ليلتين أو يومان و ليلة واحدة و هو فاسد.

الموضع الثالث: في مسقطاته:

اشارة

يسقط خيار الحيوان كخيار المجلس بأمور نشير إليها:

1- اشتراط سقوطه في ضمن العقد

، أو في ضمن عقد سابق، أو عقد لاحق و تصوّر كونه اسقاطا لما لم يجب قد عرفت جوابه، و له اسقاط بعضه دون بعض، من غير فرق بين أن يكون الساقط أوّله أو وسطه أو آخره، و هو و إن كان حقّا واحدا، إلّا أنّه يتقسّط حسب الأيام بل الساعات، و ما أفاده المحقق الخراساني في تعليقته من الاشكال على اسقاط اليوم الثاني فقط من أنّ ثبوته بعد اسقاط اليوم الوسط، إمّا اعادة للمعدوم أو تحقّق بلا سبب «1»، غير تام، لأنّ اسقاطه لو كان في ضمن العقد يرجع معناه إلى تقليل مدّة الخيار من أوّل الأمر، و تخصيصه بالأوّل و الثالث، و هذا كما لو كان الخيار المجعول من جانب الشارع في الحيوان بهذا النحو.

و إن كان اسقاطه بعد العقد، لبعض الأجزاء فهو اسقاط لبعضه مع الصيانة على الباقي، فلا يلزم في الصورتين اعادة للمعدوم، أو تحقّق أمر بلا سبب، و هذا كما يجوز في المال أن يباع بعضه دون بعض فهكذا يجوز للحق اسقاط بعضه دون بعض.

______________________________

(1)- تعليقة المحقّق الخراساني على المتاجر و الخيارات/ 94- 95.

المختار في أحكام الخيار، ص: 123

2- اسقاطه بعد العقد

، بقوله: التزمت بالعقد.

3- سقوطه بكل فعل دال على التزامه بالعقد

«1»، و كراهته للفسخ و إن لم يستلزم تصرّفا في المبيع، كما لو اشترى جارية، و اشترى لها في أيام الخيار ما يناسبها من الألبسة و الأحذية و أدوات الزينة، أو عرضها للبيع من دون أن يتصرّف فيها و لكن عدّ العمل عرفا إنشاء فعليا للالتزام بالبيع و إسقاط للحق، إذ لا فرق فيه بين القول و الفعل، فالانشاء الفعلي كالانشاء القولي و قد ورد في خيار الشرط ما يشهد لذلك «2».

4- التصرّف

و كونه مسقطا في الجملة ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام في خصوصياته فقد اضطربت كلماتهم كاضطراب النصوص في نظرهم، و قد أنهى السيد الطباطبائي الأقوال في المسألة إلى سبعة من كون المسقط هو التصرّف بقصد الاسقاط، أو الكاشف عن الرضا بالالتزام كشفا طريقيا، أو كشفا موضوعيا «3»، أو مطلق التصرّف إلّا ما كان للاختبار، أو ما كان منقّصا للقيمة، أو يكون له أجرة، أو ما كان موجبا لتغيّر العين كأخذ حافر الدابة أو انعالها، أو التصرّف في البيع بما أنّه مملوك له «4».

و المهم دراسة الروايات و عرض الأقوال عليها. و الروايات على قسمين:

ألف: ما يتبادر في بادئ النظر أنّ التصرّف مسقط بلا قيد و شرط.

ب- ما يظهر منه كون المغيّر منه مسقطا.

______________________________

(1)- و قد سقط هذا القسم من المسقطات من قلم الشيخ الأعظم فاكتفى بالأقسام الثلاثة.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 12 من أبواب الخيار، الحديث 1.

(3)- تظهر الثمرة فيما لو علم عدم إرادة الالتزام فلا يسقط على الطريقية دون الموضوعية.

(4)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 21.

المختار في أحكام الخيار، ص: 124

أمّا الأوّل:

فتدل عليه: صحيحتا علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام، فذلك رضا منه فلا شرط. قيل له:

و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم «1» عليه قبل الشراء «2».

ابتدأ الإمام بخيار الحيوان، و جعل الموضوع لسقوط الخيار «احداث الحدث» من جانب المشتري لكنّه عند ما أراد التمثيل به، مثّل بالأحداث الواردة على الأمة، لا على الحيوان بالمعنى العرفي.

و عنه أيضا: سألت أبا عبد

اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟

فقال: الخيار لمن اشترى- إلى أن قال:- قلت له: أ رأيت إن قبّلها المشتري أو لامس؟ قال: فقال: إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط و لزمته «3».

و تختلف الرواية عمّا تقدّمها في أنّ السؤال من أوّل الأمر عن الجارية، و تشترك معها أنّه جعل اللمس و النظر مسقطين، و فهم العلماء منهما أنّ مطلق التصرّف هو المسقط سواء كان مغيّرا أم لا، منقّصا للقيمة أم لا، تصرّف بنيّة الاسقاط أم لا، كاشفا عن الالتزام أم لا.

و أمّا الثاني:

فعدّة روايات:

1- مكاتبة الصفّار قال: كتبت إلى أبي محمد- عليه السلام- في الرجل اشترى من

______________________________

(1)- خرج التصرّف حال السهو و الغافلة أو بقصد الاختبار.

(2)- الوسائل: ج 12 الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 3.

(3)- الوسائل: ج 12 الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 125

رجل دابّة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر، أو أنعلها، أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردّها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقّع- عليه السلام-: إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء اللّه «1».

و الموضوع لسقوط الخيار هو احداث الحدث، و لكن الراوي خصّه بالأمر الطارئ عليها من أخذ الحافر و انعالها، و لم ير ركوب فراسخ من مصاديقه، بشهادة أنّه عطف «ركب» على «أحدث» الحاكي عن المباينة و أقرّه الإمام عليه، بشهادة أنّه جعل الموضوع احداث الحدث، و قال: «إذا أحدث فيها حدثا ...»

و لم يذكر الركوب، و عليه، المسقط هو الطارئ

المغيّر لا مطلق التصرّف مثل الركوب عدّة فراسخ فضلا عن سقي الدابة و تعليفها، أو ركوب الدابة للاختبار، أو للذهاب إلى البيت القريب من محل الاشتراء.

2- خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثمّ ردّها؟ فقال: «إن كان في تلك الثلاثة أيام يشرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء» «2» و الرواية محمولة على الرد في الساعات الأخيرة للثلاثة الأيام بحيث يصدق عليه أنّه أمسكها ثلاثة أيام، كما يحمل ردّ الامداد، على الاستحباب لأنّ النماء للمشتري، التزم بالبيع أم لا.

وجه الاستدلال أنّه لو كان مطلق التصرّف مسقطا، لسقط الخيار لأنّ المفروض حلبها و شرب لبنها، فإذا لم يكن مثل ذلك مسقطا، فسقي الدابة

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 2.

(2)- المصدر نفسه: الباب 13، من أبواب الخيار الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 126

و تعليفها و استخدام الأمة لبعض الأمور، لا تكون مسقطة بطريق أولى.

3- ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الغنم المصراة و قال:

«من اشترى محفلة فليردّ معها صاعا، و سمّيت محفلة لأنّ اللبن جعل في ضرعها و اجتمع، و كل شي ء كثّرته قد حفلته» «1».

4- صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد، و يشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد و الدابّة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري» «2» فلو كان مطلق التصرّف مسقطا كالسقي و التعليف

و الحلب، أو الركوب لزم حمل تلك الروايات التي تجعل الضمان على عاتق البائع، على الصورة النادرة، إذ قلّما يتّفق أن تنفكّ الدابة عن هذه التصرّفات، بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المتيقّن من هذه الروايات، هو التصرّفات المغيّرة أو المنقّصة لا مطلقها، فلا يلزم المحذور لعدم ندرته.

الجمع بين الروايات:

و أمّا الجمع بين الطائفتين فالمهم هو تفسير ما هو الموضوع لثبوت الخيار، أعني: ما أحدث فيه حدثا فإنّه مفتاح الجمع فنقول:

إنّ المتبادر من هذه الكلمة هو التصرّفات المغيّرة، و ذلك، مضافا إلى دلالة مكاتبة الصفار على هذا المعنى، إنّه ورد ذلك العنوان في غير واحد من أبواب الفقه و أريد منها طروء التغيّر، و إليك البيان:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 13، من أبواب الخيار الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 127

1- ورودها في باب خيار العيب، روى زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- قال:

«أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه، و لم يبيّن له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا، ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» «1» فالموضوع كما ترى هو احداث الحدث و قد فسّر بعض الروايات بقطع الثوب أو خياطته أو صبغه «2».

2- قد فسّرت أحداث السنة في المبيع بالمغيّرات، روى أبو همام قال:

سمعت الرضا يقول: يرد المملوك في أحداث السنة من الجنون و الجذام و البرص ...

3- وردت هذه الكلمة، في إيجار ما استأجره بأنّه لا يجوز إلّا أن يحدث فيه حدثا، فعن سليمان بن خالد

عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «إنّي لأكره أن أستأجر الرحى وحدها ثمّ أؤجرها بأكثر ممّا استأجرتها إلّا أن أحدث فيها حدثا أو أغرم فيها غرما» «3». كل ذلك يعرب عن أنّ المراد من احداث الحدث، احداث عمل في المبيع على ما سبق.

إذا عرفت ذلك فنقول: إذا كان التصرّف المسقط منحصرا في المغيّر، يبقى هناك سؤال و هو أنّ الإمام عدّ لمس الأمة و تقبيلها أو النظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء من المسقطات، و من المعلوم أنّ هذه الأمور ليست تصرّفا مغيّرا.

و الجواب: أنّ ما جاء فيها مختص بباب خيار الحيوان، و لا يتعدّى عنه إلى غيره مثل خيار العيب، فلأجل ذلك جعلوا المسقط هناك الوطء، و تضافرت

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 2 و 3 و 4.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 2 و 3 و 4.

(3)- المصدر نفسه: ج 13 الباب 20 من أبواب الاجارة، الحديث 1، و لاحظ الباب 22 منها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 128

الروايات «1» في كونه مسقطا، و لو كان النظر و اللمس مسقطا، يلزم عدم استناد السقوط في مورد، إلى الوطء لكونه مسبوقا بهما.

أضف إلى ذلك ما رواه داود بن فرقد من جواز ردّ الأمة بعد ستّة أشهر إذا لم تحض «2»، و من البعيد أن لا يتصرّف فيها المشتري باللمس و النظر إلى ما يحرم عليه.

و الحاصل: أنّ الأمة مستثناة عن الضابطة الكلية في هذا الباب فالتلذّذ الجنسي منها مسقط للخيار فهو فيها قائم مقام التصرّف المغيّر في سائر أنواع الحيوان.

و الذي صار سببا لاضطراب كلمات الأصحاب، هو عدّ هذه الأمثلة الواردة

في مورد الأمة من مسقطات الخيار فيها، فاتّخذوها مقياسا لكل مورد، و حكموا بمسقطيّة كل التصرّفات إلّا ما يستثنى من الأمور الجزئية أو الاختبارية.

و أمّا إذا قلنا بأنّ هذه الأمثلة وردت في الأمة، و لها خصوصية بين سائر الحيوانات، فلا يصحّ لنا انتزاع ضابطة كلية في جميع أنواع الحيوان، فلمسها و تقبيلها أو النظر إلى ما يحرم، أقيم في الشرع مقام التصرّف المغيّر في غيرها لأنّها انسان لها قيمتها الخاصة، و هذه الأمور تنقص من قيمتها، أو مكانتها في الاجتماع، و بذلك تقدر على جمع الروايات و القضاء بين كلمات الأصحاب.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3، من أبواب أحكام العيوب.

(2)- المصدر نفسه: الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 129

عموميّة الحكم للجاهل و العالم:

ثمّ إنّه إذا كان التصرّف المغيّر مسقطا فهل هو مسقط مطلقا، سواء كان المتصرّف عالما بالموضوع (أن هذا الفرس مثلا هو المبيع الذي اشتراه أمس) أو جاهلا به و تصوّر أنّه هو ماله الذي تملّكه قبل شهور، و سواء كان عالما بالحكم و أنّه ذو خيار أو أنّ خياره يسقط بالتصرّف أم لا؟

أو أنّ المسقط هو التصرّف الصادر من الملتفت إلى الموضوع و الحكم، فلا يسقط إذا كان جاهلا بالموضوع أو الحكم، ظاهر الروايات هو الأوّل، و إنّ التصرّف و احداث الحدث كاف في ثبوت الخيار مطلقا، و لو خصصناه بالملتفت، يلزم حمل المطلقات على المواضع القليلة أو النادرة، فإنّ الجهل في الأحكام سائد على الناس خصوصا الجهل بخصوصيات المسقط.

و على ما اخترنا، يكون مطلق التصرّف المغيّر مسقطا و ينطبق المختار على القول السادس من الأقوال السبعة التي نقلها السيد الطباطبائي كما لا يخفى.

تفسير قوله: «فذلك رضا منه فلا شرط»:

قد ورد في صحيحة علي بن رئاب عند تحديد المسقط، قوله- عليه السلام-: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام، فذلك رضا منه، فلا شرط».

و هنا ثلاث جمل:

1- الجملة الشرطية: «فإن أحدث فيما اشترى حدثا».

2- الجملة الجزائية: «فذلك رضا منه».

3- الجملة التالية: «فلا شرط».

المختار في أحكام الخيار، ص: 130

و قد ذكر الشيخ الأعظم فيها وجوها أربعة، و إن كانت المحتملات فيها أزيد من أربعة، و قد نبّه عليها السيد الطباطبائي في تعليقته و نحن نذكر ما ذكره الشيخ بإيضاح:

1- إنّ قوله: «فذلك رضا منه» جملة إنشائية جزائية، بمعنى أنّ إحداث الحدث في الحيوان بمنزلة الرضا تعبّدا، سواء أ كان في الواقع التزام بالبيع أم لا، و ال (فاء) فيه فاء جزاء، و الجملة جزاء للشرط، و قد عطف

عليه قوله:

«فلا شرط» و المعنى: إن أحدث المشتري في الحيوان حدثا فهذا محكوم في الشرع بالالتزام بالبيع و بالرضا تعبّدا و لا خيار له عندئذ.

2- إنّ قوله: «فذلك رضا ...» جملة انشائية تعليلية و ال (فاء) المصدر بها فاء تعليل للجزاء الوارد بعده أعني «فلا شرط» جي ء به لبيان علّة الجزاء، و للتوطئة و التمهيد حتى يقع الجزاء موردا للقبول. و المعنى: إن أحدث المشتري في الحيوان حدثا- فلأجل أنّه رضا تعبّدي و محكوم في الشرع بالالتزام- فلا شرط و لا خيار.

و على هذين الاحتمالين يكون كل تصرّف مسقطا للخيار، لأنّ الشارع يتلقّاه من المشتري التزاما بالبيع و رضا منه به، سواء أ كان التصرّف كاشفا عن الرضا النوعي أو الفعلي أم لا.

و لا يخفى بعد الاحتمالين، لأنّ التعليلات الشرعية أو ما في منزلتها، تجب أن تكون أمورا حسّية يفهمها الناس، أو أمورا فطرية يدركها المكلّفون بفطرتهم و وجدانهم، حتى التعليل الوارد في الاستصحاب من قوله: في الصحيحة الأولى لزرارة «و لا ينقض اليقين بالشك أبدا ...» و عليه يجب أن يعلّل سقوط الخيار بالتصرّف بشي ء محسوس أو مفطور، و كون التصرّف رضا تعبّديا و إن لم يكن هناك رضا فعلي و لا نوعي، لا يصلح للتعليل إذ هو أشبه بتعليل أمر تعبّدي، بأمر مثله.

المختار في أحكام الخيار، ص: 131

3- أن تكون الجملة إخبارية من دون اعمال تعبد فيه و علّة للجزاء، أعني:

«فلا شرط» و المراد من الرضا هو الرضا النوعي، بمعنى أنّ التصرّف كاشف عن الرضا غالبا و نوعا، و في الوقت نفسه تعليل للجزاء الوارد بعده، أعني: «فلا شرط» و معنى الجملة أنّ التصرّف- بما أنّه يكشف عن الرضا غالبا و نوعا-

و إن لم يعلم الحال في المقام- يسقط خياره و لا شرط، و على ذلك يدور الحكم مدار ما يكشف عن الرضا غالبا، لا عن الرضا الشخصي الفعلي، و هو بما أنّه علّة للحكم يكون مخصّصا و معمّما.

أمّا الأوّل: فلو دلّت القرائن على أنّ التصرّف لأجل الاختبار أو صدر اشتباها بعين مملوكة، فلا يكون مسقطا لعدم دلالته مع القرينة- على الاختبار أو الاشتباه- على الرضا فتخرج عن الضابطة.

و أمّا الثاني: فكما أنّه لو صدر منه فعل- و إن لم يكن تصرّفا في المبيع- كاشف عن وجود الرضا غالبا يسقط خياره و إن لم يكن تصرّفا، كالتعريض للبيع أو اشتراء اللباس و الحذاء للأمة أو غير ذلك ممّا يدل نوعه على الرضا.

4- تلك الصورة بعامة خصوصياتها، و لكن المناط كشف التصرف عن الرضا الفعلي سواء كان مثله كاشفا عن الرضا نوعا و غالبا أم لا، فالمناط هو ظهور رضاه الفعلي.

و لمّا كان المسقط عند الشيخ مطلق التصرّف إلّا ما خرج من التصرّفات الجزئية، و قد فسر الحدث به، التجأ إلى هذه الاحتمالات، و بما أنّك عرفت أنّ المسقط هو التصرّف المغيّر، و أنّ احراز الرضا الشخصي أمر مشكل و صعب، فلا يكون مناطا للحكم، فيتعيّن المعنى الثالث فيكون كلّ تصرّف مغيّر، مسقطا من غير فرق بين كونه علّة أو حكمة للحكم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 132

أمّا الأولى: فلأنّ كلّ تصرّف مغيّر يكشف عن الرضا نوعا و لا يتخلّف عنه، فليست العلّة أوسع من المعلول، و لا بالعكس.

و أمّا إذا جعل حكمة فالأمر أوضح إذ لا يدور الحكم مدارها، بل الملاك هو التصرّف المغيّر و اطلاقه، كان هناك ما يكشف عن الرضا النوعي أم لا.

المختار في

أحكام الخيار، ص: 133

الفصل الرابع خيار الشرط

اشارة

دليله.

مبدأ خيار الشرط.

جعل الخيار للأجنبي.

اشتراط الاستيمار.

بيع الخيار، صوره و أحكامه:

أ- صور المسألة.

ب- نصوص المسألة و أدلتها.

ج- أقسام رد الثمن.

د- في كيفية الفسخ.

ه- مسقطات هذا الخيار.

و- سقوطه بالتصرّف.

ز- في نماء المبيع و حكم تلف العوضين.

ح- في الرد على المالك و وكيله و الولي.

ط- في أقسام رد الثمن و حكمها.

ي- في جواز اشتراط الفسخ للمشتري.

ك- في جريان شرط الخيار في العقود و الايقاعات.

المختار في أحكام الخيار، ص: 135

خيار الشرط «1»

[تعريف خيار الشرط]

و المراد منه: الخيار الثابت، بسبب اشتراطه في العقد، فإنّ الخيار تارة يكون أثر نفس العقد شرعا كخيار المجلس و الحيوان، و أخرى يفرض على العقد من جانب المتبايعين، أو أحدهما، كما هو الحال في خيار الشرط، و يكفي في صحّة ذلك اطباق العقلاء عليه في معاملاتهم مع عدم ردع من الشارع، و هذا كاف في اثبات الصحّة، قال الشيخ في عداد أقسام بيع الخيار «2»: الثالث: أن يشترطا في حال العقد مدّة معلومة، يكون لهما فيها الخيار ما شاءا من الزمان، ثلاثا أو شهرا أو أكثر، فإنّه ينعقد العقد، و يكون لهما الخيار في تلك المدّة، إلّا أن يوجباه بعد ذلك على أنفسهما.

و قال أبو حنيفة: لا تتجاوز المدة عن ثلاث، و عند مالك: ما تدعو الحاجة إليه ...... «3».

______________________________

(1)- و هو غير خيار تخلّف الشرط الذي لم يبحث عنه الشيخ الأعظم هنا و إن بحث عن الشروط و أحكامها بعد انهاء البحث عن أقسام الخيارات و استغنى به عن البحث هنا.

(2)- المراد منه كل بيع يثبت فيه الخيار فيعم خيار المجلس كما هو صريح كلامه.

(3)- الخلاف: 3/ 9 المسألة 7.

المختار في أحكام الخيار، ص: 136

و قال المحقّق: إنّ خيار الشرط بحسب ما يشترطانه

أو أحدهما، و قال في الجواهر في تفسيره: لا يتقدّر بمدّة مخصوصة خلافا للشافعي و أبي حنيفة.

فقد استدل عليه بالأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط إلّا ما خالف كتاب اللّه و سنّة رسوله «1»، كما استدل بالأخبار الخاصة الواردة في بعض أفراد المسألة:

1- روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: و إن كان بينهما شرط أياما معدودة، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع «2».

2- روى السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: أنّ أمير المؤمنين- عليه السلام- قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنّه قد رضيه فاستوجبه، ثمّ ليبعه إن شاء، فإن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه «3».

و في الرواية دلالة أيضا على ما مضى من أنّ كلّ فعل حاك عن الرضا و الالتزام بالبيع، مسقط للخيار و إن لم يكن تصرّفا في المبيع.

3- و تدل عليه الأخبار الواردة في فسخ البيع برد الثمن، و سيوافيك في محلّه.

كل ذلك يعرب عن أنّ جعل الخيار بالشرط مطابق للقاعدة.

______________________________

(1)- لاحظ: الوسائل: ج 12 الباب 6، من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5.

(2)- المصدر نفسه: الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 2، و أورده أيضا في الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 2 و قد جاء في صدره خيار الحيوان.

(3)- المصدر نفسه: الباب 12 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 137

ثمّ إنّ صاحب المستند زعم أنّه مخالف للكتاب و السنّة، أمّا الكتاب، فقوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ الخيار بمعنى عدم وجوب

الوفاء في المدّة المضروبة، يضاد مفاد الآية. و أمّا السنّة فقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «فإذا افترقا وجب البيع» فإنّ جعل الخيار بمعنى عدم لزومه بعد الافتراق ما دامت المدّة غير منقضية، و أين هو من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «فإذا افترقا وجب البيع» ثمّ إنّه التجأ في التصحيح إلى الطائفة الثانية من الروايات و جعلها مخصّصة للطائفة الأولى «1».

يلاحظ عليه: أنّ معنى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ: أوفوا بالعقد الذي عقدتم و بالانشاء الذي أنشأتم، فإن كان لازما فلازم، و إن كان جائزا فجائز، فلا يستفاد منه شي ء فوق ما تراضى عليه المتعاقدان، فإذا تراضيا على البيع مع الخيار عشرة أيام، وجب الوفاء بهذا المنشأ على ما هو عليه. و أمّا النبوي فمعناه: أنّ الافتراق بما هو هو ملزم، و لكنّه لا ينافي أن يكون هناك طارئ آخر موجب لكون البيع جائزا كخياري العيب و الغبن، خصوصا على القول بكون مبدأ الخيار في العيب هو العقد.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 137

و أعجب منه أنّه لمّا وقف على أنّ خيار الشرط نافذ بالاتّفاق. ذهب إلى كون أدلّته مخصّصة لما دلّ على عدم جواز مخالف الكتاب و السنّة.

وجه العجب، أنّ عموم ما دلّ على عدم نفوذ الشرط المخالف آب عن التخصيص. إذ كيف يمكن تسويغ ما خالف الكتاب و السنّة و اضفاء المشروعية عليه، فلا مناص عن جعل بيع الخيار خارجا عن الآية بالتخصّص على ما عرفت.

______________________________

(1)- المستند: ج 1/ 28.

المختار في أحكام الخيار، ص: 138

لا فرق بين المدّة المتّصلة أو المنفصلة عن العقد:

لا فرق بين

كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا عنه، لاطلاق أدلّة الشرط. و صيرورة العقد بعد لزومه جائزا لا يكون مانعا من صحّة الاشتراط بعد اطلاق الأدلّة، و ليس هو في حد نفسه محذورا بعد وجوده في الخيارات كخيار التأخير، و قد تقدم أنّ الخيار و إن كان أمرا واحدا لكنّه قابل للتقطيع حسب الأزمنة، و يكفي اثباته في جزء من الزمان دون جزء.

لزوم كون المدّة مضبوطة:

قال المحقق: يجب أن يكون (ما يشترطانه من مدّة الخيار) مدّة مضبوطة و لا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة و النقصان، كقدوم الحاج، و مثله أوان الحصاد و الدياس.

و يمكن الاستدلال عليه بوجهين:

1- دلّ الدليل على اعتبار العلم بالعوضين في البيع، فيكون الجهل بهما أو بأحدهما و إن كان طفيفا، مانعا عن الصحّة، و الشرط مطلقا راجع إلى أحد العوضين، فالجهل به جهل بهما، فيبطل، لاشتراط العلم، و هذا الدليل أحسن ممّا سيوافيك من الدليل الثاني، لأنّ السابر في الروايات و فتاوى القوم يقف على أنّ الجهل بهما غير مغتفر إلّا إذا كان على وجه لا يعبأ به عرفا، و لا يتلقّاه العرف جهلا، و إن كان يعدّ جهلا بهما عقلا.

2- صيرورة المعاملة بذلك غررية، كما أفاده الشيخ و اعتمد عليه دون

المختار في أحكام الخيار، ص: 139

الدليل الأوّل معلّلا بأنّ الشرط قيد للمعاملة و بمنزلة الجزء من أحد العوضين، فتصير المعاملة غررية يشملها نهي النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر «1».

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال بالنبوي يتوقّف على فهم معنى الغرر في اللغة، و المتحصّل من المعاجم أنّه يستعمل تارة في معنى الخطر، و أخرى في معنى الخدعة، و إليك نصوصهم:

1- قال الخليل في

كتاب «العين»: الغرّ: الذي لم يجرّب الأمور مع حداثة السن، و المؤمن غرّ كريم، و الغرر كالخطر، و غرّر بما له أي حمله على الخطر «2».

و قال الجوهري: نهى رسول اللّه عن بيع الغرر، و فسّر بما يكون له ظاهر يغرّ المشتري، و باطن مجهول مثل بيع السمك بالماء، و الطير في الهواء، و قريب منه في مجمع البحرين للطريحي.

و قال ابن منظور: الغرر: الخطر، و نهى رسول اللّه عن بيع الغرر، و مثّل له بالبيع في الماء، و بيع الغرر المنهى عنه، ما كان له ظاهر يغرّ المشتري و باطن مجهول. يقال: إياك و بيع الغرر. و يدخل في بيع الغرر البيوع المجهولة التي لا يحيط بكنهها المتبايعان، حتى تكون معلومة.

هذه كلمات أئمّة اللغة و هي تعرب عن أنّه لا يتجاوز عن معنيين، بل معنى واحد بارجاع أحدهما إلى الآخر و هما عبارتان عن الخطر و الخدعة، و لعلّ معناه هو الثاني، و الخطر ملازم للخدعة.

______________________________

(1)- الوسائل: 13/ 330 الباب 40، من أبواب آداب التجارة، الحديث 3: نهى رسول اللّه عن بيع المضطرّ و عن بيع الغرر.

(2)- العين: ج 4 ص 346.

المختار في أحكام الخيار، ص: 140

و على كل تقدير فالبيع المنهى عنه إمّا هو البيع الذي كان هناك فيه تغرير من أحد المتبايعين على الآخر، أو البيع المخطور الذي لا يعلم كنهه و لا يقدم عليه العاقل و قد عرفت مثاله، أعني: بيع السمك و الطير بالماء و الهواء.

و على ضوء هذا: إذا كان هناك خيار غير منضبط على وجه الدقة كالخيار إلى قدوم الحاج أو إلى الحصاد و الدياس، لا يصدق عليه بيع الغرر بمعنى البيع الذي فيه اغترار، كما هو

المفروض، و لا الخطر، إذ ليس فيه خطر لأنّ الجهل بمقدار الخيار و أنّه هل هو شهر أو أزيد منه بعشرة أيام، لا يعدّ ركوبا للأمر المخطور، و البيع الخطري إنّما يصدق على البيع المحاباتي كما إذا اشترى صبرة من الحنطة و هي مردّدة بين كونه ألف كيلوغرام أو ألفين، و أمّا الآجال المردّدة بين شهر أو أربعين يوما فلا يدخل في البيع المخطور غالبا، و كونه كذلك نادرا لا يكون دليلا على الغالب.

و يؤيّد ذلك ما رواه الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن النبي الأكرم: أنّه نهى عن المجر و هو أن يباع البعير أو غيره ممّا «بما» في بطن الناقة، و نهى عن الملاقيح و المضامين، فالملاقيح: ما في البطون و هي الأجنّة، و المضامين: ما في أصلاب الفحول. و كانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة و ما يضرب الفحل في عامه و في أعوام، و نهى عن بيع حبل الحبلة، و معناه: ولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة أو هو نتاج النتاج، و ذلك غرر «1».

و بذلك يعلم أنّ الاستدلال ببيع الغرر في كلمات القوم، في كثير من الموارد في غير محلّه، لأنّهم ربّما يستدلّون به في نفي البيع الضرري أو في البيع المجهول على

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 10 من أبواب عقد البيع، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 141

وجه الاطلاق مع أنّهما ليسا بمتلازمين للخطر على وجه الاطلاق، فلا بدّ في الاستدلال من احراز أحد الأمرين، وجود اغترار أو صدق الخطر عند العرف.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر استدلّ على بطلان البيع في المقام بقوله «قولا واحدا للغرر حتى في الثمن لأنّ له قسطا منه فيدخل فيما نهى النبي

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاشتراطه مخالف للسنّة، و ما دلّ على وجوب اتباعها من الكتاب» «1».

و أورد عليه الشيخ الأعظم: بأنّ كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنّة، غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنّة، ففي الثاني يفسد الشرط، و يتبعه البيع، و في الأوّل يفسد البيع فيلغو الشرط، اللّهمّ إلّا أن يراد أنّ نفس الالتزام بخيار في مدّة مجهولة غرر، و إن لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر، فيكون مخالفا للكتاب و السنّة. لكن لا يخفى سراية الغرر إلى البيع، فيكون الاستناد في فساده إلى فساد شرطه المخالف للكتاب، كالأكل من القفا «2».

توضيحه: أنّه إن أراد أنّ اشتراط هذا الخيار، المجهولة مدّته، سبب الغرر في نفس البيع «3» حيث إنّ له قسطا من الثمن، و جهالة المدّة موجب لجهالة الثمن فيشمله قوله: «نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر» فلا يصحّ أن يفرع عليه قوله:

فاشتراطه مخالف للسنّة و ما دلّ على اتباعها من الكتاب «4» فإنّ ظاهره أنّ نفس الاشتراط غرري، فهو خلط بين كون البيع بواسطة الشرط غرريّا و نفس الاشتراط غرريّا، فهو جمع بينهما في كلامه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: ج 23 ص 32.

(2)- المتاجر: ص 228.

(3)- يؤيده قوله: «للغرر حتى في الثمن ...».

(4)- يريد و قوله سبحانه: مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر/ 7).

المختار في أحكام الخيار، ص: 142

و إن أراد أنّ نفس الشرط غرريّ لأجل الجهالة في مدّته، فيدخل ذاك الشرط الغرري تحت قوله: «نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الغرر» الذي رواه البيهقي في سننه «1» ففيه مضافا إلى أنّه مناف

لقوله «حتى في الثمن لأنّ له قسطا» يرد عليه أنّ العدول عن الاستدلال على فساد البيع بكونه غرريا، إلى الاستدلال على فساده لأجل كون ذاك الشرط غرريا فيه- مع عدم الحاجة إلى الواسطة- كالأكل من القفاء.

هذا توضيح مراد الشيخ الأعظم و لا يخفى قصور عبارته، و لكن الظاهر أنّ الاشكال غير متوجّه عليه لأنّ الظاهر أنّ مراده هو القسم الأوّل بشهادة قوله للغرر حتى في الثمن. و الاعتماد على كون الشرط مخالفا للسنّة، ليس بلحاظ نفسه حتى يرجع إلى القسم الثاني بل لأجل كونه سببا لسريان الغرر إلى الثمن و بالتالي إلى نفس البيع فيكون نفس البيع غرريا.

أقسام المدة المجهولة:

لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدّة المجهولة كقدوم الحاج، و عدم ذكر المدة أصلا، كأن يقول: بعتك على أن يكون لي الخيار، و بين ذكر المطلقة كأن يقول:

بعتك على أن يكون لي الخيار مدّة، لاستواء الكل في الجهل على ما قلناه أو لاستواء الكل في الغرر على مذهب الشيخ الأنصاري.

هذا هو مقتضى القاعدة. إنّما الكلام فيما ذكره الشيخ في الخلاف.

قال الشيخ: من ابتاع شيئا بشرط الخيار و لم يسمّ وقتا و لا أجلا بل أطلقه، كان له الخيار ثلاثة أيام و لا خيار له بعد ذلك- إلى أن قال-: دليلنا اجماع الفرقة

______________________________

(1)- سنن البيهقي: ج 5/ 338.

المختار في أحكام الخيار، ص: 143

و أخبارهم «1».

و ظاهره وجود أخبار في المسألة مع أنّه لم توجد أخبار بهذا المضمون في رواياتنا.

و لأجل ذلك أوّله العلّامة بإرادة خيار الحيوان، و يحتمل أنّ الشيخ استند إلى روايات تأخير الثمن، إلى غير ذلك من المحتملات، و على كلّ تقدير فمقتضى الضابطة هو البطلان.

و ربّما يحتمل بطلان الشرط دون العقد

مستندا إلى أنّ الشرط الفاسد غير مفسد للعقد و هو غير تام، لأنّ البحث عن افساد الشرط الفاسد و عدمه، بحث حيثي، يتمحّض في كون الشرط الفاسد بما هو هو- مع قطع النظر عن العناوين الآخر، هل هو مفسد أو لا؟ كما إذا جعل أمر الطلاق بيد المرأة و قد افترق فيها العلماء فرقتين، و هذا لا ينافي القول بالافساد إذا طرأ عليه عنوان آخر كالجهل بالعوضين فإنّه مفسد مطلقا، و مثله ما إذا كان ملازما لطروء التناقض على مفاد العقد، كالشرط المخالف لمقتضى العقد فهو مفسد قطعا، كما إذا باع و شرط أن لا ينتفع بالمبيع، و على الجملة فالبحث في الافساد و عدمه يتمحّض في نفس هذا الموضوع لا ما إذا استلزم فسادا آخر كالجهل بالعوضين، أو طروء التناقض في الانشاء فهو مبطل قطعا.

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3 ص 20، كتاب البيوع، المسألة 25. و قد ذكر شيخنا المعلق، روايات زعم أنّها مصادر لفتوى الشيخ و الكل أجنبيّ عنها، فهي راجعة إمّا إلى خيار التأخير، أو إلى خيار الحيوان.

المختار في أحكام الخيار، ص: 144

مبدأ خيار الشرط:

مبدأ خيار الشرط هل هو حين العقد، أو حين التفرّق؟ و قد مضى نظير هذا البحث في خيار الحيوان لكن خيار الحيوان لما كان بجعل الشارع، يجب أن يتّبع في تعيين المبدأ لسان الدليل، و أمّا خيار الشرط فهو بجعل المتعاقدين، فيجب أن يتّبع ما هو المتبادر من ظاهر كلامهما.

ذهب الشيخ الطوسي إلى أنّ كون المبدأ هو تفرّق الأبدان و قال:

«مدّة خيار الشرط من حين التفرّق بالأبدان لا من حين حصول العقد، و للشافعي فيه وجهان: أحدهما: مثل ما قلناه، و الثاني: أنّه من حين العقد. ثم استدلّ: بأنّ

الخيار يثبت بعد ثبوت العقد، و العقد لا يثبت إلّا بعد التفرّق، فوجب أن يكون الخيار ثابتا من ذلك الوقت «1» و إلى هذا الوجه يشير الحلّي في سرائره بقوله: إنّ المتبادر من جعل الخيار، جعله في زمان لو لا الخيار لزم العقد «2».

ما ذا يريد من قوله «ثبوت العقد» فإن أراد حصول الملكية للمشتري، فهي حاصلة قبل التفرّق و إن أراد كون العقد لازما غير متزلزل، فلازمه عدم جواز اجتماع خيارين في زمان واحد، مع أنّه ممكن و واقع، من غير فرق بين كونهما شرعيين أو جعليين، أو مختلفين. و من أوضح مصاديق الجمع، اجتماع خياري العيب و الغبن.

و اختار الشيخ الأعظم أنّ المبدأ هو حين العقد، مستدلا بأنّه المتبادر من

______________________________

(1)- الخلاف ج 3 ص 33 المسألة 44 من كتاب البيوع.

(2)- السرائر: 1/ 247 و الموجود في المتن منقول بالمعنى.

المختار في أحكام الخيار، ص: 145

الاطلاق أوّلا، و أنّه لو كان المبدأ حين التفرّق بطل لأدائه إلى جهالة مدّة الخيار ثانيا.

يلاحظ على الوجه الأوّل: أنّه إنّما يتم إذا كان الخيار المجعول أطول من الخيار الموجود كما إذا اشترط في بيع الحيوان أن يكون له خيار عشرة أيام، و الغرض من الاشتراط جعل مدة التروّي أكثر. و أمّا إذا كان المجعول مساويا مع الموجود أو أقلّ منه، فالمتبادر منه أو منصرفه، كونه ذا خيار عند انقضاء الخيار الموجود، صيانة لفعله عن اللغوية، و لعل ما نقلناه عن الحلّي، ناظر إلى هذه الصورة لا فيما إذا كان زمان الخيار المشروط أطول من الأوّل، كما عرفت.

كما أنّه يلاحظ على الوجه الثاني: بأنّه إنّما يلزم إذا لم يكن زمان الخيار، محدّدا بالأيام كما إذا قال: بعتك بشرط

أن يكون لي الخيار من حين التفرّق إلى يوم الجمعة، فحيث إنّ زمان التفرّق غير معلوم تكون مدّة الخيار مجهولة، و أمّا إذا قال: بعتك بشرط أن يكون لي الخيار من حين التفرّق إلى ثلاثة أيام، فالمجهول عندئذ، إنّما هو وقت الخيار لا مدّته و مقداره.

و على كل تقدير، فالمتّبع ظاهر كلام المتعاقدين إذا لم يمنع عن أخذه مانع.

جعل الخيار للأجنبي:

و من أقسام هذا الخيار جعل الخيار لغير المتعاقدين، كما لو باع المتاع و شرط الخيار لفرد آخر، قال الشيخ في الخلاف: «إذا باع عينا بشرط الخيار لأجنبي صحّ ذلك» و قال محمد في الجامع الصغير: قال أبو حنيفة: «لو قال: بعتك على أنّ الخيار لفلان، كان الخيار له و لفلان». و قال أبو العباس: جملة الفقه في هذا أنّه إذا باعه و شرط الخيار لفلان، نظرت فإن جعل فلانا وكيلا له في الامضاء و الردّ صحّ قولا

المختار في أحكام الخيار، ص: 146

واحدا. و إن أطلق الخيار لفلان أو قال: لفلان دوني، فعلى قولين: أحدهما يصحّ على ما شرط، و الثاني لا يصحّ و هو اختيار المزني، ثمّ استدلّ الشيخ على ما اختاره بالعمومات الدالّة على أنّ المؤمنين عند شروطهم و أنّ كل شرط لا يخالف الكتاب و السنّة فإنّه جائز «1».

و هذه الأقوال تعرب عن أنّ موضوع المسألة لم يكن مشخّصا فإنّ الظاهر أنّ جعل الخيار للأجنبي نحو جعله لنفسه أو لصاحبه لا وكيلا عن نفسه، و عند ذلك يسقط ما ذكره محمد الشيباني في الجامع الصغير من أنّه لو قال: بعتك على أنّ الخيار لفلان، كان الخيار له و لفلان «لأنّه مبنيّ على كون الأجنبي وكيلا، و لا معنى لوكالة الأجنبي بدون

ثبوت الخيار للموكل».

فلأجل ذلك حمل العبارة الظاهرة في انحصار الخيار في الأجنبي، على ثبوته للمالك و الأجنبي، و قال: إنّه يثبت لكليهما أخذا بمفاد الوكالة، كما يسقط الشق الأوّل من كلام أبي العباس من حديث الوكالة، فالكلام مركّز على جعل الخيار للأجنبي فقط، فهل يصحّ كما اختاره الشيخ أو لا يصحّ كما هو اختيار المزني؟

فالحق هو الصحة لعموم الأدلة و ضعف ما يتوهّم كونه مخالفا للكتاب و السنّة لأنّ ما يتوهّم عبارة عمّا يلي:

انّ الخيار سواء تعلّق بالعين الذي يعبّر عنه بالترادّ، أو بالعقد المعبّر عنه ب «حق فسخ العقد» عبارة عن الرد في ملك الفاسخ بالفسخ أو بالتراد، فالفاسخ إمّا أن يكون مالكا أو نائبا عنه و هذا الشرط مفقود في المقام.

يلاحظ عليه: أنّه لا دليل على اختصاص الفسخ بأحد المتعاقدين، بل

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3 ص 35- كتاب البيوع، المسألة 48.

المختار في أحكام الخيار، ص: 147

الملاك أن يكون للفاسخ حق في العقد، كما في المقام، أو في العين، كما في المرتهن بالنسبة إلى العين المرهونة إذا باعها الراهن، و نظيره إرث الزوجة للخيار مع عدم ارثها من العين، فيما إذا باع الزوج داره مع الخيار و مات في أثناء المدّة فالزوجة ترث الخيار، و تفسخ و إن لم يكن الرد في ملك الفاسخ.

ثمّ إنّه هل يسقط خيار الأجنبي باسقاط الشارط أو لا؟ الظاهر لا، لما عرفت من أنّه ليس من باب الوكالة بل اثبات حق بعقد لازم للأجنبي، فلا يسقط إلّا باسقاطه، و كون خيار الأجنبي حقّا للمشروط له (ممنوع) و إنّما هو لصالح المشروط له و هو غرض و حكمة للجعل و ليس محدّدا لاطلاق الخيار، فله الأخذ بالخيار من دون

مراعاة مصلحة الشارط.

ثمّ إنّه لو جعل الخيار لمتعدّد، فإن كان المجعول خيارا واحدا لأشخاص متعدّدين، فلا اشكال في عدم نفوذ الفسخ و الامضاء إلّا مع اجتماعهم عليه.

و أمّا لو جعل الخيار لكل واحد مستقلّا، فلكلّ حق الفسخ، و لو فسخ واحد منهم انفسخ. إنّما الكلام إذا أمضى واحد منهم، فهل يبقى مجال لفسخ الآخر أو لا؟ قال الشيخ: يقدّم الفاسخ لأنّ مرجع الاجازة إلى اسقاط خيار المجيز خاصة.

و لكنّه مبنيّ على تفسير الخيار الثابت لكلّ واحد، بملك فسخ العقد فقط، و أمّا لو قلنا بأنّ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد و ابرامه، فلا وجه لتقديم الفاسخ على المجيز إذا تقدّمت الاجازة، لأنّه باجازته قد أبرم العقد، و أحكمه، فخرج عن كونه في معرض التزلزل، نعم لو تقارن الفسخ و الابرام لم يؤثّر شي ء منهما، أو قلنا بأنّ الخيار عبارة عن ملك الفسخ يصحّ ما ذكره الشيخ كما لا يخفى.

المختار في أحكام الخيار، ص: 148

اشتراط الاستيمار:

الاستيمار مصدر باب الاستفعال من «أمر» بمعنى الاستشارة، و ربّما يطلق عليه المؤامرة و يراد منها المشاورة خلافا لما هو الرائج اليوم في استعمالها فإنّها تطلق على المواطاة و مثله الائتمار. قال سبحانه: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ (القصص/ 20). قال في مجمع البيان: الائتمار التشاور و الارتياد، يقال: ائتمر القوم و ارتأوا بمعناه. قال النمر بن تولب:

أرى الناس قد أحدثوا شيمة و في كلّ حادثة يؤتمر

و قال سبحانه: وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (الطلاق/ 6) أي و تشاوروا بينكم.

و أمّا تفسير الاستيمار بمعنى طلب الأمر و البعث، فغير صحيح في المقام، و على كلّ تقدير فقد يشترط البائع على المشتري أو بالعكس، أن

يستشير الأجنبي في أمر العقد، فلا يصدر إلّا عن رأيه في مجالي التنفيذ و الردّ، و هو يتصوّر على وجهين:

1- إذا ورد الشرط على الخيار الثابت بجعل الشارع كخياري المجلس و الحيوان، أو بجعل المتعاقدين كما في المقام، و كان معناه أنّ صاحب الخيار لا يصدر في الأخذ بالخيار، و اعماله إلّا عن رأي المشير، و بما أنّ هذا الشرط غير مخالف للكتاب و السنّة يرجع النزاع فيه إلى أنّ الاشتراط هل يسلب عنه حقّ التنفيذ أو الرد قبل الاستيمار أو لا؟ و على فرض الاستيمار هل تجوز له المخالفة أو لا؟

2- إذا علّق نفس الخيار على الاستيمار بمعنى أنّه لا يثبت له الخيار إلّا بعد

المختار في أحكام الخيار، ص: 149

الاستشارة، و صدور الاشارة منه إلى واحد من الردّ و التنفيذ، و هذا لا يتمّ في خياري المجلس و الحيوان، لأنّهما مجعولان بجعل الشارع، شرطا أم لم يشترطا، و تعليق حدوثهما على الاستيمار يخالف السنّة فلا مناص عن تخصيصه بغيرهما.

و الظاهر أنّ مورد البحث هو الصورة الأولى. قال الشيخ في الخلاف:

«إذا باعه بشرط أن يستأمر فلانا، فليس له الردّ حتى يستأمره» و للشافعي فيه وجهان: أحدهما هو ظاهر المذهب مثل ما قلناه، و الثاني: له الردّ من غير استيمار، دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى لأنّ الأخبار على عمومها «1».

و قال العلّامة في التحرير بجواز الردّ قبل الاستيمار مستدلّا بأنّه ذكره احتياطا «2».

وجه الاستظهار أنّ الحكم بجواز الردّ قبل الاستيمار من العلّامة، لا يتم إلّا بعد أن يكون الخيار مفروغا عنه و إلّا فلو كان أصل الخيار مشروطا به، لا يصحّ لأيّ فقيه أن يحتمل جواز الردّ، إذ لا مشروط (الخيار) قبل شرطه

حتى ينازع في جواز الانتفاع به.

إذا عرفت ذلك فنقول: أمّا القسم الأوّل فله أقسام:

ألف- هل يجوز له التنفيد أو الردّ قبل الاستيمار، و المراد من الجواز هو الجواز الوضعي بمعنى نفوذهما، لا الحكم التكليفي إذ هو معلوم لا يحتاج إلى بيان.

فالظاهر نفوذهما، لأنّه ذو خيار، و قد انتفع بخياره، و المفروض أنّ الاستيمار ليس شرط الخيار غاية الأمر أنّه تخلّف عن الشرط الذي التزم به حيث التزم على نفسه أنّه لا ينتفع منه إلّا بعد الاستشارة فلم يعمل بشرطه، فللطرف الآخر خيار تخلّف الشرط إذا نفّذ العقد، لا ما إذا فسخه، لبقاء الموضوع في الأوّل دون الثاني، إذ يصحّ

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3 ص 37 المسألة 50.

(2)- التحرير: 166.

المختار في أحكام الخيار، ص: 150

للمشروط له الفسخ بعد تنفيذه بحجّة أنّه تخلّف عن الشرط، و لا يصحّ له التنفيذ إذا فسخ، لارتفاع الموضوع. اللّهمّ إلّا أن يقال بعدم العبرة بتنفيده و فسخه بعد اشتراطهما بالاستيمار.

ب- إذا استأمره و صدر عن رأيه تنفيذا و فسخا فلا اشكال في الصحّة.

ج- إذا استشار و أمره بالتنفيذ، فخالف ففسخ، يكون الفسخ نافذا، غاية الأمر تخلّف عن شرطه. و ما في الجواهر «من لزوم العقد بامضاء المستأمر و سكوته إذا كان المراد منها اشتراط الخيار له بأمره لانتفاء المشروط حينئذ بانتفاء شرطه» «1»، فإنّما يناسب الصورة الثانية لا الأولى، إذ الخيار فيها مشروط دون الأولى، و في كلامه خلط بين الصورتين كغيره و لا يمكن جبره عندئذ بشي ء إلّا بالتصالح، و تنازل المشروط عليه عن حقّه في مقابل شي ء و إلّا فلا معنى لتنفيذ العقد بعد الفسخ بحجّة أنّ له خيار تخلّف الشرط.

و ما ذكره الشيخ في هذه الصورة بقوله:

«فإن أمره بالاجازة لم يكن له الفسخ قطعا، إذا الغرض من الشرط ليس مجرّد الاستيمار، بل الالتزام بأمره» صحيح إن أراد منه الجواز التكليفي و أمّا إن أراد منه الجواز الوضعي فغير صحيح، لأنّ له حقّ الخيار على وجه الاطلاق و قد انتفع بحقّه على خلاف شرطه، فهو عاص في عمله و إن كان فسخه نافذا. إلّا أن يقال بعدم العبرة بفسخه، لكونه محددا بصدوره عن رأي الغير.

د- إذا استشار فأمره بالفسخ يجب عليه العمل بقول المشير، فلو امتنع فللمشروط له خيار تخلّف الشرط، فيجوز له الفسخ بحجّة التخلّف.

ثمّ إنّ الشيخ قد اختار في المقام (بخلاف صورة الأمر بالاجازة) «أنّه لا يجب عليه الفسخ تبعا (لصاحب الجواهر) «2» بل غاية الأمر أنّه يملك الفسخ

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 35 قال: أمّا لو أمر بالفسخ فلا يتعيّن عليه امتثال أمره به قطعا كغيره.

(2)- الجواهر: 23/ 35 قال: أمّا لو أمر بالفسخ فلا يتعيّن عليه امتثال أمره به قطعا كغيره.

المختار في أحكام الخيار، ص: 151

حينئذ، إذ لا معنى لوجوب الفسخ عليه، أمّا مع عدم رضا الآخر بالفسخ فواضح، إذ المفروض أنّ الثالث لا سلطنة له على الفسخ، و المتعاقدان لا يريدانه، و أمّا مع طلب الآخر للفسخ فلأنّ وجوب الفسخ حينئذ على المستأمر (بالكسر) راجع إلى حقّ لصاحبه عليه، فإن اقتضى اشتراط الاستيمار ذلك الحق على صاحبه عرفا، فمعناه سلطنة صاحبه على الفسخ، فيرجع اشتراط الاستيمار إلى شرط لكل منهما على صاحبه» «1».

و لا يخفى عدم صحّة التفريق بين صورتي الاجازة و الفسخ، فلو وجب الامتثال في الأولى وجب في الثانية، و ليس معنى الاستشارة في المقام مجرّد ملك الفسخ، بل ما ذكره في صورة الاجازة من

الالتزام بأمره، فلذا يجب عليه الفسخ إذا أمر به.

و أمّا ذكره في آخر كلامه من أنّ وجوب الفسخ عليه يرجع إلى شرط لكلّ منهما على صاحبه فغير تام، بل الشرط هنا لواحد منهما على الآخر، غير أنّ المشروط عليه لما لم يقم بواجبه (الفسخ بعد الاستشارة) كان للمشروط له فسخ العقد بحجّة التخلّف عن الشرط.

هذا كلّه في الصورة الأولى، و أمّا الصورة الثانية فحكم الموارد واحد، إلّا المورد الأوّل فليس له التنفيذ أو الردّ قبل الاستيمار، لأنّ المفروض عدم ثبوت الخيار له إلّا بعد الاستيمار فكيف ينتفع بخيار لا وجود له، و أمّا بقية الموارد فالحكم فيها واحد.

نعم ربّما يقال: إنّ صحّة الصورة الثانية بعامة شقوقها مبنيّة على صحة التعليق في الانشاء أي تعليق الخيار على الاستشارة، و التعليق في الانشاء باطل

______________________________

(1)- المتاجر، قسم الخيارات: ص 229 طبعة تبريز.

المختار في أحكام الخيار، ص: 152

فيجب أن يكون منجزا كالصورة الأولى.

و الظاهر أنّ المقام من قبيل التعليق في المنشأ، و لا دليل على البطلان فيه سوى الاجماع، و يمكن أن يكون دليل المجمعين في استنادهم في البطلان إلى الدليل العقلي المتوهّم في المقام، فالحقّ صحّة هذه التعليقات إلّا ما قام الدليل على بطلانه نقلا كالطلاق.

بيع الخيار:

اشارة

من أفراد خيار الشرط، الخيار الذي يضاف إليه البيع، و يقال له «بيع الخيار» أي البيع الذي فيه الخيار، و المقصود منه في مصطلح الإمامية أن يشترط البائع على المشتري أنّ له استرجاع المبيع بردّ الثمن في مدّة مضبوطة. و مورد النصوص هو اشتراط البائع، و لو كانت المسألة موافقة للقاعدة يصحّ العكس أيضا، أي اشتراط المشتري استرداد الثمن بردّ المبيع في مدّة معلومة، و لكن الغالب هو الأوّل.

و من

مصالح تشريع هذا النوع من البيع صدّ الناس عن أكل الربا، حيث إنّه ربّما تمسّ الحاجة إلى النقود و لا تتحصّل إلّا بالربا، فيبيع داره جدا بثمنه الواقعي أو أقل منه كما هو الغالب حتى ينتفع هو بثمنها، و المشتري بالمبيع بالاسكان و الايجار، و لكنّه ربّما لا يريد أن يقطع علقته تماما عن المبيع، لأنّه ربّما يحتاج إليه في المستقبل خصوصا مع شيوع أزمة السكن فيشترط على المشتري أنّ له استرجاع المثمن برد الثمن في مدّة مضبوطة. و هذا ما يسمّيه فقهاء أهل السنّة ببيع الوفاء و لهم فيه دويّ.

قال الشيخ في الخلاف: يجوز عندنا البيع بشرط، مثل أن يقول: بعتك إلى

المختار في أحكام الخيار، ص: 153

شهر، فإن رددت عليّ الثمن، و إلّا كان المبيع لي. فإن ردّ عليه، وجب عليه ردّ الملك، و إن جازت المدّة ملك بالعقد الأوّل، و قال جميع الفقهاء: إنّ ذلك باطل يبطل به العقد. ثمّ استدل بعمومات الشروط و قال: و على من ادّعى المنع منه الدلالة «1».

و قال المحقق: «و يجوز اشتراط أن يرد البائع فيها بالثمن و يرتجع بالمبيع إن شاء».

إنّ الداعي إلى عنوان هذا القسم مستقلّا مضافا إلى وجود الخلاف بيننا و بين غيرنا في صحّة هذا القسم، هو أنّه يتميّز عن مطلق خيار الشرط بأمور:

1- اشتراط ردّ الثمن في الفسخ كما يجي ء أقسامه.

2- إنّ التصرّف في الثمن في غيره موجب لانتفاء الخيار، بخلاف هذا القسم لأنّه شرّع لانتفاء البائع بالثمن و المشتري بالمبيع، فلو سقط به لزمت لغوية المعاملة إلّا إذا اشترط ردّ العين كما سيوافيك.

3- إنّ العقد و متعلّقه، أعني: الخيار في خيار الشرط، مطلقان غير معلّقين، بخلاف هذا القسم، فإنّ

الخيار فيه معلّق في بعض الصور الرائجة، و إن لم يكن العقد معلّقا، فلو قلنا بابطال التعليق مطلقا، سواء كان في نفس المعاملة أو في توابعه أعني الخيار، يجب القول بالبطلان في المقام حسب الضابطة إلّا إذا دلّ الدليل على صحّة هذا النوع من التعليق و هذه الوجوه هي السبب لعنوان البحث مستقلّا، و تحقيق الحال يتوقّف على الكلام في أمور:

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3، كتاب البيوع ص 19 المسألة 22.

المختار في أحكام الخيار، ص: 154

الأمر الأوّل: صور المسألة:

ذكر الشيخ للمسألة صورا خمسا و أضاف إليه السيّد الطباطبائي ثلاث صور أخرى و إليك بيان الجميع:

1- أن يكون ردّ الثمن في مدّة معيّنة كسنة قيدا للخيار، فلا خيار قبله، و تكون مدّة الخيار منفصلة عن العقد دائما ففي أيّ زمان قام بالردّ في طول السنة كان له الخيار.

2- أن يكون الخيار ثابتا له من زمان العقد على وجه الاطلاق، إلّا أنّ ردّ الثمن يؤخذ قيدا للفسخ، و سبب الخيار هو نفس العقد المشروط، لكن لا يفسخ إلّا بعد ردّ الثمن.

3- أن يكون ردّ الثمن فسخا فعليا و يتّحد هذا الوجه مع السابق في أنّ الخيار مطلق و الفسخ مقيّد، غير أنّ الفسخ هناك بالقول و الرد شرط له و لكن الفسخ هنا بنفس الرد، فلو قال أحد ببطلان شرط النتيجة أي حصول الفسخ عند الردّ بلا سبب قولي و لا فعلي، لم يتوجّه الاشكال على هذه الصورة لأنّ هنا سببا فعليا كالردّ و هو في الوقت نفسه شرط لتحقّق الفسخ الاعتباريّ، المنشأ بهذا العمل.

4- أن يكون ردّ الثمن قيدا لانفساخ العقد، و يكفي في الانفساخ نفس اشتراطه في العقد بردّ الثمن، بلا حاجة إلى سبب خاص.

5- أن يكون

ردّ الثمن شرطا لوجوب الاقالة على المشتري بأن يلتزم على نفسه أن يقيله إذا جاء بالثمن و استقال.

هذه هي الصور التي ذكرها الشيخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 155

و يلاحظ على الصورة الأولى بأمرين:

أوّلا: أنّ زمان الخيار فيه مجهول، لأنّ المفروض أنّ الردّ قيد للخيار، و بما أنّ زمان الردّ مجهول فيكون زمان الخيار أيضا مجهولا، و إن كان مجموع الظرف الذي يجوز فيه الردّ مضبوطا كسنة إلّا أنّه لا يكفي في الضبط، بل يجب أن يعلم أنّه في أيّ زمان يقوم بالردّ و يحصل الخيار.

و ثانيا: أنّ الفسخ معلّق على الردّ، و لو قلنا ببطلان التعليق حتى في توابع البيع تشكل الصحّة.

و يلاحظ على الصورة الثانية أيضا بمشكلة التعليق حيث إنّ التسلّط على الفسخ معلّق على ردّ الثمن، فلو قلنا: بأنّ التعليق مضرّ مطلقا حتى في توابع البيع، تشكل الصحّة.

و أمّا الصورة الثالثة فهي أظهر الصور و أبعدها عن الاشكال. و تشترك تلك الصورة مع ما تقدمها أنّ الفسخ يحصل بسبب أمّا قولي كما في الثانية أو فعليّ كما في الثالثة.

و يلاحظ على الرابعة بأنّ صحّتها مبنية على صحّة شرط النتيجة أي الانفساخ.

و أمّا الصورة الخامسة فيظهر الحال فيها ممّا ذكرنا.

و الذي يمكن أن يقال: إنّه لا دليل على بطلان التعليق في جميع العقود فضلا عن توابعه إلّا ما قام الدليل على لزوم تنجّزه كالنكاح و الطلاق.

و أمّا شرط النتيجة فهو صحيح إلّا ما قام الدليل على لزوم سبب خاص فيه

المختار في أحكام الخيار، ص: 156

كالطلاق و النكاح، و أمّا في غير ذلك المورد، فالاشتراط كاف في تحقّق الفسخ و الانفساخ كما أنّه كاف في تعيّن الموجود للصدقة.

نعم تبقى مشكلة الجهل في

بعض الصور، و سيوافيك الحال في كونه مضرّا أو لا.

و أمّا الصور التي أشار إليها السيد الطباطبائي فهي عبارة عن:

6- اشتراط الخيار بردّ الثمن في رأس السنة، و هي نفس الصورة الأولى غير أنّها ليس فيها جهل، للعلم بوقت الخيار و هو رأس السنة.

7- اشتراط بيعه عليه إذا جاء بمقدار الثمن.

8- أن يجعل له الخيار طول المدّة و لكن يشترط عليه أن لا يفسخ إلّا بعد الردّ «1».

الأمر الثاني: نصوص المسألة و أدلّتها:

قد وردت في المسألة نصوص بين صحيح و موثق و ضعيف، و إليك نقلها:

روى الكليني عن علي بن النعمان «2» عن سعيد بن يسار «3» قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: إنّا نخالط أناسا من أهل السواد و غيرهم، فنبيعهم و نربح

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 26، و الوجه الثامن هو الوجه الثاني إلّا أنّهما يفترقان في أنّ تحقّق الفسخ هنا بنفس الاشتراط دون الصورة التي ذكرها، فانّها لا تتحقّق إلّا بالقول، و هو أيضا غير الصورة الثالثة لأنّ الفسخ هناك فعلي.

(2)- الأعلم النخعي. قال النجاشي: كان علي ثقة، وجها، ثبتا، صحيحا، واضح الطريقة، روى عنه ابن أبي الخطاب. الرجال: 2/ 109 برقم 717.

(3)- كوفي ثقة، روى عنه محمد بن أبي حمزة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 157

عليهم للعشرة اثني عشر و العشرة ثلاثة عشر، نؤخّر (نوجب) ذلك فيما بيننا و بين السنة و نحوها، و يكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل، الذي أخذ منّا شراء قد باع و قبض الثمن منه فنعده «فعندنا- يب.

فبعده خ ل»، إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا و بينه أن نردّ عليه الشراء، فإن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو

لنا فما ترى في الشراء؟ فقال: أرى أنّه لك إن لم يفعل، و إن جاء بالمال للوقت فردّ عليه «1».

و الرواية و إن كانت مشتملة على لفظ الوعد، لكن المراد منه هو الاشتراط بقرينة الجواب حيث قال: «أرى أنّه لك ...» و الرواية صالحة للحمل على أكثر الصور.

فلو قلنا: إنّه ظاهر في انفساخ البيع، فلا يردّ عليه أنّ الانفساخ يحتاج إلى سبب، و ذلك لأنّ الشرط بنفسه كاف في الانفساخ إذا تحقّق ردّ الثمن.

2- موثقة إسحاق بن عمار، قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه- عليه السلام- و سأله رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فجاء إلى أخيه، فقال: أبيعك داري هذه، و تكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ فقال: لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه، قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة، لمن تكون الغلّة؟

فقال: الغلّة للمشتري، ألا ترى أنّه لو احترقت لكانت من ماله «2».

و الرواية محتملة لأكثر الوجوه السابقة، فلا نعيد.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 7 من أبواب الخيار، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه: الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 158

3- خبر معاوية بن ميسرة، قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه- عليه السلام-: عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط: إنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله؟

قال: له شرطه. قال أبو الجارود: فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين؟

قال: هو ماله، و قال أبو عبد اللّه: أ رأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري «1».

4- روى في المستدرك عن دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنّه سئل عن رجل باع داره على شرط انّه إن جاء بثمنها إلى سنة أن يردّ عليه؟ قال: لا بأس بهذا و هو على شرطه «2».

و على ضوء هذه الروايات فالجهل الموجود في زمان الخيار (لو كان ردّ الثمن قيدا للخيار) أو في زمان الردّ أو الفسخ أو الانفساخ مغتفر، و هذا ممّا لا يغتفر في غير هذا المورد.

الأمر الثالث: أقسام ردّ الثمن:

الثمن المشروط ردّه إمّا شخصي أو كلّي في الذمّة، فعلى الأوّل فإن قبضه فلا شكّ أنّ له الخيار بردّه، إنّما الكلام إذا لم يقبضه فهل له الخيار أو لا؟ قال الشيخ: له الخيار و إن لم يتحقّق ردّ الثمن، لأنّه شرط على تقدير قبضه، و إن لم يفسخ حتى انقضت المدّة لزم البيع و يحتمل العدم (عدم الخيار)، بناء على أنّ

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(2)- المستدرك: ج 13، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 159

اشتراط الردّ بمنزلة اشتراط القبض قبله.

يلاحظ عليه: أنّه ليست لردّ الثمن موضوعية بل هو أحد الطرق لاستيلاء المشتري على ثمنه، فإذا كان الثمن موجودا عنده و مستوليا عليه من أوّل الأمر، فلا موضوع للردّ، حتى يتّخذه المشتري حجّة على البائع.

و بالجملة: المتبادر في هذا المقام أنّ المشتري لا يرضى بردّ المبيع إلّا بأخذ عوضه، فإذا كان العوض عنده موجودا و الشرط حاصلا فتلغى شرطية الشرط، و يكون له الخيار على وجه الاطلاق متقيّدا بمدّة

معيّنة، و منه يظهر ما في كلام السيد الطباطبائي حيث يقول: المسألة مبنيّة على أنّ الردّ هل هو معتبر من باب الموضوعية أو من باب الطريقية لوصول الثمن إلى المشتري أي حصوله عنده؟

فعلى الأوّل لا خيار لعدم تحقّق شرطه، و هو الردّ المسبوق بالقبض، لا لاشتراط القبض قبله كما بيّنه المصنّف، بل لعدم الموضوع حينئذ، و على الثاني فله الخيار لأنّ المفروض حصول الثمن عنده، و الغالب في أنظار العرف هو الطريقية إذ لا غرض لهم في تحقّق موضوع الردّ بما هو رد «1».

إنّ احتمال كون الردّ أمرا مطلوبا في نفسه وراء نتيجته التي هي الاستيلاء احتمال عقلي بحت لا يتبادر إلى الأذهان العرفية، و بذلك يعلم أنّ ما أطنب به سيدنا الأستاذ- قدّس سرّه- في المقام ليس بتام.

ثمّ إذا قبض الثمن المعيّن فلاشتراط ردّه صور:

1- إمّا أن يشترط ردّ عينه.

2- أو يشترط ردّ ما يعم بدله مع عدم التمكّن من العين لا بسبب منه،

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي ج 2 ص 26.

المختار في أحكام الخيار، ص: 160

أو مطلقا.

3- أو و لو مع التمكّن منه.

4- أو يطلق.

أمّا الأوّل أعني اشتراط ردّ العين، فلو تلف من البائع أو من غيره، فالظاهر عدم الخيار، اللّهمّ إلّا أن يكون الشرط ناظرا إلى سقوطه بتلف البائع، لا بتلف الغير، فعندئذ يبقى الخيار بحاله عند اتلاف الغير.

إنّما الكلام في صحّة هذا الشرط في الأثمان الرائجة في زماننا هذا، فإنّه أيّ فرق بين هذا الورق، و ذاك الورق فالكل من نوع واحد و صنف فارد، لا فرق فيها بين الناس أبدا، نعم لما كانت النقود في العصور السابقة مختلفة من حيث العيار و كثرة الذهب و الفضة و قلّتهما، كان لهذا

الشرط مجال في تلك العصور، و على ضوء ذلك فنفس هذا الشرط في عصورنا لغو و لزوم الوفاء به مورد نظر.

و أمّا على الثاني و الثالث فله ردّ البدل في موضع صحّة الاشتراط. و به خرج ما إذا شرط ردّ المثل، مع وجود العين، فإنّ هذا الشرط مخالف لمقتضى حلّ العقد، إذ مقتضاه هو حصول الترادّ بين العينين، إلّا أن يكون هناك اتّفاق آخر بالاكتفاء بالمثل عن العين. نعم يمكن أن يقال: إنّ لزوم استرجاع العين من آثار الفسخ المطلق، لا مطلق الفسخ و إنّه لو شرط قبول المثل مع وجود العين صحّ بمقتضى عموم أدلّة الشرط، و الاشتراط يدل على أنّ النظر إلى مالية العين لا إلى نفسها.

و أمّا الرابع: أعني ما إذا أطلق، فقال الشيخ الأنصاري: «مقتضى ظاهر الشرط فيه ردّ العين، و لعلّ العكس هو الحق فإنّ ظاهر الاطلاق هو جواز ردّ المثل أيضا».

المختار في أحكام الخيار، ص: 161

هذا كلّه إذا كان الثمن شخصيّا، و أمّا إذا كان الثمن كلّيا، فهو على قسمين:

فتارة يكون في ذمة البائع، كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدم، فردّه باداء ما في الذمّة، و أخرى يكون الثمن في ذمّة المشتري، ثمّ يعيّن في فرد، و الظاهر في المقام هو الاكتفاء بردّ المثل، خصوصا انّ الغرض هنا من البيع هو الانتفاء من الثمن، كما هو الغالب الأغلب، فلو كان الغرض متعلّقا بردّ عين الثمن لوجب التصريح عليه.

الأمر الرابع: في كيفيّة الفسخ:

إنّ هذا القسم من الخيار، يفترق عن خيار الشرط بأنّ ردّ الثمن شرط في الفسخ دون خيار الشرط، و عندئذ يقع البحث في أنّه: هل يكفي مجرّد الردّ في الفسخ أو يتوقّف على انشائه لفظا؟ و الحق أنّه

لو كان ردّ الثمن إنشاء للفسخ عرفا، و كان الرادّ قاصدا به الانشاء لاستغنى عن إنشاء الفسخ لفظا، لأنّ الأسباب الفعلية تقوم مقام الأسباب القولية، هذه هي المعاطاة، فهي سبب فعلي تحصل به الملكية للمتعاقدين، إذا كانا قاصدين التمليك بالاعطاء، و ليس السبب الفعلي منحصرا في المعاطاة و هذا هو باب الوقف، و قد ذكروا فيه أنّ الوقف يتوقّف على التسليم، فلو اشترى سجّادا و افترشه في المسجد بنيّة الوقف و صلّى عليه كفى في حصول الوقف و انشائه، اللّهمّ إلّا أن يشترطا الفسخ اللفظي وراء ردّ الثمن أو مثله، و بالجملة كيفية الفسخ تابعة لكيفية الاتّفاق بين المتعاقدين، فلو اتّفقا على الفسخ بعد ردّ الثمن فلا مناص عن الفسخ اللفظي، و إلّا فيكفي ردّ الثمن، إذا قصد به إنشاء الفسخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 162

الأمر الخامس: مسقطات هذا الخيار:

إنّ هذا الخيار يسقط بمثل ما تسقط به سائر الخيارات، إلّا ما دلّ الدليل على عدم سقوطه به، و إليك التفصيل:

1- يسقط بالاسقاط بعد العقد، على الوجوه الخمسة «1» أمّا الأوّل و هو ما إذا كان ردّ الثمن شرطا لتحقّق الخيار، فالخيار و إن لم يكن موجودا، لكن المقتضى موجود، و لا يعد اسقاطا لما لم يجب و له نظائر في الفقه، و إن أبيت إلّا عن عدم الجواز، فلا شكّ أنّ للبائع قبل الردّ حقّا لا ينكر، و الدليل عليه أنّه يستطيع أن يستحصل الخيار بردّ الثمن، فله أن يسقط هذا الحق. و أمّا على الوجه الثاني و الثالث، فالاسقاط من قبيل اسقاط ما ثبت لتحقّق الخيار بالفعل، و أمّا على الرابع و الخامس، فإنّهما ليسا من قبيل شرط الخيار، و إنّما للبائع عليه حق الشرط، فيجوز

اسقاط ذلك الحق، و بالتالي لا ينفسخ بالردّ و لا تجب الاقالة به.

2- يسقط بانقضاء المدّة، و عدم ردّ الثمن أو بدله مع الشرط، أو مطلقا على ما عرفت. إنّما الكلام فيما لو كان المردود من غير الجنس أو كان معيبا، فلا شكّ أنّ الأوّل غير كاف إنّما الكلام في كفاية ردّ المعيب مع قبوله، و عدم التفات المشتري إلى العيب، فهل الفسخ صحيح غير أنّ له حقّ الاستبدال أو أنّ الرد غير متحقّق، لانصراف الشرط إلى ردّ الجنس الصحيح؟ وجهان و الأقوى التفصيل بين ما إذا كان العيب طفيفا يعدّ في نظر العرف ردّا للثمن، و ما إذا كان الفرق هائلا و كثيرا. و الحاصل أنّه إذا كان الرضا بالمعيب في نظر العرف رضا بنفس المشروط

______________________________

(1)- تقدمت الوجوه الخمسة ص 154.

المختار في أحكام الخيار، ص: 163

فالحقّ تحقّق الردّ، بخلاف ما إذا كان الرضا على فاقد الوصف رضا بالبدل فالظاهر عدم تحقّقه.

الأمر السادس: يسقط بالتصرّف:

قد عرفت أنّ التصرّف على وجه الاطلاق، أو المغيّر، مسقط لخيار الحيوان و المجلس، و هل هو كذلك في بيع الخيار أو لا؟

لا شكّ أنّ التصرّف في الثمن الكلّي المشخّص في فرد، لا يسقط الخيار، لشهادة الحال بكفاية ردّ مثل الثمن، و إنّ المراد بردّ الثمن هو ردّ مثله، و هو أيضا مورد الموثق «1» أو منصرف اطلاقه.

كما أنّ الظاهر خروج ما إذا كان الثمن معيّنا، و دلّت القرائن على اتّفاق المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرّف أيضا لما عرفت من أنّ الغرض من البيع، هو التصرّف في الثمن ثمّ ردّه باسترجاع المبيع.

كما أنّ الظاهر خروج مورد الثالث عن محطّ البحث أيضا و هو ما إذا تصرّف في الثمن بنحو يدل

على الالتزام بالعقد، كما إذا باع دارا بقرية و أجرى فيها أنهارا و غرس أشجارا، فإنّ ذلك يعرب عن كونه ملتزما ببقاء البيع، و عدم فسخه.

بقي الكلام فيما إذا دلّت القرائن على لزوم ردّ نفس العين فقط، بأن كان الاتّفاق من أوّله مقيّدا و مضيّقا و كان الانتفاع بالعين ممكنا مع عدم التصرّف فيها، لكن تصرّف فيها فحينئذ للمسألة صورتان:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 164

1- لو قلنا بأنّ الخيار ثابت قبل الردّ، و أنّ ردّ الثمن قيد للتسلّط على الفسخ فمثل هذا التصرّف مسقط للخيار، أخذا بالضابطة الكلّية المستفادة من الروايات الواردة في خيار الحيوان، و هو أنّ التصرّف المغيّر كاشف عن الرضا و الالتزام بالبيع.

2- لو قلنا بأنّ الخيار يحدث بردّ الثمن و أنّه لا خيار قبله، فالتصرّف و إن لم يكن في ظرف الخيار، لكن شرط الخيار غير متحقّق لكون المفروض أنّ ما هو الشرط، عبارة عن ردّ نفس العين على ما كانت عليه و هو بعد غير متحقّق و لا ممكن و لم يكن ردّ المثل أو القيامة شرطا للخيار، فليس له الفسخ لعدم وجود الشرط.

هذه هي الفروض الذهنية للمسألة و أمّا ما هو المتحقّق في الخارج هو شهادة القرائن على جواز التصرّف في الثمن و كفاية ردّ المثل، و غيره نادر لا يليق بالبحث.

الأمر السابع: في نماء المبيع و حكم تلف العوضين:

اشارة

و إليك صور المسألة:

1- نماء المبيع أيام الخيار، أو قبل الفسخ للمشتري، و يكفي في ذلك ما ورد من الروايات «1».

2- لو تلف المبيع فإن كان قبل الفسخ فهو من مال المشتري، لأنّ المفروض أنّه مالك و قد وقع التلف في ملكه.

أضف إلى ذلك أنّه صريح

موثقة إسحاق بن عمار و خبر معاوية بن ميسرة،

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 165

ففي الأولى: الغلّة للمشتري ألا ترى أنّه لو احترقت لكانت من ماله. و في الثاني:

قال أبو عبد اللّه: أ رأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري «1».

و إن كان من بعد الفسخ و صيرورة البيع ملكا للبائع لكن تحت يد المشتري، فيكون ضامنا ضمان اليد، استولى عليه. فعلى اليد ما أخذت حتى تؤدّي.

الاستدلال بقاعدة التلف في زمن الخيار:

ثمّ إنّه ربّما يتمسّك في ثبوت الضمان على المشتري فيما إذا كان التلف قبل الردّ بقاعدة «التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له».

يلاحظ عليه: أنّ المدّعى حقّ و لكن الدليل غير تام، أمّا أوّلا: فإنّه إنّما يتمّ فيما إذا كان الردّ قيّدا للتسلّط على الفسخ لا الخيار، و إلّا فلا خيار قبل الردّ فيكون التصرّف في زمان اللزوم لا في زمان الخيار، اللّهمّ إلّا إذا قيل بأنّ المراد من القاعدة:

أنّ التلف يتوجّه على من كان العقد من جانبه لازما، لا على من كان العقد من جانبه متزلزلا فإنّ البائع و إن لم يكن ذا خيار على القول باشتراط الخيار بالردّ، و هو بعد لم يتحقّق لكن العقد متزلزل من جانبه، إذ في وسعه أن يردّ فيستحصل الخيار و يفسخ. و بعبارة أخرى: المراد من «الخيار» الأعم من المتّصل و المنفصل، فعلى القول بكون الردّ قيدا للتسلّط على الفسخ، فالخيار متّصل.

و أمّا على القول بكونه قيدا لنفس الخيار، فالخيار منفصل. و مضمون

______________________________

(1)- كان تقدير العبارة هكذا: «من مال من كانت؟ من مال المشتري» فعندئذ تكون الدار، دار

المشتري.

المختار في أحكام الخيار، ص: 166

القاعدة: أنّ الدرك يتوجّه على من لا خيار له أبدا لا متّصلا و لا منفصلا و أمّا من له الخيار باحدى الصورتين فذمّته بريئة من الدرك.

و ثانيا: أنّ مدرك القاعدة هو الروايات الواردة في خياري الحيوان و الشرط، و في الثاني إذا كان المبيع حيوانا أيضا و أنّه لو تلف في أيام الخيار سواء كان الخيار فيها بجعل الشارع كما في خيار الحيوان أعني: «ثلاثة أيّام»، أم بجعل المتعاقدين كما في خيار الشرط، و استفادة الضابطة الكلّية من تلك الروايات و تسريتها إلى بيع الخيار فيما إذا كان المبيع غير حيوان أمر مشكل جدا فضلا عن تسريتها إلى سائر الخيارات كالغبن و العيب.

توضيح ذلك: أنّ أغلب الروايات واردة في خيار الحيوان «1»، غير رواية واحدة فإنّ صدرها راجع إلى خيار الحيوان و ذيلها إلى خيار الشرط مع كون المبيع حيوانا و إليك نصّها:

روى ابن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، قال: سألته عن الرجل يشتري الدابة أو العبد، و يشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد و الدابّة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري «2».

و إن كان بينهما شرط أيّاما معدودة، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع «3».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12 الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 1- 5.

(2)- و رواه الصدوق مرسلا نحوه إلّا أنّه قال: لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع له، و رواه الشيخ مثله إلّا أنّه قال: و يصير المبيع للمشتري شرط البائع أو لم يشترط.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب

5 من أبواب الخيار، الحديث 2، و نقل ذيله أيضا في الباب 8، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 167

ترى أنّ صدر الرواية في خيار الحيوان و أنّ التلف فيه على البائع و الذيل في خيار الشرط، لكن في مورد الحيوان فالتسرية إلى جميع أقسام خيار الشرط فضلا عن سائر الخيارات أمر مشكل و ذلك لما عرفت من أنّ مورد الروايات هو موت الأمة و هلاك الدابّة في ثلاثة أيّام أو في الأيام المعدودة، و من المحتمل أن يكون لتلف الحيوان خصوصية في توجّه الضمان على البائع و هي أنّ الموت بعد البيع في هذه الأيّام يكون مستندا لعلّة سابقة على العقد، و إن كان البائع أو المشتري جاهلين، غير أنّ الموت يكشف غالبا عن سبق هذه العلّة، ففي هذا الظرف حكم الشارع على وجه الاطلاق بكون درك الحيوان على البائع من غير فرق بين كون الخيار خيار حيوان أو خيار شرط، لكن في مورد الحيوان، و مع هذا الاحتمال الموجّه لا يصحّ لنا الحكم بالتعميم و التسرية، و أنّ الحكم ثابت في خيار الشرط، فيما إذا كان المبيع غير حيوان، أو في بيع الخيار مطلقا و لأجل ذلك فالحق الاكتفاء في اجراء القاعدة بالخيارين خيار الحيوان و خيار الشرط و في الأخير بما إذا كان المبيع حيوانا، و استفادة الضابطة الكلّية من نقل الكليني «على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري» أو من نقل الصدوق بقوله: «لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع له» بعيد جدا، خصوصا على احتمال أنّ لفظة حتى ليست تعليلة، بل لبيان الغاية «1».

و الحق أنّ في اثبات كون الضمان على المشتري

لا نحتاج إلى القاعدة بل تكفي الروايات و لكن العقد جائز لوجهين:

أوّلا: أنّ الحكم بلزوم البيع مع وقوعه على أقل من قيمته الواقعية، حكم

______________________________

(1)- هذا مجمل ما فصّلناه في محلّه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 168

ضرري منفي بأدلّة حرمة الضرر، و عدم نفوذه، سواء قلنا: إنّه مفاد قوله «لا ضرر و لا ضرار»، أو أنّه مفاد سائر الروايات الناهية عن الضرر، و على كل تقدير فالحكم الضرري منفي.

و ثانيا: أنّ ما ذكره من أنّ لصاحبه علاقة بمبيعه، و هو لا يبيعه إلّا برجاء الاسترجاع و إن كان صحيحا لكنّه لا يدل على أنّه غمض العين عن ماليتها مطلقا و لو عند التلف الخارج عن الاختيار، فارجاع العين عند الامكان، و استرجاع مثلها أو قيمتها عند عدم الامكان من باب تعدّد المطلوب، ففي الظرف الذي يتعاقد المتعاقدان لو سئل البائع عن المبيع أنّه إذا تلف لا بتقصير من المشتري فهل ترضى بالثمن المأخوذ، فهو يرجع و يجيب بالنفي، و هذا دليل على تعدّد المطلوب، فالظاهر بقاء الخيار مع تلف العين، و قد عرفت أنّ الخيار يتعلّق بالعقد، و لو قلنا بأنّه يتعلّق بالعين، فإنّما يتعلّق بها بمراتبها، كما قرّر في محلّه.

3- إذا تلف الثمن فإن كان قبل الفسخ فمقتضى القاعدة كون التلف من البائع و قد تلف تحت يده، فتضمين الغير يحتاج إلى دليل قاطع، و احتمل الشيخ الأعظم كونه من المشتري و إن كان ملكا للبائع أخذا بقاعدة «التلف في زمان الخيار، ممّن لا خيار له» و قد عرفت الكلام فيه، و الفوارق الموجودة بين موردها و المقام، أضف إليه هنا أمرا آخر، و هو أنّ موردها هو تلف المبيع، و المفروض في المقام

تلف الثمن، فكيف تستظهر عمومية القاعدة.

و أمّا الاستدلال على كون التلف من البائع بقاعدة «الخراج بالضمان» بضميمة كون النماء له بحجّة أنّ معنى النبوي أنّ الخراج في مقابل ضمان العين فبما أنّ الخراج للبائع فالضمان له أيضا، فضعيف جدا لأنّه لو أخذ بإطلاق القاعدة

المختار في أحكام الخيار، ص: 169

لزم كون خراج المغصوب لغاصبه بحجّة أنّه ضامن له- كما أخذ به أبو حنيفة حسب بعض الروايات «1» مع أنّه بيّن البطلان، و إن خصّص بالمالك، يكون معناه الخراج في مقابل ضمان المالك لماله، و اطلاق الضامن على المالك غير متعارف. لأنّ الضمان هو العهد و الضامن هو المتعهّد و لا يطلق على المالك أنّه متعهّد لماله و ضامن له، و لعلّ للنبوي معنى آخر، لا صلة له بباب الغرامات، و من المحتمل أنّه راجع إلى الأراضي الخراجية، و أنّ خراج الأرض في مقابل التعهّد، يدفعه متقبّل الأرض للإمام أو السلطان و هو المسئول عن الأرض و خراجها، دون من لم يتعهّد.

ثمّ إنّه لا فرق في ضمان الثمن على البائع مطلقا إذا تلف قبل الفسخ بين كونه قبل الردّ و الفسخ أو كان بعد الردّ و قبل الفسخ، أخذا بمقتضى القاعدة العقلائية من أنّ تلف المال على المالك إذا تلف تحت يده، و إنّما يفرق بينهما لو قلنا بشمول قاعدة: «التلف في ضمان الخيار ممّن لا خيار له» للمقام، فلو قلنا بأنّ الرد قيد للخيار، فلو تلف قبل الرد، فقد تلف في زمن اللزوم فالضمان على البائع، بخلاف ما لو تلف بعد الردّ فقد تلف في أيّام الخيار فالضمان على المشتري.

و شمول القاعدة للثمن و إن كان ممنوعا لما عرفت من اختصاص مدرك القاعدة بالمبيع

أوّلا و كونه حيوانا ثانيا، لكنّه لو قلنا بالشمول لا فرق بين الصورتين، و إن قلنا بأنّ الرد قيد للخيار، لما عرفت أنّ الميزان كون المعاملة لازما من أحد الطرفين دون الآخر و في المقام العقد من جانب المشتري لازم بخلاف البائع، و إن شئت قلت: يكفي في دفع الضمان وجود الخيار بالقوّة و إن لم يكن بالفعل.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 17 من أبواب أحكام الاجارة، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 170

الأمر الثامن: في الردّ على المالك و وكيله و الولي:

لا اشكال في صدق القدرة على الفسخ بردّ الثمن إلى نفس المشتري، و إنّما الكلام في صدقه على الردّ إلى وكيله المطلق أو الحاكم أو عدول المؤمنين، و بما أنّ هذا الخيار جعلي، يجب علينا إتباع كيفية الاتفاق، فلأجل ذلك يجب أن يلاحظ صورة العقد و التعاهد، فإليك صوره:

1- إذا اشترط كفاية الردّ إلى المشتري و وكيله و وليّه، و وارثه، يكفي الرد إلى الجميع. و مثله ما إذا كان ذكر واحد منهم من باب المورد لا من باب القيد.

2- إذا اشترط الرد إلى نفسه بنحو التقييد على نحو لا يعتد بالردّ إلى غيره أيّا كان فلا يتحقّق الشرط إذا ردّ إلى غيره، و على ذلك لو امتنع الردّ إلى شخصه لغيبته أو جنونه أو موته أو غير ذلك يسقط الخيار إذا انقضت المدّة و لم يتحقّق الشرط.

فإن قلت: لما ذا لا يجوز الردّ إلى وكيله المطلق إذا قلنا بأنّ الوكالة تنزيل الوكيل منزلة الموكّل ذاتا و فعلا أو فعلا فقط، فعندئذ يكون الردّ إليه ردّا إلى الشخص؟

قلت: إنّ هذا إنّما يكفي، إذا اتفقا على كفاية الردّ على الشخص الأعم من الحقيقي أو التنزيلي و أمّا إذا اتّفقا على شخصه

الحقيقي فقط من دون أن يعمّ الشخص الاعتباري فلا.

فإن قلت: لما ذا لا يكفي الرد إلى الوارث لأنّ المال على أي حال ينتقل إلى الوارث على نحو كان لمورّثه فالرد إليه كالرد إلى مورّثه؟

قلت: المال و إن كان ينتقل إلى الوارث، و لكن الكلام في تحقّق الشرط بالردّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 171

إليه، مع تقييده الردّ إلى الشخص، فانتقال المال إلى الوارث لا يكون دليلا على كفاية الردّ إليه.

3- إذا أطلق الرد إلى نفسه من دون تعميم في الكلام و لا تقييد بالشخص، و لم يعلم أنّ ذكره من باب المورد فيكفي الرد إلى الوكيل المطلق لو كان أو إلى الحاكم الشرعي أو من باب القيد فلا يكفي ما ذكر، الظاهر هو الثاني.

و ربّما يعلّل عدم الكفاية بأنّ الأدلّة الدالّة على ولاية الحاكم أو الوكيل لا تشمل ما ليس للمولّى عليه أو الموكّل مصلحة فيه، فقبضهما ليس قبضا للمشتري حتى يكون المدفوع ملكا للمشتري فيجب عليهما حفظه و يردّ المبيع إلى البائع.

و ربّما يجاب بأنّه لو فرض اطلاق الوكالة لما له و عليه كما هو المفروض في المقام فقبضه يكون قبض الموكل، و أمّا ولاية الحاكم فلا تختص بما للمولّى عليه فيه مصلحة و لذا ينفق على زوجة الغائب من ماله.

و الأولى أن يقال في عدم كفاية الردّ إلى الوكيل و الوليّ، هو أنّ المنشأ في العقد مضيّق بالذات، و ذلك لأنّه شرط الرد إلى نفسه، فهو و إن كان غير مقيّد بالشخص و لا مطلقا و معمّما بالنسبة إلى الشخص و غيره، و لكنّه على نحو لا يصدق إلّا على نفسه، فكفاية الرد إلى الغير لم ينشأ فكيف يكتفى به؟ فتصوّر أنّ

الوكيل وجود تنزيلي للموكّل و أنّ الحاكم يقوم بشئون المولّى عليه، لا يفيد في المقام إذا كان المنشأ مضيقا بالذات غير صادق إلّا على الدفع إلى الشخص.

ثمّ إذا تولّى واحد من الأب أو الجد أحد طرفي العقد، فهل يجوز للبائع أن يردّ إلى الوليّ الآخر الذي لم يكن متولّيا للعقد، كما لو اشترى الأب للطفل بخيار

المختار في أحكام الخيار، ص: 172

البائع فهل للبائع الردّ إلى جد الطفل أو لا؟ الظاهر هو الجواز، لولاية كلّ منهما على الطفل في عرض الآخر، و هذا بخلاف ما لو اشترى الحاكم للطفل بخيار البائع، فليس للبائع الردّ إلى حاكم آخر، لأنّ ولاية الحاكم الثاني محدّدة بالمال الذي لا وليّ له، و المفروض أنّ الحاكم الأوّل وضع يده عليه، فخرج عن كونه مالا بلا وليّ، و بعبارة أخرى ولاية الحاكم في تلك الموارد محدودة بالأمور التي لم يتكفّلها أحد، فإذا كان للأمر متكفّل، فليست له هناك ولاية فعليّة.

الأمر التاسع: في أقسام ردّ الثمن و حكمها:

1- إذا أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثمن، فالمتبادر منه عدم التمكّن من الفسخ إلّا بردّ الثمن جميعا، و أولى منه إذا صرّح بذلك.

فلو ردّ البائع بعض الثمن و الحال كذلك فلا يخلو إمّا أن يدفع بعنوان الأمانة، إلى أن يجتمع قدر الثمن فيفسخ، فيكون حينئذ أمانة عند المشتري لا يضمنه إلّا مع التفريط، و إمّا أن يدفع إليه بعنوان كونه ثمنا مع أنّ الثمن هو المجموع، فلو قبضه المشتري يكون مقبوضا بالقبض الفاسد، لأنّ المفروض أنّ الشرط لم يتحقّق حتى يكون ثمنا و من جانب آخر أنّ البائع دفعه بذلك العنوان، فيكون الاقباض و القبض معاوضيا و تصير يده عليه يد ضمان كالمقبوض بالبيع الفاسد، فلا يجوز له التصرّف فيه

مطلقا، و يضمن لو تلف أخذا بمفاد قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

2- و لو شرط خيار الفسخ بردّ بعض الثمن بمعنى أنّ ردّ البعض كاف في تحقّق شرط الخيار أو التسلّط على الفسخ جاز، لما عرفت: أنّ هذا الخيار و توابعه

المختار في أحكام الخيار، ص: 173

يتبع كيفية الجعل و الاتفاق، و عندئذ ترجع العين إلى البائع، و تبقى بقية الثمن على ذمّته.

3- لو شرط البائع الفسخ في كل جزء بردّ ما يخصّه من الثمن جاز الفسخ فيما قابل المدفوع، فلو ردّ البقية إلى انقضاء المدّة ينفسخ الجميع، و إلّا يصير المبيع مشاعا. ثمّ إنّه لو صرّحا بانحلال العقد و امكان تبعّضه فهو، و إلا فللمشتري الخيار، لأنّ المفهوم- عند عدم التصريح بالانحلال- هو اشتراط فسخ الكل و لكن جزءا فجزء، لا خيار الفسخ كلّا أو جزءا.

و أمّا ما هو سببه فهل هو لأجل وجود شرط ضمني في العقد و هو كون مجموع المبيع بوصف اجتماعه مقابلا لمجموع الثمن كما عليه المحقّق النائيني، أو أنّ خيار تبعّض الصفقة خيار مستقل لا صلة له بخيار الشرط؟ الظاهر هو الثاني لأنّه لو كان الخيار من أجل الشرط الضمني لكان الخيار خيار تخلّفه لا تبعّض الصفقة، بل الحق انّ الخيار هنا هو خيار تبعّض الصفقة، و وجه ذلك هو أنّ المنشأ مضيّق من أوّل الأمر لأنّهما اتّفقا إمّا على أن يكون جميع المبيع للمشتري إذا لم يفسخ أو جميعه للبائع إذا فسخ، فكون المبيع مشاعا و مشتركا بينهما الذي هو نتيجة فسخ البعض دون بعض ممّا لم ينشأ و لم يتفقا عليه فكيف يمكن أن يجبر المشتري على قبوله، فلو أريد من كونه من باب تخلّف

شرط ضمني في العقد ما ذكرناه فنعم الوفاق، و إلّا فالظاهر أنّه من باب تبعّض الصفقة الذي يتلقّاه العرف خيارا مستقلّا و مباينا لما اتّفقا عليه.

هذه هي صور المسألة و أحكامها غير أنّ صاحب المستند قال ببطلان غير الفرض الأوّل قائلا بأنّ الحكم على خلاف القاعدة، و مورد النص غير هذه الصورة، و أدلّة الشروط ليست جارية لأنّ شرط الخيار مخالف للسنّة، و إنّما جوّزناه

المختار في أحكام الخيار، ص: 174

في المقام من جهة النصوص الخاصّة «1».

يلاحظ عليه: أنّه مبنيّ على ما فهمه من أنّ بيع الخيار على خلاف السنّة فلازم ذلك هو الاكتفاء بمورد النصوص، و أمّا على المختار من كونه على وفق القاعدة فلا.

ثمّ إنّ تصوير القسم الأخير و هو الفسخ في كل جزء بردّ ما يخصّه من الثمن ليس بأمر مشكل و الذي يقرب ذلك تقسيم تحرّر المكاتب إلى مشروط و مطلق، ففي الأوّل لا يتحرّر ما لم يؤد الجزء الأخير من الثمن، بخلاف الثاني، فالتحرّر هنا يتحقّق بمقدار ما أدّى من الثمن، و ليس ذلك لأجل أنّ العقد الواقع على شي ء، قابل للتحليل إلى عقود كثيرة حسب تحليل المعقود عليه، فإنّ ذلك ممّا لا يقبله الذوق و لا يتلقّاه العرف صحيحا، فمن باع دارا فإنّما باع شيئا واحدا و أوقع عقدا واحدا، بل الانحلال لأجل أنّ الالتزام و إن كان شيئا واحدا، و الانشاء أمرا فاردا إلّا أنّ المتعلّق لما كان مركّبا و متكثّرا فهو يكون قابلا للتجزئة فينفسخ في جزء و يبقى في جزء آخر، و تحليل الأمور الاعتبارية لا يبتنى على الدقائق الموجودة في التكوين.

الأمر العاشر: في جواز اشتراط الفسخ للمشتري:

إذا كان بيع الخيار مطابقا للقاعدة فكما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن

كذلك يجوز للمشتري اشتراطه لكن برد المثمن، و أمّا على قول صاحب المستند فلا يصحّ التعميم لأنّه على خلاف القاعدة، و قد عرفت الاشكال فيه، و على هذا فيجوز اشتراط الفسخ لكل منهما بردّ ما انتقل إليه أو بدله عند ما يجوز ردّ البدل.

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 1/ 284.

المختار في أحكام الخيار، ص: 175

فإذا صحّ اشتراط الفسخ من جانب المشتري فمقتضى الاطلاق ردّ العين، فلو تلفت سقط الخيار لعدم التمكّن من الشرط، و لا يكفي ردّ البدل، لانصراف الاطلاق في باب المبيع إلى ردّ نفسه، عكس الاشتراط في ردّ الثمن، فالاطلاق فيه ينصرف إلى الاكتفاء بردّ المثل أيضا لأنّ الغرض منه هو التصرّف في الثمن أوّلا و عدم التفاوت بين العين و المثل في الأثمان ثانيا، بخلاف العين.

نعم إذا كان المبيع من المنتجات الصناعية التي لا يتميّز العين عن المثل فيها بنحو من الانحاء، فلا يبعد الاكتفاء بردّ البدل عند تلف العين.

هذا كلّه إذا أطلق ردّ العين، و أمّا لو صرّح بكفاية البدل عند عدم القدرة على العين لتلفها أو تعذّر الوصول إليها، فيكفي ردّ البدل، و علّله الشيخ بقوله:

لأنّ مرجعه إلى اشتراط الخيار بردّ المبيع عند وجوده، و بدله عند تلفه.

و هل يجوز اشتراط ردّ بدله و لو مع التمكّن من العين أو لا؟ ذهب شيخنا الأعظم إلى الثاني قائلا بأنّه خلاف مقتضى الفسخ، لأنّ مقتضاه رجوع كل من العوضين إلى صاحبه، فاشتراط البدل اشتراط للفسخ على وجه غير مشروع، بل ليس فسخا في الحقيقة. و حاصله أنّه خلاف مقتضى الفسخ.

يلاحظ عليه: بما عرفت سابقا من أنّ رجوع كل من العوضين إلى صاحبه ليس من آثار مطلق الفسخ حتى فيما إذا صرّح بالخلاف، و

جواز الاكتفاء بالبدل بل من آثار الفسخ المطلق، بمعنى أنّه لو شرط الفسخ بردّ المثمن و سكت عن التقييد، فمقتضاه ردّ كل من العوضين إلى صاحبه، لا ما إذا شرط الفسخ و صرّح بالاكتفاء بالبدل و إن تمكّن من ردّ العين، فإنّ مال ذلك هو شرط جواز افراغ الذمّة بالبدل، فإنّ ذمّة المشتري و إن كانت مشغولة بالعين ما دامت موجودة،

المختار في أحكام الخيار، ص: 176

و لكنّه يشترط على البائع في ضمن العقد بلزوم اكتفائه في مقام الافراغ، ببدلها دون نفسها، و هذا مثلما إذا كان لزيد على عمرو دنانير، فيشترط في ضمن العقد بالاكتفاء في مقام الافراغ بالدراهم مكان الدنانير.

و قد نبّه الشيخ بذلك في الفرع الآتي و إن غفل عنه في المقام، و إليك نصّه، قال:

لو اشترط ردّ التالف بالمثل في القيمي و بالقيمة في المثلي، أمكن الجواز لأنّه بمنزلة اشتراط ايفاء ما في الذمّة بغير جنسه، لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة، و القيمي بالمثل، و لا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد «1» إلى البائع، فتأمّل.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه ليس ضمان المثلي بالمثلي، أو القيمي بالقيمي، حكما شرعيا ثابتا بالكتاب و السنّة حتى يكون اشتراط خلافه شرطا على خلاف الكتاب و السنّة، نعم هي قاعدة عقلائية اتفقوا عليها في باب المرافعات و الخصومات، و بما أنّه لم يردع عنها الشارع، يكون حكما امضائيا للشرع.

و ثانيا: أنّه إذا صحّ افراغ الذمّة بغير ما اشتغلت به أولا في المقام بحجّة أنّ الهدف من الشرط ليس هو تبديل التشريع الممضى، بل الطرفان يسلّمان على أنّ المثلي يضمن بالمثلي، و القيمي بالقيمي، غير أنّهما يتّفقان بعد تسليمه على جواز ايفاء ما في الذمّة بغير

جنسه- لو صحّ ذلك- فليصحّ ما ذكرناه في الفرع المتقدم من جواز اشتراط ايفاء ما في الذمّة من الاشتغال بالعين ببدلها، إذ ليس الشارطان يهدفان إلى تبديل الحكم الشرعي، بل يسلّمان أنّ الذمّة مشغولة بردّ العين أولا، و لكن يشترطان الاكتفاء في مقام افراغ الذمّة بردّ بدلها مع التمكّن منها.

______________________________

(1)- كذا في النسخ، و الأولى أن يقال: الفسخ، مكان العقد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 177

الأمر الحادي عشر- شرط الخيار في العقود و الايقاعات:

اشارة

لا شك في صحّة شرط الخيار في البيع، و ما أشبهه من العقود اللازمة كالاجارة و المزارعة و المساقاة. إنّما الكلام في صحّة جعله في غيرها، فيقع الكلام في مواضع:

1- حكم الخيار في الايقاعات.

2- حكم الخيار في العقود الجائزة.

3- حكم الخيار في بعض العقود اللازمة.

فنقول: قبل الخوض في المقصود نذكر ما هو مقتضى القاعدة.

مقتضى القاعدة: عدم صحّة خيار الشرط في العقود و الايقاعات إلّا فيما إذا أحرزت مشروعيّة الفسخ فيه، فكل مورد احرزت مشروعيته فيه، يجوز شرطه في الانشاء، و لا يصحّ التمسّك بإطلاق أدلّة الشروط في اثبات مشروعيته، و ذلك لأنّ أدلّة الشروط كأدلّة النذر و العهد، ليست مشرّعة حتى يصحّح بها اشتراط ما لم تحرز مشروعيته، و إنّما دورها ايجاب العمل بما ثبتت مشروعيته، و على ذلك فكلّ ما شكّ في مشروعية شي ء في حدّ ذاته أو مشروعية أخذه في الانشاء، لا يصحّ التمسّك بإطلاق أدلّة الشروط كما هو واضح.

فنخرج بهذه النتيجة: أنّه لا بد في اثبات مشروعيّة الفسخ في العقود و الايقاعات من دليل وراء أدلّة الشروط و مع الشك فيها، لا يترتّب عليه الأثر.

إذا عرفت ذلك فنقول:

المختار في أحكام الخيار، ص: 178

الموضع الأوّل: حكم الخيار في الايقاعات:
اشارة

هل يصحّ شرط الخيار في الايقاعات أو لا؟ نقل الاتفاق على العدم و علّل المحقّق النائيني عدم الصحّة بوجهين:

1- الخيار هو ملك الالتزام، و ليس في الايقاعات أيّ التزام و عهد من الموقع، و لم يلتزم بالتزام عهدي أو عقدي «1».

يلاحظ عليه: أنّ الخيار هو السلطنة على الفسخ و الاقرار، و ليس الالتزام داخلا في مفهومه، و على ذلك فمن له سلطنة الهدم و الاقرار فهو ذو الخيار سواء كان المتعلّق عقدا أو ايقاعا، فكما للعقد هدم و

اقرار، فهكذا للايقاع.

أضف إلى ذلك: لو سلّمنا دخول الالتزام في مفهوم الخيار فأيّ مانع من القول بوجود الالتزام في الايقاع، فالمطلّق ملتزم بخروج زوجته عن حبالته شرعا و قانونا، و المعتق ملتزم بحرية عبده، فلو شرط الخيار كان معناه أنّه يملك هذا الالتزام هدما و اقرارا.

2- ليس الشرط مجرّد ذكر شي ء منضمّا إلى آخر كما لو قيل: بعتك الدار و آجرتك البستان، بل يجب أن يناط المنشأ به، و في الايقاعات لو أنيط أصل المنشأ به بطلت، للتعليق، و لو ذكر غير مرتبط بالمنشإ فهو الشرط الابتدائي الذي لا يجب الوفاء به، لكونه حينئذ مجانيّا و بلا عوض، و غير منضم إلى أحد الطرفين «2».

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ ذلك لزم بطلان خيار الشرط في العقود أيضا لأنّ إناطة المنشأ بالشرط، يستلزم التعليق و هو مبطل عند القائل بالتنجيز، و الحل

______________________________

(1)- منية الطالب: ج 2 ص 55.

(2)- منية الطالب: ج 2 ص 55.

المختار في أحكام الخيار، ص: 179

أنّ المبطل حسب القاعدة هو تعليق الانشاء لا المنشأ، و المقام من قبيل الثاني لا الأوّل إلّا إذا دل دليل على البطلان فيه أيضا.

ثمّ إنّ سيّدنا الأستاذ- قدّس اللّه سرّه- ذكر وجهين آخرين لبطلان خيار الشرط في الايقاعات، و إليك حاصلهما:

1- إنّ الشرط على ما يظهر من اللغويين الزام و التزام في البيع و نحوه، و الظاهر من الظرف أن يكون البيع حاويا له، أي يقع الشرط في ضمنه و خلاله، بحيث يدعى أنّه ظرفه و أنّه فيه، و من المعلوم أنّ الايقاع لا يعقل فيه ذلك فإنّه لا يعقل أن يرتبط به الشرط الواقع بعده أي بعد تماميته عنوانا و تأثيرا فضلا عن أن يكون

في ضمنه و خلاله «1».

يلاحظ عليه: أنّ مراد اللغويين من قولهم الزام و التزام في البيع هو اخراج الشروط الابتدائية و أنّه يجب أن يكون الشرط تابعا للبيع و نحوه في الالتزام لا التزاما مستقلا، و من المعلوم أنّه يكفي في التبعية كون الشرط من قيود المنشأ و فروعه، و أمّا كونه داخلا في المنشأ و عدم كفاية التبعيّة فهو أمر غير ظاهر من كلامهم.

و لو صحّ ما ذكره يبطل كل شرط في الايقاع، سواء كان الشرط خيار الفسخ أو غيره، و انّ معناه أنّ الايقاع لا يقبل الاشتراط على وجه الاطلاق، و هو كما ترى، و ستوافيك بعض الروايات المشتملة على الشرط في الايقاع في بابي الوقف و العتق، و إن قام- قدّس اللّه سرّه- بتأويل هذه الروايات و أنّها من قبيل الاستثناء من أوّل الأمر، لا الاشتراط في الايقاع و ما هو إلّا لأنّه قد أخذ موقفا مسبقا في الايقاعات فالتجأ إلى التأويل، و إلّا فأيّ محذور في إنشاء ايقاع مشروط كانشاء عقد مثله، و ليس الايقاع إلّا مثل العقد من الأمور الاعتبارية التي لا يشترط في صحّتها إلّا

______________________________

(1)- كتاب البيع: قسم الخيارات ج 4 ص 252.

المختار في أحكام الخيار، ص: 180

كونها معتبرة عند العقلاء، و مترتّبا عليها الأثر، فالتزام كون الشرط داخلا في المنشأ لا خارجا عنه و عدم كفاية التبعية كما ترى.

2- انّ الخيار إنّما يصحّ في العقود لأنّها أمور اعتبارية باقية لدى الشرع و العرف اعتبارا و لهذا نرى ثبوت الخيار فيها عند العرف و الشرع، و منه يستكشف أنّها موجودة عندهما فيصحّ فسخه و حلّه، و أمّا الايقاعات فلا دليل على بقائها الاعتباري عند العقلاء أو الشرع

بل الظاهر عدم اعتبارهم ذلك، و معه لا معنى لحلّه أو رفعه، و الشك في ذلك كاف في عدم ثبوته.

يلاحظ عليه: أنّه لم يظهر الفرق بين العقود و الايقاعات حيث ادّعى أنّ المنشأ له بقاء في الأوّل دون الثاني مع أنّهما متساويان في المقام، فإن أريد بقاء الانشاء اللفظي فهو معدوم في كليهما، و إن أريد المنشأ الاعتباري، فله بقاء عند العرف مطلقا، فالمرأة المطلّقة، مطلّقة إلى آخر حياتها، و العبد المعتق حرّ كذلك. فللطلاق و العتق بالمعنى الاسمي نوع بقاء و مثله الابراء بالمعنى الاسمي لا المصدري، فذمّة المشغول بعد الابراء بريئة في حال الانشاء و بعده.

و الحاصل: أنّ هذه الوجوه التي تبتنى على دقائق فلسفية لا يصحّ أن تقع أساسا للحكم الشرعي، فإنّ الأحكام الشرعية مبنية على أمور عرفية واضحة لدى العامة. و الأستاذ- قدّس اللّه سرّه- إنّما وصل إليها بعد رياضة علمية و مجاهدات ذهنية عميقة.

و الذي يمكن أن يقال: إنّه لا بدّ أن نلاحظ كل نوع من الايقاع برأسه، و نقف على قضاء العرف و الشرع في مورده، و ليست هناك ضابطة كلّية صادقة في جميع الموارد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 181

بطلان شرط الفسخ في القربيات:

أمّا العتق و الصدقة و الوقف فإنّها أمور قربية من شأنها أن تكون متمحّضة في اللّه سبحانه، و ما كان كذلك فشرط خيار الفسخ فيه (لا مطلق الشرط) لا يناسب طبعها و شأنها، و لذلك تضافرت الروايات على أنّ «الصدقة للّه عزّ و جلّ فما جعل للّه عزّ و جلّ فلا رجعة فيه» و في رواية أخرى عن رسول اللّه:

«إنّما مثل الذي يتصدّق بالصدقة، ثمّ يعود فيها مثل الذي يقيئ ثم يعود في قيئه» «1».

لا أقول إنّ شرط

الفسخ يضاد القربة، بل المراد أنّ الصدقة و العتق و الوقف، اخراج للمال عن الملكية، و بذل له في سبيل اللّه، فشأن عمل مثلها، هو الاخراج و الاعراض لا العود إليه ثانيا بالفسخ و الرجوع و بالتالي ابطاله و بالنتيجة فهذه النكتة تصد العقلاء من تصحيح خيار الفسخ فيه و إن لم يكن مانعا من القربة.

نعم الذي ينافيها هو شرط الرجوع فيما بذله في سبيل اللّه لا مطلق جعل شرط فيه، و لذلك جاء جعل الشرط في الوقف و العتق، أمّا الأوّل فما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عمّا أوصى به علي- عليه السلام- و قضى و جاء فيها: «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه ...» «2» و ليس مثل هذا الشرط رجوعا و لا منافيا، لقوله «فما جعل للّه عزّ و جلّ فلا رجعة فيه» لأنّه إنّما ينافي إذا شرط بيع الواقف لصالح نفسه، لا بيع الموقوف عليه عند حاجته فإنّ مثل ذلك

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 11 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث 1 و 2 و غيرهما.

(2)- المصدر نفسه: الباب 10 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 182

يعد من انتفاع الموقوف عليه من الأصل كانتفاعه من الفرع.

و أمّا الثاني فقد تضافرت الروايات على جعل الشرط في العتق. و في نفس هذه الرواية «إنّ ما كان لي من مال «ينبع» يعرف لي فيها و ما حولها، صدقة و رقيقها- غير «أبي رياح» و «أبي نيزر» و «جبير»- عتقاء ليس لأحد عليهم سبيل فهم موالي، يعملون في المال خمس حجج. و منه نفقتهم و رزقهم و

رزق أهاليهم».

و روى عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

«أوصى أمير المؤمنين فقال: إنّ «أبا نيزر» و «رباحا» و «جبيرا» عتقوا على أن يعملوا في المال خمس سنين» «1». و قد استفاضت الروايات على جواز العتق و شرط العمالة عليه «2» و لا يعد مثل ذلك رجوعا في الصدقة و إنّما هو تضييق للمبذول من أوّل الأمر بصورة الشرط فإنّ منافع العبد لمولاه فله بذل جميعها و قبض بعضها و كونه استثناء أو شرطا، ليس له تأثير في المقام.

هذا كلّه في هذا القسم من الايقاعات و أمّا غيرها كالطلاق، فلا يصحّ فيه شرط الخيار، و ذلك لأنّ الزوجة أرفع شأنا من أن يتساوم معها الزوج كتساوم المتعاملين فيطلق بشرط خيار الفسخ و لأجل الاشعار بكرامتها و ترفّعها نرى أنّ للطلاق و النكاح مراسم بين الأمم جميعا كل ذلك يعرب عن ترفّع شأنها، و أهمية الأمرين قال سبحانه: الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ (البقرة/ 229) غير أنّه لأجل صيانة العلقة بين الزوجين، جعل للرجل حق الرجوع من دون أن يشترطه و هو في الحقيقة تمسّك بالزوجيّة التي كانت في مظنّة الزوال لو لا التدارك بالرجوع.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 10 من أبواب العتق، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه: الباب 12 من أبواب العتق، الحديث 1 و 2 و 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 183

بقي الكلام في الصلح و الابراء، أمّا الأوّل: فلو كان في مقام المعاوضة يدخل فيه الخيار بلا اشكال، و أمّا لو كان في مقام الابراء، كالصلح قبل ثبوت الحق فلمنافاته لحكمة التشريع، فإنّه لقطع النزاع، و اشتراط الخيار إعادة للنزاع، و هذا و إن كان

حكمة و لا يدور الحكم مدارها، لكنّها كافية لأن تقع سببا لانصراف أدلّة خيار الشرط عن مورده على وجه يتجلّى شرط الفسخ أمرا منافيا لمضمونه عند العرف، و منه يظهر حال الابراء مضافا إلى أنّه كرامة من المبرئ، و لا كرامة في شرط الرجوع.

هذا كلّه في الايقاعات و قد علمت أنّه لا ضابطة كلّية تدل على عدم صحّة جعل الخيار فيها، و إنّما الملاك ملاحظة كل نوع بخصوصه حسب مضمونه و ملاك تشريعه.

الموضع الثاني: حكم الخيار في العقود الجائزة:

إنّ العقود الجائزة على قسمين: قسم لا يعتريها اللزوم في حال من الأحوال كالوكالة و الوديعة و الهبة غير المعوّضة إلى غير ذي الرحم، فجعل خيار الشرط فيها لغو إلّا أن تصير لازمة بالعرض فحينئذ يجوز اشتراط الخيار فيها في ضمن عقد آخر و توهّم أنّه يجب على هذا عدم اجتماع الخيارين في عقد واحد كالمجلس و الحيوان، و الغبن و العيب، فإنّ أحدهما يغني عن الآخر، مدفوع بالفرق بين المقام، و ما عطف عليه، فإنّ خياري المجلس و الحيوان من قبيل الحقوق، و مثله خيار العيب و الغبن، فيجوز إسقاط أحدهما و ابقاء الآخر، و هذا بخلاف الجواز في هذه المعاملات، فإنّه حكم غير قابل للاسقاط و معه لا حاجة لجعل الخيار، و بالجملة العقد الذي هو جائز بالذات ما لم يعرض عليه عنوان موجب للّزوم، لا حاجة

المختار في أحكام الخيار، ص: 184

لجعل الخيار.

و أمّا القسم الثاني، أعني: ما ربّما يطرأ عليها اللزوم و لو في بعض الأحوال كالهبة إلى ذي رحم أو مطلق الهبة إذا تصرّف فيها الموهوب له، فجعل الخيار فيها و إن كان غير لغو لكنّه إنّما يصحّ إذا كان اللزوم فيها لزوما حقّيا لا حكميا

شرعيا غير قابل للاسقاط و التغيير، و هو ليس ببعيد كما سيوافيك.

الموضع الثالث: حكم الخيار في العقود اللازمة:

لا شك في جواز جعل الخيار في العقود اللازمة ما لم يقترن بمانع، كالبيع و الاجارة و المضاربة و المساقاة و المزارعة و ما أشبهها. إنّما الكلام في بعض المصاديق و إليك الكلام فيها:

1- النكاح: إنّ النكاح عقد لازم و لكن لزومه حكمي لا حقّي، شرعي لا جعلي، باشتراط المتعاقدين، و الانسان يلمس ذلك من المرتكزات العرفية فإنّ النكاح بين الأمم و الشعوب أعلى من أن يتعامل معه معاملة سائر العقود، و لأجل ذلك له مراسيم بين الأمم كما أنّ لانحلاله أيضا مراسيم، و هذا يعرب عن أنّ المتديّنين يتلقّون لزومه من جانب الشرع و ربّ الزوجين، كما أنّ غيرهم يتلقّونه أمرا مهمّا من المجتمعات، فعلى ذلك فليس الوجوب حقّا للزوجين حتى يكون انحلاله بيدهما بل شرعي لا يقبل الانحلال إلّا بما جعله الشرع سببا له.

و يقرب من ذلك الهبة إلى ذي الرحم، و الهبة عند تصرّف الموهوب له فيها، فإنّ اللزوم فيها حكمي لا حقّي، فلأجل صيانة مقام الرحم حرم الرجوع، و لأجل دفع العسر و الحرج و قطع النزاع، حكم باللزوم عند تصرّف الموهوب له، فمثل ذلك لا يقبل جعل الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 185

إنّما الكلام في الضابطة الكلّية لتمييز اللزوم الحكمي عن اللزوم الحقّي، فقال المحقّق النائيني: إنّ اللزوم في النكاح ناش عن حكم الشارع بلزوم نفس عنوان العقد لا عن التزام المتعاقدين، و بعبارة أخرى: كل لزوم نشأ من: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فهو حقّي و كلّما نشأ من نفس العنوان فهو حكمي، و بعبارة ثالثة: انّ اللزوم إذا كان ناشئا عن حكم الشارع بلزوم نفس العنوان فهو حكمي،

فكون رفع النكاح موقوفا على الطلاق شرعا كاشف عن أنّ رفعه ليس بيد المتعاقدين، و يدل عليه عدم مشروعية الإقالة فيه، فإنّها و الخيار توأمان، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك فإنّ لزومه حقّي «1».

يلاحظ عليه: أنّ تمييز اللزوم الحكمي عن اللزوم الحقّي بما ذكره لا يزيد إلّا إبهاما، إذ من أين نقف على أنّ اللزوم في معاملة خاصّة نشأ من حكم الشارع بلزوم نفس العنوان أو من التزام المتعاقدين. و الأولى استكشافه من طرق أخرى، كملاحظة طبع المعاملة «2» من علوّ مقامها و قد استها لدى العرف من أن تخضع لخيار الشرط كالنكاح أو لمخالفته لما هو الغاية من المعاملة، كجعله في عقد الرهن فإنّ تسلط الراهن على العين المرهونة لا يجمع مع غرض المرتهن، أو لاستنكار العرف كالهبة لذوي الرحم، إلى غير ذلك من الامارات و القرائن التي تثبت كون اللزوم حكميا كما هو الحال في الأمثلة الآتية.

ثمّ إنّ كون لزوم النكاح حكميا لا ينافي الرجوع في العدّة الرجعية، و الفسخ بالعيوب، فإنّ الأوّل تمسّك بالزوجية قبل زوالها لا أنّه ذو خيار بل أنّ الطلاق في الرجعية إنّما يؤثّر إذا خرجت عن العدّة و لم يرجع إليها الزوج، فبالرجوع تنتفي العلّة

______________________________

(1)- منية الطالب: 2/ 56.

(2)- و قد عرفت أنّه الميزان أيضا لتمييز اللازم عن الجائز أيضا، و قد مرّ تفصيله في الفصل الأوّل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 186

التامّة للطلاق، فكأنّ النكاح كان أمرا في حال الذوبان و الانحلال، فرخّص الشارع للزوج أن يخرجه عن هذه الحالة، و أمّا الفسخ بالعيوب فهو استثناء عن اللزوم الشرعي. و قد قدّمنا الكلام في ذلك في صدر الكتاب.

2- الرهن و الضمان و الحوالة و الكفالة:

فالظاهر عدم جواز خيار الشرط فيها، لأنّ جعل الخيار فيها ينافي الغرض المقصود، لأنّ غرض المرتهن من الرهن هو كسب الوثوق، و مع جعل الخيار يزول هذا الغرض، كما أنّ غرض المضمون له من التضمين بعد فراغ ذمّة المضمون عنه، هو الرجوع إلى الضامن، فلو شرط الضامن الخيار في الضمان لغى التضمين، و مثله الكفالة، و تصوّر أنّ الأغراض دواع و حكم لا علل و مناطات غير مضرّ لما عرفت من أنّ كون الداعي من هذه المعاملات هو كسب الوثوق و الاطمئنان، يوجب انصراف أدلّة الخيار عن هذه المعاملات، و كون هذه المعاملات غير قابلة للخيار في نظر العقلاء.

3- و بذلك يظهر عدم صحّة جعل الخيار في القرض، لأنّ الغاية من الاقتراض هو رفع الحاجة و جعل الخيار و لزوم رجوع العين أو بدلها قبل الأجل لا يجتمع مع هذه الغاية، و هو كاف في سببيّة الانصراف.

4- و أمّا المعاطاة فيجوز فيها جعل الخيار و تصوّر أنّ السبب القولي لا يرتبط بالسبب الفعلي كما ترى، و ذلك أنّ الارتباط المطلوب، ليس هو الارتباط التكويني بل الاعتباري، و يكفي في ذلك البيان باللفظ.

5- الجعالة و السبق و الرماية، الظاهر عدم صحّة شرط الخيار فيها فإنّها قبل العمل ما لم يصل إلى النتيجة عقود جائزة، و بعدها عقود لازمة غير قابلة للفسخ.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم ذكر ضابطة في تمييز ما يجوز فيه جعل الخيار عمّا لا يجوز، و قال: «الأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط بصحّة

المختار في أحكام الخيار، ص: 187

التقايل في العقد، فمتى شرّع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة أحدهما أو كليهما على الفسخ ...» «1».

و لكنّه

يتم في جانب الأصل، فإنّ جواز التقايل بعد العقد يكشف عن أنّ زمام المعاملة بيد المتعاقدين و ليس للشارع حكم تعبّدي وراء رضاهما، فإذا جازت الإقالة بعد العقد جاز التزلزل قبل العقد، و لا يصحّ في العكس، و هو أنّ ما لا تجوز الإقالة فيه لا يجوز جعل الخيار إذ من الممكن أن يكون للعقد قبل حدوثه حكما مغايرا لحكمه بعد الحدوث فالمكلّف يكون في فسحة قبل العقد، و له أن يتقلّب كيف ما شاء و لو بجعل الخيار، و لكنّه لمّا عقد و التزم لا يكون له الهدم بالإقالة.

______________________________

(1)- المتاجر، قسم الخيارات ص 234.

المختار في أحكام الخيار، ص: 189

الفصل الخامس خيار الغبن

اشارة

تعريف الغبن.

دليل خيار الغبن.

شروط خيار الغبن.

طرق ثبوت جهل المغبون.

هل ظهور الغبن محدث للخيار أو كاشف عنه؟

في مسقطات خيار الغبن الأربعة:

أ- الاسقاط بعد العقد.

ب- اشتراط السقوط في متن العقد.

ج- تصرّف المغبون بعد العلم بالغبن.

د- تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن.

في تصرّف الغابن.

في حكم تلف العوضين مع الغبن.

عدم اختصاص خيار الغبن بالبيع.

هل خيار الغبن فوري أو لا؟

المختار في أحكام الخيار، ص: 191

خيار الغبن

[تعريف خيار الغبن]

أمّا الغبن في اللغة، فقد قال في الصحاح: و هو بالتسكين في البيع و بالتحريك في الرأي.

و قال ابن منظور في اللسان: و غبنت رأيك: أي نسيته و ضيّعته، و غبن الشي ء: و فيه غبنا و غبنا: نسيه و اغفله و جهله. الغبن: ضعف الرأي، و الغبن في البيع و الشراء: الوكس. غبنه: أي خدعه، و غبنت في البيع إذا غفلت عنه.

و قال الفيروزآبادي في القاموس: غبن الشي ء و فيه: نسيه أو اغفله أو غلط فيه، و غبن رأيه: ضعف.

و هذه الكلمات: تعطي أنّ المقوّم لصدق الغبن هو غفلة الطرف أو جهله أو نسيانه في مقابل علم الغابن و إغفاله، فتكون النتيجة شرطية علم الخادع و جهل المخدوع، فلو كان الخادع جاهلا أو المخدوع عالما لا يتحقّق الغبن، و لا تصدق الخدعة، و أمّا قوله سبحانه: إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ يُخٰادِعُونَ اللّٰهَ وَ هُوَ خٰادِعُهُمْ (النساء/ 142) فلا يدل على عدم شرطية جهل المخدوع بحجّة: أنّ المراد منه هو اللّه سبحانه و هو عالم و ذلك أنّه سبحانه ينقل رأي المنافقين و أنّهم يظنّون أنّه

المختار في أحكام الخيار، ص: 192

سبحانه لا يعلم تخطيطاتهم و مؤامراتهم، ثمّ هو يرد عليهم بأنّه سبحانه خادعهم بمعنى ابطال مخططاتهم، فاستعمال الخدعة في كلا الموردين بالعناية، أمّا الأوّل

فبما عرفت، و أمّا الثاني فمن باب المشاكلة و المجاراة. و على أي حال فلو كان اللفظ حقيقة في الخدعة يكون معناه اللغوي أوسع ممّا يستعمله الفقهاء، فإنّهم يتوسّعون في استعماله، حيث يطلقونه مع جهل الطرفين، بل حتى مع علم الآخر و إن لم يترتّب عليه أثر الغبن أعني الخيار لأجل كون الطرف، مقدما عليه، و على ذلك فاللفظ أمّا منقول من المعنى اللغوي إلى معنى أوسع أو هناك توسّع في الاستعمال مجازا.

تعريف الغبن:

فالغبن: هو التمليك بما يزيد على القيامة مع جهل الآخر، أو مبادلة مال بأزيد عن ثمنه المثلي. و بما أنّه لم يرد فيه نص لم يذكره الصدوق في المقنع، و لا المفيد في المقنعة و لا الشيخ في النهاية، و لكن أوعز إليه في الخلاف في مسألة تلقّي الركبان، و قال: «تلقّي الركبان لا يجوز، فإن تلقّى و اشترى كان البائع بالخيار إذا ورد السوق إلّا أنّ ذلك محدود بأربعة فراسخ فإن زاد على ذلك كان جلبا، و لم يكن به بأس، و للشافعي فيه قولان: أحدهما: لا يجوز و لم يحدّه، و الثاني: ليس له الخيار، دليلنا اجماع الفرقة و أخبارهم، و روى أبو هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن تلقّي الجلب، فإن تلقّى متلقّ فاشتراه، فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق» «1».

و قال القاضي: و من ابتاع شيئا و ظهر له فيه غبن، فلا يخلو إمّا أن يكون من

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3، كتاب البيع، ص 172 المسألة 282.

المختار في أحكام الخيار، ص: 193

أهل الخبرة أو لا يكون كذلك، فإن كان من أهل الخبرة لم يكن له ردّه، و إن لم يكن من

أهل الخبرة و كان مثله لم تجر العادة، فسخ العقد إن أراد، و إن كانت العادة جرت بمثله لم يكن له خيار «1».

و قال ابن حمزة: خيار الغبن أن يبيع شيئا أو يبتاع و هو غير عالم بالقيمة و فيه غبن لا يتغابن بملكه في مثله فإذا علم كان له الخيار «2».

و قال ابن زهرة في الغنية: السبب الخامس للخيار: ظهور غبن لم تجر العادة بمثله بدليل الاجماع المشار إليه، و يحتج على المخالف بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا ضرر و لا ضرار و من اشترى بمائة ما يساوي عشرة، كان في غاية الضرر- و بنهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- عن تلقّي الركبان، و قوله: «فإن تلقّى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق، لأنّه إنّما جعل له الخيار لأجل الغبن «3».

و قال المحقّق: من اشترى شيئا و لم يكن من أهل الخبرة و ظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به، كان له فسخ العقد إذا شاء.

و ذكر في الجواهر أنّه لم يجد خلافا في المسألة بين من تعرّض له عدا ما يحكى عن المحقّق في حلقة درسه، و استظهره في الدروس من كلام الاسكافي لأنّ البيع مبني على المغالبة.

و نسبه في التذكرة إلى علمائنا «4».

______________________________

(1)- المهذّب: 1/ 361.

(2)- الوسيلة: 237. و يحتمل أن يكون «بملكه» مصحف «بمثله» فلاحظ.

(3)- الغنية: 588.

(4)- الجواهر: ج 23 ص 41.

المختار في أحكام الخيار، ص: 194

هذه كلمات أصحابنا و أمّا غيرهم فذكره ابن قدامة في المغني و قال: يثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع:

أحدها: تلقّي الركبان إذا تلقّاهم فاشترى منهم و باعهم و غبنهم.

الثاني: بيع النجش. (و هو أن يزيد

في قيمة السلعة ليشتريه الغير بقيمة أزيد).

الثالث: المسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ و الامضاء و بهذا قال مالك، و قال ابن أبي موسى. و قد قيل لزمه البيع و ليس له فسخه و هذا مذهب أبي حنيفة و الشافعي، لأنّ نقصان قيمة السلعة مع سلامتها، لا يمنع لزوم العقد كبيع غير المسترسل و كالغبن اليسير ... «1».

ثمّ إنّ المراد بالزيادة في التعريف إنّما هي مع ملاحظة ما انضمّ إليه من الشرط، فلو باع ما يساوي مائة دينار بأقلّ منه مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن، لأنّ المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم، و هكذا غيره من الشروط بل في تعليقة السيد الطباطبائي نفي خيار الغبن مع ثبوت الخيار بوجه آخر سواء كان من جهة الاشتراط أو غيره، كخيار الحيوان إذا كان المغبون هو المشتري لقصور الأدلّة عن الشمول خصوصا إذا كان المدرك قاعدة الضرر.

و الحاصل: أنّه يلاحظ الغبن مع توابع العقد و لوازمه و شروطه:

أدلّة خيار الغبن:

اشارة

ثمّ إنّه استدل على خيار الغبن بوجوه و هي بين تامّة و غير تامّة و إليك

______________________________

(1)- المغني: 3/ 522- 523.

المختار في أحكام الخيار، ص: 195

البيان:

[1- خيار الغبن في القرآن]

الأوّل: قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ (النساء/ 29) فقد استدلّ العلّامة بذيل الآية و قال: معلوم أنّ المغبون لو عرف الحال لم يرض بالمعاملة و لما كان مقتضى التعليل بطلان المعاملة، لا كون المغبون ذا خيار، أورد عليه في الجواهر: أنّ التراضي حاصل بالضرورة و إلّا كانت المعاملة باطلة لا أنّ فيها الخيار «1».

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم حاول تصحيح الدليل، و قال: و توجيهه: إن رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عمّا يدفعه، مبنيّ على عنوان مفقود، و هو عدم نقصه عنه في المالية، فكأنّه قال: اشتريت هذا الذي يساوي درهما بدرهم، فإذا تبيّن أنّه لا يساوي درهما تبيّن أنّه لم يكن راضيا به عوضا، لكن لما كان المفقود صفة من صفات المبيع لم يكن تبيّن فقدها كاشفا عن بطلان البيع، بل كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبيّن فقدها إلّا الخيار فرارا عن استلزام لزوم المعاملة إلزامه بما لم يلتزم و لم يرض به، فالآية إنّما تدلّ على عدم لزوم العقد.

ثمّ أورد عليه بأمرين:

1- إنّ الوصف المذكور إنّما يوجب ذلك إذا كان عنوانا لا داعيا، و من المعلوم أنّه من قبيل الثاني الذي لا يوجب تخلّفه شيئا.

2- لو فرضنا أنّه أخذ على وجه التقييد و لكنّه إنّما يوجب إذا ذكر في متن العقد، و المفروض عدمه.

يلاحظ على التوجيه: أنّ الآية تنهى عن الأكل بالباطل و تستثني الأكل

______________________________

(1)- الجواهر: ج 23، ص 42.

المختار

في أحكام الخيار، ص: 196

بالتجارة عن تراض، و أمّا التفصيل الذي جاء في كلامه فلا تدلّ عليه الآية، و إنّما هو محاسبات عقلية لتصحيح الخيار، و الاستدلال إنّما يتمّ إذا كانت الآية دالّة عليه بإحدى الدلالات الثلاث، و هي لا تدلّ إلّا على حرمة الأكل بالباطل و جوازه بالتجارة عن تراض مضافا إلى ما سيوافيك من تفسير الآية.

الثاني: الاستدلال بصدر الآية قائلا بأنّ أكل المال على وجه الخدع ببيع ما يساوي درهما بعشرة، مع عدم تسلّط المخدوع بعد تبيّن خدعه على ردّ المعاملة و عدم نفوذ ردّه، أكل للمال بالباطل، أمّا مع رضاه بعد التبيّن بذلك، فلا يعدّ أكلا بالباطل، و مقتضى الآية و إن كان حرمة الأكل حتى قبل تبيّن الخدع إلّا أنّه خرج بالاجماع و بقى ما بعد اطلاع المغبون و ردّه للمعاملة.

أورد عليه الشيخ: بأنّه يعارضه ظاهر الذيل، أعني قوله سبحانه: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ بناء على عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي فمع التكافؤ يرجع إلى أصالة اللزوم «1» و حاصل ما ذكره أنّ صدر الآية يدل على البطلان و ذيلها يدلّ على الصحّة، فيتكافأ الظهوران و يتساقطان، فيرجع إلى الأصل.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ الاستدلال بالصدر على الخيار في المقام يستلزم دلالته على معنيين مختلفين يشكل الجمع بينهما بدلالة واحدة، لأنّه يدل بالدلالة المطابقية على بطلان الأكل بالأسباب الباطلة- كما هو ظاهر الآية- و يدلّ حسب استظهار الشيخ على صحّة الأكل و جوازه مع الخيار في المقام، مع أنّ الجمع بين المعنيين و استظهارهما من الآية مشكل جدا.

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات، ص 234.

المختار في أحكام الخيار، ص: 197

و مثله الذيل فإنّ لازم الاستدلال به على المقام يستلزم

دلالته على صحّة الأكل و لزوم العقد تارة، و صحّته دون لزومه أخرى و هو كما ترى، و الجملة الواحدة لا تكون كافلة لبيان الأمرين.

و هذا يعرب عن بطلان التمسّك بهما و أنّه مبنيّ على الخلط بين مفاد الآية و حكم العقلاء في المقام كما سيوافيك.

و ثانيا: أنّ هذا النحو من التفسير لا يناسب ساحة القرآن، إذ كيف يؤخذ بظهور الصدر قبل انضمام الذيل إليه، فتكون النتيجة التعارض و التساقط و الرجوع إلى الأصل و ليس للآية إلّا ظهور واحد لا ظهوران، و لأجل توضيح الحال نرجع إلى تفسير الآية صدرها و ذيلها فنقول:

إنّها في مقام بيان المنع عن أكل المال بالأسباب المحرّمة و جوازه إذا كانت محلّلة، و ليس لها شأن بالمسبّبات إذا كانت الأسباب محلّلة- كما في البيع المشتمل على الغبن- و إليك التوضيح:

إنّ مضمون الآية ورد في غير واحد من الآيات، و لا يعلم المراد إلّا بنقل الجميع و تفسيرها عن طريق التفسير الموضوعي.

أ- قال سبحانه: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا «1» بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ النّٰاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة/ 188).

يقول الطبرسي: لا يأكل بعضكم مال بعض بالغصب و الظلم و الوجوه التي لا تحل، و قيل معناه: لا تأكلوا أموالكم باللهو و اللعب مثل ما يؤخذ في القمار

______________________________

(1)- الإدلاء: ارسال الدلو في البئر لنزح الماء، كنّى به عن مطلق تقريب المال إلى الحكّام ليحكموا كما يريده الراشي.

المختار في أحكام الخيار، ص: 198

و الملاهي. لأنّ كلّ ذلك من الباطل، و روي عن أبي جعفر أنّه يعني بالباطل:

اليمين الكاذبة، يقتطع به الأموال. و روي عن أبي عبد اللّه قال: كانت قريش تقامر الرجل

في أهله و ماله فنهاهم اللّه. و الأولى حمله على الجميع لأنّ الآية تحتمل الكل «1».

و تؤيّد ما ذكره لفظة «الباء» في بِالْبٰاطِلِ الدال على السببية فالآية تدل على حرمة الأكل بالأسباب الباطلة التي عرفت- لا بالأسباب الصحيحة كالتجارة مع الرضا-.

ب- قال سبحانه: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هٰادُوا حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ طَيِّبٰاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ كَثِيراً. وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوٰالَ النّٰاسِ بِالْبٰاطِلِ وَ أَعْتَدْنٰا لِلْكٰافِرِينَ مِنْهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً (النساء/ 160- 161).

قال الطبرسي في تفسير الباطل: أي بغير استحقاق و لا استيجاب و هو ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام كقوله: وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ (المائدة/ 62) و ما كانوا يأخذونه من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم و يقولون هذا من عند اللّه و ما أشبه ذلك من المآكل الخبيثة، عاقبهم اللّه تعالى على جميع ذلك بتحريم ما حرّم عليهم من الطيّبات «2».

ج- قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبٰارِ وَ الرُّهْبٰانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ النّٰاسِ بِالْبٰاطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ (التوبة/ 34).

قال الطبرسي: يأخذون الرشا على الحكم «3».

______________________________

(1)- مجمع البيان: ج 1/ 282 ط صيدا.

(2)- المصدر نفسه: ج 2/ 138.

(3)- المصدر نفسه: ج 3/ 25.

المختار في أحكام الخيار، ص: 199

إنّ هذه الآيات و ما نقلناه عن أمين الإسلام حولها، يفسّر قوله سبحانه:

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ (النساء/ 29) و قد اشتهر التمسّك بالآية منذ قرون في مورد المسبّبات، مع أنّها كاخواتها ناظرة إلى الأسباب المحرّمة و الآية بصدد تحريم الأكل عن طريق السبب الحرام، و تسويغ الأكل بالسبب المحلّل، و البيع

من الأسباب المحلّلة و اشتماله على الغبن لا يجعله من الأسباب المحرّمة فهو خارج عن الآية خروجا موضوعيّا فلا صلة لها به.

2- الروايات الواردة في كتب الفريقين:

اشارة

الروايات التي استدل بها على خيار الغبن على صنفين: صنف ورد في مورد تلقّي الركبان، و صنف في غيره، أمّا الأوّل فإليك ما وقفنا عليه:

1- روى أبو هريرة: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن تلقّي الجلب فإن تلقّى متلقّ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق «1».

2- روى البيهقي: لا تلقّوا الجلب فمن تلقّاه و اشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار «2».

3- روي في دعائم الإسلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه نهى عن تلقّي الركبان.

قال جعفر بن محمد- عليهما السلام-: هو تلقّي الركبان لشراء السلع منهم خارجا عن

______________________________

(1)- سنن أبي داود: 3/ 299 الحديث 3437، سنن الترمذي: 3/ 524، الحديث 1321، و نقله الشيخ في الخلاف: 3/ 173، المسألة 282 من كتاب البيوع، و أوعز إليه في الغنية في فصل أسباب الخيار و مسقطاته.

(2)- سنن البيهقي: ج 5/ 348.

المختار في أحكام الخيار، ص: 200

الأمصار لما يخشى في ذلك على البائع من الغبن و يقطع بالحاضرين في المصر عن الشراء إذا خرج من يخرج لتلقّي السلع قبل وصولها إليهم «1».

و هل الخيار الوارد في روايتي أبي داود و البيهقي، هو خيار تلقّي الركبان و إن لم يكن هناك غبن، أو هو خيار الغبن، حكى الأوّل عن بعض فقهاء أهل السنّة و كأنّه تصوّر أنّ للتلقّي موضوعية و لكن قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الروايتين: «فإذا ورد السوق» أو أتى السوق، قرينة على أنّ المراد منه هو

خيار الغبن، لأنّه كناية عن الوقوف على السعر، لأنّ الأسعار تتبيّن في الأسواق.

أضف إلى ذلك ما نقله صاحب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- حيث فسّره بالغبن، و هذه الروايات صالحة لتأييد ما سنذكره من الروايات من طرقنا، و أمّا الثاني فإليك البيان:

4- روى إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: غبن المسترسل سحت «2».

5- روى ميسّر عنه قال: غبن المؤمن حرام «3» و الاسترسال الاستئناس إلى الانسان و الثقة بما يحدّثه.

6- قال الصدوق: قال الصادق- عليه السلام-: غبن المسترسل سحت، و غبن المؤمن حرام «4».

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل: ج 13، الباب 13، من أبواب الخيار، الحديث 1، و هو يفسر الحديثين المتقدمين و أنّ المراد من الخيار الوارد فيهما هو خيار الغبن، لا خيار التلقّي.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 17 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 17 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2.

(4)- المصدر نفسه: ج 12، الباب 9 من أبواب التجارة، الحديث 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 201

7- روى عمر بن جميع عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنّه قال: غبن المسترسل ربا «1».

8- روى ابن طاوس في كتاب الاستخارات عن أحمد بن محمد بن يحيى عن الصادق- عليه السلام- في تعليم آداب التجارة لبعض أصحابه: و لا تكتم عيبا يكون في تجارتك و لا تغبن المسترسل، فإنّ غبنه لا يحل «2».

9- روى جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها فلمّا أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها، ثم رجع فاستقال صاحبه، فلم يقله، فقال أبو عبد اللّه:

إنّه لو قلّب منها و نظر إلى تسعة و تسعين قطعة، ثمّ بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية «3».

و هذه الروايات ضعيفة الدلالة إلّا الأخيرة كما سيوافيك بيانه، و ذلك لأنّ المراد من الغبن أمّا المعنى المصدري أو الزيادة الحاصلة بالبيع الغبني، و على كل تقدير لا يدل إلّا على حرمة نفس العمل أو الزيادة لا على صحّة المعاملة و جوازها مع وجود الخيار للمغبون.

و يؤيّد المعنى الثاني تشبيه الزيادة بالبيع الربوي فهذه الزيادة مثل الزيادة في الربا سحت.

نعم يمكن الاستئناس بالحديث الأخير و سيوافيك بيانه.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 9 من أبواب التجارة، الحديث 5.

(2)- مستدرك الوسائل: ج 13، الباب 13، من أبواب الخيار، الحديث 1.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 15 من أبواب الخيار، الحديث 1، و غيره.

المختار في أحكام الخيار، ص: 202

10- روى زرارة في حديث: أنّ رسول اللّه قال: لا ضرر و لا ضرار «1».

و وصفه الشيخ الأعظم بأنّه أقوى ما استدل به و قال: إنّ لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلّط المغبون على فسخه ضرر عليه، و اضرار به، فيكون منفيا، فحاصل الرواية أنّ الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر، و لم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا «2» و لم يمض لهم من التصرّفات ما فيه ضرر على الممضى عليه «3» و منه تظهر صحّة التمسّك بها لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضررا على الممضى عليه سواء أ كان من جهة الغبن أم لا، و سواء أ كان في البيع أم في غيره «4».

و لمّا كانت تلك القاعدة الدليل الوحيد عند البعض في المقام و غيره فلا بأس بإفاضة القول فيها على

وجه يناسب المقام و ذلك في ضمن أمور:

1- إنّ التمسّك بها متفرّع على التفسير الذي اختاره الشيخ للقاعدة من أنّ المنفي هو الحكم الضرري، فكل حكم كان ضرريا في جميع الحالات أو بعضها فهو مرفوع، فإيجاب الوضوء على المريض ضرريّ و إن كان غير ضرريّ في حالة الصحّة لكنّه إذا كان ضرريا في حالة المرض، يكون مرفوعا، و وزان القاعدة وزان حديث الرفع، فإنّ رفع «النسيان» و «ما لا يعلم» كناية عن رفع الحكم المنسيّ المجهول، فالشارع في محيط التشريع ينفي هذه الأحكام بنفي العناوين العارضة لها.

2- إنّ المرفوع تارة هو الحكم التكليفي كحرمة أكل الميتة في مورد الاضطرار

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 17 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(2)- ناظر إلى صحّة استفادة الحكم التكليفي منه.

(3)- ناظر إلى استفادة الحكم الوضعي منه أيضا.

(4)- المتاجر، قسم الخيارات ص 235.

المختار في أحكام الخيار، ص: 203

فمن اضطرّ إلى أكل الميتة أو أكل مال الغير في عام المجاعة فهو مرفوع، و أخرى الحكم الوضعي و هو لزوم المعاملة في المقام، فإنّ ايجاب الوفاء على المغبون حكم ضرري فهو مرفوع، كما أنّ الحكم بحرمة أكل الميتة اضرار على النفس فهو مرفوع.

3- إنّ الموضوع الضرري إن كان له حكم واحد يرتفع الضرر برفعه، فهو المتعيّن للرفع، و إن كان له حكمان يرتفع الضرر برفع أحدهما، فإن كان بينهما ترتب فالمرفوع هو المتأخّر، و إلّا فهو أحدهما لا على التعيين، و كذا في كل مقام كان هناك حكمان أو أحكام يلزم الضرر من ثبوت الجميع، و يرفع برفع أحدهما، ففي ما نحن فيه نقول: إنّ البيع المغبون فيه موضوع ضرري و له حكمان: أحدهما الصحّة و الآخر اللزوم، و الضرر

إنّما يلزم من ثبوت كليهما، لكن اللزوم متأخّر طبعا عن الصحّة فهو المتعيّن للرفع «1».

4- نعم: إنّ قاعدة لا ضرر و إن كانت تنفي الحكم، و لا تثبته فوزانها وزان حديث الرفع، فهو حديث رفع لا حديث وضع، و على ذلك فغاية ما تثبته القاعدة هو نفي اللزوم لا اثبات الخيار بين الفسخ و الامضاء لكن يكفي في اثبات الخيار، نفي الحكم فإنّ نفي اللزوم عبارة أخرى عن كون المعاملة جائزة، و جواز المعاملة يساوق كون الخيار بيد المشتري، فله الامضاء أو الفسخ.

أضف إلى ذلك: أنّ حديث لا ضرر ورد في محيط التشريع فهو يخبر عن نفي أيّ حكم ضرري مجعول، و بالتالي عن عدم توجّه أيّ ضرر إلى المسلمين من جانب التشريع، فعلى ذلك لو كان رفع الحكم كافيا في نفي الضرر عن المسلم فهو، و إلّا فلو توقّف على اثبات حكم آخر، يثبت قطعا، مثلا لو غصب شخص

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي، قسم الخيارات، ص 37.

المختار في أحكام الخيار، ص: 204

مال غيره و تملّكه، فالقاعدة لا تمضيه لكنّه لا يكفي في رفع الضرر إلّا إذا حكم عليه بالضمان عند التلف، فلو تلف المال في يده أو أتلفه، تجعل القاعدة ذمّته مشغولة بالمثل أو القيامة و إلّا لزم الضرر، و إن شئت قلت: إنّ قاعدة الضرر قد ترفع الحكم عن الموضوع الضرري إن كان ذلك الحكم هو الموجب للضرر، و قد تثبت حكما آخر له إن كان عدم الاثبات موجبا له كما في إتلاف مال الغير فإنّ عدم جعل الضمان حكما لهذا الموضوع يستلزم الضرر.

5- فإن قلت: إنّ الضرر كما يندفع بالخيار بين الفسخ و الامضاء يندفع بتخيير الغابن المغبون بين امضاء العقد

بكل الثمن، و ردّ الغابن بالمقدار الزائد، غاية الأمر يثبت الخيار للغابن لتبعّض المال عليه، و أيضا يرتفع بتسلّط المغبون على إلزام الغابن بأحد الأمرين من الفسخ في الكل و من تدارك ما فات على المغبون، و معناه أنّ للمغبون الفسخ إذا لم يبذل الغابن التفاوت، و الفرق بين الوجهين هو أنّ الأمر في الأوّل بيد المغبون، و في الثاني بيد الغابن في اختيار واحد من الفسخ و الرد، و بعبارة أخرى: انّ في الأوّل إلزام الغابن بخصوص ردّ الزائد بخلاف الثاني فإنّ له إلزامه بأحد الأمرين المترتبين و بذل الزائد، فإن لم يبذل يفسخ.

قلت: قد عرفت أنّ قاعدة «لا ضرر» كحديث الرفع فهو حديث نفي لا حديث إثبات، فشأنه نفي الأحكام التي يجي ء من ناحيتها الضرر، و إنّما يصار إلى إثبات الحكم- وراء النفي- إذا توقف نفي الضرر عليه، كما إذا أتلف الغاصب مال الغير، أو تلف تحت يده. و لكن المقام من قبيل القسم الأوّل إذ يكفي في رفع الضرر عن المغبون نفي الحكم الوضعي فقط، و صيرورة العقد جائزا بمعنى أنّ بيده الامضاء و الفسخ و أمّا إثبات جواز الالزام، و أنّه يجوز للمغبون إلزام الغابن

المختار في أحكام الخيار، ص: 205

بدفع القدر الزائد، أو أنّه يجب على المغبون القبول إذا ألزمه الغابن فهو حكم لا يتوقّف عليه دفع الضرر. و بالجملة: شأن القاعدة أوّلا و بالذات، هو النفي لا الاثبات، و إنّما يصار إلى الثاني في ظروف خاصّة و ليس المقام من قبيلها.

و أمّا ما ذكره الشيخ من ترجيح دفع الضرر بردّ المقدار الزائد لأنّ إلزام الغابن بالفسخ، ضرر لتعلّق غرض الناس بما ينتقل إليهم من أعواض أموالهم خصوصا النقود،

فغير تام، لأنّه من قبيل تفويت النفع، لا توجيه الضرر إليه.

مضافا إلى معارضته بضرر المغبون لأنّ من الناس من لا يرضى باقتناء الأجناس الرخيصة، أو لأنّه لا تقضى حاجته بها.

هذا كلّه في تشييد دلالة القاعدة على الخيار في المقام لكن في التمسّك بها في المقام اشكالا نذكره و حاصله: أنّ من المحتمل جدّا اختصاص القاعدة بنفي الأحكام التكليفية لا الوضعية كما هو خيرة شيخ الشريعة الاصبهاني و إليك تشريحه:

مفاد القاعدة:

إنّ شيخ الشريعة الاصبهاني قد ذهب إلى أنّ مفاد القاعدة هو نفي الحكم التكليفي بشهادة أنّ القاعدة وردت في موارد ثلاثة:

1- قضية سمرة بن جندب المعروفة «1».

2- مورد منع فضل الماء حيث قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ

______________________________

(1)- الوسائل: ج 17، الباب 12 من أبواب احياء الموات، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 206

فقال: لا ضرر و لا ضرار ... «1».

3- مورد الشفعة حيث قضى بالشفعة بين الشركاء في الارضين و المساكن، قال: لا ضرر و لا ضرار «2».

4- المستفاد من الأوّلين هو النهي التكليفي، أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فإنّ مراد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو النهي عن منع نقع البئر حتى يكون سببا لمنع فضل الكلأ لأنّ الراعي إنّما يقصد الكلأ إذا كانت مقرونة بالماء، فإذا منع من الماء يمنع من الكلأ قهرا، فنهى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعم الثالث ظاهر في الحكم الوضعي، إذ بيع الشريك حصته من الدار من غيره ليس بمحرّم قطعا حتى يحكم عليه بلا ضرر و لا ضرار و إنّما المحكوم هو لزوم بيعه من الغير، حيث إنّ الشريك

يتضرّر من هذا البيع فهو مرفوع، و لكن المهم هو ثبوت تذيّل حديث الشفعة بهذه القاعدة و ذلك لأنّا نرى أنّ أحمد بن حنبل روى أقضية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن عبادة بن صامت، و هي أزيد من عشرين قضية، و ليس حديث الشفعة فيه مذيّلا بالقاعدة، و إنّما جاءت القاعدة منفردة، و إليك بعض نصوصه:

و قضى رسول اللّه في الركاز الخمس.

و قضى أنّ الولد للفراش و للعاهر الحجر.

و قضى بالشفعة بين الشركاء في الارضين و الدور.

و قضى للجدّتين من الميراث بالسدس بينهما بالسواء.

و قضى أن لا ضرر و لا ضرار.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 17، الباب 7 من أبواب احياء الموات، الحديث 2.

(2)- المصدر نفسه: الباب 5، من أبواب الشفعة، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 207

و قضى أنّه ليس لعرق ظالم حق.

و قضى ... «1».

و هذه الفقرات كلّها أو جلّها مرويّة من طرقنا موزّعة على الأبواب، و غالبها برواية عقبة بن خالد، و بعضها برواية غيره، و جملة منها برواية السكوني، و الذي اعتقده أنّها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- كما في رواية عبادة بن صامت إلّا أنّ أئمّة الحديث فرّقوها على الأبواب.

و بذلك يعلم أنّه لم يثبت تذيّل حديث الشفعة بهذه القاعدة، بل هي قضية واحدة، و ليس في باقي قضاياه غير قضائه بالشفعة أو بالنهي عن منع فضل الماء، منه أثر و لا خبر، و بذلك يسقط الاستدلال بقاعدة لا ضرر على الخيار «2».

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من عدم دلالة القاعدة على نفي الحكم الوضعي مبني على كون النفي بمعنى النهي مستدلا بقوله سبحانه: فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا

فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ (البقرة/ 197) و قوله سبحانه: فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيٰاةِ أَنْ تَقُولَ لٰا مِسٰاسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ (طه/ 97) غير أنّ الصيغة حقيقة في نفي الحقيقة و حملها على النهي خلاف الظاهر و ما استشهد به من الأمثلة مع غضّ النظر عن بعضها لا يثبت إلّا جواز الاستعمال لا انحصاره فيه، فإنّ هناك من الأمثلة ما لا يجوز فيه ما ذكر، مثل قوله: لا ربا بين الزوج و الزوجة، و لا ربا بين الولد و الوالد، و من المعلوم أنّ الصيغة هناك لنفي الحقيقة لا للنهي عن الربا

______________________________

(1)- مسند أحمد، الجزء 5، ص 326.

(2)- رسالة لا ضرر، لشيخ الشريعة، ص 17 و 18، و نخبة الأزهار لتقرير بحثه بقلم الوالد- رضوان اللّه عليه- ص 173.

المختار في أحكام الخيار، ص: 208

لضرورة جواز الربا في الموردين، و قد ورد عن سيد الأنبياء و سيد الأوصياء نفس المدلول لكن بلفظ «ليس» مكان «لا».

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ليس بيننا و بين أهل حربنا ربا، نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم و نأخذ منهم و لا نعطيهم.

و قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: ليس بين الرجل و ولده ربا، و لا بين السيد و عبده ربا «1».

ما هو الحق في تفسير القاعدة:

الحق في تفسير الحديث هو المعنى الثالث، بمعنى أنّ النفي ليس بمعنى النهي كما عليه شيخ الشريعة- قدّس سرّه-، بل هو باق في معناه و لكن ليس منشأ الضرر، هو الحكم التكليفي و الوضعي حتى يكون الحديث ناظرا إلى نفيهما، بل المنشأ هو الناس و تضاربهم و تكالبهم في حطام الدنيا، و الحديث ناظر إلى نفي الضرر

في المجتمع البشري و يخبر عنه، لا عن محيط التشريع و التقنين فلا يصح ما عليه الشيخ الأعظم من جعل الحديث ناظرا إلى محيط القانون. و مع ذلك كلّه يمكن الاستدلال به على نفي الأحكام الشرعية الضررية إذا كان المبدأ و المنشأ هو الناس.

توضيحه: أنّ نفي الضرر بين الناس و عدم وجوده في المجتمع شي ء لا يمكن تصديقه حقيقة، فلا بد أن يكون الاطلاق مجازيا و ادّعائيا حتى يصح لصاحب الشريعة أن يدّعي: ليس بين المسلمين ضرر و لا بين المكلّفين إضرار، و بما أنّه أمر

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12 الباب 7 من أبواب الربا الحديث 1 و 2 و غيرهما.

المختار في أحكام الخيار، ص: 209

ادّعائي يحتاج إلى مسوّغ و ليس هو إلّا عدم تشريعه كل حكم تكليفي أو وضعيّ يكون مصدرا للاضرار و يقع مستمسكا للناس في هذا المجال.

فالشارع لما نظر إلى محيط التقنين و رأى صفحته خاليا عن الحكم الضرري قاطبة، صحّ له أن يدّعي أنّه لا ضرر بين الناس و لا ضرار بين المكلّفين و يرتّب على ذلك حرمة كل عمل يوجب الضرر على الغير، أو عدم تنفيذ كل معاملة تستلزم ذلك، هذا خلاصة المختار و التفصيل يطلب من محله «1».

و على ذلك فلا مانع من الاستدلال على الخيار بالقاعدة.

3- الاجماع:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 209

استدل على الخيار في المقام بالاجماع المحصل من زمان الشيخ إلى زماننا هذا، فقد عرفت بعض مصادر الفتوى إلى زمان المحقّق «2»، إلّا أنّ بعض كتب القدماء خالية عنه، فلم يرد في كتب الصدوق

و المفيد و لا في كتاب النهاية للشيخ و هذا يعرب عن عدم وجود النص، و أنّ الحكم اشتهر من زمن الشيخ لكنّه فتوى على وفق القاعدة، فلا يكون مثل ذلك الاجماع حجة كاشفا عن نصّ وصل إليهم و لم يصل إلينا.

4- بناء العقلاء:

و الأولى أن يستدل على الخيار ببناء العقلاء و هو أمر مسلّم بينهم حتى أنّه يلام البائع على عمله، و يحكم بأنّه للمشتري الردّ و استرداد ثمنه، و ليس ذلك البناء بناء عقلائيا تعبّديا، لتمشّي الأمور بل له أساس عقلي، و هو أنّ المبتاع إذا حاول

______________________________

(1)- لاحظ رسالة: «قاعدتان فقهيتان» لولدنا الروحاني الشيخ حسن مكي: 56- 57.

(2)- راجع ص 191- 192 من هذا الكتاب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 210

الشراء خصوصا إذا كان المبيع ذات قيمة غالية، لا يتّفق مع البائع على المعاملة إلّا و في ضميره أنّ ما يدفعه من السعر مساو للمبيع على وجه التقريب بحيث لو وقف على فقد هذا الوصف و أنّ المساواة منتفية لما أقدم على البيع، و هذا التقيّد و إن كان غير ملفوظ و لا مذكور في العقد لكنّه من القيود المفهومية التي تدل عليها القرائن اللفظية أو الحالية، فإنّ المماكسة في البيع أو السؤال من مراكز مختلفة، أصدق شاهد على أنّه لا يشتري إلّا بزعم المساواة و المقابلة، و على ذلك فهي من القيود المفهوميّة التي لا تحتاج إلى التصريح، و ذلك كقيد وصف الصحّة الذي لا يلزم ذكره في متن العقد فلو ظهر معيبا يحكم بجواز الردّ و استرداد الثمن، و ليس لأحد أن يعترض بأنّ وصف الصحّة غير مذكور و لا ملفوظ، و ذلك لأنّ القيود إنّما يلزم ذكرها فيما لا تكون

مفهومة من اللفظ أو من القرينة، و أمّا مثلها فتكفي فيه شهادة الحال أو المقال، فإذا تخلّف القيد و فقد المبيع الوصف الملحوظ فللمبتاع الردّ لأجل التخلّف.

ثمّ إنّ هذا البيان هو الذي أشار إليه الشيخ عند توجيه كلام العلّامة في التذكرة و نقلناه بنصّه، و لكن أورد عليه بأمور:

1- إنّ هذا الوصف من قبيل الداعي لا من قبيل العنوان فلا يوجب تخلّفه شيئا، و قد لا يكون داعيا أيضا كما إذا كان قصده تحصيل المتاع و إن كان ثمنه أضعاف قيمته.

2- إنّ أخذه على وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد «1».

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات، ص 234.

المختار في أحكام الخيار، ص: 211

يلاحظ عليه: أنّه كيف يدّعي أنّه من قبيل الدواعي و ليس من قبيل العناوين؟ فإنّ أساس التجارة (لا البيوع الشاذّة) على الانتفاع، فعدم التغابن أمر مطلوب للمتبايعين، لا يغافل عنه المشتري و لا البائع، و كونه داعيا بل غير داع في بعض البيوع لا يكون ملاكا للقضاء، فإنّ أغلب الناس إنّما يقدمون على الشراء بعد السؤال عن أمكنة متعدّدة، و بعد الاطمئنان بالمساواة، يقدمون على المعاملة.

و على هذا، فهو قيد مأخوذ في المعاملة يتفق عليه الطرفان.

و أمّا عدم ذكره في متن العقد، فلا يضر لأنّه إنّما يلزم إذا لم يفهم من قرينة حال أو مقال كوصف الصحّة، فالأوصاف التي لها تأثير تامّ في الرغبة و لا يغافل عنها الانسان، لا يلزم ذكرها في متن العقد، و ما ذكره- لو صحّ- فإنّما هو راجع إلى الأوصاف الكمالية، كالكتابة في العبد و الخياطة في الأمة، التي ربّما لا تكون مطلوبة.

و يمكن الاستئناس بما نقلناه عن جميل بن درّاج في مورد الضيعة،

فقد حكم الإمام بالخيار بعد ما بان أنّ جزءا من الضيعة يفقد الوصف الذي كان موجودا في أكثر أجزاء الضيعة، و قال: لو قلّب منها و نظر إلى تسعة و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة و لم يرها، لكان له في ذلك خيار الرؤية «1».

و الجامع بين المقام و مورد الرواية هو فقد الوصف، ففي المقام المبيع يفقد وصف المساواة للسعر الذي أخذه البائع في مقابله، كما أنّ الجزء الأخير من الضيعة في الرواية يفقد الوصف الموجود في سائر الأجزاء.

و أظن أنّ الاستدلال ببناء العقلاء أصلح و أسلم من الاشكال، و لا يكاد ينكره ملمّ بالمعاملات الرائجة في العالم بين الناس أو بين الشركات.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 15، من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 212

شروط الخيار:

اشارة

يشترط في هذا الخيار أمران:

الأوّل: عدم علم المغبون بالقيمة.

اشارة

الثاني: كون التفاوت فاحشا.

أمّا الأوّل: فإنّ المغبون إمّا أن يكون جاهلا بالقيمة أو غافلا عنها، أو عالما بغبنه أو مطمئنا أو ظانّا أو شاكّا، لا شك في ثبوت الخيار في الصورتين الأوليين سواء قلنا بأنّ مدرك الخيار هو حديث تلقّي الركبان، و ما عطف عليه من الروايات، من كون غبن المؤمن سحتا، أو قلنا بأنّ مدركه هو قاعدة «لا ضرر» أو «بناء العقلاء»، فعلى كل تقدير فالمبتاع فيهما ذو خيار بين الفسخ و الامضاء، و لا حاجة لنا إلى تحليل لفظ الغبن و تفسيره لما عرفت أنّ الغبن الشرعي أوسع من الغبن اللغوي.

كما أنّه لا شك في عدم الخيار في صورة الاقدام على المعاملة مع العلم أو الاطمئنان بالغبن، و ذلك لأنّ المتبادر من حديث تلقّي الركبان هو عدم العلم بشهادة قوله: «فإذا ورد السوق فهو بالخيار»، كما أنّ المتيقّن من حديث «لا ضرر» غيرهما، لأنّ الضرر هنا جاء من إقدام المكلّف في المعاملة الغبنية مع العلم و الاطمئنان، لا من سائر الناس- كما هو المختار- و لا من الشارع بلزوم الوفاء، فحكمه حينئذ لا يعد إجحافا و لا إضرارا.

ربّما يقال: إنّ إقدامه على الضرر ليس إلّا من باب إدخال نفسه في موضوع ضرريّ و قد بيّن في محلّه: أنّ مجرّد ذلك لا يرفع حكم الضرر، نظير ذلك ما إذا

المختار في أحكام الخيار، ص: 213

شرب شيئا يضرّ معه الصوم أو الوضوء أو أجنب نفسه متعمّدا مع كونه مريضا، فالصوم و الغسل مرفوعان و إن كان مقصّرا.

أجاب عنه السيّد الطباطبائي بالفرق بين ما لو كان اللزوم حكما عرفيا قد أمضاه الشارع أو حكما شرعيا، فعلى الأوّل: الاقدام على البيع

الكذائي إقدام على الضرر عرفا، و على الثاني: ليس كذلك، بل الضرر إنّما يأتي من قبل اللزوم الذي هو من مجعولات الشارع نظير إيجاب الوضوء أو الغسل بعد المرض «1».

و لا يخفى عدم وضوح الفرق بين كون اللزوم عرفيا أو شرعيا، لأنّه بعد الإمضاء يكون مثل الحكم التأسيسيّ و انّ إلزام المغبون باللزوم حكم ضرري و إن كان مقصّرا، و لو كان التقصير مؤثّرا في مورد المعاملة فليكن كذلك في مورد الأحكام.

و يظهر من السيد الأستاذ: أنّه تفطّن للاشكال و أجاب: بأنّ الحكم بالاغتسال الضرري على خلاف الامتنان، بخلاف الحكم بالخيار على المغبون العالم فإنّه على وفاقه لامكان حصول البداء له، فلاحظ.

و مثله بناء العقلاء، لأنّه أقدم مع العلم بعدم المساواة، فلم يكن القيد مأخوذا في المعاملة و لا موجودا في ضميره، و قد عرفت أنّ أساس الحكم بالخيار هو تقيّد المعاملة لبّا بالمساواة.

و إنّما الكلام في صورة الظن بالغبن أو الشك فيها، فالظاهر وجود الخيار، و ذلك لأنّه لم يقدم على المعاملة على وجه الاطلاق و لم يرفع يده عن قيد المساواة، كما رفع عنه في صورتي العلم و الاطمئنان، و لأجل ذلك لو تبيّن الحال يندم من الاقدام بخلاف صورتي العلم و الاطمئنان.

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي قسم الخيارات/ 38.

المختار في أحكام الخيار، ص: 214

فروع:

1- لو أقدم على غبن يتسامح به فبان أزيد، بما لا يتسامح بالمجموع (مجموع ما أقدم و ما لم يقدم) و إن كان كل واحد ممّا يتسامح به./

2- لو أقدم على غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح به منفردا.

3- لو أقدم على غبن لا يتسامح به فبان أزيد بما يتسامح به منفردا.

4- لو أقدم على غبن

لا يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح.

يحتمل عدم الخيار في الجميع لما عرفت من أنّ الخيار لأجل تخلّف وصف التساوي، و مع العلم بعدم التساوي لا يعقل اشتراطه، و المفروض أنّه عالم بعدمه.

كما يحتمل التفصيل بين ما أقدم على غبن يتسامح فيه، و ما لا يتسامح فيه، بالقول بالخيار في الأوّل دون الثاني، لأنّه باقدامه على غبن لا يتسامح فيه قد شطب على قصّة التساوي بقلم عريض، إذ تهيأ لمعاملة غبنية، بخلاف الأوّل فإنّه أقدم بما يتسامح به و الاقدام به ليس إقداما على المعاملة الغبنية لأنّ المفروض أنّ ما يتسامح به لا يطلق عليه الغبن، و يقدم عليه العقلاء كثيرا، فيثبت الخيار مطلقا سواء كان الزائد بما يتسامح و لكن المجموع مما لا يتسامح أو بما لا يتسامح، أيضا.

و بعبارة أخرى أنّه هتك حرمة ماله في الثاني دون الأوّل فيؤخذ بما أقدم و يظهر من شيخ الشريعة التفصيل- فيما إذا أقدم بما لا يتسامح- بين كون الزائد

المختار في أحكام الخيار، ص: 215

أيضا مثله أو كان ممّا يتسامح بالخيار في الأوّل دون الثاني قائلا بأنّه أقدم على ما لا يتسامح فيه بشرط لا، فقد تبيّن أنّه بشرط شي ء «1».

و يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه لو صحّ الدليل يجب القول بالخيار في هذه الصورة مطلقا، سواء كان الزائد بما لا يتسامح أو ممّا يتسامح، لأنّه على كل تقدير أقدم بشرط لا فبان بشرط شي ء، اللّهمّ إلّا أن يكون المراد من شي ء هو ما لا يتسامح أيضا لا الأعم منه و ممّا يتسامح كما يظهر من ذيل كلامه.

و ثانيا: أنّه باقدامه على المعاملة الغبنية، أسقط خياره، فثبوت خيار آخر له يحتاج إلى دليل، و كون

الزائد ذا مراتب، غير كون الخيار ذا مراتب.

و بذلك يظهر النظر في كلام المحقّق النائيني حيث قال: قد يتوهّم أنّ من أقدم على ما يتسامح فكأنّه أسقط شرط التساوي فلا موجب آخر للخيار، ثمّ ردّ عليه بأنّ مقدار التفاوت له مراتب، فقد يسقط المغبون جميعه و قد يسقط بعضه، فلو أسقط مقدارا خاصّا فلا وجه لسقوط الخيار رأسا «2».

يلاحظ عليه: أنّه و إن أسقط بعض المراتب من التفاوت دون الجميع لكن ليس للخيار إلّا مرتبة واحدة، فإذا أقدم على ما لا يتسامح فقد أسقط خياره، و لا معنى لثبوت الخيار بعد الاسقاط، و بالجملة كون التفاوت ذا مراتب غير كون الخيار كذلك، فبالاقدام على ما لا يتسامح يسقط الخيار من أصل و ليس له مراتب حتى يسقط بعضها دون بعض.

______________________________

(1)- نخبة الأزهار في أحكام الخيار بقلم الوالد- قدّس سرّه-: ص 179.

(2)- منية الطالب، ج 2، ص 63.

المختار في أحكام الخيار، ص: 216

ما هو الملاك في القيامة؟

إذا كان الغبن تمليك ماله بما يزيد على قيمته يقع الكلام فيما هو الملاك في القيامة، فهل الملاك هو القيامة حال العقد مطلقا، ارتفعت قيمته بعده أم نزلت أو ثبتت، أو الميزان هو القيامة حال العلم أو الفسخ.

أو يفصل بين القول بثبوت الخيار حال العقد، غاية الأمر العلم بالغبن كاشف عنه و شرط متأخّر، و بين القول بأنّ ظهور الغبن شرط مقارن فلا خيار قبله، فعلى الأوّل الميزان هو القيامة حال العقد و على الثاني هو القيامة حال الظهور.

و الاحتمالات آتية فيما إذا تمّ البيع، و أمّا إذا لم يتمّ كما في الصرف و السلم، قبل القبض إذا ارتفعت القيامة بينهما فإنّ القبض و الاقباض من أجزاء المعاملة و القبض هو الجزء

الأخير منها، فلا شك أنّ الاعتبار بالجزء الأخير، فلو كان حال العقد مغبونا دون حال الاقباض، فالعبرة بالقيمة الثانية إذا المفروض عدم تحقّق المعاملة قبله حتى توصف بالغبن و عدمه.

يمكن أن يقال: إنّ الملاك هو حال الظهور، أمّا حديث تلقّي الركبان و ما عطف عليه من الأخبار فالظاهر من قوله: «فإذا دخل السوق» هو كسب الاطلاع عن القيامة حال الدخول الملازم لظهور الغبن على فرض وجوده اللّهمّ إلّا أن يقال بندرة حدوث الاختلاف في تلك العصور بين الفترتين (تلقّي الركبان و دخول السوق) فلا يكون دليلا على أنّ العبرة بزمان ظهور الغبن، لثبات القيم بين الظرفين غالبا و القيامة حال الدخول تكون نفس القيامة حال البيع.

و أمّا قاعدة «لا ضرر» فيمكن ادّعاء الانصراف عن صورة التدارك، فالمراد

المختار في أحكام الخيار، ص: 217

نفي الحكم الضرري غير المتدارك، و المفروض التدارك بمساواة الثمن لقيمة المبيع حال الظهور و إن لم يكن كذلك حال العقد.

نعم على القول بأنّ مبنى خيار الغبن هو الشرط الضمني و التوصيف المفهومي فالمعيار هو قيمة زمان العقد، لأنّ الخيار لأجل تخلّف الوصف. فالمبتاع أقدم على البيع بقيد التساوي بين المبيع و ثمنه حال العقد، و المفروض فقدانه في هذا الظرف فيثبت الخيار، سواء تغيّر السعر بعده أم لا. أضف إليه ما ذكره الشيخ الأعظم من أنّ الزيادة حصلت في ملك المغبون و المعاملة وقعت على الغبن، فلا تكون رافعة للغبن المتقدم.

نعم ما ذكره بعد هذا من احتمال عدم الخيار من حديث التدارك فإنّما يتم لو كان الدليل هو قاعدة «لا ضرر» لا الشرط الضمني و التوصيف المفهوم من القرائن.

هل الميزان علم الوكيل أو الموكّل؟

لا شك أنّ الوكيل إذا كان وكيلا في مجرد إجراء الصيغة فقط،

فالميزان في ثبوت الخيار و عدمه جهل الموكّل و علمه، لأنّ المفروض أنّ المساومة كانت على عاتق الموكّل، و لم يكن للوكيل دور سوى إجراء العقد. إنّما الكلام فيما إذا كان وكيلا في المساومة، قال الشيخ:

لو كان وكيلا في المعاملة و المساومة فمع علمه و فرض صحّة المعاملة لا خيار للموكّل، و مع جهله يثبت الخيار للموكّل إلّا أن يكون عالما بالقيمة، و بأنّ وكيله يعقد على أزيد منها و يقرّره له.

المختار في أحكام الخيار، ص: 218

يلاحظ عليه: أنّ المعاملة في الصورة الأولى تقع فضولية لأنّها خرجت عن حدود الوكالة إذ أنّ الوكيل وكيل في مجال صالح الموكّل لا لغيره، فما عن السيد الأستاذ- قدّس سرّه- من أنّ الوكالة إذا كانت على نحو التفويض فلا يختلج في ذهن الموكّل آحاد تصرّفات الوكيل بالتفصيل، ليس بتام لأنّ الشراء بما لا يتسامح فيه ليس من الأمور التي لا تختلج في ذهن الموكّل.

و أمّا الصورة الثانية: أعني: إذا جهل بالقيمة فالظاهر ثبوت الخيار للموكّل، و إن كان عالما بالقيمة لأنّ علمه بالقيمة لا يضر بثبوت الخيار في نفس المعاملة للوكيل لأنّه طرف العقد و المفروض جهله، و علم الموكّل بالحال، لا يضر إذ ليس واجبا عليه أن يطلعه على الغبن فإذا بان ثبت للوكيل الغبن، و هل يثبت للموكّل مطلقا أو في صورة جهله بالغبن؟ تقدّم الكلام فيه في خياري المجلس و الحيوان.

طرق ثبوت جهل المغبون:

قد عرفت أنّ الخيار يختص بصورة جهل المغبون دون علمه بالقيمة و يعرف جهله بأمور:

1- اعتراف الغابن بجهل المغبون بالقيمة.

2- قيام البيّنة على جهله.

3- ادّعاء المغبون مع يمينه.

لا شك في ثبوت الخيار بالأوّل و الثاني، إنّما الكلام في ثبوته بالثالث و هو الذي اختاره

الشيخ الأعظم- قدّس سرّه- فعلى ذلك لو اختلف الغابن و المغبون في

المختار في أحكام الخيار، ص: 219

الجهل بالقيمة، فقال الشيخ: يقدّم قول مدّعي الغبن مع يمينه، و استدل عليه بوجوه:

ألف- (يؤخذ) بقول مدّعي الغبن مع اليمين لأصالة عدم العلم الحاكمة على أصالة اللزوم.

ب- إنّه قد يتعسّر إقامة البيّنة على الجهل.

ج- ربّما لا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال، فتأمّل.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان القول قول مدّعي الغبن مع يمينه، فمعنى هذا أنّه منكر يقبل قوله بيمينه، و عندئذ ما معنى قوله: «إنّه قد يتعسّر إقامة البيّنة على الجهل» لأنّ حلف المنكر غير مقيّد بعسر إقامة البيّنة عليه إذ ليس من وظيفة المنكر إقامة البيّنة سواء سهلت أم صعبت.

و لو فرضنا أنّه مدع بشهادة قوله: «لعسر إقامة البيّنة عليه» فلا معنى عندئذ لحلفه، إذ الحلف من وظيفة المنكر، و المفروض أنّه مدّع.

نعم يمكن تجويز الحلف عليه إذا لم يكن منكرا بأحد أمرين:

1- أن تكون اليمين، مردودة من الغابن المنكر إلى المغبون المدّعي.

فلو كان المراد ذلك لا وجه لتعليله بقوله: «لأصالة عدم العلم» إذ لا يشترط في اليمين المردودة كون قول الحالف مطابقا للأصل.

2- إذا ادّعى أمرا يعسر إقامة البيّنة عليه فيحلف و لكنّه صحيح لو ثبتت تلك الضابطة في محلّه، و لم تثبت كما اعترف به الشيخ في الفرع الآتي.

و على كل تقدير فكلام الشيخ فاقد للانسجام اللازم لمثل كلامه، فلا يعرف

المختار في أحكام الخيار، ص: 220

الانسان من هو المدّعي و من هو المنكر.

ثمّ إنّ تمييز المدّعي عن المنكر أو تمييز المدّعي عن المدّعى عليه كما ورد في النصوص «1» يتوقّف على ضابطة و الضوابط المحرّرة في كلامهم هي إحدى الأمور

التالية:

1- إنّ المدّعي و المنكر من المفاهيم العرفية كسائر المفاهيم من الأرض و الصعيد و المعدن و الماء و غيرها فيجب في تشخيص المدّعي من المنكر، الرجوع إلى العرف فهو بصفاء ذهنه يميّز مقيم الدعوى عن الآخر، و هذا هو الحق القراح الذي اختاره شيخ الشريعة الاصبهاني في درسه الشريف «2» فليس لهما حقيقة شرعية أو متشرعية، بل هما باقيان على ما عليه قبل الشريعة و بعدها، و هذا هو الذي يظهر من سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- «3».

2- المدّعي من لو ترك ترك بخلاف المنكر، فلا يترك بتركه.

و الضابطتان متساويتان.

3- المنكر من وافق قوله الأصل، و المدّعي من خالف قوله الأصل.

و لو كان المراد من الأصل هو الأصول العامّة من أصل البراءة، عدم الاشتغال فتتحد مع السابقتين، غير أنّ شيخ الشريعة الاصبهاني يصرّ على أنّ المراد من الأصل ليس هو خصوص الأصول العامة من أصل البراءة و أصل العدم، بل المراد هو الأصل المقرر في المسألة قبل ملاحظة الترافع و التداعي، و هو

______________________________

(1)- الوسائل: ج 18، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1 و 2 و 5 و 6.

(2)- لاحظ: نخبة الأزهار، تقرير الوالد لدرسه الشريف، ص 182.

(3)- المتاجر، ج 4، ص 292.

المختار في أحكام الخيار، ص: 221

قد يكون أصالة الصحّة، أو أصالة اللزوم أو أصالة الاشتغال أو أصالة الاستصحاب، و قد يتحقّق في ضمن الأصول العامّة.

و لو كان هذا هو الضابطة فتغاير الضابطتين السابقتين خصوصا إذا قلنا بأنّ المقصود من الأصل هو الأصل الأعم الجاري في مصبّ الدعوى أو نتيجتها فربّما يكون الأصلان مختلفي النتيجة كما في المقام، فلو ادّعى المغبون الجهل و الغابن العلم فهناك أصول مختلفة جارية تارة في

مصبّ الدعوى (علم المغبون و جهله) و أخرى في نتيجة النزاع و هي أنّ المعاملة لازمة أو جائزة نظير:

1- أصالة عدم علم المغبون، و هذا هو الأصل الجاري في مصبّ الدعوى.

2- أصالة عدم إقدامه على الضرر.

3- أصالة لزوم المعاملة. و هذه و التي تقدمتها جاريتان في نتيجة الدعوى.

فعلى الأوّلين المغبون منكر و الغابن مدع لأنّه يدّعي علم المغبون و إقدامه على الضرر عمدا و كلاهما منفيان بالأصل، و على الثالث ينعكس الأمر فالغابن منكر لمطابقة قوله أصالة اللزوم، و المغبون مدع لمخالفة قوله لهذا الأصل.

و بذلك يتبيّن أنّ الضابطة الثالثة ليست ضابطة قويمة و مرجعا على الاطلاق و إنّما يرجع إليها لو شلّت الضابطتان الأوّليتان. أو يرجع إليها في مورد الشك، لا في مقام الترافع. فيعمل بها في حدّ نفسها لا في ظرف المرافعة.

أضف إلى ذلك: أنّ أكثر الأصول التي أشير إليها مثبتة في هذه المسألة، فإنّ أصالة عدم العلم لا تثبت كون العقد صادرا عن جهل و عدم علم، كما أنّ أصالة عدم إقدامه على الضرر، لا يثبت كون العقد صادرا بهذا الوصف العنواني،

المختار في أحكام الخيار، ص: 222

و بعبارة أخرى: كل من الأصلين المذكورين قضية سالبة بانتفاء الموضوع، و المقصود استصحابهما على وجه العدم الناعت أو السالبة بانتفاء المحمول، ففي الأزل لم يكن عقد فلم يكن هناك علم و لا إقدام، و المفروض في حالة الشك هو وجود العقد لكن نريد اتصافه بعدم صدوره عن علم و اقدام بالضرر، و استصحاب العدمين الأوّلين و اثبات كون العقد لم يصدر عنهما من أوضح الأصول المثبتة.

و بذلك تقف على أنّ أكثر الأصول التي تمسّك بها الشيخ في هذه المسألة و المسائل التالية أصول مثبتة

غفل عنها مؤسّس الأصول في العهد الأخير، أو جرى مجرى القوم.

4- المنكر من وافق قوله الظاهر و المدّعي من خالف قوله الظاهر.

و أظن أنّ هذه الضوابط اقتنصت من موارد جزئية، و الحق هو الرجوع إلى الضابطة الأولى و الثانية أو الثالثة بشرط أن يكون المراد منها الأصول العامة من البراءة و أصل العدم، و على ضوء ما ذكرنا فعلى مدّعي الغبن إقامة البيّنة و إلّا فيحلف المنكر إمّا على العلم بالحال أو على عدم العلم بالواقع كما في سائر الدعاوي إذا لم يكن المنكر واقفا على الحال لو قلنا بكفاية مثل هذا النوع من الحلف.

و أمّا حلف المدّعي فلا يجوز إلّا إذا كانت اليمين يمينا مردودة أو قلنا بالضابطة التي لم تثبت و هي جواز الحلف لكل مدّع تعسر اقامة البينة على ادّعائه و هو غير ثابت.

المختار في أحكام الخيار، ص: 223

مسألة: لو اختلفا في القيامة

قال الشيخ: لو اختلفا في القيامة وقت العقد أو في القيامة بعده مع تعذّر الاستعلام.

و لا يخفى أنّ العبارة قاصرة عن إفادة المراد و إليك التوضيح:

ألف: إنّ قوله: «و لو اختلفا في القيامة وقت العقد» يتضمّن صورتين: لأنّ الاختلاف في القيامة وقت العقد تارة يكون مع الاتفاق على القيامة الفعلية (حال الادّعاء)، و أخرى مع الاتفاق على القيامة قبل العقد، توضيحها:

1- إذا بيع بثمانية و اتفقا على أنّ القيامة الفعلية هي الثمانية أيضا، و لكنّ البائع يدّعي أنّ السعر حال العقد كان عشرة، و قد نزل بعده إلى ثمانية، و بالتالي يدّعي الغبن. و يقول المشتري: لم يتغيّر السعر، فالسعر حين العقد، هو نفس السعر بعده، فليس هناك غبن. فأصالة عدم التغير توافق قول منكر سبب الغبن.

2- إذا بيع بثمانية و اتفقا

على أنّ السعر قبل البيع كان عشرة، فالبائع يدّعي بقاء السعر على ما كان عليه إلى حال العقد، و بالتالي يدّعي الغبن، و يقول المشتري بنزوله إلى ثمانية وقت العقد، فلا غبن. فأصالة عدم التغير توافق من يدعي سبب الغبن.

فعلى ضوء ما ذكرنا- من أنّه يرجع في تعيين المدّعي و المنكر إلى العرف- فالمدّعي في الصورتين هو من يدّعي الغبن، و النافي هو المنكر مطلقا من غير فرق بينهما، فعلى المدّعي البيّنة و على المدّعى عليه اليمين.

و على الضابطة الثالثة: أعني كون الميزان في تشخيص المدّعي عن المنكر هو

المختار في أحكام الخيار، ص: 224

موافقة الأصل في نفس المسألة و مخالفته، يختلف المدّعي في الصورتين، فبما أنّ الأصل في المقام هو أصالة عدم تغيّر السعر فالقائل بالتغيّر في الأوّل هو المغبون، أعني: البائع حيث يدّعي أنّ السعر حال العقد، غيره بعده، فيكون مدّعيا، فيكون الأصل موافقا لمنكر سبب الغبن و لكن القائل به في الثاني هو المشتري الغابن حيث يدّعي أنّ السعر قبل العقد، غيره حاله، فيكون مدّعيا.

يلاحظ على نتيجة هذه الضابطة بأمرين:

أوّلا: أنّ الدعويين في الموردين من مقولة واحدة، فكيف يكون المدّعي في أحدهما هو المغبون و في الآخر هو الغابن، و هذا يدل على ضعف هذه الضابطة بخلاف ما إذا قلنا بالضابطتين الأوليين، فيكون المغبون هو المدّعي على كل حال.

ثانيا: أنّ أصالة عدم التغيّر مثبتة كما أوضحنا حالها حيث إنّ المتيقّن هو الأصل الأزلي مع فقدان الموضوع و الثابت حال الشك- على فرض جريان الاستصحاب- هو السالبة على فرض وجود الموضوع.

ب- إنّ قوله: «أو اختلفا في القيامة بعده» يشير إلى صورة ثالثة و هو أن يكون الاختلاف في القيامة وقت العقد ناشئا

عن الاختلاف في القيامة بعده، مع اتفاقهما على عدم التغيّر و وحدة السعر في الوقتين، و لكن اختلفا في الصغرى أي كون السعر بعد العقد ما هو، فهل هي الثمانية حتى يكون العقد غير غبنيّ، أو العشرة حتى يكون العقد غبنيا، لأنّ المفروض أنّه باع بثمانية، و من المعلوم أنّ الأصل الحاكم و الضابط ليس أصالة عدم التغيّر لاتفاقهما على عدمه، و اختلافهما إنّما فيما هو السعر بعد العقد، حتى يكون هو السعر حينه،

المختار في أحكام الخيار، ص: 225

و الأصل المرجع في المقام هو أصالة اللزوم، فهو موافق لقول الغابن، و مخالف لقول المغبون.

و منه يظهر مقصود الشيخ من العبارة مع خلله حيث قال: «فالقول قول منكر سبب الغبن لأصالة عدم التغيّر، و أصالة اللزوم».

فالأصل الأوّل راجع إلى الصورتين الأوليين، على اشكال عرفته، و هو أنّ هذا الأصل لا يوافق قول منكر سبب الغبن مطلقا، و إنّما يطابقه في صورة واحدة، أعني: الصورة الأولى دون الثانية بل هو فيها يوافق قول مدّعي الغبن.

كما أنّ الأصل الثاني- أصالة اللزوم- راجع إلى الصورة الثالثة.

و على كل حال ففي الصورة الأولى و الثانية، التغيّر مختلف فيه، و في الصورة الثالثة عدم التغيير مسلّم، بقيت هنا صورة و هي ما إذا اتفقا على التغيّر و اختلفا في زمانه و هي التي أشار إليها الشيخ في المسألة التالية، و قال:

«مسألة: لو اتفقا على التغيّر و اختلفا في تاريخ العقد «1» ...»

. و صور المسألة ثلاثة:

إمّا أن يكون تاريخ التغيّر و العقد مجهولين.

و إمّا أن يكون تاريخ العقد معلوما و تاريخ التغيّر مجهولا.

و إمّا أن يكونا على العكس.

و أمّا إذا كانا معلومين، فهو خارج عن موضوع البحث لوضوح حكمه.

و على ما ذكرنا من الضابطة فمدّعي الغبن في جميع الصور يعتبر

مدّعيا

______________________________

(1)- و في بعض النسخ: في تاريخه، و الضمير راجع إلى التغيّر، و كلاهما صحيحان.

المختار في أحكام الخيار، ص: 226

حسب القضاء و نافيه منكرا.

و أمّا على الضابطة الثالثة فربّما يتصوّر أن الأصل يجري في مجهول التاريخ دون معلومه، فمن كان قوله موافقا للأصل فهو المنكر، و المخالف مدّع.

يلاحظ عليه مع ضعفه: أنّ مجرى الأصل الجاري في جانب المجهول سواء أ كان هو التغيّر أم العقد أصل مثبت، كاستصحاب عدم التغيّر إلى زمان العقد، حيث لا يثبت به حدوث التغير بعده فلا غبن، و استصحاب عدم العقد إلى زمان التغيّر، حيث لا يثبت به وقوع العقد على الزائد حتى يثبت الغبن- كما ذكره الشيخ الأعظم- إذ لا تثبت بالأصل الصادق في ظرف عدم الموضوع، القضية السالبة، بانتفاء المحمول في كلا الجانبين.

الشرط الثاني: (كون التفاوت فاحشا)

اشارة

فهذا هو الذي اتّفقت عليه كلمة الفقهاء.

قال المحقّق: من اشترى شيئا و لم يكن من أهل الخبرة و ظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به، كان له فسخ العقد إذا شاء «1».

و قال ابن قدامة: المسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ و الامضاء، و لا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد، و حدّه أبو بكر في التنبيه و ابن أبي موسى في الارشاد بالثلث و هو قول مالك، لأنّ الثلث كثير، بدليل قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و الثلث كثير، و قيل: بالسدس، و قيل: ما لا يتغابن الناس به في

______________________________

(1)- الجواهر: ج 23، ص 44.

المختار في أحكام الخيار، ص: 227

العادة، لأنّ ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف «1».

فالتعبير الرائج بين القدماء هو «ما يتغابن الناس بمثله و

ما لا يتغابن» و قد ورد هذا اللفظ في المروي عن أبي عبد اللّه في دعائم الإسلام، حيث قال: ينظر في حال السلعة، فإن كان مثلها يباع بمثل ذلك الثمن أو بقريب منه مثل ما يتغابن الناس بمثله، فالبيع جائز، و إن كان أمرا فاحشا و غبنا بيّنا ... «2».

و ربّما يعبّر عن هذا بما يتسامح الناس و ما لا يتسامح كما هو الوارد في كلام الشيخ الأعظم، و قبله في كلام الشهيد الثاني في الروضة.

و على أيّ حال فالجميع ناظر إلى أمر واحد و هو أنّ نقيصة الثمن عن المثمن أو زيادته عليه ربّما تكون على وجه لا يتحمّله نوع الناس فعند ذلك يثبت الخيار، بخلاف ما يتحمّله نوعهم، فلا يعتدّون به فلا خيار. و بعبارة أخرى: ربّما تكون يسيرا بالنسبة إلى المبيع و الثمن فلا يعد ضررا و غبنا و أخرى تكون كثيرا بالنسبة إليهما.

و دليل هذا الشرط واضح لأنّه إن قلنا: بأنّ مدرك الخيار هو حديث تلقّي الركبان و ما عطف عليه، فهو منصرف عن الضرر اليسير بحيث لا يطلق عليه أنّه غبن و تضرّر، كما أنّه لو كان المدرك للخيار هو قاعدة «لا ضرر» فهو مثله فلا يطلق على اليسير الضرر، نعم هو ضرر عقلي و ليس بضرر عرفي.

و أمّا إذا قلنا بأنّ مدرك الخيار هو الشرط الضمني و أنّ المتعاقدين يتعاهدان

______________________________

(1)- ابن قدامة: المغني، ج 3، ص 523. و قد ورد قوله: «و الثلث كثير» عن لسان النبي الأكرم حيث شاور سعد بن أبي وقاص النبي في أن يتصدّق بثلث ماله، فأجاب النبي بما ذكر.

لاحظ صحيح البخاري: 8/ 150 كتاب الفرائض باب ميراث البنات.

(2)- المستدرك: ج 13، الباب 13

من أبواب الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 228

على أنّ الثمن يساوي المثمن في القيامة، و من المعلوم أنّ المراد من المساواة هو المساواة التقريبية لا الحقيقية فلو كان التفاوت يسيرا فلا يعد نقضا للشرط بخلاف ما إذا كان فاحشا، و يتضح ذلك إذا لاحظنا أنّ سنّة السوق هو التغابن و أنّ تثبيت قيم الأمتعة في القرون السالفة لم يكن على وجه التحقيق و الدقّة بل الأسعار كانت متقاربة، فعلى ذلك فلو تضرّر بشي ء يسير فلا يعد خلافا للعهد بخلاف ما إذا كان التفاوت كثيرا.

و أمّا ما هو المعيار في القليل و الكثير فلا شك أنّ المرجع هو العرف، و لا يمكن إعطاء ضابطة كليّة في المقام لأنّه يختلف نظر العرف من حيث اختلاف المبيع من جهة العزّة و الندرة، أو الكثرة و الوفرة، و من حيث الزمان و المكان فربّما يعد التفاوت في عام الجدب و الغلاء تفاوتا يسيرا بخلافه في زمان الخصب و الرخاء، كما أنّ ندرة الشي ء و عزّته يؤثّر في قضاء العرف في كون التفاوت فاحشا أو غير فاحش فالأولى إرجاع التقدير إلى العرف، كما نقله ابن قدامة في كتابه.

كون التفاوت يسيرا أو كثيرا أمر نفسيّ لا نسبيّ:

إنّ كون التفاوت يسيرا أو كثيرا، موجبا للضرر أو لا، أمر نفسي لا نسبي، فتلاحظ المعاملة بما هي هي مع قطع النظر عن المتعاملين، من حيث إنّهما غنيان أو فقيران أو بين غني و فقير، فلو كان التفاوت بالنسبة إلى نفس المعاملة من حيث المبيع و الزمان و المكان فاحشا يثبت الخيار، و إن كان المغبون ثريّا لا يؤثّر هذا المقدار من الضرر في حقّه، و إن لم يكن كذلك فلا يوجب الخيار و إن كان المغبون فقيرا محتاجا إلى نفس

هذا التفاوت و ما ذلك إلّا لأنّ البيع ربط بين المالين، و ليس

المختار في أحكام الخيار، ص: 229

ربطا بين المالكين، و قد عرف بأنّه تمليك مال بمال، بخلاف النكاح فإنّه علاقة وثيقة بين الزوجين، و لأجل ذلك يقول سبحانه: وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ (النور/ 32) و مثله عقد الصلح، يقول سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات/ 10).

نعم يبقى هناك سؤال إذا كان الميزان في اليسير و الكثير هو نفس المعاملة فلما ذا أفتى المشهور بوجوب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته إذا كان متمكّنا دون ما إذا كان فقيرا، فيظهر من هذا أنّ الضرر هنا نسبي و حالي لا نفسي و مالي.

و قد أجاب الشيخ عن الاشكال بوجهين:

1- اعتبار الضرر المالي بما هو هو لأنّه ضرر في نفسه من غير مدخلية لحال الشخص، و تحمله في بعض المقامات، إنّما خرج بالنص.

2- إنّ بذل المال الكثير في مقام امتثال التكليف، لا لتخصيص عموم نفي الضرر بالنص، بل لأجل عدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر، كما يشير إليه قوله بعد شرائه ماء وضوئه بأضعاف قيمته: «إنّ ما يشترى به مال كثير» «1».

يلاحظ على الأوّل: أنّ لسان «لا ضرر» آب عن التخصيص، مثل قوله: «لا رهبانية في الإسلام» و «لا رضاع بعد فطام» و «ليس لعرق ظالم حق».

و يلاحظ على الثاني: إذا كان الأجر الأخروي جابرا للضرر فليكن كذلك في مورد الحرج، مع أنّهم يقولون بأنّ الضرر لو كان مجحفا بالمكلّف انتفى بأدلّة نفي الحرج.

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات، ص 237.

المختار في أحكام الخيار، ص: 230

و الأولى أن يجاب: بأنّ قاعدة «لا ضرر» مختصّة بباب المعاملات، و

لا تعمّ العبادات، و ذلك لأنّ موردها و مورد غيرها من الروايات الواردة في هذا المجال، هو إضرار الناس بعضهم ببعض، ففي هذا المقام ورد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا ضرر و لا ضرار ...» و ذلك يحدّد معنى الرواية و مصبّ القاعدة، و قد عرفت منّا أنّ النفي فيها بمعناه لا بمعنى النهي، كما عليه شيخ الشريعة- قدّس سرّه- فالقاعدة تتحدث و تخبر عن عدم الضرر في المجتمع الإسلامي، و المسوّغ لهذا الإخبار- مع عدم كونه في الواقع كذلك- هو خلو صفحة التشريع عن الحكم الضرري و عدم امضائه كل عمل من المكلّفين موجب لايقاع الضرر على الناس، و في هذا المجال الذي يتضارب فيه الناس، و يورد بعضهم ضررا على بعض، ينادي الشارع و يقول: «لا ضرر و لا ضرار ...» و معه كيف يصحّ القول بشمولها لباب العبادات التي ليس للناس فيها دور في إيقاع الضرر، و إنّما المنشأ له هو أمره سبحانه بالصوم و التوضّؤ لمن يضرّانه، و على ضوء ذلك فيفترق البابان من حيث الملاك ففي باب المعاملات يكون الملاك هو ملاحظة نفس المعاملة كما هو مقتضى قاعدة «لا ضرر»، و في غيره يكون الملاك ما يحدّده النص، نعم لا مانع من شمول قاعدة «لا حرج» لكلا البابين، لعمومية قوله سبحانه: وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ... (الحج/ 78) و هو يتحدّث عن عدم جعل الحرج في الشريعة الغرّاء، و الجعل يعم كل مورد فيه للشارع تشريع تأسيسا أو امضاء.

ثمّ إنّ الشهيد ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد أنّ المغبون إمّا أن يكون هو البائع أو المشتري أو هما معا، فأشكل

عليه بعض الفضلاء في تعليقته على الروضة بعدم إمكانه، و قد نقل الشيخ فروضا خمسة لامكانه، و زاد شيخ

المختار في أحكام الخيار، ص: 231

الشريعة «1» فرضا سادسا، و ليست المسألة أمرا مهما.

مسألة: هل ظهور الغبن محدث للخيار أو كاشف عنه؟

هذه المسألة عنونها الشيخ في المتاجر و لم يسبقه إليها فقيه آخر، و استظهر من عبارات القوم تارة كونه محدثا للخيار و أخرى كاشفا.

و ذكر للمسألة ثمرات مختلفة نشير إليها:

1- إذا تخيّل المشتري أنّ المبيع معيب و لم يكن كذلك بل كان المشتري مغبونا ففسخ ثمّ ظهر الغبن فعلى القول بكونه محدثا لا تأثير للفسخ، دون ما إذا قلنا بكونه كاشفا، فقد كان له السلطة على إزالة العقد و اقراره، فإذا ظهر الغبن، أثّر في الفسخ، غاية الأمر اشتبه في سبب السلطة، فهو أشبه بالخطإ في التطبيق.

2- لو أسقط الخيار قبل ظهوره فعلى الأوّل يكون من قبيل اسقاط ما لم يجب، دون الثاني.

3- لو تلف قبل ظهور الغبن، و قلنا بعموم قاعدة «التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له» و شمولها لمثل هذا الخيار فعلى القول بكونه محدثا فالتلف على المغبون، إذ لا خيار في البين، و بما أنّه تلف تحت يده يكون التلف عليه، بخلاف ما إذا قلنا بكونه كاشفا، فالمغبون يكون ذا خيار فيحسب على من لا خيار له و هو الغابن.

4- جواز التصرّف قبل ظهور الغبن فيما انتقل إلى الغابن العالم بالموضوع، فلو قلنا بكونه محدثا يجوز له التصرّف فيما انتقل إليه، لأنّ المعاملة لازمة و ليس هناك حق للمغبون فيما انتقل إليه، بخلاف ما إذا قلنا بكونه كاشفا فلا يجوز له

______________________________

(1)- نخبة الأزهار، ص 183.

المختار في أحكام الخيار، ص: 232

التصرّف لأنّه تعلّق به حق

المغبون، فلا يجوز للغابن التصرّف فيه.

هذا خلاصة ما يستفاد من كلام الشيخ بعد تلخيصه و تنظيمه، و أمّا ترجيح أحد القولين فيتوقّف على لحاظ ملاك الخيار، و قد عرفت أنّه استدلّ بوجوه ثلاثة:

1- حديث تلقّي الركبان و ما عطف عليه من الأحاديث فقد ورد فيه: «فإذا دخل السوق فله الخيار» فربّما يستظهر منه كون ظهور الغبن محدثا للخيار، حيث رتّب الخيار على الدخول الملازم لظهور الغبن.

يلاحظ عليه، أوّلا: أنّ أقصى ما تدل عليه القضية الشرطية وجود الخيار عند دخول السوق، و أمّا عدمه قبل الدخول، فلا يدل عليه، إلّا إذا قلنا بالمفهوم، و هو ممنوع إلّا فيما ثبت كون المتكلّم في مقام بيان العلّة المنحصرة.

و ثانيا: أنّ الخيار و إن رتّب على دخول السوق، لكن دخول السوق طريق إلى العلم بالغبن حين المعاملة، فعندئذ يكون معنى الحديث «إذا دخل السوق و علم بالغبن فله الخيار» من زمان وجود الغبن و حدوثه، و لو لم يكن الكلام ظاهرا فيه فلا أقل أنّه أحد المحتملين.

2- قاعدة «لا ضرر»، فربّما يستظهر منها أنّ المستفاد منه هو كون ظهور الغبن محدثا للخيار بدعوى أنّه مع الجهل لا يكون الضرر مستندا إلى الشارع، بل إلى جهله، فالحكم باللزوم، إنّما يكون ضرريا إذا استند الضرر إليه مع أنّ الضرر مستند إلى جهله، فليس لحكم الشارع باللزوم تأثير في تضرّره لكونه جاهلا بالموضوع. نعم لو كان حكمه باللزوم بعد ظهور الغبن لكان الضرر مستندا إلى حكم الشارع.

و اختاره بعض الأجلّة و ملخص ما قال: إنّ لنا دليلين، محكوما و حاكما و هما أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قاعدة «لا ضرر» و لا بد في تحكيم الثاني على الأوّل من الاقتصار على مدلوله، و هو

رفع كل حكم ينشأ منه الضرر أو يكون سببا لبقائه و اللزوم في

المختار في أحكام الخيار، ص: 233

المعاملة الغبنية كذلك إلّا في حق الجاهل بالموضوع فيبقى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالنسبة إليه سليما عن الحاكم و تكون أصالة عدم تأثير الفسخ و استصحاب بقاء الملك محكّما.

و بعبارة أخرى: انّ جعل اللزوم في حقّه ما دام جاهلا بالموضوع ليس ضرريا مستلزما لحدوثه أو بقائه، و لا جعل عدم اللزوم رافعا.

فإن قلت: لازم ذلك بقاء اللزوم و عدم تأثير الفسخ إذا كان جاهلا بالحكم، لأنّ حكم الشارع باللزوم ليس منشأ للضرر ما دام جاهلا بالحكم، مع أنّ المسلّم خلافه، لاشتراك الحكم الالهي بين العالم و الجاهل، فليكن الجهل بالموضوع مثل الجهل بالحكم.

قلت: إنّ تقييد الحكم الشرعي (الخيار) بالعلم محال لاستلزامه الدور الواضح بخلاف تقييده بالعلم بالموضوع «1».

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره مخالف لاطلاق «لا ضرر» فإنّ مفاده هو عدم جعل حكم ضرري و عدم امضائه سواء كان النفي مؤثّرا في رفع الضرر في الحال أو في المستقبل، و التفريق بين الجهل بالموضوع و العلم به، مبني على كون المطلق ناظرا إلى الحالات فيفرّق بينهما بحجّة أنّ الحكم باللزوم ليس مجلبا للضرر في الصورة الأولى، مع أنّ هذا خلاف المختار في باب الاطلاق، بل معناه هو كون الطبيعة تمام الموضوع للحكم، و في المقام الحكم الضرري تمام الموضوع للنفي. و المفروض أنّ اللزوم حكم ضرري في حق المغبون، و كونه غير مؤثّر في بعض الحالات و مؤثّرا في البعض لا يصير سببا لدفع الاطلاق.

و أمّا ما ذكره في دفع النقض الوارد في كلام السيد الطباطبائي، فهو أيضا

______________________________

(1)- نثارات الكواكب: 107.

المختار في أحكام الخيار، ص: 234

مخدوش إذ

لا مانع من تقييد الأحكام بالعلم بنحو نتيجة التقييد أو التخصيص «1» كما في غير مورد من الأحكام.

3- ما اعتمدنا عليه من أنّ العقد مبني على قيد المساواة بين الثمن و المثمن في القيامة.

فإذا كان هذا مبنى الخيار فيكون من زمان التخلّف لأنّه معلول فقد الشرط واقعا، و العلم طريق إليه.

فظهر أنّ المتبادر من الأدلّة كون الظهور كاشفا لا محدثا، إنّما الكلام في الآثار المترتّبة على القولين في كلام الشيخ و الظاهر عدم وجود ثمرة مترتّبة على البحث.

أمّا الأوّل: فلا يخفى أنّه ثمرة نادرة و على فرض صحّته يلزم الفرق بين كون العيب داعيا أو قيدا، فيسقط الخيار على الأوّل دون الثاني، لأنّه أسقط الخيار المقيّد بالعيب لا مطلقا، و سيجي ء توضيحه.

أمّا الثاني: فلأنّ الاسقاط صحيح على كلا القولين، لما قلنا من أنّه يصحّ الاسقاط مع وجود المقتضى.

و أمّا الثالث: أنّ قاعدة التلف في زمن الخيار مختصّة بالخيارات الثلاث:

المجلس و الحيوان و الشرط كما أوضحنا فلا يعمّ خيار الغبن.

و أمّا الرابع: فهو مبني على منع التصرّف في أيّام الخيار، و سيوافيك حكمه عند البحث عن أحكام الخيار و أنّه يجوز لغير ذي الخيار التصرّف فيما انتقل إليه، و إن كان متعلّقا لحق الغير، غاية الأمر أنّه لو فسخ يرجع الفاسخ إلى المثل أو القيامة.

______________________________

(1)- لاحظ الجزء الثاني بحث أقسام القطع من فوائد الأصول للكاظمي تقريرا لبحث استاذه النائيني.

المختار في أحكام الخيار، ص: 235

في مسقطات خيار الغبن

اشارة

البحث عن المسقطات فرع ثبوت كون الخيار من الحقوق القابلة للاسقاط فالبحث عنه مقدم على البحث عن المسقطات، و قد تركه الشيخ من أصل فنقول:

إنّ الظاهر من أدلّة خيار الغبن، هو كونه من الحقوق القابلة للاسقاط.

قد عرفت أنّ الأساس لثبوت خيار

الغبن هو حكم العقلاء بأنّ للمغبون الخيار بين الفسخ و الامضاء، و أنّ مبنى حكمهم هو وجود الشرط الضمني بين المتعاقدين، المفهوم من القرائن الحافّة بالعقود، من حديث تساوي الثمن و المثمن في القيامة، فإذا تخلّف فلا يكون للمغبون أيّ التزام بحفظ العقد لأنّ ما عقد عليه غير ما هو الواقع في الخارج، فعلى ذلك يصحّ إسقاطه فيما يصحّ إسقاط سائر الحقوق.

و لو قلنا بأنّ الأساس هو حديث تلقّي الركبان، فإنّ قوله: «و إذا دخل السوق كان له الخيار» اشارة إلى ما هو المرتكز في الأذهان أي الخيار المعهود بين العقلاء عند تخلّف الشرط أو الوصف، و توهّم أنّ المراد منه هو الجواز الحكمي الشرعي الذي لا يصح إسقاطه خلاف الظاهر، مضافا إلى أنّه يحكم للمغبون بالخيار، و يقول: فله الخيار، لا أنّ العقد خياريّ، حتى يصحّ تفسيره بالجواز الشرعي الذي لا يسقط.

و أمّا إذا قلنا: بأنّ الأساس هو قاعدة «لا ضرر» فاثبات كون الجواز بعد

المختار في أحكام الخيار، ص: 236

جريانها هو الجواز الحقّي دون الحكمي يحتاج إلى دليل، فإنّ رفع الضرر كما يحصل بتبدّل اللزوم الحقّي إلى الجواز الحقّي، كذلك يحصل بتبدّله إلى الجواز الحكمي، اللّهمّ إلّا أن يستأنس الفقيه بأنّ المتبادر عند العرف تبديل اللزوم الحقّي بجواز حقّي مثله.

و على ذلك فاسقاط الخيار أمر صحيح على أكثر المباني أو جميعها. إذا عرفت ذلك فنبحث عن المسقطات:

الأوّل: الاسقاط بعد العقد:

إنّ للاسقاط بعد العقد صورتين:

ألف- الاسقاط بعده و بعد ظهور الغبن.

ب- الاسقاط بعده و قبل ظهور الغبن.

أمّا الأوّل: فيصحّ إذا أسقطه مع العلم بمرتبة الغبن، أو أسقطه مع الجهل بها، لكن أسقط الغبن المسبب عن أيّة مرتبة كان، إنّما الكلام في صورة أخرى، أعني: إذا

أسقطه بزعم أنّ التفاوت ربع، فظهر النصف، ففيه وجوه:

يمكن أن يقال بعدم السقوط لعدم طيب النفس بسقوط هذا المقدار من الحق، و هذا كما إذا أسقط حق عرض بزعم أنّه شتم، فبان أنّه قذف.

و يمكن القول بالسقوط لأنّ الخيار أمر واحد مسبّب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح به، فإذا أسقط أثر التفاوت الذي لا يتسامح به- و إن كان متحقّقا عنده في الربع- فقد أسقط الخيار، على وجه الاطلاق و كون التفاوت

المختار في أحكام الخيار، ص: 237

مختلف المراتب غير كون الخيار متعدّدا، و قد تقدّم نظير ذلك فيما إذا أقدم على الغبن بما لا يتسامح فبان أكثر بما لا يتسامح أيضا.

و أمّا عدم سقوط حق القذف إذا عفى عن حق الشتم، فلأجل أنّ الحقّين متغايران، فلا يكون إسقاط أحدهما دليلا على إسقاط الآخر.

و الحق هو التفريق بين كون التفاوت داعيا و كونه قيدا، فإن أسقط الخيار بداعي أنّ التفاوت ربع، فقد أسقط مطلق الخيار لعدم كون الداعي قيدا بخلاف ما لو أسقط الخيار المقيّد بكون سببه الربع، فلا يسقط مطلق الخيار، لأنّ الساقط غير الواقع، و لا بأس بتعدّد الخيار بتعدّد القيد، فإنّ الجزئي كزيد شي ء واحد، و لكن يمكن فيه تصوّر الكثرة بالقيود الواردة عليه كزيد المتعمّم و زيد المجرّد عن العمامة، و لأجل ذلك قلنا في محلّه بأنّ للجزئي عموما أحواليا و إن لم يكن له عموم أفرادي.

و هذا كما إذا اقتدى بشخص بزعم أنّه زيد فبان أنّه عمرو فقد فرّقوا بين كون الاعتقاد بكونه زيدا داعيا للاقتداء بالإمام الحاضر أو قيدا، ففي الفرض الأوّل اقتدى بالإمام الحاضر، غاية الأمر طبّقه في زعمه على أنّه زيد، بخلاف الاقتداء في الفرض

الثاني، فإنّما اقتدى بالحاضر بما أنّه زيد، و قد بان التخلّف، بحيث لو كان عالما من أوّل الأمر أنّه عمرو لم يقتد به، و مثله ما إذا قال رجل:

ادخل يا صديق و كل من الغذاء، فإذا علم أنّ التوصيف بالصداقة من باب الداعي و أنّه لو لم يكن صديقا أيضا لدعاه إلى الدخول، لجاز له الدخول و الأكل من الغذاء، بخلاف ما إذا علم أنّه قيد و أنّه لو لا الصداقة لما دعاه إلى بيته و لما طابت نفسه للأكل من غذائه، فيحرم عليه الدخول و يضمن قيمة الغذاء.

المختار في أحكام الخيار، ص: 238

هذا كلّه إذا أسقط بلا عوض، و أمّا إذا أسقط بعوض بمعنى المصالحة عنه به، فلا اشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب، و لو اطلق و كان للاطلاق منصرف كما لو صالح عن الغبن المحقّق في المتاع المشتري بعشرين، بدرهم، فإنّ المتعارف في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم، فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشرة، فقد ذكر الشيخ أنّ في بطلان الصلح وجهين:

و الأولى أن يقال: إنّ المنصرف إليه (الغبن المتعارف) لو كان قيدا في نظر العرف تكون المصالحة باطلة، و إلّا فلا، و تصوّر جريان حكم الغبن في المصالحة أمر بعيد لما ذكرنا أنّ المصالحة من العقود المحاباتية، و مثل ذلك لا يقبل الغبن.

و أمّا الثاني: أعني: إسقاطه بعد العقد و قبل ظهور الغبن فيجوز إسقاطه قبل ظهور الغبن، و مرّ نظيره في الخيارات السابقة، و الاشكالات المتوهّمة في المقام مندفعة و إليك بيانها:

1- إنّ إسقاط الخيار على وجه التنجيز يتوقّف على العلم به، و هو

بعد مشكوك، سواء قلنا بأنّ ظهور الغبن كاشف عنه عقلا أو محدث و شرط شرعا، و اسقاطه على وجه التعليق ينافي الجزم في العقود و الايقاع.

يلاحظ عليه: أنّه لا دليل على بطلان التعليق فيهما إلّا الاجماع، و القدر المتيقّن منه ما إذا كان التعليق على ما لا يكون الانشاء معلّقا عليه في الواقع، كقدوم الحاج و دخول الشهر، و أمّا التعليق على ما هو معلّق عليه واقعا فخارج عنه، سواء تكلّم به أم لا، و هذا كما في طلاق مشكوك الزوجية، و اعتاق

المختار في أحكام الخيار، ص: 239

مشكوك الرقية، و ابراء ما احتمل الاشتغال به، أو الابراء عن العيوب المحتملة، و ضمان درك المبيع، فالاسقاط في الجميع صحيح سواء أ كان في مقام الانشاء منجزا أم معلّقا.

2- انّه اسقاط ما لم يجب، و هذا يختصّ بما إذا كان الظهور شرطا شرعيا للخيار لا كاشفا عنه إذ على الثاني فهو اسقاط لما وجب- لو كان مغبونا- و أمّا على الأوّل، فهو اسقاط لما لم يجب حتى و لو كان مغبونا في الواقع، لأنّه إنّما يثبت الخيار، إذا تحقّق الشرط و ظهر الغبن.

يلاحظ عليه بما ذكرنا سابقا من أنّه يكفي في صحّة الاسقاط الاعتباريّ، وجود الأثر و لو بعد تبيّن الخيار، و العقلاء يكتفون في المقام بوجود المقتضي و هو العقد، و إن كان الخيار في المستقبل.

3- الاشكال من حيث العوض المتصالح به لأنّ الاسقاط في مقابل جزء من القيامة، فأحد الجزءين متحقّق دون الآخر و هو الخيار.

يلاحظ عليه: أنّ العوض هو احتمال الخيار، و هو أمر متحقّق، و ليس العوض الخيار الواقعي، بحيث لو تبيّن الخلاف، لا يكون الاسقاط خاليا عن العوض، نعم لو

كان العوض الحقّ الواقعي على فرض وجوده و تبيّن عدمه يلزم ما ذكر.

هذا كلّه حول المسقط الأوّل أي الاسقاط بعد العقد.

و إليك الكلام في المسقط الثاني:

المختار في أحكام الخيار، ص: 240

الثاني: اشتراط السقوط في متن العقد:

يرد على هذا النوع من الاسقاط ما تقدم من الاشكالات المذكورة في الخيارات السابقة فلا نعيد، نعم هنا اشكال خاص و هو لزوم الغرر و هو موجب للبطلان.

يلاحظ عليه: أنّ المراد من الحديث النبوي أي النهي عن بيع الغرر، أحد الأمرين:

ألف- ما اشتمل على الخدعة و الحيلة كالتدليس في المبيع.

ب- ما إذا كان نفس البيع خطريا كبيع الطير في الهواء، و السمك في الماء، و اشتراء ما في اليد المردّد بين كونه من الفضّة أو الذهب، و اشتراء الصبرة من الحنطة المردّدة بين طن أو أطنان.

و بهذا المعنى يصدق الغرر على ما إذا كان المبيع مجهول الذات، أو مجهول الصفات، بل مجهول المقدار كما مثلناه.

إنّما الكلام في شموله مجهول القيامة، لكنّه على قسمين: تارة يكون السعر مجهولا بتاتا، كما إذا تردّدت قيمة الشي ء بين دينار و ألف دينار، فاشتراه بألف دينار، و أخرى يكون معلوما في الجملة لكنّه محتمل الزيادة، فشمول النبوي لهذا القسم مورد تأمّل بل منع، و إلّا يلزم بطلان أكثر المعاملات، و لا يكون الخيار مصحّحا للمعاملة و إلّا يلزم تجويز كل معاملة غررية بالخيار.

أضف إلى ذلك: أنّ رافع الغرر هو الفسخ دون الخيار، فيلزم أن تكون المعاملة حتى مع الخيار مصداقا للغرر فتبطل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 241

نعم لا يرد عليه أنّه مستلزم للدور، بتصوّر أنّ الخيار فرع صحّة البيع و لو كانت صحّته متوقّفة على الخيار فهو الدور، لأنّ الدور في المقام معيّ، و الخيار و الصحّة

متحقّقان معا.

الثالث: تصرّف المغبون بعد العلم بالغبن:

إذا تصرّف المغبون فيما اشترى بعد علمه بالغبن، فهل يسقط الخيار مطلقا أو فيه التفصيل. و لنذكر أقسامه:

1- إذا تصرّف في المبيع تصرّفا كاشفا عن رضاه الفعلي بالبيع، فلا شكّ في كونه مسقطا، لأنّ الاسقاط الفعلي كالاسقاط القولي فكما لا يشك أحد في كون الثاني مسقطا فكذا الأوّل، و عندئذ يكون التصرّف في المبيع إنشاء فعليا للاسقاط.

2- إذا تصرّف فيه تصرّفا يستدل بنوعه على رضا المتصرّف نوعا بالبيع، و إن لم يعلم التزامه الفعلي به، و هذا أيضا مسقط للخيار أخذا بعموم العلة الواردة في صحيحة علي بن رئاب حيث قال: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيّام، فذلك رضا منه فلا شرط «1» و قد تقدم عند البحث عن خيار الحيوان، أنّ المراد من إحداث الحدث هو التصرّف المغيّر، لا مطلقه، خرجت تقبيل الأمة و لمسها من الضابطة بالدليل الشرعي، و بما أنّ الحديث بصدد اعطاء الضابطة يمكن الاستدلال به في غير مورده، إذ العبرة بعموم التعليل، و لا يتبادر إلى الذهن اختصاصه بالمورد، و حاصل التعليل أنّ تصرّف ذي الخيار يتلقّى منه كونه راضيا سواء أرضى أم لا، و هذا يعمّ جميع الأبواب.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، باب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 242

ثم لو قلنا بعموم أدلّة الخيار لصورة التصرّف، يكون عموم التعليل مخصّصا، و إن قلنا بقصورها يكون هو المرجع و مقدّما على استصحاب الخيار تقدم الدليل الاجتهادي على الأصل العملي.

3- إذا تصرّف فيه- بعد العلم بالغبن- تصرّفا لا يكشف عن الالتزام الفعلي أو النوعي، فالظاهر بقاء الخيار لوجود المقتضى و هو إطلاق أدلّة الخيار و عدم المقيّد.

توضيح ذلك: أنّ الاجماع الذي

هو أحد الأدلّة في خيار الغبن و إن كان قاصرا لاثبات الخيار حينئذ لكونه دليلا لبيّا، إلّا أنّ اطلاق حديث تلقّي الركبان قائم بحاله، و المغبون و إن كان فيه هو البائع، و لكنّه لا خصوصيّة له، و مثله قاعدة «لا ضرر»، فإنّ ملاك الخيار هو كون المغبون متضرّرا، و هو قائم بحاله، سواء كان هناك تصرّف أو لا، و الحكم بلزوم المعاملة عليه في هذا الحال حكم ضرري و قياسه- في كلام الشيخ- بالاقدام على المعاملة الغبنية مع العلم، قياس مع الفارق، لأنّ الاقدام هناك دليل على الرضا بالغبن دون المقام، إذ المفروض أنّ التصرّف غير كاشف عن الالتزام لا شخصا و لا نوعا.

و مثله حديث المساواة بين الثمن و المثمن في القيامة، لبناء العقلاء على الخيار في المقام، فهو محكّم في المقام، فأدلّة الخيار جارية بلا مخصّص، و ما نقل من بعض معاقد الاجماعات من أنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة، و فيمن انتقل عنه فسخ، فالمتيقّن منه هو الصورتان الأوليان لا مثل المقام، إذ ليس في البين إلّا التصرّف المجرّد عن كل شي ء.

و لو شككنا في شمول أدلّة الخيار، فالمرجع عند الشيخ الأعظم- قدّس سرّه- هو استصحاب حكم المخصّص، أعني: الخيار، لا الرجوع إلى العام أعني:

المختار في أحكام الخيار، ص: 243

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لما تقرّر في محلّه من أنّ الزمان إذا كان ظرفا للعام، لا قيدا للموضوع حتى يكون كل فرد من أفراد العام في كل قطعة من الزمان موضوعا مستقلّا، بل يكون الفرد في جميع الأزمنة فردا واحدا للعام، ففي مثله إذا خرج فرد في فترة من الزمان كقبل التصرّف من عموم العام مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ثمّ شككنا في

بقائه على الحكم السابق، بالتصرّف المجرّد، يستصحب حكم المخصّص إذ لا يلزم من اسراء الحكم إلى زمان الشك، تخصيص زائد، بل يكون خروجه قبل التصرّف و بعده، تخصيصا واحدا لا تخصيصين.

نعم لو كان العقد الخياري قبل التصرّف فردا و بعد التصرّف فردا آخر، يكون المرجع هو العام لا استصحاب حكم المخصّص، لعدم بقاء الحالة السابقة، و مغايرة القضية المشكوكة مع القضية المتيقّنة.

لكن المرجع عندنا مطلقا هو عموم العام فإذا قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و دلّت مقدمات الحكمة على كون الحكم ثابتا في جميع الأزمان فهو حجّة مطلقا في غير ما دلّ الدليل على عدم وجوبه في قطعة خاصة، فكما إذا شكّ في خروج فرد آخر في قطعة من الزمان، يكون المرجع هو عموم العام، فهكذا إذا شكّ في خروج فرد أزيد ممّا دلّ عليه الدليل.

و توهّم أنّ دخول الفرد تحت العام، بعد خروجه عنه يتوقّف على الدليل، مدفوع بأنّ هذا إنّما يتمّ لو كان الخروج أفراديا أي يخرج الفرد عن تحت العام بما هو فرد، لا أزمانيا أي يخرج الفرد عن تحته «بما هو واقع في تلك القطعة من الزمان» لا الخروج من رأس، حتى يحتاج الدخول إلى دليل آخر بل هو باق تحته كما كان.

المختار في أحكام الخيار، ص: 244

الرابع: تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن:

إذا أتلف الجاهل بالغبن العين المغبون فيها تلفا حكميّا «1» كما إذا باعها من ثالث بعقد لازم أو اعتق العبد أو أوجد مانعا من الردّ كاستيلاد الأمة فهل يسقط خياره أو لا؟

المشهور بين المتأخّرين هو سقوط خياره. قال المحقّق: و لا يسقط ذلك الخيار بالتصرّف (السابق على ظهور الغبن) إذا لم يخرج عن الملك أو لم يمنع من ردّه كالاستيلاد في الأمة و العتق،

و على ذلك جرى العلّامة في القواعد و المتأخّرون بعده، و لم يذكره من المتقدّمين سوى الشيخ، قال في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع: أنّه لو ملك السلعة أو تصرّف فيها سقط الردّ.

و بما أنّ اتفاق المتأخّرين في هذه المسألة لا يكشف عن دليل شرعي وصل إليهم و لم يصل إلينا فاللازم دراسة المسألة في ضوء الأدلّة.

استدلّ القائل بالسقوط بأنّ المتيقّن من أدلّة الخيار إنّما هو إذا أمكن ردّ العين المغبون فيها، فإذا امتنع ردّها، فلا دليل على جواز الفسخ، و تضرّر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرّر الغابن بقبول البدل، فإنّ دفع الضرر من الطرفين، إنّما يكون بتسلّط المغبون على ردّ العين.

يلاحظ عليه: أنّ المقتضي لبقاء الخيار موجود، و المانع المتوهّم غير مؤثّر.

أمّا الأوّل: فلأنّ ملاك الخيار في باب الغبن، هو بناء العقلاء المبتني على

______________________________

(1)- أمّا التلف الحقيقي فسيأتي حكمه في البحث عن اتلاف الغابن تحت عنوان «حكم تلف العوضين» فلاحظ ص 266.

المختار في أحكام الخيار، ص: 245

تعهّد الطرفين على المساواة بين الثمن و المثمن في القيامة، و قد تبيّن عدمها، و هذا الملاك موجود قبل التصرّف و بعده على وجه سواء فلا وجه لسقوطه مع التخلّف في جانب الغابن.

و مثله قاعدة «لا ضرر»، فلأنّ تنفيذ اللزوم في حقّه حكم ضرري منفيّ بها، مع عدم التزامه بالضرر لا تصريحا و لا تلويحا و تصرّفه عن جهل لا يدلّ على الالتزام أبدا و ما في المتاجر «انّ إخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر و لو جهلا منه» كما ترى إذ كيف يكون التزاما به مع أنّه لو كان واقفا على الضرر لما أخرجها عن ملكه.

و الحاصل: أنّ بناء العقلاء، و

قاعدة «لا ضرر» هما المحكّمان في المقام، و لا وجه لرفع اليد عن مقتضاهما بحجة أنّ القدر المتيقّن منهما، هو وجود العين.

و أمّا الثاني: أعني المانع فليس إلّا ما يلي:

1- ما جاء في كلام المستدلّ من أنّ تضرّر المغبون من جهة زيادة الثمن، معارض بتضرّر الغابن بقبول البدل.

يلاحظ عليه: أنّ الضرر غير متوجّه إليه فإنّها لو كانت مثليّة فلا ضرر في تبديلها بمثلها، خصوصا في هذه الأيام التي صارت أكثر القيميات مثلية كالألبسة و الأواني و غيرهما. فإنّ الصنائع تولّد ملايين من الأجناس المثلية التي لا تجد فيها أيّ فرق بين أفرادها.

و إن كانت قيميّة فتعريضها للبيع يدلّ على إرادة قيمتها، و أنّه لا علاقة له بنفسها، فلا ضرر أصلا حتى يعارض ضرر زيادة الثمن على القيامة خصوصا إذا كانت ممّا لا تتحمل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 246

2- إنّ أثر الفسخ هو ترادّ العينين، و مع عدم امكانه فكيف يؤثّر الفسخ.

يلاحظ عليه: أنّ الفسخ عبارة عن إزالة العقد و الالتزام و جعلهما كالعدم من حينه، و أمّا ردّ العينين فإنّما هو في مرتبة متأخّرة، فامتناع الترادّ لا يمنع عن تأثيره و تجويزه، ثمّ بعد الفسخ تصل النوبة إلى أثره و هو التراد فلو وجدها أخذها، و إلّا يرجع إلى البدل كما هو الحال في باب الغرامات و الضمانات، و هذا أصل عقلائي عالمي.

و بعبارة أخرى: أنّ هناك حقّين مختلفين يجب اعمالهما حسب الامكان، حقّا للمغبون، و هو حقّ الفسخ حتى يدفع الاعتداء عن نفسه، و ليس لهذا الحق بدل.

و حقا للغابن و هو استرداد العين إذا ردّ الثمن، فإن أمكن ردّ العين، و إلّا يتنزل إلى بدلها شأن كلّ حقّ له بدل، و هو

المثل أو القيامة، فالجمع بين الحقّين إنّما هو بالقول بثبوت الخيار لا سقوطه.

فإن قلت: لا يمكن بقاء الخيار مع الاتلاف أو التلف السماوي «1» و ما بحكمهما كالخروج عن الملك في مطلق الخيارات لعدم تعقّل اعمال الخيار من غير فرق بين كونه متعلّقا بالعين أو بالعقد لأنّ الفسخ عبارة عن حل العقد المتعلّق بالعين فلا بد للفسخ من عمل مقابل عمل العقد حتى يكون به فسخا، و العين التالفة، لا يعقل رجوعها إلى البائع و يلحق بها التالف الحكمي.

قلت: هذا ما ذكره سيّدنا الأستاذ- قدّس اللّه سرّه- و حاصله: أنّه كما للعقد عمل من عمل المبادلة، كذلك لا بدّ أن يكون للفسخ عمل، و مع تلف العين

______________________________

(1)- الكلام في التلف الحكمي و ذكر التلف الحقيقي من باب الاستطراد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 247

لا يتحقّق العمل، إذ العقد و الفسخ يتواردان على العين و العمل المناسب لهما قائم بالعين و المفروض تلفها.

يلاحظ عليه: أنّه لا شك أنّ الفسخ، عبارة عن حل العقد المتعلّق بالعين الموجودة في زمان الانشاء و أنّه لا بد من وجود عمل له مثل العقد، و أمّا كيفية العمل فلا دخل له في ماهيّة الفسخ بل هو أمر عقلائي، فالمغبون يفسخ تلك الرابطة المتعلّقة بالعين وقت الانشاء، و أمّا العمل المناسب له فهو راجع الى العقلاء، و هم يحكمون بردّ العين عند وجودها، و بدلها عند عدمها. و سيوافيك تفصيله عند البحث عن خيار تعذّر الشرط الذي عنونه الشيخ في مبحث شروط صحّة العقد، فلاحظ.

نعم لو قلنا بقصور أدلّة الخيار، فالمرجع هو استصحاب الخيار عند الشيخ الأعظم على النحو الذي عرفته في التصرّف في المبيع مع العلم بالغبن، و عموم وجوب

الوفاء عندنا فلا نعيد.

فبذلك تبيّن أنّ الحقّ مع الشهيد و ليس على خلاف الاجماع.

هذا كلّه إذا أتلف حكما أو أوجد فيه مانعا من الردّ. و أمّا الصور الباقية التي ذكرها صاحب الجواهر «1» و الشيخ- قدّس سرّه- فنذكر إجمالها ثمّ نأخذها بالدراسة و التحليل:

1- إذا نقلها بعقد جائز.

2- إذا دبّر العبد أو أوصى به للغير.

______________________________

(1)- الجواهر ج 23/ 44- 45.

المختار في أحكام الخيار، ص: 248

3- لو زال المانع كما إذا مات ولد أمّ الولد، أو فسخ المشتري الثاني، لعيب أو غبن.

4- إذا آجرها للغير ثم وقف على الغبن.

5- إذا امتزجت بمال المغبون.

6- إذا تغيّرت العين بالنقيصة الخارجية الوصفية.

7- إذا تغيّرت بالزيادة الخارجية أو الحكمية «1».

فعلى المختار لا يسقط الخيار في واحد منها، فإذا لم يكن التلف مسقطا فكيف بما دونه و على المشهور، ففيه التفصيل. و لإيقاف القارئ على جلية الحال نأخذ كل واحد بالبحث اجمالا:

ألف: إذا نقلها بعقد جائز فعلى المختار لا يسقط الخيار إنّما الكلام في أنّه هل يجب عليه تحصيل العين و لو بفسخ العقد الجائز، أو يكفي دفع البدل، و يرجّح الثاني بأنّه لو وجب تحصيل البدل و لو بالفسخ، وجب عليه الإقالة إذا نقله بالعقد اللازم و لو ببذل شي ء لأجلها، و يرجح الأوّل بالفرق بين العقدين بوجود التمكّن العرفي في العقد الجائز دون النقل اللازم، بل يمكن أن يقال: إنّ فسخ العقد الأوّل، فسخ للعقد الثاني الجائز تلويحا و كناية، و لكن الظاهر هو الأوّل لأنّ حقيقة الفسخ شي ء، و ما يجب على الفاسخ بعده شي ء آخر، و قد عرفت أنّ حكم العقلاء بعد الفسخ هو ردّ العين إن وجدت، و البدل إذا فقدت، و المفروض خروج العين

عن ملك الفاسخ و احتمال كون فسخ العقد الأوّل كناية عن فسخ العقد الثاني، كما ترى.

______________________________

(1)- كما إذا عمل في الثوب عملا زاد الرغبة كقصارته.

المختار في أحكام الخيار، ص: 249

هذا على المختار، و أمّا على المشهور فلو كان المانع هو نقل العين عن ملكه فيسقط خياره، و أمّا لو كان المانع عدم امكان الاسترداد، فيختصّ بالعقد اللازم دون الجائز لامكان استرداده بالفسخ.

ب- إذا دبّر العبد أو أوصى به للغير، فلا يسقط على كلا القولين.

ج- إذا اتفق زوال المانع بموت ولد أمّ الولد و فسخ العقد، فلا يسقط على المختار، و على المشهور فيه التفصيل بين كون المسقط هو نقل العين إلى الغير فيسقط أو عدم امكان الاسترداد فلا.

د- إذا تصرّف فيها بالايجار للغير فعلى المختار لا يسقط إذ ليس الايجار بأشكل من نقل العين إنّما الكلام في ردّ العين أو البدل، فهناك احتمالات:

1- يردّ العين و تصحّ الاجارة لأنّه آجرها و هو مالك، و الملكية المطلقة كافية في تملّك المنافع الحالية و المستقبلية، غاية الأمر يرجع الغابن بعد الفسخ بالنسبة إلى المنافع إلى أجرة المثل، و يكون المسمّى للمغبون، كما سيجي ء تفصيله فيما إذا أجرها الغابن.

2- يردّ العين و تقع الاجارة فضولية فيما بعد الفسخ فلو أمضى يكون له المسمّى و إلّا تبطل.

3- يردّ البدل، خصوصا إذا كانت الاجارة غير قصيرة فإنّ المنفعة رمز العين، فعدمها يساوق عدم العين.

ه: إذا امتزجت مع ماله، فإن كان على وجه ملحق بالتلف كاستهلاك ماء الورد في دهن الزيت، يلحق بالتلف، و يسقط الخيار على مبنى المشهور دون

المختار في أحكام الخيار، ص: 250

المختار.

و إن كان الممتزجان مثليين و كانا متغايرين في الجنس لا يسقط الخيار و

يبقى كل على ملك صاحبه كما إذا اختلط الجوز باللوز.

و إن كانا متّحدين في الجنس و الوصف، كما إذا امتزج الشعير بمثله في الوصف، تحصل الشركة، و قد أرسلوه في كتاب الشركة من المسلّمات، و لولاه يمكن القول فيه بما نقول به في القسم الآتي.

و إن كانا متخالفين في الوصف كما إذا اختلط الأعلى بالأردى فهناك احتمالات:

1- إلحاقها بحكم التالف، و عليه يسقط خياره على مبنى المشهور دون المختار فيرجع إليه بالقيمة.

2- الحكم بالشركة في الثمن- إذا فسخ- بأن يباع و يعطى من الثمن بنسبة قيمته.

3- الحكم بالشركة في العين بنسبة القيامة فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الردي كان المجموع بينهما أثلاثا و ردّ هذا باستلزامه الربا في الربوي بناء على عمومه لكل معاوضة.

و إن كانا قيميين، تتعين الشركة في العين بنسبة القيامة، و عليه موثقة إسحاق ابن عمّار: قال: قال أبو عبد اللّه في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب و آخر عشرين درهما في ثوب، فبعث الثوبين و لم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه؟

قال: يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و الآخر خمسي

المختار في أحكام الخيار، ص: 251

الثمن «1».

و- إذا تصرّف فيها بالنقيصة و هي على أقسام:

1- إذا أتلف بعض العين.

2- إذا صارت معيبا من حيث صفات الصحّة فعليه أن يردّ الباقي، مع الارش.

و يمكن القول بدفع البدل لما في قبول الناقص من ضرر على الآخذ، فتأمّل.

3- إذا صارت ناقصا من جهة فقد الوصف «2» و الانتقال إلى البدل هو المتعيّن لعدم تعلّق الارش في تغيّر الأوصاف عند القوم كما سيجي ء في محلّه، و بما أنّ المختار عندنا هو الارش في فقد صفات الكمال أيضا، يجري

فيه الوجهان السابقان في تلف الأجزاء و صفات الصحّة. هذا على المختار، و أمّا على المشهور:

فالظاهر السقوط لعدم امكان استرداد العين على ما كانت عليه.

ز- إذا تغيّرت بالزيادة، أمّا المنفصلة كالثمر في الشجر، و الصوف و اللبن في الشاة، فلا تمنع عن الرد لعدم حصول الشركة لأنّها للمغبون.

إنّما الكلام في المتصلة، حقيقية كانت كما إذا صارت سمينا أو حكمية كما إذا غسل الثوب و زادت به الرغبة فاحتمل الشيخ حصول الشركة في الأولى دون الثانية، و للتأمّل في أصل حصول الشركة فيهما أوّلا، و التفريق بين الزيادتين ثانيا،

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، كتاب الصلح الباب 11، الحديث 1 و بهذا يتبيّن أنّ كون المثلية ليست من شرائط الشركة كما عليه المحقّق في الشرائع، بل الاشتباه في معرفة المال يكفي أيضا.

(2)- و قد أشار الشيخ إلى القسمين الأوّلين، و لم يذكر هذا القسم. فإلى الأوّل بقوله: فإن أوجب الارش، و إلى الثاني بقوله: و من ذلك ما لو تلف بعض العين.

المختار في أحكام الخيار، ص: 252

مجال، و الظاهر الرجوع إلى البدل في رفع اليد عنها، و على كل تقدير سواء قلنا بالشركة أو بالرجوع إلى البدل لا يسقط الخيار على المختار أمّا على نظر المشهور فيسقط «1».

في تصرّف الغابن:

اشارة

إنّ صور تصرّف الغابن على وزان تصرّف المغبون فلا حاجة لذكر فهرسه أولا، و من المعلوم أنّ واحدا من تصرّفات الغابن في العين المشتراة، لا يسقط خيار المغبون على كلا المبنيين، و الغرض في المقام بيان كيفية استرداد البائع المغبون- مثلا- ماله من المشتري الغابن المتصرّف فيه بانحاء مختلفة. و بهذا ظهر الفرق بين المقامين فالهدف في الأوّل هو البحث عن الكبرى و أنّه هل يسقط أو لا بخلاف

الثاني، فالغرض هو بيان كيفيّة الاسترداد و البحث في هذا المضمار على عاتق مبحث أحكام الخيار الآتي، و كان على الشيخ إيكال البحث إلى هذا المقام لكنّه قدّم الكلام فيها تبعا لبعض المشايخ.

1- إذا تصرّف الغابن في المبيع تصرّفا ناقلا «2».

إذا تصرّف في المبيع بعقد لازم أو ما في حكمه، ففي تسلط المغبون على ابطال ذلك من حين الفسخ، أو من حين المعاملة، أو رجوعه إلى البدل وجوه.

الأقوى هو الثالث و به يظهر ضعف الأوّلين، لأنّ تصرّف الغابن في العين

______________________________

(1)- و ليعلم: أنّ البحث في تصرّف المغبون كان مركّزا على سقوط الخيار و عدمه و أمّا كيفية استرداد المال فإنّما ذكر استطرادا بخلاف البحث الآتي، فالبحث فيه مركّز على الثانية لوضوح عدم سقوط خيار المغبون بتصرّف غيره.

(2)- العنوان يختصّ بالتلف الحكمي و سيوافيك التلف الحقيقي تحت عنوان «تلف العوضين».

المختار في أحكام الخيار، ص: 253

كان تصرّفا شرعيّا لأنّه كان مالكا لها، و لم يكن حق المغبون، كحق المرتهن في العين المرهونة، و الشفيع في سهم الشريك، حتى تتوقّف صحّة النقل الثاني باجازة المغبون، بل حقّه يتعلّق بالعقد، و أنّ له فسخ العقد و نقض العهد، و بعد الفسخ تصل النوبة إلى استرداد ماله، فإن وجده أخذه، و إلّا انتقل إلى البدل.

و إن شئت قلت: إنّ هنا حقّين: حقّا للغابن و هو التقلّب في ماله الذي اشتراه و ليس له بدل، و حقّا للمغبون و هو استرداد ماله بالفسخ، و الجمع بين الحقّين هو الانتقال إلى البدل إن لم يتمكّن من استرداد العين.

و أضعف من الوجهين الأوّلين ما احتمله الشيخ من تقديم حق المغبون في مورد الاستيلاد، لسبق سببه، و ذلك لأنّ الخيار تعلّق بالعقد، و ردّ العين أثره، فلا يكون سبقه

على الاستيلاد مؤثّرا في تقديم حقّه.

و أمّا إذا تصرّف الغابن في المبيع بالنقل إلى الغير جائزا. فهو من مصاديق التلف الحكمي، فينتقل إلى البدل بالبيان السابق، و كون العقد جائزا، لا يجعله من مصاديق «من فسخ و وجد المبيع موجودا» لأنّ المبيع انتقل إلى الغير، و كون انتقاله بالعقد الجائز، لا يخرجه عن كونه خارجا عن ملك الغابن، و كونه جائزا إنّما هو من جانب الغابن، لا من جانب المغبون لأنّه ليس طرفا للعقد.

و احتمل الشهيد في المسالك تسلّط المغبون على فسخ عقد الغابن، إن لم يفسخ الغابن، أو امتنع بعد إجبار الحاكم، و هو عجيب إذ ليس هو طرفا للعقد، و ليس حقّ الخيار كحق الشفعة متعلّقا بالعين.

و أمّا إجباره على الفسخ أو إجبار الحاكم عليه، فلا دليل عليه بعد صحّة تصرّفه، و كون المغبون مسلّطا على الفسخ أمر، و كيفيّة استرداد العين أمر آخر، فإذا

المختار في أحكام الخيار، ص: 254

تحقّق الأوّل، يرجع في الثاني إلى السيرة المألوفة بين العقلاء.

و لو عاد المبيع إلى الغابن بالفسخ ثمّ فسخ المغبون، يسترد عينه، اللّهمّ إلّا إذا فسخ بعد أخذ البدل لسقوط حقّه بأخذ البدل، و ليس البدل إلّا عوضا عن العين على وجه الاطلاق، لا بدلا مؤقتا، و لو عاد بعقد جديد كما إذا اشتراه منه مجددا، فالظاهر جواز استرداده، لأنّه فسخ و وجد عينه موجودا، خلافا للشيخ الأعظم حيث قوّى عدم وجوب الرد مطلقا «لأنّه ملك العين بعقد جديد تلقاها من مالكها (المشتري الثاني) و الفاسخ إنّما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل، و المفروض عدم عوده، و العائد أمر آخر» و مراده من الفاسخ هو المغبون و من السبب الناقل

هو العقد المشتمل على الخيار، و المقصود أنّ المغبون لا بدّ و أن يملك بالسبب السابق بعد ابطاله العقد الأوّل بالفسخ و الحال أنّه لو أبطل عقده، يواجه ملكية جديدة متوسّطة، بين الملكية السابقة العائدة، و بين الفسخ، لا ملكيته السابقة.

يلاحظ عليه: أنّ موضوع جواز الاسترداد، هو كون العين مملوكة للغابن، سواء ملكها بتمليك المغبون أو بعقد جديد، و هذا هو الموضوع للاسترداد في نظر العقلاء لا كونه متملّكا بالسبب السابق حتى يقال بعدم رجوعها بالفسخ.

2- إذا تصرّف الغابن في المبيع تصرّفا مغيّرا

اشارة

و هو على انحاء:

ألف: أن يكون موجبا لنقيصته.

ب: أن يكون موجبا لزيادته.

ج: أن يكون موجبا لامتزاجه.

و إليك البحث عن الثلاثة واحدا بعد الآخر:

المختار في أحكام الخيار، ص: 255

ألف- التصرّف الموجب للنقيصة:
اشارة

التصرّف المستلزم للنقيصة، تارة يتحقّق بذهاب بعض أجزاء العين، و أخرى بذهاب وصف الصحّة، و ثالثة بذهاب وصف الكمال.

أمّا الأوّل: فلو كانت العين مثلية كالحنطة، فيرد الباقي مع بدل الذاهب، و إن كانت قيميّة كما إذا أتلف أحد مصراعي الباب، فيرد الباقي مع قيمة التالف، مضافا إلى ارش النقص الوارد عليه من ذهاب الهيئة الاجتماعية.

أمّا الثاني: فهو كما إذا آلت الحنطة إلى فساد، أو صارت الدابّة عرجاء أو عمياء، فيردّهما مع الارش، لأنّ الفائت مضمون بجزء من العوض، فإذا ردّ تمام العوض وجب رد مجموع المعوض، فيتدارك الفائت منه ببدله.

و إن شئت قلت: إنّ مفاد الفسخ هو ردّ العين على النحو الذي قبضها، فإذا لم يمكن الردّ على النحو المأخوذ، يجب دفع العوض و ليس هو إلّا الارش.

و أمّا الثالث: فهو كما إذا نسي العبد الكتابة، أو نسي الكلب الحراسة التي تعلّمها- و لم يذكر الشيخ الأعظم هذا القسم- فيردّه بلا ارش، و ذلك لأنّ الثمن عند الشيخ و أتباعه يبذل في مقابل الأجزاء و لا يقابل وصف الصحّة بشي ء من الثمن لأنّه أمر معنوي، و لذا لو قابل المعيب بما هو أنقص منه قدرا حصل الربا من جهة الزيادة، فإذا كان هذا حال وصف الصحّة فوصف الكمال أولى بأن لا يقابل بشي ء من الثمن، إلّا أن الدليل من النص و الاجماع دلّ على ضمان هذا الوصف من بين الأوصاف «1».

و لكن للتأمّل فيما ذكره مجال، و الظاهر أنّ الثمن يوزع على الأجزاء و أوصاف

______________________________

(1)-

المتاجر: قسم الخيارات/ 271 ط تبريز.

المختار في أحكام الخيار، ص: 256

الصحّة و الكمال جميعا، و أنّ ضمان وصف الصحّة بالارش مطابق للقاعدة إذ ربّما يكون المطلوب هو الأوصاف كالأمة المغنّية فلا يشتريها إلّا لغنائها لا لكونها أمة قادرة على الخدمة، و ما يذكره الشيخ في أوصاف الصحّة: «من أنّها لا يقابلها شي ء لكن لها مدخل في زيادة الثمن و عدمها» غير تام بل لها دور في الاشتراء بأزيد ممّا يشترى به الفاقد و ما هذا إلّا أنّ الثمن يقع في مقابلها، و على هذا فيرده الغابن بالارش مثل وصف الصحّة حرفا بحرف.

ثمّ إنّ الظاهر من الفقهاء ضمان الغابن التلف السماوي مثل إتلاف الأجنبي، أمّا الثاني فله وجه، لأنّه إذا رجع المغبون إلى الغابن فهو يرجع إلى الأجنبي، و أمّا ضمانه للآفات السماوية، فهو يحتاج إلى التصريح و لا يكفيه الاطلاق، و ذلك لأنّ الضمان في المقام، ضمان معاوضي ينشأ من تعهّد المتعاملين ردّ مال الآخر سالما عند استرداد ماله بوجه شرعي، و من المعلوم انصراف مثل هذا النوع من التعهّد عن الآفات السماوية الخارجة عن حيطة القدرة البشرية اللّهمّ إلّا أن يصرّح بالضمان و جبر الخسارة عندها.

و أمّا تضمينه بقاعدة «على اليد ما أخذت ...» فهو مشكل للشك في اطلاقه إلى هذا الحدّ، كما أنّ تضمينه بقاعدة «تلف المبيع في زمن الخيار ممّن لا خيار له»، أشكل لما عرفت من اختصاصها بالخيارات الثلاثة.

إذا وجدها الفاسخ مستأجرة:

فقد ذكر الشيخ وجوها ثلاثة:

1- وجوب الصبر على الفاسخ حتى تنقضي المدّة و لا يجب على الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى بقية المدّة، لأنّ المنفعة من الزوائد المنفصلة

المختار في أحكام الخيار، ص: 257

المتخلّلة بين العقد و الفسخ

فهي ملك للمفسوخ عليه. فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق فإذا ملك آنا، ملك المنفعة بأسرها.

يلاحظ عليه: أنّه خلط بين الحق و الباطل، إذ لا شك أنّ من ملك العين، آنا، يملك منفعتها الدائمة فله ايجارها و لكن حقيقة الفسخ ليس إلّا ردّ العين على ما هي عليه، لا ردّ العين المجرّدة من المنافع، إذ ليس هذا النوع من الردّ ردا لها على ما هي عليه، بل ليس لها حقيقة عند العرف إلّا كونها رمزا للمنافع المستمرة، فإذا سلبها الغابن، كيف يصح أن يقال إنّه ردّها على ما هي عليه.

و النظر إلى العين بما أنّها جوهر له أبعاد ثلاثة أو أربعة و أنّ بقاءها ببقاء تلك الأبعاد لا ببقاء المنافع، نظر فلسفي فإنّها إذا كانت مسلوبة المنفعة، لا توصف بالبقاء على ما هي عليه في نظر العرف الذي لا يطلب العين إلّا لمنافعها و هي كناية عنده عنها، و يشير بها إليها، فلا يكون ردّها مجرّدة عنها، ردّا لها.

2- و بذلك يظهر ضعف القول الثاني من انفساخ الاجارة في بقية المدّة بحجّة أنّ ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل و هو المحكي عن المحقّق القمّي. إذ لم يدل دليله على الضابطة الواردة في كلامه بل اطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يقتضي صحّة الايجار مطلقا، و مثله ما إذا مات الموجر، فاطلاق الآية كاف في بقاء العقد و عدم انفساخه بموته، و للورثة الصبر إلى انقضاء المدّة.

3- فتعيّن القول الثالث من ردّ العين، مع رد ما فوّت على الفاسخ من المنافع، و ليس بدلها، إلّا أجرة المثل، سواء ساوى أجرة المسمّى أو زاد أو قلّ منها.

و إن شئت قلت: إنّ المفسوخ عليه ضامن للنقص الوارد على العين بسبب كونها مسلوبة

المنافع، و لا يعلم مقداره إلّا بالرجوع إلى أجرة المثل للعين

المختار في أحكام الخيار، ص: 258

المستأجرة.

نعم لو فسخ مع العلم بكونها مستأجرة فلا ضمان للنقص للاقدام به.

ب- التصرّف الموجب للزيادة:

التصرّف المغيّر إذا لم يكن موجبا لزيادة القيامة، لا يمنع من الردّ و لا شي ء لمحدثه لأنّه عمله لنفسه لا بأمر من المغبون، و لم يحصل في مقابله شي ء. إنّما الكلام إذا كان موجبا لزيادتها فهي على قسمين:

ألف- أحدث زيادة حكمية في المبيع.

ب- أحدث زيادة عينية فيه.

أمّا الأولى: فهي كما إذا بيّض الثوب و غسله، أو علّم العبد الصنعة أو الكتابة فهناك احتمالات:

1- ثبوت الشركة في العين بنسبة تلك الزيادة بأن تقوّم العين معها و لا معها و يؤخذ بالنسبة و هو خيرة الشيخ الأعظم.

2- ثبوت الشركة في القيامة بنسبة تلك الزيادة مع كون كل من الوصف و الموصوف ملكا للمغبون.

3- استحقاق العامل أجرة المثل لكونه عمل عملا محترما إذ لم يهتك حرمة ماله، و المبيع على هذا القول بوصفه للمغبون لكنّه كالعين المرهونة بالنسبة إلى المرتهن فكما هي ملك للراهن و متعلّق حق للمرتهن، فهكذا في المقام فالعين بوصفها الموجب لزيادة القيامة ملك للمغبون لكنّها متعلّق حق للغابن.

المختار في أحكام الخيار، ص: 259

أمّا الثانية: أعني: الزيادة العينية.

فإن كانت متصلة كالسمن فهل هي للفاسخ كما عليه صاحب الجواهر في مسألة الحجر، و نقل عن العلامة في المختلف و المحقّق الثاني أنّها للمفسوخ عليه، و عليه تكون في المقام ملكا للغابن. و الظاهر تبعيّتها للعين، إلّا إذا كانت كثيرة في الغاية، كما إذا أنفق في تحصيلها مئونة زائدة فهي عندئذ ملك للمفسوخ عليه.

و أمّا إذا كانت منفصلة لكن قائمة بالعين كالأشجار المغروسة فهناك في جواز القلع

و عدمه احتمالات:

1- يجوز للمغبون قلعها بلا ارش، و هو خيرة العلّامة في كتاب الشفعة للمختلف.

2- لا يجوز له القلع مطلقا حتى مع الارش، ذهب إليه المشهور في الأرض المغروسة بيد المشتري إذا أفلس و رجع البائع إلى أرضه.

3- يجوز له القلع مع الارش و هو خيرة المسالك.

4- يجوز لكل واحد تخليص ماله عن مال صاحبه مع جبر الخسارة الواردة على الطرف الآخر من عمله. فإن أراد مالك الغرس قلعه فعليه طمّ الحفر، و إن أراد مالك الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس، أعني: تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما و كونه مقلوعا، و هو خيرة الشيخ الأعظم.

5- إنّ للبائع إلزام المشتري بأحد الأمرين: إمّا قلع شجرة و هدم بنائه و طم الأرض، أو ابقائهما مع أجرة المثل، و على المشتري أحد الأمرين لا يجوز له التخلّف عنهما، جمعا بين الحقّين و عدم إضرار أحدهما بالآخر و هو خيرة السيد الأستاذ

المختار في أحكام الخيار، ص: 260

- قدّس اللّه سرّه- «1».

و لكلّ من الاحتمالات وجه مذكور في المتاجر و للمسألة أشباه و نظائر و مع ذلك لا يمكن القضاء في الجميع بحكم واحد و لنذكرها:

1- أن توجد الزيادة في أرض الغير بلا اذن منه كما لو غرس الغاصب في الأرض المغصوبة أو بنى أو زرع.

2- أن توجد باذن منه كما إذا استعار أرضا للغرس و البناء.

3- أن توجد في ملك الموجد مع كونه ملكا متزلزلا من جهة تعلق الخيار أو حق الشفعة.

4- أن توجد في ملكه غير المتزلزل، لكن طرأ عليه الفسخ كما في المفلس الغارس، إذا رجع البائع إلى العين الباقية.

5- أن يتملّك أحدهما الأرض و الآخر الأشجار، أو يبيع الأرض دون الأشجار.

و حكم

الأولى و الأخيرة واضح، حيث إنّه لا حقّ للغاصب فيها، فلا يزاحم ضرره ضرر المالك، و لا سلطته- المحرّمة- سلطة المالك المشروعة، كما أنّ القرينة الحالية في الأخير تدلّ إمّا على إرادة الابقاء مع الأجرة أو القلع بلا ارش و كأنّه باع الغرس بما هو حطب أو غيرهما.

إنّما الكلام في حكم الصور المتوسطة، و لا شك أنّه من قبيل تعارض الضررين، فلا يصحّ فرض الضرر على أحدهما معيّنا.

و لكن الكلام في أنّ المقام هل هو من قبيل تعارض السلطنتين و أنّ مقتضى

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات ج 4/ 351.

المختار في أحكام الخيار، ص: 261

اطلاق سلطنة صاحب الأرض عليها، هو قلع الأشجار، كما أنّ مقتضى اطلاق سلطنة صاحب الغرس هو الابقاء.

أو أنّ دليل السلطنة في المقام قاصر عن كلا الطرفين و أنّ المغبون مسلّط على ماله و هو الأرض لا على الغرس و البناء، فلا يجوز له التصرّف فيهما إلّا باذن صاحبهما و لمالك الغرس سلطان على غرسه و ليس له سلطان على الأرض يتصرّف فيها و لا يجوز ذلك إلّا بإذن صاحبها.

أو التفصيل بين سلطنة صاحب الأرض و سلطنة الآخر حيث إنّ للأوّل التصرّف في الغرس بالقلع دون الآخر وجوه و احتمالات و الأوسط هو الأقرب.

و مفتاح حل المشكل هو البحث عن استحقاق صاحب الغرس لحقّ الابقاء- مع قطع النظر عن دليل السلطنة- و عدمه.

الحقّ أن يقال: إنّه إذا كان الغرس باذن شرعيّ فله الابقاء مع جبر خسارة الطرف الآخر بالأجرة دون ما إذا كان لا معه فمن القسم الثاني غرس الغاصب أو المشتبه أو القابض بعقد فاسد مع الجهل بالفساد، أمّا الأوّل فواضح و أمّا الأخير فلأنّ الضررين يتساقطان فالمرجع هو قاعدة السلطنة

لصاحب الأرض، و المفروض عدم اذن شرعي خصوصا في المشتبه حيث تخيّل بأنّ أرض الغير، أرض لنفسه.

و مثله المقبوض بالعقد الفاسد فإنّه و إن كان هناك اذن من المالك لكنّه كان إذنا مقيّدا بصحّة العقد لا مطلقا، و مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ليس لعرق ظالم حقّ» عدم ثبوت حق للمعتدي سواء كان عن علم أو عن جهل. و الظالم هو المعتدي.

المختار في أحكام الخيار، ص: 262

و أمّا وراء ذلك فاستنباط الحكم يتوقّف على ملاحظة أمرين:

1- إنّ الغارس كان مأذونا في الغرس من جانب المالك و الشارع و لم يكن في غرسه ظالما و لا معتديا، و معنى ذلك أنّ ماله محترم حدوثا و بقاء ما لم يهتك احترامه، نعم و للمالك أيضا أن يتصرّف في ملكه ما شاء و أراد، بالغرس تارة و البناء أخرى و الزرع ثالثة، هذا من جانب.

2- و من جانب آخر، إنّ الفسخ- يتعلّق بالعقد و التعهّد المعاملي، و أمّا كيفيّة استرداد العين فهو أمر متأخّر يرجع فيه إلى سيرة العقلاء، و المفروض أنّ الفاسخ استردّ عينه. و الحال أنّها كانت مشغولة بالغرس و البناء عن حقّ، و بعبارة أخرى:

عادت إليه العين مع النقص، فعليه جبر النقص حتى يصدق عليه أنّه استرداد للعين على ما هي عليه و ذلك بأحد الأمرين:

1- دفع الأجرة للبقاء.

2- أو قلعها.

و أمّا الابقاء مجانا- كما نسب إلى المشهور «1» فهو يتنافى مع لزوم استرداد العين على ما كانت عليه حين الأخذ.

هذا من غير فرق بين أن يكون حقّ الغارس متقدّما على حقّ الفاسخ كما في مورد التفليس إذا غرس المشتري ثمّ أفلس أو متأخرا كما في المقام إذ المدار على

كون الزيادة مالا محترما للمفسوخ عليه، و هو حاصل في الموردين.

فإذا كان الغرس عملا محترما شرعا، بحكم الأمر الأوّل، و كان للفاسخ أن يسترد ماله على ما هو عليه يوم الدفع بحكم الأمر الثاني، يترتّب عليه أنّ للفاسخ

______________________________

(1)- نسبه السيد الطباطبائي في تعليقته إليهم/ 40.

المختار في أحكام الخيار، ص: 263

أن يطلب من المفسوخ عليه أحد أمرين: الابقاء مع الأجرة، أو قلعها و ليس له اجباره بأحدهما.

و الحاصل: أنّ ملاحظة الأمور المذكورة تثبت ما ذكرنا من النتيجة:

1- إنّ الغارس كان مأذونا في عمله و تصرّفه و ليس عرقه عرق ظالم، و عمله و ماله محترم حدوثا و بقاء.

2- إنّ حقيقة الفسخ هو حل العقد و أمّا كيفيّة استرداد العين فهو أمر متأخّر راجع إلى حكم العقلاء.

3- إذا استرد العين، يجب على المفسوخ عليه ردها على ما هي عليه إمّا بلا نقص أو مع جبره إذا كانت ناقصة، و لمّا كان المفروض نقص المبيع فعليه رفع النقص بدفع الأجرة أو قلعها و افراغ الأرض من المانع.

و إذا اختار الثاني فالمعروف لزوم طمّ الحفر الحاصلة من القلع على المفسوخ عليه، لكنّه منظور فيه، لأنّ الفاسخ حينما ملك الأرض كانت مشغولة بالأشجار عن حق، و هو يستردّ الأرض و يعلم أنّ افراغ الأرض منها يستلزم ايجاد الحفر، و مع هذا الوصف، لا وجه لكون نفقة الطمّ على المفسوخ عليه.

و الحاصل: أنّه لم يسترد الأرض الخالية بل الأرض المشغولة بالأشجار التي لو قلعت لبانت الحفر و بذلك ظهر أنّ الحقّ هو القول الخامس، لكن بحذف كون أجرة الطمّ على المفسوخ عليه.

نعم لو قلنا بأنّ الخيار يتعلّق بالعين نظير حقّ الرهن لا بالعقد فقط، يجوز له القلع أو الاجبار

عليه، لكنّه غير صحيح حتى في مورد الشفعة، إذ للشفيع حل العقد و أمّا رجوع العين فهو تابع لقضاء العقلاء في موردها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 264

فإن قلت: إنّ الغرس إنّما وقع في ملك متزلزل و ليس الاستحقاق للغرس في الأرض دليلا على البقاء.

قلت: هذا ما ذكره الشيخ الأعظم و رتّب عليه، أنّ لكلّ من صاحبي الأرض و الشجر تخليص ماله عن مال الآخر، و هو غير تام لما عرفت من أنّ الميزان كون الغارس مستحقّا للغرس في مكان خاص، مأذونا من قبل الشارع في عمله غير محدود بوقت.

و منه يظهر أنّه لو أعار الأرض بلا تحديد بوقت، يكون حكمه حكم المشتري الغارس دون ما إذا كان محدودا بسنة فإنّ له القلع بعد سنة بلا ارش، و مثله الاجارة إلى مدّة معيّنة، فإنّه يستحقّ القلع بعدها، لأنّ الاذن كان من أوّل الأمر مؤقتا محدودا، فلو أقدم على غرس لا ينتفع به فيها فقد أقدم على الضرر.

ج- التصرّف الموجب للامتزاج:

الامتزاج إمّا أن يكون بغير جنسه، أو بجنسه، و على الثاني إمّا أن يكون بالمساوي في الصفات، أو بالأعلى أو بالأدنى و قد مرّت أحكام الكل عند البحث عن تصرّف المغبون فلا نعيد.

في حكم تلف العوضين مع الغبن: «1»

التلف إمّا حقيقي، أو حكمي و قد مضى حكم الثاني، بقي حكم الأوّل في جانبي المغبون و الغابن، ثمّ إنّ تلف ما في يد المغبون على أنحاء لأنّ التلف إمّا

______________________________

(1)- و قد تقدّم حكم التلف الحكمي ص 244.

المختار في أحكام الخيار، ص: 265

بآفة سماوية أو باتلافه أو باتلاف الأجنبي أو باتلاف الغابن.

كما أنّ تلف ما في يد الغابن ينقسم من حيث السبب إلى هذه الأقسام الأربعة فتصير الأقسام ثمانية.

أمّا الأوّل: فعلى المختار من تعلّق الفسخ بالعقد، لا يسقط خيار المغبون بتلف ما في يده، لأنّ الفسخ أمر، و استرداد المال أمر آخر، و لو قلنا باشتراط الفسخ بإمكان الاسترداد، فالخيار ساقط.

ثمّ إنّه لو تلف بآفة سماوية (و قلنا بالضمان فيه خلافا لما حقّقناه) أو باتلاف المغبون ففسخ، أخذ ما عند الغابن أو بدله.

و هل يغرم عليه قيمة يوم التلف أو يوم الفسخ أو يوم الأداء كل محتمل.

أمّا الأوّل: فإنّ القيامة قامت في هذا اليوم مقام العين، و أمّا الثاني: فإنّه يوم استحقاق القيامة و الأقوى الأخير، لأنّه مسئول عن العين ما لم يؤدّها، و التأدية أعم من تأدية نفس العين أو بدلها، و إنّما تزول المسئولية عن العين بالردّ الأعم حسب قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»، فهو مسئول عن العين إلى أن يؤدّيها فأمّا أن يؤدّيها نفسها أو بدلها و ليس إلّا قيمتها يوم الأداء لا القيامة المتقدّمة، لأنّه كان مسئولا

عن العين إلى يوم الأداء.

و لو تلف بالأجنبي ففسخ، فيرجع إلى الغابن، و يرجع هو إلى الأجنبي.

و إن كان رجع المغبون إليه بالبدل ثمّ ظهر الغبن ففسخ، ردّ على الغابن قيمة يوم الأداء على ما عرفت.

و لو تلف بالغابن فإن لم يفسخ أخذ القيامة من الغابن و إن فسخ أخذ الثمن.

المختار في أحكام الخيار، ص: 266

و لو تلف بالغابن قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة، ثمّ ظهر الغبن ففسخ، فالمغبون يأخذ الثمن بحكم الفسخ «1» فيردّ عليه القيامة، لأنّ الابراء بمنزلة المقبوض.

هذه هي الأقسام الأربعة لما إذا تلف ما في يد المغبون و إليك بيان الصور الأربعة الموجودة فيما إذا تلف ما في يد الغابن.

و أمّا الثاني: أعني: تلف ما في يد الغابن، فإن تلف ما في يده بآفة سماوية أو باتلافه (و نفترض أنّ الغابن هو المشتري) ففسخ و قلنا بالضمان في الصورة الأولى أيضا، يدفع الثمن و يأخذ قيمة يوم الأداء على ما عرفت.

و إن كان باتلاف الأجنبيّ ففسخ، يرجع إلى الغابن في أخذ البدل مع دفع الثمن إليه، و يجوز أيضا للفاسخ الرجوع إلى المتلف، لأنّ المال في عهدته.

و إن كان باتلاف نفس المغبون فإن لم يفسخ غرم بدله «2»، و لو أبرأه الغابن ثمّ ظهر الغبن ففسخ، ردّ الثمن و أخذ قيمة المتلف لأنّ المبرأ منه كالمقبوض.

مسألة: في عدم اختصاص خيار الغبن بالبيع:

لا اشكال في عدم اختصاص خيار الغبن بالبيع، بل هو ثابت في كل معاملة غير مبنية على التسامح، و الاجماع و إن كان قاصرا عن اثبات العموم لكن

______________________________

(1)- لم يذكر الشيخ الأعظم أخذ الثمن، و لعلّه لوضوحه.

(2)- لا ثمرة للفسخ لأنّه بحكم الاتلاف يجب عليه دفع البدل، و بحكم الفسخ، يأخذ

منه نفس ذلك البدل- و لذا لم يذكره الشيخ الأعظم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 267

قاعدة لا ضرر و بناء العقلاء غير قاصرين.

نعم لا غبن في الصلح لأجل رفع النزاع أو احتمال الشغل اللّهمّ إلّا إذا كان الاحتمال دائرا بين العشرة و العشرين فيصالح بالأوّل فبان أنّه ألف، فعند ذاك يتعلّق به الخيار، نعم لو كان التساهل حاكما على الاطلاق فالظاهر سقوطه.

هل خيار الغبن فوري أو لا؟

نسب «1» إلى المشهور: أنّ خيار الغبن فوري، فلو أهمل في الأعمال- بعد الوقوف على الغبن- يسقط.

استدل له بأنّ الخيار على خلاف الأصل- و هو اللزوم- فيقتصر فيه على المتيقّن، كما استدل للقول الآخر بأنّ الأصل بقاء الخيار في القطعات الأخرى من الزمان.

و كلا الاستدلالين يعربان عن تسليم عدم وجود اطلاق في دليل الخيار، و لأجله لجأ الأوّل إلى الأخذ بالقدر المتيقّن و الآخر إلى التمسّك بالاستصحاب.

و لكن التحقيق عدم وصول النوبة إلى الاستدلالين لوجود الاطلاق في بعض أدلّته و إليك دراستها.

أمّا الاجماع فهو دليل لبّي يؤخذ بالقدر المتيقّن و مثله حديث تلقّي الركبان و ما والاه فإنّها في مقام بيان أصل الخيار و أنّه إذا وقف على الغبن فله الخيار، و أمّا أنّه إذا أهمل فهل هو فوري أو لا، فهو خارج عن حريم دلالته.

إنّما الكلام في مفاد قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» و الأوّل: لنفي الضرر المالي

______________________________

(1)- الحدائق: 19/ 43.

المختار في أحكام الخيار، ص: 268

و النفسي، و الثاني: لنفي ايجاد الحرج و المكروه، و القضية ظاهرة في سلب العموم، أي نفي أي ضرر و ضرار في الاسلام أو في المجتمع الإسلامي، فلو أريد الأوّل يكون المراد نفي وجود أي حكم ضرري فيه، و لو أريد الثاني يكون المراد

نفيهما في الخارج، و قد قلنا: إنّ الأخبار عن عدمهما- مع وجودهما فيه- لأجل نفي أي حكم ضرري و لا ضراري في الشريعة، فصار هذا مسوّغا للاخبار عن عدمهما فلمّا رأى عدم حكم ضرري في مجال التشريع، صار ذلك سببا لجواز الإخبار عن عدمهما في الخارج.

و على ضوء هذا فاللزوم الغبني حكم ضرري منفي، و صفحة التشريع خالية منه، و معنى خلوّها منه، هو نفيه في جميع الأزمنة من غير فرق بين الأوّل و الثاني.

و ما ربّما يقال من أنّ منشأ الضرر في الزمان الثاني هو نفس المغبون، حيث ترك الفسخ، و أبقى العقد على حاله، غير تام، إذ مضافا إلى- أنّ منشأ الضرر هو اللزوم الضرري غاية الأمر أنّ المغبون لم يدفعه عن نفسه باعمال الخيار، و هذا غير القول بأنّ المنشأ له هو نفسه- أنّ حكومة القاعدة على الأحكام الأوّلية ليست حكومة تدريجية حسب تدرّج الزمان، و إنّما هي من قبيل حكومة قانون كلّي على قانون مثله، نظيره جميع العناوين الثانوية فقد شرعت أحكامها، لأجل تحديد أحكام العناوين الأوّلية، و على هذا فهنا حكمان:

1- لزوم العقد إذا كان ضرريا.

2- نفي كل حكم ضرري.

ففي ظل حكومة الحكم الثاني، يرتفع الأوّل من أصل، و عليه لا معنى لرفع الحكم في زمان دون زمان.

المختار في أحكام الخيار، ص: 269

و ما ذكرنا لا ينافي كون الأحكام الشرعية مجعولة على نحو القضايا الحقيقية، إذ معناها أنّها أحكام تطبق على موضوعاتها حسب تواجدها في عمود الزمان و أنّه ما لم يوجد عقد غبني، لا يتحقّق للقاعدة موضوع، و بعده يكون حاكما على الاطلاق المستفاد من قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و بذلك يظهر ضعف ما أفاده صاحب الرياض من أنّ المدرك

لو كان هو قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» فالخيار فوري «1».

و نظير القاعدة، بناء العقلاء الذي هو الأساس لخيار الغبن، فإنّهم لا يرون أنفسهم ملزمين بالوفاء بالعقد بعد ظهور الغبن و تخلّف الشرط من غير فرق بين الزمانين.

نعم يجب أن لا ينتهي الأمر إلى التسامح و التواني فلا شك أنّ أدلّة الخيار منصرفة عن مثله.

هذا إذا أحرز الاطلاق في دليل الخيار، و لو لم يحرز فهل المرجع هو عموم الوفاء بالعقد، أو استصحاب حكم المخصّص؟ ذهب الشيخ الأعظم إلى الثاني، قائلا بأنّ العموم الزماني تابع للعموم الأفرادي، فإذا فرض خروج بعضه فلا مقتض للعموم الزماني فيه، حتى يقتصر من حيث الزمان على المتيقّن بل تخصيص الفرد الخارج تخصيص واحد، استمرّ زمان خروجه أو انقطع.

نعم لو فرض إفادة الكلام للعموم الزماني على وجه يكون الزمان مكثّرا لأفراد العام بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له في زمان آخر، كان اللازم بعد العلم بخروج فرد في زمان ما، الاقتصار على المتيقّن لأنّ خروج غيره من الزمان،

______________________________

(1)- الرياض: ج 1 في أحكام خيار الغبن.

المختار في أحكام الخيار، ص: 270

مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه «1».

يلاحظ عليه: أنّه لا شك أنّ الآية من قبيل القسم الأوّل و أنّ الفرد في جميع الأزمنة فرد واحد، لا أفرادا مختلفة، فهي نظير ما إذا قال: أكرم كل عالم، فكل فرد من العلماء في مجموع الزمان فرد واحد، لا أنّه في كل ساعة أو يوم فرد لكن هذا النوع من العام على صنفين:

تارة يكون الفرد مطلوب الاكرام في زمان خاص على فرض أنّه لو عصى و لم يكرم، يسقط الأمر، و أخرى يكون- مع كونه فردا

واحدا في جميع الأزمنة- مطلوب الاكرام فيما بقى من الزمان و لو مع عصيانه في الأزمنة المتقدّمة و هذا لا يعني أنّه في كلّ زمان فرد، و أنّ سقوطه في زمان لا يستلزم سقوط حكمه في الزمان الآخر، بل بمعنى أنّ هنا موضوعا واحدا و حكما فاردا، و لكنّه مطلوب استمراره، و لو عصى لا يسقط الحكم، و هذا نظير صوم يوم شهر رمضان، فمع أنّ مجموع ساعات اليوم موضوع واحد و لها إطاعة واحدة و لكنّه إذا أفطر في ساعة، وجب عليه الامساك عنه في الساعات الآخر.

هذا من غير فرق بين استفادة الاستمرار من اللفظ كما إذا قال: أكرم العلماء مستمرا، أو من مقدّمات الحكمة، أو القرائن الآخر كما هو الحال في قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ قوام الحياة إنّما هو بالوفاء بها مستمرّا لا ساعة واحدة، و لأجل ذلك لو تخلّف، لما سقط وجوب الوفاء الاستمراري بلا حاجة إلى أمر جديد.

و الحاصل: لا نقول إنّ الزمان فيه قيد، و انّ كل فرد في كل زمان، موضوع مستقلّ، بل مع الاعتراف بظرفيّة الزمان، و كون الفرد في جميع الأزمنة موضوعا

______________________________

(1)- المتاجر ص 243- و قال بمثله في الفرائد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 271

واحدا، نقول: إنّ المطلوب هو استمرار الحكم مطلقا، عصي في الأثناء أم لا.

و على ضوء ذلك يكون المرجع بعد الزمان الأوّل، هو التمسّك بالعموم، لا الأخذ باستصحاب حكم المخصّص.

و لأجل ما ذكر من الدلالة على الاستمرار، يرجع القائل بالتراخي، إلى العام إذا توانى و تسامح المغبون إلى حدّ خارج عن العادة- مع اعترافه بكون الزمان ظرفا- و ما هذا إلّا لاستفادة الاستمرار من الآية.

و قد مرّ نظير هذا الكلام منّا

في السابق و من أراد التفصيل فليرجع إلى ما حقّقناه في البحوث الأصولية.

نعم هذا كلّه إذا لم يكن هنا اطلاق في أدلّة الخيار، و إلّا فلا تصل النوبة إلى التمسّك بالعام.

ثمّ إنّه بعد القول بالتراخي لا مجال للبحث عن حكم الجاهل بالفور كما طرحه الشيخ الأعظم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 273

الفصل السادس خيار التأخير

اشارة

دليله.

شروط خيار التأخير.

أ- عدم قبض المبيع.

ب- عدم قبض مجموع الثمن.

ج- تأخير الثمن.

د- أن يكون المبيع عينا أو شبهها.

في مسقطات خيار التأخير الخمسة:

أ- سقوطه بعد الثلاثة قولا و فعلا.

ب- اشتراط سقوطه في متن العقد.

ج- بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة.

د- أخذ الثمن من المشتري.

ه- مطالبة الثمن.

حكم تلف المبيع في الثلاثة و بعدها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 275

خيار التأخير

[تعريف خيار التأخير]

عرّفه الشيخ في الخلاف بقوله: من ابتاع شيئا معيّنا بثمن معيّن و لم يقبضه، و لا قبض ثمنه و فارقه البائع، فالمبتاع أحقّ به ما بينه و بين ثلاثة أيّام، فإن مضت و لم يحضره الثمن، كان البائع بالخيار بين فسخ البيع و بين مطالبته بالثمن- إلى أن قال-: و خالف جميع الفقهاء في ذلك «1».

و يظهر من العبارة كونه من مختصّات الإمامية، و به صرّح المرتضى في الانتصار «2» و العلّامة في التذكرة «3» ثمّ إنّهم بعد اتّفاقهم على نفي اللزوم- اختلفوا على قولين:

1- فمن قائل ببطلان البيع بعدها، صرّح به الشيخ في المبسوط «4» و القاضي في المهذب «5» و حكاه العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف، و من المتأخّرين قال به

______________________________

(1)- الخلاف: 3/ 20 المسألة 24.

(2)- الانتصار 210.

(3)- التذكرة 1/ 498.

(4)- المبسوط 2/ 87 نسبه إلى الروايات.

(5)- المهذب: 1/ 361.

المختار في أحكام الخيار، ص: 276

المحدّث البحراني في الحدائق حيث قال: الحقّ هو ما ذهب إليه ابن الجنيد و الشيخ هنا «1» و مال إليه السيد الطباطبائي في تعليقته على المتاجر «2» و قال:

الانصاف يقتضي ما ذكره صاحب الحدائق.

2- و من قائل بالصحّة و ارتفاع اللزوم، و إليه ذهب الشيخ في الخلاف- كما عرفت- و في النهاية، و حكاه في الحدائق عن المفيد، و

ابن سعيد في الجامع «3» و المحقّق في الشرائع و من جاء بعده غير من عرفت.

[أدلة خيار التأخير]

اشارة

و عرفان الحق رهن دراسة أدلّته فنقول: استدل للخيار بوجوه:

1- الاجماع:

و المعلوم أنّه اجماع مستند إلى الروايات.

2- قاعدة «لا ضرر».

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 276

فإنّ الضرر هنا من جهات:

أ- أن يكون تلفه منه.

ب- كونه محجورا من التصرّف فيه.

ج- وجوب حفظ المبيع للمشتري. و ربّما يكون الحفظ حرجيا أيضا.

يلاحظ عليه: أنّه لو كان الميزان هو الضرر و الحرج النوعيان يصح التمسّك بهما مطلقا سواء أ كان هناك ضرر و حرج شخصيان أم لا، غاية الأمر تكون الروايات الآتية محدّدة لمفادهما، و أمّا إذا كان الملاك هو الشخص، فتختلف حال الاشخاص و لا يصحّ الحكم بالخيار إلّا بعد طروئهما، فربّما يكون في مورد ضرريا أو حرجيا دون المورد الآخر و لكلّ حكمه، و لأجل قصور الوجهين فالأولى الاستدلال بالروايات.

______________________________

(1)- الحدائق: 19/ 48.

(2)- التعليقة: 2/ 52.

(3)- الجامع للشرائع/ 247.

المختار في أحكام الخيار، ص: 277

3- الروايات المتضافرة

المغنية عن دراسة رجالها و هي بين صحيحة و موثقة و ضعيفة.

1- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر- عليه السلام-: قال: قلت له: الرجل يشتري من الرجل المتاع، ثم يدعه عنده، فيقول: حتى آتيك بثمنه؟ قال: إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام، و إلّا فلا بيع له.

2- خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه، ثمّ احتبست أيّاما، ثمّ جئت إلى بائع المحمل لآخذه فقال:

قد بعته، فضحكت ثم قلت: لا و اللّه لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم، فأتيته فقصصنا عليه قصّتنا، فقال أبو بكر: بقول من تريد أن أقضي بينكما، بقول صاحبك أو غيره؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا

فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له.

3- صحيحة علي بن يقطين: أنّه سأل أبا الحسن- عليه السلام- عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن؟ قال: فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبض بيعه و إلّا فلا بيع بينهما.

4- خبر إسحاق بن عمّار، عن عبد صالح- عليه السلام- قال: من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام و لم يجئ فلا بيع له «1».

و لأجل تحديد مفاد الروايات و تبيين شروط خيار التأخير نبحث عن أمور:

الأوّل: ما هو مفادها، فهل هي ظاهرة في البطلان بعد ثلاثة، أو ظاهرة في نفي اللزوم؟ وجهان: يرجّح الأوّل بأنّ النكرة الواقعة في سياق النفي موضوعة لنفي

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2 و 3 و 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 278

الحقيقة، فإذا تعذّرت- لوجود البيع- فأقرب المجازات و هو نفي الصحّة، أولى.

و يؤيّده فهم جماعة من الأصحاب كما مر.

و يرجّح الثاني بأنّ الهيئة و إن كانت ظاهرة في نفي الحقيقة ثمّ نفي الصحّة إلّا أنّ هنا قرائن تدل على أنّ المراد نفي اللزوم و إليك البيان:

1- إنّ الجزاء المقدر- في صحيحة زرارة: «إن جاء فيها بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له»، و في رواية عبد الرحمن بن الحجاج: «من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له» و في رواية علي بن يقطين:

«فإن قبض بيعه و إلّا فلا بيع بينهما»- عبارة عن قوله: يجب عليه الوفاء بالعقد، أو يجب أداء المبيع، و نحو ذلك، فلو كان هذا هو الجزاء فيكون مفسّرا لقوله

«و إلّا فلا بيع له» و المراد أنّه إذا لم يجئ لا يجب عليه الوفاء و الأداء لا البطلان.

و يؤيّد ذلك أنّ الإمام عبّر فيما يفسد من يومه بالعهدة و قال: «العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلى الليل» «1» و معناه أنّه بعد مرور الزمان المحدّد، لا تعهّد للبائع و هو عبارة أخرى عن نفي اللزوم.

و بعبارة أخرى أنّ الهدف من السؤال، هو تعيين تكليف البائع فإنّه كان في السابق ملزما- بالوفاء- بالعقد، و اقباض المبيع فأراد أن يقف على أنّه هل هو ملزم به مثل السابق أو لا، فوافاه الجواب بأنّه لا بيع، فيكون المراد، هو نفي اللزوم، فأشبه بالبناء المتزلزل الذي يصحّ أن يوصف بأنّه لا بناء، كما يصحّ أن يوصف المنهدم أيضا بأنّه لا بناء.

2- إنّ الحكم في المقام امتناني، و مقتضاه صحّته بلا لزوم لا بطلانه إذ

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 11 من أبواب الخيار، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 279

ربّما يتعلّق الغرض ببقاء العقد و استمراره بحيث يكون في بطلانه ضرر عليه.

3- ما ورد في دعائم الإسلام: انّه من اشترى صفقة و ذهب ليجيئ بالثمن فمضت ثلاثة أيّام و لم يأت به: فلا بيع إذا جاء يطلب إلّا أن يشاء البائع «1».

4- يؤيّده أيضا ما في رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل اشترى جارية و قال: أجيئك بالثمن؟ فقال: «إن جاء فيما بينه و بين شهر و إلّا فلا بيع له» «2» بناء على أنّ الرواية غير مختصّة بموردها و أن الاجابة مستحبّة إلى شهر- و ذلك جمعا بين الروايات- و هو لا يجتمع

مع البطلان.

و أمّا تأييده بإفراد الضمير في أكثر الروايات، الدال على انتفاء البيع بالنسبة إلى المشتري، فهو معارض بما في رواية علي بن يقطين «بأنّه لا بيع بينهما»، فلو قلنا بعدم المفهوم للأوّل يرتفع التعارض.

و لو شك في المفاد، فالمحكّم عند الشيخ هو استصحاب الآثار المترتبة على البيع، و ليس اللزوم بالنسبة إلى الصحّة من قبيل الفصل إلى النوع، حتى يلزم من ارتفاعه، ارتفاع الموضوع و انهدام وحدة القضيتين، بل اللزوم و الجواز من الآثار و الأحكام للصحّة، فهي موضوع لهما عند العرف كما لا يخفى.

و لكنّ التمسّك به إنّما يصحّ لو احتملنا طروء البطلان على البيع بعد انعقاده صحيحا قطعا، و أمّا لو احتملنا أنّ معناه عدم انعقاد المعاملة من الأصل و أنّها مرعيّة بعدم تأخير الثمن أزيد من ثلاثة، فإذا أخّر أزيد منها، انكشف عدم انعقاد المعاملة من حين وقوعها، فلا يكون في المقام قضية متيقنة حتى تستصحب.

______________________________

(1)- المستدرك: ج 13، الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 6.

المختار في أحكام الخيار، ص: 280

شروط خيار التأخير:

اشارة

يعتبر في خيار التأخير أمور أربعة:

1- عدم قبض المبيع.

2- عدم قبض مجموع الثمن.

3- عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين.

4- أن يكون المبيع عينا أو شبهها كصاع من صبرة.

و إليك دراسة هذه الشروط:

الشرط الأوّل: عدم قبض المبيع:

يعتبر في ثبوت خيار التأخير عدم قبض المبيع، و نقل في الحدائق و الجواهر «1»: اتفاق الأصحاب عليه و نقل في الأخير عن بعض الأفاضل: عدم اعتباره و مال هو إليه، و على كل تقدير، فمصدر القولين ما عرفته من الروايات.

فنقول:

يدلّ على الاعتبار صحيحة علي بن يقطين حيث قال: «فإن قبض بيعه، و إلّا فلا بيع بينهما» ثمّ إنّ الفعل (قبض) لو قرئ مخفّفا يتعدّى إلى مفعول واحد، يقال قبض الشي ء: أخذه و قبض اللّه فلانا، و قبض روحه: أماته، قال سبحانه: وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ (التوبة/ 67) و على هذا يكون الفاعل صاحب البائع أي المشتري: أي فإن قبض الصاحب المبيع.

______________________________

(1)- الحدائق: 19/ 45، الجواهر: 23/ 53.

المختار في أحكام الخيار، ص: 281

و أمّا لو قرئ بالتشديد فحينئذ يتعدّى إلى مفعولين يقال: قبّض فلانا المال:

أعطاه إيّاه، و على هذا يكون الفاعل هو البائع، و المراد: قبّض البائع صاحبه المبيع.

و على كلا التقديرين لفظة «البيع» بمعنى المبيع بقرينة صدر الرواية: «يبيع البيع» و الفقرة على كلتا القراءتين دالّة على اشتراط عدم القبض، و أنّه لو كان هناك قبض فلا خيار.

و هناك احتمال ثالث و هو قراءة «البيع» بالتشديد و هو يطلق على كلّ من المتعاملين، و قد رجعت إلى بعض المعاجم فلم أجد استعماله مفردا، و على فرض صحّته فلو قرئ الفعل بالتشديد يكون البيّع مفعولا و يقصد منه المشتري أي: إن قبّض البائع المشتري.

و لو قرئ بالتخفيف فإن قصد

منه المشتري يكون فاعلا أي: إن قبض المشتري ماله.

نعم لو أريد منه- في هذه الحالة- البائع يكون الكلام راجعا إلى قبض الثمن.

و الاحتمالات الثلاثة الأخيرة ضعيفة، و الأوّل ثمّ الثاني هو الأقوى.

و نقل بعض المحشّين أنّ الموجود في نسخة المختلف مكان «بيعه» هو «ثمنه» و على هذا يسقط الحديث عن الدلالة، و لكن الاعتماد عليها ضعيف جدا.

ثمّ إنّه لو تمّت دلالة الحديث فأمر الاطلاقات سهل.

أمّا خبر إسحاق بن عمّار: «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام و لم يجئ فلا بيع له، فالذيل منصرف إلى أنّه لم يجئ ليقبض المبيع بقرينة قوله: «من اشترى بيعا» فهو على الشرطية أدلّ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 282

و أمّا ما جاء في كلام القاضي ابن عياش حيث نقل عن الإمام: «من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له» فلا يعتد بإطلاقه و لعلّ ترك القيد لكونه مفروضا في السؤال حيث قال:

«و اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه، و تركته عند صاحبه» و تصوّر أنّ ترك المتاع عنده، قبض كما ترى، و مثله ما ورد في صحيحة زرارة «ثم يدعه عنده» و المراد منه، هو جعل المبيع مشخصا لا إقباض المبيع، و لأجل ذلك لو تلف، تلف من مال البائع لا الصاحب. و مثله حديث الجارية، و بالجملة لا يستفاد من هذه الروايات الثلاث أنّ موردها قبض المبيع، حتى يعارض ما دلّ على شرطية عدم قبضه.

و بالجملة: لو قلنا بأنّ المراد هو إقباضه و تركه عنده أمانة، فيكون مفادها أنّ تمام الموضوع هو المجي ء بالثمن فإن جاء به في الثلاثة، و إلّا فلا بيع، و عند ذلك يقع التعارض بينه و بين صحيحة

ابن يقطين.

و لكن تفسير الايداع في رواية زرارة أو الترك في رواية عبد الرحمن بن الحجاج بالقبض غير تام و الرائج هو العقد و تعيين المبيع و عدم قبضه، و لأجل اعطاء الاطمئنان للبائع، لا يقبض المبيع حتى يجي ء بالثمن، فيكون المورد ممّا لم يقبضه المثمن.

ثمّ إن قبض البعض كلا قبض، لأنّ البعض ليس بمبيع إلّا إذا انحلّ إلى مبيعين، و يكون البعض في مقابل واحد.

و لو بذل المشتري الثمن، و امتنع البائع من قبضه و اقباض المبيع فلا خيار لأنّ مدار الخيار على عدم المجي ء بالثمن و المفروض أنّه بذل و امتنع

المختار في أحكام الخيار، ص: 283

البائع.

و لو قبضه المشتري بلا إذن البائع، مع عدم إقباض الثمن، فالظاهر سقوط الخيار. لفقدان الشرط، و صدق القبض.

إنّما الكلام إذا استردّه، فقد بنى الشيخ الأعظم المسألة على ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه، إذ مع ارتفاع الضمان لا ضرر على البائع إلّا لأمرين و كلاهما قابلان للدفع:

1- وجوب حفظ مال الغير.

2- عدم وصول ثمنه.

و كلاهما قابلان للدفع فله أخذ المبيع مكان الثمن مقاصة، و أمّا مع عدم ارتفاع الضمان فيجري دليل الضرر.

الظاهر سقوط الخيار أيضا مثل ما لم يستردّه لحصول القبض، و الملاك في سقوط الخيار و عدمه في الروايات هو صدق القبض و عدمه. و ليست المسألة مبنيّة على الضرر.

و لو سلّمنا فالظاهر بقاء الخيار حتى مع ارتفاع الضمان و ذلك لأنّ الضرر- من الأمرين اللذين أشار إليهما- بعد باق، لأنّ التقاص إنّما هو في مورد امتناع من عليه الحق عن الأداء لا مطلقا.

و لو مكّن البائع المشتري من القبض، فلم يقبض، فقد بنى الشيخ المسألة على ارتفاع الضمان و عدمه فيسقط

على الأوّل دون الثاني.

و الظاهر بناء المسألة على صدق القبض و هو غير صادق.

المختار في أحكام الخيار، ص: 284

الشرط الثاني: عدم قبض الثمن:

اتّفقت كلمتهم على هذا الشرط، و هو ظاهر الأخبار و قد تكرّرت هذه الجملة: إن جاء بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له. حتى أنّ بعضهم جعل الموضوع عدم المجي ء بالثمن، سواء أقبض المثمن أم لا، فهو شرط متّفق عليه، و قبض بعض الثمن، ك: لا قبض لعدم كونه ثمنا.

و لو قبضه بلا إذن فهو ك: لا قبض، لأنّ تعيين ما في الذمّة في فرد، من صلاحيات المشتري لا البائع، اللّهمّ إذا كان ممتنعا، فيعيّن بتعيين الفقيه، و بالجملة أنّ ولاية المشتري في تعيين الثمن الكلّي في فرد بعد باق، فلا يتعيّن بدون إذنه.

و علّله الشيخ بوجه آخر و هو «أنّ ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه على وجه يجوز له التصرّف فيه باق»، و قد عرفت أنّ الخيار في المقام تعبّدي و ليس دائرا مدار الضرر. و الحق عدم صدق قبض الثمن عليه، و هذا هو الوجه لبقاء الخيار.

و لو كان مديونا للمشتري بمقدار الثمن، فاحتسبه ثمنا، الظاهر عدم الكفاية لما عرفت من أنّ تعيين الثمن الكلّي في فرد يحتاج إلى إذن المشتري أو تدخّل الفقيه عند امتناعه.

و لو عرض المتاع على المشتري و مكّنه منه فلم يقبضه، فأخذ من ماله بمقداره فهل يسقط الخيار أو لا؟ فقال الشيخ بسقوطه لعدم دخوله في منصرف الأخبار و عدم تضرّر البائع بالتأخير.

يلاحظ عليه: أنّ تعيين الكلّي في فرد يحتاج إلى إذن المالك، أو تدخّل

المختار في أحكام الخيار، ص: 285

الفقيه، و المفروض أنّه غير ممتنع، فكيف يتعيّن فيه. و لا

يجوز له الأخذ تقاصّا، لما عرفت من أنّه في مورد امتناع من عليه الحق عن ادائه.

و لو مكّنه المشتري من الثمن فلم يقبض، فالظاهر عدم الخيار، لانصراف الأخبار عن مثله بل لا يصدق عليه عدم المجي ء بالثمن.

كما أنّه لو امتنع البائع من تسليم المثمن، فالظاهر عدم الخيار، لانصراف الأخبار عنه. بل القول بالخيار في الصورتين الأخيرتين أمر مستنكر عرفا.

الشرط الثالث: تأخير الثمن ثلاثة أيّام:

المتبادر من الروايات أنّ التحديد بثلاثة، تحديد شرعي و امهال مولوي من جانب الشارع للمشتري، و من المعلوم أنّ الإمهال إنّما هو في مورد لم يكن هناك مجوّز للتأخير كاشتراطه في متن العقد.

الشرط الرابع: أن يكون المبيع عينا أو شبهها كصاع من صبرة:

و يمكن استظهاره مضافا إلى وروده في عبارة الخلاف و المهذب و غيرهما من كتب الأصحاب، أنّه ورد في النصوص الجمل التالية: 1- «يشتري من الرجل المتاع ثمّ يدعه عنده» و 2- «اشتريت محملا» و 3- «عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب» و كلّها ظاهرة في الشخصي، و لا يعمّ الكلّي.

نعم ورد في نقل ابن عياش عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: «من اشترى شيئا».

و في رواية «يبيع البيع» و في رواية إسحاق بن عمّار: «من اشترى بيعا».

المختار في أحكام الخيار، ص: 286

و الحق انّه لا يستفاد من الطائفة الأولى الاختصاص بالشخص، كما لا يستفاد من الثانية العموم لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة.

غير أنّ هذا الخيار لما كان على خلاف القاعدة فإنّ الجواز بعد اللزوم ثبت تعبّدا فيقتصر على المتيقّن من الموارد، و هو المبيع الشخصي مضافا إلى المناسبة المغروسة في الأذهان من أنّ هذا الخيار لأجل ذبّ الضرر عن جانب البائع، و هو موجود في الشخصي دون الكلّي، لا أقول إنّ الحكم دائر مدار الضرر، و لكن يمكن أن يكون قرينة على الانصراف.

أمور معتبرة عند بعضهم:

اشارة

ثمّ إنّ هنا أمورا اعتبرها بعضهم نذكرها:

1- عدم الخيار للمشتري:

و وجه اعتباره أنّ ظاهر الأخبار أنّ خيار التأخير في مورد يكون المشتري بغير حق و أمّا ذو الخيار فله حق التأخير فإنّ التأخير بمنزلة التأجيل.

يلاحظ عليه: أنّ ما استظهره من الأخبار أمر صحيح، لكن ليس لذي الخيار حق التأخير، بل يجب عليه تسليم ما لديه سواء كان بائعا أم مشتريا، و ذلك لاطلاق قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لما عرفت من دلالته على استمرار وجوب الوفاء أوّلا، و إطلاق سلطنة الناس على أموالهم ثانيا، و ما في يد المشتري ملك للبائع.

أضف إلى ذلك: أنّ لازم ذلك كون مبدأ خيار التأخير، هو التفرّق في مطلق البيع، و بعد انقضاء الثلاثة في بيع الحيوان و هو كما ترى.

المختار في أحكام الخيار، ص: 287

2- تعدّد المتعاقدين:

يشترط تعدّد المتعاقدين لأنّ النص مختصّ بصورة التعدّد.

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر وجود القصور في التعبير و لعل «تعدد المتعاقدين» كناية عن امكان القبض و الإقباض و عليه فلو عقد الجدّ، و بيده العوضان لا يتحقق الشرط، و إلّا فلو أمكن القبض و الإقباض فلا اشكال في ثبوته و إن كان العاقد واحدا، كما إذا كان وكيلا عن الطرفين في خصوص إجراء العقد و العوضان بيد الموكلين.

3- عدم كون المبيع جارية:

و لعل من شرط ذلك استند إلى رواية ابن يقطين «1» الماضية و هي معرض عنها و لو حملت على الاستحباب، لقصر عن اثبات اللزوم.

و أمّا مبدؤه فالكلام فيه كالكلام في غيره من الخيارات فلا نعيد.

في مسقطات خيار التأخير:

اشارة

يسقط هذا الخيار بأمور قد تقدم الكلام فيها فيما مرّ و نذكرها في المقام اجمالا:

1- إسقاطه بعد الثلاثة، قولا أو فعلا:

و مثله إسقاطه كذلك فيها و قد عرفت أنّه ليس من قبيل إسقاط ما لم يجب، و بما أنّ مستند خيار التأخير هو الروايات لا «قاعدة لا ضرر» لا يصحّ أن يقال: إنّ السبب هو الضرر الحاصل بالتأخير

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12 الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 6.

المختار في أحكام الخيار، ص: 288

فلا يتحقّق إلّا بعد الثلاثة، و على ضوء ما ذكرناه فالعقد مقتض لثبوت الخيار، فيصحّ إسقاطه كسائر الخيارات.

2- اشتراط سقوطه في متن العقد:

وجه الصحّة ما ذكرناه و به يتبيّن عدم تمامية ما ذكره الشيخ في عدم صحّة الإسقاط: «إنّ السبب في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد فانّ الشرط إنّما يسقط به ما يقبل الإسقاط بدون الشرط الخ» بل السبب نفس العقد بنحو المقتضي، و ليست القاعدة مستندا لخيار التأخير بل الروايات.

3- بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة:

ذكره العلّامة في التذكرة، و قيل بعدم السقوط لأجل الاستصحاب و استصوبه الشيخ لو كان مدرك الخيار هو الروايات دون القاعدة لبقاء الموضوع في الأولى دون الثانية، لأنّ الموضوع- لو كان مدرك الخيار هو القاعدة- هو الضرر، و لا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن فلا ضرر ليتدارك بالخيار، و لو فرض تضرّره سابقا بالتأخير فلا يتدارك ذلك بالخيار و إنّما يتدارك به الضرر المستقبل.

يلاحظ عليه: أنّه لو كان المدرك لخيار التأخير هو الروايات لا حاجة إلى الاستصحاب، بل اطلاقها يكفي في إثبات بقاء الخيار حيث يقول: «إن جاء ما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له»، أي تنقضي سلطنته مطلقا سواء بذل الثمن فيما بعد أو لا.

كما أنّه لو كان المدرك قاعدة الضرر، يجوز التمسّك بالخيار لو احتمل كون الضرر واسطة في الثبوت دون العروض لأنّه إذا كانت الواسطة واسطة في الثبوت يكفي وجود الواسطة آنا ما في دوام الحكم كالتغيير في الماء فيحدث فيه نجاسة مستمرة و إن زال تغييره بنفسه، فالموضوع للحكم في القضيتين هو الماء و التغيير

المختار في أحكام الخيار، ص: 289

واسطة في ثبوت الحكم له لا في استمرار الحكم، و في المقام الموضوع للخيار هو العقد، و السبب حدوث الضرر في الثلاثة، فيكفي ذلك في بقائه و إن زال الضرر بعده ببذل

الثمن.

4- أخذ الثمن من المشتري بعد الثلاثة:

و يقع الكلام في الثبوت و الإثبات، أمّا الأوّل: فلو نوى عند الأخذ الالتزام بالبيع، فالخيار يسقط و إلّا فلا، و عندئذ لا يكون مسقطا مستقلّا بل يكون من المسقطات الفعلية و يدخل في القسم الأوّل، أعني: إسقاطه بعد الثلاثة، و قد عرفت أنّه أعمّ من القول و الفعل.

و أمّا الإثبات فالظاهر أنّه يحكم عليه بالإسقاط إذا كان عالما بالموضوع و الحكم، فلا يقبل منه تفسير الأخذ بغير هذا الوجه، من غير فرق بين علمه بوجه الأخذ، أو الظن به أو عدمهما.

5- مطالبة الثمن:

و قد احتمل بعضهم سقوطه به و هو ضعيف إذ لا دلالة لها على الإسقاط، إذ من المحتمل أن تكون لأجل استكشاف حال المشتري و أنّه هل مستعد للدفع فيمضي أو لا فيفسخ، و لو ادّعى ذلك فيقبل منه. و كم فرق بين أخذ الثمن و مطالبته.

هل خيار التأخير فوري أو لا؟

ظاهر النصوص هو كونه على وجه التراخي و أنّ للبائع بعد عدم مجي ء المشتري بالثمن، الخيار مطلقا، و لا قصور في النصوص حتى يتمسّك بالاستصحاب، و على ضوء هذا لا موضوع للبحث عن كون المورد من مواضع التمسّك بالعام أو من مواضع التمسّك بالاستصحاب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 290

حكم تلف المبيع في الثلاثة و بعدها:

اشارة

قد عرفت أنّ البيع- عند تأخير الثمن- لازم في الثلاثة و جائز بعدها إمّا مؤقتا ثم يصير لازما كما على القول بالفورية، أو مستمرا كما على القول بالتراخي، فعندئذ يقع الكلام في أحكام تلف المبيع فيها و بعدها، فيقع الكلام في صورتين:

الصورة الأولى: تلف المبيع بعد الثلاثة:

اشارة

اتّفقت كلمتهم على أنّ المبيع لو تلف بعد الثلاثة كان من البائع إجماعا مستفيضا بل متواترا، و من المعلوم أنّ الإجماع، إجماع مستند إلى الدليل الشرعي، و هو عبارة عن القاعدة الفقهية المعروفة «كل مبيع قد تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه».

و اطلاق الحديث يعمّ ما لو تلف في حال الخيار أو بعده و القاعدة متخذة من النبوي المرسل، و قد رواه صاحب المستدرك «1».

و يؤيّده حكم العقلاء فإنّ البائع مسئول عن المبيع إلى أن يسلّمه إلى المشتري، و لا يكفي إجراء العقد في رفع الضمان ما لم ينضم إليه التسليم، و تؤيّده معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده، و لم يقبضه، قال: آتيك غدا، إن شاء اللّه، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه، حتى يردّ

______________________________

(1)- المستدرك: ج 13، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 291

ماله إليه «1».

و يكفي إطلاق الرواية في المقام، سواء قال المشتري: «آتيك إن شاء اللّه غدا» أو لا، كان في زمان الخيار أم لا؟.

[علاج تعارض قاعدتين فقهيتين مع النبوي: «كل مبيع قد تلف ...»]
اشارة

نعم هناك قاعدتان ربّما يتراءى منهما أنّ الضمان على المشتري دون البائع، و على ذلك يجب علاج التعارض بين النبوي الماضي و هاتين القاعدتين، و إليك البيان:

1- «الخراج بالضمان»:

هذه القاعدة تدلّ على الملازمة بين الخراج و الضمان، و أنّ من له الخراج و الغلة و النماء، فعليه الضمان، و بما أنّ الخراج هنا للمشتري لأنّ نماء الملك لمالكه، فعليه الضمان.

فيطيب لي قبل علاج التعارض توضيح مفاد القاعدة و بيان مصدرها.

انّ الملازمة بين ملكية النماء و الخراج و ضمان الرقبة، يتصوّر على وجهين:

1- الملازمة بين مالكية النماء، و ضمان المالك لملك نفسه، سواء كانت الملكية قطعية غير متزلزلة أو غير قطعية متزلزلة.

2- الملازمة بين مالكية النماء و مطلق ضمان العين، و إن كان لأجل الاستيلاء

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 10، من أبواب الخيار، الحديث 1. و في سند الرواية محمد بن عبد اللّه بن هلال، و لم يرد فيه توثيق، لكن يروي عنه المشايخ نظراء: محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، و الحسين بن عبيد، و محمد بن أحمد بن يحيى و غيرهم.

و أمّا خالد بن عقبة فهو الذي روى أقضية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الصادق- عليه السلام- و هو ممدوح و إذا انضم إليهما اتقان الرواية كفى في الاعتماد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 292

على عين الغير من غير حق، كالمتصرّف في عين الآخر بلا إذن، و قد فهم أبو حنيفة من الحديث معنى وسيعا يشتمل القسم الثاني أيضا، فحكم بعدم اشتغال ذمّة غاصب الدابّة إذا استغلّها، معلّلا بأنّ الخراج في مقابل ضمانه للعين، و لما سمع الصادق- عليه السلام- ما أفتى به أبو حنيفة قال: في مثل هذا القضاء

و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركتها ... «1».

و على هذا يكون الحديث مختصّا بضمان المالك مقابل خراج ملكه سواء أ كان ملكا قطعيا أم متزلزلا و تعميمه إلى مطلق الضامن و لو عن استيلاء باطل، مردود بنص الإمام الصادق- عليه السلام- مضافا إلى أنّه أمر مستنكر عرفا يجب تنزيه الشرع عنه.

أضف إلى أنّ مورد الحديث عبارة عن ضمان المالك ماله و إن كانت مالكيته متزلزلة و نحن نذكر من الكثير القليل منه ليكون معينا على فهم الحديث.

إنّ رجلا اشترى غلاما في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و به عيب لم يعلم به فاستغلّه ثمّ علم العيب فردّه، فخاصمه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه إنّه استغلّه منذ زمان، فقال رسول اللّه: الغلّة بالضمان، و في بعض الروايات: قضى أنّ الخراج بالضمان «2».

و يدل عليه أيضا ما رواه إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم- عليه السلام-: الرجل يرهن الغلام و الدار فتصيبه الآفة على من يكون؟ قال:

على مولاه، ثمّ قال: أ رأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ قلت: في عنق العبد، قال:

______________________________

(1)- الوسائل: الجزء 13، الباب 17 من أبواب أحكام الاجارة، الحديث 1.

(2)- سنن البيهقي: ج 5/ 321 باب المشتري يجب بما اشتراه عيبا و قد استغلّه زمانا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 293

ألا ترى فلم يذهب ما لهذا؟ ثمّ قال: أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مائتي دينار لمن كان يكون؟ قلت: لمولاه، قال: كذلك يكون عليه ما يكون له «1».

هذا فقه الحديث و توضيحه «2» و أمّا علاج التعارض، فربّما يعالج، بأخصّية الأوّل عن

الثاني، و أنّ الأوّل مختصّ بما قبل القبض، و الثاني أعم منه و من عدم القبض، و الحق بالنظر إلى موردها أنّ بين الحديثين، التباين من حيث الموضوع فإنّ موضوع الأوّل، هو «حالة عدم قبض المبيع»، و الآخر على العكس، فالحديثان متوجّهان إلى موضوعين لا إلى موضوع واحد، حتى نبحث عن التعارض و عدمه.

2- التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له:

هذه هي القاعدة الثانية التي تعارض النبوي الأوّل (التلف قبل القبض)، فلو تلف بعد الثلاثة أي في زمن خيار البائع، فالتلف من المشتري، لأنّه ممّن لا خيار له، دون البائع. و لو قلنا بامتداد الخيار، يكون التعارض بينهما استمراريا.

يلاحظ عليه: أنّه قد تقدّم تحديد مفاد القاعدة عند البحث عن خيار الحيوان، و قلنا إنّ القاعدة قاعدة تعبّدية ليس لها أصل بين العقلاء فيقتصر على موردها و هي مختصة بخيار الحيوان إذا تلف في الثلاثة فهو من البائع الذي لا خيار له، و خيار الشرط في خصوص تلف المبيع إذا كان المشتري ذا خيار و لا يمكن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 5 من أبواب الرهن الحديث 6.

(2)- و بذلك يظهر عدم تمامية تفسير الحديث بأنّ المراد أنّ الخراج كالزكاة و الجزية في مقابل التعهدات للمسلمين من ادارة شئونهم العامّة، و نحو ذلك، كما نبّه به سيدنا الأستاذ- قدّس سرّه- في المقام.

المختار في أحكام الخيار، ص: 294

التعدّي عنهما إلى غيرهما، و قد ذكرنا ما هو الوجه العرفي لتضمين البائع في المقام، فلاحظ. و على كل تقدير فمورد القاعدة عبارة عن التلف بعد القبض كما هو صريح نصوصها، بخلاف المقام.

الصورة الثانية: إذا تلف في الثلاثة:

اشارة

إذا تلف المبيع في وقت اللزوم أي في الثلاثة فقد اختلفت كلمتهم في المقام إلى أقوال ثلاثة:

1- التلف من المشتري، نسب إلى المفيد، و به قال الشيخ في الخلاف، و هو خيرة سلار و أبي الصلاح.

2- التلف من البائع، نصّ به الشيخ في النهاية.

3- التفصيل بين ما إذا عرض البائع التسليم فامتنع المشتري من القبول فالضمان عليه، و ما إذا لم يعرض فالضمان على البائع «1».

استدل للقول الأوّل- على ما في المختلف-: بأنّ المال انتقل إلى

المشتري فيكون ضمانه عليه.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره صحيح لكن ضمانه إنّما يرتفع حسب الرواية بالاقباض و القبض، و المفروض أنّه تلف قبلهما فيكون الضمان على البائع، و بذلك يظهر أنّ الحق هو القول الثاني، بل تضمين المشتري لماله قبل القبض أمر يستنكره العقلاء فيجب تنزيه الشرع عنه.

______________________________

(1)- المختلف: 173.

المختار في أحكام الخيار، ص: 295

لو اشترى ما يفسد من يومه:

لو اشترى ما يفسد من يومه و لم يجئ بالثمن. ففي مرسلة محمّد بن أبي حمزة:

في الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه و يتركه حتى يأتيه بالثمن؟ قال: إن جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و إلّا فلا بيع له «1».

و في خبر عن زرارة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلى الليل «2».

إنّما الكلام في تبيين ما هو المقصود من «ما يفسد من يومه» فإن كان المراد منه ما يفسد قرب دخول الليل، فيكون الخيار في أوّل أزمنة الفساد، و من المعلوم أنّ الخيار لا يجدي في هذا الحال.

لكن الظاهر أنّ المراد منه هو اليوم مع ليله، و قد تقدم في مبحث خيار الحيوان: أنّ لذلك اللفظ استعمالات مختلفة، منها هذا و هو اصطلاح رائج، فالمفسد هو مبيته، فيكون للبائع مجال لبيعه من غيره، و لو تأخّر الخيار عن أوائل الليل، لضاق المجال و ربّما صار غير متمكّن منه. و لأجل ذلك عبّر الشهيد بخيار ما يفسده المبيت.

ثمّ إنّ الشيخ عدّ هذا الخيار من شئون خيار التأخير، و قال: يشترط فيه ما يشترط فيه، و استظهر السيد الطباطبائي أنّ هذا الخيار، لا دخل له بخيار التأخير و لذا عدّه في اللمعة

قسما آخر، إذا المدار فيه على تأخير قبض المثمن، و الحكمة فيه دفع ضرر فساده عن البائع، بمعنى كون التلف قبل القبض عليه، فلو فرضنا

______________________________

(1)- في سنده حسن بن رباط، و لم يوثّق.

(2)- الوسائل: الجزء 12، الباب 11 من أبواب الخيار الحديث 1 و 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 296

قبض الثمن دون المثمن و كان تأخيره موجبا للفساد، كان للبائع أيضا الخيار ...

و الحاصل أنّ هذا الخيار، خيار تأخير قبض المثمن في مورد خاص، و الخيار السابق خيار تأخير الثمن، و الحكمة في هذا دفع ضرر ضمان المبيع من جهة الفساد، و في السابق دفع ضرر الصبر على تأخير الثمن «1».

يلاحظ عليه: أنّ لسان الروايات في المقامين واحد، و عرفت رواية محمد بن أبي حمزة حيث جاء فيها: «إن جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن ...» حيث خصّ الخيار بمورد عدم المجي ء بالثمن و مفاده أنّه لا خيار له إذا جاء به سواء قبض المثمن أم لا، و جعله كناية عن قبض المثمن بحجّة أنّ الغالب أنّه يقبض المثمن حين المجي ء بالثمن كما ترى و إلّا يلزم جعله كناية عنه في جميع الموارد، مع أنّه لم يجعل كناية عنه فيما سبق.

على أنّه لو لا هذا الترخيص، لكان القول بانصراف حديث «التلف قبل القبض على البائع» عن المورد هو المتعيّن إذ هو السبب لتلف ماله لا البائع، و عليه فلو فرضنا عدم الخيار للبائع لما كان يتوجّه ضرر عليه إلّا من ناحية تأخير ثمنه.

و الظاهر وحدة الخيارين ماهية و شرطا.

و لو لم يحدث في البيع إلّا فوت السوق، فلا شك أنّ الحكم بلزوم العقد ضرر على البائع، فيجوز له البيع من الغير، و

ما أفاده الشيخ من كونه فوت نفع لا ضرر إنّما يصحّ لو كان الفائت هو النفع و ربّما يكون الفائت رأس ماله و قيمته.

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي- قسم الخيارات/ 57.

المختار في أحكام الخيار، ص: 297

الفصل السابع خيار الرؤية

اشارة

تعريفه.

دليله.

في مسقطات خيار الرؤية الستة:

أ- التسامح في الإعمال على القول بالفورية.

ب- الاسقاط القولي بعد الرؤية.

ج- التصرّف بعد الرؤية.

د- التصرّف قبل الرؤية.

ه- إسقاطه باللفظ قبل الرؤية.

و- إسقاطه في متن العقد.

في سقوط خيار الرؤية بالبذل و الإبدال.

اختلاف المتعاقدين في الصفة.

خيار الرؤية لا يختص بالبيع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 299

خيار الرؤية

تعريف خيار الرؤية؟

عرّفه الشيخ في الخلاف بقوله: بيع خيار الرؤية صحيح، و صورته أن تقول:

بعتك هذا الثوب الذي في كمّي أو في الصندوق فيذكر جنسه و صفته «1».

و قال ابن قدامة: و يعتبر لصحة العقد، الرؤية من البائع و المشتري جميعا، و إن قلنا بصحّة البيع مع عدم الرؤية فباع ما لم يره فله الخيار عند الرؤية، و إن لم يره المشتري أيضا فلكل واحد منهما الخيار- إلى أن قال-: و إذا وصف المبيع للمشتري، فذكر له من صفاته ما يكفي في صحّة السلم، صحّ بيعه في ظاهر المذهب «2».

و قال المحقّق: و يلحق بذلك خيار الرؤية و هو بيع الأعيان من غير مشاهدة و يفتقر ذلك إلى ذكر الجنس و هو القدر الذي تشترك فيه أفراد الحقيقة، و ذكر الوصف و هو الفارق بين أفراد ذلك الجنس.

إلى غير ذلك من الكلمات الحاكية عن حقيقة هذا الخيار و هو أنّ طريق الخروج عن الغرر إمّا الرؤية و المشاهدة، أو التعريف و التوصيف سواء أ كان من

______________________________

(1)- الخلاف: ج 2/ 5 المسألة 1 من كتاب البيوع.

(2)- المغني: ج 3/ 521.

المختار في أحكام الخيار، ص: 300

البائع أم من غيره، فإذا رأى المبيع فإن كان المرئي مطابقا للموصوف، و إلّا فله الخيار.

و عند ذلك يطرح في المقام سؤال: و هو أنّ خيار الرؤية عندئذ يرجع إلى خيار تخلّف الوصف،

و لا يكون خيارا برأسه، و إن ذكرت الخصوصيات بصورة الاشتراط، فيكون من قبيل خيار تخلّف الشرط.

و يمكن أن يقال: إنّ خيار تخلّف الوصف عبارة عن بيع شي ء موصوفا بوصف في متن العقد، بخلاف خيار الرؤية فإنّه عبارة عن توصيف البائع المبيع خارج العقد أو تواطئهما عليه، أو سبق رؤية المبيع، أو اختيار جزء منه و قياس الباقي عليه، ثمّ العقد عليه مبنيّا على وجود الوصف.

و بهذا يمكن التفريق بين خيار الرؤية و خيار تخلّف الشرط، فلو ذكر الوصف في العقد بصورة الاشتراط و قال: اشترط عليك أن يكون كاتبا، و تخلّف فالخيار خيار تخلّف الشرط دون خيار الرؤية، لأنّه البيع مبنيا على وجود الوصف في المبيع بأحد الطرق المذكورة من دون الاشتراط على البائع في متن العقد- مضافا- إلى أنّ خيار تخلّف الشرط يصدق فيما إذا كان الشرط، إنجاز عمل كالخياطة و غيرها. و ما ذكرنا، من الفرق أظهر ممّا ذكره بعض المحقّقين «1» فلاحظ.

ثمّ لو صحّ بيع خيار الرؤية، لدلّ على أنّ ذكر القيود في العقود غير لازم، و أنّ القيود المبنية عليها كالمذكورة في متن العقد، و انّ الاصرار على أنّ القيود إنّما تكون لازمة الوفاء إذا كانت مذكورة في العقد، واقعة تحت الانشاء غير تام- و إن كان بعض السادة من المشايخ مصرّا عليه في درسه الشريف «2».

______________________________

(1)- تعليقة المحقّق الايرواني/ 48.

(2)- الأستاذ فقيد العلم و الفقاهة السيد محمد الكوه كمري- قدّس سرّه-.

المختار في أحكام الخيار، ص: 301

ما هو الدليل على صحّة البيع:

المشهور عند الإمامية هو الصحّة قبل ظهور الخلاف و بعده، قال في الجواهر: لا ريب في صحّة البيع نصّا و فتوى بل الاجماع بقسميه عليه «1».

نعم في المقنعة: و لا بأس ببيع الموجود

في الوقت بالصفة و إن لم يشاهده المبتاع في الحال، فإن قبضه و وجده على الصفة التي ابتاعه عليها كان البيع ماضيا، و إن كان بخلاف الصفة كان مردودا «2» و قريب منه عبارة الشيخ في النهاية «3» و الظاهر أنّ المراد أنّه قابل للرد بدليل أنّه عبّر به أيضا في خيار الغبن، فلاحظ.

و أمّا أهل السنّة فقد نقل الشيخ عن الشافعي أنّه قال: في القديم مطلقا، و في الحديث أنّه يصح في الصرف و الصلح، و قال في الأم، و البويطي: لا يصح، ثمّ قال: و المسألة على قولين، و الذي يختارونه أنّه لا يصحّ. و قال أبو حنيفة: يصحّ ذلك و إن لم يذكر الجنس ... و إنّما يفتقر إلى تعيين المبيع «4» و نقل ابن قدامة عن أحمد: أنّه لا يصحّ حتى يراه لأنّ الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع «5».

______________________________

(1)- الجواهر: ج 23/ 92.

(2)- المقنعة/ 594- الطبعة الحديثة.

(3)- النهاية/ 397.

(4)- الخلاف: 2 كتاب البيوع المسألة 1، و ما نقله عن أبي حنيفة من عدم لزوم ذكر الجنس و كفاية التعيين، هو من أقسام بيع الغرر فكيف جوّزه؟

(5)- المغني: 3/ 521.

المختار في أحكام الخيار، ص: 302

أقول: يدلّ على الصحّة السيرة المستمرة بين العقلاء، حيث يبيعون أطنانا من الحبوب باراءة نموذج منها، كما يبيعون المنسوج كذلك، و لم يرد عنه ردع فتشمله أدلّة الامضاء، مضافا إلى النص الوارد في المقام، أعني: صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلمّا أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها ثمّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال أبو عبد اللّه- عليه

السلام-: إنّه لو قلّب منها و نظر إلى تسعة و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية «1» و الرواية ظاهرة في أنّه اشترى الضيعة بتخيّل أنّ ما لم يره مثل ما رآه فبان الخلاف أو محمولة عليه.

و قد استدل في الحدائق «2» برواية زيد الشحام و هي قاصرة الدلالة، و من أراد التوضيح فليرجع إلى مرآة العقول «3».

ثمّ إنّ المعروف ذكر الأوصاف التي ترتفع بها الجهالة الموجبة للغرر و ربّما ذكر ضابطتان غيرها:

1- ما ذكره العلّامة في التذكرة و قال: يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكتفي في السلم عندنا.

2- يذكر ما يختلف الثمن باختلافه كما عن الوسيلة و جامع المقاصد، و الظاهر أنّ المرجع في الجميع واحد.

ثمّ إنّ في المقام إشكالات ذكرها الشيخ لا بأس بتوضيحها:

1- وجود التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه، و كفاية ذكر أوصاف

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12 الباب 15 من أبواب الخيار، الحديث 1.

(2)- الحدائق: 9/ 57.

(3)- مرآة العقول، باب بيع السلم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 303

السلم من جهة أنّه قد يتسامح في السلم في ذكر بعض الأوصاف لإفضائه إلى عزة الوجود، و هذا المانع مفقود في المقام.

و أجاب الشيخ في المقام بأنّ المعتبر في السلم عين المعتبر في المقام لكن ربّما يتسامحون في بعض أفراد السلم لئلّا ينتهي إلى عزّة الوجود. و لكن الجواب غير تام، لرجوعه إلى إلغاء الشروط اللازمة في الصحّة. و أنّ الفقهاء حكموا بصحّة العقود الغرريّة لغاية وصول المشتري إلى أغراضه و هو كما ترى.

و الأولى أن يقال: إنّه لا يعتبر في المقام أزيد ممّا يعتبر في باب السلم بحيث يرتفع الغرر

العرفي و يكفي فيه ذكر ما يتعلّق به أغراض غالب الناس. فيرتفع التنافي بارجاع الملاك إلى الثاني، لا العكس كما صنعه الشيخ.

2- إنّ الأوصاف التي يختلف الثمن من أجلها غير محصورة و الاقتصار على ما يرفع به معظم الغرر إحالة على مجهول بل يوجب الاكتفاء على ما دون صفات السلم، و قد أشار الشيخ إلى هذا الاشكال بقوله: «ثمّ إنّ الأوصاف التي يختلف الثمن ... إلى آخره».

3- إذا كان التوصيف يقوم مقام الرؤية، فيجب أن يعتبر في الرؤية ما يحصل بها الاطلاع على جميع الصفات المعتبرة في العين الغائبة ممّا يختلف الثمن باختلافه، و المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية على جميع الصفات المعتبرة في السلم و بيع العين الغائبة، و أشار أيضا إلى هذا الاشكال بقوله: «و أشكل من ذلك ... إلى آخره».

و قد أجاب الشيخ عن الاشكالين بجواب واحد بقوله: «و لا أجد في المسألة أوثق من أن يقال: إنّ المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة فإن دلّ على اعتبار أزيد من ذلك حجّة معتبرة أخذ به.

المختار في أحكام الخيار، ص: 304

أقول: إنّ الجواب عن الاشكالات الثلاثة أمر واحد، و هو أنّ أساس البيع على الانتفاع المعقول، و المداقّة التامّة تسدّ باب المعاملات و المسامحة الخارجة عن الحد توجب الغرر، و الاقدام على البيع و الشراء على وجه يرتفع به الغرر العرفي هو الأوسط، و هذا هو المعتبر في بيع الأعيان الحاضرة و الغائبة، و في السلم و غيره، غير أنّ ما ذكره «من أنّ الغرر العرفي أخص من الغرر الشرعي» غير تام لأنّه ليس للغرر حقيقة شرعية. نعم لو دلّ الدليل على اعتبار شي ء في باب

البيع مع عدم استلزامه غررا- لو لم يعتبر- كلزوم تعيين المبيع بين ثوبين متساويين من جميع الجهات، فيعتبر تعبّدا لا لأنّ في عدم تعيينه غررا.

4- إنّ الأوصاف إن لم تذكر تلزم الجهالة من حيث الوصف و إن ذكرت كانت قيدا فيلزم الغرر من جهة الجهل بوجود المقيد بها فيرجع إلى غرر أعظم و هو غرر الوجود. و قد أشار إلى هذا الاشكال بقوله: «ثمّ إنّه يمكن الاستشكال في صحّة هذا العقد ... إلى آخره».

و أجاب عنه ما هذا حاصله: بالفرق بين كون الأوصاف شروطا و كونها قيودا، و الغرر بمعنى الجهل بوجود المبيع إنّما يلزم لو كان من قبيل الثاني حتى يكون المبيع أمرا واحدا لا ما إذا كان من قبيل الأوّل، و هو كون المبيع، هو الموجود في بيته قطعا و لو كان هنا شك فليس الشك في وجوده و عدمه بل الشك في وجود الكيفية الزائدة على المبيع. و أشار إلى هذا الجواب بقوله: «و يمكن أن يقال: إنّ الأوصاف بمعنى الاشتراط لا التقييد» و لكن الجواب غير تام، و الفرق بين القيد و الشرط دقّة عقلية لا يلتفت إليها العرف، فلو قلت: بعتك الفرس العربي فهو في نظرهم مثل ما قلت: بعتك الفرس و أشترط عليك أن يكون عربيا، فلو كان الشك في وجود المبيع الموصوف غررا فالغرر موجود في كلا الموردين. و العبارة

المختار في أحكام الخيار، ص: 305

طريق إلى المقصود و ليست مطلوبة بالذات، حتى تكون نفس الصيغة ملاكا.

و كيفية التعبير مناطا للحكم، فإنّ الغاية لديهم هي الأمور الخارجية الملموسة، لا التعبيرات و الجمل المختلفة فمن فرّق بين العبارتين، فجعل التخلّف في الأولى من قبيل تخلّف المبيع دون الثاني،

فقد أعطى للكلام موضوعية و هو كما ترى، و الحق أنّ التخلّف في كلا الموردين من باب تخلّف الكيفيّة، لا تخلّف الموضوع، و إنّما يكون من قبيل الثاني إذا قال: بعتك هذا القطن، فبان حديدا.

ثمّ إنّ الشيخ أجاب عن الاشكال بجواب ثان و هو بناء البيع على تصديق البائع أو غيره في إخباره باتّصاف المبيع بالصفات المذكورة أو بناء البيع على الاطمئنان باخباره و الوثوق بقوله. أو التزامه الشرعي و تعهّده القانوني على كون المبيع موصوفا بصفة كذا كما سيوافيك تفصيله عند البحث عن المسقط الخامس فانتظر.

5- كيف يكون العقد صحيحا و الحال أنّ المعقود عليه غير موجود، و الموجود غير معقود عليه.

و الجواب أنّ تخلّف الأوصاف على قسمين: قسم يكون التخلّف سببا على مغايرة المعقود عليه مع الموجود، كما إذا باع قطنا فبان حديدا، و أخرى لا يكون سببا على المغايرة بل المعقود عليه يكون موجودا، غاية الأمر يكون فاقدا للوصف و الكيفية العالية المطلوبة كما في المقام.

6- إنّ الموجود و إن لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا إلّا أنّه اشترط اتّصافه بوصف، بمعنى تقيّد الرضا به فلو تخلّف يكون البيع باطلا و لذا التزم أكثر المتأخّرين بفساد العقد لأجل فساد شرطه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 306

أقول: هذا الاشكال لا يختص بالمقام (تخلّف وصف الكمال) بل يأتي في باب تخلّف وصف الصحّة الذي يعبّر عنه بخيار العيب، و فيما إذا صار الشرط فاسدا. و قد أجاب عنه الشيخ بأنّ المستفاد من النصوص و الاجماعات من الموارد المتفرّقة عدم بطلان البيع لفقدان الصفة المقصودة غير المتقوّمة للمبيع.

و الجواب بظاهره غير تام لأنّ معناه أنّ مقتضى القاعدة هو البطلان، إلّا أنّ الصحّة من باب النصوص

و الاجماعات.

ثمّ إنّه ربّما يجاب عن الاشكال بأنّه أشبه بمقام تعارض الاشارة و الوصف كما أنّه إذا قال: بعتك هذه الحنطة الصفراء فبانت حمراء فتقدم الاشارة على الوصف لأصرحيتها، فكذا المقام فإنّ بيع الحنطة الموجودة في البيت كأنّه إشارة إليها، فتقدم على الوصف.

و لكن الجواب غير مفيد، لأنّه يدفع به الاشكال الخامس من أنّ المعقود عليه غير موجود، و الموجود غير معقود عليه لا الاشكال السادس.

ثمّ إنّ الشيخ نقل عن بعضهم- و لم يسمّه- «1» جوابا آخر، و حاصله: هو الفرق بين أن يقع القيد وصفا للكلّي كما إذا قال: بعتك الحنطة الصفراء فدفع الحمراء فإنّه يكون من قبيل الوفاء بغير الجنس، من غير فرق بين أن يكون الوصف أمرا مقوّما أو عرضيا، لأنّ الماهيات و المفاهيم مثار الكثرة فالمفهوم من الحنطة الصفراء، غير المفهوم من الحنطة الحمراء، و المعقود عليه هو الأوّل غير الثاني. و ما

______________________________

(1)- قال بعض المحشّين: المقصود هو الشيخ علي كاشف الغطاء في تعليقته على خيارات اللمعة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 307

إذا ورد وصفا للموجود الخارجي، فلو كان الوصف ذاتيا أي مقوّما لا عرضيا كان من قبيل تخلّف الذاتي، و أمّا إذا كان الوصف عرضيا فالمبيع و إن كان هو الموصوف إلّا أنّه يصدق على الفاقد أيضا.

يلاحظ عليه: بمثل ما ذكرناه في الجواب السابق فإنّ الكلام في الاشكال السادس و هو أنّ الرضا مقيّد من أوّل الأمر بالمقيّد دون العاري عنه، و كون الوصف أمرا عرضيا أو ذاتيا لا يكون قالعا للاشكال. و الحق في الجواب ما أشار إليه الشيخ نفسه في باب تصحيح العقد عند بطلان الشرط من كون المقام من باب تعدّد المطلوب و أنّ الوصف و

إن كان مذكورا في الانشاء بعنوان القيدية- فضلا عمّا إذا لم يكن- إلّا أنّه يجري عليه في العرف حكم تعدّد المطلوب، و السر في حكمهم هو كونه كذلك في أغراض نوع المعاملين. نعم لو علم في مورد كون المقام من باب وحدة المطلوب بحيث لا يكون المشتري راضيا بدونه، فالأولى الحكم بالبطلان.

و الدليل على أنّ المقام من قبيل تعدّد المطلوب، هو أنّه لو اقتنع المشتري بالفاقد، لا يطلق عليه أنّ البائع وفى بغير الجنس أو أخذ غير المبيع، بل يقال أخذ و اقتنع بالكيفية النازلة.

هذه هي الاشكالات الستة في كلمات الشيخ. و قد عرفت ما هو الحق في الجواب،

[أمور]

اشارة

بقيت هنا أمور:

ألف: إنّ الخيار مختصّ بما إذا كان الموجود مغايرا للموصوف،

غير أنّه يظهر من بعض فقهاء أهل السنّة أنّ الخيار يثبت تلو الرؤية مطلقا كان هنا تخلّف أو لا، نقله ابن قدامة عن الثوري و أبي حنيفة و أصحابه، و هو كما

المختار في أحكام الخيار، ص: 308

ترى «1».

ب: الظاهر من الأصحاب كون المشتري مخيّرا بين الرد و الإمساك،

و لا يجوز له أخذ الأرش خلافا للمنقول عن السرائر حيث أثبت الارش أيضا و خصّه الشيخ بما إذا كان الوصف وصف الصحّة لا وصف الكمال. و سيوافيك اتقان ما ذهب إليه صاحب السرائر في المقام عند البحث عن خيار العيب، و قد تقدم ما يفيدك سابقا و قلنا إنّ الثمن يوزّع على الأعيان و أوصاف الصحّة و الكمال، و انّ التقسيط موافق للقاعدة، و الاجماع المنقول على عدم الارش في الأوصاف الكمالية مخالف للسيرة العقلائية و لم يرد ردع عنها.

ج: إنّ المرجع في تشخيص الداخل في الحقيقة، و الخارج عنها هو العرف،

فاختلاف الخل المتّخذ من التمر مع الخل المتّخذ من الزبيب إنّما هو في الأوصاف، مثل اختلاف الدهن المتّخذ من الغنم و البقر، بخلاف لحومهما فالاختلاف هناك في الجنس، هذا ما يذكرونه في المقام.

نعم تظهر من الفقهاء في باب الربا المعاوضي ضابطة أخرى و هو تبعية الفروع للأصول، و بما أنّ الأصول (التمر و الزبيب و الغنم و البقر) هناك متغايرة فالفروع محكومة بحكمها، فيجوز التفاضل عند المعاوضة بحجّة أنّهما من جنسين لا من جنس واحد. و على تلك الضابطة تكون الأمور المذكورة متغايرة في الجنس في باب الربا و في الوقت نفسه يحكمون على الحنطة و الشعير بأنّهما من جنس واحد.

______________________________

(1)- في صحيحة جميل المتقدّمة «و لو نظر إلى تسع و تسعين قطعة ثمّ بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها الخيار»، و لكن القدر المتيقّن، هو وجود المغايرة بين المرئي و غيره، لا أنّ وجود الرؤية سبب للخيار مطلقا و لو لم تكن مغايرة- مضافا- إلى كونه أمرا مستنكرا في نظر العقلاء عند ما كانت الوحدة سائدة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 309

فلو ثبت نصّ أو إجماع على تلك الضابطة فيؤخذ بها

و إلّا فالمحكّم في المقامين واحد و هو العرف، سواء كانت الأصول متغايرة أو متجانسة.

د- خيار الرؤية فوريّ:

هل خيار الرؤية فوري أو لا؟ ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين في كونه على الفور إلّا أحمد حيث جعله ممتدّا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية.

و الحق هو الفورية أخذا بما دلّ على استمرارية لزوم الوفاء بالعقد، خرج منه الزمان الأوّل، و الشك في الزمان الثاني، فيؤخذ بالدليل الاجتهادي دون استصحاب حكم المخصّص، و قد تقدّم أنّ التمسّك بالعام في أمثال المقام غير مبني على كون الفرد في كل زمان فردا غيره في الزمان الآخر، بل تكفي استفادة الاستمرار من وجوب الوفاء- كما تقدم-.

و أمّا التمسّك على التراخي بإطلاق الصحيحة الماضية فهو كما ترى لأنّه ليست إلّا بصدد أصل التشريع. و أضعف منه ما ذكره السيد الطباطبائي من دلالتها على التراخي لأجل مضي مدة طويلة من حين المعاملة إلى وقت السؤال.

يلاحظ عليه: انّما يصح إذا كان السائل هو المشتري، مع أنّ الظاهر غيره حيث قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل الخ.

ثمّ إنّه إذا كان جاهلا بالحكم أو بفوريته أو نسيهما، فهل تعد عذرا أو لا، الظاهر لا، لعدم الدليل على كونه عذرا، اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ لزوم الوفاء عليه ضرري فيثبت إلّا أن يتسامح.

المختار في أحكام الخيار، ص: 310

في مسقطات خيار الرؤية

اشارة

يسقط هذا الخيار بأمور:

1- التسامح في الإعمال

على القول بالفورية.

2- الإسقاط القولي بعد الرؤية

و لا كلام فيهما.

3- التصرّف بعد الرؤية،

لما عرفت أنّه يعدّ عرفا، التزاما بالبيع، و إسقاطا فعليا له، و قد عرفت أنّ المستفاد من صحيحة علي بن رئاب في خيار الحيوان «1» هو الحكم الكلّي من غير اختصاص بخيار الحيوان.

4- التصرّف قبل الرؤية

و الظاهر عدم الإسقاط لأنّ التصرّف إنّما يعد إسقاطا فعليا إذا كان كاشفا نوعا عن الرضا كما هو الحال في التصرّف بعدها، و هذا إنّما يتصوّر إذا كان المتصرّف عالما بالحال و المفروض خلافه، و بعبارة أخرى:

إذا عدّ في العرف التزاما و من المعلوم عدمه. و أمّا ما ذكره الشيخ من أنّ إسقاطه مبنيّ على جواز الإسقاط قولا قبل الرؤية بناء على أنّ التصرّف إسقاط فعلي، غير تام، للفرق الواضح بين البناء و المبنى، فإنّ التصرّف القولي ذو لسان يؤخذ بمضمونه و هذا بخلاف تصرّف الجاهل بالتخلّف، إذ لا لسان له بل من المظنون أو المقطوع أنّه يتصرّف فيه على اعتقاد كونه واجدا للوصف. فما لم يدل دليل شرعي خاص على السقوط فالأقوى عدمه.

5- اسقاطه باللفظ قبل الرؤية

، و ليس هناك مانع من صحّة الاسقاط إلّا

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب خيار الحيوان، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 311

كونه من قبيل إسقاط ما لم يجب، و قد مضى كرارا أنّه يكفي في صحّته مضافا إلى كونه أمرا عقلائيا، وجود المقتضى. من غير فرق بين جعل الرؤية كاشفا عن وجود الخيار في زمان العقد، أو سببا محدثا، و إن كان الاسقاط على الكشف أوضح.

مضافا إلى أنّ الظاهر من رواية «جميل» أنّ الرؤية أخذت طريقا إلى كشف حال المبيع عند العقد، و انّ المعقود عليه كان فاقدا لما تواطئا عليه حين العقد، و لازم ذلك ثبوت الخيار حين العقد.

6- إسقاطه في متن العقد:

اختلفت كلمتهم في صحّة اسقاطه في العقد إلى أقوال، فمن قائل إلى فساد الشرط و افساده و هو خيرة العلّامة و الشيخ الأعظم، إلى قائل آخر بصحّة الشرط و المشروط، إلى ثالث مفصّل بين فساد الشرط و صحّة العقد، و انّ الأوّل فاسد دون الثاني.

و الحق هو القول الأوّل و بتوضيح دليله يظهر عدم تمامية سائر الأقوال فنقول: إنّ ابتياع الشي ء الغائب جاهلا بأوصافه المطلوبة غرر لا بد من رفعه، و الذي يمكن أن يكون رافعا أحد الأمور التالية:

1- جعل الخيار: و هو ضعيف جدّا إذ هو حكم شرعي مترتّب على صحّة العقد، فلا بدّ من تحقّق الصحّة قبله حتى يترتّب عليه الخيار، فكيف يمكن أن تكون صحّة العقد معلّقة على جعله، أضف إلى ذلك أنّه لو كان جعل الخيار رافعا للغرر، لزم تصحيح بيع كل مجهول مشروطا بالخيار.

2- التوصيف: لأنّ البيع الغرري عبارة عن بيع شي ء على أيّ نحو، دون البيع موصوفا بصفات معيّنة.

يلاحظ عليه: أنّه كيف يمكن أن

يكون التوصيف رافعا للغرر من دون تضمين، فإنّ التوصيف إخبار عن وجود وصف، و أمّا أنّه هل هو صادق في إخباره

المختار في أحكام الخيار، ص: 312

أو كاذب فلا يعلم من التوصيف، و من المحتمل أن يكون المبيع فاقدا له، و معه كيف يكون البيع غير غرري فالاقدام على ابتياع شي ء هذا حاله و شأنه، خطر كلّه.

3- العلم بصدق البائع و الوثوق بقوله: هذا و إن كان رافعا للغرر لكن لازم ذلك اشتراط صحّة البيع بحصول العلم و الاطمئنان مع أنّه غير ظاهر منهم، بل العقلاء يعاملون في إطار أوسع من ذلك فتعيّن أن يكون الرافع هو الأمر الرابع، و هو:

4- التزام البائع و تعهّده الشرعي و القانوني بتسليم المبيع بالصفات التي تواطئا عليها، على نحو يكون تعهّده القانوني مبرّرا لإقدام المشتري على اشتراء المبيع غير المرئي بحيث لو نقض التزامه و لم يف بعهده، يكون مأخوذا بالقانون و محكوما لدى الحاكم.

و بذلك يظهر أنّ التعهّد بما هو هو لا يمكن أن يكون رافعا للغرر إلّا إذا كان له أثر شرعي، و ردّ فعل قانونيّ و هو في بدء الأمر أحد الأمرين:

1- جواز إلزامه بأداء العين موصوفة بالوصف.

2- جواز فسخ العقد.

و الأوّل غير ممكن، لكون المبيع أمرا شخصيّا لا كلّيا قابلا للتعويض، و المفروض أنّه فاقد للوصف من بدء الأمر و الثاني ساقط حسب الفرض، فيصبح التعهّد و الالتزام بلا أثر، و معه كيف يمكن أن يكون رافعا للغرر، لأنّ المفروض أنّ وجوده و عدمه سواء.

و بذلك ظهر عدم تمامية القول الثاني، و أمّا الثالث فقد زعم أنّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 313

فساد الشرط لأجل كونه من قبيل اسقاط ما لم يجب،

و قد تعرّفت أنّه يكفي في الاسقاط وجود المقتضي و هو العقد على عين غائبة موصوفة يحتمل أن تكون فاقدة للوصف.

فإن قلت: لو كان اسقاط الخيار مخالفا للالتزام و التعهّد فليكن كذلك إذا باع العين الغائبة أو الحاضرة و تبرّأ من العيوب إذ عندئذ يصبح الالتزام بالصحّة، فاقدا لأثر شرعي مع التبرّي، مع أنّهم صرّحوا في باب خيار العيب بصحّة تبرّي البائع و سقوط الخيار لأجله.

قلت: إنّ خيار العيب ليس أثرا لالتزام البائع بالصحّة. بل هو أثر أصالة السلامة الحاكمة في عالم الخلقة و الصنعة فإنّ الأصل هو الصحّة في عالم الخلقة و الصنعة، و العيب على خلاف الأصل، فإذا بان الخلاف يثبت الخيار لأجل سيادة هذا الأصل، سواء أ كان هناك التزام من البائع بتسليم الصحّة أم لا، فلو تبرّأ البائع يكون معناه أنّه غير متعهد بتسليم الصحيح لا أنّ هذا الأصل غير جار في المبيع. و هذا بخلاف المقام، فانّ الخيار أثر للالتزام و اسقاطه يضاد الالتزام الذي يدلّ عليه إنشاء البائع و يجعله بلا أثر.

و بالاحاطة بما ذكرنا تستطيع على ذبّ الاشكالات التي أثارها السيد الطباطبائي و المحقّق الخراساني- قدّس سرّهما- حول نظرية الشيخ الأعظم التي اخترناها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 314

في سقوط الخيار بالبذل و الابدال:

هل يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت، و ابدال العين، و بشرطهما في متن العقد أو لا؟ فهنا فروع:

1- هل يسقط ببذل التفاوت أو لا؟ الظاهر لا، لاطلاق صحيحة جميل، مضافا إلى عدم اندفاع الضرر به، إذ ربّما يتعلّق الغرض بالشي ء الموصوف لا بماليّته. حتى يكون الجبر بالتفاوت رافعا للضرر، و المقصود سقوطه بمجرّد البذل، و أمّا سقوطه مع التراضي فلا اشكال فيه.

2- لو شرط في العقد بذل التفاوت لو

بان الخلاف، فهل هو فاسد و مفسد كما عليه صاحب الجواهر «1» أو لا؟ وجه الأوّل أنّه بمنزلة اشتراط اسقاط الخيار لو بان الخلاف لاشتراكهما في كونهما منافيين للتعهّد بالوصف فيعود الغرر فيفسد.

يلاحظ عليه: بوجود الفارق بين المقيس و المقيس عليه، حيث إنّ اشتراط السقوط يستلزم أن يكون الالتزام و التعهّد فاقدا للأثر، لأنّ أثره إمّا جواز إلزامه بأداء العين موصوفة أو جواز الفسخ، و الأوّل غير ممكن و الثاني ساقط، بخلاف المقام فإنّ أثره هو جبران ماليّة الوصف الفاقد، و على هذا فاشتراط بذل التفاوت تأكيد لحفظ الماليّة و عدم توجّه الغرر، فلو كان للمشتري غرضان طوليان، فلا يتوجه الضرر، و بذلك تظهر قوة الوجه الثاني.

و أمّا كون الشرط مجهولا أو كون العقد معلّقا، فلا يضر الجهل لاغتفار الجهالة في الشرط و إلّا تبطل أكثر الشروط للجهل بقيام المشروط عليه به أولا، و أمّا

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 96.

المختار في أحكام الخيار، ص: 315

التعليق فلا دليل على البطلان به إلّا في مورد فيه نص، و ادّعاء الاجماع على بطلان التعليق، اجماع مستند إلى القاعدة، حيث قاسوا الانشاء الاعتباري بالايجاد التكويني فبما أنّ التعليق في الثاني محال فيكون الأوّل مثله- و هو كما ترى- مضافا إلى أنّ التعليق راجع إلى المنشأ دون الانشاء كما بيّن في محلّه.

3- لا يسقط الخيار بالابدال لأنّ العقد إنّما وقع على الشخصي فتملّك غيره يحتاج إلى عقد و اتفاق جديد- هذا- و لكن يمكن أن يقال: إنّ العقد في أكثر المعاملات الواقعة على عين شخصية في المثليات هو واقع على الكلّي، حقيقة و الاشارة إلى العين الخارجية من باب أنّها احدى المصاديق للكلّي، و- لذا- لا يعدّ الابدال وفاء بغيره،

نعم ما ذكر صحيح في القيميات التي يتعلّق العقد بها بشخصها و لا يتأتّى فيها القول بوقوع العقد على الكلّي، إلّا في موارد نادرة.

4- إذا شرط الابدال في متن العقد، فعن الشهيد في الدروس يفسد للجهالة و الغرر، و هو خيرة الجواهر «1».

أقول: إنّ الاشكالات المتوهّمة في المقام أمور:

1- الجهالة في الشرط و أنّ المبيع هل واجد له أو لا.

2- التعليق في العقد، و هو الابدال إذا بان الخلاف.

أمّا الأوّل فقد عرفت أنّه غير مضر، قال السيد الطباطبائي: و لا يضر جهالة حصول المعلّق عليه و هو التخلّف لاغتفار هذه الجهالات في الشروط. و قد عرفت أنّه لو كان مضرّا لبطلت أغلب الشروط، و أمّا الثاني، فقد عرفت من أنّه لا دليل على بطلان العقد به، إلّا فيما ورد فيه نص، و انّ الاجماع المدّعى في المقام، اجماع

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 96.

المختار في أحكام الخيار، ص: 316

مستند إلى القاعدة كما عرفت.

ثمّ إنّ الشيخ ركّز على لفظ الابدال- و غضّ النظر عمّا هو المتعارف بين الناس في أمثال المقام كما سيوافيك، و حاصل ما ذكره:

أنّ البدل المستحقّ عليه بمقتضى الشرط يتصوّر على وجهين:

الأوّل: أن يقع البدل بإزاء الثمن، بمعنى وقوع معاوضة جديدة على تقدير ظهور المخالفة بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة و ينعقد بيع آخر فيحصل بالشرط انفساخ عقد، و انعقاد عقد آخر، كلّ منهما معلّق على المخالفة، و من المعلوم عدم نهوض الشرط لاثبات ذلك.

وجهه: أنّ الانفساخ و العقد على البدل مما يحتاجان إلى سبب خاص كالنكاح و الطلاق فلا يصحّ فيه شرط النتيجة و إنّما يصحّ فيما يكفي في ايجاده كل لفظ حتى الشرط.

هذا توضيح كلامه في الشق الأوّل.

يلاحظ عليه: أنّ تصوير

وقوع البدل بإزاء الثمن لا ينحصر في هذا الوجه، بمعنى اشتراط تحقّق الانفساخ و البيع الثاني بالشرط، بل هناك تصوير آخر، و حاصله أن يتوارد العقد من أوّل الأمر على المبدل و البدل على تقديرين فيقول:

بعتك هذا الفرد، إن كان واجدا للأوصاف، و بدله (سواء كان كلّيا أو شخصيا) الواجد للأوصاف إذا كان الأوّل فاقدا لها فلا يرد عليه ما أورد على التصوير الأوّل من استلزامه «تحقّق الانفساخ و العقد على الثاني بالشرط و هما ممّا يحتاجان إلى لفظ خاص».

و لا وجه لبطلانه إلّا أمران: أحدهما: كونه تعليقيا و قد عرفت عدم الدليل على البطلان، و ثانيهما: كونه غرريا للجهل و هو أيضا منظور فيه لأنّ الجهل إمّا في

المختار في أحكام الخيار، ص: 317

ناحية الشرط و هو التخلّف فقد عرفت اغتفار الجهل في ناحية الشروط، أو الجهل في ناحية المبيع لعدم تعيّنه، و هو أيضا غير تام، لعدم صدق الغرر بعد الاحتفاظ بمالية المثمن، و تحقّق الغرض بكل واحد من البدل و المبدل، و لزوم تعيين المبيع بهذا المعنى لا دليل عليه سوى أوسعية الغرر الشرعي عن العرفي و هو غير ثابت، نعم لو دلّ عليه دليل لاقتصرنا عليه.

هذا كلّه حول الشق الأوّل و إليك الكلام حول الشق الثاني.

الثاني: «أن يقع البدل بإزاء المبيع الذي ظهر على خلاف الوصف، فمرجعه أيضا إلى انعقاد معاوضة تعليقية غررية بينهما لأنّ المفروض جهالة المبدل» و قد عرفت حال التعليق و الغرر في الشق السابق فلا نعيد.

و الحق أن يقال: إنّ مرجع شرط الإبدال، ليس إلى شي ء منها، بل هو شرط فعل بأن يشترط على البائع إبداله بفرد آخر، و هو أمر عقلائي رائج، فلو بان التخلّف

فإن و فى بالشرط و إلّا يكون له إجباره على الوفاء و مع القدرة يكون له خيار تخلّف الشرط.

اختلاف المتعاقدين في الصفة:

لو اختلف البائع و المشتري في شرطية الوصف المفقود و عدمها فقال المشتري: اشتريت هذا العبد على أنّه كاتب، و قال البائع: بعت هذا العبد مطلقا، فهل يقدّم قول البائع أو قول المشتري؟

الظاهر هو الأوّل- لما عرفت- من أنّ الميزان في تشخيص المنكر عن المدّعي هو العرف و هو يعتمد على الأصل المعروف: المدّعي من لو ترك، تركت الدعوى، و المنكر بخلافه، و من المعلوم أنّ المشتري لو ترك، تنتهي الدعوى، بخلاف البائع،

المختار في أحكام الخيار، ص: 318

من غير فرق بين القول بأنّ الاعتبار في تشخيصها، بمحطّ الدعوى و ليس للقاضي ارجاعها إلى أمر آخر، إذا كان لدعواهما أثر، أو الاعتبار بما ينتهي إليه دعواهما إذ النتيجة على القولين في المقام واحدة لأنّ مصبّ الدعوى هو ادّعاء اشتراط المبيع بالوصف، و ما تنتهي إليه الدعوى هو الخيار، و المشتري يدّعيه و البائع ينكره.

و مثله ما إذا قلنا بأنّ الميزان مخالفة الأصل و موافقته، فالمشتري يدّعي الاشتراط و البائع ينكره و الأصل عدم الاشتراط، و بعبارة أخرى: المشتري يدّعي كلفة زائدة، وراء ذات المبيع، و البائع ينكرها و الأصل عدمها.

نعم فصّل سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه-: بين ما إذا قال المشتري: إنّ البائع قال: بعتك هذا العبد الكاتب و أنا قلت: قبلت بيع هذا العبد الكاتب، فيقدّم قول البائع، لتوافقهما في بيع العبد في زمان و يختلفان في توصيفه فبيع العبد ايجابا و قبولا ثابت في زمان متقدم، كما أنّ عدم توصيفه متيقّن في زمان و يشك في توصيفه، فيصح أن يقال: إنّ توصيف المبيع في هذا

البيع الخارجي مسبوق بالعدم، و الأصل عدم توصيفه.

و بين ما إذا قال المشتري: إنّ البائع قال: بعتك الكاتب، مريدا به الموجود الخارجي الموصوف، و قال البائع: بل قلت: «بعتك هذا العبد»، فلا يجري الأصل لعدم توافقهما على بيع العبد في زمان، حتى يختلفا في توصيفه، و الكاتب و إن انحلّ إلى ذات و وصف لكن لا يكون هذا الانحلال موجبا لتعلّق البيع بالذات في زمان متقدّم قبل تعلّقه بالموصوف حتى يجري الأصل «1».

يلاحظ عليه: أنّ الميزان- في اتفاقهما على شي ء و اختلافهما في شي ء آخر- هو المفاهيم و المعاني المتبادرة من الكلام، لا التعابير اللفظية و التراكيب الصورية

______________________________

(1)- البيع: قسم الخيارات: 4/ 447- 448.

المختار في أحكام الخيار، ص: 319

لأنّها طرق إلى المفاهيم. فلو كان قوله: «بعتك هذا العبد الكاتب» اعترافا من الطرفين على ورود البيع على العبد مجرّدا عن الكتابة في زمان، كان قوله: «بعتك الكاتب» الذي ينسبه المشتري إلى البائع مثله، حيث إنّ مفهوم الأوّل نفس مفهوم الثاني، فكما أنّ اللفظين الأوّلين مرآتين إلى مفهومين مترتّبين، كذلك الكاتب مرآة إلى مفهومين و الفرق بينهما بالتفصيل و الاجمال، فتكون النتيجة على اتفاقهما على بيع العبد، في زمان و يشك في توصيفه بالكتابة، فيستصحب عدمه.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم وجّه كون المشتري هو المنكر بوجهين:

1- ما نقل عن التذكرة: انّ البائع يدّعي لزوم العقد و بالتالي يدّعي استحقاق الثمن و الأصل براءة ذمة المشتري من الثمن فلا يلزمه ما لم يقرّ به أو يثبت بالبيّنة.

يلاحظ عليه: أنّ المشتري يعترف بصحّة البيع غاية الأمر يدّعي الخيار، و الاعتراف بصحته عبارة أخرى عن الاعتراف باشتغال ذمّته بالثمن، فهو أمر متسالم عليه بين المتعاقدين، نعم يدّعي أنّ له

الفسخ لرفع موضوع وجوب دفع الثمن و هو بعد غير ثابت.

2- ما ذكره الشيخ الأعظم في المقام «1»، و في المتاجر عند البحث عن بيع العين بالرؤية السابقة «2» و إليك حاصل ما ذكره في المقامين:

أنّ الحجّة القوية لتوصيف البائع منكرا و المشتري مدّعيا إنّما هو مطابقة قول البائع لأصالة عدم الاشتراط و لكنّه إنّما يجري إذا كان الشك في التزام مستقل في

______________________________

(1)- الخيارات: 252 ط تبريز.

(2)- المتاجر، قسم البيع: 199 ط تبريز.

المختار في أحكام الخيار، ص: 320

ضمن الالتزام بالبيع، فيكون هنا التزامان مرتبطان كما إذا قال: بعتك الدار و أشترط عليك خياطة ثوب لي، و أمّا المقام فليس الشرط التزاما زائدا على أصل البيع بل قيد للمبيع و جزء منه، و هناك التزام واحد وارد إمّا على الموصوف، أو الموجود، فيخرج عن كون المبيع مردّدا بين الأقلّ و الأكثر بل أشبه بالمردّد بين المتباينين، و بعبارة أخرى: انّ هنا إنشاء واحدا ورد إمّا على هذا- أو ذاك، و معه لا تجري أصالة عدم الاشتراط لما عرفت أنّ ليس هنا التزام زائد، و حكمه هنا حكم الأجزاء.

إذا كان الأصل المزبور غير جار، فهنا أصلان:

ألف: أصالة عدم ورود العقد على الموصوف بالوصف المفقود و هو غير نافع للبائع، لأنّ اللزوم ليس من آثار هذا العدم، بل هو من آثار ورود العقد على الموجود الفاقد، و اثبات هذا بنفي ذاك أشبه باثبات أحد الضدين بنفي الآخر.

ب: الأصل عدم ورود العقد على الموجود الفاقد، و بما أنّ وروده على الموجود الفاقد موضوع للزوم، فيكون منفيّا بنفي موضوعه، و يكون الأصل المنقّح للموضوع حاكما على أصالة اللزوم.

و هذا ما يرومه الشيخ في المقامين و إليك عبارته هناك:

انّه ليس إنشاء مستقلّا حتى يدفع عند الشك بالأصل. بل المراد إيقاع العقد على العين الملحوظ كونها متّصفة بهذا الوصف، و ليس هنا عقد على العين، و التزام بكونها متّصفة بذلك الوصف فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه، نظير الأجزاء، لا شرط ملتزم في العقد فحينئذ يرجع النزاع إلى وقوع العقد «على ما ينطبق على الشي ء الموجود حتى يلزم الوفاء و عدمه، و الأصل عدمه، و دعوى معارضته بأصالة عدم وقوع العقد» على

المختار في أحكام الخيار، ص: 321

العين المقيّدة بالوصف المفقود، ليثبت الجواز «1» مدفوعة بأنّ عدم وقوع العقد على العين المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع إلّا بعد إثبات وقوع العقد على العين غير المقيّدة بأصالة عدم وقوع العقد على المقيّدة و هو غير جائز كما حقق في الأصول.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ المرجع في تمييز القيد عن الوصف هو العرف فلو كان الوصف مقوّما للمبيع يتلقّاه قيدا، كالقطن بالنسبة إلى الحديد، و إلّا فيتلقّاه شرطا كالعربية في الفرس سواء كان التعبير في الموردين بلفظ الوصف أو بلفظ الشرط، و بما أنّ الأوصاف المتخلّفة في المقام من قبيل الثاني، يتلقّاه العرف شرطا لا قيدا اللّهمّ إلّا إذا أحرزت عناية المتعاقدين على جعل ما يتلقّاه العرف شرطا لا قيدا للمبيع، و هو خارج عن محل البحث.

و الذي يعرب عن ذلك أنّ الشيخ أجاب بمثل ذلك عن اشكال المحقّق الأردبيلي حيث أشكل على صحّة البيع بأنّ المعقود عليه مغاير للموجود، و هو غير معقود عليه، فقال: و يضعّف بأنّ محل الكلام في تخلّف الأوصاف التي لا توجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا ...

و ثانيا: افترضنا أنّه من باب التقييد، و لكن إذا شككنا في أخذه في

المبيع فالأصل عدمه، كما إذا شككنا أنّ الواجب هو الرقبة أو هي بقيد الايمان، فالأصل عدمه من غير فرق بين التكاليف الشرعية و الأمور الوضعية فإذا علمنا ورود العقد على هذا الشي ء الخارجي، و شككنا في وروده عليه مطلقا أو مقيّدا، فالأصل عدم وروده على المقيّد، و بالجملة: الشك في كلفة زائدة على البائع و الأصل عدمها.

______________________________

(1)- المتاجر: 199 طبعة تبريز، المراد من الجواز في العبارة، هو المضي المرادف مع اللزوم، و إلّا فاللازم، التعبير عنه باللزوم كما يخفى، و قد نقل المامقاني في تعليقته غاية الآمال/ 471 على المقام أنّ العبارة من قوله: «على ما ينطبق على الشي ء الموجود» إلى قوله: «وقوع العقد» مضروبة عليها في نسخة الشيخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 322

و ثالثا: قد عرفت أنّ مقتضى الأدلّة الاجتهادية عند القوم هو كون الأصل في البيع اللزوم، كما أنّه مقتضى طبع العقد، و إن لم يكن هناك دليل عليه، فعلى ذلك فمدّعي اللزوم لا يحتاج إلى دليل لوجود الدليل الاجتهادي معه، و إنّما المحتاج إليه هو مدّعي الخيار، و لكن الشيخ جعل الأمر على العكس بحجّة أنّ الأصل عدم ورود العقد على الموجود بهذا الوصف (الفاقد)، فعلى ذلك يجب عليه أن يقدّم قول مدّعي الاشتراط في كل مورد بتلك الحجة، و أنّه لا بد في إحراز كون الموجود تمام ما وقع عليه العقد و هو كما ترى.

بقيت في كلامه اشكالات أخرى تعرّض لها المشايخ في تعاليقهم، فلاحظ.

خيار الرؤية لا يختص بالبيع:

هل يختص خيار الرؤية بالبيع أو يعم كل عقد واقع على عين شخصية موصوفة كالصلح و الاجارة، فلو قلنا بأنّه على خلاف القاعدة ثبت تعبّدا بصحيحة جميل، يختصّ بالبيع، و أمّا لو قلنا بكونه على

وفاقها، و أنّه لأجل التعهّد الضمني فهو يعم البيع و غيره إذا كان العقد مبنيا عليه. و مثله لو قلنا بأنّ مدركه حديث نفي الضرر كما لا يخفى.

مسألة: لو نسج بعض الثوب فهل له بيعه على أن ينسج الباقي كالأوّل؟

أقول للمسألة صور:

1- أن يتوارد العقد على ثوب شخصي، مع تحقّق بعضه دون البعض الآخر، و لا شك أنّه باطل لأنّ مقتضى كون المبيع شخصيا، كونه موجودا في الخارج بتمامه و المفروض خلافه.

2- أن يتوارد العقد على المقدار المنسوج بشرط أن ينسج الباقي بهذا المنوال

المختار في أحكام الخيار، ص: 323

من الغزل المعيّن أو الكلّي و لا اشكال في صحّته، غاية الأمر لو تخلّف و لم ينسجه أصلا، أو نسجه لا على هذا المنوال يكون له خيار تخلّف الشرط.

3- أن يكون المبيع المقدار المنسوج مع أذرع معلومة منسوجة على هذا المنوال، بحيث يكون من قبيل ضم الكلّي إلى الشخص، فلو تخلّف فله الخيار في المنسوج لتبعّض الصفقة.

و قد نقل البطلان عن الشيخ في المبسوط، و ابن سعيد في الجامع، و القاضي في المهذّب، و إليك عبارة الأخير: فانّ ما شاهده من المنسوج، البيع فيه لازم من غير خيار الرؤية، و ما لم يشاهده ممّا يتمّم يقف الأمر فيه على خيار الرؤية، و هذا فاسد لأنّه شي ء واحد يجتمع فيه خيار الرؤية و انتفاؤه «1».

يلاحظ عليه: أنّ هنا مبيعا واحدا لا يمكن الحكم عليه باللزوم أو الخيار من جهة خيار الرؤية إلّا بعد تمام العمل فلو كان هناك تخلّف، يكون فيه خيار الرؤية و لو باعتبار وجود التخلّف في بعض أجزائه. كما هو الحال في الضيعة في صحيحة جميل. فيكون التخلّف في جزء المبيع واسطة في

الثبوت على عروض الخيار للمبيع كلّه.

______________________________

(1)- المهذّب: 1/ 352.

المختار في أحكام الخيار، ص: 325

الفصل الثامن خيار العيب

اشارة

دليله.

التخيير بين الردّ و أخذ الأرش.

في مسقطات خيار العيب الخمسة:

أ- إنشاء السقوط قولا و فعلا.

ب- اشتراط الاسقاط في متن العقد.

ج- التصرّف في المعيب.

د- تلف العين.

ه- حدوث العيب عند المشتري.

في سقوط الأرش دون الردّ.

المواضع التي يسقط فيها الردّ و الأرش.

في الأحكام الأربعة لاختلاف المتبايعين:

أ- الاختلاف في موجب الخيار.

ب- الاختلاف في موجب الخيار.

ج- الاختلاف في المسقط.

د- الاختلاف في الفسخ.

الكلام في تفسير العيب.

هل يعتبر في صدق العيب النقص المالي؟

المختار في أحكام الخيار، ص: 327

خيار العيب

[تعريف خيار العيب]

و هو آخر الخيارات التي طرحها الشيخ في المقام و هو أمر اتفق عليه العقلاء و لم ينقل عن أحد من الفقهاء خلافه. فجواز الفسخ موضع وفاق و إن كان أخذ الارش موضعا للخلاف بيننا و بين الشافعي، قال الشيخ: إذا حدث بالمبيع عيب في يد البائع، كان للمشتري الردّ و الامساك، و ليس له اجازة البيع مع الارش، و لا يجبر البائع على بذل الارش بلا خلاف فإن تراضيا على الارش كان جائزا و به قال ابن سريج! و ظاهر مذهب الشافعي أنّه لا يجوز (أخذ الارش) «1».

و قال ابن قدامة: إنّه متى علم بالمبيع عيبا، لم يكن عالما به، فله الخيار بين الامساك و الفسخ، سواء كان البائع علم العيب و كتمه أو لم يعلم. لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا و اثبات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب و لأنّ مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب «2».

و قال المحقّق: فإن ظهر به عيب سابق على العقد فالمشتري خاصة بالخيار بين فسخ العقد و أخذ الارش. و سيوافيك الكلام في حكم الارش، و على كل تقدير:

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 109، كتاب

البيوع المسألة 178.

(2)- المغني: 4/ 179.

المختار في أحكام الخيار، ص: 328

اتفق الفقهاء على: «أنّ كل من اشترى مطلقا اقتضى سلامة المبيع من العيب» إنّما الكلام في منشأ هذا الاقتضاء. و فيه أقوال:

1- انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح. و أورد عليه الشيخ، أوّلا: بمنع الانصراف و لذا لا يجري في الأيمان و النذور «1». و ثانيا: عدم جريانه فيما نحن فيه لعدم كون المبيع مطلقا بل هو جزئي حقيقي خارجي. و ثالثا: بأنّ مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا على المعيب فلا معنى لامضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتى يثبت الخيار.

و في بعض ما ذكره نظر، فانّ الانصراف إلى الصحيح، و العقد عليه لا يمنع من امضاء العقد، إذا ظهر معيبا، لأنّه ليس بأقوى من بيع الموصوف إذا تخلّف وصفه، و قد عرفت صحّته، و أنّه من باب تعدّد المطلوب.

نعم يرد على الانصراف بأنّ منشأه هو كثرة الاستعمال، لا كثرة الوجود، و الأوّل غير ثابت اللّهمّ إلّا أن تكون في المعاوضات قرينة حالية على الانصراف.

2- إنّ وصف الصحّة قد أخذ شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة فيها، و إنّما استغنى عن ذكر وصف الصحّة لاعتماد المشتري في وجودها على الأصل كالعين المرئية سابقا، حيث يعتمد في وجود أصلها أو صفاتها على الأصل.

يلاحظ عليه: وجود الفرق بين صفات الكمال و صفات الصحّة، فبما أنّ الأولى ليست مقتضى الخلقة الذي يشير إليه قوله سبحانه: الَّذِي خَلَقَ فَسَوّٰى (الأعلى/ 2) تقع موردا لعناية المتعاقدين و لا يغافل عنها الانسان فيذكرها قبل العقد، فيكون السكوت حين العقد مع الاشتراط قبله، دليلا على التعهّد

______________________________

(1)- و في الجواهر، أضاف الوصايا.

المختار في أحكام الخيار، ص:

329

الضمني، و هذا بخلاف صفات الصحّة و لأجل كونها من لوازم الخلقة غالبا، تكون مغفولا عنها حين العقد، و- معه- كيف يصحّ لنا القول بأنّ وصف الصحّة أخذ شرطا في العين.

3- إنّ أصالة الصحّة في الأشياء الطبيعية و الصناعيّة أصل مسلّم بين العقلاء، التي أخبر عنها الوحي، و اتفق عليها العقلاء من طريق التجربة فصارت أصلا معتمدا بين العقلاء في معاملاتهم و عقودهم، و مرتكزة للأذهان في مبادلاتهم و معاوضاتهم، و إن لم يكن كذلك في غير ذلك المجال كالوصايا و الأيمان و النذور، فلو تخلّف، لا يلزم المتخلّف عليه بالوفاء بعهده (كدفع الثمن)، لأنّ الموجود، غير المعهود عليه إلّا إذا سمح و رضى بالفاقد و اكتفى من المطلوب بالدرجة الوسطى، لا القصوى.

و أمّا دفع الغرر بمعنى الخطر، فالرافع له، إمّا هو الاطمئنان بالوصف كالاطمئنان بالموصوف، أو الاعتماد على الظروف السائدة و السلطة القضائية الحامية للحقوق.

و بذلك يظهر الفرق بين خيار شرط الصحّة، و خيار العيب فالأوّل مستند إلى ذكرها في متن العقد، بخلاف الثاني، فهو مستند إلى أصل عقلائي معتبر في المعاوضات.

كما يظهر أنّ ذكر شرط الصحّة في متن العقد يحدث خيارا مستقلّا لو بان الخلاف لما عرفت من تغاير الملاكين، نعم ربّما استدلّ على خلافه و أنّه لا يفيد سوى التأكيد، برواية يونس: «في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء، فلم يجدها عذراء، قال: يرد عليه فضل القيامة» «1» وجه الدلالة أنّ المتبادر من الحديث، هو

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 6، من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 330

ايجاد الحدث في الجارية بنحو من الانحاء، و من جانب أنّ خيار الشرط لا يسقط بالتصرّف بخلاف خيار العيب

فإنّه يسقط به- كما سيوافيك- فلو كان الاشتراط موجبا لحدوث خيار آخر، غير خيار العيب، لما اقتصر الإمام بذكر الارش، و ذكر خيار الردّ.

و ربما يقال: إنّ الاستدلال مبني على أمرين:

1- دلالة قوله: «على أنّها عذراء» على الاشتراط.

2- دلالة قوله: «فلم يجدها عذراء» على التصرّف.

و كلاهما غير ثابت و لعلّ المقصود من الأوّل، كونه بانيا على أنّها عذراء، لكونها موافقة للأصل، كما أنّ المراد من الثاني الاختبار بالنساء أو بغيرهن.

يلاحظ عليه، أوّلا: أنّهما خلاف الظاهر، و ثانيا: أنّ ما ذكر غير دافع للاشكال عن الحديث، إذ لسائل أن يسأل لما ذا اكتفى الإمام بأحد الشقّين من الخيار و لم يذكر حقّ الردّ، لأنّ المفروض عند المجيب عدم حدوث حدث يسقط خيار الردّ في المعيب.

و الأولى أن يقال: إنّ الرواية ليست بحجّة لأنّ يونس لم يسندها إلى المعصوم و لعلّها كانت رأيه.

التخيير بين الرد و أخذ الارش:

إذا ظهر العيب السابق على العقد أو القبض، فالمشهور بين الأصحاب كون المشتري بالخيار بين فسخ العقد، و أخذ الارش، و وصفه في الجواهر بكونه إجماعيا محصلا و محكيا مستفيضا، صريحا و ظاهرا. و تحقيق المطلب يحتاج إلى البحث عن أمور:

المختار في أحكام الخيار، ص: 331

الأوّل: ما هو الرائج بين العقلاء عند ظهور المبيع معيبا؟!

الرائج بينهم هو كون المشتري مستحقّا للردّ و أخذ الثمن، و أمّا كونه مخيّرا بينه و بين الامساك مع الارش، و أنّه يجب على البائع قبول أيّ فرد اختار، فليس بظاهر منهم، نعم لو امتنع و لم يمكن ردّه بوجه من الوجوه، كان له عليه الارش، فليس أخذ الارش في عرض جواز الردّ، نعم لو تراضيا على الارش، فلا مانع فيه إنّما الكلام في أنّ للمشتري إجباره بالارش و

إن لم يكن راضيا به أو لا.

الثاني: انّ المشهور بين الأصحاب، هو التخيير و أمّا كونه أمرا إجماعيا فلا، أمّا الشيخ فقد خالف الحكم في الخلاف «1» و المبسوط فقال في الثاني: «فيما إذا باع المشتري، المعيب قبل علمه بالعيب»: و أمّا لو باعه قبل العلم بالعيب ثم علمه فإنّه لا يمكنه الردّ لزوال ملكه و لا يجب أيضا له الارش، لأنّه لم ييأس من ردّه (المشتري الثاني) على البائع (المشتري الأوّل) فإن ردّه على المشتري الأوّل و استرجع الثمن فإنّ المشتري الأوّل يردّه على البائع أيضا «2».

و العبارة ظاهرة في أنّ الارش في موضع اليأس من امكان الردّ لا مطلقا.

و يظهر الخلاف من ابن البراج فيما إذا اشترى دنانير بدراهم معيّنة: فإذا كان العيب من جنسه مثل أن يكون فضّة خشنة أو ذهبا خشنا أو تكون السكّة فيه مضطربة مخالفة لسكّة السلطان فذلك عيب و هو مخيّر بين الردّ و استرجاع الثمن، و بين الرضا به و ليس له المطالبة ببدل لأنّ العقد تناول عينه و وقع عليها و لا يجوز له إبداله «3».

______________________________

(1)- مرّ نصّ الخلاف في صدر المسألة.

(2)- المبسوط: 2/ 131.

(3)- المهذب 1/ 366.

المختار في أحكام الخيار، ص: 332

ترى أنّه ذكر حكم الابدال، و لم يذكر الارش، و بما أنّ العوضين غير متجانسين لا يصحّ أن يقال: إنّ عدم ذكره لأجل استلزام أخذ الارش الربا، فإنّه إنّما يلزم لو كان العوضان متجانسين لا مختلفين كما هو المفروض في كلامه.

نعم يظهر الخيار بين الأمرين عن كثير من الأعلام نذكر المتقدّمين منهم:

1- قال المفيد: فإن كان المبيع جملة و ظهر العيب في بعضه، كان للمبتاع أرش العيب في البعض الذي وجده فيه، و

إن شاء ردّ جميع المتاع و استرجع الثمن و ليس له ردّ المعيب دون سواه «1».

2- قال الشيخ: من اشترى شيئا على شرط الصحّة و السلامة ثمّ ظهر له فيه عيب، له أن يرد المتاع و يسترجع الثمن إن شاء أو يطالب بالأرش بين قيمة المتاع صحيحا و بينه معيبا و ليس للبائع عليه خيار «2».

3- و قال سلّار: فإذا باع على الصحّة و ظهر عيب، فالمشتري بالخيار إن شاء ردّه بالعيب و إن شاء أخذ ارشه، و لم يردّه و لا خيار للبائع «3».

4- و قال ابن حمزة: و إن ظهر (العيب) بالبعض، لم يكن له ردّ المعيب دون غيره فإن شاء ردّ الجميع و استرد الثمن و إن شاء أخذ الأرش و هو ما بين قيمته صحيحا و معيبا «4».

5- و قال ابن إدريس: ....... كان المشتري بين خيرتين: ردّ المتاع و استرجاع الثمن أو الإمساك و المطالبة بالارش «5».

______________________________

(1)- المقنعة: 597.

(2)- النهاية: 392.

(3)- المراسم: 175.

(4)- الوسيلة: 256.

(5)- السرائر: 2/ 296.

المختار في أحكام الخيار، ص: 333

و على ذلك جرى الأصحاب في العصور المتأخّرة و هو غير خفي على من راجع الشرائع و الروضة و غيرهما.

الثالث: ما هو مقتضى الأدلّة الشرعية، قد استدل على القول المشهور، بحديث الضرر و الضرار، و هو لا يثبت تمام المقصود، لأنّ الضرر كما يندفع بدفع الأرش، يندفع بالفسخ و أخذ الثمن، و أمّا كون الخيار بيد المشتري دون البائع فلا يثبته نفي الضرار.

و أمّا الفقه الرضوي فإليك نصّه: فإن خرج في السلعة عيب و علم المشتري، فالخيار إليه:

1- إن شاء ردّها. 2- و إن شاء أخذها. 3- أو ردّ عليه القيامة مع أرش العيب «1» و ظاهر

العبارة أنّه مخيّر بين الأمور الثلاثة، و تحتمل زيادة «الهمزة» و الصحيح هو «الواو» فيكون مخيّرا بين الأوّل و الثالث، و لكنّه غير صالح للاستدلال و إنّما يصلح للتأييد. و قد أوضحنا حاله و قلنا: إنّه ليس تأليفا للإمام و إنّما هو عبارة عن كتاب «التكليف» للشلمغاني، أو رسالة والد الصدوق إلى ولده.

و أمّا الروايات الواردة فليست صريحة و لا ظاهرة فيما عليه المشهور، و هي على مضامين:

1- ما يدلّ على التفصيل، بين بقاء المبيع على ما هو عليه و عدمه، بالارش في الثاني، و الردّ في الأوّل، نحو مرسلة جميل: عن أحدهما- عليهما السلام-: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا؟ فقال: إن كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع

______________________________

(1)- المستدرك: ج 13 الباب 12 من أبواب الخيار، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 334

بنقصان العيب «1».

2- ما يدلّ على أنّ التصرّف مانع عن الردّ و يأخذ الارش، نحو صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال علي- عليه السلام-: لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها «2».

3- ما يدل على الردّ عند ظهور العيب، نحو صحيح ميسر عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قلت له: رجل اشترى زقّ زيت فوجد فيه درديّا، قال: فقال: إن كان يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت لم يردّه، و إن لم يكن يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه «3».

و أمّا ما رواه السكوني «4» عن علي- عليه السلام- فهو يتضمّن جواز

تبديل الربّ الموجود في السمن به، و لا صلة له بما نحن فيه، أضف إليه: أنّ المضمون على خلاف القاعدة، لأنّ المعاملة كانت شخصية فكيف يجب عليه تبديل الربّ بالسمن إلّا بتأويل مرّ ذكره سابقا.

نعم روى الحسن بن عطية عن عمر بن يزيد قال: كنت أنا و عمر بالمدينة فباع عمر جرابا هرويا كل ثوب بكذا و كذا فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوبا فيه عيب، فقال لهم عمر: أعطيكم ثمنه الذي بعتكم به، قالوا: لا و لكنّا نأخذ قيمة

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1. لاحظ روايات هذا الباب و الحديث 1 من الباب 6 من هذه الأبواب.

(3)- المصدر نفسه: الباب 7 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1.

(4)- المصدر نفسه: الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 335

الثوب، فذكر ذلك عمر لأبي عبد اللّه فقال: «يلزمه ذلك» «1» و الرواية أجنبية عن فتوى المشهور، بل تدلّ على أنّ البائع رضي أن يقبل خصوص الثوب المعيب و يدفع الثمن الذي باع به و هو و إن كان موجبا لتبعّض الصفقة على البائع لكنّه رضى بذلك، و لكن المشتري طلب القيامة السوقية له إن كان صحيحا. فأجاب الإمام بأنّه يلزم المشتري، أو يلزم هؤلاء المشترين ذلك أي أخذ الثمن، لا القيامة، لأنّ مقتضى الفسخ أخذ الثمن لا القيامة، و تظهر الفائدة فيما إذا كان الثمن أقل من القيامة.

و بذلك ظهر أنّه ليس في روايات الباب ما يؤيد فتوى المشهور، و قد اعتمد السيد الأستاذ- قدّس سرّه- على الشهرة الفتوائية لكنّها إنّما تكون دليلا لو كشفت عن إعراضهم عن هذه الروايات، و هو غير

ثابت، فالقول المشهور لا يخلو عن غموض، و كون الأرش مختصّا بما إذا لم يمكن الردّ هو الأحوط لو لم يكن الأقوى.

و أوّل من تنبّه لذلك المحقّق الأردبيلي في شرح الارشاد ثمّ صاحب الحدائق «2» و هو في محله.

و ربّما يبذل الجهد لإثبات كون فتوى المشهور موافقة للقاعدة.

أمّا الارش فلأنّ وصف الصحّة الفائتة بمنزلة الجزء الفائت فكما أنّ في الجزء الفائت يسترجع مقدار ما يقابله فكذا في الوصف.

و أمّا الردّ فلتبعّض الصفقة، لأنّه إذا كان الوصف بمنزلة الجزء فتسليمه

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام الخيار، الحديث 1. و في نسخة الفقيه «يلزمهم ذلك». لاحظ في شرح الرواية روضة المتقين: 7/ 93، و مرآة العقول: 3/ 403.

(2)- الحدائق: 19/ 63.

المختار في أحكام الخيار، ص: 336

بلا وصف، بمنزلة تسليم بعض المبيع. و على ضوء هذا، فله الردّ لذلك، و له الامضاء بمقدار ما يقابل الموصوف و استرداد ما يقابل الثمن.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره لا يتجاوز عن كون كلّ، موافقا للقاعدة، و أمّا أنّ الخيار بيد المشتري و له إجبار البائع بكل واحد منهما و إن لم يرض بالارش بل و رضى بالردّ فقط، فلا يثبت بما ذكر، فانّ له أن يعترض و يقول بأنّ بيع ذات الموصوف بما قابل من الثمن كان مشروطا بصحّة البيع في الجزء الآخر، و لما بطل- و لو عن تقصير البائع- فلا يصحّ التقسيط بلا رضا البائع، بل أقصى ما يجوز هو الردّ و أخذ الثمن، و أمّا الشق الآخر فيتوقّف على رضا البائع.

و أورد عليه الشيخ، بوجهين:

1- منع تنزيل الوصف منزلة الجزء عرفا و شرعا، و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن، بل

كان الثابت بفواته مجرّد استحقاق المطالبة، بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله.

2- منع كون الجزء يقابل بجزء من الثمن إذا أخذ وجوده الشخصي على وجه الشرطية كما في بيع الأرض على أنّها جربان معينة فبانت أقل، و ما نحن من هذا القبيل.

أقول: المهم هو الوجه الأوّل- و سيوافيك تحليله- و أمّا الوجه الثاني فغير تام، لما عرفت غير مرة من أنّ هذه الدقائق العقلية غير مطروحة للعرف فلا يفرّق بين الاتيان بالجزء بصورة الجزء، أو الاتيان به بصورة الشرط، إذ الملاك عندهم هو المقاصد و الأغراض دون التعابير و الألفاظ، فالجزء عندهم جزء و إن عبّر عنه بلفظ الشرط.

المختار في أحكام الخيار، ص: 337

و يدلّ على ما ذكرنا رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّه: في رجل باع أرضا على أنّها عشرة أجربة فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده و نقد الثمن و وقع صفقة البيع و افترقا، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة، قال: إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء ردّ البيع و أخذ ماله كلّه ... «1» ترى أنّ الإمام حكم بردّ ما قابل الناقص، مع وروده شرطا لا جزءا.

و أمّا الأوّل: فلا شك أنّ الجزء غير الوصف، و هما غير الشرط، و لكل موقف خاص في المبيع فلا ينقلب الجزء شرطا و إن أتى بلسانه، و لا الشرط جزءا و إن عبّر عنه بلسان الجزء لكن ذلك لا يمنع عن صحّة تقسيط الثمن على كل من الأجزاء و الأوصاف و الشروط، من غير فرق بين وصف الصحّة و وصف الكمال فلا حاجة في تصحيح التقسيط على تنزيل الوصف منزلة الجزء، بل تكفي فيه كونه

مؤثرا في غلاء المبيع و خلافه، حتى مثل الغلاف و زمان التسليم و مكانه و هذا كاف في صحّة التقسيط.

و أمّا عدم بطلان البيع فيما قابله من الثمن بل كان الثابت بفواته مجرّد استحقاق المطالبة، فهو- على فرض تسليمه- من خصائص ما يقسّط عليه الثمن، فلو استقلّ بالوجود كالأجزاء كان المناسب البطلان لأنّ كل جزء من الثمن يقع في مقابل جزء من المبيع بالحس و العيان، و إن كان غير مستقل بالوجود، فيكون هناك عند التخلّف حق التقسيط، لا فعليته حتى يبطل البيع فيما يقابله و إنّما يصير فعليا إذا رضي بالموجود، فيستردّ ما قابل الفائت.

و بذلك يظهر الخلل فيما ذكره السيد الطباطبائي- قدّس سرّه- من أنّ لازم

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 14 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 338

التقسيط كون الأرش ثابتا من أوّل الأمر فيكون الامضاء بلا أرش من باب الإبراء و الهبة «1».

وجهه: هو التفريق بين الأجزاء و غيرها ففي الأوّل، التقسيط فعلي، و في الآخر شأني، و ليس هنا إلّا الاستحقاق فإمضاء البيع بلا أرش، إعراض عن إعمال الحق لا هبة و لا ابراء كما لا يخفى، و ما هذا إلّا خصوصية في نفس ما يقسّط عليه.

ثمّ إنّه على القول بالتخيير بين الردّ و الارش، يشكل التعبير عنهما بكلمة الخيار لأنّه كما سبق عبارة عن حق إزالة العقد و اقراره، و الأرش خارج عنهما.

و يمكن أن يقال: إنّ الارش شرط لأحد الشقّين، أعني: الإقرار، فهو في سائر الموارد بالمجانّ و في المقام بشرط أخذ الارش، و ما هو المفهوم من الخيار، هو حق الازالة و الاقرار و أمّا كونه بالمجانّ و عدمه فإنّما يفهم من الخارج

و بفضل الروايات.

و بذلك يظهر أنّ هنا حقّا واحدا متعلّقا بالعقد، فللمشتري السلطة على العقد، بالازالة و الاقرار بالارش و متعلّق الحق (السلطة) هو العقد، و مفهوم السلطة كوجودها تطلب لنفسها الطرفين، الهدم و عدمه.

و بذلك يظهر النظر فيما أفاده- سيدنا الأستاذ-- قدّس سرّه- في المقام، حيث تصوّر أنّ في القول بوحدة الحق إشكالا عقليا، فذهب إلى أنّ هنا حقّين فعليين، لا يصحّ الجمع بينهما في مقام الاستيفاء «2» فلاحظ كلامه.

______________________________

(1)- التعليقة: 67.

(2)- الخيارات: 5/ 12- 13.

المختار في أحكام الخيار، ص: 339

الظهور كاشف لا شرط شرعي:

لا شك أنّ السبب للخيار، هو العيب، إنّما الكلام في أنّ ظهوره هل هو كاشف عقلي عن الخيار من زمان العقد، أو شرط شرعي لتأثير السبب «1»، ذهب الشيخ إلى الوجه الأوّل قائلا بأنّ استحقاق المطالبة بالارش الذي هو أحد طرفي الخيار، لا معنى لثبوته بظهور العيب بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحّة.

يلاحظ عليه: أنّه لا شكّ أنّه يستحقّ الارش بانتفاء وصف الصحّة لا بالظهور، لكنّه لا ينافي كون الظهور شرطا، و بعبارة أخرى: كون السبب- بمعنى المقتضى- نفس العيب، لا ينافي توقّف التأثير الفعلي على الظهور.

و الأولى الاستدلال عليه بنحو ما مرّ في خيار الغبن من أنّ الظهور أو ما يعادله في الروايات أخذا طريقا لا موضوعا و هو المتبادر منه في سائر الموارد، لأنّ الأخذ موضوعا يحتاج إلى القرينة.

هذا إذا كان المصدر للخيار هو الروايات و أمّا إذا كان قاعدة الضرر أو التعهّد الضمني فالملاك هو الضرر الواقعي، أو التخلّف الواقعي، و هو موجود من أوّل الأمر، و على هذا يرتب عليه آثاره من أوّل الأمر من الانفساخ بالفسخ- معلّقا على وجود العيب- و السقوط بالاسقاط قبل الظهور.

و لو

شككنا، فمقتضى القاعدة نفي جميع آثار الخيار من الفسخ و السقوط و حتى اشتغال ذمة البائع بالارش قبل الظهور، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- عنوان البحث بما ذكرنا أولى من عنوان الشيخ حيث قال: ظهور العيب مثبت للخيار (أي سبب له) أو كاشف عنه. و ذلك لأنّه لا يتوهّم أحد في أنّ الظهور سبب، بل الاتفاق على أنّ السبب هو العيب الحاصل، إنّما الكلام في شرطية الظهور أو كاشفيته، فلاحظ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 340

عموميّة الخيار للثمن:

إذا قلنا في معيب المبيع بما هو المعروف لدى العقلاء، من الردّ أوّلا، و الارش عند عدم إمكانه ثانيا، فحكم المثمن و الثمن واحد مضافا إلى قاعدة لا ضرر، وجود التعهد الضمني فيه كالمبيع، و أمّا إذا قلنا بمقالة المشهور من كون الارش، في عرض الردّ، لأجل الروايات، فتعميم الحكم إلى الثمن يحتاج إلى دليل مع اختصاص الروايات الواردة للمبيع و خلو الفتاوى عنه، اللّهمّ إلّا أن يحمل المبيع على مطلق العوض. أو يقال: إنّ ذكره من باب المثال و كونه واردا مورد الغالب لأنّ الغالب كون الثمن نقدا و المثمن متاعا، فيكثر فيه العيب بخلاف النقد.

إلّا أنّ الكلام في تمامية الروايات في مدّعى المشهور و قد عرفت ما فيها.

و هل يجري في سائر المعاوضات من الصلح و الاجارة و نحوهما أو لا؟ يظهر الحال فيها ممّا ذكرنا في مورد الثمن بل التعميم فيها أشكل من الثمن، لامكان التعميم فيه بحمل المبيع الوارد في الروايات على أنّه من باب ذكر المثال، بخلاف البيع فاحتمال الخصوصية أقوى، فالقول بالارش، و اجبار الطرف الآخر عليه في سائر العقود، يحتاج إلى دليل فالأقوى الاكتفاء بالردّ، أخذا بسيرة العقلاء و قاعدة نفي الضرر و التعهّد

الضمني، إلّا إذا انحصر جبر الضرر بالارش.

المختار في أحكام الخيار، ص: 341

في مسقطات خيار العيب

اشارة

يسقط خيار العيب بأمور:

الأوّل: إنشاء السقوط قولا و فعلا:

من مسقطات خيار العيب هو إنشاء السقوط قولا أو فعلا أمّا الأوّل: فهو يختلف حسب سعة دلالة الألفاظ و ضيقها فربّما تكون ظاهرة في سقوط خصوص الردّ دون الارش كما إذا قال: التزمت بالعقد، فانّ الالتزام بالعقد لا ينافي إقرار العقد بالارش، و ربّما تكون صريحة فيه كما إذا قال أسقطت الردّ دون الارش إنّما الكلام إذا قال: أسقطت الخيار، فهل هو ظاهر في سقوط كلا الأمرين، كما عليه الشيخ الأعظم، أو خصوص الردّ، كما هو الظاهر من السيد الأستاذ- قدّس سرّه-؟ و الظاهر هو الأوّل لأنّه بمعنى إسقاط السلطة على الازالة و الاقرار بالارش، و معه لا يبقي شي ء.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 341

فإن قلت: قد فسّر الخيار بالسلطة على إقرار العقد و إزالته، و معه- كيف يفهم منه سقوط الارش، مع عدم دخوله في مفهومه.

قلت: قد سبق أنّه شرط لأحد شقي الخيار و هو الاقرار، و قد دلّ عليه النقل، فلو كانت الملازمة بينهما (الاقرار و أخذ الارش) بمرتبة ينتقل من سماعه إلى الارش، فيكون المفهوم من إسقاط الخيار، هو إسقاط السلطة مطلقا، أي الازالة

المختار في أحكام الخيار، ص: 342

و الاقرار بالارش، و إلّا فيكتفى بسقوط الردّ و الفسخ دون الارش، و على كل تقدير فالمتّبع هو الفهم العرفي في المقام.

هذا كلّه في إنشاء السقوط قولا، و أمّا انشاؤه فعلا فإنّما هو بالتصرّفات الاعتبارية، كالبيع و الهبة و العتق و التدبير و قد ذكره الشيخ تحت عنوان المسقط الثاني، أعني: التصرّف- و سيوافيك أنّه ليس

لنا دليل على أنّ التصرّف بما هو هو مسقط- و إنّما دلّ الدليل على أنّ عدم بقاء العين على حالها مسقط. و التصرّفات الاعتبارية لا تنافي بقاء العين على حالها، لكنّها لما كانت مصداقا لانشاء الاسقاط فعلا من العالم بالعيب مطلقا و من الجاهل إذا كان محتملا للعيب، تكون مسقطة حتى و لو بعد الرجوع إلى ملك المشتري، فالمعيار هنا هو كونه مصداقا لانشاء السقوط فعلا، سواء أبقيت على حالها أم لا، و سيوافيك الكلام على ضوء كلام الشيخ.

الثاني: اشتراط الاسقاط في متن العقد:

و لم يذكره الشيخ، و قد ذكره في سائر الخيارات، و قد مرّ الكلام فيه و أنّه ليس من قبيل إسقاط ما لم يجب.

الثالث: التصرّف في المعيب:

و قد عدّ التصرّف من المسقطات في كلمات جماعة و هل هو مسقط مطلقا سواء أ كان قبل العلم بالعيب أم كان بعده، كان دالّا على الرضا بالعقد أم لا، كان مغيّرا أم لا، أو ليس بمسقط مطلقا، أو مسقط إذا دلّ على الرضا دون

المختار في أحكام الخيار، ص: 343

غيره، أو إذا كان مغيرا دون غيره، أو مسقط في كلتا الصورتين دون غيرهما، هذه احتمالات في بدء النظر. و أمّا الأقوال: فقد اختلفوا فيما هو المسقط، فقيل المسقط:

1- التصرّف الكاشف عن الرضا نوعا و هذا هو الذي استظهره الشيخ من كلمات جماعة و ذكر نصوصهم.

2- التصرّف المغيّر و هو المحكي عن ابن الجنيد، و صريح الشرائع.

3- التصرّف المغيّر قبل العلم، و الكاشف عن الرضا بالعقد بعد العلم و إن لم يكن مغيّرا، و هو خيرة ابن زهرة «1» و اختاره الشيخ الأعظم.

4- التصرّف بعد العلم و أمّا قبله فلا يسقط الخيار، حكي عن الشيخ في المبسوط «2».

5- التصرّف بعد العلم يسقط الردّ و الأرش «3».

6- التصرّف بالعتق يسقط الردّ أمّا الهبة و التدبير فلا يسقطان، و قد حكيا عن المقنعة «4».

هذه هي الأقوال المصطادة من عبارات القوم و كتبهم و المستند في المقام روايتان:

1- خبر زرارة، و وصفه الشيخ الأعظم بالصحّة و لم يعلم وجهه- مع أنّ في سنده موسى بن بكير و هو لم يوثّق في الكتب الرجالية الأصلية-: عن أبي جعفر

______________________________

(1)- المختلف: 195، الفصل الحادي عشر من كتاب التجارة.

(2)- الجواهر: 23/ 239.

(3)- الوسيلة: 257.

(4)- الجواهر: 23/

239.

المختار في أحكام الخيار، ص: 344

- عليه السلام- قال: أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار، و لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا، ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، انّه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1».

2- مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام-: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا، فقال: إن كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ، يرجع بنقصان العيب «2».

و ربّما يتخيّل التعارض بينهما، حيث إنّ الملاك في الأولى، هو احداث شي ء في المبيع، و اطلاقه يشمل المغيّر و غيره مع أنّ الملاك في الثانية هو تغيّر المبيع و عدم بقائه على ما كان عليه في حال العقد.

و يرتفع التعارض بما ذكرنا في خيار الحيوان من أنّ المراد من إحداث الحدث في الروايات، هو ايجاد التغيّر في المبيع، لا مطلق التصرّف، كالأمر بغلق الباب و تعليف الدابة و سقيها، أو ركوبها إلى البيت أو غير ذلك من التصرّفات التي تبقى معها العين على ما كانت عليه، و قد ذكرنا الشواهد على ذلك فراجع، و على ضوء هذا فالروايتان تشيران إلى معنى واحد و إن شئت قلت الثانية تفسّر الأولى.

و الذي يؤيّد ذلك (أنّ مطلق التصرّف غير مسقط) ما في صحيح دواد بن فرقد قال: «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 2.

(2)-

المصدر نفسه: الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 345

عنده حتى مضى لها ستّة أشهر، و ليس بها حمل فقال: إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب تردّ منه» «1» فإنّه من البعيد أن لا يتصرّف فيها المشتري، باللمس و غيره، أضف إلى ذلك: أنّه لو كانت مثل هذه التصرّفات مسقطة، يلزم أن لا يكون الوطء مسقطا، لسبق هذه الأمور عليه مع تضافر الروايات على أنّه من المسقطات «2».

فإن قلت: إنّ الإمام- عليه السلام- قد عدّ في صحيحة علي بن رئاب بعض التصرّفات غير المغيّرة من أقسام إحداث الحدث كاللمس و التقبيل و النظر إلى ما يحرم عليه قبل الشراء، فكيف يصحّ لنا تخصيص إحداث الشي ء الوارد في خبر زرارة بالتصرّف المغيّر.

قلت: قد تقدم منّا في خيار الحيوان أنّ ما جاء فيها تعبّد من الإمام و يختصّ بباب خيار الحيوان لخصوصية في الأمة لا غير، و لا يعمّ باب خيار العيب لما عرفت في صحيحة داود بن فرقد، و غيرها.

فتلخص من ذلك أنّ المسقط- حسب ما تعطيه الروايتان- هو المغيّر فهو مسقط مطلقا، سواء كان قبل العلم أو بعده، كشف عن الرضا نوعا بالعقد أم لا، و اختصاص خبر زرارة بما قبل العلم لا يضر مع إطلاق مرسلة جميل، على أنّه إذا كان مسقطا قبل العلم، يكون مسقطا بعده بطريق أولى.

و بما أنّ الموضوع في مرسلة جميل هو بقاء العين و عدمه، فيعم ما إذا استند عدم البقاء إلى أمر سماوي، أو شخص ثالث، و كون الوارد في خبر زرارة هو إسناد الحدث إلى المشتري لا يضر بالمقصود بعد مساعدة العرف في هذه المقامات

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 3

من أبواب أحكام العيوب 1.

(2)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 346

على أنّ الموضوع «تبدّل العين» و انّ الاسناد إلى المشتري لكونه الغالب لا أنّه دخيل.

و على ضوء ذلك، يكون المسقط الثاني: تغيّر العين بأي سبب كان، و عدم بقائها على ما كانت عليه حال العقد لا التصرّف كما هو الوارد في كلمات القوم خصوصا المتأخّرين.

و على هذا فما هو المسقط هو عدم بقاء العين، و أمّا التصرّف غير المغيّر، كبيع المبيع و هبته و عتقه، فليس بمسقط إلّا لأجل كونه إنشاء فعليا للاسقاط- كما مرّ- و لا ينحصر فيها بل يعمّ ما لو قام المشتري بأمر يعد عرفا كونه مصداقا للاسقاط كما إذا عرض المبيع المعيب للبيع أو بنى اصطبلا للحيوان أو غير ذلك.

فإذا كانت هذه الأمور إنشاء للاسقاط فلو عاد إلى ملكه ثانيا، لا يجوز له الردّ و إن كانت العين باقية. من غير فرق بين العتق و البيع و غيرهما.

نعم من جعل المسقط هو التصرّف صحّ له البحث عن عموميته لهذه التصرّفات و عدمها، و أمّا على المختار من أنّ التصرّف ليس بمسقط رأسا، و إنّما هو إمّا داخل تحت المسقط الثالث (التصرّف في العين إذا كان مغيّرا) أو تحت الأوّل:

(إنشاء السقوط) فأحكام هذه التصرّفات الاعتبارية واضحة.

الرابع: تلف العين:

و قد ادّعى الاجماع على كونه مسقطا أو ما يكون كالتالف و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

المختار في أحكام الخيار، ص: 347

1- مفهوم الجملة الشرطية الواردة في مرسلة جميل حيث قال: «إن كان الثوب قائما بعينه ردّه على صاحبه» فكما أنّه يصدق بانتفاء المحمول كما إذا كان الثوب موجودا لكن غير قائم بحاله، فهكذا يصدق بانتفاء الموضوع بتلف

الثوب رأسا فيصدق أنّه غير قائم بعينه.

و أورد عليه السيد الأستاذ- قدّس سرّه- بأنّه إنّما يتم لو كان المفهوم «إن لم يكن الشي ء قائما بعينه» و أمّا إذا كان المفهوم قضية معدولة «إن كان الثوب غير قائم بعينه» أو سالبة مع حفظ الموضوع فلا، و الموافق للعرف في الشرطيات وقوع الشرط في عقد الاثبات و النفي على موضوع ملحوظ مفروض التحقّق فيخرج مثل التلف الحقيقي «1».

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من إخراج السالبة بانتفاء الموضوع عن تحت المفهوم و تخصيصه بالمعدولة بانتفاء المحمول دقّة عقلية غير مطروحة للعرف المحكّم في هذه المقامات، و ذكر قطع الثوب أو خياطته في ذيل الرواية لا يقتضي التخصيص.

2- ادّعاء الأولوية فإذا كان التغيّر مسقطا فالتلف أولى به.

يلاحظ عليه: بأنّ سقوط الردّ عند التغيّر إنّما هو لأجل رعاية حال البائع لئلّا يرد عليه المعيب المضاعف، بخلاف المقام، فإنّه مع الردّ يدفع المشتري قيمة العين المعيب و يأخذ الثمن، و هو شي ء سهل لا حرج فيه للطرفين.

3- إنّ الحق في هذا الخيار حسب مفاد الأدلّة تعلّق بردّ العقد و على فرض القول بتعلّقه بالعقد فهو مقيّد حسب أخبار الباب بفسخ العقد بردّ العين،

______________________________

(1)- المتاجر: 5/ 31.

المختار في أحكام الخيار، ص: 348

فسقوط الحق بالتلف و نحوه ليس كونه مسقطا شرعيا بل هو لأجل أنّه لا يمكن الردّ معه فإنّ وجود العين موضوع له.

يلاحظ عليه: أنّ التفريق بين هذا الخيار و غيره، ليس بظاهر و الخيار في الجميع بمعنى واحد، و هو السلطة على حل العقد و اقراره فهو متعلّق بالعقد الباقي، و تفسيره بما ذكر غير ظاهر و أمّا ما هو الوظيفة بعد الحل فإنّما يرجع فيها إلى حكم العقلاء فلو

كانت باقية تردّ نفسها و إلّا فبدلها من المثل أو القيامة و يأخذ الثمن.

و أمّا لفظ الردّ الوارد في مرسلة جميل و غيرها فليس دليلا على أنّه حقّ متعلّق بالعين و إنّما هو لبيان أثر الفسخ، لا لبيان ماهيّة الحق، و الشاهد عليه ما في صحيحة حماد: «إنّ البيع لازم لا يردّها» «1».

4- إنّ المشتري- حسب فتوى المشهور- مخيّر بين الردّ و أخذ الارش، و بما أنّ الثاني في عرض الأوّل، فلمّا امتنع الأوّل، يتعيّن الشق الآخر للتخيير، و لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى ردّ بدل التالف، لأنّه ليس في عرض المبدل.

يلاحظ عليه- مضافا إلى أنّه إنّما يتمّ على مبنى المشهور، لا على ما هو المستفاد من الروايات-: أنّ الشق الأوّل عبارة عن ردّ المبيع، و له درجتان، ردّه بعينه و ردّه بمثله أو بقيمته و ليس ردّ بدل التالف متأخّرا عن أخذ الارش، لأنّه من مصاديق ما هو متّحد معه رتبة فردّ البدل في رتبة أخذ الارش.

فالأولى الاستدلال بالمفهوم لا بهذه الوجوه الاعتبارية.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 7.

المختار في أحكام الخيار، ص: 349

الخامس: حدوث عيب عند المشتري:

اشارة

إنّ حدوث العيب في المبيع على أقسام:

1- حدوثه بعد العقد و قبل القبض.

2- حدوثه بعد القبض في أيّام الخيار للمشتري.

3- حدوثه بعد انقضاء أيّامه.

و المقصود بالبحث هو الصورة الثالثة، و نبحث عن الأوليين استطرادا.

1- حدوثه قبل القبض ضمانا و مانعية:
اشارة

المبيع المعيب السابق على العقد، إذا حدث فيه العيب قبل القبض، يقع الكلام فيه في الأمور التالية:

1- هل ضمانه على البائع أو لا؟

2- هل هو مانع عن الردّ أو لا؟

3- هل هناك خياران أو خيار واحد؟

فنقول: إنّ الضمان على البائع و هو غير مانع عن الردّ بالعيب السابق، و يدل على كلا الحكمين أمران:

1- ارتكاز العقلاء حيث يرون البائع مسئولا عن المبيع كلّا و جزءا و وصفا حتى يسلّمه و لا يرون العيب اللاحق مانعا عن الردّ بل يكون الردّ مؤكّدا لأجل تضاعف العيب.

2- مرسلة جميل و فيها: «يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا ...» ببيان أنّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 350

قوله «يجد فيه عيبا» و إن كان ظاهرا في العيب السابق على العقد، لكن الظهور بدئي، يزول بملاحظة أنّ بعض الأمتعة ربّما يقع الفصل الزمني بين العقد عليه، و تسليمه و اقباضه، و يحدث فيه العيب أيضا، و بما أنّ الرواية في مقام إعطاء الضابطة و أنّ ذكر الثوب و المتاع من باب المثال فيعم قوله: «يجد فيه عيبا» هذا القسم من العيب أيضا، و لأجل ذلك يقوم التجار اليوم بعقد التأمين مع الشركات التأمينية، لجبر الخسارات الواردة على المبيع بين العقد و القبض، و ما هذا إلّا لأنّ بعض المبيعات في معرض التلف و التعيّب في تلك الفترة من غير فرق بين العصر الحاضر و العصور الماضية.

فإذا كان الحديث مطلقا، من حيث العيب السابق على العقد،

و اللاحق به قبل القبض، و من حيث حدوث واحد منهما أو كليهما، يكون الجواب في الجميع واحدا و هو أنّه «انّ المتاع إذا كان قائما بعينه، ردّه على صاحبه و أخذ الثمن»، و تكون النتيجة هو كون الخسارة على البائع، و أنّ العيب الحادث غير مانع عن الردّ بالعيب السابق. و المبيع لأجل حدوث العيب بين العقد و القبض و إن كان غير باق على حاله لكن سيوافيك أنّ المرسلة لا تشمل هذا النوع من التغير، بل تختص بالتغيّرات الحادثة بعد القبض، فانتظر.

و ربّما يستدل بالنبوي الشريف: «كل مبيع قد تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» ببيان أنّ تلف البعض أو الوصف مثل تلف الكل، و المقصود أنّ التلف بأقسامه الثلاثة بعد العقد و قبل القبض يفرض كالتلف قبل العقد، و لازم ذلك الانفساخ في تلف الكل و البعض، و الخيار في حدوث العيب، و ذلك لأنّه لو كان المبيع تالفا كلّه أو بعضه قبل العقد، كان العقد عليه باطلا، فهكذا إذا كان بعده، و لو كان معيبا قبل البيع أو حينه، كان موجبا للخيار، فهكذا إذا كان

المختار في أحكام الخيار، ص: 351

بعده «1».

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ النبوي يتضمّن حكم تلف الكل، لا البعض و لا الوصف، فالحاقهما به يحتاج إلى الغاء الخصوصية أو تنقيح المناط.

و ثانيا: سلّمنا جواز إلحاق تلف البعض أو الوصف بتلف الكل، لكن المتبادر منه بيان خصوص كون الخسارة على البائع، و أمّا أن حكم كل واحد بعد العقد حكمه قبل العقد، فتكون النتيجة هو البطلان في الموردين، و الخيار في مورد طرء العيب، فلا يستفاد منه إذ من المحتمل أن يكون حكم الكل بعد العقد هو

البطلان، لا البطلان في موردين و الخيار في مورد ثالث و إن كان الحكم كذلك في التلف قبله.

و بذلك يظهر عدم صحّة الاستدلال بما دلّ على أنّ تلف المبيع أو بعضه قبل القبض على البائع، كرواية عقبة بن خالد «2» و صحيحة بريد بن معاوية «3» فإنّ أقصى ما يمكن أن يقال: هو الحاق تلف الوصف بتلف الذات كلّا أو بعضا، و أمّا كون الحكم في الأوّلين هو البطلان، و في الأخير الخيار قياسا على حكمهما قبل العقد فلا يستفاد من الحديثين، لأنّ استفادة ذلك التفصيل يحتاج إلى دلالة زائدة لا توجد فيهما. فالأولى الاستدلال بسيرة العقلاء و مرسلة جميل على أنّ الحكم إجماعي كما لا يخفى.

فإن قلت: كيف لا يوجب سقوط الخيار بالعيب السابق مع أنّ مقتضى إطلاق المرسلة أنّ التغيّر بعد العقد و قبل القبض مسقط، و لا يعقل أن يكون

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 76.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 10، من أبواب الخيار، الحديث 1.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 19 من أبواب عقد البيع، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 352

مسقطا للخيار الآتي من قبله، لأنّ العيب سبب لثبوته لا لسقوطه، و أمّا سقوط الخيار الناشئ من السبب السابق فلا مانع منه، بل هو مقتضى دلالتها إطلاقا «1».

قلت: إنّ قوله «فيجد فيه عيبا» و إن كان يشمل العيب القديم و الحادث بين العقد و القبض، على ما عرفت، لكن قوله: «إن كان الثوب قائما بعينه ...» ناظر إلى خصوص التغيّر الحادث عند المشتري أي بعد دخول العين في سلطته و خروج البائع عن مسئوليتها، و جعلها على عاتق الآخر، فعلى هذا يقول الإمام: إنّ جواز الردّ و عدمه يدور مدار بقاء

الشي ء على حاله و على النحو الذي أخذ و عدمه، و لا نظرا لها إلى التغيير الحادث بين العقد و القبض حتى يقال إنّ مقتضى إطلاقها، هو سقوط الخيار بالعيب السابق، بواسطة العيب اللاحق.

و بالجملة: المقصود تغيّره و عدمه بعد القبض و أمّا العوارض الطارئة قبله فليست بصدد بيان حكمها.

إذا عرفت هذا فإليك البحث عن تعدّد الخيار و وحدته.

هل هناك خياران أو خيار واحد؟

إذا كان العيب الحادث لا يؤثّر في سقوط الخيار المسبب من العيب المتقدم على العقد، يقع الكلام في تعدد الخيار و وحدته، و أنّ العيب الحادث يؤكد الخيار السابق أو يحدث فيه خيارا مستقلّا.

لا شك أنّ تعدّد العيب يؤثّر في كثرة الأرش و قلّته، بمعنى لحاظ كل من النقصين و ذلك لأنّ لكل عيب تأثيرا في قلّة الرغبة و نزول السعر،

______________________________

(1)- المتاجر: للسيد الأستاذ قسم الخيارات: 5/ 45- 46.

المختار في أحكام الخيار، ص: 353

إنّما الكلام في أنّ تعدّد العيب هل يؤثّر في تعدّد الخيار أو لا، فنقول إنّه على قسمين:

1- إذا كان العيبان مجتمعين قبل العقد.

2- إذا كانا مترتبين بأن كان أحدهما موجودا قبله و الآخر حدث بينه و بين القبض.

فيقع الكلام في أنّ الفردين من طبيعة واحدة سواء كانا مجتمعين أو مترتبين كالفردين من سببين مختلفين، كالشرط و بيع الحيوان، حتى يتعدّد الخيار، أو لا.

هناك احتمالات:

ألف: التفريق بين فردين من سببين مختلفين فيستقل كل بالخيار، و فردين من سبب واحد، فيكونان داخلين تحت عنوان العيب، فيصير المسبب واحدا كالسبب.

ب: الحكم بتعدّد الخيار مطلقا، كانا من جنس واحد أو من جنسين، كانا مجتمعين قبل العقد أو متفرقين، و تصوّر أنّ تعدّد الخيار أشبه بتحصيل الحاصل، مدفوع بأنّه إنّما يلزم لو لم يكن للتعدّد أثر، و

المشتري ربّما يسقط الخيار المسبب من سبب (الحيوان) دون آخر (الشرط) و ربّما يرضى بأحد العيبين، و يبقى الآخر مؤثّرا في جواز الردّ.

ج: التفريق بين المجتمعين و المترتبين من جنس واحد، فلو كانا مجتمعين قبل العقد فالخيار واحد و لو كانا مترتبين فالخيار متعدّد، و ذلك لأنّهما إذا كانا مجتمعين في زمان واحد، يستند الخيار في نظر العرف إلى الجامع بينهما، أعني:

العيب، فيتّحد الخيار لاتّحاد سببه، بخلاف ما إذا كان مترتبين فالعيب الموجود

المختار في أحكام الخيار، ص: 354

حين العقد، يوجب خيارا، و الحادث بعده، يؤثّر تأثيرا جديدا لعدم كون الاجتماع مانعا عن تأثيره.

د: إنّ المترتبين كالمجتمعين لا يوجبان خيارا جديدا، غير أنّ الفرد الأخير في المترتبين له اقتضاء التأثير فلو ارتفع المانع يكون مؤثّرا فعليا، مثلا إذا أسقط الخيار المستند إلى العيب السابق، ثمّ حدث العيب الجديد، أو أسقطه بعد حدوثه، فلا مانع من أن يكون الحادث مؤثّرا و موجبا للخيار، و حاصل الفرق أنّ كل فرد من المجتمعين يصبح كجزء العلّة، فيؤثّر الجميع و يحدث خيارا واحدا، بخلاف المترتبين الواقعين في زمنين مختلفين، فإنّ كل واحد علّة تامة غير أنّ سبق تأثير الأوّل، يمنع عن تأثيره الفعلي، فإذا ارتفع المانع، كما أسقط خياره، تعود الفعلية عليه و يكون سببا مستقلّا للخيار.

فإن قلت: المستفاد من النبوي الشريف أنّ العيب الحادث بين العقد و القبض، كالعيب الموجود قبل العقد، فيلزم على هذا، اتحاد حكم المترتبين مع المجتمعين.

قلت: قد عرفت مفاده و أنّه لا يتجاوز عن كون الخسارة على البائع، و أمّا أنّ العيب الحادث يتّحد مع القديم في جميع الجهات فلا.

هذه هي الوجوه المحتملة، و الوجه الأخير هو الأقرب إلى الاعتبار و ارتكاز العقلاء.

و

بذلك يظهر ما في كلام سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- من أنّ الخيارات المتعدّدة للعيوب تعد لغوا «1» مع أنّ تعدد الخيار ليس إلّا كتعدّد الحقوق فله أن يتعامل مع كلّ حق بشكل خاص.

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات: 5/ 45.

المختار في أحكام الخيار، ص: 355

2- حكم العيب الحادث بعد القبض في أيّام الخيار:

تضافرت النصوص على أنّ العيب الحادث في أيّام الخيار للمشتري على البائع، ففي صحيحة ابن سنان: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام-: عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد و يشترط إلى يوم أو يومين فتموت الدابّة أو العبد، أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟! فقال: على البائع حتى ينقضي الشرط: ثلاثة أيّام، و يصير المبيع للمشتري «1».

روى الصدوق عن ابن رباط مرسلا عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-. قال: إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع «2».

فيقع الكلام في ضمانه، و احداثه الخيار، ثم في مانعيته- على نحو تعرف- و الاستدلال بالصحيحة على المقام فرع دراسة مدلولها و تبيين ما ذا يريد الإمام- عليه السلام- من قوله: «حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري».

فهل التعبير حقيقي و المراد أنّ المبيع ملك للبائع حقيقة، و أنّه بعد لم ينتقل منه إلى المشتري، و إنّما يتحقّق إذا انقضت أيّام الخيار، كما هو خيرة الشيخ الطوسي، و لأجل ذلك ذهب- قدّس سرّه- إلى أنّ حصول الملكية للمشتري يتوقّف على انقضاء الخيار.

أو أنّ التعبير، تعبير مجازي يهدف إلى أنّه لمّا كان النقص على البائع و من ماله، فكأنّه بعد باق في ملكه و لم ينتقل إلى المشتري و لم يصر ماله.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام الخيار، الحديث 2 و 5.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب

5 من أبواب أحكام الخيار، الحديث 2 و 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 356

فلو قلنا بالأوّل- الذي أعرض عنه المشهور- يكون حكم العيب الحادث في زمان الخيار حكم العيب الحادث قبل تمام البيع كالحادث بين الايجاب و القبول، و من المعلوم أنّ مثله مضمون على البائع، و لو باعه- مع هذا العيب- يحدث خيارا و لا موضوع للبحث عن مانعيته، لأنّ البحث عنها فيما إذا تمّ البيع، و حدث العيب بعده، و المفروض خلافه، فحكم هذا العيب الحادث في زمان الخيار، حكم الحادث قبل إجراء العقد أو أثناءه، فكما أنّه لا موضوع للبحث عن المانعية هناك فكذا المقام. لأنّ المفروض أنّ الانتقال غير حاصل.

و لو قلنا بالثاني، يثبت الضمان و الخيار لأنّ التنزيل إنّما هو بلحاظ أظهر الآثار، و أثر حدوث العيب في ملك البائع حقيقة، إنّما هو كونه من ماله و لو باعه معه، يحدث خيارا، فهكذا المنزّل منزلته، أعني: العيب الحادث في أثناء أيّام الخيار، فهو مثل الحادث في ملك البائع في أظهر الآثار و أجلاها، و هو الخيار و الضمان.

و أمّا مانعيته عن الردّ بالعيب السابق فالمرسلة منصرفة عن هذا المورد لأنّ العين و إن كانت غير باقية على حالها حيث تغيّرت عمّا كانت عليه قبل القبض، لكن لمّا كانت المسئولية على عاتق البائع، و النقص متوجّها إليه تكون المرسلة منصرفة عن هذه الصورة و إنّما هي ناظرة إلى ما لا يكون النقص متوجّها إليه، بل تكون المسئولية متوجّهة إلى المشتري ففي مثل هذا المورد يكون التغيّر- و لو كان خارجا عن حيطة المشتري و اختياره- موجبا لمنع الرد بالعيب السابق.

ثمّ إنّ ما دلّ على أنّ العيب الحادث في أيّام الخيار

من مال البائع، مختص بالآفة السماوية، من غير فرق بين صحيحة ابن سنان، أو مرسلة ابن رباط ففي

المختار في أحكام الخيار، ص: 357

هذا النوع من العيب يأتي حديث التنزيل الوارد في الروايتين و يتلقّى كأنّه حدث قبل العقد، فيكون محدثا للخيار و غير مانع عن الردّ.

و أمّا العيب الحادث بفعل البائع أو المشتري، أو الأجنبي، فهو خارج عن حريم ما دلّ على أنّ تلف المبيع في زمن الخيار فهو ممّن لا خيار له، و يرجع فيه إلى سائر القواعد.

أمّا إتلاف البائع، فليس بمانع، لانصراف المرسلة عمّا إذا كان عدم القيام مستندا إلى تقصير البائع فالمرجع فيه هو عمومات الردّ بالعيب السابق، فللمشتري خيار الردّ و أخذ الثمن، كما له أخذ الارش للعيبين السابق و الحادث.

و لكن تلاحظ في أخذ الارش للسابق، النسبة إلى الثمن، لأنّ الضمان فيه ضمان معاوضي فالمشتري لا يستحقّ قيمة ما نقص بالعيب السابق بل يستحق ما دفع بإزائه من الثمن، فلأجل ذلك يستحقّ ما خصّه به من الثمن، بخلاف العيب الحادث بيد البائع بعد القبض فإنّ الضمان فيه ضمان يد و غرامة، فيستحقّ قيمته السوقية.

و الحاصل أنّ مرسلة جميل: تهدف إلى مراعاة جانب البائع فتشرط في الالزام بالردّ بقاء العين بحالها، و من المعلوم أنّها لا تعم إذا كان البائع نفسه سببا للنقص و ايجاد الضرر.

و أمّا إتلاف المشتري فمسقط بلا كلام، لاطلاق المرسلة، و أمّا الأجنبي فهو أيضا مانع عن الردّ لعدم قيام العين بحالها.

ثمّ إنّ كون الموضوع في رواية زرارة، هو إحداث المشتري، و في مرسلة جميل،

المختار في أحكام الخيار، ص: 358

عدم قيام العين بحالها، لا يوجب التعارض لأنّهما مثبتتان، لا تصلح إحداهما لتقييد الأخرى، بل

تحدّد الأولى بمرسلة جميل فيكون الملاك بقاء العين و عدمه.

3- العيب الحادث بعد القبض و الخيار:

إذا حدث العيب بعد زمان انقضاء الخيار، فقد حكي الاجماع على كونه مضمونا على المشتري، و أنّه مانع عن الردّ. قال الشيخ في الخلاف: إذا اشترى شيئا و قبضه، ثمّ وجد به عيبا كان عند البائع، و حدث عنده عيب آخر، لم يكن له ردّه إلّا أن يرضى البائع بأن يقبله فيكون له ردّه، و يكون له الارش إذا امتنع البائع من قبوله معيبا، و به قال الشافعي.

و قال أبو ثور و حماد بن أبي سلمان: إذا حدث عند المشتري عيب و وجد عيبا قديما كان عند البائع ردّه و ردّ معه أرش العيب.

و قال مالك و أحمد: المشتري بالخيار بين أن يردّه مع ارش العيب الحادث، و بين أن يمسكه و يرجع على البائع بارش العيب القديم «1».

و لم ينقل الخلاف إلّا من المفيد لكن عبارته في المقنعة ليست صريحة في جواز الردّ «2» و استدلّ العلّامة في التذكرة بأنّ تحمّل البائع له بالعيب السابق ليس أولى من تحمّل المشتري له بالعيب الحادث.

يلاحظ عليه: أنّه لا يثبت ما رامه (عدم جواز الردّ) إذ غايته أنّ المقام من قبيل تعارض الضررين فيتساقطان، فيرجع إلى عمومات الردّ عند الأصحاب لتسالمهم في تلك الموارد الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص.

______________________________

(1)- الخلاف: 3/ 114- 115 كتاب البيع، المسألة 192.

(2)- المقنعة: 597 باب العيوب الموجبة للردّ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 359

و الأولى الاستدلال برواية زرارة و مرسلة جميل، و قد عرفت عدم التعارض بينهما و أنّ المقياس بقاء العين بحالها. و المفروض خلافه من غير فرق بين كون التلف مستندا إلى آفة سماوية أو المشتري أو الأجنبي. نعم لو

كان العيب مستندا بفعل البائع لا يكون مانعا عن الردّ لما عرفت في البحث المتقدم.

بقيت هنا أمور «1»:

الأوّل: إذا كان المستند لسقوط الخيار هو مرسل «جميل» المؤيّد برواية زرارة،

فالمسقط الخامس عدم بقاء العين على ما كانت عليه، من التلف و التغيّر، سواء كان حسّيا أو غير حسّي، كما إذا نسي الطحن أو الخياطة أو الكتابة سواء كان التغيّر عيبا أم لا، فيسقط في موارد و إن لم يكن هناك عيب.

1- إذا عمل في المبيع له أجرة أو زاد فيه وصفا كذلك، فليس له الردّ لعدم القيام على ما كان و إن لم يكن عيب بل ربّما يزيد على قيمته و قد ورد في مرسلة جميل: الصبغ و الخياطة.

2- إذا مزج المبيع بماله على وجه لا يتميّز كمزج الحنطة بالحنطة المساوية لها فيصدق عدم قيامه بعينه.

3- إذا تلف بعض المبيع، و إن لم يكن للتالف تأثير في الباقي كما إذا تلف طنّ من أطنان الحنطة، و لأجل ذلك قلنا: إنّ الموضوع التغيّر سواء كان عيبا أو لا.

الثاني: لو رضي البائع بردّه معيبا مع الارش أو مجّانا

فهل يبقى التخيير بين الردّ و الارش مع عدم بقاء العين بحالها أو لا؟ وجهان: من أنّ المنع عن الردّ

______________________________

(1)- ذكرها الشيخ الأعظم و أكملها السيد الطباطبائي في تعليقته: 79- 80.

المختار في أحكام الخيار، ص: 360

لرعاية حال البائع، فإذا رضي به فلا مانع من الردّ. و من أنّه على خلاف ظاهر المرسلة من سقوط الردّ و تعيّن الارش. و الأقوى هو الأوّل، لأنّها واردة في مقام توهّم جواز الالزام بالردّ- مع عدم بقاء العين بحالها- فيكون قوله: «و إن كان الثوب قد قطع ...» يرجع بنقصان العيب، في مقام ردّ ذلك التوهّم، فلا يستفاد منها عدم جواز الردّ مع الرضا، بل عدم جواز الالزام، و هذا نظير إطلاقات الأمر بالردّ مع عدم التصرّف فإنّها في مقام دفع توهّم لزوم الوفاء، فلا يستفاد منها لزوم الردّ

و عدم جواز الإمساك مع الارش.

هذا كلّه إذا لم يكن بعنوان الاقالة و إلّا فلا اشكال، و ليست المرسلة ناظرة إلى نفيها.

الثالث: إذا زال العيب الحادث قبل أخذ الارش

فهل يجوز الردّ أو لا؟

وجهان من صدق بقاء العين على حالها حين الردّ، مضافا إلى أنّ العيب السابق مقتض للردّ، و الحادث مانع ما دام موجودا فإذا زال، أثّر المقتضي، و من أنّه إذا طرأ الحادث صدق أنّ العين غير قائمة بحالها فسقط الخيار. و الأوّل هو الأقوى، إذ لا يستفاد من المرسلة، إلّا مانعية العيب الجديد عن الردّ لا سقوطه به، لو لم نقل إنّ الميزان عدم القيام بحالها في حال الردّ لا مطلقا و قد قلنا سابقا إنّ البيع من الغير، مانع ما دام موجودا فإذا رجعت إليه، فهو لا يمنع عن الردّ لصدق القيام بحالها حينه، اللّهمّ إلّا أن يعدّ نفس رفع العيب عن طريق التصليح عيبا باقيا كما هو الحال في الأجهزة الصناعية، فلا يلزم بالقبول.

الرابع: إذ ردّ بالعيب السابق

، قبل ظهور العيب الحادث في يد المشتري ثمّ بان له، فهل يكشف عن بطلان الفسخ بالعيب السابق أو لا؟ الظاهر نعم لأنّ الموضوع للردّ بالفسخ بقاء العين على حالها، فإذا بان خلافه، بأن تبيّن عدم

المختار في أحكام الخيار، ص: 361

المجوّز للفسخ واقعا فيبطل الفسخ، و رضا البائع كان مبنيا على بقاء المبيع على حاله فإذا بان الخلاف لم يعتد بالرضا المعلّق.

[من موانع الردّ تبعّض الصفقة]

اشارة

إنّ من موانع الردّ تبعّض الصفقة و له أقسام:

1- تبعّض الصفقة بردّ المعيب و ابقاء الصحيح:

إنّ من موانع الردّ- عند المشهور- لو لم يكن إجماعا- تبعّض الصفقة بالردّ، و ذلك فيما إذا ابتاع شيئين من مالك واحد بثمن واحد، ثمّ بان عيب في واحد منهما، فليس له ردّ المعيب و امساك الصحيح بل له إمّا ردّهما أو إمساكهما معا.

قال الشيخ في الخلاف: إذا اشترى عبدين صفقة واحدة، فوجد بأحدهما عيبا، لم يجز له أن يردّ المعيب دون الصحيح و له أن يردّهما، و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: له أن يرد المعيب دون الآخر، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم «1».

و قال المحقّق: و إذا ابتاع شيئين صفقة ثمّ علم بعيب في أحدهما لم يجز ردّ المعيب منفردا و له ردّهما أو أخذ الارش، و علّق عليه في الجواهر بقوله: «بلا خلاف أجده فيه بل في الغنية الاجماع عليه» «2».

و لنبيّن حكم بعض الأمثلة حتى يتبيّن محل النزاع.

1- إذا كانت له دار ذات شقق، فباع إحداها بثمن، و أخرى بثمن آخر،

______________________________

(1)- الخلاف: 3/ 110، المسألة 180 من كتاب البيوع.

(2)- الجواهر: 23/ 248.

المختار في أحكام الخيار، ص: 362

فبان العيب في أحد الشقّتين، فله إمساك الصحيح و ردّ المعيب، سواء وقع البيعان بانشاءين أو كان البيعان بانشاء واحد، كما إذا قال بعد المذاكرة و المقاولة: بعت ما علم بما علم، و مثله ما إذا زوّج وكيل المرأتين كلتيهما من زوج واحد بعقد واحد و قال: زوّجتهما من موكّلي ثم بان سبب فسخ نكاحها في إحداهما، فيجوز للزوج فسخها دون الأخرى.

2- لو باع سهمه المشاع من الدار و البستان لأجنبيّ صفقة واحدة، فللشريك الأخذ بالشفعة، في كلا الموردين أو واحد منهما، لأنّ له

حقّين مستقلّين و ليس إعمال أحدهما مشروطا باعمال الآخر، و هل للمشتري الخيار، لأجل تبعّض الصفقة أو لا؟ فهو مبني على كفاية لا ضرر في إثبات الخيار. فيما إذا كان هناك ضرر نوعا.

3- إذا باع الحيوان مع الثوب صفقة واحدة، يجوز للمشتري، ردّ الحيوان في ثلاثة أيّام وحده، لأنّ متعلّق الخيار هو الحيوان، لا الثوب و لا المجموع منهما، و لو ردّه فهل للبائع الخيار، لتبعّض الصفقة أو لا؟ فهو مبني على كون «لا ضرر» كافيا لاثبات الخيار، فيما كان هناك ضرر نوعا.

إذا تعرّفت على حكم هذه الأمثلة يقع الكلام في أنّه إذا اشترى شيئين بثمن واحد من بائع واحد فبان العيب في أحدهما دون الآخر، فهل للمشتري امساك الصحيح و ردّ المعيب أو لا؟ و بعبارة أخرى فهل له هذا الحق أو لا؟ و تظهر الثمرة في أنّه على القول بالجواز يكون الردّ نافذا من غير ترقّب، غاية الأمر كان للبائع خيار تبعّض الصفقة على القول به، و ربّما لا يقوم باعماله. أمّا إذا لم نقل به، يكون الردّ باطلا لعدم ثبوت هذا الحق، و لا تصل النوبة إلى خيار البائع لأجل التبعض.

المختار في أحكام الخيار، ص: 363

و تظهر الثمرة أيضا فيما إذا قلنا بالجواز و كان البائع راضيا، فإنّ الردّ يكون نافذا، و هذا بخلاف إذا لم نقل به فانّ رضاه لا يفيد، لعدم كونه مشرّعا.

ثمّ إنّ محل البحث فيما إذا أمكن ردّ المعيب و امساك الصحيح و هذا فرع الانفكاك بينهما فما يظهر من الشيخ من تعميم البحث إلى الجزء المشاع غير ظاهر «1».

ثم إنّه يمكن الاستدلال على عدم التبعيض بوجوه و هي بين صحيح و زائف و إليك بيانها:

الأوّل: ارتكاز

العقلاء في كل عصر و مصر، حيث لا يرون للمشتري إلّا حقا واحدا و هو إمّا ردّ الجميع، أو إمساك الجميع مع أخذ الارش، و أمّا التبعيض فلا و هذا متبع ما لم يردع عنه الشرع.

الثاني: إنّ العقد الواحد إمّا ينفذ أو يفسخ، و لا يتبعّض.

توضيحه: أنّ قوله- عليه السلام- في المرسلة: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّ على صاحبه» لا يخلو إمّا أن يراد منه الردّ الخارجي مع حفظ العقد و عدم فسخه، أو يجعل كناية عن فسخ العقد و حلّه، و يكون أثره رجوع العوضين إلى محلّهما. و الأوّل غير محتمل، إذ لا معنى لرجوع العوضين إلى محلّهما مع بقاء العقد، فإنّ معنى ذلك ردّ المثمن مع كونه ملكا للمشتري إلى البائع، و ردّ الثمن مع كونه ملكا للبائع إلى المشتري. و الثاني هو المتعيّن، فإذا كان كناية عن الفسخ، فلا يجوز التبعيض في

______________________________

(1)- حيث قال: «إذا اشترى شيئا واحدا أو شيئين» و مراده من الشي ء الواحد، هو الواحد الحقيقي حيث قال: «لأنّ المردود إن كان جزءا مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة، و إن كان معيّنا فهو ناقص ...» و لا يتصوّر ردّ المعيب و إمساك الصحيح في الواحد الحقيقي إلّا بتكلّف.

المختار في أحكام الخيار، ص: 364

حلّ العقد باثباته في بعض دون بعض «1» إلّا بأمرين:

1- انحلال العقد الواحد إلى عقود، و الالتزام الفارد إلى التزامات قابلة للتفكيك بفسخ واحد دون آخر. و هذا و إن أمكن عقلا لكنّه غير معهود عرفا فهو لا يرى في المقام إلّا عقدا و الزاما واحدا، إمّا يثبت أو يزول.

2- فسخ المعاملة من رأس و إنشاء العقد على خصوص الصحيح

و هو خلاف الفرض.

الثالث: عدم بقاء المبيع بحاله.

توضيحه: أنّه جاء في المرسلة «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا؟ فقال: لو كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن» «2»، و المراد من المتاع كل ما يطلق عليه من واحد أو أكثر، فلو اشترى لطفله ثوبا مع حذاء بصفقة، يصدق عليهما أنّه اشترى متاعا فليست الوحدة داخلة في مفهومه، و لا هو مقيّد بالكثرة، بل يصدق على كل ما يتمتّع به الإنسان من قليل و كثير.

و على ضوء ذلك يجب أن يكون المتاع باقيا بذاته و وصفه المقصود للعقلاء، و في ردّ المعيب و إن كان المتاع باقيا بذاته لكنّه غير باق بوصفه، أعني: انضمامه إلى الصحيح الذي هو الدافع لبيعه و شرائه.

و ما ربّما يقال: من أنّ التغيّر المانع هو الحادث قبل الردّ، لا الحادث به،

______________________________

(1)- كتب الإمام أمير المؤمنين إلى معاوية: «لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النظر، و لا يستأنف فيها الخيار» نهج البلاغة، قسم الرسائل: 7 ذكرت كلامه- عليه السلام- لأدنى مناسبة.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 365

غير تام لأنّ مانعيته لأجل رعاية حال البائع، و سدّ توجّه الضرر إليه، فلا يتفاوت الحال بين كونه قبل الردّ أو بعده، و المقصود هو أن يصل المتاع إلى البائع على النحو الذي دفعه و التبعيض يباينه.

هذه الوجوه، هي التي يمكن أن يستند إليها الفقيه في إثبات مانعية التبعض عن الردّ و ربّما يستدل بما لا يعتمد عليه و إليك البيان:

الرابع: إنّ الأدلّة ظاهرة في تعلّق حقّ الخيار بالمجموع لا بكلّ جزء و لا أقل من الشك، ضرورة عدم الوثوق

بالإطلاق فيها على وجه يشمل الفرض و الأصل اللزوم من غير فرق بين ما ينقصه التفريق كمصراعي باب أو لا «1».

و أورد عليه الشيخ الأعظم بوجهين:

1- أن لازم ذلك عدم جواز ردّ المعيب منفردا و إن رضى البائع، لأنّ المنع حينئذ لعدم المقتضى للخيار في الجزء لا لوجود المانع منه، و هو لزوم الضرر على البائع حتى ينتفي برضا البائع.

2- لا شك في أنّ حقّ الخيار حقّ وحدانيّ متعلّق بما تعلّق به و لا يجوز تبعيضه بالنسبة إلى أجزاء ذلك المتعلّق، و إنّما الاشكال في أنّ متعلّقه هل هو خصوص الشي ء المعيب، أو مجموع ما وقع عليه العقد؟ لنا أن نقول: إنّ ظاهر دليل الخيار، هو الأوّل، فيكون كأخبار خيار الحيوان، و لازمه جواز التفريق، نظير الخيار المسبّب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه، به نظير اختصاصه في المقام بالجزء المعيوب، و على ذلك له حقّ ردّ المعيب وحده و لكن ردّ الصحيح معه لأجل دفع الضرر و لكن لو رضى، صحّ الرد لوجود المقتضى و عدم المانع

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 248.

المختار في أحكام الخيار، ص: 366

برضا البائع «1».

أضف إليه: أنّه كلّما كان الخيار لوجود خصوصية في المبيع، يتعلّق الخيار بما فيه الخصوصية، كالحيوان إذا بيع مع شي ء آخر، فمتعلّق الخيار، هو الحيوان، لقوله:

«و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام» «2» و مثله المقام فانّ الخيار لأجل خصوصية في المبيع، من عيب أو عوار، كما في قوله في رواية زرارة: «أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب أو عوار ...» «3» و لأجل ذلك لا وجه لتعلّق الخيار بما لا ملاك فيه للخيار و هو الصحيح المنضم إليه.

هذا ما يمكن أن يقال في نقد

ما استدلّ به صاحب الجواهر- قدّس سرّه-.

و الظاهر عدم ابتناء حل المسألة على تعلّق الخيار بالمجموع أو بما فيه العيب، و ذلك أنّا نفترض أنّه تعلّق بما فيه العيب، و لكنّه لا يكون دليلا على جواز ردّه منفردا إلّا إذا ثبتت الملازمة بين كون شي ء متعلّقا للخيار و ردّه مطلقا، سواء كان تمام المبيع أو بعضه إذ من المحتمل أن تكون الملازمة بينهما فيما إذا كان المتعلّق تمامه لا جزئه. و هو خلاف الفرض، فمحاولة صاحب الجواهر لاثبات كون

______________________________

(1)- توضيح لما أفاده الشيخ، و عبارته لا تخلو عن اطناب و اغلاق، حيث قال: لا شك في ثبوت حقّ الخيار لمجموع المبيع لا لكلّ جزء ثمّ فرّع عليه قوله: «هل محل الخيار، الشي ء المعيوب أو مجموع ما وقع عليه العقد» و من الواضح أنّه لو كان الخيار متعلّقا لمجموع المبيع، لما كان له إلّا قسم واحد و هو الثاني، و لا يتصوّر تعلّقه بالمعيوب وحده و لأجل ذلك تحيّر المحشّون في تصحيح العبارة و احتمل السيد الطباطبائي أنّ المقصود من «مجموع المبيع» مجموع متعلّق الخيار، سواء كان كل المبيع أو القسم المعيب، و المراد أنّ الخيار على كلا القولين يتعلّق بالكل، لا بكل جزء منه. و لا يخفى بعد التوجيه و لعلّ النسخ مغلوطة.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 3، لاحظ روايات الباب.

(3)- المصدر نفسه: الباب 16، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 367

المتعلّق، تمام المبيع لا جزئه فلا يثبت جواز الردّ، و سعي الشيخ لاثبات أنّ متعلّقه ما فيه العيب فيثبت جواز الردّ، غير ناجح.

الخامس: ما ذكره الشيخ من أنّ مرجع جواز الردّ منفردا، إلى اثبات سلطنة للمشتري على الجزء الصحيح من حيث إمساكه،

ثمّ سلب سلطنته عنه بخيار البائع، و لكن منع سلطنته على الردّ أوّلا، أولى، و لا أقل من التساوي فيرجع إلى أصالة اللزوم.

يلاحظ عليه: أنّه استحسان و المتبع هو الدليل و قد عرفت مفاده.

2- تبعّض الصفقة بتعدّد المشتري:

الفرق بين هذه المسألة و المسألة المتقدّمة واضح، فانّ محور الكلام فيما تقدم، هو أنّ تعدّد المبيع- مع فرض وحدة العقد و البائع و المشتري- هل يوجب تعدّد الخيار على أن يكون بإزاء كل معيب خيار، و لازم ذلك أنّه لو كان العيب في جزء المبيع لا في تمامه اختصّ الخيار به، أو لا يوجب ذلك، بل هنا خيار واحد يتعلّق بتمام المبيع، سواء كان واحدا أو متعدّدا، و على الثاني كان المعيب واحدا أو متعدّدا.

و أمّا محور الكلام في هذه المسألة فهو أنّ تعدّد المشتري- مع فرض تعدّد العقد و المبيع و البائع- هل يوجب تعدّد الخيار لكل من المشترين فيجوز لأحدهما الانفراد بالفسخ في سهمه أو لا؟

و على كل تقدير ففي المقام أقوال أربعة:

1- الجواز مطلقا، و هو خيرة الشيخ و الاسكافي و القاضي و الحلّي و غيرهم و هو

المختار في أحكام الخيار، ص: 368

الأقوى كما ستعرف.

2- عدم الجواز مطلقا، و هو خيرة الشيخ الأعظم و جماعة.

3- التفصيل بين علم البائع بتعدّد المشتري فيجوز مع علمه لا مع جهله، و هو خيرة جامع المقاصد و المسالك.

4- الجواز مع تعدّد القبول من المشترين، و أمّا مع وحدة القبول ففيه التفصيل بين علم البائع بالتعدّد و جهله، و أمّا مبني الجواز و عدمه- مع قطع النظر عن التفصيلات- فتحتمل أمور:

1- هل يتعدّد العقد بتعدّد المشتري- مع وحدة المبيع- أو لا؟

2- هل يتعدّد الخيار بتعدّد المشتري، أو لا؟

3- هل المبيع

قائم بحاله إذا قام أحدهما بالأعمال أو لا؟

استدلّ الشيخ على عدم الجواز مطلقا بوجوه ثلاثة:

ألف: إنّ الثابت من الدليل أنّ هنا خيارا واحدا متقوّما باثنين، فليس لكل منهما الاستقلال، و لا دليل على تعدّد الخيار هنا إلّا اطلاق الفتاوى و النصوص من أنّ من اشترى معيبا فهو بالخيار الشامل لمن اشترى جزءا من المعيب لكنّه منصرف إلى غير المقام.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الدليل منصرفا إلى ما إذا اتّحد المشتري، و كان المورد خارجا عن اطلاق الدليل، يلزم أن لا يحكم بالخيار لمجموع المشترين أيضا لأجل انصراف الدليل عن مثل المقام فيلزم أن لا يكون هناك خيار أصلا و هو كما ترى.

مع أنّ الامعان في دليل خيار العيب يعرب عن أنّ الخيار ثابت لطبيعة

المختار في أحكام الخيار، ص: 369

المشتري سواء اشترى تمام الشي ء أو بعضه و ليس الهدف منه إلّا دفع الضرر عن جانب المشتري فلا يتفاوت بين كونه واحدا أو متعدّدا.

ب: إنّ ردّ هذا المبيع منفردا عن الآخر نقص حدث فيه.

يلاحظ عليه: أنّ حدوث النقص في المبيع باعمال الخيار، لا يكون مانعا عن ثبوت أصله، و جواز ردّه غاية الأمر يكون سببا لثبوت خيار آخر للبائع لأجله و هو غير منكر في المقام.

ج: إذا ردّ بعض المبيع يصدق عليه أنّه غير قائم بعينه و لو بفعل الممسك حصته و هو مانع عن الرد.

يلاحظ عليه: أنّ المراد قيام المبيع بعينه، و ليس المبيع إلّا السهم المشاع و هو قائم بحاله لم ينقص منه شي ء، و مردود على النحو الذي أخذ، و أمّا افتراقه عن النصف الآخر، فليس تغييرا في المبيع.

إذا عرفت مدى صحّة دليل المانع فاعلم أنّ مبنى المسألة إثباتا و نفيا، هو

تعدّد العقد و وحدته في المقام، فلو كان العقد متعدّدا فيتعدّد الخيار، فلو اتّحد العقد يتّحد الخيار، و لأجل ذلك لو كان تعدّد العقد في مورد واضحا لا يشك في تعدّد الخيار أحد مثلا فلو باع نصف داره من زيد مشاعا، ثم باع النصف الآخر من عمرو من دون صلة بين المشترين، فلو حاول أحدهما فسخ ما اشترى لعيب فيها، لم يكن به بأس، و لا يدور في خلد أحد، أنّه لا يصحّ له الانفراد بأعمال الخيار، فيعمّه قوله: «أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار» «1» و مثله المقام، فلو باع داره من شخصين بصفقة واحدة و قال: بعتكما الدار بالمناصفة، أو لم يذكر

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 370

المناصفة فقالا: قبلنا، فالإنشاء و إن كان واحدا، لكنّه منحل إلى إنشاءين، و عقدين، و التزامين، و لكل عقد و التزام، شأنه و حكمه، و قد مرّ أنّ وكيل الامرأتين لو زوّجهما من رجل واحد، و وجد في إحداهما سبب الفسخ، يصح له فسخ نكاحها مع إمساك الأخرى.

نعم ربّما يمكن تصوّر وحدة العقد، مع تعدّد القبول، كما إذا كان القابلان وكيلين أو متولّيين لمشروع له شخصية حقوقية كالمنشآت الثقافية، أو الاقتصادية أو المساجد و دار الأيتام فاشتريا شيئا للجهة المالكة في نظر العرف، ففي مثله- ربما يصحّ أن يقال- لا يصح ردّ شقص دون شقص.

نعم لو كان القابل واحدا، و المالك المشتري متعدّدا في الواقع، يمكن فيه التفصيل بين علم البائع بالحال و جهله، بجواز الردّ في الأول دون الثاني.

3- تبعّض الصفقة بتعدّد البائع:

إذا كان المبيع مشتركا بين شخصين فباعا من شخص واحد فوجد فيه

عيبا، فهل يصح له ردّ سهم أحدهما، و امساك سهم الآخر أو لا؟

يظهر حكمه ممّا ذكرنا، فانّ تعدّد العقد في المقام أوضح من القسم الثاني و علّله الشيخ بعدم توجّه أيّ ضرر على البائع، إذ لم يكن المبيع له في السابق كلّه، بل كان شريكا فعاد إلى حاله.

هذا كلّه في سقوط الردّ، دون الارش و إليك الكلام في عكسه و هو البحث التالي:

المختار في أحكام الخيار، ص: 371

في سقوط الارش دون الردّ:

اشارة

يسقط الارش دون الردّ في مواضع ثلاثة:

الموضع الأوّل: إذا اشترى ربويّا بجنسه فظهر عيب في أحدهما
اشارة

ففي جواز أخذ الارش و عدمه وجوه:

ألف: عدم جوازه مطلقا

سواء كان من جنس العوضين أم لا.

ب: جوازه مطلقا.
ج: التفصيل بين كونه من جنسهما و من غيرهما

فلا يجوز في الأوّل.

و إليك مباني الأقوال:

دليل القولين: الحرمة و الجواز:

المقصود من الربا في المقام هو الربا المعاوضي لا الربا القرضي. و حاصله:

أنّه لا يجوز في معاوضة المتجانسين عرفا أو المحكوم عليه بالتجانس شرعا إذا كانا مكيلين أو موزونين، التفاضل مطلقا إلّا إذا كان مثلا بمثل، حتى و لو كان أحدهما صحيحا و الآخر معيبا لا يجوز أخذ الزيادة كالمصوغ من الحلّي مع المكسور، و كذا كلّ موصوف بوصف زائد له مالية فلا يجوز بيعه بالآخر إلّا مثلا بمثل، فيقول المحقق: «و يستوي في وجوب التماثل المصوغ و المكسور، و جيّد الجوهر و رديّة و تضافرت الروايات على أنّ عليا- عليه السلام- يكره أن يستبدل وسقا من تمر خيبر بوسقين من تمر المدينة لأنّ تمر خيبر أجودهما» «1».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 15 من أبواب الربا، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 372

كما تضافر قولهم- عليهم السلام- في الربويين: و لا يباع (الربويان) إلّا مثلا بمثل «1». و على ضوء ذلك فأخذ الارش يستلزم الزيادة في أحد الطرفين و به استدل العلّامة في التذكرة، و أوضحه الشيخ الأعظم و قال: إنّ وصف الصحّة في أحد الجنسين كالمعدوم (بقرينة روايات حرمة استبدال التمر الرديّ بالتمر الجيّد) لا يترتّب على فقده، استحقاق عوض، و من المعلوم أنّ الارش عوض وصف الصحّة عرفا و شرعا، فالعقد على المتجانسين لا يصير سببا لاستحقاق أحدهما على الآخر زائدا على ما يساوي الجنس الآخر، هذا كلّه حول القول الأوّل.

أمّا القول الثاني: فوجهه أنّ وصف الصحة لا يقابل بشي ء من الثمن، فانّ الثمن يقسّط على الشي ء و أجزائه لا على أوصافه، بل لا يقابل بشي ء أصلا و لو من غير الثمن و إلّا لثبت

في ذمّة البائع و إن لم يختر المشتري، بل الصحّة وصف التزمه البائع في المبيع من دون مقابلته بشي ء من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع، إلّا أنّ الشارع جوّز للمشتري مع تبيّن فقده، أخذ ما يخصّه بنسبة المعاوضة من الثمن أو غيره، و هذه غرامة شرعية حكم لها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع هذا، فإذا كان هذا حال غير الربويين، فيظهر حالهما منه.

يلاحظ عليه: عدم تمامية المبنى من عدم تقسيط الثمن إلّا على الشي ء، و أجزائه و عدم تقسيطه على الأوصاف التي توجب غلاء ثمن العين، سواء كانت من أوصاف الصحّة أو من أوصاف الكمال.

و الاستدلال عليه: بأنّه لو قوبلت الأوصاف به ثبت الارش في ذمة البائع

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 8 من أبواب الربا، الحديث 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 373

و إن لم يختر المشتري الارش، غير تام، لما قلنا سابقا من أنّ الثمن في مقابل الجوهر و الاعراض، و الاجزاء و الصفات، لكن لمّا لم يكن في فقد الجزء إلّا طريق واحد و هو بطلان المعاملة بمقدار النقص، صارت ذمّة البائع مشغولة بمقداره بالفعل في زمان العقد، و هذا بخلاف فقد الوصف فانّ هناك طرقا: الردّ من رأس، القبول مع الاغماض من العيب، و القبول مع الارش- فعند ذاك- تكون ذمته مشغولة به، بالقوة و بصورة المقتضي، فلو ردّ، أو قبل بلا أرش فهو، و إلّا يتعين الأرش و يخرج الاشتغال عن القوّة إلى الفعل، و يؤثّر المقتضي أثره بعد فقد المانع.

و على ضوء ذلك، فلو كان أحد الربويين معيبا، فبما أنّ الشارع ألغى وصف الصحّة فيهما و جعله كالمعدوم، كان أخذ الارش بمنزلة أخذ شي ء زائد.

و أمّا الفرق

بين كونه من جنسهما أو من غيرهما فليس له أساس صحيح إذ لا شك في أنّ الزيادة الحكمية في أحد الربويين توجب الربا كما إذا اشترط عملا مع أحدهما فلا تنحصر حرمة الزيادة من جنس العوضين، ففي رواية خالد بن الحجاج «جاء الربا من قبل الشروط» «1» و في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:

«انّ الناس لم يختلفوا في النسي ء أنّه الربا» «2» هذا حكم الزيادة الحكمية فما ظنّك بالزيادة العينية من غير جنسهما.

أمّا ما ذكره الشيخ في آخر كلامه من أنّ التصديق يتوقّف على دراسة أمرين، فهو كلام متين فنقول:

1- ما هو حقيقة الارش ففيه احتمالات:

ألف: انّه غرامة شرعية أو عرفية، و- لذا- لا يجب أن يسترجع عين الثمن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 12 من أبواب الصرف، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه: الباب 15 من أبواب الصرف، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 374

و لا يكون من باب شغل الذمّة من حين العقد بل تشتغل به ذمّة البائع حين اختياره، هذا خيرة الشيخ الأعظم و السيد الطباطبائي في تعليقته.

ب: ما ذكره الشهيد الثاني في الروضة: أنّه تشتغل به الذمّة من حين العقد و أنّه بمنزلة العوض و التخيير بين أخذه، و العفو عنه، و ردّ المبيع لا ينافي ثبوته، غايته التخيير بينه و بين أمر آخر فيكون ثابتا ثبوتا تخييريا.

ج: أن يكون اختيار الارش كاشفا عن شغل الذمّة من حين العقد فيكون من باب الشرط المتأخّر.

د: أن يكون جزء من الثمن حقيقة قد انفسخ العقد بالنسبة إليه لعدم وصف الصحّة القابل له.

إذا وقفت على المباني فنقول ربّما يقال: إنّ الربا- عند أخذ الارش- إنّما يلزم على غير القول الأوّل. و أمّا عليه فهو غرامة

شرعية أو عرفية أمضاها الشارع فلا صلة له بالعوضين.

يلاحظ عليه: أنّ جعله غرامة شرعية ينافي ما هو المرتكز عند العقلاء حيث إنّه عبارة عن تفاوت قيمتي الصحيح و المعيب، و معنى ذلك: أنّ الوصف يقابله جزء من الثمن فيتوصل في تعيين ذلك الجزء من الثمن، إلى معرفة قيمتي الصحيح و المعيب ليعرف التفاوت بينهما، فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت. كلّ ذلك يعرب عن أنّ الغاية هو معرفة ما هو المقدار الذي وقع من الثمن في مقابل الوصف حتى يوضع عنه لا أنّه غرامة شرعية لأجل أنّ الرجل لم يف بوعده.

و يؤيّده لسان الروايات حيث تكرّر فيها الردّ من الثمن، أو الوضع عنه عند ظهور العيب ففي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال علي

المختار في أحكام الخيار، ص: 375

- عليه السلام- لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها «1» و في رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: كان علي ابن الحسين- عليه السلام- لا يردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها، و كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها «2» و في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- ... فوجد بها عيبا لم يردّها و ردّ البائع عليه قيمة العيب «3» و غير ذلك من الروايات الحاكية عمّا هو المرتكز لدى العقلاء، من أنّه ثمن الوصف المتخلّف و لما كان الضمان معاوضيا لا ضمان يد، يتوصّل إلى معرفته، بمعرفة القيمتين ثمّ الأخذ بنسبتهما من أصل الثمن.

و أمّا الأقوال الآخر: فالظاهر هو القول الأوّل على النحو الذي عرفت من

كيفيّة ثبوته في ذمّة البائع بنحو المقتضي لا على نحو الفعلية، للفرق الواضح بين تخلّف الجزء و الوصف، حيث إنّ الاشتغال بقيمة الجزء- لأجل كونه قابلا للتفكيك عن الأجزاء الآخر- فعليّ فيبطل العقد بالنسبة إليه دون الوصف، فيتربّص حتى يختاره المشتري فيعود فعليا، و إلى ذلك يرجع القول الثالث من كون اختياره كاشفا عن اشتغاله حين العقد.

فدراسة معنى الأرش أوصلتنا إلى عدم جواز الارش في الربويين.

2- ما هو الربا:

و أمّا دراسة الربا فهو عبارة عن كونه زيادة حين العقد و بجعل المتعاقدين، فعلى القول بأنّ الارش غرامة فالقيدان منتفيان و على الأقوال فالقيد الثاني أي

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه، الحديث 5.

(3)- المصدر نفسه، الحديث 6.

المختار في أحكام الخيار، ص: 376

«بجعل المتعاقدين» منتف. و بالجملة فهو غير داخل في العوضين و على فرض دخوله ليس بجعل المتعاقدين.

يلاحظ عليه: أنّه إن أريد من كون الارش ليس بجعل المتعاقدين أنّه ليس منه بالحمل الأوّلي، فهو صحيح، حيث إنّ المتبايعين أقدما على المعاملة من دون تصريح بالمقدار الواقع في مقابل الذات، و المقدار الواقع في مقابل الأوصاف، و إن أريد أنّه ليس كذلك، بالحمل الشائع فهو ممنوع إذ للمعيب قيمة، و للصحيح قيمة أغلى، فالإقدام على البيع بقيمة أغلى في غير مورد الربويين أدلّ دليل على أنّه جعل في مقابل وصف الصحّة جزء من الثمن و إن كان غير معلوم من حيث المقدار و يتوصّل في معرفة المجهول إلى معرفة القيمتين ثمّ الوضع من الثمن بتفاوت النسبتين.

و على ذلك فلا يصحّ أن يقال إنّ الارش ليس بجعل المتعاقدين.

و الحاصل: أنّه إذا وقفنا على أنّ الشارع ألغى وصف الصحّة

في الربويين من جانب، و من جانب آخر علمنا أنّ الارش في مقابل الوصف المتخلّف، فأخذه بأي عنوان كان، يضادّ ما هو المعلوم من حاله، من لزوم كون المعاملة مثلا بمثل، و عدم اعتبار الوصف.

و بالجملة: انّ الغاء الوصف و أخذ الفائض لا يجتمعان.

الموضع الثاني: إذا لم يوجب العيب نقصا في القيمة:

إذا كان العيب غير موجب لنقص القيامة، فلا موضوع للارش، لأنّ المفروض أنّ قيمة المعيب ليس بأقلّ من قيمة الصحيح كالسجاجيد

المختار في أحكام الخيار، ص: 377

المستعملة قليلا فإنّ قيمتها في الغرب ليست بأقل من غيرها، ففيها الردّ إن شاء دون الارش.

الموضع الثالث: إذا كان العوضان من النقدين فظهر العيب في أحدهما

بعد انقضاء المجلس فعلى القول بأنّ الارش غرامة لا جزء من العوضين، لا مانع من أخذه بعده سواء كان الارش منهما أو من غيرهما، و أمّا على القول بأنّه جزء منهما فاللازم هو التفصيل بين كونه منهما أو من غيرهما فلا يجوز في الأوّل دون الثاني لأنّه حينئذ يكون البيع ممزوجا من الصرف و غيره و قد حصل القبض بالنسبة إلى ما يلزم فيه التقابض في المجلس، أعني: الصرف، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الثابت في الذمّة- على الارش- هو النقد الغالب، و غيره عوض عنه لا أنّه ارش، و فيه تأمّل يظهر ممّا ذكرنا، في كيفيّة ثبوت الارش في الذمّة.

المواضع التي يسقط فيها الردّ و الارش:

اشارة

قد تعرفت على المواضع التي يسقط فيها الردّ دون الارش، أو العكس، و الآن نبحث عن المواضع التي يسقط فيها كلاهما معا. و إليك البيان:

1- العلم بالعيب قبل العقد:

إذا وقف المشتري على العيب قبل العقد يسقط الرد و الارش، بلا خلاف أجده لأنّ اقدامه معه رضا منه به، و ظهور أدلّة الخيار في غير الفرض مضافا إلى مفهوم خبر زرارة «1».

______________________________

(1)- الجواهر 23/ 238.

المختار في أحكام الخيار، ص: 378

أقول: إنّ خيار العيب، ممّا اتفق عليه العقلاء، و هو عندهم يختصّ بغير صورة العلم، لأنّ العلم به قبل العقد رضا منه به، فليس هنا أرضية للخيار، حتى يكون العلم به مسقطا له، أو مسقطا لأثره من الردّ و الارش، و إن شئت قلت:

العلم مانع من حدوث الخيار أو الجهل به شرط لحدوثه و بذلك يعلم أنّ التعبير بالسقوط توسّع في التعبير، و الموضوع هو الجاهل بالعيب و عدم الخيار في مورد العالم أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع.

و أمّا الاستدلال برواية زرارة، أعني قوله: «أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له ما حدث فيه بعد ما قبضه شيئا، ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع» «1» فلا يخلو عن تأمّل.

أمّا أوّلا: فانّ الرواية سيقت لبيان حكم «من أحدث فيه شيئا بعد القبض و قبل العلم» و أنّ حكمه «أنّه يمضي عليه البيع» و على ذلك «فتكون الجملة المتقدمة أي «و لم يبيّن له» مسوقة لتحقق الموضوع، و الشرط المحقّق له، يكون خلوا من المفهوم».

و بذلك يعلم الفرق بين قوله: «لم يتبرّأ إليه» و قوله: «و لم يبيّن له» حيث تمسّك الشيخ بالأوّل دون الثاني مع كونهما على

مساق واحد، و ذلك لأنّه لم يسق لبيان الموضوع بخلاف الثاني.

و ثانيا: فانّ ما ذكرناه في بحث المفاهيم في مورد القيود، يجري في المقام و هو أنّ القيود بلا استثناء لا تخلو عن مفهوم إذ لو لا المدخلية لما أتى بها المتكلّم، و أمّا أنه لو ارتفعت ارتفع الحكم من رأس، فلا دليل عليه، لاحتمال قيام قيد مكانه، و بعبارة أخرى العلّية محرزة و الانحصار غير محرز، و معه لا يحكم عليها

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 379

بالمفهوم.

هذا فعلى القول بعدم الخيار، لو اشترط المشتري العالم، ثبوت الخيار و أراد منه خيار العيب بأحكامه فهل يصحّ الشرط أو لا؟ الظاهر لا، لأنّ الشروط كالعهد و النذر ليست بمشرعة فلو كان الخيار مشروعا في حقّ الجاهل دون العالم، فلا يمكن تسريته إليه أيضا و هذا هو القانون السائد في جميع العناوين الثانوية، فلا يصحّ جعل الطلاق بيد الزوجة عن طريق الشرط و غيره، و على ذلك يكون الشرط فاسدا، و لا يكون مفسدا كما هو الحال في سائر الشروط الفاسدة، إلّا إذا كان مخلّا بأركان العقد، كما في موردين:

1- إذا كان على خلاف مقتضى العقد.

2- إذا كان موجبا للجهل بالعوضين.

و أمّا في سوى ذلك، فالمشهور و عليه الشيخ الأعظم- كما سيأتي- عدم كون الشرط الفاسد مفسدا.

2- تبرّي البائع عن العيوب:

ممّا يسقط به الردّ و الارش تبرّي البائع عن العيوب بأن يقال: بعتك هذا بكلّ عيب، أو أنا برئ من العيوب ظاهرة كانت أو باطنة، معلومة أو غير معلومة.

قال الشيخ في الخلاف: إذا باع عبدا أو حيوانا أو غيرهما من المتاع، بالبراءة عن العيوب، صحّ البيع و برأ من كلّ عيب ظاهرا

كان أو باطنا، علمه أو لم يعلمه و به قال أبو حنيفة، و للشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها: مثل ما قلناه «ثمّ ذكر قولي الشافعي، و ذكر قوليه أيضا في الثياب، و نقل رأي ابن أبي ليلى»، ثمّ استدلّ على صحّة مذهبه باجماع الفرقة و أخبارهم و عموم «المؤمنون عند

المختار في أحكام الخيار، ص: 380

شروطهم». «1»

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يقع الكلام تارة في العيوب الموجودة، و أخرى في المتجدّدة في أيّام الخيار أمّا الأوّل: فالظاهر عدم الفرق بين التبرّي تفصيلا أو إجمالا غير أنّ ابن ادريس حكى عن بعض أصحابنا عدم كفاية الثاني، و هو قول الاسكافي «2».

و قال القاضي: «قد ذكرنا في كتابنا الكامل: أنّه إذا تبرّأ البائع إلى المشتري من جميع العيوب لم يكن له الردّ و كان ذلك كافيا و مغنيا عن ذكر العيوب على التفصيل و الذي ذكرناه هاهنا من تبيين العيب للمشتري و اطّلاعه عليه على التفصيل أحوط و هو الذي ينبغي أن يكون العمل عليه» «3».

و تدلّ على الصحّة- مضافا إلى انصراف دليل الخيار عن مثله، و أنّ التبرّي من العيوب لا يقصر من العلم به، و عموم «المؤمنون عند شروطهم»- رواية زرارة السابقة «4»، و خبر جعفر بن عيسى «5» «قال: كتبت إلى أبي الحسن: جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلّا نقد الثمن فربّما زهد، فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوبا و أنّه لم يعلم بها، فيقول المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري: لم أسمع البراءة، منها أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن، أم لا

يصدّق فيجب عليه الثمن؟

فكتب: عليه الثمن «6».

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 128- 129.

(2)- المختلف: 193، الفصل الحادي عشر في العيوب.

(3)- المهذب: 1/ 392.

(4)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 2 و مرّت ص 366.

(5)- لم يوثق، و روى عنه محمد بن عيسى العبيدي و هو ثقة على الأقوى.

(6)- الوسائل: ج 12، الباب 8، من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 381

و دلالة الروايتين واضحة و تعرب الثانية عن جريان العادة عليه، و إنّما قدّم قول البائع لأنّ المشتري سلّم أنّه نادى، و لكن ادّعى عدم السماع، فادّعى خلاف الظاهر، فقدّم قول من يوافق قوله الظاهر.

و ربّما يتوهّم أنّ التبرّي يوجب الغرر، لأنّه إنّما يقدم اعتمادا على قوله بالصحّة أو سكوته، فإذا صرّح بعدم الضمان للصحّة، يكون البيع غرريا.

يلاحظ عليه: أنّ الرافع للغرر، ليس تصريحه بالصحّة أو سكوته، بل هو أصل الصحّة في الخلقة و الصنعة و هو بعد حاكم، لأنّ التبرّي ليس بمعنى الاخبار عن كونه معيبا، بل بمعنى عدم الضمان لو بان كذلك، و ما هو الرافع في غير هذا المورد، هو الرافع في المقام غير أنّه كان عليه الضمان في صورة عدم التبرّي بخلاف المقام، و عليه فالأصل، و مشاهدة نفس المشتري، و اخبار غير البائع و شهادة القرائن على الصحّة، كلّها رافعة للغرر و لا فرق بين المقام و غيره إلّا رفع الضمان.

و أمّا التبرّي عن العيوب المتجدّدة في أيّام الخيار فتوهّم كونه من قبيل إسقاط ما لم يجب، قد عرفت النظر فيه، أو كونه من قبيل الاسقاط المعلّق، قد عرفت أنّه ليس في التعليق أيّ اشكال عقلي و لا شرعي إلّا إذا ثبت بطلانه شرعا و

ما يقال من أنّ التبرّي من العيوب المتجدّدة غير متعارف، غير ثابت.

ثمّ إنّ التبرّي من العيب لا معنى له فلا بد من صرفه إلى معنى معقول و المعنى الأوّل من المعاني الثلاثة التي ذكرها الشيخ هو الأنسب و هو التبرّي من الضمان لقبول الردّ أو دفع الارش، و بالتالي يسقط حقّ الردّ و الارش للمشتري. لا إسقاط الخيار، بجميع آثاره، و على كل تقدير فالساقط هو الضمان، أو الردّ و الارش، و أمّا سائر أحكام الخيار، كالتلف قبل القبض أو في زمن الخيار فهو باق

المختار في أحكام الخيار، ص: 382

على حاله. اللّهمّ إلّا أن تدلّ قرائن على سقوط الخيار على الاطلاق.

[أمور أخرى عند بعض الأصحاب يسقط فيها الرد و الأرش]

اشارة

ثمّ إنّ هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الردّ و الارش بها و إليك البيان:

الأوّل: زوال العيب بعد العقد قبل العلم:

إذا زال العيب الموجود حال العقد قبل العلم به فهناك وجوه و أقوال:

1- سقوط الردّ و الارش و هو خيرة العلّامة، و إليه مال السيد الطباطبائي و المحقّق الايرواني في تعليقتهما.

2- سقوط الردّ دون الارش و هو مختار الشيخ الأعظم.

3- عدم سقوطهما كما ذهب إليه السيد الأستاذ- قدّس سرّه- و هو الأقوى.

أمّا الأوّل: فهو الظاهر من كلام العلّامة حيث نزّل المقام بزوال العيب قبل العقد و من المعلوم أنّ حكم المشبه به هو عدمهما. و استظهره السيد الأستاذ من كلامه «و سبق العيب لا يوجب خيارا» «1» و سواء أصحّ الاستظهار أم لا فليس له دليل سوى ادّعاء انصراف دليل الردّ و الارش عن هذه الصورة بحجة أنّ الحكمة لجعلهما هو كون الصبر على المعيب ضررا و هو منتف في المقام، و الحكم و إن كان غير دائر مدار الحكمة لكنّها تصلح لأن تكون سببا لانصراف الدليل عن مورد انتفائه أحيانا.

يلاحظ عليه: أن لا وجه للانصراف بعد إطلاق رواية زرارة و مرسلة جميل كما سيوافيك بيانه.

______________________________

(1)- يحتمل أن يكون الخيار كناية عن حل العقد و امضائه و أمّا الارش فلا صلة له بالخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 383

أمّا الثاني: أعني: سقوط الردّ دون الارش فمبنيّ على أنّ موضوع الردّ، هو المعيب و مع انتفاء العيب لا موضوع له، و لا يجوز الاستصحاب لانتفاء الموضوع، و أمّا الارش فيثبت بنفس العقد لأجل فوات وصف الصحّة عند العقد فيستصحب حتى يثبت الفراغ.

يلاحظ عليه: أنّه تفكيك غريب مع وحدة الدليل «1» فلو كان الارش قائما بالعقد، فالردّ أيضا كذلك و إن

كان الردّ قائما بالمبيع المعيب فالارش مثله.

و بعبارة أخرى: الموضوع إمّا المتلبس بالعيب فيسقطان، أو العقد على المعيب فيثبتان.

أضف إلى ذلك: أنّه لو سلّمنا أنّ موضوع الردّ في لسان الدليل، هو ردّ المعيب لكنّه لا يكون مانعا من استصحاب جواز ردّه إذا زال العيب، لأنّ الميزان في صحّة الاستصحاب، هو وحدة القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة، لا بقاء موضوع الدليل، و يظهر ذلك بتوضيح مثال: إذا ورد الدليل على أنّ الماء المتغيّر نجس، ثمّ زال التغيّر بنفسه، فموضوع الدليل الاجتهادي و إن كان مرتفعا لكنّه لا يمنع عن استصحاب نجاسة الماء، و ذلك لأنّه بعد انطباق الدليل على الماء المتغيّر، يصير الموضوع، للحكم الجزئي هو ذاك الماء في حالة التغير، فلو زال التغيّر فالموضوع باق و الوحدة بين القضيتين محفوظة، فيقال: كان هذا الماء نجسا، و الأصل بقاؤه. و مثله المقام، فانّ الموضوع في لسان الدليل للردّ، هو المعيب لكن الحكم الكلّي إذا انطبق على العين الخارجية يكون الموضوع للحكم الجزئي هو تلك العين، و المفروض أنّه محفوظ لأنّ زوال العيب، لم يبدله إلى موضوع آخر و قد أوضحنا حاله عند البحث عن الاستصحاب التعليقي في علم الأصول.

______________________________

(1)- صحيحة زرارة و مرسلة جميل الباب 16 من أبواب الخيار الحديث 2 و 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 384

و الظاهر هو الوجه الثالث و ذلك لأنّه مضافا إلى أنّ نفس وجود العيب و زواله بعد العقد، يعدّ نقصا في المعيب، أنّه مقتضى اطلاق رواية زرارة الدالة على أنّ الموضوع للردّ و الارش هو أمران:

1- وجود العيب حال العقد.

2- عدم تبرّيه منه و تبيينه له. و مقتضاه ثبوتهما مطلقا زال العيب أم لا، و لو كان البقاء

شرطا إلى زمان الاعمال كان له التقييد.

و مثلها رواية جميل فقوله: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا» و إن كان ظاهرا في بقاء العيب، لكنّه ظهور بدئي لأنّ الوجدان طريق إلى وجود العيب حال العقد. و انّ تمام الموضوع هو ذاك.

و حاصل الروايتين، كفاية وجود العيب حال العقد، غير أنّ تصرّف المشتري يوجب سقوط الرد دون الارش و المفروض عدمه.

الثاني: التصرّف بعد العلم بالعيب:

إذا تصرّف بعد العلم بالعيب فهل يسقط الرد و الارش كما هو خيرة ابن حمزة «1» أو يفصل بين الرد و الارش فيسقط الأوّل دون الثاني كما عليه الشيخ الأعظم؟

أقول: قد تقدم في باب «مسقطات الخيار» انّ التصرّف قبل العلم مسقط للرد دون الارش انّما الكلام في التصرّف بعد العلم، و من المعلوم انّه ليس الكلام في مطلق التصرّف- كما مرّ توضيحه في التصرّف قبل العلم- بل الكلام في

______________________________

(1)- الوسيلة/ 257.

المختار في أحكام الخيار، ص: 385

موردين:

1- التصرّف المغيّر كما في مرسلة جميل.

2- ما يعدّ إنشاء فعليا للاسقاط و حاصل ما استدل به ابن حمزة: انّه كاشف عن الرضا بالمبيع بوصف العيب فسقط الردّ. و ما دلّ على الارش مختص بالتصرّف قبله فيسقط الارش و تكون النتيجة سقوطهما.

و يرد على الأوّل: أنّه لو افترضنا انّه دال على الرضا بالمبيع مع عيبه فليس دالا على انّه راض به مطلقا إذ الرضا به يتصور على وجهين: مجردا عن الارش و معه، و الرضا بالمطلق ليس دليلا على الرضا بالمقيد.

و يرد على الثاني: أنّ تخصيص ما يدل على سقوط الرد دون الارش، بصورة التصرّف قبل العلم ليس في محلّه، فانّ مرسلة جميل مطلقة، تدلّ على سقوط الردّ مع التصرّف دون الارش مطلقا كان التصرّف

قبل العلم أو بعده، و مثله ما رواه عبد الملك بن عمير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- «1» حيث قال: لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و له ارش العيب، و مثله ما رواه محمد بن ميسر، فلاحظ «2».

هذا مقتضى الصناعة الفقهية و امّا السيرة العقلائية فربما لا يعذّرون المتصرّف و يجعلون التصرّف دليلا على الرضا بالمبيع المعيب بلا ارش- و معه- يشكل الاعتماد على الاطلاقات، و اللّه العالم.

و بذلك يظهر أنّه لو كان التصرّف في نظر العرف إنشاء فعليا لاسقاط

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 8.

المختار في أحكام الخيار، ص: 386

الارش و قبول المبيع مطلقا، يسقطان قطعا و ليس الكلام في هذه الصورة و إلّا لما جاز النزاع و لأجل ذلك جعلنا التصرّف على قسمين، و ركّزنا البحث على الأوّل:

أي: المغيّر غير الدال على إسقاط الارش.

الثالث: التصرّف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب:

كالعبد الخصيّ، فانّ الارش كان ساقطا لعدم نقصان قيمته فيسقط الرد بالتصرّف.

استدل على سقوطهما بانّ الصبر على المعيب في مثله لا يعدّ ضررا لأنّ التضرّر المالي منتف، و التضرّر من حيث القصد إلى خصوصية مفقودة في العين، مع قطع النظر عن قيمته، قد رضى به المشتري و أقدم عليه بتصرّفه فيه.

يلاحظ عليه: أنّ البحث فيما إذا تصرّف قبل العلم بالعيب و إلّا فيدخل في القسم الثاني. و معه كيف يمكن عدّه دليلا على الرضا بالمعيب الفاقد للخصوصيّة المقصودة.

استدلّ على عدم سقوط الرد بالتصرّف في المقام بأنّ المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرّف فيما إذا أمكن أخذ الارش، و إلّا فمقتضى القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرّف كما في غير

العيب و التدليس من أسباب الخيار.

يلاحظ عليه: أنّ تخصيص أدلّة سقوط الردّ بالتصرّف بمورد إمكان أخذه، لا وجه له فانّ مقتضى اطلاق مرسلة جميل سقوط الرد مطلقا سواء أمكن أخذ الارش أو لا. حيث قال: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن و إن كان الثوب قد قطع أو صبغ يرجع بنقصان العيب» فانّ الظاهر أنّ سقوط

المختار في أحكام الخيار، ص: 387

الرد بالتصرّف بالقطع، مطلق غير مقيّد بثبوت الارش، فانّ هنا قضيتين مستقلتين:

احداهما: الرد إذا كان الشي ء قائما بعينه، و الأخرى: الرجوع بنقصان العيب إن لم يكن كذلك، فليس مفهوم القضية الأولى مقيدا بمنطوق القضية الثانية، فالظاهر هو سقوط الرد و الارش معا.

الرابع: حدوث العيب في المعيب الذي لا تنقص قيمته بالعيب:

قد تقدم أنّ من مسقطات الردّ حدوث عيب عند المشتري و هو إمّا أن يحدث قبل القبض، أو يحدث بعده في زمان خيار يضمن فيه البائع المبيع، كخيار المجلس و الحيوان، أو يحدث بعد مضيّ زمان الخيار و المراد من كون العيب الحادث مانعا عن الرد هو الأخير «1» و على ضوء هذا يكون المراد من حدوث العيب هنا هو هذا القسم إذ من المعلوم عدم كونه مانعا في القسمين الأوّلين لضمان البائع المبيع.

و الدليل عليه مرسلة جميل لعدم بقاء الشي ء بحاله.

و أورد عليه الشيخ بوجوه:

1- انّ الصبر على المعيب ضرر على المشتري، فيردّه على البائع مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا للنقص.

2- انّ النص الدال على اشتراط الرد بقيام العين مختص بمورد إمكان تدارك ضرر الصبر على المعيب بالارش.

3- ليست المسألة إجماعية لمخالفة المفيد في أصل المسألة أي كون العيب الحادث مانعا من الرد في غير هذا المورد أيضا.

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات: 257، طبعة

تبريز.

المختار في أحكام الخيار، ص: 388

4- استصحاب جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب.

يلاحظ عليه: أنّ المهم هو الوجه الثاني و هو أيضا غير تام لأنّ مفهوم قوله:

«إن كان الشي ء قائما بعينه رد على صاحبه» غير مقيد بشي ء فهو المحكّم من غير فرق بين امكان أخذ الارش و عدمه.

و بذلك ظهر ضعف الوجوه الباقية لأنّ ضرر المشتري معارض بضرر البائع، بالصبر على العيب الحادث خصوصا إذا كان غير موجب للارش حسب رأي القوم كما في الصفات الكمالية مثل نسيان الكتابة.

و ليس الدليل منحصرا بالاجماع حتى يخدش بمخالفة المفيد، و لا موضوع للاستصحاب مع وجود الدليل الاجتهادي. فالسقوط ردّا و أرشا هو الأقوى و عليه سيرة العقلاء.

الخامس: إذا حدث العيب أو تصرّف في المعيب الذي لا يجوز أخذ الارش فيه لأجل الربا:
اشارة

أمّا الأوّل: فيجري فيه ما ذكرناه في حدوث العيب في المعيب الذي لا تنقص قيمته، فقلنا: إنّ المحكم هو مرسلة جميل الدالة على سقوط الرد لأجل عدم بقاء العين بحالها. و أمّا الثاني: فقد عرفت انّ المسقط ليس إلّا المغيّر للعين و أمّا غيره فلا، اللّهمّ إلّا أن يكون العمل إنشاء فعليا في الرضا بالمعيب بلا أرش فيكون مسقطا للرد، و يكون الارش ساقطا بمعنى عدم الموضوع له بعد الرضا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 389

الاستدلال على عدم جواز الرد:

استدل العلّامة على عدم جواز الردّ باستلزامه الربا، و ظاهر كلامه استلزامه الربا في الفسخ لقوله: «لأنّ المردود حينئذ يزيد على وزن عوضه» و مع هذا احتمل الشيخ الأعظم في كلامه وجهين:

أحدهما: انّه يستلزم الربا في أصل المعاوضة، و الآخر استلزامه في الفسخ، و أوضح الوجه الأوّل بكلام لا يخلو عن تعقيد و حاصله: أنّ الردّ مع الارش للعيب الحادث، يكشف عن أنّ وصف الصحّة مضمون في الربويات كغيرها و إلّا فلا وجه لضمان العيب الحادث المزيل لوصف الصحّة، فلو كان وصف الصحّة مضمونا يلزم زيادة المثمن على الثمن في أصل المعاملة من حيث المقدار، لأنّه إذا وقع بعض الثمن في مقابل وصف الصحة للمثمن، يكون الباقي في مقابل المثمن و هو أقل وزنا بالنسبة إلى المثمن لخروج بعضه عن كونه واقعا في مقابله بوقوعه في مقابل وصف الصحّة.

و أمّا لزومه عند الفسخ فلو فرضنا انّه لم يقابل وصف الصحّة بشي ء عند المعاوضة لكنّه إذا ضم إلى المثمن شي ء عند الفسخ و هو الارش يلزم زيادة أحد العوضين على الآخر.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ ظاهر كلام العلّامة- قدّس سرّه- لزوم الربا في الفسخ لا في أصل المعاوضة لقوله: «لأنّ المردود

حينئذ يزيد على وزن عوضه» فاحتمال لزومه في أصل المعاوضة مرجوح لا يصار إليه.

و ثانيا: انّا نختار كلّا من الشقين و نجيب عن الاشكال، و نقدّم الشق الثاني

المختار في أحكام الخيار، ص: 390

في البحث فنقول.

أمّا الشق الثاني: أي عدم لزومه في الفسخ، فلأنّه إنّما يلزم لو كان الفسخ معاوضة جديدة بين المتجانسين و احداثا لملكية جديدة لكل من المتعاملين متغايرة لما كانت قبل المعاوضة فلو كان كذلك تلزم الزيادة و لان المفروض كونهما متجانسين إمّا موزونين، أو مكيلين.

و أمّا لو كان الفسخ هو حلّ العقد، و جعله كأن لم يكن فكما أنّه لو لم يكن هناك أيّ عقد و معاوضة كان الجنسان باقيين على ملك مالكهما الأوّل فهكذا إذا حلّ العقد و فسخ فيكون مثل ما لم يكن. و توهّم أنّ تفسير الفسخ بهذا المعنى، يستلزم اعادة المعدوم بعينه و هي محال، مدفوع بأنّها محال في التكوين دون الاعتبار، فلا اشكال في الحكم بالاعادة إذا ترتّب عليه أثر، فإذا كان كذلك و رجع كل شي ء إلى حاله السابق يجب على المشتري الارش لما تلف تحت يده من وصف الصحّة مثل ما لو تلف تحت يده مال الغير. و هذا الضمان ليس ضمانا معاوضيا بل ضمان يد فلا تشمله أدلّة حرمة الزيادة في المعاوضة.

فإن قلت: إنّ مجرى ضمان اليد، تلف مال الغير بعينه أو وصفه تحت يده، كالمقبوض بالسوم فيضمنه القابض وصفه و عينه بخلاف المقام فإنّ المفروض أنّه تلف وصف الصحّة، و العين ملك للمشتري لا للبائع فقياس المقام بالمقبوض بالسوم قياس مع الفارق.

قلت: إنّ ظرف التلف يباين ظرف الحكم بالضمان، فانّ التلف و إن كان في ملك المشتري، لكن الحكم به إنّما

هو بعد الفسخ، و التلف و إن لم يكن له أثر حدوثا لكن يترتّب عليه الأثر بقاء إلى بعد الفسخ، و لما كان مقتضى الفسخ عود المبيع إلى البائع على ما هو عليه من الأوصاف فلا محيص عن الحكم بالضمان عند

المختار في أحكام الخيار، ص: 391

العود أو بعده، لما تلف في يده من غير فرق بين تعلّقه بالوصف أو بالعين، و لأجل ذلك لو فسخ و العين تالفة يحكم بالضمان و لا يعتد بالقول بأنّها تلفت و هي في ملكه. و مثله ما لو فسخ و الصحّة تالفة.

هذا كلّه حول الشق الثاني أي: تصوّر الربا عند الفسخ، و أمّا الشق الأوّل أي: القول باستلزامه الربا في أصل المعاوضة، على التقرير الذي عرفته من الشيخ فهو غريب جدا.

لأنّه يكفي في صحّة المعاوضة كون وصف الصحّة غير مقابل بشي ء من الثمن، بل كان الثمن في مقابل ذات العين لا هي مع وصف الصحّة. و لكن لمّا كان الصبر على المعيب بالعيب القديم ضررا على المشتري، و كان إلزام البائع بقبوله بلا أرش ضرر عليه، فلا جرم يحكم بجواز الرد مع الارش أخذا بقاعدة العدل و الانصاف فالحكم بالارش ليس لأجل ضمان وصف الصحّة حين المعاوضة بل لأجل تدارك الضرر المتوجّه على البائع، و على ذلك فلا مانع من الرد مع الارش.

ثمّ إنّه نقل عن جماعة من الأصحاب وجه آخر لتدارك الضرر و هو فسخ البيع و فرض المبيع تالفا لامتناع ردّه أمّا الارش فلاستلزامه الربا، و أمّا بدونه لاستلزامه الضرر، فيدفع مكانه من جنسه معيبا بالعيب السابق و سليما عن الجديد.

يلاحظ عليه: أنّه كيف يحكم عليه بامتناع الرد، مع أنّه لا مانع من الرد بلا

أرش، و استلزامه الضرر على البائع لا يجعله من أقسام ممتنع الرد. كالمغروق في الماء فالظاهر أنّه لا مانع من الردّ مع الارش بلا لزوم الربا مطلقا في أصل المعاوضة و لا في الفسخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 392

السادس: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار:

قد استظهر الشيخ الأعظم من عبارة الغنية سقوط الرد و الارش فيما إذا أخّر المشتري الأخذ بمقتضى الخيار، و هذا مبني على كون الخيار فوريا. و نقل عن المبسوط و الوسيلة سقوط الرد دون الارش و ربّما يحتمل أن تكون عبارة الغنية ناظرة إلى هذا القسم.

و صريح الحدائق و محكي الكفاية، بقاء الخيار، و قال الأوّل: المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف: أنّه إذا علم بالعيب و لم يرد لم يبطل خياره، و لو تطاولت المدة. و جعله في التذكرة أقرب «1».

وجه الأوّل: «أنّ التأخير دليل الرضا»، لكنّه غير تام صغرى و كبرى، أمّا الصغرى فلأعمّية التأخير عن الرضا و ربّما يكون التأخير لأجل التدبّر في عاقبة الأمر و تشخيص المصلحة و لو فرض كونه كاشفا عنه فهو لا يوجب سقوط الارش إلّا إذا اقترن بالانشاء الفعلي أو القولي، كما هو الحال في الابراء.

وجه الثاني: كونه مقتضى أصالة اللزوم في العقود. خرج عنه حال العثور على العيب.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يرجع إلى عموم العام إذا لم يكن للمخصّص اطلاق، و المفروض في المقام وجود الاطلاق فيه، فقد جاء في روايتي زرارة و مرسلة جميل، قوله: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن»، و ما أفاده الشيخ من كون الروايتين في بيان أصل الخيار في غير محلّه، لأنّهما متعرّضتان لحكم الرد، و الارش في موضع عدم الرد، فكيف يصح أن

يقال إنّه في مقام الاجمال، بل الظاهر

______________________________

(1)- الحدائق، ج 9 ص 117.

المختار في أحكام الخيار، ص: 393

أنّ كونه قائما بحاله تمام الموضوع للرد و الارش.

هل يجب اعلام العيب:

إذا باع شيئا فيه عيب فهل يجب عليه الاعلام؟ فلو لم يبيّن فعل فعلا محظورا كما عليه الشيخ الطوسي في المقام. أو لا يجب كما عليه المحقّق في الشرائع، أو يفصل بين العيوب الظاهرة و الخفية أو بين التبرّي و غيره، إلى غير ذلك من الأقوال.

قال الشيخ: في الخلاف: من باع شيئا و به عيب لم يبيّنه فعل فعلا محظورا «1».

و قال المحقّق: إذا أراد بيع المعيب، فالأولى إعلام المشتري بالعيب، أو التبرّي من العيوب مفصلة. لا شك أنّ مقتضى المروءة هو بيان العيوب الخفية بل الظاهرة إذا كان المشتري غير عارف بالعيب. إنّما الكلام في وجوب البيان، أو حرمة الكتمان مطلقا أو في صورة كونه خفيا، أو عدم التبرّي و ليس هنا دليل صالح لاثبات الوجوب، أو تحريم الترك، سوى كونه غشّا، لكن الغش خلاف النصح، و هو أمر وجودي لا يصدق إلّا إذا صدر من المكلّف أمر يوجب ستر الحقيقة، كما إذا مزج اللبن بالماء أو الحنطة به، و أمّا إذا لم يصدر منه شي ء و إنّما عرضه على ما هو عليه، ساكتا عن بيان العيب، فلا يعد غشا.

نعم ربّما يقال: إنّ كتمان العيب الخفي غش لأنّ اطلاق العقد منصرف إلى السلامة لكنّه غير تام لأنّ الانصراف ليس كالتصريح بالسلامة، فغاية الانصراف ثبوت الخيار عند ظهور الخلاف.

______________________________

(1)- الخلاف: 3/ 125، المسألة 211 من أحكام البيوع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 394

في أحكام اختلاف المتبايعين

اشارة

إذا اختلف المتبايعان يقع الكلام تارة في نفس الخيار، و أخرى في موجبه، و ثالثة في مسقطه، و رابعة في إعماله بالفسخ، و قبل الخوض في المقصود نأتي بما ألمعنا إليه سابقا و هو تعيين ما هو المعتمد في تشخيص المدّعي عن

المنكر، فنقول: انّ الفقهاء- رضوان اللّه عليهم- ذكروا ضوابط لتشخيصهما و قالوا: المدّعي: من لو ترك ترك، أو سكت يسكت الأمر، أو هو من بصدد إثبات قضية.

أقول: إنّ المدّعي و المدّعى عليه الوارد في النص «1» من الموضوعات العرفية التي لا مناص في التعرّف عليها من الرجوع إلى العرف و الاعتماد على تشخيصه، فمن حكم عليه العرف بأنّه مدّع و الآخر منكر، يؤخذ به كما أنّه لو حكم بكون كل واحد مدّعيا يلحق بباب المتداعيين، فالأولى للقاضي الاستمداد من العرف في تشخيصهما.

ثمّ إنّه ربّما يجعل موافقة الأصل ميزانا لتشخيص المنكر عن المدّعي، فلو أريد من الأصل هو أصالة البراءة أو أصالة الصحّة، و أصالة اللزوم فهو يتّحد مع الضابطة السابقة، و أمّا لو أريد الأعم منها و مطابقة الحالة السابقة فربّما يتفارقان، و يكون المنكر حسب مطابقة قوله الأصل مدّعيا في نظر العرف، كما سيوافيك بيانه في الفروع الآتية، فالصدق العرفي مقدّم على الأصل عند التعارض، فالأولى للفقيه هو جعل العرف مرجعا سواء أوافق قول المنكر الأصل الحاكم في المسألة أو لا.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 18، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 395

فإن قلت: فما فائدة الأصل الجاري في المسألة، مع كونه هو الحجّة فلو كانت العين في يد زيد، و ادّعاها عمرو، يحكم لزيد حتى يثبت خلافه.

قلت: الأصل هو المحكم في المسألة قبل طرح الخصومة، و ليس هو الفاصل لها، بل الفاصل لها هو بيّنه المدّعي أو يمين المنكر فأثر الأصل هو ترتيب الأثر عليه في غير مورد الخصومة، و أمّا إذا انتهى الأمر إليها، فلا أثر له، بل يقدّم قول المنكر سواء أ كان قوله موافقا للأصل

أم مخالفا و لا تجديه موافقة الأصل إلّا إذا كان ملازما لكونه منكرا فيتوجّه عليه اليمين فتكون الموافقة مع الأصل، كالحجر في جنب الانسان، نعم لو انصرف المدّعي عن طرح الخصومة، يحكم بكون العين له، أخذا بمفاد الأصل.

إذا عرفت ذلك فيقع الكلام في مقامات أربع:

المقام الأوّل: الاختلاف في الخيار:

لو اختلفا في وجود الخيار و عدمه فالقول، قول المنكر بيمينه، لأنّ الآخر يدّعي أمرا جديدا ينكره الآخر، و طبع العقد و العهد هو اللزوم، فادّعاء الخيار ادّعاء أمر جديد فلو ترك، ترك بخلاف القائل باللزوم فإنّ قوله موافق لطبع العقد، فلو سكت، لم يسكت عنه.

و أمّا تقديم قول المنكر لمطابقة قوله الأصل أي أصالة عدم الخيار، فهو مثبت لأنّ المتيقّن هو عدم الخيار مع انتفاء الموضوع، و المقصود هو عدم الخيار مع وجود الموضوع و استصحاب السالبة بانتفاء الموضوع لغاية إثبات السالبة بانتفاء المحمول من الأصول المثبتة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 396

المقام الثاني: الاختلاف في موجب الخيار:

اشارة

إنّ الاختلاف في موجب الخيار على أقسام ستة نشير إليها:

الأوّل: لو اختلفا في تعيّب المبيع

مع كون المبيع مسبوقا بالصحّة أو مجهول الحال، و تعذّرت ملاحظته لتلف أو نحوه، فالقول قول منكره بيمينه، لأنّ التعيّب على خلاف طبع المبيع، فادّعاء العيب شي ء جديد يحتاج إلى دليل.

الثاني: إذا كان المبيع مسبوقا بالعيب، و ادّعى البائع عدمه حين العقد

، فبما انّه يسلّم وجوده قبل العقد فيدّعي زواله يكون مدّعيا و المشتري منكرا عرفا و إن لم ينطبق عليه التعريف المذكور: من لو ترك ترك، و أمّا جعل المشتري منكرا لمطابقة قوله الأصل فهو منظور فيه لأنّ استصحاب بقاء العيب لا يثبت وقوع العقد على المبيع الذي هو الموضوع للخيار.

الثالث: لو اختلفا في كون شي ء عيبا و تعذّر تبيّن الحال

لفقدان أهل الخبرة فلا شك أنّ البائع منكر و المشتري مدّع في نظر العرف، و لذا لو ترك ترك، و أمّا الاعتماد في جعل البائع منكرا على الأصلين، أعني:

أ: أصالة عدم كون الحيوان معيبا.

ب: أصالة عدم كون الشي ء الموجود عيبا.

فمنظور فيه، لأنّ الأوّل مثبت لأنّ عدم كونه معيبا لا يثبت عدم كون الشي ء المتنازع فيه عيبا إلّا بالملازمة العقلية.

كما أنّ الأصل الثاني أيضا مثبت، لأنّه لم يكن عيبا عند عدم وجوده، فإذا

المختار في أحكام الخيار، ص: 397

وجد يشك في اتصافه بالعيب، فاستصحاب مثله من الأصول المثبتة أي استصحاب عدم المحمول في ظرف عدم وجود الموضوع و اثبات عدمه مع وجود الموضوع.

فالأولى طرح تلك الأصول و الاعتماد على تشخيص العرف.

الرابع: لو اتفقا على كونه عيبا و اختلفا في كونه موجبا للنقص أو لا،

كان له الرد لاتفاقهما عليه، و أمّا الارش فعلى مدّعيه أي المشتري البيّنة، فيؤخذ بقول المنكر مع يمينه.

الخامس: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخّره عن ذلك
اشارة

كحدوثه بعد القبض و انقضاء الخيار، فانّه لو حدث قبل العقد، أو بعده، و قبل القبض أو بعده، و قبل انقضاء الخيار، فالضمان، على البائع، كما أنّه لو حدث بعد الأخير، فليس عليه شي ء و على ذلك فالمشتري هو المدعي و البائع هو المنكر.

هذا إذا كان المعتمد هو العرف، و أمّا إذا كان الميزان هو التطابق مع الأصل و عدمه فيحتاج إلى مزيد بيان:

ألف: إذا اختلفا في حدوث العيب قبل العقد و عدمه، فالأصل الجاري المؤيد لقول البائع، هو أصالة عدم كون المبيع معيبا إلى زمان العقد، و هو و إن كان أصلا أصيلا لكنّه لا يثبت موضوع الدليل الاجتهادي لأنّ اللزوم من آثار العقد على المبيع الصحيح، أو المبيع غير المعيب بنحو الوصف و التقييد، و كونه صحيحا إلى ذلك الأوان، يلازم وقوع العقد على الصحيح أو غير المعيب.

فإن قلت: إنّ الباقي تحت العام هو نفس المبيع لا المبيع الصحيح أو المبيع

المختار في أحكام الخيار، ص: 398

غير المعيب و إنّما خرج «ما به عيب و عوار و لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له» «1» فاللازم انّما هو نفي عنوان المخصّص بالأصل و هو به كافل، لا اثبات عنوان آخر كالمبيع الصحيح أو غير المعيب، كما هو الحال في المرأة المتردّدة بين كونها قرشية و عدمها فيكفي في الدخول تحت العام، نفي كونها قرشية و لا يتوقف على اثبات كونها غير قرشية.

قلت: إنّ الموضوع حسب الإرادة الاستعمالية و إن كان هو المبيع، لكنّه حسب الإرادة الجديّة مقيدة بغير عنوان المخصص، و معنون به فيكون

الموضوع:

العقد المتعلّق بغير المعيب و هو بنحو التقييد غير محرز، و هذا هو الحال أيضا في المرأة المردّدة بين القرشيّة و عدمها، فانّ الباقي تحت العام هو: المرأة غير القرشية ترى الدم إلى خمسين لا مطلق المرأة و إن كان الموضوع حسب الإرادة الاستعمالية هو نفس المرأة.

ب: إذا اختلفا في حدوث العيب بعد العقد، و قبل القبض أو بعد القبض و قبل انقضاء الخيار و عدمه، و اتفقا على وقوع العقد على الصحيح فالضابطتان متوافقتان، لأنّ البائع منكر عرفا و قوله مطابق للأصل غير المثبت، و هو عدم حدوث العيب بعد العقد، إلى انقضاء خيار المشتري، فانّ الموضوع لعدم الضمان هو العقد على الصحيح غير المعيب إلى انقضاء الخيار، فهو يستصحب بهذا الوصف، لأنّه عقد عليه و هو صحيح و لم يطرأ عليه عيب فيحكم بالبقاء إلى زمان الانقضاء.

و أمّا إذا لم تعلم الحالة السابقة يكون الأصل الجاري و هو أصالة عدم

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12 الباب 16، من أبواب الخيار، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 399

حدوث العيب إلى زمان القبض أو زمان الانقضاء، مثبتا بالنسبة إلى موضوع اللزوم و هو العقد على المبيع الصحيح غير المعيب إلى زمان الانقضاء إذ هو بهذا العنوان لم يكن متحققا حتى يستصحب.

هذا كلّه إذا لم يدّع البائع شيئا و إلّا فلو ادّعى حدوثه بعد الانقضاء يكونان متداعيين، لأنّ كلّا منهما يدّعي موضوعا ذا أثر شرعي، و لا يثبت بالأصل تأخر العيب كما هو مدّعى البائع، غاية الأمر يثبت عدم موضوع للخيار لكنّه غير مدّعى البائع أعني تأخر العيب.

و لعلّ المروي عن ابن الجنيد من «انّه إذا ادّعى البائع حدوث العيب عند المشتري، حلف المشتري إن كان

منكرا»، لأجل كون البائع مدّعيا عندئذ و إن وجّهه الشيخ الأعظم بوجه آخر و هو تقديم قوله: لأجل أصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود، أو أصالة عدم استحقاقه الثمن كلّا، أو أصالة عدم لزوم العقد، نظير ما إذا ادّعى البائع تغيّر العين عند المشتري، مع إنكار المشتري له.

يلاحظ عليه: أنّ هذه الأصول- مضافا إلى عدم معهوديّتها في زمن ابن الجنيد- كلّها أصول مثبتة، و الحالة السابقة هو العدم المحمولي الذي يجتمع مع عدم الموضوع، و الحالة المشكوكة هي العدم الرابط، الذي لا ينفك عن وجود الموضوع، مثلا انّ المتيقن من عدم تسليم البائع هو عدم تسليمه لأجل عدم وجود العقد و البيع، بل لعدم وجود البائع و المشتري، و بقاء ذلك العدم المحمولي بعد تحقق أصل التسليم يستلزم بقاءه في ضمن العدم الرابط و هو التسليم على غير الوجه المقصود و هو مثبت.

و مثله الأصل الثاني: لأنّ المتيقن عدم استحقاقه للثمن كلا لأجل عدم

المختار في أحكام الخيار، ص: 400

العقد، و عدم الاستحقاق من رأس و عدم تعنون كل ذات من الثمن و المثمن بهما، ففي هذا الظرف لم يكن البائع مستحقا للثمن كلّه، و المقصود هو ابقاء ذلك العدم بعد العقد و تعنون كل منهما بالثمنية و المثمنية و ثبوت أصل الاستحقاق.

و مثله الأصل الثالث، فانّ عدم اللزوم لأجل عدم الموضوع، و هو العقد و المقصود في النهاية هو عدم اللزوم بعد تحقّق الموضوع.

ثمّ إنّ النزاع في التقدّم و التأخّر انّما يسمع إذا لم تكن هناك قرينة حالية دالة على تعيين عروض العيب و إلّا فيتبع بلا شك.

ثمّ إنّ المنقول عن العلّامة في التذكرة: «إنّه لو أقام كل من

المنكر و المدّعي بيّنة عمل بها، و لو أقاما بيّنة يعمل ببيّنة المدّعي» و لكنّ العمل ببيّنة المنكر مبني على سقوط اليمين عنه بها، و هو مورد اختلاف، و أمّا الثاني فهو موافق للقاعدة لأنّ البيّنة حق المدّعي، كما انّ اليمين حق المنكر، فلا تقاوم بيّنته بيّنة المدّعي، و العجب انّ السيد الأستاذ- قدّس سرّه- حمل كلام العلّامة على تقديم بيّنة المنكر على بيّنة المدّعي «1» ثمّ استشكل عليه و هو غير ظاهر من عبارة العلّامة، فلاحظ.

كيفية حلف المنكر:

إنّ المتبادر من قوله: «البيّنة للمدّعي و اليمين على المدّعى عليه» هو لزوم وحدة مصب الدعوى و ردّها فلو ادّعى عليه شي ء، و حلف على شي ء آخر ربّما

______________________________

(1)- المتاجر: 5/ 94.

المختار في أحكام الخيار، ص: 401

يجامع الدعوى، لا يكون الحلف فاصلا للخصومة، و الحلف الفاصل هو ما يكون قاطعا للدعوى و رافضا لها و تترتب على ذلك أمور:

1- إذا كان البائع واقفا على حال المبيع، فادّعي عليه حدوث العيب قبل البيع، يجب عليه الحلف البتي على عدم التقدم، نعم ليس له إلّا انكار التقدم لا ادّعاء تأخره عن العقد و إلّا ينقلب مدّعيا و يكونان متداعيين.

ثمّ إنّه إذا كان منكرا ليس له الحلف إلّا على نفي التقدم، و أمّا الحلف على نفي استحقاق الرد و الارش كما عن الشيخ الأعظم فموضع تأمّل، لأنّه ليس ردّا للدعوى و انّما هو لازم نفي الدعوى. اللّهمّ إلّا أن يكون اللازم و الملزوم في نظر العرف ممّا اختلف لفظه، و اتحد معناه.

2- أمّا إذا لم يكن واقفا على حال المبيع، فهناك احتمالات:

أ- الحلف على نفي العلم.

ب- الحلف القطعي استنادا إلى الأصل كأصالة عدم التقدم، أو أصالة السلامة.

ج- ردّ الحلف على

المدّعي.

د- القضاء بمجرد النكول من دون ردّ الحلف الى المدّعي.

و الأوّل كما ترى، لأنّ الدعوى هو وجود العيب قبل العقد، فلا ينفى إلّا بالحلف على عدم وجوده قبل العقد لا على نفي العلم، فإنّه يجتمع مع أصل الدعوى، و الحلف الفاصل هو ما يكون ردا للدعوى لا جامعا معها.

و أمّا الثاني: فمثل الأوّل، لأنّ المدّعي يدّعي وجود العيب واقعا قبل العقد، و الحلف استنادا إلى الأصل ينفي العيب ظاهرا لا واقعا، فلا يكون ردّا لقول

المختار في أحكام الخيار، ص: 402

المدّعي و بالتالي لا يكون فاصلا للخصومة. و الثالث هو المتعيّن، و الرابع خلاف الاحتياط.

نعم لو ادّعى المشتري علم البائع بالعيب، فله أن يحلف على عدم علمه و هو خارج عن البحث.

3- إنّ الحلف القطعي يتوقّف على العلم الوجداني أو الطرق الشرعية إلى الواقع، و أمّا الاستناد إلى الأصول التي ليست طريقا إلى الواقع فلا يصح أن تكون سندا للحلف لما عرفت من أنّه يجب أن يكون ردّا لدعوى المدّعي، و الحلف المبني على مفاد الأصل لا يكون ردّا لها، بل ربّما يكون جامعا معها.

السادس: لو رد سلعة فأنكر البائع أنّها سلعته فله صورتان
اشارة

لأنّ الاختلاف فيها تارة يكون مع الاختلاف في أصل الخيار، و أخرى مع الاتفاق عليه. و إليك حكم كلتيهما:

الأولى: إذا اختلفا في السلعة مع الاختلاف في أصل الخيار،

فعلى ما ذكرنا من أنّ المرجع في التشخيص هو العرف، فالقول قول البائع مع يمينه، بشرط أن يقف على حد الانكار، و لا يتعدّى عنه إلى ادّعاء أنّ سلعته ذاك مثلا و إلّا فيصيران متداعيين. و أمّا دعم قول البائع بالأصول التالية:

1- عدم كونها سلعته. 2- أصالة عدم تعلّق العقد بها. 3- أصالة عدم وقوع هذه السلعة الشخصية موردا للبيع. 4- أصالة عدم حق للمشتري على البائع.

5- أصالة عدم الخيار له.

فالكل أصول غير أصلية، و ذلك لأنّ مرجع النزاع في كونها سلعته أو لا، هو

المختار في أحكام الخيار، ص: 403

وقوعها مثمنا عند إجراء العقد و عدمه و المتيقّن منها هو العدم المحمولي أي لم يكن عقد. و لم تكن هذه سلعته، و المقصود إبقاؤها بنحو العدم الرابط أي أنّه باع و لم يكن هذا الشي ء سلعته، و هو بهذا المعنى فاقد للحالة السابقة.

و منه يظهر الحال في الثاني أي أصالة عدم تعلّق العقد بها فإنّ المتيقّن عدم كونها متعلّقا للعقد باعتبار عدمه و المقصود اثبات صدور العقد مع عدم كونها متعلّقة له، و هي بهذا المعنى فاقدة للحالة السابقة، و منه يظهر حال الأصل الثالث و لا نطيل الكلام بتوضيحه.

و أمّا الرابع فالمراد من الحق، هو الخيار، و لم يكن للمشتري حق باعتبار عدم الموضوع له أعني العقد و المقصود فعلا عدمه بعد تحقّق الموضوع و صدور العقد من الطرفين و به يظهر حال الخامس فتدبّر.

و الشيخ الأعظم هو المعلّم الأوّل لتمييز الزائف من الأصول عن الصحيح و لكنّه- قدّس سرّه- قد اعتمد عليها.

الثانية: إذا اختلفا في السلعة مع الاتفاق على الخيار،

أمّا الخيار فلا يتوقّف أعماله على شي ء في غير خيار العيب فإنّ التلف لا يستلزم سقوطه، و أمّا خيار

العيب فانّ التلف و إن كان مسقطا له إلّا أنّه لم يثبت التلف، نعم يتوقّف ترتيب الأثر عليه، على ثبوت عدمه، و أمّا مسألة السلعة فالمختار في هذه الصورة هو المختار في الصورة الأولى حرفا بحرف.

نعم نقل عن الفخر تقديم قول المشتري في جانب السلعة لأنّه بعد الاتفاق على الخيار، يكون الاختلاف في موضعين: «الأوّل»: خيانة المشتري فيدّعيها

المختار في أحكام الخيار، ص: 404

البائع بتغيّر السلعة و المشتري ينكرها، «الثاني»: سقوط حق الخيار الثابت للمشتري (بالتلف) فالبائع يدّعيه و المشتري ينكره.

و أورد الشيخ على الأوّل، بأنّه لو قدّم قول المشتري لأجل أصالة الصحّة الدالّة على عدم الخيانة يلزم تقديم قوله في الصورة الأولى أيضا، إذ في انكار البائع فيها أيضا ادعاء خيانة على المشتري. و أورد على الثاني بأنّه إنّما ينفع في خيار العيب الساقط بالتلف لأنّه قائم بالعين دون سائر الخيارات القائمة بالعقد على أنّ أصالة عدم سقوط الخيار، لا يثبت إلّا ثبوت الخيار لا وجوب قبول هذه السلعة إلّا من جهة التلازم الواقع بينهما.

و يمكن أن يورد عليه أيضا: إنّ انكار السلعة إنّما يكون ملازما لادعاء الخيانة إذا سلم البائع أنّها سلعته، و ادّعى أنّها تغيّرت عند المشتري و هذا بخلاف ما إذا اتّهمه بالاشتباه و أنّها ليست سلعته من رأس.

و بذلك يظهر النظر في الوجه الثاني، فإنّ إنكار السلعة إنّما يكون ملازما لسقوط الخيار، إذا ادّعى أنّها تغيّرت عند المشتري، لا ما إذا أنكر كونها سلعته من رأس فإنّه لا يلازم سقوط الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 405

المقام الثالث: الاختلاف في المسقط:

اشارة

إذا اختلفا في مسقط الخيار فله صور:

1- [الصورة الأولى: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه]

لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه يقدم قول منكر العلم- و هو المشتري- بيمينه لأنّه المنكر عرفا.

و ذهب السيد الطباطبائي إلى تقديمه من باب قاعدة المقتضى و المانع إذا كان مسبوقا بالجهل و قال: العلم مانع و بأصالة عدمه يعمل المقتضى عمله، كما لو شك في المسقط بعد ثبوت الخيار حيث يا بنى على عدمه أو شك في الحدث عند اشتغاله بالوضوء، هذا إذا كان مسبوقا بالجهل، و أمّا إذا كان عالما بالعلم و شك في زوال علمه حين العقد و عدمه فالأصل بقاءه و لا خيار «1».

و أورد عليه سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- فإنّه إنّما يتم لو كان ترتّب المقتضى (بالفتح) على المقتضي شرعيا كما إذا قال: أكرم العالم غير الفاسق، فلو أحرز العلم بالوجدان، و عدم اتصافه بالفسق، يحكم بوجوب الاكرام لأنّ ترتّب وجوبه على الموضوع (العالم) شرعي بخلاف المقام، فإنّ المقتضي و المانع و إن كان شرعيين لكن الحكم بالمقتضي عند وجود المقتضي عقلي «2».

يلاحظ عليه: أنّ الفرق بين المثال و الممثل غير واضح و الظاهر اكتمال الأركان فإنّ المقتضي و المانع شرعيان، بمعنى أنّ الشارع جعل العيب الواقعي مقتضيا، و جعل علم المشتري مانعا عن تأثيره- حسب رواية زرارة الماضية-

______________________________

(1)- التعليقة: 2/ 94.

(2)- المتاجر، قسم الخيار: 5/ 105.

المختار في أحكام الخيار، ص: 406

و جعل الخيار، أثرا لهذا المقتضي، و رتّبه عليه في لسان الدليل و قال: «أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار، لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له ...» فإنّه قوله: «و لم يبيّن له» كناية عن عدم علمه بالعيب، لأنّه هو الطريق الغالب للعلم و لأجل

ذلك ذكره بالخصوص «1».

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 406

2- [الصورة الثانية: لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده]

لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده بناء على أنّ الزوال قبل العلم، يسقط الارش و الرد و بعده لا يسقط، و إلّا لا أثر للنزاع و يحكم بالخيار بلا حاجة إلى فصل الخصومة، و بما أنّ الميزان لتشخيص المدّعي عن المنكر هو مصبّ الدعوى لا ما يترتب عليه (أعني: الخيار) يقدّم قول المشتري، لأنّ البائع يدّعي زواله قبل علمه بالعيب و المشتري ينكره، نعم لو ادّعى المشتري زواله بعد علمه بالعيب يكون مدّعيا و يدخل في باب التداعي. و لو كان الميزان هو ما يترتّب عليه كان البائع هو المنكر، لأنّه ينكر الخيار و المشتري يثبته، و قد عرفت الحق. و بما ذكرنا ظهر الخلط في كلام الشيخ، حيث خلط المقام بمسألة التداعي حيث قال:

«ففي تقديم مدّعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه و عدم زواله المسقط للخيار، أو تقديم مدّعي عدم ثبوت الخيار ...».

يلاحظ عليه بأمرين:

الأوّل: أنّ الكلام مركّز على إنكار المشتري، لا على ادّعائه بقاء العيب إلى زمان علمه و زواله بعده و إلّا فيصير مدّعيا.

الثاني: أنّ الميزان في التشخيص هو مصب الدعوى لا ما يترتّب عليه، فأصالة عدم الخيار لا صلة لها بالمقام.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16، من أبواب الخيار، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 407

3- [الصورة الثالثة:] لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال أحد العيبين،

في كون الزائل هو القديم حتى لا يكون هناك خيار، أو الحادث حتى يثبت الخيار، فهنا صور يختلف حكمها حسب اختلاف كون البائع أو المشتري مدّعيا أو منكرا أو متداعيين.

فلو ادّعى البائع زوال العيب القديم، و أنكر المشتري فقط بلا ادعاء شي ء ما، كان القول قول المنكر بيمينه، و تؤيّده أصالة بقاء العيب و عدم زواله إلى زمان الدفع أي علم

المشتري بالعيب.

و لو ادّعى المشتري زوال العيب الحادث و أنكر البائع فالقول قول المنكر بيمينه و تؤيّده أصالة بقاء العيب الحادث و عدم زواله إلى وقت النزاع.

و لو ادّعى الأوّل زوال العيب القديم، و الآخر زوال العيب الحادث يكونان متداعيين و يتحالفان و بعده يلزمان بالتصالح أو القرعة.

4- [الصورة الرابعة:] لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه «1»،

فلو ادّعى البائع حدوثه عند المشتري- على وجه يكون هو الضامن كما لو حدث بعد الانقضاء- فالقول قول المشتري بيمينه، و لو ادّعى المشتري حدوثه عند البائع على وجه يكون هو الضامن للعيب، يكون القول قول البائع بيمينه، و لو ادّعى كل حدوثه عند الآخر، يكونان متداعيين فعليهما التحالف.

و ممّا ذكرنا يظهر الخلط في كلام الشهيد و غيره حيث قال في الدروس: فلو ادّعى البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه فهو كالعيب المنفرد يعني أنّه يحلف البائع لأصالة عدم السبق كما لو لم يكن سوى هذا العيب و اختلفا في

______________________________

(1)- و سيوافيك ص 409 أنّ الشيخ ذكر هذا الفرع مرّتين.

المختار في أحكام الخيار، ص: 408

السبق و التأخر.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ ما فرضه أشبه بالمتداعيين، أضف إليه ما أورده الشيخ عليه، و توضيحه: أنّ البحث ليس في وجود الخيار و عدمه، بل الخيار مسلّم، و إنّما الكلام في المسقط، و هو عبارة عن حدوث العيب الجديد عند المشتري بعد انقضاء الخيار، و أصالة عدم التقدّم إلى هذا الحد لا تثبت الحدوث عنده «1».

و أمّا إذا اختلفا في الزيادة فلو ادّعى البائع زيادة العيب و أنكرها المشتري فالقول قول المنكر بيمينه و أمّا إذا اتفقا على أصل الزيادة و اختلفا في زمان حدوثه، فحكمه حكم العيب الجديد و لا نعيد.

5- [الصورة الخامسة:] لو اختلفا في البراءة

فادّعاها البائع و أنكرها المشتري فالقول قول المنكر بيمينه، و أمّا تقديم قول البائع بمطابقته لأصالة اللزوم ففيه ما ذكر سابقا من أنّها المحكّم إلى حد فصل الخصومة، فإذا انتهى الأمر إليه يؤخذ بقول المنكر بيمينه إلّا أن يقيم المدّعي البيّنة، و لو انصرف المدّعي عن الحكم و القضاء يكون الأصل السابق هو المحكّم

أيضا.

نعم ربّما يظهر من مكاتبة الصفار خلاف ما ذكر و أنّه يؤخذ بقول البائع، روي عن محمد بن عيسى بن عبيد عن جعفر بن عيسى قال: كتبت إلى أبي الحسن- عليه السلام-: جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد، فينادى عليه المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلّا نقد الثمن فربّما زهد، فإذا زهد فيه، ادّعى فيه عيوبا و أنّه لم يعلم بها، فيقول المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها، أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن، أم

______________________________

(1)- الخيارات: 264 ط تبريز.

المختار في أحكام الخيار، ص: 409

لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟ فكتب: عليه الثمن «1».

و قد اختلفت كلماتهم فيها فمن رادّ للخبر لمخالفته القواعد، إلى مؤوّل بأنّ مساق الخبر هو أنّ إنكار المشتري إنّما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع و إلّا فهو عالم بتبرّي البائع، و الإمام ألزمه بالثمن من هذه الجهة، إلى قائل بتقديم قول البائع، لكونه المنكر الذي يوافق قوله الظاهر، لجريان العادة على سماع كلام الدلال عند النداء فادّعاء عدمه، ادّعاء على خلاف الظاهر.

و يمكن أن يقال: إنّ المورد يشتمل على خصوصية جعلت البائع منكرا و المشتري مدّعيا، و هو أنّ المتبادر من قوله: «لم أسمع البراءة ...» أنّه مسلّم تبرّي البائع، و لكن ادّعى عدم سماعها، ففي مثله يعد المشتري مدّعيا، و يؤخذ بقول المنكر بيمينه. و هذا غير النزاع في التبرّي و عدمه من دون اقتران بهذه الخصوصية فانّ المتّبع فيه قول المشتري إلّا أن يقيم الآخر البيّنة.

و أمّا الاشكال على الرواية بعدم وقوع البراءة في ضمن العقد فقد كفانا من الجواب ما ذكره

الشيخ، و يأتي الكلام عنه عند البحث عن الشروط الابتدائية.

6- [الصورة السادسة:] لو ادّعى البائع رضا المشتري به بعد العلم،

أو إسقاط الخيار، أو تصرّفه فيه، أو حدوث عيب عنده، يقدم قول المنكر بيمينه. و هو المشتري.

ثمّ إنّ ما ذكره الشيخ في المقام من أنّه لو وجد في المعيب، عيب (آخر) اختلفا في حدوثه و قدمه. فهو تكرار لما تقدم منه في قوله: «الثالثة» لو كان عيب مشاهد غير المتّفق عليه ... فلاحظ.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 8 من أحكام العيوب الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 410

المقام الرابع: الاختلاف في الفسخ:

اشارة

لو اختلفا في الفسخ فهنا مسائل:

1- إذا اختلفا في الفسخ فهنا صورتان:
الأولى: إذا اختلفا و كان الخيار باقيا،

يقدّم قول المنكر (أي البائع كما هو الغالب) و مع ذلك فللمشتري الفسخ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون صادقا فقد تحقّق الفسخ أو يكون كاذبا فله انشاؤه:

و احتمل الشهيد، كون اقراره بالفسخ إنشاء له، كما إذا أنكر الطلاق فإنّه إنشاء للرجوع حسب الروايات «1».

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يحمل الاخبار على الإنشاء إذا كان بصدده كما في قوله:

أنكحت، و قوله في موضع الرجوع: لم أطلّق، و أمّا إذا كان بصدد الاخبار جدّا كما في المقام، لأنّه في مقام الترافع بصدد الإخبار عن الواقع لا الإنشاء، فلا، و أمّا جعله من باب استعمال اللفظ في المعنيين، فإنّما يصح لو لم يكن بينهما تدافع كما في المقام فبما أنّه إخبار عن وقوع الفسخ، لا يبقى مجال لانشائه.

و احتمل الشيخ أن يكون حجية إقراره من باب «من ملك شيئا ملك الاقرار به» كما لو أقرّ بطلاق زوجته أو بيع مملوكه أو عتقه، و في المقام ملك الفسخ جاز الاقرار به.

و هو و إن كان تامّا لكنّه لا يصير المدّعي منكرا لأجل مطابقة قوله القاعدة بعد ما كان هو في العرف مدّعيا، فالقاعدة متبعة إلى حدّ المرافعة، فإذا انتهى الأمر

______________________________

(1)- الوسائل: ج 15، الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق.

المختار في أحكام الخيار، ص: 411

إليها فالمرجع قاعدة: «البيّنة على المدعي و اليمين على المدّعى عليه».

الثانية: إذا كان النزاع بعد انقضاء الخيار،

- كما لو تلفت العين في المقام- فإنّه في خيار العيب مانع عن إعمال الخيار، إذا لم يسبق عليه الفسخ، فالقول قول المنكر، بيمينه. فإن كان عالما بعدم الفسخ، حلف بتّا، و إن ادّعى المشتري علم البائع بالفسخ، حلف البائع على عدم العلم، و إن لم يكن واحد من الأمرين فليس له الحلف.

و يردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فيقضي به إن حلف. و يحتمل القضاء بمجرّد النكول.

ثمّ إذا لم يثبت الفسخ، بحلف المنكر (البائع) فهل يثبت لمدّعي الفسخ، الارش؟ وجهان: لئلّا يخرج من الحقّين بعد العلم الاجمالي بأحدهما، فانّ عدم الرد و عدم أخذ الارش مخالف له، أو لا يثبت لاقراره بالفسخ؟ و على كلا القولين له أن يأخذ قدر أقل الأمرين «1» من الارش، و ما زاد على القيامة (قيمة العين التالفة التي يحب دفعها لأجل التلف على زعم المشتري) على الثمن الذي اشترى به.

2- لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت.

على الفورية فتأتي فيه الصور الثلاثة، فان ادّعى تقدم الفسخ على أوّل وقت مضيّ الخيار، و أنكر الآخر، أو ادّعى الآخر تأخّر الفسخ عن أوّل وقت مضيّه، أو ادّعى كل السبق و اللحوق، فيقدّم قول المنكر بيمينه إلّا إذا كان هناك تداع فيحلفان فيجر إلى التصالح أو القرعة.

و أمّا الأصول التي أشار إليها الشيخ فهي على فرض صحّتها إن وافقت الصدق العرفي، لا حاجة إليها، و إن خالفته فلا تقاومه.

______________________________

(1)- و ما في كلام: و يبقى قدر الارش مستحقا على التقديرين، غير واف بالمراد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 412

3- لو اتّفقا على زمان الفسخ و اختلفا في زمان العقد،

فرجع النزاع إلى كون الفسخ في زمان الخيار و عدمه، فادّعاه المشتري أنكره البائع، يقدم قول البائع، و أمّا تقديم قول المشتري بأصالة تأخّر العقد فهو لا يثبت وقوع الفسخ في زمان الخيار.

4- لو ادّعى البائع علم المشتري بالخيار و فوريته و أنكر المشتري،

فالقول قول المنكر بيمينه إذا لم تدل القرائن على كذبه كما إذا نشأ بين أقوام متحضّرين عارفين بالأحكام.

و أمّا اختصاص فورية الخيار بالعالم، فلأجل حكومة قاعدة لا ضرر على اطلاق دليله كما في غير هذا المورد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 413

الكلام في تفسير العيب

اشارة

إنّ العيب من المفاهيم العرفية التي يقف عليها العرف بصفاء ذهنه، و لا يحتاج إلى التعريف، و قد قال سبحانه حاكيا عن مصاحب موسى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (الكهف/ 79) و لا نحتاج في فهم هذه الآية إلى تعريف العيب، و ما ذكروه من التعاريف في كتب اللغة و غيرها لا يعطي شيئا أزيد ممّا يعرفه الانسان العادي من اطلاق تلك اللفظة، و لأجل ذلك أعرضنا عن ذكر ما جاء فيها، و إن أردت أن تعرفه فالأولى أن يقال: إنّ لكل شي ء حسب الخلقة، أو حسب الصنعة مقياسا طبيعيا أو صناعيا يشترك فيه أغلب الأفراد فإذا فقد ذلك يعد معيبا، فالخروج عن ذلك المقياس الطبيعي أو العادي في الأمور الطبيعية و الصناعية على وجه يوجب رغبة الناس عنه، موجب للعيب، فخرج ما يوجب كثرة الرغبة كالحدّة في البصر في العبد، و الاتقان البالغ في المصنوع، و المختون بين المسلمين.

ثمّ إنّ الشيخ عرّف العيب بأنّه النقص عن مرتبة الصحّة المتوسّطة بينه و بين الكمال و قال: إنّ الصحّة ما تقتضيه أصل الماهية المشتركة بين أفراد الشي ء، لو خلّي و طبعه، و العيب و الكمال يلحقان له لأمر خارج عنه، ثمّ إنّ مقتضى الحقيقة قد يعرف من الخارج و ربّما يستكشف بملاحظة أغلب الأفراد فإنّ وجود صفة في أغلب أفراد الشي ء

يكشف عن كونها مقتضى الماهية المشتركة بين إفرادها و كون التخلّف في النادر، لعارض.

المختار في أحكام الخيار، ص: 414

نعم إذا تعارض مقتضى الخلقة الأصلية، حال أغلب الأفراد التي يستدل بها أيضا على حال الحقيقة رجّح الثاني، و حكم على الشي ء بحقيقة ثانوية و ذلك كالمختون فإنّه على خلاف مقتضى الطبيعة، و لكن الرائج بين أغلب الأفراد من المسلمين هو الثاني فلا يعد مثل ذلك عيبا و مثله الثيوية، فإنّها حقيقة ثانوية في الاماء، و لا تعد عيبا لكون المقياس هو الحقيقة الثانوية.

ثمّ ذكر وجها آخر و هو أنّ العبرة بالحقيقة الأصلية، و النقص عنها عيب، و إن كان على طبق الأغلب، إلّا أنّ حكم العيب لا يثبت مع اطلاق العقد، لأنّ الغلبة مانعة عن انعقاد الاطلاق بل مقتضاها البراءة من ذلك النقص.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ كل ما ذكره من الوجهين لا يعدو الموجودات الطبيعية، و كأنّ المبيع منحصر بالجمال و البغال و العبيد و الاماء، مع أنّه أعم من الطبيعي و الصناعي، فهناك آلاف من أنواع المبيع مصنوعة بيد البشر فيه الصحيح و المعيب، فعلى ذلك كان يجب عليه أن يركّز في التعريف على وجه يعم كلا القسمين، على نحو ما مرّ من أنّ لكلّ فرد من نوع طبيعي أو صناعي، مقياسا في عالم الخلقة و الصناعة، يعدّ التنزّل عنه عيبا و التعالي عنه مزية.

و ثانيا: أنّه لا يمكن عدّ كل ما كان على خلاف مقتضى الخلقة الطبيعية عيبا، و إنّما يكون عيبا إذا كان سببا لرغبة الناس عنه، كالثيبوبة، لا لرغبتهم إليه، كالختان بين المسلمين، فإنّ غير المختون معرّض للخطر، فكيف يعد الختان عيبا؟

و على كل تقدير فالحق ما عرفت من أنّ العيب

من المفاهيم العرفيّة التي تنطبق على مصاديقها عند العرف بسهولة و لا يحتاج إلى ضابطة دقيقة في جميع الموارد.

نعم ربّما يمكن أن يشك في كون شي ء عيبا أو لا و هو لا ينافي كونه من

المختار في أحكام الخيار، ص: 415

المفاهيم الواضحة، فربّما يتردّد الانسان في ماء، أنّه مطلق أو مضاف، أو في عنصر انّه من الأرض أو لا. و قد وضع المعنيّون لأمر التجارة و الصناعة مقياسا للأمتعة الصناعية يعبّر عنه ب «استاندارد» فيعد التنزّل عنه عيبا و التعالي عنه مزية.

و لأجل ذلك ربّما يردّون كثيرا من الأمتعة المستوردة أو الصادرة لأجل عدم انطباق المقياس عليها. و- مع ذلك- ربّما يطرأ الشك على كونه واجدا للملاك أو لا.

هل يعتبر في صدق العيب النقص المالي؟

إذا كان الضابط في صدق العيب هو الخروج عن المقياس الطبيعي أو الصناعي فيكون الموضوع هو النزول عن ذلك المقياس سواء أ كان موجبا للنقص المالي أم لا، و لأجل ذلك يعد العبد الخصي معيبا و إن كانت تساوي قيمته قيمة غير الخصي، لأنّ المقياس هو ظهور المبيع على خلاف ما يتوقّع من نوعه غالبا، فإنّ المترقّب من نوع العبد كونه غير خصيّ قادرا على العمل، فكونه فاقدا لتلك الخاصة يعد عيبا و إن كان ربّما يشترى بأغلى من غير الخصي، و على ذلك فيكون للمشتري خيار العيب، و مثله في الأمور الصناعية ما إذا ظهر السجاد المبيع خلقا يعد معيبا و إن كان ربّما يشترى في بلاد الغرب بما يساوي كونه جديدا.

و بذلك يظهر النظر فيما أفاده الشيخ من «أنّ المناط في العيب هو النقص المالي فالنقص الخلقي غير الموجب للنقص المالي كالخصاء و نحوه ليس عيبا، إلّا أنّ الغالب في أفراد الحيوان لما

كان عدمه كان اطلاق العبد منزلا على اقدام المشتري على الشراء مع عدم هذا النقص، فتكون السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد و لا يوجب تخلّفه إلّا خيار تخلّف الشرط».

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان العيب مفهوما عرفيا يلاحظ الشي ء حسب

المختار في أحكام الخيار، ص: 416

المقياس الذي عرفه الانسان من السنّة الالهية أو الأنظمة الوضعية، فإذا تخلّف عنه تخلّفا موجبا للرغبة عنه يعد عيبا. و اقبال بعض الأغنياء على شراء ذلك المعيب لغرض خاص لا يخرجه عن كونه معيبا.

ثمّ إنّه ربّما يستدل لما ذكرنا من دوران صدق العيب مدار خروجه عن المجرى الطبيعي مطلقا سواء أ كان موجبا للنقص المالي أم لا بما في مرسلة السياري الحاكية لقصة ابن أبي ليلى و قد نقل الشيخ الحديث «1» و كيفية الاستدلال و استشكل عليه بوجوه، و بما أنّا في غنى عن الاستدلال بالمرسلة، لكفاية الصدق العرفي في الحكم على مثله عيبا سواء أ كان هناك نقص مالي أو لا، نعطف عنان البحث إلى موضوع آخر و هو:

أنّ توصيف المبيع أو أجزائه بالعيب يختلف حسب الموارد، فكما أنّ الغبن يختلف حسب الموارد، فربّما يغتفر الغبن في موضوع و لا يغتفر في موضوع آخر، بل ربّما لا يصدق عليه الغبن فكذلك العيب، فمن اشترى بابا لبيته و كان في نافذة من نوافذه كسر يعد ذلك عيبا، و هذا بخلاف ما إذا اشترى دارا تشتمل على مثل ذلك الباب، فعلى الفقيه التركيز على الأمور العرفية أو العقلائية في ذلك الباب إلّا ما ورد ردع عنه، و لعل في ما ذكرنا حول ماهيّة العيب غنى و كفاية فلنبحث عن الارش و أحكامه.

______________________________

(1)- الخيارات: 266 و لاحظ الوسائل: ج

12، الباب 1 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 417

الفصل التاسع تفسير الأرش

اشارة

الأرش جزء الثمن المردود.

أداء الأرش بجنس الثمن أو النقد الغالب.

حكم الأرش في الربوي و الصرف.

الأرش المستوعب للثمن.

الطريق إلى معرفة القيامة.

في تعارض المقوّمين.

المختار في أحكام الخيار، ص: 419

تفسير الارش

[الأرش لغة و اصطلاحا]

قد ورد في غير واحد من الروايات لفظ «الارش» «1» و هو في اللغة على ما في اللسان: «النزاع» و يطلق على دية الجراحات ما ليس له قدر معلوم، و على الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطّلع على عيب المبيع، و سمّي أرشا لأنّه من أسباب النزاع. و على ذلك فهو من باب اطلاق المسبّب على السبب.

و قال أيضا: الارش الخدش، ثمّ قيل لما يؤخذ دية له. و عليه يكون من باب اطلاق السبب على المسبّب، و في الصحاح: إنّه دية الجراحات من غير تقييد بما ليس له قدر معلوم، و في القاموس: إنّه مطلق الدية، و في مصطلح الفقهاء عبارة عن مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن و لم يقدّر له في الشرع مقدّر.

و على كل تقدير فلا يطلق إلّا إذا كان هناك ضمان للتالف.

ثمّ إنّ الضمان على قسمين: ضمان اليد و الاتلاف، و ضمان المعاوضة.

أمّا الأوّل: فهو كالمغصوب و المستام إذا تلف. و في مثله يكون التالف مضمونا بقيمته السوقية سواء أ كان التالف ذات الشي ء أم وصفه لأنّ التلف صار سببا لتضرّر المالك بما يعادل قيمته السوقية، فلا يتدارك إلّا باشترائه بنفس القيامة، و هناك يكون ضمان الجزء أو الوصف تابعا لضمان الكل فلو عاب في يد الغاصب

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أحكام العيوب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 420

أو المستام يجب تداركه بالقيمة السوقية.

و أمّا الثاني: أعني ضمان المعاوضة، و هو ما يكون الضمان

في مقابل العوض الذي يدفعه أحد المتعاملين إلى الآخر، نظير ضمان البائع للمشتري، فهو يضمن أن يسلّم المبيع بعامّة أجزائه و خصوصياته و صفاته في مقابل العوض الذي يأخذه منه، فلو تخلّف لا يستحق المشتري عليه إلّا استرداد ما يقابله من الثمن و ذلك لأنّ الضرر المتوجّه من ناحية البائع إلى المشتري، لا يتجاوز عمّا أخذه من العوض في مقابل المبيع فلا يحكم إلّا بتأدية ما أخذه و لم يسلّمه عوضه، و هو ليس إلّا ما يخصّه من العوض، و بعبارة أخرى: انّ البائع لم يقدم على الضمان، و لم يقبله المشتري إلّا في هذا الإطار، و لم يكن هناك أيّ تضامن و تعاهد بالنسبة إلى القيامة السوقية.

و الضابطة الكلية في تشخيص أحد الضمانين عن الآخر هو أنّه يجب أن يلاحظ مقدار الضرر الذي أورده أحد الطرفين على الآخر، ففي القسم الأوّل أتلف ماله، أو عابه فيجب أن يخرج عن عهدته على وجه يعد تداركا لما أضرّه به و لا يتدارك إلّا ببذل القيامة السوقية.

و أمّا القسم الثاني فالضرر الذي أورده البائع على المشتري هو أنّه أخذ ما يخصّه (الوصف المفقود) من الثمن و لم يسلّمه فلا يتدارك إلّا بردّ ما قابله، و أمّا رد القيامة السوقية فلم يأخذها حتى يردّها.

و بذلك يفترق طريق تعيين الخسارة، ففي الأوّل إذا عاب الشي ء في يد المتلف، يقوّم صحيحا و معيبا و يدفع تفاوت ما بينهما إلى المالك، و أمّا الثاني فيضاف إلى العمل السابق عمل آخر و هو أنّه يؤخذ من الثمن مقدار نسبة المعيب إلى الصحيح، فلو كانت قيمة المبيع الصحيح مائة و المعيب خمسة و سبعين و باعه

المختار في أحكام الخيار، ص: 421

بثمانين،

فبان معيبا يردّ من الثمن بتلك النسبة أي ربعه.

و بذلك يظهر أنّ الضمان المعاوضي ضمان مطابق للقاعدة، و لو حكم بضمان القيامة الواقعية فهو على خلاف القاعدة، لأنّ المقياس جبر الضرر المتوجّه إلى المشتري من جانب البائع، و هو ليس إلّا ما يخصّه من الثمن، لا التفاوت الموجود بين صحيحه و معيبه، و بذلك تختلف كيفية الخروج في المقام عن كيفية الخروج في المقام الآخر.

هذا هو مقتضى القاعدة و عليه بناء العقلاء و لا يرون البائع مسئولا إلّا بدفع ما أخذه في مقابل الوصف المعدوم لا قيمته السوقية.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم ذكر أنّ ظاهر كلام القدماء كأكثر النصوص يوهم إرادة قيمة العيب.

أقول: أمّا كلمات القدماء فيحتاج القضاء فيه إلى مراجعة نصوصهم و أمّا الروايات فهي على أقسام ثلاث:

ألف: مجمل لا ظهور له في أحد الرأيين مثل:

1- و له ارش العيب. و قد ورد في روايتين «1».

ب: ظاهر فيما يدعيه المشهور من ضمانه بما يخصّه من الثمن، لا ضمانه بقيمته الواقعية، مثل:

2- و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها «2».

3- و كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها «3».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 7، و الباب 5، الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1 و 5.

(3)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1 و 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 422

4- و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1».

و المتبادر من هذه الروايات خصوصا الأخيرة أنّه يردّ، ما أورد به من الضرر و ليس ما أورد إلّا ما

أخذه في مقابله، لا قيمته الواقعية.

ج: ما هو ظاهر في ضمانه بالقيمة الواقعية مثل:

5- تقوّم و هي صحيحة، و تقوّم و بها داء ثم يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصحّة و الداء «2».

6- و لكن تقوّم ما بين العيب و الصحّة فيردّ على المبتاع «3».

7- و ردّ البائع عليه قيمة العيب «4».

8- و لكن يرجع بقيمة العيب «5».

ثمّ إنّ الشيخ حمل الروايات الأخيرة على صورة مساواة الثمن، للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما فيها من أنّ البائع يردّ على المشتري و ظاهره كون المردود شيئا من الثمن الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه.

و لا يخفى أنّه ليست عليه قرينة، إذ هو أيضا قابل للحمل على الغالب من زيادة الثمن على الارش، فلا يكون دليلا على كون المراد ما يخصّه من الثمن ثمّ إنّ هنا اشكالا أو اشكالين: و هما:

______________________________

(1)- الوسائل: الجزء 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 2.

(2)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 2، 4، 6.

(3)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 2، 4، 6.

(4)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 2، 4، 6.

(5)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 8.

المختار في أحكام الخيار، ص: 423

إذا كان الثمن لا يقسّط على الوصف فما معنى الارش؟!

اشارة

1- قد تكرر من الشيخ الأعظم أنّ الثمن لا يقسّط على الأوصاف: الصحّة و الكمال، و إنّما يقسّط على الأجزاء مع أنّ البحث في المقام مركّز على بيان كيفية الارش أي تعيين ما وقع من الثمن في مقابل الأوصاف، فلو كانت الأوصاف خارجة عن حريم المقابلة، فما معنى البحث عن تعيين ما وقع في مقابلها.

2- انّ لازم ضمان وصف الصحة بمقدار

ما يخصّه من الثمن لا بقيمته، أمور ثلاثة لم يلتزم بها المشهور:

ألف: انفساخ العقد في ذلك المقدار لعدم مقابل له حين العقد كما هو شأن الجزء المفقود من المبيع، مع أنّه لم يقل به أحد.

ب: تعيين دفع الأرش من الثمن لو طالب المشتري مع أنّ ظاهر جماعة عدم تعيّنه منه.

ج: اشتغال ذمّة البائع بالارش من أوّل الأمر.

ثمّ إنّ الشيخ أجاب عن الاشكالين بجواب واحد و هو أنّ مقتضى المعاوضة هو عدم مقابلة وصف الصحّة بشي ء من الثمن لأنّه أمر معنوي كسائر الأوصاف و عدم عدّ العيب نقصا يتدارك بشي ء من مقابله.

إلّا أنّ الدليل دل على ضمان هذا الوصف أو كونه في عهدة البائع فإنّ هذا الوصف كسائر الأوصاف و إن لم يقابله شي ء من الثمن، لكن له مدخل في وجود مقدار من الثمن و عدمه، فإذا تعهّده كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته باداء ما كان يلاحظ من الثمن لأجله.

المختار في أحكام الخيار، ص: 424

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ ما ادعاه من عدم مقابلة وصف الصحّة بشي ء و عدم عدّ العيب نقصا يتدارك بشي ء من مقابله: أوّل الكلام و العقلاء مطبقون على خلافه.

و ثانيا: أنّ صدر كلامه يعرب عن أنّ الارش في المقام على خلاف القاعدة، لكن ذيل كلامه يعرب عن أنّه بصدد إثبات كونه على وفاقها حيث قال: «لكن له مدخل في وجود مقدار من الثمن و عدمه فإذا تعهّده كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته باداء ما كان يلاحظ من الثمن لأجله».

و ثالثا: أنّ ما ذكره لا يعدو عن كون وجود الوصف داعيا لزيادة الثمن، و تخلّف الداعي لا يؤثّر شيئا و ذكره في اللفظ أو انصراف العقد إليه، لا يوجب إلّا خيار

تخلّف الوصف أو الشرط و ليس فيه إلّا الردّ، لا خيار العيب الذي فيه الرد و الارش و لو كان مؤثّرا فأيّ فرق بين وصف الصحّة و الكمال حيث يقولون بالأرش في الأوّل دون الثاني.

و الحاصل أنّ القول بعدم التقسيط مع القول بردّ ما يخصّه من الثمن، أمران متنافيان، لا يمكن الجمع بينهما.

إجابة السيد الطباطبائي عن الاشكال:

ثمّ إنّ للسيد الطباطبائي- قدّس سرّه- بيانا في تصوير كون أخذ الارش على القاعدة نذكره بنصّه: أنّ الارش على طبق القاعدة و أنّ مقتضاها هو ما ذكره المشهور من أخذ التفاوت بنسبة الثمن، و أنّه لا يتعيّن كونه منه، بمعنى أنّه لو أعطى من غيره كان نفس الارش، و إن كان عند المشاحة يتعيّن النقد الغالب،

المختار في أحكام الخيار، ص: 425

و ذلك لأنّ وصف الصحّة كسائر الأوصاف و إن لم يكن مقابلا بالمال في عالم الانشاء، إلّا أنّه مقابل به في عالم اللبّ بمعنى أنّ زيادة بعض الثمن إنّما هي بلحاظ الوصف المذكور، فتمام الثمن في عالم الانشاء جعل في مقابل نفس العين و ليس شي ء منه في مقابل الوصف، و لذا لا يرتجع بعض الثمن عند التخلّف، بمعنى أنّه لا يكون من قبيل تبعّض الصفقة، لكن في عالم اللبّ بعض ذلك الثمن الذي جعل في مقابل نفس العين، مقابل للوصف فإذا فرض تخلّفه، وجب على البائع أن يغرم ما فات من المشتري، و ما اغترم في عالم اللب بملاحظة ذلك الوصف، فبالتخلّف لا يلزم الانفساخ، لأنّ الفرض كون تمام الثمن في مقابل العين المفروض وجودها، و لكن لما كان المشتري قد اغترم من جهة ذلك الوصف، و أعطى مالا مقابلا له في ذلك العالم، له أن يرجع على البائع و

له أن لا يرجع، و لأجل ذلك لا تكون ذمّة البائع مشغولة بالارش من حين العقد، بل تشتغل بعد اختيار المشتري الارش، فتبيّن أنّ ضمان الأرش ليس على حدّ ضمان المعاوضة، و لا على ضمان اليد بل ضمان المعاوضة اللبّية، و لازمه انفساخ تلك المعاوضة، لا المعاوضة الحسّية الانشائية، و مقتضاه جواز تغريمه بما أعطاه من غير مقابل في عالم اللب، و ظهر أنّه لا يكون من عين الثمن و أنّه لو أخذ من غيره يكون عين الارش لا بدلا له «1».

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه ليس في مقام المعاوضة إلّا معاوضة حسّية انشائية، و ليس عن المعاوضة اللبّية بين العقلاء عين و لا أثر، فما يقع تحت الانشاء أو يقع الانشاء مبنيّا عليه هو طرفا المعاوضة الحسّية، و ليس غيرها معاوضة رسمية لكي يؤخذ به البائع.

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي 2/ 101 و لاحظ كلامه أيضا ص 130 من هذا الجزء.

المختار في أحكام الخيار، ص: 426

و ثانيا: لو فرضنا تقسيم المعاوضة إلى معاوضتين، فلحاظ الوصف عندئذ لا يتجاوز عن كونه داعيا إلى بذل الثمن الزائد، و تخلّف الداعي لا يؤثّر شيئا، فلو اشترى كتابا بزعم أنّه بخط والده، أو قرئ على شيخ الاجازة، ثمّ بان الخلاف، فلا خيار له. و على فرض صحّته لا فرق بين وصفي الصحّة و الكمال إذ حديث المعاوضة اللبّية جار في كليهما- مع أنّه لا يقول بالارش في الثاني-.

و خلاصة الكلام: أنّ الأمر دائر بين أحد أمرين و كل واحد منهما لا يخلو من اشكال.

أمّا أن يلاحظ الوصف جزءا من العوض و يبذل الثمن في مقابله، و لازم ذلك التوالي الثلاثة:

1- انفساخه فيما يخصّه من الثمن عند عدمه.

2- لزوم كون

الارش من نفس الثمن.

3- اشتغال ذمة البائع به من أوّل الأمر.

أو لا يلاحظ جزءا منه، بل يكون داعيا من الدواعي.

فيترتب عليه عدم جواز رجوع المشتري عند التخلّف على البائع بشي ء حسب القاعدة و يصبح أخذ الارش لأجل الروايات أمرا على خلاف القاعدة و هو مخالف لارتكاز العقلاء حيث يرون المشتري محقّا في الرجوع إلى التفاوت الموجود بين المبيع و المدفوع.

و من حاول تطبيقه على القاعدة زاد في الطين بلّة، فجمع بين المتنافيين أوّلا، و لزمه عدم الفرق بين وصفي الصحّة و الكمال ثانيا، لعدم الفرق بينهما من حيث الملاك، مع أنّه فرّق بينهما.

و المختار عندنا هو الوجه الأوّل و أنّه يقسّط على الأجزاء و الصفات

المختار في أحكام الخيار، ص: 427

الصحيحة و الكمالية مطلقا و كلّ يكون موجبا لكثرة الرغبة و بذل الثمن الزائد حتى الغلاف و الإناء إذا وقع تحت الإنشاء أو كان الانشاء مبنيّا عليه عند المتعاملين وفاقا لارتكاز العقلاء، غير أنّا نذب عن المحاذير الثلاثة و نقول:

دفع المحاذير الثلاثة بوجهين:

الأوّل:

وجود الفرق الواضح بين المقام و ما يحكم فيه بالانفساخ من أوّل الأمر مثل ما إذا باع ما يملك و ما لا يملك بصفقة واحدة، فقالوا بالصحّة فيما يملك و البطلان في غيره. و ذلك لأنّ احقاق الحق في الثاني منحصر في البطلان فيما لا يملك، فلأجل ذلك يحكم بالانفساخ فيه، و ليس هناك وجه آخر يترقّب.

هذا بخلاف تخلّف الوصف و الجزء الذي يشبه بتخلّف الوصف كأحد مصراعي الباب فإنّ هناك طريقين: أحدهما ردّ المعاملة من رأس، و الفسخ في الكل، و الآخر قبول المعاملة و انحلالها في الجزء و الوصف، و لأجل ذلك لا يتسرّعون إلى الحكم بالانفساخ لأنّ الأمر يدور بين فسخ

الكلّ أو خصوص الجزء و الوصف.

الثاني:

لا مانع من القول بالانفساخ من أوّل الأمر فيما يخصّه من الثمن بمعنى استعداده للانفساخ غير أنّ تنجّزه يتوقّف على اتفاقهم على الارش، و بذلك تنحلّ المشكلة الثانية و هي اشتغال ذمّة البائع بالارش، فلا بأس بالالتزام به غير أنّ التنجّز يتوقّف على المطالبة، و ما هذا إلّا لأجل أنّ المستقبل مجهول لأنّه يحتمل أن يكون هناك فسخ في الكل أو في الجزء، فلا يحكم منجّزا إلّا بعد تبيّن الحال.

المختار في أحكام الخيار، ص: 428

الارش جزء الثمن المردود:

و بما ذكرنا يتبيّن أنّ الارش ليس غرامة و إنّما هو جزء الثمن المردود، فكأنّ المعاملة تنفسخ بالنسبة إلى ذلك الجزء لا أنّه غرامة خارجية يبذلها البائع لأجل تسليم المبيع الفاقد للوصف، و إنّما هو جزء الثمن المردود، و بذلك تنحلّ المشكلة الثالثة، و يقال بوجوب تسليمه من نفس الثمن، اللّهمّ إلّا إذا اتفقا على غيره كما عليه السيد الطباطبائي في تعليقته نظير ما إذا طالب المقرض عين ماله «1».

و بذلك تقف على عدم وصول النوبة عند مطالبة الارش من نفس الثمن، إلى الأصول العملية من أصالة عدم تسلّط المشتري على شي ء من الثمن أو براءة ذمّة البائع من وجوب دفعه، لأنّهما- مضافا إلى معارضتهما بأصول أخر- نظير أصالة عدم تملّك البائع ما يخصّ الوصف من الثمن- انّه استدلال بالأصل مع وجود الدليل الاجتهادي.

أداء الارش بجنس الثمن، أو النقد الغالب:

إذا كان الارش هو جزء الثمن المردود على المختار فلو كان تالفا يجب على البائع أداؤه من جنسه أخذا بالقاعدة الرائجة في باب الإتلاف، ففي الدرجة الأولى يجب دفع الارش من جنس الثمن و إلّا فمثله أو قيمته.

و أمّا على القول بأنّ الارش غرامة لجبر الضرر، و ليس جزء الثمن يتعيّن النقد الرائج كما هو الحال في باب سائر الغرامات، و يؤيّده ظاهر الروايات مثل

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 102.

المختار في أحكام الخيار، ص: 429

قوله: و لكن يرجع بقيمة العيب «1» و قوله يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب «2» إلى غير ذلك من الروايات.

هذا إذا كان الثمن نقدا، و أمّا إذا كان جنسا، فقد احتمل السيد الأستاذ تعيّن البذل من جنسه، سواء كان عينه أو مثله «3».

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الارش غرامة كما هو نظر المشهور، فلا

وجه لتعيّن الردّ من الجنس بعد كون الأصل في ضمان المضمونات هو النقد الرائج، نعم على المختار يجب أن يكون من عينه و عند التلف من جنسه لأنّه الجزء المردود من الثمن.

حكم الارش في الربوي و الصرف:

إذا بيع أحد المتماثلين بآخر، كالحنطة بالحنطة فبانت إحداهما رديئة فهل يجوز أخذ الارش؟ التحقيق: لا، لأنّ الشارع ألغى دخل وصف الصحّة في مقام المعاوضة، و قد عرفت أنّ الارش جزء الثمن المردود، فلا يقسّط الثمن على وصف الصحّة حتى يستعاد عند التخلّف، و مثله إذا قلنا بأنّ الارش غرامة، فلو كان وصف الصحّة ملغى حسب القانون، فلا خدعة حتى يغرم الخادع، و بذلك يعلم حكم معاملة الذهب بالذهب و الفضة بالفضة، و بالجملة المتماثلان الموزونان أو المكيلان لا ارش فيهما على كلا المبنيين، غاية الأمر ثبوت خيار تخلّف الشرط أو الوصف إذا كان المشتري جاهلا.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 8.

(2)- المصدر نفسه: الحديث 3.

(3)- المتاجر: قسم الخيارات: 5/ 132.

المختار في أحكام الخيار، ص: 430

إنّما الكلام في معاملة الصرف إذا كان العوضان متخالفين، كالذهب بالفضة فيقع الكلام في جواز أخذ الارش، لا من جهة استلزامه الربا لما عرفت من أنّه في المتماثلين، لا في المتخالفين بل من جهة تصوّر أنّ الحكم بالارش يوجب عدم القبض في مجلس الصرف، مع أنّه يشترط التقابض فيه في مجلسه.

أمّا على المختار، فالظاهر الجواز، لأنّ الارش هو جزء الثمن المردود، بمعنى انفساخ المعاملة في هذا المقدار من الثمن انفساخا من أوّل الأمر أو بعد الاتفاق عليه. فالردّ في المقام أشبه بما إذا ردّ ما أخذه زائدا سهوا على القدر المتّفق عليه.

و أمّا على مبنى المشهور، فالظاهر أنّه جائز، و ذلك لأنّه

لو كان الارش إكمالا للمعيب و رفعا له إلى مستوى الجزء الآخر، يكون للمنع وجه، لأنّه يستلزم القبض في غير مجلس الصرف، و أمّا إذا قلنا بأنّه غرامة عقلائية و ليس جزء من أحد العوضين، فلا يشمله دليل وجوب التقابض.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم لمّا اختار تعيّن كون الارش من النقدين (و إن شئت قلت النقد الرائج) لأنّه الأصل في المضمونات، و علّق جواز الارش من غيرهما على رضا الطرفين و أنّه يكون عندئذ بدل الأرش لا نفسه، احتمل في مورد النقدين «1» وجها آخر و هو أنّه من المحتمل أن يكون الثابت فيهما هو المال الكلّي في الذمّة. و إذا اختار الأرش من غير النقدين ابتداء و رضى به الآخر فمختاره نفس الارش لا عوض عنه، نعم للآخر الامتناع عنه لعدم تعيّنه عليه فليس هنا شي ء معيّن ثابت في الذمّة حتى يكون أحدهما أرشا و الآخر بدلا عنه

______________________________

(1)- لا جميع موارد الارش كما هو ظاهر كلام السيد الأستاذ- قدّس سرّه- حيث قال حاكيا نظر الشيخ بقوله: بدعوى الفرق بين المقام (ظهور المبيع معيبا) و سائر المقامات، لاحظ المتاجر: قسم الخيارات 5/ 133.

المختار في أحكام الخيار، ص: 431

بل النقدان و غيرهما سواسية، و الكل يعدّ نفس الأرش لا بدلا عنه، غير أنّ الدفع من غير الرائج يتوقّف على رضا الطرفين دون غيرهما.

يلاحظ عليه: أنّه لا فرق بين النقدين و غيرهما، فلو كان الثابت هو المال الكلي فليكن جميع الموارد كذلك، و لو كان الملاك هو النقد الرائج، كما هو الأصل في ضمان المضمونات، فيجب أن يكون الجميع سواسية.

و إنّما دفعه إلى ذلك الاحتمال في مورد النقدين، هو تصوّر استلزامه القبض خارج المجلس إذا كان

الثابت في الذمّة هو النقد الرائج، و قد عرفت ذبّه و أنّ القول بأنّه الثابت لا يستتبع اشكالا، لأنّه عند القوم غرامة، لا جزء للمعيب حتى يرتفع و يقع في مستوى الصحيح و يتحقق قبض البعض خارج المجلس.

الأرش المستوعب للثمن:

الأرش الرائج بين العقلاء، هو غير المستوعب للثمن، بمعنى أنّ البائع يدفع من الثمن حسب نسبة الصحيح إلى المعيب و لا يكون إلّا مقدارا مساويا لبعض الثمن و أمّا المستوعب للثمن كلّه، بأن يردّه مع العين فليس منه بين العقلاء عين و لا أثر، و يعد مثل ذلك معاملة سفهيّة.

و وجهه أنّ المعيب إن لم يكن ممّا يتموّل و يبذل في مقابله شي ء من المال، بطل بيعه و إلّا فلا بد من أن يبقى له قسط من الثمن.

هذا إذا قلنا بأنّ الأرش أمر عقلائي، و أمّا إذا قلنا بأنّه أمر تعبّدي فالنصوص الواردة فيه ظاهرة في غير المستوعب فقد ورد فيها العبارات التالية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 432

«يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب كان فيها» و «ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصحّة و الداء» و «لكن يردّ بقيمة ما نقصها العيب» و «لكن يقوم ما بين العيب و الصحّة فيردّ على المبتاع» «1» إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في غير المستوعب.

و على ذلك فلو صار الخلّ ماء بذهاب حموضته قبل القبض فلا محيص عن القول بالانفساخ لأنّ التلف قبل القبض على البائع، و الباقي من الخلّ بعد رفع الحموضة ليس ما لا يتبادل بدرهم و دينار، و البيع مبادلة مال بمال، و المالية غير محفوظة في زمن القبض مع اعتبار بقائها إلى ذلك الحين.

ثمّ إنّهم يمثّلون للارش المستوعب للثمن ببيع العبد الجاني

إذا كانت الجناية مستوعبة للقيمة، لكن الفرق بين المثالين واضح فإنّ امضاء العقد عند صيرورة الخلّ ماء غير صحيح سواء كان بلا أرش أو مع الأرش لخروجه عن المالية.

أمّا المقام فيصح إمضاؤه بلا أرش (بخلاف الخلّ الفاسد) إذا تعلّق غرضه بحفظ العبد في حباله مع دفع الدّية، و أمّا امضاؤه مع الأرش فمشكل لما عرفت من أنّ الأرش المستوعب يخالف بناء العقلاء و مورد الروايات.

الطريق إلى معرفة القيامة:

إذا كان الارش هو الوضع من الثمن، بنسبة التفاوت الموجود بين قيمتي الصحيح و المعيب، تلزم معرفة قيمته فلو كانت معلومة فلا كلام، و أمّا إذا لم تكن معلومة، يرجع إلى العارف بها و الرجوع إليه على أقسام:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الأحاديث 1- 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 433

1- أن يخبر عن القيامة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند أهل البلد، و عند أهل الخبرة لهذا المبيع أو لمثله في الصفات المقصودة و يقول إنّ هذه الحنطة أو مثلها تباع في السوق بكذا.

2- أن يخبر عن حدس و نظر لأجل كثرة الممارسة لأشباه هذا الشي ء و اطّلاعه على الخصوصيات و الخواص التي فيه و في صنفه و نوعه من غير أن يكون له ميزان معيّن في السوق كالأحجار الكريمة و النفائس الأثرية و الكتب المخطوطة.

3- و قد يخبر عن الخصوصيّات مع كون القيامة على تقدير العلم واضحة كالصائغ العارف بأصناف الذهب و الفضة.

و المقوّم حقيقة هو ثاني الأقسام و أمّا الأوّل فهو يخبر عن قيمة المبيع أو مثله في السوق، كما أنّ الثالث يخبر عن الخصوصية التكوينية فيه، بلا اعمال نظر و اجتهاد.

و على أي تقدير فهل يشترط التعدّد أو يكفي الواحد، ذكر الشيخ الأعظم

وجهين:

الأوّل: عدم التفرقة بين الأقسام فيشترط في الجميع ما يشترط في الشهادة.

الثاني: أنّ القسم الأوّل داخل في الشهادة يشترط فيه ما يشترط في باب الشهادة من التعدّد و العدالة و الأخبار عن حسّ بخلاف الأخيرين فيكفي فيه العدل الواحد.

و استدلّ على كفاية العدل الواحد في الأخيرين بوجوه:

1- لزوم الحرج لو اعتبر التعدد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 434

2- اعتبار الظن في مثل ذلك لانسداد باب العلم فيه.

3- يلزم من طرح قول العادل و الأخذ بالأقل تضييع حق المشتري.

4- عموم حجّية خبر الواحد، خرج منها ما كان من قبيل الشهادة.

و يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الثاني و الثالث خارجين عن موضوع الشهادة فلا يعتبر فيهما التعدّد بالضرورة فلا حاجة إلى الاستدلال بهذه الوجوه الأربعة:

و يلاحظ على الوجه الثالث من أنّ في الطرح تضييعا لحق المشتري، بأنّ في الأخذ أيضا احتمال تضييع حق البائع.

فالأولى أن يقال: لو كانت هناك مرافعة و رفع الأمر إلى الحاكم، فلا تفك العقدة في جميع الصور إلّا بالبيّنة و الأيمان من غير فرق بين الأقسام، لأنّ أحدهما مدّع و الآخر منكر، و لو لم تكن هناك مرافعة و إنّما يريد البائع إفراغ ذمّته فلو أمكن تحصيل العلم العرفي أعني الاطمئنان فيقدم- لما قلنا في محلّه- من أنّ الموضوعات التي يسهل الوقوف على حالها، كالعلم بوصول المال الزكوي إلى حدّ النصاب، أو كون الرجل مستطيعا، لا يرجع فيها إلى البراءة، بل يكلّف بالرجوع إلى العلم العرفي الذي هو الاطمئنان من غير فرق بين العدلين و العدل و سائر الأسباب المورثة للاطمئنان.

و إن لم يمكن فالعدل الواحد، بل قول الثقة هو المرجع أخذا بما دلّ على حجية قوله مطلقا، حكما كان المخبر به أو

موضوعا، خرج ما خرج مما يشترط فيه التعدد، كباب المرافعات و الهلال. و يمكن اصطياد القاعدة من الموارد المختلفة التي يقبل فيها قول العدل الواحد و قد جمعناها في كتابنا «كليات في علم الرجال» «1».

______________________________

(1)- لاحظ ص 159- 160.

المختار في أحكام الخيار، ص: 435

و تصوّر أنّ كل مورد دخل في باب الشهادة يعتبر فيه التعدد، كما في المورد الأوّل، يتوقّف على وجود كبرى لهذا و هو أنّه يعتبر في الشهادة التعدّد، مع أنّه لم يثبت، بل الثابت تقسيم الموضوعات إلى ما لا يقبل فيه إلّا العدلان، و ما يقبل فيه العدل الواحد، و سمّى القسم الأوّل بالشهادة فلا يعرف كون المورد في باب الشهادة إلّا إذا دلّ الدليل على لزوم التعدّد.

ثمّ إذا لم يتمكّن من المعرفة العرفية أو الشرعية فالمرجع هو الأخذ بالأقل، لأجل البراءة عن الزائد أو الأكثر لكونه موافقا للاحتياط أو التصالح، أو العمل بالظن و الأخير ضعيف.

في تعارض المقوّمين

لو تعارض المقوّمان، فقد ذكر الشيخ احتمالات و أقوال:

1- تقديم بيّنة الأقل للأصل.

2- تقديم بيّنة الأكثر لأنّها مثبتة.

3- القرعة بينهما لأنّها لكلّ أمر مشكل.

4- الرجوع إلى الصلح لتشبّث كل من المتبايعين بحجّة شرعية ظاهرية، و المورد غير قابل للحلف، لجهل كل منهما بالواقع.

5- تخيير الحاكم بينهما لامتناع الجمع و فقد المرجح.

6- وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان لأنّ كلّا منهما حجة شرعية يلزم

المختار في أحكام الخيار، ص: 436

العمل به، فإذا تعذّر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه.

7- التساقط و الرجوع إلى الأصل، لكونه مقتضى القاعدة عند تعارض الدليلين أو الامارتين، أو لقصور دليل حجّية البينة عن شمول صورة التعارض.

8- الرجوع إلى المرجحات من الأكثرية و الأعدلية، و إلّا فبأحد

الاحتمالات.

9- تقديم بيّنة الداخل و هي الأقل فيما إذا ادعاه البائع، و أقام بيّنة و ادعى الآخر الأكثر و أقام بيّنة.

10- تقديم بيّنة الخارج و هي الأكثر.

ثمّ إنّ الشيخ اختار الجمع بين البيّنتين، و استدل على ذلك بأنّ الجمع بين الدليلين و لو من وجه أولى من طرح أحدهما رأسا، و لأجل ذلك يحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البيّنتان في دار تحت يد رجلين يدعيها كل منهما.

و أورد عليه السيد الأستاذ- قدّس سرّه-: بأنّ قاعدة الجمع قد ردّها الشيخ في رسالة التعادل و الترجيح و ذكر أنّ الجمع التبرّعي لا شاهد له، و إنّما الجمع المقبول هو الجمع مع الشاهد، فكيف قبل القاعدة التي هي مأثورة عن ابن أبي جمهور الاحسائي و قد ردّها في الأصول «1».

يلاحظ عليه: أنّ الشيخ ردّها في مجال الأحكام الشرعية لا في مجال الحقوق و هو ظاهر لمن راجع كلامه، و ما استدل به على رد تلك القاعدة يختص بمورد الأحكام، و لا يعمّ الحقوق.

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات 5/ 140.

المختار في أحكام الخيار، ص: 437

و على كلّ تقدير فنظرية الجمع بين المقوّمين هي خيرة المفيد، و المحقق، و العلّامة، و الشهيدين. فقال في الشرائع: «إن اختلف أهل الخبرة في التقويم، يعمل على الأوسط» و فسّره في الجواهر بالقيمة المنتزعة من مجموع القيم «1».

ثمّ إنّ ما استدل به الشيخ على الجمع ضعيف لأنّه قال بأنّ الجمع بينهما أولى من الأخذ بأحدهما إذ لقائل أن يقول بأنّ الأصل طرح كلا القولين أخذا بالمقرّر في باب الطرق عند التعارض أعني التساقط و الرجوع إلى الأصول العملية، و الأولى أن يستدل ببعض الآيات مثل قوله سبحانه: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ (الأعراف/ 29). و

قال سبحانه: وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء/ 58) و قوله سبحانه: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ (النحل/ 90) إلى غير ذلك مما يعبّر عنه بقاعدة العدل و الانصاف.

و يؤيّده خبر عبد اللّه بن عمر، قال: كنّا بمكة، فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بديا نار، ثمّ بديا نارين ثمّ بلغت سبعة، ثمّ لم توجد بقليل و لا كثير، فرقع هشام المكاري رقعة إلى أبي الحسن- عليه السلام- فأخبره بما اشترينا، ثمّ لم نجد بقليل و لا كثير، فوقّع: انظروا إلى الثمن الأوّل و الثاني و الثالث، ثمّ تصدّقوا بمثل ثلثه «2».

ثمّ إنّ تحقيق الحق يتوقّف على ذكر أمور:

1- هل البحث منعقد فيما إذا رفع المشتري و البائع الأمر إلى الحاكم، أو فيما إذا أراد البائع إفراغ الذمة، و رجع إلى أهل الخبرة، و المشتري إلى آخر فاختلفوا، فالظاهر أنّ موضع البحث هو الثاني لا الأوّل، و على ذلك لا موضوع للقولين

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 290.

(2)- الوسائل: 10 الباب 58 من أبواب الذبح، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 438

الأخيرين، أعني تقديم بيّنة الداخل أو الخارج، لأنّها من شئون المرافعة و القضاء و المفروض خلافه، نعم لو كان الموضوع أعم لا بأس بذكرهما، كما أنّه لا موضوع أيضا للقول الأوّل و الثاني، أعني: تقديم بيّنة الأقل للأصل أو تقديم بيّنة الأكثر بحجة أنّها مثبتة، إذ هذه الأقوال تناسب رفع النزاع إلى الحاكم و مثله القول الخامس، فكان على الشيخ تبيين محل البحث من حيث العموم و الخصوص، و لكنّه ذكر الأقوال و أكملها السيد الطباطبائي في التعليقة بلا تبيين لمحل النزاع.

2- الظاهر من المقوّم هو القسم الثاني و هو ما إذا

أخبر عن قيمة الشي ء بحدس و اجتهاد و لم يكن للقيمة واقع محفوظ، و كأنّه هو المقوّم، و أمّا الأوّل و الثالث، فهما مخبران لا مقوّمان.

3- إنّ الأصل في الطرق و الامارات في التعارض هو السقوط إلّا إذا دلّ الدليل على الأخذ بالأرجح أو التخيير كما هو الحال في الطرق و الامارات المتضمّنة للأحكام الشرعية، و أمّا غيرها كما في المقام، فالأصل هو السقوط و الرجوع إلى القواعد الآخر و لم يدل دليل على اعتبارهما حتى يعالجا باحدى الطرق المذكورة.

4- إنّ دليل أكثر الأقوال المذكورة ضعيف جدا.

أمّا الأوّل: فلأنّ تقديم بيّنة الأقل بالأصل، فرع بقاء حجّيتهما عند التعارض أوّلا، و صحّة ترجيح الامارة بالأصل ثانيا و هو كما ترى.

أمّا الثاني: فلأنّه مبنيّ على كون بيّنة الأكثر مثبتة و بيّنة الآخر ساكتة، مع أنّه ليس كذلك بل الثاني أيضا ناف يرى الزائد ظلما على البائع.

أمّا الثالث: فالرجوع إلى القرعة إنّما هو فيما إذا كان هناك واقع محفوظ

المختار في أحكام الخيار، ص: 439

اختلف الطرفان فيه كما في قسمي الأوّل و الثالث دون الثاني الذي ليس هناك واقع مضبوط إذ المبيع شي ء شخصي ليس له نظير و إنّما يقوّم بالحدس و القياس بالمشابهات. اللّهمّ إلّا أن يقال بعمومية حجية القرعة لما إذا لم يكن هناك واقع محفوظ.

أمّا الرابع: فالرجوع إلى الصلح فيما إذا لم يكن له طريق قاطع للنزاع كما في دوران الدينار بين شخصين لا في مثل المقام الذي هو صالح لاجراء البراءة.

أمّا الخامس: فهو يختص بما إذا رفعا النزاع إلى الحاكم و أقاما بيّنة، و لكن محل النزاع أعم، أو فيما إذا أراد البائع إفراغ ذمته، فاختلف المقوّمان.

و أمّا السادس: أعني وجوب الجمع فقد

عرفت عدم الدليل عليه، و الوجه السابع هو المختار كما سيوافيك و الترجيح بالأعدلية و الأكثرية كما في الثامن يتوقّف على الغاء الخصوصية لأنّهما وردتا في الامارات الدالّة على الأحكام لا الموضوعات، و قد عرفت حال الوجه التاسع و العاشر إذا عرفت ذلك فنقول:

إنّ البحث يقع تارة في القسم الثاني من أقسام المقوّم الذي هو الحقيق بتسميته مقوّما و أخرى في الأوّل و الثالث.

أمّا الثاني فيعلم حكمه من بيان حكم مسألة أخرى و هي:

إذا أتلف مال الغير، و كان قيميّا، و تعددت قيمته في السوق تعددا حقيقيا قبله المتبايعان و ليس هذا أمرا بديعا. لأنّه ربّما يباع الشي ء في مركز المدينة بقيمة و في غيره بقيمة أخرى، فلو أراد المتلف ابراء الذمّة فأدّى الأقلّ من القيمتين، فقد أفرغ ذمّته بادائه و لا يتوقّف على أداء الأكثر، لأنّ المفروض أنّ كل واحدة منهما قيمة للجنس حقيقة، لا أنّ احداهما قيمة و الأخرى بدل، فإذا كان كذلك، و صدق

المختار في أحكام الخيار، ص: 440

عليه أنّه أدّى قيمة التالف، فقد قام بواجبه.

و لو فرضنا أنّه حاول في هذه الظروف اداء الارش و لكل من الصحيح و المعيب قيمتان متعددتان حقيقتان، فأخذ الأقل من القيمتين و أدّى الارش بتلك النسبة، فقد أدّى الارش و صدق عليه أنّه أدّى التفاوت.

فإذا كان هذا حال ما إذا تعدّدت قيمة الجنس في البلد واقعا فليكن مثله فيما إذا اختلف المقوّمان في الصورة الثانية، و ذلك لأنّ تقويم المقوّمين بقيمتين مختلفتين، في المبيع الذي ليس فيه مقياس معيّن، و ضابط رسمي، يجعل المبيع من قبيل ما إذا تعددت القيم حقيقة، و ذلك لأنّه ليس في المقام واقع محفوظ، حتى تكون إحدى القيمتين

مطابقة له، و الأخرى مخالفة بل الواقعية تدور مدار تشخيص المقوّم الخبير الذي يقوّمه حسب ممارسته المشابهات، فتصير كل واحدة قيمة رسمية، و يكون من باب تعدّد القيم. فيجري فيه ما يجري فيه فلو اختار احدى القيمتين و أدّى الواجب بنسبتها يصدق عليه أنّه أدّى التفاوت بين قيمتي الصحيح و المعيب. و معه لا يصح استصحاب اشتغال الذمّة- مضافا إلى أنّه لا يثبت وجوب الأكثر، و لا التمسّك بالكبرى من أنّه يجب أن يدفع البائع، تفاوت ما نقص لأنّ المفروض أنّه أدّى ذلك التفاوت.

هذا كلّه في القسم الثاني، و أمّا الأوّل و الثالث من الأقسام فبما أنّ حجّيتهما من باب الطريقية فيسقط كل واحد منهما عن الحجية، كما هو شأن كل أمارة اعتبرت من باب الطريقية، و لا دليل على الأخذ بأحدهما- مثل ما ورد في تعارض الامارات في مورد الأحكام- و لا جمع بينهما، فتصل النوبة إلى الأصل و هي البراءة للشك في اشتغال ذمّة البائع بأزيد مما يقوّم به أحد المقوّمين، و استصحاب اشتغال الذمة لا يثبت لزوم دفع الأكثر، لكونه مثبتا بالنظر إليه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 441

و ما ذكر من الآيات، لا يدل كون العدل و القسط، هو الجمع بين القيمتين، بل العدل هو أن لا يأخذ المشتري ما لم يثبت الاشتغال به و رواية عبد اللّه بن عمر مضافا إلى أنّها خبر واحد، مختصّة بموردها.

و أقصى ما يمكن أن يقال في تصحيح اختلافهما، أنّهما يحكيان عن تعدّد القيم في السوق فيجري فيه ما ذكرنا هناك.

هذا كلّه إذا لم يرفعا النزاع إلى الحاكم، و إلّا فالحق تقديم بيّنة المدّعي على بيّنة المنكر لأنّ اقامة البيّنة من وظائف المدّعي لا المنكر،

و هو المشتري في المقام فيؤخذ بالأكثر دون الأقل، و أمّا على القول بسماع بيّنته أيضا فيدخل في باب تعارض البيّنات و هي مسألة طويلة الذيل لا يسع المجال لتنقيحها و إن كان الأقوى فيه هو الرجوع إلى القرعة، و التفصيل في محلّه.

ثمّ إنّه على القول بأنّ الواجب هو الجمع بين القيمتين، فهناك طريقان أحدهما هو المشهور و الآخر للشهيد، و ربّما يتفقان، و أخرى يفترقان.

أمّا المشهور فقالوا: إنّه يؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و من الثلاث ثلثهما و من الأربع ربعهما و هكذا في المعيب ثم تلاحظ التفاوت بين المأخوذ للصحيح و المأخوذ للمعيب و يؤخذ بتلك النسبة من الثمن، فإذا كان أحد قيمتي الصحيح 12 دينارا، و الآخر 6 دنانير، و أحد قيمتي المعيب 4 دنانير، و الآخر ديناران، تجمع قيمتا الصحيح 6+ 12 فيصيران 18 دينارا فيؤخذ نصفه أي 9 دنانير، و مثله قيمتا المعيب تجمعان 2+ 4 فتصيران 6، فيؤخذ نصفه أي 3، و التفاوت بين القيمتين بالثلثين، فيكون الارش ثلثا الثمن.

و هذا النهج هو الذي يؤيّده خبر عبد اللّه بن عمر الآنف ذكره.

المختار في أحكام الخيار، ص: 442

و أمّا المنقول عن الشهيد- كما في الروضة البهية- و هو أن يرجع إلى البيّنة في مقدار التفاوت و يجمع بين البيّنات فيه، من غير ملاحظة القيم، فقد يتّحدان من حيث النتيجة كما في المثال المتقدم فإنّ التفاوت بين القيمتين، هو الثلثان فإن أحد المقوّمين، قوّم الصحيح 12 دينارا، و المعيب 4 دنانير، و الآخر قوّم الصحيح 6 دنانير و المعيب ديناران، و النسبة في كليهما، هو الثلثان، فيجمعان ثم يقسّمان إلى النصف حسب تعداد التقويم فيكون الارش هو الثلثان من الثمن.

و

قد يفترقان فتارة تزيد طريقة الشهيد على الأخرى و قد تنقص، و قد ذكر الشيخ مثالا لكل واحد. و بما أنّ الجمع ليس واجبا عندنا فلا ضرورة للخوض في ترجيح أحد الطريقين على الآخر.

المختار في أحكام الخيار، ص: 443

الفصل العاشر شروط صحّة الشرط

اشارة

أن يكون داخلا تحت القدرة.

أن يكون الشرط سائغا.

أن يكون الشرط عقلائيا.

أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنّة.

ما هي الضابطة في تمييز المخالف؟

أن لا يكون مخالفا لمقتضى العقد، و يبحث عن أمور:

أ- ما هو المراد من المخالف لمقتضى العقد؟

ب- ما هو الدليل على هذا الشرط؟

ج- في بيان حال بعض الشروط.

إذا شك في كون الشرط مخالفا أو موافقا.

أن لا يكون مجهولا جهالة توجب الغرر.

أن لا يكون مستلزما للمحال.

أن يلتزم به في متن العقد.

أن يكون منجزا لا معلّقا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 445

في شروط صحّة الشرط دراسة أحكام الشروط، صحّة و فسادا عقيب الخيارات، كانت تستدعي البحث عن خيار تخلّف الشرط أوّلا، ثم إردافه بالبحث عن أحكامها ثانيا، و لم يسبق من الشيخ البحث عن خيار تخلّف الشرط فيبدو أنّه كتب رسالة مستقلّة في أحكام الشروط، فألحقها بالخيارات، كما استظهره السيد الطباطبائي- قدّس سرّه- و يحتمل أنّه اكتفى في ذلك المجال بما سيأتي عنه في مسألة «حكم الشرط الصحيح» فقد تعرّض هناك بأحكام الشروط و منها أحكام تخلّفه التي منها الخيار فلاحظ، و على كلّ تقدير فقد ذكروا شروطا لصحّة الشرط المأخوذ في العقود و الايقاعات.

و إليك البيان:

الشرط الأوّل: أن يكون داخلا تحت القدرة:

قال المحقّق: «لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره كبيع الزرع على أن يجعله سنبلا و الرطب على أن يجعله تمرا و لا بأس باشتراط تبقيته» و هل مراده جعل اللّه أو جعل المشتري؟ فيه تردد.

و قال في الحدائق: «و كذا يبطل الشرط باشتراط غير المقدور للمشروط عليه كاشتراط حمل الدابة في ما بعد، أو أنّ الزرع يبلغ السنبل، سواء شرط عليه أن يبلغ ذلك بفعله أو بفعل اللّه تعالى لاشتراكهما في عدم المقدورية» «1».

______________________________

(1)- الحدائق: 19/ 67.

المختار

في أحكام الخيار، ص: 446

ليس المقصود من عنوان البحث (أن يكون داخلا تحت القدرة) التحرّز عن الممتنع عقلا كالجمع بين الضدين أو عادة كالطيران إلى الهواء بلا سبب، بل المراد التحرّز عن اشتراط فعل الغير، الخارج عن اختيار المتعاقدين، المحتمل وقوعه في المستقبل، و ارتباط العقد به و ذلك لأنّ الأوّل ممّا لا يرتكبه العقلاء حتى يحترز عنه، بخلاف الثاني، فإنّه أمر صحيح مطلوب لهم و هو أولى من الاشتراط بالوصف الحالي المجهول تحقّقه ككون الحيوان حاملا فعلا، هذا ما ذكره الشيخ الأعظم، ثمّ استدل على بطلان اشتراط فعل الغير، بعدم القدرة على تسليمه (الشرط) و لا على تسليم المبيع إذا أخذ متّصفا به لأنّ تحقّق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق، و لا يناط بإرادة المشروط عليه فيلزم الغرر في العقد لارتباطه بما لا وثوق بتحقّقه.

ثمّ لما التفت إلى أنّ نفس التالي (الغرر) موجود فيما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحقّقه في المبيع كاشتراط كونه حاملا بالفعل (مقابل كونه حاملا في المستقبل) أجاب بالفرق بين المقامين بوجود البناء على التحقّق في الأوّل فيكون الشرط بمنزلة توصيف المبيع به، بخلاف الثاني.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ تعليل بطلان هذا النوع من الاشتراط باستلزامه الغرر يستلزم دخوله في الشرط السادس الذي يذكره الشيخ و هو: أن لا يكون مجهولا جهالة توجب الغرر فلا وجه لذكره مستقلّا، فالأولى الاكتفاء بما ذكره أوّلا من عدم القدرة على تسليمه أو تسليم المبيع إذا أخذ متّصفا به، و سيجي ء الكلام فيه أيضا.

و ثانيا: لو كان السبب هو الجهالة و الغرر لما كان هنا فرق بين الوصف الحالي و الاستقبالي، و بناء المتعاملين على حصول الشرط حاليا لا يرفع الغرر ما

لم يحصل الاطمئنان، و لو حصل لكفى في كلا المقامين و لعل البناء من المتعاملين على وجود

المختار في أحكام الخيار، ص: 447

الوصف عبارة أخرى عن الاطمئنان بوجوده و التفريق بين التوصيف و الاشتراط بالصحّة في الأوّل دون الثاني، كما ترى لكون نسبتهما إلى الغرر سواسية. و بالجملة لا فرق بين الحالي و الاستقبالي، كما لا فرق بين التوصيف و الاشتراط في الغرر و عدمه و لا يرتفع الغرر إلّا بالاطمئنان فقط.

و أمّا حديث عدم القدرة على التسليم، ففيه مجال للتأمّل، فلو شرط فعل الغير و كانت هناك مظنّة للتحقّق، كما إذا كان الغير عبدا أو أمة له أو ولدا أو أخا أو صديقا يلبّون دعوته، و يقضون طلبه، بلا تروّ و تردّد، فلا مانع من اشتراطه حتى مثل جعل الزرع سنبلا و البسر تمرا و الدابة حاملا، إذا كانت القرائن مفيدة للاطمئنان بحصول الشرط. و بالجملة الملاك كون الاشتراط أمرا عقلائيا، يرتكبه العقلاء، و لذلك لو اشترط عمل شخص ثالث لا صلة له بهما، و لم يعلم من حاله القيام به و عدمه، يعد الاشتراط أمرا غير عقلائي، و يكون الشرط باطلا، لعدم شمول أدلّة الامضاء له.

و بذلك ظهر أنّه لا وجه لهذا الشرط، سواء أريد منه، كونه مقدورا في مقابل الأمر المحال كالجمع بين الضدين و قد عرفت انّ العقلاء لا يشترطونه حتى يحترز عنه أو أريد منه كونه فعلا لأحد المتبايعين في مقابل كونه فعلا للثالث كما اختاره الشيخ لأنّ اشتراطه إمّا لأجل كون مقابله مستلزما للغرر، فهو يرجع إلى الشرط السادس، و إمّا لأجل كون مقابله مستلزما لعدم القدرة على التسليم، فقد قلنا بكفاية الاطمئنان على ما عرفت.

ثمّ إنّ الفقهاء

ذكروا لعدم القدرة على التسليم موارد نذكرها:

1- اشتراط ما ليس لأحد المتعاقدين فيه دخل كاشتراط كون الحامل تضع في شهر كذا و قد عرفت حال أمثاله.

المختار في أحكام الخيار، ص: 448

2- اشتراط ما ليس المشروط عليه مستقلّا فيه، كاشتراط بيع المبيع من زيد، فربّما يفصل بين إرادة الايجاب فقط و إرادة المجموع منه و من القبول، فيصح الأوّل دون الثاني، و الظاهر الصحّة مطلقا إذا كان هناك وثوق بتحقّق الشرط في ظرفه فلا يعد مثل ذلك أمرا غير مقدور مطلقا، سواء امتنع عن القبول أو لا، كان العجز طارئا أو سابقا خلافا لصاحب الجواهر حيث قال: نعم يمكن القول بالبطلان، لو انكشف عدم القدرة عليه حال الاشتراط «1».

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الميزان كون الاشتراط عقلائيا يكفي الاطمئنان حال الاشتراط، و إن كان العجز متحققا في الواقع غاية الأمر يكون للشارط الخيار، إذا كان خلفا أو تخلّفا.

و بذلك يعلم أنّ الملاك في المقدورية هو المقدورية الظاهرية لا الواقعية، فلو تبيّن الخلاف يكون الشرط صحيحا و يعد من باب التخلّف فيكون للمشروط له الخيار، بخلاف ما لو قلنا بأنّ الملاك هو المقدورية الواقعية فيكون الشرط فاسدا، إذا كان العجز متحقّقا عند الاشتراط، فيأتي البحث عن حكم الشرط الفاسد بأنّه يفسد أو لا.

3- ما لو شرط حصول غاية متوقّفة شرعا على سبب خاص بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط كاشتراط كون امرأة متزوّجة أو الزوجة مطلّقة، و الحق فيه التفصيل كما أشار إليه الشيخ و غيره و هو:

ألف: ما يكفي في تحقّقه كل سبب حتى مثل الاشتراط في ضمن العقد، كجواز الاقامة في داره و هذا خارج عن محط البحث.

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 205.

المختار في

أحكام الخيار، ص: 449

ب: ما لا يكفي في تحقّقه الاشتراط، و لكن المقصود ايجادها بالسبب كالنكاح و الطلاق.

ج: تلك الصورة من غير التفات إلى ايجادها بسبب و عدمه فالظاهر الصحّة، لأنّه نظير اشتراط الأفعال التوليدية كالانعتاق، فلو اشترط كون العبد معتقا بلا تقييده بعدم السبب، يصحّ لكونه مقدورا للمشروط عليه بايجاد سببه.

د: تلك الصورة و لكن قيّد تحقّقها بنفس الاشتراط بلا سبب وراء الاشتراط فلا شك في بطلان الشرط لكونه مخالفا للشرع لا لكونه غير مقدور لأنّ الانعتاق يحصل لدى العقلاء بنفس اشتراطه في العقد، لكنّه غير كاف عند الشرع فلا يعد مثل ذلك إلّا مخالفا للشرع و الكتاب و السنّة لا غير مقدور.

الشرط الثاني: أن يكون الشرط سائغا:

يشترط في صحّة الشرط كونه سائغا فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمرا، لعدم نفوذه لقولهم: «إنّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» «1».

و قد أورد على هذا الشرط بأنّ مرجعه إلى الشرط الرابع، أعني: ما لا يكون مخالفا للكتاب و السنّة.

أقول: يمكن التفريق بين الشرطين بوجوه:

______________________________

(1)- الوسائل: 12، الباب 6 من أبواب الخيارات، الحديث 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 450

1- انّ الشرط تارة يطلق و يراد منه المعنى المصدري الذي هو المعنى الحقيقي أي نفس الالتزام و التعهّد و التقيّد، و أخرى نفس الملتزم الذي هو المعنى المجازي أي العمل الذي يقوم به المشروط عليه فالشرط الثاني يهدف إلى كون نفس الالتزام حلالا سواء أ كان الملتزم حلالا أيضا أم لا بخلاف الشرط الرابع فإنّه ناظر إلى عدم كون الملتزم محرّما تكليفا و وضعا.

يلاحظ عليه: أنّ حرمة الالتزام مع كون الملتزم حلالا أمر نادر غير متحقّق إلّا في مورد نهي الوالد و الحاكم و لا

يصحّ الحمل عليه، و حرمته مع كون الملتزم كذلك و إن كان شائعا كالالتزام بجعل العنب خمرا، لكن الشرط الرابع مغن عنه، للملازمة بين حرمة الملتزم و حرمة الالتزام.

2- تخصيص الشرط الثاني بالحلّية التكليفية كالمثال المزبور، و حمل الشرط الرابع بالحلّية الوضعية حذرا عن رقية الحر، و كون الأجنبي وارثا.

يلاحظ عليه: أنّ مورد الشرط الرابع أعم في لسان الروايات و كلمات الفقهاء.

3- تخصيص الشرط الثاني بعدم المخالفة مع السنّة، و الرابع بعدم المخالفة مع الكتاب.

يلاحظ عليه: أنّ مورد الرابع أعم كما سيوافيك فالحق الغناء عن هذا الشرط كالشرط الأوّل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 451

الشرط الثالث: أن يكون الشرط عقلائيا:

يشترط في صحّة الاشتراط أن يكون عقلائيا و يتعلّق به غرض و لا يعدّ لغوا، فخرج مثل اشتراط الكيل بمكيال أو الوزن بميزان معيّنين، مع مساواتهما بسائر المكاييل و الموازيين الصناعية الدقيقة، و لا يشترط كونه موجبا للزيادة المالية كما في التذكرة بل يكفي أن يكون الاشتراط في نظر العرف أمرا صحيحا عقلائيا، فلو اشترطا كون العبد كافرا صحّ لأجل تعلّق الغرض به في موارد خاصة، و توهّم كونه مستلزما لاعلاء الكفر و اخفاض الإسلام كما ترى و إلّا لما صحّ شراء العبد الكافر مع وجود المسلم.

و الدليل على لزوم كون الشرط عقلائيا عدم شمول أدلّة الامضاء، أعني:

المسلمون عند شروطهم إلّا له.

و أمّا الاستدلال عليه بأنّ مثل ذلك لا يعدّ حقّا للمشروط له حتى يتضرّر بتعذّره فيثبت له الخيار و يكون تركه ظلما فغير تام، لأنّ موضوع الوفاء هو الشرط لا الشرط الذي يوجد حقا و يعدّ تركه ظلما، و لعل هذه العناوين تنتزع من أدلّة الوفاء، بعد شمولها للشرط الوارد في كلام المتبايعين، فلا يصحّ أخذ ما هو متأخّر

عن تطبيق الدليل في لسانه.

و بذلك يعلم أنّ اشتراط المعاملة بعملة و رقية خاصة مع كونها مساوية مع سائر العملات الورقية شرط غير عقلائي بل المعاملة بنيّة دفع الورق الخاص، بعد عدم الفرق بين المشروط و غيره غير مؤثر، فيكون حكم أمثال هذه المعاملات، حكم المعاملة على الذمة، و إن كان الثمن مشخّصا لدى البائع. و ذلك لأنّ قصد هذا الورق من العملة، دون ذاك، قصد عاطل لا طائل تحته، فلا يكون ملزما. و لما ذكرنا نتائج فقهية يصل إليها المتدبّر.

المختار في أحكام الخيار، ص: 452

الشرط الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنّة:

اشارة

من شرائط صحّة الشرط أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة، كما إذا اشترط كون الطلاق بيد الزوجة، أو رقيّة حرّ، أو توريث أجنبي فلا يكون نافذا و تحقيق هذا الشرط يتوقف على سرد الروايات في المقام.

فنقول: إنّ لسان الروايات على أصناف:

الأوّل: أن لا يكون مخالفا لكتاب اللّه:

1- عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه ... «1».

2- عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز «2».

3- عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الشرط في الإماء، لا تباع و لا توهب؟ قال: يجوز ذلك غير الميراث، فانّها تورّث، لأنّ كل شرط خالف الكتاب باطل «3».

4- الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجلين اشتركا في مال و ربحا فيه ربحا و كان المال دينا عليهما، فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال، و الربح لك و ما توى، فعليك؟ فقال: لا بأس به إذا اشترط عليه، و إن كان شرطا يخالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فهو رد إلى كتاب اللّه عزّ و جلّ ... «4».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2 و 3 و 4، و سيأتي الحديث الثاني في القسم الثاني أيضا لأجل ذيله.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2 و 3 و 4، و سيأتي الحديث الثاني في القسم الثاني أيضا لأجل ذيله.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار،

الحديث 1 و 2 و 3 و 4، و سيأتي الحديث الثاني في القسم الثاني أيضا لأجل ذيله.

(4)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2 و 3 و 4، و سيأتي الحديث الثاني في القسم الثاني أيضا لأجل ذيله.

المختار في أحكام الخيار، ص: 453

5- إبراهيم بن محرز قال: سأل رجل أبا عبد اللّه- عليه السلام- و أنا عنده فقال:

رجل قال لامرأته: أمرك بيدك؟ قال: أنى يكون هذا و اللّه يقول: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ ليس هذا بشي ء «1».

و الحديث و إن لم يرد فيه لفظ المخالفة لكنّها مفهومة منه.

الثاني: أن يكون موافقا لكتاب اللّه:

6- عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ «2» و هل يحكّم الصدر على الذيل أو بالعكس، سيوافيك الكلام فيه.

7- الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- انّه سئل عن رجل قال لامرأته: انّ تزوجت عليك أو بتّ عنك فأنت طالق؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من شرط لامرأته شرطا سوى كتاب اللّه عزّ و جلّ لم يجز ذلك عليه و لا له «3».

8- روى البخاري عن عائشة قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت: إن أحبّوا أن أعدّها لهم، و يكون ولاؤك لي، فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها، فجاءت من عندهم و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جالس فقالت: انّي قد عرضت ذلك

عليهم فأبوا إلّا أن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 15، الباب 41، من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 6.

(2)- المصدر نفسه: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1.

(3)- المصدر نفسه: ج 15 الباب 13 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1.

و رواه أيضا عن ابن سنان في الجزء 15 من الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 454

يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فأخبرت عائشة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: خذيها و اشترطي لهم الولاء فإنّما الولاء لمن اعتق. ففعلت عائشة، ثمّ قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الناس فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه، ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل و إن كان مائة شرط، قضاء اللّه أحقّ و شرط اللّه أوثق، و إنّما الولاء لمن أعتق «1».

و رواه في دعائم الإسلام بلفظ آخر يلحقه بالقسم الأوّل قال: ... ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه، يبيع أحدهم الرقبة و يشترط الولاء، و الولاء لمن أعتق، و شرط اللّه له، كل شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ «2»، و هو نظير رواية عبد اللّه بن سنان تشتمل على كلا المناطين و لا بد من التحكيم.

الثالث: أن لا يكون مخالفا للسنّة:

9- محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: «قضى علي- عليه السلام- في رجل تزوج امرأة و أصدقها، و اشترطت عليه أنّ بيدها الجماع و الطلاق؟ قال:

خالفت السنّة و ولّيت حقّا ليست بأهله قال: فقضى علي- عليه السلام- أنّ عليه الصداق و بيده

الجماع و الطلاق و تلك السنّة «3».

10- ابن فضال عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة و شرطت عليه أنّ بيدها الجماع

______________________________

(1)- البخاري: الصحيح: 3/ 192، باب الشروط في الولاء، الحديث 1. و رواه البيهقي في سننه 10/ 295.

(2)- شيخنا النوري في المستدرك: ج 15، الباب 30 من كتاب العتق، الحديث 2.

(3)- الفقيه: 3/ 269، برقم 1276.

المختار في أحكام الخيار، ص: 455

و الطلاق، فقال: خالف السنّة، و ولى الحق من ليس أهله، و قضى أنّ على الرجل الصداق، و أنّ بيده الجماع و الطلاق و تلك السنّة «1».

11- مروان بن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

قلت له: ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال: فقال لي: ولى الأمر من ليس أهله و خالف السنّة و لم يجز النكاح «2».

و سيوافيك الجمع بين اللسانين.

الرابع: أن لا يكون مخالفا لشرط اللّه:

يظهر من بعض الروايات أنّ المقياس، هو عدم المخالفة لشرط اللّه، أو موافقته له.

12- محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قضى علي- عليه السلام- في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها، أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق، فقضى في ذلك: أنّ شرط اللّه قبل شرطكم فان شاء وفى لها بالشرط، و ان شاء أمسكها و اتّخذ عليها و نكح عليها «3».

13- محمد بن قيس، عن أبي جعفر- عليه السلام- في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق، فقضى في ذلك: أنّ شرط اللّه قبل شرطكم، فإن شاء و فى لها

بما اشترط، و إن شاء أمسكها

______________________________

(1)- الوسائل: ج 15، الباب 42 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه: الباب 41، من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 5.

(3)- المصدر نفسه: الباب 13، من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 456

و اتخذ عليها و نكح عليها «1».

14- العياشي في تفسيره: عن ابن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال:

قضى أمير المؤمنين في امرأة تزوجها رجل شرط عليها و على أهلها إن تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سريّة فإنّها طالق؟ فقال: شرط اللّه قبل شرطكم، إن شاء وفى بشرطه، و إن شاء أمسك امرأته و نكح عليها و تسرّى عليها و هجرها إن أتت بسبيل ذلك قال اللّه تعالى: فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ (النساء/ 3) و قال: إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 24) و قال:

وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ (النساء/ 34) «2».

الخامس: أن لا يكون محرّما لحلال أو محلّلا لحرام:

15- اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه- عليه السلام-: إنّ علي بن أبي طالب كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإنّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما «3» و سيوافيك معنى الاستثناء.

السادس: عدم منع الكتاب و السنّة عنه:

16- روى أبو المكارم في الغنية: «الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة» «4».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 15، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه: الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 6، قد نقلت الآية فيها مصحّفة فلاحظ.

(3)- المصدر نفسه: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 5.

(4)- الغنية: 587 في فصل أسباب الخيار و مسقطاته.

المختار في أحكام الخيار، ص: 457

حصيلة الروايات:

اشارة

1- إنّ اشتراط عدم بيع الأمة المشتراة و عدم هبتها ليس مخالفا للكتاب، لكن شرط عدم كونها مورّثة مخالف له (الرواية الثالثة).

2- اشتراط كون الطلاق و الجماع بيدها مخالف للكتاب و عليه الرواية (5 و 9 و 10 و 11).

3- اشتراط عدم التزويج و التسرّي عليها ليس موافقا للكتاب كالرواية (7) أو مخالف للكتاب كالرواية (12 و 13 و 14).

4- كون الولاء لغير المعتق ليس موافقا للكتاب.

إذا عرفت ما ذكرنا يقع الكلام في جهات:

الأولى: ما هو المراد من كتاب اللّه

فهل المراد هو القرآن المجيد أو مطلق ما كتب اللّه على عباده من أحكام الدين، و إن بيّنه على لسان رسوله، ذهب الشيخ إلى الثاني بشهادة ما في النبوي من جعل اشتراط ولاء المملوك لبائعه مخالفا لكتاب اللّه، مع كون الكتاب العزيز خاليا منه فلا بد من تفسير الكتاب بما كتب اللّه على عباده.

يلاحظ عليه: أنّه خلاف المتبادر من النصوص المتضافرة و أمّا النبوي فالاستدلال مبني على نقل دعائم الإسلام، مع أنّ الوارد في صحيح البخاري و سنن البيهقي هو كل شرط ليس في كتاب اللّه عزّ و جلّ فهو باطل، لا مخالفا لكتاب اللّه، و الأوّل صادق على كون الولاء لبائعه، لخلوّ الكتاب منه، فلا ضرورة لتفسير الكتاب بما كتب، نعم على حدّ تعبير الدعائم من عدّه مخالفا للكتاب

المختار في أحكام الخيار، ص: 458

لا محيص من تفسيره بما كتب اللّه.

و الذي يسهل الخطب، انّ ذكر الكتاب لأجل كونه من أجلى المصادر للحكم الشرعي فالمناسبة المغروسة في الأذهان تستدعي الغاء الخصوصية خصوصا بالنظر إلى الأصناف الآتية.

الثانية: هل الشرط عدم المخالفة للكتاب

كما هو مفاد الصنف الأوّل من الروايات أو الموافقة له، و الظاهر هو الأوّل، و قد اشتملت الرواية السادسة و الثامنة- حسب نقل الدعائم- على كلا الملاكين، فيكون المراد من الموافقة، عدم المخالفة و إن أبيت إلّا عن اشتراط الموافقة، فيحمل على الموافقة لعموماته المرخّصة إلّا ما إذا كان حراما نظير قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (البقرة/ 29) و ما يشابهه و نظير المقام ما ورد في حجية أخبار الآحاد، فدلّ بعضها على حجّية موافق الكتاب، و أخرى على كون المخالف زخرفا و باطلا «1». و يؤيد ذلك أنّ دأب القرآن و

ديدنه هو بيان المحرّمات، لا المحلّلات وضعا و تكليفا، فمجرّد كونه غير مخالف للكتاب يكفي في الحلّية و النفوذ، خصوصا أنّ الشروط بين المتعاقدين متوفّرة نوعا و صنفا فترقّب ورودها بأنواعها و أصنافها فضلا عن أشخاصها في الكتاب في غير موضعه، فتكون النتيجة مانعية المخالفة لا شرطية الموافقة فالناظر في الروايات يقدّم مانعية المخالفة على شرطية الموافقة.

هذا كلّه إذا أريد من الكتاب القرآن، و أمّا إذا أريد منه الدين و أنّه رمز للشريعة الإسلامية الغرّاء فبما أنّ لكل موضوع حكما شرعيا في الشريعة، فلا واسطة بين عدم المخالفة و الموافقة، فإذا لم يكن مخالفا يكون موافقا قطعا.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

المختار في أحكام الخيار، ص: 459

الثالثة: هل المراد من السنّة الواردة في الصنف الثالث هو الحكم الوارد في لسان النبي،

مقابل وروده في الكتاب، أو المراد منه، هو الطريقة و الشريعة الإلهية سواء ورد في لسان النبي أم في القرآن؟ الظاهر هو الثاني لأنّها وردت فيمن جعل الطلاق و الجماع بيد الزوجة، و دليل المخالفة هو قوله سبحانه: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ (النساء/ 34)، و لأجل ذلك استند في رواية إبراهيم بن محرز «1» إلى قوله سبحانه: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ، و هذا يعرب عن كون المراد منها هو الشريعة الواردة في المصدرين الرئيسيين:

و يؤيّد ذلك ما ورد في الصنف الرابع من لزوم عدم المخالفة لشرط اللّه، فإنّ المراد من الشرط الوارد فيه هو حكم اللّه و الالتزام و التعهّد الذي أخذه سبحانه على عباده بواسطة أنبيائه، فعند ذلك يستفاد من الروايات عدم مخالفة الشرط لحكم اللّه سبحانه على وجه الاطلاق سواء وصل إلينا عن طريق الكتاب أو سنّة النبيّ أو بطريق من الطرق.

و الناظر في الأصناف الأربعة يقف على أنّ هدف الجميع

هو عدم مخالفة الشرط للتشريع الإلهي و كيف لا يكون كذلك و قد قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات/ 1) إلى غير ذلك من الآيات الحاثّة على عدم المخالفة للتشريع الإلهي.

بقي الكلام في الصنف الخامس الذي ذكر أنّ المانع هو تحريم الحلال و تحليل الحرام، أعني: موثقة إسحاق بن عمار (الرواية الخامسة عشر).

______________________________

(1)- لاحظ الرواية الخامسة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 460

و هل المراد منهما، الحلال و الحرام التكليفيان كتحريم الطيّبات و تحليل الخبائث، على خلاف ما جاء في قوله سبحانه: يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ (الأعراف/ 157) أو المراد خصوص الوضعي منهما، أو الأعم أي مطلق الجائز و الممنوع، الأعم من التكليفي و الوضعيّ، و تتضح الحال فيه في المستقبل عند البحث عن الجهة الخامسة.

الرابعة: هل الموصوف بالمخالفة هو الشرط أو المشروط؟!
اشارة

إنّ الشرط كما في القاموس بمعنى الالزام و الالتزام و لعلّ الأوّل ناظر إلى الشارط، و الثاني إلى المشروط عليه.

ذهب الشيخ الأعظم إلى أنّ الموصوف بمخالفة الكتاب تارة يكون الالتزام بما هو هو من دون أن يكون الملتزم مخالفا، و أخرى الملتزم، و قد مثل للأوّل بالالتزام بترك التسرّي و التزوّج لصالح الزوجة التي تحتها، فإن الملتزم، أعني: نفس الترك ليس بمخالف للكتاب فإنّ أقصاه، ترك المباح و هو جائز، لكن الالتزام مخالف للكتاب المبيح لهما بقوله: فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ (النساء/ 3) و قوله: إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 24) و مثّل للثاني بكون الحر أو ولده رقّا، و ثبوت الولاء لغير المعتق، أو توريث الأجنبي.

ثمّ إنّ الشيخ استظهر أنّ المتصف بالمخالفة في بعض الروايات المتقدمة هو الالتزام، و

أشار إلى موارد ثلاثة:

1- رواية ابن مسلم «1» حيث دلّ على كون اشتراط ترك التزوّج و التسرّي

______________________________

(1)- الرواية الرابعة عشر: رواية العياشي عن ابن مسلم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 461

مخالفا للكتاب و ليس المخالف إلّا الالتزام، لا نفس الترك كما هو واضح.

2- موثقة إسحاق بن عمار: المؤمنون عند شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا، أو أحلّ حراما فإنّها ظاهرة في أنّ المراد من التحريم و التحليل ما هو فعل الشارط لا الشارع، و ما يعدّ فعلا له، هو الالزام و يلحقه الالتزام من المشروط عليه.

3- مرسلة الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة، فإنّ الشرط فيه، بالمعنى المصدري و الضمير في قوله «منه» يرجع إليه فيكون المعنى:

الالزام و الالتزام جائز ما لم يمنع عنه كتاب أو سنّة.

ملاحظات في كون الالتزام محرّما:

أظن أنّ الذي حمل الشيخ الأعظم على هذا التفسير انّما هو تفسير كون ترك التسرّي و التزوّج مخالفا للكتاب و السنّة و لو لا الرواية الواردة في هذا المجال لما خطر بباله هذا التفسير، فحاول بهذا التفسير تصوير كونهما مخالفين للكتاب قائلا بأنّ الالتزام بهما أمر محرّم و إن كان نفس الترك ليس بمحرّم. و مع ذلك يلاحظ على كلامه بوجوه:

1- الظاهر أنّ الشرط في جميع الروايات بمعنى المشروط و الملتزم، إطلاقا مجازيا، و لم نجد في الفقه موردا يكون الالتزام فيه حراما مع كون الملتزم به مباحا حتى الالتزام بترك التسرّي و التزوّج الوارد في الحديث فإنّه ليس بمحرّم و ذلك لأنّ الالتزام بترك المباح و المستحب أو فعل المكروه ليس بمخالف للكتاب و إنّما هو أخذ بأحد طرفي التخيير.

و أمّا الالتزام بترك الواجب و فعل المحرّم- فمضافا إلى أنّه ليس

بحرام و إنّما

المختار في أحكام الخيار، ص: 462

هو من مصاديق التجرّي- أنّه خارج عن محل الكلام فإنّ الكلام فيما إذا كان الملتزم أمرا مباحا، لا محرّما.

و على ضوء ذلك فلا ملزم لتفسير الشرط فيها أو في بعضها بالالتزام و أمّا الاستشهاد بالموارد الثلاثة فنقول:

أمّا رواية العياشي: فلو صحّ الاستدلال بها فالذيل دال على أنّ المخالف للكتاب هو الملتزم بشهادة الاستدلال فيها بالآيات الثلاث على أنّ الشرط مخالف للكتاب فالمخالف لقوله سبحانه: فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ هو نفس الملتزم، أي ترك التزويج بأزيد من واحد و المخالف لقوله سبحانه: إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ هو ترك التسرّي، و المخالف لقوله:

وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ هو ترك الهجر إذا تحقّق سببه، فاشتراط ترك التزوّج و التسرّي و الهجر عند النشوز، على خلاف الكتاب. هذا مفاد الرواية و أمّا عدم اضرار هذا النوع من المخالفة، مع أنّ الإمام عدّه شرطا فاسدا فهو أمر آخر لا يكون سببا لجعل الموصوف لها نفس الالتزام لا الملتزم كما صنعه الشيخ الأعظم. و الذي يسهّل الخطب أنّها ليست بحجّة لارسالها كما سيوافيك، و على فرض تسليم حجيتها فلها تفسير آخر كما سيأتي.

و أمّا موثقة إسحاق بن عمّار، فإنّ الظاهر هو الملتزم، و ذلك لأنّ قوله «شرطا» مفعول به لقوله «شرط» لا مفعول مطلق و المراد من شرط شيئا، أي ملتزما.

و أمّا مرسلة الغنية فمضافا إلى ارسالها فغير متعيّنة في كون الشرط بمعنى الالتزام، بل يصح إذا فسّر بمعنى الملتزم.

و الحاصل أنّ الروايات تهدف إلى القضايا و الأحكام التي يتعلّق بها الالتزام،

المختار في أحكام الخيار، ص: 463

و تدل على أنّ الشروط الملتزم

يجب أن تكون غير مخالفة لهما و لا صلة لها بما يكون نفس الالتزام به حراما مع كون الملتزم مباحا.

الخامسة: اشتراط ترك المباح ليس مخالفا للكتاب:

هل يعدّ شرط ترك المباح أو ترك المستحب، و فعل المكروه و بعبارة مختصرة:

شرطها فعلا و تركا مخالفا للكتاب أو لا؟ فالحق هو الثاني إذ لا شك أنّ اشتراط أيّ عمل من الفعل و الترك يوجد ضيقا على المشروط عليه و يخرج المشروط في محيط التعامل عن حدّ التساوي، و هذا ما يسمّى بالإيجاب أو التحريم الشرطيين فلو كان المشروط عليه قبل الاشتراط مخيّرا بين الفعل و الترك لخرج بعد الاتفاق، عن الحرّية و صار ملزما بالفعل أو الترك. و بما أنّ الشرط الصحيح غير منحصر بفعل الواجب أو ترك الحرام، بل يعمّ فعل المباح و المستحب و المكروه أو تركها فلا يكون شرطها فعلا أو تركا مخالفا للكتاب و لا تحريما للحلال.

و إن شئت قلت: إنّ المفروض أنّ الشارع لم يلزم الأخذ بأحد الطرفين، بل أخبر عن التساوي أو رجحان أحد الطرفين، مع عدم لزوم الأخذ بهذا الرجحان فإذا شرط الشارط، فعل مباح أو تركه و مثله الآخران، لا يعد شرطا مخالفا للكتاب، لأنّه أخذ بأحد الطرفين اللذين خيّره الشارع في مقام الأخذ بينهما، و ليس شرطية ترك المباح إلّا طلب تركه لما فيه مصلحته، لا تحريم الفعل عليه بأن يشترط عليه أن لا يكون المباح مباحا أو المكروه مكروها أو المستحب مستحبّا عليه حتى يقال إنّه مخالف للكتاب، بل الشارط مع التكريم للتشريع الإسلامي، يطلب من الآخر أن يأخذ ذاك الطرف أو ذلك من دون أن تمس كرامة التشريع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 464

و الذي يدل على ذلك أنّه لو كان شرط

هذه الأمور تركا و فعلا، مخالفا للكتاب و السنّة، يلزم انحصار مورد صحّة الشرط في اشتراط فعل الواجب و ترك الحرام، و من المعلوم بطلانه.

و تصوّر أنّ اشتراط الترك، تحريم للحلال أي المباح و أخويه فيكون داخلا في الاستثناء الوارد في موثقة إسحاق بن عمّار غير تام، لأنّه تحريم شرطي لا ينافي حكم الشرع و لا يخالفه بل هو اتفاق منهما على الأخذ بأحد عدلي التخيير مع الاحترام الكامل بالتشريع الإسلامي. فعلى هذا، لا يعد ترك التسرّي مخالفا للكتاب مع أنّ ظاهر الروايات السابقة خلافه، فهذا هو الذي نطرحه في البحث التالي.

السادسة: هل اشتراط ترك التسرّي و التزوّج مخالف للكتاب؟

إنّ وزان ترك التزوّج و التسرّي و الهجرة، وزان سائر المباحات التي خيّر فيها المكلف بين الفعل و الترك، تخييرا تشريعيا، فالتزام أحد الطرفين لأجل مصالح دنيوية، لا يكون من قبيل تحريم الحلال، بل لا يكون اشتراط جميع المباحات، تركا و فعلا من هذه المقولة فلو اشترطت الزوجة على الزوج أن لا يأكل البصل و كلّ ما له رائحة مؤذية ما دامت هي في حبالته، أو أن لا يقوم لصلاة الليل لكونها تؤدّي إلى انتباهها. لا يعد مخالفا للشرع.

فإن قلت: إذا كان هذا وزان شرط ترك التسرّي و التزوّج، فلما ذا وصفا في بعض الروايات بما يوهم أنّه خلاف الكتاب.

قلت: قد وردت في المقام روايات سبعة تجب دراستها حتى يعلم أنّ اشتراطهما ليس مخالفا للكتاب و لو عدّ مخالفا فإنّما هو لأمر آخر. إنّ الروايات

المختار في أحكام الخيار، ص: 465

الواردة في الموضوع على أقسام ثلاثة:

ألف: ما يدل على صحّة الاشتراط.

ب: ما يدل على عدم صحّته لأجل بطلان ما يترتّب عليه.

ج: ما يوهم عدم صحّته لنفسه.

أمّا القسم الأوّل فتدل عليه:

1- رواية عبد

الرحمن بن أبي عبد اللّه انّه سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل قال لغلامه: اعتقتك على أن أزوّجك جاريتي هذه، فإن نكحت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فنكح أو تسرّى، أ عليه مائة دينار و يجوز شرطه؟

قال: يجوز عليه شرطه «1».

2- رواية محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- في الرجل يقول لعبده:

أعتقك على أن أزوّجك ابنتي فإن تزوّجت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك و زوّجه فتسرّى أو تزوج. قال: عليه شرطه «2».

و أمّا القسم الثاني: أعني: ما يدل على أنّ بطلان الاشتراط لأجل ما يترتب عليه، و هو وقوع الطلاق بنفس عدم الوفاء بالشرط من دون حاجة إلى حضور العدلين و كونها في غير طهر المواقعة و غيرهما من الشروط فهو عبارة عن ما يلي:

3- رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق. قال: ليس ذلك بشي ء إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 12، من أبواب كتاب العتق، الحديث 1 و 4.

(2)- الوسائل: ج 16، الباب 12، من أبواب كتاب العتق، الحديث 1 و 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 466

اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له و لا عليه «1».

4- محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق، فقضى في ذلك:

إنّ شرط اللّه قبل شرطكم فإن شاء و فى لها بما اشترط و إن شاء أمسكها و اتّخذ

عليها و نكح عليها «2».

و المراد من قوله: «شرط اللّه قبل شرطكم» لزوم كون الطلاق في حضور العدلين و كونها في طهر غير المواقعة و غيرهما من الشرائط.

نعم ظاهر قوله «فإن شاء و فى لها بما اشترط ...» إنّ الشرط ممّا يمكن الوفاء به و بما أنّ الشرط، أعني: شرط النتيجة، لا يمكن الوفاء به. لا محيص من العدول عن هذا الظاهر، بالتفريق بين الجملتين بحمل قوله: «شرط اللّه ...» على توقّف الطلاق على الشروط، و حمل قوله «فإن شاء وفى بما اشترط» على ترك التزوّج و التسرّي، لا يتزوّج و لا يتسرّى حفظا للوئام.

و هذا النوع من الطلاق، هو المعروف بالطلاق المعلّق أو الحلف عليه:

قال السبكي الشافعي: إنّ الطلاق المعلّق، منه ما يعلّق على وجه اليمين، و منه ما يعلّق على غير وجه اليمين، فالطلاق المعلّق على غير وجه اليمين كقوله:

إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، و الذي على وجه اليمين كقوله: إن كلّمت فلانا فأنت طالق، أو إن دخلت الدار فأنت طالق، و هو الذي يقصد به الحث أو المنع أو التصديق، فإذا علّق الطلاق على هذا الوجه ثم وجد المعلّق عليه، وقع الطلاق «3». أي على قاعدتهم.

______________________________

(1)- الوسائل: الجزء 15، الباب 38، من أبواب المهور، الحديث 2 و 1.

(2)- الوسائل: الجزء 15، الباب 38، من أبواب المهور، الحديث 2 و 1.

(3)- الدرة المضيئة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 467

و على هذا فالروايات وردت لردّ فتوى العامّة القائلة بالجواز و قد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على أنّ الحلف على العتاق و الطلاق و صدقة الأموال باطل «1».

5- و يقرب من هذا القسم: رواية حمادة أخت

أبي عبيدة الحذّاء قالت:

«سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل تزوّج امرأة و شرط لها أن لا يتزوّج عليها و رضيت أنّ ذلك مهرها، قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: هذا شرط فاسد لا يكون النكاح إلّا على درهم أو درهمين «2».

دلّت الرواية على أنّ فساد الشرط إنّما هو لأجل أنّه جعل نفس ترك التزوّج مهرا و أنّه لا يصلح له و لو كان نفس الشرط، فاسدا، لكان نسبة الفساد إليه أولى، لأنّ التعليل بالذاتي أولى من التعليل بالعرضي.

و على ضوء هذه الروايات الثلاث، إنّ اشتراطهما صحيح بشرط أن لا يترتّب عليه أمر فاسد، كتحقّق الطلاق بلا شروطه أو صحّة النكاح بلا مهر أبدا.

6- و مثله رواية زرارة: إنّ ضريسا كانت تحته بنت حمران، فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى أبدا في حياتها و لا بعد موتها، على أن جعلت له هي أن لا تتزوّج بعده أبدا و جعلا عليهما من الهدي و الحج و البدن و كل مال لهما في المساكين إن لم يف كل واحد منهما لصاحبه، ثمّ إنّه أتى أبا عبد اللّه فذكر ذلك له، فقال: إنّ لابنة حمران لحقا و لن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحقّ، اذهب

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 14 من أبواب كتاب الأيمان لاحظ روايات الباب.

(2)- المصدر نفسه: ج 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 468

فتزوّج و تسر فإنّ ذلك ليس بشي ء و ليس عليك و لا عليها، و ليس الذي صنعتما بشي ء «1».

و الظاهر أنّ عدم النفوذ لأجل أنّه لا تكون الأموال صدقة بنفس الشرط «2» فإنّها مثل الطلاق الذي يحتاج إلى

قصد القربة و صيغة خاصة، هذا كلّه حول القسمين الأوّلين.

و أمّا القسم الثالث: أي ما يبدو منه كون نفس الشرط فاسدا مخالفا للكتاب، لا باعتبار ما يترتب عليه من الطلاق. فهو رواية ابن مسلم التي رواها العياشي مرسلا و قد مرّت برقم 14 فصدرها ظاهر في أنّ بطلان الشرط لأجل بطلان ما يترتّب عليه حيث قال: «إن تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فإنّها طالق فقال: شرط اللّه قبل شرطكم، فهو مثل رواية محمد ابن قيس. و لكن الذيل يوهم أو يدل على أنّ بطلان الشرط لأجل كونه مخالفا للكتاب، حيث أخذ الإمام يستدل على بطلان الشروط الثلاثة، بالآيات الواردة فيها.

و لكن الرواية مرسلة أوّلا، و مضطربة ثانيا، و مشتملة على لحن «3» في نقل الآية ثالثا ففيها: «و أحلّ لكم ما ملكت أيمانكم» مع أنّ الوارد في الكتاب: أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 3) و: إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 22) و لا يمكن تصديق مضمونه رابعا إذ من المعلوم أنّه ليس هنا أيّة مخالفة لا في الالتزام و لا في الملتزم، إلّا بوجه آخر سيجي ء بيانه عند الكلام عن التحليل

______________________________

(1)- الوسائل: ج 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2)- المصدر نفسه: ج 16 من كتاب الأيمان، الحديث 12.

(3)- و يكون دليلا على عدم كون الراوي ضابطا في نقل الرواية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 469

و التحريم.

إلى هنا اتضح أنّ اشتراط المباحات تركا و فعلا، بل ترك المستحبات و فعل المكروه، ممّا لا يعد مخالفا للكتاب و لا محرّما للحلال إلّا إذا كان على وجه يعد مخالفا للكتاب و مصداقا لتحريم الحلال كما سيوافيك بيانه عند البحث عن موثقة

إسحاق بن عمّار في الجهة السادسة.

السابعة: في تميّز المخالف عن الموافق:
اشارة

هذه الجهة من البحوث، لها الأهمية الخاصة و هي التعرّف على الضابطة التي يميّز بها المخالف من الموافق، و قد أفاد الشيخ في بيان الضابطة ما يلي:

انّ حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طارئ عليه و لازم ذلك عدم التنافي بين ثبوت هذا، و ثبوت حكم آخر له إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع و مثال ذلك أغلب المباحات و المستحبّات و المكروهات بل جميعها حيث إنّ تجويز الفعل و الترك إنّما هو من حيث ذات الفعل فلا ينافي طروء عنوان يوجبه كالنذر أو كونه مقدمة لواجب.

و قد يثبت له لا مع تجرّده عن ملاحظة العناوين الخارجة الطارئة عليه و لازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم، و ثبوت حكم آخر له، و هذا نظير أغلب المحرّمات و الواجبات فإنّ الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيّد بحيثية تجرّد الموضوع إلّا عن بعض العناوين كالضرر و الحرج، فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهتهما فلا بدّ من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج- ثمّ قال:- إنّ المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على القسم الثاني لا الأوّل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 470

و لمّا كان جواز التزوّج و التسرّي من قبيل القسم الأوّل و كان لازم ذلك أن لا يعد تركهما مخالفا للكتاب، و لكن الروايات السابقة، عدّت اشتراط تركهما مخالفا للكتاب، حاول توجيه الروايات بوجهين مذكورين في الكتاب.

و على ذلك فإن حصل للفقيه التمييز و إلّا يرجع إلى الأصل و هو أصالة عدم المخالفة فيكون المرجع هو عموم «المؤمنون عند شروطهم» فإنّ

الأصل ينقّح موضوع المخصّص و يثبت أنّ المقام ليس من أقسام المخالف، فإذا شككنا في أنّ تسلّط الزوج على الزوجة من حيث المسكن، من أيّ واحد من القسمين، يقول إنّ الأصل عدم ثبوت التسلّط للزوج في صورة إلزام الزوج على نفسه بعض خصوصيات المسكن، نعم الأصل مرجع حيث لا يكون للدليل إطلاق كما هو الغالب «1».

و لبّ مراده: أنّ أدلّة المباحات لها اطلاق افراديّ يشمل الحكم جميع الأفراد مثل قولنا: الملح حلال و لكن ليس لها إطلاق أحوالي يعم جميع الحالات مثل نهي الوالد عنه و في مثله يقدم حكم جميع العناوين الطارئة عليه، حتى الشرط من حيث وجوب الوفاء فيكون من باب التزاحم فيقدّم الأهم و ليس كلامه فيما إذا لم يكن لدليل الحلّية أيّ إطلاق لا أفراديا و لا أحواليا إذ يلزم حينئذ عدم تأثير الشرط في رفع الحكم مع أنّ المفروض من كلامه خلافه و هذا بخلاف أدلّة المحرّمات كلّها، فلها الاطلاق في كلا الجانبين فهي متعرّضة لثبوت الحكم على جميع الأفراد حتى مع جميع الطوارئ إلّا الضرر و الحرج فعندئذ يقع التعارض بينها و بين أدلّة الطوارئ فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج هذا بالنسبة إلى سائر الطوارئ،

______________________________

(1)- الخيارات: 277- 278.

المختار في أحكام الخيار، ص: 471

و أمّا الشرط الطارئ فيقدم دليل الحكم على دليل وجوب الوفاء للنصوص المتضافرة.

هذا توضيح مرامه.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ الذي حمله إلى التقسيم الثنائي هو تعميم الشرط المخالف إلى الالتزام المخالف، و الملتزم المخالف، فجعل المباحات و اختيها من القسم الأوّل، فالمخالف فيها هو نفس الالتزام باللزوم فعلا أو تركا و أمّا الملتزم أعني نفس الفعل أو الترك فليس مخالفا كما جعل المحرّمات من قبيل القسم الثاني

و على ضوء ما ذكرنا من كون الشرط بمعنى المشروط و الملتزم، لا ملزم لهذا التقسيم.

بل تكون الأحكام الشرعية التكليفية و الوضعية و الالزامية و غيرها في درجة واحدة، فيكون كل ملتزم مخالف لها بتمام أقسامها مردودا، و سيوافيك بيان تصوير كون الملتزم مخالفا حتى في المباحات و المستحبّات و المكروهات و لا ينافيه الاتفاق على شرط المباح و أخويه في العقد، فإنّ الممنوع غير الجائز فانتظر.

و ثانيا: لا فرق بين أدلّة المحرّمات و الواجبات و غيرها، فكما أنّ القسم الثاني ساكت عن ثبوت الحكم عند عروض الطوارئ، فهكذا القسم الأوّل، و ذلك لما أوضحناه في محلّه من أنّ معنى الاطلاق ليس هو لحاظ سريان الحكم إلى جميع الحالات و الطوارئ بل معناه كون ما وقع تحت دائرة الحكم تمام الموضوع و ذلك في كلا القسمين على حدّ سواء، فلو كان القسم الثاني من باب التزاحم كان القسم الأوّل كذلك من غير فرق غاية الأمر يقدّم حكم الطوارئ على المباحات، بخلافه في المحرّمات، و ذلك لأنّ المزاحم للواجب أو الحرام لا يغلب عليهما إلّا إذا كان في غاية القوّة مثل الضرر و الحرج، بخلاف مزاحم المباح فإنّ العنوان الطارئ إذا كان واجبا أو حراما يقدّم عليه، فلا وجه في جعل التقديم في المباحات من باب

المختار في أحكام الخيار، ص: 472

التزاحم و الآخر من باب التعارض.

و ثالثا: انّ طروء عناوين النذر و العهد، و اليمين، لا يغيّر الأحكام الثابتة للأفعال بما هي، فصلاة الليل إذا تعلّق بها النذر، لا تكون واجبة، بل هي باقية على استحبابها و إنّما الواجب هو الوفاء بالنذر، و لا يتحقّق الوفاء به إلّا بالاتيان بها بوصف كونها مستحبّة.

فما يظهر

منه- قدّس سرّه- من أنّ الأحكام على قسمين قسم يقبل التغيير بالشرط لأجل تغيير موضوعه، و قسم لا يقبل كأنّه في غير محلّه، و قد أوضحنا حاله في الأبحاث الأصولية عند البحث عن اجتماع الأمر و النهي فلاحظ.

و رابعا: إنّ الأصل الذي تمسّك به أصل أزلي، ليس بحجّة و قد أوضحنا حال أمثاله في الأصول و قلنا: إنّ ما له حالة سابقة ليس موضوعا للحكم، و ما هو موضوع للحكم فاقد لها.

ما هي الضابطة في تمييز المخالف عن غيره:

إنّ توصيف الشرط بالوفاق و الخلاف في جميع الأحكام على حد سواء، فكل شرط يعد مخالفا للحكم الوارد في الكتاب و السنّة فهو مردود من غير فرق بين الالزاميات و غيرها و ما ليس كذلك فهو مقبول من دون أن يختص الخلاف بالالزاميات و الوفاق بغيرها بل نسبة الجميع إليهما على حد سواء.

توضيحه: الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب و السنّة و أخبار العترة الطاهرة، كلّها قوانين إلهية شرّعت لإسعاد البشر، فلو عمل بها لساقته إلى أعلى درجات الكمال، و بما أنّ النبيّ الأكرم خاتم الأنبياء، و كتابه خاتم الكتب، و رسالته خاتمة الرسالات أضفى سبحانه لشريعته، وصف الثبات و البقاء إلى يوم

المختار في أحكام الخيار، ص: 473

القيامة، فحلاله و حرامه باقيان إلى يوم البعث.

و لكن البشر الجاهل ربّما يتلاعب بأحكامه سبحانه بطرق و حيل فيخالف ما سنّه و شرّعه، لكن بصورة قانونية، فيجمع- بزعمه- بين الهوى و الشرع، فأراد سبحانه أن يسدّ هذا الباب في وجهه ليصون بذلك أحكامه عن التلاعب فحكم أنّه:

1- ليس لأحد المتعاملين اشتراط ما خالف كتاب اللّه و سنّة رسوله بحجّة قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة/ 1).

2- لا يصحّ الحلف على ما حرّمه سبحانه، لئلّا يعصيه بحجة:

وَ احْفَظُوا أَيْمٰانَكُمْ (المائدة/ 89).

3- ليس لأحد نذر أمر حرام لئلّا يرتكبه متمسّكا بقوله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (الانسان/ 7).

و لأجل ذلك تضافرت عنهم أنّه لا يمين في معصية «1» و لا نذر في معصية «2».

فأحكامه سبحانه، لها كرامتها الخاصة لا يصحّ التلاعب بها، و لا مسّها بسوء، أي بهذه العناوين بل نسخها و تخصيصها أو تحديدها إلى أمد كالضرر و الحرج بيده سبحانه، ليس لأحد سواه أيّ تدخل في شئون التشريع.

فإذا كان الأمر كذلك فلا فرق بين الأحكام الوضعية و التكليفية، و لا بين الأحكام الالزامية و غيرها فلا يجوز إيجاد أي خدش فيها. بل تجب صيانتها عن أيّ تصرّف.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 16، الباب 11 من كتاب الأيمان و الباب 17 من كتاب النذر و العهد.

(2)- الوسائل: ج 16، الباب 11 من كتاب الأيمان و الباب 17 من كتاب النذر و العهد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 474

[أقسام الأحكام الالهية]

اشارة

إذا وقفت على ذلك فلنبحث عن كلّ واحد من الأقسام الثلاثة للأحكام الالهية و نبيّن وجه المخالفة حتى يتميّز المخالف عن ما ليس كذلك.

1- الأحكام الوضعية:

التشريع الإسلامي يتضمّن أحكاما وضعية في مجال العقود و الايقاعات و السياسات فهي أحكام ثابتة ليس لنا مس كرامتها في مورد، أو موارد أو زمن خاص، فإليك بعض الأمثلة:

1- الولاء للمعتق، فجعله لغيره مخالف له.

2- الطلاق و الجماع بيد الزوج فجعلهما بيد الزوجة يخالفه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 474

3- التركة كلّها تورّث، فاشتراط عدم موروثية الأمة عند البيع، يخالفه «1».

4- التركة كلّها للوارث، و تسهيم الأجنبي و توريثه يخالفه.

5- الزوج و الزوجة يتوارثان على ضابطة خاصّة و اشتراط ضابطة أخرى في عقد النكاح يخالفها.

6- ولد الحر محكوم بالحرية و اشتراط رقيته عند تزويج الأمة إياه يخالفه.

و بذلك تبيّن حال جميع الأحكام الوضعية فهي لا تقبل الخلاف و النقاش، و إليك البحث في الشروط التكليفية:

______________________________

(1)- مرسلة ابن سنان عن أبي عبد اللّه عن الشرط في الاماء: لا تباع و لا توهب، قال: يجوز ذلك غير الميراث فإنّها تورث كلّ شرط خالف الكتاب فهو باطل، الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 475

2- الأحكام التكليفية الالزامية:

إنّ الشرط المخالف للحكم التكليفي الالزامي يتصوّر على وجهين:

ألف: أن ينكح المرأة على أساس أن يحلّ له وطؤها في المحيض أو يحل ترك القسم، و ترك الوطء على أربعة أشهر إلى غير ذلك ممّا يعد عدوانا و تجاوزا على تشريعه سبحانه.

و هذا النوع من المخالفة غير رائج بين المسلمين و إنّما ذكرناه لاستيعاب الأقسام و لو تعلّق غرضه بمورد الشرط كالوطء في المحيض و ترك القسم، فإنّما يتعلق بنفس العمل، لا حلّيته و هو

القسم الآتي.

ب: يبيعه العنب و يشترط عليه جعله خمرا، أو يستأجر الأجير و يشترط عليه الافطار حتى يقوم بالعمل كاملا، إلى غير ذلك من الأمور المحرّمة التي يطلب الشارط فعلها أو الواجبة التي يطلب تركها.

و هذا النوع من الاشتراط ذائع جدّا و ما ذلك إلّا لأجل أنّ الشارط لا يهمّه إلّا العمل الخارجي و هو لا يطلب سوى نفس العمل من الوطء و ترك القسم و جعل العنب خمرا، و ترك الصيام أيّام عمله في المعمل سواء أ كان حلالا أم حراما، واجبا أم غير واجب. نعم ربّما يتصوّر قصور شمول الروايات لهذا القسم، قائلا:

بأنّ نفس العمل ليس مخالفا للكتاب، و إنّما فيه المخالفة له «1».

يلاحظ عليه: أنّ الموجود في الكتاب و إن كان هو الحكم الشرعي من الحرمة و الوجوب، و المشروط نفس العمل، أعني: جعل العنب خمرا و ترك الصيام، و أين

______________________________

(1)- تعليقة المحقّق الايرواني، قسم الخيارات: 62.

المختار في أحكام الخيار، ص: 476

العمل المشروط، من الحكم الموجود في الكتاب، لكنّه دقّة فلسفية غير مطروحة للعرف المخاطب بهذه الخطابات و الأحكام.

فالعرف الدقيق إذا سمع قوله سبحانه: وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ (المائدة/ 2) و قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ (البقرة/ 183) و رأى أنّ المتبايعين اتّفقا على تنفيذ جعل العنب خمرا، و ترك الفريضة (الصيام)، يحكم- بلا شك- أنّ الشرطين على خلاف الكتاب من دون التفات إلى أنّ الموجود في الكتاب حكم، و الملتزم به عمل، ما ذلك إلّا لأنّ المطلوب في الحكم هو العمل.

3- الأحكام التكليفية غير الالزامية:

و المراد منها الاباحة و أخواها، فلا يصح شرط ينتج منه تحليل الحرام، فإنّه مردود بموثقة إسحاق بن عمّار المتقدمة.

و قد ورد مضمونها في باب الصلح

و اليمين، أيضا روى الصدوق في الفقيه مرسلا قال: قال رسول اللّه: البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، و الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما و حرّم حلالا «1».

روى عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: لا تجوز يمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطعية رحم «2».

روى أبو الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: لا تجوز يمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطيعة رحم «3».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 3 من كتاب الصلح، الحديث 2.

(2)- الوسائل: ج 16، الباب 11 من كتاب الأيمان، الحديث 7 و 6.

(3)- الوسائل: ج 16، الباب 11 من كتاب الأيمان، الحديث 7 و 6.

المختار في أحكام الخيار، ص: 477

إنّما الكلام في تصوير المخالفة في هذا النوع من الأحكام.

إنّ الفقيه الباحث عن موثقة إسحاق بن عمّار غير غني عن مراجعة الروايات الواردة في باب أنّ اليمين لا ينعقد في معصية. و قد اكتفينا بهذا المقدار.

يتصوّر اشتراط المباح و أخويه فعلا و تركا على وجهين:

1- أن يطارد الحكم الشرعي و ينازعه و يتدخّل في سلطان اللّه كأن يشترط أنّ بيدها الطلاق و الجماع، أو بيدها حقّ تعيين المسكن لا بيده، أو أن لا يكون للزوج حقّ التسرّي و التزوّج إلى غير ذلك ممّا ينازع سلطان اللّه و تشريعه، فقد جعل الشارع، الطلاق و الجماع بيده، كما جعل حقّ تعيين المسكن له، كما أعطى له حقّ التزوّج و التسرّي، فأيّ اشتراط يطارد ذلك الحقّ و يسلبه عن الزوج و يدفعه إلى الزوجة، أو يسلبه عنه، و إن لم يدفعه إلى الآخر، فهذا كلّه من قبيل تحريم الحلال.

و على هذا تحمل رواية

ابن مسلم المرسلة و إلّا فليس نفس الترك و لا الالتزام به أمرا محرّما، و إنّما المحرّم هو الاشتراط على نحو ينازع تشريعه سبحانه في سلب هذا الحق عن الزوج بعد ما أعطاه اللّه سبحانه.

2- ما لا يطارد الحكم الشرعي و لا ينازعه، و هو أنّه إذا اشترطت عليه أن يختار أحد الطرفين من الفعل و الترك ما دامت هي في حياتها، كما إذا اشترطت عليه أن لا يتزوّج و لا يتسرّى عليها ما دامت في حبالته، لا بمعنى أنّه ليس له هذا الحق، بل مع تسليمه له، تشترط عليه أن يختار من الحلال ذاك الطرف، لا الطرف الآخر، أو اشترطت عليه أن لا يخرجها من بلد والديها مع تسليم كون الحق له، فإنّ هذا النوع من الاشتراط ليس تحريما للحلال، و لا سالبا للحق، و لا يعدّ تدخّلا في تشريعه سبحانه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 478

و بذلك تقدر على تمييز الموافق عن المخالف من دون حاجة إلى الميزان الذي ذكره الشيخ، فإنّ كل ملتزم يعدّ مخالفا لنفس التشريع بالدلالة المطابقية فهو شرط مخالف في المجالات الثلاثة: الوضعية، و التكليفية الالزامية، و التكليفية غير الالزامية، كما مرّ. و كل شرط لا يكون بالدلالة المطابقية مخالفا لما شرّعه الشارع فلا يعدّ مخالفا، كما إذا ألزمته على الأخذ بأحد طرفي الحلال طيلة عمره.

و في الختام نؤكّد على أنّ تمييز الشرط الحلال عن الحرام أو عن ما فيه المعصية، رهن دراسة مجموع ما ورد في هذا المجال في أبواب مختلفة، كالصلح، و الشروط، و اليمين، و النذر، و غير ذلك حتى يخرج بنتيجة واحدة، و هي أنّ المقياس تطابق نفس الشرط أو مخالفته للكتاب و السنّة حرفا

بحرف من دون حاجة إلى المقياس الذي أفاده الشيخ.

ثمّ إنّ الفارق بين ما ذكرنا و ما ذكره الشيخ من وجوه:

1- انّ الخلاف و الوفاق وصفان للملتزم في جميع الموارد.

2- انّ الملتزم يتّصف بأحد الأمرين إذا قيس إلى الحكم الموجود في الكتاب و السنّة، مع قطع النظر عن أدلّة الشروط و اليمين و العهد و النذر، فإذا كان مخالفا يرد، دون ما إذا كان موافقا، و لا تصل النوبة إلى أدلّة الشروط حتى يقع التعارض أو التزاحم بين دليلي الحكمين.

3- أنّ الشروط المخالفة، تردّ بحكم الأدلّة و أمّا الشروط الموافقة فلا تغيّر الموضوع حتى يتغيّر حكمه، بل الحكمان ثابتان كلّ على موضوعه، فنهي الوالد عن أكل الملح لا يغيّر حكمه، بل الإطاعة تكون واجبة بترك أكل الملح المباح.

المختار في أحكام الخيار، ص: 479

4- أنّ شرط المباح و المستحب و المكروه فعلا و تركا، لا يعدّ مخالفا للشريعة إلّا إذا تضمّن سلب الحق المشروع عن المشروط عليه، و على ذلك تحمل مرسلة ابن مسلم التي أوجدت غلقا في البحث و قد كنّا عازمين على طرح نظرية المحقق النراقي في العوائد و ما ذكره المحقّق القمّي، فاكتفينا بما حقّقناه و إن كان ما ذكرناه قريبا ممّا اختاره النراقي- قدّس سرّه-. و أنت إذا تدبرت فيما ذكرناه في المقام تقدر على القضاء في سائر الكلمات.

الشرط الخامس: أن لا يكون مخالفا لمقتضى العقد:

اشارة

و تحقيق المقام يستدعي البحث عن أمور:

[الأمر] الأوّل: ما هو المراد من المخالف لمقتضى العقد؟

إنّ الشرط إمّا أن يكون مخالفا لماهية العقد، أو مخالفا لمقتضاه و منشئه، أو مخالفا للازمه العرفي أو الشرعي.

فلو باع بلا ثمن، أو آجر بلا أجرة فهو مخالف لماهية العقد، فإنّ البيع ربط بين المالين و تبادل بينهما، و الاجارة ربط بين العين و الأجرة، أو بين العمل و الأجرة، و على كلّ تقدير يتقوّمان بمالين، أو بعمل و مال، فالبيع بلا ثمن أو الاجارة بلا أجرة أشبه بأسد لا رأس و لا بطن و لا رجل له، فمثل هذا الشرط يطارد ماهية العقد و حقيقة المعاملة.

و لو باع و لكن شرط أن لا يملك المبيع أبدا بل ينعتق، أو يكون وقفا أو ملكا لابنه و غير ذلك، يكون مخالفا لمقتضاه، و ذلك لأنّ مفاد عقد البيع، إنشاء ملكية

المختار في أحكام الخيار، ص: 480

المثمن للمشتري بدل إنشاء ملكية الثمن للبائع، فلو باع مع اشتراط عدم تملّك المشتري، المبيع مع خروج الثمن عن ملكه، يكون مناقضا لمقتضاه.

و لو باع و شرط عدم تسليمه إليه مطلقا، فالشرط و إن لم يكن منافيا لماهية العقد و لا مقتضاه فإنّ هناك تبادلا بين المالين و إنشاء لمالكية كل من المتبايعين المثمن و الثمن، و لكن لما كانت الغاية من البيع هي السيطرة على المبيع، فاشتراط عدمها في نظر العرف مساوق لعدم مالكيته، فهي من اللوازم العرفية التي يساوق نفيها، نفي المقتضي و إن لم يكن في الواقع كذلك.

و نظيره ما إذا شرط عدم التصرّف في المبيع طيلة عمره لا خارجيا و لا اعتباريا مثل العتق، فيكون مساوقا لعدم المالكية. نعم إذا شرط سلب بعض التصرّفات ككونه مسلوب المنفعة سنة، أو

شرط خصوص عدم بيعه أو إجارته، أو شرط بيعه من شخص خاص، مع عدم المنع عن سائر التصرّفات، فلا يعد مخالفا لمقتضى العقد إذا كانت هناك منافع سائغة يبذل بإزائها الثمن و يباع الشي ء و يشترى لأجلها، و ليس ذلك بمنزلة سلب السلطنة بل تحديد لها عن اذن و رغبة، و الحاصل أنّ المنافي عبارة عن إنشاء معاملة عارية عن الأثر المطلوب منها. و ليس المقام كذلك.

و لو نكح مع نفي بعض اللوازم الشرعية ككون الطلاق بيدها، فلا يعد مخالفا لمقتضى العقد، لعدم كون الطلاق بيده من مقوّمات النكاح أو من اللوازم التي يكون سلبها، ملازما لسلب المقتضى في نظر العرف و إن كان الشرع أكّد عليه، بل يكون مثله مخالفا للكتاب و السنّة.

و الحاصل أنّ هنا فرقا بين اللوازم العرفية غير المنفكّة عن المقتضى في نظر العرف، و اللوازم الشرعية غير المنفكّة عنه في نظر الشرع، و هو أنّ نفي اللازم العرفي

المختار في أحكام الخيار، ص: 481

يلازم نفي المقتضى في نظر العرف فيأتي التضاد بين المدلول و الشرط فلا يكون الموضوع متحقّقا حتى يشمل العمومات بخلاف الثاني، فإنّ المقتضى يجتمع مع الشرط و عدمه عند العرف، و هذا يكفي في شمول العمومات له، و إن كانت الملازمة في نظر الشرع على حدّ لا ينفكّان عنده إذ ماله إلى فساد الشرط لا إلى فقدان المشروط، و أسماء المعاملات، أسماء للصحيحة عند العرف، و ما يظهر من الشيخ من عطف أحدهما على الآخر حيث قال: «إنّما الاشكال في تشخيص آثار العقد التي لا يتخلّف مطلق العقد في نظر العرف أو الشرع ...»

محلّ تأمّل.

و لعلّ ما ذكرناه أوضح ممّا ذكره الشيخ و غيره من

تقسيم الآثار إلى قسمين، قسم يعد أثرا لمطلق العقد، و مطلق البيع و الاجارة، فيكون سلبه، سلبا للعقد أو سلبا لمقتضاه لدى العرف، و قسم يعدّ أثرا للعقد المطلق، أي عقد المبيع و الاجارة إذا لم يقيّد. كانصراف الثمن إلى النقد فإنّه من آثار البيع المطلق دون مطلق البيع، فإذا قيّد بالتأخير، يبطل الاطلاق.

هذا كلّه حول التعرّف بالصغرى أي تمييز المخالف عن الموافق.

[الأمر] الثاني: ما هو الدليل على هذا الشرط؟

استدلّ الشيخ على شرطيته بوجهين:

ألف: وقوع التنافي في العقد المقيّد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلّف عنه، و بين الشرط الملازم لعدم تحقّقه. فيدور الأمر بين أمور:

1- الوفاء بالمشروط و الشرط معا، و هو مستحيل للمطاردة بينهما.

المختار في أحكام الخيار، ص: 482

2- الوفاء بالشرط دون المشروط، و هو مثله لعدم امكان الوفاء به من دون المشروط.

3- الوفاء بالمتبوع دون التابع.

4- أن يحكم بتساقطهما.

و على كلّ تقدير يسقط العمل بالشرط.

ب: أنّ الشرط المنافي، مخالف للكتاب و السنّة الدالّين على عدم تخلّف العقد عن مقتضاه فاشتراط تخلّفه عنه، مخالف للكتاب.

يلاحظ عليه: أنّ مرجعه إلى الشرط الرابع، مع أنّ المفروض كونه شرطا مستقلّا.

[الأمر] الثالث: في بيان حال بعض الشروط:

اشارة

اختلفت كلماتهم في بعض الشروط، فعدّه بعضهم مخالفا، و البعض الآخر موافقا، و قد استعرضه الشيخ الأعظم بالبحث. و الظاهر أنّ تشخيص الصغريات ليس أمرا صعبا، فإنّ الشرط لو كان مخالفا لمقوّم العقد أو مقتضاه أو ما هو كالمقتضى عند العرف كالتسليم بعد العقد، يكون مخالفا لمقتضاه، و إلّا فإن كان للدليل الدال على الأثر اطلاق لا ينفك عنه في حالتي الاشتراط و عدمه، ككون الطلاق بيد الرجل، يكون اشتراط عدمه مخالفا للدليل الشرعي و يرجع إلى مخالفة الكتاب و السنّة، و إن لم يكن له اطلاق يؤخذ بعموم لزوم الوفاء بالشرط. هذا هو محصّل النظر في المقام.

و مع ذلك فقد طرح الشيخ موارد للبحث و نحن نقتفيه:

المختار في أحكام الخيار، ص: 483

1- اشتراط عدم البيع:

هل يجوز اشتراط عدم البيع كما حكي عن العلّامة «1» أو لا كما نسب إلى المشهور؟ و التحقيق هو الأوّل لأنّ جواز البيع من آثار السلطنة و فروعها، و الالتزام بعدم بيعه ليس إلّا تحديدا للسلطنة عن رضاء و رغبة، و مثله لا يعدّ مخالفا لمقتضى العقد، نعم لو شرط ما يرجع إلى سلب جميع الصلاحيات المفروضة للمالك، بحيث تكون المعاملة عارية عن الأثر، لكان مناقضا له.

هذا إذا اشترط عدمه، و أمّا إذا كان الشرط عدم جواز البيع، فهو يرجع إلى كونه مخالف الكتاب و السنّة و تحريم الحلال، و منه يظهر الحال فيما إذا اشترط نفس البيع و العتق و الوقف بلا مسّ لحكمها في الشرع. أو اشترط وجوبها، و الأوّل صحيح مرجعه إلى تحديد السلطنة، و الثاني باطل، مرجعه إلى خلاف الكتاب.

2- الشركة في الربح دون الخسران:

مقتضى الشركة، و اشاعة المال: أن يكون الربح و الخسران واردين على المال حسب نسبة السهام. و الشرط المخالف له، تارة في جانب الربح، و أخرى في جانب الخسران و إليك الصور:

ألف: الاختلاف في نسبة الربح، فلو كانا شريكين بالمناصفة، فاشترطا تقسيم الربح أثلاثا.

ب: أن يكون الربح لأحدهما دون الآخر.

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 210.

المختار في أحكام الخيار، ص: 484

ج: إذا خسر المال فالخسران يقسّم أثلاثا.

د: إذا خسر فالخسران لأحدهما دون الآخر.

و هناك صور أخرى تعلم حكمها ممّا نذكره فنقول:

نقل عن ابن إدريس المنع، قائلا: بأنّ هذه الشروط منافية لمقتضى الشركة.

و أجاب عنه الشهيد في الدروس: بأنّ المساواة في الربح و الخسران حسب نسبة السهام من آثار عقد الشركة المطلق، و الاطلاق ينتفي بالقيد، و ليس من آثار مطلق عقد الشركة حتى لا ينفك عنه.

يلاحظ عليه: أنّ الاشكال ليس في جانب الشركة،

حتى يجاب عنه بما سمعت، و إنّما الاشكال في ناحية أخرى و هو أنّ مقتضى إشاعة المال عند البيع، دخول العوض في ملك مالك المعوّض، و المفروض أنّ كل واحد منهما يملك نصف المعوّض، فيدخل كل نصف من العوض في ملكهما، لكن اشتراط تقسيم الربح أثلاثا، أو اختصاص الربح بواحد منهما، يستلزم صيرورة عوض مال شخص، لشخص آخر بلا سبب و لا معنى لدخول العوض في ملك غير من خرج عن ملكه المعوّض، فتكون النتيجة بطلان الاشتراط.

و بذلك يظهر الحال في الصورتين الأخيرتين، فلو كان رأس مال كلّ واحد مائة دينار فباعا بمائة و أربعين دينار، فلازم اشتراط تقسيم الخسران أثلاثا أو اختصاص الخسران بواحد منهما، خروج أربعين أو ستين دينارا من ملك مالك المعوّض و صيرورة بعض عوض ماله لشخص آخر بلا سبب.

هذا هو المشكل في المقام لا ما أشار إليه ابن إدريس، و على هذا يكون الاشتراط باطلا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 485

نعم لو اشترط عليه، دفع التفاوت في جميع الصور أو دخوله في ملكه بعد دخوله في ملك مال المعوّض صحّ الأوّل قطعا، و أمّا الثاني فتتوقّف صحّته على صحّة شرط النتيجة في هذا المورد.

و ربّما يستدلّ على الصحّة برواية رفاعة «1» قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل شارك في جارية له و قال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح و إن كان وضيعة فليس عليك شي ء؟ فقال: لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية «2».

و في خبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال في رجل شارك رجلا في جارية فقال: إن ربحت فلك، و إن وضعت فليس عليك؟ قال: لا بأس بذلك

إذا كانت الجارية للقائل «3».

يلاحظ عليه: أنّه هل تقسيم الربح دون الخسران في الرواية أخذ شرطا في المعاملة، أو أخذ وعدا غير لازم الوفاء؟ الظاهر هو الثاني، و إلّا فلو كان شرطا، يجب الوفاء به سواء طابت نفس صاحب الجارية أو لا، و لعلّه قرينة على أنّ المعاملة وقعت مطلقة- و لأجلها صحّت- و كان هناك وعد، غير دخيل فيها، و لأجل ذلك قيّده بطيب النفس.

و أمّا الثاني فلا يصلح للاحتجاج لكونه خبرا و ليس داخلا فيما يحتج به، أضف إلى ذلك من امكان حمله على ما ذكر من تمليكه أو دخوله في ملكه بعد ما ملك.

______________________________

(1)- رفاعة بن موسى النخاس، ثقة، و رجال السند ثقات، فالرواية صحيحة.

(2)- الوسائل: ج 13/ 42 الباب 14 من أبواب بيع الحيوان، الحديث 1.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 486

3- اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها:

النكاح علقة بين الزوجين كما أنّ البيع علقة بين المالين، و الغرض تسليط كل من الزوجين على الآخر في الاستمتاع، أو كل من المتعاقدين على التصرّف فيما أخذ، فكلّ اشتراط يطارد السلطة المذكورة، يعد مخالفا لمقتضى العقد، و أمّا تسلّط الزوج على الزوجة في أمر الاسكان، فليس هو من مقوّمات العقد، و لا من مقتضياته، و لا من الآثار غير المنفكّة عن الزوجية عرفا بحيث يعد الانفكاك دليلا على نفي المقتضى.

نعم تسلّط الزوج على الزوجة من حيث المنزل، من الحقوق الشرعيّة الضرورية للزوج في الإسلام، لقوله سبحانه: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ (النساء/ 34) و على ذلك يتركّز البحث في كونه مخالفا للكتاب و السنّة، و عدمه، فنقول: إن كان الشرط نفي سلطنته عليها في أمر المسكن، فهو مخالف للكتاب، و أمّا إذا كان بصورة تحديدها-

مع الاعتراف لسلطنته- من أوّل الأمر، على أن يختار هذا الفرد دون الفرد الآخر، فهذا لا إشكال فيه، و قد تقدم أنّ إيجاب المباح من حيث العمل لا من حيث الحكم ليس من الشرط المخالف للكتاب و السنّة.

4- اشتراط توارث الزوجين بالعقد المنقطع:
اشارة

و ممّا ذكرنا يظهر حال هذا الشرط، فإنّ التوارث ليس من مقوّمات العقد، أو مقتضياته، و لا من لوازمه العرفية التي يعد الانفكاك عنها نفيا للموضوع.

نعم علقة الزوجية سبب للتوارث بضرورة الكتاب و السنّة، و بما أنّ المعقودة

المختار في أحكام الخيار، ص: 487

متعة من مصاديق الزوجة، لذلك تعمّها العمومات أو الاطلاقات في الكتاب و السنّة ما لم يدلّ دليل على حرمانها كحرمانها في القاتلة و الكافرة و المرتدة، و الدليل على كونها زوجة هو انحصار الحلال في قوله سبحانه: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (المؤمنون/ 6) في الزوجة و ملك اليمين، و بما أنّها غير داخلة في الثانية تدخل في الفقرة الأولى و إلّا لصار التمتّع سفاحا، لانحصار الحلّية في الأمرين الماضيين. و حيث أنّها حلال بالضرورة و ليست داخلة في ملك اليمين، تعيّن كونها من أقسام الزوجية و أنّ لها قسمين: دائمية و منقطعة.

و لكن اطلاقات الكتاب في مورد المنقطعة خصّصت بالنصوص القطعية على أنّ المنقطعة لا ترث فصار الأصل الثانوي هو عدم التوارث، بعد ما كان مقتضى الاطلاق هو التوارث، و عند ذلك يقع الكلام في أنّ عدم التوارث هل هو من مقوّمات المتعة، بحيث يكون شرطه مخالفا لمقتضى العقد؟ أو من أحكامها الشرعية التي تقبل التقييد و التخصيص؟

ربّما يقال بالأوّل مستدلّا بما رواه عبد اللّه بن عمرو «1»: سألت أبا عبد اللّه عن المتعة؟ فقال: حلال لك

من اللّه و رسوله. قلت: ما حدّها؟ قال: من حدودها أن لا ترثها و لا ترثك. قال: قلت: ما حكم عدّتها؟ فقال: خمسة و أربعون يوما أو حيضة مستقيمة «2». وجه الاستدلال: أنّ المتبادر من قوله «من حدودها ...» هو أنّ الوراثة من مقوّماتها الشرعية. فيكون شرط التوارث مخالفا للشرع.

يلاحظ عليه: أنّ معناه أنّ عدم التوارث من أحكامها مقابل أحكام الدائم، و يؤيّده الاختلاف في مقدار العدّة الواردة في الرواية فالحكم الشرعي في الدائم

______________________________

(1)- مهمل في الرجال لو لم نقل إنّه مجهول.

(2)- الوسائل: ج 14 الباب 22 و 32 من أبواب المتعة الحديث 4 و 8 نقله متقطّعا في البابين.

المختار في أحكام الخيار، ص: 488

ثلاثة قروء، و فيها ما جاءت في الرواية.

فإذا ثبت أنّه (عدم التوارث) من أحكامها لا من مقوّماتها، يقع الكلام في أنّه هل هو في أحكام مطلق المنقطع أو من آثار المنقطع المطلق، و هذا بحث صغروي يحتاج إلى ملاحظة الروايات الواردة حوله و قد ذكرنا ما هو الحق عند البحث عن الأحوال الشخصية «1».

و على كل تقدير يتركّز البحث في كونه مخالفا للكتاب و السنّة (إذا كان من آثار مطلق المنقطع) أو لا (إذا كان من آثار المنقطع المطلق الذي يرتفع الحكم بتقييد الموضوع بالتوارث).

و بذلك يظهر أنّ تمييز المخالف عن الموافق ليس بالأمر الصعب، و الميزان كونه مخالفا لمقوّم العقد، أو مقتضاه أو الأثر العرفي الذي يعد التفكيك عن الموضوع، نفيا له.

و بذلك يظهر النظر في كلام المحقق الثاني الذي نقله الشيخ فلا نطيل.

إذا شكّ في كون الشرط مخالفا أو موافقا:

ثمّ إذا شكّ في كون الشرط مخالفا لمقتضى العقد أو موافقا، بمعنى أنّه داخل تحت عموم «المؤمنون عند شروطهم» أو خارج عنه بدليل حكم

العقل على عدم صحّة اشتراط مخالف المقتضى، فليس هنا أصل منقّح للموضوع، و أنّه هل هو موافق أو مخالف، و لأجل ذلك يكون المرجع في كل شرط لم تحرز موافقته أو مخالفته للكتاب هو الأصل العملي و لكن ربّما يصحّح التمسّك لعموم «المؤمنون عند شروطهم» بوجهين:

______________________________

(1)- ستقدم ملازمها إلى الطبع بإذن اللّه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 489

1- انّ المخصّص في المقام لبّي حيث إنّ العقل يحكم ببطلان ما هو مخالف لمقتضى العقد، و ذلك لوجود التنافي بين المقتضى و شرطه، و أنّهما لا يجتمعان، و مع ذلك يرجع فيها إلى عموم لزوم الوفاء بالشرط لا إلى المخصّص، أعني بطلان الشرط المخالف للمقتضى، لما ثبت في محلّه من أنّه إذا كان المخصّص لبّيا، يكون المرجع في الشبهات المصداقية، هو العام.

يلاحظ عليه: أنّه لا فرق بين كونه لفظيا أو لبّيا، فإنّ العام حجّة في غير عنوان المخصّص، و عنوان العام (الشرط) و إن كان محرزا، لكن عدم عنوان المخصّص (عدم المخالفة) ليس بمحرز، فيسقطان (العام و المخصّص عن الحجّية) لعدم إحراز موضوعهما، و يكون المرجع، الأدلّة الآخر.

2- إحراز عدم كونه مخالفا لمقتضاه بالأصل الأزلي، باستصحاب عدم كونه مخالفا لمقتضاه و الأصل بقاؤه، و بذلك يظهر صحّة التمسّك بالعام لأنّ أحد الجزءين (الشرط) محرز بالوجدان و الآخر (عدم كونه مخالفا لمقتضاه) بالأصل.

يلاحظ عليه: ما أوضحناه في الأصول من أنّ ما هو الجزء للموضوع، عبارة عن الشرط غير المخالف لمقتضاه و الموضوع بهذا الوصف (بصورة معدولة) أو الموجبة السالبة المحمول (الشرط الذي ليس مخالفا) ليس له أية حالة سابقة إذ لم يكن الشرط في زمان متحقّقا و متّصفا بهذا الوصف، لأنّ صدقه يتوقّف على وجود الموصوف (الشرط) في

زمان مع اتصافه بالوصف العدمي حتى يقال: الشرط غير المخالف، أو الذي ليس بمخالف، و من المعلوم عدم سبق وجود له.

و أمّا السالبة المحصلة المجتمعة مع عدم الموضوع و إن كانت لها حالة سابقة، لكنّها ليست جزء الموضوع و دخيلا فيه.

هذا مجمل ما أوضحناه في الأبحاث الأصولية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 490

الشرط السادس: أن لا يكون مجهولا جهالة توجب الغرر:

إذا كان الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر، فهل يحكم ببطلانه إذا كان سببا لجهالة العوضين «1» بحجة أنّ الشرط كالجزء من العوضين فيكون محكوما بالبطلان، لما ثبت في مبحث شرائط العوضين من لزوم معلوميتهما أو يحكم ببطلانه مطلقا و إن لم يوجب جهالة في العوضين، و ذلك لنهي النبي عن مطلق الغرر، و إن لم يكن في البيع، أو يفصل بين التابع «2» و المقصود بالأصالة فلا تضر في الأوّل دون الثاني سواء عبّر عنه بلسان الشرط أو بلسان الجزء، كما هو المحكيّ عن الشهيد، أو يختص الصحّة بالتابع المجهول إذا عبّر عنه بلسان الشرط دون الجزء؟ «3» وجوه أو أقوال، و الدليل هو النهي عن بيع الغرر.

أقول: قد ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم النهي عن بيع الغرر، مسندا، عن طريقنا، رواه الصدوق بأسانيد مختلفة عن الرضا عن آبائه عن علي- عليه السلام- و جاء في الرواية بعد أمور: و قد نهى رسول اللّه عن بيع المضطر و عن بيع الغرر «4» و رواه بهذا النص البيهقي في سننه الكبرى «5» و رواه المحدّث النوري في المستدرك «6» مسندا عن صحيفة الإمام الرضا. و من المعلوم أنّ العرف يساعد مع الغاء الخصوصية فيعمّ

______________________________

(1)- كما إذا باع شيئا و شرط على المشتري أن يخيط له ثوبا، أو

يا بني جدارا، بخلاف ما إذا شرط رهن أحد المالين المتماثلين.

(2)- كما إذا باع الحيوان مع حمله، و الدجاج مع بيضه.

(3)- فيفرق بين قولنا: بعت الحيوان مع حمله، و بعت الحيوان على أن يكون الحمل لك.

(4)- الوسائل: ج 12، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.

(5)- السنن الكبرى للبيهقي: 6/ 338.

(6)- المستدرك: ج 13 الباب 33 من أبواب التجارة، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 491

سائر أبواب المعاملات من الاجارة و غيرها.

و أمّا النهي عن مطلق الغرر فلم يرد إلّا مرسلا في الكتب الفقهية، كالخلاف للشيخ و الغنية لابن زهرة و العلّامة في كتبه، هذا ما يرجع إلى سند الرواية، و مع ذلك فليس المسند بأقوى من المرسل، إذ في أسانيده ما لا يخفى، و على كل تقدير، فقد تلقّته الأصحاب بالقبول و أرسلوه إرسال المسلّمات.

إنّما الكلام في دلالته و صلاحيته للاستدلال في المقام أي الشرط المجهول فنقول: لم نجد في معجم يفسّر الغرر بالضرر أو بالجهل و إنّما فسّر بالخدعة و الحيلة، أو بالاقتحام بما فيه خطر. و إليك بعض نصوصهم:

قال ابن الأثير في النهاية: النهي عن بيع الغرر: هو ما كان له ظاهر يغرّ المشتري و باطن مجهول.

و قال الأزهري: بيع الغرر، ما كان على غير عهدة و لا ثقة و تدخل في البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كلّ مجهول.

و ما ذكره أوّلا، يشير إلى بيع التدليس و نحوه، و ما ذكره الأزهري يشير إلى بيع لا يؤمن فيه على قدرة البائع على تسليم المبيع، كالسمك في الماء، و الطير في الهواء و المغروق في البحر، حيث قال: ما كان على غير عهدة و لا ثقة، و مثله تفسيره

بالخطر.

و قال ابن منظور في اللسان: غرّه يغرّه غرّا: خدعه و أطمعه بالباطل، يقال:

المؤمن غرّ كريم فيخدع، غرر بنفسه و ماله: عرضهما للهلكة، و نهى رسول اللّه عن بيع الغرر و هو مثل بيع السمك في الماء و الطير في الهواء. و بيع الغرر المنهي عنه:

ما كان له ظاهر يغرّ المشتري و باطن مجهول، و بيع الغرر أن لا يكون على عهدة

المختار في أحكام الخيار، ص: 492

و لا ثقة.

و قال ابن فارس في المقاييس: بيع الغرر، و هو الخطر الذي لا يدرى أ يكون أم لا، كبيع العبد الآبق و الطائر في الهواء.

و هذه الكلمات و نظائرها تعطي أنّ الغرر إمّا بمعنى الخدعة، أو الخطر، فكل بيع اشتمل على الخدعة، أو يكون على اعتاب الخطر من حيث امكان التسليم و عدمه، فهو منهي عنه، و أين هو من الشرط المجهول المردّد بين قليل المئونة كخياطة القميص أو كثيرها كخياطة القباء و العباء.

و بهذا ظهر أنّ الاستدلال بهذا الحديث في باب العوضين و الشروط، غير صحيح و لذلك التجأ سيدنا الأستاذ- مع الاعتراف بما قدّمناه- إلى أنّ فهم علماء العامّة و الخاصّة من الحديث، المعنى المعروف عندهم مع كونهم من أهل اللسان، كاف في ذلك «1».

و هو كما ترى، و لعلّهم استدلّوا زاعمين أنّ الجهالة، تلازم الخطر، و إلّا فمع خلوّ المعاجم عن الجهالة كيف يصحّ الاستناد باستدلال العلماء.

و على كل تقدير فالذي يمكن أن يقال: إنّ كل شرط تستلزم جهالته، جهالة الثمن أو المثمن، بحيث يعدّ العرف الشرط جزءا منهما، و إن كان بلسان الشرط يوجب بطلانه، لا لحديث النهي عن الغرر بل لما دلّ على لزوم معلومية العوضين و بطلان العقد عند

الجهل بهما فيكون حكمه حكمها، صحّة و بطلانا و دليلا.

و هذا بخلاف ما لم يستلزم ذلك كما في كل شرط تبع، فجهالته لا تضرّ لا بأصل العقد و لا بالشرط.

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات: 5/ 199.

المختار في أحكام الخيار، ص: 493

ثمّ إنّ بعض المحشّين، منع اعتبار عدم الجهالة في الشرط مطلقا، تارة بمنع الصغرى و أنّ الشرط لا يرجع مطلقا إلى العوضين بل هو قيد لنفس البيع على ما تقتضيه القواعد العربية، و أخرى بمنع الكبرى- بعد تسليم الصغرى- بأنّ القدر المتيقّن من الغرر المنفي، هو الغرر في نفس العوضين فلا يضرّ الغرر في قيودهما «1».

يلاحظ عليه: أنّ الميزان في تحديد كون شي ء من أجزاء الثمن أو المثمن و عدمه، هو العرف لا القواعد اللفظية، فلو اشترى دارا بألف دينار، و شرط عليه دفع شاة إلى البائع، فالمشتري يضيف قيمتها إلى المبلغ الذي اشترى به الدار، فلو كان قيمتها عشرة دنانير، يقول اشتريته بألف دينار و عشرة دنانير.

و أضعف منه ادّعاء انصراف الكبرى عن القيود فكأنّه نظر إلى المعاملات بنظر التعبّد، مع أنّ الملاك في المقيّد و القيد واحد.

نعم الحق انّه ليس شرطا مستقلا و انّما هو راجع إلى عدم المخالفة مع الكتاب و السنّة.

______________________________

(1)- تعليقة المحقّق الشهيدي- قدّس سرّه-: 575.

المختار في أحكام الخيار، ص: 494

الشرط السابع: أن لا يكون مستلزما للمحال:

الشرط المستلزم للمحال هو الشرط الممكن بذاته، و لكن قيد بشرط مستلزم للمحال، فخرج ما لا تتعلّق به القدرة عقلا، كالجمع بين الضدّين، أو عادة كالطيران في الهواء بلا سبب. و دخل في التعريف اشتراط تحقّق المسبّبات التي لها أسباب خاصّة عند الشرع كالطلاق، أو العرف كالنكاح، بنفس الاشتراط و إن لم تقترن بها أسباب، كما إذا باع

بشرط أن تكون زوجته مطلّقة أو ابنته مزوّجة.

و قد مثل العلّامة للمقام و قال: «إذا باعه شيئا بشرط أن يبيعه إيّاه سواء اتّحد الثمن قدرا أو جنسا و وصفا أو لا، لاستلزامه الدور، لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيته له، المتوقّفة على بيعه (أي العمل بالشرط) فيدور بخلاف ما لو شرط أن يبيعه من غيره فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنّة- ثمّ قال:- لا يقال: ما التزموه من الدور آت هنا لأنّا نقول: الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا على حدّ التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع من البائع» «1».

يلاحظ عليه: أوّلا: الاشتراط لا يستلزم الدور، لأنّ ملك المشتري متزلزلا لا يتوقّف على العمل بالشرط بل يتوقّف على إنشاء البائع و قبوله و قد حصل. نعم لزومه يتوقّف على العمل بالشرط فلا دور، فمالكيته متوقّفة على الانشاء المتقدّم بكلا جزأيه، و بيعه ثانيا من البائع يتوقّف على تلك الملكية الحاصلة.

و ثانيا: لو سلمنا الدور فلا فرق بين بيعه من البائع أو غيره لأنّ البيع الثاني مطلقا متوقّف على ملكيته المتوقّفة على البيع الثاني (العمل بالشرط) و احتمال كون بيعه الثاني من باب التوكيل أو العقد الفضولي خلاف الفرض، و لأجل ذلك يخرج المبيع عن ملك المشتري و يدخل الثمن في ملكه لا في ملك البائع الأوّل.

______________________________

(1)- التذكرة: 1/ 490: الفرع الأوّل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 495

الشرط الثامن: أن يلتزم به في متن العقد:

اشارة

الشرط غير المذكور في العقد على أقسام:

1- إذا أنشأ إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كالخياطة، التزاما ابتدائيا و بقي أثره في ذهنه إلى حين انعقاد البيع، من دون تقييد أحدهما بالآخر.

2- إذا التزم على نفسه بشي ء و وعد بايقاع العقد

مقيّدا به في عالم القصد فأخلف وعده، و لم يوقعه مقيّدا.

3- تلك الصورة لكنّه وفى و قيّد العقد ثبوتا بالشرط و هذا هو ما يقال الشرط المبنيّ عليه العقد.

قيل: المشهور عدم الاعتداد بالشروط غير المذكورة في متن العقد، حكاه صاحب الرياض في كتاب النكاح عن بعض الأجلّة و أيّده الشيخ بأنّه مقتضى التتبّع في باب البيع و النكاح ثمّ أتى بشواهد، و كان سيّدنا الأستاذ العلّامة الكوه كمري (1310- 1372) من المصرّين على لزوم ذكر الشروط في العقد، و في الوقت نفسه نحن نرى المخالفة من النراقي في عوائده «1» و السيّد الطباطبائي في تعليقته «2» و الشهيدي في حاشيته «3».

استدل على لزوم الذكر بوجوه:

1- حكاية الاجماع

على ما عرفت.

______________________________

(1)- العوائد/ 46 في ذيل كلام الشهيد في قواعده.

(2)- التعليقة: 118.

(3)- الحاشية: 576.

المختار في أحكام الخيار، ص: 496

يلاحظ عليه- مضافا إلى أنّه لا يحكى في المقام عن وجود نصّ وصل إليهم و لم يصل إلينا، و لعلّهم استندوا إلى بعض الوجوه الآتية-: أنّ معقد الاجماع غير واضح و لعلّه ناظر إلى الصورتين الأولتين.

2- ما أشار إليه الشيخ الأعظم من أنّ الشرط من أركان العقد المشروط

بل هو كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في العقد.

يلاحظ عليه: عدم الدليل على كلّية المدّعى إذ ليس كل شرط من الأركان.

و على تقدير كونه جزءا من العوضين لا دليل على أنّ حكمه حكمهما حتى في الوقوع تحت الانشاء. أضف إلى ذلك أنّ ذكر العوضين غير لازم إذا كانا معلومين من القرائن.

3- إنّ الشرط هو الالتزام و هو لا يتحقّق بمجرّد التباني بل يحتاج إلى الانشاء

و إلّا لا يصدق عليه الالزام و لا الالتزام و هذا بخلاف سائر المتعلّقات فإنّه يكفي فيه النيّة و التقدير.

يلاحظ عليه: أنّ الشرط بمعنى الالزام و الالتزام من أقسام التعهّد كالنذر و اليمين، فكما تصدق على ما لو ورد في ضمن العقد، كذلك يصدق على ما إذا تعاهدا مجرّدا عن العقد، ثم بنيا العقد عليه.

و بذلك يظهر ضعف ما ربّما يقال: إنّ الانشاء لا بدّ له من محصّل و لا يحصل بمجرّد القصد و الاخطار القلبي بالضرورة و لذا لا يحصل البيع و النكاح به «1» و ذلك لأنّه خروج عن محطّ النزاع، لأنّ المفروض فيما إذا سبق تعهّد لفظي من الطرفين منفكّا عن العقد، ثم بني العقد عليه، نعم لو لم يكن هناك أي إنشاء

______________________________

(1)- نثارات الكواكب: 308.

المختار في أحكام الخيار، ص: 497

سابق و كان هناك صرف اخطار بالبال، لتمّ ما ذكر كما يظهر ضعف ما في تعليقة السيد الطباطبائي جوابا عن الاستدلال من أنّ الانشاء كما يكون باللفظ، كذا يكون بالاخطار القلبي «1» فهو كما ترى.

4- الروايات الظاهرة في عدم الاعتبار بالشرط المتقدم.

ألف: عن ابن بكير: قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة، فرضيت به و أوجبت التزويج، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح «2» فإن أجازته فقد جاز و إن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح «3».

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ القدر المتيقّن من الرواية هو الصورتان الأوليتان، و نحن نوافق المخالف فيهما، إنّما الكلام إذا عقدا بانين على الشرط المتقدم.

و يحتمل أن تكون الرواية ناظرة إلى صورة التنازع و أنّه لا يمكن للزوج أن يحتجّ عليها إلّا بالذكر في متن العقد، إذ للزوجة أن تنكر

البناء على الشرط السابق، و إلّا فلو علم البناء أو تسلّما على أنّ العقد كان على الشرط السابق، يجوز في حقّها.

ب: عن عبد اللّه بن بكير، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، و ما كان بعد النكاح فهو جائز «4» و المقصود من «بعد النكاح» هو بعد قولها: «أنكحت نفسي» مثل الرواية السابقة، و إلّا فأي فرق بين المتقدم على العقد و المتأخّر عنه، و يأتي فيه ما ذكرناه في الحديث المتقدم.

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 118.

(2)- أي بعد قولها: «أنكحت نفسي» و عليه يحمل ما يأتي أيضا.

(3)- الوسائل: ج 14، الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2.

(4)- الوسائل: ج 14، الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 498

ج: عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ؟ فقال: ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز، و ما كان قبل النكاح فلا يجوز إلّا برضاها و بشي ء يعطيها فترضى به «1». و الكلام فيه كالكلام في السابقين.

د: عن محمد بن مسلم: سمعت أبا جعفر- عليه السلام- يقول في الرجل يتزوّج المرأة متعة: إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا، و إنّما الشرط بعد النكاح «2» أي بعد قولها «أنكحت نفسي».

يلاحظ عليه- بعد كونه مخالفا لما عليه المشهور من عدم اقتضاء عقد المتعة الارث إلّا إذا اشترط به-: أنّه إذا كان معنى قوله «بعد النكاح» أي في العقد، يكون الذيل ناظرا إلى أنّ عقد المتعة يقتضي الارث، و من أراد حرمانها، فعليه

أن لا تفوّت الفرصة و يشترط عدمه في العقد، و تخصيص العقد بالذكر لكونه آكد في الالزام لا أنّه إذا اشترط قبل العقد، و أجرى العقد على ذلك الأساس، يكون عاطلا.

و أمّا رواية أبان بن تغلب «3» فلا دلالة فيها على المقصود و لا يظهر منها أي تواطؤ على المؤقت قبل العقد، بل الظاهر أنّه خطبها للنكاح ناويا المتعة، من دون ايقافها على ما نوى. و لأجل ذلك قال: «و إنّي أستحي أن أذكر شرط الأيام و لو سبق منهما الشرط لما كان للاستحياء وجه».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 14، الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 3 و 4.

(2)- الوسائل: ج 14، الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 3 و 4.

(3)- المصدر نفسه: الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 499

الشرط التاسع: التنجيز:

قد يطلق التنجيز و يراد منه تارة اطلاق الشرط في مقابل اشتراطه، كما إذا قال: بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي إن جاء زيد. و أخرى ما يقابل التعليق، كما إذا قال: بعتك هذا بدرهم على أن تخيط عند رأس شهر كذا. و كلام الشيخ ناظر إلى الصورة الأولى و لذا مثّل بالجملة الشرطية.

و قد استدلّ القائل بالبطلان: بأنّ الشرط جزء من الثمن، و مرجع قوله «بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي إن جاء زيد» إلى وقوع المعاوضة بين المبيع و بين الدرهم المقرون بخياطة ثوب، على تقدير مجي ء زيد، و التعليق موجب للبطلان.

ما ذا يريد المستدل؟! هل يريد أنّ التعلّق يوجب كون الالتزام في ناحية الشرط (الالتزام بالخياطة) معلّقا، أو يريد أن أصل المعاوضة أي البيع يكون كذلك، و بعبارة أخرى هل التعليق يهدم اطلاق الالتزام في ناحية

الشرط (على أن تخيط ...) أو يهدم اطلاق إنشاء البيع (أبيعك)؟ وجهان، كل محتمل و إن كان الظاهر هو الأوّل.

و أجاب الشيخ ما هذا نصّه: «انّ الشرط هو الخياطة على تقدير المجي ء، لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق إلى أصل المعاوضة الخاصة».

و المتبادر من جواب الشيخ أنّه فهم المعنى الثاني و أجاب بأنّ التعليق لا يرجع إلى أصل المعاوضة بل يرجع إلى الشرط من غير فرق بين أن يكون قيدا للالتزام أو الملتزم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 500

و لكن السيد الطباطبائي و المحقّق الايرواني حملا كلام المستدل و جواب الشيخ على المعنى الأوّل، خلافا لسيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- فقد حمل كلام المستدل و جواب الشيخ على المعنى الثاني.

و على كل تقدير فإن أراد أنّ الشرط يهدم اطلاق الالتزام الموجود في ناحية الشرط- فمع الغضّ عن أنّ القيد يرجع إلى الملتزم أي نفس الخياطة لا إلى الالتزام بها- لا مانع من رجوع القيد إلى نفس الالتزام أيضا لأنّه لا دليل على بطلان التعليق إلّا الاجماع، و القدر المتيقّن منه لزوم كون البيع منجّزا لا متعلّقاته مثل المثمن و الثمن و إن كان ركنا. و إن أراد رجوعه إلى أصل المعاوضة فهو ممنوع جدا و خلاف المتبادر.

فظهر أنّ اطلاق الشرط ليس بشرط بل يجوز تقييده و استلزامه- البيع بثمنين- على فرض لزومه لا مانع منه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 501

الفصل الحادي عشر في أقسام الشروط و أحكامها

اشارة

هل النبوي يعمّ جميع الأقسام؟

شرط النتيجة.

الضابطة لتمييز ما يحتاج إلى سبب خاص عن غيره.

شرط الفعل يقع في ضمن أمور:

1- وجوب الوفاء بالشرط.

2- جواز اجبار المشروط عليه على انجاز الشرط.

3- في ثبوت الخيار مع القدرة على الاجبار و عدمه.

دليل نافي الخيار مع القدرة على الاجبار.

4- حكم الشرط

المتعذّر قبل العقد و بعده.

5- فيما إذا تعذّر العمل بالشرط، و له ثلاث صور:

أ- فيما إذا تلف المبيع.

ب- فيما إذا أخرجه عن ملكه.

ج- فيما إذا صار متعلّقا لحق الغير.

إذا كان العقد الثاني منافيا لنفس الاشتراط.

إذا تصرّف المشروط له في العين.

6- في جواز اسقاط الشرط للمشروط له.

7- فيما هو المستثنى من قاعدة عدم التقسيط.

هل الشرط الفاسد مفسد للعقد أو لا؟

ثبوت الخيار في الشرط الفاسد.

اسقاط الشرط الفاسد بعد العقد.

المختار في أحكام الخيار، ص: 503

في أقسام الشروط و أحكامها إنّ الشرط تارة يتعلّق بفعل من أفعال المتعاقدين كخياطة الثوب، و أخرى يتعلّق بما هو من قبيل الغاية للفعل كاشتراط تملّك عين خاصّة، و ثالثة يتعلّق بصفة من صفات المبيع الشخصي ككون الدابة حاملا و السجادة مصبوغة بصبغ كذا. و لا يخرج الشرط عن هذه الأقسام.

فلو شرط ايقاع صفة في المبيع كالصبغ، أو اشترى حنطة، على النحو الكلّي فاشترط أن يدفع المبيع من صنف كذا، فهما من قبيل القسم الأوّل أو اشترط كون الفاكهة حلوة فهو من القسم الثالث، فالأقسام لا تزيد على الثلاثة.

هل النبوي يعمّ جميع الأقسام؟!

إنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «المؤمنون عند شروطهم»، يعمّ الأقسام بمعناه المطابقي، و يظهر من الشيخ عدم شموله للقسم الثالث قائلا بأنّه لا حكم له إلّا الخيار مع تبيّن فقد الوصف المشروط، إذ لا يعقل تحصيله هنا فلا معنى لوجوب الوفاء فيه و عموم «المؤمنون عند شروطهم» مختصّ لغير هذا القسم.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يتمّ إذا كان مفاد النبوي هو الحكم التكليفي ابتداء و أنّه يجب على المؤمنين الوفاء بشروطهم فيقال: إنّه لا يتصوّر فيه الوفاء و ليس بيده

المختار في أحكام الخيار، ص: 504

تغيير الأمر الواقع، و أمّا

لو قلنا بأنّ مفاده المطابقي: إنّ المؤمنين عند التزاماتهم و أنّهم مأخوذون بمقتضى تعهّداتهم و شروطهم، غاية الأمر أنّه يختلف مقتضى الأخذ بمقتضى الشرط، فإن كان الشرط عملا و فعلا، فعليهم القيام به، و إن كان وصفا في المبيع، أو شرطا فيه (بناء على عدم رجوع الشرط إلى الوصف كما عليه الشيخ في بعض كلماته السابقة) فيستعدّ للفسخ و إن كان غاية و نتيجة كالملكية، فمقتضى الأخذ، هو ترتيب الأثر، و تسليم العين إليه.

و بالجملة: إنّ مفاده: المؤمنون غير منفكّين عن التزاماتهم، و تختلف أثر تلك المعيّة فلو شرط فعلا يجب القيام به، و إن شرط وصفا أو شرطا في العين و لم يكن موجودا، كان عليه قبول السلعة إذا فسخ المشتري، و إن كان شرط النتيجة يجب ترتيب الأثر عليه إذا كان متحقّقا بنفس الاشتراط كما إذا باع من زيد و اشترط عليه أن يكون وكيله في بيع متاع كذا و قام زيد ببيع متاعه فيجب على الموكّل تنفيذها فالمدلول المطابقي للنبوي واحد، و هو كونهم مأخوذين بشروطهم. و لكن كيفية الأخذ تختلف حسب اختلاف الموارد.

أضف إليه: أنّه لو سلم أنّ مفاده هو وجوب الوفاء لكن وجوب وفاء كل شي ء بحسبه فلا مانع من شمول النبوي بهذا المفاد جميع الأقسام.

شرط النتيجة:

اشارة

إذا اشترط الغاية، أعني: الملكية و الزوجية و كانت ممّا لا تتحقّق بالاشتراط فإن أريد تحصيلهما بأسبابهما الشرعية فيرجع إلى شرط الفعل، و إن أريد حصولها بنفس الاشتراط فإن دل الدليل على عدم تحقّقها إلّا بأسباب خاصّة غير الاشتراط، كان الشرط مخالفا للكتاب و السنّة، و إن كانت ممّا يكفي في تحقّقها نفس

المختار في أحكام الخيار، ص: 505

الاشتراط كالوكالة و الوصاية و

كون ثمرة الشجرة ملكا للمشتري، يجب ترتيب الأثر و لو شككنا أنّه من أي قسم من القسمين كاشتراط أن يكون مال خاص غير تابع لأحد العوضين، ملكا لأحدهما أو صدقة فهل يجوز التمسّك بعموم «المؤمنون عند شروطهم» أو لا؟ يمكن تقريب الثاني بوجوه:

1- إنّ عموم «المؤمنون» إنّما يجري فيما إذا كان هناك فعل للمشروط عليه ليجب الوفاء به و ليس هنا فعل.

يلاحظ عليه: أنّه ليس معناه لزوم الوفاء بالشروط حتى يتطلّب لنفسه فعلا بل معناه أنّهم مأخوذون باتفاقاتهم و شروطهم، و هو صادق في جميع الأقسام الثلاثة. أضف إليه ما عرفت أخيرا من تحقّق وجوب الوفاء في جميع الأقسام.

2- قد خرج عن عموم النبوي ما احتاج في التحقّق إلى سبب خاص فلا يجوز الالتزام إذا لم يكن سبب خاص، و بما أنّ المورد مردّد بين كونه متحقّقا بالسبب الخاص و عدمه يكون من مصاديق الشبهة المصداقية للعام، فلا يجوز التمسّك بالعموم.

و أجاب عنه السيد الطباطبائي بمنع كون الشبهة مصداقية إذ الخارج ليس عنوان ما له سبب خاص حتى يكون الشك في مصداق المخصّص بل الخارج خصوصيات الموارد التي دلّ الدليل على احتياجها إلى سبب خاص و هذا العنوان ينتزعه العقل «1».

يلاحظ عليه: أنّ النتيجة في كلتا الصورتين واحدة فسواء كان الخارج ذوات الموارد أو العنوان الجامع لها، فبما إنّا نعلم علما قطعيا بأنّ خروج هذه الأفراد ليس

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 131.

المختار في أحكام الخيار، ص: 506

إلّا لأجل كونها غير متحققة بنفس الاشتراط، فهذا يكفي في المنع عن التمسّك بالعام إذا شككنا في مورد أنّه من أيّ قسم من الأقسام.

و الأولى أن يقال: إنّا إذا سبرنا الكتاب و السنّة، و لم نجد ما

يدل على أنّ تملك شي ء غير تابع، أو كون شي ء صدقة أو وقفا للّه، يحتاج إلى سبب، نستكشف عن عدم كونه كذلك، إذ لو كان لظهر و بان، و قد جرت السيرة اقتداء بالمعصوم في كل شرط احتمل كونه مخالفا للكتاب و السنّة، التمسّك بالعموم إذا لم يدل دليل على كونه مخالفا، و لو صحّ ما في الدليل لما جاز، لخروج المخالف عن تحت العام و يكون المورد من قبيل الشبهة المصداقية له، و ليس المصداق في المقام كالمصداق في سائر المقامات، فإنّ بيان المصداق في المقام وظيفة للشارع دون سائر المقامات، و لو لا ذلك لانسدّ باب التمسّك بأدلة الشروط.

3- إنّ النبوي مخصّص بالشرط المخالف و من أقسامه الاكتفاء فيما لا يتحقّق إلّا بسبب خاص، بنفس الاشتراط، فإذا دار أمر المورد بين أنّه ممّا يتوقّف على سبب خاص أو يكفي في تحقّقه نفس الاشتراط، يرجع الشك إلى الاشتراط هل هو موافق للكتاب و السنّة أو لا؟ و يكون من الشبهة المصداقية للمخصّص (إلّا شرطا خالف الكتاب و السنّة).

و الجواب ما عرفت، و هو أنّ الشبهة المصداقية على قسمين:

قسم يتوقّف التعرّف عليه على بيان الشارع، و قسم يجب على المكلّف تحصيل المعرفة عليه من الطرق المألوفة، فما كان من القسم الثاني، يتوقّف في مقام العمل و لا يصحّ التمسّك بعموم العام- مثل قولنا: اكرم العلماء، بعد خروج العالم الفاسق من تحته-.

المختار في أحكام الخيار، ص: 507

و أمّا القسم الذي يتوقّف التعرّف على بيان الشارع، فيكفي في جواز التمسّك، الفحص و التتبّع في الكتاب و السنّة و عدم العثور عليه، إذ لو كان لظهر و بان. و احتمال أنّه ممّا بيّنه الإمام و لم يصل

إلينا، ضعيف لا يعتدّ به. و المقام من هذا القسم: إذ على الشارع أن يبيّن ما لا يحصل بنفس الاشتراط إذا لم يكن واضحا لدى العرف.

الضابطة لتمييز ما يحتاج إلى سبب خاص عن غيره:

الظاهر أنّ كلّ أمر اعتباري، يهتمّ به العرف و الشرع من حيث اللفظ و الصيغة، و لا يقوم به إلّا بتشريفات خاصّة، فهذا ممّا لا يحصل بنفس الاشتراط كالنكاح و الطلاق و لعلّ منه الوقف و النذر، و أمّا ما لا يهتمّ به، مثل ما سبق، فيكفي فيه نفس الاشتراط.

ثمّ إنّ سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- ذكر ضابطة أخرى و هي:

كل عنوان يصحّ جعله مستقلّا و ابتداء، يصحّ جعله بالشرط أيضا ذلك كالوكالة و الوصاية و الأمانة و الوديعة و الرهن و القرض فكلّها يصحّ جعلها مستقلّا، فإن يقول: أنت وليي و وصيي، و هذه أمانة أو وديعة فمثله يصحّ جعله بالشرط أيضا بأن يشترط هذه العناوين في ضمن عقد.

و أمّا ما لا يمكن جعله مستقلّا كالمبيعية و الثمنية للمبيع و الثمن فهذا لا يصحّ شرطه، بل يجب أن يتطرّق إلى حصولها من طريق ثالث «1».

[شرط الفعل]

اشارة

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام يقع في شرط الفعل في ضمن أمور:

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات: 5/ 215.

المختار في أحكام الخيار، ص: 508

الأوّل: في وجوب الوفاء بالشرط:

إذا اشترط فعلا على المشروط عليه، حتى يقوم به بعد العقد، فهل يجب القيام به تكليفا و يكون التخلّف عنه عصيانا، أو لا يجب و يكون أثر الشرط جعل العقد عرضة للزوال و للمشروط له الفسخ عند التخلّف؟ وجهان بل قولان:

فخرج عن محطّ البحث أمران:

1- حصول الشرط بنفس العقد من دون حاجة إلى القيام به بعد العقد، كشرط النتيجة إذا كان ممّا يحصل بنفس العقد، و لا يحتاج إلى سبب خاص كالوكالة و الوصاية و ذلك لحصول الشرط و لا معنى لتحصيل الحاصل.

2- تعذّر الشرط في المبيع كما إذا باع الفرس المعيّن على أن يكون عربيا، فبان غيره، لعدم التمكّن من إيجاد الشرط.

و مع ذلك كلّه لا يخلوان عن وجوب الوفاء أيضا، لكن لا بمعنى القيام بفعل بعد العقد بل بمعنى آخر و هو ترتيب آثار ذلك الشرط المتحقّق بنفس العقد في الأوّل، فعليه تنفيذ ما باعه الوكيل، أو اشتراه و ليس له ردّه، فلو ردّه المشتري و طلب الثمن كما إذا لم يكن الفرس عربيّا كان عليه القبول، و أمّا وجوب الوفاء بمعنى القيام بايجاد فعل، فهو في غير هذين الموردين.

نسب الأوّل إلى المشهور، و الثاني إلى الشهيد، كما نقل عنه التفصيل بين شرط النتيجة، و شرط الفعل من تخصيص الوجوب بالأوّل دون الثاني، و لكنّه ليس تفصيلا في المسألة بل إنكار للوجوب لما عرفت من خروج شرط النتيجة المتحقق بنفس العقد عن محط النزاع.

لا شكّ أنّ العمل بالعهد ممّا يستقل بحسنه العقل، كما يستقل بقبح نقضه،

المختار في أحكام الخيار،

ص: 509

و عليه بناء العقلاء حيث يذمّون المتخلّف و يرون التخلّف بعيدا عن المروءة و الفتوّة الإنسانية، و على ذلك ندرس ما ورد من الشرع حول العمل بالشرط، فنقول:

إنّ المتبادر من الروايات هو الوجوب التكليفي المستتبع للوجوب الوضعي، و إليك ما يدلّ عليهما:

1- «المؤمنون عند شروطهم»:

لا شكّ أنّ لفظ الحديث جملة خبرية، وردت لغاية الانشاء كقولك مخبرا عن حال ولدك: «ولدي يصلّي» فالغرض هو بعثه على الصلاة، و المعنى المطابقي هو الاخبار بأنّ المؤمنين غير منفكّين عن شروطهم و تعهّداتهم، و لازم ذلك المعنى المطابقي هو المراد الحقيقي، أعني: طلب عدم الانفكاك منهم، و كأنّه قال: «ليكونوا كذلك و لا ينفكّوا عن شروطهم» و هو إمّا عبارة أخرى عن لزوم الوفاء بالشرط و القيام به، أو لازم اللازم للمعنى الانشائي، فهناك مداليل ثلاثة:

ألف- الاخبار عن عدم الانفكاك.

ب- إرادة معناه الكنائي، أي يكونوا كذلك.

ج- لازم هذا اللازم و هو وجوب الوفاء بالشرط.

فيستفاد من الحديث وجوب الوفاء على المشروط عليه بما التزم من فعل أو عمل في المستقبل.

و هناك احتمالات في الحديث ضعيفة جدّا، كالحمل على الندب، مع حكم العقل و العقلاء بالوجوب، أو الحمل على مجرد الاخبار، مع استلزامه الكذب، أو كونه كناية عن اللزوم الوضعي، مع كون سياقه آبيا عنه أو على الحكم الأخلاقي،

المختار في أحكام الخيار، ص: 510

مع كون الموضوع هو المؤمنون المقتضي كون عدم الانفكاك آكد و ألزم.

2- ما أرسل في بعض الكتب: «المؤمنون عند شروطهم إلّا من عصى اللّه» بناء على أنّ الاستثناء من المشروط عليه أي المؤمنون غير منفكّين عن مشروطهم إلّا من عصى اللّه بالتخلّف.

يلاحظ عليه: أنّ الصدر إمّا جملة خبرية استعملت في المعنى الخبري لكن لغاية البعث

على عدم الانفكاك، فعندئذ يكون المعنى المناسب للاستثناء، هو ما جاء في ذيل ما سبق من الروايات: إلّا كل شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ «1» أو إلّا شرطا حرّم حلالا، أو أحلّ حراما «2» و عندئذ المقصود من «إلّا من عصى اللّه» هو من اشترط الحرام لا من عصى بالتخلّف فلا تكون له عندئذ صلة بالبحث.

و إمّا جملة خبرية استعملت في نفس المعنى الخبري من دون أن تقع ذريعة إلى البعث على شي ء و المعنى المناسب، للاستثناء حينئذ، هو اخراج العاصي عن هذا الاخبار فيكون مفاده أنّ المؤمن بما هو مؤمن، لمقرون مع شرطه، إلّا العاصي منهم، فإنّه بطبعه، لا يعتد بقوله و تعهّده، و عندئذ تكون له دلالة ضعيفة للمقام فتدلّ على أنّ التخلّف من فروع العصيان.

3- موثقة إسحاق بن عمّار مسندة إلى علي- عليه السلام-: كان يقول: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فانّ المسلمين عند شروطهم» «3».

4- إنّ الشرط إمّا جزء من المثمن أو الثمن، فإذا كان تسليم الثمن و المثمن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 6 من أبواب الخيار.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 511

واجبا تكليفيا بحكم قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يكون القيام بالشرط أيضا واجبا مثله.

ثمّ إنّ الشهيد ممّن ذهب إلى أنّ الوجوب وضعي لا تكليفي و استدلّ عليه بقوله: «إنّ اشتراط ما سيوجد، أمر منفصل عن العقد، و قد علّق عليه العقد، و المعلّق على الممكن ممكن، و هو معنى قلب اللازم جائزا أي عند التخلّف».

يلاحظ عليه: ما ذا يريد من كون المعلّق عليه أمرا ممكنا؟ فهل يريد كونه أمرا ممكنا في مقابل المحال

و الواجب بالذات، فهذا صحيح و لكن لا صلة له بالبحث،. و إن أراد أنّه بعد غير واجب التحصيل بحكم أنّ العقد معلّق عليه.

فهو خلط بين الشرط الفقهي و الشرط الأصولي، فالذي لا يقع تحت التحصيل هو الشرط الأصولي كما إذا قال: «بعتك هذا بهذا بشرط أن تخيط لي ثوبا إن جاء زيد» و من المعلوم أنّ مجي ء زيد أمر ممكن، و المعلّق على الممكن ممكن فلو لم يجئ ليس عليه شي ء.

و أمّا الشرط الفقهي و هو الفعل الموضوع على عاتق المشروط عليه، فهو ليس أمرا ممكنا أي غير واجب تحصيله، بل يجب تحصيله كما يجب تسليم الثمن و المثمن.

أضف إليه: أنّ الانشاء غير معلّق على الشرط، و إنّما المعلق هو المنشأ فإيجاب البيع مطلق، و البيع المقيد بخياطة الثوب هو المنشأ، فالمقيد مع قيده واقعان تحت الانشاء و البعث، و معه كيف يكون الشرط أمرا ممكنا غير واجب التحصيل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 512

الثاني: جواز إجبار المشروط عليه على إنجاز الشرط:

قد عرفت في المسألة السابقة أنّ في وجوب الوفاء بالشرط قولين:

أحدهما: انّه لا يجب الوفاء تكليفا و إنّما فائدة الشرط، هي جعل العقد معرضا للزوال عند التخلّف، و عليه لا موضوع للبحث عن معنى تجويز الجبر عليه عند الامتناع و عدمه.

و ثانيهما: وجوب الوفاء تكليفا و عليه تترتب هذه المسألة و هي جواز الاجبار عند الامتناع و عدمه، و ليس المراد من الاجبار إقدامه بنفسه بل المراد إرجاع الأمر إلى الحاكم الشرعي حتى ينتصف منه له.

و في المسألة أقوال أربعة: من جوازه مطلقا، نسبه الشيخ إلى ظاهر جماعة، و عدمه كذلك و هو ظاهر تحرير العلّامة، و ثالثة: التفصيل بين كون الشرط متعلّقا بمصلحة المتعاقدين كالتضمين و الرهن و

ايجاد صفة، و بين غيره كعتقه في سبيل اللّه، فيجوز في الأوّل دون الثاني، و رابعة: عكس ذلك، فالاجبار في حقوق اللّه دون حقوق الناس.

و الحق هو الأوّل، لأنّ وجوب الوفاء ليس حكما تكليفيّا صرفا بل تكليفا يستتبع حكما وضعيّا و حقّا للمشروط له فيجوز له الاجبار ضرورة أنّ لكل ذي حق، إجبار من عليه الحق على ادائه من غير فرق بين تعلّقه بمصلحة المتعاقدين أو لا حتى مثل العتق و الوقف للّه سبحانه، إذ ربّما يتعلّق غرض البائع، من البيع بعتقه و جعله وقفا، فعندئذ يملك الشارط على ذمّة المشروط عليه حقّا، و هو أن يقوم بالاعتاق، و الوقف للّه سبحانه، و لأجله يجوز له الاجبار و إن كان ما يقوم به،

المختار في أحكام الخيار، ص: 513

هو العمل للّه سبحانه، و إلى ما ذكرنا يشير الشيخ بقوله: «لعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط، فإنّ العمل بالشرط ليس إلّا كتسليم العوضين، فإنّ المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط، فيجبر على تسليمه» «1».

ثمّ إنّ جواز الاجبار على القول بوجوب الوفاء أمر واضح إنّما الخفاء في التفكيك، إذ كيف يكون الوفاء بالشرط واجبا على المشروط عليه لصالح الشارط، و لكن لا يجوز للشارط الاجبار، و في كلام المحقّق الثاني ما يصلح لأن يكون وجها له قال: إنّ للبائع (الشارط) طريقا آخر للتخلّص و هو الفسخ (فلا تصل النوبة إلى الاجبار).

يلاحظ عليه: أنّ القول بأنّ كون الخيار مانعا عن جواز الاجبار، أشبه بالقول بأنّ تضمين الغاصب، مانع عن جواز الدفاع عن المال.

و قد أجاب عنه الشيخ الأعظم: بأنّ الخيار شرّع بعد تعذّر الاجبار دفعا للضرر.

و لعلّ وجهه: أنّ تشريع الخيار، و

قلب اللزوم إلى الجواز، لأجل دفع الضرر المتوجّه إلى المشروط له، و مع جواز الاجبار له، لا ضرر حتى يستدعى الخيار، و قلب اللزوم إلى الجواز.

يلاحظ عليه: أنّ امتناع المشروط عليه من القيام بالواجب موجب للضرر، و يدفع بأحد الأمرين: الاجبار، و التسلّط على الخيار، فلما ذا يقدم الاجبار على الخيار و يقال: بأنّ الخيار شرّع بعد تعذّر الاجبار دفعا للضرر مع أنّهما في درجة

______________________________

(1)- المتاجر: 285.

المختار في أحكام الخيار، ص: 514

واحدة. هذا من غير فرق بين كون جواز الاجبار أمرا عقلائيا أمضاه الشارع أو كان كالخيار من آثار جريان قاعدة «لا ضرر»، و على كلّ تقدير فكما أنّ الخيار ليس مقدّما على الاجبار و هكذا العكس بل للشارط أن يختار ما شاء، و سيوافيك وجهه في المسألة الآتية و أنّهما طريقان عرضيان لا طوليان.

الثالث: في ثبوت الخيار مع القدرة على الاجبار و عدمه:

اشارة

كان محور البحث في المسألة الثانية هو جواز الاجبار و عدمه، فثبت جوازه خلافا لمن لا يراه جائزا بحجّة أنّ الخيار يغنيه عن الاجبار. و أمّا الكلام في المقام فإنّما هو في أنّهما عرضيان، أو طوليان و أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التمكّن من الاجبار فيكون مخيّرا بينهما أم لا يجوز له الفسخ إلّا مع تعذّر الاجبار؟ و الأوّل هو خيرة التذكرة و الثاني هو خيرة الشهيد في الروضة و اختاره الشيخ الأعظم قائلا بأنّه «لا يعرف للخيار مستند مع التمكّن من الاجبار لأنّ مقتضى العقد المشروط، هو العمل على طبق الشرط اختيارا أو قهرا» و قد عرفت كلامه في المسألة السابقة من أنّ الخيار شرّع بعد تعذّر الاجبار.

و الظاهر هو الأوّل: لما تقدم غير مرّة من أنّ المدرك الوحيد للخيار في غير ما ورد فيه النص

هو بناء العقلاء، و الخيار عند العقلاء، مترتّب على تخلّف الشرط و هو حاصل.

و أمّا قوله: مقتضى العقد هو العمل على طبق الشرط اختيارا أو قهرا فغير واضح، فإنّ الاختيار و القهر خارجان عن مدلول العقد، و التعهّد منصرف إلى التبادل بالطرق المألوفة من الثبت في الدفاتر و المحاضر و الاستعداد للتسليم و التسلّم، و أمّا القول بتنفيذه بالطرق الجبرية فغير متبادر، و مع ذلك يجوز الاجبار

المختار في أحكام الخيار، ص: 515

لأنّه بحكم وجوب الوفاء صار محقّا على ذمّة المشروط عليه، و مقتضاه جواز التمسّك بكلّ وسيلة محلّلة توصله إلى استيفاء حقّه.

دليل نافي الخيار مع القدرة على الاجبار:

استدل السيّد الطباطبائي في تعليقته على عدم الخيار مع القدرة على الجبر بأنّ الخيار على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورد الضرر و هي غير جارية في صورة امكان الاجبار أو أنّ مدركه الاجماع، و القدر المتيقّن منه هو غير مورد القدرة كما لا يخفى

يلاحظ عليه: أنّ مدركه هو بناء العقلاء على الخيار عند التخلّف و هو حاصل و ذلك لأنّ التعهّد من كلّ من الطرفين كان مشروطا لبّا بالوفاء بالمعاملة بتمام أجزائه و خصوصياته، فإذا تخلّف أحد المتعاقدين لم يكن هناك دليل على لزوم الوفاء.

فإن قلت: إذا كان التعهّد مشروطا بالتعهّد المتقابل فإذا انتفى الشرط يلزم انتفاء أصل التعهّد و بطلان المعاملة لا الخيار.

قلت: إنّ الشرط لم يكن قيدا لأصل التعهّد و الالتزام بل كان قيدا لوجوب العمل به، فالحكم بأنّه يجب عليه البتة، كان مقيّدا بقيام الآخر بنفس ما قام الآخر به، و مع التخلّف لا يتوجّه إليه تكليف.

و الظاهر أنّ الخيار لا يختص بالتخلّف في خصوص الشرط فلو تخلّف في جانب تسليم العوض أو المعوّض، فله الخيار

أخذا بحكم العقلاء على المبنى الذي عرفت.

المختار في أحكام الخيار، ص: 516

نعم قال الشيخ الأعظم: إنّ هذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين ليجوز للآخر الفسخ، لأنّ كلّا منهما قد ملك ما في يد الآخر و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه، فيجبران على ذلك.

يلاحظ عليه: أنّ العقد كان مشروطا بالتبادل لبّا، فلو تخلّف، فلا ملزم لتسليم ما لديه بحجّة أنّه ماله، و لعلّه لخفاء الفرق بين المقام و الشرط، أمر الشيخ- قدّس سرّه- بالتأمّل.

ثمّ إنّ الشرط إمّا لا يحتاج إلى إنشاء كالخياطة أو يحتاج، و على الثاني إمّا أن يكفي فيه الانشاء و إن لم يكن فيه تقرّب، أو يحتاج إليه فتكون الأقسام ثلاثة، ففي الأوّل إذا استنكف عن العمل يجبر على اعطائه أجرة المثل، و في الثاني يتوقّف حصول النتيجة على انشائه، فلو انشأ كفى و إلّا قام الحاكم مقامه لسلطانه على الممتنع فينشئ الحاكم بيع دار المتخلّف من العمل بالشرط. و على الثالث، يجبر بنفس العمل، كدفع الزكاة و الصدقة، و تسقط نيّة القربة و تحتمل نيابة الحاكم عنه في ذلك و له وجه.

الرابع: في حكم الشرط المتعذّر قبل العقد و بعده:

اشارة

و قبل الخوض في تحليل المسألة نذكر صورها فإنّ الوقوف على صورها نصف معرفتها كما نقل عن السيد الطباطبائي بصورة كلّية «1»:

إنّ الشرط المتعذّر إمّا أن يكون وصفا من أوصاف الكمال كالكتابة في العبد المعين، أو فعلا من الأفعال كاشتراط بيع شي ء عليه. و على كلا التقديرين.

______________________________

(1)- و قلنا أيضا: انّ معرفة الأقوال في المسألة نصف الاستنباط.

المختار في أحكام الخيار، ص: 517

إمّا أن يكون متعذّرا قبل العقد كاشتراط الكتابة الممتنعة حين البيع، أو اشتراط بيع شي ء معيّن عليه فبان كونه تالفا

قبل العقد.

أو يكون متعذّرا بعد البيع كما إذا باع حنطة كلية و تعهّد أن تكون حمراء فنفدت الحنطة الحمراء بعد البيع في السوق قبل الاعطاء، أو اشترط خياطة ثوب معيّن فسرق الثوب قبل اجراء الخياطة. فهذه صور المسألة الأربع و يبحث عن الجميع ضمن «قسمين»:

القسم الأوّل: التعذّر قبل العقد:

المقصود هو الوصف أو الفعل المتعذّر قبل العقد، ففيها احتمالات ثلاثة ندرّس كل واحد تلو الآخر:

1- إمضاء العقد و أخذ العوض إذا كانت له قيمة ككتابة العبد و خياطة الثوب، و المراد أخذ قيمتها أو أجرتها السوقية.

و ردّه السيّد الطباطبائي في تعليقته على المقام، بأنّ أخذ العوض فرع تملّكه لذلك الوصف أو لذلك الفعل بالاشتراط المذكور و المفروض عدمه لعدم وجوده أو عدم وجود موضوعه فلا معنى لتملّكه حتى ينتقل إلى البدل و في الحقيقة الشرط الكذائي باطل «1».

يلاحظ عليه: أنّ الامعان في كلامه يعطي أنّ الوصف المتعهد في القسم الأوّل وصف للمبيع الشخصي و في القسم الثاني وصف للمبيع الكلي، و أمّا الفعل هو تعهد في الذمة بإجراء عمل في شي ء خاص و على ذلك نقول: انّه لا مانع من أن يملك المشروط له العمل المتعهد به في ذمّة المشروط عليه، و إن كان مورد العمل

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 130.

المختار في أحكام الخيار، ص: 518

هو الشي ء الخاص.

كما أنّه لا مانع من أن يملك الوصف المفقود في المبيع الشخصي لكن بتبع مالكيته للموصوف، و وجود الموصوف كاف في اعتبار مالكية المشروط له للوصف و إن لم يكن موجودا و إن أبيت إلّا عن البطلان في الوصف، فلا أرى مانعا من أن يملك العمل- كجميع الشروط الفقهية- في ذمة المشروط عليه، و لو عجز عن القيام به ينتقل

إلى القيامة.

نعم الاشكال في أخذ العوض، هو أنّ المشروط عليه، تعهّد القيام بالفعل في صورة الامكان لا مطلقا، حتى و لو كان متعذّرا، و عندئذ تسقط مطالبة القيامة أو الأجرة و يتعيّن الارش، أي دفع ما تسلّمه منه ليقوم بالفعل عند التمكّن، فإذا لم يتمكّن عن القيام بالتعهّد ينفسخ العقد بالنسبة إليه و يستحقّ أصل ما دفعه و هو ربّما يكون أزيد أو أنقص أو مساويا مع القيامة.

2- كونه مخيّرا بين الامضاء بلا ارش و معه و بين الفسخ، و هذا هو الذي اختاره العلّامة في خصوص التعذّر و الصيمري في الأعم من التعذّر و التخلّف.

3- ما اختاره المشهور من كونه مخيّرا بين الامضاء و الفسخ، و وجه ذلك ما ذكره الشيخ الأعظم بأنّ المقابلة عرفا و شرعا بين المالين و التقييد أمر معنوي لا يعدّ مالا و إن كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده و عدمه.

و لما كان ما ذكره منافيا لثبوت الارش في أوصاف الصحّة قال: إنّ ثبوت الارش في أوصاف الصحّة لأجل النص فبقيت أوصاف الكمال تحت القاعدة، أعني: عدم تعلّق الارش لغير المالين.

و أورد عليه السيد الطباطبائي بما هذا حاصله: أنّ الوصف و الشرط و إن لم يكونا مقابلين بالعوض في مقام الانشاء إلّا أنّهما مقابلان به في عالم اللب لأنّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 519

المفروض أنّ للوصف و الشرط قسطا من الثمن بمعنى أنّهما موجبان لزيادة قيمة العين و نقصانها، و مقتضى هذه المقابلة جواز الفسخ و جواز الارش بمعنى استرداد المقدار الذي زيد لأجلهما في العوض. لا بمعنى بطلان المعاملة بذلك القدر كما في تخلّف الجزء لأنّه فرع المقابلة في عالم الانشاء و المفروض عدمه، بل

بمعنى جواز استرداد ما يساوي ذلك المقدار في عالم اللب على ما بيّنوه في خيار العيب من نسبة التفاوت بين القيمتين إلى الثمن و الأخذ بمقدار النسبة «1».

و هو- قدّس اللّه سرّه- قد ذبّ ببيانه هذا بعض الاشكالات التي أثارها الشيخ الأعظم على القول بجواز أخذ الارش فراجع كلامه.

يلاحظ عليه: بما سبق منّا من أنّه ليس في المقام إلّا معاوضة حسّية انشائية، و ليس عن المعاوضة اللبية عين، و لا أثر بين العقلاء، فليس للمعاملة ظاهر و باطن، و لو فرضنا وجود المعاوضتين فتأثير الوصف أو الشرط لبّا لا يزيد عن تأثّر الدواعي الباعثة على البيع بأزيد، و من المعلوم أنّ تخلّف الداعي لا يؤثّر شيئا و مثلها ما هو الدخيل في ارتفاع القيامة في الضمير. فلا بد من دراسة المسألة و اثبات صحّة أخذ الارش بطريق آخر. و هو:

أنّ من لاحظ المعاملات الرائجة بين الناس، يقف على أنّ الثمن يقسط على كل ما له دخل في المرغوبية حتى الإناء و الغلاف، فضلا عن الشروط و الأوصاف التي ربّما يشترى لأجلها، و تكون هي المطمح في مقام الانشاء فكيف يقسّط الثمن على الأعيان دون هذه.

و ما ذكره الشيخ من أنّ التقيّد أمر معنوي و إن كان صحيحا لكن القيود أمور مخصوصة و ملموسة سواء كان القيد بيع شي ء من أمواله للبائع أو ايجاد فعل

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 130. لاحظ أيضا ص 425.

المختار في أحكام الخيار، ص: 520

كالخياطة أو شيئا ثالثا، فكلّها ملموسات و متشخّصات في الخارج فلما ذا لا تقابل بالمال، فالشروط المذكورة في العقود، أو المبنيّ عليها العقد، تخصّص لأنفسها قسطا من الثمن في مقام الانشاء، و إن لم يتشخّص القسط

بالدقّة و الخصوصية، فلو تعذّر الشرط، فلما ذا لا يكون استرداد ما دفعه في مقابله مطابقا للقاعدة.

نعم تبقى هنا أسئلة أو اشكالات لازمة للذب:

ألف- لو كان الثمن مقسّطا على الأوصاف و الشروط، يلزم بطلان المعاملة في المقدار الذي يقابله من الثمن، مع أنّهم لا يحكمون بذلك و يحكمون بالبطلان في خصوص تخلّف الأجزاء كما إذا باع صبرة من الحنطة بما أنّه مائة منّ، فبان خمسين منّا، أو باع ما يملك و ما لا يملك حيث يبطل فيما لا يملك.

يلاحظ عليه: أنّ المعاملة في المقدار الذي يقابل الجزء أو الوصف أو الشرط، تكون باطلة مطلقا و يتلقّاها العرف ظلما على المشروط له إذا لم يكن هناك ما يجبر ضرره.

فيحكمون ببطلان المعاملة في المقدار الذي يقابل الجزء المفقود من الحنطة أو ما لا يملك، و أمّا الباقي فتكون صحّته متزلزلة من كلا الجانبين لتبعّض الصفقة للمشتري من جانب المثمن و للبائع من جهة الثمن، و مثله المقام فالمعاملة تبطل فيما قابل الجزء و تكون صحّة الباقي أي الفاقد للشرط صحّة متزلزلة فالمشتري مخيّر بين أمور ثلاثة:

1- الردّ، لأجل كون الموجود غير المقصود.

2- الرضا بالموجود، مع استرداد ما قابل الشرط الذي بطلت المعاملة فيه و يكون للبائع عندئذ الخيار لتبعّض الصفقة عليه من جانب الثمن.

المختار في أحكام الخيار، ص: 521

3- ابراء ذمته عن ما قابله من الثمن، و هذا ما يقال: له أن يمضى بلا أرش.

و بالجملة: لا فرق بين فقدان العدل كما إذا باع ما يملك مع ما لا يملك، و فقدان الأجزاء كالحنطة إذا باعه بما أنّه مائة منّ، فبان أقل، و المشروط أو الموصوف، إذا تعذّر الشرط أو الوصف، ففي الكل تبطل المعاملة بالمقدار

المقابل، و صحّة الباقي تكون متزلزلا في الجميع.

ب- لو كان جزء من الثمن مقابلا مع الشرط أو الوصف المفقودين، لزم أن يكون الارش من نفس الثمن.

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع من الالتزام به كما إذا طلب المقرض عين ما أقرضه إذا كان باقيا.

ج- لو كان الثمن مقسطا على الجميع، يلزم اشتغال ذمّة البائع به من أوّل الأمر.

يلاحظ عليه: أنّه يلتزم به و أنّ ذمّة البائع مشغولة بما أخذه في مقابله مع أنّه لم يدفع عوضه، و لأجل ذلك لو أمضى مع الارش و رضى المشتري به يكون مطابقا للقاعدة.

و لو فسخه لكان حقّا لكون المقصود مغايرا للمعقود.

و لو أمضى بلا أخذ الارش لقد أبرأ ذمّته عنه.

و نحن لا نرى في كون أخذ الارش مطابقا للقاعدة شيئا مخالفا للقواعد، إلّا أنّ ذهاب المشهور على الخلاف صار سببا لتوقّف المحقّقين و عدم الجرأة على المخالفة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 522

القسم الثاني: إذا كان التعذّر عارضا بعد العقد:

قد عرفت حكم التعذّر قبل العقد، و أنّه ليس هناك شي ء إلّا أخذ الارش لا التفاوت و القيامة السوقية، إنّما الكلام إذا عرض التعذّر بعد العقد، فهو على قسمين:

1- إذا كان الشرط ملكيّة عين بعد ثبوت ملكيّتها بالشرط للمشروط له، فما ذا حكمه فهل يؤخذ فيها الارش أو العوض و القيامة.

ربّما يحتمل الثاني بحجّة أنّ العين دخلت في ملكه و ملكها المشروط له فإذا تعذّرت يجب دفع قيمتها و عوضها لا الارش، أعني: المقدار الذي قابلها من الثمن في مقام المعاملة.

يلاحظ عليه: أنّه و إن ملكها لكنها تلفت قبل القبض فيدخل في القاعدة المعروفة كل مبيع قد تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و معنى ذلك انفساخ العقد عند التلف، و وقوع التلف في ملك

البائع، و عند ذلك يجب دفع ما قابله من الثمن و هو عبارة أخرى عن الارش.

2- إذا كان الشرط فعلا سواء كان مقوّما في حدّ ذاته كاشتراط عتق عبده، أو لا كاشتراط بيع ما له على البائع بمثل الثمن: فهل مقتضى القاعدة الارش أو العوض؟ الظاهر هو الثاني، و ذلك لأنّ البحث في المتعذّر لا المتخلّف، و المشروط له و إن ملك نفس الفعل في ذمّة المشروط عليه، و مقتضى القاعدة القيام بالعمل أو بدفع عوضه أي قيمته السوقية و هي الأجرة الرائجة، و لكن لما كان تعهّد المشروط عليه محدّدا بحدّ الامكان، لا بحدّ التعذّر و الامتناع فعند ذلك تنفسخ

المختار في أحكام الخيار، ص: 523

المعاملة بالنسبة إلى المتعذّر فيجب على المشروط عليه دفع ما أخذه منه و هو الارش.

و بذلك يعلم أنّ المتعيّن في صورة التخلّف أي عدم قيام المشروط عليه بالخياطة مع التمكّن هو دفع الأجرة لأنّه ملكها في ذمّته، فإمّا أن يقوم بها بنفسها أو ببدلها.

و بذلك يعلم ضعف ما حكي عن الصيمري من عطف التخلّف على التعذّر.

الخامس: فيما إذا تعذّر العمل بالشرط:

اشارة

إذا باع داره، و اشترط عليه خياطة ثوب، أو استنساخ كتاب و لكن تعذّر العمل بالشرط.

فلو كانت العين باقية و لا مباعة و لا مرهونة، فله الفسخ و استرداد العين، و أمّا إذا لم يمكن استردادها بوجه من الوجوه الثلاثة إمّا للتلف أو لخروجها عن ملك المشروط عليه، أو جعلها رضا، فهل يصح الفسخ أو لا؟ و هذا هو الذي دعانا إلى البحث عن صور ثلاثة:

الصورة الأولى: فيما إذا تلف المبيع:

إذا تلفت العين حقيقة أو حكما كما إذا غصبها غاصب أو غرقت في البحر و تعذّر العمل بالشرط، فهل الخيار باق أو لا؟ ربّما يقال بانتفاء الخيار سواء قلنا بأنّ الخيار يتعلّق بالعين أم يتعلّق بالعقد، أمّا الأوّل فواضح، لانتفاء موضوع

المختار في أحكام الخيار، ص: 524

الخيار، و أمّا الثاني فالموضوع- أي العقد الثاني- و إن كان باقيا لكن الغاية من الخيار هو إعمال الفسخ باسترجاع العين، و المفروض كونها تالفة. فتكون النتيجة سقوط الخيار إمّا لعدم الموضوع، أو لعدم ترتّب أثر عليه و هو اعماله بالفسخ لعدم امكان الاسترجاع.

يلاحظ عليه: أنّ الاشكال لا يختصّ بهذا المقام، بل هو اشكال جار في خياري الغبن و العيب إذا تلف المبيع، فقد أوضحنا حال الاشكال و أجبنا هناك و قلنا: إنّ الخيار على قسمين: قسم منه- حسب الاستظهار من الأدلّة- يتعلّق بنفس العينين بمعنى السلطة على تراد العينين قانونا، فإذا تلفت العين أو العينان، فلا موضوع للتراد، و ذلك مثل خيار المجلس و خيار الحيوان، و قسم منه يتعلّق بنفس العقد و المبادلة الانشائية و التعهّد القانوني الذي له بقاء كبقاء سائر الأمور الاعتبارية و لا ينتفي إلّا بأحد الأسباب، و الخيار في المقام و في الغبن، و العيب متعلّق

بنفس العقد، و لذي الخيار، السلطة على نقض العقد، و المبادلة الانشائية، و هو متمكّن منه لبقاء العقد عرفا و قانونا فموضوع الخيار هو العقد لا العين و هو رهن بقاء العقد، لا بقاء العين بل بقاؤها و تلفها غير مؤثّر في بقاء الخيار و ارتفاعه.

فإذا قام باعمال الخيار ينظر إلى الامكانيات الموجودة فإن كانت العين موجودة تردّ نفس العين، و إن كانت تالفة أو كالتالفة يرجع فيه بحكم العقلاء إلى البدل، فإن كان مثليا فيرّد المثل، و إن كان قيميّا فتردّ القيامة.

و هذا كما إذا أتلف الغاصب مال الانسان و هو ضامن لاداء العين و لكنّه لا ينافي الانتقال إلى المثل و القيامة عند عدمها، و بالجملة فكون الموضوع هو العقد و الغاية من الفسخ نقض العقد، أمر، و كيفية الخروج عن اداء ما لذي الخيار أمر

المختار في أحكام الخيار، ص: 525

آخر، و ليس اعمال الخيار رهن الأمر الثاني، فالخروج عنه أمر عقلائي يتبع فيه حكم العقلاء و هو ردّ المثل في المثلي و القيامة في القيمي.

نعم إذا كان يرجى إخراج المال المغروق من البحر بسهولة فله أن يمتنع عن قبول البدل و يصبر إلى الوصول بنفس العين.

الصورة الثانية: فيما إذا أخرجه عن ملكه:

إذا تصرّف فيها المشروط عليه بأحد التصرّفات المخرجة عن الملك كالبيع لازما أو جائزا، و هذه الصورة تنقسم على قسمين:

ألف: إذا تصرّف قبل طروء التعذّر فلا شكّ في صحّة التصرّفات و ليس للشارط اجبار المشروط عليه بنقض العقد الثاني حتى و لو كان عقدا جائزا، و ذلك لأنّه كان مالكا للبيع ملكية تامة غير مشوبة بشي ء فكانت التصرّفات منه صحيحة صادرة من أهلها و واقعة في محلّها، فإذا فسخ المشروط له يرجع فيه إلى

حكم العقلاء في ذلك الظرف و الإمكانيات الموجودة و ليس حكمه فيه إلّا الرجوع إلى البدل مثليا أو قيميا.

ب: إذا كان التصرّف بعد طروء العذر و ثبوت الخيار للمشروط له، فقد ذكر السيد الطباطبائي فيه احتمالات سبعة نذكر بعضها:

* الصحّة و الانتقال إلى البدل سواء كان التصرّف لازما أم جائزا.

* الحكم بصحّة ذلك التصرّف لكن للشارط فسخه.

* الفرق بين اللازم و الجائز، ففي الثاني يجوز الزام المتصرّف بالفسخ دون

المختار في أحكام الخيار، ص: 526

الأوّل.

* الحكم بالانفساخ من الأصل بمعنى الانكشاف عن عدم الانعقاد و إن كان في ظاهر الشرع محكوما بالصحّة إلى زمان الفسخ.

* الحكم بالانفساخ من حينه.

و لا يخفى أنّ الاحتمالات الثلاثة الأخيرة ضعيفة جدّا، و ذلك لأنّ انفساخ العقد الثاني بلا سبب أمر غير معقول، و أمّا مع السبب فهو يرجع إلى القول الثاني و الاحتمال المعتد به هو الأوّل أي الصحّة مطلقا، و الثاني أي الصحّة إذ لم يفسخ المشروط له، و لكن المتعيّن هو الأوّل، لأنّ تصرّفه في المبيع لم يكن تصرّفا غير قانوني، لأنّ المفروض أنّه كان مالكا للعين و لم يتعلّق بها حق الغير كالرهانة و غيرها و قد باع و له هذه الصلاحية، فلما ذا لا يكون صحيحا و ليس للمشروط له إجباره على نقض عقده بعد كونه صادرا عن أهله و واقعا في محلّه.

الصورة الثالثة: فيما إذا صار متعلّقا لحق الغير:
اشارة

إذا تصرّف فيها على نحو صارت متعلّقة لحق الغير كالرهن فبما أنّ العين باقية غير خارجة عن الملك، فله الفسخ، غاية الأمر لمّا كانت العين متعلّقة لحق الغير له مطالبة البدل حتى يتيسّر الوصول إلى ملكه.

هذا كلّه فيما إذا تعذّر الشرط و لم يكن التعذّر منافيا للوفاء بالشرط، و أمّا لو

كان منافيا للوفاء بالشرط كبيع ما اشترط وقفه على البائع، فهذا يخرج من التعذّر و يدخل في التخلّف الذي نبحث عنه تاليا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 527

إذا كان العقد الثاني منافيا لنفس الاشتراط:

كان الكلام في السابق في تصرّف المشروط عليه تصرفا غير مناف للاشتراط، و كان الاشكال مركزا على امكان تأثير فسخ المشروط له في ابطال العقد الأوّل و عدمه، و قد عرفت أنّه غير مؤثّر إلّا في استحقاق الرجوع إلى البدل و أمّا المقام فالبحث مركّز على أمرين:

أحدهما: ذلك أي في امكان تأثير الفسخ في إبطال العقد الأوّل.

ثانيهما: انّ العقد الثاني بما أنّه مناف لنفس الاشتراط هل يصح أو لا، كما إذا باع داره من زيد، و اشترط عليه أن يبيع كتابه منه فباعه من غيره، فهل العقد الثاني صحيح أو لا.

و بعبارة ثالثة: الاشكال هناك من جهة واحدة و في المقام من جهتين أمّا الجهة الأولى فقد مضى الكلام فيه و بقي الكلام في الجهة الثانية، و ربّما يقال بالبطلان بوجهين:

1- تعلّق النهي بالعقد الثاني المقتضي الفساد.

يلاحظ عليه: أنّه ليس في المقام إلّا أمر واحد و هو الوفاء بالعقود و الشروط، و ليس هنا نهي شرعي متعلّق بالبيع الثاني اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ العقد الثاني، ضد الوفاء بالشرط و الأمر به مقتض للنهي عن ضدّه و هو ضعيف لما بيّن في محلّه من عدم صحّة ذلك الاقتضاء.

2- إنّ العقد الثاني، مصداق لتضييع حق الغير و هو حرام قطعا، فيكشف عن تعلّق النهي به فيكون باطلا.

يلاحظ عليه: أنّ النهي إنّما يكشف عن الفساد إذا تعلّق بنفس المعاملة بما

المختار في أحكام الخيار، ص: 528

هي هي أو بأثرها و أمّا إذا تعلّق بعنوان ينطبق عليها فلا ملازمة

بينه و بين الفساد فيكون كالنهي وقت النداء.

نعم لا شك في كونه حراما تكليفا إذا لم يسبقه اذن فإن سبق الاذن فهو بمنزلة إسقاط حقّه، و إلّا فيقع موقوفا على إجازته فيكون أشبه ببيع العين المرهونة، لتعلّق حق المرتهن به و وجه الفرق بين هذه الصورة و الصور المتقدمة، هو أنّ المالكية كانت في السابق طلقا و لم يكن نقص فيها فصحّ له أن يتقلّب في ملكه كيف شاء، و أمّا المقام فقد تملّك شيئا تعلّق به حقّ الغير فليس له أن يتقلّب فيه كيف شاء و لو كان منافيا لحقّ الغير، و لأجل ذلك قلنا انّه متوقف على اذن الغير.

إذا تصرّف المشروط له في العين:

إذا تصرّف المشروط له فيما انتقل إليه، و كان له خيار تعذّر الشرط، فهل التصرّف يكشف عن رضاه بالبيع و سقوط خياره أو لا؟ تقدّم الكلام في مثله في خياري الحيوان و العيب و قلنا لو كان التصرّف كاشفا نوعا عن الرضا، يسقط خياره، فلاحظ.

السادس: في جواز اسقاط الشرط للمشروط له:

يجوز للمشروط له اسقاط شرطه إذا كان الشرط، شرط فعل غير متحقّق بعد، كالخياطة بخلاف شرط النتيجة الحاصل بنفس العقد، ككون الحمل ملكا له عند بيع الدابة، فلا مجال للاسقاط لصيرورته مالكا للحمل.

و قد استثنى منه مثل شرط الوقف كما إذا قال بعتك بشرط أن توقفه للفقراء، و ذلك لاجتماع حقوق ثلاثة فيه حق للمشروط له لتعلّق غرضه بهذا الأمر

المختار في أحكام الخيار، ص: 529

المطلوب، و حق للّه، حيث يجب عليه، الوقف تقرّبا إليه سبحانه، و حق للفقراء و انتفاعهم به.

و لكن الظاهر كون الحق واحدا و هو حق المشروط له، و أمّا ما يرجع إلى اللّه فليس إلّا حكمه سبحانه على العمل بالشرط و هو الوقف للّه و هو حكم لا حقّ.

و أمّا الفقير فهو ينتفع بتحقق هذا الشرط و ليس طرفا للحق.

و نظيره إذا نذر اعطاء دينار للفقير المعين، و تخلّف، فليس للفقير الاجبار بما أنّه طرف الحق و متعلّقه و إنّما هو ينتفع به.

نعم لو عمل بالشرط و وقف المبيع، يكون الموقوف عليه طرفا للحق و له مطالبة غلة الموقوفة و اقامة الدعوى على المانع، إذا كان الموقوف عليه شخصيا.

و أمّا إذا كان الشرط هو الوقف للفقراء على الوجه الكلّي، فليسوا أطرافا للحق، قبل العمل بالشرط، و إنّما هم المنتفعون و أمّا بعده فبما أنّ الموقوف عليهم الفقراء بالوصف الكلّي فليس لفقير خاص مطالبة الواقف

بغلة الموقوفة، و إنّما هو وظيفة الحاكم فيجبره على العمل بالوقف من باب الحسبة.

السابع: فيما هو المستثنى من قاعدة عدم التقسيط:

لمّا ذهب الشيخ الأعظم و من تبعه إلى أنّ الشرط من حيث هو شرط لا يقسّط عليه الثمن عند انكشاف التخلّف، عقد المسألة السابعة لبيان ما يستثنى من هذه الضابطة و هو الشرط المتضمّن لجزء المبيع كأن يقول بعتك هذه الأرض على أن تكون كذا ذراعا، فبان أقل منه.

و لمّا كان المختار عندنا عدم صحّة الضابطة و أنّه لا فرق بين الأجزاء و الصفات، و في الصفات لا فرق بين وصف الصحّة و وصف الكمال طوينا الكلام عن البحث عن هذه المسألة و نبدأ البحث في المسألة التالية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 530

هل الشرط الفاسد مفسد للعقد أو لا؟

إنّ عنوان البحث يحكي عن محلّ النزاع و هو أنّه إذا تحقّق العقد بأركانه و لكن تضمن شرطا فاسدا فهل فساد الشرط يسري إلى العقد أو لا؟ و أمّا إذا كان فساد الشرط موجبا لتسرّب الخلل إلى نفس العقد فهو خارج عن محل البحث، و بعبارة أخرى: أنّ محل النزاع في افساد الشرط الفاسد بما هو شرط فاسد، للعقد و عدمه- مع كونه جامعا للشرائط في نفسه- و أمّا إذا صار فساد الشرط موجبا لخروجه عن كونه جامعا للشرائط فهو ليس بموضع بحث. و إليك بعض الأمثلة:

1- إذا كان الشرط منافيا لمقتضى العقد بحيث يرجع إلى إنشاء المتناقضين.

2- إذا كان الشرط مستلزما للدور.

3- إذا كان الشرط مستلزما لعدم تمشّي القصد إلى البيع الجدّي كما قيل فيما إذا باعه بثمن نقد و شرط بيعه ثانيا منه بنفس ذلك الثمن، فقد مرّ أنّ العلّامة، قال بأنّه مستلزم للدور أو لعدم تمشّي القصد.

4- إذا كانت جهالة الشرط موجبة لحدوث الجهل بوجود المبيع أو وصفه أو القدرة على التسليم على نحو يجعل البيع غرريا، كما

إذا باع و شرط تسليم المبيع في قلّة جبل أو في واد غير ذي زرع فلا شكّ في كونه مفسدا لتسرّب الخلل إلى شرائط العوضين، و هذا بخلاف ما إذا لم تكن الجهالة موجبة لواحد منها.

و بالجملة البحث مركّز على كون فساد الشرط مفسدا أو لا مع الصيانة على سائر الأمور و إلّا فلو لم تكن الأمور المعتبرة محفوظة فهو خارج عن البحث.

المختار في أحكام الخيار، ص: 531

و كما أنّ هذه الصور من الشروط خارجة عن البحث، و كذا الصورة التالية.

5- إذا كان الشرط فاسدا و لكن لم يذكر في العقد، و لم يكن مبنيّا عليه، فلا شك أنّه غير مفسد لعدم دخله في المعاملة فدخل كل شرط فاسد تضمّنه عقد متكامل الأركان من غير فرق بين شرط و شرط.

نعم ورد النص بالبطلان في بعض الشروط نظير اشتراط جعل الخشب صنما «1». و لو لا النص كان حال هذا الشرط كسائر الشروط صحّة و فسادا، نعم ربّما صار بعضهم إلى تطبيق النص على القاعدة حتى و لو قلنا بأنّ الفاسد لا يفسد بأنّه يلزم علينا القول بالافساد فيه. لأنّ البائع حصر بالشرط الانتفاع بالمبيع في المحرّم و خلّى المبيع عن المنفعة المحلّلة حسب الشرط، و لازم هذا بطلان المعاملة بخلاف ما إذا اشترط فعل حرام لا دخل له في كيفية الانتفاع من الثمن أو المثمن.

يلاحظ عليه: أنّه لا بدّ في صحّة البيع من اشتمال المبيع بالذات على منفعة محلّلة مقصودة للعقلاء، و لكن حصر الانتفاع في المحرّم إنّما يؤثّر في حصر المنفعة إذا كان صحيحا، لازم الوفاء، و إذا كان الشرط فاسدا و غير لازم العمل لا يكون سببا لحصر الانتفاع في المحرّم، و

يكون البيع صحيحا لاشتمال المبيع بالذات على منفعة محلّلة مقصودة.

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى دراسة المسألة فقد حكيت الصحّة عن الاسكافي و الشيخ و ابن البراج و ابن سعيد كما حكي الفساد عن العلّامة و الشهيدين و المحقّق الثاني.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12 الباب 41 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1- 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 532

أدلّة القائلين بالفساد:

اشارة

استدل القائل بالفساد بوجوه ثلاثة:

[الوجه] الأوّل: أنّ للشرط قسطا من العوض مجهولا،

فإذا سقط لفساده، صار العوض مجهولا. و قد أورد عليه الشيخ وجوها:

1- أنّ المقابلة إنّما وقعت بين الثمن و المثمن، و الشرط و إن كان مؤثّرا في زيادة الرغبة و نقصانها و لكنّه لا يقابل بجزء من العوضين سواء أ كان الشرط الفاسد في ناحية المعوّض أو العوض.

2- انّ شرط الفعل إنّما هو كوصف الصحّة، و كما أنّ التفاوت بين المتّصف و المجرّد مضبوط فهكذا التفاوت بين الثمن المجرّد عن الشرط و المقارن معه معلوم كما إذا باع عبدا بشرط العتق بسبعين دينارا و لكنّه بلا هذا الشرط يساوي بثمن آخر معلوم لدى العرف.

3- انّ الجهالة طارئة و القادح كونه عند الانشاء مجهولا.

يلاحظ عليه: أنّ الاجابة الأولى مبنية على القول بعدم تقسيط الثمن على الشرط و هو خلاف فرض المستدل و خلاف المختار، و الأولى أن يقال: ما ذا يريد من الجهالة؟!

فهل المراد أنّ الثمن عند الانشاء مجهول، و هو مردود لأنّ الثمن عبارة عن خمسين دينارا مع ما انضمّ إليها من الشرط و هو جزء الثمن، و ليس الثمن ما يقابله من النقود، حتى يكون جزء الثمن لأجل سقوط الشرط عن الاعتبار مجهولا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 533

و إن أراد أنّ جزء الثمن هو ما يقابله و هو مجهول، ففيه- مضافا إلى كونه معلوما غالبا- أنّه غير لازم لأنّ دليل معلومية العوضين لا تدل على أزيد من كون العوض معلوما، و أمّا معلومية ما انضمّ إلى الثمن من الشرط من حيث مقدار المقابلة فغير لازم، و إلّا تبطل أكثر المعاملات لأنّ قيمة كل جزء من حيث المقابلة غير معلومة.

و إن أراد أنّه بعد اسقاطه الشرط عن الاعتبار، تبيّن

أنّ الثمن كان هو مجرّد الخمسين دينارا، مع أنّه في نظر المتقابلين غير ذلك.

فيلاحظ عليه: أنّ الجهل و إن كان صادقا بمعنى الاعتقاد المخالف للواقع، لكن المراد من مانعية الجهل هو الجهل البسيط أي الشاك في العوض لا الجهل المركّب.

على أنّه على القول بالارش لا يكون الاعتقاد المذكور جهلا مركّبا بل الثمن هو المركّب، غاية الأمر لا يسلم نفس الشرط و إنّما يسلم معادلة من الارش.

[الوجه] الثاني: إنّ التراضي إنّما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص

فإذا تعذّرت الخصوصية لم يبق التراضي لانتفاء المقيد بانتفاء القيد و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل فالمعاوضة بين الثمن و المثمن بدون الشرط معاوضة أخرى محتاجة إلى تراض جديد و إنشاء جديد، و بدونه يكون التصرّف أكلا بالباطل.

يلاحظ عليه: أنّ تصحيح العقد الفاقد للشرط يتوقّف ثبوتا و اثباتا على أمرين:

1- يكون الفاقد نفس الواجد في نظر الناس و المتعاملين، غير أنّ الثاني يفقد

المختار في أحكام الخيار، ص: 534

بعض أوصافه الصحّية أو الكمالية.

2- إنّ الانشاء كما يشمل الواجد، يشمل الفاقد أيضا.

أمّا الأوّل: فلأنّ الأوصاف على قسمين قسم يعد ركنا و يكون ارتفاعه موجبا لانقلابه إلى مباينه، فلو قال بعتك هذه الصبرة على أنّه كذا حنطة، فبان كذا ارزا فلا يمكن تصحيحه بالارش و الغرامة و لو رضي الطرفان، لا يعد هذا تحقيقا للمعاملة السابقة بخلاف ما إذا قال: بعتك هذه الصبرة على أنّها حنطة صفراء فبانت حنطة بيضاء، فلو قبل الثانية يعد القبول تجسيدا للمعاملة السابقة و لا تعد معاملة جديدة.

و أمّا الثاني: فلأنّ الانشاء مع كونه أمرا بسيطا له انبساط على الأجزاء و الأوصاف و الشرائط، مثل الأمر المتعلّق على الأجزاء و الشرائط، فإذا سقط الأمر بجزء أو شرط لنسيان أو اضطرار، يكون بقاء الأمر على

الباقي موافقا للقاعدة و مثله المقام، فإذا منع الشارع من تنفيذ الشرط يكون منعه بمنزلة تضييق انبساط الانشاء فلا يعدّ شمول الانشاء للفاقد أمرا مخالفا للقاعدة.

نعم إنّما يتمّ هذا البيان إذا دلّت العمومات أو غيرها على صحّة العقد، فيكون كاشفا عن تضييق الانشاء لا عن اسقاطه عن حدّ الاعتبار.

[الوجه] الثالث: الروايات التي يستظهر منها فساد العقد لفساد شرطه

و نذكر منها روايات ثلاث:

1- صحيحة عبد الملك بن عتبة «1» قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السلام- عن الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع منه متاعا على أنّ ليس عليّ منه وضيعة هل

______________________________

(1)- رجال السند كلّهم ثقات غير الأخير، فالرواية صحيحة إليه، و أمّا عبد الملك فقد وثّقه العلّامة في الخلاصة، فلو قلنا باعتبار توثيقات المتأخّرين فتدخل الرواية تحت الصحاح.

المختار في أحكام الخيار، ص: 535

يستقيم هذا؟ و كيف يستقيم وجه ذلك؟ قال: لا ينبغي «1».

و الاستدلال به يتوقّف على ثبوت أمور ثلاثة:

1- الشرط الوارد في الرواية «ليس عليّ منه وضيعة» شرط فاسد.

2- المقصود من «لا ينبغي» هو الحرمة المتعلّقة بالعقد.

3- النهي عن العقد دليل الفساد.

أمّا الأوّل فيقرّر فساده بأنّ النفع و الضرر تابعان للمال فمن كان يملك المال، يملك النفع و يتحمّل الخسران لا من لا يملكه، و لكنّه جعل الشرط، ورود الخسران على غير المالك.

يلاحظ عليه: أنّه من المحتمل أن يكون الشرط جبر البائع ضرره و خسرانه كما هو الرائج لا ورود الضرر عليه مستقيما. فلا يكون الشرط فاسدا.

أمّا الثاني: فلأنّه لو لم يكن ظاهرا في الحرمة، لكان محمولا على الكراهة، فموضوعها إمّا العقد و هو لا يجتمع مع الصحّة فكيف يكون صحيحا و في الوقت نفسه مكروها، و إمّا الوفاء بالشرط، و هو باطل لأنّه آية المروة و الكرامة فكيف يكون

مكروها.

يلاحظ عليه: انّا نختار الثاني، أي كون العقد مكروها و كم من عقود صحيحة مكروهة، كبيع الأكفان و سائر المكاسب المكروهة.

أمّا الثالث: فلأنّ النهي عن عقد يشمل على مثل هذا الشرط دليل على أنّ المولى لا يعترف به في محيط التشريع فيكون مساوقا للفساد.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 35، من أبواب أحكام العقود، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 536

يلاحظ عليه: ما تقرّر في الأصول من أنّ النهي إنّما يلازم الفساد إذا تعلّق بنفس المعاملة أو بأثره، و أمّا إذا كانت المعاملة مشروعة و تضمّنت شرطا فاسدا فربّما يكون النهي ارشاد إلى فساد الشرط أو دليلا على الحرمة تكليفا، لافساد العقد.

2- خبر الحسين بن المنذر «1» قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: يجيئني الرجل فيطلب العينة فأشتري له المتاع مرابحة ثم أبيعه إيّاه، ثمّ اشتريه منه مكاني قال: إذا كان بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع، و كنت أنت بالخيار، إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر، فلا بأس. فقلت: إنّ أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسد و يقولون إن جاء به بعد أشهر صلح. قال: إنّما هذا تقديم و تأخير و لا بأس «2».

يظهر وجه الاستدلال بتوضيح فقرات الحديث:

1- «العينة» بمعنى بيع الشي ء إلى أجل بزيادة على ثمنه مقابل انتظار الثمن، و في النهاية زيادة: «ثم الاشتراء منه بأقل من الثمن».

2- قوله «فاشتري له المتاع» لا دخل له في الحكم و لو كان موجودا عنده يكون له نفس الحكم و إنّما ذكر لبيان عدم فعلية المتاع و للتنصيص بأنّه باعه بأكثر ممّا اشترى، ثمّ اشترى بأقلّ ممّا باع.

3- قوله «مرابحة» في بعض النسخ المصحّحة جاءت تلك اللفظة بين

«أبيعه» و «إيّاه» فقال: «أبيعه مرابحة إيّاه» أي بثمن أزيد ممّا اشتريته، و هذا أيضا

______________________________

(1)- رجال السند غير الأخير من الثقات و أمّا الأخير فلعلّه من الممدوحين.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 537

لا دخل له في المسألة.

4- المقصود من «ثم اشتريه منه مكاني» هو الاشتراء فورا بأقل مما باعه منه.

كما صرّح به في رواية علي بن جعفر الآتية و ما جاء في الرواية من الحيل الشرعية لأكل الربا إذ تكون النتيجة انّ البائع يدفع عشرة دنانير و يأخذ بعد شهرين اثنا عشر دينارا فتتّحد نتيجته مع الربا القرضي.

5- إنّ قوله: «إن كان بالخيار إن شاء باع ...» انّ الصحّة المستفادة من قوله: «لا بأس» مختصّة بما إذا لم يكن هناك أيّ اشتراط لاشترائه منه ثانيا و إلّا يكون فيه بأس و منع.

و أمّا وجه المنع فهو فساد الشرط الموجب لفساد المشروط.

ثمّ إنّ الشيخ ذكر في ردّ الاستدلال أجوبة ثلاثة لا تسكن إليها النفس، و الأولى أن يقال- بعد تسليم دلالة-: «البأس على الحرمة و الفساد» إنّ وجهه عدم وجود الجدّ للبيع بين المتعاملين و الغرض الواقعي لهما هو دفع الفائض و أكل الربا لكن بصورة البيع و الشراء، و إلّا فلو كان هناك غرض آخر، و كان البيع و الانشاء عن جدّ فلا تعمّه الرواية.

3- رواية علي بن جعفر عن أخيه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ثمّ اشتراه بخمسة دراهم أ يحل؟ قال: إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس «1».

و قد ظهر الجواب عن الاستدلال بما ذكرناه في الحديث المتقدّم.

إلى هنا ظهر أنّه ليس للمانع دليل مقنع

و إليك دراسة أدلّة القائلين بالصحّة.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6.

المختار في أحكام الخيار، ص: 538

أدلّة القائلين بالصحّة:

اشارة

قد تعرّفت على عدم صحّة ما استدل به على البطلان، و الآن نبحث عن أدلّة القائلين بالصحّة و قد استدلّوا بوجوه نكتفي منها بوجهين:

[الوجه] الأوّل: ما ذكره الشيخ من عموم الأدلّة و اطلاقها،

اشارة

أعني: قوله سبحانه:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ بتقريب أنّ العقد صادق على الواجد و الفاقد، و ارتفاع الشرط لا يخلّ بالعقد، و قد تعاهد الطرفان على مبادلة مال بمال، و هما محفوظان و إن فقد أحدهما الشرط و بذلك تظهر صحّة التمسّك بقوله: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، لأنّ البيع هو المبادلة بين المالين المحفوظين.

[إشكال]

يلاحظ عليه: أنّ الشرط لا يخلو من أحد أمور ثلاثة:

ألف: كونه قيدا للانشاء.

ب: كونه قيدا للمنشإ أي البيع المقيّد بكذا و كذا.

ج: كونه قيدا للمبيع أي المبيع المقيّد بشرط كذا.

و بما أنّ الأوّل موجب للتعليق فهو خارج عن مصبّ البحث، فتعيّن كونه قيدا لأحد الأمرين، فعلى القول بأنّ الآيتين من قبيل القضايا الحقيقية فلو قلنا بأنّ القيد يرجع إلى المنشأ يكون المنشأ أمرا واحدا، و هو البيع مع هذا الشرط، و لو قلنا بأنّه راجع إلى المبيع يتعلّق الانشاء الواحد على المبيع المقيّد فإذا خرجا عن تحت العموم و الاطلاق لأجل فساد قيده، كيف يجوز التمسك بهما لاثبات صحّة العقد المجرّد عن الشرط، و توهّم «أنّ كلّا من العقد، و العقد مع الشرط مصداقا مستقلّا للعقد، فإذا خرج الثاني بقى الآخر» غير تام، لأنّ المفروض أنّه ليس هناك

المختار في أحكام الخيار، ص: 539

إلّا إنشاء واحد، و بالتالي ليس إلّا منشأ واحد فإذا تعلّق الانشاء الواحد على مبيع مقيّد، و فرضنا خروج المنشأ أو المبيع المقيّدين فلا يبقى شي ء تحت العام.

[دفع الإشكال]
اشارة

هذا هو الاشكال في المقام و يمكن دفعه بوجهين:

[الوجه] الأوّل:

انّ الانشاء و إن كان أمرا واحدا إلّا أنّ له انبساطا على المقيّد و القيد، فإذا فسد الشرط و رفضه الشارع، يتضيّق الانشاء و ينسحب عن القيد، فلا يعد بقاء العقد على المقيّد بلا قيد، أو المشروط بلا شرط، عقدا جديدا و بيعا ثانيا، خصوصا إذا وافقه العرف، و دلّت عليه الروايات الآتية. هذا من غير فرق بين أن يتعلّق البيع بعناوين كليّة مع قيوده كالحنطة الحمراء، فدفع إليه الحنطة السوداء، أو تعلّق البيع بمبيع خارجي موصوف أو مشروط بقيد، سواء كان الشرط راجعا إلى المبيع أم كان شرطا فقهيا يطلب من المشتري أو البائع القيام به، فإنّ لانبساط الانشاء على المقيّد و قيوده، تأثيرا خاصا في بقائه و عدم عدّه عقدا و بيعا جديدا، فإذا دلّ الدليل على بطلان الشرط فإنّما يرفع اليد عن نفس القيد، لا المقيّد مع القيد، كما هو الحال في اجراء البراءة عند الشك في أصل جزئية الشي ء أو شرطيته أو جزئيته أو شرطيته عند النسيان، فالدليل يرفع الجزئية أو الشرطية من دون أن يمس كرامة الباقي و مثله المقام.

[الوجه] الثاني:

التفريق بين وقوع العقد على الأعيان و الكلّيات فيصحّ في الأوّل، لأنّ الشرط الموجب للتقييد لا يزيد على التوصيف، و لا اشكال في أنّ البيع المتعلّق بالعين الموجودة الموصوفة بوصف، صحيح عند فقد الوصف مع ثبوت خيار تخلّف الوصف فيه لأنّ الانشاء تعلّق بالخارج الموجود، و لا يوجب التوصيف تعدّده، و فقد الوصف لا يوجب عدم تعلّقه بالموجود، فلا محالة يقع صحيحا

المختار في أحكام الخيار، ص: 540

خياريا، بخلاف ما لو بيع الكلّي الموصوف، فإنّ كل قيد يلحق بعنوان كلّي يوجب تعدّد العنوان إذ العنوان الموصوف بوصف، يخالف فاقده

«1».

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 540

يلاحظ عليه: أنّه قاصر عن اثبات الصحّة مطلقا، كما اعترف بذلك- قدّس سرّه- و الأولى في اثباتها في تمام الموارد التمسّك بانبساط الانشاء على الجميع، فإنّ ما دلّ على بطلان الشرط يوجب تنقيص الانشاء و انسحابه عن الشرط لا انسحابه عن الكلّ، كما هو الحال فيمن باع ما يملك و ما لا يملك بكلا قسميه.

[الوجه] الثاني: الاستدلال بروايات خاصّة:

و قد استدلّ على عدم افساد الشرط الفاسد بروايات نأتي ببعضها:

1- روى ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عن الشرط في الاماء لا تباع و لا توهب؟ قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنّها تورث لأنّ كل شرط خالف الكتاب باطل «2».

فلو شرط في البيع أن لا تورث الأمة، فالشرط باطل و العقد صحيح حسب ظاهر الرواية.

2- روى سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة و لم يشترط الميراث؟ قال: ليس بينهما ميراث، اشترط أو لم يشترط «3».

______________________________

(1)- المتاجر قسم الخيارات: 5/ 247 بتصرّف.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 6، من أبواب الخيار، الحديث 3.

(3)- المصدر نفسه: ج 14، الباب 32، من أبواب المتعة، الحديث 7.

المختار في أحكام الخيار، ص: 541

فلو تزوّج المرأة بمتعة و شرط الميراث، يصحّ العقد دون الشرط، و هذا معنى عدم كون الشرط الفاسد مفسدا.

3- حديث بريرة حيث اشترتها عائشة و أعتقتها، و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا عليها أنّ لهم ولاءها، فقال رسول اللّه: الولاء لمن اعتق «1».

4- فالرواية تدلّ على أنّ العتق كان صحيحا و تستلزم صحّتها صحّة البيع

المشتمل على الشرط الفاسد فلو كان مفسدا لما صحّ البيع و لا العتق.

5- رواية زرارة قال: إنّ ضريسا كانت تحته بنت حمران فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى أبدا، في حياتها و لا بعد موتها ... فسأل الإمام الصادق- عليه السلام- فأجاب للزوج: لك الحق، اذهب و تزوّج و تسرّ فإنّ ذلك ليس بشي ء، و ليس عليك و لا عليها «2».

[الوجه] الثالث: الاستدلال بدليل عقلي

و هو أنّ صحّة الشرط فرع صحّة البيع فلو كان الحكم بصحّة البيع موقوفا على صحّة الشرط لزم الدور، و بما أنّ الدور باطل ينتج أنّ صحّة البيع لا يتوقّف على صحّة الشرط فلو كان الشرط فاسدا لا يفسد البيع.

يلاحظ عليه: أنّ لصحّة الشرط معنيين:

أ- كونه صحيحا في حدّ نفسه من دون ملاحظة كونه جزء من عقد.

ب- صحّته بما أنّه جزء في العقد الصحيح.

فكونه صحيحا بالمعنى الأوّل يتوقّف على عدم كونه مخالفا للكتاب و السنّة

______________________________

(1)- الوسائل: ج 14، الباب 52، من أبواب نكاح العبيد، الحديث 2.

(2)- المصدر نفسه: ج 15، الباب 20، من أبواب المهور، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 542

و عليه تتوقّف صحّة العقد و لكن لا تتوقّف صحّة الشرط عليه. فظهر أنّ التوقّف من جانب واحد و هو: توقّف صحّة العقد على كون الشرط في حدّ ذاته صحيحا و هو موقوف على عدم كونه مخالفا للكتاب و السنّة من دون أن يتوقّف هو على صحّة البيع.

فصارت النتيجة أنّ صحّة الشرط بالمعنى الأوّل موقوف عليه و صحّة البيع هو الموقوف.

نعم صحّة الشرط بالمعنى الثاني أي بما أنّه جزء العقد يتوقّف على صحّة العقد المنبسط على الكل و صحّة الكل لا تتوقّف على صحّة الشرط بهذا المعنى و

إنّما تتوقّف على صحّة الشرط بالمعنى الأوّل.

ثبوت الخيار في الشرط الفاسد:

قد تعرّفت على وجود الخيار للمشروط له إذا تخلّف المشروط عليه عن القيام به أو عدم وجوده في المبيع. و إنّما الكلام في ثبوته في الشرط الفاسد عند التخلّف و محلّ الكلام فيما إذا كان هناك تخلّف كما إذا شرطا النتيجة و كان فاسدا كملكية الخنزير و الخمر، أو شرط الفعل كجعل العنب خمرا و هو بعد لم يقم به. لا ما إذا لم يصدق التخلّف كما إذا جعل العنب خمرا. قولان: ذهب الشيخ الأعظم إلى عدم الخيار قائلا: بأنّ مدرك الخيار الاجماع و قاعدة لا ضرر.

أمّا الاجماع فالقدر المتيقّن منه هو التخلّف عن الشرط الصحيح و أمّا قاعدة لا ضرر فإنّ الشارط امّا عالم بفساد الشرط أو جاهل مقصّر، فالعالم مقدم على الضرر، و القدر المتيقّن من القاعدة نفي الضرر غير الآتي عن تقصير المتضرّر.

المختار في أحكام الخيار، ص: 543

يلاحظ عليه: أنّ دليل الخيار في غير خياري المجلس و الحيوان هو بناء العقلاء و هم لا يفرّقون بين الشرطين، إذا كان هناك تخلّف مع جهل الشارط بالحكم و ذلك لأنّ المشروط له و إن تعاهد مع المشروط عليه و لكن كان تعاهده على البيع مع شرط خاص فإذا الغى الشارع القيد الخاص و انسحب الحكم من الأكثر إلى الأقل فللمشروط له أن يتوقّف في لزوم الوفاء قائلا بأنّ التعهّد كان واقعا على الأكثر و أصبح الآن واقعا على الأقل فليس هذا عين ذاك بل أقل من ذلك، فلا يعتبر هذا التراجع نقضا للعهد و لا يمسّ كرامته فلأجل ذلك له أن يفسخ عهده بحجّة عدم العمل بما تعاقدا عليه.

غير أنّ الأمر الباعث للتوقّف في المسألة عدم

الاشارة إلى الخيار في الروايات المتقدّمة. بل في بعضها اشارة إلى عدم الخيار حيث قال: و ليس عليك و لا عليها.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الروايات ليست بصدد بيان الخيار، و إنّما هي بصدد نفي صحّة الشرط و أمّا قوله: «و ليس عليك و لا عليها» فإنّما هو لأجل خصوصية المورد، و هو النكاح الذي لا يقبل الخيار بالذات.

اسقاط الشرط الفاسد بعد العقد:

إذا قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد فهل يفيد اسقاطه بعد العقد أو لا؟

ربّما يقال بالصحّة بناء على أنّ التراضي إنّما حصل على العقد المجرّد عن الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد.

و أورد عليه الشيخ أنّ التراضي إنّما ينفع إذا تعلّق بما وقع عليه العقد أو لحق العقد السابق كما في بيع المكره و الفضولي. و أمّا إذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه

المختار في أحكام الخيار، ص: 544

العقد فلا ينفع لأنّ متعلّق الرضا لم يعقد عليه و متعلّق العقد لم يرض به.

يلاحظ عليه: أنّ للعقد الفاسد بقاء عرفيا و عقلائيا و لم يكن فساده لأجل فقد المقتضي و إنّما كان لوجود المانع فإذا أزيل المانع مع كمال الاقتضاء فلا وجه للبطلان.

نعم لو كان بطلانه لفقد المقتضي كان لما ذكر وجه.

و أمّا قوله إنّ متعلّق العقد لم يرض به، فمنظور فيه لأنّ متعلّقه هو البيع و المبادلة، و قد رضي له.

نعم لم يرض بتمام المنشأ بل ببعضه فإذا كان للمنشإ أجزاء قابلة للتفكيك عرفا فلو رضى بالمهم و الأركان و لم يرض بالتابع، يصدق عليه أنّه رضى بالمنشإ و إن لم يرض بتمامه.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم طرح أمرين و ذيّلهما السيد الطباطبائي بمسائل أخر لا أرى البحث عنها أمرا مهمّا فالأولى عطف عنان

البحث إلى فصل مهم و هو البحث عن أحكام الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 545

الفصل الثاني عشر الكلام في أحكام الخيار

اشارة

إرث الخيار، و يقع في ضمن مسائل:

أ- الخيار موروث بأنواعه.

الضابطة في تمييز الحكم عن الحق.

ب- في كيفية إرث الخيار مع تعدّد الورثة.

ج- هل الخيار المجعول للأجنبي يورث أو لا؟

تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ. و تصرّفه فيما انتقل إليه اجازة.

احتمال الفرق بين الخيار المنجز و غيره في جواز التصرّف.

ايجار المبيع في زمان الخيار بدون إذن ذي الخيار.

الاذن في التصرّف.

هل الإذن في التصرّف فسخ؟

يملّك المبيع بالعقد لا به و بانقضاء الخيار.

التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له.

حكم التسليم في زمن الخيار.

عدم بطلانه بتلف العين.

مسألة في ضمان العين بعد الفسخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 547

أحكام الخيار

[الحكم] الأوّل: إرث الخيار

اشارة

و تحقيقه يتم في ضمن مسائل:

المسألة الأولى: الخيار موروث بأنواعه.

اشارة

اثبات الموروثية يتوقّف على ثبوت أمرين:

1- كونه حقّا لا حكما،

فالأوّل يورث في الجملة دون الثاني مطلقا.

2- كونه حقّا قابلا للانتقال.

و لو لا ثبوتهما، لما أفادت العمومات الواردة في الكتاب و السنّة في موروثية ما تركه الميّت، و إليك البحث عن الأمرين بعد بيان الفرق بين الحقّ و الحكم.

الضابطة في تمييز الحكم عن الحقّ:

إنّ من المباحث البديعة في الفقه الإسلامي، تقسيم ما خوّل إلى الانسان إلى الحق و الحكم و الفارق بينهما أخذ السلطة و اعمال القدرة في مفهوم الأوّل، و مجرّد جواز الفعل و الترك في مفهوم الثاني. فترى الفرق الواضح بين حقّ القصاص، و جواز شرب الماء و أكل اللحم، فيتضمّن الأوّل، السلطة و اعمال القدرة، قال سبحانه: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ

المختار في أحكام الخيار، ص: 548

مَنْصُوراً (الاسراء/ 33) و في الوقت نفسه يقول: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لٰا تُسْرِفُوا (الأعراف/ 31).

هذه هي الضابطة الكلّية في التعرّف الاجمالي على الحق و الحكم. و نستعين في تمييز أحدهما عن الآخر. بلسان الدليل تارة، و الارتكاز العرفي ثانيا، و الاجماع ثالثا، و آثاره الشرعية رابعا، فإنّ الحكم لا يقبل الإسقاط و لا النقل و لا الانتقال القهري، لأنّ كلّ واحد منها، تدخّل في مجال الشرع، و بيده زمام الحكم، و هذا بخلاف الحق فهو يقبل غالبا «1» واحدا أو أكثر من هذه الأمور.

ثمّ إنّ الحق تارة يتعلّق على عين من الأعيان، كحق التحجير، و حقّ الرهانة، و حقّ الغرماء، و أخرى على شخص كحقّ القصاص و حقّ الحضانة و حق القسم، و ثالثة على أمر اعتباري كالعقد الذي له ثبوت و بقاء عرفا «2».

ثمّ إنّ الحقّ من جهة جواز الاسقاط و النقل الاختياري أو الانتقال القهري ينقسم إلى أقسام نشير إليها:

1- ما لا يقبل واحدا من الأمور

الثلاثة، أعني: الاسقاط، و النقل بعوض، و لا الانتقال القهري. كحق الولاية للفقيه فإنّه قائم بعنوان خاص كالفقيه العادل، فلا يقبل النقل لأنّ المنقول إليه إمّا واجد لهذا العنوان أو لا. فعلى الأوّل فهو واجد لذلك الحقّ كلّه فله ولاية تامة، و لا يقبل التكرار، فلا موضوع للنقل.

______________________________

(1)- قلنا: «غالبا» احترازا عن بعض الحقوق التي لا يقبل واحدا منها، كالولاية على الناس، أو الأولاد فإنّها قائمة إمّا بالعنوان كالفقيه أو الشخص كالوالد و الجدّ كما سيأتي.

(2)- و على هذا فالخيار المتعلّق بالعقد اللازم، حق لصاحب الخيار. فله نقض ما أبرم بالسلطان الذي ملكه عن طريق الاشتراط على المشروط عليه و لكن الجواز في العقود الجائزة حكم من الأحكام الشرعية و قد خوّل الفعل و الترك إلى المكلّف كما سيوافيك.

المختار في أحكام الخيار، ص: 549

و على الثاني فهو غير صالح للولاية و مثله حقّ الولاية للأب و الجد فإنّه قائم بالشخص بما أنّه مبدأ لوجود المولّى عليه، فالشخص بهذه الحيثية مورد للولاية لا بدونها. و ربّما يمثّل لهذا القسم بحقّ الوصاية و حقّ الاستمتاع للزوجة و الظاهر قبول الأخير، الاسقاط حقّا لا حكما.

2- ما يقبل الاسقاط دون الأخيرين كحقّ الغيبة و التهمة، نعم يمكن أن يشترط في الاسقاط دفع مال إليه.

3- ما يقبل الاسقاط و النقل الاختياري دون الثالث، كحق القسم، فللزوجة اسقاطه و بذله لضرّتها كما اتّفق في بعض زوجات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما في كتب السيرة.

4- ما يقبل الإسقاط و الانتقال القهري بالارث دون النقل كحقّ الشفعة، و وجه ذلك أنّه قائم بالشريك، فالمنقول إليه بالنقل الاختياري إن كان شريكا في الملك فله مثل ذلك، و إلّا

فلا يثبت له لعدم كونه شريكا، و أمّا الانتقال القهري فهو لأجل أنّ المنتقل إليه يكون شريكا مثله، فينتقل إليه بانتقال المال.

5- ما يقبل الجميع كحقّ القصاص و الرهانة و التحجير.

6- ما لا يظهر حاله من حيث جواز الاسقاط أو النقل و الانتقال و لعلّ منها حقّ الفسخ بالعيوب في النكاح، و حقّ النفقة في الأرقاب كالأبوين و الأولاد و ذلك لأجل احتمال كونهما حكما من الأحكام الشرعية لاحقا بيد صاحبهما.

هذه هي المقدمة التي أشرنا إليها فلنرجع إلى الأمرين اللذين أشرنا إليهما في صدر البحث.

أمّا الأوّل: فلا شك أنّ الخيار حقّ لصاحبه و ليس حكما شرعيا محضا، و يدل

المختار في أحكام الخيار، ص: 550

على ذلك- مضافا إلى الارتكاز العرفي، و أنّه يرى أحد الطرفين نفسه حاكما و الآخر محكوما عليه- ما دلّ على سقوطه بالتصرّف الكاشف عن الرضا «1» و الحكم الشرعي لا يسقط.

و أمّا الأمر الثاني: أعني: كون الخيار حقّا قابلا للانتقال، فنذكر الضابطة حتى يميّز بها الموصوف بالانتقال عن غيره.

1- إذا شكّ في كون شي ء حقّا أو حكما فلا يحكم به، و ذلك للشك في الموضوع.

2- إذا أحرز كون الشي ء حقّا و لكن ثبت أنّ المتعلّق، مقوّم لا مورد، كما في الولاية العامّة و الخاصة للفقيه و الوالد، و الشفعة للشريكين و المضاجعة للزوجين، فلا يحكم به أيضا.

3- إذا أحرز أنّه حقّ و لكن شك في أنّه قابل للانتقال عرفا أو لا، لاحتمال كون المتعلّق موردا أو مقوّما فهو أيضا مثل السابق.

4- إذا ورد النهي الشرعي عن الانتقال بعد كونه قابلا للانتقال عرفا كحقّ القصاص بالنسبة إلى الوارث الكافر مع وجود الوارث المسلم، فيتبع النص ففي هذه الموارد، لا يحكم بالانتقال

لما عرفت.

و أمّا في غير هذه الموارد كما إذا أحرز أنّه حقّ لا حكم، و أحرز أنّ المتعلّق ليس مقوّما بل موردا و كان عند العرف قابلا للنقل و الانتقال و لم يرد في الشرع نهي عنه، فيحكم بالانتقال الشرعي، فيكون الارتكاز العرفي طريقا و مرآة إلى ما لدى الشرع كما هو الحال في الشك في فساد البيع و عدمه، فتحرز الصحّة الشرعية

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1- 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 551

بالصحّة العرفية إلّا إذا منع منه مانع.

و بعبارة أخرى: إنّ هناك طريقا إلى كونه قابلا للانتقال شرعا، و هو ارتكاز العرف و متلقّاه، فهو طريق إلى كونه كذلك عند الشرع كما هو الحال في سائر الموارد، مثلا لا نشك أنّ الممضى هو البيع الصحيح الشرعي، و مثله العقد و الشرط، و الصلح، و لكن من أين نقف على أنّه بيع و عقد و شرط و صلح صحيح شرعا؟ ليس الطريق إلّا كونه كذلك عند العرف، فنستكشف من صحّته عند العرف، كونه كذلك عند الشارع، فتعمّه العمومات و الاطلاقات، و مثله الخيار فإذا حكم العرف بأنّه قابل للانتقال لكفى في استكشاف كونه كذلك شرعا.

و قد صرّح بهذا الأمر الشيخ الأعظم في أوّل المتاجر قبل الورود في بحث المعاطاة.

فإن قلت: إنّ كونه قابلا للانتقال، و إن كان يمهّد الطريق لشمول العمومات و الاطلاقات، و يحرز أنّ موضوعاتها محقّقة محرزة، لكن هذا غير كاف في المقام لأنّا نعلم علما قطعيا بأنّها خصّصت بغير القابل للانتقال شرعا، فإذا شكّ في كونه قابلا للانتقال أو لا، فلا يصحّ التمسّك بها.

قلت: فإنّ هذه العمومات و إن خصّصت بالحق غير القابل للانتقال،

لكن هناك أمارة عقلائية على أنّ هذا الحق داخل في المستثنى منه، لا في المستثنى و هو ارتكاز العرف. هذا فيما إذا شكّ في القابلية للانتقال و عدمه، و أمّا إذا شكّ في كونه منهيّا بالنهي التعبّدي فيكفي في ردّه، الفحص و عدم العثور عليه.

و الحاصل أنّ طبع الحق يقتضي كونه قابلا للانتقال، فتشمله العمومات

المختار في أحكام الخيار، ص: 552

و الاطلاقات الواردة في الكتاب و السنّة، مثل قوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قوله تعالى: لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ (النساء/ 7).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما ترك الميت من حقّ فلوارثه» «1» و لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «المؤمنون عند شروطهم» و لقوله: «الصلح جائز بين المسلمين» فالحق في ظلّ هذه العناوين ينقل إلى الغير أو ينتقل قهرا، إذا صدق عليه عنوان: «ما ترك» و «شروطهم».

ثمّ إنّ للسيد الطباطبائي هناك جوابا آخر عن هذا الاشكال، و حاصله منع ذلك التخصيص، إذ الخارج خصوصيات الحقوق الثابتة كونها مختصّة بأدلّتها الخاصة و لم يخرج عنوان واحد عام، نعم يمكن انتزاع عنوان عام كما في غير هذا المقام، فإنّه يمكن أن يقال: خرج من العمومات، العقود الفاسدة، فمع الشك في الصحّة و الفساد لا يمكن التمسّك بها، و الجواب واحد و هو أنّه لم يخرج عن العمومات شي ء باسم العقود الفاسدة و انّما خرج هذا البيع (الربوي) و ذلك البيع (الغروي) «2».

و حاصله أنّ الشك في المقام يرجع إلى الشك في التخصيص الزائد، فنحن نعلم بأنّه خرج عن تحت العموم، حقّ الولاية، و

الشفعة، و حق المضاجعة، و لكن نشك في خروج حقّ الخيار، فالشك فيه شك في أصل التخصيص فيرجع إلى عموم العام.

______________________________

(1)- الوارد من طرقنا: «من مات و ترك مالا فلورثته أو فللوارث».

لاحظ الوسائل: ج 17، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 4 و 14 و نقله ابن حنبل في مسنده في غير مورد: 2/ 290 و 453 و 456. و أمّا في المتن فلا يوجد في مصدر سوى الكتب الفقهية.

(2)- تعليقة السيّد الطباطبائي، 1/ 56 عند الكلام في تعريف البيع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 553

هذا هو الطريق الذي سلكه السيّد الطباطبائي و قد مضت ملاحظتنا فيه، و أمّا على مسلكنا، فالارتكاز العقلائي طريق إلى كونه باقيا تحت العام، غير خارج عنه، و أمّا إذا شكّ في النهي التعبّدي فالفحص عنه و عدم العثور على المخصّص يكفي في نفيه.

فروع:
الأوّل: قال الشيخ الأعظم، إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال،

فلو استوعب الدين تركة الميت لم يمنع عن انتقال الخيار إلى الوارث.

أقول: هذا مبنيّ على أنّ التركة عند استيعاب الدين لها، لا تنتقل إلى الوارث، فيترتب عليه قوله: إنّ انتقال الخيار و إرثه ليس تابعا لانتقال المال و إرثه، و يكون المقام نظير الفرع الثالث، أعني: إرث الزوجة الخيار فيما إذا مات الزوج عن عقار اشتراه بخيار، فيجري في المقام ما يجري هناك.

و يؤيّد المبنى قوله سبحانه: فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ (النساء/ 12).

حيث إنّ الظاهر أنّ وراثة الوارث للمال، بعد اخراج الوصية و الدين. و يؤيّده بعض الروايات منها، حسنة محمد بن قيس عن أبي جعفر، قال:

قال أمير المؤمنين: إنّ الدين قبل الوصية، ثمّ الوصية، على أثر الدين،

ثم الميراث بعد الوصية «1».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 28 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2، و راجع غيره.

المختار في أحكام الخيار، ص: 554

نعم هناك نظرية أخرى «1» و هي انتقال المال عند الاستيعاب إلى الوارث، غاية الأمر يكون محجورا عن التصرّف بالبيع و الهبة لا عن مثل الخيار الذي ربّما يتم لصالح الوارث، و على ذلك يكون انتقال الخيار تابعا لانتقال المال فيخرج عن كونه مثالا للمقام.

الثاني: لو كان الوارث ممنوعا عن الإرث

لنقصان فيه كالرقيّة أو قتل المورّث أو الكفر، فيكون مانعا عن إرث الخيار، لأنّ الموجب لحرمانه عن المال، موجب لحرمانه من سائر الحقوق.

الثالث: لو كان حرمان الوارث لا لنقصان فيه،
اشارة

بل لتعبّد شرعي كالزوجة بالنسبة إلى العقار و غير الأكبر من الأولاد، بالنسبة إلى الحبوة، فهل ترث الخيار أو لا؟ فيه أقوال أو احتمالات أربعة:

1- [القول الأول]

أنّها ترث الخيار مطلقا.

2- [القول الثاني]

أنّها لا ترث كذلك.

3- [القول الثالث] التفصيل بين كون ما يحرم منه منتقلا إلى الميت بالبيع- كالعقار-، و بين كونه منتقلا عنه،

فترث في الأوّل دون الثاني، مثلا إذا اشترى عقارا بخيار، و مات قبل انقضاء الأجل، تحرم الزوجة عن العين، و لكن لا تحرم عن الخيار، فلها استيفاء حقّها بالفسخ، و ردّ الأرض و أخذ حصتها من الثمن الذي دفعه الميّت إلى المشتري، بخلاف عكسه كما إذا باع عقارا مع الخيار، و أخذ الثمن و مات قبل

______________________________

(1)- يظهر من الشيخ الأعظم في الفرع الذي ذكره في كيفيّة استحقاق الورثة للخيار، اختياره. لاحظ الخيارات: 293. قال: و إن لم يكن الثمن موجودا، لا يمنع ذلك من فسخ الورثة و إن كان للميّت دين مستغرق للتركة، فتأمّل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 555

انقضاء الأجل فليس لها الخيار، حتى ترد الثمن و تستردّ العقار، و هو خيرة الايضاح.

4- [القول الرابع] عدم الجواز في الصورة الأولى

أي مات الميّت عن عقار اشتراه بخيار، و الاشكال في عكسها، أعني: ما إذا انتقل العقار عن الميّت، بخيار له برد الثمن و استرداد العين.

و بما أنّه منع في الأولى و أشكل في الثانية لا يعد هذا القول عكسا للقول الثالث، و معناه أنّه أفتى بالحرمان في الصورة الأولى، و احتمل وجهين في الصورة الثانية، و سيجي ء بيان وجه الاشكال.

هذه هي الأقوال أو الاحتمالات في المقام، و إليك تحليلها ببيان حججها:

حجّة القول الأوّل:

إنّ الخيار لا يتوقّف على كون ذي الخيار مالكا لما يردّ و يستردّ بشهادة أنّه يصحّ جعله للأجنبي، فالأجنبي يفسخ العقد و يردّ ما في يد الموكّل و يسترد ما في يد المقابل من دون أن يكون مالكا و ليست الزوجة بأقلّ من الأجنبي.

ثمّ على هذا القول: إذا فسخ ما انتقل إلى الميّت من العقار يشترك في الثمن المردود بالحصص، و أمّا إذا فسخ فيما انتقل عن الميّت بردّ الثمن و استرداد العقار فهل هي ترث من العقار أو لا؟ سيجي ء بيانه عند نقل حجّة القول الرابع.

يلاحظ عليه: أنّ قياس الزوجة بالأجنبيّ قياس مع الفارق، لأنّ صاحب الخيار من يسترد المال إلى نفسه، أو من هو منصوب من قبله، و بعبارة أخرى:

المختار في أحكام الخيار، ص: 556

صاحب الخيار من يتملّك المردود لنفسه أو لمن نصب عنه و هذا غير موجود في الصورة الثانية أي فيما إذا انتقل العقار من الميت، لأنّها لا تردّه لا إلى نفسها لحرمانها عنه و لا إلى سائر الورثة لعدم كونها وكيلة عنها. نعم يتم في الصورة الأولى أي فيما إذا انتقل إلى الميت فإنّها تشترك مع سائر الورثة في الثمن بحسب الحصص.

نعم لو قلنا بأنّه يشترط وراء تملّك

استرداد المال إلى نفسه، تملّك ردّ المال عن نفسه إلى غيره فلا يتم في الصورة الأولى أيضا لأنّها غير مالكة للعقار حتى تردّ عن نفسها. و لأجل هذين الشرطين ذهب بعضهم إلى الحرمان مطلقا كما هو الحال في القول الثاني.

حجّة القول الثاني:

احتجّ القائل بالحرمان مطلقا بأنّه يشترط في صاحب الخيار أمران: التسلّط على ما يردّ ليتملّك ما انتقل عنه، و التسلّط على استرداده لنفسه، أو إلى من هو منصوب من قبله، و على ضوء ذلك، فهي محرومة عن إرث الخيار مطلقا، أمّا فيما انتقل إلى الميّت فلأنّها ليس لها التسلّط على ما يردّ (العقار)، و أمّا فيما انتقل عن الميت فلأنّها و إن كانت مسلّطة على ما في يدها من الثمن لكنّها ليست مسلّطة على استرداده لا إلى نفسها و لا إلى مالكها.

و بالجملة: إنّ القائل بوجوب التسلّط على ما في يده، أخرج الصورة الأولى عن إرث الخيار فيها، و بوجوب التسلّط على ما في يد الغير، أخرج الصورة الثانية عن إرث الخيار فيها إذ ليس لها التسلّط على العقار المبيع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 557

حجّة القول الثالث:

احتجّ القائل بالتفصيل بين ما انتقل إلى الميّت و ما انتقل عنه، بالوراثة في الأوّل دون الثاني بالبيان التالي:

أمّا حرمانها فيما إذا انتقل عن الميّت فلانتفاء الشرط الذي مرّ في حجّة القول الثاني إذ ليس لها التسلّط على ما في يد المشتري من العقار، و بعبارة أخرى:

ليست مسلّطة على استرداده لنفسها أو لغيرها أمّا إلى نفسها فلحرمانها، و أمّا إلى غيرها فلعدم كونها وكيلة عنه.

و أمّا ثبوته في الصورة الأولى أي فيما إذا انتقل إلى الميّت، فمقتضى القاعدة و إن كانت اشتراط التسلّط هنا أيضا على ما يردّ إلّا أنّ هناك أمرا آخر رخّص عدم رعاية هذا الشرط، و هو أنّه لو ردّت الورثة الأرض و استرجعوا الثمن لشاركتهم فيه، و هذا يدل على وجود حقّ للزوجة في الثمن المنتقل إلى الغير، فلها استيفاؤها بالفسخ.

و بعبارة واضحة: أنّ مقتضى

القاعدة لزوم وجود التسلّط على ما يردّ، و لأجل ذلك لا يصحّ لأجنبي ردّ ما عند المالك إلّا إذا كان وكيلا عنه، و لكن بما أنّ الزوجة تشترك مع سائر الورثة في الثمن المستردّ عند إعمالهم الخيار، يكشف ذلك عن وجود حقّ لها في الثمن فلها الاستقلال في حيازة الحق «1».

______________________________

(1)- إنّ الشيخ ذكر هذا الوجه بعبارة غير واضحة و قال: و يمكن دفعه بأنّ ملك بائع الأرض للثمن لما كان متزلزلا و في معرض الانتقال إلى جميع الورثة، اقتضى بقاء هذا التزلزل بعد موت ذي الخيار، ثبوت حقّ للزوجة، و إن لم يكن لها تسلّط على نفس الأرض.

ثمّ ذكر وجه الفرق بين كون الأجنبي ذا خيار فيشترط فيه التسلّط و بين كون الزوجة ذات خيار فلا يشترط فيها التسلّط، و حاصل الفرق أنّ العقد في الأوّل غير متزلزل إلّا من ناحية الأجنبي فيشترط فيه التسلّط بخلاف المقام فإنّه متزلزل من جانب سائر الورثة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 558

يلاحظ عليه: أنّه تخصيص في القاعدة بلا دليل، إذ لو كان التسلّط على ما في اليد شرطا في تحقّق الخيار أو إعماله، فلا يفرق فيه بين صورة و صورة.

ثمّ إنّه ما ذا يريد من قوله: «من ثبوت حقّ للزوجة عند فسخ سائر الورثة» فإن أراد ثبوت حقّ لها بعد فسخهم، و هذا ما لا نمنعه، و لكنّه لا يثبت ما ادّعاه، و إن أراد أنّ لها الاستقلال بالفسخ قبل فسخهم و استرداد الثمن من بائع الأرض، فهو أوّل الكلام.

حجّة القول الرابع:

احتجّ القائل بالحرمان، فيما إذا انتقل إلى الميت بأنّها غير مسلّطة على ردّ العقار إلى غيرها لتردّ الثمن إلى نفسها، لأنّه عند الردّ ملك للورثة و لكنّه

استشكل فيما إذا انتقل عن الميت و لعلّ وجه الاشكال أنّه لو قلنا بأنّ العقار بعد الفسخ يدخل في ملك الميت ثم ينتقل إلى الورثة، أو قلنا إنّه يصير بعد الفسخ بحكم الأموال الموروثة التي تنتقل إلى غير الزوجة فلا خيار لها، إذ لا تسلّط لها على استرداد ما انتقل عن الميت إلى نفسها، أمّا لو قلنا بأنّ التملّك بالفسخ ليس إرثا و لا بحكمه، و الزوجة إنّما تتلقّى الأرض بالفسخ و تصير مالكة لها فيثبت له الخيار لتسلّطها على استرداد ما انتقل عن الميت إلى نفسها.

هذا ما يستفاد من كلام الشيخ بتوضيح و تنظيم منّا، و أمّا ما هو المختار في المقام فنقول: إنّ القول بارثها للخيار يتوقّف على ثبوت أمرين:

1- عدم وجود المانع من وراثتها للخيار أي اجتماع مقوّمات الخيار، و الغاية المطلوبة منه فيها، و هذا بحث ثبوتي.

المختار في أحكام الخيار، ص: 559

2- وجود عموم أو اطلاق يشمل لارثها من الخيار، كإرثها لسائر الأمور و الأشياء. أمّا الأوّل أي وجود مقوّمات الخيار فيها، فالظاهر عدم قصورها، و ذلك لأنّ الفسخ بالخيار يقابل العقد، فما هو مفهوم العقد، و المعتبر في مقام الانشاء يعتبر ضدّه في الفسخ بالخيار، أمّا العقد فليس يعتبر في مفهومه إلّا إنشاء التبادل، و الترابط الاعتباريين فقط، و عليه لا يعتبر في الفسخ بالخيار، إلّا نقض هذا الترابط و التبادل في عالم الاعتبار.

و أمّا اعتبار التسلّط على التصرّف فيما يردّ أو يستردّ أو اعتبار التسلّط على ردّ ما في يده و استرداد ما في يد الآخر، فليسا من مقوّمات الفسخ بالخيار، بل هما من توابعه و آثاره، تطلب حسب صلاحية المورد.

و على ذلك فلا مانع من إرث الزوجة

الخيار كارثها الخيار في غير العقار، فلها الاقتدار على نقض العهد، و فكّه، و حل التبادل الانشائي و الترابط الاعتباري، و أمّا أنّه ما ذا تكون النتيجة بعد الحل فهو تابع لمقتضى القواعد و الضوابط.

فلو فسخ ما انتقل إلى الميّت من العقار، تكون النتيجة اشتراكها مع سائر الورثة في الثمن تارة كما إذا قلنا بأنّ الفسخ، فسخ من حين العقد و حرمانها منه كما إذا قلنا بأنّ الفسخ، فسخ من حين الفسخ.

فعلى الأوّل يكون المقام أشبه بما إذا ترك الميّت الثمن من أوّل الأمر.

و على الثاني يكون الفسخ بمنزلة تحقّق معاوضة بين الورثة و بائع العقار، فتحرم من الثمن، لأنّ الثمن يدخل في ملك من خرج المعوّض عن ملكه، و العقار خرج عن ملك سائر الورثة، فيدخل العوض في ملكهم و لم تكن الزوجة شريكة

المختار في أحكام الخيار، ص: 560

معهم فيه.

و أمّا لو فسخ ما انتقل عن الميّت بأن دفع الثمن و أخذ العقار، فيجي ء فيه الاحتمالات الثلاثة الماضية «1» عند بيان حجّة القول الرابع.

ثمّ إنّه يتصوّر في المقام وجود موانع عن إرث الخيار:

1- إنّ الخيار سلطة على استرجاع ما انتقل عنه، أو على ردّ ما انتقل إليه، فلو قلنا باشتراط كلتا السلطنتين، تحرم مطلقا. و لو قلنا بلزوم إحداهما لا بدّ من التفصيل الوارد في القول الثالث و الرابع.

يلاحظ عليه: بما عرفت من عدم لزوم التسلّط على الردّ و الاسترداد، و إنّما يكفي التسلّط على الحلّ و النقض.

2- إنّ الفسخ عبارة عن اخراج العوضين عن ملك المتعاقدين و ادخالهما في ملكهما، و هذا المعنى مفقود في المقام.

يلاحظ عليه: بما عرفت انّه لا يعتبر في إرث الخيار و اعماله سوى القدرة على الفسخ،

و أمّا الاخراج و الادخال فإنّما تتبعان الضوابط و القواعد.

3- إنّ الخيار شرّع لجلب المال إلى ذي الخيار، و فيما إذا انتقلت الأرض عن الميّت لا يكون الخيار للزوجة، إذ ليس فيه أيّ جلب مال بالنسبة إليها.

يلاحظ عليه: أنّه لا دليل على هذا الشرط، و ربّما تكمن المصلحة للزوجة في ردّ العقار إلى ملك الورثة، أعني: أولادها. و إن لم يجلب لها مال.

و الحاصل أنّ الخيار شرّع، لجلب المصلحة و التجنّب عن المفسدة، و ربّما

______________________________

(1)- أي قولنا: لو قلنا بأنّ العقار بعد الفسخ يدخل في ملك الميت ...

المختار في أحكام الخيار، ص: 561

تتحقّق مصلحة الزوجة في رجوع العقار إلى ملك أولادها «1» و إن لم يجلب لها المال.

هذا و انّ السيد الاصفهاني ذهب إلى نفس ما اخترناه فقال: «و لو كان الخيار متعلّقا بمال خاص يحرم عنه بعض الورثة كالعقار بالنسبة إلى الزوجة، و الحبوة بالنسبة إلى غير الولد الأكبر، فهل يحرم ذلك الوارث عن الخيار المتعلّق بذلك المال مطلقا؟ أو لا يحرم مطلقا؟ أو يفصل بينهما إذا كان ما يحرم عنه الوارث منتقلا إلى الميّت، و ما كان منتقلا عنه، فيحرم في الثاني دون الأوّل ففيما إذا انتقل العقار إلى الميّت و كان له الخيار ترثه الزوجة بخلاف ما إذا باع العقار، و كان له الخيار، فلا ترثه، وجوه و أقوال أقواها أوسطها» «2».

هذا هو مقتضى القواعد فإن تمت و إلّا فلا مناص عن القول الثاني و هو الحرمان لمناسبات مغروسة في ذهن العرف يوجب انصراف دليل الخيار إلى من له السلطة إلى ردّ ما في يده و أخذ ما في يد الآخر، و كل واحدة من الصورتين فاقدة لواحد من هذين

الشرطين. و بذلك يستغنى عن البحث عن الأمر الثاني أعني وجود اطلاق أو عموم.

المسألة الثانية: في كيفية إرث الخيار مع تعدّد الورثة:

اشارة

إذا ثبت أنّ الخيار حق موروث، يقع الكلام في كيفية إرث الحق الواحد مع

______________________________

(1)- إنّ لشيخ الشريعة رسالة مفردة في تحقيق حال الصورة الأولى- إذا فسخ العقد بعض الورثة لا نفس الزوجة- أسماها ب «ابانة المختار في إرث الزوجة عن ثمن العقار بعد الأخذ بالخيار». و قد طبعت و انتشرت بتقديم منّا.

(2)- وسيلة النجاة: 2/ 32 بحث خاتمة في أحكام الخيار.

المختار في أحكام الخيار، ص: 562

كون الوارث متعدّدا، وجه الاشكال أنّه ليس الحق كالمال، حتى يشترك فيه الأفراد حسب السهام و الحصص، بل هو أمر واحد، فكيف يتسلّط عليه افراد، فلا محيص إمّا عن تكثير الواحد، أو توحيد الكثير، و قد ذهب القوم في حلّ الاشكال إلى مذاهب نشير إليها:

1- [الوجه الأول]

أنّ الحق الواحد يتكثّر حسب تكثّر الورثة، فيستقل كل بالخيار، و لأجل ذلك يقدّم الفاسخ على المجيز، و إن تأخّر الفسخ و ليس ذلك ببعيد، فإنّ حقّ القصاص، و حقّ القذف، و حقّ الشفعة يتكثّر مع تكثّر الورثة.

2- [الوجه الثاني]

أنّ الحق الواحد يتكثّر حسب السهام و الحصص، لا حسب تكثّر الافراد، فكلّ واحد من الورثة يملك خيارا حسب حصته، غاية الأمر لو أجاز الباقون، و فسخ واحد تبعّضت الصفقة على المشتري، فله الخيار.

3- [الوجه الثالث]

أنّ الحق الواحد يرثه مجموع الورثة بما هو هو، فلا يجوز لواحد الاستقلال بالفسخ لا في الكل، و لا في البعض، فلو لم تجتمع كلمتهم على الفسخ لا يؤثّر، لعدم تحقّق الموضوع.

4- [الوجه الرابع]

قيام الخيار بالمجموع بما أنّ المجموع من مصاديق طبيعة الوارث، و الطبيعة كما تتحقّق في ضمن الواحد تتحقّق في ضمن المجموع، و هذا غير القول بقيام الخيار بالمجموع ابتداء، و فرع عليه الشيخ بأنّ لازم ذلك هو كون التأثير للمتقدم من الفاسخ و المجيز، فلو أجاز لم يؤثّر الفسخ، كما أنّه لو فسخ لم تؤثّر الاجازة.

هذه هي الوجوه المتصوّرة، و إليك تحليلها بدليلها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 563

أمّا الوجه الأوّل:

فقد استدلّ له بأنّ ظاهر النبوي «1» و غيره، ثبوت الحق لكلّ وارث لامكان تعدّد من لهم الخيار بخلاف المال الذي لا بدّ من تنزيل مثل ذلك فيه على إرادة الاشتراك، لعدم امكان اجتماع الملاك شرعا لمال واحد، بخلاف الحق.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ النبوي غير ناظر إلى كيفية الوراثة، و إنّما هو في مقام بيان أصل الوراثة للحق و هكذا حال غيره من آية المواريث، و أمّا بيان الكيفية فترك إلى العرف و العقلاء.

و ثانيا: أنّ الحق الموروث حقّ شخصي لا نوعي كلّي، فكيف يتصوّر أن يتبدّل الحق الواحد الشخصي إلى حقوق متعدّدة من دون كسر و تبعّض في الحق.

و بعبارة أخرى: أنّ الوارث يرث نفس ما كان المورّث يملكه، و هو كان واحدا شخصيا، فيبقى على حاله بعد الموت، فهو شخصيّ حدوثا و بقاء، فتوصيفه بالوحدة حيّا و بالتعدّد الحقيقي ميّتا عجيب.

إنّ الأمور الاعتبارية، و إن كانت لا توصف بالاستحالة، لكن ليس الاعتبار أمرا اعتباطيا غير خاضع لقانون عقلائي يراعيه العقلاء في اعتباراتهم، بل يشترط في جميع الاعتباريات العقلائية عدم التناقض في الاعتبار، و إلّا يصير أمرا غير عقلائي، و على ضوء ذلك فلو كان الحق الموروث واحدا شخصيا في عالم الاعتبار، و كان الوارث

يرث نفس ما تركه الميّت، فكيف يتعدّد تعدّدا حقيقيا، و لا محيص في رعاية هذا الشرط عن اعتبار كونه واحدا شخصيا بقاء كما كان كذلك حدوثا، و مع

______________________________

(1)- لاحظ ص 552.

المختار في أحكام الخيار، ص: 564

وحدته في كلتا الحالتين لا يتصوّر تعدّد الحقوق.

نعم للشارع أن يجعل لكل وارث خيارا مستقلّا جعلا ابتدائيا لا جعلا تبعيا للميراث و هو خارج عن موضوع البحث، و لعلّ بعض ما استدلّ به القائل على تكثّر الحقوق من هذا القبيل بمعنى أنّ الكثرة لأجل الجعل الابتدائي من غير كونه تابعا للارث، و إليك تحليل ما استند إليه من الأمثلة الثلاثة.

أمّا حق القصاص، فالظاهر أنّه من قبيل الجعل الابتدائي لكلّ ولي بشهادة قوله سبحانه:

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً (الاسراء/ 17).

فإنّ ظاهر الآية جعل السلطان لمطلق الولي، و هو مطلق الوارث واحدا كان أم متعدّدا، فيكون لكل واحد حقّ القصاص، فلو عفا بعضهم لجاز استقلال الآخر بالأعمال مع أداء سهم غيره من الدية.

نعم يقع الكلام في أنّه إذا توفّي أحد الورثة هل ينتقل حقّ القصاص إلى أولاده أو لا، فعلى الأوّل لا يكون لكل واحد من الورثة حقّا مستقلّا، لما عرفت، إلّا إذا كان هناك جعل مستقل مثل الجعل للطبقة الأولى من الورثة.

و أمّا حق القذف، فالظاهر من الرواية الواردة فيه، أنّه لا يورث، بل هو أيضا من باب الجعل الابتدائي للوارث، قد ورد في موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سمعته يقول: إنّ الحدّ لا يورث كما تورث الدية و المال، و لكن من قام به من الورثة فهو وليّه، و من تركه فلم يطلبه

فلا حقّ له، و ذلك مثل رجل قذف، و للمقذوف أخ، فإن عفا عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقّه لأنّها

المختار في أحكام الخيار، ص: 565

أمّهما جميعا، و العفو إليهما جميعا «1».

و في موثقة السكوني: «الحدّ لا يورث» «2».

فمعنى الحديث مع نفي الوراثة، هو ثبوت الحقّ لكل واحد من الورثة ابتداء و استقلالا من دون أن يرث كل واحد ذلك الحقّ من جانب أمّه، خصوصا إذا كانت الأم ميتة، فلو تعلّق بها حقّ لا ينتقل حقّها إلى الأولاد وراثة، لأنّ الانسان يرث ما للمورّث حال كونه حيّا، لا ما يرجع إليه حال كونه ميّتا إلّا ما خرج بالدليل كما هو الحال في الدية المتعلّقة بالميت، إذا أصابه سهم فالدية تنتقل إلى الورثة حسب النص.

و أمّا الشفعة، فيلاحظ عليه: أنّ ثبوت الارث في حقّ الشفعة محلّ خلاف، فقال المفيد و المرتضى و أبو علي و الشيخ في بيع الخلاف، و ابن إدريس و يحيى بن سعيد، و عدّة من المتأخّرين: إنّ الشفعة تورث مستدلّا بالمرسل: «ما ترك الميّت من حقّ فهو لوارثه» و لكن الشيخ في النهاية و محكي الخلاف هنا و صاحب المهذّب و الوسيلة، و غيرهم قالوا: لا تورث، بل عن المبسوط نسبته إلى الأكثر تعويلا على رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي- عليه السلام- أنّه قال: إنّ

______________________________

(1)- الوسائل: ج 18، الباب 22، من أبواب حدّ القذف، الحديث 1 و 2 و 3، و لاحظ الباب 20، الحديث 3 رواية سماعة، و المقذوف الحقيقي هو الأم، و بسببها يكون الأولاد أيضا مقذوفين، و لأجل ذلك وصف الأولاد أيضا بكونهم مقذوفين. و بذلك يعلم مفاد حديث سماعة:

... فان

كانت أمّه قد ماتت فإنّه وليّ أمرها يجوز عفوه.

نعم ذكر صاحب الوسائل في عنوان الباب لفظ الميراث، و هو يرجع إلى استنباطه و ليس في الروايات، ما يدل على ذلك غير لفظ الوليّ و هو أعم من الوراثة.

(2)- الوسائل: ج 18، الباب 22، من أبواب حدّ القذف، الحديث 1 و 2 و 3، و لاحظ الباب 20، الحديث 3 رواية سماعة، و المقذوف الحقيقي هو الأم، و بسببها يكون الأولاد أيضا مقذوفين، و لأجل ذلك وصف الأولاد أيضا بكونهم مقذوفين. و بذلك يعلم مفاد حديث سماعة:

... فان كانت أمّه قد ماتت فإنّه وليّ أمرها يجوز عفوه.

نعم ذكر صاحب الوسائل في عنوان الباب لفظ الميراث، و هو يرجع إلى استنباطه و ليس في الروايات، ما يدل على ذلك غير لفظ الوليّ و هو أعم من الوراثة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 566

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا تورث الشفعة «1».

و على فرض ثبوت الارث، فالمشهور الذي وصفه صاحب الجواهر بقوله بلا خلاف أجده «2» هو أنّها تورث كالمال، و تقسّط على النصيب، فلو ترك زوجة مثلا و ولدا، فللزوجة الثمن، و للولد الباقي و مع ذلك (أي التقسيط) كيف يوصف تعدّد الحق بكونه اجماعيا؟ نعم ذكر المحقّق بأنّه لو عفا أحد الورّاث عن نصيبه لم يسقط، و كان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع، و فيه تردّد ضعيف.

و على ذلك فما ذكره أخيرا اجتهاد من المحقّق، و إلّا فهو حسب القواعد لا يأخذ إلّا نصيبه.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إذا حاول جميع الورثة أن يأخذوا بالحق فيقسّط الحقّ و أمّا مع عدم إرادة البعض فيبقى الآخر بلا مزاحم فيأخذ الجميع دفعا للضرر،

فتأمّل.

هذا كلّه حول الوجه الأوّل.

و أمّا الوجه الثاني:

فقد أورد عليه الشيخ بأنّ تجزئة الخيار بحسب متعلّقه لم يدل عليه دليل لا النبوي و لا غيره، و غاية ما يستفاد من آية المواريث بعد ملاحظة عدم انقسام المتروك هنا، ثبوت القسمة فيما يحصل بإعمال هذا الحق أو اسقاطه، و أمّا ثبوت الخيار لكل منهم مستقلّا في حصته فلا يستفاد منه.

يلاحظ عليه: أنّه لم يدل دليل على عدم انقسام الحق كانقسام المال، فإذا كان الحق راكبا على العين فالمتبادر عرفا انقسامه حسب انقسامها، و هذا أشبه بانقسام العرض، كالكيف المبصر بانقسام محلّه، فالحكم بانقسام المال دون الحق،

______________________________

(1)- الوسائل: ج 17 الباب 12 من كتاب الشفعة، الحديث 1.

(2)- الجواهر، ج 37، ص 391- 393.

المختار في أحكام الخيار، ص: 567

حكم بلا دليل. ألا ترى أنّ حقّ التحجير الموروث ينقسم حسب اجزاء الأرض و التحجير الواقع عليه، كما أنّ حقّ الرهانة إذا مات المرتهن ينقسم حسب مالكية الورّاث للعين المرهونة، و هذا القول هو الموافق للارتكاز العرفي، و أمّا ما ذكره في ذيل كلامه من ثبوت القسمة فيما يحصل بإعمال هذا الحق أو اسقاطه فلا صلة له بالمقام، لأنّ الكلام في انقسام الحق لا في أحكام الفسخ، إذ لا شكّ أنّ الفسخ يؤدّي إلى ما ذكره.

و أمّا الوجه الثالث:
اشارة

أي ثبوت الحق الواحد للمجموع، فهو خيرة الشيخ الأعظم و سيدنا الأستاذ- قدّس سرّهما- و أقصى ما عندهما في اثباته، هو أنّ حقّ الخيار لا ينحلّ إلى حقوق ضرورة أنّه لم يكن للمورّث إلّا حقّ واحد متعلّق بالمبيع و لم يكن له إلّا فسخ الجميع، أو امضاؤه، و هو بهذا الوصف ينتقل إلى الورثة، فلا تنحلّ إلى حقوق حسب الرءوس أو السهام «1».

يلاحظ عليه: أنّ كلامهما مشتمل على أمرين:

إمّا الأمر الأوّل:

و هو التركيز على أنّه حقّ واحد لا يتعدّد، فهو كلام تام يبطل الوجه الأوّل لا الوجه الثاني، فإنّه على الوجه الثاني أيضا حقّ واحد ينقسم إلى سهام حسب انقسام العين، فمجموع السهام لا يعدو أنّه حقّ واحد، و خيار فارد.

و أمّا الأمر الثاني:

و هو أنّ المورّث كان له امضاء الجميع أو فسخه، و الحقّ بهذا الوصف ينتقل إلى الورثة، فيلاحظ عليه أنّ هذا الوصف لم يتغيّر، فهو باق بصورة أخرى، و هي أنّه لو فسخ بعض الورثة دون بعض فلا ينفذ إلّا مع رضا

______________________________

(1)- الخيارات: 5/ 262.

المختار في أحكام الخيار، ص: 568

المفسوخ عليه، و إلّا فله فسخ المعاملة من رأس لتبعّض الصفقة عليه.

أضف إلى ذلك أنّ ما ذكره (من أنّ له امضاء الجميع أو فسخه) لم يكن من أحكام الخيار، بل من لوازم المورد و خصوصياته، لأنّه إذا كان المالك واحدا، لا يكون له إلّا ما ذكر، و أمّا إذا تعدّد الملاك و تعدّد الحق تبعا، يكون لكلّ ذي حقّ حقّه.

و أمّا الوجه الرابع:

فإليك عبارة الشيخ في حقّه. قال: و هناك معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع، و هو أن يقوم بالمجموع من حيث تحقّق الطبيعة في ضمنه، لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل واحد منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجز الآخر، لتحقّق الطبيعة في الواحد، و ليس له الاجازة بعد ذلك كما أنّه لو أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده، لأنّ الخيار الواحد إذا قام بماهيّة الوارث واحدا كان أو متعدّدا، كان امضاء الواحد كفسخه ماضيا، فلا عبرة بما يقع متأخّرا عن الآخر لأنّ الأوّل قد استوفاه. و لو اتّحدا زمانا كان ذلك كالامضاء ... «1».

فظاهر العبارة يعطي أنّ الموضوع طبيعة الوارث، و له مصداقان في الخارج، أحدهما: كل واحد من الورّاث، و الآخر: مجموعهم: فالخيار متعلّق بالمجموع، بما أنّه مصداق للطبيعة.

و ليس مراده عدم انطباق طبيعة الوارث، إلّا على المجموع لأنّه يحتاج إلى تقييد الموضوع حتى لا ينطبق إلّا عليه، مضافا إلى أنّه خلاف صريح

كلامه.

يلاحظ عليه: أنّ الاعتبار يشتمل على التناقض، لأنّ صرف الوجود كما ينطبق على المجموع ينطبق على الواحد، و انطباقه عليهما في عرض واحد يستلزم

______________________________

(1)- الخيارات: 292 ط تبريز.

المختار في أحكام الخيار، ص: 569

التناقض، فبما أنّ كل واحد مصداق للموضوع يرجع ذلك التفسير إلى المعنى الأوّل فيستقل كلّ بخياره، و تكون النتيجة تقدّم الفاسخ على المجيز، و بما أنّ المجموع هو المصداق تكون النتيجة عدم نفوذ الفسخ إلّا مع الاتفاق.

و بذلك يعلم أنّ ما فرع عليه الشيخ من أنّ الحكم للمتقدم، غير تام لما عرفت أنّ النتيجة على كل تقدير غير ذلك فعلى القول بكون كل واحد مصداقا تكون النتيجة تقدّم الفاسخ مطلقا، و على الآخر يتبع الحكم نظر المجموع و الحق أنّ النظرية الرابعة مبهمة غير واضحة، و لأجل ذلك نرى أنّ السيد الاصفهاني يذكر من الاحتمالات، الثلاثة الأولى و يقول: «لا اشكال في ما إذا كان الوارث واحدا و أمّا إذا تعدّد ففي كون الخيار لكل منهم بالاستقلال بالنسبة إلى الجميع أو بالنسبة إلى حصّته أو للمجموع بحيث لا أثر لفسخ بعضهم بدون ضمّ الباقين لا في تمام المبيع، و لا في حصته، أقوال، أقواها الأخير ثم أوسطها» «1».

فرع:

إذا اجتمعت الورثة على الفسخ فيما باعه مورّثهم، فهنا صور، و إليك بيانها:

1- إذا فسخت الورثة و كان عين الثمن موجودا بعد موت المورّث، فحكمه واضح، و هو أنّه يدفع نفس الثمن إليه.

2- إذا كان الثمن تالفا سواء تلف في حياة المورّث أو بعد موته، و لكن كان للميّت مال آخر أخرج من ماله سواء كان للميّت دين أو لا.

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: للسيد الاصفهاني ج 2 بحث خاتمة في أحكام الخيار المسألة الأولى.

المختار

في أحكام الخيار، ص: 570

3- نعم لو كان للميّت دين مستغرق للتركة هل للورثة الفسخ أو لا؟ قال الشيخ بالأوّل قائلا بأنّ المحجور، له الفسخ بخياره، و في اشتراط ذلك بمصلحة الديّان و عدمه وجهان، و لو كانت مصلحتهم في الفسخ لم يجبروا الورثة عليه، لأنّه لهم فلا يجبرون على إعماله. نعم يشترط أن لا يكون الفسخ و الأداء عن التركة سببا لحرمان الديّان عن بعض ديونهم.

إنّما الكلام إذا لم يكن للميّت مال، و فسخت الورثة و له صورتان:

4- لم يكن للميّت دين فتكلّفت الورثة بدفع الثمن، سواء قلنا بانتقال العين إلى الميت أو الورثة.

5- إذا كان للميّت وراء ثمن المبيع التالف دين، فقد ذكر الشيخ الأعظم احتمالين:

ألف: أنّ للورثة حقّ الفسخ و انحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميّت يوفى عنه ديونه و خروج الثمن من ملكه في المعيّن و اشتغال ذمّته ببدل الثمن في الكلي.

ب: أنّ الورثة قائمون مقام الميّت يتملّكون العين و تشتغل ذممهم بثمنها من حيث إنّهم كنفس الميت «1».

أقول: العرف يساعد القول الثاني، فإنّ الميّت لا تكون له ذمّة و لا يكون مالكا، و الأموال كلّها تنتقل إلى الورثة من غير فرق بين العاجل و الآجل على أنّ مفاد الوجه الأوّل هو أداء دين الميّت عن العين المستردّة، و ايكال من عليه الخيار بالنسبة إلى الثمن، إلى ذمة الميت أو مشاركته مع سائر الغرماء و هذا ما لا يقبله

______________________________

(1)- الخيارات: 293، و في العبارة اطناب و تعقيد و ما ذكرناه لبّ مراده.

المختار في أحكام الخيار، ص: 571

الذوق السليم. و لم يتعهد من عليه الخيار، بدفع العين بالفسخ، بلا دفع ثمن.

نعم يبقى هناك اشكال على هذا المبنى،

و هو أنّ ماهية الفسخ عبارة عن انحلال العقد الخاص الجزئي، اللازم منه رجوع كلّ عوض إلى محلّه الأوّل، فلو خرج العوضان عن ملك البائع و المشتري بالبيع، يجب أن يرجعا إلى محلّهما الأوّل فلو رجعا إلى غيرهما (بأن رجع المبيع إلى الورثة) كان ذلك خلافا للغرض لأنّ الفسخ حلّ البيع الشخصي الواقع على العوضين الخارجين عن ملك صاحبهما و ارجاعهما إلى محلّهما.

و على ذلك فيجب أن تنتقل العين إلى الميّت، و إلّا لا يعقل تحقّق ماهية الفسخ في إرث الخيار «1».

يلاحظ عليه: أنّ الموت سبب- عرفا و شرعا- لانتقال كل ما للمورّث من مال فعلي أو شأني إلى الورثة، أمّا الفعلي فواضح و أمّا الشأني فكالمبيع الذي لو فسخه لملك، فإذا مات، انتقل كل ما يتعلّق فعلا أو شأنا إلى الورثة، فيقومون مقامه و يكونون هم المسئولون للأخذ و الردّ، و على ذلك، فلو فسخوا يدخل البيع في ملكهم لا في ملك الميت فلو كانوا عاجزين عن دفع الثمن أو متضايقين عن الأداء، فللمشتري حبس العين حتى يأخذ عنهم.

و ما قيل: إنّ الفسخ عبارة عن حلّ العقد و رجوع العوضين إلى محلّهما، و لازم ذلك رجوع المبيع إلى الميّت لا إلى الورثة.

يلاحظ عليه: أنّ معنى الفسخ هو حلّ العقد و نتيجة ذلك رجوع العوضين إلى مالكهما سواء كان المالك الفعلي هو المالك السابق أو لا. و المقوّم لرجوع الملك

______________________________

(1)- كتاب البيع، قسم الخيارات: 5/ 270.

المختار في أحكام الخيار، ص: 572

إلى شخص هو اتّصافه بكونه مالكا، و الميّت بعد فاقد لتلك الحيثية، فكيف يرجع إليه، و لو فسخ في حال حياته لرجع إليه، بما أنّه مالك و موصوف بذلك العنوان، و إذا مات

فقد انتقل العنوان إلى الورثة، و صاروا هم المعنونون بذلك العنوان و معه كيف يترقّب رجوع العين إلى من ليس بمالك.

و لعلّه إلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره السيّد الطباطبائي: أنّ الوارث يرث حقّ الخيار الذي هو التسلّط على حلّ العقد من غير نظر إلى كونه عنه أو عن الميّت، و لازمه انتقال كل من العوضين إلى المالك الفعلي للآخر كما في فسخ الأجنبي.

و ذهب سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- إلى أنّ معنى الفسخ هو حلّ العقد و رجوع المعوّض إلى محلّه السابق و لازم ذلك، دخوله في ملك الميّت، ثمّ يخرج منه قضاء لحقيقة الفسخ و الحلّ.

ثمّ رتّب عليه: أنّه لو لم يكن للميّت تركة لا بدّ بعد الفسخ من أداء ما على ذمّة الميّت بسببه، من المال الذي رجع إليه، و لو زاد، صارت الزيادة إرثا، و لو نقص بقي على ذمّته، و ليس للورثة أداؤه «1».

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ الأدلّة الشرعية تنزل على ما يفهمه منها الأذهان العرفية، فإنّ انتقال الملك بعد الفسخ إلى الميّت الرميم، ممّا لا يساعده العرف بعد انتقال كلّ ماله إلى الوارث.

و ثانيا: كيف يحكم ببقاء الدين على ذمّة المورّث إذا نقص المال عن أداء الثمن مع أنّ الفسخ كان محدودا بالذات بردّ العين و أخذ الثمن، لا ردّها و أخذ بعضه.

______________________________

(1)- الخيارات: 5/ 272.

المختار في أحكام الخيار، ص: 573

و ثالثا: كيف تكون ذمّة الميّت مسئولة عن نقصان المال مع أنّ هذا التالي جاء من فسخ الورثة لا من ناحية الميّت و قال سبحانه: أَلّٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ «1» ثمّ إنّ لازم ما ذكره اشتراك الغرماء في العين المردودة مع المشتري و ربّما لا يصل إلى المشتري

معشار ما دفعه إلى البائع. و هو ممّا لا يلتزم به.

و بذلك يختلف حكم إرث الزوجة من العقار المنتقل عن الميّت إذا رجع إليهم بالفسخ، فعلى القول بأنّ الورثة، يتلقّون الملك عن المورّث، تحرم قطعا لحرمانها عن العقار، و أمّا إذا قلنا بأنّهم يتلقّونه عن المشتري بحلّ العقد فللتأمّل في إرثها عن العقار و عدمه مجال.

و بما ذكرناه يظهر النظر فيما ذكره السيد الاصفهاني حيث قال: إذا اجتمع الورثة على الفسخ فيما باعه مورّثهم فإن كان عين الثمن موجودا دفعوه إلى المشتري، و إن لم يكن موجودا أخرج من مال الميّت، و لو لم يكن له مال ففي كونه على الميّت و اشتغال ذمّته به فيجب تفريغها بالمبيع المردود إليه فإن بقي شي ء يكون للورثة، و إن لم يف بتفريغ ما عليه، يبقى الباقي في ذمّته، أو كونه على الورثة كلّ بقدر حصته، وجهان، أوجههما أوّلهما «2» و الحق أنّ أوجههما ثانيهما. و لا أثر للقولين فيما إذا كان له مال و إنّما يظهر الأثر فيما إذا لم يكن له مال و فسخت الورثة، فالحقّ أنّ المسئول هم الورثة، لا الميّت، و أوضح من ذلك إذا كان له دين أيضا.

______________________________

(1)- النجم: 38.

(2)- وسيلة النجاة: 34.

المختار في أحكام الخيار، ص: 574

المسألة الثالثة: هل الخيار المجعول للأجنبي يورث أو لا؟

إذا جعل الخيار لأجنبي و مات ففي انتقاله إلى وارثه، أو إلى المتعاقدين أو سقوطه وجوه: أقواها الأخير و ذلك لأنّ جعله له لأجل غرض قائم بشخصه، و عليه يكون الشخص في نظر العرف. مقوّما لا موردا، فيكون الجعل قاصرا عن غيره، و لأجل ذلك لا يكون أبناء الوزراء و الوكلاء، وزراء و وكلاء، بل بموتهم تبطل المناصب، و ما ذكره الشيخ من أنّ

ظاهر الجعل مدخلية نفس الأجنبيّ. و ما أضافه غيره من أنّ الخيار مجعول له بما هو ذو بصيرة بأمر العقد، يرجع إلى بيان كون الجعل قاصرا و أنّ الجعل على أساس كونه مقوّما لا موردا حتى ينتقل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 575

أحكام الخيار

الحكم الثاني: تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ

اشارة

قد عرفت أنّ للخيار أحكاما، و قد تعرّفت على الحكم الأوّل و هو وراثة الخيار، و هنا نذكر الحكم الثاني و هو «أنّ التصرّف فيما انتقل إليه اجازة، و التصرّف فيما انتقل عنه فسخ»، و قد بحثنا عن الشق الأوّل خلال الخيارات السبعة، و نبحث الآن عن الشق الثاني، أعني: كون التصرّف فيما انتقل عنه فسخا، و تحقيق الموضوع يتوقّف على تبيين أمور:

[الأمر] الأوّل:

الاستدلال على صحّة الكبرى، و هو أنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ فعلي.

[الأمر] الثاني:

هل الفسخ هو التصرّف الناشئ عن قصد إنشاء الفسخ، أو مطلق ما يحكى عن كراهة البيع، و إن علم أنّه لم يقصد بالتصرّف إنشاء الفسخ.

[الأمر] الثالث:

إذا قلنا بأنّ الفسخ الفعلي ما صدر عن قصد إنشاء الفسخ، فما حكم التصرّف المشكوك المردّد بين كونه صادرا عن قصد إنشاء الفسخ و عدمه، و إليك البحث عن الأمور الثلاثة.

أمّا الأوّل:

اشارة

فقد استدلّ عليه بوجهين:

المختار في أحكام الخيار، ص: 576

1- الاجماع على حصول الفسخ بالفعل كحصوله بالقول،

و هذا ممّا لا غبار عليه، و أمّا ما نقله الشيخ في اتّحاد حكمي الاجازة و الفسخ و أنّ كل ما تتحقّق به الاجازة يتحقّق به الفسخ أيضا، فسيوافيك الكلام فيه في الأمر الثاني، و إنّ الأمر في الفسخ أضيق دائرة من الاجازة عند القائلين بحصولها بالتصرّف.

2- بناء العقلاء على حصوله بالفعل كحصوله بالقول

إذا أحرز كونه صادرا بنيّة الفسخ.

و أمّا الثاني:

فالظاهر اشتراط اقتران التصرّف بقصد الفسخ، و ذلك لأنّه من الأمور الايقاعية كالطلاق و النذر و الوقف، و الاعتبار ايقاعيا كان أو عقديا، رهن قصد الانشاء بلا فرق بين القول و الفعل. فإذا صدر التصرّف بقصد إنشاء الفسخ بالفعل، يتحقّق ذلك المعنى و إلّا فلا.

نعم احتمل غير واحد في خيار الحيوان أنّ التصرّف إذا كان مصداقا للاسقاط عرفا، فهو مسقط للخيار و إن لم يعلم قصده أو علم الخلاف، استنادا إلى رواية علي بن رئاب التي جاء فيها: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط» «1» فعطف باب الفسخ عليه فيما إذا كان الفعل مصداقا للفسخ فيحكم به و إن لم يعلم القصد أو علم خلافه، كما هو الحال في باب خيار العيب.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ التصرّف في باب الاجازة مسقط تعبّدي- عند جماعة- إذا كان عرفا مصداقا للرضا بالعقد و إن لم يكن هناك رضا المتصرّف بالعقد، و لا دليل على كون الفسخ كذلك بل يعتبر فيه إحراز كون الفعل مقرونا بالكراهة بالبيع بل مقرونا بنيّة الفسخ، حتّى يتحقّق إنشاء الفسخ و الحلّ.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 577

و ثانيا: ما سيوافيك في المسألة الآتية من أنّ التصرّف المقترن بالرضا بالعقد كاف في اسقاط الخيار، لأنّ الاسقاط و الاجازة قليل المئونة بخلاف الفسخ، فلا يكفي التصرّف مع الكراهة فضلا عن التصرّف الفاقد للنية.

و لأجل هذين الفرقين لا يصحّ الحكم على وحدة الموضوعين في جميع الأحكام.

و بذلك يظهر أنّ ما أجاب به الشيخ من عدم تحقّق الاجماع غير كاف في ردّه و

الأولى ردّه بما ذكرنا فلاحظ.

و أمّا الثالث:

فلو ثبت أنّ الموضوع محدّد بصدور التصرّف عن ذي الخيار بقصد الفسخ و لا يعم غيره و لكن دار أمر التصرّف بين كونه حائزا لهذا الشرط أو لا، لاحتمال صدوره عن كراهة، أو جهل أو نسيان أو اشتباه أو غير ذلك فهل هنا أمارة تثبت عنوان الفعل و وجهه أو لا؟ ربّما يتمسّك في اثبات العنوان بأمرين:

1- أنّ الفعل إذا كان ظاهرا عند العرف في الفسخ و لم يكن هناك علم بالخلاف فظهوره حجّة كظهور القول.

يلاحظ عليه: أنّ ما يعتبر مثل هذا الظهور إذا كان التصرّف على غير هذا الوجه قليلا كما إذا تصرّف- بلا نيّة الفسخ- عدوانا أو نسيانا أو غيرهما، و أمّا إذا لم يكن قليلا فلا، و الظاهر قلّة سائر الموارد فيثبت كون التصرّف بنيّة الفسخ كما سيوافيك في تحليل الدليل الثاني.

2- إذا كان التصرّف أمرا محرّما فيما لم تكن هناك نيّة الفسخ، و محلّلا معها، فمقتضى أصالة الصحّة هو الأوّل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 578

قال الشيخ: إنّ أصالة حمل فعل المسلم على الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا كما صرّح به جماعة، كغيرها من الأمارات الشرعية فيدل على الفسخ لا من الأصول التعبّدية حتى يقال: إنّها لا تثبت إرادة التصرّف للفسخ لما تقرّر من أنّ الأصول التعبّدية تثبت إلّا اللوازم الشرعية لمجاريها «1».

يلاحظ عليه: أنّه لم يثبت كون أصل الصحّة أمارة كالاقارير التي يؤخذ بلوازمها، لأنّها كما هي حجّة في مداليلها المطابقية فهكذا حجّة في مداليلها التضمينية و الالتزامية، و أمّا أصالة الصحّة لأجل صون عرض المسلم، عن ارتكاب الحرام فلا تعدو عن ذلك الاطار، و أمّا اثبات لوازمها من كون التصرّف بنيّة الفسخ و

واقعا في ملكه، فلا فضلا عن اثبات خروج العين عن ملكه و دخولها في ملك الآخر.

إنّ للكلام سواء كان اخبارا أو إنشاء منزلة أخرى، فإنّ الأقارير في المحاكم حجّة في عامّة مداليلها المطابقية و التضمينية و الالتزامية و هكذا الانشاء كالأمر بالالقاء في البحر حجة في لازمه، أعني: الضمان، بخلاف حمل فعل المسلم على الصحّة لأجل صون عرضه، فلا يستفاد من الأخبار سوى هذا و أمّا ترتيب لوازمها الخارجة عن ذلك الغرض فلا، ككون التصرّف بنيّة الفسخ فلو تكلّم زيد بكلام و دار بين كونه سلاما أو سبّا، فمقتضى الأصل حمله على الصحيح لا على الفاسد و أمّا وجوب ردّ السلام فلا يثبت به و هي أشبه ببعض الظنون التي لا تثبت بها لوازمها، فلو ظنّ بكون الجهة الخاصة هي القبلة فلا يثبت به الوقت.

و مع ذلك كلّه فلو كان الفسخ من اللوازم البيّنة لصحّة الفعل الصادر من المسلم بحيث يعد التفكيك بينهما أمرا غير مقبول عند العرف فيترتّب عليه

______________________________

(1)- الخيارات: 294 طبعة تبريز.

المختار في أحكام الخيار، ص: 579

عرفا.

و قال الشيخ: و هنا كلام مذكور في الأصول، و لعلّه مراده أنّ مقتضى الأصل حمل فعله على الصحّة عنده لا على الصحيح الواقعي، أعني: كون التصرّف بنيّة الفسخ. مع أنّ الصحيح عنده أعم منه، ككون التصرّف نسيانا أو اشتباها أو لتخيل الوكالة.

يلاحظ عليه: أنّه يكفي في نفي هذه الاحتمالات الأصول العقلائية فيتّحد في أكثر الموارد، الصحيح عند الفاعل، مع الصحيح الواقعي.

و أمّا التمسّك في اثبات الفسخ بأصالة عدم الفضولية، مع كونه أصلا أزليا لا أصل له، لا يثبت به الفسخ، و معه لا حاجة لردّها بتعارضها بأصالة عدم الفسخ.

إنّ هناك مسائل طرحها الشيخ الأعظم

و نحن نقتفيه.

المسألة الأولى:

اشارة

هل الفسخ يحصل بنفس التصرّف، أو يحصل قبله متّصلا به، و بعبارة أخرى: التصرّف سبب أو كاشف وجهان بل قولان قد نسب إلى المحقّق و العلّامة أنّه بنفسه سبب و ذهب الشهيد و المحقّق الثانيان إلى الثاني. و الذي دعاهم إلى عقد هذه المسألة، تبيين حكم أمرين:

1- حلّية التصرّفات المحرّمة بدون الملك كالركوب و غيره، فعلى القول الأوّل يحرم التصرّف و إن كان يتحقّق الفسخ بالأمر المحرّم دون الثاني.

2- صحّة التصرّفات الاعتبارية الموقوفة على الملك، التي يحصل بها الفسخ

المختار في أحكام الخيار، ص: 580

كبيعه و رهنه، و هبته، فعلى الأوّل تبطل التصرّفات دون الثاني و إن كان الفسخ يتحقّق، لأنّ الردّ يحصل بانشاء البيع جدّا بقصد الفسخ و إن كان البيع باطلا، لأنّ ترتّب الأثر لا دخل له في تحقّق الفسخ. فيقع الكلام في موردين:

[المورد] الأوّل: إذا تصرّف ذو الخيار فيما انتقل عنه، تصرّفا يتوقّف على الملك:

إذا تصرّف ذو الخيار فيما باع بركوب الدابة و حلبها فلا شكّ أنّ الفسخ يحصل بهما، إلّا أنّ الكلام في حلّيتهما و حرمتهما فالقائل بأنّ الفسخ يحصل بالقصد يصف الأفعال الخارجية بالحليّة، قائلا بأنّ الفسخ يحصل بالنيّة المتقدّمة عليها.

و لكن التحقيق هو القول الأوّل و ذلك بوجوه:

1- إنّ الفسخ- كما مرّ- لا يحصل بالأمور النفسانية لأنّه من الايقاعات المتوقّفة على الانشاء، كالطلاق و النذر و الوقف فلا بدّ من إنشاء خارجي قولي أو فعلي كاشف عن الكراهة، بل عن إرادة الرجوع.

2- لو قلنا بحصوله بالنيّة لزم الالتزام بحصوله بها في الفسخ القولي و عندئذ يحصل الفسخ قبل الإنشاء، مع أنّ الظاهر منهم أنّه لا يحصل إلّا بانضمام القول، و لا يصحّ التفكيك بينه و بين الفسخ الفعلي و أنّه يحصل بانضمامه في القولي دون الفعلي.

3- لو قلنا بحصول

الفسخ بالنيّة «1» و أنّه لا دور للفعل إلّا الكشف، لزم الالتزام بكفاية كل فعل كاشف.

استدلّ للوجه الثاني بوجوه:

1- إذا كانت الاجازة حاصلة بنفس الرضا كما هو ظاهر قوله: «و ذلك رضا

______________________________

(1)- و قد عبّر الشيخ بلفظ الكراهة و الأولى هو القصد لعدم كفايتها ما لم يكن هناك قصد الفسخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 581

منه بالبيع» يكون الفسخ مثله.

يلاحظ عليه: وجود الفرق بين الاجازة و الفسخ، لإمكان أن يقال: إنّ الموجب للزوم المعاملة الخيارية هو العقد، إذا حصل منه الرضا، و ما ذلك إلّا لأنّ الملك انتقل شرعا إلى المشتري و لم يبق شي ء سوى صيرورته لازما و خروجه عن التزلزل، فيكفي فيه الرضا بالعقد، بخلاف الفسخ لأنّ له دور النقل و الانتقال فينقل المبيع إلى البائع، و الثمن إلى المشتري ثانيا، فهو أشبه بالتمليك و التملّك الجديدين فلا محيص عن إنشاء الحلّ و الفسخ.

2- إذا دلّ الدليل على جواز الفسخ بكل فعل و تصرّف دلّ على جواز كلّ تصرّف، الملازم لوقوعه في ملك الفاسخ، و إلّا لا يكون جائزا، الملازم بوقوع الفسخ بغير التصرّف و ليس إلّا هو الكراهة النفسانية أو قصد الفسخ «1».

يلاحظ عليه: أنّه لم نقف على دليل في باب الفسخ أنّه يحصل بالفعل فضلا عن كلّ فعل و تصرّف، و انّما ورد في باب الاجازة و وجود الاطلاق فيه لا يلازم وجوده في جانب الفسخ، لأنّ التصرّف فيما انتقل إليه تصرّف حلال، بخلاف التصرّف في جانب الفسخ فإنّه حرام لأنّه تصرّف في مال الغير. و على فرض وجود الدليل فالصحّة نسبية و هي الصحّة الوضعية أي حصول الفسخ بكلّ فعل و تصرّف حلالا أو حراما، لا الصحّة التكليفية بمعنى

كونه حلاله.

3- أنّ مقتضى صيانة فعل المسلم هو الكشف، لأنّه مع السببية يقع الفعل حراما.

يلاحظ عليه: أنّ مجرى أصالة الصحّة، فيما إذا علم وجه الصحّة و الفساد

______________________________

(1)- و إلى ذلك أشار الشيخ بقوله: «و توهّم أنّ الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز بكل ما يحصل به قولا أو فعلا، فاسد ...» لاحظ المتاجر قسم الخيارات ص 295.

المختار في أحكام الخيار، ص: 582

و دار أمر عمل المسلم بينهما فيحمل على الصحّة، و أمّا إذا جهل وجه الصحّة و الفساد، فلا يمكن أن نستكشف وجه الصحّة من حمل فعله عليها كما في المقام.

مثلا فيما علم أنّ الفسخ يحصل بالقصد و تردّد أمر التصرّف بين كونه عن قصد الفسخ أو لا، فمقتضى الأصل، الحمل على الأوّل، و أمّا إذا تردّد الحكم الشرعي و أنّه بما ذا يحصل، فهل يحصل بالقصد أو بالفعل؟ فلا يصحّ استكشاف الأوّل من حمله على الصحّة، و أنّ كون عمله صحيحا يستلزم، الالتزام بكون الفسخ يحصل بالنيّة.

و الظاهر: أنّ البحث فاقد للثمرة، سواء أقلنا بأنّ الفسخ يحصل بالنيّة أو يحصل بنفس التصرّف، فهذا النوع من التصرّفات ليست بمحرّمة لانصراف الأدلّة عن التصرّفات التي تقع في طريق اعادة الملك و سلطنته و إنّما المحرّم هو التصرف في مال الغير الذي انقطعت صلته بالمتصرّف، أو لم تكن أية صلة بينه و بين الفاعل.

و إن شئت قلت: إنّ المستفاد من أدلّة الخيار و جواز الفسخ، أنّ لذي الخيار سلطنة على هذه الأفعال أي له حقّ التصرّف في المبيع الذي باعه من الغير بشرط الخيار، إذا كان بعنوان الفسخ.

و بذلك يظهر: أنّ ما ذكره الشيخ من أنّه تحرم التصرّفات الفعلية المحقّقة للفسخ كالوطء، و الأكل، لأنّ

الظاهر من قوله سبحانه إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ هو اعتبار وقوع الوطء في ما اتّصف بكونها مملوكة، فالوطء المحصّل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا، منظور فيه، لأنّ الحصر في الآية إضافي، و المراد ملك الغير الذي لا صلة له بالواطئ إمّا مطلقا أو انقطعت صلته دون

المختار في أحكام الخيار، ص: 583

الأمة التي للواطئ حقّ إرجاعها إلى ملكه.

فعلى ذلك يكون البحث عادم الثمرة.

[المورد] الثاني: إذا تصرّف فيما انتقل عنه بالبيع و نحوه:
اشارة

إذا تصرّف ذو الخيار في ما انتقل عنه بالعقد، كالبيع و العتق و الهبة و الرهن، فلو قلنا بأنّ الفسخ يحصل بالنيّة المكشوفة بالتصرّف، فلا شكّ في صحّة هذه العقود، لأنّه باع أو وهب أو رهن، و العين ملكه، إنّما الكلام في تصحيح العقود على القول بأنّ الفسخ يحصل بنفس التصرّف الاعتباري و هناك وجهان أو قولان:

[القول] الأوّل: إنّ هذه العقود باطلة:
[الأدلة على البطلان]
اشارة

و استدل على البطلان بوجوه:

1- إنّ صحّة البيع و نحوه مشروط بالملك،

و المفروض أنّ العاقد غير مالك للعين عند اجراء العقد.

و أجيب عنه: بأنّ الفسخ يحصل بأوّل جزء من العقد، فيكون الفاسخ مالكا بعد مضيّ جزء من العقد، فيكون المحل قابلا لمجموع العقد، فيقع البيع و العتق في الملك.

يلاحظ عليه: أنّ القائل بالبطلان يدّعي أنّه يشترط وجود الملك عند الشروع بالعقد، فلا يكفي حصوله أثناء العقد.

2- إنّ الصحّة مستلزم للدور

لأنّ البيع موقوف على الملك، و هو موقوف على

المختار في أحكام الخيار، ص: 584

الفسخ، و هو موقوف على البيع فيلزم الدور المضمر، و في النهاية توقّف البيع على نفسه.

و أجيب: بأنّ الدور معيّ، و يكفي حصول الملك و البيع معا.

يلاحظ عليه: أنّ المدعي يقول: بأنّ المتبادر من قوله: «لا بيع إلّا في ملك» لزوم وقوع البيع بتمام أجزائه في الملك المتقدّم، فيلزم أن يكون الملك متقدّما على البيع زمانا فلا يكون الدور معيّا، على أنّ الدور المعيّ من أقسام الدور المصرّح و الدور هنا مضمر.

3- إنّ الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد

«1» كالتكبيرة الواحدة حيث لا تكفي لابطال صلاة و الدخول في صلاة أخرى، إذ الشروع في الأخرى فرع الخروج من صلاة قبلها، فلا يكون شي ء واحد مخرجا و مدخلا.

و أجيب: بمنع عدم صحّة حصول الفسخ و البيع بشي ء واحد باعتبارين، و أمّا عدم كفاية تكبيرة واحدة لابطال صلاة و الدخول في صلاة أخرى، فلأنّها تكون محرّمة فلا يجوز أن تقع جزء للعبادة.

و يمكن أن يقال: إنّ المدخل المحقّق للفسخ هو الايجاب الذي مفاده هو النقل الانشائي و أمّا المخرج فإنّما يتحقّق بضم القبول إلى النقل الانشائي، و ما لم ينضم إليه القبول لا يكون مخرجا.

[القول] الثاني: صحّة هذه العقود:

و استدل على الصحّة بأنّ المقام أشبه بما إذا باع مال غيره فملكه.

______________________________

(1)- أي الادخال في ملك ذي الخيار، و الاخراج عنه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 585

فأجيب: بعدم تسليمه في المشبه به بل هو يحتاج إلى الاجازة فيكون المقام مثله.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم أتى بكلام حاسم و قال: لو قلنا بأنّ المستفاد من الأدلّة، اشتراط وقوع الانشاء في ملك المنشئ، فلا مناص عن القول بالبطلان، لأنّ معناه تقدّم الملك على جميع أجزاء العقد بخلاف ما لو قلنا بأنّ المستفاد عدم وقوع العقد في ملك الغير، الذي يترتّب عليه نقل مال الغير بغير إذنه، فلا مناص عن الصحّة لأنّ الممنوع شرعا، وقوع تمام السبب في ملك الغير لا بعض أجزائه في ملكه.

و بالجملة: الممنوع ما يترتّب عليه نقل ملك الغير بغير إذنه من دون أن يملكه العاقد في آخر العقد، و ليس المقام كذلك إذ لا يترتّب عليه نقل ملك الغير بغير إذنه، بل يترتّب عليه آجلا نقل ملك العاقد إلى شخص آخر.

ثمّ أجاب بوجه آخر و قال: إنّ المراد

من البيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفسه، و بعبارة أخرى المعنى المسبّبي الذي يتحقّق بعد تمام العقد، و حينئذ فالفسخ يحصل بأدنى جزء من العقد، و أمّا المعنى المسبّبي، فيحصل بتمام العقد، و قد ملك العاقد العين عنده «1».

هذا كلّه ما ذكره الشيخ، و قد جئنا بكلماته على نظام يسهل للقارئ فهمه، و نضيف إلى توضيح كلامه بأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا بيع إلّا في ملك» و «لا عتق إلّا في ملك» حكم إرشادي إلى ما عليه العقلاء حيث يمنعون هذا النوع من التقلّبات و التصرّفات إلّا من المالك، حفظا للنظام و تثبيتا للأمن، فليس للغير التقلّب في

______________________________

(1)- الخيارات: 295 ط تبريز بتصرّف.

المختار في أحكام الخيار، ص: 586

مال الغير ببيعه، و عتقه إذ عندئذ يختل النظام، فإذا كان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إرشادا إلى ما عليه العقلاء فيجب علينا تبيين ما عليه العقلاء من منع البيع إلّا في ملك، و من المعلوم أنّ الممنوع عند العقلاء هو التصرّف في مال الغير الذي ينتهي إلى التصرّف في مال الغير بلا إذن، و أمّا التصرّف في مال الغير الذي لا ينتهي إلى ذلك فهو غير ممنوع و ليس قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا بيع إلّا في ملك» إلّا ناظرا إلى ما هو المعتبر عندهم فيكفي في صحّة البيع هذا النوع من الملكية الحاصلة للعاقد في أثناء العقد.

ثمّ إنّ لسيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- بيانا قريبا ممّا ذكره الشيخ الأعظم، قال: إنّ البيع الذي هو قائم بالايجاب وحده، غير متوقّف على الملك و إنّما يتوقّف عليه الحكم بالنقل الواقعي الحاصل بضمّ

القبول و الملكيّة حاصلة لديه، و بعبارة أخرى: النقل الانشائي غير متوقّف على الملك و هو حاصل بنفس الايجاب، و حكم العقلاء بالنقل الواقعي عند قبول المشتري متوقّف عليه، و هو حاصل عنده.

و بعبارة أخرى: الايجاب في البيع ايجاد تمام ماهيته، و القبول لا دخل له في ماهيته و إنّما الاحتياج إليه لأجل ترتّب الأثر الواقعي على البيع.

و على ذلك فالايجاب الذي مفاده النقل الانشائي الذي يتحقّق به الفسخ غير متوقّف على الملك. و إنّما يحتاج إليه الحكم بالنقل الواقعي الذي يتحقّق بضمّ القبول على الايجاب و هو حاصل للبائع في هذا الظرف بايجابه المحقّق للفسخ «1».

______________________________

(1)- الخيارات: 5/ 283، و ما ذكره- قدّس سرّه- قريب ممّا ذكره الشيخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 587

المسألة الثانية: في تصرّف غير ذي الخيار فيما انتقل إليه:

اشارة

هل يجوز لغير ذي الخيار، التصرّف فيما انتقل إليه تصرّفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ أو لا؟ فيه وجوه و أقوال:

1- [القول الأول]

الجواز مطلقا.

2- [القول الثاني]

عدم الجواز كذلك.

3- [القول الثالث]

الفرق بين العبد و غيره فيجوز في الأوّل بالعتق دون الثاني.

4- [القول الرابع]

الفرق بين الخيار الأصلي كخيار المجلس و الحيوان و الذي بجعل المتعاقدين، كخيار الشرط فيجوز في الأوّل دون الثاني.

5- [القول الخامس]

الفرق بين ما يكون ثابتا بالفعل و ما يكون ثابتا فيما بعد، فلا يجوز في الأوّل و يجوز في الثاني مثل خيار التأخير و الرؤية و الغبن و مثله ما إذا اشترط الخيار في زمان منفصل عن العقد.

ثمّ إنّ تحقيق المسألة بكافة شئونها يتوقّف على الكلام في أمور:

ألف: جواز التصرّف تكليفا.

ب: نفوذ التصرّف وضعا.

ج: جواز الاجبار على فسخ العقد لردّ العين.

د: و على فرض عدم النفوذ هل ينفسخ العقد الثاني من حين فسخ الأوّل أو من أصله؟ فيه قولان كما سيوافيك.

المختار في أحكام الخيار، ص: 588

ألف: جواز التصرّف تكليفا و عدمه:

لو قلنا بتوقّف حصول الملك على انقضاء زمان الخيار، فلا يجوز التصرّف لعدم كون المتصرّف مالكا إنّما النزاع لو قلنا بعدمه و أنّ المشتري- مثلا- يملك و إن كان للبائع خيار.

كما أنّ النزاع فيما لم يعلم من القرائن، أو لم يصرّح في المتن بلزوم إبقاء العين بحالها، مثل قوله: «بعت الدار بكذا، و أشترط عليك لو أنا جئت بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ» فلو علم أو اشترط، فلا يصحّ التصرّف فيه بالاتلاف و لا بالبيع.

فإذا تبيّن محلّ النزاع فلو كان التصرّف بالاتلاف يقع الكلام في جوازه تكليفا، و أمّا إذا كان بنحو النقل إلى الغير ببيع و هبته أو ايجار يقع في جوازه تكليفا و وضعا، و سوف يتّضح حال كلا الموردين.

استدلّ على القول الأوّل: بعموم سلطنة الناس على أموالهم،

و المفروض أنّ المشتري مالك و كل مالك له التقلّب في ماله كيف يشاء، غاية الأمر أنّ للبائع الخيار فإذا فسخ، تشتغل ذمّة المشتري بالمثل أو القيامة شأن كل تالف.

استدلّ على القول الثاني: بأنّ المقتضي و إن كان موجودا، لكن المانع غير مفقود

و هو تعلّق حقّ البائع بالعين، فالتصرّف إتلافا أو نقلا مانع عن استرداد العين، قال الشيخ: إنّ الخيار حقّ يتعلّق بالعقد، المتعلّق بالعوضين من حيث إرجاعهما بحلّ العقد إلى ملكهما السابق فالحقّ بالآخرة متعلّق بالعين التي انتقلت منه إلى صاحبه فلا يجوز أن يتصرّف فيها بما يبطل ذلك الحقّ باتلافها أو نقلها إلى شخص آخر «1».

______________________________

(1)- الخيارات: 296.

المختار في أحكام الخيار، ص: 589

و أوضحه السيد الطباطبائي بقوله: إنّ له حقين في عرض واحد: حقّ في العقد ليفسخه، و حقّ في العين ليستردّها و لأجل تعدّد الحقّين، لا يبطل حقّ الفسخ، بتلف العين و لو قلنا بوحدة الحق و أنّ له حقّا في العقد ليستردّ العين، فهو على وجه تعدّد المطلوب، بحيث لو لم يمكن استيفاء الثاني لأجل التلف يبقى الأوّل على حاله «1».

و يؤيّد ذلك أمران:

1- ما ذكره صاحب الايضاح في تعليل بطلان العتق في زمن الخيار بوجوب صيانة حقّ البائع في العين المعيّنة عن الابطال.

2- ما يظهر منهم بلا خلاف من أنّ التصرّف الناقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره، فلو لم يكن حقّا متعلّقا بالعين لم يكن ذلك موجبا لسقوط الخيار فإنّ تلف العين لا ينافي بقاء الخيار لعدم منافاة التصرّف (مع بقاء الخيار) و عدم الالتزام بالعقد و إرادة الفسخ بأخذ القيامة.

يلاحظ عليه: أوّلا: بالنقض بالشفعة، فإنّ حقّ الشفيع متعلّق بالعين المشتراة من شريكه و هو لا يمنع المشتري من نقل العين، نعم الشفعة سلطنة على نقل جديد، بخلاف الخيار

فإنّها سلطنة على إرجاع الملك إلى الحالة السابقة و لكنّه لا يكون فارقا في المقام، إذ على كلّ تقدير للبائع و الشريك حقّ متعلّق بالعقد أو العين.

و ثانيا: بالحلّ و هو أنّ الخيار ليس أزيد من السلطنة على حلّ العقد، و الزائد عليه، من تعلّق حقّ بالعين يحتاج إلى الدليل، فلو دلّ عليه دليل يؤخذ به كما في مورد الرهن، فليس للراهن، بيع العين المرتهنة، لأنّ حقّ الرهن و كونها وثيقة، قائم

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 157.

المختار في أحكام الخيار، ص: 590

بالعين فلا يصحّ التصرّف فيها الموجب لابطال حقّ المرتهن، و إلّا فليس لذي الخيار حقّ إلّا حلّ العقد، و أمّا ما هو المرجع عند التلف و الاتلاف فيرجع فيه إلى حكم العقلاء.

و أمّا سقوط الخيار مع الاذن في التصرّف فليس لأجل منافاة التصرّف مع إرادة الفسخ، حتى يقال بعدم المنافاة، بل لأجل دلالة الاذن على اسقاط الخيار.

و الحاصل: إذا لم يدلّ دليل على لزوم ابقاء العين بقرينة خارجية و لا داخليّة، فلا يدلّ الخيار على أزيد من كون ذي الخيار مالكا لحلّ العقد، و فسخه، و أمّا الزائد عليه فيرجع فيه إلى سائر الأدلّة، فلو كانت العين باقية فتدفع و إلّا فينتقل إلى البدل.

أمّا القول الثالث:

أعني: الفرق بين مورد العبد و غيره بتعلّق الخيار فيه على العين فيبطل بالعتق، و تعلّقه بالعقد في غيره، فليس له دليل ظاهر سوى بناء العتق على التغليب، و هو لا يكون قرينة على تعلّق حقّ ذي الخيار في غير العبد، بالعقد لا بالعين.

و أمّا القول الرابع:

أعني: التفريق بين الخيار الأصلي و الجعلي، و أنّ الخيار في الأوّل يتعلّق بالعقد، فلا يمنع عن التصرّف، بخلاف الجعلي فهو يتعلّق بالعين فلا يجوز التصرّف فيها، فليس له دليل إلّا إذا علم من حال المتعاقدين إرادة ذلك بأن يعتبر في شرط الخيار بقاء العين، و هذا في الحقيقة يرجع إلى شرطين: حقّ الخيار، و حقّ الابقاء، و إلّا فليس هنا إلّا حق واحد.

و الحاصل: لو كان الشرط نفس خيار فسخ العقد، كما لو قال: له خيار الفسخ إلى سنة، كان حاله حال الخيارات الأصلية، إلّا أن يعلم من القرينة الخارجية، لزوم صيانة العين.

المختار في أحكام الخيار، ص: 591

و لو كان الشرط ردّ العين عند دفع الثمن، أو كون العين عنده على نحو شرط النتيجة، فلا يجوز التصرّف المانع من الردّ كالاستيلاد، أو النافذ كالبيع، لأنّ الخيار متضمّن لشرط آخر و هو حقّ استرجاع العين. و في روايات الباب إشارة إلى ما ذكرنا «1».

أمّا القول الخامس:

و هو التفريق بين الخيار الفعلي و الخيار بالقوّة، فقد بحث عنه الشيخ الأعظم في نهاية المسألة و ذكر هناك وجوها ثلاثة و كان عليه أن يقدّم البحث عنه في المقام لأنّه من فروع القول بجواز التصرّف و نحن نقتفيه «2».

ثمّ إنّ الحكم بالجواز و عدمه مبني على تعلّق الخيار بالعقد أو بالعين، و بعبارة أخرى هل لذي الخيار وراء حل العقد، حق في العين أو لا، و هذا هو مفتاح المسألة لا غير.

هذا كلّه حول الجواز التكليفي و أمّا الجواز الوضعي فإليك الكلام فيه.

ب: في الجواز الوضعيّ:

قد عرفت أنّ للجواز مرحلتين: الجواز تكليفا، أي كون التصرّف غير محرّم

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 3، و قد ورد في الأوّل: «إن أنا جئتك بثمنها (الدار) إلى سنة أن تردّ عليّ». و في الثاني: «فشرط إنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك» و الشرط في الأوّل شرط الفعل، و في الثاني شرط النتيجة.

ثمّ إنّ الاستيحاش من تجويز التصرّف لأجل أنّ الخيارات المجعولة تكون على أساس حفظ العين و ردّها في أجله. فيكون الجواز في غير هذه الصورة بلا اشكال.

(2)- سيوافيك الكلام فيه ص 596.

المختار في أحكام الخيار، ص: 592

و الجواز وضعا، أي نفوذ التصرّف الاعتباري، و قد مرّ الكلام في الأوّل و إليك الكلام في الثاني، و هل الجواز تكليفا يلازم الجواز وضعا أو لا؟ وجهان:

1- إذا جاز التصرّف فلا وجه لإهمال ما يقتضيه التصرّف من اللزوم و تسلّط العاقد الثاني على ماله.

2- إنّ تملّك العاقد الثاني مبنيّ على العقد الأوّل، فإذا ارتفع بالفسخ و صار كأن لم يكن، بالنسبة إلى ما بعد الفسخ، كان من لوازم

ذلك، ارتفاع ما هي عليه من التصرّفات و العقود.

و إن شئت قلت: إنّ العاقد الثاني يتلقّى الملك من المشتري الأوّل، فإذا فرض الاشتراء كأن لم يكن، و ملك البائع الأوّل العين بالملك السابق قبل البيع، ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد الثاني.

و الحقّ هو الوجه الأوّل، و ذلك لأنّ صحّة البيع الثاني و لزومه من آثار كون البائع الثاني مالكا حين البيع، لا من آثار بقاء مالكيته إلى الأبد حتى و لو بعد الفسخ و إلى ذلك أشار الشيخ الأعظم: «فإنّ تملّك العاقد الثاني مستند إلى تملّك المشتري آنا ما، لأنّ مقتضى سلطنته في ذلك الآن صحّة جميع ما يترتّب عليه من التصرّفات».

ج: هل يجبر على فسخ العقد الثاني؟

لو قلنا بنفوذ التصرّف و كان لازما، لا معنى لاجبار العاقد الأوّل على فسخه، إذ المفروض أنّه لازم، إلّا أنّ السيد الطباطبائي قال بجواز الاجبار في هذا المورد أيضا، إذا أمكن الاقالة أو الاشتراء من جديد. و سيوافيك كلامه. إنّما الكلام

المختار في أحكام الخيار، ص: 593

إذا كان جائزا، فهل يجبر على الفسخ إذا فسخ ذو الخيار أو لا؟ وجهان:

1- عدم الجواز، لأنّ جواز العقد يوجب سلطنة العاقد على فسخه لا سلطنة الثالث الأجنبي (البائع الأوّل) و أمّا إجبار العاقد بالفسخ فهو مبنيّ على تسليم أمر و هو أنّ ما يدفعه المشتري إلى البائع من المثل أو القيامة، من باب البدل للحيلولة، فمع تعذّر المبدل كالغريق في البحر، يدفع البدل مؤقّتا، فمع التمكّن يجب تحصيله.

يلاحظ عليه: أنّه على فرض قبوله إنّما يتم إذا كان المبدل باقيا في ملك مستحقّ البدل كما في المثال لا في المقام الذي خرج فيه العوض عن ملك مستحقّ البدل، و دخل في ملك العاقد الثاني،

و قد عرفت أنّ نفوذ العقد الثاني مبنيّ على تملّك المشتري آنا ما، لا إلى الأبد حتى يقال: إنّ الفسخ جعل العقد كأن لم يكن، هذا ما عليه الشيخ.

2- الجواز، قائلا بأنّ ما على المفسوخ عليه إنّما هو نفس ما وقع عليه العقد و إن كان تالفا ففي حال التلف أيضا يقال: إنّه يضمن نفس العين بمعنى أنّها في عهدته لا بدلها، و إنّما يعطى البدل في مقام تفريغ الذمّة فإذا كان في عهدة الضامن نفس العين في جميع المقامات حتى في القيميات و إنّما الانتقال إلى البدل و هو المثل أو القيامة، من باب أنّه القدر الميسور من ردّها، يكون المثل أو القيامة من باب البدل للحيلولة، فإذا تمكّن من ردّ المبدل نفسه وجب حتى في العقود اللازمة إذا أمكنت الاقالة أو الشراء ثانيا من دون ضرر عليه «1».

يلاحظ عليه: أنّ الأعيان الخارجية الجزئيّة المتشخّصة لا يتصوّر لها الثبوت

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 158.

المختار في أحكام الخيار، ص: 594

في الذمّة لا في حالة وجودها و لا في حالة تلفها.

أمّا الأولى: فلأنّ ظرف العين المتشخّص هو الخارج، لا الذمّة، و الذمّة ظرف للكلّيات غير المتشخّصة التي لا يبذل في مقابلها الثمن إلّا باعتبار إضافتها إلى الذمم المعتبرة بخلاف الأعيان الخارجية، فيعد أموالا بما هي هي من دون حاجة إلى إضافتها إلى ذمّة رجل، له ذمّة معتبرة.

و لو أضيفت الأعيان الخارجية إلى شخص و قيل إنّها على عهدته، فإنّما يراد منها أنّه المسئول عنها بردّها إلى مالكها إن كانت موجودة و جبر خسارتها إن كانت تالفة.

و أمّا الثانية: فإنّ التلف قد قضى على شخصه و عينه فصار عدما محضا، فلا يصحّ أن يقال: إنّ

العين المتشخّصة على ذمّة المتلف. بل لا مناص إلّا إرجاع ذلك الكلام إلى المسئولية و أنّه المسئول عنها في حالتي الوجود و العدم، و الخروج عنها بأحد أمرين: إمّا بردّ العين إذا كانت موجودة، أو بردّ ماليّتها بالمثل أو القيامة فيكون ما يدفعه في زمان الخروج عن المسئولية نفس ما اشتغلت ذمّته، فإذا دفع خرج عن العهدة فلا معنى للجبر على فسخ العقد.

د: على القول بعدم النفوذ هل ينفسخ من أصله أو من حينه:

لو قلنا بعدم نفوذ التصرّف فيما انتقل إليه من ذي الخيار، و فرضنا أنّه فسخ العقد الأوّل، هل ينفسخ العقد الثاني من رأسه أو من حين الفسخ؟

وجهان:

ينفسخ من رأسه و ذلك حفظا للقاعدة الفقهية، أعني لا يخرج المعوّض إلّا

المختار في أحكام الخيار، ص: 595

من ملك من دخل العوض في ملكه، فإذا دخل العوض بفسخ العقد الأوّل في ملك البائع الثاني، يلزم أن يخرج المعوّض من ملكه و يدخل في ملك البائع الأوّل، و هو لا يتحقّق إلّا بفسخ العقد الثاني من رأسه و كأنّه ما خرجت العين من ملك البائع الثاني و لم يدخل في ملك الآخر، فإذا ردّ العوض إلى البائع الثاني يتلقّى المعوّض منه.

و هذا بخلاف ما إذا قلنا بالفسخ من حين فسخ الأوّل، إذ عندئذ يتلقّى- بالفسخ- المعوّض من المشتري الثاني، مع أنّه دفع العوض إلى البائع الثاني.

و إلى ذلك يشير الشيخ بقوله: «فلا يجوز أن يتلقّى الفاسخ (البائع الأوّل) الملك من العاقد الثاني (البائع الثاني) بل لا بدّ من انفساخ العقد الثاني بفسخ الأوّل و رجوع العين إلى ملك المالك الأوّل (البائع الثاني) ليخرج منه إلى ملك الفاسخ».

يلاحظ عليه: أنّ صيانة القاعدة عن النقص كما يتحقّق بالقول بكون الفسخ من رأسه، هكذا يتحقّق بالقول بكونه من

حينه، و ذلك بالقول بأنّ المبيع ينتقل من المشتري إلى البائع الثاني آنا ما، ثمّ يتلقّى البائع الأوّل الملك منه و الالتزام بالملك التقديري كثير في كلماتهم كما إذا قال: اعتق عبدك عنّي أو بع مالك عنّي، أي ملّكهما لي، ثمّ اعتق أو بع عنّي.

و بذلك يعلم الوجه الثاني مع دليله.

و الذي يسهل الخطب أنّ البحث فرضي و أنّ القول بعدم النفوذ غير صحيح.

المختار في أحكام الخيار، ص: 596

احتمال الفرق بين الخيار المنجز و غيره في جواز التصرّف:

هذا البحث من فروع الكلام في الأمر الأوّل و أنّه هل يجوز التصرّف أو لا؟

و كان على الشيخ البحث عنه هناك و لكنّه أخّره إلى هنا. فلو قلنا بعدم الجواز في الخيار المنجز فهل يمكن ابداء الفرق بينه و بين غيره أو لا؟ فقد ذكروا فيه وجوها:

1- عدم جواز التصرّف قبل تنجّز الخيار أيضا لأنّ المانع عن التصرّف في المنجّز هو تزلزل العقد و كونه في معرض الارتفاع و هو موجود هنا و إن لم يقدر ذو الخيار على الفسخ.

2- جواز التصرّف: لأنّه لاحق بالفعل لذي الخيار فلا مانع من التصرّف.

3- الفرق بين الخيار المتوقّف على حضور الزمان و المتوقّف على شي ء آخر كالتأخير و الرؤية على خلاف الوصف لأنّ ثبوت الحقّ في الأوّل معلوم و إن لم يحضر زمانه، بخلاف الثاني.

و الذي يسهّل الخطب أنّ البحث أمر فرضيّ لأنّا قلنا بجواز التصرّف في المنجّز فكيف بغيره.

ثمّ إنّ الشيخ طرح مسألة حكم استيلاد الأمة فلو قلنا بمنع التصرّف المتلف فهل يجوز الاستيلاد الذي يرجع إلى ايجاد المانع من ردّ العين بالخيار أو لا؟

و بما أنّ المسألة فرضية بحتة لما عرفت من جواز التصرّف المتلف فكيف الاستيلاد مضافا إلى عدم الابتلاء. نعطف عنان البحث إلى الفرع

التالي:

المختار في أحكام الخيار، ص: 597

المسألة الثالثة: إيجار المبيع في زمان الخيار بدون إذن ذي الخيار:

لو قلنا بعدم جواز التصرّف فهل يجوز إيجار العين أو لا؟ فنقول: إنّ له صورا:

1- إذا آجر المبيع من الغير بلا إذن من ذي الخيار.

2- إذا آجره من الغير بإذن منه.

3- إذا آجره من نفس ذي الخيار.

أمّا الصورة الأولى فالحقّ أنّ الايجار يشترك مع سائر التصرّفات المتلفة و الناقلة و المولّدة للمانع، كالبيع و الهبة و الاستيلاد، فالجميع في الجواز و المنع سواسية و تعلّق حقّ ذي الخيار بالمبيع مانع عن الجميع على القول بمانعيته، و كون المدّة قصيرة في الاجارة غير مؤثّر.

بقي الكلام فيما إذا كان الايجار على الوجهين الأخيرين فلا شك في صحّة الاجارة ما لم يفسخ، كما لا شك في أنّ الايجار غير مانع عن فسخ البيع.

و هل تنفسخ بفسخ البيع؟ التحقيق لا، لأنّ ملك المنفعة تابع لملك العين، و المفروض أنّ المشتري ملك العين ملكية مطلقة مستعدّة للدوام و من نماء هذا الملك، المنفعة الدائمة فإذا استوفاها المشتري بالاجارة فلا وجه لرجوعها إلى الفاسخ بل تعود إليه مسلوب المنفعة في مدة الاجارة. و بعبارة أخرى: إنّ المقتضي للصحّة و هو كون الموجر مالكا، موجود، و المانع مفقود لأنّ المفروض أنّ الايجار كان بإذن صاحب الحق، و هو البائع، فيعود المبيع إليه مسلوب المنفعة.

بقي هنا سؤال، و هو أنّه ما الفرق بين المقام و ايجار البطن الأوّل من الموقوف

المختار في أحكام الخيار، ص: 598

عليهم إذا آجر و توفّي قبل انتهاء المدة حيث تبطل الاجارة بموته فيما بقي دون المقام، مع أنّ المقامين مشتركان في كون الموجر مالكا عند العقد، و انتفاء الملك عنهما بسبب من الأسباب، أعني: الموت و الفسخ.

أقول: أجاب عنه الشيخ

بأنّ البطن الثاني لا يتلقّى الملك من البطن الأوّل حتى يصدق في حقّه أنّه تلقّى الملك، و هو مسلوب المنفعة، بل يتلقّاه من الواقف كالبطن الأوّل، و سلطنة البطن الأوّل تنتهي بانتهاء استعدادها، بخلاف المقام فإنّ البائع يتلقّى الملك من المشتري بعد الفسخ، و قد استوفى منافعه باعتبار كونه مالكا.

ثمّ أشكل على هذا الجواب بوجه آخر و قال: إنّ المالك الأوّل لا يتلقّى الملك عن المشتري كما هو الحال إذا باعه منه ثانيا، و إنّما ينتهي أمد ملكية المشتري برفع سببه و هو فسخ العقد الأوّل فيعود الملك إلى حالته الأولى، و يكون تملّكه مستندا إلى ما كان قبل تملّك المشتري، و بعبارة أخرى: أنّ الفسخ سواء كان من أصله أو من حينه يكون سببا لعود الحالة السابقة للمالك، لا أن يتلقّى المالك الملك من المشتري.

ثمّ أجاب عنه: أوّلا: بالنقض بما إذا وقع التفاسخ بعد الاجارة، فإنّه لم يلتزم أحد ببطلان الاجارة و ثانيا: نفترض أنّه لا يتلقّى الملك من المشتري لكنّه يكفي في تملّك المنفعة الدائمة تحقّق الملك المستعد للدوام لو لا الرافع، آنا ما «1» فإذا استوفاها بالاجارة فقد استوفى بحقّ فلا وجه لرجوعه إلى الفاسخ.

توضيحه: إنّ مالكية الانسان مخصوصة بحالة حياته، محدّدة بموته و ارتحاله

______________________________

(1)- الخيارات: 279، قوله: «آنا ما» قيد لقوله: «تحقّق الملك».

المختار في أحكام الخيار، ص: 599

عن دار الغرور، فلا مقتضى لها فيما بعد الموت فكلّ تصرّف إذا رجع إلى ما بعد الحد يكون تصرّفا فضوليا يحتاج إلى الاجازة و تصرّف البطن الأوّل و ايجاره العين لأزيد من زمان حياته، من هذا القبيل، فيكون باطلا لأنّه تصرّف فيما لا يملك.

و هذا بخلاف مالكية المشتري مع الخيار فإنّ المقتضي

لها موجود ما دام حيّا من غير فرق بين قبل الفسخ و بعده، غير أنّ الفسخ يكون مانعا عن تأثيره، و من المعلوم أنّه لا يؤثّر إلّا فيما يتحقّق بعده، و أمّا التصرّفات المتقدّمة عليه الصادرة في حال وجود المقتضي و عدم المانع فتكون صحيحة باقية إلى أن ينتهي أمدها و أجلها.

و لك أن تستوضح الفرق بين المسألتين بوجه آخر و هو: أنّ الملكية في الوقف غير طلق، فليس للموقوف عليه أن يتقلّب في العين مثل المشتري المالك، بخلاف المقام فإنّ ملكية المشتري ملك طلق، غاية الأمر للبائع أن يسترجعه إلى ملكه، يقول السيد الاصفهاني: الوقف الخاص كالوقف على الأولاد، و الوقف العام على العناوين العامة، كالوقف على الفقراء و الفقهاء و الطلبة و نحوها، فإن كانت وقف منفعة بأن وقف عليهم ليكون منافع الوقف لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالاجارة أو ببيع الثمرة و غير ذلك، فهم يملكون المنافع ملكا طلقا، و لكن يملكون الرقبة ملكا غير طلق «1».

ثمّ إنّ صحّة الايجار و عدمها ليست مبنية على كون الفسخ من أصل العقد، أو من حين الفسخ أمّا على الثاني فواضح، و أمّا على الأوّل فلأنّ معنى كونه من أصله فرض عدم البيع واقعا فيملكه البائع بالسبب الذي ملكه، و أمّا النماء فلو

______________________________

(1)- السيد الاصفهاني: وسيلة النجاة: 2/ 176.

المختار في أحكام الخيار، ص: 600

كان موجودا متّصلا بالمبيع يكون للبائع، و أمّا التالف فلا، لأنّ المنفعة تابعة للملك و المفروض أنّ المشتري كان مالكا و أتلفه، و لا يضمن الانسان ماله.

إلى هنا تمّ الكلام في الايجار بصوره الثلاثة، فلاحظ.

المسألة الرابعة: الاذن في التصرّف:

اشارة

لو أذن في التصرّف فله صورتان:

1- إذا أذن ذو الخيار أن يتصرّف في ما انتقل عنه

و تصرّف المشتري فيه، يسقط خياره إمّا لدلالة الاذن على الالتزام بالعقد عرفا، و إن لم يكن منافاة بين الإذن في التصرّف و الاتلاف، و إرادة الفسخ، أو لأنّ التصرّف الواقع مفوّت لمحل هذا الحق، و هي العين.

يقول الشيخ: إنّ التصرّف الواقع تفويت لمحل هذا الحق، و هو العين بإذن صاحبه، فلا ينفسخ التصرّف و لا يتعلّق الحق بالبدل (أي لا يجب على المشتري أن يدفع البدل من المثل و القيامة و يأخذ الثمن) لأنّ أخذ البدل (المثل و القيامة) بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه، لا مع سقوطه عنه، و بعبارة أخرى: أنّ دفع البدل فرع كون العين ملكا للبائع أو متعلّقا لحقّه، و المفروض عدمهما.

2- و لو أذن و لم يتصرّف المأذون، ففيه وجهان: السقوط لدلالة الاذن على الاسقاط، و إن منع في المسالك و جامع المقاصد و القواعد الدلالة المذكورة، و عدم السقوط، فإنّ ظاهر الاذن هو رفع اليد عن الخيار في ظرف الإتيان بالفعل المأذون فيه، لا فعلا و في ظرف الإذن «1».

______________________________

(1)- تعليقة المحقّق الايرواني: 2/ 76.

المختار في أحكام الخيار، ص: 601

هل الاذن في التصرّف فسخ:

إنّ للشيخ في الإذن المجرّد عن التصرّف رأيا آخر، و إليك بيانه بصياغة جديدة، و هو أنّ الإذن في التصرّف المخرج عن الملك كناية عن فسخه، إذ لا معنى لإباحة مال الغير «المشتري» فيحمل على الفسخ كسائر التصرّفات التي لا تصحّ شرعا إلّا بجعلها فسخا.

فإن قلت: كيف لا يكون إذن ذي الخيار في التصرّف مسقطا للخيار مع أنّ المعروف أنّ إذن ذي الخيار للمشتري في التصرّف اسقاط.

قلت: إنّ ما ذكر غير ثابت، و إنّما الثابت تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة، و أين

هو من اذنه للمشتري أن يتصرّف فيما انتقل عنه. و إنّما حكم بالسقوط في التصرّف عن اذنه لا لأجل تحقق الاسقاط من ذي الخيار بالاذن بل لأجل تحقق المسقط لما عرفت من أنّ التصرّف الواقع باذنه صحيح نافذ، و التسلّط على بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلّقا للحق.

ثمّ إنّه احتمل في ختام المسألة أنّ الإذن في التصرّف يتضمّن الرضا بالعقد، و هو كاف في لزومه و ليس هذا بأدون من استكشاف رضا المشتري بالبيع بتقبيلها، و عبارة الشيخ في المقام لا تخلو عن تعقيد و قد أتينا بمقصده بعبارات واضحة.

و الحق أن يقال: إنّ كون الإذن في التصرّف إجازة أو فسخا يتبع كيفية الإذن، فلو قال: بع هذا الشي ء لي، يكون فسخا، و أمّا إذا قال: بعه أو تصرّف فيه، يكون إجازة و تأمينا للمشتري بأنّه إذا تصرّف، ليس عليه وضيعة و لا تبعة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 602

أحكام الخيار

[الحكم] الثالث: تملّك المبيع بالعقد لا به و بانقضاء الخيار «1»

اشارة

هل المبيع ينتقل بالعقد أو به و بانقضاء الخيار معا فيه أقوال ثلاثة:

1- [القول الأول]

العقد هو السبب التام للانتقال من دون توقّف على انقضاء الخيار.

2- [القول الثاني]

التوقّف على انقضاء الخيار.

3- [القول الثالث]

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 602

التفصيل بين خيار المشتري وحده و غيره فيخرج عن ملك البائع في الأوّل دون غيره.

المشهور بين الفقهاء أنّ المبيع يملك بالعقد، و لا يتوقّف على انقضاء الخيار، و أثر الخيار حينئذ هو تزلزل الملك- وراء تزلزل العقد- بسبب القدرة على رفع سببه فالخيار حق لصاحبه في ملك الآخر.

و حكي عن الشيخ و ابن الجنيد توقّف الملك بعد العقد على انقضاء الخيار مطلقا، أو على خصوص خيار البائع، و نسب هذا القول إلى ابن سعيد، و الامعان في ما قبل كلامه و ما بعده يعرب عن موافقته للمشهور. قال: و ينتقل المبيع إلى المشتري بالعقد، و انقضاء الخيار، و قيل بالعقد. و لا ينفذ تصرّف المشتري فيه حتى

______________________________

(1)- كان اللازم تقديم بيان هذا الحكم من أحكام الخيار على الحكم السابق لأنّ البحث عن جواز التصرّف في أيّام الخيار و عدمه فرع ثبوت الملكية للمتصرّف فيه و لكن الشيخ أخّر بيانه فاقتفينا أثره.

المختار في أحكام الخيار، ص: 603

ينقضي خيار البائع «1».

و مراده من الانتقال المتوقّف على انقضاء الخيار ليس هو مطلق الملكية بل الملكية التي يجوز معها التصرّف في المبيع فمثل هذه الملكية عنده متوقّفة على الانقضاء لا أصل الملكية، و قد تقدّم في الحكم الثاني من أحكام الخيار أنّ جماعة من الفقهاء منعوا من تصرّف غير ذي الخيار في المبيع كالمحقّق و الشهيد الثانيين، مع كونهم قائلين بعدم توقّف الملكية على انقضاء الخيار.

و يؤيّد ذلك بأنّه حكم بأنّ نماء المبيع في مدّة الخيار

للمشتري «2».

و أمّا ما نقل عن الشيخ في الخلاف و المبسوط، فقابل للتوجيه و التأويل، و ليس بين أيدينا كتاب ابن الجنيد حتى نتدبّر في كلامه، و لعلّه ليس في المسألة قائل بتوقّف الانتقال على انقضاء الخيار، و إن حكاه المحقّق عن الشيخ، قال في الجواهر: و كلامه في النهاية لا يأبى حمله على رأي المشهور كالمقنعة، بل عن الشهيد احتماله أيضا في كلامه في الخلاف «3».

و بما أنّ المسألة من الأحكام التفريعية، فالأولى الاشتغال بالتدبّر في النصوص حتى تعلم صحّة أحد التفريعين.

[وجوه أحقية القول الأول و هو المشهور]

اشارة

الحق ما هو المشهور لو لم نقل انّه المجمع عليه كما عن التذكرة، و ذلك بوجوه:

1- سيرة العقلاء في كل عصر و مصر

إلى أن ينتهي إلى عصر المعصومين، فقد استقرّت على حصول الملك بالاشتراء مع الخيار من دون تلبث انقضائه، فيرى المشتري نفسه مالكا للمثمن و البائع يتصرّف في الثمن، فأثر الخيار هو تزلزل

______________________________

(1)- الجامع للشرائع: ص 248.

(2)- المصدر نفسه: ص 247.

(3)- النجفي: جواهر الكلام: 23/ 78.

المختار في أحكام الخيار، ص: 604

الملك بعد حصوله، و أمّا على القول الآخر، فأثره هو تزلزل العقد المقتضي للملك لا السبب التام للملك، فالسيرة تؤيّد الأولى دون الثاني.

نعم لو دلّ الدليل على اشتراط شرط آخر في حصول الملك يؤخذ به كما دلّ على توقّف الملك في السلف و السلم على القبض و الاقباض في مجلس المعاملة، و لكنّه يختص بالصرف و السلم لا بعقد آخر و بنفس القبض لا بشرط آخر، و لم يرد مثله في انقضاء الخيار. و السيرة العقلائية حجّة شرعية إذا لم يرد ردع عنها.

2- الاستدلال بالعمومات،

قال الشيخ الأعظم:

«فالأقوى هو المشهور لعموم أدلّة حلّ البيع و أكل المال إذا كانت تجارة عن تراض و غيرهما ممّا ظاهره كون العقد علّة تامة لجواز التصرّف الذي هو من لوازم الملك».

يلاحظ عليه: أنّ ما أشار إليه من العمومات بين كونها في مقام الاجمال مثل قوله سبحانه: قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا (البقرة/ 275) فإنّ الآية في مقام نفي المساواة التي كان المرابون يدّعونها كما يشير إليها قولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا فردّ عليهم بقوله: وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا و الآية بصدد إفادة هذا، لا بصدد تحليل البيع بجميع أفراده و حالاته.

و بين كونها في مقام التركيز على لزوم كون الأسباب محلّلة، احترازا عن محرّماتها، مثل قوله سبحانه: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ

بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (النساء/ 29) فإنّ الباء في قوله: بِالْبٰاطِلِ بمعنى السببيّة أي لا تأكلوا بالسبب الباطل كالرشوة و الربا و السرقة و الخيانة و الغش، و لكن ليست الآية في مقام بيان شرائط السبب الحلال حتى يتمسّك بإطلاقه فالآية نظير قولنا: يحرم السباع و المسوخ، و يحلّ الغنم و البقر، فلا يصلح للتمسّك في ما شككنا

المختار في أحكام الخيار، ص: 605

في شرطية شي ء أو مانعيته، و بالجملة المقصود من الأكل و إن كان التقلّب و التصرّف لا الأكل اللغوي و لكنّ الآية ليست إلّا بصدد الدعوة إلى السبب الحلال، و النهي عن السبب المحرّم له فقط، و أمّا أنّ التجارة عن تراض: هو السبب التام لجواز التصرّف فليست الآية بصدد بيانه، و يؤيد ما ذكر إذا وقفنا على انّ الآية جاءت بعد ذكر ما يحل نكاحهن و ما يحرم، و بعد الدعوة إلى الأولى و الزجر عن الثانية، و أمّا ما هي الشروط للمحلّل و المحرّم فمتروك إلى بيان آخر.

و بين كونها مطلقة دليلا على المسألة كقوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة/ 1) و لكنّها قابلة للتقييد إن ثبت.

3- ما أشار إليه صاحب الجواهر بقوله:

«إنّ المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه بينهما انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد، فهذه المعاملة أمّا صحيحة كذلك عند الشارع و يثبت المطلوب أو باطلة من أصلها لا أنّها صحيحة على غير ما قصداه و تراضيا عليه، و اثبات الخيار منهما أو من الشارع إن لم يؤكد ذلك لا ينافيه، فالمقتضى للملك موجود و المانع منه مفقود» «1».

و أورد عليه الشيخ بأنّ مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد، لكن

لمّا كان الانشاء علّة تامّة لتحقّق المنشأ عند تحقّقه كان الداعي على الانشاء حصول المنشأ عنده، و كونه عندهم سببا تامّا لا ينافي كونه في الشرع محتاجا إلى تحقّق شرائط أخر مثل انقضاء الخيار في المقام و التقابض أو القبض في الصرف و السلم و أقصى ما يلزم هو تخلّف الداعي لا تخلّف المنشأ عن الانشاء لما عرفت من عدم تقيّده بالحال.

يلاحظ عليه: أنّ الحال و إن لم يكن مدلولا مطابقيا أو تضمينا للصيغة، ألّا

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 23/ 79.

المختار في أحكام الخيار، ص: 606

أنّها منصرف إلى الحال فيكون مدلولا عرفيا، و لأجل ذلك لو كان التمليك في المستقبل- على القول بعدم حصوله إلّا بعد الموت- كالوصية لاحتاج إلى التقييد، فلا يعد مثل هذا تخلّفا عن الداعي بل تخلّفا عن المدلول.

نعم يرد على صاحب الجواهر أنّه ليس كل تخلّف مخلّا، و إنّما المخلّ أن يكون الواقع مبائنا للمقصود، كما إذا قصد البيع، و صارت النتيجة الهبة، لا مثل المقام الذي يرجع إلى تقييد المطلق، بالانقضاء.

4- الروايات الظاهرة في مذهب المشهور،
اشارة

و نذكر من الكثير القليل:

ألف- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع «1».

و المراد من البيع الأوّل هو المبيع و أمّا البيع الثاني فإن أريد منه نفس العقد أي إنشاء المعاملة فلا يحتج بها على رأي المشهور، لأنّ القائل بتوقّف الملكية على انقضاء الخيار يقول إنّ أثر الخيار هو كون العقد متزلزلا، فانقضاؤه يكون سببا للزوم العقد، و أمّا لو قلنا: إنّ المراد من البيع هو المسبب كما هو المتبادر من أسماء المعاملات أي النقل و الانتقال القانونيان الشرعيان فهي ظاهرة في رأي المشهور و أنّه لا دور لانقضاء الخيار إلّا في ايجاب المسبّب و لزومه لا في أصل حدوثه، و بعبارة أخرى انقضاء الخيار يحدث اللزوم في الملكية لا أنّها تحدث الملكية اللازمة و بهذا المضمون روايات الباب أيضا.

و لك أن تستدل بقوله: «البيعان بالخيار حتّى يفترقا» «2» فان صدق البيّع فرع

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4 و 5، و ما ذكره الأستاذ- من الرواية فإنّما هو تلفيق من روايتين فما ورد فيه «البيعان» ليس فيه ذيل الرواية «فإذا افترقا وجب البيع» و ما ورد فيه الذيل، ليس فيه لفظ «البيعان» فلاحظ.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4 و 5، و ما ذكره الأستاذ- من الرواية فإنّما هو تلفيق من روايتين فما ورد فيه «البيعان» ليس فيه ذيل الرواية «فإذا افترقا وجب البيع» و ما ورد فيه الذيل، ليس فيه لفظ «البيعان» فلاحظ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 607

تحقق البيع بمفهومه، و تحقّقه يلازم حصول الملكية قبل الافتراق.

ب- ما يدل من الروايات على سقوط خيار المشتري بالتصرّف في المبيع

من لمس الأمة، و تقبيلها أو النظر إلى ما يحرم عليه قبل الشراء، أو

أخذ الحافر و نعل الدابة و ركوبها فراسخ، فإنّ ظاهر هذه الروايات أنّ هذه التصرّفات التي هي من شئون المالك جائزة للمشتري و مباحة قبل التصرّف و به يسقط خياره.

ففي صحيحة علي بن رئاب قيل له: ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء «1».

و في رواية أخرى عنه: قلت له: أ رأيت إن قبّلها المشتري أو لامس؟ قال:

فقال: إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره، فقد انقضى الشرط و لزمته «2».

فظاهر الرواية كما قلناه ثبوت الحلّية للمشتري قبل التصرّف، و لا دور للتصرّف إلّا في الايجاب لا أنّ التصرّف باسقاطه الخيار يحدث الملكية و الحلّية معا في آن واحد، فما احتمله الشيخ من أنّه نظير حل وطء المطلّقة الرجعية التي تحصل به الرجوع و الزوجية و تتبعهما الحلّية معا بعيد عن الأذهان و إنّما قلنا به في المطلّقة لأجل النصّ على أنّ المطلّقة الرجعية بحكم الزوجة، فليس وطؤها حراما حتى لو وطأها بنيّة السفاح يكون رجوعا و حلالا.

ج- الاستدلال بأخبار العينة

مثل خبر بشار بن يسار، سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يبيع المتاع بنسإ فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال:

نعم لا بأس به، فقلت له: أشتري متاعي؟ فقال: ليس هو متاعك و لا بقرك

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 3، و الروايتان عن الإمام الصادق- عليه السلام-.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 3، و الروايتان عن الإمام الصادق- عليه السلام-.

المختار في أحكام الخيار، ص: 608

و لا غنمك «1».

و الدلالة واضحة فإنّه يشتري المتاع من المشتري

في المجلس الذي لم يتفرّقا عنه، فلمّا تعجّب الراوي عن صحّة الاشتراء لأنّه أشبه بالهزل لا الجد (و لأجل ذلك صارت الصحّة عند أهل السنّة مشروطة بمضي شهر) رفع الإمام تعجّبه بقوله: إنّه ليس متاعه، و لا بقره و لا غنمه، حتى يكون من قبيل اشتراء الرجل مال نفسه، بل اشتراء لمال الغير.

و أورد عليه الشيخ: بأنّ هذا البيع جائز عند القائل بالتوقّف لسقوط خيارهما بالتواطؤ على هذا البيع فيمكن أن يكون سؤال السائل بقوله: «أشتري متاعي» من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق، و يكون جواب الإمام مبنيا على جواز بيعه على البائع فقوله: «ليس هو متاعك إشارة إلى أنّ ما ينتقل إليك بالشراء إنّما انتقل إليك بعد خروجه عن ملكك بتواطئكما على المعاملة الثانية المسقط لخياركما».

يلاحظ عليه: أنّ تفسير تعجّب الراوي عن طريق ركوز مذهب الشيخ عنده، أعني: عدم جواز البيع قبل الافتراق لعدم حصول الملكيّة، لا يخلو عن غرابة، بل الظاهر أنّ وجه توقّفه لأجل تصوّره أنّ النقل ليس جدّيا في العقد الأوّل و لأجل ذلك ورد في رواية الحسين بن المنذر في نفس الموضوع أنّه قال للإمام: إنّ أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسد، و يقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح ... «2»

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3، و العينة هو شراء العين نسيئة، كما هو الحال في البيع الأوّل أو من العين بمعنى النقد كما هو الحال في البيع الثاني، لاحظ الجواهر:

23/ 108- 111.

(2)- المصدر نفسه: الحديث 4 و لاحظ روايات هذا الباب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 609

حتى يستظهر منه أنّ النقل كان عن قصد و جدّ،

و أمّا سقوط الخيار بالتواطؤ على البيع الثاني فهو كما ترى، لأنّ الخيار اثباتا و اسقاطا يحتاج إلى الانشاء إمّا قولا أو فعلا، و التواطؤ ليس منهما، أضف إليه أنّ المقتضي بعد لم يوجد فكيف يسقط قبله.

و أمّا الاشكال على الاستدلال بهذا القسم من الروايات بأنّه لم يدفع به إلّا القول بالنقل دون الكشف، فغير تامّ لأنّ كلّا من النقل و الكشف على خلاف القاعدة لا يصار إليهما إلّا بدليل كما في باب الفضولي، فاثبات الحاجة إلى الانقضاء لأجل الكشف يحتاج إلى الدليل.

د- ما دلّ على جواز بيع الخيار بشرط ردّ الثمن

و أنّ النماء في مدّة الخيار للمشتري و تلفه منه فيكشف ذلك عن ثبوت الملزوم و هو الملك.

روى إسحاق بن عمّار قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه- عليه السلام- و سأله رجل و أنا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه، فقال:

أبيعك داري ... على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ علي فقال: لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه، قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة، لمن تكون الغلّة؟ فقال للمشتري «1».

و أورد عليه الشيخ بأنّ هنا احتمالين آخرين:

1- أن يكون الشرط، شرط نتيجة، و أنّه إذا جاء بالثمن ينفسخ البيع بنفسه بلا حاجة إلى الفسخ و عندئذ لا يكون هنا خيار حتى يكون دليلا على الموضوع.

2- أن يكون الخيار حادثا بردّ الثمن و لا يكون قبله.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 610

و الاحتمال الأوّل استبعده الشيخ نفسه، و الثاني و إن كان محتملا، لكن اطلاق الرواية شامل لما إذا كان الخيار موجودا من حين العقد مقيّدا

فسخه بردّ الثمن.

ه- النبوي المعروف «الخراج بالضمان»

وجه الدلالة هو أنّ المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختصّ بالبائع، في ضمان المشتري فخراجه له و هي علامة ملكه أخذا بقاعدة التلازم بين ملك المنفعة و ملك العين و يترتّب عليه ثبوت الملك بالعقد.

و أورد عليه الشيخ: بأنّه لم يعلم من القائلين بتوقّف الملك على انقضاء الخيار، القول بكون ضمانه على المشتري حتّى يكون نماؤه له.

أضف إليه أنّه لا يتمّ في الصورة الثالثة، أعني: فيما إذا كان الخيار مختصّا بالمشتري إذ الضمان فيه على البائع أخذا بالقاعدة الآتية: التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له.

الاستدلال على مذهب الشيخ:

استدلّ على القول الثاني ببعض الروايات:

1- صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ قال: على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري «1».

وجه الدلالة من جهتين:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 2، و لاحظ الحديث 3 منه أيضا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 611

1- الحكم بأنّ الضمان على البائع و المراد منه هو الخسارة و لا يعقل أن تكون الخسارة إلّا على صاحب المال و هذا دليل على عدم الانتقال.

2- قوله: «و يصير المبيع للمشتري».

يلاحظ عليه: أمّا الأولى فانّا نسلّم أنّ المراد من الضمان هو الخسارة و لا نسلّم الكبرى و هي: عدم معقولية الخسارة إلّا على صاحب المال. فإنّه إنّما هو فيما إذا لم تكن بين الضامن و المضمون له صلة، كما إذا تلف مال أجنبي و صار الضمان على جاره دون ما إذا كانت بينهما صلة، كالضمان على العاقلة

سواء قلنا بأنّ الضمان هنا ضمان تكليفي أو وضعي، و مثله التلف بعد البيع و قبل القبض، فإنّه من مال بائعه مع كونه ملكا للمشتري، و ليكن المقام مثله فإنّ المبيع ملك للمشتري و قد سلّمه إليه، لكن الشارع يضمّن البائع و يجعل الخسارة عليه في أيّام الخيار، فإنّ الموت أيّام الخيار ربّما يكشف عن مرضه السابق على البيع الذي قضى على حياة الحيوان «1».

و أمّا الجملة الثانية فلا تعدو عن اشعار، فيؤوّل لأجل الروايات المتقدّمة و يحمل على الملكية اللازمة.

2- معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: انّ أمير المؤمنين- عليه السلام- قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه، قال:

ليشهد أنّه قد رضيه فاستوجبه ثم ليبعه إن شاء فإن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه «2».

______________________________

(1)- لاحظ الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب الخيار.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 12 من أبواب الخيار، الحديث 1، و مثله رواية الحلبي و زيد الشحام و إن كان لفظ الثاني (الذي نقله الشيخ في التهذيب و لم يأت به صاحب الوسائل و اكتفى برواية الحلبي) أوضح في المقصود.

المختار في أحكام الخيار، ص: 612

يلاحظ عليه: أنّ لو كان المانع وجود الخيار للمشتري فاسقاطه كان أمرا سهلا من غير حاجة إلى الاشهاد، مع أنّ الإمام أمره بعد الايجاب بالاشهاد، على أنّ القائل بالتوقّف لا يقول به في خيار المشتري كما هو مورد الرواية و لعلّه كانت هناك مصلحة لما أمره.

3- ما رواه الحلبي في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمّ ردّها قال- عليه السلام-: إن كان في تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد

و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء، ببيان أنّ رد عوض النماء دليل على عدم مالكية المشتري و إلّا لما ضمن النماء.

و الرواية محمولة على الاستحباب لتضافر الروايات على كون النماء للمشتري.

و في الختام نقول: الطائفتان من الروايات ليستا متكافئتين، لا في قوّة الدلالة و لا في كثرتها، و لا في الشهرة فالعمل بما عليه المشهور هو المتعيّن.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم استظهر من عبارتي الخلاف و المبسوط اختصاص الحكم بخياري الشرط و الحيوان و المجلس حيث قال في الأوّل: «فإن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط»، و قال في الثاني: «و إن كان مقيّدا بشرط لزم بانقضاء الشرط». و خيار الشرط حيث يطلق يراد منه خياري الشرط و الحيوان تبعا للروايات.

و يؤيّد الاختصاص، التعبير بالانقضاء الذي لا يستعمل إلّا في الخيار الزماني و يعمّ الحكم، الخيار المتصل و المنفصل، و عليه فلا يعمّ خياري العيب و الغبن و غيرهما.

المختار في أحكام الخيار، ص: 613

و يظهر من الدروس وجه آخر للاختصاص و هو أنّ كل خيار مانع من التصرّف في المبيع فهو داخل فيما يتوقّف الملك على انقضائه، و التصرّف ممنوع عندهم في الخيارات الثلاثة المتقدّمة، لا في غيرها مثل خياري العيب و الغبن، فالقول بعموميّة كلامه لمثل الأخيرين يستلزم أحد أمرين:

1- إمّا المنع عن جواز التصرّف في موردهما.

2- الالتزام باللزوم و حصول الملك للمشتري و جواز التصرّف قبل الظهور و ثبوت الخيار و أمّا بعدهما فيخرج عن ملك المشتري، و هو ممّا لا يليق أن ينسب إلى الشيخ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 614

أحكام الخيار

[الحكم] الرابع: التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له

اشارة

قد اشتهر بين الفقهاء «أنّ التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» و «أنّ المبيع في زمن

الخيار في ضمان من لا خيار له» أو «أنّ كل مبيع قد تلف في زمن الخيار فهو ممّن لا خيار له» إلى غير ذلك من التعابير المختلفة و هل القاعدة تامة بسعتها أو أنّها خاصّة بمورد أو موارد و هذا هو المهمّ في المقام فنقول:

إذا كان من لا خيار له، مالكا، يكون ضمانه على وفق القاعدة كما إذا تلف المبيع في يد المشتري و كان الخيار مختصّا بالبائع، أو تلف الثمن في يد البائع و كان الخيار للمشتري، و أمّا إذا كان غير مالك كما إذا كان الخيار للمشتري و تلف في يده، فالحكم بضمان البائع بحجّة أنّه لا خيار له، و أنّ المعاملة تامّة من جانبه دون الجانب الآخر، على خلاف القاعدة لأنّ ضمان الأجنبيّ مال الغير بلا مباشرة و لا تسبيب في التلف، يحتاج إلى دليل قاطع.

نعم هو على خلاف القاعدة على القول بعدم توقّف الملكية على انقضاء الخيار، و أمّا على القول به، فضمان البائع يكون على وفاق القاعدة لأنّه المالك دون المشتري.

إذا عرفت ذلك، فلنذكر بعض ما يستدل به على القاعدة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 615

دليل القاعدة:

1- صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يشتري الدابة أو العبد، و يشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري.

و رواه الصدوق في الفقيه إلّا أنّه قال: «لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير البيع له» «1».

و في التهذيب تذييله بقوله: «شرط أو لم يشترط قال: و إن كان بينهما شرط، أيّاما معدودة فهلك في

يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع» «2».

2- عن الحسن بن علي بن رباط عمّن رواه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع «3».

3- عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين فماتت عنده و قد قطع الثمن، على من يكون الضمان؟ فقال: ليس على الذي اشترى ضمان حتّى يمضي شرطه «4».

4- خبر عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عن جعفر بن محمد قال: قال رسول اللّه في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط، قال: يستحلف باللّه ما رضيه ثم هو بري ء من الضمان «5».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 2.

(2)- التهذيب: ج 7، باب عقود البيع، الحديث 19.

(3)- المصدر نفسه: الباب 5 من أبواب الخيارات، الحديث 5، 1، 4.

(4)- المصدر نفسه: الباب 5 من أبواب الخيارات، الحديث 5، 1، 4.

(5)- المصدر نفسه: الباب 5 من أبواب الخيارات، الحديث 5، 1، 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 616

إنّ القاعدة منتزعة من هذه الروايات، و ليس لها دليل سواها و لا بدّ من الامعان في القيود المأخوذة فيها فهل تصلح للتقييد أو لا.

[البحث عن جهات:]

اشارة

و قبل الخوض في صلب المقصود نبحث عن جهات:

الأولى: في بيان القيود الواردة في النصوص

و هي:

1- المبيع هو الحيوان.

2- و الخيار للمشتري.

3- و المبيع مقبوض.

4- الخيار متّصل بزمان العقد.

5- الخيار أمّا خيار حيوان أو خيار الشرط.

و التعدّي عن هذه الموارد إلى الموارد التالية يحتاج إلى الغاء الخصوصية:

1- اثبات الحكم لمطلق المبيع و أنّ ذكر الحيوان من باب المثال.

2- لا فرق بين كون الخيار للمشتري أو للبائع.

3- لا فرق بين المقبوض و غيره فلو كان الخيار للبائع و كان البيع لازما من جانب المشتري يكون المبيع في ضمان من لا خيار له، سواء كان قبل القبض أو بعده و سيوافيك بعد هذا التعميم.

4- لا خصوصية للخيارين بل الحكم يعمّ سائرهما.

5- لا فرق بين المتّصل و المنفصل.

و سيظهر حال الجميع في البحوث التالية.

الثانية: في أنّ القاعدة بصدد توسيع ضمان البائع قبل القبض.

إنّ الامعان في هذه الروايات يعرب عن كونها حاكمة على ضمان البائع قبل

المختار في أحكام الخيار، ص: 617

القبض المعبّر عنه في لسانهم بقولهم «كل مبيع قد تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه». و المراد من الحكومة هو توسعة دائرة المحكوم عليه حتى يعمّ ما بعد القبض أيضا و الحكومة كما تتحقّق بالتضييق كما في قوله: «لا شك لكثير الشك» تتحقّق بالتوسعة أيضا و المقام من قبيل القسم الثاني، و هذا يؤيّد اختصاص الخيار للمشتري كما لا يخفى.

الثالثة: في أنّ ضمان البائع على خلاف القاعدة.

إنّ ضمان البائع في كلتا الصورتين- قبل القبض و بعده- على خلاف القاعدة لكن التضمين في احداهما أمر مقبول عند العقلاء لا يحتاج فيه إلى اعمال التعبّد، بخلاف الأخرى.

أمّا الأولى فإنّ المبيع و إن صار ملكا للمشتري حسب الانشاء و التشريع فلو تلف يلزم أن يحسب على المشتري، لكن البائع لما تعهّد في ضمن العقد، التسليم و الاقباض، و المفروض أنّه لم يخرج عن التعهّد و إن كان لا بسوء الاختيار، فكان تضمين البائع أمرا مقبولا. و هذا بخلاف الأخرى فإنّ المفروض أنّ البائع قد خرج عن العهدة، و المبيع صار ملكا للمشتري و سلّمه إليه و لكنّه تلف في يد المشتري، ففرض التلف على البائع و الزامه بقبول الخسارة أمر على خلاف السيرة المألوفة إلّا أن يكون هناك تعبّد شرعي قاطع، و بما أنّ الضمان في المقام على خلاف القاعدة (التلف من مال المالك) و أمر مخالف للسيرة الدارجة بين العقلاء يجب أن يقتصر على مورد النص، إلّا أن يدل دليل على التسرية.

الرابعة: في تبيّن ما هو المقصود من قولهم، يفرض المبيع تالفا في ملك البائع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 618

إنّ المبيع لمّا كان في كلتا الصورتين ملكا للمشتري فمقتضى القاعدة كون التلف من ماله، و لما دلّ الدليل على أنّ التلف في كلتا الصورتين من مال البائع و كان ذلك على خلاف القاعدة لعدم صحّة ضمان الغير خسارة مال المالك بلا تسبيب و لا مباشرة، حاول بعض الفقهاء أن يطبّقوا الحكم على القاعدة بافتراض الانفساخ قبل التلف و خروج المال عن ملك المشتري و دخوله في ملك البائع حتى يكون عند التلف ملكا له و يرد التلف على ماله.

و هذا الافتراض، فكرة فقهية ليس منها بين العرف عين و لا أثر، و ستوافيك بعض

المحاولات الآخر في محلها و أنّ للروايات محمل أو محامل أخرى، و إن كان ما ذكر هو المعروف بين المتأخّرين.

و ليعلم أنّ ذلك الافتراض على تسليمه لا يجعل خلاف القاعدة على وفقها و إنّما هو تمحّل شرعي، لتصوير الحكم بالضمان في الصورتين و أنّ العين تلفت من مال المالك فما لم يدل دليل على ضمان غير المالك، لا يكون ذلك ذريعة لتصحيحه.

[البحث عن أمور:]

اشارة

إذا عرفت ما ذكر فاعلم أنّ تحقيق الكلام في المسألة يتوقّف على البحث عن أمور:

1- هل الحكم مختصّ بالحيوان أو يعمّ غيره؟

الظاهر أنّ الحكم مختصّ بالحيوان فقط، و لعلّ حكمة ضمان البائع (لا علّته) هو صيانة حق المشتري لأنّ هلاك الحيوان في الأيّام الثلاثة أو حدوث حدث فيه، ربّما يكون مسبوقا بوجود مادة المرض في جسم الحيوان و كمونها فيه على نحو يكون المرض بروزا للمادة المكنونة، و في مثل هذا المورد حكم الشارع أنّ

المختار في أحكام الخيار، ص: 619

التلف من كيس البائع إذا كان المشتري ذا خيار، و أمّا في غير هذا المورد فلمّا كان الحكم بالضمان على خلاف القاعدة كان اللازم الاقتصار على مورد النص، و أمّا تمحّل بعض الفقهاء بافتراض دخول المبيع في ملك البائع و تلفه من ماله فإنّما هو لتصحيح ذلك الحكم المخالف للقاعدة على نحو يكون على وفقها إذا ثبت التعبّد، و أمّا لو لم يثبت التعبّد فالتمحّل ليس بنافع، كما مرّ.

و ربّما يستدل على عمومية الحكم لغير الحيوان بما رواه الصدوق في الفقيه:

«حتى ينقضي الشرط و يصير البيع له، أي المبتاع» بتصوّر أنّه يدلّ على أنّ الميزان كون البيع خياريا أو غير خياري من دون مدخلية لمبيع خاص.

يلاحظ عليه:- مضافا إلى عدم ثبوت النسخة- أنّه من المحتمل أن تكون اللام في البيع للعهد أي بيع الدابّة أو العبد، الواردين في صدر النص.

على أنّه لو صحّ الاستدلال بنقل الصدوق لصحّ الاستدلال على النقل الآخر أيضا أي «و يصير المبيع للمشتري» بجعل اللام للجنس.

و ربّما يستدل أيضا بعمومية الحكم بما رواه الشيخ بقوله: «و إن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع» قائلا بأنّ

المراد من الشرط مطلق الخيار و أنّ المناط هو كون العقد خياريا، من غير فرق بين مبيع دون مبيع.

يلاحظ عليه: أنّ المراد من الشرط هو الشرط المتحقّق في بيع الدابّة و العبد، و أقصى ما يمكن، هو الغاء الخصوصية من ناحية الشرط (الخيار) بجعل اللام للجنس و لا يمكن الغاء الخصوصية عن جانب الحيوان الوارد

المختار في أحكام الخيار، ص: 620

في النص.

و الحاصل أنّ الحكم لما كان على خلاف القاعدة أوّلا، و على خلاف السيرة المألوفة بين العقلاء يقتصر على مورد الرواية أعني الحيوان، و أمّا اختصاص الحكم بخيار الحيوان و الشرط أو عموميته، فسيوافيك الكلام فيه في التالي.

2- هل الحكم مختصّ بالخيارين؟

إذا قلنا بأنّ الموضوع هو الحيوان أو مطلق المبيع يقع الكلام في سعة الخيار و ضيقه و الظاهر هو الثاني و لا يعمّ خيار الغبن و العيب و تخلّف الشرط، و تفليس المشتري و تبعّض الصفقة، و ذلك لأنّ المتبادر من قوله: «و يصير المبيع للمشتري» هو المتزلزل من أوّل الأمر، و لا يشمل المتزلزل المسبوق باللزوم بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض، ثمّ يرجع- بعد عروض التزلزل- إلى ضمان البائع، اللّهمّ إذا قيل بوجود الخيار من أوّل الأمر و ظهوره بظهور سببه، و هو الغبن و العيب.

فإن قلت: على ما ذكرت يلزم خروج خيار الشرط إذا كان منفصلا، أو اسقط الخيار في اليوم الأوّل و أبقى يومين.

قلت: ليس الدليل ظاهرا في اتصال الخيار بالعقد، حتى يخرج الموردان بل ظاهر في المتزلزل من أوّل الأمر و هو حاصل فيهما أيضا كما أشار إليه الشيخ بقوله:

«و لو كان منفصلا بناء على أنّ البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط نظير البيع الخياري فإنّه

متزلزل و إن كان الخيار حاصلا برد الثمن، و هذا بخلاف سائر الخيارات فإنّها لازمة من أوّل الأمر بعرضها التزلزل بعد اللزوم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 621

و ربّما يتمسّك بالاستصحاب في الخيارات المنفصلة ببيان أنّ البائع كان ضامنا للمبيع قبل القبض، و الأصل بقاؤه بعده في سائر الخيارات أيضا.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّه من قبيل اسراء حكم من موضوع (قبل القبض) إلى موضوع آخر (بعد القبض) و هو أشبه بالقياس، و إنّما صرنا إليه في الخيارين، أو بضميمة خيار المجلس لوجود النص.

و ثانيا: أنّ المرجع عندئذ هو عمومات اللزوم لا الاستصحاب كما هو المحقّق في مورده، حتى و لو لم يكن للعام عموم ازماني.

و ثالثا: أنّه ربّما لا يكون للبائع أيّ ضمان، كما إذا كان المبيع عند المشتري، فليس هنا ضمان حتى يستصحب و سيأتي نحو هذا الاستصحاب في تلف الثمن، و أمّا التمسّك بإطلاق الشرط، الوارد في الروايات على ما نقله شيخ الطائفة من قوله: «و إن كان بينهما شرط أيّاما معدودة، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط» فغير تام، لأنّ اللام للعهد أي شرط أيّام معدودة، و هو خيار الشرط، لا سائر الخيارات من العيب و الغبن و أقصى ما يمكن أن يقال هو التوسعة في خيار خصوص الشرط، سواء كان متّصلا أم منفصلا، باعتبار كونه متزلزلا.

3- هل الضمان يختصّ بصورة القبض أو لا؟

إنّ ضمان البائع للمبيع قبل القبض أمر مسلّم، و قد تضافرت الروايات «1»

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 19 من أبواب عقد البيع، الحديث 1، و الباب 10 من أبواب الخيار، الحديث 1 و غيرهما.

المختار في أحكام الخيار، ص: 622

على مضمون القاعدة: «كل مبيع قد تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» لكن الكلام

في سعة و ضيق القاعدة الثانية أعني: كون تلف المبيع ممّن لا خيار له، فهل تختصّ بصورة اقباض المبيع فلا تجتمعان أبدا أو يعم فيقع التعارض في بعض الصور.

فعلى القول بسعة القاعدة لما قبل القبض فلا تعارض في الصور التالية إذا كان التلف قبل القبض.

1- إذا كان العقد لازما من كلام الجانبين.

2- إذا كان خياريا من كلا الطرفين.

3- إذا كان لازما من جانب البائع و خياريا من قبل المشتري.

لا موضوع للقاعدة الثانية في الصورتين الأوليتين، لعدم الاختلاف بين البائع و المشتري من حيث اللزوم و الخيار، و أمّا الصورة الثالثة فنتيجة القاعدتين هو ضمان البائع، لكون التلف قبل القبض، و كون البائع ممّن لا خيار له، نعم يقع التعارض في صورة رابعة.

4- إذا كان الخيار للبائع دون المشتري فعلى القاعدة الأولى يكون الضمان على البائع، و على الثانية يكون الضمان على المشتري لكونه ممّن لا خيار له.

لكن الحق، قصور القاعدة الثانية عن الشمول لما قبل القبض، و مورد النصوص هو التلف بعد القبض، و قد عرفت أنّها وردت لتوسيع مفاد القاعدة الأولى فلا معنى للمعارضة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 623

4- هل الحكم مختصّ بتلف المبيع أو يعمّ تلف الثمن؟

إنّ لتلف الثمن صورتين:

الأولى: إذا تلف عند المشتري قبل تسليمه للبائع فلا شك أنّه من مال المشتري كما أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع من غير فرق بين كون العقد لازما أو خياريا مطلقا، أو لازما من جانب دون آخر، ففيما لم يقوما بواجبهما في تسليم المبيع أو الثمن فالتلف على عاتقهما.

الثانية: إذا تلف عند البائع بعد قبضه و كان العقد خياريا من جانبه دون المشتري فهل يحسب الضمان على المشتري لأجل كون العقد من جانبه لازما أو لا؟

مقتضى ما ذكرنا من

كون الضمان على خلاف القاعدة يقتصر على مورده و هو تلف المبيع و المثمن و أقصى ما يمكن أن يقال: هو اسراء الحكم إلى الحيوان إذا وقع ثمنا.

و اختار الشيخ الأنصاري العموم بوجهين:

1- عمومية المناط و هو كون العقد خياريا من جانب و لازما من جانب آخر.

2- استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض.

و كلا الوجهين غير تامّين لأنّ الأخذ بالمناط، إنّما يصحّ إذا كان قطعيا لا ظنّيا كما في المقام خصوصا أنّ الحكم في المبيع على خلاف القاعدة و خلاف السيرة المألوفة بين العقلاء، و أمّا الثاني فهو أشبه باسراء حكم من موضوع (ضمان

المختار في أحكام الخيار، ص: 624

المشتري للثمن قبل اقباضه نظير ضمان البائع للمبيع قبل اقباضه) إلى موضوع آخر، (و هو ضمانه للثمن بعد اقباضه للبائع نظير ضمان البائع للمبيع بعد اقباضه للمشتري) فإنّ الضمان بعد الاقباض موضوع جديد لا يصحّ اسراء حكم ما قبل القبض إلى ما بعده، إلّا إذا دلّ عليه دليل كما في مورد المبيع إذا كان حيوانا.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم نقل دليل القائل بعدم الضمان بأنّ الضمان (ضمان الثمن) من مال المالك (البائع) خرج منه ما قبل القبض. ثمّ أجاب عنه بقوله بأنّ الضمان قبل القبض و بعده ليس مخالفا للقاعدة و ذلك لأنّا نفترض انفساخ العقد و دخول العوض (الثمن) في ملك صاحبه الأصلي (المشتري) و تلفه من ماله، نعم يخالفه أصل عدم الانفساخ.

و هذا الكلام من الشيخ عجيب لأنّ هذه المحاولة (على فرض قبولها و سيوافيك تفصيلها و تفصيل غيرها) إنّما تصحّ إذا دل الدليل القطعي على ضمان المشتري، الثمن الذي دفعه إلى البائع و تلف تحت يده فلأجل تصحيح الضمان الثابت، يحمل الحكم

على ما ذكر لا ما إذا لم يثبت فإنّ خروج الثمن عن ملك البائع و دخوله في ملك المشتري، و تلفه من ماله، و رجوع المبيع إلى ملك البائع كلّها على خلاف القواعد فلا تبرّرها المحاولة المذكورة. نعم إذا دلّ الدليل القطعي لا محيص عنها و عن أمثالها.

و على فرض عموم الحكم للثمن فلا فرق في الخيارات بين خيار الحيوان، و شرط الخيار برد الثمن، فيلتزم فيه بما يلتزم في غيره من الانفساخ و دخول الثمن في ملك المشتري و توهّم لزوم العقد من أوّله، و حدوث الخيار برد مثل الثمن، مردود

المختار في أحكام الخيار، ص: 625

بأنّه يكفي تزلزل البيع و لو بالخيار المنفصل و لا يتوقّف على وجود الخيار من البدء «1».

5- هل الحكم مختصّ بالمبيع الشخصي أو يعمّ الكلّي؟

الامعان في الروايات يعرب أنّ الضمان من خصائص كون المبيع حيوانا على الأقوى أو من خصائص كون البيع قطعيا من ناحية البائع و خياريا من ناحية المشتري على القول الآخر من غير فرق بين كون المبيع شخصيا أو كليّا، فلو دفع و خرج عن العهدة، و تلف في زمان الخيار فالظاهر وحدة الحكم في المبيع الجزئي و الكلّي لكن بعد تسليمه المتحقّق بتسليم الفرد، فعلى التصحيح الذي اعتمد عليه الشيخ ينفسخ العقد و يدخل المقبوض في ملك البائع و يتلف فيه، مثل ما إذا كان المبيع شخصيا، و على ذلك فيكون الضمان في كلا الموردين بمعنى واحد، و هذا ما نسمّيه بالضمان المعاملي في مقابل الضمان الواقعي و هو اشتغال ذمّة الضامن بالمثل أو القيامة لا انفساخ العقد.

نعم إنّ الشيخ الأعظم و تبعه السيد الأستاذ- قدّس سرّه- و المحقّق الخوئي خصّوا الحكم بالمبيع الشخصي و استدلّوا عليه بوجهين:

أ- أنّ الموضوع

هو تلف المبيع الذي يستلزم انفساخ العقد، و هذا إنّما يتصوّر إذا كان المبيع شخصيا و أمّا الكلّي فالفرد المقبوض إذا تلف فليس هو من مقولة تلف المبيع بل من مصاديق تلف مصداق منه، و الموضوع في الروايات هو

______________________________

(1)- و إلى هذا أشار الشيخ بقوله: «نعم يبقى هنا أنّ هذا مقتض لكون تلف الثمن في مدة خيار البيع الخياري من المشتري ... الخ» ص 301 ط تبريز، و العقد لازم من جانب المشتري دون البائع و لذا يتوجّه إلى المشتري ضمان الثمن.

المختار في أحكام الخيار، ص: 626

تلف المبيع. و لأجل ذلك يفارق ظهور العيب في الشخصي حكما مع ظهوره في الفرد المقبوض بما أنّه مصداق للكلّي، ففي الأوّل يكون مخيّرا بين الفسخ و الامضاء مع الارش أو لا معه، دون الثاني، بل على البائع أن يبدّله بفرد آخر و لا ينفسخ العقد «1».

يلاحظ عليه: أنّها دقّة عقلية لا يلتفت إليها العرف، فإنّ المبيع الكلّي إذا انطبق على الفرد يصدق عليه أنّه المبيع فتشمله الروايات، كقوله- عليه السلام-:

«لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع له» و تصوّر أنّ في الصدق تأوّلا و تجوّزا و إن كان صحيحا لكنّه لا يلتفت إليه إلّا الفقيه الدقيق لا العرف المخاطب بالروايات، و الذي يؤيّد ذلك أنّ العناوين مرايا إلى الخارج، و ليس ابتياع الكلّي إلّا لغاية تجسيده بدفع الفرد منه.

2- ما ذكره الشيخ بقوله:

ألف: «أنّ مقتضى ضمان المبيع في مدة الخيار على من لا خيار له- على ما فهمه غير واحد- بقاؤه على ما كان عليه قبل القبض».

ب: و دخول الفرد «2» في ملك المشتري لا يستلزم الانفساخ بل معنى الضمان بالنسبة إلى الفرد

صيرورة الكلّي كغير المقبوض، و هذا ممّا لا تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة «3».

و كلامه هذا مركّب من فقرتين و كلاهما في غاية الاجمال.

______________________________

(1)- مصباح الفقاهة: 7/ 530، البيع قسم الخيارات: 5/ 318.

(2)- المراد من الفرد هو الثمن، و قد بحث الشيخ عن مسألة شمول الحكم للكلّي في ضمن عمومية الحكم للثمن ثمّ انتهى إلى البحث عن اختصاص الضمان بالجزئي من الثمن أو يعمّه و الكلّي منه.

(3)- الخيارات: 301.

المختار في أحكام الخيار، ص: 627

أمّا الأولى فهي تشير إلى:

أنّ الحكم بالضمان في مدّة الخيار، استمرار للضمان الموجود قبل القبض، و الحكم بالضمان قبل القبض و إن كان رائجا بين العقلاء لكن الشرع أضاف إليه الضمان بعده تحت شروط، و عليه ففرض كون البائع ضامنا بعد القبض أيضا في مورد، فرع كونه ضامنا أيضا قبل القبض عند التلف في ذلك المورد بحكم أنّه استمرار لذلك الضمان، فلو افترضنا في مورد عدم ضمان البائع قبل القبض، لا يحكم عليه بالضمان بعد القبض أيضا أخذا بحديث الاستمرار.

أمّا الفقرة الثانية: فهي نوع استنتاج من الفقرة الأولى توضيحه.

فإذا كان الضمان أيّام الخيار استمرارا للضمان قبل القبض فانطباق القاعدة على مورد، فرع انطباق القاعدة الأولى عليه و لا يكون كذلك إلّا إذا كان المبيع أو الثمن شخصيين مثلا: إذا كان المبيع كلّيا، فليس هناك ضمان قبل القبض بالنسبة إلى الفرد لأنّ المفروض أنّ المبيع هو الكلّي لا ذاك التالف. و أمّا بعده فهو و إن كان متصوّرا، لكن معنى الضمان عندئذ- إذا كان المبيع كلّيا و تلف الفرد المقبوض- هو صيرورة الكلّي كغير المقبوض، و هو غير الضمان المستفاد من الأخبار السابقة التي كانت مآلها إلى انفساخ العقد، و دخول التالف في

ملك الناقل، و أين هذا من صحّة العقد عند تلف الفرد من الكلّي، غاية الأمر صيرورة الكلّي كغير المقبوض، و لا يصحّ حمل الروايات على معنيين مختلفين.

يلاحظ عليه: أنّ الضمان في أيّام الخيار و إن كان استمرارا للضمان الثابت

المختار في أحكام الخيار، ص: 628

قبل القبض لكنّه ليس بمعنى وجود الملازمة بينهما و أنّه إذا لم يكن للقضية الأولى موضوع في مورد التلف قبل القبض، يجب أن لا تصدق عليه القضية الثانية- إذا كان لها موضوع- بحجّة أنّ الضمان الثاني استمرارا للأولى بل الاستمرار أعمّ من أن يكون بينهما ملازمة أو لا، و على ضوء ذلك فعدم صدق الضمان في مورد تلف الفرد قبل القبض عند كون المبيع كلّيا، لا يكون دليلا على عدم جواز انطباق القضية الثانية في ذلك المورد بشرط كون التلف بعد القبض.

و ما ذكره من أنّ الضمان في مورد بيع الكلي هو فرض المقبوض كغير المقبوض، و أين هو الضمان في مورد كون المبيع جزئيا، غير تام بل الضمان في كلا الموردين بمعنى واحد، و هو انفساخ العقد و دخول المبيع الجزئي في ملك البائع، كدخول الفرد المقبوض من المبيع الكلي في ملكه، و رجوع الثمن إلى المشتري فتكون الأخبار الماضية محمولة على الضمان بمعنى واحد.

6- ما هو معنى الضمان في القاعدة:

إنّ في تفسير القاعدة و الروايات الواردة حولها وجوه و احتمالات ذكرها الشيخ و السيد الطباطبائي في تعليقته:

1- الانفساخ قبل التلف آنا ما أو تقدير ذلك، حتى يدخل التالف في ملك الناقل و يكون التلف من ملكه، و عندئذ يرجع الثمن إلى المشتري و هذا هو خيرة الشيخ و جماعة و تؤيّده بعض عبارات الشهيد في الدروس، و عليه يكون الضمان معامليا، فالبائع ضامن

للعين بعد القبض إلى انتهاء الخيار في مقابل الثمن الذي أخذه، فلو تلف قبل الانتهاء لا يكون ملزما إلّا بدفع الثمن.

2- البطلان مع التلف و فرض المعاملة كأن لم تكن و لازم ذلك رجوع الموجود

المختار في أحكام الخيار، ص: 629

(الثمن) من العوضين إلى مالكه و أمّا المثمن فلأجل كونه تالفا حين البطلان، لا يحكم عليه بالرجوع إلى مالكه، غاية الأمر المشتري لا يكون ضامنا. و هذا و إن لم يذكره الشيخ، و لكنه أظهر عند العرف من الأوّل. و في هذا الفرض يكون الضمان معامليا أيضا من دون حاجة إلى الحكم بدخول المبيع في ملك البائع.

3- بقاء العقد مطلقا، و أمّا الخيار: ففيه التفصيل فلو كان متعلّقا بالعين يسقط الخيار و يتعيّن الرجوع إلى المثل أو القيامة بمقتضى بقاء العقد و كون الضمان عليه، و لو كان الخيار متعلّقا بالعقد، يتخيّر بين الفسخ و استرجاع الثمن، و الامضاء و الرجوع إلى المثل أو القيامة، و هذا أكثر انطباقا على القواعد، و هذا ما يسمّى بالضمان الواقعي مثل الضمان بالاتلاف أو اليد.

4- تلك الصورة (لو كان الخيار متعلّقا بالعقد) لكن إذا فسخ يسترجع الثمن، و أمّا إذا لم يفسخ، يحتمل أمور:

ألف: عدم الرجوع بشي ء.

ب: الرجوع بالثمن معينا.

ج: الرجوع بالمثل أو القيامة أو الثمن مخيّرا.

و لا يخفى بطلان الاحتمالات الثلاثة الأخيرة، لأنّ عدم الرجوع بشي ء عند عدم الفسخ مناف لاطلاق الروايات من كون الضمان على البائع، كما أنّ توهّم الرجوع إلى الثمن عند عدم الفسخ معيّنا، أو بالمثل أو القيامة أو الثمن مخيّرا واه جدا فبقيت الاحتمالات الثلاثة الأول و لا بد في استظهار واحد منها من التماس دليل.

و أمّا الاحتمال الأوّل فربّما يستظهر من

لسان الروايات و غيرها و إليك البيان:

المختار في أحكام الخيار، ص: 630

1- قوله: «فهو من مال البائع» و قد ورد ذلك التعبير في صحيحة ابن سنان «1» و رواية علي بن رباط «2» و معناه أنّ التالف يعدّ مالا له و يتلف، بما أنّه مال من أمواله، و هذا يلازم الانفساخ و إلّا فلا يصير مال المشتري مالا للبائع.

و على ذلك: فالجملة بيان لما ورد في صدر صحيحة ابن سنان حيث قال للإمام: على من ضمان ذلك؟! فأجاب الإمام في ذيل الرواية: بأنّه من مال البائع أي ينفسخ العقد و يحسب التلف من ماله و يكون العقد كأن لم يكن، و يردّ الثمن و يكون الضمان معامليا لا واقعيا.

2- ورود نفس ذاك التعبير في النبوي المعروف «3» المفتى به عند الأصحاب أعني: «كل مبيع قد تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» و قد فهموا منه الانفساخ.

يلاحظ على الأوّل: أنّه كناية عن كون الخسارة على البائع، و أمّا كيفية كون التلف من ماله بافتراض دخوله في ملك البائع و تلفه في ملكه فليس الإمام بصدد بيانه بل هو موكول إلى العرف، و ما أفيد من ظهور الحديث في أنّ التالف يصير ملكا له حال تلفه و هذا لا يمكن إلّا بالانفساخ و صيرورته ملكا للبائع آنا ما حقيقة أو تقديرا، دقّة عقلية و هذه التعابير، عبارات عرفية لا تتحمّل هذه التدقيقات.

و على الثاني أنّ وحدة التعبير في المقام، و في التلف قبل القبض يعرب عن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12 الباب 8، من أبواب الخيار، الحديث 2. و الباب 5، الحديث 2.

(2)- المصدر نفسه: الباب 5، من أبواب الخيار، الحديث 5.

(3)- المستدرك: ج 13، الباب

9 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 631

وحدة المراد و هو أنّ الضمان على البائع و الخسارة عليه، و أمّا تصوير كيفية الضمان عليه، من أنّه بانفساخ العقد و دخول التالف قبل التلف في ملك البائع و تلفه في ملكه، فممّا لا يدل عليه النبوي في مورده فكيف في المقام.

و الأولى أن يقال أنّ الصحيحة و النبوي، منصرفان عن بيان كيفية الضمان على البائع. و فرض الملك تحقيقا أو تقديرا آنا ما، بعيد عن الأذهان العرفية و إنّما ساق الفقهاء إلى هذه الفكرة، تطبيق النصوص على القواعد.

و لعلّ الوجه الثاني و هو بطلان المعاملة بالتلف و فرضه كأن لم يكن أظهر من الأوّل و عندئذ يسترجع المشتري الثمن، بحكم بطلانها، و أمّا البائع فيرجع صفر اليد لعدم وجود المبيع، و النتيجة واحدة.

نعم إنّ الوجه الثالث أكثر انطباقا على الأصول و القواعد، إذ لا وجه للانفساخ، أو البطلان قبل التلف أو حينه أو بعده، غاية الأمر دلّت النصوص على أنّ الخسارة ترد على البائع، و لم يدل دليل على بطلان العقد فهو بعد باق بحاله، و أمّا الخيار فإن كان متعلقا بالعين الشخصية، يسقط الخيار و يبقى العقد بحاله، فيرجع إلى البائع بالمثل أو القيامة بمقتضى كون الضمان عليه، كسائر الموارد التي يكون الضمان على أحد المتعاقدين و إن لم يكن متعلّقا بها بل متعلّقا بالعقد، فله أن يفسخ و يرجع إلى الثمن أو يمضي و يرجع على البائع بالمثل أو القيامة.

و الحاصل أنّ الاحتمال الأوّل بعيد، و الثاني قريب إلى الأذهان العرفية و الثالث أوفق بالقواعد و الفتاوى، و النتيجة على القولين الأوّلين واحدة بخلاف الثالث، فإنّ العقد- عليه- باق و

الخيار ساقط تارة و غير ساقط أخرى كما عرفت.

المختار في أحكام الخيار، ص: 632

7- ضامن للعين و الوصف:

إنّ صريح صحيحة ابن سنان أنّ الضمان لا يختصّ بالتلف بل يعمّ كل ما حدث في المبيع من تلف جزء أو حدوث حدث يذهب بوصفه حيث قال «أو يحدث حدث» لكنّه لا يؤثّر إلّا في كون ضمانه على البائع فيرجع إليه بالارش إذا أمضى و لم يفسخ بالخيار السابق على زوال وصف الصحّة، و لا يحدث خيارا آخر، وراء ما كان يملكه من بدء العقد، لاختصاص النص بالضمان لا غير، و تظهر الثمرة أنّه لو سقط خياره السابق بعد حدوث حدث، فلا يصحّ الردّ بطروء العيب، لعدم كونه بمنزلة العيب الموجود حال العقد.

8- الحكم يختصّ بالتلف و لا يعمّ الاتلاف:
اشارة

إنّ مورد النصوص هو التلف، لا الاتلاف سواء كان المتلف صاحب الخيار أو المتعاقد الآخر أو الأجنبي فلا بد فيه من الرجوع إلى القواعد.

نعم ألحق الشيخ بالاتلاف حكم الشارع بالاتلاف كما إذا صار العبد مقعدا أو أعمى أو نكله المشتري حيث ينعتق بحكم الشارع. لكن النصوص منصرفة عنه.

كما أنّ المتيقّن هو موت الحيوان بسبب خاص به و أمّا إذا مات بطارئ عام مثل السيول و الزلازل، بحيث تكون نسبتها إلى المتبايعين سواسية و مثله ما إذا مات بشيوع العاهات بين الدواب فتضمين البائع في هذه الصور مشكل جدا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 633

و أمّا حكم الاتلاف فلو أتلفه المشتري أو أحدث فيه حدثا سقط خياره، لأنّ التصرّف آية رضاءه بالبيع.

و لو أتلفه البائع لا يبطل خيار المشتري فلو لم يفسخ يرجع إلى البائع بالمثل أو القيامة، و إن فسخ يرجع إليه بالثمن، و لو أتلفه الأجنبي يتخيّر المشتري بين الامضاء و الفسخ، فلو أمضى يرجع إلى المتلف بالمثل أو القيامة بحكم أنّه أتلف ماله، و من أتلف مال الغير فهو ضامن،

و إن فسخ فلا شك أنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن إنّما الكلام فيمن يرجع إليه البائع فقد ذكر الشيخ هنا احتمالات ثلاثة:

1- يرجع الى المتلف.

2- يرجع إلى المشتري.

3- يتخيّر في الرجوع بينهما.

و هذه الاحتمالات الثلاثة من فروع ما إذا فسخ المشتري و أخذ الثمن من البائع لا ما إذا أمضى، و عندئذ يقع الكلام في تعيين من يرجع إليه البائع.

ألف: رجوع البائع إلى المتلف:

استدلّ الشيخ على ذلك بوجهين:

1- انّ البدل القائم مقام العين في ذمّة المتلف فيستردّه بالفسخ.

2- انّ الفسخ موجب لاعتبار كون العين ملكا للبائع عند التلف أو الفسخ و هي في عهدة المتلف فتكون كما لو كانت موجودة عنده، فلا بدّ من الرجوع إليه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 634

و الفرق بين الوجهين كون ذمّة المتلف مشغولة بالبدل من أوّل الأمر، على الوجه الأوّل، و بالعين إلى زمن الانتقال إلى البدل على الوجه الثاني.

و قد ذكر الشيخ الوجه الثاني بالعبارة التالية: «و لأنّ الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك المفسوخ عليه «1» أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للمفسوخ عليه «2» بناء على الوجهين في اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ، و على التقديرين فهي في ضمان المتلف كما لو كانت العين في يد الأجنبي.

ثمّ إنّ الشيخ ردّ على الوجهين عند بيان الاحتمال الثاني و هو الرجوع إلى المشتري و نحن نذكره هنا بتوضيح:

أمّا الوجه الأوّل فأورد عليه ما هذا توضيحه: أنّ ما ذكره انّما يتم لو كان ما في ذمّة المتلف- عند الفسخ- بدلا عن العين الخارجية من جميع الجهات، قائمة مكانها في تمام الحيثيّات، فكما أنّه لو كانت العين موجودة عند الأجنبي و أتلفها يرجع إليه، فهكذا إذا كانت ذمّته مشغولة

بها بالتلف فهو مثل العين في جميع الآثار حتى رجوع البائع المالك.

و لكنّه ليس كذلك و إنّما البدلية إنّما هي بالنسبة إلى التلف من حيث وجوب دفعه إلى المالك و أنّ ذمّة المتلف غير فارغة عن ذلك لا أنّه يترتّب عليه جميع الآثار المترتّبة على العين.

______________________________

(1)- إنّ مورد البحث في كلام الشيخ هو تلف المبيع لا الثمن و على ذلك فالفاسخ هو المشتري و المفسوخ عليه هو البائع، و عند التلف أو عند الفسخ يدخل المبيع في ملك المفسوخ عليه، أعني:

البائع و على ذلك فالصحيح في كلا الموردين هو المفسوخ عليه لكن نسخ «المتاجر» جاء فيها «الفاسخ» مكان المفسوخ عليه، و قد نبّه بذلك الأعلام في تعاليقهم، لاحظ تعليقة السيّد: 171 و الشهيدي/ 597 و مصباح الفقاهة: 7/ 536.

(2)- إنّ مورد البحث في كلام الشيخ هو تلف المبيع لا الثمن و على ذلك فالفاسخ هو المشتري و المفسوخ عليه هو البائع، و عند التلف أو عند الفسخ يدخل المبيع في ملك المفسوخ عليه، أعني:

البائع و على ذلك فالصحيح في كلا الموردين هو المفسوخ عليه لكن نسخ «المتاجر» جاء فيها «الفاسخ» مكان المفسوخ عليه، و قد نبّه بذلك الأعلام في تعاليقهم، لاحظ تعليقة السيّد: 171 و الشهيدي/ 597 و مصباح الفقاهة: 7/ 536.

المختار في أحكام الخيار، ص: 635

و بعبارة أخرى: المقصود أنّه إذا تلف لا يخلّى و سبيله بل يؤخذ بدفع الغرامة عوضا عمّا أتلف و أمّا أنّ ما في ذمّته كالعين من جميع الجهات فلا.

و قد ذكره الشيخ بالعبارة التالية: «و كونه بدلا عن العين إنّما هو بالنسبة إلى التلف من حيث وجوب دفعه إلى المالك كالعين لو وجدت لا أنّه بدل خارجيّ يترتّب

عليه جميع أحكام العين حتى بالنسبة إلى غير التلف و هذا البدل نظير بدل العين لو باعها المشتري ففسخ البائع فإنّه لا يتعيّن للدفع إلى الفاسخ» «1».

و على ذلك فيرجع البائع إلى المشتري، فالمشتري يرجع إلى الأجنبي.

و أمّا الوجه الثاني فقد أورد عليه: بأنّه و إن كان موجبا لاعتبار كون العين ملك «البائع» لكن موصوفة بوصف هو اشتغال ذمّة متلفها ببدلها للمشتري، فتكون ذمّة الأجنبي مشغولة للمشتري لا للبائع.

و إلى هذا أشار إليه (عند بيان الوجه الثاني أي الرجوع إلى المشتري) بقوله:

أمّا الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها على متلفها بالقيمة، في ملك المفسوخ عليه، فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا على المالك «2» لا المتلف.

و بعبارة أخرى: عادت العين إلى المالك السابق بوصفين:

ألف: عادت إلى البائع بوصف كونها مضمونة ضمانا معاوضيا على المشتري في مقابل البائع بحيث إذا فسخ يجب أن يرد عليه الثمن.

______________________________

(1)- المتاجر: 302.

(2)- الظاهر أنّه أراد منه من له الخيار و هو المشتري المالك حين الفسخ و الحقّ انّ عبارات الشيخ في المقام ألغاز، فلاحظ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 636

ب: عادت إلى البائع بوصف كونها مضمونا على الأجنبي ضمانا غراميا واقعيا بالنسبة إلى المالك حين الفسخ و هو المشتري، و عليه فلا يرجع البائع إليه بل يرجع إليه المشتري.

إلى هنا تمّ بيان الوجه الأوّل و هو رجوع البائع إلى المتلف، كما ظهر ضعف الوجهين اللذين استدل بهما القائل على مدّعاه و حان بيان الوجه الثاني أي الرجوع إلى المشتري و إليك البيان.

ب: رجوع البائع إلى المشتري:

هذا هو الوجه الثاني و هو خيرة الشيخ و السيّد الطباطبائي و غيرهما و يظهر وجه رجوعه إلى المشتري عن البيان السابق في الرد على الوجه

الأوّل، و هو أنّ العين ترجع بالفسخ إلى البائع بوصفين:

1- ترجع العين إلى المفسوخ عليه بوصف كونها مضمونة على الفاسخ ضمان معاوضة.

2- ترجع العين إلى المفسوخ عليه حال كونها مضمونة على المتلف ضمان غرامة للمشتري، فعندئذ لا محيص عن رجوع البائع إلى المشتري الذي ضمن له ضمان المعاوضة حين العقد، و على ذلك فعلى الفاسخ دفع القيامة حين الفسخ للبائع، و على المتلف دفع القيامة حين التلف أو حين الغصب أو أعلى القيم للفاسخ. هذا هو الوجه الذي ذكرناه سابقا.

و نقول توضيحا لعبارة الشيخ: «أنّ المثمن تلف في ملك المشتري، و قد دخل في ملكه بدله (ما في ذمة المتلف) قبل الفسخ، فإذا فسخ العقد يدخل

المختار في أحكام الخيار، ص: 637

الثمن في ملك المشتري، و لأجل عدم جواز الجمع بين الثمن و بدله، يخرج بدله عن ملكه و يدخل في ملك ناقله أي البائع، لأنّه مقتضى الفسخ، و لكنّه يستقر في ذمّة المشتري لا في ذمّة المتلف.

أمّا استقراره في الذمّة لأنّه محل استقرار التالف، و أمّا استقراره في ذمّة المشتري لأنّ ما في ذمّة الأجنبي إنّما يتشخّص عند الاتلاف مالا للمشتري، و مع تشخّصه لا يمكن أن يكون مالا للناقل أي البائع.

ثمّ إنّ الشيخ ذكر هذا الوجه بقوله: «إذا دخل الثمن في ملك من (المشتري) تلف المثمن في ملكه، خرج عن ملكه بدل الثمن (المبيع) و صار (للناقل) مستقرّا في ذمّة (المشتري) (أمّا الذمّة) فلأنّ ضمان المتلف (بالفتح) (بالفسخ) محلّه الذمّة لا الأمور الخارجية، و (أمّا كونه في ذمّة المشتري لا الأجنبي) فلأنّه ما في ذمة المتلف (بالكسر) إنّما تشخّص ملكا للمالك (المشتري) فلا يكون الشي ء الواحد ملكا لشخصين».

ج: التخيير بين الرجوع إلى المشتري و المتلف:

هذا هو الوجه الثالث

الذي وصفه الشيخ بأنّه أضعف الوجوه، وجه التخيير أنّ العين تلفت و هي في ضمان المشتري ضمانا معاوضيا، و المفروض أنّ المتلف ضامن ضمان غرامة فالمقام يكون أشبه بتعاقب الأيدي، أو أشبه باجتماع اليد و الاتلاف، فالمشتري ضامن من جهة اليد، و المتلف ضامن لأجل الاتلاف، فللمالك الرجوع بأيّهما شاء.

و الأقوى هو الوجه الثاني ثمّ الثالث و إن وصفه الشيخ بأنّه أضعف الوجوه

المختار في أحكام الخيار، ص: 638

و لعل الأوّل أضعف. و على كلّ تقدير فقد أشار الشيخ إلى هذا الوجه بقوله: و من كون يد الفاسخ «1» عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ، و بالقيمة بعده، و اتلاف الأجنبي أيضا سبب للضمان فيتخيّر في الرجوع.

______________________________

(1)- في نسخ المتاجر «المفسوخ عليه» و الصحيح «الفاسخ» عكس ما سبق.

المختار في أحكام الخيار، ص: 639

أحكام الخيار

[الحكم] الخامس: حكم التسليم في زمن الخيار

قال العلّامة في التذكرة لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم، لم يبطل خياره، و لا يجبر الآخر على تسليم ما عنده، و له استرداد المدفوع قضية للخيار ثمّ نقل عن بعض الشافعية: أنّه ليس له استرداده، و له أخذ ما عند صاحبه بلا رضاه، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع.

إنّ ما ذكره من أحكام الخيار حكم انفرد به العلّامة و هو مخالف لعموم سلطنة الناس على أموالهم، بل يجب على كلّ واحد تسليم ما لديه عند الطلب، و كون العين متعلقة للخيار، لا يمنع عن التسليم لما عرفت و ستعرف أنّ الخيار يتعلّق بالعقد دون العين، و على فرض تعلّقه بالعين، لا يكون سببا لمنع التسليم بل يجب الجمع بين الحقّين: التسليم من جانب

ذي الخيار، و حرمة تصرّف الآخر تصرّفا منافيا للخيار، نعم لو شرط عدم التسليم إلّا بانقضاء الخيار فله المنع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 640

أحكام الخيار

[الحكم] السادس: عدم بطلانه بتلف العين

اشارة

و قبل الخوض في المقصود لا بدّ من تحرير محلّ النزاع.

لا شكّ في سقوط الخيار في موارد:

1- إذا كان مشروطا بوجود العين و ردّها، فيسقط الخيار، فليس للمشتري الخيار، إذا امتنع الردّ الخارجي.

2- إذا دلّ الدليل الشرعي على سقوطه مع تلف العين أو حدوث حدث فيها، كما هو في خيار العيب لما مرّ من مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب» «1».

3- إذا كان التلف موجبا للانفساخ كما هو الحال في التلف قبل القبض أو في التلف في زمان الخيار كما مرّ.

4- التلف في زمان خيار التأخير، فإنّه يوجب الانفساخ فلا يبقى موضوع

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 641

للخيار.

فإذا أخرجنا هذه الصور عن محط البحث يقع النزاع في بقاء الخيار مع تلف العين و عدمه، فقد اختار الشيخ الأنصاري قولين مختلفين، ففي صدر المسألة حكم ببقاء الخيار، قائلا بأنّ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد و معلوم أنّ العقد بعد التلف قابل للفسخ، و لذا تجوز الاقالة حينئذ اتّفاقا، فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف و لا مقيّد له بصورة البقاء.

ثمّ أخرج صورتين عن تحت هذه القاعدة:

1- إذا علم من الخارج أنّ تشريع الخيار لدفع ضرر الصبر على نفس العين، فينتفي هذا الضرر بتلف العين كما في العيب، فإنّ تخيّره بين الردّ و الارش

لأجل أنّ الصبر على العيب ضرر، و لو مع أخذ الارش، فتداركه الشارع بملك الفسخ و الرد، فإذا تلفت انتفت حكمة الخيار و تعين الارش.

2- إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الردّ لا بالخيار، اختصّ ثبوت الخيار بصورة تحقّق الردّ المتوقّف على بقاء العين «1».

ثمّ إنّ الشيخ ذكر في آخر المبحث وجها آخر، و هو أنّ الأصل عدم ثبوت الخيار عند التلف، إلّا في موضع دلّ عليه الدليل، و ذلك لأنّه لم تدل أدلّة الخيار من الأخبار و الاجماع إلّا على التسلّط على الردّ أو الاسترداد و ليس فيها التعرّض للفسخ المتحقّق مع التلف أيضا.

و كون الخيار بمعنى ملك الفسخ لم يثبت كونه كذلك في الروايات.

______________________________

(1)- لاحظ: الوسائل ج 12، الباب 5 من أحكام العيوب، فإنّ أكثر الروايات تشتمل على كلمة الردّ و هي واردة في الجارية الحبلى التي لم يعلم المشتري بحبلها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 642

يلاحظ على ما ذكره أخيرا: أنّه ليس للخيار حقيقة شرعية أو متشرعية، بل هو بمعناه العرفي عند العرف و الشرع، و الظاهر من الخيار هو الاختيار بين ايجاب العقد و ردّه، و لأجل ذلك نرى أنّ الخيار استعمل في مقابل وجوب البيع في روايات:

1- صحيحة الحلبي بسنده عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع» «1».

2- خبر غياث بن إبراهيم بسنده عن علي- عليه السلام- قال: إذا صفق الرجل على البيع، فقد وجب و إن لم يفترقا «2».

3- رواية قرب الاسناد عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار؟ قال: ... فإذا مضت ثلاثة أيام،

فقد وجب الشراء «3».

4- رواية الصفّار، قال: كتبت إلى أبي محمد- عليه السلام- في الرجل اشترى من رجل دابّة، فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ أله أن يردّها في الثلاثة أيام ...؟ فوقّع- عليه السلام-: إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء «4».

و هذه الروايات و نظائرها تؤيّد النظرية الأولى، و هو أنّ متعلّق الخيار و مقابلة ايجاب البيع شي ء واحد، و هو العقد، غير أنّ الخيار فك العقد، و ايجابه هو دعم العقد و توطيده.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4 و 7.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4 و 7.

(3)- المصدر نفسه: الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 9.

(4)- المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 643

و بذلك تقف على صحّة الضابطة المعروفة بين الفقهاء من أنّ كل خيار كان متعلّقا بالعقد فهو لا يبطل بتلف العين إلّا أن يكون الخيار متمثّلا في مفهوم ردّ العين أو تراد العينين، كما هو الحال في المعاطاة على القول بعدم اللزوم، و أمّا تعيين المصاديق فهو يحتاج إلى الدقّة في كلّ خيار على حدة.

و أمّا ما ورد من الروايات في الأمة المشتراة، و هي حبلى فهل الردّ هناك، كناية عن خيار الفسخ أو كناية عن الردّ الخارجي المعرب عن كون الردّ قائما بالعين؟

الظاهر هو الثاني، و إن كان المختار لسيدنا الأستاذ هو الأوّل.

مسألة: في ضمان العين بعد الفسخ:

إذا فسخ المشتري البيع، فهل يضمن ما في يده إلى أن يردّه على البائع كما عليه الشيخ الأعظم مدّعيا عليه عدم الخلاف أو لا؟ و قد استدلّ للضمان بوجوه:

1- الاستصحاب، لأنّ البائع

لم يسلّم العين إلّا في مقابل العوض و الأصل بقاؤه.

يلاحظ عليه: أنّ الضمان السابق كان ضمانا معاوضيا و المقصود الثبات الضمان الغرامي، و الضمان الواقعي.

2- عدم ثبوت كونها أمانة مالكيّة و لا شرعية، و إذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان.

يلاحظ عليه: أنّه مثبت و أنّه من قبيل اثبات أحد الضدّين بنفي الضدّ الآخر، و نفي كونها أمانة على الاطلاق لا يثبت كونها مضمونة.

3- الأخذ بطبع المعاملة و هو الضمان و إن شئت قلت: الأخذ بعموم على

المختار في أحكام الخيار، ص: 644

اليد، الشاملة لليد العادية و غيرها خرجت منه اليد الممحضة في الأمانية و انتفاء المستثنى معلوم بالوجدان، و على ذلك فلا اشكال في المسألة، و عليه فيجب عليه الرد تكليفا و يضمن لو تلف، إلّا في صورتين:

ألف: إذا أعلمه بالفسخ و أذن في الابقاء.

ب: إذا أعلمه و لم يأذن في الابقاء و تلف في سبيل الرد لكونه في عمله هذا محسنا، و «ما على المحسنين من سبيل».

و منه يظهر حكم عكس المسألة و هو إذا فسخ البائع و هي في يد المشتري فيحكم بالضمان لعموم «على اليد» إلّا إذا أذن في الابقاء أو تلفت في سبيل الردّ.

المختار في أحكام الخيار، ص: 645

الفصل الثالث عشر أحكام النقد و النسيئة

اشارة

إطلاق العقد يقتضي النقد.

هل التصريح بالتعجيل تأكيد أو تأسيس؟

البيع بثمن حالّا و بأزيد مؤجّلا.

إذا كان الثمن هو الأقل و الزيادة شرطا.

في حكم الثمن المؤجّل.

فيما إذا كان الثمن حالّا أو صار حالّا.

في تأجيل الثمن الحال بأزيد منه.

في بيع المبتاع بالثمن المؤجّل من البائع.

فيما إذا اشترط الشراء في البيع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 647

أحكام النقد و النسيئة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم في أحد العوضين إلى أربعة أقسام:

1-

بيع الحاضر بالحاضر.

2- بيع المؤجّل بالمؤجّل.

3- بيع الحاضر بالثمن المؤجّل و هي النسيئة.

4- بيع المؤجّل بالحاضر و هو السلم.

و القسم الثاني باطل لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يباع الدين بالدين» «1»، و سيوافيك شموله لبيع الكالي بالكالي.

المسألة الأولى: إطلاق العقد يقتضي النقد:

المعروف: أنّ إطلاق العقد يقتضي النقد، و استدلّ عليه بما في التذكرة: أنّ قضية العقد انتقال كلّ من العوضين إلى الآخر فيجب الخروج عن العهدة متى طولب صاحبهما.

و يلاحظ على ذلك:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 8 من أبواب السلف، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 648

1- أنّ الصحيح: إنّ مقتضى اطلاق الثمن و عدم تقيّده بالأجل، يقتضي ذلك، فالتعبير المذكور من قبيل الوصف بحال المتعلّق.

2- إنّ مقتضى العقد هو التبادل بين المالين من غير فرق بين النقد و النسيئة، و أمّا لزوم الأداء عند المطالبة فيمكن أن يكون لأجل الوجوه التالية:

ألف- إنّه مقتضى تسلّط الناس على أموالهم و الامتناع عن التسليم ينافي السلطنة.

ب- إنّ التبادل على وجه الاطلاق موضوع لحكم الشرع و العقل بوجوب التسليم.

ج- إنّ طبع المبادلة يقتضي النقد لأنّ الأصل في البيع هو المعاطاة و هي قائمة بالتعاطي الفعلي و البيع بالعقد متفرّع عليه، و تأخير أحد العوضين، على خلاف الطبع لا يصح إلّا بالتصريح و هذا ما يعبّر عنه بالانصراف.

و أمّا رواية عمّار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمى ثمّ افترقا، فقال: وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد «1» فقابلة للحمل على أحد هذه الوجوه.

المسألة الثانية: هل التصريح بالتعجيل تأكيد أو تأسيس:

اشارة

إذا صرّح بالتعجيل فهل يفيد نفس ما يفيده الاطلاق فيكون مؤكّدا أو يفيد شيئا جديدا؟ قولان: مؤكّد لما يفيده الاطلاق، فمعناه التأكيد على التسليم عند المطالبة كما كان هو مفاد الاطلاق أيضا. و مؤسّس، و هذا يحتمل وجوها ثلاثة:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 649

1- ما ذكره صاحب الجواهر: أن يعجّل بدفعه من

دون مطالبة فيغاير مفاده مفاد الاطلاق.

و أورد عليه الشيخ بوجهين:

ألف: أنّه خلاف المتفاهم من ذلك الشرط الذي هو محطّ نظر المشهور.

ب: أنّ مرجع عدم المطالبة في زمان استحقاقها إلى الغاء هذا الحق في هذا المقدار من الزمان و بعبارة أخرى أنّ هذا الشرط لغو لأنّه إمّا أن يطالب أو لا، فعلى الأوّل: يجب التسليم و لو لم يشترط لكفاية الاطلاق في وجوب التسليم عند المطالبة و إن لم يشترط، و على الثاني: يكون مفاده إلغاء هذا الحق.

يلاحظ على الأوّل: أنّه نفس المتفاهم العرفي فربّ تاجر شاغل يغافل عن المطالبة أو يرى نفسه فوق ذلك فيشترط تعجيل التسليم على وجه الاطلاق.

و على الثاني: منع كون مرجع الاشتراط إلى إلغاء الحق، بل مرجعه التأكيد على التسليم مطلقا طالب أم لم يطالب.

2- ما اختاره الشهيد في دروسه من ترتّب ثبوت خيار الشرط على اشتراطه عند التخلّف في خصوص ما إذا عيّن زمان النقد و التعجيل.

3- ما قوّاه الشهيد الثاني من ترتّب ثبوت خيار الشرط على اشتراطه مطلقا عيّن زمان النقد أو لا.

و على كلا القولين يثبت الخيار إذا كان هناك شرط.

و لعلّ التأسيس أظهر في نظر العرف، فلو لم يقم بدفع الثمن على الوجه المحدّد لا يعد محقّا في طلب المبيع كما هو الحال في اشتراء السهام من الشركات.

المختار في أحكام الخيار، ص: 650

ثمّ إنّ صاحب الجواهر أورد على ما قواه الشهيد الثاني من ثبوت الخيار مطلقا عيّن زمان النقد أو لا بوجهين:

1- أنّه مستلزم للجهالة إذا تعدّد افراد التعجيل.

2- لا بدّ من تقييد الخيار بعدم الامكان و إلّا أجبر على الوفاء به.

و أجاب الشيخ عن الأوّل: بأنّ التعجيل المطلق ينصرف إلى أوّل أوقات الامكان عرفا، و

هو يختلف حسب اختلاف المعاملات كمّية و كيفية، و العادات الحاكمة على ظروف العقود.

و عن الثاني: أنّ ثبوت الخيار مطلقا أو بعد اجباره، مسألة أخرى، لا صلة لها بخصوص هذه المسألة بل هي مسألة تعم جميع موارد الخيار.

على أنّه لا يجري في مثل هذا الشرط لا قبل انقضاء زمان نقد الثمن و لا بعده، أمّا قبل انقضاء زمان نقد الثمن فلأنّه لا يجوز الاجبار، و أمّا بعده فلأنّه غير الزمان المشروط فيه الأداء، فالإجبار على الأداء ليس اجبارا على الوفاء بالشرط، فلأجل ذلك لا يتصوّر الاجبار.

مسألة: شرط تأجيل الثمن:

إذا اشترى بثمن مؤجّل، يجب أن يكون الأجل محدّدا على نحو لا يتطرّق إليه احتمال الزيادة و النقيصة على وجه لا يتسامح فيه، لا مفهوما كما إذا قال:

آخر الربيع أو الجمادي، و كلّ، مردّد بين الشهرين، و لا مصداقا كقدوم الحاج و استدلّ الشيخ عليه بوجهين:

1- لزوم الغرر لأنّ الجهل بمقدار المدّة يوجب كون المعاملة خطريّا، لأنّ قيم الأجناس ترتفع و تتنزّل بقلة المدّة و زيادتها.

المختار في أحكام الخيار، ص: 651

و ربّما يتصوّر أنّ الدليل أخصّ من المدّعى، لأنّه إنّما يصير خطريا إذا تردّد الأجل بين المدتين القصيرة و الطويلة، كما إذا تردّد قدوم الحاج بين عشرة أيّام، و ستّة أشهر، و أمّا إذا تردّد بين القصير و الأقصر، كيوم أو خمسة أيّام فلا تكون المعاملة خطرية.

يلاحظ عليه: بما جاء في صدر المسألة من أنّ المراد من التحديد من حيث الزيادة و النقيصة بما لا يتسامح، و أمّا الزيادة و النقيصة التي تتسامح فلا إشكال فيه، و لا تكون المعاملة خطريا.

2- ما دلّ في السلم- الذي هو عكس المسألة- على وجوب تعيين الأجل و عدم جواز السلم إلى

دياس أو حصاد «1»، و ذلك بتنقيح المناط، و أنّ المتبادر من هذه الروايات هو لزوم كون الأجل محدّدا و أنّه لا خصوصية للثمن و المثمن، فلا يرد أنّ هذا من باب قياس باب على باب آخر، و أين السلم من النسيئة؟

نعم لا فرق في الأجل بين القصير و الطويل. و حكي عن الاسكافي المنع من التأخير إلى ثلاث سنين، و استدل لهذا القول بروايتين تدل إحداهما على عدم الجواز، في التأخير إلى ثلاث بينما تدلّ الأخرى على عدم الجواز في الأزيد على الثلاث «2». و لكن الامعان في الروايتين يثبت أنّ الإمام لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي، و إنّما كان بصدد اعطاء النصح للبائع حتى لا يتضرّر بالبيع بالمدّة الطويلة، و ربّما يموت المشتري و تتفرّق أمواله بين الورثة فلا يستطيع على أخذ الثمن.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 7 من أبواب أحكام العقود.

(2)- المصدر نفسه: الباب 1 من أبواب أحكام العقود، الحديث 1 و 3.

المختار في أحكام الخيار، ص: 652

و لو تمادى في الأجل إلى ما لا يبقى إليه المتبايعان، كما إذا باع بأجل يزيد على مائتين أو أزيد، فالظاهر أنّ المعاملة باطلة، لخروج الثمن عندئذ عن الانتفاع و صيرورة المعاملة سفهية و لا تشمله العمومات لعدم تعارفها بين العقلاء، و ما في كلام السيد الأستاذ من احتمال أن يكون هناك غرض عقلائي متعلّق به غير مفيد، لأنّ الميزان في صحّة المعاملة هو وجود الغرض النوعي لا الشخصي.

و ربّما يصار إلى تصحيح المعاملة بما ورد من حلول الدين المؤجّل بموت الدائن «1» فيكون الثمن حالا بموت المشتري، و لا يجب الصبر إلى المدّة المضروبة، و لكن التصحيح غير صحيح لأنّه في مورد

كان العقد صحيحا بالذات، ففي هذا الظرف إذا مات الدائن ينقلب المؤجّل حالا، و أمّا إذا كانت المعاملة باطلة، فلا يصحّحها هذا الأمر.

و ربّما يستدل على بطلان هذا العقد، بأنّ الاشتراط المذكور تصريح ببقاء الدين، مؤجّلا بعد الموت مع أنّ السنّة دلّت على حلول الأجل بالموت.

يلاحظ عليه: بأنّ حكم الشارع بحلول الأجل لا يكون إلّا فيما كان هناك أجل حسب الاشتراط، فالاشتراط المذكور محقّق لموضوع الحكم بالموت، لا أنّه ينافيه، نعم لو كان الشرط بقاء الأجل و عدم حلوله بالموت، كان مخالفا للسنّة، و كان فاسدا و مفسدا.

ثمّ إنّ المناط في تعيين المدّة هل هو تعيّنها في نفسها بحيث يكون معيّنا في الواقع أو معيّنا عند العرف سواء علم بذلك المتعاقدان أم لا، أم يشترط علم المتعاقدين بذلك؟ و الظاهر هو الأخير إذ لا يرتفع الغرر إلّا به، فلو باع شيئا بثمن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 12 من أبواب الدين.

المختار في أحكام الخيار، ص: 653

مؤجّل إلى عيد الأضحى و الفطر. و لكن لا يعلم بزمانه و تردّد بين سنة و عشرة أشهر فالمعاملة غررية، و إن كان الأجل متعيّنا في الواقع أو عند العرف. و إلى ذلك ينظر قول السيّد الاصفهاني في وسيلته حيث يقول: «و هل يكفي تعيّنه في نفسه و إن لم يعرفه المتعاقدان كما إذا جعل التأجيل إلى النيروز أو إلى انتقال الشمس إلى برج الميزان؟ وجهان، أحوطهما العدم بل لا يخلو من قوّة» «1».

و ربّما يتصوّر أنّ ذلك يناقض جواز البيع و الشراء بأوزان البلد و إن لم يعرفه المتعاقدان على وجه التفصيل و لكن النقض غير تام لعدم ثبوت الجواز في المقيس عليه، و ربّما تحتمل الصحّة لارتفاع

الغرر فيه عن طريق المشاهدة و تطبيقه على ما لديه من الأوزان.

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: 2/ 51، المسألة 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 654

المسألة الثالثة: البيع بثمن حالا و بأزيد مؤجّلا

اشارة

يظهر من الأحاديث المروية عن النبي و الآل «1» أنّ البيع بثمن حالا و بأزيد مؤجّلا كان رائجا بين العرب في عصر الرسول و بعده و لأجل ذلك استفاضت الروايات على المنع كما استفاض النهي عنه في الكتب الفقهية من عصر الاسكافي إلى زماننا هذا، و قد نقل الشيخ أكثر الكلمات في المسألة. و تحقيق المسألة يتوقّف على بيان أمرين:

الأوّل: ذكر صورة المسألة و استخراج حكمها في ضوء القواعد.

الثاني: دراسة الروايات الواردة دلالة و سندا. فنقول إنّ للمسألة صورا.

صور المسألة ثبوتا:

أمّا أن يكون كلّ من الأقل و الأكثر ثمنا للمبيع كما هو الظاهر من عنوان الفقهاء و إمّا أن يكون الثمن هو الأقل و تكون الزيادة من باب الشرط.

أمّا القسم الأوّل فله صور أربعة:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 1 من أبواب أحكام العقود، و مستدرك الوسائل: ج 13 الباب 2 من أبواب أحكام العقود.

المختار في أحكام الخيار، ص: 655

1- لو قال بعتك هذا بعشرة يدا بيد، و بعشرين إلى رأس الشهر و أراد بذلك أن يقبل المشتري أحدهما في المجلس منجّزا.

2- تلك الصورة و لكن المشتري قبل الايجاب بلا تعيين أحدهما و قال قبلت لغرض التعيين بعد القبول.

3- إذا أوجب على نحو التخيير و قبل المشتري كذلك و جاء بكلمة «أو» مكان «الواو» و قال: «بعتك هذا بديا نار عاجلا أو بديا نارين إلى شهر» و قبل المشتري كذلك.

و التفاوت بين الصورتين بالصراحة بالتخيير في الايجاب و القبول في الثالثة دون الثانية.

4- الايجاب على وجه التعليق بأن قال: «بعتك بعشرة إن كان نقدا و بعشرين إن كان نسيئة». و يقبل المشتري على وجه التعيين.

و أمّا القسم الثاني فله صور ثلاثة:

1- أن يكون البيع واردا على

الأقل نقدا و لكن يشترط الزيادة في مقابل جعل جواز التأخير له و يقول: «بشرط أن يجوز لك التأخير إلى كذا بزيادة دينار».

2- أن يكون البيع واردا على الأقل و يشترط الزيادة على فرض التأخير في مقابله.

و الفرق بين الصورتين أنّ التأخير في الأولى يكون قانونيا دون الثانية و يكون الأكثر فيها كالغرامة.

3- تلك الصورة و يشترط الزيادة مجانا عند التأخير لا في مقابله.

هذه مجموع الصور المتصوّرة و نأخذ ببيان أحكامها حسب القواعد الأوّلية

المختار في أحكام الخيار، ص: 656

ثم لنرجع إلى النصوص الواردة.

أمّا الأولى: فالظاهر الصحّة إن قبل واحدا منهما و كأنّ الايجاب ينحل إلى ايجابين و هو يقبل أحدهما معيّنا و هذا مثل ما إذا باع سلعة بعشرة، و سلعة أخرى بعشرين و هو لا يدري أنّ المشتري يقبل أي واحدة منهما.

و احتمل السيد الطباطبائي- قدّس سرّه- الصحّة و البطلان أمّا الصحّة فلوجود المقتضي من الاطلاقات و عدم المانع من الغرر و الجهالة لأنّ المفروض تعيينه في القبول و لا يضر الترديد في الايجاب بعد كون الثمن على الوجهين معيّنا في القبول. أمّا البطلان فلعدم جزم الموجب فيكون غررا و لو باعتبار الايجاب «1».

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقّن من مانعية الجهالة و الغرر، هو كون العقد و الاتفاق مشتملا على أمر مجهول، و مخطور و ليس الأمر كذلك بعد قبول المشتري.

و يمكن الاستئناس للجواز بما ورد في قصة شعيب حيث قال لموسى:

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ فأجاب موسى بقوله: ذٰلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلٰا عُدْوٰانَ عَلَيَّ (القصص/ 27- 28) و الصداق في النكاح أشبه بالثمن في البيع

على وجه و قد زوّج شعيب بنته بصداقين:

1- أن يعمل له ثمانية حجج.

2- أن يعمل له عشر سنين، فخيره بين الصداقين، و هو لا يعلم حسب الظاهر أنّ المخاطب يقبل أيّا منهما، و لكن موسى قبل الأقل منجزا و على كل

______________________________

(1)- تعليقة السيّد الطباطبائي: 2/ 176.

المختار في أحكام الخيار، ص: 657

تقدير و لكن خيّر نفسه في العمل بالأكثر، و هذا يعرب عن أنّ الجهالة في الايجاب مع تعيّنه في القبول لا اشكال، كل ذلك بناء على ما نقله الذكر الحكيم كان إنشاء من الطرفين للنكاح و لم تكن مقاولة قبل العقد.

و ربّما يستأنس في المقام بما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر- عليه السلام-، و الحلبي عن الصادق- عليه السلام- «1».

و أمّا الثانية: فيحكم عليها بالبطلان للجهالة لأنّ البائع لا يدري بأي ثمن باع كما أنّ المشتري لا يدري بأي ثمن اشترى و التعيين بعد البيع غير رافع للجهالة حال العقد، و مثله إذا باع بثمنين بأجلين، فالحكم في الجميع واحد.

و أمّا الثالثة: فيظهر وجه بطلانها من الثانية لأنّ قبولهما معا غير مقبول، و الحمل على أحدهما المعيّن لا وجه له و قبول أحدهما تخييرا مستلزم للجهالة لدى البيع.

و أمّا الرابعة: فتشترك مع الصورتين في الجهالة، و تختص بالتعليق المبطل.

المسألة الرابعة: إذا كان الثمن هو الأقل و الزيادة شرطا:

قد كان كل من الأقل و الأكثر فيما تقدم ثمنا و أمّا إذا كان الثمن هو الأقل، و كانت الزيادة من باب الشرط، فالجهالة و إن كانت مرتفعة لكن الاشكال من جهة أخرى و هي لزوم الربا، و إليك بيان حكم صورها الثلاثة:

______________________________

(1)- لاحظ الوسائل: ج 13، الباب 8 من أبواب أحكام الاجارة، الحديث 2 و الباب 13 من هذه الأبواب، الحديث 1،

و بما أنّ موردهما الاجارة لم نذكرهما في المقام.

المختار في أحكام الخيار، ص: 658

أمّا الأولى: فلا شك أنّ الشرط يعد ربا و أمّا كونه مفسدا مع كونه فاسدا أو لا، فمبنيّ على النزاع المتقدّم من كون الشرط الفاسد مفسدا أو لا، و على القول بعدم الافساد فالثمن هو الأقل و لا يلزم على البائع الصبر إلى الأجل لسقوطه عن الاعتبار و لا يقاس بما إذا باع نسيئة بالثمن الأكثر من أوّل الأمر، و ذلك لأنّ الثمن هناك الأكثر بخلاف المقام.

و منها تظهر حال الثانية فلا نطيل الكلام ببيانه إنّما الكلام في الثالثة فهل هو ربا في مقابل تأخير الثمن، أو هو طلب فعل من المشتري عند التأخير بالمجّان؟! و الأوّل هو المتفاهم عند العرف.

هذا هو حكم القواعد، و إليك ما ورد من الروايات:

و هي على قسمين:

الأوّل: ما نهى فيه عن بيعين في بيع، أو عن شرطين في بيع، أو صفقتين في واحدة الظاهرة في التحريم. و لا تحمل على الكراهة إلّا بدليل:

1- إنّ رسول اللّه بعث رجلا إلى أهل مكة و أمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع «1».

2- نهى رسول اللّه عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «2».

3- نهى عن بيعين في بيع «3».

الثاني: ما يدلّ على الصحّة بوجه خاص:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3 و 4 و 5.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3 و 4 و 5.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3 و 4 و 5.

المختار في أحكام الخيار،

ص: 659

4- صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: من باع سلعة فقال: إنّ ثمنها كذا و كذا يدا بيد، و ثمنها كذا و كذا نظرة، فخذها بأي ثمن شئت، و اجعل صفقتها واحدة، فليس له إلّا أقلّهما و إن كانت نظرة «1».

5- موثقة السكوني عن جعفر الصادق- عليه السلام-: أنّ عليا- عليه السلام- قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين، بالنقد كذا و بالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال: هو بأقلّ الثمنين و أبعد الأجلين، يقول: ليس له إلّا أقلّ النقدين إلى الأجل الذي أجّله بنسيئة «2».

و إليك الكلام في هذه الروايات:

1- لو كان هناك اجمال في الروايات الثلاث، أعني قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «عن شرطين في بيع» و قوله «عن بيعين في بيع» فيرفع الاجمال بما جاء في صحيحة محمد بن قيس «3»: «من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة». و لعلّ التعبير بشرطين لاشتمال الكلام ظاهرا أو باطنا على الشرطين: إن كان نقدا ... إن كان نسيئة، كما أنّ التعبير ببيعين لانحلال الايجاب على ايجابين و بيعين.

2- قد فرض فيها كل من الأقل و الأكثر، ثمنا للسلعة، و على ذلك فالقسم الثاني بصورها الثلاثة خارج عن مورد الروايات، و على ذلك فما احتمله الشيخ في توضيحها من حمل الرواية على أنّ الثمن هو الأقل لكن شرط عليه أن يعطيه على التأجيل شيئا زائدا و هذا الشرط فاسد لما سيجي ء من أنّ تأجيل الحال بزيادة ربا

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث 1 و 2.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 2 من

أبواب أحكام العقود، الحديث 1 و 2.

(3)- مؤلف كتاب القضايا و قد أعيد تأليفه باشرافنا و طبع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 660

محرّم ... في غير محلّه.

3- إنّ مورد الروايتين الأخيرتين هو كون أحد الثمنين حالّا و الآخر مؤجّلا، و أمّا البيع بثمنين بأجلين فهو خارج عن مصبّهما و ما في الموثقة من التعبير ب «أبعد الأجلين» فهو من باب المشاكلة و إلّا فصريح الصدر كون أحد الثمنين نقدا و الآخر مؤجّلا.

4- إنّ كلمات الأصحاب مختلفة في المسألة و قد نقلها الشيخ الأعظم فالمحكي عن المبسوط و السرائر، و أكثر المتأخّرين هو البطلان لأجل الجهالة قياسا بما إذا تردّد المبيع بين المتاعين، و ظاهر المقنعة، كون العمل منهيا تحريميا أو تنزيهيا مع صحّة البيع و يكون الثمن أقلّهما في آخر الأجلين، و قد ذكر الشيخ في كلامه احتمالات خمسة، أبعدها خامسها، أعني قوله: «و يحتمل الحمل على فساد اشتراط زيادة الثمن» لكونه خلاف ظاهر عبارة المقنعة و الروايات، فإنّ ظاهرها كون كلّ من الدرهم و الدرهمين ثمنا مستقلا، نعم ظاهر المقنعة، كون كل من الثمنين مؤجّلا و هو خلاف مورد الروايات.

و ظاهر النهاية و الغنية و المراسم و الكافي و المهذّب: الحكم بالبطلان، باضافة «فإن أمضى البيّعان ذلك بينهما كان للبائع أقلّ الثمنين في آخر الأجلين».

و المهم هو رفع التنافي بين صدر كلامهم و آخره، حيث حكموا، بالبطلان أوّلا ثمّ بالصحّة ثانيا باسقاط الأكثر عن الاعتبار، و قد ذكر الشيخ الأعظم وجهين:

1- حمل كلامهم على أنّ الثمن هو الأقل لكن شرط عليه أن يعطيه على التأجيل شيئا زائدا و الشرط فاسد دون العقد. و عليه أيضا تحمل الرواية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 661

يلاحظ عليه:

أنّ ما ذكره ينطبق على لفظ المختلف و الدروس فقط، و ظاهر الباقين كون كلّ واحد ثمنا.

على أنّه لو صحّ العقد فلما ذا صحّ بالنحو المذكور فإذا كان الثمن هو الأقل فليكن الثمن معجّلا لا مؤجّلا، و قد اتّفقا عليه. و أمّا التصحيح على النحو الوارد في كلماتهم فلم يتّفقا عليه.

2- حمل كلامهم على صورة تلف المبيع فيكون دفع الأقل من باب الغرامة، فيكون دفع الأقل منزّلا على الغالب من كون الثمن المعيّن نقدا هو مقدار قيمة المبيع.

يلاحظ عليه: أنّه لا ينطبق إلّا على عبارة الاسكافي، أضف إليه، ما هو الوجه لتأخير القيامة إلى أبعد الأجلين.

و الأولى حمل ما ذكروه تفسيرا للروايتين و انّ الحكم ثبت تعبّدا لعدم تعلّق الرضا على الثمن الأقل، على أبعد الأجلين لكونه على خلاف القاعدة و لأجل ذلك يقتصر على مورد النص و هو كون الأقل و الأكثر ثمنين، واحد منهما معجّل و الآخر مؤجّل و إن تردّد الشيخ في نهوضها لتأسيس هذا الحكم المخالف للأصل.

ثمّ إنّ الوارد في بعض الكلمات قوله «فإن أمضى البيّعان ذلك ...» فهل هو إشارة إلى الامضاء الابتدائي، أو الامضاء بعد العلم بالبطلان. كل محتمل، و على كلا الاحتمالين تكون النتيجة مخالفة لما أمضاه.

ثمّ إنّ المعتمد هو الصحيحة و الموثقة الحاكيتان قضاء علي- عليه السلام- فهل يمكن الاعتماد عليهما في اثبات الحكم المخالف للقواعد أو أنّ ما جاء في قضاء

المختار في أحكام الخيار، ص: 662

الإمام كان قضية في واقعة، كما هو الحال في أكثر أقضيته من حصول العلم للإمام برضا الطرفين بما حكم.

و على كلّ تقدير فالإفتاء بالصحّة و لزوم العقد مشكل جدا و البطلان لا يخلو عن قوّة، و لأجل ذلك يقول

السيد الاصفهاني بالبطلان في المسألة و ما إذا باعه بثمن إلى أجل و بأزيد منه إلى أجل «1».

المسألة الخامسة: في حكم الثمن المؤجّل:

إنّ فائدة تأجيل الثمن هو عدم وجوب دفعه قبل حلول أجله، فليس للبائع طلبه، و لا على المشتري دفعه إنّما الكلام في موردين:

الأوّل: إذا تبرّع بدفعه فهل يجب على البائع قبوله أو لا؟ وجهان:

1- يجب قبوله لأنّ الأجل حقّ مختصّ بالمشتري و أنّ المؤجّل كالواجب الموسّع يجوز فيه التأخير و لا يجب.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره هو الغالب و ليس أمرا كلّيا و إلّا فربّما يكون الاشتراط من الطرفين أو من جانب البائع فقط ليحتفظ بماله في ذمّته إلى أجل معيّن، فعندئذ لا يجب عليه القبول و منه يظهر ما في الوجه الثاني في كلامه من تشبيهه بالواجب الموسّع، فإنّه يتمّ على الفرض الأوّل، لا مطلقا.

2- لا يجب و يظهر وجهه ممّا ذكرناه و أمّا الاستدلال عليه بأنّ التعجيل كالتبرّع بالزيادة فلا يكلّف تقبّل المنّة غير تام، بل ربّما ينقلب الأمر فيكون القبول منّة على المشتري كالقبول منه في أيّام الفتنة التي يخاف الناس على أموالهم.

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: 2/ 35.

المختار في أحكام الخيار، ص: 663

فالنتيجة هو التفصيل بين كونه حقّا مختصّا بالمشتري، فيجب القبول دون ما إذا كان حقّا مشتركا أو حقّا مختصّا بالبائع، فعندئذ يكون البائع مخيّرا بين القبول و الرد.

ثمّ إنّ سيّدنا الأستاذ اختار ثاني الوجهين ببيان سيوافيك في البحث التالي:

الثاني: إذا أسقط المشتري التأجيل فهل يصير الدين حالا، و يترتّب عليه جواز المطالبة للبائع، أو لا؟ ذهب العلّامة و المحقّق الثاني و الشيخ الأعظم و السيد الأستاذ إلى الثاني و إليك تحليل أدلّتهم:

1- قال العلّامة: لو كان عليه دين مؤجّل فأسقط المديون الأجل،

لم يسقط و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأنّ الأجل صفة تابعة، و الصفة التابعة لا تفرد بالاسقاط و لهذا لو أسقط مستحقّ الحنطة و الدنانير، الصحّة و الجودة، لم يسقط، و للشافعي وجهان.

و أوضحه السيد الأستاذ بأنّ الأجل صفة للثمن فوقع البيع بعشرة مؤجّلة نظير توصيف الفرس بالعربية كما لو باع فرسا عربيا مثلا بكذا، فيكون تابعا ثبوتا و سقوطا غير قابل للانحلال إلى أمرين «1»:

يلاحظ على الاستدلال بأنّ الملاك لجواز الاسقاط- بعد كونه قابلا للاسقاط في حدّ نفسه بأن لم يكن حكما شرعيا- هو عدم تطرّق الخلل إلى أركان العقد، بأن يعد العقد قبله و بعده عقدين متباينين كالاختلاف في المبيع و الثمن. و أمّا غير ذلك فالكلّ قابل للاسقاط سواء كان تابعا أو متبوعا. و بعبارة أخرى كلّما كان متضمّنا للكلفة الزائدة، فهو قابل للرفع بحديث الرفع، في باب البراءة، و قابل للاسقاط في المقام، فللمشتري إسقاط وصف الجودة و الصحّة، و العربية و الرضا

______________________________

(1)- المتاجر قسم الخيارات 5/ 345.

المختار في أحكام الخيار، ص: 664

بالفاقد منه، لعدم تطرّق الخلل إلى أركان العقد حتى يقال إنّ العقد قبل الاسقاط و بعده متباينان، ذاتا و أساسا، و انّ الرضا بالفاقد، رضا بمعاملة جديدة لم تنشأ.

2- ما ذكره المحقّق الثاني: إنّ التأجيل ثبت في العقد اللازم فلا يسقط و لأنّ في الأجل حقّا لصاحب الدين و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل، نعم لو تقايلا في الأجل يصحّ و لو نذر التأجيل فإنّه يلزم و لا يسقط بالتقايل لأنّه في العقود لا في النذور.

يلاحظ عليه: بأنّ الميزان في صحّة الإسقاط و عدمه كونه حقّا أو حكما، سواء كان في العقد اللازم أو

الجائز و ما ذكر ثانيا من أنّ في الأجل حقّا لصاحب الدين، غير مضر، لأنّ الكلام فيما كان حقّا مختصّا بالمشتري و أمّا المشترك أو المختص بالبائع فلا يجب القبول و إن أسقطه المشتري.

3- ما ذكره الشيخ الأعظم: إنّ مرجع التأجيل في العقد اللازم إلى اسقاط حق المطالبة في الأجل فلا يعود الحق باسقاط التأجيل، و الشرط القابل للاسقاط ما تضمّن اثبات حقّ قابل لاسقاطه بعد جعله، ألا ترى أنّه لو شرط في العقد التبرّي من عيوب لم يسقط هذا الشرط باسقاطه بعد العقد، و لم تعد العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط.

يلاحظ عليه: أنّ حقيقة التأجيل ليس إلّا احداث حقّ للمشتري فله إسقاطه، و ليس مرجعه إلى اسقاط جواز المطالبة من جانب البائع و ذلك، لأنّ جوازها من أحكام الملك و السلطنة فلا يصح اسقاطه بحال.

و بعبارة أخرى: إنّ حقّ البائع باق بحاله، غير أنّ الاشتراط صار مانعا عن تأثيره فإذا ارتفع المانع، كان المقتضي مؤثّرا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 665

أضف إلى ذلك: أنّ لازم ما ذكره، عدم صحّة الاقالة من الطرفين بالنسبة إلى الشرط.

4- ما ذكره السيد الأستاذ- قدّس سرّه- من أنّ النسيئة ليس بيعا متضمّنا لشرط التأجيل و لا تقييدا لإطلاق سلطنة البائع على المطالبة متى شاء، و لا قيدا للثمن بأن يكون المملوك الثمن المؤجّل، أو الثمن رأس الأجل، و ليست واحدا من هذه الاحتمالات الثلاثة بل هي بمعنى تقييد نفس القرار المعاملي فالبيع نسيئة صنف من البيع مقابل النقد لا أنّهما شرطان أو قيدان في الثمن.

و على ما ذكرنا من أنّها قرار خاص، لا قرار و شرط، فلا يصحّ إسقاط التأجيل لأنّه ليس حقّا حتى يصحّ إسقاطه، و

لا شرطا حتى يصحّ الاعراض عنه بل هي قرار خاص يصحّ التقايل في أصلها لا في خصوصياتها، و حديث الانحلال في بعض المعاملات مخصوص بموارد يوافق فيها العرف عليه فالبيع النقدي لا ينحل إلى بيع و كونه نقدا و كذا النسيئة «1».

يلاحظ عليه: أنّ العقد و إن كان يوصف بالنقد و النسيئة، لكنّه توصيف له بحال متعلّقه، و بما أنّهما في الحقيقة وصفان للثمن فالمشتري تارة ينقد الثمن و أخرى ينسئه و يؤخّره، و الاختلاف في الحقيقة في أوصاف الثمن، و هو لا يجعلهما عقدين متباينين و إلّا يكون المشروط مع المطلق متباينين.

و إن شئت قلت: إنّ المرجع في تمييز المتباينين عن المطلق و المقيّد، أو المطلق و المشروط هو العرف و هو لا يرى البيع النقدي و غير النقدي، متباينين و لأجل ذلك لو تعاقدا نسيئة لكن نقد المشتري الثمن في المجلس مطلقا أو في مقابل اسقاط جزء من الثمن، لا يكون وفاء بالمبائن، فالأقوى أنّ الاسقاط يجعله حالّا.

______________________________

(1)- المتاجر: قسم الخيارات: 5/ 343.

المختار في أحكام الخيار، ص: 666

المسألة السادسة: فيما إذا كان الثمن حالّا أو صار حالّا:

إذا كان الثمن أو الدين حالّا أو حلّ فهو موضوع لعدة أحكام:

1- إذا دفعه المديون وجب على الدائن القبول.

و يمكن الاستدلال عليه: بقاعدة «الناس مسلّطون على أنفسهم» فهي و إن لم تكن منصوصة بلفظها لكنّها قاعدة عقلائية غير مردوعة، أو هي مستفادة من فحوى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلّطون على أموالهم» «فهم أولى على أنفسهم» بمعنى أنّه لا حقّ للدائن على ذمة المديون في حفظ ماله في ذمته بعد حلول أجله و بعد كون المؤدّى موافقا لحقّه من حيث القدر و الوصف و الجنس، و كون الزمان و المكان

مناسبين عند العقلاء، لاداء الدين، نعم لو أدّاه و هو مشغول بالفريضة، أو في مفازة أو غير ذلك، ممّا يستنكره العقلاء فلا.

هذا كلّه إذا قلنا بشرطية القبض و أمّا إذا قلنا بكفاية التخلية بينه و بين دينه فيكفي الطرح عنده، سواء قبضه أو لا، بل يكفي دسّه بين أمواله، و لعلّ العرف و العقلاء لا يساعد الأخير إلّا إذا كان هناك امتناع، مع اجتماع الشرائط المذكورة للقبض، و على ذلك فلو امتنع بلا عذر مسموع، تكفي التخلية أو الدس بين أمواله و يستشهد على ذلك، لئلّا يحكم عليه بعدم الأداء في مقام إقامة الدعوى.

و لو قلنا بكفايته، لا يبقى مجال للبحث عن صور امتناع القبض، نعم لو قلنا بلزوم القبض و عدم كفاية الطرح من الدين يأتي البحث عن الصور الآتية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 667

2- إذا امتنع عن القبض فهل له إكراهه على القبول؟ الظاهر لا، لأنّ الإكراه من شئون الحكومة و الولاية، نعم لو ألزمه على القبض و حصل و كان الدين كلّيا سقط الدين، لأنّ الموضوع للبراءة هو القبض الأعم من الاختياري.

فإن قلت: إذا كان القبض عن إكراه لا يترتّب عليه الأثر لحديث الرفع.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 667

قلت: إنّما ذلك إذ لم يكن الإكراه عن حقّ، و إلّا فلا يشمله حديث الرفع لأنّه حديث امتنان، يختص بمورده.

3- و إذا امتنع عن القبض و لم يلزمه المديون، فعليه أن يرفع الشكوى إلى الحاكم و يجب عليه ولاية دفع الضرر عنه، و هو يختلف حسب اختلاف الظروف فربّما تقتضي المصلحة

أن يلزمه بالقبض، و أخرى أن يتصدّى بنفسه للقبض، و ثالثة يأمره بالايداع في صندوق الأمانات العامّة المعيّنة من جانب الحكومة.

نعم ذهب الشيخ و غيره إلى تعيّن إلزامه بالقبض قبل تصدّيه بنفسه مستدلّا بأنّ امتناعه أسقط اعتبار رضاه في القبض الذي يتوقّف ملكه عليه، لا أصل القبض الممكن تحقّقه منه كرها، و جعل السيد الطباطبائي الترتيب مفاد قاعدة «لا ضرر» و قال: إنّ الدليل على كلّ من الأحكام الثلاثة مذكورة على الترتيب: 1- وجوب الاجبار. 2- قبض الحاكم. 3- العزل. (الذي سيوافيك بيانه) هو قاعدة الضرر و أنّ مفادها يختلف حسب المقامات و في صورة إمكان الاجبار يتعيّن كون الساقط هو اشتراط القبض بالرضا، لا أصل القبض لأنّ الموجب للضرر هو شرطية الرضا، لا أصل القبض، و في صوره عدم إمكان ذلك، يتعيّن كون الساقط اعتبار مباشرته للقبض و لازمه كفاية قبض وليّه و هو الحاكم، و في صورة عدم إمكان ذلك أيضا يتعيّن كون الساقط أصل اعتبار القبض فيكتفي بمجرّد العزل، و السر فيما ذكرنا هو أنّ الضرر نظير الضرورات التي تتقدّر

المختار في أحكام الخيار، ص: 668

بقدرها و مثلها في ذلك قاعدة الحرج، ثمّ استشهد برواية عبد الأعلى آل مولى سام، في لزوم المسح على المرارة «1».

و هو بهذا البيان أثبت أنّ كلا من الأمور الثلاثة: إكراه الحاكم، تولّيه القبض عند عدم إمكان الاكراه، ثمّ عزل المديون، مطابق للقاعدة و مستفاد من «لا ضرر».

يلاحظ عليه: بعد الغضّ عمّا ذكرنا- من عدم وصول النوبة إلى طرح الشكوى عند الحاكم إلّا نادرا- أنّه إذا رفع الشكوى، لا يتعيّن للحاكم إلزامه بالقبض، بل إذا اقتضت المصلحة، ربّما يقدّم تصدّيه للقبض على الإلزام، و «السلطان وليّ

الممتنع» و الولي يعمل حسب اقتضاء المصلحة، فلو اقتضت تقديم التصدّي للقبض على الإكراه عليه، يقدّم. و ما ذكره من استفادة الترتيب من قاعدة «لا ضرر» إنّما هو في مورد عدم دليل حاكم على رعاية الترتيب و هو اطلاق معقد الدليل، فاطلاق دليل الولاية هو المحكم، لا قاعدة «لا ضرر».

4- و إذا لم يمكن إلزام الحاكم و لا تصدّيه للقبض فهل يكفي قبض عدول المؤمنين؟ التحقيق لا، لعدم ثبوت الولاية لهم، بل طريق براءة ذمّة المديون عند الشيخ الأعظم أن يعزل حقّه و يجعله أمانة عنده، فإن تلف فعلى ذي الحق لأنّ هذه فائدة العزل و ثمرة الغاء قبض ذي الحق، و لكن لا يخرج عن ملك مالكه لعدم الدليل على ذلك فانّ اشتراط القبض عند التمليك لا يسقط بأدلة نفي الضرر، و إنّما يسقط بها ما يوجب التضرر و هو الضمان، و حينئذ فنماء المعزول للمديون و قاعدة الخراج بالضمان غير جارية هنا.

______________________________

(1)- تعليقة السيد الطباطبائي: 2/ 180.

المختار في أحكام الخيار، ص: 669

و لمّا كان الجمع بين بقاء ملكية الدافع، و كون التلف من ذي الحق، أمرا غريبا، لأنّ الحق المملوك لصاحب الدين إن تشخّص في المعزول كان ملكا له، و إن بقي في ذمّة الدافع لم يكن تلف المعزول منه، أجاب عن الاشكال بأنّ الحق قد سقط من الذمّة و لم يتشخّص بالمعزول، و إنّما تعلّق به كتعلّق حقّ المجنيّ عليه برقبة العبد الجانيّ فبتلفه يتلف الحقّ و مع بقائه لا يتعيّن الحق فيه، فضلا عن أنّ يتشخّص به و يمكن أن يقدّر آنا ما قبل التلف كون التلف في ملك صاحب الدين.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ تضمين الغير (الدائن) مال المديون بمعنى

كون التلف منه- كما هو المفروض- مع كونه تحت يده، من دون أن يكون هناك سبب للضمان من عقد أو اتلاف، مباشرة أو تسبيبا، أمر غريب لا يصار إليه بلا دليل و المفروض أنّ المال للمديون و تحت يده، و لكن الضمان على الدائن من دون أن يكون له سبب من عقد أو اتلاف.

و ثانيا: أنّ ما أجاب به عن الاشكال من كونه ملكا للمديون إلى حين التلف و انتقاله إلى الدائن قبل التلف آنا ما، ليس سالما عن الغرابة مثل المبنى.

و يتلوه في الغرابة ما ذكره أيضا من جواز تصرّفه في المعزول فينتقل المال إلى ذمّته لو أتلفه و ذلك لأنّ لازم تعلّق حقّ الغير به عدم جواز تصرّفه، و دعوى أنّ ذلك التصرّف لا ينافي حقّ الدائن لانتقاله إلى الذمّة، لا تصحّح جواز التصرّف، و إلّا جاز للراهن التصرّف في العين المرهونة بنيّة جعل بدل لها بعد الانتقال إلى الذمّة.

فالأولى في هذه الصورة- عدم وجود حاكم مبسوط اليد- الصبر حتى يحصل له الفرج بالطرق المذكورة المتقدمة، و ليس ذلك إلّا من آثار عدم وجود

المختار في أحكام الخيار، ص: 670

الحاكم الذي بيده حلّ تلك العقد و المعضلات.

و أمّا حكم الفرعين اللّذين نقلهما الشيخ في المقام، فتظهر الحال فيهما ممّا ذكرناه في قاعدة «لا ضرر» و إليك الفرعين:

1- إذا أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه في مال على جهة الاشاعة بحيث يتعيّن المدفوع للشريك و لا يتلف منهما.

2- لو تسلّط الظالم بنفسه و أخذ قدر نصيب الشريك.

و من أراد التحقيق فليرجع إلى ما حرّرناه حول قاعدة «لا ضرر» في ذلك المضمار.

المسألة السابعة: في تأجيل الثمن الحال بأزيد منه:

لا شكّ في جواز نقص المؤجّل بالتعجيل، أو تأخير أجل البعض بنقد

البعض. و تدلّ على كلا الحكمين صحيحة محمد بن مسلم و الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنّهما قالا في الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي كذا أو كذا، و أضع لك بقيّته، أو يقول: أنقد لي بعضا و أمدّ لك في الأجل فيما بقي عليك، قال: لا أرى به بأسا ما لم يزدد على رأس ماله شيئا، يقول اللّه: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ «1».

و تدلّ على خصوص الحكم الثاني مرسلة أبان عمّن حدّثه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 7 من أبواب أحكام الصلح، الحديث 1. و الآية في سورة البقرة: 279.

المختار في أحكام الخيار، ص: 671

الأجل: عجّل لي النصف من حقّي على أن أضع عنك النصف، أ يحلّ ذلك لواحد منهما؟ قال: نعم «1».

إنّما الكلام في تأجيل الثمن الحال أو مطلق الدين بأزيد منه. قال المحدث البحراني: لا يجوز تأخير ثمن المبيع و لا شي ء من الحقوق المالية بزيادة فيها، و عليه ظاهر اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- و به استفاضت الأخبار:

كأن يكون له في ذمّته مائة درهم حالّا و يزيد تأجيلها إلى سنة بزيادة عشرين درهما «2».

لا شكّ أنّه من مصاديق الربا لأنّ العرف لا يفرّقون بين الزيادة سواء تراضيا عليها في أوّل الأمر كأن يقرضه عشرة دنانير بأحد عشر إلى شهر، و بين أن يتراضيا بعد الشهر على التأخير شهرا آخر بزيادة دينار واحد. و الصورة المتصوّرة عبارة:

1- جعل الزائد في مقابل الأجل و هذا هو الرائج بعنوان

الشرط الابتدائي.

2- بيع دينه الحالّ بأزيد مؤجّلا. و هو إمّا ربا حقيقة أو مشتمل على مناطه.

3- جعل الزائد بالمقاولة أو المصالحة و ترتيب الأثر عليهما.

4- جعله بالشرط في ضمن معاملة أخرى كما إذا اشترى شيئا بالثمن الزائد باشتراط تأخير الدين عليه في ضمن تلك المعاوضة، و إن ذهب الشيخ الأعظم إلى جواز القسم الأخير كما سيوافيك.

و الدليل المهم هو صدق الربا على هذه الأقسام عرفا و ملاكا.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، كتاب الصلح، الباب 7، الحديث 2.

(2)- الحدائق الناضرة: 19/ 134.

المختار في أحكام الخيار، ص: 672

استدلّ الشيخ على التحريم بوجوه:

الأوّل: ما نقله الطبرسي في تفسير قوله سبحانه: قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1» عن ابن عباس: كان الرجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه فطالبه به، قال المطلوب منه، له: زدني في الأجل و أزيدك في المال فيتراضيان عليه و يعملان به، فإذا قيل لهم هذا ربا، قالوا: هما سواء. يعنون بذلك أنّ الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء.

فذمّهم اللّه به «2».

الثاني: ما تقدم من صحيح محمد بن مسلم، حيث علّل جواز التراضي على تأخير أجل البعض بنقد البعض، بعدم الازدياد على رأس ماله فيدل على أنّه لو صار الإمهال سببا لزيادة رأس ماله، لم يجز التراضي على التأخير و كان ربا.

الثالث: الروايات الواردة حول الحيل الشرعية التي دلّت على أنّه يجوز بيع المال المقوّم بألف درهم على عشرة آلاف درهم مع اشتراط تأخير الدين، و قد نقلها الشيخ الحرّ في الوسائل، منها رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي الحسن- عليه السلام-: يكون لي على الرجل دراهم فيقول: أخّرني

بها و أنا أربحك فأبيعه جبّة تقوّم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم- أو قال: بعشرين ألفا- و أؤخّره بالمال؟

قال: لا بأس «3». وجه الدلالة لو جاز تأخير الدين بزيادة ابتداء لما التجأ إلى اشتراط التأخر في ضمن معاملة. و قد عمل بهذا النوع من الروايات لفيف من

______________________________

(1)- البقرة: 275.

(2)- مجمع البيان: 1/ 389 ط صيدا، و رواه السيوطي في الدر المنثور: 2/ 105، ط دار الفكر، عن سعيد بن جبير.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 9 من أحكام العقود، الحديث 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 673

الفقهاء قائلين بأنّ المعاملة تكون عندئذ جدّية لأنّ الجبّة مع الشرط تساوي عشرة آلاف درهم فلا يؤخذ عليها بعدم الجد.

لكن الاشكال في موضع آخر و هو أنّ تشريع هذه الطرق من الشارع المحرّم للربا يناقض هدفه و يورد الناس في مفسدة الربا فلا فرق بين أن يزيد في الدين الحال و يؤخّره، و بين أن يزيد عليه في ضمن معاملة لا يقصد منها إلّا هذا النوع من الغرض الفاسد.

و الذي يسيئ الظن بعدم صدور هذه الروايات من أئمّة أهل البيت أنّه قد جاء في بعضها: أنّ الإمام الباقر- عليه السلام- توصّل به و أمر ابنه الصادق- عليه السلام- بها، روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سئل عن رجل له مال على رجل من قبل عينة عيّنها إيّاه، فلمّا حلّ عليه المال لم يكن عنده ما يعطيه فأراد أن يقلب عليه و يربح أ يبيعه لؤلؤا أو غير ذلك ما يسوي مائة درهم بألف درهم و يؤخّر؟ قال: لا بأس بذلك، قد فعل ذلك أبي- رضي اللّه عنه- و أمرني أن أفعل ذلك في

شي ء كان عليه.

و هذه الروايات بما أنّها مخالفة للكتاب و السنّة، و استحلال للحرام بصورة خادعة لا يعمل بها و يسقط الاستدلال بها على المورد. و أقصى ما يمكن هو ردّ علمها إلى صاحبها لو لم نقل إنّها مدسوسة مكذوبة على لسان أئمّة أهل البيت.

المسألة الثامنة: في بيع المبتاع بالثمن المؤجّل من البائع:

اشارة

إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجّل هل يجوز بيعه من بائعه أو غيره أو لا؟

و إليك صور المسألة:

يكون البيع تارة قبل حلول الأجل و أخرى بعده، و على الصورتين فتارة يبيع

المختار في أحكام الخيار، ص: 674

بجنس الثمن و أخرى بغيره، و على الفروض الأربعة يكون الثمن تارة مساويا أو زائدا أو ناقصا، و على الصور الاثني عشر تارة بيع حالّا و أخرى مؤجّلا، و هذه أربعة و عشرين صورة و لو أضفنا إليه اختلاف المشتري و أنّه يباع تارة من البائع الأوّل و أخرى من غيره تنتهي الصور إلى ثمانية و أربعين صورة و المهم هو البيع من البائع لا من الأجنبي.

و أمّا الأقوال:

1- الجواز مطلقا

و وصفه في الجواهر بقوله: «بلا خلاف أجده فيه» كما اعترف به في الرياض و المحكي عن مجمع البرهان، بل في الأخير كان دليله الاجماع «1».

2- الجواز بشرط المساواة في الثمن إذا باعه من البائع دون غيره،

نسب إلى عبارة الشيخ في النهاية «2» و لعلّ عبارتها ناظرة إلى الإقالة لا البيع، و المساواة شرط في الأولى دون الثاني.

3- عدم جواز البيع إلّا إذا حلّ الأجل

و هو خيرة سلار في المراسم «3».

4- الجواز في غير الطعام مطلقا

و أمّا فيه، فيجوز مع المساواة، قال في الخلاف: إذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجّلة، فلمّا حلّ الأجلّ أخذ بها طعاما جاز ذلك إذا أخذ مثله فإن زاد عليه لم يجز «4».

______________________________

(1)- الجواهر: 23/ 108.

(2)- النهاية: 388.

(3)- المراسم: 174.

(4)- فلو كان الطعام المأخوذ نفس المبيع سابقا كان داخلا في المسألة و إلّا كان داخلا في معاوضة المتجانسين مع زيادة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 675

و قال الشافعي: يجوز على القول المشهور، و لم يفصّل، و به قال بعض أصحابنا.

و قال مالك: لا يجوز، و لم يفصّل.

دليلنا: اجماع الفرقة و اخبارهم، و لأنّ ذلك يؤدّي إلى بيع طعام بطعام فالتفاضل فيه لا يجوز.

و القول الآخر لأصحابنا قويّ، لأنّه بيع طعام بدراهم في القفيزين معا، لا بيع طعام بطعام فلا يحتاج إلى اعتبار المثلية «1».

و أضيف أنّ ما قوّاه من الجواز مطلقا هو الذي منعه في المبسوط و قال:

لا يجوز بيعه، و تبعه ابن البراج و قال: إذا باع طعاما بخمسة دراهم مؤجّلا، و حلّ الأجل فأخذ بها طعاما مثل ما أعطاه كان جائزا، و إن أخذ أكثر لم يجز «2».

هذه هي الأقوال، لنذكر أدلّة القول الأوّل.

[أدلّة القول الأوّل]

يمكن الاستدلال على الصحّة مطلقا مضافا إلى العمومات و الاطلاقات الواردة في الكتاب و السنّة، بروايات خاصّة:

1- صحيحة بشار بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يبيع المتاع بنسإ فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال: نعم لا بأس به، فقلت: أشتري متاعي؟ فقال: ليس هو متاعك و لا بقرك

______________________________

(1)- الخلاف: 3/ 101 كتاب البيوع المسألة 166.

(2)- القاضي ابن البراج: المهذب: 1/ 391، لاحظ المختلف كتاب التجارة/ 116.

المختار في أحكام الخيار، ص: 676

و

لا غنمك «1».

و اطلاق الرواية يشمل جميع الصور و الرواية صحيحة، و محمد بن إسماعيل، الوارد في السند هو ابن بزيع، بقرينة رواية محمد بن الحسين عنه، و روايته عن منصور بن يونس «2».

2- و صحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب، يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذا الغنم بدراهمك التي لك عندي، فرضي؟ قال:

لا بأس بذلك «3».

و الاستدلال مبنيّ على كون الغنم المباع ثانيا، نفس الغنم المباع سابقا.

و الجارّ في قوله «من ثمن غنم اشتراها» بيانية أي من جانب غنم اشتراها، و اطلاق الرواية يشمل جميع الصور.

3- خبر الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: يجيئني الرجل فيطلب العينة، فأشتري له المتاع مرابحة ثمّ أبيعه إيّاه ثم أشتريه منه مكاني؟ قال: إذا كان بالخيار، إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار، إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس، فقلت: إنّ أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسد، و يقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح؟ قال: إنّما هذا

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أحكام العقود، الحديث 3.

(2)- لاحظ تنقيح المقال: 3/ 82.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أحكام العقود، الحديث 1، و سند الصدوق إلى منصور بن حازم صحيح تفرّد به العلّامة و لكن رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد و سنده إليه صحيح.

المختار في أحكام الخيار، ص: 677

تقديم و تأخير فلا بأس «1».

و رواية قرب الإسناد عن موسى بن جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ثم

اشتراه بخمسة دراهم أ يحل؟ قال: إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس.

و رواه علي بن جعفر في كتابه أنّه قال: «بعشرة دراهم إلى أجل ثمّ اشتراه بخمسة بنقد» «2».

و اطلاق الروايتين يعم جميع الصور لو لا أنّ الأخير صريح في الاشتراء بالنقصان، و هذه الروايات مضافا إلى الاطلاقات و العمومات، كافية في اثبات القول المشهور.

و أمّا الاقوال الأخرى فقد نسب إلى عبارة الشيخ في النهاية أنّه منع عن البيع بنقصان إذا حلّ الأجل، و قد عرفت عدم ظهوره في البيع بل من المحتمل أنّه ناظر إلى الإقالة أوّلا، و رواية ابن حازم واردة في ما إذا حلّ الأجل و هو الذي منعه الشيخ حسب عبارة النهاية، ثانيا.

و أمّا ما نسب إلى سلار من عدم الجواز حتى يحل، فهو محجوج بصحيحة بشار بن يسار و رواية الحسين بن المنذر، فقد وردتا في المؤجّل الذي لم يحلّ أجله خصوصا الثانية، فإنّ قوله: «ثمّ أشتريه في مكاني» ظاهر في الاشتراء بعد البيع الأوّل بلا فصل.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4 و رجال السند موثّقون، غير الحسين بن المنذر، و الحديث 6، و ربّما يستدل على الحكم بخبر يعقوب بن شعيب (و هو لم يوثّق) و لكن الشيخ الأعظم تأمّل في دلالته لعدم القرينة على وحدة المباعين. فلاحظ الوسائل الجزء 13، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 10.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4 و رجال السند موثّقون، غير الحسين بن المنذر، و الحديث 6، و ربّما يستدل على الحكم بخبر يعقوب بن شعيب (و هو لم يوثّق) و لكن الشيخ الأعظم تأمّل في دلالته لعدم القرينة

على وحدة المباعين. فلاحظ الوسائل الجزء 13، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 10.

المختار في أحكام الخيار، ص: 678

بقيت هنا روايات ربّما يتخيل كونها دالّة على فتوى الشيخ في الخلاف و هي:

1- رواية خالد بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمّى فلمّا حلّ الأجل أخذته بدراهمي، فقال:

ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام فاشتره منّي؟ فقال- عليه السلام-: لا تشتره منه فإنّه لا خير فيه «1».

يلاحظ عليه: أنّه لا دلالة لها على مطلوب الشيخ أمّا أوّلا: فلأنّه ليس فيها اشعار بوحدة الطعامين أي كون المشترى نفس المباع أوّلا لو لم نقل بتعدّدهما لتنكّرهما و الأخذ بإطلاقه، خلاف الاجماع إذ لم يقل أحد: انّه إذا باع رجل من آخر طعاما مؤجّلا ليس له أن يشتري بدراهمه طعاما آخر و لو من جنسه.

و أمّا ثانيا: فلأنّ ظاهرها المنع مطلقا من غير فرق بين صورة المساواة و غيرها، و الشيخ خصّ المنع بغير صورة المساواة و لا محيص من حمل النهي على الكراهة، لأنّه أشبه بمبادلة طعام بطعام و ربّما يزيد و ينقص.

2- رواية عبد الصمد بن بشير: سأله محمد بن القاسم الحناط فقال:

أصلحك اللّه أبيع الطعام من الرجل إلى أجل فأجي ء به و قد تغيّر الطعام من سعره، فيقول: ليس عندي دراهم؟ قال: خذ منه بسعر يومه، قال: أفهم أصلحك اللّه إنّه طعامي الذي اشتراه منّي، قال: لا تأخذ منه حتّى يبيعه و يعطيك، قال: أرغم اللّه أنفي رخّص لي فرددت عليه فشدّد عليّ «2».

أمّا فقه الحديث فنقول: إنّ المراد من «التغيّر» هو ارتفاع قيمة الطعام عن السعر الذي اشترى به.

______________________________

(1)- الوسائل: الجزء 13، الباب 12

من أبواب السلف، الحديث 3 و 5.

(2)- الوسائل: الجزء 13، الباب 12 من أبواب السلف، الحديث 3 و 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 679

و لما عرض المشتري على البائع أن يأخذ بدل دراهمه طعاما، أراد أن يأخذه بسعر اليوم الذي باعه منه فنهاه الإمام عنه و أمره بأن يأخذ منه بسعر يومه، و لمّا عاد الراوي إلى الإمام و احتجّ عليه بأنّه يشتري نفس طعامه الذي باعه منه- أمس مثلا- (فكيف لا يجوز أن يشتري منه بسعر اليوم الذي باعه منه)؟ نهاه الإمام أيضا و أمره بالصبر إلى أن يبيع طعامه من الغير حتى يؤدّي دينه منه، و قال:

«لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك».

و مع أنّ نهي الإمام «لا تأخذ» كان نهيا عن الاشتراء بالسعر السابق، لا بسعر يومه الحاضر، و لكن فهم الراوي أنّ الإمام نهاه عن الاشتراء مطلقا أي بكلا السعرين، قال: «أرغم اللّه أنفي، رخّص لي (الشراء بسعر يومه) فرددت عليه فشدّد عليّ» (و نهى عن مطلق الشراء) «1».

إذا عرفت هذا تقف على أنّ الحديث على خلاف مطلوب الشيخ أدلّ حيث جوّز الشراء بسعر يومه، و بعبارة أخرى: الحديث نصّ في وحدة المبيعين و جوّز الشراء بسعر يومه و ربّما يكون أنقص ممّا اشترى به أو أزيد، كما هو المفروض في الرواية.

3- رواية علي بن جعفر: سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة، أ يأخذ بقيمته دراهم؟ قال: «إذا قوّمه دراهم فسد، لأنّ الأصل الذي يشتري «2» به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم» «3».

و ليس في الرواية أنّ الرجل الذي في عهدته تمر أو شعير أو حنطة،

______________________________

(1)- لاحظ تعليقة الشهيدي/ 607.

(2)- و في بعض النسخ «اشترى

به» و هو أجود.

(3)- الوسائل: الجزء 13، الباب 11، من أبواب السلف الحديث 12.

المختار في أحكام الخيار، ص: 680

اشتراها من آخر، غير من يريد أن يشتري منه بل الظاهر منها وحدتهما فيرجع إلى هذه الصورة قد تقتضي المنع مطلقا من غير فرق بين صورتي الزيادة و النقيصة و غيرهما. و هو ما لم يقل به أحد حتى الشيخ.

و بالجملة: هذه الروايات لا تصلح سندا في مقابل العمومات و الاطلاقات و الروايات الخاصّة.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم صار بصدد تصحيح ما أفاده الشيخ الطوسي في النهاية و الخلاف بضابطة مستخرجة من حرمة البيع بالتفاضل، من رواية علي بن جعفر التي تعرّفت عليها و حاصله: أنّه لا يجوز أن يبيع ما اشتراه من البائع متفاضلا إذا كان الثمن من جنس واحد، و إنّه كما يحرم التفاضل في الجنس الربوي كالدراهم، كذلك يحرم في عوضه كالطعام و أنّ حكم العوض حكم ذلك الجنس.

ثمّ أتى بمثالين أحدهما راجع إلى بيع السلف، و الآخر إلى بيع النسيئة، ففي الأوّل: لا يجوز للمشتري أن يأخذ إلّا مثل الثمن الذي دفعه إلى البائع، و في الثاني:

لا يجوز للبائع أن يأخذ إلّا مثل الطعام «1» الذي دفعه إلى المشتري، فالتفاضل في جانب الدرهم، في المثال الأوّل، و في جانب الطعام في المثال الثاني غير جائز لكونه بحكم الربا.

كل ذلك استنادا إلى رواية علي بن جعفر قال: سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة، أ يأخذ بقيمته دراهم؟ قال: إذا قوّمه دراهم فسد، لأنّ الأصل

______________________________

(1)- و تعبير الشيخ يوهم الفرق بين المثالين و انّ الممنوع في الأوّل هو التفاضل لا مطلقا، و لكن الممنوع في الثاني هو مطلق المبادلة

و لو كانا مساويين، و لعلّه تبعا لرواية علي بن جعفر الظاهرة في النهي مطلقا لكن ذيله صريح في خصوص التفاضل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 681

الذي يشتري به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم «1». و ربّما كان فيه زيادة أو نقصان و ذلك ربا.

و الرواية واردة في مورد السلف، و الذيل صريح في النهي عن التفاضل، لا مطلقا فإذا كان الحكم في مورد السلف كذلك يكون مثله في مورد النسيئة الذي هو مورد البحث فلا يجوز للبائع أن يشتري بدراهمه التي على ذمّة المشتري طعاما منه بالتفاضل لأنّه يكون باع طعاما بطعام لبّا، و إن كان الظاهر على خلافه و هو أنّه باع طعاما بدراهم، ثمّ اشترى بها طعاما سواء كان نفس ذلك الطعام أو غيره.

و بذلك يظهر عدم الفرق بين الصورة الثانية اشتراء نفس ما باعه منه أو اشتراء مجانسه منه، و لا فرق بين حلول الأجل أو بعده كما لا فرق بين النقصان و الزيادة.

و أمّا تقييد التفاضل في عبارة النهاية بالنقصان، لكونه الغالب في أخذ الجنس مكان الدراهم التي في ذمّة صاحب الجنس بخلاف الآخر أي أخذ الدراهم مكان الطعام بالسلف، فإنّ الغالب فيه هو الزيادة و لأجل ذلك لم يمنع عن اشتراء المتاع الآخر في الحال قال: «فإن أخذ في المبتاع متاعا آخر (من جنس آخر) بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس».

هذا غاية توضيح لكلام الشيخ و لعمر الحق إنّ الشيخ بلغ في الدقّة إلى القمّة، و لو كان التعبير يرافق الدقّة، لكان ممتازا في التأليف و لكن التعبير فوق ذهن المتعلّم و لأجل ذلك أوضحنا المقام- مع أنّه ليس من واجب المحاضر في المسائل الاجتهادية.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13،

الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 12.

المختار في أحكام الخيار، ص: 682

المسألة التاسعة: فيما إذا اشترط الشراء في البيع:

نسب إلى المشهور استثناء صورة اشتراط في البيع الأوّل، و قد استدل على البطلان بوجوه:

1- استلزامه الدور. و قرّره العلّامة في التذكرة: بأنّ بيع المشتري المبيع من البائع الأوّل يتوقّف على ملكيّة المشتري له إذ لا بيع إلّا في ملك، مع أنّ ملكيته متوقّفة على بيعه.

و قد أجيب عنه: بأنّ ملكيّة المشتري تتوقّف على الانشاء التام من الطرفين، نعم لزومه يتوقّف على العمل بالشرط فلو لم يعمل بالشرط و لم يبع كان للبائع الخيار.

و بعبارة أخرى: أنّ الشرط في قوله: «بشرط أن يبيع لي ثانيا» ليس شرطا أصوليّا متوقّفا عليه الملكية، و إنّما هو شرط فقهي أي يطلب البائع إيجاده و تحقيقه في الخارج و في مثله لا تتوقّف الملكية على وجود الشرط.

2- عدم قصد البائع بهذا الشرط إلى حقيقة الإخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك.

يلاحظ عليه: أنّ المفروض تمشّي القصد ...

3- الاستدلال برواية الحسين بن المنذر و فيها: «إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع، و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر، فلا بأس» «1».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4.

المختار في أحكام الخيار، ص: 683

و برواية علي بن جعفر حيث جاء فيها: «إذا لم يشترط و رضيا» «1».

و قد أجيب عن الاستدلال برواية الحسين بن المنذر بوجوه:

1- بمنع دلالة البأس على المنع.

2- تضمّنها لاعتبار ما لا يقول به أحد من عدم اشتراط المشتري ذلك على البائع.

و ردّ بأنّه لا فرق بين اشتراطه و اشتراط البائع.

3- بأنّ الظاهر صحّة الشرط و كونه ملزما

و إن كان حراما، و عندئذ تكون الحرمة تكليفية لا وضيعة.

و أجيب: بأنّه خلاف الظاهر.

4- ما أجاب به الشيخ بقوله: «نعم يمكن أن يقال بعد ظهور سياق الرواية الخ».

و الجميع لا يخلو من اشكال و قد عرفت بعضه. و الأولى أن يقال: إنّ الاشتراط دليل على أنّ قصد المتبايعين في البيعين هو أكل الربا و لأجل ذلك يبيع مؤجّلا، و يشتري معجّلا بنقصان، و يصل إلى مأربه و مقصده، من أكل الربا، فلأجل ذلك قيّد الإمام الصحّة بعدم الاشتراط. و تؤيّده رواية يونس الشيباني فلاحظ «2».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6، 5.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6، 5.

المختار في أحكام الخيار، ص: 685

الفصل الرابع عشر القول في حقيقة القبض

اشارة

القول في وجوب القبض.

في وجوب تسليم المبيع مفرّغا.

إذا كان المبيع أرضا مشغولة بالزرع.

في امتناع البائع عن التسليم.

أحكام القبض:

انتقال الضمان من البائع إلى المشتري.

تلف الثمن المعيّن قبل القبض.

حكم ضمان العوضين في غير البيع.

تلف بعض المبيع قبل قبضه.

إذا تعيّب بفعل شخص.

في بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه.

في اختصاص الحكم بالمبيع الشخصي و عدمه.

هل المنع يشمل الثمن أو لا؟

لو دفع الدراهم إلى من له عليه طعام لاشترائه.

لو طالب المتاع في غير بلد الاستحقاق.

المختار في أحكام الخيار، ص: 687

القول في حقيقة القبض قد وقع القبض موضوعا لعدة من الأحكام فيجب على الفقيه تنقيح مفهومه حتى يتّخذ ضابطة كليّة في جميع الموارد و إليك الالماع إلى بعضها:

1- تلف المبيع قبل القبض من مال بائعه «1».

2- إذا باع و لم يقبض المثمن و لا الثمن فالأجل بينهما ثلاثة أيّام، و إلّا فلا بيع بينهما «2».

3- النهي عن بيع ما اشتراه قبل قبضه «3».

4-

يشترط في صحّة الصرف، التقابض في المجلس و لو بقبض الوكيل «4».

5- النهي عن بيع المتاع المسلم فيه قبل قبضه «5».

6- شرط لزوم الوقف قبض الموقوف عليه أو وليّه، فإذا مات الواقف قبل

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 10 من أبواب الخيار و غيره.

(2)- المصدر نفسه: الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 3.

(3)- المصدر نفسه: الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 16 و غيره.

(4)- المصدر نفسه: الباب 2 من أبواب الصرف، و الوارد فيه «يدا بيد» هو عبارة أخرى عن التقابض و الباب 5 من تلك الأبواب فقد ورد فيه قبض الوكيل.

(5)- المصدر نفسه: ج 13، الباب 10 من أبواب السلف، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 688

القبض بطل الوقف، و إذا وقف على ولده الصغار كان قبضه كافيا «1».

إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها الفقيه في سيره في كتب الفقه و أبوابها.

فنقول:

أمّا القبض في اللغة فالجوهري في صحاحه يفسّره ب «خلاف البسط» و لعلّه أخذه من الذكر الحكيم، قال سبحانه: وَ اللّٰهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة/ 245).

و في النهاية لابن الاثير: القبض: الأخذ بجميع الكف.

و القبضة: ما قبضت عليه من شي ء يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر، أي كفّا منه، قال سبحانه: بَصُرْتُ بِمٰا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهٰا وَ كَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (طه/ 96) و في اللسان «و القبضة: ما تأخذ بجميع كفّك كلّه».

و من المعلوم أنّ القبض بهذا المعنى غير مقصود في جميع هذه الأبواب، فإنّ القبض باليد و إن كان هو الغالب في باب الصرف و السلم، و لكنّه غير متحقّق في بيع المزارع و البساتين الفاقدة للباب

و الجدران، و مثلهما وقف الأنهار و الآبار، و بيعهما و قد نقل الشيخ أقوال الفقهاء في حقيقة القبض و أنهاها إلى ثمانية، و لكنّ الأولى ارجاعها إلى معنى عام موجود في جميع الموارد و هو الاستيلاء. و إن كان مصاديقه يختلف حسب اختلاف الموارد فهو في المكائن و المصنوعات الكبيرة بشكل، و في المزارع و البساتين بنحو آخر، و في المجوهرات و الذهب و الفضّة بوجه

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 4، من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث 1 و غيره.

المختار في أحكام الخيار، ص: 689

ثالث، و في الخضراوات و الفواكه بشكل رابع، فالملاك صدق الاستيلاء على المبيع أو ما يشترط فيه القبض أو التقابض، و يكفي في قبض النقود و المصارف كالدولار و الريال الايداع في حساب الشخص في بنك من البنوك.

و لأجل ذلك نرى أنّ البحث في الموارد و المصاديق غير لازم و المرجع هو العرف عند الشك.

و ما أفاده السيّد الاصفهاني من أنّه لا يبعد كفاية التخلية في مقام وجوب تسليم العوضين على المتبايعين بحيث يخرج عن ضمانه و عدم كون تلفه منه و إن لم يكتف بذلك في سائر المقامات التي يعتبر فيها القبض «1» إنّما يتمّ في مثل الحبوب و الفواكه و المنسوجات لا في غيرها مما يتوقّف على تحرير اتفاقيّة رسميّة في إحدى المحاضر الحكومية، فكل تلف قبل ذلك فهو من مال بائعه.

اشكالان:

1- لو كان الاستيلاء كافيا في القبض و ترتّب أثره، فلما ذا قال الإمام بلزوم الإخراج عن البيت في رواية عقبة بن خالد حيث قال في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال: آتيك

غدا، إن شاء اللّه فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته» «2» فلو كان الاستيلاء كافيا فقد خلّى بينه و بين المتاع و لكنّه ترك المتاع عند البائع و لم يقبضه.

و لكن الاجابة واضحة، لأنّ التخلية في أمثال الموارد- مع كون المتاع في بيت

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: 2/ 34.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 10 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 690

البائع لا يحقق إلّا القدرة على الاستيلاء لا نفسه، و أمّا الاستيلاء فهو لا يتحقّق إلّا بسلب استيلاء البائع عنه، و المفروض في الرواية عدمه و أنّ البائع لأجل كون المتاع في بيته مسئول عليه.

2- يظهر من الروايات الواردة في المكيل و الموزون، أنّ الاستيلاء عليهما غير كاف في تحقّق القبض بل لا بدّ من كيله و وزنه، و أنّ كيل البائع الأوّل و وزنه غير كاف في البيع الثاني، بل لا بدّ للبائع الثاني من كيله و وزنه ثانيا إلّا أن يولّى المشتري الثاني، و تدلّ عليه روايات.

منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال: ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن تولّيه الذي قام عليه «1».

و الجواب: أنّ المقصود هو اشتراط صحّة بيع المكيل و الموزون بالكيل و الوزن، لا أنّ القبض يتحقّق بهما، توضحها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنّه قال في الرجل يبتاع الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يكال، قال: لا يصلح له ذلك «2» و الرواية صريحة في النهي عن

البيع قبلهما لا أنّ القبض متوقّف عليهما، و لو كان في بعض الروايات «3» اشعار بالتوقّف فهي مفسّرة ببعض أخرى «4».

و لعلّ ما ذكره الشهيد الثاني في المقام الذي نقله الشيخ الأعظم، ألصق بالروايات فلاحظ.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 11 و 5 و المراد من الكيل و الوزن هو الثاني منهما و إلّا فالمفروض أنّ البائع الأوّل كاله أو وزنه للبائع الثاني.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 11 و 5 و المراد من الكيل و الوزن هو الثاني منهما و إلّا فالمفروض أنّ البائع الأوّل كاله أو وزنه للبائع الثاني.

(3)- كرواية منصور بن حازم.

(4)- كرواية أبي بصير، و رواياتهما في الباب 16 الحديث 1 و 12 و 16.

المختار في أحكام الخيار، ص: 691

القول في وجوب القبض

اشارة

لا شكّ أنّه إذا تمّ العقد، يصير كلّ من المبيع و الثمن ملكا للآخر، فالعقد سبب تام لمالكية كلّ لما في يد الآخر إلّا ما شرط الشارع فيه القبض كالصرف و السلم، فإنّ القبض فيهما جزء متمّم لحصول الملكية، و لو لا القبض لما حصلت الغاية، و أمّا غيرهما فالانشاء القولي سبب تام للنقل و الانتقال القانونيين، فعلى ذلك فلو طلب المشتري المثمن، يحرم على الآخر امساكه لأنّه إمساك لمال الغير بغير إذنه، و يجب عليه التسليم، و هذا ممّا لا اشكال فيه. إنّما الكلام في تعيين من تجب عليه المبادرة فللمسألة صورتان:

1- إذا كان كل من المتبايعين باذلا و لكن اختلفا في المبادرة بأن قال كل منهما: لا أدفع حتى أقبض.

2- إذا كان أحدهما باذلا و الآخر غير باذل.

أمّا الأولى ففي من تجب عليه المبادرة أقوال:

ألف: ما ذكره الشيخ

في الخلاف من أنّه يجب على البائع تسليم المبيع أوّلا سواء كان الثمن عينا أو في الذمّة، لأنّ الثمن إنّما يستحقّه البائع في مقابل المبيع،

المختار في أحكام الخيار، ص: 692

فيجب أوّلا تسليم المبيع ليستحق الثمن «1».

يلاحظ عليه: أنّه يمكن قلب الدليل عليه بأن يقال: إنّ المشتري إنّما يستحقّ المبيع في مقابل الثمن فيجب أوّلا تسليم الثمن ليستحق المبيع، و لأجل وضوح الاشكال على الدليل فسّره الشيخ بانصراف العقد إلى ذلك- و قال-: و لذا يتعجّبون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع.

و لكنّه غير تام لاختلاف العادات باختلاف الظروف و البيئات، و ربّما يتعجّبون من مطالبة المبيع قبل دفع ثمنه.

ب: يجب على كل واحد منهما التسليم سواء سلّم الآخر أو لا، و هو خيرة المحقّق الأردبيلي، و استجوده المحدّث البحراني، قائلا: بأنّ ثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الآخر و عدم جواز الحبس حتى يقبض حقّه، و جواز الأخذ لكلّ حقّه، من غير اذن الآخر إن أمكن له على أيّ وجه كان، لأنّ ذلك مقتض الملك و منع أحدهما الآخر و ظلمه لا يستلزم جواز ظلم الآخر و منعه حقه «2».

و أورد عليه الشيخ: بأنّ عقد البيع مبني على التقابض، و كون المعاملة يدا بيد، فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه، و التزم على صاحبه أن لا يسلّمها مع الامتناع فقد ثبت بإطلاق العقد لكل منهما حقّ الامتناع مع امتناع صاحبه.

أقول: كان المحقّق الأردبيلي خلط باب البيع بباب الهبة المعوّضة، فإنّ الفرق بينهما واضح، فإنّ التمليك في البيع، يقابل تملّك الثمن و بما أنّ صرف التمليك أو

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف 3/ 151 كتاب البيوع المسألة 239 و

لاحظ المختلف 117، الفصل السادس عشر من كتاب التجارة.

(2)- البحراني: الحدائق الناضرة: 19/ 152.

المختار في أحكام الخيار، ص: 693

التملّك لا يفي بالغرض بل لا يتم إلّا بالتسليم و التسلّم، يكون التسليم في مقابل التسلّم، و الغرض الأسنى هو التمليك و التملّك المتعاقبان بالتسليم و التسلّم، و على ذلك فلم يلتزم بالتسليم المطلق سواء أسلّم الآخر أم لا، بل التزم بالتسليم المشروط، شرطا ضمنيا.

و أمّا باب الهبة المعوّضة، فإنّ التمليك هناك مطلق سواء ملّك الآخر أو لا، غاية الأمر يكون تمليك الآخر داعيا للتمليك لا عوضا مقابلا، و لأجل ذلك يسمّى بالهبة و الهدية، و إلّا لما كان لهذه التسمية وجه، و على ذلك فلا وجه لوجوب التسليم على كل واحد على وجه الاطلاق، سواء سلّم الآخر أو لا.

ج: ما ذكره الشيخ الأعظم من أنّه يجب على كل منهما مشروطا، و هو الظاهر من عبارة المحقّق في الشرائع حيث قال: «اطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع و الثمن»، و اختاره صاحب الجواهر و قال: «الظاهر- باعتبار كون العقد عقد معاوضة- وجوب التقابض معا دفعة كما لو حصل لهما الملك به كذلك» «1»، و ذلك بدعوى أنّ تسليم كلّ من البائع و المشتري العوض للآخر، مشروط بتسليم العوض إيّاه، حسب بناء العقلاء، فإذا امتنع أحدهما من التسليم فللآخر أن يمتنع لذلك، فلا وجه بالوجوب على وجه الاطلاق إلّا إذا كان هنا تعارف على تقديم تسليم واحد منهما فيتبع و يكون قرينة حالية.

و قد ظهر وجهه ممّا سبق.

ثمّ إنّه إذا كان أحدهما مؤجّلا دون الآخر، لا يجوز لغير المؤجّل حبس ما لديه كما أنّه لو لم يتّفق تسليمه حتى حلّ الأجل، فليس له أيضا الحبس، لأنّ غير

المؤجّل قد التزم بتسليمه من دون تعليق على تسليم المؤجّل أصلا، سواء حلّ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 23/ 144.

المختار في أحكام الخيار، ص: 694

أجل الآخر أو لا ... و هذا النوع خارج عن موضوع البحث، لأنّه إنّما إذا كان كلّ من التسليمين مشروطا و الأمر في البيع بالنسيئة أو السلف ليس كذلك بل البائع في الأوّل و المشتري في الثاني أقدما على التسليم مطلقا.

و أمّا الصورة الثانية، أعني: ما إذا كان أحدهما باذلا دون الآخر، فيجبر الحاكم الممتنع عن التسليم به إذا رفع الشكوى إليه من باب الحسبة، لأنّ حبس مال الغير بلا عذر حرام.

ثمّ إنّه إذا كان البائع باذلا دون المشتري لكنّه أخذ المثمن من البائع بلا إذن منه، فيقع الكلام في أمرين:

1- هل يصدق عليه القبض المعتبر موضوعا لعدة آثار كالبيع قبل القبض و بعده؟

2- هل يجوز فيه التصرّف أو لا؟

أمّا الأوّل، فلا تترتّب عليه آثار القبض الشرعي كالبيع بعد القبض، فإنّه منصرف إلى القبض المشروع لا القبض المحرّم، و المشروع لا يتحقّق إلّا بأحد أمرين إمّا باقباض ما في يده إذ عندئذ يستحق أن يأخذ ماله من يد صاحبه بلا إذن أيضا، و إمّا بإذن من بيده المال و كلاهما منتفيان.

و أمّا التصرّف، فلا شك أنّه جائز لكونه ماله، ما لم يفسخ الآخر، نعم للآخر عند عدم دفع الثمن، فسخ البيع لما عرفت من أنّ المبادلة كان مشروطا بشرط ضمني أي دفع المقابل، و إن لم يصرح به، فمخالفة هذا الشرط يوجب جواز الفسخ للآخر.

نعم لو لم يفسخ أجبر الآخذ على ردّ العين لأنّ للآخر حقّ الفسخ و التوقّف حتى يأخذ حقّه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 695

في وجوب تسليم المبيع مفرّغا

إذا كان القبض و

التسليم هو استيلاء المشتري على المبيع، فهو يتحقّق بنفس الاستيلاء، سواء أ كان المبيع مشغولا بمال البائع أم لا. اللّهمّ إلّا إذا كان الإشغال على وجه يمنع عن صدق الاستيلاء و لعلّه نادر، و على ذلك فالتفريغ من مال البائع شي ء وراء التسليم و إن كان تعبير المحقّق في الشرائع يعرب عن كونه قيدا للتسليم. و يدل على وجوبه أمور:

1- حكم العقلاء بلزوم تسليم العين فارغة عن كل شي ء خصوصا إذا كان مانعا عن الانتفاع و إليه جنح سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه-.

2- وجود الشرط الضمني في نفس العقد كأصل التسليم، فإنّ الغرض من البيع هو الانتفاع المتوقّف على كون المبيع مفرّغا من كل مال مزاحم.

3- حرمة إشغال مال الغير فيكون التفريغ واجبا بالملازمة، لأنّ الاشغال نوع تصرّف من غير فرق بين الحدوث و البقاء، فعلى ضوء هذا فعلى البائع نقل متاعه من البيت بلا تراخ لا يتسامح عرفا.

و لو تراخى على وجه لا يتسامح لكن بلا تقصير، فإن كان المشتري عالما

المختار في أحكام الخيار، ص: 696

بكون البيت مشغولا بالمتاع و مع ذلك أقدم على البيع، فلا شي ء له، و إن فات عليه بعض منافعه، و إن كان جاهلا و صار سببا لفوات بعض المنافع كان المشتري مخيّرا بين الفسخ و أخذ الأجرة، أمّا الفسخ فلأجل أحد الوجهين المذكورين، و أمّا الأجرة، فلأجل تفويت المنافع، و لأجل ذلك قال الشيخ: «و في ثبوت الأجرة، لو كان لبقائه أجرة إلى الفراغ وجه».

و ربّما يحكم بعدم استحقاق الأجرة قياسا بما إذا باع العين المستأجرة قبل تمام الأجل، فإنّ الأجرة للبائع لا للمستأجر، غاية الأمر له حقّ الفسخ، فهكذا المقام.

و لكن القياس خاطئ كما نبّه به المحقّق

الايرواني، فإنّ المنافع إذا كانت مستحقّة للغير عند البيع (كما في الاجارة قبل تمام الأجل) لا تتبع العين- ثبوتا- في الدخول في ملك المشتري، ليستحقّ عليها الأجرة، غاية الأمر له حقّ الفسخ عند ظهور الخلاف، بخلاف المقام، فإنّ المنافع تتبع العين في الدخول في ملك المشتري تبعا للعين فيستحقّ الأجرة إذا أمضى المعاملة «1».

و بعبارة أخرى: إذا كانت المنافع- عند البيع- في العين المستأجرة ملكا للغير، فلا تكون تابعة للعين، بخلاف المقام.

هذا كلّه إذا كان التراخي عن قصور، و أمّا إذا كان عن تقصير فهو بالخيار، بين الفسخ و استرجاع الثمن أو أخذ الأجرة من غير فرق بين العالم و الجاهل، فإنّ الأوّل لم يقدم على التأخير في التفريغ عمدا.

______________________________

(1)- تعليقة المحقق الايرواني: 2/ 81.

المختار في أحكام الخيار، ص: 697

إذا كان المبيع أرضا مشغولة بالزرع

إذا كان المبيع أرضا مشغولة بالزرع للبائع فإن بلغ حصاده يجب عليه الحصاد و التفريغ، و مع الامتناع أجبر عليه، و مع عدم امكان الجمع، حصده و أخذ أجرة الحصاد و إن لم يبلغ أوانه فله صورتان:

1- إذا كان الزرع بعد البيع و قبل الحصاد، فحكمه واضح لأنّه غاصب لا حرمة لعرقه.

2- إذا كان الزرع قبل البيع فان كان المشتري عالما بوجود الزرع للبائع، فعليه الصبر إلى أوان حصاده لانصراف العقد إلى البقاء حتى يحصد مجّانا، إنّما الكلام إذا كان جاهلا بوجود الزرع أو الشجر فهناك احتمالات:

1- يجوز للمشتري قلعه بلا ارش و ابقاؤه بلا أجرة.

2- يجوز للمشتري قلعه بلا ارش و ابقاؤه مع الأجرة.

3- للمشتري الخيار بين الفسخ و الامضاء مع الأجرة.

4- للمشتري الخيار بين الفسخ و الامضاء بلا أجرة.

5- ملاحظة أكثر الضررين فيقدّم الأكثر على الأقل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 698

هذه

هي محتملات المسألة، و لعلّ هناك محتملات أخرى لم نذكرها.

أمّا الأوّل: فلأنّ العرق و إن كان غير ظالم حدوثا، لكنّه ظالم بقاء و ذلك لأنّ بيع الأرض، عبارة أخرى عن نقل منافعها إلى المشتري تبعا لها، فكأنّ البائع التزم بتسليم منافعها إليه، الملازم لفراغها عن كلّ شي ء و تسليمها مشغولة بالزرع يعدّ خداعا و تغريرا، و في مثل ذلك لا حرمة لماله، و بذلك يفترق عن العلم بالزرع إذ ليس هناك أيّ تغرير، و أمّا عدم الأجرة فلأنّ حقّه القلع، فلو أبقى لم يكن له الزام الآخر بالأجرة و ما ذكر خيرة المحقّق الايرواني «1».

و أمّا الثاني: أمّا من حيث القلع بلا ارش فقد مرّ وجهه، و أمّا جواز أخذ الأجرة فلأنّ بقاءه فيها تفويت لمنافع العين و هو موجب للضمان، و حقّه و إن كان منحصرا في القلع لكنّهما إذا رضيا بعدم القلع في مقابل الأجرة تتعلّق الأجرة بالبقاء، نعم ليس له أخذ الأجرة بلا رضا من البائع، و في مثله يصح أن يقال إنّ حقّه منحصر في القلع.

و أمّا الثالث: فوجه الخيار هو ما عرفت من كون الفراغ حكما عقلائيا أو شرطا ضمنيا، فالتخلّف يوجب الخيار بين الفسخ و أمّا الامضاء و أخذ الأجرة فقد مرّ وجهه في الاحتمال الثاني.

و مع ذلك فالأولى هو الجمع بين الوجه الثاني و الثالث بأن يقال: إنّه مخيّر بين الفسخ و الامضاء، و معه له القلع بلا ارش أو الاجازة مع الأجرة إذا رضيا، و هذا أظهر الاحتمالات، و هذا الاحتمال مستخرج من الوجوه الثلاثة الماضية كما هو واضح.

______________________________

(1)- تعليقة المحقق الايرواني: 2/ 82.

المختار في أحكام الخيار، ص: 699

و أمّا الاحتمال الرابع: أعني الخيار بين الفسخ

و الامضاء بلا أجرة فقد علم وجه الفسخ من الاحتمال الثالث و وجه عدم الأجرة من الاحتمال الأوّل.

و أمّا الخامس: و هي ملاحظة أكثر الضررين، فلأجل تصوّر أنّ المقام من باب تعارض الضررين فيؤخذ بأكثرها، و لكنّك عرفت أنّ الضررين ليسا في عرض واحد و أنّ البائع هو السبب لتضرّره.

ثمّ لو احتاج تفريغ الأرض إلى هدم شي ء من البيت فيهدم باذن المشتري، و على الهادم جبر الضرر بالقيمة أو المثل، و لا جدوى في البحث عن صغرياتهما فإنّ التشخيص موكول إلى العرف، فإنّ التقدّم الصناعي قد قلب كثيرا من الضوابط القديمة للمثلي و القيمي، فصار أكثر القيميات كالثياب و الأواني مثليا.

في امتناع البائع عن التسليم

اشارة

أنّ للمسألة صورتين:

[الصورة] الأولى:

أن يكون الامتناع بغير حق كما إذا كان المشتري دافعا للثمن أو مستعدّا للدفع و لكن البائع يمتنع عن التسليم، فهو عندئذ بحكم الغاصب يجري عليه حكمه، فعليه أجرة المبيع- لو كان له أجرة- و نفقة الدابة و غيرها.

[الصورة] الثانية:
اشارة

إذا كان الامتناع بحق كما إذا امتنع المشتري عن أداء الثمن فهناك صورتان:

1- أمّا أن يستوفي البائع منفعة المبيع بالسكونة في الدار و أكل ثمرة الشجرة،

المختار في أحكام الخيار، ص: 700

فلا شك أنّه ضامن.

2- أمّا أن لا يستوفي المنفعة

، كما إذا أقفل الدار أو البستان، أو حبس الدابة في اصطبلها، فهل هو ضامن أو لا؟ الظاهر لا، لأنّ الضمان أمّا للاتلاف أو للاستيلاء الذي يعبّر عنه بضمان اليد، و الأوّل غير صادق، و نسبة التلف إلى السبب، أعني: المشتري أولى من نسبته إلى البائع الذي حال بين المال و مالكه (المشتري) لما عرفت من أنّ الحيلولة عن حقّ، و أمّا ضمان اليد فهو منصرف عمّا إذا كان الحبس بحق.

و إن شئت قلت: إنّ تجويز الامتناع عند الامتناع دليل على عدم الضمان و إلّا فربّما يتّخذ المشتري الامتناع ذريعة لأخذ الأجرة من البائع الذي حبس المبيع لأجل أخذ الثمن، و بذلك يظهر أنّه لو احتاج حفظ الدار إلى أجرة أو بقائها على نفقة، فالكل على عهدة المشتري.

و لو طلب من البائع الانتفاع من المبيع بلا تسليم كما إذا كان بيد البائع، فلا تجب الإجابة لما مرّ من جواز الامتناع عند الامتناع.

المختار في أحكام الخيار، ص: 701

الكلام في أحكام القبض

اشارة

قد وقع القبض في غير واحد من الروايات موضوعا لأحكام، نذكرها واحدة بعد الأخرى تحت مسائل:

المسألة الأولى: في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري:

اشارة

اتفق الفقهاء على أنّ المبيع قبل القبض في ضمان البائع فإذا أقبضه انتهى ضمانه و هذا ممّا لا كلام فيه.

قال الشيخ: إذا تلف المبيع قبل القبض للسلعة بطل العقد، و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك: لا يبطل، دليلنا: أنّه إذا باع، فإنّما يستحق الثمن إذا قبض المبيع، فإذا تلف تعذّر عليه التسليم فلا يستحق العوض.

و قال أيضا: إذا كان الثمن معيّنا فتلف قبل القبض سواء كان من الأثمان أو غيرها بطل العقد، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: إن كان من غير الأثمان كقولنا، و إن كان من الأثمان دراهم أو دنانير لم يبطل، بناء على أصله: انّ الثمن لا يتعيّن بالعقد. دليلنا أنّه إذا عيّن الثمن و عقد عليه العقد، كان مثل السلعة الباقية في تعيّنه و إنّما لم يتعيّن إذا كان بثمن بالذمّة فالأصل الذي بنى

المختار في أحكام الخيار، ص: 702

عليه غير مسلّم «1».

و قال في الجواهر في ضمن شرح كلام المحقّق: إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه بآفة سماوية فهو من مال بائعه اجماعا بقسميه «2». و مثله سائر الكلمات لفقهائنا العظام.

إنّما الكلام في تبيين معنى الضمان قبل القبض، فهل الضمان هنا هو الضمان المعاوضيّ بمعنى أنّ البائع لا يستحقّ الثمن لأجل عدم تسلّم المبيع، و بعبارة أخرى: ينفسخ العقد قبل التلف و يدخل المبيع في ملك البائع آنا ما و يتلف في ملكه فلا يستحق شيئا من الثمن.

أو هو ضمان واقعي كالضمان الموجود في الاتلاف و ما تلف تحت يد الغاصب، أعني: ضمان اليد و مثل ضمان

المأخوذ بالسوم، فإنّ الضمان هناك بمعنى جبر الخسارة بالمثل أو القيامة، فعلى هذا يستحقّ البائع الثمن، و يجب عليه جبر الخسارة بدفع المثل أو القيامة إلى المشتري.

و الكلام في استظهار أحد الضمانين من الأدلّة، و لكن الموجود في المقام هو خبران أحدهما نبويّ مرسل و الآخر مروي بسند غير نقي عن الإمام الصادق- عليه السلام- غير أنّ عمل المشهور بهما جابر لضعفهما مضافا إلى اتقان الروايتين.

أمّا الأوّل فالنبوي المعروف: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه «3».

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ 154، مسألة 243.

(2)- النجفي: جواهر الكلام: 23/ 83.

(3)- النوري: مستدرك الوسائل: ج 13، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 703

و أمّا الثاني فهي رواية عقبة بن خالد «1» عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه، حتى يردّ ماله إليه.

و المهم دراسة فقه الحديثين:

أمّا النبوي فهل هو ظاهر في الضمان المعاوضي أو الواقعي؟ احتمالان ناشئان من تعيين مرجع الضمير المنفصل في قوله: فهو من مال بائعه. لا شكّ أنّ الضمير الثاني يرجع إلى المبيع، إنّما الكلام في تعيين مرجع الضمير المنفصل، فهل هو يرجع إلى التلف المستفاد من الفعل، أعني: قوله «تلف»؟ أو يرجع إلى المبيع المذكور في صدر الحديث؟

فلو قلنا بالأوّل: فربّما يكون ظاهرا في الضمان الواقعي، و يكون المعنى: كل مبيع قد تلف قبل قبضه فالتلف

من مال البائع بمعنى أنّ المبيع مع كونه ملكا للمشتري لكن الضمان و جبر الخسارة لدى التلف من مال البائع و لا معنى لهذا الضمان، إلّا الخروج عن عهدة الضمان بالمثل أو القيامة.

و لو قلنا برجوعه إلى المبيع فظاهر الحديث أنّ المبيع من مال البائع و بما أنّه خلاف المفروض لكونه مال المشتري بالفرض فلا بدّ من توجيهه بانفساخ العقد و دخول المبيع في ملك البائع، و عندئذ يصير التلف من مال البائع و يكون الضمان بعد الانفساخ معاوضيا.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 10 من أبواب الخيار، الحديث 1 (في سند الرواية محمد بن عبد اللّه بن هلال و عقبة بن خالد و كلاهما لم يوثّقا).

المختار في أحكام الخيار، ص: 704

و الظاهر هو الثاني: لأنّ عود الضمير إلى المصدر المستفاد من الفعل و إن كان واردا في الذكر الحكيم و في لغة العرب. قال سبحانه: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ (المائدة/ 8) و لكنّه قليل و الظاهر رجوع الضمير إلى المبيع، بشهادة رجوع الضمير المتصل إليه أيضا.

و أمّا فقه الحديث الثاني: فهو ظاهر في الضمان المعاوضي حيث قال: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته» فالضمائر ترجع إلى المتاع، و كون التلف من مال صاحب المتاع مع كونه ملكا للمشتري حسب الفرض لا يعقل، إلّا إذا فرضنا الانفساخ قبل التلف آنا ما حتى يكون التلف في ملك البائع.

و يؤيّد ذلك فهم المشهور من الروايتين، و احتمال استنادهم إلى غير الروايتين بعيد جدا.

ما ذكرناه إنّما هو على حسب طريقة القوم في تفسير الروايات الفقهية، غير أنّ لنا مسلكا آخر في فهم الروايات و هو أنّ أكثر هذه الروايات

الفقهية منقولة بالمعنى لا باللفظ و النصّ، فالدقّة العقليّة الخارجة عن حدود الفهم العرفي لا تتحمّله تلك الروايات، و لأجل ذلك لو دفعت الروايتين إلى العربي الصميم الخالي ذهنه عن كيفية الضمان ربّما توقّف عن تعيين أحد المعنيين، و لأجل ذلك ربّما يصبح كل من الاحتمالين أمرا مفروضا على الروايتين من خارج و ليسا مدلولين لهما.

و الذي أظن هو أنّ الروايتين في بيان أصل الحكم و هو سلب الضمان عن المشتري باثباته على البائع إلى أن يقبض، و أمّا الكيفية فهو متروك إلى بناء العقلاء في هذه الأمور.

المختار في أحكام الخيار، ص: 705

و الذي عليه العقلاء في هذه الموارد هو انفساخ العقد بالتلف لا قبله، و براءة البائع عن كل شي ء إلّا عن ردّ الثمن و ذلك لأنّ المسئولية التي تقبّلها البائع، لم تكن إلّا مسئولية في حدود الامكان و هو دفع العين في أوّل أزمنة الامكان، و المفروض أنّه قام بها و لكن حالت دون مقصده الأقدار، و بذلك خرج عن عهدة المسئوليّة فيستقل العقلاء بانفصام العقد لأجل الوضع السائد و فقد الامكان من غير تقصير و لا يحكم إلّا بردّ الثمن أو عدم أخذه. و أمّا فرض جبر الخسارة عليه بدفع المثل أو القيامة فهو أمر جديد لم يتحمله البائع في العقد و الانشاء ففرض أحد الأمرين عليه يحتاج إلى سبب: و السبب إمّا هو العقد أو كون يده يدا عدوانيا، أو كونه متلفا و متعدّيا، أو متساهلا في كيفية الاقباض، و المفروض عدم تلك الأمور كلّها، و الرجل لا يؤخذ إلّا بمقدار التعهّد و هو لم يتعهّد إلّا دفع المبيع في قبال الثمن حسب المقدرة العرفية، و المفروض عدم وجود القدرة

العرفية، فإذا لم يكن التسليم ممكنا فيرتفع حكمه، و هو معنى الانفساخ القهري.

الانفساخ من الأصل:

فإذا حكم العقلاء بالانفساخ و بطلان البيع، فهل هو يبطل من الأصل أو من حين التلف أو يكون التلف كاشفا عن البطلان من أوّل العقد، و الثاني ممنوع بعد انعقاد العقد صحيحا، و رجّح الشيخ القول الثاني قائلا بأنّ تقدير ماليّة البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد، و إنّما احتيج إليه لتصحيح ما في النص من الحكم بكون التالف مال البائع فيرتكب بقدر الضرورة، و يترتّب على ذلك كون النماء قبل التلف للمشتري. و فيه تأمّل، و الظاهر أنّ العقلاء يحكمون بالبطلان من رأس، و على ما ذكره الشيخ يرجع المشتري إلى البائع في النما آت

المختار في أحكام الخيار، ص: 706

المنفصلة التي لم تتلف من فواكه الأشجار و لبن الحيوان و غيرهما، و هو بعيد و الأولى المصالحة.

ثمّ إنّ التلف في النبوي وارد مورد الغالب، و المراد عدم امكان الوصول إلى المبيع حتى يدفع إلى البائع، و لأجل ذلك جاء في رواية عقبة بن خالد سرقة المتاع مكان تلفه، و بذلك يظهر حال كثير من الأمثلة التي ذكرها العلّامة في تذكرته، كانفلات الطير، و الصيد، و اغراق البحر الأرض المبيعة، أو وقوع صخور عليها من جبل أو اكتسائها بالرمل ...

فروع ذكرها الشيخ:

1- إذا امتنع المشتري عن دفع الثمن و لكنّه قبض المبيع بغير اذن البائع فهل هو مسقط للضمان أو لا، الظاهر هو الأوّل لصدق الاستيلاء الكافي في تحقّق القبض و إن كان محرّما، مضافا إلى انصراف الروايتين عن تلك الصورة.

2- إذا كان المبيع مكيلا أو موزونا و قلنا بتوقّف القبض فيهما على الكيل و الوزن فلو قبض المشتري جزافا فهلك عنده فهل يسقط الضمان بمجرّد قبض المشتري، أو لا؟ فصّل العلّامة بين

القول بتوقّف القبض عليهما فلا يسقط و عدمه فيسقط، و الظاهر السقوط و إن قلنا بتوقّف القبض عليهما و ذلك لانصراف النبوي عن مثله و المراد منه ما تلف تحت يد البائع، و المفروض أنّه تلف تحت يد المشتري، و أمّا رواية عقبة بن خالد فقد جعل الملاك الخروج من البيت و هو حاصل.

3- إذا قلنا بأنّ القبض هو الاستيلاء و عدم كفاية التخلية، فهل تكفي

المختار في أحكام الخيار، ص: 707

التخلية في رفع الضمان و إن لم يصدق القبض أو لا؟ قال الشيخ: فيه قولان:

«لا يخلو السقوط من قوّة و إن لم نجعلها قبضا»، و لكن الظاهر هو بقاء الضمان لرواية عقبة بن خالد و إن كان النبوي منصرفا عن مثله، اللّهمّ إلّا إذا قلنا بعدم ثبوت رواية عقبة بن خالد فيرجع فيه إلى العرف الحاكم بكفاية التخلية في رفع الضمان و الخروج عن التعهّد.

4- و منه يظهر حكم ما لو وضع اليد عليه و لم ينقله بناء على اعتبار النقل في القبض.

هذا كلّه حكم التلف السماوي و أمّا حكم الاتلاف فله صور:

ألف: أن يكون الاتلاف من المشتري.

ب: أن يكون الاتلاف من البائع.

ج: أن يكون الاتلاف من الأجنبي.

أمّا الأوّل أي إتلاف المشتري فلا شك في سقوط الضمان، لصدق القبض بمعنى الاستيلاء سواء كان عالما بكون ما يتلفه ماله أو لا، لأنّ العلم و الجهل لا يؤثّران في الضمان وجودا و عدما، أضف إليه: أنّ النص منصرف عن مثله، فيبقى سقوط الضمان بالتصرّف تحت القاعدة.

نعم لو قدّم البائع المبيع إلى المشتري فاتلفه، فإن كان المشتري عالما بأنّه مبيعه، فلا شك في سقوط الضمان، سواء كان البائع عالما بكونه مال المشتري (غارّا) أو جاهلا (غير

غارّ) لأنّ استناد الاتلاف إلى المباشر هنا أقوى من الاستناد إلى السبب (البائع) حتى و إن كان عالما و غارّا، و أمّا إذا كان جاهلا و كان البائع عالما فيعدّ التلف من مال البائع لأنّ اسناد الاتلاف إلى السبب (البائع) حينئذ

المختار في أحكام الخيار، ص: 708

أقوى، و المشتري أقدم على الاتلاف (الأكل) بما أنّه مال البائع و هو يريد تكريمه لا بما أنّه مال نفسه و إن تبيّن الخلاف.

و أمّا إذا كان البائع جاهلا مثل المشتري فهل هو كالاتلاف السماوي أو لا؟

وجهان، لا يخل أوّلهما من قوّة و أمّا الثاني: أي لو أتلفه البائع ففيه احتمالات:

1- ينفسخ البيع، لكونه تلفا قبل القبض من غير فرق بين كون المتلف انسانا أو حيوانا أو آفة سماوية.

2- لا ينفسخ البيع و يرجع المشتري- بعد دفع الثمن- إلى المثل أو القيامة لانصراف النص عنه و كونه مصداقا لاتلاف مال الغير. و من أتلف مال الغير فهو له ضامن.

3- يتخيّر المشتري بين مطالبته بالقيمة، أو بالثمن، لتحقّق سبب الانفساخ و سبب الضمان فيخيّر المالك في العمل بأحدهما.

4- انّ التلف على هذا الوجه و إن كان خارجا عن منصرف دليل الانفساخ (أي التلف قبل القبض) لكنّه لاحق بتعذّر تسليم المبيع فيثبت (حكمه) أعني:

تخيير المشتري بين أخذ عوض المبيع من المثل أو القيامة و بين أن يفسخ و يرجع إلى عين الثمن الذي أعطاه للبائع.

و لا مجال للاحتمال الثالث لأنّه إذا كان هناك سبب الانفساخ، فهو ينفسخ فورا، و لا يتوقّف على اختيار المشتري سبب الانفساخ، و ترجيحه على سبب الضمان.

و الأقوى هو الوجه الثاني ثمّ الرابع.

و لو قلنا بالوجه الثاني فهل للبائع حبس البدل على أخذ الثمن أو لا؟

و

الظاهر أنّ الحكم فيه و في المبدل واحد، و أنّه يجب عليهما التقابض معا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 709

و لو قبض المشتري بغير اذن البائع حيث يكون له الاسترداد (كما إذا لم يدفع الثمن) فأتلفه البائع في يد المشتري، الظاهر أنّه اتلاف بعد القبض و إن كان فيه ظالما، و لانصراف النبوي عن ذلك، فيرجع المشتري إليه بالبدل، لا الثمن لأنّه من باب اتلاف الغير.

و أمّا الثالث أيّ إذا أتلفه الأجنبي فالمشتري يتخيّر بين فسخ العقد، لعدم خروج البائع عن عهدة التسليم المشروط في ضمن العقد، و امضائه و الرجوع إلى المتلف بالبدل، و إن كان الأقوى في نظر الشيخ تعيّن الرجوع إلى البدل (القيامة في كلامه) لانصراف دليل الانفساخ. لكن انصراف دليل (الانفساخ) (النبوي و رواية عقبة بن خالد) عن هذه الصورة، لا يكون موجبا لتعيّن البدل، لاحتمال كونه مخيّرا بين الفسخ و الرجوع إلى الثمن و الامضاء و الرجوع إلى البدل.

المسألة الثانية: في تلف الثمن المعيّن قبل القبض:

إذا تلف الثمن المعيّن قبل القبض (و فرضنا أنّ لتعيين الثمن في شخص معيّن عرضا عقلائيا في مثل الدولار و الريال) «1» فهل هو من مال المشتري كالمبيع الذي يحسب تلفه من مال البائع أو لا؟ صريح الشيخ في الخلاف هو ذلك، قال: إذا كان الثمن معينا فتلف قبل القبض سواء كان من الأثمان أو من غيرها بطل العقد، و به قال الشافعي «2».

______________________________

(1)- نقل الشيخ في الخلاف عن أبي حنيفة أنّ الثمن لا يتعيّن بالعقد.

(2)- الطوسي: الخلاف: 3/ 154، المسألة 244، و قد مضى بقية النص في أصل المسألة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 710

و عليه العلّامة في التذكرة و هو مقتضى القواعد العامّة و قد مرّ بيانه عند البحث

عن حكم المبيع، و خلاصته قصور شمول التعهّد من جانب المشتري على صورة التلف، فيشبه المورد بما إذا تعذّر التسليم، فحكم العقلاء في صورتي التلف و التعذّر، هو انفساخ العقد.

استدلّ الشيخ بأمرين: النبوي، و لا يخلو دلالته في مورد الثمن من ضعف كما ذكره- قدّس سرّه- و العمدة رواية عقبة بن خالد، و قد مرّ نصّها، فنعيده لبيان كيفيّة الاستدلال:

«في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته، فالمبتاع ضامن لحقّه، حتى يردّ ماله إليه» «1».

توضيح الاستدلال: أنّ في الحديث احتمالات ثلاثة:

1- أن ترجع الضمائر الثلاثة في «لحقّه»، «ماله»، «إليه»، إلى المشتري، فعندئذ يكون المراد من المبتاع هو البائع و تكون الرواية مسوقة لبيان حكم واحد، هو ضمان البائع للمبيع لحدّ قبض المشتري، فيكون المعنى: إذا أخرجه من بيته (لا يسقط الضمان) بل هو ضامن لحقّ المشتري حتى يرد مال المشتري إليه.

و على هذا فالرواية بصدد بيان حكم موضوع واحد و هو ضمان البائع و لا بصدد بيان حكم موضوعين و هذا هو الظاهر في بدء النظر، نعم يبعده أمران:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 10 من أبواب الخيار، الحديث 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 711

ألف: أنّه إذا كان هذا هو المقصود، فالاتيان بالاسم الظاهر مكان الضمير خلاف الفصاحة، فكان عليه أن يقول: فإذا أخرجه من بيته، فهو ضامن لحقّه ...

لا أن يقول: فالمبتاع ضامن، و هذا يدلّ على أنّ فاعل «أخرج» غير المبتاع.

أنّ استعمال المبتاع

في البائع لا يخلو عن بعد و إن كان صحيحا و مع ذلك فهذا أحد الاحتمالات.

2- أن ترجع الضمائر الثلاثة إلى البائع، فيكون المعنى: فإذا أخرجه من بيته و سلّمه إلى المشتري فقد أدّى حقّه و أمّا المشتري فالمبتاع (المشتري) ضامن لحقّ البائع حتى يرد مال البائع (الثمن) إلى البائع.

فإن قلت: إنّ ترتّب «فالمبتاع» على الجملة الشرطية عندئذ يكون غير واضح حيث قال: «و إذا أخرجه عن بيته فالمبتاع ضامن ...» فإنّ ضمان المشتري للثمن غير مترتّب على زمان الخروج بل هو ثابت من زمان العقد، أضف إليه: أنّه يلزم أن تكون الجملة مبتورة، لعدم وجود الجواب الحقيقي لقوله: «فإذا أخرجه» و أمّا قوله «فالمبتاع ...» إذا أريد منه المشتري لا يكون جوابا حقيقيا له.

قلت: إنّ الجزاء كما قلنا محذوف تركه الإمام لمعلوميته فإنّ من أخرج المتاع من بيته، لا يتركه في الطريق بل يسلّمه إلى المشتري فيخرج عن العهدة، فلما علم حكم البائع، ابتدأ الإمام ببيان وظيفة المشتري، و أنّه- عند ذاك- تصل نوبته فلا يخرج عن العهدة إلّا بأداء حقّ البائع مثله و ليس بصدد بيان مبدأ ضمانه بل بصدد ايفاءه لوظيفته و واجبه، و لعلّ هذا أظهر الاحتمالات فتكون الرواية دليلا على كلا الحكمين.

3- أن يرجع الضمير في حقّه إلى البائع و الآخران إلى المشتري، فالمبتاع (المشتري) ضامن لحقّه أي البائع حتى يرد البائع مال المشتري إليه.

المختار في أحكام الخيار، ص: 712

فإن قلت: فعلى هذا يكون ضمان المشتري مرتفعا بارتفاع ضمان البائع مع أنّه لا يرتفع إلّا بالاقباض.

قلت: إنّ الحديث وارد مكان الغالب، فإنّ إقباض البائع يكون غالبا مقرونا باقباض المشتري، فيتساقطان.

و هذا المعنى أيضا يثبت ضمان المشتري للثمن حتى يقبض.

المسألة الثالثة: حكم ضمان العوضين في غير البيع:

هل يلحق العوضان في غير البيع من المعوضات، بالبيع أو لا؟

قال الشيخ الأعظم: يظهر من الفقهاء اللحوق في الاجارة و الصداق و عوض الخلع لو تلف قبل القبض إذا كان الثمن معيّنا، لا ما إذا كان في الذمّة، و الظاهر أنّ المسألة غير معنونة في أكثر الكلمات و اللحوق هو الأقوى و الدليل عليه قصور شمول التعهّد لصورة التلف، فيكون العقد منفسخا بالنسبة إلى العوض، تتبعه الاجارة في الانفساخ فتكون منفسخة، و هل بطلان الخلع يسري إلى بطلان الطلاق أو لا؟ فيه وجهان:

المسألة الرابعة: في تلف بعض المبيع قبل قبضه:

اشارة

لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، فإن كان ممّا يقسّط عليه الثمن، كان حكمه حكم تلف الكل في انفساخ العقد بالنسبة إليه، كما إذا باع مائة متر ثوبا، فتلف عشرة أمتار منه، فالبيع يكون منفسخا بالنسبة إلى العشرة، و ذلك انّ البيع

المختار في أحكام الخيار، ص: 713

و إن لم يتعلّق بكلّ متر مستقلّا و لا بشرط، حتى يكون بيوعا متعدّدة، لكنّه تعلّق بكلّ متر مجتمعا مع الأمتار الأخرى، فلا مانع من تقسيط الثمن، و تصحيح البيع بالنسبة إلى الأجزاء الباقية، و هذا نظير ما إذا باع ما يملك مع ما لا يملك كغنمه مع غنم الغير، أو الغنم مع الخنزير، فإنّ العرف يساعد على التقسيط و التقسيم.

إنّما الكلام في الأوصاف التي لا يقسّط عليها الثمن في نظر الشيخ الأعظم و من قبله و من تبعه، فهل هناك الخيار بأطرافه الثلاثة مثل التلف قبل العقد، إذا ظهر معيبا فالمشتري يتخيّر بين الردّ، و الامساك بلا ارش أو معه، أو تختصّ هذه الصورة بحكم آخر، و لا يشارك مع التلف قبل العقد، و هو الخيار بين الامساك و الرد فقط؟

ذهب الشيخ الطوسي

في النهاية إلى القول الأوّل و قال: من اشترى شيئا و لم يقبضه، ثمّ حدث فيه عيب، كان له ردّه، فإن أراد أخذه و أخذ الارش، كان له ذلك «1».

و لكنّه قال في الخلاف بعدم الجواز بقوله: إذا حدث بالمبيع عيب في يد البائع كان للمشتري الردّ، و الامساك، و ليس له إجازة البيع مع الارش، و لا يجبر البائع على بذل الارش بلا خلاف، فإن تراضيا على الارش كان جائزا، و به قال ابن سريج، و ظاهر مذهب الشافعي أنّه لا يجوز «2».

و اختار العلّامة في المختلف القول الأوّل و نسبه إلى ابن البراج و أبي الصلاح «3».

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية: 395.

(2)- الطوسي: الخلاف: 3/ 109، المسألة 178 من كتاب البيوع.

(3)- العلّامة الحلّي: مختلف الشيعة، الفصل 11 في العيوب، ص 195.

المختار في أحكام الخيار، ص: 714

دليل القائل بعدم جواز الارش:

نقل في المختلف استدلال الشيخ بعدم الجواز بأنّ الأصل ثبوت البيع و لزومه، و عدم التسلّط بالارش، و إنّما أوجبنا له الخيار من الردّ و القبول لدفع الضرر اللاحق بايجاب القبول، فيبقى الباقي على الأصل.

و الاستدلال متين لو لم يكن هناك دليل على الارش، و إلّا فيقدّم على الأصل. نعم أجاب العلّامة في المختلف عن استدلال الشيخ بأنّ الحاجة تمس إلى المعاوضة، و إلّا لم يوجد العقد، و عندئذ الزامه بجميع الثمن ضرر عظيم، لأنّه دفعه في مقابل الجميع بصفاته، فلا يجب دفعه عن البعض «1».

دليل القائل بالارش:

استدلّ القائل بأنّ الكل مضمون قبل القبض، فكذا أبعاضه و أوصافه.

و أورد عليه صاحب مفتاح الكرامة: بأنّ معنى الضمان في تلف الكل و البعض، غير معناه في تلف الوصف، إذ معناه في الأوّل: انفساخ العقد، و رجوع الثمن إلى المشتري، و المبيع إلى البائع، و هذا المعنى غير متحقّق في الوصف لأنّ انعدامه لا يوجب بطلان العقد بالنسبة إليه إذ لا يقابل بالثمن، بشهادة أنّه لا يجب ردّ الارش من نفس الثمن.

و على ضوء هذا لا يمكن أن يراد من قوله: «فهو من مال بائعه» كلا المعنيين، لاستلزامه استعمال اللفظ في معنيين مختلفين. و مثله قول القائل:

______________________________

(1)- المصدر السابق.

المختار في أحكام الخيار، ص: 715

الكل مضمون، فهكذا الوصف، فانّ كيفية الضمان مختلفة.

و بما أنّ أساس الاشكال عدم تقسيط الثمن على الأوصاف و قد قبله الشيخ الأعظم فحاول أن يجيب عن الاشكال مع قبول الأساس، قال ما هذا توضيحه:

«إنّ الضمان المستفاد من قوله: «و من مال بائعه»، ليس بمعنى انفساخ العقد حتى يقال بأنّه ليس متحقّقا في تلف الوصف، بل هو في الجميع بمعنى عدم وقوع العقد على التالف و

انّ العقد من هذه الجهة كأن لم يكن، و هذا معنى واحد يختلف لازمه حسب اختلاف متعلّقه، فإن كان المتعلّق هو الكل، فمعناه بطلان العقد عليه إمّا من رأس كما في المعدوم قبل العقد، أو من حين التلف كما في التالف بعد العقد، و إن كان المتعلّق هو الوصف، فلازمه وقوع العقد على الفاقد من الوصف، و أنّه وقع على المعيب و لازمه الخيار بين الرد و القبول بلا ارش أو معه».

«و بعبارة أخرى: تنزيل التلف بعد العقد، و قبل القبض منزلة التلف قبل العقد و أنّهما في الحكم على وزان واحد، و إن كان أثر التنزيل يختلف في تلف الكل و وصفه في كلا الموردين و الذي يدل على ذلك: هو نسبة التلف إلى مال البائع، فيكون معنى كون تلف الكل من مال البائع هو تنزيله منزلة التلف قبل العقد، كما يكون معنى تلف الوصف من مال البائع، هو تنزيله منزلة تلف الوصف قبل العقد، فيتحد التلفان حكما و نتيجة».

هذا غاية توضيح لكلام الشيخ: و عبارته قاصرة عن تأدية مقصوده «1».

______________________________

(1)- و الحق أنّ المتاجر يحتاج في بعض الموارد إلى تحرير جديد، فعسى أن يقيض سبحانه رجلا فقيها كاتبا ليحرّره، كما قام به نصير الدين بالنسبة إلى المجسطي، فكتب «تحرير المجسطي»، و الإمام الخميني- رضوان اللّه عليه- بالنسبة إلى وسيلة النجاة، فألّف: تحرير الوسيلة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 716

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من معنى الضمان المستفاد من قوله: من مال بائعه، أمر انتزاعي يقف عليه الفقيه بعد الوقوف على تماثل العيبين (الحادث قبل العقد، أو بعده و قبل القبض) في الحكم و إلّا فمعنى الضمان كون التالف مضمونا إمّا بالمسمى، كما في

التالف قبل القبض، أو بالمثل و القيامة كما في التالف عدوانا، أو مأخوذا بالسوم. و لو فرض عدم تقسيط الثمن على الوصف، لما كان للضمان فيه معنى، لا بالمسمّى و لا بالمثل و القيامة، لأنّ المفروض عدم لحاظ الثمن في مقابله.

و لأجل ذلك اختار الشيخ في آخر كلامه، عدم الارش، قائلا بأنّ ثبوت الارش عند تلف الوصف على خلاف الأصل (لكون المفروض عدم تقسيط الثمن، فثبوته في التالف قبل العقد لأجل الاجماع، لا يكون دليلا على ثبوته في المقام).

و مع أنّه سعى- قدّس سرّه- في صدر كلامه ليثبت الارش في المقام، لكنّها لأجل اتّخاذ موقف خاص في صفات الصحّة من عدم تقسيط الثمن عليها، انتهى نظره إلى عدمه.

و أمّا على الحق الذي عرفت من تقسيط الثمن على الصفات جميعا سواء كانت وصف صحّة أو كمال، فيكون الارش على طبق القاعدة و لا يعلم المقدار المقسّط عليها حين البيع إلّا بأخذ النسبة بين الصحيح و المعيب و الأخذ من الثمن بتلك النسبة، نعم ربّما يقال:

1- لو كان الثمن مقسطا على الأوصاف و المعاملة باطلة بالنسبة إليها، يجب ردّ الارش من عين الثمن مع أنّهم لا يقولون بذلك.

المختار في أحكام الخيار، ص: 717

2- لو كان الأمر كما قلتم، يجب أن لا يصحّ الامضاء بلا ارش، لرجوع ما يقابل الوصف إلى ملك المشتري. و قد أجبنا عن الاشكالين في السابق فلاحظ «1». هذا كلّه في التلف بآفة سماوية.

المسألة الخامسة: إذا تعيّب بفعل شخص:

إذا تعيّب بفعل شخص فإمّا أن يكون هو المشتري أو البائع أو الثالث، فإن كان بفعل المشتري فلا ردّ و لا ارش لأنّه هو السبب، و دليل ضمان البائع منصرف عن ذلك.

و أمّا إذا كان التعيّب بفعل البائع أو

الأجنبي فالكلام فيه كالكلام في تلفه بفعلهما لأنّ الكل مشترك في تقسيط الثمن، غاية الأمر إذا كان بفعل الأجنبي له أن يرجع إليه أو إلى البائع.

المسألة السادسة: في بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه:

اشارة

اختلفت كلمات الفقهاء في بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه، فعبّروا عنها تارة ببيع الشي ء قبل قبضه، و أخرى ببيع الشي ء قبل أن يوزن أو يكال، و كأنّ التعبيرين يشيران إلى معنى واحد و هو البيع قبل القبض، لأنّ القبض الذي هو

______________________________

(1)- لاحظ خيار العيب عند استفادة الارش من مرسلة جميل.

المختار في أحكام الخيار، ص: 718

الاستيلاء يتحقّق بأحدهما غالبا، فما دام المبيع لم يوزن أو لم يكل، و كان مشاعا بين مال المشتري و البائع، لا يتحقّق الاستيلاء عليه.

فيكون ملاك المسألة، بيع الشي ء قبل قبضه من الغير.

أمّا أهل السنّة، فهم على أقوال أربعة:

1- قال مالك: يجوز بيع ما عدا الطعام قبل أن يقبض.

2- قال أبو حنيفة: لا يجوز في المنقول و يجوز في غيره.

3- قال الشافعي: لا يجوز مطلقا من غير فرق بين الطعام و غيره.

4- قال أحمد بن حنبل: لا يجوز في المكيل و الموزون و يجوز في غيره، و به قال الحسن البصري و سعيد بن المسيب «1».

و أمّا الشيعة، فقد حكى العلّامة أقوالهم و إليك ملخّصها:

1- قال ابن أبي عقيل و الصدوق: لا يجوز فيما يكال و يوزن و يجوز في غيره.

2- قال المفيد، و الشيخ في النهاية، و ابن البرّاج في الكامل و أبو الصلاح:

يجوز مطلقا و يكون قبض الثاني له نائبا عن قبض الأوّل و يكره ذلك فيما يكال أو يوزن و ليس بمفسد للبيع و لا مانع من مضيّه.

3- قال الشيخ في المبسوط و الخلاف: لا يجوز في الطعام و

يجوز في غيره.

و تبعه ابن البرّاج في المهذّب، و الحكم مختصّ بالمبيع و لا يعم السلف.

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ 157، المسألة 97، بتلخيص منّا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 719

4- قال سلّار: يجوز بيع الدين قبل قبضه فيباع الذهب منه بالعروض.

5- و منع ابن حمزة بيع الطعام قبل القبض سواء كان مبيعا أو قرضا، و غير الطعام جوّز بيعه قبل القبض على كلّ حال إلّا أن يكون سلفا فإنّه منع من بيعه قبل قبضه إلّا من المسلف إليه «1».

و نقل العلّامة في التذكرة و التحرير أقوالا ستّة، و هي:

1- الكراهة مطلقا.

2- المنع مطلقا.

3- التفصيل بين المكيل و الموزون و غيرهما بالتحريم فيهما دون الآخر.

4- و التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم في الأوّل و العدم في غيره، و هو قول الشيخ في المبسوط مدّعيا عليه الاجماع.

5- التفصيل في المكيل و الموزون و بين التولية بالتحريم في الأوّل و عدمه في الثاني.

و قد تركه الشيخ عند نقل كلام العلّامة في التذكرة.

6- التفصيل في خصوص الطعام بين التولية و غيرها بالتحريم فيها و الكراهة في غيرها من المكيل و الموزون، و عدمها في غيرهما.

و قد قصر كلام الشيخ عن بيان الطرف الثالث، أعني: عدم الكراهة في غيرهما.

______________________________

(1)- مختلف الشيعة، الفصل السادس عشر في القبض و حكمه، 115.

المختار في أحكام الخيار، ص: 720

هذه هي الأقوال فالاختلاف حاك عن عدم الاجماع و إنّ المسألة كانت مورد اختلاف من عصر دوّن فيه الفقه، و لكلّ فيه رأيه و دليله، و المهمّ دراسة الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت، و لكنّها مختلفة المضمون، فهي على أصناف:

الأوّل: المنع من بيع ما لم يقبض مطلقا:

هناك روايات تدل على منع بيع مطلق ما لم يقبض، من غير فرق بين

أن يكون ممّا يكال أو يوزن أو غيرهما، و من غير فرق بين الطعام و غيره.

1- موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا من أصحابه واليا، فقال له: إنّي بعثتك إلى أهل اللّه- يعني أهل مكة- فانههم عن بيع ما لم يقبض و عن شرطين في بيع و عن ربح ما لم يضمن «1».

2- و في مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «و نهى عن بيع ما لم يضمن» «2».

و المراد ما لم يقبض، إذ لا ضمان للمشتري قبل القبض.

3- رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي- عليهم السلام-: أنّه كره بيع صكّ الورق حتى يقبض «3». قال الطريحي: الصكّ- بتشديد الكاف- كتاب كالسجلّ يكتب في المعاملات، نقل أنّ الرؤساء في القديم كانوا يكتبون كتبا في عطاياهم لرعيّتهم على شي ء من الورق فيبيعونها «4» مؤجّلا قبل قبضها، فجاء في

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 10 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6 و 8.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 10 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6 و 8.

(3)- المصدر نفسه: الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 20.

(4)- ضمير الفاعل يرجع إلى الرعية.

المختار في أحكام الخيار، ص: 721

الشرع النهي عن ذلك لعدم القبض.

و العطية المكتوبة فيها ربّما كانت من قبيل المكيل و الموزون، و أخرى من غيرهما.

4- و عن سماعة، قال: سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة و قد كان اشتراها و لم يقبضها؟ قال: لا، حتى يقبضها إلّا أن يكون معه قوم يشاركهم فيخرجه بعضهم من نصيبه من شركته بربح أو يولّيه بعضهم فلا بأس

«1».

و الثمرة إذا كانت على الشجرة فهي تباع بالمشاهدة، و لو كانت على غيرها فربّما تباع بالكيل و الوزن، و أخرى بالعدد.

و على كلّ تقدير فهذا الصنف من الروايات يدلّ على عموم النهي من غير اختصاص بمورد دون مورد.

الثاني: ما يدل على المنع في المكيل و الموزون:

ما يدل على عدم جواز بيع المكيل و الموزون قبل قبضه سواء أ كان البيع على المرابحة، أو على وجه التولية أو غير ذلك، و إليك ما يدلّ عليه:

1- عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قوم اشتروا بزّا، فاشتركوا فيه جميعا و لم يقسموه، أ يصلح لأحد منهم بيع بزّه قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس به، و قال: إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام، إنّ الطعام

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 15.

المختار في أحكام الخيار، ص: 722

يكال «1».

و التعليل يفيد أنّ الملاك هو كون المبيع مكيلا، و لا خصوصية للطعام.

2- رواية منصور قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل و لا وزن، أله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه؟ فقال:

لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن، فإن هو قبضه، فهو أبرأ لنفسه «2» و تدل عليه أيضا رواية علي بن جعفر «3» و أبي حمزة «4».

الثالث: ما يدل على المنع في المكيل و الموزون إلّا التولية:

و هناك روايات أخرى تفصّل بين ما كان البيع الثاني على أساس المرابحة فلا يجوز، و على نحو بيع التولية فيجوز، و المراد من بيع التولية إيكال ما اشتراه بنفس الثمن إلى المشتري الثاني، و رجوعه إلى البائع الأوّل بلا توسيط، نظير:

1- رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه، إلّا أن تولّيه، فإذا لم يكن فيه كيل و لا وزن، فبعه- يعني إنّه يوكّل المشتري بقبضه- «5» و التفسير راجع إلى ذيل الحديث أي بيع ما لا يكال و لا

يوزن و أنّ المشتري الثاني يكون وكيلا في القبض.

2- رواية معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال: ما لم يكن كيل أو وزن، فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه، إلّا أن تولّيه الذي قام عليه «6».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 10، 18، 22، 8.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 10، 18، 22، 8.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 10، 18، 22، 8.

(4)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 10، 18، 22، 8.

(5)- المصدر نفسه: الحديث 1 و 11، و روي الحديث الأوّل أيضا برقم 12. و التكرار لأجل كون الأوّل مأخوذا من الكافي و الثاني من التهذيب.

(6)- المصدر نفسه: الحديث 1 و 11، و روي الحديث الأوّل أيضا برقم 12. و التكرار لأجل كون الأوّل مأخوذا من الكافي و الثاني من التهذيب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 723

الرابع: ما يدل على المنع مطلقا في خصوص الطعام:

و هناك ما يدلّ على المنع لكن في خصوص الطعام، و إليك رواياته:

1- الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال في الرجل يبتاع الطعام، ثمّ يبيعه قبل أن يكتاله، قال: لا يصلح له ذلك «1».

2- عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: من احتكر طعاما أو علفا أو ابتاعه بغير حكرة، و أراد أن يبيعه، فلا يبعه حتى يقبضه و يكتاله «2».

3- عن حزام بن حكيم قال: ابتعت طعاما من طعام الصدقة فأربحت فيه قبل أن أقبضه، فأردت بيعه، فسألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا تبعه

حتى تقبضه «3».

الخامس: ما يدل على الجواز في خصوص الطعام بنحو التولية و غيرها:

هناك روايات تدل على الجواز في خصوص الطعام إذا بيع على نحو التولية أو بيع من الشريك في المبيع أو من الدائن، و إليك ما يدل على ذلك:

1- علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام-: عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتى يقبض، و إن كان يولّيه، فلا بأس «4».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 13 (و لاحظ رقم 14) و 17 و 21 و 9.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 13 (و لاحظ رقم 14) و 17 و 21 و 9.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 13 (و لاحظ رقم 14) و 17 و 21 و 9.

(4)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 13 (و لاحظ رقم 14) و 17 و 21 و 9.

المختار في أحكام الخيار، ص: 724

2- عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل، عليه كرّ من طعام، فاشترى كرّا من رجل و قال للرجل (الدائن): انطلق فاستوف حقّك؟ قال: لا بأس به «1».

السادس: ما هو ظاهر في الكراهة:

عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال: لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلّا أن يولّيه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع، و ما كان من شي ء عنده ليس بكيل و لا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه «2».

السابع: ما يدل على الجواز:

1- خالد بن الحجاج الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أشتري الطعام من الرجل ثمّ أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله، فأقول: ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته؟ قال: لا بأس «3».

2- جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في الرجل يشتري الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس، و يوكّل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله؟

قال: لا بأس «4».

3- عن الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يأخذها؟ قال: لا بأس به إن وجد بها ربحا فليبع «5».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2 و 16.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2 و 16.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 3، 6، 4، و لاحظ رواية المدائني: الحديث 7 من ذلك الباب.

(4)- المصدر نفسه: الحديث 3، 6، 4، و لاحظ رواية المدائني: الحديث 7 من ذلك الباب.

(5)- المصدر نفسه: الحديث 3، 6، 4، و لاحظ رواية المدائني: الحديث 7 من ذلك الباب.

المختار في أحكام الخيار، ص: 725

4- محمد بن مسلم عن أحدهما أنّه قال: في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يقبضها؟ قال: لا بأس «1».

هذه

هي الروايات و أصنافها، فكيف الجمع؟ أقول: هناك طريقان:

الأوّل: ما سلكه الشيخ الأنصاري و غيره من حمل المطلقات على المقيّدات.

الثاني: ما سلكه سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- من حمل الجميع على الكراهة على مراتبها.

أمّا الطريق الأوّل، فما أفاده الشيخ نذكره في ضمن أمور:

1- أنّ ما يدل على المنع مطلقا (الصنف الأوّل) محمولة بقرينة الطائفة الثانية على المكيل و الموزون، و بذلك لا تصلح الاطلاقات للاستدلال، فيكون المراد من منع البيع لما لم يقبض هو خصوص المكيل و الموزون.

2- و أمّا الصنف الرابع، الناهي عن بيع الطعام قبل القبض فلا تظهر منها خصوصية للطعام بل النهي عنه لأجل كونه من مصاديق المكيل و الموزون، و يدل على ذلك رواية الحلبي، حيث سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قوم اشتروا بزّا ...

فقال الإمام: لا بأس به هذا ليس بمنزلة الطعام، و إنّ الطعام يكال «2».

3- و أمّا الصنف السابع- المجوّز مطلقا- فيحمل على بيع التولية، و غيره مما ورد فيه الاستثناء. قال الشيخ: و هذه الروايات (أي رواية الكرخي و جميل) مطلقة يمكن حملها على التولية و هو أولى من حمل تلك الأخبار على الكراهة مع أنّ استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 7 من أبواب بيع الثمار، الحديث 3.

(2)- المصدر نفسه: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 1.

المختار في أحكام الخيار، ص: 726

الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول، و إن كانت أخف.

4- ثمّ أشار إلى القول بالجمع بحمل النواهي على الكراهة في ضوء خبر أبي بصير (القسم السادس) و ردّه بأنّ لازم هذا الجمع عدم الكراهة في بيع التولية

أخذا بحكم الاستثناء في رواية أبي بصير مع أنّ القائلين بالكراهة لا يفرّقون بين التولية و غيرها في أصل الكراهة و إن صرّح بعضهم بكونها في التولية أخفّ.

5- ثمّ ذكر أنّ ما يستأنس به للجواز، أعني: رواية الحلبي و محمد بن مسلم (تقدّمتا في القسم السابع) غير تام إذ لا تبعد إرادة الثمرة على الشجرة فيخرج عن المكيل و الموزون.

6- أمّا الاستئناس بالجواز أيضا بما ورد من جواز بيع السلم على من هو عليه «1» فغير تام لأنّ محل الخلاف بيع غير المقبوض على غير البائع.

هذا مجموع ما ذكره الشيخ في مقام الجمع و قد أتينا بها لتجمع شتات كلماته.

يلاحظ على ما ذكره:

أوّلا: أنّ حمل النواهي المطلقة على خصوص المكيل و الموزون، لا يلائم لسانها فإنّ النهي فيها معتمد على ما «لم يقبض» أو «لم يضمّن» و هو كما ترى يعم المكيل و الموزون و غيرهما.

و ثانيا: أنّ حمل الروايات المجوّزة (السابع) على صورة بيع التولية لا يلائم ظاهر رواية خالد بن الحجاج و جميل بن درّاج لو لم نقل أنّهما صريحتان في غير بيع التولية.

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 8 و غيره.

المختار في أحكام الخيار، ص: 727

كما أنّ حمل رواية «الحلبي» و «محمد بن مسلم» من هذا القسم على الثمرة على الشجرة خلاف اطلاقهما، و لو سلم فكيف تفسّر رواية سماعة حيث منعت عن بيع الطعام و الثمرة معا قبل القبض، فلو حملت، على الثمرة على الشجرة تلزم حرمة بيعها على الشجرة مع أنّه لم يقل به أحد، و لو حملت على الثمرة المجتناة حتى تكون من قبيل الموزون و المكيل، يلزم التفكيك بين الرواية المجوّزة، فتحمل على

الثمرة على الشجرة، و تحمل المانعة على الثمرة المجتناة و هذا أمر غريب.

و أمّا الطريق الثاني الذي سلكه سيّدنا الأستاذ- قدّس سرّه- و هو الحمل على الكراهة، فتدلّ عليه أمور:

1- انّ الاختلاف الشديد بين الروايات دليل واضح على كراهة البيع قبل القبض، إذ الكراهة تقبل التأدية عنها بعبارات مختلفة إذا كانت لها مراتب و درجات، فبما أنّه كان البيع قبل القبض مطلقا مكروها و كان على غير وجه التولية أشدّ كراهة، صحّ للإمام- في بعض الظروف- أن يقول: لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلّا أن يولّيه «1» بخلاف المحرّمات فإنّها لا تقبل التأدية عنها بعبارات مختلفة يدلّ بعضها على الجواز، و بعضها الآخر على المنع.

و لأجل ذلك نرى أنّ العلماء في أمثال المقام يحملون النواهي على الكراهة و الأوامر على الاستحباب، إذا كانت مختلفة المضمون «2».

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 16.

(2)- كما هو الحال في باب الأذان و الاقامة، فلاحظ فإنّ الروايات هناك مختلفة جدّا.

المختار في أحكام الخيار، ص: 728

2- انّ قوله «لا يصلح له ذلك» «1» و قوله «لم يصلح حتى يقبض» «2» و قوله «و لا يعجبني» «3» و التعليل بقوله «فإن هو قبضه فهو أبرأ لنفسه» «4» سواء جعلناه راجعا لمورد التولية أو الأعم، كلّها أمارة الكراهة.

3- انّ لسان أكثر الروايات جوازا و منعا هو قوله: «لا بأس»، و يكون مفهومه في خلافه بأس و هو أنسب للكراهة.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، المختار في أحكام الخيار، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق المختار في أحكام الخيار؛ ص: 728

و توهّم أنّه لو

كان الحكم هو الكراهة، فلما ذا أوصى النبي الأكرم والي مكة أن يبلغه إلى أهل اللّه، فإنّه يناسب الأمر المحرّم، مدفوع بأنّه من المحتمل أن تكون وصايا النبي أمورا كثيرة متنوّعة فيها الواجب و الحرام، و المكروه و المستحب كما في عهد الإمام علي لمالك فلم ينقل منه إلّا القليل.

و لعلّ القول بالكراهة أظهر و أوفق بالقواعد خصوصا بالنظر إلى أنّ المعاملات أمور عقلائية و البيع قبل القبض من الأمور الدارجة بينهم، فتحريمه يحتاج إلى بيان قاطع، نعم كونه رائجا لا يخالف الكراهة كما لا يخفى.

و حصيلة البحث، هو أنّ ما أفاده الشيخ الأعظم من تقييد الروايات المانعة بالمجوّزة، و إن كان مطابقا للصناعة، و بذلك يرتفع التعارض بين المجوّزة و المانعة غير أنّ هناك عقدة لم يحلّها و هي أنّ بين الروايات المانعة كموثقة عمّار و خبر شعيب بن واقد «5» ما يركّز على قوله: «لم يقبض و لم يضمن» على نحو يدل على أنّ هذا تمام الموضوع و حمل المطلق على المقيّد و إن كان مطابقا للصناعة لكن مجراه هو الأحكام، لا التعليلات و بيان الملاكات فلم نعهد فيها هذه الصناعة

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 5، 9، 16، 18.

(2)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 5، 9، 16، 18.

(3)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 5، 9، 16، 18.

(4)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 5، 9، 16، 18.

(5)- المصدر نفسه: الباب 10 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6 و 8.

المختار في أحكام الخيار، ص: 729

فلو حمل ذلك على المكيل و الموزون، يكون

الملاك هو القسم الخاص ممّا لم يضمن و لم يقبض هذا من جانب.

و من جانب آخر انّ الحكم بالتحريم في مطلق ما لم يضمن و لم يقبض لم يقل به أحد، فلا مناص عن اختيار الكراهة في مجموع الروايات على مراتبها من الضعف إلى الشدة، فهو في مطلق ما لم يقبض مكروه، و في المكيل و الموزون منه أشدّ، و هو في قسم الطعام منه آكد ممّا سبق، و لأجل ذلك يكون الجمع الذي قام به السيد الأستاذ أوفق بلسان الروايات.

المسألة السابعة: في اختصاص الحكم بالمبيع الشخصي و عدمه؟

سواء أقلنا بكراهة البيع قبل القبض أم بحرمته، فالظاهر عمومية الحكم للكلّي أيضا، و ذلك لتعلّق الحكم ببيع ما لم يقبض أو ربح ما لم يضمن، و هما يعمّان الشخصي و الكلّي، على أنّ في بعض الروايات ما يستفاد منه الاطلاق نظير رواية سماعة، قال: سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة و قد اشتراها و لم يقبضها؟ قال: لا حتى يقبضها «1».

على أنّ كون المبيع شخصيا يندر في مثل الطعام في المجتمعات الكبيرة.

المسألة الثامنة: هل المنع يشمل الثمن أو لا؟

اشارة

هل المنع كراهة و تحريما يختصّ بالمبيع أو يشمل الثمن؟ قال الشيخ الطوسي:

______________________________

(1)- الوسائل: ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 15.

المختار في أحكام الخيار، ص: 730

الثمن إذا كان معيّنا يجوز بيعه قبل قبضه ما لم يكن صرفا. و إن كان في الذمة أيضا يجوز، و قال الشافعي، في المعين: لا يجوز قولا واحدا، و في ما في الذمّة قولان. دليلنا الآية: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ... و دلالة الأصل و جواز التصرّف و المنع يحتاج إلى دليل، و روى سعيد بن جبير عن ابن عمر أنّه قال: كنت أبيع الابل بالبقيع، فأبيع بالدنانير و آخذ الدراهم و أبيع بالدراهم و آخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، و أعطي هذه من هذه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا بأس أن تأخذها ما لم تفترقا و بينكما شي ء «1».

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال بإطلاق الآية فرع عدم الاطلاق في المقيّد، أعني: روايات الباب، و أمّا دلالة الأصل فالأصل في المعاملات هو الفساد لا الصحّة، و هذا أصل غفل عنه أكثر المتقدمين، فقاسوا المعاملات بالشبهات التكليفيّة، نعم لو كان البحث مركّزا على الحرمة التكليفية المحضة لكان للاستدلال

مجال، لكنّه لا يثبت إلّا الحلّية لا آثار البيع، لاستلزامه أن يكون الأصل مثبتا، و أمّا خبر ابن عمر، فهو خارج عن مورد الاختلاف، حيث إنّه فيما باع الثمن من الغير لا ممّن هو عليه.

هذا و ربّما يستدلّ على العكس و هو شمول الحكم للثمن بما رواه يعقوب بن شعيب: انّه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل باع طعاما بدراهم إلى أجل، فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه، فقال: ليس عندي دراهم خذ منّي طعاما، قال: لا بأس، إنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء «2».

يلاحظ على الاستدلال: بأنّه من باب البيع ممّن هو عليه، و مصبّ الخلاف

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ 99، المسألة 161.

(2)- الوسائل: ج 13، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 10.

المختار في أحكام الخيار، ص: 731

هو البيع من غيره على أنّ الثمن هنا ليس مبيعا في العقد الثاني، بل ثمن أيضا بشهادة قوله: «يأخذ بها».

و الأولى الاستدلال بموثقة عمّار و شعيب بن واقد، حيث إنّ الموضوع فيهما «ما لم يقبض أو لم يضمن» و هما يعمّان كل غير مقبوض لأنّ الثمن كالمثمن غير مضمون للبائع ما لم يقبض.

عمومية الحكم لمطلق المعاوضة:

إذا اشترى ما لم يقبض، فقد عرفت حكم بيعه في هذه الحالة، فما حكمه إذا جعله ثمنا أو عوضا في الصلح، أو أجرة للاجارة، فهل يعمّ الحكم لهذه الصورة؟ فقد نقل الشيخ كلمات العلّامة في التذكرة و الشهيد و استظهر فيه وجهين، فلو عمّ الحكم لهذه الصورة يكون المراد من البيع في عنوان المسألة مطلق المبادلة.

و لكن الظاهر اختصاص الحكم بالمبيع، و عدم ورود كلمة سواه، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الملاك للنهي عن البيع هو عدم الضمان قبل القبض

فهو موجب للمنع عن مطلق الانتقال، فكأنّ الشارع منع من انتقال ما لم يضمنه الناقل، سواء أنقله بالبيع أو بالصلح، فالملاك عدم ضمان الناقل و عدم قبضه من غير نظر إلى آلة النقل.

ثمّ هناك فرعا آخر، هو أنّه كان الكلام- فيما سبق- فيما إذا انتقل المتاع إلى الشخص بالبيع، و تكلمنا في نقله إلى الغير قبل القبض بالبيع و غيره، و أمّا إذا انتقل إليه بالارث و الصداق، و الخلع و لكنّه لم يقبض و يريد أن يبيع، فهل يعمّه

المختار في أحكام الخيار، ص: 732

الحكم أو لا؟ و الظاهر عموميّة الحكم لصدق بيع الشي ء قبل قبضه.

و الفرق بين المسألة السابعة (مطلق المعاوضة) و هذه المسألة واضح، ففي الأولى انتقل المتاع إليه بالبيع، و هو ينقله إلى الغير بغير البيع، فلقائل أن يقول بعدم الشمول لاختصاص الروايات بالبيع و إن احتمل الشمول لأجل موثقة عمّار.

و في الثانية انتقل إليه بغير البيع، لكنّه ينقله إلى الغير بالبيع فشمول الروايات لهذه الصورة أوضح من السابق.

و إلى القسم الأخير أشار الشيخ بقوله:

«نعم لو ورث ما اشترى و لم يقبض.

أو أصدقه.

أو عوّض عن الخلع، جرى الخلاف في بيعه».

و عبارة الشيخ الأنصاري غير خالية عن التعقيد، و على النحو الذي حرّرناه يظهر المراد، و هو أنّه إذا انتقل الشي ء الذي يريد بيعه إلى شخص بالارث، كما إذا اشترى من أبيه شيئا و مات الأب قبل القبض و هو يريد بيعه قبله، أو انتقل بالصداق كما إذا أصدق الرجل شيئا لزوجته، و لم يقبضه إياها، و لكنّها تريد بيعه، أو جعلت زوجة رجل عينا عوضا عن الخلع و الزوج يريد بيعه قبل قبضه «1».

______________________________

(1)- رحم اللّه الشيخ الأنصاري رحمة واسعة،

و لكنّه لم يرحم أحدا من قرّاء كتابه بهذه العبارات المعقدة.

المختار في أحكام الخيار، ص: 733

المسألة التاسعة: لو دفع الدراهم إلى من له عليه طعام لاشترائه:

لو دفع إلى من له عليه طعام، دراهم، و قال: اشتر بها لنفسك طعاما، فيه وجهان:

1- لا يصحّ، لأنّ مقتضى المعاوضة أن يدخل المعوض (الطعام) في ملك من (صاحب الدراهم) خرج العوض عن ملكه، فكيف يمكن أن يملك العاقد الطعام و هو غير مالك للدراهم.

2- يصح للنص «1» و إن كان مكروها و وجّهه الشيخ «بأنّه من قبيل ما إذا اشترى لنفسه بمال الغير فإنّه يقع البيع فضولا فإذا قبضه فأجاز المالك الشراء و القبض، تعيّن له. و حيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله على مالك الطعام».

و هذا الوجه مبنيّ على كون اللام في «لنفسك» للتمليك.

و يمكن توجيهه بوجه آخر، و هو أنّه يوكل المشتري في أن يشتريه له، و يقبضه عنه، ثم يستوفي دينه من مال البائع، و هذا أظهر و تكون اللام عندئذ للانتفاع.

ثمّ إنّه ربّما أورد النقض على القاعدة المعروفة من دخول المعوض، في ملك من خرج العوض عن ملكه بوجهين:

1- انّ المعاطاة مفيدة لاباحة التصرّف عند المتقدمين، و عليه فالثمن باق في ملك المشتري. و المبيع في ملك البائع، لكن يجوز للبائع أن يتصرّف في الثمن

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 12 من أبواب السلف، الحديث 1 و 2.

المختار في أحكام الخيار، ص: 734

و يشتري لنفسه شيئا فالثمن خرج من ملك المشتري و المثمن دخل في ملك البائع.

2- بما ذكروه من أنّ من اشترى المغصوب عالما، يبقى الثمن في ملك المشتري، و مع ذلك يجوز لبائع المغصوب التصرّف في الثمن الذي أخذه مع بقائه في ملك المشتري.

هذا إذا كان المبيع

مغصوبا، و مثله إذا كان الثمن مغصوبا فللمشتري أن يشتري بالمبيع جارية و يتمتع بها.

و قد أجاب الشيخ عن النقض الأوّل بما هو المعروف في باب المعاطاة، من دخول المال آنا ما قبل التصرّف في ملك المتصرّف، و عن النقض الثاني، بأنّ المشتري العالم بالغصب ملّك الثمن للبائع مجانا لعلمه بأنّه لا يملك المثمن.

و لكن الظاهر أنّ أصل الحكم لا يخلو من ابهام إلّا إذا علم رضا صاحب الثمن بالتصرّف سواء أملك المغصوب شرعا أم لا.

المسألة العاشرة: لو طالب المتاع في غير بلد الاستحقاق:

لو كان له على غيره طعام فطالبه في غير بلد الاستحقاق فهل عليه وجوب الوفاء إذا كان بلد الاستحقاق مغايرا مع بلد المطالبة؟ للمسألة صور ترجع إلى اختلاف الأسباب في اشتغال ذمّته بالطعام لأنّ السبب تارة يكون: بيع السلف، و أخرى: الاستقراض، و ثالثة: الغصب و إليك الكلام في كل واحدة مستقلة:

المسألة الأولى: أن يكون المال سلما، بأن أسلفه البائع طعاما في العراق

المختار في أحكام الخيار، ص: 735

و طالبه المشتري في المدينة فالبائع هو المسلف إليه، و الحنطة هو المسلف فيه و المشتري هو المسلف، و ذلك لأنّ السلف عبارة عن ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه، فيبتدئ المشتري بقوله: «أسلمت إليك أو أسلفتك كذا في كذا إلى كذا، و يقول البائع: قبلت. فيكون المشتري هو المسلف، و البائع هو المسلف إليه».

و هذا من خصائص السلف حيث يكون الإيجاب من المشتري و القبول من البائع، و قد امتاز به عن سائر أفراد البيع و شارك الصلح. و على ضوء هذا ففي تلك المسألة صور:

1- إذا شرط في نفس العقد التسليم في البلد الثاني، فلا شك في صحّة المطالبة و لزوم الدفع.

2- إذا

لم يشترط في العقد و طلب نفس الطعام فيه فلا يجب الدفع.

3- إذا قال: أدفع قيمة الطعام، أي قيمته في البلد الثاني فلا يجب، كنفس الطعام إذ العقد منصرف إلى بلد الاستحقاق، و هو بلد العقد، لا بلد المطالبة، فلا شك في عدم وجوب أدائه لا مثلا و لا قيمة في ذلك البلد.

4- و لو قال المسلف (المشتري): ادفع قيمة بلد الاستحقاق (العراق) «1» فله صورتان: إمّا أن يتراضيا أو لا.

أمّا إذا رضيا، فلا إشكال لوجود التراضي بالفرض، و ربّما يستشكل عليه من جانب القواعد الشرعية، و هو أنّه من قبيل «بيع ما لم يقبض لأنّه باع الطعام الذي في ذمّة البائع منه بقيمة بلد الاستحقاق» و إن قلنا: إنّهما من قبيل المبادلة، فهي

______________________________

(1)- هذا هو المراد من قول الشيخ: و لو طالبه في ذلك البلد بقيمته في بلد وجوب التسليم.

المختار في أحكام الخيار، ص: 736

أيضا ممنوعة، إذا قلنا بعمومية المنع، عمّا لم يقبض سواء كان بيعا أم مبادلة فإنّه من قبيل مبادلة الطعام غير المقبوض بالقيمة.

ثمّ إنّ الشيخ أراد دفع الاشكال بأنّه يمكن أن يكون من باب بيع الثمن بالطعام فكان المسلف إليه (البائع) يبيع الدراهم، بالطعام الذي في ذمته الذي هو للمشتري، و بما أنّ الشيخ قال باختصاص التحريم بالثمن، فالطعام و إن كان غير مقبوض للمشتري، و لكنّه لا مانع من جعله ثمنا.

يلاحظ عليه: أنّ المتبادر في أمثال المقام هو كون الطعام مثمنا لا ثمنا على أنّك عرفت أنّ النهي يعمّ كل ما لم يقبض سواء كان مثمنا أو ثمنا.

و الذي يسهّل الخطب أنّ الروايات منصرفة عن بيع ما لم يقبض ممّن هو في ذمته، أضف إلى ذلك وجود الروايات

الخاصّة الدالّة على الجواز.

منها: موثقة ابن فضال: كتبت إلى أبي الحسن- عليه السلام-: الرجل يسلفني في الطعام فيجي ء الوقت و ليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم؟ قال: نعم «1».

منها: مرسلة أبان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-:

في الرجل يسلم الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام، فيقول: ليس عندي طعام، و لكن انظر ما قيمته فخذ منّي ثمنه؟ فقال: لا بأس بذلك «2».

و أمّا إذا لم يرض المسلم إليه، فهل يجوز اجباره أو لا؟ وجهان:

ألف: لا يجوز، لأنّ في ذمّته الطعام لا القيامة.

ب: يجوز، لأنّ الطعام الذي يلزمه دفعه معدوم (في المدينة) فكان كما إذا عدم الطعام في بلد يلزم التسليم فيه، و أوضحه الشيخ بقوله: إنّ التقصير متوجّه

______________________________

(1)- الوسائل: ج 13، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 8 و 5، و نقل المحقّق المامقاني في تعليقته على المقام روايات أخرى، فلاحظ: ص 236.

(2)- الوسائل: ج 13، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 8 و 5، و نقل المحقّق المامقاني في تعليقته على المقام روايات أخرى، فلاحظ: ص 236.

المختار في أحكام الخيار، ص: 737

إلى المسلم إليه لغيبته عن بلد التسليم، إذ لو كان فيه لدفعه إلى نفس المشتري أو إلى وكيله أو وليه.

و ما ذكره متين بشرط أن لا يكون البائع معسرا في بلد المطالبة و لا متضايقا و متضرّرا من دفع قيمة بلد الاستحقاق.

5- و لو كان الطعام في البلدين متساوي القيامة فالظاهر وجوب دفع الطعام عليه، لعدم تعذّر الحق بالشرطين الماضيين.

المسألة الثانية: ما يكون عليه قرضا، و له صور:

1- إذا طالب المثل مع كون الطعام في بلد المطالبة أغلى من بلد القرض فلا شك في عدم

وجوب الاجابة، لأنّه إنّما يستحقّ المثل في بلد القرض، فالزامه به في غيره، إذا كان غاليا اضرار.

2- إذا طالب قيمة ما في الذمّة بقيمة بلد القرض فالظاهر وجوبه عليه مطلقا إذا لم يكن معسرا و لا متضرّرا.

3- لو طالب المثل و لم يكن هناك اختلاف بين القيمتين فالظاهر وجوب الاجابة إذا لم يكن معسرا و متضايقا من دفع المثل.

4- لو تعذّر المثل في بلد الاستحقاق، فهل يستحق المثل في بلد المطالبة؟

أو يجب الصبر؟ وجهان.

المسألة الثالثة: أن يكون الاستقرار من جهة الغصب فالظاهر جواز المطالبة بالمثل في جميع الصور، و ذلك للفرق بين السلف و القرض، و بين الغصب، فانّ الأوّلين ينصرفان إلى بلد الاستحقاق بخلاف الغصب، و ما ذكره الشيخ الأعظم من أنّ ما في ذمته هو الطعام الموصوف بكونه في ذلك البلد، أمر عجيب، إذ لم

المختار في أحكام الخيار، ص: 738

تشتغل ذمته إلّا بنفس الشي ء، و البلد ظرف الغصب، و ليس قيدا للمغصوب، و تصوّر أنّه إذا كان المثل في بلد المطالبة أغلى من بلد الغصب بكون ايجاب المثل مخالفا لقوله سبحانه: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «1» غير تام.

لأنّ الآية راجعة إلى القصاص لا الضمان، و على فرض استفادة الحكم منها، فالمقصود هو المماثلة من حيث الجنس و الصفة و الكمية لا القيامة السوقية التي هي أمر اعتباري يختلف حسب الأوقات و الأمكنة و تضرّر الغاصب بايجاب المثل، غير مضر لأنّه الباعث له.

نحمده سبحانه و نشكره على أن منّ علينا باتمام دراسة أحكام الخيارات و الشروط و أحكامها و أحكام النقد و النسيئة و القبض و تمّ تحرير ذلك عشية يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر رجب المرجّب من شهور

عام 1413 في قمّ المحمية.

كتبه ببنانه العبد الفقير جعفر السبحاني ابن الفقيه الحاج الشيخ محمد حسين الخياباني التبريزي- عاملهما اللّه بلطفه الخفي-.

اللّهمّ اجعل هذه الصحائف لنا ذخرا ليوم لا ينفع فيه مال و لا بنون، و اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم و اجعلنا من حماة دينك و العاملين بشريعتك آمين يا ربّ العالمين.

______________________________

(1)- البقرة/ 194.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.