نظام الطلاق فی الشریعه الاسلامیه الغرا

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : نظام الطلاق فی الشریعه الاسلامیه الغرا/ تقریرا جعفر سبحانی؛ تالیف سیف الله الیعقوبی الاصفهانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق (ع)، 1414ق. = 1372.

مشخصات ظاهری : ص 424

شابک : بها:4500ریال

يادداشت : بالای عنوان: الاحوال الشخصیه.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع : طلاق (فقه)

موضوع : عقود و ایقاعات

شناسه افزوده : یعقوبی اصفهانی، سیف الله

رده بندی کنگره : BP189/6 /س2ن6 1372

رده بندی دیویی : 297/36

شماره کتابشناسی ملی : م 73-2515

[مقدمات التحقيق]

[مقدمة] بقلم شيخنا المحاضر- دام ظله

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الّذي رفع درجات العلماء، و فضّل مدادهم على دماء الشهداء، و جعل موطأ أقدامهم، أجنحة ملائكة السماء، و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء الّذي برسالته ختمت رسالات السماء، و على آله الطيّبين النجباء، كهوف الورى، و أعلام التقى، و مصابيح الدجى صلاة دائمة باقية.

أمّا بعد: فانّ الشريعة الإسلامية شريعة كاملة اغنت المجتمع البشري عن أيّ تشريع آخر، بشريّ شرقي أو غربي، و من معظم مباحثها، الأحوال الشخصيّة المتمثلة في نظام الأُسرة و أحكامها و حقوقها.

و يتمثّل نظام الاسرة عندنا في ايجادها بالنكاح أو حلّها بالطّلاق و الموت و الفسخ و الانفساخ، و حقوق الاسرة في حال الحياة و الممات كالميراث و الوصية.

غير انّ هذا المصطلح جديد بين علماء الحقوق و القانون، و أوّل من استخدمه في بداية هذا القرن هو الفقيه المصريّ محمد قدر باشا و قد وضع مجموعة فقهيّة سمّاها «الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية» و لكن الحقوقيين يستعملون تلك اللفظة في معنى أوسع ممّا ذكرنا ( «1») و لا مشاحة في الاصطلاح.

و لمّا كان هذا الموضوع من أهمّ المباحث الفقهية. و قد ورثنا من علمائنا

______________________________

(1). لاحظ شرح قانون الأحوال الشخصيّة للدكتور

عبد الرحمن الصابوني: 11.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 5

القدامى و المتأخرين دراسات عميقة و أبحاث مفصّلة في ذلك المجال، عمدنا إلى معالجة هذه الأبحاث بالقائها بصورة استدلالية في صورة تلائم روح العصر، و تلبي حاجة طلّاب المنهج.

فألقينا محاضرات حول أحكام النكاح و الطلاق و الميراث، على ثلّة من فضلاء الحوزة العلمية مرّة تلو أُخرى، و قد دوّنت و نظّمت مجموعة هذه المحاضرات بوساطة الفضلاء ممن حضر هذه البحوث، و ممن دوّن هذه الابحاث و ضبطها أحسن ضبط الفاضل النبيل حجّة الإسلام الشيخ سيف الله اليعقوبي الاصفهاني- دامت إفاضاته-.

و قد قرأنا و راجعنا ما كتب، و ما دبجته يراعته فألفيناه كافلًا لما ألقيناه و مستوعباً لما أردناه- فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء و جعل عقباه خيراً من دنياه-.

مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)

الحوزة العلمية- قم جعفر السبحاني 24 شعبان المعظم 1414 ه-

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 6

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و خاتم المرسلين أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين إلى يوم الدين.

و بعد لمّا كانت الأحوال الشخصية من أهم المباحث الفقهية إذ في ظلّ القوانين المرتبطة بها، يقوم نظام الاسرة و يستقيم أمرها، و تحلّ المناكح، طلب حضار بحوث العلّامة الفقيه المحقّق آية الله الشيخ جعفر السبحاني- دام ظلّه- أن يلقي محاضرات استدلالية في هذا المجال، فلبّى سماحته- مشكوراً- دعوتهم، و كنت ممن حضر هذه الدروس، و توفّق لكتابتها و تدوينها و تأكيداً للصحة عرضتها على سماحته- دام ظلّه- فشرفني بمطالعتها و تصحيح ما لزم تصحيحه فيها، و ها أنا اقدّمها لطلاب الفقه و محبي فقه أهل

البيت (عليهم السلام) أملا أن يستفيدوا منها منهجاً و محتوى، و طريقة و موضوعاً، و الله الموفق.

و كتابنا هذا يشمل على مقدمة و فصول خمسة.

سيف الله اليعقوبي الاصفهاني نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 7

[كتاب الطلاق]

المقدمة في تعريف الطلاق

اشارة

النكاح عقد بين الزوجين و عليه يبنى صرح الاسرة و يصان به العرض و يتحفظ على العفّة، و الطّلاق حلّ ذلك العقد، فإذا كان الأوّل أحبّ الأُمور عند الشارع كما في الروايات ( «1») يكون الطلاق أبغضها، و لكنّه ربّما تقتضي الضرورة قطع العُلقة و فكّ العقدة، و قد شرّعه الإسلام في ظروف خاصّة، ربّما لا يكون عنه محيص. و في الوقت نفسه وصفه بأبغض الأشياء.

روى صفوان بن مهران عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): تزوَّجوا و زوِّجوا، ألا فمِن حظّ امرء مسلم إنفاق قيمة أيّمة، و ما من شي ء أحبُّ إلى اللّه- عزّ و جلّ- من بيت يعمر بالنّكاح، و ما من شي ء أبغض إلى اللّه- عزّ و جلّ- من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة» يعني الطّلاق. ( «2») و بهذا المضمون روايات أُخر فراجع.

إنّ حكم الطّلاق في الإسلام دليل على كمال تشريعه و تقنينه إذ لم يترك تلك الناحية الحيويّة سدى، و ليس تحريم الطّلاق في النصرانيّة دليلًا على العناية بالمرأة و احترامها، فإنّ تفسير الحرمة بهذا الوجه خداع و ضلال، بل تحريم

______________________________

(1). قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من التزويج. الوسائل 14: الباب 1 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.

(2). الوسائل 15: الباب 1 من أبواب مقدّماته و

شرائطه، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 8

الطّلاق لغاية الانتقام من الزّوج لارتكاربه ذنباً لا يغفر و هو تأهّله و تزوّجه، و خروجه عن الاقتداء بالمسيح (عليه السلام)، فحكم عليه بحرمة الطّلاق، تعذيباً و إيلاماً له حتّى لا تفكّ رقبته من هذا القيد، فالتحريم آية الهوان للمرأة، لا آية التكريم.

و على كلّ تقدير فالطّلاق لغةً: هو حلُّ القيد كقيد الأسير، يقال: أُطلقا لأسير إذا حُلَّ من القيد، و ربّما يستعمل في الإرسال و التّرك، يقال: ناقة طالقة، كما يقال: طلَّق القوم: تركهم. و لا يخفى قرب المعنيين و إمكان تصوير جامع بينهما.

ثمّ إنّ لفظ الطّلاق مصدر للفعل المجرّد، و اسم مصدر للمزيد فيه، فلو قال: طلقت (بتخفيف اللّام و فتحها و ضمّها) طلاقاً فهو مصدر، و لو قال على تشديد اللّام، طلّقت، فهو اسم مصدر. و المصدر التّطليق نظير: السّلام و الكلام و التّسليم و التكريم حرفاً بحرف ( «1»).

ثمّ إنّ الطّلاق من الأُمور العرفيّة الاعتباريّة الرائجة بين العقلاء إلّا فرقة واحدة من المسيحيين، أعني الفرقة «الكاثوليكيّة». و قد أمضاه الإسلام بشروط كما ستوافيك. و هل هو اسم للسبب، أي إنشاء فراق المرأة بلفظ أو فعل، أو للمسبّب، أعني الأثر الحاصل من الإنشاء، فيه خلاف كالخلاف الموجود في جميع ألفاظ المعاملات.

و قد عرّف الطّلاق ب- «إزالة قيد النّكاح»، و الأولى تعريفه ب- «حلِّ العقدة» اقتداءً بقوله سبحانه: (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) ( «2»)

______________________________

(1). لاحظ للسان و المجمع مادة طلق.

(2). البقرة: 237.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 9

و أُشكل على التّعريف بعدم صدقه على الطّلاق الرّجعيّ، فإنّه لا تُرفع فيه عقدة النّكاح، بشهادة أنّه يجوز الرّجوع فيه لفظاً و

عملًا مع القصد و غيره، فلو جامع الزوج المطلّقة الرّجعيّة لا بقصد الرّجوع، يزول أثر الطّلاق و ترجع إلى حبالته.

و يمكن الجواب عنه بأنّه لا فرق بين البائن و الرّجعيّ، غير أنّه يجوز العود إلى النّكاح مجدداً في الثاني دون الأوّل.

و إن شئت قلت: إنّ تحقّق الطّلاق في الرّجعيّ حقيقةً مشروط بشرط متأخّر و هو عدم تحقّق الرجوع من الزّوج قولًا و عملًا مع القصد و عدمه، فالرفع في كليهما فعليّ، لكنّه في البائن مطلق و في الرجعيّ مشروط، و كلّ ما يقال في الشرط المتأخّر جار في المقام أيضاً إشكالًا و جواباً، و ربّما يعرّف الطّلاق (لأجل إدخال الرجعيّ فيه) بأنّه: إزالة النّكاح أو نقصان حلِّه بلفظ مخصوص. و المراد من قوله «نقصان حلّه» هو نقص عدد الطّلاق الذي يترتّب عليه نقص حلّ الزّوجية، و هذا إذا طلّقها طلقةً رجعيةً فإنّها تنقص حلّها ... و لا يملك إلّا طلقتان مع أنّه كان في السابق يملك ثلاث طلقات. ( «1»)

يلاحظ عليه: بأنّه لو قيل بعدم الإزالة في الرجعيّ كما هو مقتضى التقابل في التعريف، لزم منه عدم تحقّق الطّلاق فيما إذا لم يرجع بعد الطّلاق و خرجت عن العدّة و هو كما ترى. و أقصى ما يترتب عليه هو نقصان حلِّه و هو غير إزالة النكاح.

أركانه:

إنّ للطّلاق إضافةً إلى المطلِّق، و إلى المطلّقة، و إلى الصيغة التي بها يتحقَّق، فطبيعة الحال تقتضي كون الأركان في الطلاق ثلاثة، غير أنّه لمّا اشترط في

______________________________

(1). الفقه على المذاهب الأربعة: 4/ 278.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 10

الشرع بالإشهاد صارت أركانه أربعة، و ربّما يجعل الركن الرابع هو القصد، «بأن يقصد النّطق بلفظ الطّلاق» (

«1»)

يلاحظ عليه: أنّه من شرائط المطلِّق او من شرائط الصيغة أعني الركن الثالث و ليس ركناً مستقلًا و ستوافيك شروط الصيغة. فيقع الكلام في الأركان واحداً بعد آخر.

______________________________

(1). الفقه على المذاهب الأربعة: 4/ 281.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 11

الفصل الأوّل: في أركان الطلاق

اشارة

و هي أربعة:

الف: المطلِّق و شروطه

1. البلوغ 2. العقل. 3. الاختيار. 4. القصد.

ب: المطلَّقة و شروطها

1. أن تكون زوجة 2. معقودة دائماً.

3. طاهرة من الحيض و النفاس 4. متبرئة من المواقعة

ج: الصيغة و شروطها

1. اشتراط الإنشاء بلفظ: أنت طلاق و فيه بيان حكم الطّلاق بالكتابة و طلاق غير القادر على الإنشاء بالعربية، و طلاق الأخرس و الحلف بالطّلاق.

2. أن يكون منجّزاً لا معلَّقاً.

3. حكم الطّلاق ثلاثاً.

ج: الإشهاد: حضور عدلين في مجلس الطّلاق.

- و في حكم تبيّن فسق الشاهدين.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 13

الركن الأوّل: المطلِّق

اشارة

و يشترط فيه شروط أربعة:

أحدها: البلوغ. ثانيها: العقل. ثالثها: الاختيار. رابعها: القصد.

و إليك الكلام في الشرط الأوّل.

الشرط الأوّل: البلوغ
اشارة

اختلفت كلمة الأصحاب في شرطية البلوغ فذهبت طائفة إلى عدم شرطيته و إليك البيان:

قال ابن بابويه: و الغلام إذا طلّق للسنّة فطلاقه جائز ( «1»).

و قال الشيخ في النهاية: و الغلام إذا طلّق و كان ممّن يحسن الطلاق و قد أتى عليه عشر سنين فصاعداً جاز طلاقه ( «2»).

و قال ابن البرّاج: إذا كان يحسن الطّلاق، و كان سنّه عشر سنين أو أكثر من ذلك، و أراد الطّلاق كان ذلك جائزاً ( «3»).

و قال ابن حمزة: و من لم يبلغ ضربان إمّا لم يبلغ عشر سنين فصاعداً فلا يصحّ منه الطّلاق و لا من وليّه له، أو بلغ و كان مميّزاً فيصحّ طلاقه ( «4»).

و خالفهم لفيف من القدماء و جلّ المتأخرين.

______________________________

(1). الفقه الرضوي بناءً على أنّه تأليف والد الصدوق.

(2). النهاية: 518.

(3). المهذب: 2/ 288.

(4). الوسيلة: 323.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 14

قال أبو الصلاح: و اشترطنا صحّة التصرّف احترازاً من الصبيّ و المجنون و السكران ( «1»).

و قال سلّار: و من شرط المطلِّق أن يكون مالكاً لأمره ( «2»).

و قال ابن ادريس- بعد نقل كلام الشيخ في النهاية و ذكر الرواية التي استند إليها الشيخ-: إنّها مخالفة لأُصول المذهب، و الأدلّة المتضافرة، و لقول الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم): رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ( «3»).

و أمّا المتأخّرون فكفى في اتّفاقهم على الشرطية قول صاحب الجواهر بعد قول المحقق «البلوغ»: بلا خلاف أجده ( «4»).

و أمّا العامّة؛ فقال شمس الدين ابن قدامة المقدسيّ في شرحه على المغني: أكثر الروايات عن أحمد

أنّ طلاقه يقع، و ذكره الخرقي و اختاره أبو بكر ( «5») و ابن حامد، و روي نحو ذلك عن سعيد بن المسيّب و عطاء و الحسن و الشعبي و إسحاق، و روى أبو طالب عن أحمد: لا يجوز طلاقه حتى يحتلم، و هو قول النخعي و الزّهري و مالك و حمّاد و الثوري و أبي عبيد و ذكر أبو عبيد أنّه قول أهل العراق و أهل الحجاز. و روي ذلك عن ابن عباس لقول النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): «رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم» ( «6») و هذا النقل يدلُّ على أنّ المسألة كانت مورد

______________________________

(1). الكافي: 305.

(2). المراسم: 161.

(3). السرائر: 2/ 673، و 693.

(4). الجواهر: 32/ 4.

(5). المراد أبو بكر الخلّال الذي جمع فتاوى أحمد بن حنبل من هنا و هناك.

(6). المغني: 8/ 236، و قد نقل فيه الجواز لمن له بين عشر إلى اثني عشر سنّاً كما نقل جوازه لمن أحصى الصلاة و صام رمضان إلى غير ذلك من العبارات المشعرة بكفاية التمييز.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 15

الاختلاف بين التابعين و تابعيهم.

و مع ذلك قال ابن رشد: «و اتفقوا على انّه الزوج العاقل البالغ الحرّ غير المكره» ( «1»).

و أمّا الروايات فهي على طائفتين:

الأُولى: ما يدلّ على عدم نفوذ طلاق الصبيّ حتّى يحتلم. مثل:

1- ما رواه أبو الصباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «ليس طلاق الصبيّ بشي ء». ( «2»)

2- و السّكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «كلّ طلاق جائز إلّا طلاق المعتوه أو الصبيّ أو مبرسم أو مجنون أو مُكرَه». ( «3»)

3- و أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه

السلام)، قال: «لا يجوز طلاق الصبيّ و لا السّكران». ( «4»)

4- و حسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام)، قال: «لا يجوز طلاق الغلام حتّى يحتلم». ( «5»)

و في مقابلها ما يدلّ على الجواز بقيد كونه عاقلًا، أو قادراً على وضع الصدقة في موضعها و حقّها و الكلُّ كناية عن كونه مميّزاً، نظير:

1- ما رواه سماعة، قال: سألته عن طلاق الغلام و لم يحتلم و صدقته، فقال: إذا طلّق للسُّنَّة و وضع الصدقة في موضعها و حقّها فلا بأس و هو جائز. ( «6»)

2- و جميل بن درّاج عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: يجوز طلاق الغلام إذا

______________________________

(1). بداية المجتهد: 2/ 81.

(2). الوسائل 15: الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 3 و 4 و 8 و 7.

(3). الوسائل 15: الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 3 و 4 و 8 و 7.

(4). الوسائل 15: الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 3 و 4 و 8 و 7.

(5). الوسائل 15: الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 3 و 4 و 8 و 7.

(6). الوسائل 15: الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 3 و 4 و 8 و 7.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 16

كان قد عقل و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم. ( «1»)

3- و ما رواه في الفقه الرضوي: و الغلام إذا طلّق للسّنّة فطلاقه جائز. ( «2»)

و أمّا روايتا ابن بكير و ابن أبي عمير، فمضطربتان متناً و إليك ما روياه:

4- روى في الكافي عن ابن بكير عن أبي

عبد اللّه (عليه السلام)، قال: « [لا] يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و وصيّته و صدقته و إن لم يحتلم». ( «3»)

فلو كان الذيل «و إن لم يحتلم» فهو يدلّ على زيادة حرف النفي و أنّ الصحيح «يجوز»، بخلاف ما إذا كان «إن لم يحتلم» فإنّه يناسب كون الصحيح «لا يجوز».

5- و روى عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: « [لا] يجوز طلاق الصبيّ إذا بلغ عشر سنين». ( «4») و الظاهر زيادة [لا] كما رواه في الوسائل.

هذا ما وقفنا عليه من الرّوايات، و هل الطائفتان متعارضتان حتّى يرجع إلى المرجّحات، أو أنّ النسبة بينهما عموم و خصوص مطلق؛ لظهور الروايات النافية في عدم جواز طلاق الصبي مطلقاً بلغ العشر أم لم يبلغ، قدر على وضع الصدقة في موضعها أم لا، فعلى ذلك فتخصّص الطائفة الأولى بالطائفة الثانية؟

قال صاحب الحدائق: تحمل رواية الكناني و رواية أبي بصير و نحوهما ممّا

______________________________

(1). الوسائل 13: الباب 15 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث 2، و رواه في الوسائل عن جميل بن دُرّاج عن أحدهما، و الظاهر سقوط الواسطة كما في المصدر و هو محمّد بن مسلم لأنّ جميل بن درّاج من أحداث أصحاب الإمام أبي عبد اللّه (عليه السلام) فلا يمكن له أن يروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام). إلّا أن يكون ذلك قرينة على أنّ المراد هو الإمام الصادق (عليه السلام) فتأمّل.

(2). المستدرك: 3/ 8 الباب 24، الحديث 3.

(3). الكافي: 6/ 124 كتاب الطلاق، الحديث 4 و 5.

(4). الكافي: 6/ 124 كتاب الطلاق، الحديث 4 و 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 17

دلّ

على عموم عدم جواز طلاقه على من لم يبلغ العشر أو من بلغ، و لكن لا يعقل ذلك، و ما دلّ على جواز طلاقه مطلقاً كما في رواية جميل بن درّاج و سماعة و ابن بكير و نحوها على من بلغ عشراً و كان يعقل ذلك.

يلاحظ عليه: أنّه يستلزم أن يكون ورود العامّ لغواً، فإنّه إذا خرج البالغ عشراً و ما فوقه، و خرج المميّز و العارف بوضع الصدقة محلّها؛ يلزم أن يكون العامّ مختصاً بما دون العشر و غير المميّز، و من المعلوم أنّ طلاقه غير صحيح قطعاً فلا حاجة للعناية بذكره.

فالحق أنّ الطائفتين متعارضتان، و الترجيح مع الطائفة الأولى لموافقتها للسنّة النبويّة، أعني قوله: «رُفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم» ( «1») على أنّ طبيعة الموضوع و خطورته تقتضي اشتراط البلوغ فلا يترك هذا الموضوع المهمّ إلى الصبيّ نفسه، و إن عقل و ميّز، كيف و أمر الطلاق ليس بأقلّ من الأموال، و لا يجوز له التصرّف في أمواله فكيف في حلّ عقدة النّكاح، فالظاهر اشتراط البلوغ بلا كلام.

طلاق الوليّ زوجة الصبيّ

إذا كان البلوغ شرطاً في جواز الطلاق فلا يجوز للوليّ طلاق زوجته عنه أيضاً ولايةً إجماعاً، و قد استدلّ عليه بما لا يخلو من النظر، كالنبويّ المعروف «الطلاق بيد من أخذ بالسّاق» ( «2») فإنّه في مقابل الأجنبيّ لا الوليّ كأدلّة الوكالة؛ فإذا جاز الطلاق بالوكالة و كانت أدلّة الوكالة مقدّمةً على النبويّ جاز بالولاية أيضاً.

و بذلك يظهر ضعف ما استدلّ به المحقّق، حيث قال: «لاختصاص

______________________________

(1). الجامع الصغير: 2/ 57.

(2). كنز العمال: 5/ 155.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 18

الطلاق بمالك البضْع» لما عرفت من أنّ معناه؛ أنّ الطلاق بيد المالك

لا الأجنبيّ، و أمّا الوكيل و الوليّ الخاصّ أو العامّ فالدليل منصرف عن إخراجهم. نعم استدلّ بقوله: «و توقّع زوال حجره غالباً لقصر مدّته» و هو في محلّه.

و الأولى الاستدلال بالروايات المرويّة في المقام؛ مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصبيّ يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟ فقال: «إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم» قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا». ( «1»)

و خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سألته عن الصبيّ يُزوّج الصبيّة هل يتوارثان؟ قال: «إن كان أبواهما هما اللّذان زوّجاهما فنعم»، قلنا: يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا». ( «2»)

و خبر فضل بن عبد الملك، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يزوِّج ابنه و هو صغير قال: «لا بأس» قلت: يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا ...». ( «3»)

و ربّما توصف الرواية بالصحّة لكن في طريقها عبد اللّه بن محمّد بن عيسى و هو أخو أحمد بن محمّد بن عيسى و لم يوثّق هو و لا أخوه الآخر أعني بنان بن محمد بن عيسى صريحاً، و إن دلّت القرائن على وثاقة عبد اللّه كما ذكره العلّامة المامقاني في ترجمته فلاحظ. و المسألة إجماعيّة لا تحتاج إلى التفصيل.

هذا إذا كان الصبيّ سويّاً و سالماً و أمّا غيره فله صور ثلاث:

1- إذا جُنّ بعد العقد و هو غير بالغ.

2- إذا بلغ فاسد العقل.

______________________________

(1). الوسائل 220: 14، الباب 12 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2). الوسائل 17/ 528، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3.

(3). الوسائل 15/ 39، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 2، و لاحظ الحديث 5 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 19

3- إذا جُنَّ بعد البلوغ.

ذكر المحقّق من الصّور الثلاث الثانية و الثالثة حيث قال: «فلو بلغ فاسد العقل طلّق وليّه مع مراعاة الغبطة» و هذه هي الصورة الثانية، و أشار إلى الصورة الثالثة عند البحث عن الشرط الثاني حيث قال: «و يطلّق عن المجنون» و الظاهر هو الجنون المنفصل عن البلوغ.

و أمّا الصورة الأولى؛ أعني إذا جُنّ بعد العقد و هو غير بالغ فغير مذكور في كلامه و لعلّه اكتفى في بيان حكمه بما سبق من أنّه لا يجوز للوليّ طلاق زوجة الصبيّ سواء كان سويّاً أم غير سويّ، فيبقى الكلام في الصورتين المذكورتين.

أمّا الأولى أعني ما إذا بلغ فاسد العقل؛ فالشيخ و ابن إدريس؛ على عدم الجواز مستدلين بأنّه: «ليس للوليّ أن يطلّق عمّن له عليه ولاية؛ لا بعوض و لا بغير عوض، و به قال الشافعيّ، و أبو حنيفة و أكثر الفقهاء ...». ( «1»)

و لا يخفى ضعف الاستدلال، أمّا النبويّ؛ فقد عرفت انصرافه عن الوليّ، و أمّا التمسّك بالأصل؛ فهو محجوج بالدليل الاجتهاديّ. و لأجل ذلك ذهب المشهور إلى الجواز و يدلُّ على الجواز روايات:

1- ما رواه شهاب بن عبد ربّه، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «المعتوه الذي لا يحسن أن يطلّق؛ يُطلّق عنه وليّه على السّنّة» قلت: فطلّقها ثلاثاً في مقعد، قال: «تردُّ إلى السُّنّة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة». ( «2»)

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 437، المسألة 39، كتاب الخلع. و ذهب في النهاية ص 519 إلى الجواز، السرائر 494: 2.

(2). الوسائل 15/ 329، الباب 35 من أبواب مقدّمات الطلاق:، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 20

2- و

ما رواه أبو خالد القمّاط ( «1»)، قال: قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل الأحمق الذّاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال: «و لم لا يطلِّق هو»؟ قلت: لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً لم أُطلّق، أو لا يحسن أن يطلِّق، قال: «ما أرى وليّه إلّا بمنزلة السلطان». ( «2») و الموضوع في الروايتين هو المعتوه.

و قد عرفت في التّعليقة أنّ الرواية نقلت بصور مختلفة، فالموضوع في رواية صفوان قوله؛ (رجل يعرف رأيه مرةً و ينكره أُخرى) و هو في رواية محمّد بن أبي حمزة؛ الرجل الأحمق الذاهب العقل، كما هو في رواية محمّد بن سنان؛ المعتوه. و بذلك يعلم أنّ الموضوع هو دون المجنون؛ بشهادة رواية صفوان،. كما يعلم أنّ المعتوه أقلّ من المجنون» فيثبت الحكم في المجنون بطريق أولى، و يظهر من أهل اللّغة أنّ المعتوه أقلّ من المجنون:

قال الفيّومي في كتاب المصباح المنير: عَتِه عَتْهاً من باب تَعِبَ و عَتَاهاً بالفتح: نقص عقله من غير جنون أو دهش، و فيه لغة ثانية عتِّه بالبناء للمفعول عتاهةً بالفتح و عتاهيةً بالتخفيف فهو معتوه بيّن العِته.

و عن التهذيب: المعتوه، المدهوش من غير حسّ أو جنون.

و قال في القاموس: عَتِه كعني عَتهاً و عُتهاً و عُتاهاً بضمها فهو معتوه نقص عقله أو فقد أو دُهِش.

نعم؛ أُورد على الاستدلال بهذه الروايات في المسالك بما هذا لفظه: «و لأنّ متن الحديث لا يخلو من قصور؛ لأنّ السائل وصف الزوج بكونه ذاهب العقل،

______________________________

(1). نقلها عنه، صفوان بن خالد تارة، و محمّد بن أبي حمزة ثانياً، و محمّد بن سنان ثالثاً، بمتون مختلفة في التعبير، و الظاهر وحدة الرواية و إنّما الاختلاف لأجل النقل بالمعنى فلو

كان ضعف في الطريقين الأخيرين لأجل محمّد بن أبي حمزة و محمّد بن سنان فلا ضعف في الطريق الأُول.

(2). الوسائل 15/ 329، الباب 35 من أبواب مقدّمات الطلاق:، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 21

ثمّ يقول له الإمام «ما له لا يطلّق» مع الإجماع على أنّ المجنون ليس له مباشرة الطلاق، و لا أهليّة التصرف، ثمّ يعلِّل السائل عدم طلاقه بأنّه لا يؤمن من أن ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده، ثمّ يجيبه الإمام بكون الوليّ بمنزلة السلطان، و كلُّ هذا يضعِّف الاحتجاج بها». ( «1»)

و تمكن الإجابة؛ بأنّ المعتوه في لغة العرب؛ هو ناقص العقل من دون جنون، و لأجل ذلك قال له الإمام «ماله لا يطلِّق» فأجاب الراوي: بأنّه يمكن أن ينكره بعد الطلاق أو أنّه لا يعرف حدوده، و على ذلك يحمل قوله «ذاهب العقل» فالمراد هو ناقصه لا فاقده من رأس، و مثله تصحّ مباشرته للطلاق بإذن الوليّ، لأنّه كالسفيه في مجال المال و الثروة.

و على ذلك يحمل ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه سُئل عن المعتوه: أ يجوز طلاقه؟ فقال: «ما هو»؟ قال: فقلت: الأحمق الذاهب العقل، فقال: «نعم». ( «2»)

غاية الأمر يلزم تقيّده بإذن الوليّ، و أمّا لو كان فاقد العقل فلا يُعبأُ بلفظه و صيغته. هذا كلّه إذا بلغ فاسد العقل.

و أمّا الصورة الثانية أعني إذا جُنَّ بعد البلوغ؛ فهل يجوز للوليّ الطلاق عنه أخذاً بما هو المتبادر من الروايات السابقة من أنّ المِلاك؛ هو فقدان العقل بعد البلوغ سواء أ كان متّصلًا بأيّام الصبا أم لا،، كما عليه صاحب الجواهر حيث قال: «إنّ ولاية المجنون مطلقاً للأب و الجدّ

من غير فرق بين المتّصل و المنفصل» ( «3»)، أو يتولّاه الحاكم لانقطاع ولاية الوالدين بالبلوغ عاقلًا؟ ( «4») وجهان؛

______________________________

(1). الحدائق: 25/ 155، كتاب الطلاق.

(2). الوسائل 15/ 328، الباب 34 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 8.

(3). الجواهر: 32/ 9.

(4). و هذا هو الفرق الجوهريّ بين الصورتين.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 22

أحوطهما الجمع بين القولين؛ و هو طلاق الوليّ بإذن الحاكم.

الشرط الثاني: العقل

و ليس فيه خلاف؛ فلا يصحّ طلاق المجنون مطبقاً أو أدواريّاً حال جنونه، و لا السّكران، و لا من زال عقله بإغماء أو بسبب تناول مسكر من خمر و حشيش و أفيون و كوكائين و نحو ذلك من المخدِّرات التي تغطّي العقل.

و هل العقل شرط برأسه؟ أو أنّه شرط لاستلزامه عدم القصد الذي يترتّب عليه الحكم؟ وجهان، و لكنه لا يترتّب عليه أثر شرعيّ بعد استفاضة النصوص على أنّه لا طلاق لمن فقد العقل ذاتاً أو عرضاً.

و تدلّ على ذلك مضافاً إلى ما تقدّم في الشرط الأوّل ( «1»)؛ روايتا الحلبي، و نكتفي بذكر واحدة منهما قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن طلاق السّكران و عتقه، فقال: «لا يجوز» قال: و سألته عن طلاق المعتوه، قال: «و ما هو»؟ قال: قلت: الأحمق الذاهب العقل، قال: «لا يجوز»، قلت: فالمرأة كذلك يجوز بيعها و شراؤها؟ قال: «لا». ( «2») و لأجل وضوح الحكم طوينا الكلام عن نقل الروايات على وجه التفصيل.

نعم؛ هناك فرع و هو؛ أنّه إن تناول الشخص شيئاً و هو عالم بأنّه- يزيل العقل- فذهب عقله و طلَّق امرأته؛ فهل يقع طلاقه؟ الظاهر: لا. بل هو منصرف الروايات؛ إذ قلَّ ما يتَّفق للإنسان أن لا يعرف خصوصيّات المسكرات.

______________________________

(1). و

هي رواية السّكونيّ.

(2). الوسائل ج 15/ 328، الباب 34 من أبواب مقدّمات، الحديث 5، و لاحظ الرواية 4 و 6 و 7 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 23

ثمّ إنّ بعض من عاصرناه من فقهاء أهل السّنّة، بعد ما ذكر شرطيّة العقل؛ فرَّق بين ما إذا تناول المسكر و هو يعلم أنّه يزيل العقل؛ فيقع طلاقه زجراً له و لأمثاله الذين ينتهكون حرمات الدّين، و ما إذا تناوله و هو غير آثم في تناوله، و طلّق امرأته؛ فلا يقع لأنّه معذور.

و ضعفه ظاهر؛ لأنّ العبرة في الطّلاق بإنشائه عن قصد، و السكران سواء كان متهتّكاً أو معذوراً فاقد للشرط أي قصد اللّفظ و المعنى بالإرادة الاستعمالية فضلًا عن الإرادة الجدّيّة. و كونه آثماً في تناوله أو غير آثم؛ لا يؤثّر في المقام؛ لفقدان الشرط المقوِّم للصيغة، و إلّا يجب الالتزام بجميع إنشاءاته كبيعه و شرائه و هو كما ترى. فالحقّ بطلانه في كلتا الصورتين.

ثمّ إذا لم يكن له وليّ من أب أو جدّ؛ طلَّق عنه السلطان أو مَن نصبه للنظر في ذلك و يدلُّ عليه ما تقدّم من الروايات من تنزيل الوليّ منزلة السلطان الدالّ على ثبوت الحكم في المنزَّل عليه، غير أنّ السلطان وليُّ من لا وليَّ له، فتختصُّ ولايته بما إذا لم يكن هناك وليّ.

و أمّا الادواري؛ فيصحُّ طلاقه إذا كان كامل العقل في ظرف إنشاء الطّلاق كالسكران. نعم؛ لو فرض تأثير حال جنونه في حال إفاقته؛ يتولّى طلاقه الوليّ كما هو اللّائح ممّا سبق من الروايات حول المعتوه و الذاهب العقل.

و أمّا ( «1») ولاية الأب أو الجدّ على السكران و شارب المرقد؛ فغير ثابت؛ لفحوى ما دلّ

على عدم ولايته على الصبيّ؛ لرجاء زوال العذر، إلّا إذا كان هناك حرج و ضرر، أو كان العود إلى الإفاقة متوقِّفاً على مضيّ زمن طويل، فيقوم الوليّ بطلاقها عنهما.

______________________________

(1). لاحظ رواية أبي خالد القمّاط المتقدّمة و غيرها.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 24

الشرط الثالث: الاختيار؛ فلا يصحُّ طلاق المكرَه
اشارة

يقع الكلام في موردين: الأوّل في حكم طلاق المكره، و الثاني فيما يتحقّق به الإكراه.

أمّا الأوّل: فطلاقه باطل إجماعاً، و قد وردت- مضافاً إلى حديث الرفع- روايات خاصّة؛ مثل ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «لو أنّ رجلًا مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان، فقهروه حتّى يتخوّف على نفسه؛ أن يعتق أو يطلِّق ففعل، لم يكن عليه شي ء». ( «1») و ما رواه يحيى بن عبد اللّه بن الحسن، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «لا يجوز طلاق في استكراه، و لا تجوز يمين في قطيعة رحم،- إلى أن قال- و إنّما الطلاق ما أُريد به الطلاق من غير استكراه و لا إضرار» ( «2») و غيرهما ممّا يدلّ على بطلان طلاق المكره.

نعم؛ إنّما المهمّ هو بيان ما يتحقّق به الإكراه، و قد ذكروا لتحقُّقه أموراً ثلاثة:

1- كون المُكرِه قادراً على فعل ما توعّد به.

2- غلبة الظنّ بأنّه يفعل ذلك مع امتناع المكرَه.

3- أن يكون ما توعّد به مضرّاً بالمكرَه نفسه، أو من يجري مجراه كالأب و الولد، سواء كان ذلك الضرر قتلًا أو جرحاً أو شتماً أو ضرباً.

و الذي يمكن أن يقال: إنّه يكفي الخوف من العمل بما توعّد به، و لا يشترط الظنّ بالفعل لصدق الإكراه أوّلًا؛ و لورود الخوف في رواية عبد اللّه بن سنان ثانياً

______________________________

(1). الوسائل 15/ 331، الباب 37 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 2.

(2). نفس المصدر الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 25

كما عرفت.

نعم؛ يختلف تحقُّق الإكراه حسب اختلاف منازل المكرَهين في تحمّل الإهانة و عدمه ما عدا القتل و الجرح، فربّما كان قليل الشتم يضرّ بالوجيه صاحب الوقار، و الضرب لا يضرُّ ببعض آخر و لا يبالي به.

و المشهور كما في الشرائع هو تحقُّق الإكراه مع الضرر الكثير لا اليسير، و ظاهره أنّه يلاحظ المال بما هو هو، فإن كان كثيراً فهو صادق دون ما إذا كان قليلًا. و الأولى التفريق بين المضرّ بحال المكرَه و غيره؛ لا الكثير و اليسير، و لقد أحسن في الحدائق حيث قال: «يتحقّق الإكراه بتوعُّده بما يكون مضرّاً به بحسب حاله؛ في نفسه أو من يجري مجراه». ( «1»)

المكره من أقسام المريد

ربّما يتوهّم أنّ المكرَه غير مريد، و لكنّه في غير محلّه، بل الفاعل المريد بين مختار و مكرَه، و أمّا الفاقد للإرادة فهو الفاعل المضطرّ؛ مثل حركة يد المرتعش.

و المكرَه و المختار من أقسام الفاعل المريد، غاية الأمر؛ أنّ الإرادة تنبع في المختار من صميم ذاته من دون تأثير عامل خارجيّ، بخلاف الأوّل؛ فإنّ للعامل الخارجيّ تأثيراً في ظهور الإرادة في أُفق النفس، و لأجل كونه مريداً و قاصداً؛ يقع الطلاق صحيحاً إذا ارتفع الإكراه و أمضى عمله، فتكون الصحة مطابقةً للقاعدة، و المكرَه بإرادته، يقدّم الأقلّ محذوراً على الأكثر، و يطلق بإرادة تامّة.

و بذلك يعلم؛ أنّ البحث في المكرَه المريد للطلاق جدّاً لأجل الإكراه، فما ذكره العلّامة في التحرير، و أفتى به الشهيد الثاني في شرح الروضة؛ بأنّه لو أكره

______________________________

(1). الحدائق 25، كتاب الطلاق 160.

نظام الطلاق

في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 26

على الطلاق فطلّق ناوياً؛ يقع صحيحاً؛ غير تامّ؛ لما عرفت من أنّ المكرَه من أقسام المريد، و مورد البحث و الروايات ما إذا طلّق عن إرادة و قصد.

و ما جاء في كلامهما بأنّ الإكراه يرتفع بقصد اللّفظ دون المعنى و أنّ القصد لا إكراه فيه عليه؛ غير مفيد؛ فبالإضافة إلى ما عرفت- من أنّه مورد البحث و الروايات- أنّ التلفّظ باللّفظ من دون إرادة معناه أمر يغفل عنه أكثر المكرهين، فلا يرون أمامهم إلّا طريقاً واحداً و هو الطّلاق عن قصد و إرادة، فلا يمكن صرف الروايات عن الصورة الغالبة و حملها على الصورة النادرة.

و يؤيّد ذلك؛ ما سيوافيك من عدم وجوب التّورية للقادر عليها. و يدلّ على ما ذكرناه خبر يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، حيث قال: «و إنّما الطلاق ما أُريد به الطلاق من غير استكراه و لا إضرار». ( «1») فحكم ببطلان الطّلاق في موضع قصده لكن عن إكراه فإرادته في ظرف الإكراه غير كافية.

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً ذكرت في كتب الفقهاء نذكر المهمّ منها:

1- إذا أُكره على الطّلاق و لم يكن للإكراه تأثيرٌ فيه؛ كما إذا كان مستعدّاً له فصار الإكراه مبرراً ظاهرياً للطّلاق؛ فلا إشكال في صحّته.

2- إذا كان له داع إلى الطّلاق و لكن لم يكن داعياً تامّاً فأُكره فصار داعياً تامّاً.

3- إذا طلّق لا من جهة التخلّص من الضرر المتوجّه إليه، بل لأجل دفع الضرر عن المكرِه؛ كما إذا قال الولد للوالد: طلّق ضرّة أُمي و إلّا لقتلتك أو لقتلت نفسي؟ فطلّق لصيانة نفس الولد عن القتل قصاصاً أو ابتداءً.

______________________________

(1). الوسائل 15/ 331، الباب 37

من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 27

4- إذا طلّق و كان الداعي هو الشفقة الدينيّة على المكرِه، أو على المطلّقة؛ لئلّا يعذّب في الآخِرَة الولد بقتل الوالد أو ترتكب المطلّقة عملًا حراماً. فهل الكلّ من مصاديق الإكراه أو عدمه أو فيه تفصيل؟

يمكن أن يقال: إنّه إذا قلنا: بأنّ الاختيار شرط لا أنّ الإكراه مانع؛ فالظاهر بطلان الطّلاق في جميع الصور؛ لعدم وجود الاختيار فيها، فلولا إكراه الولد لما اختار الوالد الطّلاق. و إنّما طلّق لأجل إضرار الولد و تهديده و قد ألجأ الوالد إلى الطّلاق، و أمّا على القول بأنّ الإكراه مانع؛ فالظاهر هو التفصيل، فإن كان الداعي نفس الإكراه و كان له دور في ظهور الإرادة في نفس المكرَه؛ فالطّلاق باطل. و أمّا إذا كان الإكراه مغفولًا عنه و كان الداعي عدم توجّه المحذور الدنيويّ أو الأُخرويّ إلى الولد؛ فلا يصدق عليه الإكراه. فيقع صحيحاً هذا حكم جميع الصور.

5- إذا أكرهه على طلاق زوجة معينة؛ فطلّقها مع غيرها بلفظ واحد أو طلّقهما بصيغتين؛ و الظاهر اتّصاف الأولى بالإكراه دون الثانية، و ما في الجواهر من «أنّه لو طلّقها مع غيرها بلفظ واحد، فإنّه يشعر باختياره أيضاً»؛ غير تامّ؛ إذ من الممكن أن لا يكون طلاقها منبعثاً من اختياره، بل لاجل أنّه ربّما لا تكون الظروف مساعدةً لإبقاء الثانية وحدها فيطلّقهما معاً، و لو لا الإكراه لما طلّق الثانية أبداً.

6- لو أُكره على طلاق زوجة معيّنة فطلّق غيرها؛ فالظاهر اتّصافه بالإكراه، و لعلّ العدول منها إلى غيرها؛ هو للتوصّل به إلى رفع الإكراه به، فيكون طلاق غيرها اكراهيّاً.

7- لو أكرهه على طلاق إحدى زوجاته؛ بأن يختار واحدة معيّنة

و يطلّقها، فطلّقها كذلك؛ فالظاهر بطلانه؛ لأنّها إحدى أفراد الكلّيّ المكرَه عليه.

8- لو كان الإكراه على الإبهام، و عدل إلى التعيين؛ ففي المسالك أنّه يصحّ؛

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 28

لأنّه غير المكرَه عليه جزماً.

يلاحظ عليه: أنّ التفريق بين الإكراه على المبهَم و الإكراه على المعيّن؛ من شأن العالم بهذه المسائل لا غيره، فأكثر الناس لا يدور في خلدهم إلّا أنّ الإكراه لا يرتفع إلّا بالطّلاق معيّناً.

نعم؛ لو وقف على أنّ المكرَه يرضى بالطّلاق الباطل أي الطّلاق مبهماً و طلّق صحيحاً أي معيّنة؛ فللصّحّة وجه.

9- و لو أُكره على الطّلاق بكناية من الكنايات؛ فطلّق باللّفظ الصريح؛ ففيه التفصيل الماضي، في الصورة الثامنة.

10- لو طلّق و ادّعى أنّه كان مكرَهاً عليه و أنكرت الزوجة؛ قيل: لو كانت هناك قرينة تدلّ على صدقه بأن كان محبوساً؛ قدّم قوله بيمينه، و إلّا فلا.

و لو طلّق في المرض ثمّ قال: كنت مغشيّاً عليّ، أو مسلوب القصد؛ قيل: لم يقبل قوله إلّا ببيّنة؛ لأنّ الأصل الصحّة، و إنّما قبلت القرائن في الإكراه؛ لظهورها و كثرة وقوعها و وضوح مراتبها.

الظاهر أنّه لا فرق بين الصورتين إذا كانت هناك قرائن مفيدة للاطمئنان الذي هو علم عرفيّ. هذا و كما أنّ الأصل هو الصحّة؛ كذلك الأصل كون الإنسان مختاراً في فعله.

و أمّا وجوب التّورية و عدمه على القادر عليها؛ فقد فرغنا من حكمها عند البحث عن المكاسب المحرّمة.

الشرط الرابع: القصد
اشارة

و هل المراد؛ هو قصد اللّفظ أو قصد المعنى بالإرادة الاستعماليّة أو قصده

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 29

بالإرادة الجدّيّة، أي قصد إنشاء الطّلاق جدّاً، و يخرج على الأوّل النائم و السكران و الغالط، و على الثاني الجاهل باللّغة، و

على الثالث الهازل، و الظاهر هو الثالث؛ لعدم الحاجة إلى إخراج فاقد القصد على الاطلاق؛ بعد خروجه باشتراط العقل، و أمّا الثاني فنادر الوجود لا يحتاج إلى عنوان مستقلّ. فتعيّن الثالث؛ أي من يقصد اللّفظ و المعنى بالإرادة الاستعماليّة دون الجديّة؛ كما هو الحال في الهازل و المعلّم و الملقّن إلى غير ذلك ممّن يفتقد الإرادة الجدّيّة.

و قد تضافرت الروايات على اشتراطه، و ما هذا إلّا في مقابل فتوى العامّة قاطبة؛ من كفاية قصد اللّفظ في الطّلاق عن قصد المعنى جدّاً إذا كان اللّفظ صريحاً؛ فمن طلّق باللّفظ الصريح و إن لم يقصد المعنى جدّاً يقع طلاقه؛ دون اللفظ بالكنايات. و لو طلّق باللّفظ الكنائي يشترط فيه القصد. فأقاموا صراحة اللّفظ مكان القصد. إذ نقل الشيخ عن فقهاء عصره: «الصريح ما يقع به الطّلاق من غير نيّة، و الكنايات ما يحتاج إلى نيّة». ( «1»)

و نقل في الخلاف عنهم بعد الإشارة إلى ألفاظ الطّلاق الصريح و غيره: فكلّ ذلك يقع به الخلع إلّا أنّه لا تراعي في الألفاظ الصريحة، النيّة؛ فيقع الخلع بالتلفّظ به، و تعتبر النيّة في الكنايات بينهما جميعاً. ( «2»)

و قال ابن قدامة في المغني: اللّفظ ينقسم إلى صريح و كناية؛ فالصريح يقع به الطّلاق من غير نيّة، و الكناية لا يقع بها الطلاق حتّى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيّته. ( «3»)

و قد عرفت تضافر الروايات على لزوم القصد في صحّة الطلاق؛ مثل ما رواه

______________________________

(1). الخلاف، ج 2: كتاب الطلاق، 445/ المسألة 17.

(2). الخلاف 2: كتاب الخلع، 433/ المسألة 14.

(3). المغني 8/ 263، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 30

ابن بكير عن زرارة عن اليسع، قال:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في حديث: «و لو أنّ رجلًا طلّق على سنّة و على طهر من غير جماع و أشهد و لم ينو الطلاق؛ لم يكن طلاقه طلاقاً». ( «1»)

و ما رواه ابن بكير عن زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا طلاق إلّا ما أُريد به الطلاق». ( «2»)

و ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق». ( «3»)

و على ذلك، فلو خاطب زوجته بظنّ أنّها زوجة غيره و قال: أنت طالق، أو قال: زوجتي طالق بظنّ أنّه ليس له زوجة، ثمّ تبيّن أنّ وكيله زوَّجه؛ لا يقع صحيحاً.

فيما لو ادّعى عدم القصد:

و لو طلّق زوجته، ثمّ قال: لم أقصد الطّلاق جدّاً، قال المحقّق: قبل منه ظاهراً و ديّنَ بنيّته باطناً، و إن تأخّر تفسيره ما لم تخرج المرأة عن العدّة؛ لأنّه إخبار عن نيّته. ( «4»)

و قال الشيخ في الخلاف: لو قال لها: أنت طالق، ثمّ قال: أردت أن أقول أنت طاهر أو أنت فاضلة، أو قال: طلّقتك، ثمّ قال: أردت أن أقول أمسكتكِ فسبق لساني فقلت طلّقتك؛ قبل منه في الحكم و فيما بينه و بين اللّه، و قال الشافعيّ و أبو حنيفة و مالك و جميع الفقهاء: لا يقبل منه في الحكم الظاهر و يقبل منه فيما بينه و بين اللّه- دليلنا- إجماع الفرقة و أيضاً فإنّ اللّفظ إنّما يكون مفيداً لما وضع له

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 11 من أبواب مقدّمات الطلاق: 285- 286، الحديث 1، 3، 4.

(2). الوسائل 15: الباب 11 من أبواب مقدّمات الطلاق: 285- 286، الحديث 1، 3، 4.

(3). الوسائل 15: الباب 11 من أبواب

مقدّمات الطلاق: 285- 286، الحديث 1، 3، 4.

(4). الشرائع: 3/ 13.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 31

في اللّغة بالقصد و النيّة .... ( «1»)

و لا يخفى أنّ التفصيل المنقول عن أئمة المذاهب الثلاثة؛ لا يوافق الأصل المسلّم عندهم من عدم اعتبار القصد في الألفاظ الصريحة؛ مثل أنت طالق، فعلى الأصل المزبور؛ يتحقق الطّلاق و إن لم يقصد قطعاً، فكيف إذا كان مشكوكاً، اللّهمّ؛ إلّا أن يقال: إنّ كلامهم فيما إذا قصد اللّفظ و المعنى بالإرادة الاستعماليّة، و إن لم يقصد المعنى بالإرادة الجديّة لا ما إذا قصد نفس اللّفظ فقط؛ كما هو الحال في المثال الذي طرحه الشيخ من سبق اللسان، و لأجل ذلك قالوا: «لا يقبل منه في الحكم الظاهر و يقبل منه فيما بينه و بين اللّه».

و على كلّ تقدير؛ فقد ذهب الشهيد الثاني في المسالك و سبطه في شرح النافع إلى عدم القبول، و لمّا كان ما اختاره الشيخ و المحقّق و غيرهما مشكلًا؛ من جهة أنّ لازمه سماع الإنكار بعد الإقرار، مع كون الأصل في باب القضاء؛ هو عدم السماع، أو سماع قول البائع بعد تمام العقد بأنّه لم يقصد البيع، إلى غير ذلك من موارد أُخرى ممّا لا يسمع الإنكار؛ حاول القائلون تصحيحه بوجوه نذكرها:

1- إنّه إخبار عن نيّته، و لا تعلم حقيقتها إلّا من قبله، و إنّما حكم بها اعتماداً على ظاهر حال العاقل المختار؛ المعلومة حجّيّته في ذلك ما لم تصدر الدعوى منه.

يلاحظ عليه: أنّه يسمع الإخبار عن النيّة إذا لم يتعلّق بحقّ الغير؛ كما إذا قال: لست صائماً، لا في المقام الذي هو متعلّق حقّ الغير (أي الزوجة)، و هو يمنع من قبول اخباره عن

نيّته، و لأجل ذلك التجأ بعضهم؛ إلى تقييد القبول بالعدّة الرجعيّة المقتضي بقاء علقة الزوجيّة دون العدّة البائنة لزوال العلقة بالكلّيّة.

و لكن التقييد غير مفيد؛ لأنّ سماع دعواه في هذه الصورة لأجل؛ أنّ دعوى

______________________________

(1). الخلاف 2/ 446، المسألة 19، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 32

عدم القصد كإنكار الطلاق فيسمع من حيث إنّه رجعة، لا أنّ قوله «حجّة في المقام».

2- و لمّا كان أحد النقوض؛ لزوم سماع دعوى البائع إذا ادّعى عدم القصد؛ حاول صاحب الجواهر ادّعاء الفرق بينهما، و قال: «إنّ الطلاق ليس له إلّا طرف واحد؛ و هو الإيقاع من الموقِع، و أصل الصحّة؛ لا يجري فيه بعد اعتراف فاعله بفساده بما لا يعلم إلّا من قبله، بخلاف البيع مثلًا، فإنّه لو ادّعى الموجِب عدم القصد المقتضي فساد إيجابه و عدم جريان أصل الصحّة؛ عورض بأصالة صحّة القبول الذي هو فعل مسلم أيضاً، و الأصل فيه الصّحة التي لا تتوقّف على العلم بصحة الإيجاب، بل يكفي فيها احتمال الصحّة الذي لا ريب في تحقّقه مع دعواه التي لا تمضي إلّا في حقّه ...». ( «1»)

و لا يخفى؛ أنّ أصالة الصحّة في القبول لا تعارض مع صحّة ادّعاء عدم القصد، إذ ليس معناها في جانب القبول؛ هو الصحّة الفعليّة التي لا تجتمع مع القول بعدم القصد، بل مفادها هو الصحّة الشأنيّة بمعنى؛ أنّه لو كان هناك إيجاب صحيح لكان القبول صحيحاً و مفيداً للغرض، و هذا يجتمع حتّى مع العلم بفساد الإيجاب فكيف مع الشكّ في صحّته؟

3- ما رواه منصور بن يونس في حديث، عن العبد الصالح: إنّه تزوّج امرأة بغداديّة، ثمّ تزوّج ابنة خاله بالكوفة، و قد طلّق الأُولى

مرّتين، و لمّا أراد النظر إلى ابنة خاله قالت اخته و خالته: إنّه لا ينظر إليها إلّا أن يطلّق الأولى فقال: فأبوا عليّ إلّا تطليقها ثلاثاً و لا و اللّه جعلت فداك ما أردت اللّه ( «2»)، و لا أردت إلّا أن أُداريهم عن نفسي، و قد امتلأ قلبي من ذلك، فمكث طويلًا مطرقاً ثمّ رفع رأسه و هو

______________________________

(1). الجواهر: 32/ 21.

(2). هكذا؛ و لكنّ الظاهر أنّ العبارة هكذا: (ما أردت و اللّه).

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 33

متبسّم، فقال: «أمّا بينك و بين اللّه فليس بشي ء، و لكن إن قدّموك إلى السُّلطان أبانها منك». ( «1»)

أقول إنّ ابن سماعة رواها عن عبيس بن هشام و صالح بن خالد- جميعاً عن منصور بن يونس ( «2») و هي قاصرة الدلالة، لأنّها وردت في المكرَه الذي طلّق للمداراة، و قد امتلأ قلبه من غيضه. و قد قلنا: إنّ المكرَه من أقسام المريد، و المريد بين مختار و مكره، فكيف يستدلّ بها على فاقد القصد.

و الحقّ؛ عدم قبول قوله، لأنّه إنكار بعد الاقرار، و ليس هناك فرق بين رجوعه عن الطلاق بادّعاء عدم القصد، و رجوعه عن الاقرار إذا أقرّ و قال: (لك عندي درهم) ثمّ ادّعى عدم القصد. فالدالّ على القصد في كلا الموردين؛ ظاهر حال الفاعل العاقل من غير فرق بينهما.

و قد عرفت؛ أنّ سماع إنكاره في العدّة لأجل كونه مصداقاً للرجوع.

ثمّ إنّه إذا صدّقته المرأة، فهل يقبل قولهما حتّى بعد انقضاء العدّة؟ الظاهر؛ هو القبول لأنّ الحقّ منحصر فيهما و ربّما يقال: بعدم القبول باعتبار تعلُّق حقّ اللّه تبارك و تعالى شأنه بالموضوع، و مع فرض صدور ما يحكم به بظاهر

الشرع على صدور الطلاق الجديّ منه، لا تجدي المصادقة. و لا يخفى ضعفه كما هو بيّن.

التوكيل في الطلاق:

ذهب المشهور إلى جواز التوكيل في الطلاق حاضراً كان الزوج أو غائباً، و فصّل الشيخ في النهاية بين الغائب و الحاضر؛ فمنعها في الثاني حيث قال: «إذا

______________________________

(1). الوسائل 15/ 332، الباب 38 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1.

(2). لم يوثّق عُبيس بن هشام، نعم روى جمع من المشايخ عنه، و أما صالح بن خالد و هو أبو شعيب المحاملي فهو ثقة، و الظاهر اتحاده مع ابن شعيب الكناسي الذي وثقه العياشي في باب الكنى.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 34

وكّل الرجل غيره بأن يطلّق عنه؛ لم يقع طلاقه إذا كان حاضراً في البلد، و إن كان غائباً جاز توكيله في الطلاق». ( «1»)

و تبعه ابن البرّاج حيث قال: «و الوكالة في الطلاق جائزة مع الغيبة دون الحضور». ( «2»)؛ و مثله ابن حمزة حيث قال: «و لا يصحّ التوكيل في الطلاق إلّا للغائب» ( «3») و عن الحسن بن سماعة بعد ما نقل حديث زرارة (لا يجوز الوكالة في الطلاق) أنّه قال: و بهذا الحديث نأخذ، و هو ظاهر في المنع مطلقاً.

و نسب في الحدائق إلى الكليني؛ التوقّف في المسألة حيث إنّه نقل الخبر الموافق و المخالف و لم يأت بشي ء. ( «4») و على ذلك يكون التوقّف قولًا رابعاً، و لكنّه ليس في محلّه؛ لأنّ الكافي كتاب حديث لا كتاب إفتاء، نعم ربّما يناقش في بعض الروايات و يفتي ببعض ما رواه.

و أمّا العامّة؛ فالظاهر منهم الجواز في الخلع و الطلاق، قال ابن قدامة: و يصحّ التوكيل في الخلع من كلّ واحد من الزوجين. (

«5») و قد أفتى بجواز توكيل الصبيّ في الطلاق. ( «6») و قال أيضاً: «لو وكّل أجنبيّاً فقال: طلِّق زوجتي، فالحكم على ما ذكرناه (أي لم يملك إلّا طلقةً واحدة)». ( «7»)

و استدلّ المشهور بوجوه:

الأوّل: التمسك بإطلاقات روايات باب الوكالة؛ مثل ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: «من وكّل رجلًا على إمضاء أمر من

______________________________

(1). النهاية: 511.

(2). المهذّب: 2/ 277.

(3). الوسيلة: 333.

(4). الحدائق: 25/ 171.

(5). المُغني: 8/ 225.

(6). المُغني: 8/ 258.

(7). المُغني: 8/ 301.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 35

الأُمور؛ فالوكالة ثابتة أبداً حتّى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها» ( «1») و لا يخفى أنّ الرواية ليست في مقام بيان؛ أنّ كلّ شي ء تجوز الوكالة فيه، و إنّما هي في مقام بيان أنّ الوكالة (في ما تصحّ فيه الوكالة) باقية على حالها حتّى يصل إلى الوكيل ما يخرجه عنها، و أمّا ما تجوز فيه الوكالة و ما لا يجوز فليست بصدد بيانه.

الثاني: التمسك بروايات خاصّة مثل؛

1- ما رواه سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل جعل أمر امرأته إلى رجل فقال: اشهدوا أنّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان، فيطلّقها؛ أ يجوز ذلك للرّجل؟ فقال: «نعم». ( «2») و مفاد الرواية؛ هو توكيله في إبقاء المرأة على حبالته أو طلاقها عنه، و ما في الحدائق «من أنّ الرواية خارجة عن محل البحث؛ فإنّ ظاهرها إنّما هو جعل الاختيار في الطلاق و عدمه إلى ذلك الرجل، فإن شاء طلّق و إن شاء لم يطلّق إلّا أنّ الرجل اختار الطلاق فطلّق؛ فهو غير محل البحث، أعني توكيل الغير في إيقاع صيغة

الطلاق» غير تامّ؛ لأنّ القسمين من قبيل الوكالة، إلّا أنّه ربّما يوكّله في الطلاق فقط، و ربّما يوكّله بين الإمساك و الطلاق، و على فرض تغايرهما فالعرف يراهما من باب واحد.

2- ما رواه ابن مسكان، عن أبي هلال الرازي ( «3») قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل وكّل رجلًا يطلِّق امرأته إذا حاضت و طهرت و خرج الرّجل، فبدا له فأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به و أنّه قد بدا له في ذلك، قال: «فليعلم أهله

______________________________

(1). الوسائل 13/ 285، الباب 1 من أبواب الوكالة، الحديث 1.

(2). الوسائل 15/ 333، الباب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1.

(3). قال المامقاني: رواه عنه حفص بن أبي البختري، و قد وقع الرجل في طريق الصدوق في كتاب الوكالة، و روى عنه عبد اللّه بن مسكان (و المراد هذه الرواية)، و لم أقف على اسمه و لا حاله، فهو مجهول.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 36

و ليعلم الوكيل». ( «1») و الرواية صريحة في التوكيل و إن كان السند غير نقيّ.

3- ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل جعل طلاق امرأته بيد رجلين؛ فطلّق أحدهما و أبى الآخر؛ فأبى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يجيز ذلك حتّى يجتمعا جميعاً على طلاق». ( «2»)

و أمّا ما رواه محمّد بن عيسى اليقطيني قال: بعث إليّ أبو الحسن (عليه السلام) رزم ثياب و أمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحيم؛ زوجة كانت له و أمرني أن أُطلّقها عنه و أُمتّعها بهذا المال، و أمرني أن أُشهد على طلاقها صفوان بن يحيى، و آخر نسي محمّد بن

عيسى اسمه ( «3»)؛ فلا يحتج به على قول المشهور القائل بجواز التوكيل في الطلاق مطلقاً، لأنّ المفروض غيبة الزوج أعني الإمام، نعم؛ الرواية حجّة على بطلان من منع الوكالة حتّى في حالة غيبة الزوج، كالحسن بن سماعة.

و بفضل هذه الروايات؛ يمكن القول بجواز التوكيل مطلقاً، غائباً كان الزوج أو حاضراً، و ليس لما ذهب إليه الشيخ من التفصيل دليل سوى حمل رواية زرارة الدالة على المنع مطلقاً على خصوص الحاضر؛ جمعاً بين الطائفتين، حيث روى زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا تجوز الوكالة في الطلاق» ( «4») و لو صحّ الحديث فهو دليل على قول الحسن بن سماعة المانعة عن الوكالة مطلقاً، لا على قول الشيخ المفصّل بين الحاضر و الغائب، إلّا أن يحمل الحديث على الحاضر؛ جمعاً بينه و بين الطائفة الأولى، و لكنّه جمع تبرعيّ لا شاهد له و هو غير مقبول. فعندئذ تتعارضان، و الترجيح مع الأُولى؛ لكثرة عددها، و عمل المشهور بها، و جريان السيرة على مضمونها. و رواية زرارة أشبه بالرواية المعرض عنها.

______________________________

(1). الوسائل 15 الباب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 3، 2، 6.

(2). الوسائل 15 الباب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 3، 2، 6.

(3). الوسائل 15 الباب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 3، 2، 6.

(4). الوسائل 15 الباب 39 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 37

اللّهمّ؛ إلّا أن يحمل على الكراهة أو التقيّة، على فرض وجود فتوى بعض منهم على منع الوكالة في الطلاق، و هو غير معلوم لما عرفت من اتّفاقهم على جواز الوكالة.

هل يجوز توكيل الزوجة؟
اشارة

دلّت الروايات السابقة على؛ أنّ الطلاق أمر يقبل النيابة، و

لأجل ذلك جاز توكيل الغير في طلاق الزوجة، و عندئذ لا فرق بين الرجل و المرأة، و ما جاء في النصوص السابقة من قوله: «رجل وكّل رجلًا يطلّق امرأته» فهو من باب المثال، مثل قوله: «رجل شكّ بين الثلاث و الأربع» فيكون الموضوع هو المكلّف حسب فهم العرف، فلا يفرّق فيه بين كون المرأة زوجة الموكّل أو لا، و إلى ذلك يرجع قول العلامة في المختلف: «إنّه فعل يقبل النيابة، و المحلُّ قابل فجاز، كما وكّل غيرها من النساء أو توكّلت في طلاق غيرها» و ما عن الشيخ «من أنّه لا يصحّ توكيل الزوجة و لو في حال الغيبة؛ لظهور تلك النصوص في غيره» في غير محلّه لما عرفت من إلغاء الخصوصيّة.

و ربّما يستدلّ على الجواز؛ بما ورد في قوله سبحانه من تخيير النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) زوجاته؛ بين التسريح و الإمساك، ( «1») فيدلّ على جواز توكيل الزوجة في طلاق نفسها.

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر من الآية؛ هو تخيير النبيّ نساءه بين الطلاق و البقاء على الزواج، فيطلّق النبيّ من أرادت الطلاق، و يترك من أرادت البقاء لا

______________________________

(1). يشير إلى قوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا* وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّٰارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً). الأحزاب: 28- 29.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 38

توكيلها في طلاقها نفسها.

و ربّما استدلّ للقول بالمنع بوجوه عليلة:

منها؛ التمسك بظاهر قوله: «الطلاق بيد مَنْ أخذ بالساق» خرج عنه ما خرج، و بقي الباقي تحته، و قَدْ عرفتَ ضعفه لأنّه في مقابل

الأجنبيّ لا الوليّ و الوكيل.

و منها؛ أنّ القابل لا يكون فاعلًا.

يلاحظ عليه؛ أنّ الطلاق من الإيقاعات لا من العقود، و ليس فيه ايجابٌ و لا قبول حتّى يلزم اتّحاد الموجِب و القابل.

نعم؛ يلزم اتّحاد المطلِّق و المطلَّقة، و يكفي فيه التغاير الاعتباريّ.

تفريع: لو و كلّ الغير في طلاق زوجته

، و قال طلِّق زوجتي ثلاثاً فطلَّق مرّة واحدةً، فهل يصحُّ ما أوقع أو لا؟

التحقيق؛ أنّه إذا وكَّل الغير تطليق امرأته ثلاثاً، فإمّا يريد طلاقها ثلاثاً في مجلس واحد، بلا تخلّل الرجعة في البين أو يريد طلاقها مرتّباً، أعني تخلُّل الرجعة بين الطلقات، إمّا بتوكيله على ذلك أيضاً، أو قلنا باقتضاء التوكيل نحو ذلك.

و على كلا التقديرين؛ فإمّا أن يكون التوكيل فيها على نحو العامّ المجموعيّ، أو على نحو العامّ الاستغراقي؛ فعلى الأوّل لا تصحّ الأُولى منها إذا اكتفى بها؛ لأنّها غير داخلة في مورد الوكالة، اللّهمّ إلّا إذا أمكن تصوير الوكالة بنحو العامّ الاستغراقيّ في مثلها فتصحّ الأُولى عندئذ فتأمّل.

و على الثاني تصحّ الأُولى منها- إذا كانت الوكالة بصورة العام الاستغراقي-

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 39

لأنّ المفروض عدم دخالة الهيئة الاجتماعيّة في ما وكّل فيه على وجه تكون الواحدة جزء ما و كلّ فيه.

نعم؛ إنّه إذا طلّق واحدةً و كانت الوكالة على نحو العامّ المجموعي تتوقف صحّتها لكونها مرتّبة؛ على تمام العمل، فلو طلّقها ثانياً و ثالثاً صحّ الجميع، و إلّا لم يحكم بصحّة الأُولى.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 40

الركن الثاني: المطلَّقة

اشارة

قد عرفت؛ أنّ أركان الطلاق أربعة، و قد مضى الأوّل و هو المطلِّق، و الثاني منها هو المطلَّقة،

و لها شروط
اشارة

إليك بيانها:

الأوّل: أن تكون زوجةً

المراد إخراج المحلّلة و المنكوحة شبهةً، فإنّ حلّية الأولى تنتهي بتمام وقت التحليل، و الثانية بانكشاف الحال. نعم؛ إنّ التأكيد في الروايات على أنّ الطّلاق بعد النكاح- بعد كونه من الواضحات- لأجل؛ ردّ ما عليه فقهاء عصر الأئمّة (عليهم السلام) من صحّته مشروطاً بالزواج.

قال الشيخ في الخلاف: «لا ينعقد الطّلاق قبل النكاح و لا يتعلّق به حكم؛ سواء عقده في عموم النساء أو خصوصهنَّ أو أعيانهنَّ؛ و سواء كانت الصفة مطلقَةً أو مضافةً إلى ملك ... و به قال في الصحابة على (عليه السلام) و ابن عباس و عائشة و في الفقهاء الشافعيّ و أحمد و إسحاق و ذهبت طائفة إلى أنّه ينعقد قبل النكاح في عموم النساء و خصوصهنّ». ( «1»)

و إلى ذلك تشير ما تضافرت من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، و إليك بعضها.

______________________________

(1). الخلاف 4/ 432، المسألة 13، كتاب الخلع.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 41

1- مضمرة سماعة قال: سألته عن الرجل يقول: يوم أتزوّج فلانةً فهي طالق، فقال: «ليس بشي ء، إنّه لا يكون طلاق حتّى يملك عُقْدَة النكاح». ( «1»)

2- روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث أنّه سئل عن رجل قال: كلّ امرأة أتزوّجها ما عاشت أُمّي فهي طالق، فقال: «لا طلاق إلّا بعد نكاح و لا عتقَ إلّا بعد ملك». ( «2»)

3- و في رواية عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) في رجل سمّى امرأةً بعينها و قال: يوم يتزوّجها فهي طالق ثلاثاً، ثمّ بدا له أن يتزوّجها أ يصلح ذلك؟ قال: فقال: «إنّما الطلاق بعد النكاح» ( «3») إلى غير ذلك من الروايات، و من ألطف الاستدلال على المسألة

ما رواه الطبرسي عن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فقال له رجل: إنّي قلت: يوم أتزوّج فلانةً فهي طالق، فقال: «اذهب فتزوّجها، فإنّ اللّه بدأ بالنكاح قبل الطلاق، فقال: (إِذٰا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ). ( «4»)

***

الثاني: أن يكون العقد دائماً

لا يقع الطلاق بالمستمتع بها، و لو كانت حرّةً بلا خلاف، و دلّت الروايات على عدم وقوع طلاقها. مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن الصيقَل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت: رجلٌ طلّق امرأته طلاقاً لا تحلُّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها رجل متعةً أ تحلّ للأوّل؟ قال: «لا. لأنّ اللّه يقول: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا) و المتعة ليس فيها

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 12 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 5.

(2). الوسائل 15: الباب 12 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1، 3.

(3). الوسائل 15: الباب 12 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1، 3.

(4). الوسائل 15: الباب 12 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 13.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 42

طلاق» ( «1») و روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة ليست من الأربع لأنّها لا تطلَّق و لا ترث و إنّما هي مستأجرة. ( «2»)

و صريح هذه الروايات؛ أنّ المستمتع بها لا تقبل الطلاق، و ما ذكره الشهيد في المسالك من الاعتماد على الاتّفاق و إلّا فتعدُّد الأسباب ممكن؛ فغير تامّ و إنْ تبعه صاحب الجواهر حيث قال: «و إن لم يحضرني من النصوص ما يدلّ على عدم وقوع الطلاق بالمستمتَع بها، نعم؛ فيها ما يدلّ على حصوله بانقضاء المدّة و بهبتها، و لكنّ ذلك لا يقتضي عدم صحّته عليها؛

لإمكان تعدُّد الأسباب». ( «3») و قد عرفت النصوص الدالّة على عدم وقوع طلاقها، و ما نقلناه عن العَلَمَين في غاية العجب.

الثالث: أن تكون طاهرة من الحيض و النفاس
اشارة

اتّفقت كلمتهم على أنّه يجب أن تكون المطلّقة في حال الطّلاق طاهرة عن الحيض و النفاس بلا خلاف، و لكن اختلفوا في أنّ الطهارة هل هي شرط الصحّة و الإجزاء، أو شرط الكمال و التمام، و بعبارة أُخرى هل هي حكم تكليفي متوجّه إلى المطلّق، و هو أنّه يجب أن يحلَّ العقدة في حال كونها طاهرة من الحيض و النفاس، فلو تخلّف أثم و صحَّ الطلاق، أو هو حكم وضعي قيد لصحّة الطلاق، و لولاه كان الطلاق باطلًا؟ فالإمامية و قليل من سائر المذاهب الفقهية على الثاني و أكثر المذاهب على الأوّل و إليك بعض كلماتهم:

قال الشيخ الطوسي في الخلاف: الطلاق المحرّم، هو أن يطلّق مدخولًا بها غير غائب عنها غيبة مخصوصة، في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه، فما هذا

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.

(2). الوسائل 14/ 495، الباب 43 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(3). الجواهر 28: 32.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 43

حكمه فانّه لا يقع عندنا، و العقد ثابت بحاله، و به قال ابن عليَّة، و قال جميع الفقهاء: انّه يقع و إن كان محظوراً. ذهب إليه أبو حنيفة و أصحابه و مالك و الاوزاعي و الثوري و الشافعي.

- دليلنا- اجماع الفرقة، و أيضاً الأصل بقاء العقد، و وقوع الطلاق يحتاج إلى دليل شرعي، و أيضاً قوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) و قد روي لقبل عدّتهنّ، و لا خلاف انّه أراد ذلك، و إن لم تصحّ القراءة به، فإذا ثبت ذلك دل

على أنّ الطلاق إذا كان من غير الطهر محرّماً، منهياً عنه، و النهي يدل على فساد المنهى عنه ( «1»).

و ستوافيك دلالة الآية على اشتراط الطهارة من الحيض و النفاس.

و قال ابن رشد في حكم من طلّق في وقت الحيض: فانّ الناس اختلفوا من ذلك في مواضع منها أنّ الجمهور قالوا: يُمضى طلاقه، و قالت فرقة: لا ينفذ و لا يقع، و الذين قالوا: ينفذ، قالوا: يؤمر بالرجعة، و هؤلاء افترقوا فرقتين، فقوم رأوا أنّ ذلك واجب، و أنّه يجبر على ذلك، و به قال مالك، و أصحابه، و قالت فرقة: بل يندب إلى ذلك و لا يجبر، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و أحمد ( «2»).

و قد فصل الجزيري و بيّن آراء الفقهاء في كتابه ( «3»).

هذه هي الأقوال، غير أنّ البحث الحرّ يقتضي نبذ التقليد و النهج على الطريقة المألوفة بين السلف حيث كانوا يصدعون بالحق و لا يخافون لومة

______________________________

(1). الشيخ الطوسي: الخلاف: 4، كتاب الطلاق المسألة 2.

و ما ذكره من تقدير «قبل» إنّما يتم على القول بكون العبرة في العدَّة بالحيض فيكون قبلها هي طهرها من الحيض و النفاس فتتم الدلالة.

(2). ابن رشد: بداية المجتهد: 2/ 64.

(3). الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة: 4/ 297- 302.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 44

المخالف، و كانوا لا يخشون إلّا اللّه، فلو وجدنا في الكتاب و السنّة ما يرفض آراءهم فهما أولى بالاتباع.

الاستدلال بالكتاب:

قال اللّه تعالى: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ رَبَّكُمْ) ( «1»).

توضيح دلالة الآية يتوقّف على تبيين معنى العدَّة في الآية، فهل المراد منها، الأطهار الثلاثة أو الحيضات

الثلاث؟ و هذا الخلاف يتفرّع على خلاف آخر هو تفسير «قروء» في الآية بالأطهار أو الحيضات.

توضيحه: أنّ الفقهاء اختلفوا في معنى قوله سبحانه: (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ) ( «2») فذهبت الشيعة الإمامية إلى أنّ المراد من القروء هو الأطهار الثلاثة، و قد تبعوا في ذلك ما روي عن علي (عليه السلام): روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له إنّي سمعت ربيعة الرأي يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه و إنّما القرء ما بين الحيضتين و زعم أنّه أخذ ذلك برأيه فقال أبو جعفر (عليه السلام) كذب لعمرى ما قال ذلك برأيه و لكنّه أخذه عن علي (عليه السلام) قال: قلت له: و ما قال فيها عليّ (عليه السلام) قال كان يقول إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها و لا سبيل له عليها و إنّما القرء ما بين الحيضتين ( «3»).

روى زرارة قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) سمعت ربيعة الرأي يقول من رأيي إنّ الأقراء التي سمّى اللّه عز و جلّ في القرآن إنّما هو الطهر فيما بين

______________________________

(1). الطلاق: الآية 2.

(2). النساء: الآية 228.

(3). الوسائل: الجزء 15، الباب 15، أبواب العدد، الحديث 4 و لاحظ الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 45

الحيضتين فقال: كذب لم يقل برأيه و لكنه إنّما بلغه عن علي (عليه السلام) فقلت أ كان علي (عليه السلام) يقول ذلك فقال: نعم، إنّما القرء الطهر الذي يقرأ فيه الدم فيجمعه فإذا جاء المحيض، دفعه ( «1»).

و ذهب أصحاب سائر المذاهب إلّا قليل كربيعة الرأي- إلى أنّ المراد منها هي الحيضات. و لسنا في مقام تحقيق ذلك

إنّما الكلام في بيان دلالة الآية على كلا المذهبين على اشتراط الطهارة في حال الطلاق، بعد الوقوف على أنّ من جوّز الطلاق في الحيض قال بعدم احتساب تلك الحيضة من «القروء» فنقول:

إن قلنا بأنّ العدّة عبارة عن الأطهار فيكون اللام في قوله: (لِعِدَّتِهِنَّ) بمعنى «في» و يكون المراد: فطلقوهنّ في عدّتهنّ، نظير قوله سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ مِنْ دِيٰارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ( «2») أي طلقوهنّ في عدّتهن أي في الزمان الذي يصلح لعدّتهن ( «3»)، أو هي بمعنى الغاية، فيكون المعنى: طلّقوهنّ لأن يعتددن بعد الطّلاق بلا فصل، و على كلا الوجهين تدلّ الآية بالملازمة على شرطية الطهارة في الطّلاق.

و إن قلنا بأنّ العدّة عبارة عن الحيضات الثلاث يكون المراد (فَطَلِّقُوهُنَّ) مستقبلات (لِعِدَّتِهِنَّ) كما تقول: لقيته لثلاث بقين من الشهر، تريد مستقبلًا لثلاث ( «4»). فبما أنّ العدّة على هذا الفرض هي الحيض، فيكون قُبيله هو ضدّه أعني الطهارة.

______________________________

(1). الوسائل: 15، الباب 14 من أبواب العدد، الحديث 4.

(2). الحشر: الآية 2.

(3). الرازي: مفاتيح الغيب: 3/ 30.

(4). الزمخشري: الكشاف: 1/ 137، ط بيروت، و هذا ما أشار إليه الشيخ الطوسي في الخلاف من أنّ المعنى: قبيل عدتهن، و لاحظ: المصباح المنير مادة «عدّ» و قد عقد الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل باباً في أنّ الاقراء في العدّة هي الاطهار (لاحظ: ج 15، الباب 14 من أبواب العدد).

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 46

و على كلّ تقدير فالآية ظاهرة في شرطية الطهارة في صحّة الطلاق.

ثمّ إنّ بعض الباحثين ذكر الحكمة في المنع من الطلاق في الحيض: أنّ ذلك يطيل على المرأة العدة، فانّها إن كانت حائضاً لم تحتسب الحيضة من

عدّتها، فتنتظر حتى تطهر من حيضها و تتم مدّة طهرها ثمّ تبدأ العدة من الحيضة التالية ( «1»).

هذا على مذهب أهل السنّة من تفسير «القروء» و بالتالي العدّة بالحيضات، و أمّا على مذهب الإمامية من تفسيرها بالأطهار، فيجب أن يقال: ... فإنّها إن كانت حائضاً لم تحتسب الحيضة من عدتها فتنتظر حتى تطهر من حيضها و تبدأ العدّة من يوم طهرت.

و على كلّ تقدير، فبما أنّهم اتّفقوا على أنّ الحيضة التي وقع الطلاق فيها لا تحسب من العدّة إمّا لاشتراط الطهارة أو لعدم الاعتداد بتلك الحيضة، تطيل على المرأة، العدّة سواء كان مبدؤها هو الطهر أو الحيضة التالية.

الاستدلال بالسنّة:
اشارة

إنّ الروايات تضافرت عن أئمّة أهل البيت على اشتراط الطهارة. روى الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كلّ طلاق لغير العدّة (السنّة) فليس بطلاق: أن يطلّقها و هي حائض أو في دم نفاسها أو بعد ما يغشاها قبل أن تحيض فليس طلاقه بطلاق ( «2»).

هذا ما لدى الشيعة و أمّا ما لدى السنّة فالمهم لديهم في تصحيح طلاق

______________________________

(1). أحمد محمد شاكر: نظام الطلاق في الإسلام: 27.

(2). الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 9، و غيره.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 47

الحائض هو رواية عبد اللّه بن عمر، حيث طلّق زوجته و هي حائض، و قد نقلت بصور مختلفة نأتي بها ( «1»).

الأُولى: ما دلّ على عدم الاعتداد بتلك التطليقة و إليك البيان:

1- سئل أبو الزبير عن رجل طلّق امرأته حائضاً؟ قال: طلّق عبد اللّه بن عمر- رضى اللّه عنهما- امرأته و هي حائض على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فسأل عمر (رضي

الله عنه) رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: إنّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته و هي حائض؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): ليراجعها، فردّها عليّ و قال: إذا طهرت فليطلّق أو ليمسك، قال ابن عمر: و قرأ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم): (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي في قبل عدّتهنّ.

2- روى أبو الزبير قال: سألت جابراً عن الرجل يطلّق امرأته و هي حائض؟ فقال: طلّق عبد اللّه بن عمر امرأته و هي حائض، فأتى عمر رسول اللّه فأخبره بذلك فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): ليراجعها فانّها امرأته.

3- روى نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنّه قال في الرجل يطلّق امرأته و هي حائض، قال ابن عمر: لا يعتدّ بها.

الثانية: ما يتضمّن التصريح باحتساب تلك التطليقة طلاقاً صحيحاً و إن لزمت إعادة الطلاق و إليك ما نقل بهذا المضمون:

1- يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلّق امرأته و هي حائض؟ فقال: تعرف عبد اللّه بن عمر؟ قلت: نعم، قال: فانّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته و هي حائض، فأتى عمر (رضي الله عنه) النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فسأله، فأمره أن يراجعها ثمّ يطلّقها من قبل عدّتها. قال، قلت: فيعتدّ بها؟ قال: نعم، قال: أ رأيت

______________________________

(1). راجع في الوقوف على تلك الصور، السنن الكبرى للبيهقي: 7/ 324- 325.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 48

إن عجز و استحمق.

2- يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلّق امرأته، و هي حائض؟ قال: تعرف ابن

عمر؟ إنّه طلّق امرأته و هي حائض، فسأل عمر النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فأمره أن يراجعها، قلت: فيعتد بتلك التطليقة؟ قال: فمه؟ أ رأيت إن عجز و استحمق.

3- يونس بن جبير قال: سمعت ابن عمر قال: طلّقت امرأتي و هي حائض. فأتى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فذكر ذلك له، فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): ليراجعها، فإذا طهرت فليطلّقها، قال: فقلت لابن عمر: فاحتسبت بها؟ قال: فما يمنعه؟ أ رأيت إن عجز و استحمق.

4- أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر يقول: طلَّقت امرأتي و هي حائض، قال: فذكر ذلك عمر للنبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) قال، فقال: ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها. قال: فقلت له- يعني لابن عمر-: يحتسب بها؟ قال: فمه؟

5- أنس بن سيرين: ذكر نحوه غير أنّه قال: فليطلّقها إن شاء. قال: قال عمر- رضى اللّه عنه-: يا رسول اللّه أ فتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: نعم.

6- أنس بن سيرين قال: سألت ابن عمر عن امرأته التي طلّق؟ فقال: طلّقتها و هي حائض. فذكر ذلك لعمر (رضي الله عنه) فذكره للنبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلّقها لطهرها. قال: فراجعتها ثمّ طلّقتها لطهرها. قلت: و اعتدّت بتلك التطليقة التي طلّقت و هي حائض؟ قال: مالي لا أعتدّ بها، و إن كنت عجزت و استحمقت.

7- عامر قال: طلّق ابن عمر امرأته و هي حائض واحدة، فانطلق عمر إلى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فأخبره، فأمره إذا طهرت أن يراجعها ثمّ يستقبل الطلاق في عدّتها

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 49

ثمّ تحتسب بالتطليقة التي طلّق أوّل مرّة.

8- نافع عن ابن عمر (رضي الله عنه) أنّه طلّق امرأته، و هي حائض، فأتى عمر- رضى اللّه عنه- النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فذكر ذلك له فجعلها واحدة.

9- سعيد بن جبير عن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: حُسِبَتْ عليَّ بتطليقة.

الثالثة: ما ليس فيه تصريح بأحد الأمرين:

1- ابن طاوس عن أبيه: أنّه سمع ابن عمر سئل عن رجل طلّق امرأته حائضاً؟ فقال: أ تعرف عبد اللّه بن عمر؟ قال: نعم. قال: فإنّه طلّق امرأته حائضاً، فذهب عمر (رضي الله عنه) إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فأخبره الخبر، فأمره أن يراجعها. قال: لم أسمعه يزيد على ذلك لأبيه.

2- منصور بن أبي وائل: إنّ ابن عمر طلّق امرأته، و هي حائض، فأمره النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يراجعها حتّى تطهر، فإذا طهرت طلّقها.

3- ميمون بن مهران عن ابن عمر أنّه طلّق امرأته في حيضها، قال: فأمره رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يرتجعها حتى تطهر فإذا طهرت فإن شاء طلّق و إن شاء أمسك قبل أن يجامع.

و هناك رواية واحدة تتميّز بمضمون خاص بها، و هي رواية نافع قال: إنّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته و هي حائض، على عهد رسول الله، فسأل عمربن الخطاب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) عن ذلك؟ فقال رسول الله: فليراجعها، فليمسك حتى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر، إن شاء أمسكها بعد و إن شاء طلّق قبل أن يمس، فتلك العدّة التي أمر اللّه أن يطلّق لها

النساء.

و بعد تصنيف هذه الروايات نبحث عن الفئة الراجحة منها بعد معرفة طبيعة الاشكالات التي تواجه كلًا منها و معالجتها.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 50

معالجة الصور المتعارضة:

لا شك أنّ الروايات كانت تدور حول قصّة واحدة، لكن بصور مختلفة، فالحجّة منها مردّدة بين تلك الصور و الترجيح مع الأُولى لموافقتها الكتاب و هي الحجّة القطعية، و ما خالف الكتاب لا يحتجّ به، فالعمل على الأُولى.

و أمّا الصورة الثالثة، فيمكن ارجاعها إلى الأُولى لعدم ظهورها في الاعتداد و الصحّة، نعم ورد فيها الرجوع الذي ربّما يتوهّم منه، الرجوع إلى الطلاق الملازم لصحّته، لكن ليس بشي ء.

فانّ المراد من المراجعة فيها هو المعنى اللغوي لا مراجعة المطلّقة الرجعية، و يؤيّد ذلك أنّ القرآن يستعمل كلمة الرد أو الامساك، فيقول: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) ( «1»).

و قال سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ) ( «2»). و قال سبحانه: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ( «3») و قال تعالى: (وَ لٰا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا) ( «4»).

نعم استعمل كلمة الرجعة في المطلّقة ثلاثاً إذا تزوّجت رجلًا آخر فطلّقها، قال سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا) ( «5»).

بقي الكلام في النصوص الدالة على الاحتساب أعني الصورة الثانية، فيلاحظ عليها بأُمور:

1- مخالفتها للكتاب، و ما دلّ على عدم الاحتساب.

______________________________

(1). البقرة: الآية 228.

(2). البقرة: الآية 229.

(3). البقرة: الآية 231.

(4). البقرة: الآية 231.

(5). البقرة: الآية 230.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 51

2- أنّ غالب روايات الاحتساب لا تنسبه إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و إنّما إلى رأي ابن عمر و قناعته، فلو كان النبي (صلى الله عليه و آله

و سلم) قد أمر باحتسابها، لكان المفروض أن يستند ابن عمر إلى ذلك في جواب السائل، فعدم استناده إلى حكم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) دليل على عدم صدور ما يدلّ على الاحتساب من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسه، فتكون هذه النصوص موافقة للنصوص التي لم تتعرّض للاحتساب، لأنّها كلّها تتّفق في عدم حكم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) باحتساب التطليقة، غايته اشتمل بعضها على نسبة الاحتساب إلى ابن عمر نفسه، و هو ليس حجّة لاثبات الحكم الشرعي.

نعم روايتا نافع رويتا بصيغتين، نسب الحكم بالاحتساب في احدى الصيغتين إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسه (الرواية 8 من القسم الثاني)، بينما رويت الثانية بصيغة أُخرى تضمّنت النسبة إلى ابن عمر بعدم الاحتساب (الرواية 3 من القسم الأوّل).

و أمّا رواية أنس فرويت بصيغتين تدلّان أنّ الحكم بالاحتساب هو قناعة ابن عمر نفسه لا قول النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) (الرواية 4 و 6 من القسم الثاني) و بصيغة ثالثة نسبت الاحتساب إلى النبيّ (الرواية 5 من القسم الثاني) و مع هذا الاضطراب لا تصلح الرواية لاثبات نسبة الحكم بالاحتساب إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسه.

3- إنّ فرض صحّة التطليقة المذكورة لا يجتمع مع أمر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بإرجاعها و تطليقها في الطهر بعده، لأنّ القائلين بصحّة الطلاق في الحيض لا يصحّحون اجراء الطلاق الثاني في الطهر الذي بعده، بل يشترطون بتوسّط الحيض بين الطهرين و اجراء الطلاق في الطهر الثاني. و لعلّه للاعتماد على الرواية الأخيرة التي تتميّز بمضمون خاصّ فالأمر

من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بارجاعها و تطليقها في الطهر الثاني ينافي احتساب تلك تطليقة صحيحة.

4- اشتهر في كتب التاريخ أنّ عمر كان يعتبر ولده بالعجز عن الطلاق،

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 52

و ظاهره يوحي بأنّ ما فعله لم يكن طلاقاً شرعاً.

و بعد ملاحظة كلّ ما قدّمناه يتّضح عدم ثبوت نسبة الاحتساب إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و الذي يبدو أنّ النص- على فرض صدوره- لم يتضمّن احتساب التطليقة من قبل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و انّما هي اضافات أو توهّمات بسبب قناعة ابن عمر أو بعض من هم في سلسلة الحديث، و لذلك اضطربت الصيغ في نقل الحادثة.

و أمّا رواية نافع المذكورة فيلاحظ عليها أنّها لا تدلّ على صحّة التطليقة الأُولى إلّا بادّعاء ظهور «الرجوع» في صحّة الطلاق و قد علمت ما فيه، و أمّا أمره بالطلاق في الطهر الثاني بعد توسّط الحيض بين الطهرين حيث قال: «مره فليراجعها، فليمسك حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر. إن شاء أمسكها و إن شاء طلّق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمره أن يطلّق لها النساء» فلعلّ أمره بمضي طهر و حيض، لأجل مؤاخذة الرجل حيث تسرّع في الطلاق و جعله في غير موضعه فأُرغم عليه أن يصبر طهراً و حيضاً، فإذا استقبل طهراً ثانياً فليطلّق أو يمسك.

و بعد كلّ هذا يمكننا ترجيح الحكم ببطلان الطلاق في الحيض، لاضطراب النقل عن ابن عمر، خصوصاً مع ملاحظة الكتاب العزيز الدال على وقوع الطلاق لغاية الاعتداد، أو قبل العدّة على ما عرفت.

المستثنيات من هذا الأصل
اشارة

ثمّ إنّه استثنيت من هذا الحكم طوائف

منها: غير المدخول بها،
و منها؛ الحامل

. و تضافرت الروايات و الفتوى على ذلك.

روى الصدوق عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «خمس يطلَّقن على كلّ

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 53

حال: الحامل المتبيّن حملها، و التي لم يدخل بها زوجها، و الغائب عنها زوجها، و التي لم تحض، و التي قد جلسَتْ عن المحيض» ( «1») و بهذا المضمون غيرها.

و المقصود من قوله: «على كلّ حال»؛ هو حال الحيض فقط، أو الأعمّ منه و من حال طهر المواقعة، و اللفظ و إن كان عامّاً؛ لكنّ طلاقهنّ في حال طهر غير المواقعة ليس موضع شكّ و ترديد حتى يحتاج إلى البيان، و المحتاج إليه هو حال الحيض و طهر المواقعة، على أنّ المسألة إجماعيّة.

و بذلك؛ يظهر جواب ما يتوهم من أنّ النسبة بين هذه الروايات و ما دلّ على بطلان الطلاق في أيّام الحيض عموم من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع؛ لشمول الطائفة الأولى لما إذا طلّق إحدى هؤلاء في أيّام الطهر دون الثانية، و صدقها فيما إذا طلّق غير الخمسة في أيّام الحيض، و يتصادقان في طلاق هؤلاء في أيّام الحيض. و لا وجه لإبقاء المجمع تحت الطائفة الأولى.

و ذلك؛ لأنّ إخراج أيّام الحيض عن الطائفة الأولى، يستلزم لغويّتها؛ لأنّ جواز الطلاق في أيّام الطهر حكم عامّ، لا يختصُّ بهذه الطائفة، فلا تثبت خصوصية هؤلاء الخمسة إلّا إذا قلنا بصحّة طلاقهنّ في أيّام الدم، و لأجل ذلك قلنا: بأنّ المقصود الجدّيّ في الطائفة الأولى؛ هو أيّام الدم فقط و هي أيّام طهر المواقعة و إن كان اللفظ عامّاً.

و منها: الغائب عنها زوجها:

اتفقت كلمتهم؛ على أنّ الغائب عنها زوجها يجوز طلاقها و إن صادف أيّام الحيض. ثمّ إنّ الغائب عنها زوجها سنةً

أو سنتين- و لا اطّلاع له على أحوال

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1، و بهذا المضمون غيره.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 54

زوجته- يجوز طلاقها بلا شرط و لا كلام، و هو القدر المتيقَّن في قوله: «خمسٌ يُطلَّقنَ على كلِّ حال». ( «1»)

إنّما الكلام في الأقسام الآتية:

1- إذا غاب عنها و هي في طهر لم يواقعها فيه.

2- إذا غاب عنها و هي في طهر المواقعة.

3- إذا غاب عنها و هي حائض.

هذه هي صور المسألة، ثمّ إنّ الكلام يقع في موضعين:

الأوّل: هل يجب على الزوج التربُّص في هذه الصور أو لا؟

الثاني: فلو قلنا بوجوب التربُّص فما هي مدّته؟

و تظهر حال المقامين معا بالبحث التالي:

فنقول قد اختلفت آراؤهم حسب ما نقله العلّامة في المختلف:

1- ذهب ابن أبي عقيل المعاصر للكلينيّ و عليّ بن بابويه (م 329) و المفيد (م 413) و سلار (م 463) إلى؛ جواز الطلاق عند عدم التمكّن من الاستعلام من غير تربُّص.

2- و ذهب الصدوق في الفقيه إلى أنّه يجب التربُّص و أقصاه خمسة أشهر أو ستة أشهر و أوسطه ثلاثة أشهر و أدناه شهر.

3- و قال ابن الجنيد: و ينتظر الغائب بزوجته من آخر جماع أوقعه ثلاثة أشهر إذا كانت ممّن تحمل، و إن كانت آيسة أو لم تبلغ إلى حال الحمل طلّقها إذا شاء.

4- و قال الشيخ في النهاية إذا خرج إلى السفر و قد كانت طاهراً، طهراً لم يقربها فيه بجماع جاز له أن يطلقها أي وقت شاء و متى كانت طاهراً طهراً قد

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1، و بهذا المضمون غيره.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 55

قربها فيه بجماع؛ فلا يطلّقها حتّى يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثمّ يطلّقها بعد ذلك أيّ وقت شاء. ( «1») و اختاره ابن البرّاج في مهذّبه. ( «2»)

5- و يظهر من موضع آخر من النهاية؛ وجوب التربّص شهراً فصاعداً مطلقاً؛ من غير فرق بين تركها و هي في طهر لم يواقعها فيه، أو طهر واقعها فيه، و يحمل الثاني على الأوّل.

6- و ذهب المحقّق في الشرائع و هو المشهور بين المتأخرين؛ إلى اعتبار مضيّ مدّة يعلم انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى آخر بحسب عادتها و لا يتقدّر بمدّة مخصوصة و هو خيرة ابن ادريس و العلّامة في أكثر كتبه.

و منشأ الاختلاف؛ هو تضارب الروايات في المقام، إذ هي على طوائف:

منها: ما يدلّ باطلاقه على عدم لزوم التربّص؛ مثل قوله: «خمسٌ يُطلَّقنَ على كلّ حال» ( «3») و لعلّه إليه استند ابن أبي عقيل و ابن بابويه و المفيد. و يؤيّده بعض الروايات: ( «4»)

منها؛ ما يدلّ على وجوب التربّص شهراً؛ مثل ما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «الغائب إذا أراد أن يطلّقها، تركها شهراً». ( «5»)

و منها؛ ما يدلّ على لزوم التربّص بالأهلّة و الشهور، و قد فسّرت الأهلّة بثلاثة أشهر و بالخمسة و الستة أشهر. روى زرارة عن بكير، قال: أشهد على أبي

______________________________

(1). الحدائق: 25/ 183- 184.

(2). المهذّب: 2/ 286.

(3). تضافرت الروايات على هذا المضمون؛ لاحظ الوسائل 15: الباب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق.

(4). الوسائل 15: الباب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1.

(5). الوسائل 15: الباب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 3. و هو متّحد مع ما رواه

محمّد بن أبي حمزة عن إسحاق بن عمّار، لاحظ الرواية الخامسة من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 56

جعفر (عليه السلام) أنّي سمعته يقول: «الغائب يطلّق بالأهلّة و الشّهور». ( «1») و روى جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «الرّجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلِّق حتّى تمضي ثلاثة أشهر». ( «2»)

هذا مجموع ما ورد في هذا الباب من الروايات، و قد اضطربت كلماتهم في الجمع بين هذه الروايات، و الكلّ يستند إليها و لكلّ وجه، و إليك البيان:

1- يمكن أن يقال بعدم وجوب التربّص؛ أخذاً بالإطلاقات السابقة، و حمل روايات التربّص على الاستحباب. و يدلّ عليه اختلاف ألسنتها بين شهر، إلى ثلاثة، إلى خمسة، إلى ستة، ثمّ التنزّل في رواية إسحاق بن عمّار إلى أشهر، كلّ ذلك يعرب عن استحباب التربّص.

2- يمكن أن يقال بوجوب التربّص شهراً واحداً؛ على ما دلّت عليه رواية إسحاق بن عمّار و من المعلوم أنّ المرأة تنتقل في هذه المدّة من حالة إلى حالة أُخرى. و أمّا التقادير الأُخر فتحمل على استحباب التربّص أزيد من شهر، أو تحمل على اختلاف النساء في عاداتهنّ، و إن كان الأخير بعيداً، فإنّ لازمه حمل رواية جميل الدالّة على التربّص مقدار ثلاثة أشهر؛ على الفرد النادر.

3- يجب التربّص مدّةً يعلم انتقالها من القرء الذي وطأها فيه إلى آخر بمقتضى العادة؛ كما عليه المحقّق و أكثر من تأخّر عنه و ذلك؛ لأنّ للزوجة الحالات الثلاثة الماضية أعني:

أ: إذا غاب عنها و هي في طهر لم يواقعها فيه.

ب: إذا غاب عنها و هي في طهر المواقعة.

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق،

الأحاديث 2. و لاحظ الرواية الثامنة من هذا الباب.

(2). الوسائل 15: الباب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 7. و لاحظ الرواية الثامنة من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 57

ج: إذا غاب عنها و هي حائض.

أمّا الصورة الأولى؛ فليس التربّص فيه واجباً؛ لأنّه إذا كان حاضراً جاز له طلاقها، فكيف إذا غاب عنها، نعم لو علم أيّام قرءها- لو فرضت لها عادة وقتيّة- أخّرها إلى أيّام طهرها، بناء على اعتبار مثل هذه العادة هنا.

أمّا الصورتان الأخيرتان فالبحث في لزوم التربّص و عدمه راجع إليهما، و عند ذلك؛ فما ورد في الشرع من التقادير إنّما هو لأجل معرفة الانتقال من حالة إلى أُخرى فلو تركها في طهر المواقعة؛ يتربّص بمقدار يطمئنّ بانتقالها عن القُرء الذي وطأها فيه إلى قُرء آخر، و لو تركها و هي حائض؛ فلو كانت لها عادةً راعاها لأولويّتها من العادة النوعيّة و يتربّص بمقدار يعلم انتقالها من حيض إلى طهر، فالتقادير الواردة في الروايات لأجل تحصيل الاطمئنان بالانتقال، فإذا كان كذلك؛ فليس الشهر و لا الثلاثة أشهر و غيرهما مقياساً واقعيّاً، و إنّما هي طرق لتحصيل هذا النوع من الاطمئنان.

ثمّ إنّ الاطمئنان و إن كان يحصل بمضيّ شهر أو أزيد بقليل و لا يتوقف على الأشهر؛ لكن تحصيلًا للاطمئنان الأكثر و استظهاراً لحال المرأة حتّى لا يقع الطلاق في طهر المواقعة أو حيضها، ورد الأمر بالتربّص بالشهور و الأهلّة.

فيحصل من ذلك: أنّ الأقوى هو القول الأخير، و أنّ التقادير الواردة طريق لمعرفة حالها و عدم دخل المدّة بما هي هي في الحكم.

و لو طلّقها بعد أن مضت المدّة، ثمّ وقف على أنّ الطلاق وقع و هي حائض صحّ

الطلاق؛ لرواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يطلّق امرأته و هو غائب، فيعلم أنّه يوم طلّقها كانت طامثاً، قال: «يجوز». ( «1»)

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 26 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 6.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 58

و لو مضت المدّة المعتبرة فأخبره عدلٌ بأنّها حائض؛ فهل جاز طلاقها أولا؟ قال في المسالك «لو طلّقها و الحال هذه يقع طلاقه باطلًا لوجود المقتضي للبطلان و صحّة طلاقه غائباً مشروطة بعدم الظنّ بحصول المانع».

و الأولى أن يقول: مشروطة بعدم قيام الحجّة على وجود المانع، و إلّا فالظنّ بما هو هو ليس بحجة و المرجع الإطلاقات المجوّزة للطلاق. إلّا إذا قلنا بحجّية قول العادل في الموضوعات.

و منها الحاضر غير المتمكّن من التعرّف على حالها:

ثمّ إنّه لو كان حاضراً و لكنّه لا يستطيع أن يصل إليها حتى يعلم حيضها و طهرها؛ فهو بمنزلة الغائب. كما أنّ الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها كان كالحاضر؛ و تدلّ على ذلك صحيحة عبد الرحمن ابن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة سرّاً من أهلها و هي في منزل أهلها، و قد أراد أن يطلّقها و ليس يصل إليها؛ فيعلم طمثها إذا طمثت و لا يعلم بطهرها إذا طهرت قال: فقال: «هذا مثل الغائب عن أهله يطلّق بالأهلّة و الشّهور ...». ( «1»)

و المسألة مورد اتّفاق إلّا من الحلّي فقد ترك العمل بالصحيحة بناءً على مذهبه في خبر الواحد من عدم حجيّته عنده.

فتحصّل؛ أنّ الشرط الثالث هو كونها طاهراً من الحيض و النفاس؛ خرجت منه طوائف أربع:

1- غير المدخول بها. 2- و الحامل. 3- و الغائب عنها زوجها. 4- و الحاضر

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 28 من

أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1، و مثله خبر عليّ بن كيسان، لاحظ الرواية الثانية من ذلك الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 59

الذي هو بحكم الغائب.

و بقي حكم المسترابة: التي لا تحيض و هي في سنّ من تحيض، و سيأتي حكمها في الشرط الرابع من لزوم الصبر إلى ثلاثة أشهر. فانتظر.

الشرط الرابع: أن تكون مستبرأة:
اشارة

يشترط في صحّة الطلاق؛ أن تكون مستبرأة من المواقعة التي واقعها، إمّا حقيقة كالحيضة بناءً على عدم اجتماعها مع الحمل، أو بما جعله الشارع طريقاً إلى ذلك كمضيّ المدّة في الغائب و المسترابة.

قال الشيخ في الخلاف: «الطلاق المحرّم هو أن يطلّق مدخولًا بها، غير غائب عنها غيبةً مخصوصة، في حال الحيض، أو في طهر جامعها فيه، فما هذا حكمه فإنّه لا يقع عندنا، و العقد ثابت بحاله، و به قال ابن عليّة، و قال جميع الفقهاء: إنّه يقع و إن كان محظوراً، ذهب إليه أبو حنيفة و أصحابه و مالك و الأوزاعيّ و الثوريّ و الشافعيّ». ( «1»)

و استدلّ على الحكم مضافاً إلى ما ورد في الكتاب من طلاقهم للعدّة- و قد مضى تفسيره بالروايات؛ مثل ما رواه معمّر بن يحيى، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام)، أنّهما قالا: «إذا طلّق الرّجل في دم النّفاس أو طلّقها بعد ما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق». ( «2»)

نعم؛

خرج عن هذا الحكم طوائف:
أ- اليائسة التي لا عدّة لها.

( «3»)

______________________________

(1). الخلاف 2/ 438، المسألة 2، كتاب الطلاق.

(2). الوسائل 15: الباب 9 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1، و لاحظ الروايات في هذا الباب.

(3). لاحظ الوسائل 15: الباب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 60

ب- و التي لم تحض.

قد ورد النصّ على جواز طلاق الخمس على كلّ حال و منهم «التي لم تحض». ( «1») و هل المراد منها؛ غير البالغة، أو يعمّ البالغة التي لم تر الدم؛ المتبادر هو الأوّل أو هو القدر المتيقّن و تؤيده رواية عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» قلت: و متى تكون كذلك؟ قال: «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم تحض و مثلها لا تحيض»، قلت: و متى يكون كذلك؟ قال: «ما لم تبلغ تسع سنين فإنّها لا تحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم يدخل بها». ( «2»)

ج- الحامل:

و هي إحدى الطوائف الخمس التي استفاضت النصوص على طلاقها على كلّ حال، أضف إلى ذلك؛ أنّ طلاقها مع الحمل طلاق للعدّة التي هي وضع الحمل، و هل الموضوع كونها حاملًا في الواقع سواء استبان الحمل أم لم يستبن، أو الموضوع هو المستبان؟

النصوص بين مطلق؛ مثل رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «لا بأس بطلاق خمس على كلّ حال: الغائب عنها زوجها و التي لم تحض، و التي لم يدخل بها زوجها، و الحبلى، و التي قد يئست من المحيض». ( «3»)

______________________________

(1). تضافرت النصوص على خروجها بهذا العنوان، لاحظ الوسائل 15: الباب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 1، 3، 4، 5.

(2). الوسائل 15: الباب 3 من أبواب العدد، الحديث 5.

(3). الوسائل 15: الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3، و لاحظ الحديث 5 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 61

و مقيّد؛ مثل رواية إسماعيل بن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «خمس يطلّقن على كلّ حال: الحامل المتبيّن حملها، و التي لم يدخل بها زوجها، و الغائب عنها زوجها، و التي لم تحض، و التي قد جلست عن المحيض». ( «1»)

و مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد، و يقيّد الحكم بالتبيّن.

أمّا ألفاظ الأصحاب؛ فهي أيضاً بين مقيّد، كالمفيد في مقنعته، ( «2») و الشيخ في نهايته، ( «3») و ابن البرّاج في مهذّبه، ( «4») و ابن حمزة في وسيلته، ( «5») و ابن سعيد في جامعه، ( «6»).

و مطلق كالعلّامة في المختلف ( «7»)، و الشهيدين في الروضة. ( «8»)

و مقتضى القاعدة تقييد المطلق بالمقيد و القول بأنّ الموضوع هو الحامل المبان حملها. لكن يقع الكلام في أنّ الاستبانة شرط لما ذا. إنّ هناك احتمالات.

1- انّها شرط لإباحة الطلاق فإنّ طلاق غير المستبرأة من المواقعة، حرام تكليفاً إلّا إذا استبان حمل المطلقة، و أمّا الصحة فهي تابعة لكونها حاملا واقعاً و عدمه و لذا لو تخيل الاستبانة و طلّقها و بان الخلاف كان الطلاق باطلًا و إن لم يرتكب حراماً لمكان الظن بالحمل و على هذا يكون العلم بالحمل مأخوذاً في الموضوع على وجه الوصفية لا الطريقية.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 61

2- انّ الاستبانة شرط لصحة الطلاق، فلو طلق بدونها، بطل و إن صادف الواقع و كانت حاملا و هذا خيرة السيد الطباطبائي في مصابيحه ( «9»).

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 25 من أبواب مقدّمات الطلاق،

الحديث 1، و لاحظ الحديث 2 و 4 من هذا الباب.

(2). المقنعة: 81 كتاب الطلاق.

(3). النهاية: 516.

(4). المهذّب: 2/ 285.

(5). الوسيلة: 322.

(6). الجامع للشرائع: 467.

(7). المختلف: 37، كتاب الطلاق.

(8). الروضة: 2:/ 132، كتاب الطلاق.

(9). الجواهر 32/ 42.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 62

3- أن تكون الغاية من اشتراط الاستبانة هو صيانة فعل المطلق من احتمال اللغوية، فيلزم عليه الاصطبار حتى يتبين الحمل و يكون عمله مقروناً مع الغرض.

و الأقرب هو الوجه الثالث، لندرة كون العلم مأخوذاً في موضوع الاحكام على وجه الوصفية كما هو الحال في القول الثاني، و أمّا الأول فبعيد.

و على كلّ تقدير، لو كانت النصوص ظاهرةً في واحد من هذه الوجوه من شرطيّته لإباحة الطلاق أو لصحّته، أو لصيانة فعل المكلّف عن اللغويّة فهو، و إلّا فالمرجع أصالة بقاء عقدة النكاح استصحاباً موضوعيّاً لا حكميّاً كليّاً حتّى يقال: بأنّ الاستصحاب في الشبهات الحكميّة الكلّية ليس بحجّة، بأن يقال: إنّ هذه المرأة كانت زوجة و معقودة لزوجها و الأصل بقائها كذلك.

د- المسترابة:

يسقط هذا الشرط في المسترابة، و هي التي لا تحيض لخلقة، أو عارض، و هي في سنّ من تحيض، لكن يشترط أن يمضي عليها من زمن مواقعتها ثلاثة أشهر معتزلًا لها، و تدلّ عليه؛ صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن المسترابة من المحيض كيف تطلّق؟ قال: «تطلّق بالشهور». ( «1»)

و مرسل داود بن أبي يزيد العطّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سألته عن المرأة يستراب بها و مثلها تحمل و مثلها لا تحمل و لا تحيض، و قد واقعها زوجها، كيف يطلّقها إذا أراد طلاقها؟ قال: «ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثمّ يطلّقها». (

«2»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 17.

(2). الوسائل ج 15: الباب 40 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 63

ه-- الغائب:

و ممّن يسقط هذا الشرط في حقّها؛ هي الغائب عنها زوجها، و قد مضى البحث عنه، عند البحث عن اشتراط الطهر من المحيض، و مضى الاختلاف في لزوم التربّص و عدمه و مقداره، فلاحظ.

الشرط الخامس: تعيين المطلّقة

يشترط تعيين المطلّقة؛ بأن يقول «أنت طالق» أو «هندٌ طالق» على نحو يرفع الاحتمال، فلو كانت له زوجة واحدة فقال: «زوجتي طالق» صحّ لعدم الإبهام، و ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته: أنت علَيّ حرامٌ أو بائنة أو بتّة أو بريّة أو خليّة، قال: «هذا كلّه ليس بشي ء إنّما الطّلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنتِ طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطّلاق، و يشهد على ذلك رجلين عدلين». ( «1»)

و ما في خبر محمّد بن أحمد بن مطهّر، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أنّي تزوّجت أربع نسوة و لم أسأل عن أسمائهنّ ثمّ إنّي أردت طلاق إحداهنّ و تزويج امرأة أُخرى، فكتب (عليه السلام): «انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول: اشهدوا أنّ فلانة التي بها علامة كذا و كذا هي طالق، ثمّ تزوّج الأُخرى إذا انقضت العدّة». ( «2») فإنّما هو لأجل تحقّق التعيّن، فإذا كانت المطلّقة متعيّنة بنفسها فلا حاجة إلى الإشارة و لا إلى ذكر العلامة.

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 3.

(2). الوسائل 14: الباب 3 من أبواب استيفاء العدد، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 64

إنّما الكلام في ما لو كان له زوجتان، أو زوجات فقال: «زوجتي طالق»، و له صورتان:

1- أن ينوي زوجة معيّنة

ثمّ يفسّر ما نوى.

2- أن لا ينوي زوجة معيّنة.

أمّا الأوّل: فقد قال الشيخ في الخلاف: «إذا سألته بعض نسائه أن يطلّقها، فقال: نسائي طوالق، و لم ينو أصلًا، فإنّه لا تطلّق واحدة منهنّ، و إن نوى بعضهنّ فعلى ما نوى». ( «1»)

و قال المحقّق: «إنّه يصحّ و يقبل تفسيره لمّا لا يعلم إلّا من قبله من غير يمين»، و ما ورد في الروايتين من الخطاب أو ذكر العلامة؛ فإنّما هما طريقان للتعيين، و لا موضوعيّة لهما، فينوب عنهما النيّة و التعيين في الضمير، هذا ممّا لا شبهة فيه. إنّما الإشكال؛ في عرفيّة هذا النوع من الطلاق، و شمول الإطلاقات له. و معه لا يمكن الاكتفاء به مضافاً إلى استصحاب بقاء علقة النكاح على النحو الموضوعيّ بأن يقال: إنّ هذه المرأة كانت مزوّجةً و الأصل بقاءها على ما كانت عليه.

اللّهم؛ إلّا أن يقال: إنّ هذا الأصل محكوم بأصل آخر، و هو أصالة عدم شرطيّة التعيين في اللفظ و العبارة. و هذا الأصل حاكم على الأصل المتقدّم لكون الشكّ في إزالة عقدة النكاح و عدمها مسبّب عن الشك في شرطيّة التعيين في اللفظ و عدمه، فإذا جرى الأصل الثاني، لم يبق لجريان الأصل الأوّل وجه.

و أمّا القسم الثاني: فقد قال الشيخ في الخلاف: «إذا سألته بعض نسائه أن يطلّقها فقال: نسائي طوالق و لم ينو أصلًا فإنّه لا تطلّق واحدة منهنّ، و إن نوى بعضهنّ فعلى ما نوى، و قال أصحاب الشافعيّ: يطلّق كلّ امرأة له، نوى أو لم ينو، إلّا ابن الوكيل فإنّه قال: إذا لم ينو السائلة فإنّها لا تطلّق، و قال مالك: يطلّق

______________________________

(1). الخلاف: 4/ المسألة 16، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 65

جميعهنّ إلّا التي سألته، لأنّه عدل عن المواجهة إلى الكناية فعلم أنّه قصد غيرها). ( «1»)

و قال المفيد: فيمن له زوجة واحدة: «لو قال: انت و اومى اليها بعينها ... فاذا فعل ذلك فقد بانت منه واحدة». ( «2»)

و يستفاد منه حكم التعيين عند تعدد الزوجات.

و يظهر من الشيخ في المبسوط أنّه يصحّ الطلاق بلا تعيين غاية الأمر أنّه يجب عليه أن يعين بالقول أو بالفعل، و الأوّل كما إذا قال: اخترت تعيين الطلاق في هذه، و الثاني بأن يطأ واحدة منهما ( «3»). و نقل في الجواهر عن محكي المبسوط أنّه «يصحّ و يستخرج بالقرعة» ( «4»). و ليس في المبسوط منه أثر.

و قال ابن ادريس عند بيان شرائط صحّة الطلاق: «و منها تعيينها». ( «5»)

و لا يخفى؛ أنّ القول بالبطلان في هذه الصورة أولى منه في الصورة السابقة لعدم التعيين لا في اللفظ و لا في النيّة، و معه يشكّ في شمول الإطلاقات لمثل هذا النوع من الطلاق، كما يشكّ في صحّته عند العقلاء، و على ذلك؛ فالمرجع هو الأصل على ما قرّر في الصورة السابقة.

نعم؛ يعارضه الأصل الآخر، و هو عدم شرطيّة التعيين في الضمير عند إجراء الصيغة؛ بل يكفي التعيين بقيد القرعة، أو باختيار نفسه.

إلّا أنّ الإشكال كلّه؛ في وجود الشكّ في كون هذا الفرد من الطلاق داخلًا تحت الإطلاقات و رائجاً بين العقلاء.

______________________________

(1). الخلاف: 4/ المسألة 16، كتاب الطلاق.

(2). المقنعة: 525.

(3). المبسوط: 5/ 26.

(4). السرائر: 2/ 665.

(5). السرائر: 2/ 665.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 66

أضف إلى ذلك أنّ الإخراج بالقرعة قاصرٌ جداً، لانحصار حجيّتها بباب الخصومات و المنازعات لا مطلقاً كما ذكرنا في محله.

ثمّ

إنّ كلًا من المجوّز و المانع؛ استدلّ بوجوه زائفة نشير إليها:

أمّا المجوّز؛ فقد استدلّ على الجواز بما ورد من تخيّر من أسلم على أكثر من أربع، حيث ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في مجوسيّ أسلم و له سبع نسوة و أسلمن معه كيف يصنع؟ قال: «يمسك أربعاً و يطلّق ثلاثاً». ( «1») أي يفارق ثلاثاً و يخلّي سبيلهنّ.

و لا يخفى؛ أنّه لا يفيد شيئاً في المقام، لأنّه إنّما يفارق غير الأربع على وجه التعيين، و ليس هناك إبهام في النيّة، كما أنّ المانع استدلّ باستصحاب بقاء النكاح المتوقّف زواله على السبب الشرعيّ الذي تحتمل فيه مدخليّة ذكر ما يقتضي التعيين، و لو بقرائن حالية، و لا أقلّ من الشكّ في تناول العمومات و بناء العقلاء لهذا النوع من الطلاق المبهم، و هو كالنكاح من أهم الأمور.

و لا يخفى؛ أنّ الأصل محكوم بالدليل الاجتهاديّ، و لو كانت الإطلاقات شاملة لهذه الصورة لما كان لهذا الأصل؛ أصل.

نعم؛ ما ذكره في ذيل كلامه هو الأصل، فالشكّ في شمول الإطلاقات لهذا النوع من الطّلاق أو بناء العقلاء على اعتبار ذلك الطّلاق قائم بحاله.

______________________________

(1). الوسائل 14: الباب 6 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 67

الركن الثالث: الصيغة

اشارة

قد عرفت؛ انّ للطلاق أركاناً، فالأوّل منها هو المطلِّق، و الثاني منها هو المطلَّقة، و الثالث هو: الصيغة، التي ليس لها شأن إلّا إزالة قيد النكاح. و مقتضى القاعدة الأوّليّة؛ هو صحّة إيقاعه بأيّ لفظ شاء المطلِّق، بشرط أن يكون صريحاً في الإيقاع و حلّ عقدة النكاح، كما هو الحال في سائر العقود، لما قلنا في محلّه من؛ أنّ هذه المفاهيم الاعتبارية و الاجتماعيّة

تدور عليها رُحى الاجتماع في الغابر و الحاضر، و ليس الشارع هو المؤسّس لهذه الأمور الاعتباريّة، بل كانت رائجة قبل الإسلام في المجتمعات البشريّة، فكان لهم نكاح و طلاق كما كان لهم بيع و إجارة، و جاء الشارع و أمضى هذه الأمور الاعتباريّة على ما هي عليه، غير أنّه تصرّف في أحكامها و شروطها، فعلى ذلك؛ فكلّ ما كان سبباً لإيجاد العلقة أو زوالها فهو المتّبع أخذاً بالإمضاء، و قد كانت السيرة بمرأى و مسمع من الشارع و حينئذ فلو كان شي ء منها أو سبب منها غير مرضيّ عنده لكان عليه التنبيه على الخطأ كما نبّه بذلك في موارد.

و أمّا الطلاق؛ فمقتضى القاعدة هو ذاك، إلّا أنّ اللائح من صحيحة محمّد بن مسلم ( «1») و ابن سماعة حين قال: (ليس الطلاق إلّا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها و هي طاهر من غير جماع: أنت طالق، و يشهد شاهدي عدل، و كلّ ما سوى ذلك فهي ملغى) ( «2»): أنّ الشارع تصرّف في صيغته و قام بعمل مولويّ و حدّدها

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق: 294، الحديث 3، 1.

(2). الوسائل 15: الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق: 294، الحديث 3، 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 68

و صاغها في هيئة خاصّة من مادّة مخصوصة و هو أن يقول: «أنت طالق» و أقصى ما يمكن التجاوز عنه هو الاستغناء عن الإشارة بذكر اسمها أو وصفها، و أمّا الطلاق بغير هذه المادّة؛ فلا يجوز.

قال الشيخ في الخلاف: «صريح الطلاق لفظ واحد، و هو قوله: أنت طالق، أو هي طالق أو فلانة طالق، مع مقارنة النيّة له. فإن تجرّد

النيّة لم يقع به شي ء، و الكنايات لا يقع بها شي ء؛ قارنتها نيّة أو لم تقارنها» ( «1»)

و هذا هو الوجه في ذهاب المشهور إلى عدم وقوعه بالكنايات مطلقاً، أو بغير هذه المادّة، و مع ذلك

نقل الاختلاف في عدّة صيغ
اشارة

نشير إليها:

1- إذا قال «أنتِ الطالِقُ»

إذا قال: «أنتِ الطالقُ أو طلاق أو من المطلَّقات؛ لم يقع به خلافاً للشيخ في المبسوط حيث قال: «إنّه يقع إذا نوى» ( «2») و قال في الخلاف: «إذا قال لها: أنتِ الطلاقُ؛ لم يكن صريحاً في الطلاق و لا كناية». ( «3»)

استدلّ المانع كما عليه المحقّق في الشرائع: «بأنّه بعيد عن شبه الإنشاء باعتبار دلالته على المضيّ».

يلاحظ عليه: بأنّ الجمل الاسميّة ربّما تكون آكد في الإنشاء، حتّى قالوا: إنّ قول الوالد لولده: «ولدي يصلّي» آكد في طلبها من قوله: «صلّ يا ولد». و إنّما المانع؛ هو خروجه عن النصّ الذي رواه الأصحاب حيث حدّده النصّ بقوله:

______________________________

(1). الخلاف 4: المسألة 17، كتاب الطلاق:.

(2). المبسوط: 5/ 25، 26، كتاب الطلاق.

(3). الخلاف 4: المسألة 21، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 69

«أنتِ طالق» فالعدول عنه إلى المعرّف «باللام» أو إلى مصدره أو قوله: مطلّقة؛ يخالف الحصر. اللّهم؛ إلّا إذا قلنا بأنّ الحصر إضافيّ، كما سيوافيك.

2- إذا قال: (اعتدّي)

إذا قال لزوجته: (اعتدّي، و نوى به الطلاق) فهل يقع به الطلاق أو لا؟ فالمشهور؛ هو عدم الوقوع.

قال الشيخ في الخلاف: «كنايات الطلاق لا يقع بها شي ء من الطلاق، سواء أ كانت ظاهرة أم خفيّة، نوى بها الفرقة أم لم ينو ذلك، و على كلّ حال لا واحدة و لا ما زاد عليها. و قال الشافعي: الكنايات على ضربين ظاهرة و باطنة، فالظاهرة؛ خليّة و بريّة بتّة و بتلة و بائن و حرام، و الخفية كثيرة منها؛ اعتدّي و استبرئي رحمك ...). ( «1»)

و لكن الظاهر من بعض الروايات؛ أنّ محمّد بن أبي حمزة ( «2») من أصحاب الصادق (عليه السلام) و عليّ بن الحسن الطاطريّ ( «3») من

أصحاب الكاظم (عليه السلام) كانا يقولان به، و كان ابن سماعة مخطِّئاً لرأيهما في ذلك.

روى الكليني عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن علي بن الحسن الطاطريّ قال: الذي أُجمع عليه في الطلاق أن يقول: أنت طالق أو اعتدّي، و ذكر أنّه قال لمحمّد بن أبي حمزة: كيف يشهد على قوله: اعتدّي؟ قال: يقول: اشهدوا

______________________________

(1). الخلاف 4: المسألة 20، كتاب الطلاق.

(2). محمد بن أبي حمزة: ثابت بن أبي صفيّة الثمالي من أصحاب الصادق (عليه السلام) يروي عنه ابن أبي عمير.

(3). عليّ بن الحسن الطاطريّ الكوفي؛ واقفيّ شديد العناد في مذهبه، شديد العصبيّة على من خالفه من الإماميّة. تنقيح المقال: 2/ 278.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 70

اعتدّي، قال ابن سماعة: غلط محمّد بن أبي حمزة أن يقول: اشهدوا اعتدّي، قال الحسن بن سماعة: ينبغي أن يجي ءَ بالشهود إلى حجلتها أو يذهب بها إلى الشهود؛ إلى منازلهم، و هذا المحال الذي لا يكون، و لم يوجب اللّه عزّ و جلّ هذا على العباد، و قال الحسن: ليس الطلاق إلّا كما روى بكير بن أعين؛ أن يقول لها و هي طاهر من غير جماع: أنت طالق، و يشهد شاهدين عدلين و كلُّ ما سوى ذلك فهو ملغى. ( «1»)

و لعلّ مراده أن لو صحّ إيقاعه بالخطاب ب- «اعتدّي» يجب أن يسمع الشهود، و هو لا يتحقّق إلّا بمجي ء الشهود إلى حجلتها أو يذهب بها إلى الشهود؛ إلى منازلهم و كلاهما من المحالات العاديّة، فينتج عدم وقوعه ب- «اعتدّي».

و لا يخفى؛ أنّه لو كان مراده هذا لزم عدم وقوعه بما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم، و في كلام نفس ابن سماعة فان الخطاب

للمرأة بمحضر الشهود يستلزم أحد المحذورين.

فالحقّ عدم الوقوع؛ لكونه خلاف الحصر، و لم يثبت وروده في صحيحة محمّد بن مسلم ( «2»)؛ و ذلك لأنّ العلّامة نقله في المختلف بلا هذا الذيل. ( «3»)

ثمّ إنّه لو فرض وروده في رواية محمّد بن مسلم؛ فهو محمول على أنّه إخبار للزوجة بأنّه طلّقها، و أنّه يجب عليها العدّة؛ بشهادة رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «يرسل إليها، فيقول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك» ( «4») فهي تدلّ على وقوع الطلاق قبل هذا الخطاب.

______________________________

(1). الكافي: 6/ 70.

(2). مضى مصدره و رواها في الوسائل مع هذا الذيل.

(3). المختلف: 34، كتاب الطلاق.

(4). الوسائل 15: الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 2، و نظيرها رواية محمد بن قيس. الحديث 5 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 71

3- إذا قال: «هل طلَّقت فلانة، فقال: نعم»:

إذا سئل الزوج؛ بأنّه هل طلق امرأته فصدّقه، و قال: «نعم»، فهل يقع به الطلاق أو لا؟ بل هو حكاية عن الطلاق، فلو لم يطلقها قبل التصديق جامعاً للشرائط؛ لا يكون التصديق طلاقاً و إن حضر العدلان.

قال الشيخ في النهاية: «فإن قيل للرجل: هل طلَّقت فلانة؟ فقال: نعم، كان الطلاق واقعاً». ( «1»)

و قال ابن حمزة: «و ما يكون في حكم الطلاق أربعة أشياء:» و عدّ من جملتها «قوله: «نعم إذا قيل له: طلَّقت فلانة». ( «2»)

و قال ابن إدريس: «فإن قيل للرجل: هل طلَّقت فلانة، فقال: نعم، كان ذلك إقراراً منه بطلاق شرعيّ». ( «3»)

و قال ابن البرّاج: «قال إذا قيل لرجل: هل طلَّقت زوجتك فلانة؟ فقال: نعم، كان طلاقه واقعاً». ( «4»)

و لا يخفى؛ أنّ محلّ البحث هو وقوع الطلاق

بقوله: «نعم»، و أمّا حكم الإقرار؛ فيحكم عليه بطلاق سابق قبل الإقرار ظاهراً. إذا عرفت ذلك فاعلم؛ أنّ ما هو صريح في وقوع الطلاق به: رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام) في الرجل يقال له: أ طلّقت امرأتك؟ فيقول: نعم، قال: قال: «قد طلَّقها حينئذ». ( «5») و الاعتماد عليها مشكل؛ لكونه مخالفاً لصحيحة محمّد بن مسلم. ( «6»)

______________________________

(1). النهاية: 518.

(2). الوسيلة: 324.

(3). السرائر 676: 2.

(4). المهذّب: 2/ 278 و 296.

(5). الوسائل 15: الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 6، 3.

(6). الوسائل 15: الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 6، 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 72

المحدّدة للطلاق. أضف إلى ذلك أنّه إقرار بالطلاق و ليس إنشاءً له، و حمله على إنشاء الطلاق لا يفيد أيضاً؛ لكونه من الكنايات التي لا يقع بها الطلاق. و أقصى ما تدل عليه هو حجّية إقراره، و هو غير القول بصحة الطلاق به.

و أمّا سائر الروايات الدالّة عليه؛ فقد وردت في موضع وقوع الطلاق على المرأة من جانب المخالف، فأراد غيره نكاحها؛ فورد أنّه يُدعى الرجل و يُسأل عن طلاق امرأته، فإذا أقرّ، اعتدّت المرأة ثلاثة أشهر ثمّ تزوّج، روى حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثلاثاً، فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع؟ قال: «يأتيه فيقول: طلَّقت فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر ثمّ خطبها إلى نفسها». ( «1») و بهذا المضمون غيره. ( «2»)

و بذلك؛ يعلم عدم صحّة الاستدلال بهذه الروايات لأنّ موردها هو زوجة المخالف التي ربّما تطلَّق غير طلاق السنّة، و مقتضى قاعدة الإلزام و إن كان هو الصحّة؛ لكنّ

الإمام (عليه السلام) أمر بالاعتداد.

و مقتضى قاعدة الإلزام؛ الصحّة و ترتيب الأثر على طلاقه بدون حاجة إلى الطلاق، إلّا أنّ الإمام (عليه السلام) دفعاً للتُّهمة، أمر بأخذ الإقرار من الزوج، حتّى لا يتّهم الزوج الثاني بأنّه تزوّج زوجة الغير، و مثل ذلك لا يكون دليلًا على إنشاء الطلاق به في غير هذا المورد. و أمّا الاعتداد بعد التصديق؛ فمحمول على التنزيه و الاحتياط.

بقيت هنا أمورٌ
اشارة

و إليك عناوينها:

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 31 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1.

(2). لاحظ مرسل عثمان بن عيسى و إسحاق بن عمّار في الجزء 14: الباب 36 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، و قد رويت رواية إسحاق بن عمّار بلفظ آخر في الجزء 15: الباب 31 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 73

1- الطلاق بالألفاظ الكنائيّة.

2- هل يجوز للقادر بإجراء الصيغة باللغة العربيّة، إجراؤها بغيرها؟

3- هل العربيّة الملحونة تقوم مقام غيرها إذا كان صحيحاً؟

4- جواز الطلاق بالكتابة و عدمه

5- كيفيّة طلاق الأخرس.

6- هل يجوز الطلاق بالتخيير أو لا؟

أمّا الأوّل: فقد ظهرت حاله من نصوص الحصر و غيرها، نعم يقع بها على فتوى العامّة كما هو معلوم، غير أنّهم يشترطون النيّة في الصيغ الكنائيّة دون الصريحة.

قال الشيخ في الخلاف: «كنايات الطلاق لا يقع بها شي ء من الطلاق، سواء كانت ظاهرة أو خفيّة، نوى بها الفرقة أو لم ينو ذلك، و على كلّ حال لا واحدة و لا ما زاد عليها. و قال الشافعي: الكنايات على ضربين: ظاهرة و باطنة، فالظاهرة خليّة و بريّة بتّة و بتلة و بائن و حرام، و الخفيّة كثيرة منها: اعتدّي و استبرئي رحمك و تجرّعي و تقنّعي و اذهبي و اعزبي و الحقي بأهلك و حبلك على غاربك، و جميعها تحتاج إلى نيّة تقارن التلفّظ بها» ( «1»).

[2- هل يجوز للقادر بإجراء الصيغة باللغة العربيّة، إجراؤها بغيرها؟]

و أمّا الثاني: فالمشهور تعيّن العربيّة على القادر بها، و ليس له دليل ظاهر سوى نصوص الحصر؛ التي أظهرها صحيحة محمد بن مسلم حيث قال: «إنّما الطّلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنتِ طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطّلاق و يشهد على ذلك رجلين عدلين» ( «2»). و لكنّ

______________________________

(1). الخلاف: 4، المسألة 20، كتاب الطلاق.

(2). الوسائل 15: الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 74

الظاهر أنّ الحصر إضافيّ لا حقيقيّ، و المقصود نفي وقوع الطلاق بالالفاظ الكنائيّة التي لا تنفي وقوعه بما يعادل قوله: «أنت طالق» في غير العربيّة.

و

أمّا رواية وهب بن وهب ( «1») فهي ضعيفة؛ لأجله ( «2»).

و الظاهر؛ وقوع الطلاق بغير العربيّة للقادر عليها فضلًا عن العاجز، لشمول الإطلاقات و صدق الطلاق على غير العربيّة، و أمّا العاجز فهو موضع وفاق و اتّفاق، نعم؛ بما أنّ الطلاق و النكاح من توابع نظام الأُسرة، فالاحتياط مرغوب فيه نكاحاً و طلاقاً فلا تترك العربيّة بالنسبة إلى القادر.

[3- هل العربيّة الملحونة تقوم مقام غيرها إذا كان صحيحاً؟]

و أمّا الثالث: فلا شكّ أنّ الترجمة الصحيحة متقدّمة على العربية الملحونة.

[4- جواز الطلاق بالكتابة و عدمه]

و أمّا الرابع: فقد أفتى الشيخ في النهاية؛ بجواز الطلاق بالكتابة في الزوج الغائب، حيث قال: (و لا يقع الطلاق إلّا باللسان. فإن كتب بيده: انّه طالق امرأته و هو حاضر ليس بغائب، لم يقع الطلاق. و إن كان غائباً و كتب بخطّه: انّ فلانة طالق، وقع الطلاق. و إن قال لغيره: اكتب إلى فلانة امرأتي بطلاقها، لم يقع الطلاق) ( «3»).

و قد نسب الوقوع إلى ابن البرّاج، و النسبة غير صحيحة حيث قال: (و إن كتب و نوى و لم يتلفّظ بذلك لم يقع به طلاق) ( «4»).

نعم؛ وافق الشيخ ابن حمزة في وسيلته حيث قال: (الكتابة من الأخرس،

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 17 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1.

(2). قال النجاشي: روى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، و كان كذاباً و له أحاديث مع الرشيد في الكذب، تنقيح المقال: 3/ 283 الرقم 1279.

(3). النهاية: 511.

(4). المهذّب 2/ 277، اللّهم إلّا أن يحمل كلامه على الحاضر دون الغائب فيتّحد مع الشيخ في النتيجة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 75

و من الغائب بأربعة شروط: أن يكتب بخطّه، و يشهد عليه ...). ( «1»)

و عدل عنه، في كتاب الخلاف فقال: «إذا كتب بطلاق زوجته و لم يقصد بذلك الطلاق؛ لا يقع بلا خلاف، و إن قصد به الطلاق فعندنا أنّه لا يقع به شي ء، و للشافعيّ فيه قولان: أحدهما يقع على كلّ حال، و به قال أبو حنيفة، و الآخر أنّه لا يقع، و هو مثل ما قلناه- دليلنا- إجماع الفرقة، و أيضاً الأصل بقاء العقد، و لا دليل على وقوع الطلاق

بالكتابة». ( «2»)

و ما ذكره الشيخ في النهاية؛ هو ما جاء في صحيحة أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قال لرجل: اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها، أو اكتب إلى عبدي بعتقه، يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً؟ قال: «لا يكون طلاقاً و لا عتقاً حتّى ينطق به لسانه أو يخطّه بيده و هو يريد الطلاق أو العتق، و يكون ذلك منه بالأهلّة و الشُّهود، يكون غائباً عن أهله» ( «3») و قد جاء فيها التقييد «بيده» و تبعه الشيخ في النهاية و ابن حمزة في وسيلته.

و لكنّ الظاهر؛ أنّها قاصرة عن الحجيّة لمعارضتها بصحيحة زرارة، قال: سألته عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها، أو كتب بعتق مملوكه؛ و لم ينطق به لسانه، قال: «ليس بشي ء حتّى ينطق به». ( «4») و أيضاً قال زرارة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثمّ بدا له فمحاه قال: «ليس ذلك بطلاق و لا عتاق حتى يتكلّم به». ( «5»)

و الترجيح مع هاتين الصحيحتين؛ أخذاً بما خالف العامّة عند التعارض. نعم؛ لو لا هذا كان مقتضى القاعدة هو تقييد الصحيحتين بصحيحة أبي حمزة

______________________________

(1). الوسيلة: 323.

(2). الخلاف 4: المسألة 29، كتاب الطلاق.

(3). الوسائل 15: الباب 14 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 3، 1، 2.

(4). الوسائل 15: الباب 14 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 3، 1، 2.

(5). الوسائل 15: الباب 14 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 3، 1، 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 76

الثمالي، و حملهما على الحاضر دون الغائب، و لكن أعرض المشهور عنها و أخذوا بهما؛ لمخالفتهما للعامّة و موافقتها لهم، و سيرتهم في

ما كان المقيّد موافقاً للعامّة؛ و إن كانت تقييد المطلَق لا حمل المقيّد على التقيّة، و لكنّهم عدلوا عنها لما ورد في النصوص من الحصر الظاهر في التلفّظ النافي للكتابة، و لا يخفى أنّه موافق للاحتياط أيضاً.

[5- كيفية طلاق الأخرس]

و أمّا الخامس: أعني طلاق الأخرس؛ فقد ورد في غير واحد من الروايات ( «1»): أنّ طلاقه «أن يأخذ مقنعتها و يضعها على رأسها و يعتزلها» و في صحيحة البزنطيّ: أن طلاقها أن «يكتب و يشهد على ذلك» ( «2») و فيما لا يستطيع الكتابة يطلّق بالذي يعرفه من أفعاله.

و في مرسلة يونس في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته، قال: «إذا فعل في قبل الطهر بشهود و فهم عنه كما يفهم عن مثله و يريد الطّلاق جاز طلاقه على السُّنّة». ( «3»)

و بما أنّ الأخرس غير قادر على السبب القولي، يقوم السبب الفعليّ مكانه، من غير فرق بين إلقاء القناع أو الكتابة، و لعلّ الثانية أحد الأسباب الفعليّة كما لا يخفى، و ليست متعيّنة خصوصاً أنّ الخُرَّس قاطبة إلّا ما شذّ كانوا؛ غير قادرين على الكتابة في تلك الأزمنة.

[6- هل يجوز الطلاق بالتخيير أو لا؟]

و أمّا السادس: فهو ما إذا خيّرها بين نفسها و زوجها، قال الشيخ: فإن اختارت الزوج فهو، و إن اختارت نفسها؛ فهل يقع به الطلاق سواء نويا أم لم ينويا، أو نوى أحدهما، و قال قوم من أصحابنا: إذا نويا وقع الطلاق، ثمّ اختلفوا،

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، الأحاديث 2، 3، 5.

(2). الوسائل 15: الباب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1 و 4.

(3). الوسائل 15: الباب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1 و 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 77

فمنهم من قال: يقع واحدة رجعيّة، و منهم من قال: بائنة، و قال الشافعيّ: هو كناية من الطرفين يفتقر إلى نيّة الزوجين معاً، و قال مالك: يقع به الطلاق الثلاث من غير نيّة؛ لأنّ هذه اللفظة عنده

صريحة في الطلاق الثلاث كما يقول في الكنايات الظاهرة). ( «1»)

و استدلّ الشيخ على مختاره؛ بأنّ الأصل بقاء العقد، و لم يدلّ دليل على أنّه تحصل الفرقة بهذه اللفظة. و قال في المبسوط بمثل ذلك، و أضاف: «بأنّه حكي عن بعض أصحابنا، أنّه يقع الطلاق إذا نويا ذلك، و عند بعض المخالفين أنّه كناية من الطرفين فيفتقر إلى نيّة الزوجين، و فيه خلاف). ( «2»)

و قال في النهاية: (أو جعل إليها الخيار، فاختارت نفسها، فإنّ ذلك كلّه، لا يؤثّر في الطلاق، و لا تحصل به بينونة و لا تحريم على حال). ( «3»)

و قال ابن البرّاج: «فإن خيّرها في الطلاق مثل أن يقول لها: «جعلت أمرك إليك» أو «أمركِ بيدكِ» أو «طلّقي نفسك» لم يقع به طلاق». ( «4»)

و ذلك خيرة الأصحاب بعد الشيخ و تلميذه ابن البرّاج، غير أنّه حكى الجواز عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد؛ قال الأوّل منهما: «و الخيار عند آل الرسول (عليهم السلام) أن يخيّر الرجل امرأته، و يجعل أمرها إليها في أن تختار نفسها أو تختاره بشهادة شاهدين من قبل عدّتها؛ فإن اختارت المرأة نفسها في المجلس فهي تطليقة واحدة، و هو أملك برجعتها ما لم تنقض عدّتها، و إن اختارت زوجها فليس بطلاق، و لو تفرّقا ثمّ اختارت المرأة نفسها لم يقع شي ء. و به قال عليّ بن بابويه حيث قال: «أمّا التخيير؛ فأصل ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ أنِف لنبيّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لمقالة قالها بعض نسائه: أ ترى محمّداً لو طلّقنا أ لا نجد أكفاءنا من قريش يتزوّجونا. فأمر اللّه

______________________________

(1). الخلاف 4: المسألة 31، كتاب الطلاق.

(2). المبسوط: 5/ 29-

30، كتاب الطلاق.

(3). النهاية: 521.

(4). المهذّب: 2/ 277.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 78

عزّ و جلّ نبيّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يعتزل نساءه تسعةً و عشرين يوماً، فاعتزلهنَّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) في مشربة أُمِّ إبراهيم، ثمّ نزلت هذه الآية: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا* وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّٰارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) فاخترنَ اللّهَ و رسوله فلم يقع الطلاق) ( «1») و نقله ابنه الصدوق في المقنع ( «2»). و نسب الوقوع إلى السيد المرتضى؛ و لكن ظاهر عبارته في الانتصار خلافه، حيث قال: (و ممّا انفردت به الإمامية أنّ الطلاق لا يقع إلّا بلفظ واحد و هو قوله: «أنتِ طالِق)». ( «3») و أمّا في كتابه الآخر، أعني: الناصريّات، فالمسألة غير معنونة فيها. و على ذلك؛ فالمشهور هو عدم الوقوع و لا بدّ من تحرير محل النزاع فنقول:

1- لا شكّ أنّ القائل بالوقوع إنّما يعتبره صيغة الطلاق إذا اجتمع فيه سائر الشروط؛ من كون المرأة في غير طهر المواقعة، و حضور العدلين، إلى غير ذلك ممّا يعدّ شرطاً لصحّة الطلاق.

2- إذا قصد من قوله: «أمركِ بيدك»، توكيلها في الطلاق من دون جعل التّولية لها و تفويضه إليها، و هو صحيح على القول بصحّة وكالة المرأة في الطلاق عند من لم يشترط المقارنة بين الإيجاب و القبول.

3- لو قالت المرأة بعد التخيير «أنا طالق» لم يكن إشكال عند من يجوِّز وكالة المرأة في الطلاق.

4- إنّما البحث؛ في كون التخيير بصورة التفويض أو

التوكيل طلاقاً بإحدى الصور التالية:

أ- كون نفس التخيير طلاقاً.

______________________________

(1). المختلف: 33، كتاب الطلاق.

(2). المقنع: 81، كتاب الطلاق.

(3). الانتصار: 129.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 79

ب- كون قولها: اخترت نفسي طلاقاً.

ج- كون التخيير طلاقاً إذا انضمّ إليه قولها: اخترت نفسي.

فلا شكّ أنّ العامّة يعتبرونه طلاقاً لأنّهم يجوّزون الطلاق بالكناية. إنّما الكلام في صحّة الطلاق به مع كونه كنائيّاً. و الروايات على أصناف:

الطائفة الأُولى: ما يظهر منه أنّه مخصوص برسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، روى محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الخيار، فقال: «و ما هو و ما ذاك إنّما ذاك شي ء كان لرسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)». ( «1») و بهذا المضمون بعض الروايات. ( «2»)

و يظهر من بعض الروايات؛ أنّ التخيير لم يكن كافياً في فراق نساء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) عنه، بل كان الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) يطلقهنَّ إذا اخترنَ أنفسهنَّ. روى عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها؛ بانَتْ منه؟ قال: «لا، إنّما هذا شي ء كان لرسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) خاصّةً أُمر بذلك ففعل و لو اخترنَ أنفسهنَّ لطلّقهنَّ و هو قول اللّه عزّ و جل: (قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا). ( «3»)

نعم؛ لو كانت النسخة «لطلَّقن» كانت دالّة على كون نفس التخيير مع اختيارهنَّ طلاقاً من دون حاجة إلى التطليق، و لكن لا يناسبها الاستشهاد بالآية لأنّها تضمّنت قوله: (وَ أُسَرِّحْكُنَّ) الذي هو بمعنى أُطلِّقْكُنَّ.

الطائفة

الثانية: ما يظهر منه؛ وقوع الطلاق به، روى زرارة و محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «لا خيار إلّا على طهر من غير جماع بشهود». ( «4»)

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1.

(2). لاحظ الأحاديث التالية: 2 و 3 و 13 من الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق.

(3). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 4 و 8.

(4). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 4 و 8.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 80

و روى أيضاً محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا خيّرها و جعل أمرها بيدها في غير قبل عدّتها من غير أن يشهد شاهدين فليس بشي ء و إن خيّرها و جعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عدّتها فهي بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن اختارت نفسها فهي واحدة و هو أحقُّ برجعتها و إن اختارت زوجها فليس بطلاق». ( «1»)

ثمّ إنّ ما يدلّ على الوقوع، بين ما يدلّ على كون الواقع طلاقاً رجعياً، و كونه طلاقاً بائناً.

أمّا الأوّل: فقد روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل خيّر امرأته فقال: «إنّما الخيار لها ما داما في مجلسهما فإذا تفرّقا فلا خيار لها»، فقلت: أصلحك اللّه فإن طلّقت نفسها ثلاثاً قبل أن يتفرّقا من مجلسهما قال: «لا يكون أكثر من واحدة، و هو أحقُّ برجعتها قبل أن تنقضي عدّتها، قد خيّر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) نساءه فاخترنه فكان طلاقاً»، قال: قلت له: لو اخترن أنفسهنّ؟ قال: فقال لي: «ما ظنُّك برسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لو

اخترنَ أنفسهنَّ أ كان يمسكهنَّ». ( «2»)

و روى فضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته: قد جعلت الخيار إليك، فاختارت نفسها قبل أن تقوم، قال: «يجوز ذلك عليه» فقلت: فلها متعة؟ قال: «نعم» قلت: فلها ميراث إن مات الزوج قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال: «نعم و إن ماتَت هي ورثها الزّوج». ( «3»)

و أمّا الثاني؛ أي ما يدلّ على كونه طلاقاً بائناً؛ فيدلّ عليه غير واحد من روايات الباب مثل ما رواه زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إذا اختارت نفسها

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 14.

(2). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق الأحاديث/ 12، 17. و لاحظ الحديث 3 و 4 من هذا الباب.

(3). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق الأحاديث/ 12، 17. و لاحظ الحديث 3 و 4 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 81

فهي تطليقة بائنة و هو خاطب من الخُطّاب، و إن اختارت زوجها فلا شي ء». ( «1»)

و ما رواه يزيد الكناسيّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا ترث المخيّرة من زوجها شيئاً في عدّتها لأنّ العصمة قد انقطعت فيما بينها و بين زوجها من ساعتها، فلا رجعة له عليها و لا ميراث بينهما». ( «2»)

و الظاهر؛ تقديم ما يدلّ على عدم الوقوع على ما دلّ على الوقوع لما عرفت من أنّه من خصائص الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) لكونه مخالفاً للعامة أوّلًا، و موافقاً لنصوص الحصر ثانياً، و خالياً من التعارض في مداليلها ثالثاً.

ثمّ إنّ هناك روايات تؤكد بطلان الطلاق بحجّة أنّ تفويضه إلى المرأة مخالف

للسُّنّة؛ مثل مرسلة ابن بكير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة، و شرطت عليه أنّ بيدها الجماع و الطلاق، فقال: «خالف السنّة و ولّى الحقّ من ليس أهله» و قضى أنّ على الرجل الصداق، و أنّ بيده الجماع و الطلاق و تلك السنّة. ( «3»)

فإذا كان التخيير باطلًا، كيف يقع به الطلاق؟ و العجب؛ أنّ الشهيد الثاني حاول تصحيح الطلاق لترجيح أخباره بالكثرة و الصحّة و الصراحة، و قال: «أجاب المانعون عن الأخبار الدالّة على الوقوع بحملها على التقيّة، و لو نظروا إلى أنّها أكثر و أوضح سنداً و أظهر دلالة لكان أجود، و وجه الأوّل واضح، و الثاني أنّ فيها الصحيح و الحسن و الموثّق، و ليس فيها ضعيف بخلاف أخبار المنع، فإنّ فيها

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق الأحاديث/ 9، 10. و لاحظ الحديث 3 و 4 من هذا الباب.

(2). الوسائل 15: الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق الأحاديث/ 9، 10. و لاحظ الحديث 3 و 4 من هذا الباب.

(3). الوسائل 15: الباب 42 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 1، و لاحظ الحديث 5 من الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق، و بهذا المضمون؛ ما رواه في الوسائل 15: الباب 29 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 82

الضعيف و المرسَل و المجهول». ( «1»)

و لا يخفى؛ أنّ مخالفة العامّة التي هي المرجّح الأكبر في باب التعارض تمنعنا عن الأخذ بهذه الروايات و إن بلغت في الصحّة ما بلغت.

ثمّ إنّ الأصحاب ذكروا في المقام فروعاً على فرض صحّة التخيير، و لكن نحن في غنىً عن البحث عنها. بعد

ما تبيّن بطلان الأصل.

______________________________

(1). الحدائق: 25/ 225.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 83

[الطلاق غير المنجّز]
الحلف بالطلاق

اعلم أنّ الطلاق غير المنجّز ينقسم إلى قسمين:

1- الطلاق المعلّق.

2- الحلف بالطلاق.

و كلاهما من أقسام غير المنجّز، و الفرق بينهما أنّه لو قصد من التعليق الحثّ على الفعل، أو المنع عنه، يسمّى حلفاً بالطلاق كقوله: إن دخلت الدار فأنتِ طالق، أو إن لم تدخلي الدار فأنت طالق، أو قصد منه تصديق المخبر، كقوله: زوجتي طالق لو كان في حقيبتي بضاعة ممنوعة.

و أمّا إذا علّق و لم يكن منه لا الحث على الفعل و لا المنع منه، و لا التنبيه على تصديق المخبر، يسمّى طلاقاً معلّقاً، كقوله: أنتِ طالق إن طلعت الشمس، أو أنتِ طالق إن قدم الحاج، أو أنتِ طالق إن لم يقدم السلطان، فهو شرط محض ليس بحلف، لأنّ حقيقة الحلف، القسم.

و إنّما سمي تعليق الطلاق على شرط حلفاً تجوزاً، لمشاركته الحلف في المعنى المشهور و هو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو قوله: و اللّه لأفعلنّ، أو لا و اللّه لا أفعل، أو و اللّه لقد فعلت أو و اللّه لم أفعل، و ما لم يوجد فيه هذا المعنى لا تصحّ تسميته حلفاً ( «1»).

______________________________

(1). ابن قدامة: المغني: 7/ 365.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 84

و قال السبكي: إنّ الطلاق المعلّق، منه ما يعلّق على وجه اليمين، و منه ما يعلّق على غير وجه اليمين، فالطلاق المعلَّق على غير وجه اليمين كقوله: إذا جاء رأس الشهر فأنتِ طالق، أو إن أعطيتني ألفاً فأنتِ طالق.

و الذي على وجه اليمين كقوله: إن كلّمتِ فلاناً فأنت طالق، أو إن دخلت الدار فأنتِ طالق، و هو الذي يقصد به

الحث أو المنع أو التصديق، فإذا علّق الطلاق على هذا الوجه، ثمّ وجد المعلّق عليه وقع الطلاق ( «1»).

ثمّ إن وقوع الطلاق بالحلف هو مذهب أكثر أهل السنّة إلّا من شذّ و سنشير إليه، فقد أجازت مذاهبهم الطلاق (وراء الحلف) بكل ما دلّ عليه لفظاً و كتابة و صراحة و كناية، مثل: أنتِ عليّ حرام، أو أنتِ بريّة، أو اذهبي فتزوّجي، أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك، إلى غير ذلك من الصيغ.

و الجدير بالذكر أنّهم سوّدوا الصفحات الطوال العراض حول أقسام الطلاق المعلّق خصوصاً النوع الخاص به، أعني: الحلف به، و جاءوا بآراء و فتاوى لم يبرهنوا عليها بشي ء من الكتاب و السنّة، و الراجع إليها يقطع بأنّ الطلاق عند هؤلاء أُلعوبة، يتلاعب به الرجل بصور شتّى.

و إن كنت في شكّ ممّا ذكرت فلاحظ الكتابين المعروفين:

1- المغني: تأليف محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة (المتوفّى عام 620) و هو أوسع فقه ظهر عند الحنابلة مع الترجيح بين الأقوال بالدليل المقنع لهم. فقد خصّ (45) صفحة من كتابه بهذا النوع من الصيغ.

( «2») 2- الفقه على المذاهب الأربعة: تأليف الشيخ عبد الرحمن الجزيري، فقد

______________________________

(1). السبكي: تقي الدين علي بن عبد الكافي (المتوفى 756): الدرّة المضيئة: 155.

(2). لاحظ الجزء السابع 369- 414 بتصحيح الدكتور محمد خليل هراس.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 85

ألّفه ليعرض الفقه بثوبه الجديد على الناشئ، و مع ذلك فقد خصّ من كتابه لهذا النوع من صور الطلاق صفحات كثيرة ( «1») و إليك نماذج من هذه الصور حتى تقف على صدق ما قلناه؛ ننقله من الكتاب الأوّل:

1- إن قال لامرأتيه: كلّما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان،

ثمّ أعاد ذلك ثلاثاً، طلّقت كل واحدة منهما ثلاثاً.

2- إن قال لإحداهما: إن حلفت بطلاقك فضرّتك طالق، ثمّ قال للأُخرى مثل ذلك ...

3- و إن كان له ثلاث نسوة فقال: إن حلفت بطلاق زينب، فعمرة طالق، ثمّ قال: و إن حلفت بطلاق عمرة، فحفصة طالق، ثمّ قال: إن حلفت بطلاق حفصة، فزينب طالق، طلقت عمرة، و إن جعل مكان زينب عمرة طلّقت حفصة، ثمّ متى أعاده بعد ذلك طلّقت منهنّ واحدة ...

4- و متى علّق الطلاق على صفات فاجتمعن في شي ء واحد وقع بكلّ صفة ما علّق عليها كما لو وجدت متفرّقة و كذلك العتاق، فلو قال لامرأته: إن كلّمت رجلًا فأنت طالق، و إن كلّمت طويلًا فأنت طالق، و إن كلّمت أسود فأنت طالق، فكلّمت رجلًا أسود طويلًا، طلّقت ثلاثاً ( «2»).

إلى غير ذلك من الصور التي لا يترتب على نقلها سوى اضاعة الوقت و الورق.

و في مقابل هؤلاء، أئمّة أهل البيت، يرون الحلف بالطلاق باطلًا و لا يذكرون للطلاق إلّا صيغة واحدة، روى ابن سماعة قال ليس الطلاق إلّا كما روى

______________________________

(1). الفقه على المذاهب الأربعة الجزء الرابع.

(2). المغني: 7/ 369- 376.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 86

بكير بن أعين أن يقول لها و هي طاهر من غير جماع-: أنت طالق و يشهد شاهدي عدل، و كلّ ما سوى ذلك فهو ملغى ( «1»).

و مع أنّ المشهور عند أهل السنّة وقوع الطلاق بالحلف به، فنجد بين الصحابة و التابعين من ينكر ذلك و يراه باطلًا، و وافقه بعض المتأخّرين كابن حزم من الظاهريين، و ابن تيمية من الحنابلة.

قال ابن حزم: و صحّ خلاف ذلك (وقوع الطلاق باليمين) عن السلف.

1- روينا من

طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: انّ رجلًا تزوّج امرأة و أراد سفراً فأخذها أهل امرأته فجعلها طالقاً إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل و لم يبعث بشي ء، فلمّا قدم خاصموه إلى عليّ، فقال عليّ (عليه السلام): اضطهدتموه حتى جعلها طالقاً، فردّها عليه ( «2»).

2- روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء: في رجل قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أتزوّج عليك. قال: إن لم يتزوّج عليها حتى تموت أو يموت، توارثا. و الحكم بالتوارث آية بقاء العلقة.

3- و من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن الحكم بن عتيبة قال: في الرجل يقول لامرأته: أنتِ طالق إن لم أفعل كذا ثمّ مات أحدهما قبل أن يفعل، فإنّهما يتوارثان.

إنّ في عدم اعتداد الإمام عليّ بالطلاق- بلا اكراه- و الحكم بالتوارث في الروايتين الأخيرتين دلالة على عدم الاعتداد باليمين بالطلاق.

______________________________

(1). وسائل الشيعة 15، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، الحديث 1.

(2). ظاهر الحديث: أنّ الإمام ردّ المرأة لوقوع الطلاق مكرهاً، و بما أنّه لم تكن هناك كراهة و لم يطلب أهل المرأة سوى النفقة، يحمل على خلاف ظاهره، من بطلان الطلاق لأجل الحلف به.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 87

4- و من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنّه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس شيئاً. قلت: أ كان يراه يميناً؟ قال: لا أدري.

قال ابن حزم بعد نقل هذه الروايات: فهؤلاء علي بن أبي طالب و شريح ( «1») و طاووس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث، و لا يعرف لعلي في ذلك مخالف من

الصحابة- رضي اللّه عنهم- ثمّ يقول: من أين أجزتم الطلاق بصفة و لم تجيزوا النكاح بصفة، و الرجعة بصفة كمن قال: إذا دخلت الدار فقد راجعت زوجتي المطلّقة، أو قال: فقد تزوّجتك و قالت هي مثل ذلك، و قال الولي مثل ذلك و لا سبيل إلى فرق ( «2»).

فقد سئل ابن تيميّة عن مسألة الحلف بالطلاق، فأفتى بعدم وقوع الطلاق بنفس الحلف و لكن قال: تجب الكفّارة إذا لم يطلّق بعد، فقال: إنّ في المسألة بين السلف و الخلف أقوالًا ثلاثة:

1- إنّه يقع به الطلاق إذا حنث في يمينه، و هذا هو المشهور عند أكثر الفقهاء المتأخّرين حتى اعتقد طائفة منهم أنّ ذلك اجماع، و لهذا لم تذكر عامتهم عليه حجّة، و حجّتهم عليه ضعيفة، و هي أنّه التزم أمراً عند وجوب شي ء فلزمه ما التزمه ( «3»).

2- إنّه لا يقع به طلاق و لا تلزمه كفّارة، و هذا مذهب داود و أصحابه، و طوائف من الشيعة، و يذكر ما يدل عليه عن طائفة من السلف ( «4»)، بل هو مأثور عن طائفة صريحاً كأبي جعفر الباقر (عليه السلام) رواية جعفر بن محمد، و أصل هؤلاء

______________________________

(1). نقل رواية عن شريح تركنا نقلها لعدم دلالتها على ما يريده. و كان عليه عطف عطاء عليه أيضاً.

(2). ابن حزم الأندلسي: المحلّ- ى: 10/ 212- 213.

(3). سيوافيك ضعف هذا الدليل بعد الفراغ من نقل كلامه.

(4). قد تعرفت على القائلين بعدم كفاية الحلف في تحقّق الطلاق في كلام ابن حزم الظاهري.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 88

أنّ الحلف بالطلاق و العتاق و الظهار لغو كالحلف بالمخلوقات.

3- و هو أصح الأقوال، و هو الذي يدلّ عليه الكتاب و

السنّة، و الاعتبار أنّ هذا يمين من أيمان المسلمين فيجري فيها ما يجري في أيمان المسلمين، و هو الكفّارة عند الحنث إلّا أن يختار الحالف ايقاع الطلاق، فله أن يوقعه، و لا كفّارة، و هذا قول طائفة من السلف و الخلف كطاووس و غيره، و هو مقتضى المنقول عن أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في هذا الباب، و به يفتي كثير من المالكية و غيرهم، حتى يقال: إنّ في كثير من بلاد المغرب من يفتي بذلك من أئمّة المالكية، و هو مقتضى نصوص أحمد ابن حنبل، و أُصول في غير هذا الموضع ( «1»).

إنّ هنا أُموراً:

الأوّل: في وقوع الطلاق بنفس هذا الانشاء.

الثاني: لزوم الكفّارة عند الحنث أي عند عدم ايقاع الطلاق.

الثالث: ما هو حكم الزوجة في الفترة التي لم يقع المعلّق عليه.

أمّا الأوّل: فالدليل الذي نقله ابن تيمية عن القائل كان عبارة أنّه التزم أمراً عند وجوب شرط فلزمه ما التزمه، مثلًا التزم بأنّه إذا كلّمت الزوجة فلاناً فهي طالق.

يلاحظ عليه: أنّه ليس لنا دليل مطلق يعم نفوذ كلّ ما التزم به الانسان حتّى فيما يحتمل أنّ الشارع جعل له سبباً خاصّاً كالطلاق و النكاح، إذ عند الشكّ يكون المرجع هو بقاء العلقة الزوجية إلى أن يدلّ دليل على خروجها عن عصمته، أخذاً بالقاعدة المأثورة عن أئمّة أهل البيت بأنّه لا ينقض اليقين بالشك، المعبّر عنه في مصطلح الاصوليين بالاستصحاب.

______________________________

(1). ابن تيمية، الفتاوى الكبرى: 3/ 12 و 13.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 89

قال السبكي: «قد أجمعت الامّة على وقوع المعلّق كوقوع المنجز، فإنّ الطلاق ممّا يقبل التعليق، و لا يظهر الخلاف في ذلك إلّا عن طوائف من

الروافض، و لمّا حدث مذهب الظاهريين، المخالفين لإجماع الامّة، المنكرين للقياس، خالفوا في ذلك- إلى أن قال-: و لكنّهم قد سبقهم الاجماع.

ثمّ قال: و قد لبَّس ابن تيمية بوجود خلاف في هذه المسألة و هو كذب و افتراء و جرأة منه على الإسلام، و قد نقل اجماع الأُمّة على ذلك أئمّة لا يرتاب في قولهم و لا يتوقّف في صحّة نقلهم ( «1»).

كيف يحكم بسبق الاجماع مع خلاف الإمام علي و لفيف من التابعين و أئمّة أهل البيت، و ليس ابن تيميّة ناقلًا للخلاف بل نقله ابن حزم الأندلسي و نقله هو عنه كما صرّح في رسائله.

و هناك كلمة لبعض مشايخ الإمامية نأتي بنصّها و فيه بيان و بلاغ، قال: إنّ الإمامية يضيّقون دائرة الطلاق إلى أقصى الحدود، و يفرضون القيود الصارمة على المطلِّق و المطلَّقة، و صيغة الطلاق و شهوده. كلّ ذلك لأنّ الزواج عصمة و مودّة و رحمة و ميثاق من اللّه. قال تعالى: (وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً) (النساء/ 21) و قال سبحانه: (وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً) (الروم/ 21) اذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه العصمة و المودة و الرحمة، و هذا العهد و الميثاق إلّا بعد أن نعلم علماً قاطعاً لكلّ شكّ بأنّ الشرع قد حلّ الزواج و نقض بعد أن أثبته و أبرمه.

( «2»)

______________________________

(1). السبكي: الدرّة المضيئة: 155- 156.

(2). الفقه على المذاهب الخمسة: 414.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 90

و قد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على بطلان هذا الطلاق، بل و عدم الاعتداد بهذا اليمين مطلقاً،

و من أخذ دينه عن أئمّة أهل البيت، فقد أخذ عن عين صافية. نكتفي ببعض ما ورد عنهم:

1- روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كل يمين لا يراد به وجه اللّه في طلاق أو عتق فليس بشي ء ( «1»).

2- جاء رجل باسم «طارق» إلى أبي جعفر الباقر و هو يقول: يا أبا جعفر إنّي هالك إنّي حلفت بالطلاق و العتاق و النذور، فقال: يا طارق إنّ هذا من خطوات الشيطان ( «2»).

3- عن أبي أُسامة الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ لي قريباً أو صهراً لي حلف إن خرجت امرأته من الباب فهي طالق ثلاثاً، فخرجت فقد دخل صاحبها منها ما شاء اللّه من المشقة فأمرني أن أسألك فأصغى إليّ، فقال: مره فليُمسكها فليس بشي ء، ثمّ التفت إلى القوم فقال: سبحان اللّه يأمرونها أن تتزوّج و لها زوج ( «3»).

و قد عرفت الشيعة بانكارها الأُمور الثلاثة في باب الطلاق.

1- طلاق المرأة و هي حائض.

2- الطلاق بلا اشهاد عدلين.

3- الحلف على الطلاق.

هذا كلّه حول وقوع الطلاق و إليك الكلام في المقامين: الثاني و الثالث:

و أمّا الثاني و هو ترتّب الكفّارة و عدمه، فيحتاج إلى تنقيح ما هو الموضوع

______________________________

(1). وسائل الشيعة: الجزء 16، الباب 14 من أبواب كتاب الايمان، الحديث 1 و 4، و لاحظ سائر أحاديث الباب.

(2). وسائل الشيعة: الجزء 16، الباب 14 من أبواب كتاب الايمان، الحديث 1 و 4، و لاحظ سائر أحاديث الباب.

(3). الوسائل: الجزء 15، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 91

للكفّارة، فلو دلّ الدليل على أنّ الكفّارة من آثار الحلف بلفظ الجلالة أو ما يعادله

أو يقاربه، كالربّ و غيره فلا تترتب على الحلف بالطلاق و العتاق، و بما أنّ المسألة خارجة عن موضوع البحث، نحيل تحقيقها إلى محلّه.

و أمّا الثالث: فقد نقل ابن حزم عن الشافعي: الطلاق يقع عليه و الحنث في آخر أوقات الحياة (فلو قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أضرب زيداً، فإنّما يتحقّق الحنث- إذا لم يضرب- عند موته، و معنى هذا أنّها زوجته إلى ذلك الآن) و نقل عن مالك: يوقف عن امرأته و هو على حنث حتى يبرّ، ثمّ استشكل على الإمامين ( «1»).

و جملة الكلام فيه- على القول بانعقاد الطلاق به- أنّ المعلّق عليه تارة يكون أمراً وجودياً- كالخروج عن الدار- و أُخرى عدمياً- مثل إن لم أفعل- و على التقديرين تارة يكون محدّداً موقتاً بزمان و أُخرى مطلقاً مرسلًا عنه، فلو كان أمراً وجودياً فهي زوجته ما لم يتحقق، فإذا تحقّق في ظرفه المعيّن، أو مطلقاً- حسب ما علّق- تكون مطلّقة. و لو كان أمراً عدمياً، فلو كان محدداً و مؤقتاً بزمان، فلو لم يفعل في ذلك الزمان تكون مطلّقة، بخلاف ما لو لم يكن كذلك، فلا تكون مطلّقة إلّا في آخر الوقت الذي لا يستطيع القيام به.

و لكنّها فروض على أساس منهار.

الكلام في الطلاق المعلّق:
اشارة

قد عرفت أنّ الطلاق غير المنجّز ينقسم إلى قسمين: منه ما يوصف بالحلف بالطلاق و منه ما يوصف بالمعلّق فقط، و قد عرفت حكم الأوّل و إليك الكلام في الثاني:

______________________________

(1). ابن حزم الأندلسي: المحلّ- ى: 9/ 213.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 92

فنقول: إنّ للشروط تقسيمات:

1- ما تتوقّف عليه صحّة الطلاق ككونها زوجة، و ما لا تتوقف عليه كقدوم زيد.

2- ما يعلم المطلّق بوجوده عند الطلاق كتعليقه

بكون هذا اليوم يوم الجمعة، و أُخرى ما يشك في وجوده.

3- ما يذكر في الصيغة تبرّكاً، لا شرطاً و تعليقاً كمشيئته سبحانه (إن شاء اللّه)، و ما يذكر تعليقاً حقيقة.

و مورد البحث هو الشق الثاني من القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة و قد اتّفقت كلمة الإمامية ( «1») على بطلان المعلّق و الدليل المهم هو النص و الاجماع و إليك البيان:

الطلاق المعلّق باطل نصّاً و اجماعاً:

دلّ النصّ عن أئمّة أهل البيت على بطلان الطلاق المعلّق، و يكفي في ذلك ما رواه بكير بن أعين عنهم (عليهم السلام) أنّهم قالوا: ليس الطلاق إلّا أن يقول الزوج لها و هي طاهرة من غير جماع: أنتِ طالق، و يشهد شاهدي عدل، و كل ما سوى ذلك فهي ملغى ( «2»).

فأيّ تصريح أولى من قوله: «و كل ما سوى ذلك فهي ملغى» مع شيوع الطلاق المعلّق خصوصاً قسم الحلف في أعصارهم.

و إذا أُضيف إلى ذلك ما روي عنهم (عليهم السلام) في بطلان الحلف بالطلاق لاتّضح الحكم بأجلى وضوح لأنّ الحلف به قسم من أقسام المعلّق، فليس بطلانه

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الطلاق، المسألة 40.

(2). الوسائل: الجزء 15، الباب 16، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 93

إلّا لبطلان المعلّق غاية الأمر يتضمّن حلفاً و يميناً، و قد عرفت أنّ الإمام قال: سبحان اللّه يأمرونها أن تتزوج و لها زوج ( «1»).

و أمّا الاجماع فقد قال المرتضى: و ممّا انفردت به الإمامية أنّ تعليق الطلاق بجزء من أجزاء المرأة أيّ جزء كان لا يقع فيه الطلاق ( «2»).

و قال الشيخ في الخلاف: إذا قال لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فقدم فلان. لا يقع طلاقه ( «3»).

و قال ابن ادريس: و

اشترطنا اطلاق اللفظ احترازاً من مقارنة الشروط ( «4»).

و من تفحّص فقه الإمامية يجد كون البطلان أمراً متّفقاً عليه.

و يؤيّد ذلك: أنّ عناية الإسلام بنظام الأُسرة الذي أُسّها النكاح و الطلاق، يقتضي أن يكون الأمر فيها منجّزاً لا معلّقاً، فإنّ التعليق ينتهي إلى ما لا تحمد عاقبته من غير فرق بين النكاح و الطلاق، فالمرء إما يقدم على النكاح و الطلاق أو لا، فعلى الأوّل فينكح أو يطلّق بتاتاً، و على الثاني يسكت حتّى يحدث بعد ذلك أمراً، فالتعليق في النكاح و الطلاق لا يناسب ذلك الأمر الهام، فقد قال سبحانه: (وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلٰا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء/ 129).

و اللّه سبحانه يشبّه المرأة التي يترك الزوج اداء حقها الواجبة عليه بالمعلّقة التي هي لا ذات زوج و لا أيّم، فالمنكوحة معلّقاً، أو المطلّقة كذلك، أشبه شي ء بالمعلّقة الواردة في الآية، فهي لا ذات زوج و لا أيّم.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 4.

(2). السيد المرتضى: الانتصار: 14.

(3). الطوسي: الخلاف، كتاب الطلاق، المسألة 13.

(4). ابن ادريس الحلي: السرائر، 665: 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 94

نعم ربّما استدلّ ببعض الوجوه العقلية على البطلان و هي ليست تامّة عندنا نظير:

أ- أنّ الطلاق المعلّق من قبيل تفكيك المنشأ عن الانشاء، لأنّ المفروض عدم وقوعه قبل الشرط، فيلزم تفكيك المنشأ عن الانشاء.

و أنت خبير بعدم استقامة الدليل، فإنّ المنشأ بعد الانشاء محقّق من غير فرق بين المنجّز و المعلّق، غير أنّ المنشأ تارة يكون منجّزاً و أُخرى معلّقاً، و فائدة الانشاء أنّه

لو وقع المعلّق عليه لا يحتاج إلى انشاء جديد.

ب- ظاهر الأدلّة ترتّب الأثر على السبب فوراً، فاشتراط تأخّره إلى حصول المعلّق عليه، خلاف ظاهر الأدلّة.

يلاحظ عليه: أنّه ليس في الأدلّة ما يثبت ذلك، فالوارد في الأدلّة هو لزوم الوفاء بالانشاء غير أنّ الوفاء يختلف حسب اختلاف مضمونه، فالأولى الاستدلال بالنص و الاجماع.

***

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 95

الطلاق ثلاثاً دفعة أو دفعات في مجلس واحد
اشارة

من المسائل التي أوجبت انغلاقاً و عنفاً في الحياة و انتهت إلى تمزيق الأُسرة و تقطيع صلات الأرحام في كثير من البلاد، مسألة تصحيح الطلاق ثلاثاً دفعة واحدة، بأن يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو يكرّره ثلاث دفعات و يقول في مجلس واحد: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق. و أنّها تحسب ثلاث تطليقات حقيقة و تحرم المطلّقة على زوجها حتى تنكح زوجاً غيره.

إنّ الطلاق عند أكثر أهل السنّة غير مشروط بشروط عائقة عن التسرّع إلى الطلاق، ككونها غير حائض، أو في غير طهر المواقعة، أو لزوم حضور العدلين. فربّما يتغلّب الغيظ على الزوج و يأخذه الغضب فيطلّقها ثلاثاً في مجلس واحد، ثمّ يندم على عمله ندامة شديدة تضيق عليه الأرض بما رحبت فيتطلّب المَخلَص عن أثره السيّئ، و لا يجد عند أئمّة المذاهب الأربعة و الدعاة إليها مخلصاً فيقعد ملوماً محسوراً و لا يزيده السؤال و الفحص إلّا نفوراً عن الفقه و الفتوى.

نحن نعلم علماً قاطعاً بأنّ الإسلام دين سهل و سمح، و ليس فيه حرج و هذا يدفع الدعاة المخلصين إلى دراسة المسألة من جديد دراسة حرّة بعيدة عن أبحاث الجامدين الذين أغلقوا باب الاجتهاد في الأحكام الشرعية على وجوههم، و عن أبحاث أصحاب الهوى الهدّامين الذين يريدون تجريد الأُمم عن الإسلام، حتى ينظروا

إلى المسألة و يتطلبوا حكمها من الكتاب و السنّة، متجرّدين عن كلّ رأي مسبق فلعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمراً، و ربّما تفك العقدة و يجد المفتي مَخلصاً من

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 96

هذا المضيق الذي أوجده تقليد المذاهب.

و إليك نقل الأقوال:

قال ابن رشد: جمهور فقهاء الأمصار على أنّ الطلاق الثلاث حكمه حكم المطلّقة الثالثة، و قال أهل الظاهر و جماعة: حكمه حكم الواحدة و لا تأثير للفظ في ذلك ( «1»).

قال الشيخ الطوسي: إذا طلّقها ثلاثاً بلفظ واحد، كان مبدعاً و وقعت واحدة عند تكامل الشروط عند أكثر أصحابنا، و فيهم من قال: لا يقع شي ء أصلًا و به قال علي- عليه الصلاة و السلام- و أهل الظاهر، و حكى الطحاوي عن محمد بن إسحاق أنّه تقع واحدة كما قلناه، و روي أنّ ابن عباس و طاووساً كانا يذهبان إلى ما يقوله الإمامية.

و قال الشافعي: فإن طلّقها ثنتين أو ثلاثاً في طهر لم يجامعها فيه، دفعة أو متفرّقة كان ذلك مباحاً غير محذور و وقع. و به قال في الصحابة عبد الرحمن بن عوف، و رووه عن الحسن بن علي- عليهما الصلاة و السلام-، و في التابعين ابن سيرين، و في الفقهاء أحمد و إسحاق و أبو ثور.

و قال قوم: إذا طلّقها في طهر واحد ثنتين أو ثلاثاً دفعة واحدة، أو متفرقة، فعل محرّماً و عصى و أثم، ذهب إليه في الصحابة علي- عليه الصلاة و السلام-، و عمر، و ابن عمر، و ابن مسعود، و ابن عباس، و في الفقهاء أبو حنيفة و أصحابه و مالك، قالوا: إلّا أنّ ذلك واقع ( «2»).

______________________________

(1). ابن رشد: بداية المجتهد: 2/ 62،

ط بيروت.

(2). الشيخ الطوسي: الخلاف: 4 كتاب الطلاق، المسألة 3. و على ما ذكره، نقل عن الإمام عليّ رأيان متناقضان، عدم الوقوع و الوقوع مع الاثم.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 97

قال أبو القاسم الخرقي في مختصره: و إذا قال لمدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، لزمه تطليقتان إلّا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأُولى فتلزمه واحدة، و إن كانت غير مدخول بها بانت بالأُولى و لم يلزمها ما بعدها لأنّه ابتداء كلام.

و قال ابن قدامة في شرحه على مختصر الخرقي: إنّه إذا قال لامرأته المدخول بها: أنت طالق مرّتين و نوى بالثانية ايقاع طلقة ثانية، وقعت لها طلقتان بلا خلاف، و إن نوى بها إفهامها أنّ الأُولى قد وقعت بها أو التأكّد لم تُطلّق إلّا مرّة واحدة، و إن لم تكن له نيّة وقع طلقتان و به قال أبو حنيفة و مالك، و هو الصحيح من قولي الشافعي و قال في الآخر: تطلّق واحدة.

و قال الخرقي أيضاً في مختصره: «و يقع بالمدخول بها ثلاثاً إذا أوقعها مثل قوله: أنت طالق، فطالق فطالق، أو أنت طالق ثمّ طالق، ثمّ طالق، أو أنت طالق، ثمّ طالق و طالق أو فطالق.

و قال ابن قدامة في شرحه: إذا أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهنّ معاً، فوقعن كلّهنّ كما لو قال: أنت طالق ثلاثاً ( «1»).

و قال عبد الرحمن الجزيري: يملك الرجل الحر ثلاث طلقات، فإذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً دفعة واحدة، بأن قال لها: أنت طالق ثلاثاً، لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الأربعة و هو رأي الجمهور، و خالفهم في ذلك بعض المجتهدين: كطاووس و عكرمة و ابن إسحاق

و على رأسهم ابن عباس- رضي اللّه عنهم- ( «2»).

______________________________

(1). ابن قدامة: المغني: 7/ 416.

(2). عبد الرحمن الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة: 4/ 341.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 98

إلى غير ذلك من نظائر تلك الكلمات التي تعرب عن اتّفاق جمهور الفقهاء بعد عصر التابعين على نفوذ ذلك الطلاق محتجّين بما تسمع، و رائدهم في ذلك تنفيذ عمر بن الخطاب، الطلاق الثلاث بمرأى و مسمع من الصحابة و لكن لو دلّ الكتاب و السنّة على خلافه فالآخذ به متعيّن. و أمّا مذهب أئمّة أهل البيت فهو عدم وقوع الثلاث قطعاً. و هذا القول مشهور عنهم.

دراسة الآيات الواردة في المقام:

قال سبحانه:

(وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ إِنْ أَرٰادُوا إِصْلٰاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجٰالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/ 228).

(الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّٰا أَنْ يَخٰافٰا أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلٰا تَعْتَدُوهٰا وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ) (البقرة/ 229).

(فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ يُبَيِّنُهٰا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (البقرة/ 230).

(وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لٰا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ...) (البقرة/ 231).

نظام الطلاق في

الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 99

جئنا بمجموع الآيات الأربع- مع أنّ موضع الاستدلال هو الآية الثانية- للاستشهاد بها في ثنايا البحث و قبل الخوض في الاستدلال نشير إلى نكات في الآيات:

1- قوله سبحانه: (وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) كلمة جامعة لا يؤدّى حقّها إلّا بمقال مسهب، و هي تعطي أنّ الحقوق بينهما متبادلة، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلّا و للرجل عمل يقابله، فهما- في حقل المعاشرة- متماثلان في الحقوق و الأعمال، فلا تسعد الحياة إلّا باحترام كل من الزوجين الآخر، و قيام كلّ بعمل خاصّ، فعلى المرأة القيام بتدبير المنزل و القيام بالأعمال فيه، و على الرجل السعي و الكسب خارجه، هذا هو الأصل الأصيل في حياة الزوجين الذي تؤيده الفطرة، و قد قسم النبيّ الأُمور بين ابنته فاطمة و زوجها علي فجعل أُمور داخل البيت على ابنته و أُمور خارجه على زوجها- صلوات اللّه عليهما-.

2- «المرّة» بمعنى الدفعة للدلالة على الواحد في الفعل، و «الامساك» خلاف الاطلاق، و «التسريح» مأخوذ من السرح و هو الاطلاق يقال: سرح الماشية في المرعى: إذا أطلقها لترعى. و المراد من الامساك هو ارجاعها إلى عصمة الزوجية. كما أنّ المقصود من «التسريح» عدم التعرّض لها لتنقضي عدتها في كل طلاق أو الطلاق الثالث الذي هو أيضاً نوع من التسريح. على اختلاف في معنى الجملة.

3- قيّد الإمساك بالمعروف، و التسريح باحسان، مشعراً بأنّه يكفي في الامساك قصد عدم الاضرار بالرجوع، و أمّا الاضرار فكما إذا طلّقها حتى تبلغ أجلها فيرجع إليها ثمّ يطلّق كذلك، يريد بها الاضرار و الايذاء، و على ذلك يجب أن يكون الامساك مقروناً بالمعروف، و عندئذ لو طلب بعد الرجوع ما آتاها من

قبل، لا يعدّ أمراً منكراً غير معروف، إذ ليس اضراراً.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 100

و هذا بخلاف التسريح فلا يكفي ذلك بل يلزم أن يكون مقروناً بالاحسان إليها فلا يطلب منها ما آتاها من الأموال. و لأجل ذلك يقول تعالى: (وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) أي لا يحلّ في مطلق الطلاق استرداد ما آتيتموهنّ من المهر، إلّا إذا كان الطلاق خلعاً فعندئذ لا جناح عليها فيما افتدت به نفسها من زوجها.

و قوله سبحانه: (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) دليل على وجود النفرة من الزوجة فتخاف أن لا تقيم حدود اللّه فتفتدي بالمهر و غيره لتخلّص نفسها.

4- لم يكن في الجاهلية للطلاق و لا للمراجعة في العدة، حدّ و لا عدّ، فكان الأزواج يتلاعبون بزوجاتهم يضارّوهنّ بالطلاق و الرجوع ما شاءوا، فجاء الإسلام بنظام دقيق و حدّد الطلاق بمرّتين، فإذا تجاوز عنه و بلغ الثالث تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره.

روى الترمذي: كان الناس، و الرجل يُطلِّق امرأته ما شاء أن يطلّقها، و هي امرأته إذا ارتجعها و هي في العدّة، و إن طلّقها مائة مرّة أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: و اللّه لا أُطلقك فتبيني منّي، و لا آويك أبداً قالت: و كيف ذلك؟ قال: أُطلّقك فكلّما همَّت عدّتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة فأخبرت النبي فسكت حتى نزل القرآن: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ ...) ( «1»).

5- اختلفوا في تفسير قوله سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) إلى قولين:

ألف: إنّ الطلاق يكون مرّتين، و في كلّ مرّة إمّا إمساك بمعروف أو تسريح باحسان، و الرجل مخيّر بعد ايقاع الطلقة الأُولى بين أن يرجع فيما اختار من

______________________________

(1). الترمذي: الصحيح:

3 كتاب الطلاق، الباب 16، الحديث 1192.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 101

الفراق فيمسك زوجته و يعاشرها باحسان، و بين أن يدع زوجته في عدّتها من غير رجعة حتى تبلغ أجلها و تنقضي عدّتها.

و هذا القول هو الذي نقله الطبري عن السدي و الضحاك فذهبا إلى أنّ معنى الكلام: الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ في كلّ واحدة منهما لهنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ لهنّ بِإِحْسٰانٍ، و قال: هذا مذهب ممّا يحتمله ظاهر التنزيل لو لا الخبر الذي رواه إسماعيل بن سميع عن أبي رزين ( «1»).

يلاحظ عليه: أنّ هذا التفسير ينافيه تخلّل الفاء بين قوله: (مَرَّتٰانِ) و قوله (إمساك بِمَعْرُوفٍ) فهو يفيد أنّ القيام بأحد الأمرين بعد تحقّق المرّتين، لا في أثنائهما. و عليه لا بدّ أن يكون كل من الامساك و التسريح أمراً متحقّقاً بعد المرّتين، و مشيراً إلى أمر وراء التطليقتين.

نعم يستفاد لزوم القيام بأحد الأمرين بعد كلّ تطليقة، من آية أُخرى أعني قوله سبحانه: (وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لٰا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا) ( «2»).

و لأجل الحذر عن تكرار المعنى الواحد في المقام يفسّر قوله: (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) بوجه آخر سيوافيك.

ب- أنّ الزوج بعد ما طلّق زوجته مرّتين، يجب أن يتفكّر في أمر زوجته أكثر ممّا مضى، فيقف أن ليس له بعد التطليقتين إلّا أحد الأمرين: إمّا الامساك بمعروف و ادامة العيش معها، أو التسريح باحسان بالتطليق الثالث الذي لا رجوع بعده أبداً، إلّا في ظرف خاص.

______________________________

(1). الطبري: التفسير: 2/ 278 و سيوافيك خبر أبي رزين.

(2). البقرة: الآية 231 و أيضاً في سورة الطلاق: (فإذا بلغن أجلهنّ فأمسكوهنَّ بمعروف أو فارقوهنَّ بمعروف) (الطلاق/ 2).

نظام

الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 102

فيكون قوله تعالى: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) اشارة إلى التطليق الثالث الذي لا رجوع فيه و يكون التسريح متحقّقاً به. و هنا سؤالان أثارهما الجصاص في تفسيره:

1- كيف يفسّر قوله: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) بالتطليق الثالث. مع أنّ المراد من قوله في الآية المتأخّرة (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بإِحْسان) هو ترك الرجعة و هكذا المراد من قوله (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (الطلاق/ 2) هو تركها حتى ينتهي أجلها، و معلوم أنّه لم يرد من قوله: (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أو قوله: (أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ): طلّقوهنّ واحدة أُخرى ( «1»).

يلاحظ عليه: أنّ السؤال أو الاشكال ناشئ من خلط المفهوم بالمصداق، فاللفظ في كلا الموردين مستعمل في السرح و الاطلاق، غير أنّه يتحقّق في مورد بالطلاق، و في آخر بترك الرجعة، و هذا لا يعد تفكيكاً في معنى لفظ واحد في موردين، و مصداقه في الآية 229، هو الطلاق، و في الآية 231، هو ترك الرجعة، و الاختلاف في المصداق لا يوجب اختلافاً في المفهوم.

2- إنّ التطليقة الثالثة مذكورة في نسق الخطاب بعده في قوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) و عندئذ يجب حمل قوله تعالى: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) المتقدم عليه على فائدة مجدّدة و هي وقوع البينونة بالاثنين ( «2») بعد انقضاء العدّة.

و أيضاً لو كان التسريح باحسان هو الثالثة لوجب أن يكون قوله تعالى:

______________________________

(1). الجصاص: التفسير: 1/ 389.

(2). الأولى أن يقول: بكل طلاق حسب سياق كلامه.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 103

(فَإِنْ طَلَّقَهٰا) عقيب ذلك هي الرابعة، لأنّ الفاء للتعقيب قد اقتضى طلاقاً مستقلّا بعد ما تقدم ذكره ( «1»).

و

الاجابة عنه واضحة، لأنّه لا مانع من الاجمال أولًا ثمّ التفصيل ثانياً، فقوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا) بيان تفصيلي للتسريح بعد البيان الاجمالي، و التفصيل مشتمل على ما لم يشتمل عليه الاجمال من تحريمها عليه حتى تنكح زوجاً غيره. فلو طلّقها الزوج الثاني عن اختياره فلا جناح عليهما أن يتراجعا بالعقد الجديد إن ظنّا أن يُقيما حدود اللّه فأين هذه التفاصيل من قوله: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ).

و بذلك يعلم أنّه لا يلزم أن يكون قوله: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا) طلاقاً رابعاً.

و قد روى الطبري عن أبي رزين أنّه قال: أتى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) رجل فقال: يا رسول اللّه أ رأيت قوله: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) فأين الثالثة؟ قال رسول اللّه: (امساك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) هي الثالثة ( «2»).

نعم الخبر موقوف و ليس أبو رزين الأسدي صحابياً بل تابعي.

لكن تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت أنّ المراد من قوله: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) هي التطليقة الثالثة ( «3»).

إلى هنا تمّ تفسير الآية و ظهر أنّ المعنى الثاني لتخلّل لفظ «الفاء» أظهر بل هو المتعيّن بالنظر إلى روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

بقي الكلام في دلالة الآية على بطلان الطلاق ثلاثاً بمعنى عدم وقوعه بقيد الثلاث، و أمّا وقوع واحدة منها فهو أمر آخر، فنقول:

______________________________

(1). الجصاص: التفسير: 1/ 389.

(2). الطبري: التفسير: 2/ 278.

(3). البحراني: البرهان: 1/ 221، و قد نقل روايات ست في ذيل الآية.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 104

الاستدلال على بطلان الطلاق ثلاثاً:
اشارة

إذا تعرّفت على مفاد الآية، فاعلم أنّ الكتاب و السنّة يدلّان على بطلان الطلاق ثلاثاً، و أنّه يجب أن يكون الطلاق واحدة بعد الأُخرى، يتخلّل بينهما رجوع أو نكاح، فلو

طلّق ثلاثاً مرّة واحدة. أو كرّر الصيغة فلا يقع الثلاث. و أمّا احتسابها طلاقاً واحداً، فهو و إن كان حقّاً، لكنّه خارج عن موضوع بحثنا، و إليك الاستدلال عن طريق الكتاب أوّلًا و السنّة ثانياً:

الاستدلال عن طريق الكتاب:
1- قوله سبحانه: (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ).

تقدّم أنّ في تفسير هذه الفقرة من الآية قولين مختلفين، و المفسّرون بين من يجعلونها ناظرة إلى الفقرة المتقدّمة أعني قوله: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ ...) و من يجعلونها ناظرة إلى التطليق الثالث الذي جاء في الآية التالية، و قد عرفت ما هو الحق، فتلك الفقرة تدل على بطلان الطلاق الثلاث على كلا التقديرين.

أمّا على التقدير الأوّل، فواضح لأنّ معناها أنّ كلّ مرّة من المرّتين يجب أن يتبعها أحد أمرين: إمساك بمعروف، أو تسريح باحسان.

قال ابن كثير: أي إذا طلّقتها واحدة أو اثنتين، فأنت مخيّر فيها ما دامت عدّتها باقية، بين أن تردّها إليك ناوياً الاصلاح و الاحسان و بين أن تتركها حتى تنقضي عدتها، فتبين منك، و تطلق سراحها محسناً إليها لا تظلمها من حقّها شيئاً و لا تضارّ بها ( «1») و أين هذا من الطلاق ثلاثاً بلا تخلّل واحد من الأمرين- الامساك

______________________________

(1). ابن كثير: التفسير: 1/ 53.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 105

أو تركها حتى ينقضي أجلها- سواء طلّقها بلفظ: أنت طالق ثلاثاً، أو: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.

و أمّا على التقدير الثاني، فإنّ تلك الفقرة و إن كانت ناظرة لحال الطلاق الثالث، و ساكتة عن حال الطلاقين الأولين، لكن قلنا إنّ بعض الآيات، تدل على أنّ مضمونها من خصيصة مطلق الطلاق، من غير فرق بين الأولين و الثالث فالمطلِّق يجب أن يُتبعَ طلاقه بأحد أمرين:

1- الامساك بمعروف.

2- التسريح باحسان.

فعدم دلالة الآية الأُولى على خصيصة

الطلاقين الأولين، لا ينافي استفادتها من الآيتين الماضيتين ( «1»). و لعلّهما تصلحان قرينة لإلقاء الخصوصية من ظاهر الفقرة (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) و إرجاع مضمونها إلى مطلق الطلاق و لأجل ذلك قلنا بدلالة الفقرة على لزوم اتباع مطلق الطلاق بأحد الأمرين على كلا التقديرين، و على أي حال فسواء كان عنصر الدلالة نفس الفقرة أو غيرها- كما ذكرنا- فالمحصّل من المجموع هو كون اتباع الطلاق بأحد أمرين من لوازم طبيعة الطلاق الذي يصلح للرجوع.

و يظهر ذلك بوضوح إذا وقفنا على أنّ قوله: (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) من القيود الغالبية، و إلّا فالواجب منذ أن يطلّق زوجته، هو القيام بأحد الأمرين، لكن تخصيصه بزمن خاص و هو بلوغ آجالهن، إنّما هو لأجل أنّ المطلّق الطاغي عليه غضبه و غيظه، لا تنطفئ سورة غضبه فوراً حتى تمضي عليه مدّة من الزمن تصلح فيها، لأن يتفكّر في أمر زوجته و يخاطَب بأحد الأمرين، و إلّا فطبيعة الحكم

______________________________

(1). الآية 231 من سورة البقرة و الآية 2 من سورة الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 106

الشرعي (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) تقتضي أن يكون حكماً سائداً على جميع الأزمنة من لدن أن يتفوّه بصيغة الطلاق إلى آخر لحظة تنتهي معها العدّة.

و على ضوء ما ذكرنا تدلّ الفقرة على بطلان الطلاق الثلاث و أنّه يخالف الكيفية المشروعة في الطلاق، غير أنّ دلالتها على القول الأوّل بنفسها، و على القول الثاني بمعونة الآيات الاخر.

2- قوله سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ).

إنّ قوله سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ): ظاهر في لزوم وقوعه مرّة بعد أُخرى لا دفعة واحدة و إلّا يصير مرّة و دفعة، و لأجل ذلك عبّر سبحانه بلفظ «المرّة» ليدلّ على كيفية الفعل و انّه الواحد

منه، كما أنّ الدفعة و الكرّة و النزلة، مثل المرّة، وزناً و معنى و اعتباراً.

و على ما ذكرنا فلو قال المطلِّق: أنت طالق ثلاثاً، لم يطلِّق زوجته مرة بعد أُخرى، و لم يطلّق مرّتين، بل هو طلاق واحد، و أمّا قوله «ثلاثاً» فلا يصير سبباً لتكرّره، و تشهد بذلك فروع فقهية لم يقل أحد من الفقهاء فيها بالتكرار بضم عدد فوق الواحد. مثلًا اعتبر في اللعان شهادات أربع، فلا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله «أربعا». و فصول الأذان المأخوذة فيها التثنية، لا يتأتّى التكرار فيها بقراءة واحدة واردافها بقوله «مرتين» و لو حلف في القسامة و قال: «أُقسم باللّه خمسين يميناً أنّ هذا قاتله» كان هذا يميناً واحداً. و لو قال المقرّ بالزنا: «أنا أُقرّ أربع مرّات أنّي زنيت» كان اقراراً واحداً، و يحتاج إلى اقرارات، إلى غير ذلك من الموارد التي لا يكفي فيها العدد عن التكرار.

قال الجصاص: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ)، و ذلك يقتضي التفريق لا محالة، لأنّه لو

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 107

طلّق اثنتين معاً لما جاز أن يقال: طلّقها مرّتين، و كذلك لو دفع رجل إلى آخر درهمين لم يجز أن يقال: أعطاه مرتين، حتى يفرق الدفع، فحينئذ يطلق عليه، و إذا كان هذا هكذا، فلو كان الحكم المقصود باللفظ هو ما تعلّق بالتطليقتين من بقاء الرجعة لأدّى ذلك إلى اسقاط فائدة ذكر المرّتين، إذ كان هذا الحكم ثابتاً في المرة الواحدة إذا طلّق اثنتين، فثبت بذلك أنّ ذكر المرتين إنّما هو أمر بايقاعه مرتين، و نهى عن الجمع بينهما في مرّة واحدة ( «1»).

هذا كلّه إذا عبّر عن التطليق ثلاثاً بصيغة واحدة، أمّا إذا كرّر الصيغة كما

عرفت، فربّما يغتر به البسطاء و يزعمون أنّ تكرار الصيغة ينطبق على الآية، لكنّه مردود من جهة أُخرى و هي:

أنّ الصيغة الثانية و الثالثة تقعان باطلتين لعدم الموضوع للطلاق، فإنّ الطلاق إنّما هو لقطع علقة الزوجية، فلا زوجية بعد الصيغة الأُولى حتى تقطع، و لا رابطة قانونية حتى تصرم، و بعبارة واضحة: إنّ الطلاق هو أن يقطع الزوج علقة الزوجيّة بينه و بين امرأته و يطلق سراحها من قيدها، و هو لا يتحقّق بدون وجود تلك العلقة الاعتبارية الاجتماعية، و من المعلوم أنّ المطلّقة لا تطلق، و المسرَّحة لا تسرح.

فلا يحصل بهذا النحو من التطليقات الثلاث، العدد الخاص الذي هو الموضوع للآية التالية أعني قوله سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) و كيف لا يكون كذلك، و قد قال (صلى الله عليه و آله و سلم): لا طلاق إلّا بعد نكاح، و قال: و لا طلاق قبل نكاح ( «2»).

______________________________

(1). الجصاص: أحكام القرآن: 1/ 378.

(2). البيهقي: السنن الكبرى: 7/ 318- 321، الحاكم: المستدرك: 2/ 24.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 108

فتعدّد الطلاق رهن تخلّل عقدة الزواج بين الطلاقين، و لو بالرجوع، و إذا لم تتخلّل يكون التكلّم أشبه بالتكلّم بكلام لغو.

قال السماك: إنّما النكاح عقدة تعقد، و الطلاق يحلّها، و كيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟! ( «1»).

3- قوله سبحانه: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).

إنّ قوله سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ) وارد في الطلاق الذي يجوز فيه الرجوع ( «2»)، و من جانب آخر دلّ قوله سبحانه: (إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ) (الطلاق/ 1). على أنّ الواجب في حقّ هؤلاء هو الاعتداد و احصاء العدّة، من غير فرق بين أن نقول أنّ

«اللام» في (عدتهن) للظرفية بمعنى «في عدّتهنّ» أو بمعنى الغاية، و المراد لغاية أن يعتددن ( «3»)، إذ على كلّ تقدير يدلّ على أنّ من خصائص الطلاق الذي يجوز فيه الرجوع، هو الاعتداد و احصاء العدّة، و هو لا يتحقّق إلّا بفصل الأوّل عن الثاني، و إلّا يكون الطلاق الأوّل بلا عدّة و احصاء لو طلّق اثنتين مرّة. و لو طلّق ثلاثاً يكون الأوّل و الثاني كذلك.

و قد استدلّ بعض أئمّة أهل البيت بهذه الآية على بطلان الطلاق الثلاث.

روى صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): أنّ رجلًا قال له: إنّي طلّقت امرأتي ثلاثاً في مجلس واحد؟ قال: ليس بشي ء، ثمّ قال: أما تقرأ كتاب اللّه:

______________________________

(1). البيهقي، السنن الكبرى: 7/ 318.

(2). فخرج الطلاق البائن كطلاق غير المدخولة، و طلاق اليائسة من المحيض الطاعنة في السن و غيرهما.

(3). مرّت تفسير الآية ص 39.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 109

(يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ- إلى قوله سبحانه:- لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) ثمّ قال: كلّ ما خالف كتاب اللّه و السنّة فهو يرد إلى كتاب اللّه و السنّة ( «1»).

أضف إلى ذلك: أنّه لو صحّ التطليق ثلاثاً فلا يبقى لقوله سبحانه: (لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) لأنّه يكون بائناً و يبلغ الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، و لا تحل العقدة إلّا بنكاح رجل آخر و طلاقه مع أنّ الظاهر أنّ المقصود حلّ المشكل من طريق الرجوع أو العقد ثانياً في العدّة.

الاستدلال عن طريق السنّة:

قد تعرّفت على قضاء الكتاب في المسألة، و أمّا حكم السنّة، فهي تعرب عن أنّ الرسول كان يعد الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد لعباً بالكتاب.

1- أخرج النسائي

عن محمود بن لبيد قال: أُخبر رسول اللّه عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان ثمّ قال: أ يلعب بكتاب اللّه و أنا بين أظهركم؟ حتى قام رجل و قال: يا رسول اللّه أ لا أقتله؟ ( «2»). إنّ محمود بن لبيد صحابي صغير و له سماع، روى أحمد باسناد صحيح عنه قال: أتانا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فصلّ- ى بنا المغرب في مسجدنا فلمّا سلّم منها ... ( «3»).

و لو سلمنا عدم سماعه كما يدّعيه ابن حجر في فتح الباري ( «4») فهو صحابي

______________________________

(1). عبد اللّه بن جعفر الحميري: قرب الاسناد: 30، و رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة ج 15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 25.

(2). النسائي: السنن: 6/ 142، السيوطي: الدر المنثور: 1/ 283.

(3). أحمد بن حنبل: المسند: 5/ 427.

(4). ابن حجر: فتح الباري: 9/ 315، و مع ذلك قال: رجاله ثقات، و قال في كتابه الآخر بلوغ المرام 224: رواته موثّقون، و نقل الشوكاني في نيل الأوطار: 7/ 11، عن ابن كثير أنّه قال: اسناده جيد، أُنظر «نظام الطلاق في الإسلام» للقاضي أحمد محمد شاكر: 37.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 110

و مراسيل الصحابة حجة بلا كلام عند الفقهاء، أخذاً بعدالتهم أجمعين.

2- روى ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة زوجته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً، فسأله رسول اللّه: كيف طلّقتها؟ قال: طلقتها ثلاثاً في مجلس واحد. قال: إنّما تلك طلقة واحدة فارتجعها ( «1»).

و السائل هو ركانة بن عبد يزيد، روى الإمام أحمد باسناد صحيح عن ابن عباس قال: طلّق ركانة بن

عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً قال: فسأله رسول اللّه: كيف طلّقتها؟ قال: طلّقتها ثلاثاً. قال، فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنّما تلك واحدة فأرجعها إن شئت. قال: فأرجعها فكان ابن عباس يرى إنّما الطلاق عند كلّ طهر ( «2»).

الاجتهاد تجاه النص:

التحق النبيّ الأكرم بالرفيق الأعلى و قد حدث بين المسلمين اتّجاهان مختلفان، و صراعان فكريان، فعليّ (عليه السلام) و من تبعه من أئمّة أهل البيت، كانوا يحاولون التعرّف على الحكم الشرعي من خلال النصّ الشرعي آية و رواية، و لا يعملون برأيهم أصلًا، و في مقابلهم لفيف من الصحابة يستخدمون رأيهم للتعرّف

______________________________

(1). ابن رشد: بداية المجتهد: 2/ 61، و رواه آخرون كابن قيم في اغاثة اللهفان: 156 و السيوطي في الدر المنثور: 1/ 279 و غيرهم.

(2). أحمد بن حنبل: المسند: 1/ 265.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 111

على الحكم الشرعي من خلال التعرّف على المصلحة و وضع الحكم وفق متطلّباتها.

إنّ استخدام الرأي فيما لا نصّ فيه، و وضع الحكم وفق المصلحة أمر قابل للبحث و النقاش، إنّما الكلام في استخدامه فيما فيه نص، فالطائفة الثانية كانت تستخدم رأيها تجاه النص، لا في خصوص ما لا نصّ فيه من كتاب أو سنّة بل حتى فيما كان هناك نصّ و دلالة.

يقول أحمد أمين المصري: ظهر لي أنّ عمر بن الخطاب كان يستعمل الرأي في أوسع من المعنى الذي ذكرناه، و ذلك أنّ ما ذكرناه هو استعمال الرأي حيث لا نصّ من كتاب و لا سنّة، و لكنّا نرى الخليفة سار أبعد من ذلك، فكان يجتهد في تعرّف المصلحة التي لأجلها نزلت الآية أو ورد

الحديث، ثمّ يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه، و هو أقرب شي ء إلى ما يعبّر عنه الآن بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفيته ( «1»).

إنّ الاسترشاد بروح القانون الذي أشار إليه أحمد أمين أمر، و نبذ النص و العمل بالرأي أمر آخر، و لكن الطائفة الثانية كانوا ينبذون النص و يعملون بالرأي، و ما روي عن الخليفة في هذه المسألة، من هذا القبيل. و إن كنت في ريب من ذلك فنحن نتلو عليك ما وقفنا عليه:

1- روى مسلم عن ابن عباس، قال: كان الطلاق على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و أبي بكر و سنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم ( «2»).

______________________________

(1). أحمد أمين: فجر الإسلام: 238، نشر دار الكتاب.

(2). مسلم: الصحيح: 4 باب الطلاق الثلاث، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 112

2- و روى عن ابن طاوس عن أبيه: أنّ أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم انّما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و أبي بكر و ثلاثاً من (خلافة) عمر؟ فقال: نعم ( «1»).

3- و روى أيضاً: أنّ أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك، أ لم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول اللّه و أبي بكر واحدة؟ قال: قد كان ذلك فلمّا كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم ( «2»).

4- روى البيهقي، قال: كان أبو الصهباء كثير السؤال لابن عباس، قال: أما علمت أنّ الرجل كان إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن

يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و أبي بكر (رضي الله عنه) و صدراً من إمارة عمر (رضي الله عنه) فلمّا رأى الناس قد تتابعوا فيها، قال: أجيزوهن عليهم ( «3»).

5- أخرج الطحاوي من طريق ابن عباس أنّه قال: لمّا كان زمن عمر- رضى اللّه عنه- قال: يا أيّها الناس قد كان لكم في الطلاق أناة و إنّه من تعجل أناة اللّه في الطلاق ألزمناه إياه ( «4»).

6- عن طاوس قال: قال عمر بن الخطاب: قد كان لكم في الطلاق أناة فاستعجلتم أناتكم و قد أجزنا عليكم ما استعجلتم من ذلك ( «5»).

7- عن الحسن: أنّ عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس أن أجعلها واحدة، و لكنّ

______________________________

(1). مسلم: الصحيح: 4 باب الطلاق الثلاث، الحديث 2- 3. التتابع: بمعنى الاكثار من الشر.

(2). مسلم: الصحيح: 4 باب الطلاق الثلاث، الحديث 2- 3. التتابع: بمعنى الاكثار من الشر.

(3). البيهقي: السنن: 7/ 339، السيوطي: الدر المنثور: 1/ 279.

(4). العيني: عمدة القارئ: 9/ 537، و قال: اسناده صحيح.

(5). المتقي الهندي: كنز العمال: 9/ 676، برقم 27943.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 113

أقواماً جعلوا على أنفسهم، فألزِمُ كلّ نفس ما ألزَمَ نفسه. من قال لامرأته: أنت عليَّ حرام، فهي حرام، و من قال لامرأته: أنت بائنة، فهي بائنة، و من قال: أنت طالق ثلاثاً، فهي ثلاث ( «1»).

هذه النصوص تدلّ على أنّ عمل الخليفة لم يكن من الاجتهاد فيما لا نصّ فيه و لا أخذاً بروح القانون الذي يعبّر عنه بتنقيح المناط و اسراء الحكم الشرعي إلى

المواضع التي تتشارك المنصوصَ في المناط، كما إذا قال: الخمر حرام، فيسري حكمه إلى كلّ مسكر أخذاً بروح القانون و هو أنّ علّة التحريم هي الاسكار الموجود في المنصوص و غير المنصوص، و انّما كان عمله من نوع ثالث و هو الاجتهاد تجاه النص و نبذ الدليل الشرعي، و السير وراء رأيه و فكره و تشخيصه، و قد ذكروا هنا: وجوهاً ليبرّروا بها عمل الخليفة و إليك بيانها.

تبريرات لحكم الخليفة:
اشارة

لمّا كان الحكم الصادر عن الخليفة يضاد نصّ القرآن أو ظاهره، حاول بعض المحقّقين تبرير عمل الخليفة ببعض الوجوه حتّى يبرّر حكمه و يصحّحه و يخرجه عن مجال الاجتهاد تجاه النص بل يكون صادراً عن دليل شرعي، و إليك بيانها:

1- نسخ الكتاب بالاجماع الكاشف عن النص:

إنّ الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ، فان قلت: ما وجه هذا النسخ و عمر- رضى اللّه عنه- لا ينسخ، و كيف يكون النسخ بعد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)؟ قلت: لمّا خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع انكار، صار اجماعاً، و النسخ بالاجماع جوّزه بعض

______________________________

(1). المتقي الهندي: كنز العمال: 9/ 676، برقم 27943.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 114

مشايخنا، بطريق أنّ الاجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت النسخ به، و الاجماع في كونه حجّة أقوى من الخبر المشهور.

فان قلت: هذا اجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقّهم، قلت: يحتمل أن يكون ظهر لهم نص أوجب النسخ و لم ينقل إلينا ( «1»).

يلاحظ عليه أولًا: أنّ المسألة يوم أفتى بها الخليفة، كانت ذات قولين بين نفس الصحابة، فكيف انعقد الاجماع على قول واحد، و قد عرفت الأقوال في صدر المسألة. و لأجل ذلك نرى البعض الآخر ينفي انعقاد الاجماع البتة و يقول: و قد أجمع الصحابة إلى السنة الثانية من خلافة عمر على أنّ الثلاث بلفظ واحد، واحدة و لم ينقض هذا الاجماع بخلافه، بل لا يزال في الامّة من يفتي به قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا» ( «2»).

و ثانياً: أنّ هذا البيان يخالف ما برّر به الخليفة عمله حيث قال: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه

عليهم فأمضاه عليهم»، و لو كان هناك نص عند الخليفة، لكان التبرير به هو المتعيّن.

و في الختام نقول: أين ما ذكره صاحب العمدة ممّا ذكره الشيخ صالح بن محمد العمري (المتوفى 1298) حيث قال: إنّ المعروف عند الصحابة و التابعين لهم باحسان إلى يوم الدين، و عند سائر العلماء المسلمين: أنّ حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نصّ كتاب اللّه تعالى أو سنّة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) وجب نقضه و منع نفوذه، و لا يعارض نصّ الكتاب و السنّة بالاحتمالات العقليّة و الخيالات النفسية، و العصبيّة الشيطانية بأن يقال: لعلّ هذا المجتهد قد اطّلع على هذا النصّ و تركه

______________________________

(1). العيني: عمدة القارئ: 9/ 537.

(2). تيسير الوصول: 3/ 162.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 115

لعلّة ظهرت له، أو أنّه اطّلع على دليل آخر، و نحو هذا ممّا لهج به فرق الفقهاء المتعصّبين و أطبق عليه جهلة المقلّدين ( «1»).

2- تعزيرهم على ما تعدّوا به حدود اللّه:

لم يكن الهدف من تنفيذ الطلاق ثلاثاً في مجلس، إلّا عقابهم من جنس عملهم، و تعزيرهم على ما تعدّوا حدود اللّه، فاستشار أُولي الرأي، و أُولي الأمر و قال: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؟ فلمّا وافقوه على ما اعتزم، أمضاه عليهم و قال: أيّها الناس قد كانت لكم في الطلاق أناة و أنّه من تعجّل أناة اللّه ألزمناه إيّاه ( «2»).

لم أجد نصّاً فيما فحصت في مشاورة عمر أُولي الرأي الأمر، غير ما كتبه إلى أبي موسى الأشعري بقوله: «لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس أن أجعلها واحدة ...» ( «3») و هو يخبر عن عزمه و

همّه و لا يستشيره، و لو كانت هنا استشارة كان عليه أن يستشير الصحابة من المهاجرين و الأنصار القاطنين في المدينة و على رأسهم علي بن أبي طالب، و قد كان يستشيره في مواقف خطيرة و يقتفي رأيه.

و لا يكون استعجال الناس، مبرّراً لمخالفة الكتاب و السنّة بل كان عليه ردع الناس عن عملهم السيّئ بقوّة و منعة، و كيف تصحّ مؤاخذتهم بما أسماه رسول اللّه لعباً بكتاب اللّه ( «4»).

______________________________

(1). العمري: ايقاظ همم أُولي الأبصار: 9.

(2). أحمد بن حنبل: المسند: 1/ 314، برقم 2877، و قد مرّ تخريج الحديث أيضاً، لاحظ نظام الطلاق في الإسلام لأحمد محمد شاكر: 79.

(3). المتقي الهندي: كنز العمال: 9/ 676، برقم 27943.

(4). السيوطي: الدر المنثور: 1/ 283.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 116

يقول ابن قيم: إنّ هذا القول قد دلّ عليه الكتاب و السنّة و القياس و الاجماع القديم، و لم يأت بعده اجماع يبطله و لكن رأى أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) أنّ الناس قد استهانوا بأمر الطلاق و كثر منهم ايقاعه جملة واحدة، فرأى من المصلحة عقوبتهم بامضائه عليهم ليعلموا أنّ أحدهم إذا أوقعه جملة بانت منه المرأة، و حرّمت عليه، حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة، يراد للدوام لا نكاح تحليل، فإذا علموا ذلك كفّوا عن الطلاق المحرَّم، فرأى عمر أنّ هذا مصلحة لهم في زمانه، و رأى أنّ ما كانوا عليه في عهد النبيّ و عهد الصديق، و صدراً من خلافته كان الأليق بهم، لأنّهم لم يتابعوا فيه و كانوا يتّقون اللّه في الطلاق، و قد جعل اللّه لكلّ من اتّقاه مخرجاً، فلمّا تركوا تقوى اللّه و تلاعبوا بكتاب اللّه و طلّقوا

على غير ما شرّعه اللّه ألزمهم بما التزموه عقوبة لهم فإنّ اللّه شرّع الطلاق مرّة بعد مرّة، و لم يشرّعه كلّه مرّة واحدة ( «1»).

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من التبرير لعمل الخليفة غير صحيح، إذ لو كانت المصالح المؤقتة مبررة لتغيّر الحكم فما معنى «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة» و لو صحّ ما ذكره لتسرّب التغير إلى أركان الشريعة، فيصبح الإسلام العوبة بيد الساسة، فيأتي سائس فيحرِّم الصوم على العمّال لتقوية القوة العاملة في المعامل.

و في الختام نذكر تنبّه بعض علماء أهل السنّة في هذه العصور بما في تنفيذ هذا النوع من الطلاق،

______________________________

(1). ابن قيم الجوزية: اعلام الموقعين: 3/ 36.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 117

و لأجل ذلك تغيّر قانون محاكم مصر الشرعية و خالف مذهب الحنفية بعد استقلالها و تحرّرها عن سلطنة الدولة العثمانية.

و يا للأسف أنّ كثيراً من مفتي أهل السنّة على تنفيذ هذا النوع من الطلاق، و لأجل ذلك يقول مؤلّف المنار بعد البحث الضافي حول المسألة: «ليس المراد مجادلة المقلّدين أو ارجاع القضاة و المفتين عن مذاهبهم، فإنّ أكثرهم يطّلع على هذه النصوص في كتب الحديث و غيرها و لا يبالي بهما لأنّ العمل عندهم على أقوال كتبهم دون كتاب اللّه و سنّة رسوله ( «1»).

إذا طلّق ثلاثاً هل تقع واحدة منها أو لا؟
اشارة

إذا طلّق زوجته و فسر الطلقة باثنين أو ثلاث لم يقع فوق الواحدة، و هو من ضروريات مذهب الشيعة، خلافاً للعامة، و قد اتفقوا على وقوعه كذلك إلا من عرفتهم.

إنّما الكلام في وقوع الواحد و عدمه، فذهب ابن أبي عقيل و السيد المرتضى و سلّار و ابن حمزة و يحيى بن سعيد إلى عدم الوقوع.

قال ابن أبي عقيل: «لو طلقها ثلاثاً بلفظ واحد و هي طاهر لم يقع عليها شي ء» ( «2») و قال السيد المرتضى و مما انفردت به الامامية القول: بأنّ الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع، و باقى الفقهاء يخالفون في ذلك.- و الظاهر انّ مراده بطلان الطلاق مطلقاً و لأجل ذلك قال بعد هذا الكلام- و حكي عن محمد بن إسحاق أنّ الطلاق الثلاث يُردّ إلى واحدة». ( «3»)

و قال سلّار: في شروط الطلاق «و ان يتلفظ بالطلاق موحداً» ( «4») و قال ابن حمزة في تفسير الطلاق البدعي «و هو الطلاق المعلق بشرط، و ايقاع الطلاق ثلاثاً بلفظة واحدة و لا يقع كلاهما و قال بعض أصحابنا تقع واحدة من ثلاث» ( «5») و قال

______________________________

(1). السيد محمد رشيد رضا: المنار: 2/ 386، الطبعة الثالثة 1376.

(2). المختلف: 35، كتاب الطلاق.

(3). الانتصار: 134.

(4). المراسم: 161.

(5). الوسيلة: 322.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 118

بن سعيد في شرائط صحة الطلاق: «و أن يتلفظ به موحداً فإن خالف لم يقع، و قيل يقع واحدة». ( «1»)

نعم قال الشيخ في النهاية انّه يقع طلقة واحدة «و من شرائط الطلاق العامة أن يُطلَّقها تطليقة واحدة. فإن طلّقها أكثر من ذلك ثنتين أو ثلاثاً أو ما زاد عليه، لم يقع أكثر من واحدة» ( «2») و قال في المبسوط: «و لو قال أنت طالق أكثر الطلاق عدداً أو أكثر الطلاق: كان عندنا مثل الاولى سواء، و عندهم تطلق بالثلاث لأنّ أقلّه واحدة و أكثره ثلاث فإن قال أكمل الطلاق وقعت واحدة عندنا ...» ( «3») و قال في الخلاف: «إذا طلقها ثلاثاً بلفظ واحد كان مبدعاً و وقعت واحدة

عند تكامل الشروط عند أكثر أصحابنا و فيهم من قال: لا يقع شي ء أصلًا و به قال علي- عليه الصلاة و السلام- و أهل الظاهر، و حكى الطحاوي عن محمد بن إسحاق انّه قال: تقع واحدة كما قلناه، و روى انّ ابن عباس و طاووساً كان يذهب إلى ما يقوله الإمامية. ( «4»)

و قال ابن البراج: «إذا قال لها: «أنتِ طالق اثنين» وقعت طلقة في الحال، بقوله أنت طالق إذا نوى الفرقة، و ما عدا ذلك لغو. ( «5») و إلى ذلك ذهب العلّامة في المختلف: «انّ المقتضى للواحدة ثابت و المانع لا يصلح للمانعية فيثبت الحكم، أمّا وجود المقتضي فهو لفظ الطلاق و قوله أنت طالق، للإجماع على سببيّته مع وجود شرائطه و التقدير حصول ذلك و أمّا عدم صلاحية المعارض للمانعية فلأنّه ليس إلّا قوله ثلاثاً و هو غير معارض لأنّه مؤكد لكثرة الطلاق و إيقاعه، و تكثير سبب البينونة، و الواحدة موجودة في الثلاثة لتركبها عنها و عن وحدتين أُخرتين و لا منافاة بين الكل و جزئه فيكون المقتضي و هو الجزء خالياً عن المعارض». ( «6»)

______________________________

(1). الجامع للشرائع: 465.

(2). النهاية: 512.

(3). المبسوط: 5/ 13.

(4). الخلاف: 4/ المسألة 3، كتاب الطلاق.

(5). المهذب: 2/ 279.

(6). المختلف: 36، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 119

يلاحظ عليه: بأنّ الموجود في ضمن الثلاث هو الواحد لا بشرط و المطلوب هو الواحد بشرط لا، فكيف يمكن أن يقال إنّ الواحدة موجود في الثلاثة لتركبها عنها و عن وحدتين أُخرتين.

و إن شئت قلت: إنّ المنشأ هو الطلاق بشرط شي ء أي طلاقاً مقيداً بطلاقين آخرين و المصحَّح هو الطلاق بشرط لا، فكيف يصح؟ فيكون من قبيل

ما قصد لم يقع و ما حكم بوقوعه لم يقصد. و الأولى الاستدلال عليه عن طريق الروايات كما أشار إليه في ذيل كلامه فنقول: انّ

هنا طوائف من الروايات:
الطائفة الأولى ما يدل بالصراحة على وقوع الواحدة:

1- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: الطلاق ثلاثاً في غير عدّة إن كانت على طهر فواحدة، و إن لم تكن على طهر فليس بشي ء. ( «1»)

2- و صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد و هي طاهر قال: هي واحدة. ( «2»)

3- و ما رواه شهاب بن عبد ربه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: قلت: فطلقها ثلاثاً في مقعد قال: تردّ إلى السنة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة. ( «3»)

و هذه الروايات مع كثرتها و وجود الصحاح و غيرها بينها يشرف الفقيه على القطع بعدم ورودها تقية، و إنّما ورد لبيان الواقع. أضف إلى ذلك انّ في بعضها

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الأحاديث 1 و 2، و بهذا المضمون الحديث 3 و 7 و 11 و 12 و 13 و 14 و 16 و 28 و 30 من هذا الباب.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 119

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الأحاديث 1 و 2، و بهذا المضمون الحديث 3 و 7 و 11 و 12 و 13 و 14 و 16 و 28 و 30 من هذا الباب.

(3). الوسائل ج

15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 4، و بهذا المضمون 3 و 7 و 11 و 12 و 13 و 14 و 16 و 28 و 30 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 120

قرينة واضحة على صدورها لبيان الواقع.

الطائفة الثانية: ما يدل على البطلان من رأس و عدم وقوع شي ء حتى الواحدة
اشارة

، و هي بين صريح مطلق و مفصل و قابل للتأويل و إليك بيانها:

فأمّا الصريح المطلق فمنه ما يدل على أنّ المطلقة ثلاثاً من ذوات الأزواج مثل ما روى عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إيّاكم و المطلقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنّهن ذوات أزواج. ( «1»)

و مثل ما رواه حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إياكم و المطلّقات ثلاثاً فانّهنَّ ذوات أزواج». ( «2»)

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اتقوا تزويج المطلّقات ثلاثاً في موضع واحد فإنّهنّ ذوات أزواج. ( «3»)

و مثله رواية هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال قلت: إنّي ابتليت فطلقت أهلي ثلاثاً في دفعة فسألت أصحابنا فقالوا ليس بشي ء و انّ المرأة قالت: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال: ارجع إلى أهلك فليس عليك شي ء ( «4») و قريب منه مكاتبة عبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) ( «5») فكتب إليه: انّه روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنّه تلزمه تطليقة واحدة فوقع

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 20.

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 21 و 24.

(3). الوسائل ج 15: الباب 29 من

أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 21 و 24.

(4). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، الحديث 29 و 19.

(5). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، الحديث 29 و 19.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 121

بخطّه: أخطأ على أبى عبد اللّه (عليه السلام) انّه لا يلزم الطلاق و يردّ إلى الكتاب و السنة إن شاء اللّه.

الصريح المفصل

أي ما يفصل بين الموافق و المخالف فيصح منه لا من الموافق مثل ما روى إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) مع بعض أصحابنا فأتاني الجواب بخطّه: فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك و زوجها- إلى أن قال- و من حنثه بطلاقها غير مرّة فانظر فإن كان ممّن يتولانا و يقول بقولنا فلاطلاق عليه لأنّه لم يأت أمراً جهله، و إن كان ممّن لا يتولانا و لا يقول بقولنا فاختلعها منه فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه. ( «1»)

و ما روى عبد اللّه العلوي عن أبيه قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن تزويج المطلّقات ثلاثاً فقال لي: إنّ طلاقكم «الثلاث» لا يحلّ لغيركم، و طلاقهم يحلّ لكم لأنّكم لا ترون الثلاث شيئاً و هم يوجبونها. ( «2»)

و روى عبد اللّه بن طاوس قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنّ لي ابن أخ زوّجته ابنتي و هو يشرب الشراب و يكثر ذكر الطلاق فقال: إن كان من إخوانك فلا شي ء عليه، و إن كان من هؤلاء فأبنها منه فانّه عنى الفراق. ( «3»)

ما يقبل التأويل

روى الحسن بن زياد الصيقل قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا تشهد لمن

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1.

(2). الوسائل ج 15: الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 9 و 11. و لاحظ ذيل الحديث الأخير.

(3). الوسائل ج 15: الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 9 و 11. و لاحظ ذيل الحديث الأخير.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 122

طلق ثلاثاً في مجلس واحد. ( «1») فإنّ النهي عن عدم الشهادة لا يلازم القول

بالبطلان لامكان كون نفس تقبّل الشهادة حراماً لكون الطلاق بدعياً لأنّ السنّة هو التفريق.

روى صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انّ رجلًا قال له: إنّي طلّقت امرأتي ثلاثاً في مجلس، قال: ليس بشي ء، ثمّ قال: أما تقرأ كتاب اللّه: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) إلى قوله: (لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) ثمّ قال: كلما خالف الكتاب و السنّة فهو يردّ إلى كتاب اللّه و السنّة. ( «2») و لعلّ المراد هو بطلان الثلاث لا الواحد، كما سيوافيك في الطائفة الثالثة.

الطائفة الثالثة ما هو مجمل في مفاده

حيث اكتفى بلزوم الرد على الكتاب و السنّة و لم يبين ما هو مفاده، مثل ما رواه الكلبي النسّابة عن الصادق (عليه السلام) ... فقلت: فرجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً فقال: تردّ إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه. ( «3») و مثله مكاتبة عبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنّه يلزمه تطليقة واحدة، فوقّع بخطّه أخطأ على أبي عبد اللّه (عليه السلام) انّه لا يلزم الطلاق و يردّ إلى الكتاب و السنّة إن شاء اللّه. ( «4») و لكن يفسرها ما رواه أبو محمد الوابشي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل ولّى امرأته رجلًا و أمره أن يطلّقها على السنَّة فطلقها ثلاثاً في مقعد واحد قال: يردّ إلى السنة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 17 و 25.

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 17 و

25.

(3). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 5 و 19. ذكر المكاتبة في المقام أيضاً لتردد قوله «إنّه يلزم الطلاق، بين البطلان المطلق أو بطلان الثلاث فلاحظ.

(4). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 5 و 19. ذكر المكاتبة في المقام أيضاً لتردد قوله «إنّه يلزم الطلاق، بين البطلان المطلق أو بطلان الثلاث فلاحظ.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 123

بانت بواحدة. ( «1») و مثله رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) و هو يقول: طلق عبد اللّه بن عمر امرأته ثلاثاً فجعلها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) واحدة فردها إلى الكتاب و السنّة. ( «2») و يمكن رفع التعارض بوجهين:

و حاصل الجمع الأوّل هو التفريق بين تكرير الصيغة و عدمه فتقع الواحدة في المتكرر دون الآخر و حاصل الجمع الثاني حمل ما دلّ على الفساد على عدم وقوع الثلاثة، لا واحدة و إليك البيان:

الأوّل: ربما يجمع بحمل ما دل على وقوع تطليقة واحدة على صورة تكرير الصيغة كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، و حمل ما دل على البطلان من رأس على ما إذا طلق ثلاثاً بكلمة واحدة.

و يؤيده: انّ التعبير الوارد في أكثر الروايات الدالة على وقوع الواحدة، هو قوله: عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد أو مجلس، أو قريب منه. ( «3») و المتبادر من قوله: طلّق ثلاثاً في مجلس واحد و قد جاء فيه وقوع الواحدة. ( «4») هو تكرير الصيغة إذ لا يقال لمن قال سبحان اللّه عشراً انّه سبّح اللّه عشراً إلّا إذا كرر التسبيح عشراً.

و أمّا ما

ورد في بعض الروايات الدالة على البطلان كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) من طلّق ثلاثاً في مجلس فليس بشي ء، من خالف كتاب اللّه ردّ إلى كتاب اللّه عزّ و جلّ و ذكر طلاق ابن عمر. فالبطلان فيها لأجل وقوعه في غير طهر بشهادة ذكر طلاق ابن عمر، فإنّه طلق و هي حائض. ( «5») فتأمل.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 13 و 18.

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 13 و 18.

(3). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدّمات الطلاق الحديث: 2 و 3 و 8 و 9 و 10 و 14 و 25 و 27 و 29.

(4). لاحظ الروايات التالية: 2 و 3 و 11 و 13 و 14 و صدره محمول على التقية و 16 و 18 و 26 و 28.

(5). المصدر، لاحظ الحديث 8 و 9 و 10.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 124

و أمّا ما رواه صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انّ رجلًا قال له: إنّي طلقت امرأتي ثلاثاً في مجلس، قال: ليس بشي ء، ثمّ قال أما تقرأ كتاب اللّه: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) إلى قوله: (لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) ثمّ قال: كلّما خالف كتاب اللّه و السنّة فهو يردّ إلى كتاب اللّه و السنّة. ( «1») فهو غير صريح في البطلان المطلق، بل الظاهر عدم وقوع الثلاث و انقطاع العصمة حتى تنكح زوجاً غيره بشهادة قوله: (لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) و المقصود لعلّ الزوج يندم من فعله و يرجع عن طلاقه فهو

من أدلّة وقوع الواحدة دون غيره.

نعم يخالفه ما رواه هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت إنّى ابتليت فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة فسألت أصحابنا فقالوا: ليس بشي ء و انّ المرأة قالت: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال: ارجع إلى أهلك فليس عليك شي ء ( «2») و لكنّه محمول على عدم وقوع الثلاث لا الواحدة، و المراد من الرجوع إلى الأهل، هو الرجوع عن طلاقه.

فعلى ضوء هذا البيان فما دل على الصحة صريح أو محمول على وقوع الطلقات مترتبة.

و أمّا ما دلّ على البطلان فصريح أو محمول على الطلاق بكلمة واحدة مثل رواية إسحاق بن عمار الصيرفي عن جعفر عن أبيه، انّ علياً (عليه السلام) كان يقول: إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه و لا ميراث بينهما و لا رجعة و لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، و إن قال: هي طالق هي طالق هي طالق فقد بانت منه بالأولى، و هو خاطب من الخطّاب إن شاءت

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 25 و 29.

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 25 و 29.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 125

نكحته نكاحاً جديداً، و إن شاءت لم تفعل. ( «1») و صدره محمول على التقيّة إذ هو مخالف للقولين (عدم الوقوع بتاتاً أو وقوع الواحدة منها) و لو كان الحكم فيه كالصورة الأخيرة لكان المتّجه الجواب عنهما بجواب واحد و هو وقوع الطلاق إذا الحكم في الصورتين متحد عند العامة.

و مثلها مكاتبة عبد اللّه بن محمد

إلى أبي الحسن (عليه السلام) روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنّه يلزمه تطليقة واحدة، فوقّع بخطّه أخطأ على أبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّه لا يلزم الطلاق و يردّ إلى الكتاب و السنّة إن شاء اللّه. ( «2»)

نعم، و مع ذلك كلّه فالجزم بهذا الجمع مشكل إذ من المستبعد أن يكون مورد السؤال هو تكرير الصيغة إذ ليس هناك منشأ لتوهم بطلان الطلاق الأوّل فيه حتى يكون منشأ للسؤال، و هذا يوجب أن يكون مورد السؤال و الجواب غير هذه الصورة.

و يمكن دفعه بصراحة بعض الروايات في كون السؤال و الجواب هو تكرير الصيغة و عدمه كما هو الحال في رواية الصيرفي و ستوافيك.

الثاني: حمل ما دلّ على الفساد على عدم وقوع الثلاثة سواء كرّر الصيغة أم لم يكررها و هذا الوجه يتحمّله بعض الروايات كما في رواية حسن بن زياد الصيقل قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) لا تشهد لمن طلّق ثلاثاً في مجلس واحد. ( «3») فيحمل على أنّه لا يجوز أن يشهد بالثلاث، بل يشهد بالواحدة.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 15.

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 19.

(3). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 17.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 126

و أمّا ما ورد في رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إيّاكم و المطلقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنّهنّ ذوات أزواج ( «1») فمحمول على وقوعه في الحيض حيث إنّ الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد،

من شعار العامة و هم لا يشترطون الطهر، أو محمول على ما إذا كان الطلاق معلّقاً على شرط فانّهم كانوا يطلّقون أزواجهم ثلاثاً معلّقاً على الشرط فيقول لزوجته لو كلمت فلاناً فأنت طالق ثلاثاً، و مثله رواية حفص بن البختري ( «2») إشكالًا و جواباً.

و على ضوء ذلك يحمل قوله «بكلمة واحدة» في بعض الروايات على مجلس واحد سواء كرّر الصيغة أم لم يكرّر و لا ينافيه إلّا رواية إسحاق بن عمار الصيرفي، انّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه و لا ميراث بينهما و لا رجعة و لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره. و إن قال: هي طالق هي طالق هي طالق فقد بانت منه بالأولى، و هو خاطب من الخطّاب إن شاءت نكحته نكاحاً جديداً، و إن شاءت لم تفعل. ( «3»)

إذا كان المطلّق معتقداً بصحة الطلاق ثلاثاً

هذا إذا كان المطلّق غير معتقد بصحة الطلاق ثلاثاً فقد عرفت الاتفاق على عدم وقوع الثلاث، و إنّما الاختلاف في وقوع الواحد و عدمه و أمّا إذا كان المطلّق معتقداً كما هو حال المخالف فهل يصح للقائل بالبطلان ترتيب أثر الصحة أولا.

ظاهر الروايات المستفيضة هو الأوّل أخذاً بمعتقده. و هذا ما يعبر عنه

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 20 و 21.

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 20 و 21.

(3). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 15.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 127

بقاعدة الالزام و قد فرّق شيخنا الحر العاملي روايات القاعدة في أجزاء كتابه. ( «1»)

1- قال الرضا (عليه

السلام): من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم. ( «2»)

2- روى عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً قال: إن كان مستخفّاً بالطلاق ألزمته ذلك. ( «3»)

3- روى أبو العباس البقباق قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال لي ارو عنّى أن من طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فقد بانت منه ( «4») و هذا محمول على كون المطلِّق معتقداً بالصحة.

و لا فرق بين كون المطلّقة عارفة أم لا و تدل عليه: رواية إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) مع بعض أصحابه فأتاني الجواب بخطّه: فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك و زوجها- إلى أن قال- و من حنثه بطلاقها غير مرة فانظر فإن كان ممّن يتولّانا و يقول بقولنا فلاطلاق عليه لأنّه لم يأت أمراً جهله، و إن كان ممّن لا يتولّانا و لا يقول بقولنا فاختلعها منه فانّه إنّما نوى الفراق بعينه. ( «5»)

إنّما الكلام في ما إذا كان الزوج عارفاً و الزوجة مخالفة فطلقها ثلاثاً، فإذا رفعت أمرها إلى القاضي فلا مناص عن الحكم بالمذهب الحق، ورد الزوجة إلى زوجها إذا رجع و كانت في عدتها و أمّا إذا خرجت عن عدتها، و قلنا بوقوع الواحدة فلا طريق للزوج عليها فيجوز للغير التزويج.

______________________________

(1). لاحظ الوسائل ج 17: الباب 4 من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد، الحديث 2 و 3 و 4 و 5.

(2). الوسائل ج 15،: الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 10 و 7 و 8 و بهذا المضمون 11 من هذا الباب.

(3). الوسائل ج 15،: الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث

10 و 7 و 8 و بهذا المضمون 11 من هذا الباب.

(4). الوسائل ج 15،: الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 10 و 7 و 8 و بهذا المضمون 11 من هذا الباب.

(5). لاحظ الروايات 1 و 3 و 4 و 5 من الباب 30 من مقدمات الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 128

الركن الرابع: الاشهاد على الطلاق

اشارة

و ممّا انفردت به الإماميّة، القول: بأنّ شهادة عدلين شرط في وقوع الطلاق، و متى فقد لم يقع الطلاق و خالف باقي الفقهاء في ذلك ( «1»).

و قال الشيخ الطوسي: كلّ طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان و إن تكاملت سائر الشروط، فإنّه لا يقع. و خالف جميع الفقهاء و لم يعتبر أحد منهم الشهادة ( «2»).

و لا تجد عنواناً للبحث في الكتب الفقهية لأهل السنّة و انّما تقف على آرائهم في كتب التفسير عند تفسير قوله سبحانه: (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهٰادَةَ لِلّٰهِ) (الطلاق/ 2). و هم بين من يجعلونه قيداً للطلاق و الرجعة، و من يخصّه قيداً للرجعة المستفادة من قوله: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).

روى الطبري عن السدّي أنّه فسّر قوله سبحانه: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) تارة بالرجعة و قال: أشهدوا على الامساك إن أمسكتموهنّ و ذلك هو الرجعة، و اخرى بها و بالطلاق و قال: عند الطلاق و عند المراجعة.

و نقل عن ابن عباس: أنّه فسّره بالطلاق و الرجعة ( «3»).

______________________________

(1). المرتضى: الانتصار: 127- 128.

(2). الطوسي: الخلاف: 4، كتاب الطلاق المسألة 5.

(3). الطبري: جامع البيان: 28/ 88.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 129

و قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: النكاح بالشهود،

و الطلاق بالشهود، و المراجعة بالشهود.

و سئل عمران بن حُصين عن رجل طلّق و لم يشهد، و راجع و لم يشهد؟ قال: بئس ما صنع طلّق في بدعة و ارتجع في غير سنّة فليشهد على طلاقه و مراجعته و ليستغفر اللّه ( «1»).

قال القرطبي: قوله تعالى: (وَ أَشْهِدُوا) أمرنا بالاشهاد على الطلاق، و قيل: على الرجعة، و الظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. ثمّ الاشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله: (وَ أَشْهِدُوا إِذٰا تَبٰايَعْتُمْ) و عند الشافعي واجب في الرجعة ( «2»).

و قال الآلوسي (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) عند الرجعة إن اخترتموها أو الفرقة إن اخترتموها تبرّياً عن الريبة ( «3»).

إلى غير ذلك من الكلمات الواردة في تفسير الآية.

و ممّن أصحر بالحقيقة عالمان جليلان: أحمد محمد شاكر القاضي المصري، و الشيخ أبو زهرة. قال الأوّل بعد ما نقل الآيتين من أوّل سورة الطلاق: و الظاهر من سياق الآيتين أنّ قوله: (وَ أَشْهِدُوا) راجع إلى الطلاق و إلى الرجعة معاً و الأمر للوجوب، لأنّه مدلوله الحقيقي، و لا ينصرف إلى غير الوجوب- كالندب- إلّا بقرينة و لا قرينة هنا تصرفه عن الوجوب، بل القرائن هنا تؤيّد حمله على الوجوب- إلى أن قال:- فمن أشهد على طلاقه، فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به، و من أشهد على الرجعة فكذلك، و من لم يفعل فقد تعدّى حدود اللّه الذي حدّه له فوقع عمله باطلًا، لا يترتّب عليه أي أثر من آثاره- إلى أن قال:-

______________________________

(1). السيوطي: الدر المنثور: 6/ 232، و عمران بن حصين من كبار أصحاب الإمام عليّ (عليه السلام).

(2). القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18/ 157.

(3). الآلوسي: روح المعاني: 28/ 134.

نظام الطلاق في الشريعة

الإسلامية الغراء، ص: 130

و ذهب الشيعة إلى وجوب الاشهاد في الطلاق و أنّه ركن من أركانه، و لم يوجبوه في الرجعة و التفريق بينهما غريب لا دليل عليه ( «1»).

و قال أبو زهرة: قال فقهاء الشيعة الإمامية الاثنا عشرية و الإسماعيلية: إنّ الطلاق لا يقع من غير اشهاد عدلين، لقوله تعالى «في أحكام الطلاق و انشائه في سورة الطلاق»: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهٰادَةَ لِلّٰهِ ذٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لٰا يَحْتَسِبُ) فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر انشاء الطلاق و جواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعاً إليه، و أنّ تعليل الاشهاد بأنّه يوعظ به من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر يرشّح ذلك و يقويه، لأنّ حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى اللّه سبحانه و تعالى.

و أنّه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين ( «2»).

و هذه النصوص تعرب عن كون القوم بين من يقول برجوع الاشهاد إلى الرجعة وحدها، و بين من يقول برجوعه إليها و إلى الطلاق، و لم يقل أحد برجوعه إلى الطلاق وحده إلّا ما عرفته من كلام أبي زهرة. و على ذلك فاللازم علينا بعد نقل النص، التدبّر و الاهتداء بكتاب اللّه إلى حكمه.

قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ رَبَّكُمْ لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ إِلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ

______________________________

(1). أحمد

محمد شاكر: نظام الطلاق في الإسلام: 118- 119.

(2). أبو زهرة: الأحوال الشخصية: 365 كما في الفقه على المذاهب الخمسة: 131 (و الآية: 2- 3 من سورة الطلاق).

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 131

مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لٰا تَدْرِي لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً* فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهٰادَةَ لِلّٰهِ ذٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق/ 1- 2).

إنّ المراد من بلوغهنّ أجلهنّ: اقترابهنّ من آخر زمان العدة و اشرافهنّ عليه. و المراد بامساكهنّ: الرجوع على سبيل الاستعارة، كما أنّ المراد بمفارقتهنّ: تركهنّ ليخرجن من العدّة و يبنّ.

لا شك أنّ قوله: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ) ظاهر في الوجوب كسائر الأوامر الواردة في الشرع و لا يعدل عنه إلى غيره إلّا بدليل، إنّما الكلام في متعلّقه. فهناك احتمالات أربعة:

1- أن يكون قيداً لقوله: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).

2- أن يكون قيداً لقوله: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).

3- أن يكون قيداً لقوله: (أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).

4- أن يكون قيداً للأول و الثاني.

لم يقل أحد برجوع القيد إلى الأخير فالأمر يدور بين رجوعه إلى الأوّل أو الثاني، و الظاهر رجوعه إلى الأوّل و ذلك لأنّ السورة بصدد بيان أحكام الطلاق و قد افتتحت بقوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ) فذكرت للطلاق عدّة أحكام:

1- أن يكون الطلاق لعدّتهنّ.

2- احصاء العدّة.

3- عدم خروجهنّ من بيوتهنّ.

4- خيار الزوج بين الامساك و المفارقة عند اقتران عدّتهنّ.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 132

5- اشهاد ذوَي عدل منكم.

6- عدّة المسترابة.

7- عدّة من لا تحيض

و هي في سن من تحيض.

8- عدّة أُولات الأحمال.

و إذا لاحظت مجموع آيات السورة من أوّلها إلى الآية السابعة تجد أنّها بصدد بيان أحكام الطلاق لأنّه المقصود الأصلي، لا الرجوع المستفاد من قوله: (فَأَمْسِكُوهُنَّ) و قد ذكر تبعا. و إرجاع القيد إلى خصوص الأمر التبعي أو إليه و إلى الأمر الأصلي يحتاج إلى دليل.

و هذا هو المروى عن أئمتنا (عليهم السلام). روى محمد بن مسلم قال: قدم رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة فقال: إنّي طلّقت امرأتي بعد ما طهرت من محيضها قبل أن أُجامعها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أشهدت رجلين ذوَي عدل كما أمرك اللّه؟ فقال: لا، فقال: اذهب فانّ طلاقك ليس بشي ء ( «1»).

و روى بكير بن أعين عن الصادقين (عليهم السلام) أنّهما قالا: و إن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع، و لم يشهد على ذلك رجلين عدلين، فليس طلاقه إيّاها بطلاق ( «2»).

و روى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّه قال لأبي يوسف: إنّ الدين ليس بقياس كقياسك و قياس أصحابك، إنّ اللّه أمر في كتابه بالطلاق و أكّد فيه بشاهدين و لم يرض بهما إلّا عدلين، و أمر في كتابه التزويج و أهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل اللّه، و أبطلتم شاهدين فيما أكّد اللّه عزّ و جلّ، و أجزتم طلاق المجنون و السكران، ثمّ ذكر حكم تظليل المحرم ( «3»).

______________________________

(1). الوسائل: ج 15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 3 و 12 و لاحظ بقية أحاديث الباب.

(2). الوسائل: ج 15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 3 و 12 و لاحظ بقية أحاديث الباب.

(3). الوسائل:

ج 15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 3 و 12 و لاحظ بقية أحاديث الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 133

قال الطبرسي: قال المفسرون: أُمروا أن يشهدوا عند الطلاق و عند الرجعة شاهدي عدل حتى لا تجهد المرأة المراجعة بعد انقضاء العدّة و لا الرجل الطلاق. و قيل: معناه و أشهدوا على الطلاق صيانة لدينكم، و هو المروى عن أئمتنا (عليهم السلام) و هذا أليق بالظاهر، لأنّا إذا حملناه على الطلاق كان أمراً يقتضي الوجوب و هو من شرائط الطلاق، و من قال: إنّ ذلك راجع إلى المراجعة، حمله على الندب ( «1»).

ثمّ إنّ الشيخ أحمد محمد شاكر، القاضي الشرعي بمصر كتب كتاباً حول «نظام الطلاق في الإسلام» و أهدى نسخة منه مشفوعة بكتاب إلى العلامة الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء و كتب إليه: إنّني ذهبت إلى اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق، و إنّه إذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقاً و لم يعتد به، و هذا القول و إن كان مخالفاً للمذاهب الأربعة المعروفة إلّا أنّه يؤيّده الدليل و يوافق مذهب الأئمّة أهل البيت و الشيعة الإمامية.

و ذهبت أيضاً إلى اشتراط حضور شاهدين حين المراجعة، و هو يوافق أحد قولين للإمام الشافعي و يخالف مذهب أهل البيت و الشيعة، و استغربت ( «2») من قولهم أن يفرقوا بينهما و الدليل له: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) واحد فيهما.

و أجاب العلّامة كاشف الغطاء في رسالة إليه بيّن وجه التفريق بينهما و إليك نص ما يهمنا من الرسالة:

قال بعد كلام: «و كأنّك- أنار اللّه برهانك- لم تمعن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من

الامعان في غير هذا المقام، و إلّا لما كان يخفى عليك

______________________________

(1). مجمع البيان: 5/ 306.

(2). مرّ نصّ كلامه حيث قال: و التفريق بينهما غريب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 134

أنّ السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق و أحكامه حتى أنّها قد سمّيت بسورة الطلاق، و ابتدأ الكلام في صدرها بقوله تعالى: (إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ) ثمّ ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العدّة أي لا يكون في طهر المواقعة، و لا في الحيض، و لزوم احصاء العدّة، و عدم اخراجهنّ من البيوت، ثمّ استطرد إلى ذكر الرجعة في خلال بيان أحكام الطلاق حيث قال عزّ شأنه: (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي إذا أشرفن على الخروج من العدّة، فلكم امساكهنّ بالرجعة أو تركهنّ على المفارقة. ثمّ عاد إلى تتمة أحكام الطلاق فقال: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي في الطلاق الذي سيق الكلام كلّه لبيان أحكامه و يستهجن عوده إلى الرجعة التي لم تذكر إلّا تبعاً و استطراداً، أ لا ترى لو قال القائل: إذا جاءك العالم وجب عليك احترامه و اكرامه و أن تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه، و يجب المشايعة و حسن الموادعة، فانّك لا تفهم من هذا الكلام إلّا وجوب المشايعة و الموادعة للعالم لا له و لخادمه و رفيقه، و إن تأخّرا عنه، و هذا لعمري حسب القواعد العربية و الذوق السليم جلي واضح لم يكن ليخفى عليك و أنت خريت العربية لو لا الغفلة (و للغفلات تعرض للاريب)، هذا من حيث لفظ الدليل و سياق الآية الكريمة.

و هنالك ما هو أدقّ و أحقّ بالاعتبار من حيث الحكمة الشرعية و الفلسفة الإسلامية و شموخ مقامها

و بعد نظرها في أحكامها. و هو أنّ من المعلوم أنّه ما من حلال أبغض إلى اللّه سبحانه من الطلاق، و دين الإسلام كما تعلمون- جمعي اجتماعي- لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة لا سيما في العائلة و الاسرة، و على الأخص في الزوجة بعد ما أفضى كل منهما إلى الآخر بما أفضى.

فالشارع بحكمته العالية يريد تقليل وقوع الطلاق و الفرقة، فكثّر قيوده و شروطه على القاعدة المعروفة من أنّ الشي ء إذا كثرت قيوده، عزّ أو قلّ وجوده،

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 135

فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أوّلًا و للتأخير و الأناة ثانياً، و عسى إلى أن يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندهما يحصل الندم و يعودان إلى الالفة كما اشير إليه بقوله تعالى: (لٰا تَدْرِي لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) و هذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين، لا شكّ أنّها ملحوظة للشارع الحكيم مضافاً إلى الفوائد الاخر، و هذا كلّه بعكس قضية الرجوع فإنّ الشارع يريد التعجيل به و لعلّ للتأخير آفات فلم يوجب في الرجعة أيّ شرط من الشروط.

و تصحّ عندنا معشر الإمامية- بكلّ ما دلّ عليها من قول أو فعل أو إشارة- و لا يشترط فيها صيغة خاصة كما يشترط في الطلاق؛ كل ذلك تسهيلًا لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده و الرغبة الأكيدة في الفتهم و عدم تفرّقهم، و كيف لا يكفي في الرجعة حتّى الاشارة و لمسها و وضع يده عليها بقصد الرجوع و هي- أي المطلّقة الرجعية- عندنا معشر الإمامية لا تزال زوجة إلى أن تخرج من العدّة، و لذا ترثه و يرثها، و تغسله و يغسلها، و تجب عليه نفقتها،

و لا يجوز أن يتزوّج بأُختها، و بالخامسة، إلى غير ذلك من أحكام الزوجية» ( «1»).

اعتبار معرفة المطلّق و المطلّقة و عدمه

هل يشترط في الشهادة على الطلاق العلم التفصيلي بالمطلّقة كما هو ظاهر المدارك أو لا، كما عليه صاحب الحدائق حيث اكتفى بالعلم الاجمالي و ادّعى انّه الذي جرى عليه كافة من حضرنا مجالسهم من مشايخنا المعاصرين.

أقول: انّ هنا احتمالات:

1- سماع العدلين و إن لم يحضرا مجلس الانشاء كما إذا كانا في غرفة أُخرى

______________________________

(1). أصل الشيعة و أُصولها: 163- 165، الطبعة الثانية.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 136

يسمعان إنشاء المطلّق.

2- سماع العدلين مع حضورهما.

3- هذان الأمران مع المعرفة الاجمالية بالمطلّقة.

4- هذه الأمور مع المعرفة التفصيلية بها أو رؤيتها.

هذه هي المحتملات في هذا الشرط.

ذهب صاحب المدارك إلى تحصيل العلم بالمطلقة على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها و قال: فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق- إن لم يعلما المطلّق و المطلّقة بوجه- بعيد جداً، بل الظاهر انّه لا أصل له في المذهب فإنّ النص و الفتوى متطابقان على اعتبار الإشهاد و مجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمّى اشهاداً قطعاً. ثمّ نقل عن الشيخ في النهاية اعتبار علم الشهود بالمطلقة. ( «1»)

أقول: إن أراد من قوله: «مع العلم بالمطلقة على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها» هو العلم التفصيلي بما تميزها و تشخصها عن غيرها من النساء فهو ممنوع لتحقق الشهادة بدونه أيضاً.

و إن أراد العلم الاجمالي بالمطلّقة على وجه يقدر معه على أداء الشهادة بحيث لا يكون تحمّل الشهادة لغواً فهذا ممّا لا نشك في اعتباره. و يتحقق هذا، بالعلم باسم المطلّقة و المطلّق أو كونها بنت فلان أو أُخت فلان أو

غير ذلك ممّا يعينها و يخرجها عن الابهام بحيث لو راجع إليهما الحاكم يعرف المطلق و المطلّقة عن غيرهما فهذا مما يعتبر في الشهادة.

______________________________

(1). قال الشيخ في النهاية/ 510: «إذا أراد الطلاق، فينبغي أن يقول: فلان طالقة أو يشير إلى المرأة، بعد أن يكون قد سبق العلم بها من الشهود فيقول: هذه طالق».

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 137

و يدل على ذلك قوله سبحانه: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهٰادَةَ لِلّٰهِ). ( «1») إذ لا نشك في أنّ الشهادة ليست أمراً تعبدياً، بل وجبت لغاية عقلائية تفيد الحاكم عند الخصومة و هذا يتوقف على مثل تلك المعرفة. و على هذا لا يلزم تحصيل العلم التفصيلي على الشاهدين كما لا يكفي سماع الطلاق من المطلّق من غير معرفة بهما و لو إجمالًا، بحيث لو شهدا بالطلاق لما أفاد شيئاً بل لا بد من معرفة تنفع عند فصل الخصومة و إقامة الشهادة و لا ينافيه ما ورد في صحيحة أبي بصير المرادي حيث قال: قلت أ رأيت ان هو خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع و اشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد و هم لا يعرفون المرأة ... ( «2») لأنّ المقصود هو عدم المعرفة الشخصية بالمرأة و قد قلنا عدم اعتبارها، بل يكفي التعرف عليها بنوع ما، بحيث يفيد في مقام أداء الشهادة و هذا يتحقق بالتعرف باسم الأب و ما يشابه.

و بذلك يعرف انّ ما ذكرنا من الاحتمالات غير وجيه.

و قد اعترف بذلك صاحب الجواهر حيث قال: «لو قلنا باستفادة اعتبار كونهما شاهدين من الأمر بالاشهاد في الكتاب و السنّة لاتّجه ما قاله السيد (صاحب المدارك) لاما

قالاه (صاحب الحدائق و صاحب الرياض). ( «3»)

و الظاهر أنّه لو اعتمدنا في المسألة على ما في الكتاب من الإشهاد لكفى ما ذكرنا من المعرفة دون ما ذكره السيد من المعرفة التفصيلية، و دون ما ذكراه من كفاية المعرفة الاجمالية و إن لم تفد شيئاً في المحاكم و فصل الخصومات.

ثمّ إنّ الظاهر انّ الشهادة هي الشرط و لا يحتاج إلى الأمر بالاشهاد فلا يلزم أن

______________________________

(1). الطلاق: 2.

(2). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1.

(3). الجواهر: 32/ 107.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 138

يقول اشهدوا على ذلك. و ذلك لأنّ الأمر بالاشهاد طريقي و المقصود تحقق الشهادة من العدلين.

ثمّ إنّ الظاهر من النصوص هو اعتبار شاهدين خارجين عن المطلّق و إن كان المطلّق وكيلًا أو وليّاً، و المقصود حضور رجلين عدلين خارجين عن طرفي العقد.

و لكن الظاهر من المسالك احتمال الاكتفاء بالوكيل عن أحد الشاهدين حيث قال: «و إن كان وكيله، ففي الاكتفاء به عن أحدهما وجهان: من تحقق اثنين خارجين عن المطلّق و من انّ الوكيل نائب عن الزوج فهو بحكمه».

و الظاهر خلافه لتبادر كون الشاهد غير المطلق، و المطلق يصدق على الموكل و الوكيل معاً كما أنّ ظاهر الكتاب اجتماع العدلين في حضور انشاء الطلاق فلو شهد واحد منهما ثمّ شهد الآخر و لو بتكرار الانشاء من المطلق لم يكف لأنّ المتبادر غيره.

و تؤيده صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع و أشهد اليوم رجلًا ثمّ مكث خمسة أيام ثمّ أشهد آخر فقال: إنّما امر أن يشهدا جميعاً. ( «1»)

قوله: «إنّما امر أن يشهدا جميعاً» اشارة إلى

ما ذكرنا من أنّ المتبادر هو حضور العدلين معاً.

روى إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن تفريق الشاهدين في الطلاق، فقال: نعم و تعتدّ من أوّل الشاهدين، و قال: لا يجوز حتّى يشهدا جميعاً. ( «2»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 2.

(2). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 139

و صدر الجواب راجع إلى الاستشهاد و انّه يجوز التفريق في تحمّل الشهادة كما إذا أقرّ الزوج بطلاق زوجته و استشهد رجلين في وقتين مختلفين فيصح شهادتهما، و لا يلزم اجتماعهما عند التحمل و الأداء، نعم تعتد من أوّل الشاهدين و إن تأخر أداء الآخر لأنّ المفروض وحدة مضمونهما و إن اختلفا تحملًا و أداءً.

و أمّا الذيل فهو راجع إلى حضورهما في الانشاء فهو الذي قال: «لا يجوز حتى يشهدا جميعاً».

ثمّ إنّ العدالة المعتبرة في المقام مثل ما اعتبرت في غير هذا المقام فلا يصح تفسيره بالاسلام بل هو شي ء ورائه و هو الذي يعبر عنه بالحالة الرادعة عن الكبائر و الاصرار على الصغائر.

نعم نسب إلى الشيخ في النهاية بالاكتفاء بمجرد الإسلام كما نسب إلى القطب الراوندي و النسبة إلى النهاية في محلها، فانّه اكتفى بالإسلام في غير مورد فقال عند بيان شرائط الطلاق: «و يكون طلاقه بمحضر من شاهدين مسلمين و يتلفظ بلفظ مخصوص ...».

و قال بعد عدة أسطر: «و من طلّق، و لم يشهد شاهدين ممن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع».

و قال: «فإن طلق بمحضر من رجلين مسلمين و لم يقل لهما اشهدا وقع طلاقه». ( «1»)

نعم نقل في الجواهر:

انّ العبارة الأولى في نسخته تشتمل على لفظة «عدلين» غير انّ المطبوع المنتشر أخيراً فاقد لها.

نعم فسر الشيخ العدالة في باب الشهادة من النهاية على النحو الوارد في

______________________________

(1). النهاية: 509- 510.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 140

صحيحة ابن أبي يعفور ( «1») قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم فقال: أن تعرفون بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التى أوعد اللّه عليها النار .... ( «2»)

و على كلّ تقدير فالعدالة المعتبرة في الشاهدين غير الإسلام و يدل عليه الكتاب و السنّة قال سبحانه: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فانّ الخطاب للمؤمنين و لفظة «من» في منكم كأنّه تبعيضية لا تبيينية.

و أمّا الروايات فيدل عليه غير واحد منها كصحيحة الفضلا رووا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام) في حديث إنّه قال: و إن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع و لم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه ايّاها بطلاق. ( «3»)

و روى بكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: إن طلّقها للعدة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق، و إن طلّقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق، و لا يجوز فيه شهادة النساء. ( «4»)

و روى محمد بن مسلم قال: قدم رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة فقال: إنّي طلّقت امرأتي بعد ما طهرت من محيضها قبل أن أُجامعها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك اللّه؟ فقال: لا.، فقال: اذهب فإنّ طلاقك

ليس بشي ء. ( «5»)

______________________________

(1). الوسائل ج 18: الباب 41 من أبواب الشهادة، الحديث 1.

(2). النهاية: 225.

(3). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3 و 2 و 7 و لاحظ 1 و 3 من الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق.

(4). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3 و 2 و 7 و لاحظ 1 و 3 من الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق.

(5). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3 و 2 و 7 و لاحظ 1 و 3 من الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 141

و أمّا ما ورد من الاكتفاء بلفظ «البيّنة» في بعض الروايات مثل رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: جاء رجل إلى على (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين إنّي طلقت امرأتي، قال (عليه السلام): أ لك بيّنة؟ قال: لا، قال: اغرب ( «1») فليس حجة على خلاف المختار لعدم كون الإمام في مقام بيان أوصاف الشاهدين.

أضف إلى ذلك انّ لفظة «بيّنة» في كلام الأمير ظاهرة في العدلين لا في مجرد الشاهدين.

بقي هنا كلام و هو انّ ظاهر بعض الروايات هو الاكتفاء بشهادة الناصبيين روى البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين قال: ليس هذا طلاقاً ... قلت: فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أ يكون طلاقاً؟ فقال: من ولد على الفطرة أُجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير. ( «2»)

و أظن انّ الرواية لو لم تكن ظاهرة في عدم الاكتفاء بالناصبي ليست ظاهرة في

صحة الاكتفاء و ذلك لأنّ اللائح من كلام الإمام هو بيان الحقيقة (عدم الاكتفاء بالناصبي) بوجه غير خفي على العارف بكلامه. فإنّ الناصبي إذا كان أنجس من الكلب ( «3») كيف يمكن القول بأنّه ولد على الفطرة و انّه يعرف منه خير و هذا التعبير الكنائي و العدول عن التصريح إليه دليل واضح على أنّه لا يعبأ به.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 4 و مثله ما رواه في الوسائل ج 18: الباب 41 من أبواب الشهادة، الحديث 1.

(2). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 4 و مثله ما رواه في الوسائل ج 18: الباب 41 من أبواب الشهادة، الحديث 1.

(3). الوسائل ج 1: الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 142

تبيّن فسق الشاهدين بعد الطلاق
إذا تبين فسق الشاهدين فهل يبطل الطلاق أو لا؟

و للمسألة صور:

1- تبيّن فسق الشاهدين عند الزوج.

2- تبيّن فسق الشاهدين عند المطلق (الوكيل).

3- تبيّن فسقهما عند غيرهما من الناس.

فهل يحكم بالصحة عند الجميع أو لا؟، أو يفصل و المسألة مبنية على أن العدالة المعتبرة هي العدالة الواقعية و أنّ حسن الظاهر طريق إليها فإذا تخلف الطريق يكشف عن عدم الشرط للصحة أو أنّ الشرط احرازها في مقام الانشاء و إن لم يكونا كذلك في الواقع.

لا ريب انّ اللفظ موضوع للمصاديق الواقعية لا المصاديق المحرزة، فيكون الشرط هو العدالة الواقعية إلّا إذا دلّ دليل على الاكتفاء بالاحراز في مقام الانشاء كما هو الحال في عدالة الإمام في صلاة الجماعة حيث روى ابن راشد قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إنّ مواليك قد اختلفوا فأُصلّي خلفهم جميعاً فقال: لا تصلّ إلّا خلف من

تثق بدينه. ( «1») و الرواية صحيحة و وجود سهل بن زياد في السند غير مضر لأنّ الأمر في «سهل» سهل.

و أمّا في غير هذا المورد فالأصل المحكَّم هو كون العدالة بوجودها الواقعي شرطاً لقوله سبحانه: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي من كان كذلك في الواقع

______________________________

(1). الوسائل ج 5: الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 143

و مثله قوله: «يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين» ( «1») و مفهوم قوله «و لم يشهد على ذلك عدلين فليس طلاقه بطلاق». ( «2»)

ثمّ إذا كان المطلّق عالماً بعدالتهما، يصح له ترتيب الأثر على طلاقها فيجوز له تزويج اختها، أو بنت أُختها، و بنت أخيها بلا إذنها.

نعم لا يجوز للغير تزويج المرأة المطلّقة بحجّة انّ الزوج قائل بصحة طلاقها و ذلك لما عرفت من انّ الشرط هو وجود العدالة الواقعية و المفروض خلو الانشاء عنه فكيف يجوز للغير ترتيب آثار الصحة على ذلك الطلاق فلا يجوز له تزويجها بعد الطلاق و ليس المورد من موارد قاعدة الالزام كما لا يخفى.

ثمّ إنّه تضافرت النصوص على عدم نفوذ شهادة المرأة في الطلاق كعدم نفوذ شهادتها في الهلال و غيره روى محمد بن مسلم قال: قال: لا تجوز شهادة النساء في الهلال و لا في الطلاق. ( «3»)

إلى هنا تمّ الكلام في الأركان الأربعة:

المطلّق، و المطلّقة، و الصيغة و الإشهاد.

فيقع الكلام في الفصل الثاني في بيان أقسام الطلاق بإذنه سبحانه.

______________________________

(1). الوسائل: ج 15، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 3.

(2). الوسائل: ج 15، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 3.

(3). الوسائل

ج 18: الباب 24 من أبواب الشهادة، الحديث 8، و بهذا المضمون روايات في الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 145

الفصل الثاني: أقسام الطلاق

اشارة

1. تقسيم الطلاق حسب الحكم التكليفي إلى واجب و مستحبّ و مكروه.

2. تقسيم الطلاق حسب الحكم الوضعي إلى سنّي و بدعيّ.

3. تقسيم السنّي إلى بائن و رجعيّ.

4. تقسيم الرجعي إلى عديّ و غير عديّ.

5. اختصاص الطلاق العدّي بالحرمة الأبدية إذا بلغ تسع تطليقات.

6. مسائل ست

أ. هل استيفاء العدّة هادم لحكم الطلاق.

ب. في طلاق الحامل ثلاث تطليقات.

ج. في طلاق الحائل ثلاث تطليقات.

د. لو شك في أصل الطلاق.

ه-. في من طلق و لكن كذّب فعله قوله.

و. إذا طلق غائب و أراد تزويج الرابعة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 147

في أقسام الطلاق

الطلاق ينقسم حسب التكليف و الوضع على أقسام:

اشارة

أمّا الأوّل فينقسم إلى واجب (تعييني و تخييري) و مستحب و مكروه. فالتعييني كطلاق من لا يستطيع على الانفاق ( «1») و عدم صبرها على البقاء، و التخييري كطلاق المولي و المظاهر اللذين يؤمران بعد المدة، بالفي ء أو الطلاق- كما سيأتي.

و المستحب كالطلاق مع الشقاق أو مع عدم العفاف، و المكروه كالطلاق مع التألف دون التناكر.

و أمّا المباح بالمعنى الأخص فلا يتصف به بعد كونه أبغض الأشياء عند الشارع، نعم يتصف بالاباحة بالمعنى الأعم.

1- تقسيمه إلى بدعي و سنّي

و أمّا الثاني أعني التقسيم حسب الحكم الوضعي فالمعروف تقسيمه إلى البدعي و السنّي، فالبدعي في مصطلح الفقهاء ثلاثة:

1- طلاق الحائض الحائل بعد الدخول مع حضور الزوج أو غيبته دون

______________________________

(1). الواجب بالذات هو الانفاق، و الحرام بالذات هو الامساك بغير معروف، و لا يتم التخلص من هذا الحرام إلّا بالطلاق و لو اتصف بالوجوب فإنّما يتصف لأجل طروء عنوان عرضيّ عليه و على ضوء هذا يمكن تصوير كونه محرماً أيضاً كما لا يخفى.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 148

مرور المدة المشترطة الماضية و مثلها النفساء.

2- الطلاق في طهر قربها فيه مع عدم اليأس و الصغر و الحمل.

3- طلاق الثلاث من غير رجعة بينها، مرسلة أو مرتبة.

و المراد من البدعي عندنا هو الطلاق الباطل خلافاً للعامة، فهو عندهم صحيح و إن كان محظوراً.

و على ذلك فكلّ طلاق غير جامع لشرائط الصحة فهو طلاق بدعي و إن لم يدخل في الثلاثة كالطلاق بلا حضور العدلين أو الطلاق بغير اللفظ المخصوص، و لم يعلم وجه التخصيص بالثلاثة فإنّ النهي كما ورد فيها، ورد في غيرها.

قال ابن رشد: «أجمع العلماء على أنّ المطلّق للسنّة في المدخول بها هو الذي يطلّق امرأته في

طهر لم يمسها فيه، طلقة واحدة، و المطلّق في الحيض أو الطهر الذي مسّها فيه غير مطلّق للسنّة. ( «1»)

أمّا الطلاق السنّي فينقسم إلى بائن و رجعيّ.

أمّا البائن: فهو ما لا يصح للزوج بعده الرجوع و هي ستة- و سيوافيك بيانها عند أحكام الرجوع ( «2») و يقابله الرجعي و هو الذي للمطلّق فيه الرجوع فيه سواء رجع أم لم يرجع و هو غير البائن قطعاً.

______________________________

(1). بداية المجتهد: 2/ 163، ثمّ ذكر بعض الموارد الذي اختلف فيه فقهائهم في كونها سنّة أو بدعة كالطلاق ثلاثاً أي بلفظ الثلاث و غيره. و لاحظ الفقه على المذاهب الأربعة: 4/ 297.

(2). و هي عبارة اجمالًا: 1- طلاق المرأة التي لم يدخل بها. 2- طلاق اليائسة. 3- طلاق من لم تبلغ المحيض أي التسع، و إن دخل بها. 4- طلاق المختلعة. 5- طلاق المباراة. 6- المطلّقة ثلاثاً بينها رجعتان أو عقدان أو رجعة و عقد- كما سيوافيك.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 149

2- تقسيم الرجعيّ إلى عدّي و غير عدّي

ثمّ إنّ الرجعيّ ينقسم إلى عدّي و غير عدّي فالعدّي هو أن يطلق على الشرائط ثمّ يرجع في العدّة و يطأ ثمّ يطلق في طهر آخر غير طهر المواقعة. و ما سواه في أقسام الرجعي رجعي غير عدّي كما إذا تجرد عن الوطء أو رجع إليها بعد العدّة بعقد جديد.

و يظهر من بعض الروايات أن تسمية الطلاق الواحد على النحو المذكور بالعدّي من قبيل تسمية الجزء باسم الكل و أن الطلاق العدّي عبارة عن طلاقها للعدّة مرتين يتبعها طلاق بائن لأنّ الثالث لا يكون عدّياً حيث لا رجوع فيه و ذلك كما إذا:

1- طلّقها ثمّ يراجعها و يواقعها.

2- طلّقها في طهر آخر ثمّ يراجعها

و يواقعها.

3- طلّقها في طهر آخر.

و هو كما ترى مركب من عدّيين و بائن، فالمجموع من حيث المجموع طلاق عدّي، و إن كان الأوّلان رجعيين و الثالث بائناً. و هذا هو الظاهر من النصوص حيث روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: و أمّا طلاق العدة ( «1») فان يدعها حتى تحيض و تطهر ثمّ يطلّقها بشهادة شاهدين ثمّ يراجعها و يواقعها ثمّ ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت و طهرت أشهد شاهدين على تطليقة أُخرى ثمّ يراجعها و يواقعها ثمّ ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت و طهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة ثمّ لا تحلّ له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره. ( «2»)

______________________________

(1). و في بعض النسخ «الرجعة» مكان «العدة» و الصحيح هو الأوّل بقرينة سائر الروايات.

(2). الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 150

3- تقسيمه إلى السنّي بالمعنى الأعم و الأخص

إنّ هناك تقسيماً آخر بين الفقهاء و هو تقسيم السنّي إلى الأعم و الأخص و المراد من الأعم هو الطلاق المشروع الذي يقابل البدعي، كما أنّ المراد من الأخص، هو القسم الخاص منه أعني ما جاء في روايتى زرارة و أبي بصير. ( «1»)

قال الشهيدان في اللمعة و شرحها: و يطْلق الطلاق السنّي على كل طلاق جائز شرعاً، و المراد به الجائز بالمعنى الأعم و هو هنا ما قابل الحرام، و يقال له طلاق السنّة بالمعنى الأعم و يقابله البدعي و هو الحرام، و يطلق السنّي على معنى أخص من الأوّل و هو أن يطلّق على الشرائط ثمّ يتركها حتى تخرج من العدة و يعقد عليها ثانياً و يقال له طلاق السنّة بالمعنى الأخص.

( «2»)

المطلّقة تسعاً بالطلاق العدّي تحرم أبداً

إنّ من ثمرات التقسيم إلى العدّي و غيره هو أنّ المطلّقة تسعاً بالطلاق العدّي تحرم في التاسعة حرمة أبديّة و لا تحلّ بالمحلّل بإجماع من الطائفة المحقّة و أمّا غيره من سائر الأقسام فلا تحرم مؤبّدة في أيّ مرحلة من المراحل و إنّما تتوقّف حلّيتها على المحلّل في الثالثة في كلّ مرتبة و إليك التوضيح:

اتّفقت الفقهاء على أنّ المطلّقة ثلاثاً تحرم على زوجها حتى تنكح زوجاً غيره من غير فرق بين طلاق و طلاق فسواء أ كانت مدخولًا بها أم لم تكن و على الأولى

______________________________

(1). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1، و في الكافي: 6/ 65- 66.

(2). الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 2/ 130.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 151

سواء أراجعها في العدّة و واقعها ثمّ طلّقها أم لم يواقعها ثمّ طلّقها، ثمّ راجعها كذلك ثمّ طلّقها و من غير فرق بين الرجوع في العدّة أو تركها إلى أن تنقضي عدّتها، ثمّ تزويجها بعقد جديد إلى أن يتمّ عدد الثلاث، و بالجملة لم يفرقوا في المستكملة ثلاثاً بين أقسام الطلاق بل عمّموا الحكم على جميع الصور. ( «1»)

هذا و لكنّهم خصّوا الحرمة الأبديّة في المطلقة تسعاً بالطلاق العدّي فقط و هذا من متفرّدات الإماميّة أي أصل التحريم المؤبّد و اختصاصه به منهم.

و لأجل إراءة نماذج من كلماتهم نذكر بعض النصوص:

1- قال الشيخ في النهاية: و متى أراد أن يطلّقها طلاق العدّة، فليطلّقها كما قدّمناه في طهر لم يقربها فيه بجماع بمحضر من شاهدين- إلى أن ذكر ثلاث تطليقات للعدة- فقال: «فإن طلّقها بعد ذلك ثلاث

______________________________

(1). قال السيد في الانتصار: «و مما انفردت

به الإمامية أنّ من طلّق امرأته تسع تطليقات للعدّة ينكحها بينهنّ رجلان ثمّ تعود إليه حرمت عليه أبداً. (لاحظ، ص 108) و قال في الخلاف إذا طلقها تسع تطليقات للعدة تزوّجت فيما بينها زوجين لم تحل له أبداً و هو إحدى الروايتين عن مالك و خالف جميع الفقهاء في ذلك (الخلاف 4: المسألة 100، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 152

تطليقات اخر طلاق العدّة لم تحل له أبداً». ( «1»)

و قال ابن البراج: «طلاق العدّة مخصوص بمن ترى دم الحيض وصفته أن يطلّقها على الشروط السالف ذكرها- إلى ان ذكر- التطليقات الثلاث و عدم الحليّة إلّا بمحلّل فقال: و إن راجعها». ( «2») كذلك و طلّقها ثلاث تطليقات كما قدمناه لم تحلّه حتى تنكح زوجاً غيره فإذا تزوّجت به على الصفة المقدّم ذكرها و طلّقها أو مات عنها جاز له الرجوع إليه بعقد جديد و مهر جديد فإن طلّقها بعد ذلك ثلاث تطليقات أُخر يكمل بها مع ما تقدّم ذكره، تسع تطليقات لم تحل له أبداً. ( «3»)

و قال ابن ادريس في السرائر: «بعد ذكر أحكام المطلّقة ثلاثاً، و يهدم الزوج الثاني التطليقات الثلاث و إن تكرّرت من الأوّل أبداً، إلّا أن يكون طلاق عدة بعد تسع تطليقات ينكحها بينها زوجان». ( «4»)

و قد توالى الافتاء بذلك عبر العثور إلى عصرنا هذا قال السيد الاصفهاني: «لو طلّق تسعاً طلاق العدة حرمت عليه أبداً و ذلك بأن طلّقها ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر و هذا هو طلاق العدّة، فإذا حلّت للمطلق بنكاح زوج آخر و عقد عليها ثمّ طلقها ثلاثاً

كالثلاثة الأولى ثمّ حلّت له بمحلّل آخر ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ثلاثاً كالأوليين حرمت عليه أبداً.

و بالجملة إنّما توجب تسع طلقات، الحرمة المؤبّدة إذا وقع طلاق العدّة ثلاث مرات و يعتبر فيه أمران: أحدهما تخلل رجعتين فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين و لا وقوع رجعة و عقد مستأنف في البين، الثاني وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة فطلاق العدّة مركب من ثلاث طلقات اثنتان منها رجعية و واحدة منها بائنة فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً، هذا و الأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً و إن لم تكن الجميع طلاق العدّة. ( «5»)

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الروايات بين ما يستشم أو يستظهر منها اختصاص الحرمة الأبدية بالمطلّقة العديّة و منها ما هو مطلق يعم جميع أقسام

______________________________

(1). النهاية: 514.

(2). المراد من الرجوع هنا هو نكاح المرأة بعقد جديد بعد طلاق المحلل.

(3). المهذب: 2/ 282.

(4). السرائر: 323، كتاب الطلاق.

(5). وسيلة النجاة كتاب الطلاق باب القول في أقسام الطلاق المسألة 4، 372 و قد أمضاه السيد الإمام الخميني (قدس سره) في تحريره.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 153

الطلاق و إليك بيان ما يدلّ على الأوّل.

1- ما رواه الصدوق عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال: ... و أمّا التي في السنّة فالمواقعة في شهر رمضان نهاراً ... و تزويج الرجل امرأة قد طلّقها للعدة تسع تطليقات. ( «1»)

2- ما رواه المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثمّ لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها من

غير أن يراجع ثمّ تركها حتى حاضت ثلاث حيض، قال: له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع و يمس. ( «2»)

3- ما رواه عبد اللّه بن بكير عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الطلاق الذي يحبه اللّه و الذي يطلّق الفقيه و هو العدل بين المرأة و الرجل أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين و إرادة من القلب ثمّ يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة و هو آخر القروء لأنّ الاقراء هي الاطهار فقد بانت منه، و هي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجته و حلّت له بلا زوج، فإن فعل هذا بها مائة مرة هدم ما قبله و حلّت له بلا زوج، و إن راجعها قبل أن تملك نفسها ثمّ طلقها ثلاث مرّات يراجعها و يطلّقها لم تحل له إلّا بزوج. ( «3»)

4- ما ورد في الفقه الرضوي «و سمّي طلاق السنّة الهدم لأنّه متى استوفت قرؤها و تزوّجها الثانية هدم الطلاق الأوّل، و روي أنّ طلاق الهدم لا يكون إلّا بزوج

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 13.

(3). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 16.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 154

ثان». ( «1»)

و لكن الاستدلال بهذه الروايات على تخصيص الحكم بالطلاق العدّي غير تام.

أمّا الأوّل: فالدلالة و إن كانت تامة، و لكن السند غير نقي فقد ورد فيه، سهل بن صالح، و إبراهيم بن عبد الرحمن، و كلاهما غير معنونين في كتب الرجال. نعم جاء فيها إبراهيم

بن عبد الرحمن و هو لا ينطبق على ما ورد في هذا السند.

و أمّا الثاني: فهو و إن كان صريحاً في اختصاص الحرمة بالطلاق العدّي أي من رجع في العدة و دخل بها ثمّ طلّق كما هو صريح قوله: «أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع و يمس» و يكون مفهومه أنّ غيرها لا يمكن تزويجها أبداً، لكنّها يرد عليها أمران:

1- أنّها ليست صريحة في الحرمة الأبديّة في التاسعة بل تدلّ على أنّ غيرها تحرم في فترة خاصة و أمّا انّ هذه الفترة ما هي فهي ساكتة.

2- أنّها مشتملة على فتوى شاذة و هو انّ الخروج عن العدة هادم للطلاق فلا تحتاج في الطلاق الثالث إلى المحلّل كما هو فتوى ابن بكير فيما يأتي و معه كيف يمكن الاستدلال بهذا الحديث.

و بذلك تظهر عدم صحة الاستدلال بالرواية الثالثة فهي بصدد بيان ما ذهب إليه ابن بكير و هي انّ الخروج عن العدّة هادم للطلاق و لا تحتاج إلى المحلّل و إن تكرر مائة مرة و إنّما يحتاج في ما إذا رجع في العدة و طلّقها و ليست لها صلة بمسألتنا و هي الحرمة في الطلاق التاسع.

______________________________

(1). المستدرك: 3/ 12، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 155

بقي ما في الفقه الرضوي و هي صالحة للتأييد لا للاستدلال و الاحتجاج، مع أنّها غير واضحة الدلالة و بالجملة الاستدلال بهذه الروايات على اختصاص الحرمة الأبديّة بالمطلّقة عديّة لا يخلو عن تأمل.

و هناك روايات تدل باطلاقها على عمومية الحرمة لجميع أقسام الطلاق و لا بأس بنقلها:

روى جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا طلّق الرجل المرأة فتزوجت ثمّ طلّقها فتزوجها الأوّل ثمّ طلّقها

فتزوجت رجلًا ثمّ طلّقها، فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً. ( «1»)

روى زرارة بن أعين و داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: و الذي يطلق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرات و تزوّج ثلاث مرات لا تحل له أبداً. ( «2»)

روى محمد بن سنان، عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه في العلل: و علّة الطلاق ثلاثاً لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان و يكون ذلك تخويفاً و تأديباً للنساء و زجراً لهن عن معصية أزواجهنّ فاستحقت المرأة الفرقة و المباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها، و علّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحلّ له أبداً عقوبة لئلّا يتلاعب بالطلاق فلا يستضعف المرأة و يكون ناظراً في أُموره متيقظاً معتبراً و ليكون ذلك مؤيساً لهما عن الاجتماع بعد تسع تطليقات. ( «3»)

و هذه الروايات كما ترى تشتمل جميع الأقسام، و لو تمت دلالة ما استظهر

______________________________

(1). الوسائل 14: الباب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 2.

(2). الوسائل ج 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4.

(3). الوسائل الجزء 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 156

منه الاختصاص، تقيّدت به، و لكنّه كما عرفت، قاصرة الدلالة، أو غير صالحة للاستدلال.

و لأجل ذلك يدور الأمر بين أحد أمرين:

الأوّل: كانت هناك قرائن قطعية مخصصة للحكم بالمطلّقة العدّية وصلت إلى أيدى الشيخ و أمثاله و لم تصل إلينا، فأفتوا باختصاص الحرمة بالعدية فعند ذلك، تخصص اطلاقات الطائفة الثانية بالطائفة الاولى

و إن كانت قاصرة الدلالة و على كل حال، يكون الاطلاق معرضاً عنه و لا يصلح للاحتجاج.

الثاني: الأخذ بالاطلاق، و الافتاء بالحرمة مطلقاً، و لا أقلّ من الاحتياط كما عليه السيد الاصفهاني و الاستاذ الأكبر الإمام الخميني- قدس سرهما- و إن كان ظاهرهما كون الاحتياط استحبابياً.

و قد اعترف بما ذكرنا- عدم صراحة الروايات في اختصاص التحريم بالتسع، بالطلاق العدّي- صاحب الجواهر و قال: بل ظاهره الاطلاق، فالعمدة حينئذ الاجماع. ( «1»)

نعم يمكن تأييد الاختصاص بما في الروايات من المقابلة بين السنّي و العدّي ( «2») و ليس لهذا التقسيم أثر شرعي سوى في التحريم الأبدي في التسع في الأخير فلو قلنا بالتعميم فلا وجه لهذا التفريق و أمّا المحلّل فقد عرفت و سيوافيك عدم الفرق فيه في جميع أقسام الطلاق.

نعم في بعض النصوص تصريح بالتحريم أبداً بالتسع في طلاق السنّة. ( «3»)

______________________________

(1). الجواهر 32/ 123.

(2). الكافي 6 كتاب الطلاق باب تفسير طلاق السنة و العدّة ص 65.

(3). الوسائل ج 14: الباب 11 من أبواب استيفاء العدد، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 157

ثمّ إنّ تفسير الطلاق العدّي بما ذكرنا هو ما جاء في روايتي زرارة و أبي بصير ( «1») و هو الطلاق الذي يتعقّبه الرجوع و الوقاع و على ذلك فيجب أن يكون بعد كل تطليقة من التطليقتين الأوليين، رجوع و وقاع. نعم لا يتصف الثالثة بالعدّي في كل مرحلة لكونها بائنة، فعلى القول باختصاص الحرمة بالعدّي يجب أن يكون هناك ست تطليقات عدّيّة و ثلاث تطليقات بائنة، و أمّا الاكتفاء في كل مرحلة بكون واحدة منها عدّيّة خلاف الظاهر، و الظاهر من العلمين الجليلين الحكم بالاحتياط الاستحبابي في هذا القسم.

ثمّ

على القول باتصاف الكل بالعدّيّة هل يشترط التوالي أو يكفي التفريق أيضاً؟ احتمل الشهيد في الروضة الاكتفاء بالتفريق و قال: و حيث كانت النصوص و الفتاوى مطلقة في اعتبار التسع للعدّة في التحريم المؤبّد، كان أعم من كونها متوالية و متفرقة فلو اتفق في كلّ ثلاث واحدة للعدة اعتبر فيه إكمال التسع كذلك. ( «2») و فيه تأمل، نعم ذكر صاحب الجواهر صورة أُخرى للتفريق فلاحظه. ( «3»)

______________________________

(1). الوسائل: ج 15: الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 2. لاحظ ص 149 من هذا الكتاب.

(2). الروضة: 2/ 80، كتاب النكاح.

(3). الجواهر: 32/ 125.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 158

مسائل ست

الأولى: هل استيفاء العدة هادم لحكم الطلاق أو لا؟

لا خلاف في أنّ- ما عدا طلاق السنّة بالمعنى الأخص- يتوقف على المحلّل و إنّما الخلاف في هذا القسم، و المراد منه هو ذات العدّة الرجعية التي لم يرجع فيها الزوج و إنّما عقد لها بعد الخروج عن العدّة فالمشهور هو عدم الفرق فيها و بين غيرها من الأقسام (ممّا ليست ذات عدّة أبداً، أو ذات عدّة بائنة أو رجعية عقد لها بعد الخروج عن العدّة أو ذات عدّة رجعيّة رجع إليها فيها).

و قد خالف ابن بكير و الصدوق في الطلاق السنّي بالمعنى الأخص، فقالوا بأنّه لا يحتاج إلى محلّل بعد الثلاثة بل استيفاء العدة يهدم التحريم و هو ظاهر الصدوق في الفقيه حيث قال:- بعد أن أورد طلاق السنّة- فجاز له أن يتزوجها بعد ذلك و سمى طلاق السنّة طلاق الهدم، لأنّه متى استوفت قروءها و تزوّجها ثانية هدم الطلاق الأوّل ( «1») و لعلّ الشهيد الأوّل يريد من قوله: انّ هذا الطلاق لا يحتاج إلى محلل بعد الثلاث» ما ذكره

الصدوق في فقيهه. و قد طرح الأصحاب مسألة «المطلّقة ثلاثاً» في كتاب النكاح ( «2») و إنّما الهدف هنا ردّ التفصيل، و انّ التوقف على المحلّل لا يختص بصورة دون صورة.

______________________________

(1). الفقيه،: 3/ 320.

(2). لاحظ الشرائع: كتاب النكاح.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 159

و يدل على ما ذهب إليه المشهور، روايات بين مطلقة تعم المورد، و خاصة به فنذكر البعض.

روى إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) قال: البكر إذا طلقت ثلاث مرات و تزوّجت من غير نكاح فقد بانت منه و لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره. ( «1»)

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثمّ تركها حتى انقضت عدّتها ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها من غير أن يدخل بها حتى فعل ذلك بها ثلاثاً، قال: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. ( «2»)

و روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أراد الرجل الطلاق طلّقها في قبل عدتها من غير جماع فانّه إذا طلّقها واحدة ثمّ تركها حتى يخلو أجلها أو بعده فهي عنده على تطليقة، فإن طلّقها الثانية و شاء أن يخطبها مع الخطّاب إن كان تركها حتى خلا أجلها، و إن شاء راجعها قبل أن ينقضي أجلها، فإن فعل فهي عنده على تطليقتين فإن طلّقها ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، و هي ترث و تورث ما دامت في التطليقتين الأوّلتين. ( «3»)

و هناك ما يدل على مختار ابن بكير.

1- ما رواه ابن بكير، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الطلاق الذي يحبه اللّه

و الذي يطلّق الفقيه و هو العدل بين المرأة و الرجل أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين و إرادة من القلب، ثمّ يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة و هو آخر

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 4 و 8.

(2). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 4 و 8.

(3). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 4 و 8.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 160

القروء لأنّ الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه، و هي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجته و حلّت له بلا زوج، فإن فعل هذا بها مائة مرة هدم ما قبله و حلّت له بلا زوج و إن راجعها قبل أن تملك نفسها ثمّ طلّقها ثلاث مرات يراجعها و يطلّقها لم تحل له إلّا بزوج. ( «1») و هذه الرواية تنتهي إلى عبد اللّه بن بكير فإذا كان ثقة، يصح الاحتجاج بها فما ذكره الشيخ في التهذيب من أنّه يجوز أن يكون اسند ذلك إلى زرارة نصرة لمذهبه لما رأى أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه و قد وقع منه في اعتقاد الفطحية ما هو أعظم من ذلك. ( «2»)، غير تام لأنّه من أصحاب الإجماع و هم ثقات بالاتفاق. و إنّما الكلام في وثاقة مشايخهم. ( «3»)

و يمكن أن يقال: انّ قوله: «فإن فعل هذا بها مائة مرة ...» من كلامه و استنباطه و ليس من جملة الحديث بشهادة انّ الكليني نقله خالياً منه. ( «4»)

و يشهد لذلك انّه استدل لمذهبه بحديث رفاعة لا

بهذا الحديث و لو كان مذيلًا بهذا الذيل كان الاستدلال به أولى من حديث رفاعة.

و قد ذكر الحر العاملي في ذيل الحديث وجوهاً للجمع لكنّها غير تامّة.

2- روى المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثمّ لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها فتركها حتى

______________________________

(1). المصدر نفسه، الحديث 16.

(2). التهذيب: 8/ 35، ذيل الحديث 26.

(3). و ما أضعف ما ذكره صاحب الحدائق دفاعاً عن الشيخ قائلًا بأنّ الشيخ لم يطعن عليه بانّه يعتقد المخالفة في الحكم الشرعي، و إنّما اسند إليه عروض الشبهة في ذلك و انّه بسبب عروض هذه الشبهة و توهم انّها حق، روى عن زرارة هذه الرواية: الحدائق: 25/ 282، و معناه انّه كذب لنصرة المذهب و هو نفس كلام المعترض لكن بعبارة اخرى.

(4). الكافي 65: باب تفسير طلاق السنة، الحديث 3 ص 65.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 161

حاضت ثلاث حيض ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها من غير أن يراجع ثمّ تركها حتى حاضت ثلاث حيض، قال: له أن يتزوجها أبداً ما لم يراجع و يمس. ( «1»)

3- روى ابن سماعة، عن محمد بن زياد، و صفوان، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل طلق امرأته حتى بانت منه و انقضت عدّتها ثمّ تزوّجت زوجاً آخر فطلّقها أيضاً ثمّ تزوجت زوجها الأوّل أ يهدم ذلك الطلاق الأوّل؟ قال: نعم. ( «2»)

4- روى عبد اللّه بن المغيرة قال: سألت عبد اللّه بن بكير عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ تركها حتى بانت منه ثمّ تزوجها، قال: هي معه كما كانت في التزويج، قال: قلت: فانّ رواية

رفاعة إذا كان بينهما زوج فقال لي عبد اللّه: هذا زوج و هذا مما رزق اللّه من الرأي. ( «3»)

هذه الروايات تعرب عن انّ الفتوى المشهور، بين الأصحاب يوم ذاك هو الحرمة إلّا بمحلل، و انّ ابن بكير لما أظهر رأيه هجم عليه الأصحاب فلم يقدر على الدفاع عن رأيه إلّا بأنّه رأي رزق اللّه إيّاه، فالشهرة بين الأصحاب مع اعتضادها بالأخبار المتضافرة كافية في المقام. فلاحظ.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 13.

(2). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 11 و 12.

(3). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 11 و 12.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 162

المسألة الثانية في طلاق الحامل ثلاث تطليقات

لا شك في أنّه يجوز طلاق الحامل مرة واحدة، و انّها من الخمس التي يجوز طلاقها على كل حال. ( «1») و لا يشترط فيها كونه واقعاً في طهر غير المواقعة، لما مر.

إنّما الكلام في طلاقها أزيد من مرّة كالاثنين و الثلاث، فالمشهور جوازه مطلقاً بعامّة أنواعه إلّا الطلاق السنّي بالمعنى الأخص، و لا يتصور فيها لأنّه العقد على المطلّقة بعد الخروج عن العدّة، و لا تخرج الحامل عنها إلّا بوضع حملها قال سبحانه: (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). ( «2») و حينئذ ينتفي الموضوع (الحامل).

و ما دلّ من الروايات على أنّ طلاق الحامل، واحدة. ( «3») محمول على الكراهة بقرينة ما يأتي من التصريح بالجواز.

و قد توقف صاحب المدارك قائلًا بأنّ الأخبار المتضمنة بأنّ طلاق الحامل واحدة مستفيضة و أسانيدها معتبرة و ليس لها ما يصلح للمعارضة فطرحها مشكل.

يلاحظ عليه، بانّ المرجع بعد التعارض و التكافؤ هو الكتاب و إطلاقه

لا الأخذ بأحد الطرفين كما هو ظاهر كلامه. أضف إليه أنّه لا تصل النوبة إلى التعارض لأنّ الحمل على الكراهة، أي كراهة التجاوز عن الواحدة، مانع عن

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 2 و غيرهما.

(2). الطلاق: الآية 4.

(3). لاحظ الوسائل ج 15، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق، الأحاديث 1 و 2 و 4 و 5 و 7.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 163

الطرح و ما ورد في موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال: سألته عن الحبلى تطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، قال: نعم، قلت: أ لست قلت لي: إذا جامع لم يكن له أن يطلق؟ قال: إنّ الطلاق لا يكون إلّا على طهر قد بان أو حمل قد بان، و هذه قد بان حملها. ( «1») يعرب عن وجود شبهة في الأذهان يوم ذاك فدفعها الامام.

نعم خالف بعض الأصحاب في المقام

1- فذهب الصدوقان إلى انّه لا يجوز الطلاق الثاني قبل أن يمضي لها ثلاثة أشهر قال في المقنع: «و إن راجعها- يعني الحبلى- قبل أن تضع ما في بطنها أو يمضي لها ثلاثة أشهر، ثمّ أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها و تطهر ثمّ يطلّقها، و ظاهره عدم الفرق بين كون الطلاق عدّياً أو غيره.

2- و ذهب ابن الجنيد إلى المنع في خصوص الطلاق العدّي إلّا بعد شهر قال: و إن أراد طلاقها (الثانية) تركها شهراً من حال جماعها في الرجعة ثمّ طلقها .... ( «2»)

3- و قال الشيخ لا يجوز طلاقها للسنّة أي الطلاق بعد المراجعة بلا مواقعة

و يجوز إذا كان للعدّة. ( «3»)

4- و قال ابن البراج: «طلاق هذه المرأة إذا أراد زوجها، طلّقها أيّ وقت شاء، فإذا طلّقها واحدة، فهو أملك برجعتها، ما لم تضع حملها، فإذا استرجعها على هذا الوجه، ثمّ أراد أن يطلّقها طلاق السنّة لم يجز له ذلك، حتى تضع حملها، فإن أراد أن يطلّقها للعدّة الطلقة التي قدّمنا ذكرها، جاز له ذلك، و ينبغي له

______________________________

(1). المصدر نفسه، الحديث 8. و كان قوله «إنّ الطلاق لا يكون ...» استثناء عما نقله عن الإمام.

(2). المختلف: 37، كتاب الطلاق.

(3). النهاية: 517، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 164

إذا أراد ذلك أن يواقعها، ثمّ يطلّقها، فإذا فعل ذلك بانت منه بتطليقة، و هو أملك برجعتها، فإن استرجعها و أراد أن يطلّقها بعد المواقعة، فإذا فعل ذلك بانت منه بتطليقتين، فإذا طلّقها الثالثة لم تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره. ( «1»)

5- و قال ابن حمزة: «و الحامل إذا استبان حملها طلّقها متى شاء، فإن أراد طلاقها للسنّة صبر بعد الطلاق حتى تضع الحمل، ثمّ عقد عليها ثانياً، و إن أراد طلاقها للعدة طلّقها ثمّ راجعها و واقعها، ثمّ طلّقها متى شاء حتى يستوفى ثلاثاً، فإذا استوفى لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره على ما ذكرنا. ( «2»)

و يدل على الجواز، لفيف من الروايات.

روى إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الحامل يطلّقها زوجها ثمّ يراجعها ثمّ يطلّقها ثمّ يراجعها ثمّ يطلّقها الثالثة، قال: تبين منه و لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. ( «3») و بهذا المضمون موثقته الاخرى. ( «4»)

و روى أيضاً عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال: سألته عن

الحبلى تطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، قال: نعم، قلت: أ لست قلت لي: إذا جامع لم يكن له أن يطلق؟ قال: انّ الطلاق لا يكون إلّا على طهر قد بان أو حمل قد بان، و هذه قد بان حملها. ( «5»)

و مورد الروايات هو الطلاق غير العدّي فلو دل دليل على مرور زمن خاص في مورد العدّي يجب تقييدها به كما هو الحال في رواية يزيد الكناسي فانتظر. هذا حال المختار.

و أمّا ما ذهب الصدوقان فلم نجد ما يصلح للدلالة عليه، سوى عبارة

______________________________

(1). المهذب: 2/ 285.

(2). الوسيلة: 322، كتاب الطلاق.

(3). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6 و 10 و 8.

(4). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6 و 10 و 8.

(5). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6 و 10 و 8.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 165

الفقه الرضوي، و من المحتمل انّه تأليف الوالد، كما ذكرناه في محلّه. ( «1»)

و أمّا ما ذهب ابن الجنيد من لزوم مرور شهر في الطلاق العدّي من حال جماعها فتدل عليه رواية يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن طلاق الحبلى، فقال: يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور و الشهود، قلت: فله أن يراجعها؟ قال: نعم و هي امرأته، قلت: فإن راجعها و مسّها ثمّ أراد أن يطلّقها تطليقة أُخرى، قال: لا يطلّقها حتى يمضي لها بعد ما يمسها شهر .... ( «2») و الرواية صحيحة إلى يزيد الكناسي و كنيته أبو خالد و هو كنية كل مسمّى ب- «يزيد»- و هو ممدوح- و ما في الحدائق

من أنّه بريد الكناسي و انّه مجهول. ( «3») غير صحيح. و له روايات عن علي بن رئاب و هشام بن سالم و أبي أيوب الخزاز.

و على هذا فلو لم تكن الرواية معرضاً عنها فتقييد الاطلاقات بها متعيّنة و تكون النتيجة جواز طلاق الحامل أزيد من واحد إلى ثلاث إلّا إذا كان الطلاق الأوّل عدّياً رجع فيها الزوج و دخل بها، فعندئذ يجب الصبر من وقت الجماع شهراً، فيطلّق بعده، و هذا لا يخلو من قوة و إن لم نجد من أفتى به غير ابن الجنيد. و لم يظهر لنا الاعراض.

و أمّا مذهب الشيخ، أعني: التفصيل بين الطلاق العدّي و السنّي أي الطلاق بعد المراجعة بلا دخول. فيجوز في الأوّل دون الثاني، فليس له دليل صالح، و إنّما أراد بذلك الجمع التبرّعي بين الروايات، نعم يدل عليه مرسل ابن بكير فقد روى مرسلًا عن بعضهم قال في الرجل تكون له المرأة الحامل و هو يريد أن يطلّقها قال: يطلّقها إذا أراد الطلاق بعينه يطلّقها بشهادة الشهود فإن بدا له في يومه أو من بعد ذلك أن يراجعها يريد الرجعة بعينها فليراجع و ليواقع ثمّ يبدو له

______________________________

(1). لاحظ المواهب في تحرير أحكام المكاسب: 16- 21 و هو تقرير دروس شيخنا الأستاذ- مدّ ظلّه-.

(2). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 11.

(3). الحدائق: 25/ 286، و قد تبع في هذا، كلام المجلسي الأول، لاحظ تنقيح المقال: 3/ 324.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 166

فيطلق أيضاً ثمّ يبدو له فيراجع كما راجع أوّلًا، ثمّ يبدو له فيطلق فهي التي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره إذا كان إذا راجع، يريد المواقعة

و الامساك و يواقع. ( «1»)

و في الختام نقول: ربّما جمع بين ما دلّ على أنّ طلاق الحامل واحدة و ما دلّ على جوازه أكثر من مرّة بحمل الطائفة الأولى على من لم يرد بالرجعة الامساك، بل إنّما أراد مقدمة لطلاقها فلا يجوز أزيد من واحدة. بخلاف ما لو رجع بها لإرادة إمساكها و مواقعتها ثمّ بدا له فطلّقها.

و يمكن الاستئناس بهذا الجمع من قوله سبحانه: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ إِنْ أَرٰادُوا إِصْلٰاحاً) ( «2»)، و هذا يعرب عن أنّ الرجوع حقّ للزوج إذا أراد به إمساكها بالمعروف، فلو كان مقدمة للطلاق الآخر، فليس له ذلك الحق.

و بعبارة أُخرى انّه يجب على الزوج إمّا الامساك بالمعروف أو التسريح بالاحسان و هذا النوع من الرجوع ليس واحداً منهما، بل هو أشبه بالضرار. قال سبحانه: (وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ ... فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لٰا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ). ( «3»)

و هذه الآية و الآية المتقدمة تحدّدان حق الزوج في الرجوع إلى المرأة المطلّقة و على ذلك فلا يخلو هذا الوجه من قوة فيجب أن يكون الرجوع في الحامل لأجل ذلك، إلّا ما دلّ الدليل على خلافه و سيوافيك الكلام فيه أيضاً في الحائل.

و ما ذكرنا في هذه المسألة من تقوية قول ابن الجنيد و تحديد حقّ الرجوع بارادة الاصلاح و إن كان مخالفاً لخيرة المشهور و لكن الدليل أحقّ أن يتّبع، فما في كتب الفقه و الفتاوى من الاطلاق في الطلاق و جواز الرجوع من غير شرط أشبه باللعب بالطلاق الذي هو معلوم من الشرع منعه.

______________________________

(1). الوسائل: ج 15: الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث

9.

(2). البقرة: الآية 288 و 230.

(3). البقرة: الآية 288 و 230.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 167

المسألة الثالثة في طلاق الحائل ثلاث تطليقات

إذا أراد طلاق الحائل طلاقاً رجعياً ثمّ رجع إلى أن انتهى إلى الطلاق الثالث فله صور:

1- ما عليه العامّة من جواز ثلاث تطليقات من غير رجعة مرسلًا أو مرتباً في مجلس واحد و قد مرّ انّه باطل أساساً أو يقع واحدة و هذا خارج عن موضوع البحث و إنّما ذكرناه استطراداً.

2- أن يطلّق في طهر لم يواقعها فيه ثمّ يراجع و يواقع و يطلّق في طهر آخر، فيكون كل طلاق في طهر خاص مع المواقعة في الطهر المتقدِّم.

3- أن يطلّق جامعاً للشرائط ثمّ يراجع بلا مواقعة و لكن يكون كل طلاق في طهر خاص بلا مواقعة في الطهر المتقدّم.

4- أن يطلّق، ثمّ يراجع بلا مواقعة و يطلّق ثلاث تطليقات في طهر واحد.

لا خلاف في انّه إذا طلق الحائل المدخول بها ثمّ راجعها و واقعها، يجوز أن يطلّقها ثانياً، إنّما الخلاف فيما إذا طلّقها بعد المراجعة الخالية من المواقعة، سواء كان في طهر الطلاق الأوّل أو الطهر الذي بعده، و المشهور بين الأصحاب الصحّة.

و نقل العلّامة في المختلف، الخلاف من ابن أبي عقيل و حكم بعدم وقوع الطلاق في القسمين الأخيرين: أي إذا رجع و لم يواقع، سواء كان الجميع في طهر واحد، أو في أطهار مختلفة و علّله بقوله: «لو طلّقها في غير جماع بتدنيس المواقعة

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 168

بعد الرجعة لم يجز ذلك، لأنّه طلّقها من غير أن ينقضي الطهر الأوّل، و لا ينقضي الطهر الأوّل إلّا بتدنيس المواقعة بعد المراجعة، فإذا جاز أن يطلق التطليقة الثانية بلا طهر جاز

أن يطلّق كلّ تطليقة بلا طهر و لو جاز ذلك لما وضع اللّه الطهر. ( «1»)

يلاحظ عليه أنّه لو استند فيه إلى النص فهو و إلا كيف لا ينقضي الطهر الأوّل بلا مواقعة مع انّه ينقضي بتخلل الحيض بين الطهرين. فيتوجه عليه:

أوّلًا: انّ اللازم انقضاء الطهر الذي واقعها فيه، لا كلّ طهر و المفروض انّه طلّقها في طهر ثان غير طهر المواقعة.

و ثانياً: انّ الطهر كما ينقضي بالمواقعة، ينقضي بتخلّل الحيض بين الطهرين أيضاً. فيختص دليله بما إذا طلق في طهر واحد، لا في أطهار مختلفة.

فالأولى عطف عنان الكلام على الروايات الواردة في المقام فنقول: إذا وقع الطلاق في طهر آخر بلا مواقعة بعد الرجوع.

فالروايات على طائفتين:

1- ما يدلّ على انّه يقع الثاني و الثالث فتحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره من غير فرق بين وقوع الجميع في طهر واحد أو كل في طهر خاص، و الأكثر ناظر إلى الثاني مثل صحيحة عبد الحميد بن عوّاض و محمد بن مسلم قالا: سألنا أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته و أشهد على الرجعة و لم يجامع ثمّ طلّق في طهر آخر على السنّة أ تثبت التطليقة الثانية بغير جماع؟ قال: نعم إذا هو أشهد على الرجعة و لم يجامع كانت التطليقة ثابتة. ( «2»)

و صحيحة البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته

______________________________

(1). المختلف: 41، كتاب الطلاق. و في صحيحة أبي بصير الآتية إشارة لما ذكره.

(2). الوسائل ج 15: الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 169

بشاهدين ثمّ راجعها و لم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ثمّ طلّقها على طهر

بشاهدين أيقع عليها التطليقة الثانية و قد راجعها و لم يجامعها؟ قال: نعم. ( «1»)

و مثلهما حسنة أبي علي ابن راشد ( «2»)، (لأجل محمد بن عيسى عبيد و إن كان الأقوى وثاقته) و موثقة إسحاق بن عمار. ( «3») الدالة على الجواز و إن كان الجميع في طهر واحد.

2- ما يدل على المنع، مثل صحيحة ابن الحجاج قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته له أن يراجع، و قال: لا يطلق التطليقة الأُخرى حتى يمسّها. ( «4»)

و رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته تطليقة ثمّ يطلّقها الثانية قبل أن يراجع قال: فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع و يجامع. ( «5»)

و موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: الرجعة بالجماع و إلّا فإنّما هي واحدة. ( «6»)

و صحيحة أبي بصير الدالّة على ما نقلناه من ابن أبي عقيل بأنّ الطهر الأوّل لا ينقضي إلّا بمواقعة بعد الرجعة فلا يصح الطلاق في الطهر الثاني لو لم يكن قبله دخول فضلًا عن كون الجميع في طهر واحد ( «7»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

(2). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 5 و 4.

(3). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 5 و 4.

(4). الوسائل ج 15: الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2 و 5 و 4.

(5). الوسائل ج 15: الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2 و 5 و 4.

(6). الوسائل ج 15: الباب 17 من أبواب

أقسام الطلاق، الحديث 2 و 5 و 4.

(7). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2 و ربما يؤيد برواية اخرى أيضاً لاحظ: الباب 19، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 170

و يمكن حمل الطائفة الثانية على الكراهة بقرينة قوله في موثقة إسحاق بن عمار «فليس ينبغي له إذا هو راجعها أن يطلّقها إلّا في طهر آخر». ( «1»)

و في صحيحة أبي بصير إشارة إلى أنّ النهي لأجل التباعد من عمل العامّة و انّ أولى الأفراد ما كان أبعد عمّا عندهم و هو المشتمل على المراجعة و المواقعة المستلزمة لاعتبار طهر آخر غير الأوّل، و دونه الطلاق بعد المراجعة في طهر آخر، غير الأوّل و دونهما الطلاق في ذلك الطهر بعد المراجعة و الكلّ غير ما يفعله العامّة. ( «2»)

و هناك جمع آخر، و هو التفريق بين كون الرجعة و الطلاق لغاية البينونة فليس له الرجوع و الطلاق بعده و لا يحسب من الثلاث حتى يمسّها، و كون غرضه من الرجعة هو أن تكون في حباله ثمّ بدا له الطلاق، فيصح و إن لم يمس و يحسب من الثلاث.

يلاحظ عليه، انّه ليس له دليل سوى ما روى عن عمل الإمام الباقر (عليه السلام) ( «3») و هو لا يدل على عدم صحة غيره.

أضف إلى ذلك ما ذكرناه في الحامل، من انّ الرجوع لغاية البينونة إمساك بالضرار سواء مسّها أم لم يمسها فكيف يصح التفريق بين المسّ و عدمه و إن كان في الصورة الثانية أشدّ فإنّ العدّة تكون تسعة أشهر، مع انّ غاية ما رخص الشارع تركه للزوجة أربع أشهر و لكنّه لا يمنع عن صدق الاضرار، و

قد عقد

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3.

(2). و في الصحيحة: «و كذلك لا تكون التطليقة الثالثة إلّا بمراجعة و مواقعة بعد الرجعة ثمّ حيض و طهر بعد الحيض ثمّ طلاق بشهود حتى يكون لكل تطليقة، طهر من تدنيس المواقعة بشهود» لاحظ الوسائل، ج 15، الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

(3). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 171

صاحب الوسائل باباً ( «1») تحت عنوان كراهة الرجعة بغير قصد الامساك بل بقصد الطلاق» روى فيها ثلاث روايات، ظاهرها التحريم، غير أنّ صاحب الوسائل صدّر الباب بالكراهة، حفظاً لفتوى الأصحاب، فجواز الرجوع لأجل الطلاق امساك بالضرار، نهى عنه في الكتاب، فعدم جوازه أحوط و اللّه العالم.

و هناك جمع ثالث ذكره الشيخ من حمل الأخبار المانعة على تكرار الطلاق بعد الرجعة بدون وطء فإنّ ذلك الطلاق لا يقع للعدة، لأنّه مشروط بالرجعة و الوطء بعدها و حمل أخبار الجواز على طلاق السنة في مقابلة العدّي.

و وصفه المحقق بكونه تحكماً. و ذلك لأنّه لم يأت بشي ء جديد، بل فسر العدّي و السنّي في مقابله، أضف إلى ذلك أنّ بعض أخبار المنع، لا يوافقه لظهورها في بطلان الطلاق مطلقاً عديّاً كان أو سنيّاً كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته له أن يراجع، و قال: لا يطلّق التطليقة الأُخرى حتى يمسها. ( «2»)

و خبر المعلى بن الخنيس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته تطليقة ثمّ يطلّقها الثانية قبل أن يراجع قال: فقال أبو عبد اللّه (عليه

السلام): لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع و يجامع. ( «3»)

فالحق في الجمع ما ذكرناه.

و بذلك تعلم الحال في الصورتين: الثالثة و الرابعة و كيفية الجمع حمل الروايات المانعة على الكراهة.

______________________________

(1). الباب 34 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 2 و 3.

(2). الوسائل ج 15: الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2 و 5.

(3). الوسائل ج 15: الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2 و 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 172

المسألة الرابعة لو شك في أصل الطلاق أو في عدده

لو شك في أصل الطلاق بنى عملًا على عدمه لأصالة عدمه، و أمّا أصالة بقاء الزوجية، فهو أصل مسببي متوافق المضمون مع الأصل الأوّل و هو حاكم عليه.

و مثله لو شك في عدده من غير فرق بين الثلاث و التسع، و أمّا إذا علم إجمالًا بوقوع طلاق و شك في كونه عدّياً أو سنيّاً، فبما أنّ الأثر (الحرمة المؤبدة في التسع) يترتب على العديّ دون السنيّ، و لا يترتب عليه أثر بالخصوص وراء ما يترتب على كل طلاق، فيجري الأصل و ينفي الأوّل دون الثاني كما هو الحال في كل مورد من أطراف العلم الاجمالي إذا ترتب الأثر على أحد الطرفين دون الآخر.

و لو وكل رجلان، شخصاً ليطلّق زوجتهما، فطلّق واحدة دون الاخرى، ثمّ اشتبهت المطلّقة، فهل يجب عليهما الاحتياط بحجّة وجود علم اجمالي لهما، أولا؟ الظاهر هو الثاني، لأنّ من شرائط تنجيز العلم الاجمالي وجود خطاب في البين، متوجه إلى المكلّف قطعاً، و إن جهل موضوع المتعلّق، كالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الاناءين و من المعلوم عدم وجود خطاب مثله في المقام، لأنّ كلًا منهما شاك في تطليق زوجته، و ليس هنا خطاب مشترك بينهما، و هذا نظير

ما إذا وجدا منيّا في ثوب مشترك و علما اجمالًا أنّه من أحدهما، فلا يجب الغسل لواحد منهما، و يجوز لكل، الدخول في الصلاة.

فإن قلت: انّه يجب على الحاكم التفريق بين الأجنبي و الأجنبية، و هو يعلم

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 173

انّ أحد الرجلين، أجنبي بالنسبة إلى زوجته السابقة.

قلت: إنّما يجب على الحاكم النهي عن المنكر المنجّز، حسبة و لو باعدام الموضوع، و هو فرع كون العمل عند كلّ شخص منكراً، دون ما إذا لم يكن كذلك، فليس هناك منكر منجز، يجب على الحاكم رفعه أو دفعه، و هذا مثل ما، لو علم الحاكم انّ الرجل يتزوّج اخته الرضاعية، و الزوج جاهل بذلك فلا يجب عليه، التفريق بينهما بحجّة وجوب نفي المنكر حسبة. فتدبر.

المسألة الخامسة فيمن طلّق و لكن كذب فعله قوله

إذا طلّق غائباً ثمّ حضر و دخل بالزوجة ثمّ ادعى الطلاق و أقام بينة فهل تقبل دعواه و بينته أو لا؟

يقع الكلام في مقامين: الأوّل: مقتضى القاعدة الأوّلية، الثاني: مقتضى النصوص. فربما يقال: إنّ مقتضى القاعدة قبول دعواه أوّلًا، و بيّنته ثانياً.

أمّا الأوّل، فلأنّه كسائر أقاريره فيما يتعلق به، فلا فرق بين ادّعاء الطلاق و غيره و توهم انّ قبول دعواه (الطلاق) يستلزم حمل فعله معها على الجماع المحرّم و هو خلاف الأصل في عمل المسلم، مدفوع بان تصرفه إنّما يحمل على الصحّة حيث لا يعترف بما ينافيه و لذا لو جامع امرأة و اشتبه حالها و ادعى بأنّه كان زنا، يقبل قوله و لا يحمل على الصحة.

و أمّا الثاني، أعني: قبول بيّنته فلأنّ البيّنة المكذبة بالقول أو الفعل و إن

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 174

كانت لا تسمع، لكنّه فيما إذا كان المكذب

هو المقيم لاما إذا قامت الشهادة حسبة فإنّها تقبل و يحكم بالبينونة. ( «1»)

يلاحظ على الأوّل: انّ فعله و إن كان لا يحمل على الصحة، إلّا أنّ قبول دعواه في المقام مشكل، لأنّه إقرار في حق الغير كما في المثالين لا في حق نفسه و ليس مثل سائر أقاريره التي تقبل لعموم اقرار العقلاء.

و على الثاني، فلأنّ البيّنة المكذبة بالفعل أو القول، إذا تعلّقت بحقوق الآدميين، لا تقبل مطلقاً، سواء كان هو المقيم أو غيره و ما ذكر من التفصيل راجع إلى حقوق اللّه، حيث تقبل البينة المكذبة إذا قامت لا ما إذ أقامه.

و على ضوء ذلك فمقتضى القاعدة الأوّلية، عدم قبول قوله و لا بيّنته.

و أمّا النص، فهو أيضاً يوافق ذلك روى سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبدا للّه (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته و هو غائب و أشهد على طلاقها ثمّ قدم فأقام مع المرأة أشهراً لم يعلمها بطلاقها ثمّ إنّ المرأة ادّعت الحبل، فقال الرجل: قد طلّقتك و أشهدت على طلاقك، قال: يلزم الولد و لا يقبل قوله. ( «2»)

و على هذا فيحكم عليه بالزوجية و لحوق الولد ظاهراً، و هذا ما يحكم به حسب الظاهر و لكن يجب عليه العمل بما بينه و بين اللّه، كما هو معلوم.

نعم الرواية منصرفة عمّا إذا أظهر تأويلًا مسموعاً لفعله و مورد الرواية، هو المجرد عن ذكر التأويل.

______________________________

(1). الجواهر: 32/ 144.

(2). الوسائل ج 15: الباب 15 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4، رجال السند كلهم ثقات، غير إسماعيل بن مرار، و القرائن تفيد وثاقته.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 175

المسألة السادسة إذا طلق غائباً و أراد تزويج الرابعة

لا شك انّ من كان عنده أربع فطلّق واحدة رجعياً لم

يجز له أن يتزوّج حتى تنقضي عدة المطلّقة، إنّما الكلام إذا طلق الغائب و أراد العقد على رابعة أو على أُخت الزوجة فللأصحاب فيه قولان:

1- المشهور الصبر من حين الوطء إلى تسعة أشهر.

2- الصبر إلى سنة و نسب إلى يحيى بن سعيد في الجامع و لم نجده فيه و اختاره العلّامة في القواعد. ( «1»)

و يدل على الأوّل صحيح حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما تقول في رجل له أربع نسوة طلّق واحدة منهن و هو غائب عنهنّ، متى يجوز له أن يتزوّج؟ قال: بعد تسعة أشهر و فيها أجلان: فساد الحيض و فساد الحمل. ( «2»)

و مورد الحديث هو العقد على الخامسة، هل يلحق به العقد على الأُخت، أخذاً بوحدة الملاك خلافاً للمحكي عن ابن إدريس فذهب إلى أنّه يكفي في جواز تزويجها، ما يعلمه من عادة المطلّقة من الحيض، و إلّا فالثلاثة أشهر.

ثمّ انّه لو قلنا بالغاء الخصوصية فهو و إلّا فالمحكم هو الأصل و هو حرمة نكاح الأُخت حتى يعلم الحلّ.

______________________________

(1). القواعد: كتاب الفرائض، الفصل الرابع في ميراث الأزواج.

(2). الوسائل ج 15: الباب 47 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 176

و أمّا صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا طلّق الرجل و هو غائب فليشهد على ذلك فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدّتها. ( «1») فإنّما هو في غير مورد نكاح الخامسة قطعاً و الأُخت على الأظهر. أضف إلى ذلك انّ الرواية ناظرة إلى مقدار عدتها و هي لا تتجاوز عن ثلاثة أشهر و أمّا الصبر إلى تسعة أشهر، فهو احتياط في أمر النكاح،

و لا يترتب عليه أحكامها من الانفاق و الرجوع و التوارث و غيرها.

و لأجل ذلك لو علم خلّوها، من الحمل كما إذا غاب عنها سنة أو أزيد كفاها ثلاثة أقراء إن علم عادة المرأة، أو ثلاثة أشهر إذا لم يعلم، لعدم الموضوع للاحتياط المزبور.

و على كل حال، لو لم يصبر و تزوّج فصحّة العقد و عدمها تابعة لخروجها عن العدّة، حتى لو تزوج بعد المدة و بان عدم خروجها عنها لاسترابة أو غيرها، فالأقوى هو البطلان.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 26، من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 177

الفصل الثالث في اللّواحق و فيه مقاصد

اشارة

الأوّل: طلاق المريض

الثاني: فيما يزول به تحريم الثلاث و شروطه

الثالث: الرجعة و أقسامها

1. تبيين حقيقة الرجوع.

2. اعتبار الشهادة في الرجوع.

3. التعليق في الرجوع.

4. إذا طلّقها رجعياً فارتدّت.

5. رجعة الأخرس.

6. اختلاف الزوجين في انقضاء العدة و صوره.

7. إذا اختلفا في أصل الحمل.

8. إذا ادّعت انقضاء العدة، و ادّعى الزوج الرجوع

تذييل في اعمال الحيل الشرعية

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 179

اللواحق و فيه مقاصد:

الأوّل: في طلاق المريض

اشارة

و يقع الكلام في أمور:

1- هل يجوز للمريض تكليفاً أن يطلق زوجته أو لا؟

الظاهر من الأصحاب هو الجواز مع الكراهة الشديدة زيادة على أصل كراهة الطلاق غير أنّ اللائح من المفيد في المقنعة و ابن البراج في مهذبه هو عدم الجواز تكليفاً.

قال الأوّل: و للمريض أن ينكح في مرضه و يغالي في المهور و نكاحه جائز. و ليس له أن يطلّق في المرض و إن طلّق و هو مريض فللمرأة الميراث منه ما بين طلاقه و بين سنة ما لم يصح في تلك السنة أو تتزوج المرأة». ( «1»)

و قال الثاني: لا يجوز طلاق المريض فإن طلّق كان طلاقه واقعاً و ورثته الزوجة ما بينه و ما بين سنة إن لم يبرأ من مرضه و لم تتزوج». ( «2»)

و حكى عن الشيخ في الاستبصار أنّه قال: «و لا يجوز طلاق يقطع الموارثة بينهما». و لكن الحكاية ليست في محله بل هو من المجوزين فيه ( «3»).

______________________________

(1). المقنعة: 102، باب نكاح المريض و طلاقه، كتاب الميراث.

(2). المهذب: 2/ 289، باب طلاق المريض.

(3). لاحظ الاستبصار: 3/ 304.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 180

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 180

و الظاهر انّهم تبعوا ظاهر النص الوارد في خبر عبيد بن زرارة و نفس زرارة ( «1») و يحمل على الكراهة لما سيوافيك من الأحاديث الظاهرة في جواز الطلاق و إن كانت الغاية المتوخّاة للزوج (حرمانها عن الارث) لا تترتب عليه، و تكفي في ذلك صحيحة الحلبي: انّه سئل عن رجل يحضره الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: نعم،

و إن مات ورثته، و إن ماتت لم يرثها. ( «2»)

2- ما هو حكم الميراث إذا مات الزوج في مرضه أو ماتت الزوجة قبل الزوج
اشارة

المشهور عند الأصحاب. هو:

الف: يرثها الزوج إذا ماتت في العدة الرجعية

ب: انّه لا يرثها في البائن و لا فيما إذا ماتت خارج العدّة الرجعية.

ج: انّها ترثه مطلقا، بائناً كان الطلاق أو رجعياً، بشرط أن لا يصح الزوج و لا تتزوج المرأة بعد العدّة.

و إليك البحث عن كل الشقوق. فنقول:

أمّا الشق الأوّل، أي ارث الزوج إيّاها في العدّة الرجعية

فلم يفرّقوا بين كون الطلاق في حال الصحة أو المرض، أخذاً بالاطلاقات الواردة في المقام و قد عقد صاحب الوسائل باباً لذلك في كتاب الفرائض و إليك ما استدل باطلاقه على المقام.

في صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يطلّق المرأة فقال يرثها و ترثه ما دام له عليها رجعة. ( «3»)

______________________________

(1). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 21 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 2.

(2). الوسائل ج 15 الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

(3). الوسائل ج 17: الباب 13، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 181

و في صحيحة أُخرى له قال: إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدّة، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها الرجعة و لا ميراث بينهما. ( «1»)

و في صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما امرأة طلقت فمات عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها فإنّها ترثه ثمّ تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها و إن توفيت في عدتها ورثها. ( «2»)

إلى غير ذلك من الروايات التي يمكن استظهار الاطلاق منها و إن كان الاستظهار من بعضه بعيداً خصوصاً فيما يحصر ارث الزوجة من الزوج في العدّة الرجعية فهو مختص بالمطلِّق المصحّ لا المريض و لا الأعم و إلّا لورثت إلى سنة إجماعاً.

و على

كلّ تقدير فالاطلاق غير بعيد في بعضها كما هو واضح لمن لاحظ روايات الباب، نعم بقيت في المقام روايتان يجب علاجهما.

1- صحيحة الحلبي قال: إنّه سئل عن رجل يحضره الموت فيطلق امرأته هل يجوز طلاقه، قال: نعم و إن مات ورثته و إن ماتت لم يرثها. ( «3»)

و الرواية واردة في المريض، لأنّ حضور الموت يلازم المرض غالباً، و لا يعمّ غيره فهي من هذه الجهة خاصة كما أنّها بعمومها للطلاق البائن و الرجعي عامة فتدلّ باطلاقها على حرمان الزوج من إرث الزوجة في العدّة إذا وقع الطلاق في حال المرض، بائناً- كان- أم رجعيّاً.

و إلى هذا الاشكال يشير صاحب الكفاية بقوله: «لكن اطلاق الصحيحة ينافيه» ( «4») و تبعه صاحب المدارك و قال: بأن مقتضى الصحيحة أنّ الزوج لا يرثها

______________________________

(1). الوسائل ج 17: الباب 13، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 10 و 8.

(2). الوسائل ج 17: الباب 13، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 10 و 8.

(3). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

(4). أي ما رواه زرارة و غيره.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 182

مطلقاً.

و ربما يجمع بحمل الرواية على البائن لكنّه ينافيه قوله- قبل ذلك- «فإن مات ورثته».

و ربما يجمع بتقييد الصحيحة بالاطلاق و تكون النتيجة إخراج الرجعيّ عنها.

و الأولى أن يقال: إنّ النسبة بين الاطلاقات، و صحيحة الحلبي، هو العموم و الخصوص من وجه، فالأوّل عامة لأجل عموميتها للصحيح و المريض، و خاصة لاختصاصها، بالرجعي دون البائن، و قد عرفت حال الصحيحة، فتفترق الاولى عن الثانية في الصحيح إذا طلق رجعياً، و تفترق الثانية عن الاولى في المريض إذا طلّق بائناً، و يجتمعان في المريض

إذا طلّق رجعياً، و ماتت في العدّة فلا وجه لتقديم الاطلاقات على الصحيحة بعد كون النسبة العموم من وجه.

و يمكن أن يقال: باختصاص الصحيحة بما إذا ماتت بعد انقضاء العدة و قد تفطّن بهذا الجمع، المحدّث البحراني في حدائقه و قال: و أمّا الصحيحة فالمراد منها إنّما هو ما لو طلّق المريض زوجته و خرجت عن العدّة فإن مات ورثته و إن ماتت لم يرثها و ذلك لأنّ الخروج عن العدة موجب لانقطاع العصمة بينهما، خرج منه ميراثها منه إلى سنة بالنصوص الآتية و بقي ما عداه على مقتضى القاعدة. ( «1»)

و يمكن الاستئناس بهذا التقييد بالصحيح الذي رواه نفس الحلبي و أبو بصير و أبو العباس جميعاً عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انّه قال: ترثه و لا يرثها إذا انقضت العدة. ( «2») بناءً على وروده في المريض.

______________________________

(1). الحدائق: 25/ 315، 316.

(2). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 183

فانّ قوله: «إذا انقضت العدة» قيد للأخير أعني: «و لا يرثها» إذا ماتت بعد ما انقضت العدة كما هو ظاهر و لا يمكن أن يكون قيداً للأوّل، أعني: «ترثه» لأنّه إن كان الطلاق في حال الصحة فهي ترثه في نفس العدة لا بعد الانقضاء و إن كان في حال المرض فهي ترثه حتى بعد الانقضاء إلى سنة فإذاً يكون القيد راجعاً إلى الثاني و لو فرضنا ورودها في المريض يكون مقيداً لقوله «و لا يرثها» في الصحيح الأوّل.

هذا إذا قلنا بورود الصحيح الثاني في خصوص المريض كما هو غير بعيد و إلّا فلو قلنا باطلاقه و شموله للصحيح و المريض فلا يكون مقيداً

للصحيح الأوّل بل يكون حاله حال الاطلاقات المتضافرة كما عرفت و يشكل العلاج بين الاطلاقات و صحيح الحلبي في مورد التعارض و بما أنّ الإجماع انعقد على ارثه منها إذا طلّق حال المرض و توفّت فيها و لم يقل أحد بحرمانه فالفتوى ما استقرّت عليه الشهرة و هو ارث الزوج من الزوجة في العدة سواء كان الطلاق في حال الصحة أم في حال المرض. ( «1»)

2- رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه، «قال: سألته ما العلة التي من أجلها إذا طلّق الرجل امرأته و هو مريض في حال الاضرار، ورثته و لم يرثها؟ و ما حدّ الاضرار عليه؟ فقال: هو الاضرار، و معنى الاضرار، منعه إياها ميراثها منه فالزم الميراث عقوبة ( «2») حيث إنّ الإمام لم يردّ قول السائل «و لم يرثها».

و لكن الظاهر نفي ارثه منها، كإرثها منه، أعني: الموارثة إلى سنة دون الارث في العدّة الرجعية، إذا ماتت فيها.

______________________________

(1). و يمكن أن يقال بانّهما رواية واحدة نقلا مع زيادة و نقيصة فالقيد الموجود في الثانية، أعني و «إذا انقضت العدّة» سقط من الرواية الاولى إذ من البعيد أن يسأل الحلبي موضوعاً واحداً مرتين و ظاهر الرواية الثانية انّها جزء من رواية و ليست مستقلة.

(2). الوسائل ج 17، الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 7.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 184

أما الشق الثاني

هذا كلّه في الفرع الأوّل أي ارثه منها في العدة الرجعية، و أمّا الفرع الثاني، أعني: حرمانه منه إذا كان الطلاق بائناً أو إذا ماتت خارجها.

فقال الشيخ في الخلاف: المريض إذا طلّقها طلقة لا يملك رجعتها فإن ماتت لم يرثها بلا خلاف و إن مات هو

من ذلك المرض ورثته ما بينها و بين سنة ما لم تتزوج، فإن تزوجت بعد انقضاء عدّتها لم ترثه، و إن زاد على السنّة يوم واحد لم ترثه. ( «1») فيظهر انّه كذلك عند أهل السنة حيث لم يذكر قولًا لهم فيه و إنّما ذكر أقوالًا في الفرع الآتي، أعني: وراثة الزوجة عنه كما سيوافيك.

نعم ذهب الشيخ في النهاية إلى أنّ الزوج يرثها في العدة من غير فرق بين كون الطلاق رجعيّاً أو بائناً و إليك نصه: «و إذا طلّق الرجل امرأته و هو مريض فانّهما يتوارثان ما دامت في العدة فإن انقضت عدّتها ورثته ما بينها و بين سنة ما لم تتزوّج- إلى أن قال- و لا فرق في جميع هذه الأحكام بين أن تكون التطليقة هي الأولى أو الثانية و سواء كان له عليها رجعة أو لم يكن فإنّ الموارثة ثابتة بينهما على ما قدّمناه. ( «2»)

و تبعه ابن حمزة و قال: و إذا طلّق المريض زوجته بائناً أو رجعياً و مات أحدهما و هي في العدّة توارثا فإن خرجت من العدّة لم يرثه الرجل و ورثته هي إلى مضيّ سنة كاملة ما لم تتزوّج قبل انقضائها. ( «3»)

______________________________

(1). الخلاف/ 4: المسألة 54، كتاب الطلاق. لاحظ أقوال أهل السنة في الفروع الثلاثة في الخلاف أيضاً و لأجل كثرة الاختلاف لم نذكرها.

(2). النهاية كتاب الطلاق: 509.

(3). الوسيلة: كتاب الطلاق 324.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 185

و لكن هذا القول شاذ و الوراثة بعد الطلاق على خلاف الأصل يقتصر فيه على موضع النص و هو كون الطلاق رجعياً يملك فيه الرجل الرجعة فأصالة عدم الارث هو المحكم و بعبارة أُخرى: انّ الطلاق البائن

موجب لانقطاع العصمة بين الزوجين الموجب سقوط التوارث، استثنى من ذلك خصوص ارثها منه فيه البائن بالنصوص الآتية. و ليس في المسألة دليل خاص و مع ذلك يمكن الاستئناس بما ورد في خبر محمد بن القاسم الهاشمي ( «1») قال سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: لا ترث المختلعة و لا المباراة و لا المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج و إن مات، لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ و منه. ( «2»)

لأنّ مقتضى قوله: «لأنّ العصمة قد انقطعت منهنَّ و منه» عدم الوراثة عند انقطاع العصمة و التعليل موجود، إذا توفّت بعد العدّة كما في الشق الأوّل أو كان الطلاق بائناً كما في المقام، و أمّا ارثها إلى سنة فقد خرجت بالدليل، و لأجل الارغام كما في الروايات. ( «3»)

و ربما يستدل برواية زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يطلق المرأة فقال: يرثها و ترثه ما دام له عليها رجعة. ( «4») قائلًا بأنّ القيد (ما دام له عليها رجعة) لا يرجع إلى قوله «و ترثه» إجماعاً لثبوته لها مطلقاً، رجعياً كان أم بائناً إلى سنة فيبقى في ميراثه، فيؤخذ بمفهوم القيد.

يلاحظ عليه: انّ الاستدلال مبني على ورود الرواية في المريض، و أمّا لو

______________________________

(1). محمد بن القاسم الهاشمي مهمل في الرجال و لكن يروي عنه الحسن بن محبوب كما في هذه الرواية و هو موجب لحصول الاطمئنان بصدور الحديث.

(2). الوسائل ج 17: الباب 15 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

(3). الوسائل ج 17: الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 7.

(4). الوسائل ج 17: الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4.

نظام الطلاق

في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 186

قلنا بورودها في الصحيح فلا ربط لها بالمقام و يكون القيد راجعاً إليهما، فإنّهما في الصحيح يتوارثان في العدة الرجعية فقط.

ثمّ إنّ هنا روايات ربما أيّدت بها مقالة الشيخ من ميراثه إذا توفّت في العدّة سواء كان رجعيّاً أم بائناً، و لكنّها لا صلة لها بالمقام و إليك البيان.

روى ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثمّ توفى عنها و هي في عدتها فانّها ترثه و تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها، و إن توفيت هي في عدّتها فإنّه يرثها و كلّ واحد منهما يرث من دية صاحبه لو قتل ما لم يقتل أحدهما الآخر ( «1») وجه الاستدلال: هو إطلاق الرواية في انّه يرثها في عدّتها مطلقاً رجعياً كان الطلاق أم بائناً.

و الجواب انّ المتبادر منه هو الصحيح و المفروض أنّهما يتوارثان في العدة، غاية الأمر اطلاقها مقيد بالرجعة حسب الروايات السالفة.

و مثله خبر عبد الرحمن عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يطلق امرأته آخر طلاقها قال: نعم يتوارثان في العدّة. ( «2») و خبر يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: المطلّقة ثلاثاً ترث و تورث ما دامت في عدتها. ( «3»)

و الاستدلال بهما مبني على ورودهما في المريض خاصة أو كانتا مطلقتين و الأوّل منفي و الثاني على خلاف الاجماع لعدم التوارث في حال الصحّة في الطلاق البائن، لا منه و لا منها و الروايتان شاذتان.

***

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 7.

(2). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 12 و 13.

(3). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب أقسام

الطلاق، الحديث 12 و 13.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 187

أمّا الشق الثالث: ارث الزوجة المطلّقة من زوجها إذا طلّقها مريضاً إلى سنة

فقد اتفقت كلمتهم على أنّها ترثه مطلقاً بائناً كان الطلاق أم رجعياً، مات في العدة أو خارجها إلى سنة. لا أزيد بشرطين:

1- ما لم تتزوّج بعد العدّة.

2- ما لم يبرأ الزوج من مرضه الذي طلّقها فيه، و لو برئ ثمّ مرض ثمّ مات، تجري فيه الضابطة الأوّلية في ميراثها عن زوجها فلا ترثه إلّا في العدة الرجعية و يدلّ عليه لفيف من الروايات.

1- صحيحة أبي العباس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا طلّق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك و إن انقضت عدّتها إلّا أن يصحّ منه قال: قلت: فإن طال به المرض، فقال: ما بينه و بين سنة. ( «1»)

2- خبر أبي عبيدة و أبي الورد كليهما، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا طلّق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ثمّ مكث في مرضه حتى انقضت عدّتها فانّها ترثه ما لم تتزوّج فإن كانت تزوّجت بعد انقضاء العدّة فانّها لا ترثه. ( «2»)

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي رواه في الوسائل. ( «3»)

و أنت إذا لاحظت روايات الباب ( «4») و ضممت بعضها إلى بعض تقف على

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 5.

(2). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 5.

(3). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2، 3، 6، 7، 8، 9، 10، 11 و 15 و غيره.

(4). قد فرق روايات المسألة في كتابي الطلاق و الميراث فلاحظ أيضاً الجزء 17، الباب 14 من أبواب

ميراث الأزواج.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 188

انّ المشهور بين الأصحاب هو مقتضى الجمع بين الروايات.

بقي الكلام في بعض الفروع و إليك البيان

الأوّل: إذا ادّعى الرجل انّه طلّقها ثلاثاً في حال الصّحة

إذا ادّعى الرجل و هو مريض و قال: إنّى طلّقتها في الصّحة ثلاثاً فهل يقبل قوله في حقّه و حقّها فلا يرثها إذا ماتت كما لا ترثه إذا مات الرجل أخذاً بعموم إقرار العقلاء على أنفسهم، أو لا، بل يقبل في حقّه لا في حقّها.

الظاهر هو الثاني لأنّ عموم الاقرار فيما إذا كان الاقرار على نفسه لاما إذا كان على غيره، أعني: الزوجة فهو باقراره هذا يريد حرمان الزوجة من الإرث بعد وفاته لأنّ البائن لا ترث الزوج إذا كان الطلاق في حال الصحة بخلاف ما إذا كان في حال المرض.

و مع ذلك كلّه، لا يثبت من عدم قبول قوله في حقها انّه طلقها في حال المرض حتى ترثه إلى سنة و إنّما يكتفي بارثها في العدّة إذا مات فيها و ذلك لعدم احراز السبب إلّا بهذا المقدار.

توضيحه انّ الثابت هو الزوجية المقتضية لإرثها في العدة فقط، و وقوع الطلاق ثلاثاً في حال الصحة و إن لم يثبت حتّى ينتفي الارث من رأسه، و لكن وقوعه في حال المرض أيضاً غير ثابت حتى يقتضي الميراث إلى سنة، فيكتفي بالمقدار الثابت في السبب، أعني: الزوجية التي لم يثبت ارتفاعها بالطلاق الثلاث في حال الصحة.

و أمّا إذا ادعت المطلّقة انّ المريض طلّقها قبل موته في حال المرض و انكر الوارث ذلك و زعم انّه طلّقها في حال الصحة فلا يجري في هذه الصورة ما ذكرناها في الصورة السابقة إذ ليس هناك إقرار

على النفس و على الغير، بل هناك

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 189

احتمالان متساويان و تظهر الثمرة في الارث بعد العدّة الرجعية إذا كان الطلاق في حال المرض دون ما إذا كان الطلاق في حال الصحة و بما انّ الميراث يتوقف على ثبوت الشرط و هو كون الطلاق واقعاً في حال المرض لا يحكم به إلّا بعد ثبوته و يكفي في نفي المسبب عدم ثبوت السبب. نعم الحكم لها بالميراث إذا توفي في العدّة صحيح كما سيوافيك تفصيله في النوع الرابع فانتظر.

الثاني: إذا فسخ الزوج العقد في مرض الموت و مات بعد الفسخ أو إذا طلّق الأسير غير الآمن، أو طلّق المأخوذ بحد يخاف عليه مثل ما يخاف عليه بالمرض و مات أو قتل، أو لو قذفها و هو مريض فلاعنها و بانت باللعان، و مات أو حرمت عليه بعمل محرّم كالرضاع و هو مريض، فهل يلحق بالطلاق أو لا، الظاهر لا، لأنّه الحاق لا يتجاوز عن كونه قياساً.

فإن قلت: الظاهر من مرسلة يونس و مضمرة سماعة أنّ علّة التوريث، كون الرجل في مظنّة التهمة بالاضرار بها، فكان التوريث عقوبة من الشارع ( «1») و على ذلك يمكن تسرية الحكم إلى كل فعل يقوم به الزوج و هو في مظنّة الموت، سواء كان بالطلاق و إن لم يكن مريضاً، كما في طلاق الأسير غير الآمن و المأخوذ قوداً و فرضنا اعدامهما بعد الطلاق أو كان بغيره مع كونه مريضاً و وافاه الموت كاللعان و الفسخ و التحريم بالرضاع.

قلت: إنّ الغالب في علل الأحكام كونها حكمة لا علة تدور عليها رحى الأحكام حتى الاعتداد في العدّة لأجل تبين الحمل، فقد حملها المشهور على

الحكمة و لأجل ذلك حكموا على لزوم الاعتداد و إن كان الرحم بريئاً.

______________________________

(1). الوسائل ج 17: الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 7 و 9.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 190

و هذا أمر يقف عليه من لاحظ كتاب علل الشرائع الذي جمع فيه الصدوق، ما ورد فيه من حكم التشريع- و مع ذلك- فمن قطع بالمناط، فعليه أن يلحق الفروع الماضية بطلاق المريض.

الثالث: إذا طلّق مع سؤال المرأة و هو في مرض الموت كالمختلعة و المباراة فعلى من زعم انّ الاضرار من قبيل علل الحكم و مناطه، يجب القطع بعدم الميراث لعدم الاضرار من جانب الزوج و على من زعم انّه من قبيل الحكم فالمرجع إطلاق الروايات الشامل لجميع الصور. فعلى ما استظهرنا فالظاهر هو الثاني لو لا رواية محمد بن القاسم الهاشمي قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: لا ترث المختلعة و لا المباراة و لا المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهن في مرض الزوج و إن مات، لأنّ العصمة قد انقطعت منهن و منه. ( «1») و الرواية معتبرة و يكفي في اعتبارها اعتماد الحسن بن محبوب عليه، فعدم الوراثة أقوى.

الرابع: إذا ادّعت المطلّقة انّ الميت طلّقها في المرض حتّى ترثه إلى سنة و أنكر الوارث و زعم انّ الطلاق كان في الصحة، حتى لا ترثه إذا مات بعد الخروج عن العدّة فالأصل عدم ميراثها في مورد الشك إلى أن يثبت سببه و الضابطة الكلية في ميراثهما، هو توارثهما في العدّة و أمّا التوارث خارجها فمنوطة بكون الطلاق في حال المرض و لم يثبت سواء علم تاريخ الطلاق و جهل تاريخ المرض، أو كان

العكس أو جهلا معاً.

فإن قلت: إذا علم تاريخ المرض، فلا مانع من إجراء الأصل في مجهول التاريخ، أعني: الطلاق، فيقال: أصالة عدم الطلاق إلى طرو المرض فتكون النتيجة وقوع الطلاق بعد طرو المرض.

______________________________

(1). الوسائل ج 17: الباب 15 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 191

قلت: هذا صحيح لو لا انّه أصل مثبت، كما انّه إذا عكس و علم تاريخ الطلاق، تكون أصالة عدم المرض إلى زمان الطلاق لا يثبت شرعاً، تأخّر المرض عن زمان الطلاق.

الخامس: من الموارد التي ترث الزوجات الثمانية ثمناً أو ربعاً هو ما إذا لو طلّق أربعاً في مرضه و تزوّج أربعاً و دخل بهنّ ثمّ مات، فلو كان له ولد تساوين في الثمن و إن لم يكن له ولد، تساوين في الربع و يمكن تصوير اشتراك الاثنتي عشر منهن في الربع و الثمن و هو واضح.

السادس: إذا طلّق في حال المرض و لكنّه قتل فيه فهل يلحق بما سبق أو لا؟ الظاهر، لا، و ذلك لأنّ الموضوع هو الطلاق في مرض الموت، و المفروض غيره.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 192

الثاني في ما يزول به تحريم الثلاث

اشارة

قد عرفت انّ الطلاق الثلاث، مترتبة (لا مرسلة كما عليه العامة) يوجب حرمة المطلّقة حتى تنكح زوجاً غير المطلّق. من غير فرق بين المدخول بها أو لا، و على الأوّل لا فرق بين العدّي و غيره، كما لا فرق فيما إذا رجع في العدّة، بين طلاقها بعد المواقعة أو بلا مواقعة.

و قد عرفت أنّ خلاف ابن بكير لا يقام له وزن

و يزول التحريم بشروط أربعة:
الشرط الأوّل: أن يكون بالغاً:

يشترط كون الزوج الثاني بالغاً فلا يكفي المراهق و لا الصبي. نعم يظهر من الشيخ في الخلاف كفاية الأوّل حيث قال: «إذا تزوّجت بمراهق قرب من البلوغ و ينتشر عليه و يعرف لذة الجماع و دخل بها فإنّها تحلّ للأوّل، و به قال الشافعي، و قال مالك: لا تحلّ للأوّل- دليلنا- قوله تعالى: (لا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) و لم يفصّل و أيضاً قوله (صلى الله عليه و آله و سلم) حتى يذوق عسيلتها و هذا قد ذاق و لا يلزم عليه غير المراهق لأنّه لا يعرف العسيلة». ( «1»)

و حاصله التمسك باطلاق الآية و هو موضع تأمل لما في ذيل الآية ما يشعر باستقلال الزوج في الطلاق و هو غير متحقق في الصبي مطلقاً. قال سبحانه:

______________________________

(1). الخلاف 3/ 4، المسألة 8، كتاب الرجعة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 193

(فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ يُبَيِّنُهٰا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ( «1») و إن صحت النسبة إليه مع قيام الولي به، لكنه خلاف الظاهر.

أضف إلى ذلك رواية علي بن الفضل الواسطي قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام): رجل طلّق امرأته الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً

غيره فتزوّجها غلام لم يحتلم، قال: لا حتى يبلغ، فكتبت إليه: ما حدّ البلوغ؟ فقال: ما أوجب اللّه على المؤمنين الحدود. ( «2») و ما ورد في واحد من الروايات من قوله: «لا حتى يذوق عسيلتها». ( «3») و العسيلة كالهريسة من أسماء الطعام، و المراد ذوق حلاوة الجماع و هو كناية عن الانزال، كما تؤمى إليه التشبّه بالعسل المشتمل على كمال اللذة- و معه لا يشمل صبياً. فمنصرف الآية مع هاتين الروايتين كاف في اثبات المطلوب و لو شك فالمرجع هو استصحاب الحرمة حتى يعلم خلافها.

الشرط الثاني: الدخول:

قال الشيخ في الخلاف: إذا طلّقها ثلاثاً على الوجه الذي يقع الثلاث على الخلاف فيه «فلا تحل له حتّى تنكح زوجاً غيره» فيطأها فالوطء من الثاني يشترط لتحل للأوّل، و به قال علي (عليه السلام) و ابن عمر و جابر و عائشة و جميع الفقهاء إلّا سعيد بن المسيب فإنّه لم يعتبر الوطء، و إنّما اعتبر النكاح الذي هو العقد- دليلنا- إجماع الفرقة، و أيضاً فالتحريم حاصل بلا خلاف و لم يدل دليل على رفع التحريم بمجرد العقد فمن ادعى ذلك فعليه الدلالة، و روى سفيان بن عيينة عن الزهري

______________________________

(1). البقرة: الآية 230.

(2). الوسائل ج 15: الباب 8 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(3). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 194

عن عروة عن عائشة أنّها قالت: أتت زوجة رفاعة بن مالك إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فقالت: طلّقني رفاعة و بتّ طلاقي و تزوّجت بعبد الرحمن بن الزبير و أمّا معه مثل هدبة الثوب فقال النبي (صلى الله عليه و آله

و سلم): أ تريدين أن ترجعي إلى رفاعة أم لا؟ فقالت: نعم فقال: لا حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك، و روى سعيد بن المسيب عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال سئل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) عن امرأة طلّقها زوجها ثلاثاً ثمّ تزوّجت بآخر لم يصبها فطلّقها أ فتحل للأوّل؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): لا حتى تذوق العسيلة». ( «1»)

و قد دلت على شرطية الدخول- مضافاً إلى ما ذكره الشيخ في الخلاف- موثقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: فإذا طلّقها ثلاثاً لم تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره فإذا تزوّجها غيره و لم يدخل بها و طلّقها أو مات عنها لم تحلّ لزوجها الأوّل حتّى يذوق الآخر عسيلتها ( «2») إلى غير ذلك من الروايات.

و يمكن استظهار ذلك من الكتاب أيضاً حيث قال سبحانه: (حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ( «3») فإنّ قوله حتّى تنكح في المقام بمعنى حتّى تتزوّج لكن استخدام لفظ النكاح للتزويج في المقام لا يخلو عن عناية بالوطء حيث إنّه بمعناه و إن كان ربما يستعمل في العقد أيضاً.

و لكن الظاهر عدم كفاية الدخول و لزوم الانزال لما عرفت مما ورد من ذوق العسيلة فيما نقله العامة ( «4») و الخاصة ( «5») و لو شك فالحكم هو استصحاب الحرمة اللّهم إلّا أن يقال باطلاق الكتاب و تحكيمه.

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 4 المسألة 6، كتاب الرجعة.

(2). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(3). البقرة: 230.

(4). السنن الكبرى: 7/ 73.

(5). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 3.

نظام الطلاق في الشريعة

الإسلامية الغراء، ص: 195

الشرط الثالث: أن يكون بالعقد:

لا بالملك و لا بالاباحة فضلًا عن كون الوطء حراماً أو شبهة و لو بالعقد الفاسد لقوله سبحانه: (حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ). ( «1») و معنى الآية حتى تتزوّج زوجاً آخر، ثمّ تنفصل عنه بالطلاق، كل ذلك منفي في تلك الموارد.

الرابع: أن يكون العقد دائماً لا متعة:

و يدل عليه ظاهر الكتاب، أعني: قوله سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا) و ليس في المتعة طلاق، أضف إليه تضافر الروايات، في عدم كفايته ( «2») و لا نطيل الكلام بنقلها.

و النتيجة: إذا استكملت الشرائط المزبورة، يزول تحريم الثلاث و يكون الزوج الأوّل خاطباً من الخطاب.

***

هل التزويج أثناء الثلاثة هادم أو لا؟

إذا تزوّجت المطلّقة أثناء الطلقات الثلاث بغير الزوج الأوّل، فهل هو هادم ما دون الثلاث فتبقى معه على ثلاث تطليقات فكأنّه لم يطلّقها، أو أنّها تبقي معه على ما بقي من الثلاث فتبقي بعد عودها إلى الأوّل على واحدة أو اثنتين.

المشهور هو الأوّل، بل لم يعلم القائل بالثاني في الأصحاب و إن نقله الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب، نعم يظهر التردد عن العلّامة في التحرير ( «3»)

______________________________

(1). البقرة: 230.

(2). الوسائل 15: الباب التاسع من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه.

(3). التحرير: كتاب الطلاق بحث المحلل: 57.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 196

و صاحب المدارك في شرح النافع و الفاضل الخراساني في الكفاية و نسبه المحقق إلى أشهر الروايتين و مال إليه المحدّث البحراني في الحدائق. و قال هو الظاهر عندي من الأخبار. ( «1»)

و لنقدّم ما ذكره الشيخ في الخلاف حتى يعلم موقف المسألة بين العامّة و الخاصّة يوم ذاك قال: «الظاهر من روايات أصحابنا و الأكثرين انّ الزوج الثاني إذا دخل بها يهدم ما دون الثلاث من الطلقة و الطلقتين، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف، و في الصحابة ابن عمر و ابن عباس، و قد روى أصحابنا في بعض الروايات انّه لا يهدم إلّا الثلاث فإذا كان دون ذلك فلا يهدم، فمتى تزوّجها الزوج الأوّل كانت معه على ما بقي من الطلاق و به

قال في الصحابة-- على ما حكوه- علي- عليه الصلاة و السلام- و عمر و أبو هريرة، و في الفقهاء: مالك و الشافعي و الاوزاعي و ابن أبي ليلى و محمد و زفر، و قال الشافعي: رجع محمد بن الحسن في هذه المسألة. ( «2») و على هذا فالقول بالهدم منقول عن أبي حنيفة و أبي يوسف و ابن عمر و ابن عباس. و غيرهم على القول الآخر.

إذا عرفت ذلك: يدلّ على قول المشهور روايات ثلاث:

1- رواية رفاعة المشهور بين الأصحاب في عصر الصادق و الكاظم (عليهما السلام) و روى بصور خمس في اللفظ، متحدة في المعنى، و ربما يتصور المبتدئ انّها روايات خمس مع انّها رواية واحدة.

روى رفاعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل طلّق امرأته حتّى بانت منه و انقضت عدّتها ثمّ تزوجت زوجاً آخر فطلّقها أيضاً ثمّ تزوّجت

______________________________

(1). الحدائق: 25/ 333.

(2). الخلاف 4: المسألة 59، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 197

زوجها الأوّل أ يهدم ذلك، الطلاق الأوّل؟ قال: نعم. ( «1») و في بعض الصور قال: يهدم الثلاث و لا يهدم الواحدة و الثنتين؟! ( «2»)

2- ما رواه عمرو بن ثابت، عن عبد اللّه بن عقيل بن أبي طالب قال: اختلف رجلان في قضية علي (عليه السلام) و عمر في امرأة طلّقها زوجها تطليقة أو اثنتين فتزوجها آخر فطلّقها أو مات عنها، فلمّا انقضت عدّتها تزوّجها الأوّل، فقال عمر: هي على ما بقي من الطلاق، و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سبحان اللّه يهدم الثلاث و لا يهدم واحدة؟! ( «3»)

و الرواية مقطوعة و إن تضمنت في أثنائها حكم الأمير (عليه السلام) و مع

ذلك لا تخرج عن كونها مقطوعة.

3- و عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّه قال: سأله بعض أصحابنا و أنا حاضر عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة ثمّ تركها حتى بانت منه ثمّ تزوّجها الزوج الأوّل، قال: فقال: نكاح جديد، و طلاق جديد و ليس التطليقة الاولى بشي ء هي عنده على ثلاث تطليقات مستأنفات. ( «4»)

و المعتمد هو رواية رفاعة، و قد عرفت انّ الثانية مقطوعة و الثالثة لم ترو في الكتب الأربعة، و إنّما اقتبسها صاحب الوسائل من فقه الرضا (عليه السلام) و المهمّ انّ رواية رفاعة كانت مشهورة روى عبد اللّه بن المغيرة قال: سألت عبد اللّه بن بكير عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ تركها حتّى بانت منه ثمّ تزوّجها، قال: هي معه كما كانت في التزويج، قال: قلت: فإنّ رواية رفاعة إذا كان بينهما زوج فقال لي عبد

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(2). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

(3). الوسائل ج 15،: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3 و 14.

(4). الوسائل ج 15،: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3 و 14.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 198

اللّه: هذا زوج و هذا مما رزق اللّه من الرأي. ( «1»)

و هذا يعرب عن شهرة الرواية بين الأصحاب و انّها كانت مدار الافتاء.

و تدل على القول الآخر روايات مستفيضة انهاها صاحب الحدائق ( «2») إلى ثمان و نقل خمساً منها صاحب الوسائل.

روى الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة ثمّ تركها حتّى مضت

عدّتها فتزوّجت زوجاً غيره ثمّ مات الرّجل أو طلّقها فراجعها زوجها الأوّل، قال: هي عنده على تطليقتين باقيتين. ( «3»)

و روى زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) انّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول في الرجل يطلّق امرأته تطليقة «واحدة» (خ) ثمّ يتزوّجها بعد زوج: إنّها عنده على ما بقي من طلاقها. ( «4») إلى غير ذلك من الروايات. ( «5»)

و يمكن تأييد هذا القول بوجهين:

1- اطلاق الكتاب مع القول الثاني حيث إنّ مقتضاه انّ الطلقات الثلاث مطلقاً سواء تخلّلها نكاح آخر، أم لا، محرم.

2- جلالة رواة الطائفة الثانية حيث إنّها رواها الحلبي و زرارة و جميل بن دراج و منصور بن حازم إلى غير ذلك من الأجلّاء.

و مع ذلك كله فالمتعيّن هو القول الأوّل. و قد ذكرنا في محله انّ شهرة الرواية

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 12، و لاحظ الحديث 11 من هذا الباب.

(2). الحدائق الناضرة: 25/ 234- 236.

(3). الوسائل ج 15: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6 و 10.

(4). الوسائل ج 15: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6 و 10.

(5). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 7 و 8 و 9 و 11.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 199

بين الأصحاب مقرونة بالافتاء بمضمونها من مميّزات الحجّة عن اللاحجّة، لا من مرجحات الروايات و قد عرفت انّ رواية رفاعة كانت مشهورة بين الأصحاب في عصر الإمام الكاظم (عليه السلام) و ما بعده على حدّ كان الأصحاب يحتجّون بها على ابن بكير حيث كان يرى- أو يرى أصحابه أيضاً- ان استيفاء العدّة هادم لحكم الطلاق.

و لأجل ذلك لا

يصحّ العدول عنها إلى غيرها و إن بلغ ما بلغ من الكثرة، بل كلّما ازدادت كثرة و صحة، ازدادت ريباً.

أضف إلى ذلك احتمال وجود التقيّة في الطائفة الثانية، كما تعرب عنه رواية عبد اللّه بن عقيل بن أبي طالب. ( «1»)

نعم، الظاهر من رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ( «2») انّ عليّاً كان يذهب إلى عدم كونه هادماً و قد عرفت ما نقله الشيخ في الخلاف عن علي (عليه السلام) و لكن الأقوى، بالنظر إلى الشهرة كونه هادماً، و لا يخفى طريق الاحتياط.

تتمة:

1- لو طلق الذميّ الذميّة ثلاثاً فتزوّجت بعد العدة ذميّاً جامعاً لشرائط التحليل ثمّ بانت منه و ترافعا إلينا فالحكم هو جواز العقد عليها من جانب الزوج الأوّل لأنّ الكفّار محكومون بالفروع مثل الأصول فحكم الآية عام لجميع الناس، مؤمنا كان أم لا، بل لو أسلما و الحال هذه حلّ للأوّل نكاحها بعقد مستأنف بنفس الدليل.

2- إذا تزوّجت المطلّقة ثلاثاً بالخصي فهل يحلّ أم لا، الظاهر لا، لأنّ الخصي

______________________________

(1). الوسائل، ج 15: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3 و 10.

(2). الوسائل، ج 15: الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3 و 10.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 200

من سلّت خصيتاه و الخصيتان هما: الجلدتان فيهما البيضتان. ( «1») و لعل من سلّت خصيتاه لا يتحقق منه الانتشار، فلا يتحقق الدخول فكيف الانزال و لعلّه- لهذا الوجه- جاء في رواية محمد بن مضارب قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الخصي يحلّل؟ قال: لا يحلّل. ( «2»)

و يظهر من الشيخ في المبسوط انّه يتحقق الانتشار دون الانزال حيث قال: «و أمّا الخصي فعلى ضربين مسلول و

مجبوب، فالمسلول من سلّت بيضتاه و بقي ذكره، فمن هذه صورته إذا تزوّجت به و وطئها حلّت للأوّل، لأنّه أولج و لذّ، و إن كان لا ينزل، و الانزال غير معتبر في باب الاباحة، لأنّه لو التقي الختانان من الصحيح ثمّ انسل حلّت للأوّل.

و أمّا المجبوب إن لم يبق من ذكره شي ء فإنّ الوطي منه معدوم، فلا يتعلّق به اباحة، فإن بقي ما لا يتبين فلا يبيحها للأوّل، لأنّه لا يغيب و لا يدخل، و إن بقي قدر ما يغيب منه إذا أولج و يلتقي ختاناهما، فإنّه يبيحها للأوّل». ( «3») و على هذا فمن اكتفى في التحليل بالدخول يكتفي به و إلّا فلا. و قد مرّ الكلام فيه.

3- إذا زوّجها زوج آخر، فارتدّ بعد العقد و الدخول، فتحل و إن انفسخ العقد بالارتداد، لأنّ ما هو المطلوب من التحليل هو التزويج الصحيح و الدخول بعده، و فراقهما بالارتداد، دون الطلاق لا يضر، لأنّ الطلاق في قوله: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا ...) كناية عن فراقهما صحيحاً و هو حاصل ( «4»)، نعم لو ارتد بعد التزويج و قبل الدخول، فلا يحل و إن دخل بعد الارتداد، لكون الدليل ظاهراً في اعتبار كونها زوجة حين الوطء و ليس كذلك في المقام لأنّ الارتداد يوجب انفساخ

______________________________

(1). مجمع البحرين مادة «خصي».

(2). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(3). المبسوط: 5/ 110، كتاب الطلاق.

(4). لاحظ أيضاً ص 197.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 201

العقد.

فروع:
الفرع الأوّل: لو ادّعت المطلقة ثلاثاً انّها تزوجت زوجاً آخر

، و فارقها و قضت العدة و كان ما تدعيه من حيث مقدار الزمان أمراً ممكناً فهل يقبل قولها أو لا؟

قال الشيخ في المبسوط: «فإذا طلّقها ثلاثاً

فغابت ثمّ جاءت و قالت قد حُلِّلت لك لأنّي قد خرجت من العدة و تزوّجت بزوج و أصابني و خرجت من عدّته فانّه ينظر:

فإن مضت من وقت طلاقها مدّة لا يتأتى فيها جميع ذلك، فإنّه لا يقبل قولها، لأنّه قد عرف كذبها، و إن مضت مدّة من ذلك الوقت يتأتى فيها جميع ما وصفت قبل قولها بلا يمين، لأنّ في جملة ذلك ما لا يتوصل إليه إلّا بقولها، و هو الوطء، و انقضاء العدّة فهي مؤتمنة عليه ( «1»)

أقول: للمسألة صورتان:

1- إذا ادّعت و لم يكذبها الزوج الثاني 2- إذا كذبها

أمّا الصورة الأولى في القدر المتيقن من صحيح حمّاد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فبانت منه فأراد مراجعتها فقال لها: إنّي أُريد مراجعتك فتزوّجي زوجاً غيري، فقالت له: قد تزوّجت زوجاً غيرك و حلّلت لك نفسي أ يصدّق قولها و يراجعها؟ و كيف يصنع؟ قال: إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها. ( «2») و لا وجه لإلغاء وثاقتها كما في الجواهر- محتجّاً بعدم القائل بشرطيتها- و ذلك لأنّ الأعراض من مهامّ الأمور، فلا مانع من شرطيتها في قبول قول المدّعي

______________________________

(1). المبسوط: 5/ 111، كتاب الطلاق.

(2). الوسائل ج 15: الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 202

فيها و إن لم تكن شرطاً في سائر الموارد.

و مع النص لا حاجة لما ذكر من الوجوه العليلة و إليك الإشارة إليها.

1- ما ذكره الشيخ في المبسوط انّه من الأُمور التي لا تعلم إلّا من قبلها.

يلاحظ عليه: بأنّ النصوص تضافرت على تفويض الأُمور الثلاثة إليها، أعني: الحيض، و العدّة، و الحمل ( «1»)؛

و لا دليل على حجية قولها في غيرها.

2- إنّها مدعية بلا معارض فيكون قولها حجة مثل كل مدع لا يعارضه شي ء و قد روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت: عشرة كانوا جلوساً وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضاً: أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال: للذي ادّعاه. ( «2»)

و أيّده في الحدائق بأنّ الأخبار الواردة باثبات الدعاوي بالبيّنات و الايمان، لا عموم فيها على وجه يشمل ما نحن فيه و إنّما موردها ما إذا كان النزاع بين خصمين مدع و منكر. ( «3»)

و نظير ذلك مدعى الوكالة في مال شخص فإنّه يجوز شراؤه منه بادعاء الوكالة.

يلاحظ عليه: انّ معنى قبول قول المدّعي بلا معارض، هو انّه يجوز للغير ترتيب الأثر على قوله، فلو ادّعى انّ الكيس ماله، يجوز تناوله منه بسبب من الأسباب، لكن هذا، إذا لم يكن في المقام خطاب منجّز متوجه إلى الغير، فلا يجوز له ترك العمل بالخطاب بمجرد قول المدعى و إن لم يكن له معارض، و لأجل ذلك لو ادعى رجل الوكالة في بيع مال رجل يجوز شراء المال الذي تحت يده منه، و لكنّه

______________________________

(1). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 24 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

(2). الوسائل: 20018: الباب 17 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(3). الحدائق: 25/ 349.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 203

لا يجوز تسليم مال الرجل إليه و مثله المقام، فقد خوطب الزوج الأوّل بحرمة التزويج حتى يتحقق التحليل و لم يجعل ادّعاء المدّعي، طريقاً إلى تحقق هذا الشرط فالخلط حصل من عدم التمييز بين

التصديق النسبي و التصديق المطلق، فالمدّعى بلا معارض يصدق نسبياً ما لم يكن هناك خطاب متوجه إلى الغير و إلّا فهو مقدم.

3- ربما يموت الزوج أو تتعذّر مصادفته بعينه و نحوها فلو لم يقبل ذلك لزم الاضرار و الحرج المنفيان.

يلاحظ عليه كما في الجواهر عدم الضرر و الحرج باجتناب شخص خاص منها.

4- استدل في الحدائق بالنصوص الواردة لقبول قولها في الخلو عن الزوج مثل رواية محمد بن عبد اللّه الأشعريّ قال: قلت للرضا (عليه السلام): الرجل يتزوّج بالمرأة فيقع في قلبه انّ لها زوجاً، فقال: و ما عليه؟ أ رأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج. ( «1») و غير ذلك من الروايات.

يلاحظ عليه: أنّ النصوص أجنبية عن المقام فانّه وردت في الشبهة البدوية و عدم وجود خطاب منجز متوجه إلى الزوج بخلاف المقام كما عرفت.

الصورة الثانية: أعني ما إذا كذبها الزوج الثاني و أنكر أصل النكاح فلا يمكن قبول قولها لأجل هذه الوجوه، لما عرفت ضعفها و أمّا صحيحة حماد ( «2») انّ القدر المتيقن غير هذه الصورة. اللّهمّ إلّا أن يقال بأنّ فرض كونها ثقة أمينة يستلزم الوثوق بقولها، و الوثوق علم عرفي فلا وجه لعدم حجّية قولها و الحال هذه. و بذلك يظهر عدم صحّة ادّعاء الانصراف كما لا يخفى خصوصاً إذا كان الزوج الثاني،

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 5، و لاحظ الحديث 1 و 2 و 3 و 4 من هذا الباب.

(2). الوسائل ج 15: الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 204

غير ثقة.

الفرع الثاني: إذا دخل المحلّل فادّعت الاصابة فهنا صور ثلاث:

أ- ان يصدقها المحلل.

ب- أن يسكت عنه.

ج- أن يكذبها.

قال

الشيخ في المبسوط: «و إن قال الزوج الثاني ما أصبتها، فإن غلب على ظنّه صدقها قبل قولها، و إن غلب كذبها تجنّبها و ليس بحرام». ( «1»)

أمّا الصورة الأُولى و الثانية فالظاهر تصديقها لدخولها في صحيحة حماد ( «2») فيشملها قولها «إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها» فإنّها بادّعائها الاصابة تدعى كونها حلالًا للزوج الأوّل و مفروض البحث كونها مطلّقة و إلّا فلو كان في حبال الزوج الثاني، فالبحث قليل الجدوى.

إنّما الكلام فيما إذا كذبها الزوج الثاني و قال: إنّه ما أصابها فهناك احتمالات:

1- ما ذكره الشيخ في المبسوط من الأخذ بقول من ظنّ صدقه.

2- ما ذكره المحقق من الأخذ بقولها على كلّ حال معلّلًا بتعذر إقامة البيّنة بما تدعيه.

و قواها في المسالك قائلًا بانّها تصدق في شرطه و هو انقضاء العدّة فكذا في سببه و لأنّه لولاه لزم الحرج و الضرر.

______________________________

(1). المبسوط: 5/ 111، كتاب الطلاق.

(2). الوسائل ج 15: الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 205

3- ما جنح إليه صاحب الحدائق من انّ المسألة داخلة في باب المعارضة و المنازعة في صحة ما تدّعيه من الوطء الذي يترتب عليه التحليل فتجب على المدّعي إقامة البيّنة و مع تعذرها فاليمين على المنكر و الواجب على الزوج اليمين في عدم الاصابة أو الردّ و كيف كان فإن ثبت ذلك يترتب عليه التحليل و إلّا فلا تحليل.

و الظاهر هو القول الرابع و هو الأخذ بقولها إذا كانت ثقة أمينة فانّ النزاع إنّما هو بعد طلاق الزوج الثاني و إن اختلفا في الاصابة و عدمها و إلّا فلو كانت في حباله و هي بعد لم تطلق لا تظهر

للمسألة ثمرة فعندئذ يجب الأخذ بقولها على الشرط الموجود في الرواية ( «1») فانّها بادّعاء الاصابة تدعى حليتها للزوج الأوّل فيدخل في صحيحة حماد.

نعم، تصدق في قولها نسبيّاً، فيجوز للزوج الأوّل تزويجها، لا مطلقاً فلا يثبت بتصديقها، انّ الطلاق كان بعد الدخول حتّى يجب على الزوج الثاني دفع المهر كلّه لا نصفه. فلاحظ.

نعم لو رجعت عن دعواها تسمع إذا كان الرجوع قبل العقد لا بعده لأنّها في الأولى مقرة على نفسها فيسمع كما انّها في الثانية مقرة على غيرها فلا تسمع.

لو وطأها الزوج الثاني محرّماً كالوطئ في الاحرام أو الصوم الواجب أو في الحيض فالمشهور أنّها تحلّ لتحقق النكاح الصحيح و الوطء المستند إلى العقد، اللّهمّ إلّا أن يدّعي انصراف الأدلّة إلى الوطء المأذون شرعاً و هو أوّل الكلام. و ليس المورد من الأمور التعبدية، حتّى لا يكون المبغوض مقرّباً. فلا مانع من اجتماع الأمر و النهي و الامتثال من جهة و المخالفة من جهة اخرى.

______________________________

(1). الوسائل: ج 15، الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 206

الثالث: في الرجعة

اشارة

المراد من الرجعة في المقام رجوع الزوج إلى نكاحه السابق و الأصل في ذلك، كتاب اللّه عزّ و جلّ قال: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ إِنْ أَرٰادُوا إِصْلٰاحاً). ( «1») أي ردّهن في زمان التربّص و هو زمان العدّة و قيّد جواز الرجعة بارادة الاصلاح لا المضارة.

و قال سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) ( «2») أي إذا طلّق الزوج مرتين، مرّة بعد اخرى يتخلل بينهما رجوع أو عقد مستأنف، فله الرجوع إلى نكاحه فإذا رجع إلى نكاحه فلا مناص له عندئذ عن اختيار أحد الأمرين: إمساكها

بمعروف أو تطليقها ثالثة و تسريحها باحسان، فتحرم عليه مطلقاً إلّا بمحلل. و قال سبحانه: (وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لٰا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا) ( «3») و المراد إذا قاربن بلوغ الأجل، فلكم الخيار بين الرجوع إلى النكاح بقصد المعاشرة بالمعروف من غير طلب ضرار بالمراجعة، أو تركهنَّ حتّى تنقضي عدّتهنّ فيكنّ أملك بأنفسهنَّ و ليس عليكم الرجوع إليهنّ بقصد الاضرار.

و أمّا السنّة فيمرّ عليك قسم منها في الأبحاث الآتية.

______________________________

(1). البقرة: 228.

(2). البقرة: 229.

(3). البقرة: 231.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 207

و هل الرجوع من الإيقاعات فيعتبر فيه، ما يعتبر فيها من قصد الانشاء، فلو قلنا بصحته قولًا و فعلًا فيشترط في الرجوع الفعلي أن يكون بنيّة الرجوع فلا يكون الدخول فضلًا عن التقبيل و اللمس بشهوة رجوعاً إذا لم تكن بقصد الرجوع، أو انّها تمسّك بالزوجية التي هي في شرف الانقضاء، بانقضاء أيّام العدّة، فلا يحتاج إلى قصد الرجوع وراء قصد ذات الفعل حتّى يكون فعلًا اختيارياً، الظاهر هو الثاني، لتصريح الروايات بأنّ المطلّقة الرجعية زوجة بالفعل و إن كانت في مظنة انتهاء أمدها بخروج العدّة و معها، لا يحتاج إلى النيّة، فلو قام بفعل لا يجوز لغير الزوج فهو تمسك بالزوجية المشرفة على الانقضاء و إيصاد لها عن الزوال.

و إليك بعض ما يدلّ على كون الرجعية زوجة.

فعن محمد بن مسلم قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ راجعها قبل أن تنقضي عدّتها و لم يشهد على رجعتها، قال: هي امرأته ما لم تنقض العدّة، و قد كان ينبغي له أن يشهد على رجعتها، فإن جهل ذلك فليشهد حين علم

و لا أرى بالّذي صنع بأساً و إنّ كثيراً من الناس لو أرادوا البيّنة على نكاحهم اليوم لم يجدوا أحداً يثبت الشهادة على ما كان من أمرهما، و لا أرى بالذي صنع بأساً و ان يشهد فهو أحسن. ( «1»)

و في معتبرة يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن طلاق الحبلى فقال: يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور و الشهود، قلت: فله أن يراجعها؟ قال: نعم و هي امرأته، قلت: فإن راجعها و مسّها ثمّ أراد أن يطلّقها تطليقة اخرى، قال: لا يطلّقها حتى يمضى لها بعد ما يمسّها شهر، قلت: و إن طلّقها ثانية و أشهد ثمّ راجعها و أشهد على رجعتها و مسّها ثمّ طلّقها التطليقة الثالثة و أشهد على طلاقها

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 208

لكلّ عدّة شهر، هل تبين منه كما تبين المطلّقة للعدّة التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره؟ قال: نعم، قلت: فما عدّتها؟ قال: عدّتها أن تضع ما في بطنها ثمّ قد حلّت للأزواج ( «1»).

و يؤيده ما ورد في انّه يجوز لها الزينة و التجمّل و إظهاره للزوج فعن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: المطلّقة تكتحل و تختضب و تطيب و تلبس ما شاءت من الثياب لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: (لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) لعلّها أن تقع في نفسه فيراجعها. ( «2»)

كل ذلك يعرب عن كونها زوجة بالفعل، و القيام بما يجوز للزوج من الأعمال الجنسية تمسّك بالزوجية و ايصاد لها عن الزوال و الانهيار، فلا حاجة إلى نيّة الرجوع.

نعم يلزم قصد أصل الفعل أي

الدخول و التقبيل و غيره فلا يكفي إذا صدر بلا نيّة، كما إذا تلفظ به نائماً أو دخل بها بظنّ أنّها أمته أو زوجته الاخرى و أمّا لزوم كون الفعل المقصود، مقروناً بنيّة الرجوع فلا. و لأجل ذلك ترى انّ الروايات عدّ نفس الوطء مطلقاً، رجوعاً كما سيوافيك.

و ما ذكرنا هو الظاهر من بعض فقهاء العامّة قال ابن قدامة: «الرجعية في [من ظ] أحكام الزوجات و الرجعة امساك لها و استيفاء لنكاحها و لهذا سمى اللّه سبحانه و تعالى الرجعة امساكاً و تركها فراقاً و سراحاً فقال: (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) و في آية أُخرى: (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) و إنّما تشعث النكاح بالطلقة و انعقد بها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه و تقطع مضيه إلى البينونة فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.

(2). الوسائل ج 15: الباب 21 من أبواب العدد الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 209

النكاح. ( «1»)

و على ذلك فكلّ ما يعدّ تمسّكاً بالزوجية عرفاً و إعراضاً عن الطلاق، يعدّ رجوعاً. سواء نوى بذلك الرجوع أم لم ينو، فكأنّ الشارع أخذ بظاهر الحال. ففي صحيح محمد بن القاسم قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ و إن غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة لها. ( «2») و منه يظهر حال اللمس و التقبيل بشهوة و مقتضى اطلاقه، تحقق الرجعة به حتّى مع قصد العدم أيضاً.

كما تظهر الحال في إنكار الطلاق، فهو رجعة عرفاً و تمسّك بالزوجية بل أبلغ من

التصريح بالرجوع إذ الانكار بمرأى و مسمع ممن يعلم انّه طلّق، كناية عن شدّة تمسّكه بالزوجية على وجه كأنّه لم يطلّق و انّه لم يكن هناك طلاق كل ذلك ادّعاءً.

و بذلك يظهر الجواب عمّا ربّما يقال: إنّ إنكار أصل الطلاق مناف لقصد الرجعة بالإنكار.

يلاحظ عليه: أنّ إنكار الطلاق، ينافي قصد مفهوم الرجعة إذ لو لم يكن هناك طلاق، فما معنى الرجوع؟ و أمّا مع حقيقة الرجعة التي هي التمسك بالزوجية و وضع اليد عليها. فلا ينافيها، بل إنكار الطلاق آية شدة التمسك بها و لم يقم دليل على قصد مفهوم الرجعة بما هي هي.

كما يظهر الجواب عمّا ربّما يقال: من أنّ الرجعة تابعة للطلاق و فرع له، و إنكار المتبوع و الأصل، انكار للفرع فلو كان مع ذلك، سبباً لتحقق الرجوع يلزم أن يكون شي ء واحد، سبباً للنقيضين: الرجعة و نفيها.

______________________________

(1). المغني: 8/ 481، كتاب الطلاق.

(2). الوسائل ج 18: الباب 29 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 210

يلاحظ عليه: انّ الرجوع بمعناه الواقعي، أي التمسك بالزوجية مجدداً، يتوقف على وجود الطلاق خارجاً و الواقع لا يخلو عن أحد أمرين إمّا أن يكون الطلاق متحققاً منه أو لا، فعلى الأوّل يتحقّق التمسك بالزوجية مجدداً، و على الثاني يلغو الرجوع. نعم إنكار الطلاق ينافي تحقق قصد الرجوع بما هو هو، و هو بعد لم يقم دليل على اعتباره.

و تعرب عن ذلك صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة ادّعت على زوجها انّه طلّقها تطليقة طلاق العدّة طلاقاً صحيحاً، يعني على طهر من غير جماع و أشهد لها شهوداً على ذلك، ثمّ أنكر الزوج

بعد ذلك، فقال: إن كان إنكار الطلاق قبل انقضاء العدّة فإنّ إنكاره الطلاق رجعة لها، و إن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة فانّ على الإمام أن يفرق بينهما بعد شهادة الشهود بعد أن تستحلف أنّ انكاره للطلاق بعد انقضاء العدّة و هو خاطب من الخطّاب. ( «1»)

كل ذلك يعرب عن عدم كون الرجوع إيقاعاً بل تمسّكاً بالزوجية فعلًا و إن ذهل عن الطلاق واقعاً أو أنكره.

اعتبار الشهادة في الرجعة

اتفقت كلمتهم على استحباب الاشهاد في الرجعة تبعاً للنصوص الشرعية الدالة على ذلك.

قال الشيخ في الخلاف: «يستحب الاشهاد على الرجعة، و ليس ذلك بواجب، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في القديم و الجديد و هو الصحيح عندهم،

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 211

و قال في الإملاء: الاشهاد واجب، و به قال مالك: «دليلنا- إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضاً قوله تعالى: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) و لم يشرط الاشهاد، و قوله: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) المراد به [الاشهاد] على الطلاق على ما بيّناه في ما مضى لأنّه قال: ذلك في عقيب قوله: (أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يعني بذلك الطلاق و هو أقرب من قوله: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). ( «1»)

و قال ابن قدامة: فأمّا الشهادة ففيه روايتان «احداهما» تجب و هذا أحد قولي الشافعي لأنّ اللّه تعالى قال: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) و ظاهر الأمر الوجوب و لأنّه استباحة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح و عكسه البيع.

«و الرواية الثانية» لا تجب الشهادة و هي اختيار أبي بكر و قول مالك و أبي حنيفة لأنّها لا

تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج، و لأنّ ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الاشهاد كالبيع و عند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب، و لا خلاف بين أهل العلم في أنّ السنّة الاشهاد فإن قلنا هي شرط فإنّه يعتبر وجودها حال الرجعة، فإن ارتجع بغير شهادة لم يصح لأنّ المعتبر وجودها في الرجعة دون الاقرار بها إلّا أن يقصد بذلك الاقرار، الارتجاع فيصح. ( «2»)

و الأصل في ذلك قوله سبحانه: (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهٰادَةَ لِلّٰهِ) ( «3») فقد تقدم في بحث الطلاق ان الاشهاد الوارد في الآية راجع إلى صدر الآية، أعني: قوله: (فَطَلِّقُوهُنَّ) لا الامساك أي الرجوع و لا «المفارقة» و لا إلى كليهما معاً و على فرض

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 3، المسألة 4، كتاب الرجعة.

(2). المغني: 8/ 482، كتاب الطلاق.

(3). الطلاق: 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 212

رجوعه إلى الطلاق و الامساك معاً يحمل على الندب في الأخير دون الطلاق لما استفاضت الروايات على صحة الرجوع بلا شهود و إن كان الاشهاد مستحباً و لا يستلزم ذلك استعمال الصيغة في أكثر من معنى أي في الوجوب في الطلاق و الندب في الامساك بل الأمر مستعمل في معنى واحد و هو البعث إلى الاشهاد و إنّما ينتزع الوجوب من حكم العقل بأنّ بعث المولى لا يترك بلا جواب و حيث انّ الروايات دلّت على جواز تركه في الرجوع دون الطلاق نرفع اليد عن حكم العقل في الثاني دون الأوّل، و إليك بعض ما ورد في المقام:

روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)

قال: إنّ الطلاق لا يكون بغير شهود، و إنّ الرجعة بغير شهود رجعة، و لكن ليشهد بعد فهو أفضل. ( «1»)

و روى الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الذي يراجع و لم يشهد قال: يشهد أحبّ إليّ و لا أرى بالذي صنع بأساً. ( «2»).

التعليق في الرجوع

إذا قال راجعتك إذا جاء رأس الشهر أو إن رضى الوالد، أو الولد، فهل يصح أو لا، المحكي عن المشهور بطلان العقود و الإيقاعات ذات التعليق، نظراً إلى أنّه من قبيل التعليق في الانشاء و هو لا يقبل التعليق بل أمره دائر بين الوجود و العدم، كالايجاد في التكوين، حيث لا يقبل التعليق.

و قد عرفت ضعفه و انّ الانشاء ليس فيه تعليق بل المعلّق هو المنشأ و هذا نظير قول المولى: أكرم زيد إن جاءك أو جاء رأس الشهر.

و فصّلت العامّة بين النكاح و الطلاق فمنعوا في الأوّل و جوّزوا في الثاني

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3 و 2.

(2). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 213

و عطفوا الرجوع على النكاح قال ابن قدامة: «و لا يصحّ تعليق الرجعة على شرط لأنّه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح و لو قال: راجعتك إن شئت، لم يصح كذلك، و لو قال: كلّما طلقتك فقد راجعتك، لم يصح لذلك و لأنّه راجعها قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح، و إن قال: إن قدم أبوك فقد راجعتك، لم يصح لأنّه تعليق على شرط. ( «1»)

و بما انّك عرفت انّ الرجوع ليس من مقولة الايقاع، بل هو من مقولة التمسك بالزوجية

المشرفة على الزوال و ايصادها فكلّما دلّ عليه، منجّزاً كان أم معلّقاً، يكون كافياً في المقام و يجعل الطلاق بلا أثر.

إذا طلّقها رجعيّاً فارتدّت

إذا طلّقها رجعياً فارتدّت فهل له الرجوع إليها أو لا و نستوضح حال المسألة باستعراض بعض ماله صلة بالمقام فنقول:

1- اختلف الأصحاب في نكاح الكتابية على أقوال، بين مجوّز مطلقاً على كراهة مع الاستطاعة على نكاح المسلمة، و مانع كذلك و مفصّل بين الدائم و المنقطع فيجوز انقطاعاً لا دائماً و الاختلاف يختصّ بالكتابية الأصلية، لا المرتدّة. و سيأتي حكم المرتدّة.

2- لا يجوز نكاح المرتدّة سواء كانت عن فطرة أو عن ملّة.

3- لو ارتدّ أحد الزوجين أو ارتدا معاً دفعة قبل الدخول وقع الانفساخ في الحال، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملّة، و كذا بعد الدخول إذا كان الارتداد من الزوج و عن فطرة، و أمّا إن كان ارتداده عن ملّة أو كان الارتداد من الزوجة

______________________________

(1). المغني: 8/ 485، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 214

مطلقاً وقف الفسخ على انقضاء العدّة فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته و إلّا انكشف انّها بانت منه عند الارتداد.

و على ضوء هذه الأحكام المسلّمة عند الأصحاب نقول: إنّ المحقّق تردد في المسألة بين صحة الرجوع و عدمها بانياً تردده على كون المطلقة الرجعية زوجة أو لا فعلى الأوّل يصح و إلّا فلا.

يلاحظ عليه: أنّ الرجعية ليست بأقوى من الزوجة غير المطلّقة فقد عرفت انّ الارتداد موجب لانفساخ الزوجية على التفصيل الذي عرفته.

و بذلك ظهر عدم صحة بناء المسألة أيضاً على كون الرجعة نكاحاً ابتداءً أو استدامة فلا يصح على الأوّل دون الثاني. لما عرفت من أنّها لا تتجاوز عن الزوجة غير

المطلّقة و الارتداد فيها يوجب انفساخ الزوجية.

فالأولى بناء جواز الرجوع على اسلامها قبل انقضاء العدّة و عدمه فلو أسلمت قبله فهو يكشف عن بقائها على الزوجية و يكشف عن كون الرجوع بمعنى التمسك بالزوجية و ايصادها عن الزوال، وقع في محله. اللّهمّ إلّا أن يقال بالنقل فعندئذ يجب تجديد الرجوع إذا أسلمت قبله، و أمّا إذا بقيت على الارتداد، أو أسلمت بعد الانقضاء فلا يصح الرجوع.

و لو كانت عنده ذميّة فأسلم الزوج فطلّقها رجعياً فهل يجوز الرجوع أو لا؟ فلو قلنا بجواز نكاح الكتابية ابتداءً فيجوز قطعاً سواء قلنا بأنّ الرجوع نكاح ابتداء أو استدامة له، و لو قلنا بعدم جوازه فالجواز مبني على كونه عقداً مستأنفاً أو استدامة نكاح. و بما أنّ الحق انّها لم تخرج عن الزوجية كما عرفت، انتفى احتمال كون الرجوع نكاحاً ابتداء فهي برجوعه لها في العدة كالمستدامة التي لم يطلّقها.

و الحاصل انّ الرجعة ليست ابتداءَ نكاح حتى لا يجوز الرجوع إلى الذمية على

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 215

القول بعدم جواز نكاحها، و لأجل ذلك يجوز الرجوع في حال الاحرام و إن كان النكاح فيه على وجه الابتداء حراماً لكن الرجوع ليس إلّا تمسكاً بالنكاح الموجود و الزوجية المشرفة على الزوال.

رجعة الأخرس

المشهور انّ رجعته بالاشارة الدالة على الرجوع، و عن الصدوقين انّه بأخذ القناع عن رأسها. و الأصل في ذلك ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته باصبعه. ( «1»)

و روى مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا

يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح. ( «2») فإذا كانت الاشارة كافية عن القراءة ففي الرجعة أولى، خصوصاً بالنظر إلى قوله في الرواية الثانية «و ما أشبه ذلك» ففيه دلالة على حكم التلبية و النكاح و الطلاق و العقود و الإيقاعات و ما أشبه ذلك.

نعم، ذكر والد الصدوق في رسالته: الأخرس إذا أراد أن يطلّق امرأته ألقى على رأسها قناعها يريها انّها قد حرمت عليه و إذا أراد مراجعتها كشف القناع يرى أنّها قد حلت. و في الفقه الرضوي نفس تلك العبارة، لكن بوضع المعتوه مكان الأخرس و الظاهر انّ النسخة، مغلوطة لأنّ المعتوه من نقص عقله و دهش من غير جنون، فلا يصح نكاحه و طلاقه و الحال هذه.

______________________________

(1). الوسائل ج 4: الباب 59 من أبواب القراءة، الحديث 1 و 2.

(2). الوسائل ج 4: الباب 59 من أبواب القراءة، الحديث 1 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 216

و على كل تقدير فوروده في رسالة والد الصدوق كاشف عن ورود نص وصل إليه و لم يصل إلينا. و الذي وصل إلينا انّما هو في مورد طلاقه، لا في رجوعه، نعم ورد في طلاقه الأمور الآتية:

1- كتابة الطلاق و الاشهاد عليه.

2- الاكتفاء بالذي يُعرف به من أفعاله من كراهته و بغضه لها.

3- وضع القناع على رأسها. ( «1»)

و لعلّ والد الصدوق انتقل إلى ما ذكره عما جاء في الثالث، حيث إنّه إذا كان وضع القناع طلاقاً، فكشفه يكون رجوعاً.

و يمكن أن يقال: إنّ الملاك هو

التفهيم الرائج، فأخذ القناع من مصاديق الأصل الكلي، فالأقوى الاكتفاء بكلّ ما يدل على ذلك، كغير الأخرس.

في ادّعاء انقضاء العدّة
اشارة

إذا ادّعت انقضاء العدّة فله صور نأتى بها.

1- ادّعاء انقضاء العدّة بالحيض

إنّ ادّعاء انقضاء العدّة تارة يكون بالحيض، و أُخرى بالأشهر و ثالثة بوضع الحمل و إليك بيان أحكامها.

إذا ادّعت انقضاء العدّة بالحيض في زمان محتمل و أقلّه عندنا- بناء على تفسير الأقراء بالطهر- ستة و عشرون يوماً و لحظتان فالقول قولها، روى زرارة عن

______________________________

(1). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1، 2 و 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 217

أبي جعفر (عليه السلام) قال: العدة و الحيض للنساء إذا ادّعت صدقت. ( «1»)

و روى الطبرسي مرسلًا، عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ) قال: قد فوض اللّه إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض، و الطهر، و الحمل. ( «2»)

هذا فيما إذا لم يكن هناك منكر و أمّا معه فالقول أيضاً قولها و إن أنكره الزوج غاية الأمر يتوجه عليها اليمين لدفع التهمة. إنّما الكلام إذا ادّعت أمراً على خلاف عادتها كما إذا ادعى انقضاء عدته في شهر، مع انّ عادتها على رؤية الدم في كل شهر مرّة، فهل يؤخذ بقولها عملًا بالاطلاق أو لا؟ قال الشهيد في اللمعة: لا يقبل من المرأة دعوى غير المعتاد إلّا بشهادة أربع من النساء المطّلعات على باطن أمرها. ( «3»)

و يدل عليه المسند عن أمير المؤمنين (عليه السلام): انّه قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاثِ حيض: «فقال كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت؟ فإن شهدت صدقت و إلّا فهي كاذبة». ( «4»)

و حمله الشيخ على المتهمة و هو جمع تبرعي و لو وجب

الأخذ به، يؤخذ به مطلقاً سواء أ كانت متهمة أم لا، و يكون تمام الموضوع هو ادّعاء أمر غير معتاد.

و يمكن أن يقال بانصراف صحيحة زرارة في قبول قولها عمّا إذا ادّعت خلاف المعتاد، فعندئذ تصل النوبة، إلى العمل بالأصل و هو بقاؤها على العدّة إلّا إذا أقامت البيّنة، بل يمكن أن يقال إنّ الوثوق على خلاف قولها بنفسه حجّة لأنّه

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 24 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

(2). الوسائل ج 15: الباب 24 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

(3). الروضة البهية: 2/ 135.

(4). الوسائل ج 2: الباب 47 من أبواب الحيض، الحديث 3، و المراد من إسماعيل بن زياد هو السكوني الذي هو مقبول الرواية.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 218

علم عرفي فشمول الأخبار لهذه الصورة مشكل فيكون ادّعاء المرأة موهوناً جدّاً لا يعبأ به.

و لو ادّعى الانقضاء في زمان غير ممكن فجاء وقت الامكان فتارة تكذّب نفسها في دعواها الأولى صُدِّقت بيمينها، إنّما الكلام إذا بقيت على دعواها فهل تصدق أو لا، من أنّها دعوى فاسدة فكيف يترتب الأثر عليها، و من أنّه يتضمن دعوى الانقضاء في الزمان الثاني أيضاً و هو أمر ممكن.

2- ادّعاء الانقضاء بالأشهر

إذا ادّعت الانقضاء بالأشهر فإن كان تاريخ الطلاق معلوماً يرجع إلى المحاسبة فإن طابقت قولها فتصدّق و إلّا فلا، إنّما الكلام إذا اختلفا، فأنكر الزوج انقضائها، فهل تصدق أولا؟ وجهان، من اطلاق المعتبرة ( «1») و من أنّ أساس الاختلاف ليس في الانقضاء و عدمه بل الاختلاف في زمان الطلاق، و إن صار هذا الاختلاف سبباً للاختلاف في الانقضاء و عدمه، مثلًا لو ادّعت انّها طُلّقت أوّل المحرم فتكون عدّتها منقضية

بانقضاء ربيع الأوّل و لكن الزوج ادّعى انّها طلّقت في أوّل صفر، فلا تنقضي إلّا بانقضاء ربيع الثاني، فالاختلاف الثاني نابع من الاختلاف في مبدأ الطلاق و زمان ايقاعه فكيف يرجع إليها في مبدأ الطلاق بل تصل النوبة عندئذ إلى الأصول و هي، أصالة بقاء عدتها، أو بقاء كونها معتدّة. فإذا رجع يكون الرجوع في العدّة فالصغرى محرزة بالأصل و الكبرى محرزة بالدليل الاجتهادي، أعني: قوله سبحانه: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) ( «2») و أمّا اثبات تأخر الحادث أي عدم وقوع الطلاق إلى أوّل صفر، فلا يثبت كونها معتدة في زمان

______________________________

(1). صحيحة زرارة: المتقدمة من تفويض أمور ثلاثة إليها.

(2). البقرة: 230.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 219

المخاصمة.

و لأجل ذلك لو انعكس الفرض و ادّعى الزوج الانقضاء دونها، يؤخذ بقولها، لا لأنّها المرجع في انقضاء العدّة لما عرفت من أنّ صلب النزاع ليس فيه، بل هو في مبدإ الطلاق و وقته فادّعى هو تقدّم إيقاع الطلاق و ادّعت هي تأخره فالمرجع بقاء العدّة و كونها معتدة.

3- ادعاء الانقضاء بالحمل

و لو كانت حاملًا فادّعت انقضاء عدّتها بالوضع فأنكر الزوج وضعها بعد اعترافه بحملها فالقول قولها بيمينها و إن كانت مدّعية و لم يكلّف بالبيّنة و لا باحضار الولد و ذلك بوجهين:

1- شمول المعتبرة السابقة، أعني: صحيحة زرارة: الحيض و العدّة إلى النساء. ( «1») للمقام و المفروض انّها تدّعي انقضاء العدّة و هو ينكره و الاختلاف في تحقق سببه و هي تدّعي الوضع، و الآخر ينكره.

2- ما رواه الطبرسي مرسلًا: عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ) قال قد فوض اللّه إلى النساء ثلاثة

أشياء: الحيض و الطهر و الحمل ( «2») و الحديث مرسل لكن استقرّ عليه العمل في ما يرجع إليه.

هذا إذا ادّعت الوضع بلا توصيف و أمّا إذا وصف حال الولد فهل يقيد تصديقها بالإمكان فلو ادّعى ولداً كاملًا فأقل مدّة تصدق فيها ستة أشهر

______________________________

(1). الكافي ج 6/ 13- 16، و لاحظ المغني لابن قدامة: 8/ 489.

(2). الوسائل 15: الباب 24 من أبواب العدد الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 220

و لحظتان و لو ادّعى سقطاً مصوراً، أو مضغة أو علقة فقد جاء في الروايات تفصيل كل ذلك، فأقل المدّة للعلقة أربعون يوماً و للمضغة ثمانون يوماً، و للسقط المصور مائة و عشرون يوماً (أربعة أشهر) ( «1») فالظاهر تصديقها، و إن ادعى في توصيفها أمراً غير ممكن أخذاً باطلاق الرواية إلّا أن يقال بانّ توصيفها أمراً غير ممكن، يستلزم سلب الوثوق بقولها في أصل الوضع و معه كيف يمكن أن تكون المعتبرة محكمة.

4- إذا ادّعت الحمل فأنكر الزوج

إذا اتفقا على الحمل و اختلفا في الوضع، فقد مرّ حكمه و أمّا إذا لم يتفقا في أصل الحمل فادّعته الزوجة و أنكره الزوج وجهان:

1- تقديم قول الزوجة: لأنّ الحمل إحدى الأمور الثلاثة التي فوضت إليها كما روى الطبرسي عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ) قال: قد فوض اللّه إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض، و الطهر، و الحمل. ( «2») و لما ورد في صحيح زرارة من أنّ العدّة و الحيض للنساء. ( «3») ففيما إذا ادّعت الحمل و الوضع تدّعي الخروج عن العدّة، نعم لا يحتج به فيما إذا ادّعى أصل الحمل دون الوضع

لعدم ورود الحمل فيه بل إنّما ورد في المرسلة. و الاحتجاج بها يتوقف على جبر ضعفها بعمل الأصحاب و هو غير بعيد و إنّما يحتج عليه بما ورد من حرمة كتمانهنّ المتلازم لوجوب قبول قولهنّ قال سبحانه: (و لا يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ) ( «4»).

______________________________

(1). سنن البيهقي 266: 10، الكافي 13: 6.

(2). الوسائل ج 15: الباب 24 من أبواب العدد، الحديث 2 و 1.

(3). الوسائل ج 15: الباب 24 من أبواب العدد، الحديث 2 و 1.

(4). البقرة: 228.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 221

2- تقديم قول الزوج و لعلّه المشهور لمطابقة قوله الأصل، فيكون منكراً و الآخر مدّعياً و ليس مما لا تعسر اقامة البيّنة عليه، لو ادّعت الحمل و الوضع، و أمّا لو ادّعت أصل الحمل فيمكن استكشاف صحة قولها باختبارات بسيطة في أوائل الحمل فضلًا عن أواسطه فانّ لسان الحال يغني عن لسان القال.

5- إذا ادّعت انقضاء العدّة

إذا ادعت انقضاء العدّة و صدّقها الزوج لكنّه ادّعى الرجعة فعلًا أو قولًا قبل الانقضاء و أنكرته الزوجة، فالقول قول المرأة لكونها منكرة فتحلف على البت إذا ادّعى الرجوع الفعلي، و على عدم العلم إذا ادّعى الرجوع القولي.

فإذا كان الزوج مدّعياً للرجوع و الزوجة منكرة له، فلا يفرق في تقديم قول المنكر مع حلفه بين ما سبق دعواها الانقضاء على دعواه الرجوع، أو تأخره.

إنّما الكلام فيما إذا صدقته الزوجة في الرجوع و لكن ادّعت انقضاء العدة قبل الرجوع لتقع الرجعة في غير محلها فهناك أقوال:

1- تقديم قول الزوج و هو قول المحقق.

2- التفصيل بينما إذا تعيّن زمان انقضاء العدّة و ادّعى الزوج انّ رجوعه كان قبله فوقع في محله و ادّعت هي وقوعه بعده فوقع

في غير محلّه، فيقدّم قوله مع يمينه و بينما إذا تعيّن زمان الرجوع و ادّعت الزوجة انقضائها قبله، مثال الثاني: إذا اتفقا على انّ الرجوع كان يوم الجمعة و ادّعى الزوج انّ انقضاء العدّة كان يوم السبت و ادّعت هي انقضاءها كان يوم الخميس فالقول قولها بيمينها. اختاره السيد الأصفهاني (رحمه الله).

3- ما ذكره السيد الاستاذ (قدس سره) على عكس ما ذكره السيد الأصفهاني

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 222

و قال: فإن تعيّن زمان الانقضاء و ادّعى الزوج أنّ وقوعه كان قبله و ادّعت هي انّه بعده أنّ القول قولها بيمينها، و إن كان بالعكس بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء فالقول قوله بيمينه.

4- تقديم قولها في كلتا الصورتين و هو الأقوى كما سيتضح.

هذه هي الوجوه المحتملة، و إليك تبيينها:

أمّا القول الأوّل فوجه تقديم قول الزوج انّه مدع لصحة الرجوع و الزوجة مدّعية لفساده فيقدّم قول مدعى الصحّة:

يلاحظ عليه: أنّ قول مدعى الصحّة إنّما يقدّم إذا كان هناك فعل مشترك بين الطرفين كالبيع و الاجارة فادّعى أحدهما الصحة و الآخر الفساد، كما إذا قال: بعتك و أنا صبي و قال الآخر: «اشتريت منك و أنت بالغ»، و هذا بخلاف المقام فإنّ الرجوع فعل الزوج، قائم به، و إن كان له صلة بالزوجة و لكنّه ليس فعلًا مشتركاً بين الاثنين، و هذا مثل ما إذا قال الزوج: «أنت طالق» و قالت الزوجة: أنا حائض فلا يقدّم قول الزوج بحجّة انّه مدع للصحّة، و على ذلك فكلّ، مدع و منكر فلا تثبت الرجعة إلّا مع فرض نكول الزوجة عن اليمين.

أضف إلى ذلك انّ مقتضى ما دلّ على الائتمان بقولها في انقضاء العدّة تقتضي الأخذ

بقولها، إمّا مطلقاً أو فيما إذا اتفقا على وقت الرجعة و اختلفا في الانقضاء فادّعت الزوجة كونه قبل الرجعة. و اعترافها بالرجعة القولية لا ينافي الحكم بفسادها بسبب تأخرها عن انقضاء العدّة، إذ ليس الاعتراف، اعترافاً مطلقاً حتى يحمل على الصحّة بل اعترافاً برجوع فاسد.

و أمّا وجه القول الثاني فلأنّه إذا اتفقا على زمان الانقضاء يخرج المورد عمّا دلّ على الاعتماد بقولها في انقضاء العدّة، إذ المفروض انّ الطرفين اتفقا على أنّ

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 223

وقت الانقضاء يوم الخميس، و إنّما اختلفا في الرجوع فالزوج يدّعي وقوعه يوم الأربعاء و الزوجة تدّعي وقوعه يوم الجمعة، فيؤخذ بقول مدعى الصحّة، أو لأنّه ممّا لا يعلم إلّا من قبله.

نعم فيما إذا اتفقا على وقت الرجوع و اختلفا في الانقضاء فالمحكّم هو قولها لما مرّ من أنّها المرجع في الحيض و العدّة. ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره في الشقّ الثاني و إن كان لا غبار عليه إلّا أنّ الحكم بتقديم قول الزوج في الشقّ الأوّل غير تام لما عرفت في نقد القول الأوّل من أنّ الأخذ بقول مدع الصحّة إنّما هو فيما إذا كان هناك عمل مشترك يدّعي أحدهما صحته و الآخر فساده لا في مثل المقام.

و أمّا القول الثالث: أعني: ما ذكره سيدنا الأُستاذ (قدس سره) فهو مبني على جريان الأصل في مجهول التاريخ من الحادثين دون المعلوم منهما فعلى ضوء ذلك.

فإن تعيّن زمان الانقضاء و اختلفا في تقدّم الرجوع عليه و تأخره عنه، فالأصل عدم تحقّق الرجوع إلى زمان الانقضاء فيكون القول قولها و يكفي عدم احراز الرجوع في زمان العدّة، في الحكم بالبينونة و لا يلزم اثبات تأخر الرجوع

عن الانقضاء حتى يكون الأصل مثبتاً.

و أمّا إذا كان الأمر بالعكس بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء فالقول قوله بيمينه، و ذلك بنفس ما ذكرناه في الشق الأوّل من جريان الأصل في المجهول منهما، و هو أصالة عدم تحقق الانقضاء إلى زمان الرجوع، فيكون الرجوع واقعاً في زمان الزوجيّة.

يلاحظ عليه: انّ ما ذكره في الشقّ الأوّل صحيح لا غبار عليه، فانّ عدم

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 24 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 224

تحقق الرجوع إلى زمان الانقضاء كاف في الحكم بالبينونة و الأخذ بقولها و لا تحتاج إلى اثبات تأخر الرجوع عن الانقضاء فلا يكون الأصل مثبتاً.

و أمّا الشقّ الثاني فالأصل فيه مثبت لأنّ أصالة بقاء العدّة و عدم الانقضاء إلى زمان الرجوع لا يثبت كون الرجوع في العدّة، مع انّ الموضوع لقطع البينونة هو ثبوت كون الرجوع في زمان العدّة و إنّما هو لازم عقلي لبقاء العدّة و عدم انقضائها إلى زمان الرجوع إذ العقل يحكم عندئذ بأنّ الرجوع في العدة.

أضف إلى ذلك انّ الاعتماد على قول الرجل في هذه الصورة مخالف لإطلاق صحيح زرارة من أنّها المرجع في خروج العدّة إذ المفروض انّ زمان الرجوع متعيّن و إنّما الاختلاف في زمان انقضاء العدّة فهي تدعي انقضاءها قبله، و الزوج يدّعي العكس، فيؤخذ بقولها أخذاً بصحيح زرارة من أنّ العدّة إلى النساء.

في جواز الحيل الشرعية

ثمّ إنّ المحقّق الحلّي تبعاً لبعض الفقهاء خصّ المقصد الرابع بجواز استعمال الحيل الشرعية الّتي لها باب واسع في الفقه و قد أُشير إليها في الروايات في أبواب الربا، و الزكاة و غيرهما، غير انّ الافتاء في كلّ مسألة من المسائل المتشتتة يتوقف على

الرجوع إلى أدلّتها بالخصوص، و بما انّ المسائل متنوعة لا يجمعها عنوان واحد سوى جواز استعمال الحيل نترك كلّ مسألة إلى بابها، لكن نشير إلى نكتة و هي:

انّ جواز استعمال الحيل يتوقف- مضافاً إلى جواز نفس الحيلة بالذات فلا يتمّ في ما كان نفس الوسيلة حراماً- على عدم استلزام استعمال الحيلة لغوية القانون و الحكم الشرعي، فلو رخصنا الربا بالتمسك بحيلة شرعية مباحة على

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 225

وجه لزمت لغوية الحكم و عاد الناس إلى أكل الربا بلا هوادة، فلا شك انّه حرام لاستلزامه مسخ الشريعة و تبديلها عمّا هي عليها.

و لأجل ذلك يجب على الفقيه رعاية الاحتياط التام في هذا المجال، حتّى لا يكون سبباً لجرأة الناس على اقتراف المحرّمات عن طريق الحيل و الذي يدلّ على ذلك هو الآيات الواردة في شأن قوم كانوا يسكنون على شاطئ بحر فنهاهم نبيّهم عن اصطياد السمك في يوم السبت، فتوصلوا بحيلة و هو حفر أخاديد و جداول تؤدي إلى حياض فيتهيأ للحيتان الدخول من تلك الطرق و لا يتهيأ لها الخروج إذا همّت بالرجوع، فجاءت الحيتان يوم السبت، فدخلت الأخاديد، و حصلت في الحياض و الغدران، و لم تقدر على الخروج و بقيت ليلتها في مكانها، و بعده كان القوم يأخذون السمك ليلة الأحد و يومها قائلين بانّ الصيد لم يكن في السبت بل هو في يوم الأحد فأنزل اللّه فيه قوله سبحانه: (وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنٰا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ). ( «1»)

و قال سبحانه: (وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ حٰاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتٰانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لٰا

يَسْبِتُونَ لٰا تَأْتِيهِمْ كَذٰلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَفْسُقُونَ). ( «2»)

و الآية و ما ورد في شأن نزولها تصدّ الفقيه عن الاجتراء بالافتاء باستعمال الحيل الشرعية إلّا إذا كان هناك اضطرار عرفي أو غرض ديني رفيع.

إنّ بعض الفقهاء المعاصرين صاروا بصدد تصحيح كثير من المعاملات الربويّة بإرجاعها إلى عناوين اخرى حتى تنطبق عليه العناوين المحلّلة مع أنّ

______________________________

(1). البقرة/ 61.

(2). الأعراف/ 163.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 226

الذي لا يدور في خلد المتعاملين هي تلك العناوين الثانوية التي اضيفت إليها.

ترى تلك القصة في كثير من المعاملات الدارجة باسم الصك و الحوالة و غيرها.

أضف إلى ذلك أنّ كثيراً من التصحيحات تحت اسم الحيل الشرعية تعطي الجرأة للعامّي في مجالات لا تحمد عاقبتها. فالأولى الاكتفاء بالعناوين الأوليّة و العناوين الثانوية الدارجة و اما نحت الحيل الشرعية و العناوين الذهنية المغفولة بين الناس فالاعراض عنها أحوط و أولى.

هذا هو ملخص القول في جواز الحيل الشرعية و أمّا البحث عن مسائلها واحدة بعد أُخرى فهو موكول إلى محلّها.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 227

الفصل الرابع: في العدد و فيه أُمور

اشارة

1. في من يعتدّ و من لا يعتدّ.

2. في عدّة ذات الأقراء.

3. في عدّة ذات الشهور.

4. حكم البالغة: المرتابة و غير المرتابة.

5. في عدّة الحامل.

6. إذا مات الزوج أثناء العدّة و صورها الثلاثة.

7. حكم من حملت من زنا.

8. في الحامل عن شبهة.

9. في اختلاف الزوجين في تاريخي الطلاق و الوضع.

10. في عدّة الوفاة في الدائم و المتمتع بها.

11. في عدّة الحامل المتوفي عنها زوجها.

12. حكم المفقود عنها زوجها.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 229

في العدد

العدّة عبارة عن أيّام تربص المرأة الحرّة بمفارقة الزوج أو ذي الوطء المحترم بفسخ أو طلاق

أو موت أو زوال اشتباه. و بيان ذلك يتمّ في ضمن أُمور:

الأمر الأوّل: فيمن يعتدّ و من لا يعتدّ

اشارة

و نبيّن ذلك في ضمن امور:

1- عدّة الفراق للمدخول بها فقط

لا فرق في عدّة الوفاة بين كون المرأة مدخولًا بها أو لا، فانّ العدّة نوع حداد من المرأة بالنسبة إلى زوجها فتجب مطلقاً. أخذاً باطلاق قوله سبحانه: (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً). ( «1»)

و أمّا عدّة الفراق فلا عدّة على من لم يدخل بها سواء بانت بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة، لصريح قوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمٰا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهٰا فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا). ( «2»)

______________________________

(1). البقرة: 233.

(2). الأحزاب: 49.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 230

و قد تضافرت الروايات على عدم العدّة لغير المدخول بها روى الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدّة، تزوج من ساعتها إن شاءت و تبينها تطليقة واحدة و إن كان فرض لها مهراً فنصف ما فرض. ( «1»)

و هذا ممّا لا شكّ فيه إنّما البحث في فروع اخر نشير إليها.

2- كفاية الدخول و إن لم ينزل

المراد من المسّ و الدخول عند المشهور، إيلاج الحشفة و إن لم ينزل من غير فرق بين الفحل، و الخصي، و معيب الانثيين و ذلك لأنّ الموضوع للحكم هو الدخول كما هو واضح لمن لاحظ روايات الباب. ( «2»)

أضف إلى ذلك اطلاق ما ورد في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل دخل بامرأة قال: إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة. ( «3»)، و كون العدّة لأجل احراز براءة الرحم من الحمل، لا ينافي سعة الحكم كما هو الحال في الحكم و المصالح الشرعية. و لأجل ذلك وجبت العدّة

لمن نعلم براءة رحمها من الحمل، كما إذا فارقها الزوج عدّة شهور ثمّ طلّقها.

نعم ورد في صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سأله أبي و أنا حاضر عن رجل تزوّج امرأة فأُدخلت عليه و لم يمسّها و لم يصل إليها حتّى طلّقها، هل عليها عدّة منه؟ فقال: إنّما العدّة من الماء، قيل له: فإن كان واقعها في

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 1 من أبواب العدد الحديث 4، و لاحظ الأحاديث، 2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 8 من هذا الباب.

(2). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 1 من أبواب العدد.

(3). الوسائل ج 15: الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 231

الفرج و لم ينزل؟ فقال: إذا أدخله وجب الغسل و المهر و العدّة. ( «1») و لكن الذيل الدال على انّ الميزان هو الدخول، حاكم على قوله «إنّما العدّة من الماء» فيحمل على الفرد الغالب.

و يؤيد ذلك، ما ورد في بعض رواياته: «ملامسة النساء هي الإيقاع بهنّ» ( «2») و ما ورد في موثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج. ( «3») و إن كان المتبادر منهما أنّهما بصدد نفي علّة مطلق اللمس و انّه يجب أن ينتهي اللمس إلى الوقاع، لكن- مع ذلك- لا يبعد اطلاقهما في أنّ الإيقاع على وجه الاطلاق، يوجب العدّة.

3- هل هنا فرق بين القبل و الدبر

و قد تسالم الأصحاب على التسوية و يمكن أن يستدل لهم بوجوه:

أ: اطلاق الروايات الدالة على أنّ العدّة تدور مدار الدخول. ( «4»)

يلاحظ عليه: انّ المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع

خصوصاً بعد كون الفرد الآخر، موضع خلاف في عصر ورود الروايات بين فقهاء الإسلام و لأجل ذلك ورد في بعضها «محاش نساء امّتي على رجال امّتي حرام». ( «5»)

ب: ما ورد انّه أحد المأتيّين ( «6»).

يلاحظ عليه: انّ اللفظ الأوّل ورد في مرسلة حفص بن سوقة، عمن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يأتي أهله من خلفها قال: هو أحد

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 1، 2، 6.

(2). الوسائل ج 15: الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 1، 2، 6.

(3). الوسائل ج 15: الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 1، 2، 6.

(4). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 1 من أبواب العدد.

(5). الوسائل ج 14: الباب 72 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 5.

(6). الوسائل ج 14: الباب 73 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 7 و 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 232

المأتيّين، فيه الغسل. ( «1»)

و أمّا الآخر فالظاهر من بعض الروايات انّ الفرج لا يطلق إلّا على القبل فقط ففي رواية موسى بن عبد الملك، عن رجل قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن اتيان الرجل المرأة من خلفها فقال: أحلّتها آية من كتاب اللّه- قول لوط-: (هٰؤُلٰاءِ بَنٰاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) و قد علم أنّهم لا يريدون الفرج. ( «2»). و على ذلك فلا يصلح المروي: «إحدى الفرجين» إلّا على سبيل الاستعارة، فاثبات تمام أحكام المعنى الحقيقي من جواز الوطء و المهر و العدة، يحتاج إلى احراز عموم المنزلة و هو بعد لم يحرز.

هذا من جانب و من جانب آخر ورد في موثق يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)

قال: سمعته يقول: لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج. ( «3») فإن قلنا بشموله للدبر يجب الالتزام بالمهر و هو غير معروف و التفريق بين المهر و العدّة بتخصيص الأوّل بالقبل و تعميم الثاني كما ترى.

أضف إلى ذلك ما يظهر من صحيح أبي عبيدة أنّ العدّة تترتب على الالتذاذ من الجانبين، و وجودها كذلك في الدبر غير ظاهر بل الظاهر من الروايات انّ مسّها منها، موجب للأذى حيث قال: «هي لعبتك فلا تؤذها». ( «4»)

فالتوقف و الافتاء بالاحتياط أولى من الافتاء بالوجوب كما لا يخفى.

4- لا فرق بين وطء الكبير و الصغير

نقل عن بعض الأصحاب أنّه لا فرق بين وطء الكبير و الصغير و إن نقص

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 73 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 7 و 3.

(2). الوسائل ج 14: الباب 73 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 7 و 3.

(3). الوسائل ج 15: الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 6.

(4). الوسائل ج 14: الباب 72 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 233

سنّه عن زمان امكان التولّد منه عادة: لإطلاق النص و محل البحث فيما إذا دخل و لم ينزل و إلّا فهو بالانزال يكون بالغاً. و يرد عليه ما ذكرناه في الفرع السابق من انصراف أدلّة الدخول إلى الفرد الشائع لأنّه لا يخلو إمّا أن يدخل في الصغر و يطلّق فيه، أو يصبر و يطلّق في الكبر، و الأوّل غير مراد قطعاً لأنّ طلاق الصغير باطل، و ليس للولي الطلاق و إن كان له النكاح، فينحصر فيما إذا دخل في الصغر، و طلّق في الكبر، و هو نادر جدّاً.

و يمكن الاستئناس بما ورد في خبر الواسطي في عدم حصول التحليل

بالغلام الذي لم يحتلم حتى يبلغ حيث قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام): رجل طلّق امرأته الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فتزوّجها غلام لم يحتلم، قال: لا حتى يبلغ، فكتبت إليه: ما حدّ البلوغ؟ فقال: ما أوجب اللّه على المؤمنين الحدود. ( «1»)

غير أنّ كون الحكم وضعياً لا تكليفياً تقوى وجوب العدّة مطلقاً، لعدم الفرق في الأحكام الوضعية بين البالغ و غيره فالضمانات و الغرامات بين الكبير و الصغير سواسية. فلا يترك الاحتياط.

5- لا فرق بين قصد الفعل و عدمه

لا فرق بين قصده الفعل و عدمه بعد كون الملاك صدق الدخول و التقاء الختانين على ما عرفت و بما أنّ الحكم وضعي يعم القاصد و غيره كما هو الحال في سائر الأحكام الوضعية، حيث لا يشترط في الغرامات و الضمانات سوى صدور الفعل عن الانسان.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 8 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 234

الأمر الثاني في عدّة ذات الاقراء

اشارة

و عرفت بالمستقيمة الحيض أي التي يأتيها حيضها في كل شهر مرّة على عادة النساء و في معناها معتادة الحيض فيما دون ثلاثة أشهر.

و ربما تعرف بمن تكون بها عادة مضبوطة وقتياً سواء انضبط العدد أم لا.

لكنه غير مطرد لأنّ معتادة الحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر، لا تعتد بالاقراء و إن كانت لها عادة وقتياً و عدداً.

فالمستقيمة الحيض تعتد بثلاثة أقراء نصّاً من اللّه سبحانه: (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ). ( «1»)

نعم يجب البحث عن معنى القرء الذي يجمع ب- «قروء» فهل المراد منه الأطهار أو المراد منه الحيضات، بعد كون لفظ القرء مشتركاً بين الطهر و الحيض.

يظهر من الروايات أنّه قد اختلفت كلمات الصحابة و التابعين في تفسير اللفظ. قال الشيخ في الخلاف: الاقراء هي الاطهار، و به قال عبد اللّه بن عمر، و زيد بن ثابت و عائشة، و به قال الفقهاء السبعة، و في التابعين الزهري و ربيعة، و به قال مالك و ابن أبي ليلى و الشافعي و أبو ثور و غيرهم، و قال قوم: الاقراء هي

______________________________

(1). البقرة: 226.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 235

الحيض، ذهب إليه على ما رووا

عن علي- عليه الصلاة و السلام- و عمرو بن مسعود و ابن عباس و أبو موسى، و به قال أهل البصرة: الحسن البصري و عبيد اللّه بن الحسن العنبري، و به قال الأوزاعي و أهل الكوفة و الثوري و ابن شبرمة و أبو حنيفة و أبو يوسف و محمد و إسحاق، و حكى عن أحمد أنّه قال: الأظهر عندي قول زيد بن ثابت أنّها الأطهار و روى انّه قال لا أحسن أن أفتي في هذه المسألة بشي ء مع اختلاف الصحابة فيها- دليلنا- إجماع الفرقة و أخبارهم، و أمّا القرء فهو يشترك بين الطهر و الحيض في اللغة.

و في الناس من قال: هو عبارة عن جمع الدم بين الحيضتين مأخوذ من قرأت الماء في الحوض إذا جمعته، و فيهم من قال هو اسم لاقبال ما كان اقباله معتاداً و ادبار ما كان ادباره معتاداً، يقال أقرأ النجم إذا طلع لأنّ طلوعه معتاد، أقرأ النجم إذا غاب لأنّ غيبوبته معتادة، فسمّى الطهر و الحيض قرءاً لأنّ غيبتهما معتادة، و إذا كان ذلك مشتركاً رجعنا في البيان إلى الشرع.

و روي أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال لفاطمة بنت أبي حبيش: صلّى أيّام أقرائك يعني أيّام طهرك.

و روي انّه قال: لعبد اللّه بن عمر حيث طلّق امرأته و هي حائض: هكذا أمرك ربّك إنّما السنّة أن تستقبل بها ثمّ تطلّقها في كل قرء تطليقة يعني في كل طهر، و المعول على ما قلناه. ( «1»)

و يمكن الاستدلال على أنّ المراد من القروء في الآية هو الأطهار بأنّ الأصل في مادة قَرَأَ هو الجمع لكن لا كلّ جمع بل الجمع الذي يتلوه الصرف، و عليه الأولى

أن يراد منها الطهر، لأنّه حالة جمع الدم، و أمّا الحيض فهو حالة القذف، و لعلّه

______________________________

(1). الخلاف 3/ 50، المسألة 2، كتاب العدّة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 236

بهذه العناية أطلق على الجمع بين الحروف «القراءة» و قد صرح أهل اللغة بأنّ معناه هو الجمع.

و بذلك يشعر قوله سبحانه: (لٰا تُحَرِّكْ بِهِ لِسٰانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنٰا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ* فَإِذٰا قَرَأْنٰاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) ( «1») و قوله تعالى: (وَ قُرْآناً فَرَقْنٰاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّٰاسِ عَلىٰ مُكْثٍ). ( «2»)

و يمكن الاستدلال بقوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ( «3») و يتمّ الاستدلال ببيان أمرين:

1- أنّ المراد هو الطلاق المشروع السنّي لا البدعي، و على ذلك فلا يشمل الطلاق في الحيض أو في طهر المواقعة لأنّ الطلاق فيهما إمّا باطل على مذهب الحق أو محرّم بدعي على مذهب العامّة، و على كلّ تقدير فمنصرف الآية خصوصاً بعد توجه الخطاب إلى النبي (و إن كانت النتيجة عامة) هو الطلاق الصحيح غير البدعي و هو ليس إلّا الطلاق في الطهر.

2- المتبادر من الآية تربص المرأة بعد الطلاق و اعتدادها وراءه، فإذا كان الطلاق في الطهر كان التربّص فيه أيضاً.

و على ضوء هذين الأمرين تبيّن أنّ المراد من العدّة هو الطهر و بالملازمة يكون المراد من القرء هو الطهر أيضاً، و قد روى العامّة عن النبي أنّه لما طلّق ابن عمر زوجته و هي حائض، قال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لأبيه: مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلّق أو ليمسك، و تلى النبي قوله تعالى: (إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي

______________________________

(1). القيامة: 18- 19.

(2). الأسراء: 106، الميزان: 2/ 241-

242.

(3). الطلاق: 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 237

مستقبلًا لعدتهنّ. ( «1»)

و أمّا الروايات، فقد تضافرت على أنّ المراد من القرء هو ما بين الحيضتين. روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: القرء ما بين الحيضتين ( «2»)، و رواه أيضاً محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ( «3») و روى أيضاً زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الاقراء هي الاطهار ( «4»)، و روى أيضاً قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي أنّ الاقراء التي سمّى اللّه عزّ و جلّ في القرآن إنّما هو الطهر فيما بين الحيضتين، فقال: كذب لم يقل برأيه و لكنّه إنّما بلغه عن على (عليه السلام)، فقلت: أ كان علي (عليه السلام) يقول ذلك؟ فقال: نعم إنّما القرء الطهر الذي يقرأ فيه الدم فيجمعه فإذا جاء المحيض دفعه. ( «5»)

نعم، في مقابل تلك الروايات، ما يظهر منه أنّ المراد من القرء هو الحيض، مثل صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: عدّة التي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة قروء، و هي ثلاث حيض. ( «6»)

و موثقة عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن أبيه قال: قال علي (عليه السلام): إذا طلّق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة. ( «7») إلى غير ذلك من الروايات التي نقلها الشيخ الحرّ في وسائله.

و هذه الروايات إمّا مؤوّلة و إمّا محمولة على التقية، و يؤيد ذلك ما رواه زرارة

______________________________

(1). مجمع البيان: 1/ 326.

(2). الوسائل ج 15: الباب 14 من أبواب العدد، الحديث 1- 2- 3- 4- 7 و بهذا المضمون

روايات كثيرة في هذا الباب.

(3). الوسائل ج 15: الباب 14 من أبواب العدد، الحديث 1- 2- 3- 4- 7 و بهذا المضمون روايات كثيرة في هذا الباب.

(4). الوسائل ج 15: الباب 14 من أبواب العدد، الحديث 1- 2- 3- 4- 7 و بهذا المضمون روايات كثيرة في هذا الباب.

(5). الوسائل ج 15: الباب 14 من أبواب العدد، الحديث 1- 2- 3- 4- 7 و بهذا المضمون روايات كثيرة في هذا الباب.

(6). الوسائل ج 15: الباب 14 من أبواب العدد الحديث 7.

(7). الوسائل ج 15: الباب 15 من أبواب العدد، الحديث 12، و بهذا المضمون الحديث 15 و 16 من الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 238

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أصلحك اللّه رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين، فقال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها، و حلّت للأزواج. قلت له: أصلحك اللّه إنّ أهل العراق يروون عن علي (عليه السلام) أنّه قال: هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. فقال: فقد كذبوا. ( «1»)

و ما رواه أيضاً عن أبي جعفر (عليه السلام) انّ علياً (عليه السلام) كان يقول: إنّما القرء الطهر يقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض قذفته، قلت: رجل طلّق امرأته طاهراً من غير جماع بشهادة عدلين؟ قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة انقضت عدّتها و حلّت للأزواج، قلت: إنّ أهل العراق يروون عن علي (عليه السلام) انّه أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة؟ فقال: كذبوا. ( «2»)

نعم يمكن تأويل بعض هذه الروايات بأنّ المراد دخولها في الدم الثالثة حتى يتيقّن خروجها عن الطهر، و هو يتمّ في

بعض تلك الروايات لا جميعها.

حكم المفسوخة و المفارقة باللعان

لا شك أنّ هذا الحكم حكم من يفارق الزوج بسبب صحيح و أن أخذ المطلّقات في عنوان الحكم لكونه السبب الغالب، فعلى ذلك فتعتدّ المفسوخة العقد، و المفارقة عن زوجها باللعان إذا كانت مدخولة، لما عرفت أنّ تمام الموضوع للحكم هو الدخول أو التقاء الختانين، أو صبّ الماء في الرحم و الكل موجودة فيهما، خرج منه الزانية على اختلاف فيها، و لو شك فالأصل الحرمة على الغير إلّا بالاعتداد.

نعم إنّ تفسير القرء بما بين الحيضتين تفسير على الغالب و إلّا فربّما يكون

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 15 من أبواب العدد، الحديث 1 و 19.

(2). الوسائل ج 15: الباب 15 من أبواب العدد، الحديث 1 و 19.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 239

الطهر بين النفاس و الحيض، كما إذا طلّقها بعد الوضع قبل أن تَر دماً ثمّ رأته لحظة ثمّ رأت الطهر عشراً، ثمّ رأت الحيض ثلاثاً، فكان ما بينهما عدّة و إن كان هذا القرء نادراً.

انقضاء العدّة برؤية الدم الثالث

إذا كانت مدّة التربّص، الاطهار الثلاثة فتخرج من العدّة بقذف الدم الثالث، ففي موثقة زرارة «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها و لا سبيل له عليها و إنّما القرء ما بين الحيضتين. ( «1»)

ثمّ إنّ ظاهر الأصحاب الاكتفاء في القرء الأوّل بلحظة منه بعدَ الطلاق، فضلًا عن الزائد منها، و يدلّ عليه اطلاق النصوص الدالة على انقضاء العدّة بمجرد رؤية الدم الثالث سواء كان الطلاق في أوّل الطهر أو وسطه أو آخره.

أضف إلى ذلك: أنّ إيقاع الطلاق في ابتداء الطهر الأوّل على وجه لا يمضي منه إلّا مقدار زمان وقوع الطلاق أمر حرجي، و على فرض عدم اعتباره لا فرق فيما بقي من

الطهر الأوّل بين القليل و الكثير.

ثمّ الظاهر من المحقق في النافع خروج العدّة برؤية الدم الثالث في ذات العادة الوقتية سواء كانت بالنسبة إلى أوله منضبطة كالمعتادة في أول الشهر أو مضطربة كان رأت تارة في أوله و اخرى في وسطه أو آخره، و على كل تقدير فتخرج من العدّة في القسمين بمجرد رؤية الدم الثالث.

ذهب المحقق في الشرائع إلى أنّ الانقضاء بمجرد رؤية الدم الثالث يختصّ

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 15 من أبواب العدد، الحديث 4، و لاحظ 1 و 2 و 5 و غيرها من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 240

بما إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان و مضبوطة بالوقت، و غيرها تكون كالمضطربة فلا يحكم بانقضاء العدة إلّا مع العلم بكونه حيضاً و ذلك بعد مضي ثلاثة أيّام أخذاً بالاحتياط.

و الظاهر هو الأوّل لقاعدة الامكان و انّه كلّما أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض و إن كان الاستظهار، أي الجمع بين عمل تروك الحائض و فرائض المستحاضة، مستحباً و لو لزم الاحتياط لما اختص بالمضطربة وقتاً بل تعم ذات العادة الوقتية لامكان تخلّفها و انقطاعه قبل مضي الثلاثة أيام بل و بعد الثلاثة لامكان استمرار الدم و تجاوزها عن العاشرة إلى حد، يجب عليها أن يتراجع إلى التميز المقتضي كون الحيض آخر الدم أو وسطه ... و هكذا و التفصيل في محله.

أقل زمان تنقضي به العدّة

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 240

إنّ أقل زمان تنقضي به العدّة ستة و عشرون يوماً و لحظتان، بأن يطلّقها و

قد بقي من الطهر لحظة بعد الطلاق ثمّ تحيض أقل الحيض ثلاثة أيّام، ثمّ تطهر أقل الطهر عشرة أيام، ثمّ تحيض أقل الحيض ثمّ تطهر أقل الطهر فصار الجميع ستة و عشرون يوماً و لحظة ثمّ تحيض بعد تمام العشرة الأخيرة لحظة فتكون اللحظة الأخيرة كاشفة عن الخروج من العدة و لا مدخل لها في العدة بعد تفسير العدّة بالاطهار و إن نسب إلى الشيخ كونها جزء منها، و الحق إنّها مقدمة علمية، لا دخل لها في العدّة و تظهر الثمرة لو توفّي أو توفّت في تلك اللحظة فلا يتوارثان، كما أنّه لو عقد عليها، لما كان عقداً في العدة إلى غير ذلك من الآثار.

و ربما يتصوّر أقل مما ذكر بل تبلغ إلى ثلاثة و عشرون يوماً و ثلاث لحظات و ذلك فيما إذا كان طلّق بعد الوضع و قبل الرؤية، بلحظة، ثمّ ترى دم النفاس

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 241

لحظة (و قد تحقق في محلّه أنّ النفاس لا حدّ لها في جانب الأقل) ثمّ مضى لها أقل الطهر ثمّ رأت الدم ثلاثة أيّام على النحو المذكور في الصورة الأُولى.

إذا اختلف الزوجان في بقاء جزء من الطهر بعد الطلاق

قد عرفت أنّه يكفي بقاء جزء من الطهر بعد الطلاق و يحسب طهراً أو لا، فلو ادّعت الزوجة بقاءه لتقصر بذلك عدّتها و أنكر الزوج بأن ادّعى وقوع الحيض بعد الطلاق بلا فصل لتكون الاطهار الثلاثة متأخّرة عن الحيض فتطول مدة العدة ليتمكن من الرجوع، فلا شك أنّ قول الزوج هو المطابق للأصل أي بقاء العدّة و عدم خروجها من العدّة، فمقتضى الضابطة الأولى، تقديم قوله مع حلفه إلّا أنّها متروكة بما دلّ على الائتمان لها في الأُمور الثلاثة. الحيض و

العدّة و الحمل و قد مضت رواياته.

و لو وقع في الطهر ثمّ حاضت بعد انتهاء التلفّظ بصيغة الطلاق بحيث لم يتخلل زمان بين الطلاق و الحيض فهل يصح الطلاق أولا؟، و على فرض صحته فهل يعتد بذلك الطهر أو لا؟

أمّا الأوّل فالظاهر الصحة بعد كونه واقعاً في طهر جامعاً للشرائط و عدم امكان الاعتداد بعده لا يضرّ بصحته إذ ليس وجود الطهر بعده من شرائط صحته.

أمّا الثاني فلا، لأنّ الظاهر من قوله: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) كما مرّ، حصول الاعتداد بطهر بعد الطلاق و هو هنا منتف كما أنّ المتبادر من قوله (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ) البقرة/ 228 هو تحقق التربّص بعد اتصافهنّ بالمطلّقات، و لأجل ذلك تفتقر في انقضاء عدتها إلى ثلاثة اقراء مستأنفات.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 242

الأمر الثالث في عدّة ذات الشهور و أحكام النساء الست في ضوء القرآن

اشارة

قد عرفت أنّ خروج مستقيمة الحيض و من لحقت بها من معتادة الحيض دون الثلاثة أشهر عن العدّة بالاطهار الثلاثة. و بالجملة كلّ من كان الطهر الفاصل بين حيضتين منها أقل من ثلاثة أشهر، يرجع إلى الأقراء كما عرفت، و أمّا إذا لم تكن لها عادة معيّنة على نحو تمضي عليها ثلاثة شهور بيض لا ترى فيها دماً، فعليها الاعتداد بالشهور الثلاثة. و على ذلك فالآيتان الكريمتان كافلتان لبيان عدّة المطلّقة، فقوله سبحانه: (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ) ( «1») راجع إلى ذات الأقراء، و الأُخرى أعني قوله سبحانه: (وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسٰائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلٰاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللّٰائِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) ( «2») راجعة إلى ذات الشهور أي من ليست لها

عادة وقتيّة.

و بالوقوف على مفاد الآيتين تتبيّن كيفية اعتداد غالب المطلقات. فنقول: أمّا الآية الأُولى فقد مضت، و أمّا الثانية فالنساء المطلّقات غير ذوات الأقراء على أقسام:

1- الصغيرة المدخول بها.

2- البالغة المدخول بها و لم تحض بعد، و هي في سن من تحيض.

______________________________

(1). البقرة: 228.

(2). الطلاق: 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 243

3- ما اقتربن حد اليأس و ارتفعت حيضهنّ لعامل مردد بين كونه لحبل أو ليأس.

4- اليائسات القطعية.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الآية الثانية مؤلّفة من عدّة جمل:

1- (وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسٰائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلٰاثَةُ أَشْهُرٍ).

2- (وَ اللّٰائِي لَمْ يَحِضْنَ).

3- (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).

إنّ الجملة الثانية عطف على الجملة الأُولى و بما أنّها مقيّدة بقوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) تكون الثانية أيضاً مقيدة بها، و على كل حال فالجزاء في كل منهما واحد: و هو (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلٰاثَةُ) و كأنّه سبحانه و تعالى يقول:

أ- و اللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر.

ب: و اللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهنّ ثلاثة أشهر.

ج: و أولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ.

و عليه يكون لكل من الجملتين الأُوليين منطوق و مفهوم.

أمّا الجملة الأُولى فمنطوقها عبارة عن اليائسة المرتاب فيها و علّة الريبة احتمال أنّ ارتفاع طمثها لحبلها، أو لبلوغها حد اليأس فهي تعتد بثلاثة أشهر، و عليه يكون معنى قوله «يئسن من المحيض» أي أشرفن و قربن منه و إلّا فلو كان المقصود هو البالغ حد اليأس قطعاً فلا وجه للارتياب و هذا نظير قوله سبحانه: (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). ( «1»)

______________________________

(1). البقرة: 231.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 244

و أمّا مفهومها و

هو: اللائي يئسن من المحيض من نسائكم من دون الارتياب كما في الطاعنة في السن، اليائسة القطعية- فلا عدة لها لا بالاقراء و لا بالثلاثة.

أمّا الجملة الثانية فمنطوقها عبارة: اللائي لم يحضن إن ارتبتم فيهن- كما إذا كن في سن من تحيض و لا يحضن فعدتهنّ ثلاثة أشهر، و وجه الارتياب هو احتمال أن يكون ارتفاع الطمث مستنداً إلى الحبل أو الضعف البدني.

و أمّا مفهومها و هو: اللائي لم يحضن من دون ارتياب- كما إذا لم يكن في سن من تحيض- فلا عدّة لهنّ لا بالأقراء و لا بالثلاثة، و ذلك كما في الصغيرة المدخول بها في أواسط العقد الثاني من عمرها،.

إلى هنا تبين حكم أربع نساء: اثنتان من المنطوق و اثنتان من المفهوم.

1- اللواتى اشرفن على اليأس مع الارتياب (بالمنطوق).

2- اللواتى يئسن من الحيض بلا ارتياب (بالمفهوم).

3- اللواتى لم يحضن و هنّ في سن من تحيض مع الارتياب (بالمنطوق)

4- اللواتى لم يحضن بلا ارتياب كالصغيرة المدخول بها (بالمفهوم).

ثمّ إنّ حكم الحامل من حيث مقدار العدّة فقد بيّنه سبحانه في الجملة التالية: (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).

و أمّا حكم المرأة التي تحيض بلا ريب و لا ارتياب فقد بين حكمها سبحانه بقوله: (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ).

و بذلك تبين حكم النساء من حيث مقدار العدّة: فخمس منهنّ تبين حكمهن من آية سورة الطلاق، و السادسة من آية سورة البقرة ( «1»).

______________________________

(1). البقرة: 231.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 245

هذا إذا قلنا بأنّ القيد (إن ارتبتم) قيد للمعطوف أيضاً، و أمّا لو خصصناه بالمعطوف عليه فيكون من لا تحيض مطلقاً سواء كانت بالغة أو لا محكومة بالاعتداد بالأشهر مطلقاً. و هو

بعيد.

ثمّ إنّ للسيد المرتضى رأياً آخر في تفسير الآية يليق التنبيه به و هو أنّه حمل الجملة الاولى على اليائسة القطعية، بحجة أنّ الآية قد قطع على اليأس من المحيض بقوله: (وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) و المشكوك حالها و المرتاب في أنّها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة.

و لما التفت السيد إلى انّها مشروطة بقوله: (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فسّر الارتياب بأنّ المراد هو الشك في فرض العدّة عليها أولا، و استشهد على ذلك بما روى عن أُبي بن كعب من أنّه قال: يا رسول اللّه إنّ عدداً من النساء لم يذكر في الكتاب: الصغار و الكبار و أُولات الأحمال، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: (وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ...) فكان سبب نزول هذه الآية، الارتياب الذي ذكرناه أي فقد العلم بكتابة العدة لهن.

هذا كله في الفقرة الأُولى من الآية، و أمّا الفقرة الثانية فحملها على الصغيرة و قال: و اللائي لم يبلغن، عدتهنّ الأشهر. ( «1»)

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ المراد من قوله: (وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ) ليس من يقطع يأسها، بل المراد هو قربهن من اليأس و اشرافهن عليه كما مر نظيره في قوله: (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ...) و بذلك ينسجم معنى الآية مع الشرط الوارد فيها، و يظهر عدم صحة قوله: «قد قطع في الآية على اليأس من المحيض».

و ثانياً: أنّ تفسير الشرط (إن ارتبتم) بالجهل و عدم العلم بفرض العدّة

______________________________

(1). الانتصار: 146- 147.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 246

عليهنّ و عدمه تفسير بعيد عن الأذهان، و خلاف ما هو المتبادر في عصر التابعين و من بعدهم فانّهم لن يفهموا من هذا الشرط إلّا الريبة من يأسهن و احتمال أنّ

ارتفاع طمثهن لأجل بلوغهن حدّ اليأس أو لأمر آخر من الحبل و غيره، كما هو واضح لمن راجع كلمات الفريقين و الروايات ( «1»). و ما روى عن أبي بن كعب ليس بحجة على أنّ ظاهره ليس على حدّ يتفق مع ما يدعّيه السيد.

و ثالثاً: أنّ حصر مفاد الفقرة الثانية على الصغيرة بعيد جداً، بل الظاهر أنّ المراد منه هو من لا تحيض و هي في سنّ من تحيض، فيختص بالبالغة لأنّ لفظة «لا تحيض» لا يطلق إلّا على من، شأنه التحيّض، لا من هو خارج عن ذلك المجال فحصرها في الصغيرة أبعد، كما أنّ القول بإطلاقها و شمولها لمطلق البالغة و إن لم تدرك الحيض كما إذا دخلت العاشرة بعيد، و الظاهر انصرافه إلى البالغة المدركة للحيض. ( «2») كل هذا حول الآية، فلنقدّم الكلام عن الصغيرة و اليائسة القطعية. فنقول:

الصغيرة و اليائسة القطعية

المشهور انّه لا عدّة لهما: قال الشيخ في الخلاف: الأظهر من روايات أصحابنا أنّ التي لم تحض و مثلها لا تحيض و الآيسة من المحيض و مثلها لا تحيض، لا عدّة عليهما من طلاق، و إن كانت مدخولًا بها، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: يجب عليهما العدّة بالشهور و به قال قوم من أصحابنا- دليلنا- روايات أصحابنا و أخبارهم و قد ذكرنا و أيضاً قوله تعالى: (وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسٰائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلٰاثَةُ أَشْهُرٍ) فشرط في إيجاب العدّة ثلاثة أشهر إن

______________________________

(1). لاحظ الباب 4 من أبواب العدّة عامة، الروايات و صحيحة الحلبي الحديث 7، خاصة.

(2). نعم سيوافيك لزوم اعتداد البالغة غير المدركة للحيض لأجل النص الوارد فيها فانتظر.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 247

ارتابت، و الريبة لا تكون إلّا فيمن تحيض مثلها، و أمّا من لا تحيض مثلها فلا ريبة عليها. ( «1»)

و قال في الحدائق: «اختلفوا في الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين إذا طلّقت بعد الدخول بها و إن فعل زوجها محرماً، و كذا في اليائسة هل عليهما عدّة أم لا؟ و كذا في صورة الفسخ و وطء الشبهة الموجبين للعدّة في غير هذا الموضع.

فالمشهور بين الأصحاب أنّه لا عدّة عليهما، و به صرح الشيخان و الصدوقان و سلّار و أبو الصلاح و ابن البراج و ابن حمزة و من تأخّر عنه.

قال السيد المرتضى: الذي أذهب إليه أنّ على الآيسة- من المحيض و التي لم تبلغ- العدّة على كل حال من غير شرط الذي حكيناه عن بعض أصحابنا- يعني بذلك أن لا تكون في سنّ من تحيض- و تبعه في ذلك ابن زهرة، و المعتمد هو الأوّل كما تكاثرت به الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ( «2»)

أقول: إنّ الروايات في المقام على طائفتين:

الأولى: ما هو صريح في المقصود و عمل به الأصحاب إلّا من عرفت و إليك بعضها:

ففي صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصبية التي لا يحيض مثلها و التي قد يئست من المحيض، قال: ليس عليهما عدّة و إن دخل بهما. ( «3»)

و في موثقة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ثلاث تتزوّجن على كل حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض، قال: قلت: و ما حدُّها؟

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 50، المسألة 1، كتاب العدة.

(2). الحدائق: 25/ 431.

(3). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب العدد، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 248

قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، قلت: و ما حدّها؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة. ( «1»)

و في صحيح حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن التي قد يئست من المحيض و التي لا يحيض مثلها؟ قال: ليس عليها عدّة. ( «2»)

الثانية: ما هو ظاهر في خلاف المقصود و على فرض الظهور قابلة للحمل، و قد أعرض عنها الأصحاب.

روى أبو بصير موقوفاً قال: عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر و التي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر. ( «3»)

و يمكن حمل الفقرتين على البالغة غير المدركة للحيض، و المشرفة على اليأس.

روى عبد اللّه بن سنان صحيحاً، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال في الجارية التي لم تدرك الحيض قال: يطلّقها زوجها بالشهور، قيل: فإن طلّقها تطليقة ثمّ مضى شهر ثمّ حاضت في الشهر الثاني قال: فقال: إذا حاضت بعد ما طلّقها بشهر ألقت ذلك الشهر و استأنفت العدّة بالحيض فإن مضى لها بعد ما طلّقها شهران ثمّ حاضت في الثالث تمت عدّتها بالشهور فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه و هو خاطب من الخطّاب و هي ترثه و يرثها ما كانت في العدّة. ( «4») و الظاهر انّ المقصود بقوله: «الجارية» هي البالغة المرتابة.

و روى هارون بن حمزة الغنوي قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن جارية

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 4 و 1 و لاحظ الباب 3 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

(2). الوسائل ج 15:

الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 4 و 1 و لاحظ الباب 3 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

(3). المصدر نفسه، الحديث 6.

(4). الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 7.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 249

حدثة طُلّقت و لم تحض بعد فمضى لها شهران ثمّ حاضت أ تعتد بالشهرين؟ قال: نعم و تكمل عدّتها شهراً، فقلت: أ تكمل عدّتها بحيضة؟ قال: لا، بل بشهر يمضي آخر عدّتها على ما يمضي عليه أوّلها ( «1»).

و الظاهر أنّ المراد هو البالغة التي أدركت الحيض بعد شهرين.

و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: عدّة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر، وعدة التي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة قروء، قال: و سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: (إِنِ ارْتَبْتُمْ) ما الريبة؟ فقال: ما زاد على شهر فهو ريبة، فلتعتد ثلاثة أشهر، و لتترك الحيض، و ما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض. ( «2») و الظاهر انّ المراد البالغة المرتابة.

و حاصل الكلام انّ المعتمد هو الطائفة الاولى لا الثانية، لوجوه:

1- صراحة الاولى دون الثانية و إمكان حملها على ما لا ينافيها.

2- موافقتها للكتاب حسب ما أوضحنا مفاده لا على النحو الذي سلك السيد المرتضى (قدس سره).

3- مخالفتها للعامّة و موافقة الثانية لهم، فيمكن حملها على التقية.

و قد عرفت تضافر الروايات على أنّ خمساً من النساء يطلّقن على كل حال، مثل رواية جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خمس يطلّقن على كل حال: الحامل المتبيّن حملها، و التي لم يدخل بها زوجها، و الغائب عنها زوجها،

و التي لم

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 9.

(2). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 7، و لاحظ الحديث 9 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 250

تحض، و التي قد جلست عن المحيض. ( «1»)

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا بأس بطلاق خمس على كل حال: الغائب عنها زوجها، و التي لم تحض، و التي لم يدخل بها زوجها، و الحبلى، و التي قد يئست من المحيض. ( «2»)

و الصبية التي لم تكمل التسع داخلة في قوله: (و التي لم تحض) و إنّما الكلام في دخول غيرها كما سيوافيك.

إلى هنا تمّ الكلام في القسمين الصغيرة و اليائسة القطعية و بقي البحث في البالغة غير المرتابة و غيرها.

و نقدم الكلام في غير المرتابة و له قسم واحد:

من بلغت التسع و لم تبلغ حد الحيض عادة
اشارة

يمكن أن يقال بعدم دلالة الآية على لزوم العدّة في أمثالهنّ و انّ منصرف قوله (وَ اللّٰائِي لَمْ يَحِضْنَ) هو «من لم تحض و هي في سنّ من تحيض» فالآية ساكتة عن حكم هذه الصورة.

اللّهمّ إلّا أن يقال بإطلاقها لكلّ بالغة سنّاً سواء أدركت وقت الحيض أم لا. و على كل تقدير فالمشهور هو لزوم الاعتداد و إليك بعض ما ورد فيه:

روى عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ثلاث تتزوّجن على كلّ حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض، قال: قلت: و ما حدّها؟

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1 و 3 و لاحظ الحديث 4 و 5 من هذا الباب.

(2). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث

1 و 3 و لاحظ الحديث 4 و 5 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 251

قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، قلت: ما حدها؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة. ( «1»)

و الرواية صريحة في المطلوب و دونها في الصراحة ما رواه أبو بصير قال: عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر و التي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر. ( «2»)

و ما رواه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال في الجارية التي لم تدرك الحيض قال: يطلّقها زوجها بالشهور، قيل: فإن طلّقها تطليقة ثمّ مضى شهر، ثمّ حاضت في الشهر الثاني قال فقال: إذا حاضت بعد ما طلّقها بشهر ألقت ذلك الشهر و استأنفت العدّة بالحيض، فإن مضى لها بعد ما طلّقها شهران ثمّ حاضت في الثالث تمّت عدّتها بالشهور، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه و هو خاطب من الخطّاب و هي ترثه و يرثها ما كانت في العدّة. ( «3»)

و ما رواه محمد بن الحكيم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: المرأة التي لا تحيض مثلها و لم تحض كم تعتد؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: فانّها ارتابت؟ قال: تعتد آخر الأجلين تعتد تسعة أشهر، قلت: فانّها ارتابت؟ قال: ليس عليها ارتياب لأنّ اللّه عزّ و جلّ جعل للحبل وقتاً فليس بعده ارتياب. ( «4»)

و عليه يحمل ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: عدّة التي لم تحض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر، وعدة التي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة

قروء و القروء جمع الدم بين الحيضتين. ( «5»)

و ربما يتبادر إلى الذهن عدم الاعتداد عليها لعدم الريبة أوّلًا و إطلاق رواية جابر و صحيحة الحلبي الماضيتين. ( «6»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 4 و 6 و 7.

(2). الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 4 و 6 و 7.

(3). الوسائل ج 15: الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 4 و 6 و 7.

(4). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 18 و 9.

(5). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 18 و 9.

(6). ص 249- 250 و لاحظ الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 252

غير أنّ مقتضى الجمع حملها على غير البالغة لصراحة رواية عبد الرحمن بن الحجاج في المقام.

و إليك الكلام في البالغة المرتابة:

1- من لا تحيض و هي في سنّ من تحيض

لا شك انّ من لا تحيض و هي في سنّ من تحيض هي المرتابة التي هي صريح مورد الآية أعني قوله سبحانه: (وَ اللّٰائِي لَمْ يَحِضْنَ) (إن ارتبتم) و على فرض عدم تقدير شرط فمنصرف الفقرة هو هذا القسم و تدل عليه من النصوص رواية أبي نصر البزنطي، عن محمد بن حكيم، عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: المرأة الشابة التي لا تحيض و مثلها يحمل، طلّقها زوجها، قال: عدّتها ثلاثة أشهر. ( «1»)

2- من كانت تحيض مدّة لكن انقطع الدم لأمر غير معلوم

و هي أيضاً من أقسام المرتابة و إن لم تذكر في الآية و لا في النصوص بخصوصها لكنّها تعتد بنفس الملاك الموجود في البالغة المرتابة التي لم يسبق حيضها.

3- من لا تحيض و لكن انقطع الدم لأمر معلوم

و هذه كالمرضعة التي انقطع عنها الدم لأمر معلوم و تدل عليه رواية أبي العباس البقباق قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته بعد ما ولدت و طهرت و هي امرأة لا ترى دماً ما دامت ترضع ما عدّتها؟ قال: ثلاثة أشهر. ( «2»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 8.

(2). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 6.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 253

ثمّ إنّ الأقسام الثلاثة الأخيرة يشترك في أمر و هو أنّها تراعى الشهور و الأقراء فإن سبقت الأطهار قبل انقضاء الشهور الثلاثة خرجت العدّة، و إن سبقت الشهور البيض قبل الاقراء فقد خرجت العدّة و عليه عدّة من الروايات:

روى زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أمران أيّهما سبق بانت منه المطلّقة: المسترابة إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه، و إن مرت بها ثلاثة حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض، قال ابن أبي عمير: قال جميل: و تفسير ذلك إن مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ثمّ مرت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ثمّ مرت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت فهذه تعتد بالحيض على هذا الوجه، و لا تعتد بالشهور، و إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت. ( «1»)

و روى أيضاً، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: أيّ الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدّتها: إن مرت بها

ثلاثة أشهر لا ترى فيها دماً فقد انقضت عدّتها، و إن مرّت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدّتها. ( «2»)

و روى محمد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة يرتفع حيضها فقال: ارتفاع الطمث ضربان: فساد من حيض، و ارتفاع من حمل فأيّهما كان فقد حلّت للأزواج إذا وضعت أو مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم. ( «3»)

نعم، الحكم الوارد في هذه الروايات يعم الأقسام الثلاثة الأخيرة دون القسم الأوّل لفرض أنّها لا تحيض و هي في سنّ من لا تحيض فالاعتداد هناك بالشهور فقط.

فتلخّص ممّا ذكرنا أمران:

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 5 و 3 و 16.

(2). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 5 و 3 و 16.

(3). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 5 و 3 و 16.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 254

1- انّ الاعتداد بالأشهر إنّما هو مع عدم إمكان حصول الاقراء.

2- إذا أمكن حصول الاقراء فأيّهما سبق اعتدت به.

الأمر الرابع في فروع تسعة

الأوّل: لا شك انّ من تحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر و لو ساعة فهي تعتد بالشهور

كما انّ من تعتد بأقل منها و لو لحظة تعتد بالاقراء. و عليه ففي الصورة الاولى (من تحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر) فلو طلقت في أوّل الطهر تعتد بالشهور، و أمّا إذا طلقت أثناء الطهر بحيث لا تسلم ثلاثة أشهر بيض، فبما ذا تعتد؟

الجواب: انّها تعتد بالأشهر و يكون مبدؤها هو طهرها من الحيض الذي عرض لها بعد الطلاق، حتى تكمل الثلاثة، و الطهر الفاصل بين الطلاق و الحيض بعده، لا يحسب منها بل تعد مرورها مقدمة لحصول الاعتداد بالأشهر.

الثاني: إذا فرضنا انّ امرأة تحيض في كلّ أربعة أشهر مثلًا مرة

، فلو طلّق، في زمان يبقى معه ثلاثة أشهر بعد الطلاق فتنقضي عدّتها بالأشهر، و أمّا لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر أشهر تامّة، فكيف تعتد؟

الجواب: انّ حكمها، حكم المرأة السابقة و أنّها تعتد بالشهور غير أنّ مبدأ الثلاثة الأشهر هو الطهر من الحيض الذي عرض لها بعد الطلاق حتى يكمل الثلاثة، و يكون مرور الفصل بين الطلاق و الحيض مقدمة لحصول الشهور الثلاثة البيض.

لكن صاحب المسالك احتمل أنّها تعتد في الصورتين الماضيتين بالاقراء بحجة: أنّ الفصل الواقع بين الطلاق و الحيض أقل من ثلاثة، ثمّ اعترض عليه بأنّها ربّما صارت (كما في الصورة الثانية) عدّتها سنة و أكثر على تقدير وقوع الطلاق

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 255

في وقت لا يتم بعده ثلاثة أشهر بيض. ( «1»)

و هو كما ترى، لأنّ الميزان في الاعتداد بالاقراء، ليس محاسبة المدّة الواقعة بين الطلاق و الحيض حتى يحكم بالاعتداد بالاقراء في مثل الصورتين، بل الميزان ملاحظة المدة بين الحيضتين و المفروض انّها أزيد من ثلاثة. غاية الأمر يكون الفصل الأقل بين الطلاق و الحيض غير محسوب.

الثالث: لو كانت لا ترى الدم إلّا في كلّ سنة أو أزيد

، فهي تعتدّ بالأشهر. و لو طلقت في وقت لا يسلم بعد الطلاق ثلاثة أشهر، فهي أيضاً تعتد بالأشهر بنفس البيان.

الرابع: إذا كانت تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة

، فهي تعتدّ بالأقراء، حسب تفسير جميل كلام الإمام و هو من أصحاب الصادق (عليه السلام) و تلامذته الأجلاء.

غير أنّ الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم أنّه تعتدّ بالشهور، روى عن أحدهما (عليهما السلام) قال: في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستّة أو في سبعة أشهر ... أنّ عدة هؤلاء كلهنَّ ثلاثة أشهر ( «2») و مثلها صحيحة أبي مريم ( «3») و رواية أبي بصير ( «4»)

و ظاهر هذه الروايات هو أنّ من كانت عادتها في الحيض في كل ثلاثة أشهر فإنّها تعتد بالأشهر، و لا قائل بها من الأصحاب فتطرح و يرجع علمها إلى أهلها.

الخامس: لا شك أنّ من تعتاد الحيض في كلّ خمسة أشهر أو ستة أشهر مرة واحدة

، فانّها تعتد بالأشهر لحصول ثلاثة أشهر بيض في تلك المدة فتخرج بها من

______________________________

(1). المسالك: 2/ 38.

(2). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

(3). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب العدد، الحديث 3.

(4). الوسائل ج 15 الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 256

العدّة.

و تدل على ذلك صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو أربع سنين قال: تعتدّ بثلاثة أشهر ثمّ تزوج إن شاءت. ( «1») و قد عرفت تنصيص محمد بن مسلم ( «2») بذلك.

غير أنّ في مقابلهما أحاديث تدل على اعتدادها بالاقراء و هي شواذ لا تعمل بها. روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال في التي لا تحيض إلّا في كل ثلاث سنين أو أكثر من ذلك قال: فقال: مثل قرئها الذي كانت تحيض في استقامتها و لتعتد ثلاثة قروء و تزوّج

إن شاءت. ( «3»)

و قريب منها، رواية ابن حمزة الغنوي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في المرأة التي لا تحيض إلّا في كل ثلاث سنين أو أربع سنين أو خمس سنين، قال: تنتظر مثل قروءها التي كانت تحيض فلتعتد ثمّ تزوج إن شاءت. ( «4»)

و رواية أبي الصباح قال: سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن التي لا تحيض في كل ثلاث سنين إلّا مرة واحدة كيف تعتد؟ قال: تنتظر مثل قرءها التي كانت تحيض في استقامتها و لتعتد ثلاثة قروء ثمّ تزوج إن شاءت. ( «5»)

و لعل القرء كناية عن الأشهر بمعنى احتساب كل شهر حيضة كما أومأ إليه خبر أبي بصير ( «6»).

السادس: قد عرفت أنّ من لا تحيض و هي في سنّ من تحيض، تراعي الشهور

و الحيض فإن سبقت الأطهار فقد خرجت عن العدّة، و إن سبقت الشهور الثلاثة البيض فكذلك، و أمّا إذا اعتدت شهرين ثمّ رأت في الثالث حيضاً و تأخر الثانية أو الثالثة و هي المسترابة بالحمل و الأولى أن يقال المحتبسة الدم تتميز عن

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 11 و 1.

(2). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 11 و 1.

(3). المصدر نفسه الحديث 14 و 19 و 15 و 2 و لاحظ الجواهر ج 248: 32.

(4). المصدر نفسه الحديث 14 و 19 و 15 و 2 و لاحظ الجواهر ج 248: 32.

(5). المصدر نفسه الحديث 14 و 19 و 15 و 2 و لاحظ الجواهر ج 248: 32.

(6). المصدر نفسه الحديث 14 و 19 و 15 و 2 و لاحظ الجواهر ج 248: 32.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 257

النوع التاسع ( «1») ففيها قولان:

الأوّل: تصبر مدّة تعلم بها

براءة رحمها من الحمل و هي تسعة أشهر في حين الطلاق فإن ظهر بها حمل اعتدت بوضعه، و إن لم يظهر بها حمل و علمت براءة رحمها اعتدت بعد التسعة، ثلاثة أشهر.

الثاني: أنّها تصبر سنة لأنّها أقصى مدّة الحمل فإن ظهر بها حمل اعتدت بها و إن مرّت الأقراء الثلاثة بها ضِمْنَ هذه المدة، اعتدت بها و إلا اعتدت ثلاثة أشهر بعد إكمال السنة إن لم يتم الأقراء في أمثالها.

و تدل على الأوّل رواية سورة بن كليب قال: سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنة و هي ممّن تحيض، فمضى ثلاثة أشهر فلم تحض إلّا حيضة واحدة ثمّ ارتفعت حيضتها حتى مضى ثلاثة أشهر اخرى، و لم تدر ما رفع حيضتها فقال: إن كانت شابّة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلّا حيضة ثمّ ارتفع طمثها فلا تدري ما رفعها فإنّها تتربّص تسعة أشهر من يوم طلقها ثمّ تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر ثمّ تزوج إن شاءت ( «2»)

و الحديث في مستقيمة الحيض التي عرض لها ارتفاع الحيض و لم تعلم سببه و من المحتمل كونه الحمل و إنّما عدل عن القاعدة السابقة أي كفاية سبق أحد الأمرين: الاقراء أو الشهور الثلاثة لأجل احتمال الحمل و عليه كان مقتضى القاعدة في المقام هو الانتظار إلى تمام التسع التي تتم بها الاقراء، أو ثلاثة أشهر أو وضع الحمل. و لكن ورد التعبد بالاعتداد ثلاثة أشهر أيضاً بعد التسع.

______________________________

(1). لاحظ الحدائق: 416: 25 لقد بسط الكلام في المسألة.

(2). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب العدد، الحديث 2، و في السند مالك بن

عطية الكوفي الثقة، و أمّا سورة بن كليب فعدّه الشيخ من أصحاب الصادق (عليه السلام) و هو من الحسان.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 258

غير أنّ ابن إدريس ( «1») طرح الخبر، لكونه خبراً واحداً و أخذ بمقتضى القاعدة و هو التربص إلى أقصى الحمل أعني التسعة أشهر.

و قد أورد في المسالك على هذا القول إشكالات خمسة من كونه ضعيف السند أوّلًا، و مخالفاً للأصل في اعتبار الحمل بتسعة أشهر ثانياً، و أنّ اعتدادها بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل- لا وجه له بعد حصول- أحد الأمرين: الاقراء، أو الشهور البيض، ثالثاً. إلى غير ذلك من الإشكالات.

لكن لو كانت الرواية قابلة للاحتجاج يمكن أن يقال إنّ الاعتداد بالمدّة الطويلة، لأجل كون التسعة أشهر إنّما هو لدفع شبهة الحمل، و لو لم يكن هناك احتمال الحمل لما وجب الصبر، و أمّا الاعتداد، فإنّما هو بالثلاثة أشهر، و قد عرفت أنّ استبراء الرحم من الحمل من الحكم الشرعية و ليس ملاكاً له، و قد تفطن بهذه النكتة ابن إدريس و قال: إذا احتبس الدم الثالث بعد مضي تسعة أشهر اعتدت بعدها بثلاثة أشهر تمام السنة لأنّها تستبرأ بتسعة أشهر و هي أقصى مدة الحمل فيعلم انّها ليست حاملًا ثمّ تعتد بعد ذلك عدتها و هي ثلاثة أشهر». ( «2»)

و ذكر العلامة في القواعد: «لو رأت الدم في الثالث و تأخرت الحيضة الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر ليعلم براءة رحمها ثمّ اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر، و في رواية تصبر سنة ثمّ تعتد و نزلها قوم على احتباس الدم الثالث». ( «3»)

و مع ذلك كله فدفع شبهه الحمل يتم بأقل من التسعة لأنّه يستبين

في زمان أقل من هذا فكيف يمكن حمل الصبر عليه، و لو حمل الخبر على الندب و شدة الاحتياط و انّه تخرج من العدة بأحد الأمرين بعد الاحتباس لكان أحسن، من فرض العدة الطويلة عليها بلا وجه. و اللّه العالم.

______________________________

(1). السرائر: 340، كتاب الطلاق.

(2). المسالك 2: و المطبوع عندنا غير مرقّم.

(3). القواعد: كتاب الطلاق، المقصد الرابع في العدد في الفصل الثاني.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 259

و أمّا ما ذهب إليه ابن إدريس من لزوم الصبر إلى تسعة أشهر، فهو بلا وجه و لا دليل عليه، لما عرفت من أنّ الحمل يستبين في أقل من ذلك فالأمر دائر بين الاكتفاء بأحد الأمرين إذا سبق، أو العمل بمفاد الحديث لا غير.

و أمّا الثاني فتدل عليه موثقة عمار الساباطي قال: سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل عنده امرأة شابّة و هي تحيض في كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة كيف يطلقها زوجها؟ فقال: أمر هذه شديد، هذه تطلّق طلاق السنّة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ثمّ تترك حتى تحيض ثلاث حيض متى حاضتها فقد انقضت عدّتها، قلت له: فإن مضت سنة و لم تحض فيها ثلاث حيض؟ فقال: يتربّص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ثمّ قد انقضت عدّتها، قلت: فإن ماتت أو مات زوجها؟ قال: أيّهما مات ورثه صاحبه ما بينه و بين خمسة عشر شهراً. ( «1»)

و حملها الشيخ على احتباس الدم بعد المرّة الاولى، كما أنّ حسنة سورة بن كليب وردت في الاحتباس بعد الثانية، و لكنّها غير ظاهرة لأنّ قوله في الحسنة «و لم تحض فيها ثلاث حيض» يصدق على الاحتباس بعد المرّة الاولى، و بعد

الثانية أيضاً.

و ما أورد عليه صاحب المسالك يتوجه على هذا أيضاً بوجه أتم، و لو لا دعوى الشهرة على العمل بالاولى، أمكن حمل الروايتين على الندب، طلباً للتنزّه الكثير. و الأخذ بمقتضى القاعدة: أي كفاية سبق أحد الأمرين بعد الاحتباس لكن الأحوط الأخذ بما عليه المشهور.

السابع: لو طلّقت ذات الأقراء قبل بلوغ سنّ اليأس

و رأت الدم مرة أو

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 260

مرتين ثمّ يئست، أكملت العدّة بشهر أو شهرين.

أقول: إنّ هذه المرأة ليست يائسة حتى لا تكون لها عدّة و لا من غيرها حتى تعتد بالأقراء و الشهور، فما دلّ على عدم اعتداد الاولى أصلًا و اعتداد الثانية بالأقراء، و الشهور لا يشملها و مقتضى القاعدة عدم وجوب الاكمال عليها للأصل، و إنّما ذهب إليه الأصحاب قاطبة لما رواه هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في امرأة طلّقت و قد طعنت في السن فحاضت حيضة واحدة ثمّ ارتفع حيضها؟ فقال: تعتد بالحيضة و شهرين مستقبلين فإنّها قد يئست من المحيض. ( «1»)

و ربما يعلل بأنّ الشارع حكم عليها بوجوب العدّة قبل اليأس و قد كانت من ذوات الأقراء، فإذا تعذّر إكمالها لليأس، المقتضي انتفاء حكم الحيض مع تلبسها بالعدّة، أكملت بالأشهر، لأنّها بدل عن الأقراء فيجعل لكل قرء شهر، و فيه تأمل ( «2»)، و لكنّ المهم هو النص.

و بالتعليل الوارد في النص (فانّها قد يئست من المحيض) يعلم حكم عكس المسألة ( «3»)، و هو ما إذا طلقت ذات الشهور و اعتدّت شهراً أو شهرين ثمّ يئست أتمت ثلاثة، و ذلك لاشتراكهما في التعليل، و حاصله أنّ المطلّقة غير اليائسة إذا دخلت في

حدّ اليأس و يئست عن المحيض يجب إكمال عدّتها بشكل ممكن و ليس هو هنا إلّا الشهر أو الشهران لفرض دخولها في اليأس.

الثامن: المدار في الشهور على الهلالي

لأنّها المتبادر من الآيات و الروايات، ثمّ إنّه إن وقع الطلاق في أوّل رؤية الهلال، فلا شك انّه تخرج عن العدّة بخروج

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 6 من أبواب العدد الحديث 1.

(2). نيابة الأشهر عن الاقراء في غير اليائسة لا فيها كما هي المفروض في المقام.

(3). المسألة السابقة: ذات الاقراء.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 261

الشهر الثالث كما هو المصرح في خبر أبي مريم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): في الرجل كيف يطلّق امرأته و هي تحيض في كل ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ قال: يطلّقها تطليقة واحدة في غرّة الشهر إذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلّقها فقد بانت منه و هو خاطب من الخطّاب. ( «1»)

إنّما الكلام فيما إذا طلقت في أثناء الشهر، فعندئذ يقع الكلام في كيفية محاسبة الشهور الثلاثة و يتصور على وجوه:

1- تعتد بهلالين لتمكنها منها و تأخذ من الثالث بقدر الغائب من الشهر الأوّل ليتحقق بذلك صدق ثلاثة أهلّة، مال إليه صاحب الجواهر.

2- تعتد بشهور ثلاثة هلاليّة، و ذلك بأن تكمل الثالث ثلاثين، ليتحقق الاعتداد بشهور هلالية ثلاثة، مال إليه المحقق في الشرائع.

3- يكمل الأوّل من الثاني فينكسر، و يكمل من الثالث فينكسر، فيكمل من الرابع و الأوّل هو الأقوى و الثاني أحوط، و المتعارف عند الناس في الآجال هو الثالث.

التاسع: في المرتابة بالحمل

عبرنا بها ليتميز عن النوع السادس كما أشرنا إليه و هذه المسألة غير ما مرّ هناك و ذلك لأنّ ما سبق في المحتبسة الدم من غير أن يعلم وجه الاحتباس و هذا بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الاحتباس إنّما هو لريبة الحمل لا غير، و صور المسألة ثلاثة، لأنّ الارتياب بالحمل تارة يكون بعد انقضاء

العدّة و النكاح، و اخرى بعد العدة و قبل النكاح و ثالثة قبل انقضاء العدّة. و على التقادير الثلاثة فالحكم الواقعي معلوم إذ لو تبين في ما يأتي من الأيّام كونها حاملًا يترتب عليه فساد النكاح و عدم الخروج من العدة و إلّا فلا. إنّما الكلام في الحكم الفعلي

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب العدد، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 262

في حال الريبة، فنقول:

أمّا الصورة الأولى: فمقتضى القاعدة صحة النكاح- فضلًا عن صحة الخروج عن العدّة- بعد قيام الأمارة الشرعية على خروجها من العدّة فلا يعتنى بظن الريبة الذي ليس بحجّة، مضافاً إلى حسنة محمد بن حكيم عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: قلت له: «المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها ما عدّتها؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: فانّها تزوجت بعد ثلاثة أشهر فتبين بها بعد ما دخلت على زوجها أنّها حامل، قال: هيهات من ذلك يا ابن حكيم رفع الطمث ضربان: إمّا فساد من حيضه فقد حل لها الازواج و ليس بحامل، و إمّا حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعله وقتاً يستبين فيه الحمل، قال: قلت: فانّها ارتابت قال: عدّتها تسعة أشهر.

قال: قلت: فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر؟ قال: إنّما الحمل تسعة أشهر، قلت: فتزوج؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: ليس عليها ريبة تزوّج». ( «1»)

و لا يخفى أنّ صدر الحديث يحكي بأنّه لا ريبة بعد الثلاث و على ذلك فلا يظهر وجه لقوله في الفقرة الثانية من الحديث: «عدتها تسعة أشهر فضلًا عن الاحتياط بثلاثة أشهر» بعد السؤال الثالث، فالحديث لا

يخلو عن اضطراب و اختلاف بين الفقرتين، فلا مناص إلّا القول بأنّ الحكم الشرعي هو عدم الاعتناء بعد الثلاثة، غير أنّ الاصطبار بتسعة أشهر فيما إذا حصلت الريبة بعد انقضاء العدّة و قبل الزواج أو مطلقاً حتى و لو بعد الزواج، أمر مندوب حتى يتبين له الحال طلباً للتنزّه، و منه يظهر حكم الحالة الثانية، أعني ما إذا حصلت الريبة بعد انقضاء العدّة و قبل التزويج، فلا يعتنى بظن الريبة بعد وجود الأمارة على أنّها

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 263

خرجت عن العدّة.

و أمّا ما ورد في الموثقة الاخرى لمحمد بن حكيم، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت له: المرأة الشابّة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها كم عدّتها؟ قال: ثلاثة أشهر قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد ثلاثة أشهر، قال: عدّتها تسعة أشهر، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد تسعة أشهر قال: إنّما الحمل تسعة أشهر، قلت: تزوّج، قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فانّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر، قال: لا ريبة عليها تزوّج إن شاءت» ( «1») فلا صلة له بالمقام، و إنّما هو في المرأة الشابة التي تدعي الحبل بعد ثلاثة أشهر، و من المعلوم أنّها ملزمة بالعمل بما تدعي من الحمل أعني الاصطبار إلى تسعة أشهر، و مثلها خبره الثالث. ( «2»)

و منها يعلم حكم الصورة الثانية أعني كون الارتياب بعد العدة و قبل النكاح.

و أمّا الصورة الثالثة أعني ما إذا ارتابت بالحمل قبل انقضاء العدّة ربما يقال: إنّه لا يجوز له النكاح بعد انقضاء ثلاثة أشهر قال العلّامة: «لو ارتابت به قبل انقضاء العدة فإنّها لا تنكح و

لو انقضت العدة حتى يتحقق الخلو أو تضع الحمل» ( «3») فهل لا يجوز، استصحاباً لبقائها على العدّة، أو يجوز أخذاً بالأمارة الشرعية و استصحاب عدم الحمل الحاكم على استصحاب بقاء العدة حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي.

و أمّا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ( «4») فإنّما هي كالخبرين السابقين لمحمد بن حكيم خارجة عن محل البحث، فإنّما هي فيما ادّعت المرأة الحبل. و سيأتي البحث عنها في عدة الحامل فانتظر.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 2 و 4.

(2). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 2 و 4.

(3). التحرير: كتاب الطلاق و العدة: 71.

(4). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 264

الأمر الخامس في عدة الحامل

اشارة

المعروف بين الأصحاب أنّ عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل فقط و لو بعد الطلاق بلا فصل، و ليس لها أجل غيره. و لم يخالف في ذلك إلّا الصدوق في الفقيه و ابن حمزة في وسيلته.

قال الصدوق في المقنع: و اعلم أنّ أولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ و هو أقرب الأجلين، و إذا وضعت أو أسقطت يوم طلّقها أو بعده متى كان، فقد بانت منه و حلّت للأزواج و إذا مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه و لا تحل للأزواج حتى تضع. ( «1»)

و قال ابن حمزة: «فالحامل عدتها أقرب الأجلين، و معنى ذلك أنّ الرجل إذا طلّق امرأته حاملًا، و وضعت حملها عقيب الطلاق بلحظة بانت منه بوضع الأوّل، و لم يجز لها أن تتزوّج إلّا بعد وضع جميع ما في بطنها- إلى أن قال- و إن مضت على ذلك

ثلاثة أشهر، و لم تضع الحمل بانت منه و لم يجز لها التزوّج إلّا بعد وضع الحمل. ( «2»)

و قال السيد المرتضى: «و مما يظن أنّ الإمامية مجتمعة عليه و منفردة به، القول

______________________________

(1). المقنع كتاب الطلاق/ 116

(2). الوسيلة: 235، كتاب الطلاق في أحكام العدّة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 265

بأنّ عدة الحامل المطلّقة أقرب الأجلين، و تفسير ذلك أنّ المطلّقة إذا كانت حاملًا و وضعت قبل مضي الاقراء الثلاثة فقد بانت بذلك، و إن مضت الاقراء الثلاثة قبل أن تضع حملها بانت بذلك أيضاً.

و قد بيّنا في جواب المسائل الواردة من أهل الموصل الفقهية انّه ما ذهب جميع أصحابنا إلى هذا المذهب و لا أجمع العلماء منّا عليه، و أكثر أصحابنا يفتى بخلافه، و يذهب إلى أنّ عدّة من ذكرنا حالها، وضعها الحمل، و أنّ من ذهب إلى خلاف ما نصرناه إنّما عوّل على خبر يرويه زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام)، و قد بيّنا أنّه ليس بحجّة توجب العلم، و سلّمناه مع ذلك و تأوّلناه و استوفينا هناك من الكلام ما لا طائل في إعادته هاهنا. و في الجملة إذا كانت هذه المسألة مما لا يجمع أصحابنا عليها و يختلفون فيها فهي خارجة عمّا بنينا هذا الكتاب عليه. ( «1»)

و ذكر نظير ذلك ابن إدريس في السرائر حيث قال: «و قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ الحامل أقرب عدّتها، أقرب الأجلين من جملتهم ابن بابويه و معنى ذلك أنّها إن مرت بها ثلاثة أشهر فقد انقضت عدّتها و لا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها، و إن وضعت الحمل بعد طلاقه بلا فصل بانت منه و حلّت للأزواج.

( «2»)

و الحق ما هو المشهور و يدل عليه من الكتاب قوله سبحانه: (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ( «3») و لو كان لهنّ أجل آخر، أعني مرور ثلاثة أشهر قبل الوضع، أو الاقراء الثلاثة- على فرض نادر- كان المناسب ذكره لأنّه بصدد بيان ما تخرج به الحوامل عن العدّة.

و أمّا خروجهنّ عن العدّة بالثلاثة فإن أُريد منها، ثلاثة أشهر كما في عبارة

______________________________

(1). الانتصار: 148.

(2). السرائر: 328، كتاب الطلاق.

(3). الطلاق: 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 266

الصدوق فقد خص الخروج بها في الآية، باليائسة المرتابة و من لا تحيض و هي في سن من تحيض، و ليست الحامل بيائسة قطعاً، و لا ممن لا تحيض و هي في سنّ من تحيض.

و إن أُريد منها، ثلاثة قروء كما في عبارة المرتضى، فما دل عليه أعني قوله سبحانه: (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ). ( «1») إمّا منصرف إلى غير الحامل، لأنّها لا تحيض بالأغلب الغالب، و على فرض عموميتها، تخصّص بآية الحمل لكونها أخص منها. و كأنّه يقول سبحانه: (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ) إلّا الحامل فإنّها تتربّص إلى وضع حملها.

و على ذلك، فمقتضى الآيات هو انحصار أجلها في وضع حملها، و أمّا الروايات فيدل عليه لفيف منها:

1- ما رواه الصدوق باسناده، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: طلاق الحامل واحدة، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه. ( «2»)

2- ما رواه إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: طلاق الحبلى واحدة، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت. ( «3»)

3- ما رواه سماعة قال: سألته عن طلاق الحبلى، فقال: واحدة و أجلها أن تضع حملها.

( «4»)

ثمّ إنّ الصدوق و ابن حمزة كما عرفت ذهبا إلى غير ما ذهب إليه المشهور و أُستدلّ لقولهما بروايات ثلاث:

______________________________

(1). البقرة: 228.

(2). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب العدد، الحديث 1 و 4 و 5 و لاحظ أيضاً الحديث 7 و 8 من هذا الباب.

(3). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب العدد، الحديث 1 و 4 و 5 و لاحظ أيضاً الحديث 7 و 8 من هذا الباب.

(4). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب العدد، الحديث 1 و 4 و 5 و لاحظ أيضاً الحديث 7 و 8 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 267

1- ما رواه أبو الصباح الكناني عن الصادق (عليه السلام): «طلاق الحامل واحدة و عدّتها أقرب الأجلين». ( «1») و هو أصرح ما في الباب.

2- ما رواه الحلبي صحيحاً عن الصادق (عليه السلام) قال: «طلاق الحبلى واحدة و أجلها أن تضع حملها و هو أقرب الأجلين». ( «2»)

3- و مثله صحيحة أبي بصير ( «3»).

ثمّ إنّ صاحب الحدائق صار بتأويل الرواية الأُولى التي هي صريحة في مدعاهما فقال: «إنّ الخبر في الرواية الاولى محذوفة و هو أن تضع حملها و كأنّ قال: طلاق الحامل واحدة و عدّتها أن تضع حملها» الذي هو أقرب الأجلين فقوله: «أقرب الأجلين» ليس بخبر و إنّما هو صفة لموصوف محذوف.

و على ذلك فتكون الروايتان هادفتين إلى معنى واحد و هو أنّ أجلها شي ء واحد و هو وضع الحمل و أمّا أنّه كيف يكون وضع الحمل أقرب الأجلين، فقال في وجهه ما هذا توضيحه: أنّ وضع الحمل يمكن أن يكون بعد الطلاق بلحظة أو أيّام يسيرة فهو قابل للأقربية،

كما هو قابل للأبعدية و هذا بخلاف التحديد بثلاثة أشهر، فإنّه لا قرب فيها بالكليّة ( «4»). فالمقصود من الأقربية كونه أقرب في بعض الأحوال لا مطلقاً.

يلاحظ عليه: أنّ معنى أقرب الأجلين هو أنّ وضع الحمل أقربهما مطلقاً لا أنّه قابل للأقربية أحياناً كما إذا وضع بعد الطلاق بلحظة أو أيام يسيرة.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر حاول الاستدلال بالرواية على القول الثاني و جعل الأصل هو الحديث الأوّل و صار إلى تطبيق الحديث الثاني على الأوّل و قال:

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب العدد، الحديث 3 و 6 و 2.

(2). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب العدد، الحديث 3 و 6 و 2.

(3). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب العدد، الحديث 3 و 6 و 2.

(4). الحدائق 450: 25.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 268

«إنّ قوله: «و هو أقرب الأجلين» جملة حالية مكان كونها جملة مستأنفة و المراد منه أنّ الاعتداد بالوضع إنّما هو في حال يكون أقرب الأجلين لاما يكون أبعدهما و إلّا فتعتد بالثلاثة فيوافق الثاني مع الأوّل ( «1»).

يلاحظ عليه: أنّه لا يخلو من تكلّف، بل الظاهر أنّه يصف وضع الحمل بكونه أقرب الأجلين مطلقاً.

و الحق أن يقال: إنّ الروايات لا تخلو من إجمال ضرورة أنّا نعلم أنّ وضع الحمل ليس أقرب الأجلين قطعاً فلا يصحّ الاحتجاج بالروايات.

ثمّ إنّه يكفي في الخروج عن العدّة خروج الولد تامّاً أو غير تام و تدل عليه مضافاً إلى إطلاق الكتاب، موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن الحبلى إذا طلّقها زوجها فوضعت سقطاً تمّ أو لم يتمّ أو وضعته مضغة فقال: كل شي ء يستبين

أنّه حمل تمّ أو لم يتمّ فقد انقضت عدتها و إن كان مضغة». ( «2»)

و ليس في الرواية دليل على أنّ المضغة أقل ما يتحقق به الحمل، و ذلك لأنّه إنّما ورد في كلام الإمام لأجل ورودها في كلام السائل. فالميزان صدق الحمل، و لو كان علقة، و أمّا خروج المني فيشكل العلم بأنّه كان مستقراً في الرحم ثمّ خرج منها. و المقياس على ما عرفت هو صدق الحمل على كل تقدير.

و أمّا المراد من الوضع فلو كان متصلًا فلا يصدق إلّا بعد خروج الكل، و لو كان منفصلًا فلا يصدق إلّا بعد خروج الجميع و ذلك لأنّ المراد من قوله (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) هو الفراغ من الحمل و لا يصدق الفراغ إلّا بعد خروج الكل متصلًا كان أو منفصلًا، و لو شك في الخروج عن العدّة و عدمه فالاستصحاب هو

______________________________

(1). الجواهر 254: 32.

(2). الوسائل الجزء 15، الباب 11 من أبواب العدد الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 269

المحكّم القاضي ببقائها على العدّة. نعم هو من قبيل استصحاب الحكم الشرعي الذي اختلفت في جوازه الانظار، و سيوافيك توضيحه عند البحث عمّا إذا وضع أحد الحملين دون الآخر.

و على ضوء هذا فلو رجع و الحمل بعد لم يتم خروجه لكان الرجوع في العدّة كما لو مات الزوج ترثه الزوجة و بالعكس.

لو ادعت الحمل
اشارة

و لو طلّقت فادّعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل و هو تسعة أشهر من حين الوطء لأنّها بزعمها من «اولات الأحمال» الواجب عليهنّ الاعتداد بذلك.

هكذا ذكره المحقق و غيره، و هذا هو المشهور، غير أنّ في خصوص المقام روايات تدل على الصبر إلى سنة، و هو لا ينافي بما ثبت في

محله أنّ أقصى الحمل تسعة أو عشرة، و حاصل هذه الروايات أنّه إن ظهر بالصبر إلى تسعة أشهر أنّها حامل و إلّا اعتدت بعدها بثلاثة أشهر.

روى عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول: إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلًا انتظر بها تسعة أشهر فإن ولدت و إلّا اعتدّت بثلاثة أشهر ثمّ قد بانت منه. ( «1»)

و روى محمد بن حكيم ( «2»)، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت له: المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها ما عدّتها؟ قال: ثلاثة أشهر،- إلى أن قال- قلت: فإنّها ارتابت (بعد ثلاثة أشهر) ( «3»)، قال: عدّتها تسعة

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 1 و 4.

(2). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 1 و 4.

(3). ما بين الهلالين سقط عن نسخة الوسائل.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 270

أشهر، قلت: فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر قال: إنّما الحمل تسعة أشهر، قلت: فتزوّج؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: ليس عليها ريبة تزوج إن شاءت. و بهذا المضمون رواية اخرى. ( «1»)

هناك احتمالات

1- أنّ المدّة المضروبة، كلّها عدّتها و لا تخرج عنها إلّا بمرورها عليها إلّا إذا علم الحمل فخروجها عنها حينئذ بوضعه.

2- انّ عدتها هو تسعة أشهر، فعدم ظهور شي ء إلى تلك المدّة دليل على عدم الحمل الذي تدعيه. فيحمل الصبر ثلاثة أشهر على الندب.

3- أنّ الشهور الاولى أي التسعة أشهر، لأجل استعلام حال الرحم و أنّها حامل أو لا، فإن علم خروجها عن العدة، بوضع حملها و إلّا، فتعتد بثلاثة أشهر بعدها اختاره صاحب الحدائق (

«2») في غير هذا الموضع.

4- و يمكن أن يقال: بأنّه إذا علم حالها و أنّه لا حمل لها في مدّة أقل من تسعة أشهر تخرج عن العدّة، إذا مضت عليها ثلاثة شهور بيض، أو أقراء ثلاثة، و لا تجب الصبر إلى تسعة أشهر فضلًا عن الثلاثة بعدها. و الأقوى الأخير، و الأحوط هو الأوّل.

و قد عرفت فيما مضى، رواية عمار الماضية الدالة على الصبر إلى خمسة عشر شهراً، و ما هذا إلّا لشدّة الاحتياط ( «3»).

و لو كان حملها اثنين، فوضعت الأوّل دون الثاني فهل تخرج عن العدّة أو لا؟

______________________________

(1). الوسائل 15: الباب 25 من أبواب العدد الحديث 5.

(2). الحدائق: 25/ 457، مسألة المطلقة المسترابة إذا توفي عنها زوجها في الأجل المضروب عليها.

(3). راجع ص 260 من هذا الكتاب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 271

قولان: أحدهما للشيخ في النهاية ( «1») و ابن البراج في مهذبه ( «2») و ابن حمزة في وسيلته ( «3»)، أنّه تبين بوضع الأوّل و لكن لا تنكح إلّا بعد وضع الأخير.

و الثاني للشيخ في خلافه و مبسوطه ( «4»)، و ابن شهرآشوب في متشابهات القرآن ( «5») انّها لا تخرج عن العدّة إلّا بعد وضعهما.

قال الشيخ في الخلاف: «إذا طلّقها و هي حامل فولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فإنّ عدّتها لا تنقضي حتى تضع الثاني منهما، و به قال أبو حنيفة و أصحابه و مالك و الشافعي و عامة أهل العلم، و قال عكرمة تنقضي عدّتها بوضع الأوّل، و قد روى أصحابنا أنّها تبين بوضع الأوّل غير أنّها لا تحلّ للأزواج حتى تضع الثاني و المعتقد الأوّل- دليلنا- قوله تعالى: (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ

يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) و هذه ما وضعت حملها». ( «6»)

استدل للقول الأوّل بخبر عبد الرحمن بن البصري، عن أبي عبد اللّه- (عليه السلام) قال: سألته عن رجل طلّق امرأته و هي حبلى و كان في بطنها اثنان فوضعت واحداً و بقي واحد قال: تبين بالأوّل و لا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها. ( «7»)

و لكنّه خبر لا يصلح للاستدلال، و لم يظهر عمل المشهور به على وجه يجبر ضعفه.

و يمكن الاستدلال للقول الثاني بظاهر قوله سبحانه: (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) فانّ الحمل و إن كان يصدق على واحد منهما عند ما

______________________________

(1). النهاية: 534.

(2). المهذب: 2/ 316.

(3). الوسيلة: 325.

(4). المبسوط: 5/ 241.

(5). متشابهات القرآن لابن شهرآشوب: 2/ 200.

(6). الخلاف: 3/ 53، المسألة 8، كتاب العدّة.

(7). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 272

كان منفرداً لكنّه لما انضم إلى مثله لا تصدق الآية إلّا إذا فرغت المرأة عن أمر الولادة على وجه يقال: صارت فارغة، و لو لم يتم الدليل الاجتهادي فمقتضى الاستصحاب عدم خروجها عن العدّة لكن لا بنحو استصحاب الحكم الشرعي الكليّ حتى يستشكل بعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، بل استصحاب بقاء موضوع على ما كان عليه بأن يشار إلى المرأة فيقال: إنّ هذه المرأة كانت معتدة و الأصل بقاءها على ما كانت، و إن كان الشك في بقاء عدّتها و عدمها ناشئاً عن الشك في الحكم الكلي، و قد أوضحنا حاله في الأبحاث الاصولية و قلنا بأنّ استصحاب الحكم الكلي و إن كان مخدوشاً، لكنّه ربّما يكون مبدأ للشك في بقاء الموضوع الخارجي على ما هو عليه، فيستصحب

حاله و وصفه.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 273

الأمر السادس: موت الزوج أثناء العدة

اشارة

لو طلّقها ثمّ مات قبل انقضاء العدّة فلها حالات ثلاث:

الأولى: أن يكون الطلاق رجعياً و كانت حائلًا.

الثانية: أن يكون الطلاق رجعياً و كانت حاملًا.

الثالثة: أن يكون الطلاق بائناً.

أمّا الأولى، فتعتد من حين موته عدة الوفاة أعني أربعة أشهر و عشراً و أمّا الثانية: فتعتد بأبعد الأجلين منها و من وضع الحمل كغير المطلّقة.

و أمّا الثالثة: فتقتصر على عدّة الطلاق من غير فرق بين الحائل و الحامل و لا عدّة عليها بسبب الوفاة. وعدة الحائل بالاقراء و الشهور، و عدّة الحامل بوضع حملها.

هذا ما اتفقت عليها كلمة الأصحاب.

قال الشيخ في المبسوط: «إذا طلّق زوجته طلاقاً رجعياً فاعتدّت بعض العدّة، ثمّ توفّي عنها زوجها فإنّها تنتقل إلى عدة الوفاة بلا خلاف لأنّها في معنى الزوجات». ( «1»)

و قال ابن قدامة: «إذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر و عشراً بلا خلاف، قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ذلك و ذلك لأنّ الرجعية زوجة يلحقها طلاقه و ينالها ميراثه فاعتدت الوفاة كغير المطلّقة.

______________________________

(1). المبسوط: 5/ 277.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 274

و إن مات مطلق البائن في عدّتها بنت على عدة الطلاق إلّا أن يطلّقها في مرض موته فإنّه تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء نص على هذا أحمد و به قال الثوري و أبو حنيفة و محمد بن الحسن: و قال مالك و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور و ابن المنذر تبني على عدة الطلاق لأنّه مات و ليست زوجة له لأنّها بائن من النكاح و لا تكون منكوحة. ( «1»)

و إليك الكلام في الثلاثة الصور.

الصورة الأولى إذا طلّقت رجعية و مات الزوج أثناء العدة و كانت حائلًا
اشارة

فقد عرفت أنّها تستأنف عدة الوفاة و لا عبرة بما اعتدت به من الزمان. و على كل تقدير فيمكن الاستدلال عليه، بقوله سبحانه: (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً) ( «2») بعد ما دلّت الروايات على أنّ المطلّقة الرجعيّة زوجة، كما عرفته في محله، فكونها زوجة ثابتة بالروايات فتدخل في الآية الكريمة الواردة في الذكر الحكيم.

أضف إلى ذلك ما ورد في المقام لفيف من الروايات:

روى هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل كانت تحته امرأة فطلّقها ثمّ مات قبل أن تنقضي عدّتها، قال: تعتدّ أبعد الأجلين عدّة المتوفّى عنها زوجها. ( «3»)

و روى محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أيّما امرأة

______________________________

(1). المغني: 9/ 108.

(2). البقرة: 234.

(3). الوسائل ج 15: الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 275

طلّقت ثمّ توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها و لم تحرم عليه فانّها ترثه ثمّ تعتد عدّة المتوفى عنها زوجها، و إن توفيت و هي في عدّتها و لم تحرم عليه فإنّه يرثها. ( «1»)

و روى جميل بن درّاج، مرسلًا عن أحدهما (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته طلاقاً يملك فيه الرجعة ثمّ مات عنها، قال: تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر و عشراً ( «2») إلى غير ذلك من الروايات. ( «3»)

ثمّ إنّ الوارد في النصوص هو الاعتداد بأبعد الأجلين و من المعلوم أنّه إنّما يكون أبعد إذا كانت الزوجة غير مسترابة، و أمّا مسترابة الحمل فينعكس الأمر، فتكون عدة الفراق أبعد من عدة الوفاة، و قد علمت

أنّ عدّتها تسعة أشهر ثمّ ثلاثة أشهر أو سنة ثمّ مثلها. و إن كان الأخير معرضاً عنها، و على كل تقدير فلو كانت المطلّقة مسترابة، ثمّ توفّي عنها زوجها في أثناء العدّة، فما وظيفتها؟!

هناك احتمالات:

1- حكمها حكم الحائل، تعتد عدّة الوفاة سواء بقي من عدّة الطلاق شي ء، أم لا، إذا مات، و هي في الثلاثة بعد التسعة، و بالجملة فالمدار عدة الوفاة.

2- تعتد عدة الوفاة مع المدة التي يظهر فيها عدم الحمل، فالواجب أمران، الاعتداد بعدة الوفاة و ظهور براءة رحمها. و إن تتم المدّة المضروبة على المسترابة.

3- إنّما تتبدل إلى عدة الوفاة، إذا مات في الثلاثة بعد التسعة أو السنة، لأنّها عدّتها دون ما يتقدمها التسعة أو السنة و هو خيرة الحدائق.

و نظير هذه المسألة ما إذا كانت المطلّقة ممن ترى الدم في كل شهر و تصف

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 3 و 5.

(2). الوسائل ج 15: الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 3 و 5.

(3). لاحظ الوسائل، ج 15، الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 2 و 7 و 9.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 276

مرة فأقراؤها تزيد على عدة الوفاة، فتجري فيه الاحتمالات المذكورة في المسترابة.

و يمكن أن يقال: إنّ روايات الباب و إن دلّت على وجوب عدة الوفاة عند موت الزوج في أثناء العدّة و ظاهرها وجوب عدّة واحدة عليها و هي عدّة الوفاة و لكنّها لا تدلّ على انتفاء أثر الطلاق و هو استبراء الرحم من الولد، فلو لم تكن عدة الوفاة كافياً في تعيين تكليف المرأة يجب نفي الريبة بالتربص و على ضوء ذلك يجب في الصورة الأُولى الاعتداد بأبعد الأجلين

من عدة الوفاة و وظيفة المسترابة.

فلو مات الزوج بعد الطلاق بشهر مثلًا تعتد عدّة الوفاة، و لكن لا يمكن الاكتفاء به إذا لم يتبيّن وضع المرأة فيجب التربّص إلى رفع الريبة و ظهور التكليف، كما أنّه لو مات بعد سبعة أشهر تعتد بأبعدهما من اتضاح الحال وعدة الوفاة و لعل الأبعد هو عدة الوفاة.

هذا كلّه في المسترابة و أمّا ما إذا كان عدة الطلاق أبعد من عدة الوفاة كما إذا ترى الدم في شهرين و نصف، فتعتدّ بأبعدهما، فلو مات في الشهر الأوّل تعتد بعدة الطلاق، و لو مات في الشهر السادس تعتدّ بعدة الوفاة.

و الحاصل يجب عليه مراعاة كلتا الوظيفتين من ملاحظة أثر الطلاق وعدة الوفاة، و قد عرفت أنّ الروايات و إن تنفي عدّة الطلاق و لكنّها لا تنفي رعاية أثرها، و لأجل ذلك يجب رعاية كلتا الوظيفتين.

الصورة الثانية: إذا طلّقت رجعية و كانت حاملًا

إذا توفّي زوجها أثناء العدّة تعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل و مضي أربعة أشهر و عشراً، و حينئذ فإن وضعت قبل استكمال أربعة أشهر و عشرة أيام

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 277

صبرت إلى انقضائها و إن مضت الأربعة أشهر و العشر تعتد بوضع الحمل، بلا خلاف، و ذلك جمعاً بين الآيتين أعني قوله سبحانه: (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ( «1») و قوله سبحانه: (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً) ( «2») فامتثالها يحصل بأبعد الأجلين.

و لو نوقش في دلالة الآيتين، فتكفي في ذلك النصوص المستفيضة، ففي صحيحة الحلبي في الحامل المتوفّى عنها زوجها: «تنقضي عدّتها آخر الأجلين» ( «3») و هذه الروايات و إن وردت في الحامل من دون ايعاز

إلى طلاقها، لكن يعلم حكمها من روايات الباب أيضاً لأنّ الطلاق ليس له أثر خاص في المقام غير التربّص إلى وضع الحمل، و إنّما الأثر في المقام للتوفّي، كما لا يخفى.

نعم اتفقت فقهاء العامّة على أنّ أجلها هو وضع حملها من غير فرق بين طلاق الزوجة و موت الزوج. قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم في جميع الأمصار على أنّ المطلّقة الحامل تنقضي عدّتها بوضع حملها و كذلك كل مفارقة في الحياة و أجمعوا على أنّ المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملًا، أجلها وضع حملها إلّا ابن عباس. و روي عن علي من وجه منقطع أنّها تعتدّ بأقصى الأجلين. ( «4»)

الصورة الثالثة: ما إذا طلّقها بائناً

اتفقت كلمة الأصحاب على انّها تقتصر على اتمام عدة الطلاق لعدم شمول الآية لها لأنّ المفروض انقطاع العصمة بينهما فليست هي زوجة حتى

______________________________

(1). الطلاق: 4.

(2). البقرة: 234.

(3). الوسائل ج 15: الباب 31 من أبواب العدد، الحديث 1 و لاحظ سائر الروايات في هذا الباب.

(4). المغني: 9/ 110.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 278

تشملها الآية و يصدق عليها انّها من مصاديق (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً ...) و لأجل ذلك لا يتوارثان. أضف إلى ذلك انّ في ما مرّ من الروايات في الصورة الاولى الماعاً إلى حكم هذه الصورة ففي صحيح محمد بن قيس الماضي قوله ... و لم تحرم عليه فانّها ترثه ثمّ تعتد عدّة المتوفى عنها زوجها ... ( «1»)، و المراد من «لم تحرم عليه» في الموردين عدم كون الطلاق بائناً حيث تحرم الزوجة على الزوج بعد الطلاق.

و في موثق سماعة: قال سألته عن رجل طلّق امرأته ثمّ انّه مات قبل أن تنقضي عدّتها، قال: تعتدّ عدّة

المتوفى عنها زوجها و لها الميراث. ( «2») و من المعلوم أنّ الميراث في الرجعي دون البائن و مثله ما رواه محمد بن مسلم. ( «3»)

و قد عرفت فيما مضى من التفصيل في كلام ابن قدامة و قد ذهب جماعة من فقهائهم إلى أنّه إن طلّقها في مرض موته فانّها تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء، و إن ذهب مالك و الشافعي إلى انّه يكتفي بعدّة الطلاق، و الحق هو القول الثاني كما عليه اطلاق كلمات الأصحاب و لأنّها بائن من النكاح فلا تكون زوجة حتى تعتد بعدّة الوفاة و يكون المعيار أطول الأجلين.

______________________________

(1). البقرة: 234.

(2). الوسائل ج 15: الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 3 و 9.

(3). الوسائل ج 17: الباب 13 من أبواب ميراث الزوجة، الحديث 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 279

الأمر السابع: في حكم من حملت من زنا

لو حملت من زنا ثمّ طلّقها الزوج اعتدت بالأشهر و الأقراء لا بالوضع.

أقول: إنّ للمسألة صوراً:

1- أن تكون المطلّقة الحاملة من زنا ذات بعل.

2- أن تكون حاملة من زنا فقط و لم تكن ذات بعل، و هي و إن كانت خارجة عن موضوع البحث و لكن نذكرها استطراداً مثل الصور التالية.

3- إذا كانت زانية من غير حمل، و أرادت التزويج مع نفس الزاني أو مع غيره و إليك أحكام الصور.

أمّا الاولى: فهي تعتدّ بالأشهر و الأقراء لا بالوضع، و ذلك لأنّه يشترط في الحمل الذي تنقضي العدّة بوضعه كونه منسوباً إلى من العدة منه، فإذا علم انتفاؤه عن الفراش، كأن يكون غائباً عنها مدة مديدة أو تلد تامّاً لدون ستة أشهر من يوم النكاح، فإنّها تعتدّ بما كانت تعتدّ لو لا الحمل، فحينئذ فإن لم

تر حيضاً اعتدّت بالاشهر و إلّا اعتدّت بالاقراء و بانت بانقضاء الاشهر أو الاقراء، و إن لم تضع حملها، فانّ الزنا لا حرمة له، حملت منه أو لم تحمل كما في الصور الاخرى.

و على هذا فاعتدادها لا يتوقف على وضع حملها بل يجتمع مع الحمل سواء وضعت قبل انقضاء العدّة أم لا.

أمّا الثانية: فتظهر حالها من الاولى فانّها حملت من الزنا و لم تكن ذات بعل فيجوز لها التزويج قبل أن تضع و لا عدّة للحمل عن الزنا، و لا استبراء إذ لا موضوع

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 280

للاستبراء بعد تبين حملها و في الحدائق ( «1») «و عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب»، قال في المسالك: يشترط في الحمل كونه منسوباً إلى من العدة منه، إمّا ظاهراً أو احتمالًا، فلو انتفى عنه شرعاً لم يعتد به. ( «2»)

و أمّا الثالثة: أعني: إذا كانت زانية من دون حمل و لا بعل، فهل عليها الاستبراء من الماء الحرام أو لا، قال العلّامة في التحرير أنّ عليها العدّة ( «3») و في المسالك: لا بأس به حذراً من اختلاط المياه و تشويش الأنساب ( «4»)، و اختاره في الحدائق ( «5») لما سيوافيك من الروايات، و قال في الجواهر لا يلزم اختلاط الانساب ضرورة أنّه مع الدخول بها، و احتمال كون الولد منه الحق به لقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «الولد للفراش و للعاهر الحجر» و إلّا فهو لغيره.

ثمّ إنّ صاحب الحدائق استدل على ما ذهب إليه برواية إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثمّ يبدو له في تزويجها، هل يحل له

ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها، و إنّما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها. ( «6»)

و برواية تحف العقول عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) أنّه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أ يحل له أن يتزوجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها من نطفته و نطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه ثمّ يتزوّج بها إن أراد فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً ثمّ اشتراها فأكل منها حلالًا. ( «7»)

______________________________

(1). الحدائق: 25/ 458.

(2). المسالك: 2/ 45.

(3). التحرير: 71، كتاب الطلاق و العدّة.

(4). المسالك: 2/ 47.

(5). الحدائق: 25/ 458.

(6). الوسائل ج 15: الباب 44 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

(7). الوسائل ج 15: الباب 44 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 281

و لا يخفى أنّ مقتضى الاحتياط هو التربص و استبراء رحمها، و إن كان المشهور أنّه لا عدّة على المزنّي بها سواء حملت من الزنا أم لا. ( «1»)

الأمر الثامن: في الحامل من شبهة

( «2») إذا وطئت المرأة بالشبهة فلها صور نذكرها فيما يلي:

الاولى- إذا وطئت بالشبهة و حملت ثمّ طلّقت و أمكن اللحوق بالزوج من حيث الفراش.

الثانية- تلك الصورة و لكن لم يمكن لحوقها بالفراش، بل بالواطئ لبعد الزوج عنها في تلك المدّة.

الثالثة- إذا طلّقت و مضت شهر ثمّ وطئت بالشبهة فحملت.

الرابعة- إذا وطئت بالشبهة و لم تكن ذات بعل.

ثمّ إنّ الشبهة في جميع الصور إمّا من الطرفين أو من طرف الواطئ فقط أو من طرف الموطوءة خاصّة، و إليك بيان أحكام

الصور:

قال الشيخ في الخلاف: «كل موضع يجتمع على المرأة عدّتان فانّهما لا تتداخلان بل تأتي بكلّ واحدة منهما على الكمال، و روى ذلك عن علي (عليه السلام) و عمر و عمر بن عبد العزيز، و به قال الشافعي، و ذهب مالك و أبو حنيفة و أصحابه إلى أنّهما تتداخلان و تعتدّ عدّة واحدة منهما معاً- دليلنا- إجماع الفرقة، و أيضاً فقد

______________________________

(1). لاحظ وسيلة النجاة، باب القول في عدّة وطي الشبهة، و تحرير الوسيلة ج 2، المسألة الأولى.

(2). سيجي ء الكلام في عدّة الموطوءة شبهة على وجه الاطلاق، في فصل العدد بخلاف المقام فإنّ البحث فيه مركز على الحامل شبهة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 282

ثبت وجوب العدّتين عليهما، و تداخلهما يحتاج إلى دليل، و روى سعيد بن المسيّب و سليمان بن يسار .... ( «1»)

روى سعيد بن المسيب: «أنّ طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلّقها البتة فنكحت في عدّتها فضربها عمر بن الخطاب و ضرب زوجها بالمخفقة ضربات و فرّق بينهما ثمّ قال عمر بن الخطاب: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن كان زوجها الذي تزوّج بها لم يدخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقية عدّتها من زوجها الأوّل و كان خاطباً من الخطاب فإن كان دخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقية عدّتها من زوجها الأوّل ثمّ اعتدّت من الآخر ثمّ لم ينكحها أبداً». ( «2»)

أمّا الصورة الأُولى فيظهر من الحدائق أنّه تكفي عدّة واحدة و هي عدّة الطلاق، بخلاف الصورة الثانية إذ يجب عليها عدّتان، تعتدّ أوّلًا من الواطئ بوضع الحمل، ثمّ من الزوج عدّة الطلاق، و لا تتداخلان لأنّهما حقّان مقصودان للآدميّين كالدين فتداخلهما على خلاف الأصل.

أمّا وحدة العدّة في

الصورة الأُولى فلأنّ المفروض لحوق الولد بالزوج فعدّتها بعد الطلاق بوضع حملها و معه لا موضوع لعدّة الواطئ لأنّ لحوق الولد بالزوج كشف عن عدم استقرار نطفته في الرحم، و هذا بخلاف الصورة الثانية، أعني: إذا ما كان الولد ملحقاً بالواطئ، فعليها عدّتان، عدّة للزوج لأجل الطلاق و عدّة للحمل، فتعتدّ بالوضع من الواطئ ثمّ تستأنف عدّة الطلاق بعد الوضع.

و بذلك يظهر حكم الصورة الثالثة، أعني: ما إذا تأخر الوطء عن الطلاق فبما أنّها وطئت أثناء العدّة فالحمل للواطئ فتعتدّ عن الوطء بوضع الحمل ثمّ تعود إلى إتمام بقية عدّة الطلاق بعد الوضع بناء على تعدّد العدّتين.

______________________________

(1). الخلاف 3/ 60، المسألة 31، كتاب العدة.

(2). السنن الكبرى: 7/ 441 كتاب العدد.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 283

هذا هو المشهور غير أنّ صاحب الحدائق زعم أنّ التعدّد مذهب العامّة و حمل أخبار التعدد على التقية و جعل القول بالاتحاد هو الأظهر، فإليك ما يدلّ على التعدد أوّلًا و إلى الوحدة ثانياً.

أمّا الأوّل فتدلّ عليه صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع و تزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر و عشر؟ فقال: إن كان دخل بها فرّق بينهما، و لم تحلّ له أبداً، و اعتدّت ما بقي عليها من الأوّل و استقبلت عدّة اخرى من الآخر ثلاثة قروء، و إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما و اعتدّت بما بقي عليها من الأوّل و هو خاطب من الخطاب». ( «1»)

و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها فتضع و تزوّج قبل أن تعتد أربعة أشهر و عشراً؟ فقال:

إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً و اعتدت بما بقي عليها من عدّة الأوّل و استقبلت عدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء، و إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما و أتمّت ما بقي من عدّتها و هو خاطب من الخطاب». ( «2»)

و هاتان الروايتان واردتان في المتزوّجة في عدّة الوفاة التي دخل بها، و قد حكم فيهما بالاعتداد للزوج أوّلًا ثمّ للواطئ و ما هذا إلّا لسبق سبب الأوّل و هو موت الزوج و تأخير سبب الثاني و هو الدخول في عدّة الوفاة، و إلى ذلك ينظر قول السيد الأصفهاني في وسيلته: «و إن كان حائلًا يقدّم الأسبق منهما و بعد تمامها استقبلت عدّة اخرى من الآخر». ( «3»)

ثمّ إنّ الاستدلال بهاتين الروايتين على المورد استدلال بالنظير على النظير

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6 و 2، و في السند عبد الكريم، و المراد منه عبد الكريم بن عمرو بن صالح و هو ثقة ثقة فالحديث صحيح.

(2). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6 و 2، و في السند عبد الكريم، و المراد منه عبد الكريم بن عمرو بن صالح و هو ثقة ثقة فالحديث صحيح.

(3). وسيلة النجاة: 2/ 382، المسألة 4، فصل عدّة وطأ الشبهة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 284

فيما إذا طلّقت ثمّ وطئت، فيكون الدخول حينئذ دخولًا في العدّة شبهة غير أنّ العدّة في الروايتين عدّة الوفاة و في المفروض عدّة الطلاق.

و أمّا إذا وطئت ثمّ طلّقت فلا يكون نظيراً للمقام، بل من قبيل الدخول على ذات البعل لأنّ المفروض

أنّها لم تكن مطلّقة عند الدخول، فالاستدلال بهما على هذا المورد يكون من باب الأولوية لأنّه إذا كان الدخول على المعتدّة موجباً للاعتداد فالدخول شبهة على المزوّجة و إن طلقت بعد، موجب لها بطريق أولى و سيوافيك لزوم العدّة للمزوّجة المدخول بها شبهة و إن لم تطلق.

و أمّا كيفية الاعتداد من حيث السبق و التأخير فقد قال المحقق: «بأنّها تعتدّ بالوضع من الواطئ ثمّ تستأنف عدّة الطلاق بعد الوضع» و ما هذا إلّا لأجل سبق الدخول على الطلاق فتعتد للشبهة بسبق سببها، ثمّ للطلاق لأجل تأخر سببه.

و لكنّ الحال كذلك فيما إذا انعكس الأمر بأن كان الدخول شبهة بعد الطلاق و ما ذلك إلّا لعدم امكان تأخير عدّته التي هي وضع الحمل، فليس حينئذ إلّا تأخير إكمال عدّة الطلاق بعد فرض عدم التداخل بين العدّتين.

و إلى ذلك ينظر قول السيد الأصفهاني: «إذا كانت معتدة بعدّة الطلاق» ( «1») أو الوفاة ( «2») فوطأها شبهة أو وطأها ثمّ طلّقها أو مات عنها زوجها فعليها عدّتان عند المشهور و هو الأحوط إن لم يكن الأقوى فإن كانت حاملًا من أحدهما تقدّم عدّة الحمل فبعد وضعه تستأنف العدّة الاخرى ( «3»)

و على كل تقدير فصحة الروايتين تصد الفقيه عن الرجوع إلى غيرهما ما لم يكن هناك دليل أقوى منهما و سيوافيك انّ ما استدل به على وحدة العدّتين قاصر الدلالة غالباً.

______________________________

(1). كما هو المفروض في المقام.

(2). كما هو مورد الروايتين.

(3). وسيلة النجاة: 2/ 382.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 285

أمّا القول الثاني أي وحدة العدتين فقد ذهب إليه صاحب الحدائق. و استدل ببعض الروايات، فها نحن نذكر كلّ ما يمكن أن يستدل به لقوله فنقول:

1- روى

زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: يفرق بينهما و تعتد عدّة واحدة منهما جميعاً. ( «1»)

يلاحظ عليه- بأنّه لم يرد فيها الدخول فلعلّ المراد، اجراء العقد من دون النكاح و اطلاق العدّة على مثل هذا الفراق، من باب التوسع.

2- روى أبو العباس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في المرأة تزوّج في عدّتها قال: يفرّق بينهما و تعتد عدّة واحدة منهما جميعاً. ( «2»)

يلاحظ عليه: بما ذكرناه في السابقة.

3- روى زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت فتزوّجت فجاء زوجها الأوّل ففارقها و فارقها الآخر كم تعتد للناس؟ قال: بثلاثة قروء، و إنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم، قال زرارة: و ذلك انّ أُناساً قالوا: تعتدّ عدّتين لكلّ واحدة عدّة فأبى ذلك أبو جعفر (عليه السلام) و قال: تعتدّ ثلاثة قروء فتحلّ للرجال. ( «3»)

و هو ظاهر في غير المدخولة، بشهادة ذيله «تحلها للناس كلّهم» أي حتى المتزوج.

4- روى يونس عن بعض أصحابه في امرأة نُعي إليها زوجها فتزوّجت ثمّ قدم زوجها الأوّل فطلّقها و طلّقها الآخر، فقال إبراهيم النخعي: عليها أن تعتد

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 11 و 12.

(2). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 11 و 12.

(3). الوسائل ج 15: الباب 38 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 286

عدّتين، فحملها زرارة إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: عليها عدّة واحدة». ( «1») و هي مثل السابق في عدم الدلالة على المقصود.

5- روى زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)

في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوّجت ثمّ قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها، قال: «تعتد منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة و ليس للآخر أن يتزوّجها أبداً». ( «2») و هي ظاهرة في خلاف المختار و ما نقله في الجواهر ( «3») من أنّ الشيخ حملها على عدم دخول الثاني بها، لا يساعده ذيله: «و ليس للآخر أن يتزوّجها أبداً» فإنّ التحريم الأبدي يؤيد الدخول، إلّا أن تكون الرواية من الروايات الدالة على أنّ مطلق العقد على ذات العدّة يوجب التحريم خلافاً للروايات المفصّلة بين الدخول و عدمه. و على كل تقدير، فما ذهب إليه المشهور هو الأقوى.

و أمّا الصورة فسيوافيك كلها في فصل العدد.

***

الأمر التاسع: في اختلاف الزوجين في تاريخي الطلاق و الوضع

اشارة

و لها صور ثلاث:

1- إذا اتفق الزوجان في زمن الطلاق و اختلفا في زمن الوضع.

2- إذا اتفقا في زمن الوضع و اختلفا في زمن الطلاق، و هو على وجوه.

3- ما إذا لم يتفقا في شي ء منهما.

و قد وردت هذه الصور مع غيرها في كلام الشيخ و إليك بيانها.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 38 من أبواب العدد، الحديث 2.

(2). الوسائل ج 14: الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(3). الجواهر: 32/ 266.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 287

قال الشيخ في المبسوط: «إذا طلّق زوجته و ولدت ثمّ اختلفا فقالت المرأة انقضت عدّتي بالولادة، و قال الزوج: عليك العدّة بالأقراء ففيه خمس مسائل:

الأولى: أن يتفقا على وقت الولادة، و يختلفا في وقت الطلاق، بأن يتفقا على أنّ الولادة كانت يوم الجمعة، و قالت المرأة طلقتني يوم الخميس و ولدت يوم الجمعة، و قال هو: بل طلّقتك يوم السبت فعليك العدّة بالأقراء، فالقول قول الزوج، لأنّ الطلاق

فعله، فإذا اختلفا في وقت فعله كان القول قوله.

الثانية: أن يتفقا على وقت الطلاق، و يختلفا في وقت الولادة، بأن يتفقا أنّ الطلاق كان يوم الجمعة، و قال الزوج: كانت الولادة يوم الخميس، و الطلاق بعدها فلم تنقض العدّة بالولادة، و قالت بل كانت يوم السبت فانقضت عدّتي بوضع الحمل فالقول قولها، لأنّه اختلاف في وقت فعلها و هي الولادة.

الثالثة: إذا تداعيا مطلقاً فيقول الزوج لم تنقض عدّتك بوضع الحمل فعليك الاعتداد بالأقراء، و قالت قد انقضت عدّتي به، فالقول قول الزوج، لأنّ الأصل بقاء العدّة. ( «1»)

وجه الأوّل و الثاني أنّ الولادة و الطلاق فعلهما، فيقدم في كل، قول من يكون الفعل له و هي الزوجة في الوضع و الزوج في الطلاق.

الرابعة: إذا اقرّا بجهالة ذلك بأن يقول الزوج:

______________________________

(1). المبسوط: 5/ 241، كتاب العدد.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 288

لست أدري هل كان الطلاق قبل الولادة أو بعدها؟ و قالت هي مثل ذلك فيلزمها أن تعتد بالاقراء احتياطاً للعدة لأنّ الأصل بقاؤها فلا تسقط بالشك، و يستحب للزوج ألّا يرجعها في حال عدّتها خوفاً من أن يكون عدتها قد انقضت بوضع الحمل.

الخامسة: أن يدعي أحدهما العلم و أقرّ الآخر بالجهالة بأن يقول الزوج: وضعتِ حملك ثمّ طلقتكِ، فعليك العدة بالأقراء، و قالت المرأة لست أدري أ كان قبل الوضع أم بعده. أو قالت المرأة طلقتني ثمّ ولدت، و قال الزوج: لست أدري أ كان قبله أم بعده فالحكم أن يقال للذي أقر بالجهالة ما ذكرته ليس بجواب عما ادعاه فإن اجبت و إلّا جعلناك ناكلًا و رددنا اليمين عليه (الآخر) و حكمنا له بما قال. ( «1»)

و فيما ذكره أخيراً تأمل إذ

من المحتمل أن يُكلّف باليمين على عدم العلم، لأنّ تكليفه على اليمين الجازمة حينئذ لا وجه و بالتالي لا دليل على جعل مدعى الجهل ناكلًا نعم لو لم يحلف يرد اليمين على المدعي. و التفصيل في محله.

لو اقرت بانقضاء العدة ثمّ جاءت بولد لستة أشهر فصاعداً منذ طلقها فهل يلحق بالزوج أو لا؟

قال الشيخ: إذا طلّق زوجته فأقرت بانقضاء عدتها ثمّ أتت بعد ذلك بولد دون أقصى مدة الحمل من وقت الطلاق فإن نسبه يلحق بالزوج و قال قوم: إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت انقضاء العدة لم يلحقه و هو الأقوى عندي. ( «2»)

لا شك انّه إن لم تقر بانقضاء العدة و جاءت بولد لستة أشهر فصاعداً يلحق به و قد نص به الشيخ أيضاً و قال: «فإن أتت به لأقل من تسعة أشهر فانّه يلحقه سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً لأنّه يمكن أن يكون منه ( «3») و ليس المانع في المقام إلّا اعترافه بانقضاء العدة، و لو كان الولد من الزوج لم تتم عدتها.

نعم ذهب المحقق إلى خلاف ما اختاره الشيخ و قال: «و الأشبه الحاقه به

______________________________

(1). المبسوط: 5، كتاب العدة 242- 243.

(2). المبسوط: 5، 247.

(3). المبسوط: 5، 242.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 289

ما لم يتجاوز اقصى الحمل» ( «1») لأنّها حينئذ على حكم الفراش السابق في لحوق كل ما يحتمل كونه منه. و لذا لو لم تخبر بانقضاء العدة لم يكن اشكال في لحوق الولد به.

و الاقرار بانقضاء العدة إنّما يؤخذ به فيما يرجع عليها، لا في حق الغير أعني: الولد و الوالد فالحق الثابت للفراش مأخوذ به حتى يثبت خلافه.

بقي هنا أمران:

1- هل مبدأ الاحتساب هو حين الطلاق، أو الطهر الذي لم يواقعها فيه؟

انّ المحقق- تبعاً للشيخ- جعل المبدأ لاحتساب المدة، حين الطلاق، المقتضي لكون أقصى الحمل أكثر مما فرض انّه أقصاه، لتقدم العلوق على الطلاق لأنّ المعتبر كونه في الفراش و هو متقدم على الطلاق الذي لا يصح إلّا في وقت متأخر عن الوطء

بمقدار ما تنتقل من الطهر الذي اتاها فيه إلى غيره، و ذلك يوجب زيادة الأقصى بكثير. ( «2»)

و حمله صاحب الجواهر على التسامح أو انّ حكم الفراش باق إلى حين الطلاق و يكفي فيه الاحتمال الذي لا يعلم به المطلِّق، على وجه لا ينافي صدقَ كونها في طهر لم يواقعها فيه، بزعمه. ( «3»)

2- هل هناك فرق بين العدة البائنة و الرجعية أولا؟

المسألة مبنية على بقاء الفراش في الاولى و عدمه و هل قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «الولد للفراش» يعم البائن في عدتها كالرجعيّة أولا.

______________________________

(1). الجواهر: 32، 272.

(2). المبسوط 242: 5 في مسألة و إن اتت بالولد.

(3). الجواهر: 32/ 272.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 290

نعم على القول بعدم اللحوق مطلقاً كما عليه الشيخ الطوسي في صورة كون الطلاق بائناً لا يحكم بالولد بكونه من زنا لعدم حصول اليقين بسببه لاحتمال كون سببه، هو الوطء بالشبهة.

نعم لا يلحق بالزوج إذ جاءت به لأزيد من أقصى الحمل، و لكن الشيخ فصل بين كون الطلاق بائناً فلا يلحق. و رجعياً فيلحق قال: و إن أتت بولد لأكثر من تسعة أشهر من وقت الطلاق فإن كان بائناً لم يلحقه النسب لأنّ الولد لا يبقى أكثر من تسعة أشهر، و لا يلحقه لأنّها ليست بفراش و ينتفي عنه بغير لعان، و إن كان الطلاق رجعياً فهل يلحقه نسبه أم لا؟ قال قوم: لا يلحقه لأنّها محرمة عليه كتحريم البائن و قال آخرون: يلحقه النسب، و هو الذي يقتضيه مذهبنا لأنّ الرجعية في معنى الزوجة بدلالة انّ أحكام الزوجات ثابتة في حقها. ( «1»)

الأمر العاشر: في عدة الوفاة

اشارة

اتفق الفقهاء على انّ الحرة المنكوحة بالعقد الصحيح الدائم إذا

توفي عنها زوجها تعتد أربعة أشهر و عشراً و كفى في ذلك قوله سبحانه: (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ( «2»)

و أمّا قوله سبحانه: (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوٰاجِهِمْ مَتٰاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرٰاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِي مٰا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ( «3») فهو إمّا راجع إلى أنّ لهنّ حق

______________________________

(1). المبسوط 242: 5 في مسألة و إن اتت بالولد.

(2). البقرة: 234 و 240.

(3). البقرة: 234 و 240.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 291

السكنى و غيره في بيت الزوج إلى سنة و ليس للوارث منعها عنه، بشهادة قوله: (غَيْرَ إِخْرٰاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِي مٰا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ).

قال الطبرسي: في تفسير الآية (وَصِيَّةً لِأَزْوٰاجِهِمْ) أي فليوصوا وصية لهنّ و من رفع فمعناه «وصيّة من اللّه لأزواجهم أو عليهم وصية لهن» (مَتٰاعاً إِلَى الْحَوْلِ) يعني ما ينتفعن به حولًا من النفقة و الكسوة و السكنى. (غَيْرَ إِخْرٰاجٍ) أي لا يخرجن من بيوت الأزواج. (فَإِنْ خَرَجْنَ) بأنفسهن قبل الحول من غير أن يخرجهن الورثة .... ( «1») و هل التمتع مختص بالسكنى، أو يعم النفقة و الكسوة احتمالان و مقتضى اطلاق قوله (مَتٰاعاً إِلَى الْحَوْلِ) هو الثاني.

و هناك احتمال آخر و حاصله انّ الآية الاولى ناسخة للآية الثانية و يؤيده الامعان في لفظ «الحول» حيث أتى به معرفاً، و لم يقل «إلى حول» و هذا يدل على وجود «حول» معروف بين السامعين تذكره بعض

الروايات.

روى العياشي: لما نزلت قوله (... يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً) جاءت النساء يخاصمن رسول اللّه و قلن لا نصبر فقال لهن رسول اللّه: كانت احداكن إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دبرها في خدرها، ثمّ قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتقها ثمّ اكتحلت بها ثمّ تزوجت فوضع اللّه عنكن ثمانية أشهر. ( «2»)

و روى أيضاً عن أبي بصير مضمرة قال سألته عن قول اللّه (... وَصِيَّةً لِأَزْوٰاجِهِمْ مَتٰاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرٰاجٍ) قال هي منسوخة قلت: و كيف كانت قال: كان الرجل إذا مات انفق على امرأته من صلب المال حولًا ثمّ أخرجت

______________________________

(1). المبسوط 5/ 242.

(2). تفسير العياشي: 1/ 121.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 292

بلا ميراث ثمّ نسختها آية الربع و الثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها. ( «1»)

و على ذلك فالآية نزلت في صدر الإسلام، و عملت بها ثمّ نسخت بآية التربص و غيرها من آيات المواريث.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّ الكلام يقع في عدّة الحائل تارة و الحامل اخرى. و إليك الكلام في الأوّل.

عدّة الوفاة للحائل
اشارة

لا خلاف بين الأصحاب و غيرهم في أنّ عدّة الحائل المتوفى عنها زوجها هي أربعة أشهر و عشراً و لا فرق بين الصغيرة و الكبيرة. نعم اختلف الروايات في موردين.

1- المتمتع بها

و هل مقدار عدتها هو أربعة أشهر و عشر أو أن مقدارها نصف الحرة و الحق أنّه لا فرق بين الدائم و غيرها فالعدة في الجميع واحدة و عليها فتوى الأصحاب و تدل عليه صحيحة عمر بن أُذينة عن زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها، قال: أربعة أشهر و عشراً قال: يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة أو على أيّ وجه، كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر و عشراً وعدة المطلّقة ثلاثة أشهر، و الأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرة، و كذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة. ( «2»)

و ذهب بعضهم إلى أن عدّة المتعة في الوفاة نصف الحرة و استدل له بما رواه

______________________________

(1). تفسير العياشي 1:

(2). الوسائل ج 15: الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 293

علي بن عبد اللّه بن علي بن شعبة الحلبي عن أبيه عن رجل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة متعة ثمّ مات عنها ما عدّتها؟ قال: خمسة و ستون يوماً. ( «1») و في السند مضافاً إلى الارسال، علي بن حسن الطاطري و هو واقفي شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية، و لعلّ المتمتع بها كانت أمة و عدّة الوفاة على الأمة هو شهران

و خمسة أيّام. نعم يخالفه ما مرّ من صحيحة زرارة.

و أمّا ما رواه عليّ بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: عدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة و أربعون يوماً. ( «2») فهو لا يطابق القولين و حمله الشيخ على موت الزوج في العدة بعد انقضاء الأجل، و يؤيّده أنّه قال: تمتع بها فمات عنها زوجها، بلفظ «ف-» فكأنّ الموت كان بعد تمام التمتّع. ( «3»)

و على كل تقدير فالعدول عن اطلاق الآية و الصحيحة أمر مشكل.

ثمّ انّ المرأة المعتدّة تبين بغروب الشمس من اليوم العاشر لأنّه نهاية اليوم و هو مبنيّ على أنّ المراد من العشر في الآية عشر ليال مع عشرة أيّام، و ذلك لأنّه كلّما أطلق اليوم يدخل فيه ليله، و كل ما اطلق الليل يدخل فيه يومه، إلّا إذا كان قرينة على الخروج كما كان في قوله سبحانه: (سَخَّرَهٰا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيٰالٍ وَ ثَمٰانِيَةَ أَيّٰامٍ حُسُوماً) ( «4») خلافاً للاوزاعي.

قال الشيخ في الخلاف: «عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلًا أربعة أشهر و عشرة أيّام بلا خلاف، و الاعتبار بالأيّام دون الليالي عندنا، فإذا غربت الشمس من اليوم العاشر انقضت العدّة و به قال جميع الفقهاء إلّا الأوزاعي فانّه قال تنقضي عدّتها بطلوع الفجر من اليوم العاشر- دليلنا- ما اعتبرناه مجمع على

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 4 و 3.

(2). الوسائل ج 15: الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 4 و 3.

(3). الحدائق: 25/ 191.

(4). الحاقة: 7.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 294

انقضاء عدّتها به، و ما ذكره ليس عليه دليل و أيضاً فالليالي إذا أطلقت فإنّما يراد بها ليالي أيّامها،

فحمل الكلام على ذلك هو الواجب ( «1») لما عرفت من أنّه كلما اطلق اليوم أو الليل يدخل الآخر في المحاسبة أيضاً.

ثمّ المراد من الشهر، هو الشهور الهلالية فلو مات و كان الباقي العشر فلا كسر بل تعتد بها و تضم إليها أربعة أشهر هلالية و إن كان الباقي أقل لم تعدّه و تحسب أربعاً هلالية أيضاً و تكمل باقي العشر من الشهر السادس و إن كان الباقي أكثر ففيه الوجوه المذكورة في عدّة الفراق.

2- غير المدخولة

لا فرق في وجوب العدّة للوفاة بين المدخولة و غيره و يدل عليه إطلاق الكتاب العزيز أولًا، و الروايات المعتبرة ثانياً.

ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل تموت و تحته امرأة لم يدخل بها، قال لها نصف المهر و لها الميراث كاملًا و عليها العدّة كاملة ( «2»).

و في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال قضى أمير المؤمنين في المتوفى عنها زوجها و لم يمسها قال: لا تنكح حتى تعتد أربعة أشهر و عشراً عدّة المتوفى عنها زوجها ( «3»).

و قياس المقام بعدّة الفراق قياس مع الفارق فان العدّة في المقام للتحزن و التفجع و لذلك حددت بالاشهر و الأيام، بخلاف عدّة الفراق فإنّها لأجل

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 56، المسألة 18، كتاب العدة.

(2). الوسائل، الباب 35 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 294

(3). الوسائل، الباب 35 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص:

295

تحصيل العلم بطهارة الرحم عن الولد، و لأجل ذلك حددت بالاقراء.

و أمّا موثق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته من قبل أن يدخل بها أ عليها عدّة؟ قال: لا، قلت له: المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل بها أ عليها عدّة؟ قال: أمسك عن هذا. ( «1») فلا تخلو عن إجمال.

نعم روى الشيخ في التهذيب عن محمد بن عمر الساباطي، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها، قال: لا عدّة عليها، و سألته، عن المتوفى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها، قال: لا عدة عليها سواء. ( «2») و لكنّه ضعيف السند أوّلًا، متروك العمل ثانياً و مخالف لإطلاق الكتاب ثالثاً. و الظاهر انّها محمولة على التقية و في غير واحد من الروايات إشارة إليه. ( «3»)

الأمر الحادي عشر: في عدّة الحامل المتوفى عنها زوجها

اشارة

و لو كانت حاملًا اعتدّت بأبعد الأجلين من وضع الحمل و مضيّ أربعة أشهر و عشرة أيام و حينئذ فإن وضعت قبل استكمال أربعة أشهر و عشرة أيّام، صبرت إلى انقضائها و كذا العكس. و هذا ممّا لا خلاف فيه بين الإمامية. و أمّا غيرهم، فقال الشيخ في الخلاف: عدّة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا أبعد الأجلين من وضع الحمل أو الأربعة أشهر و عشرة أيّام، و به قال علي (عليه السلام) و ابن عباس، و قال جميع الفقهاء و أبو حنيفة و أصحابه و مالك و الشافعي و الأوزاعي

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 35 من أبواب العدد، الحديث 5 و 4.

(2). الوسائل ج 15: الباب 35 من أبواب العدد، الحديث 5 و 4.

(3). لاحظ الوسائل ج 15: الباب

58 من أبواب المهور، الحديث 11.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 296

و الليث بن سعد: عدّتها وضع الحمل و هو المروي عن عمرو بن مسعود و أبي هريرة- دليلنا- إجماع الفرقة، و أيضاً ان ما اعتبرناه مجمع على انقضاء العدّة به ...». ( «1»)

و قال السيد المرتضى: «و مما انفردت به الإمامية أنّ عدّة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين، و تصوير هذه المسألة أنّ المرأة إذا كانت حاملًا فتوفّي عنها زوجها و وضعت حملها قبل أن تنقضي أربعة أشهر و عشرة أيّام لم تنقض بذلك عدّتها حتى تمضي أربعة أشهر و عشرة أيّام، فإن هي مضت عنها أربعة أشهر و عشرة أيّام و لم تضع حملها، لم يحكم لها بانقضاء العدّة حتى تضع الحمل و هذه المسألة يخالف فيها الإمامية جميع الفقهاء في زماننا هذا لأنّ الفقهاء يحكون في كتبهم و مسائل خلافهم خلافاً قديماً فيها، و أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) و عبد اللّه بن عباس كانا يذهبان إلى مثل ما تفتي به الإمامية الآن فيها، و الحجّة للإمامية الإجماع المتردد في هذا الكتاب». ( «2»)

و قال ابن قدامة: «أجمع أهل العلم في جميع الأعصار على أنّ المطلّقة الحامل تنقضي عدّتها بوضع حملها و كذلك كل مفارقة في الحياة، و أجمعوا أيضاً على أنّ المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا أجلها وضع حملها إلّا ابن عباس، و روى عن علي من وجه منقطع أنّها تعتدّ بأقصى الأجلين، و قاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فردّ عليه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قوله، و قد روى عن ابن عباس أنّه

رجع إلى قول الجماعة لما بلغه حديث سبيعة، و كره الحسن و الشعبي أن تنكح في دمها و يحكى عن حماد و إسحاق أنّ عدّتها لا تنقضي حتى تطهر، و أبى سائر أهل العلم هذا القول، و قالوا: لو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها حلّ لها أن تتزوج و لكن لا يطؤها زوجها حتى تطهر من نفاسها و تغتسل و ذلك لقول اللّه تعالى (وَ أُولٰاتُ

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 57، المسألة 19، كتاب العدّة.

(2). الانتصار: 149.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 297

الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) و روي عن أُبي بن كعب قال: قلت للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم): (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) للمطلّقة ثلاثاً أو للمتوفى عنها؟ قال: «هي للمطلّقة ثلاثاً و للمتوفى عنها» و قال ابن مسعود: من شاء باهلته أو لاعنته انّ الآية التي في سورة النساء القصرى (وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) نزلت بعد التي في سورة البقرة: (وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً) يعني أنّ هذه الآية هي الأخيرة فتقدم على ما خالفها من عموم الآيات المتقدمة و يخص بها عمومها». ( «1»)

أقول: إنّ بين الآيتين- من حيث المضمون- عموماً و خصوصاً من وجه، فالآية الثانية مختصة بالمتوفى عنها زوجها، و عامّة لشمولها الحائل و الحامل، و الآية الأولى مختصة بالحامل، و عامة لشمولها المطلّقة و المتوفى عنها زوجها، فيجتمعان في الحامل المتوفى عنها زوجها، فعلى الثانية يجب التربص أربعة أشهر و عشراً، و على الأولى يكفي وضع الحمل فتقدم أحد الدليلين على الآخر يحتاج إلى دليل.

بل يمكن أي يقال: أنّ الآية الاولى خاصة بالمطلّقات و لا تعدوها سياق

الآيات، قال سبحانه: (وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسٰائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلٰاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللّٰائِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً). ( «2»)

مضافاً إلى قوله سبحانه: (وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَ إِنْ تَعٰاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ). ( «3»)

فإن قلت: إنّ لازم ما ذكرنا من اختصاص آية الحمل بالمطلّقة، هو خروجها

______________________________

(1). المغني: 9/ 110، كتاب العدّة.

(2). الطلاق: 4 و 6.

(3). الطلاق: 4 و 6.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 298

عن العدّة بمضي المدّة و إن لم تضع، فما هو الوجه في الاعتداد بأبعد الأجلين؟

قلت: الوجه تضافر الروايات من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال في الحامل المتوفى عنها زوجها: تنقضي عدّتها آخر الأجلين. ( «1»)

و في موثقة سماعة، قال: قال: المتوفى عنها زوجها الحامل أجلها آخر الأجلين، إن كانت حبلى فتمت لها أربعة أشهر و عشر و لم تضع فانّ عدّتها إلى أن تضع، و إن كانت تضع حملها قبل أن يتم لها أربعة أشهر و عشر تعتدّ بعد ما تضع تمام أربعة أشهر و عشر و ذلك أبعد الأجلين. ( «2»)

أضف إلى ذلك ما ذكره في المسالك: من أنّه لو عمل باطلاق آية الوفاة لاقتضى خروجها عن العدّة بمضيّها، و إن لم تضع فيلزم أن تكون عدّة الوفاة أضعف من عدّة الطلاق و الأمر بالعكس كما يظهر من زيادة عدّتها و من شدّة أمرها و كثرة لوازمها، فتكون مراعاة الوضع على تقدير تأخره

عن أربعة أشهر و عشر، أولى منه في الطلاق الثابت بالإجماع.

لزوم الحداد على الزوجة

يلزم المتوفى عنها زوجها الحداد بلا خلاف، قال الشيخ في الخلاف: «المتوفى عنها زوجها عليها الحداد طول العدّة، و به قال جميع الفقهاء و أهل العلم إلّا الشعبي و الحسن البصري فانّهما قالا: لا يلزمها الحداد في جميع العدّة، و إنّما يلزمها العدّة- دليلنا- إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، و روي عن علي (عليه السلام) أنّه قال: لا يحل لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلّا على

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 31 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2، و لاحظ روايات الباب.

(2). الوسائل ج 15: الباب 31 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2، و لاحظ روايات الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 299

الزوج أربعة أشهر و عشراً. ( «1»)

و الأصل في ذلك النصوص المتضافرة:

و هي صحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن المتوفى عنها زوجها، قال: لا تكتحل لزينة و لا تطيب و لا تلبس ثوباً مصبوغاً و لا تبيت عن بيتها و تقضي الحقوق و تمتشط بغسلة و تحج و إن كان في عدّتها. ( «2»)

و صحيح أبي العباس قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): المتوفى عنها زوجها؟ قال: لا تكتحل لزينة و لا تطيب و لا تلبس ثوباً مصبوغاً و لا تخرج نهاراً و لا تبيت عن بيتها، قلت: أ رأيت إن أرادت أن تخرج إلى حق كيف تصنع؟ قال: تخرج بعد نصف الليل و ترجع عشاء. ( «3»)

إلى غير ذلك من الروايات المروية في الباب من أنّ عليها أن تحدّ على زوجها،

ففي رواية زرارة: «فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر و عشراً لأنّ عليها أن تحد عليه في الموت أربعة أشهر و عشراً. ( «4»)

الأمر الثاني عشر: في حكم المفقود عنها زوجها

هذه المسألة من المسائل التي يكثر بها الابتلاء و قد كان بعض مشايخنا العظام- أعلى اللّه مقامهم- يتورع عن الافتاء فيها. و لكن لا محيص عن الفقيه الذي يفزع إليه الناس من الافتاء و حلّ المعضلة. فنقول:

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 59، المسألة 26، كتاب العدّة.

(2). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب العدد، الحديث 2 و 3 و 1.

(3). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب العدد، الحديث 2 و 3 و 1.

(4). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب العدد، الحديث 2 و 3 و 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 300

لا خلاف في أنّ الغائب إن علمت حياته فهو كالحاضر، و إن علم موته اعتدت منه و جاز تزويجها، إنّما الإشكال فيما لو انقطع خبره و لم يثبت موته و لا حياته فانّ الذي تقتضيه الاصول، هو وجوب الصبر استصحاباً لحياته إلى أن يثبت موته شرعاً، لكن وردت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بخلاف ذلك و أنّ لها مخلصاً، خلافاً لبعض العامّة القائل بلزوم بقائها حتى يأتي خبر موته أو طلاقه إيّاها.

قال الشيخ في الخلاف: قال [الشافعي] في الجديد انّها تكون على الزوجية أبداً لا تحل للازواج إلى أن يتيقن وفاته، و هو أصح القولين لدى [الشوافع] و روى ذلك عن علي (عليه السلام)، و به قال أبو حنيفة و أصحابه و أهل الكوفة بأسرهم: ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و الثوري و غيرهم.

و أمّا الشيعة فقد قال الشيخ في الخلاف: امرأة المفقود الذي لا يعرف خبره

و لا يعلم أ حيّ هو أم ميّت تصبر أربع سنين ثمّ ترفع خبرها إلى السلطان لينفذ من يتعرف خبر زوجها في الآفاق فإن عرف له خبراً لم يكن لها طريق إلى التزويج، و إن لم يعرف له خبراً أمر وليّه أن ينفق عليها فلا طريق لها إلى التزويج، و إن لم يكن له ولي، أمرها أن تعتد عدّة المتوفى عنها زوجها فإذا اعتدت ذلك حلّت للازواج، و للشافعي فيه قولان: قال في القديم: تصبر أربع سنين ثمّ ترفع أمرها إلى الحاكم حتى يفرق بينهما ثمّ تعتد للوفاة و تحل للازواج، و روى ذلك عن عمر و ابن عمر و ابن عباس و مالك و أحمد و إسحاق. ( «1»)

هذا هو إجمال المسألة، غير أنّ الوقوف على الشروط اللازمة و تمييزها عن غيرها يتوقف على البحث عن عدة أُمور و بذلك تعرف أقوال أصحابنا في شروط الموضوع، و المهم عبارة عن الأُمور التالية:

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 60، المسألة 33، كتاب العدّة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 301

1- هل يشترط الطلاق بعد مدّة التربّص أو يكفي رفع الأمر إلى الحاكم من غير حاجة إلى الطلاق.

2- العدّة في المقام، عدة طلاق أو عدة وفاة.

3- هل اللازم رفع أمرها إلى الحاكم ليضرب الأجل و يفحص عن الزوج في الاطراف، أو يكفي مضيّ أربع سنين قبل الرجوع إلى الحاكم.

4- هل المبدا لأربع سنين، هو حين الفقد أو حين رفع الأمر إلى الحاكم زمان فقد خبره أو حين ضرب الحاكم الأجل.

و هناك أُمور ليست بهذه الدرجة من الأهمية. فيبحث عن الجميع ليتّضح الحقّ بأجلى مظاهره. فنقول:

الأوّل: إذا طولب أربع سنين و لم يعرف له خبر فهل يكفي أمر الحاكم

لها بالاعتداد، عدّة الوفاة أم لا بدّ من الطلاق أوّلًا من الولي أو الحاكم مع عدمه. و على الثاني فهل العدّة عدّة الوفاة أو عدّة الطلاق؟ أقوال أربعة:

1- يكفي أمر الحاكم لها بالاعتداد عدّة الوفاة. و يظهر هذا من المفيد و الطوسي و ابن البراج و الحلّي و المحقق و غيرهم- قدّس سرّهم- و إليك عباراتهم.

قال المفيد: «و إن لم تعلم له خبر اعتدت عدّة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرة أيّام». ( «1»)

و قال الشيخ في النهاية: «و إن لم يعرف له خبر بعد أربع سنين، من يوم

______________________________

(1). المقنعة: 83، كتاب الطلاق.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 302

رفعت أمرها إلى الإمام، اعتدت من الزوج عدّة المتوفى عنها زوجها». ( «1»)

و قال ابن إدريس: «فإن لم يعرف له خبره حتى انقضت أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام أمرها الإمام بالاعتداد عنه أربعة أشهر و عشرة أيّام عدّة المتوفى». ( «2»)

و قال ابن البراج: «و إن لم يكن له وليّ فرّق الحاكم بينهما فاعتدت عدّة الوفاة». ( «3»)

و قال المحقق في الشرائع: «و إن لم يعرف خبره، أمرها بالاعتداد عدّة الوفاة». ( «4»)

2- يلزم الطلاق من الوليّ أو الحاكم مع عدمه و العدّة عدّة الوفاة، قال به الصدوق في المقنع و ابن حمزة في الوسيلة.

قال الصدوق: «أجبره الوالي على أن يطلّقها تطليقة في استقبال العدّة و هي طاهرة، فيصير طلاق الوليّ طلاق الزوج، و إن لم يكن لها وليّ طلّقها السلطان، ... و عدّتها أربعة أشهر و عشرة أيّام». ( «5»)

و قال ابن حمزة: «و إن لم يجد له خبراً بموت، و لا حياة، أمر الحاكم بعد انقضاء أربع سنين

وليّ الغائب بتطليقها، فإن لم يكن له وليّ طلّقها الحاكم، فإذا طلّقها اعتدت عنه عدّة الوفاة». ( «6»)

3- لا بدّ من الطلاق من أحدهما و العدّة عدّة الطلاق و إليه جنح الشهيد في مسالكه و سبطه في مداركه. ( «7»)

4- قول ابن الجنيد، إن طلّقه الوليّ، فالعدّة عدّة الطلاق، و إن لم يطلّق، أمرها (بدون طلاق) ولي المسلمين أن تعتد عدة الوفاة. و حكاه العلّامة في المختلف

______________________________

(1). النهاية: 538.

(2). السرائر: 340، كتاب الطلاق.

(3). المهذب: 2/ 338.

(4). الشرائع: 3/ 39، كتاب الطلاق.

(5). المقنع: 119، كتاب الطلاق.

(6). الوسيلة: 324.

(7). لاحظ المسالك: 2/ 50.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 303

قال: «أمره السلطان بأن يطلق فإن طلّقها، وقع طلاقه موقع طلاق زوجها و إن لم يطلّق أمرها وليّ المسلمين أن تعتد فإذا خرجت من العدّة حلّت للازواج». ( «1»)

فإنّ ظاهر قوله: «وقع طلاقه موقع طلاق زوجها» أن العدّة عدّة الطلاق، كما أنّ المتبادر من الثاني عدّة الوفاة إذ المفروض أنّها تعتد بلا طلاق من الوالي فكيف تكون العدّة، عدّة الطلاق مع عدمه، فتعين أن تكون عدة الوفاة.

و إليك تحليل الأقوال:

أمّا القول الأوّل: فتدل عليه موثقة سماعة قال: سألته عن المفقود؟ فقال: إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاق، و إن لم تعلم أين هو من الأرض و لم يأتها منه كتاب و لا خبر فإنّها تأتي الإمام (عليه السلام) فيأمرها أن تنتظر أربع سنين فيطلب في الأرض، فإن لم يوجد له خبر حتى يمضى الأربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر و عشراً ثمّ تحل للازواج فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس له عليها رجعة، و

إن قدم و هي في عدّتها أربعة أشهر و عشراً فهو أملك برجعتها. ( «2»)

و أمّا القول الثاني: فهو مركب من أمرين:

1- طلاق الولي أو الوالي إن لم يطلق الولي، و تدل عليه رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين و لم ينفق عليها و لم تدر أ حيّ هو أم ميت، أ يجبر وليّه على أن يطلّقها؟ قال: نعم، و إن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان، قلت: فإن قال الولي: أنا أنفق عليها؟ قال: فلا يجبر على طلاقها، قال: قلت: أ رأيت إن قالت: أنا أُريد مثل ما تريد النساء و لا أصبر

______________________________

(1). المختلف: 41، كتاب الطلاق.

(2). الوسائل ج 14: الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 304

و لا أقعد كما أنا؟ قال: ليس لها ذلك و لا كرامة إذا أنفق عليها». ( «1») و غيرها من روايات الباب.

2- من كون العدّة عدّة الوفاة، و يدل عليها مرسلة الفقيه: «أنّه إن لم يكن للزوج وليّ طلّقها الوالي و يشهد شاهدين عدلين، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج و تعتد أربعة أشهر و عشراً ثمّ تزوّج إن شاءت». ( «2»)

و أمّا القول الثالث: فقد مرّ دليل لزوم الطلاق، و أمّا كون العدّة هو عدّة الطلاق فهو و إن لم يصرّح به في الروايات لكنّه هو المتبادر، كرواية بريد بن معاوية ( «3») و صحيحة الحلبي ( «4») و أمّا رواية سماعة الدالة على عدّة الوفاة فمضمرة ضعيفة السند.

و أمّا القول الرابع: فيعلم وجهه من التأمل فيه، لأنّه إذا كان وظيفة الولي الطلاق، تكون العدّة عدّته،

و إذا لم يطلق و وصلت النوبة إلى الوالي، و أمر بالاعتداد بلا طلاق، تكون العدّة عدّة الوفاة بتنزيله منزلة الموت و إلّا فلا وجه للاعتداد بلا طلاق كما هو المفروض.

هذا و بما أنّ أكثر روايات الباب دالة على لزوم الطلاق من الولي أو الوالي، لم يكن بدّ من تقديمه على موثقة سماعة الظاهرة في عدم لزومه و كفاية الأمر بالاعتداد من الوالي.

و يمكن الجمع بين الروايات بالأخذ بالصريح و ترك غيره و يحصل ذلك برعاية أمرين:

1- إنّ روايات الباب صريح في لزوم الطلاق، فيؤخذ بها، و يترك ظهور ما

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث، 5.

(2). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث، 2.

(3). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و 4.

(4). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 305

هو ظاهر في خلافه من عدم لزومه. كموثقة سماعة إذ ليس فيها عن الطلاق أثر، لو لا قوله في آخرها من قوله: «فهو أملك برجعتها» المشعر بلزوم الطلاق حتى يصدق الرجعة.

2- إنّ روايات الباب، ظاهرة في أنّ عدّتها عدّة الطلاق لكن صريح مضمرة سماعة على أنّها عدّة الوفاة فيؤخذ بالصريح و يترك الظاهر، مضافاً إلى أنّه ورد في مرسلة الفقيه الجمع بين الطلاق و عدّة الوفاة. و كون الموثقة مضمرة لا يضرّ لأنّ جميع مروياته كذلك مضمرة.

و ما ذكرنا، خيرة السيد الاصفهاني في الوسيلة و الاستاذ الأكبر في تحريره. و لكن الأحوط الجمع بين العدّتين و رعاية أبعد الأجلين، لقيام الاحتمال بأنّ وظيفتها، التربص ثلاثة قروء، كما

أنّ المحتمل أنّ وظيفتها تربص أربعة أشهر و عشراً، و ذلك فيما إذا كانت ذات الاقراء و كانت تحيض في كل شهرين أو أقل من ثلاثة مرّة واحدة و لا تخرج من العدّة بمرور أربعة أشهر و عشراً.

و الحق أن يقال: إنّ ما ذكر من الجمع ليس جمعاً عرفياً، و إنّما هو أخذ بالقدر المتيقن من الروايات و المتعارف عندهم في أمثال المقام، فانّ الظاهر أنّ الإمام في كل واحدة من هذه الروايات في مقام بيان ما هو تمام الموضوع لتخلص المرأة عن الحرج و الحياة القلقة، و على هذا، فهل يصح أن يترك ذكر الطلاق في بعضها مع ركنيته، أو يترك ذكر عدّة الوفاة مع إرادتها، فالروايات حسب الفهم العرفي متعارضة، و انّما صرنا إلى ما ذكرنا لأجل الأخذ بالقدر المتيقن و لأجل ذلك يقول السيد الأصفهاني «و في اعتبار بعض ما ذكر تأمل و نظر، إلّا أنّ اعتبار الجميع هو الأحوط.»

الثاني: هل المبدأ لأربع سنين، هو حين الفقد أو حين رفع أمرها إلى الحاكم. و هو متفرع على أمر آخر، و هو أنّه هل يكفي في الاعتداد، مرور أربع سنين من حين

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 306

الفقد، أو لا يكفي إلّا إذا رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها الأجل حتى قال العلّامة في القواعد: «لو لم ترفع خبرها إلى الحاكم فلا عدّة حتى يضرب لها المدّة ثمّ تعتدّ و لو صبرت مائة سنة، و ابتداء المدّة من رفع القضية إلى الحاكم و ثبوت الحال عنده لا من وقت انقطاع الخبر». ( «1»)

ظاهر عبارات الأصحاب هو الثاني، و بما انّه الأوفق للاحتياط اكتفى به السيد الاصفهاني في وسيلته و

الاستاذ- قدّس سرهما- في تحريره، و يدلّ عليه صحيحة بريد بن معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال: ما سكتت عنه و صبرت فخل عنها، و إن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين ثمّ يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه فإن خبّر عنه بحياة صبرت و إن لم يخبر عنه بحياة حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود .... ( «2») و مثله موثقة سماعة كما عرفت.

و ربما يستظهر من صحيحة الحلبي ( «3») خلافه و انّه يكفي مرور أربع سنين بلا تأجيل من الحاكم حيث قال: «المفقود إذا مضى له أربع سنين فإذا مضى بعث الوالي»- و مع ذلك- فهو ليس بصريح و لعلّ المرأة رفعت أمرها من قبل فأجّل لها أربع سنين ثمّ جاءت إليها بقرينة قوله «فإذا مضى بعث الوالي» و لعلّه يعرب عن اطلاع الوالي على الأمر من أوّل الأمر، و عندئذ تنطبق مع صحيحة «بريد». اللّهمّ إلّا أن يحمل على ثبوت المضيّ بشهادة العدلين بعد رفع الأمر إليه.

و أمّا صحيحة الكناني فليست بصدد بيان تلك الجهة حتى يؤخذ بإطلاقها و إنّما هي بصدد بيان جواز إجبار الولي على الطلاق و عدمه، بقرينة أنّها خالية عن قيد الفحص من المدّة المزبورة أيضاً.

______________________________

(1). ايضاح القواعد 353: 3- 354.

(2). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و 4.

(3). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 307

و على هذا فالأحوط لو لم يكن الأقوى، كون المبدأ، الأجل الذي يؤجّلها الوالي، لا مبدأ الفقد خلافاً لصاحب

الحدائق حيث حكم لأجل إطلاق روايتي الحلبي و الكناني، من أنّها إذا رفعت أمرها إلى الحاكم بعد الأربع سنين، من حين الفقد يكفي ذلك إلّا أنّه يتفحّص عنه فيجري عليه الحكم، و إن رفعت أمرها في أثنائها فإنّه يجب عليها التربص حتّى يتمّ الأربع و تضمّ إليها المدة الباقية ثمّ يجري الحكم.

الثالث: لو تعذر رفع الأمر إلى الحاكم أو أمكن رفعه إليه و لكن تعذر الفحص فهل يجب عليها الصبر إلى أن يظهر حاله بوجه من الوجوه أو لا؟ اختار الأوّل، ابن إدريس في السرائر و الشهيد في المسالك. قال في السرائر: «إنّها في زمن الغيبة مبتلاة و عليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه، على ما وردت به الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ( «1») و علّله في المسالك بأصالة بقاء الزوجية». ( «2»)

و يظهر من السيد الخوانساري في جامعه قال: «و لم يظهر من الأدلّة لزوم تخليص المرأة في كل زمان» ( «3») و يظهر من الكاشاني في وافيه و البحراني في حدائقه.

قال البحراني: إنّ القول الأوّل مبني على ظاهر ما اتّفقت عليه كلمتهم من توقف الطلاق أو الاعتداد على رفع الأمر إلى الحاكم، حيث قال العلّامة في القواعد من «أنّه لو مضت مائة سنة و لم ترفع أمرها إلى الحاكم فلاطلاق و لا عدّة»، و ابتداء المدّة من رفع القصة إلى الحاكم و ثبوت الحال عنده لا من وقت انقطاع الخبر.

ثمّ قال لا ظهور فيها على توقف الطلاق على رفع الأمر إلى الحاكم و أنّ مبدأ الأربع التي يجب عليها التربص فيها من مبدأ الرفع و انّ الفحص إنّما هو من الحاكم، بل الذي يظهر منها إنّما هو وجوب التربص

أربع سنين رفعت أمرها إلى

______________________________

(1). السرائر: 340، كتاب الطلاق.

(2). المسالك: 2/ 50.

(3). جامع المدارك: 4/ 563.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 308

الحاكم قبل الأربع أم لا، و إنّ مبدأ الأربع من حين الفقد- إلى أن قال:- فمع فقده أو قصور يده فانّه لا ينتفي الحكم المذكور بل يجب على عدول المؤمنين القائمين مقامه في تولّي بعض الأمور الحسبية، القيام بذلك، و تخرج الآيات و الروايات الدالّة على نفي الضرر و الحرج و الضيق شاهداً في هذا الدين على ذلك». ( «1»)

و قال السيد الاصفهاني: إذا لم يكن الوصول إلى الحاكم فإن كان للحاكم وكيل و مأذون في التصدي للأمور الحسبية، فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر و مع عدمه فالظاهر قيام عدول المؤمنين مقامه.

و عليه سيدنا الأُستاذ (قدس سره) في التحرير إلّا أنّه استشكل في قيام عدول المؤمنين مقامه.

يلاحظ على ما ذكره في الحدائق

أوّلًا: أنّه خلط بين المسألتين، أعني كون مبدأ الأربع، فقد الزوج أو رفع الأمر إلى الحاكم، و بين لزوم مدخلية الحاكم في ذلك فيمكن التفكيك. و اختيار أنّ المبدا لأربع سنين، هو فقد الزوج، و لكن لا ينفذ الحكم إلّا بالمراجعة إلى الحاكم و إصداره الحكم بالطلاق و الاعتداد.

و ثانياً: أنّ القول بقيام عدول المؤمنين بالأمر، فرع القول انّه من وظيفة الحاكم فانّهم لا يقومون إلّا بما لو كان الحاكم موجوداً أو مبسوط اليد لما وصلت النوبة إليهم، فلو قلنا: إنّه ليس من شئونه، لما ثبت لهم الولاية أبداً.

و ثالثاً: أنّ طبيعة القضية أعني خطورة الأمر تعطى لزوم تدخّل الحاكم في حلّ العقدة.

هذا و أمّا صحّة تدخّل المؤمنين في حلّها، فهو أنّ العلم الخارجي حاصل

______________________________

(1). الحدائق:

25/ 486.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 309

بأنّ الشارع لا يرضى ببقاء الزوجة الشابة في الضيق و الحرج لأنّه لا ينطبق مع الشريعة السمحة السهلة، التي بها بعث النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) كما لا يجتمع مع قوله سبحانه: (وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ( «1») فعندئذ، يكون تخليصها معلوماً، فلو كان الحاكم موجوداً أو تصل اليد إليه، يقوم به حسب النصوص و إلّا يقوم نوّابه ممن وُكّلت إليهم الأمور الحسبية و إلّا فعدول المؤمنين لأجل حصول العلم بأنّه مطلوب للشارع بلا قيد و لا شرط، اللّهمّ إلّا إذا لم يحصل مثل ذاك العلم.

و العجب من السيد الخوانساري: حيث فسر الإمام و السلطان و الوالي في الروايات بالنواب الخاصة، و أضاف انّه لم يظهر من الأدلّة لزوم تخليص المرأة في كل زمان حتى يقال القدر المتيقن مداخلة الحاكم ثمّ عدول المؤمنين ثمّ غير العدول. ( «2») و على هذا يجب أن تبقي المعضلة في حال الغيبة على حالها.

يلاحظ عليه: أنّ الكلمات الثلاث، رمز القوّة و القدرة، سواء أ كانت شرعية كالحاكم الشرعي، أم غيره كحكام الجور غير أنّ التوسل بهم لما كان مع وجود الحاكم الشرعي منه، ممنوعاً، يجب الرجوع إليه دونهم، اللّهمّ إلّا إذا توقف التخلص على الرجوع إليهم فيكفي عندئذ إذن الحاكم الشرعي و انطباق عملهم على رأيه. و اللّه العالم.

الرابع: لا فرق في المفقود بين من اتفق فقده في جوف البلد أو في السفر و من فقد في القتال، أو عند ما انكسرت السفينة و لم يعلم حاله. و ذلك لعموم النص و شموله لجميع ذلك.

لأنّ أكثر النصوص يشمل المفقود، و بعضها كصحيحة

الكناني تعبّر عن

______________________________

(1). الحج: 78.

(2). جامع المدارك: 4/ 567.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 310

الموضوع بالغائب و هما شاملان لجميع الأقسام، خلافاً لصاحب الحدائق حيث قال: «إنّ مورد الأخبار السفر، و انّ الفقد حصل فيه فيرسل إلى الفحص عنه في تلك الجهة أو الجهات» و هذا لا يصدق على من فقد في جوف البلد أو فقد لانكسار السفينة ( «1»).

و حاصل ما أفاده، أنّ مورد الأخبار يشتمل على قيدين: الفقد في السفر، و إمكان المراسلة و الفحص، و المفقود في جوف البلد فاقد للشرط الأوّل، و من كسرت سفينته. أو هجم عليه قطاع الطريق فقتلوا من قتلوه، و نهبوا ما نهبوه، فاقد للشرط الثاني، فإلى من يرسل و عمن يسأل؟!

يلاحظ عليه: أنّ موضوع الحكم في الروايات هو المفقود و الغائب، و هما صادقان على الجميع، و أمّا السفر فهو جهة تعليلية للفقد و الغيبة لا تقييدية، فلا وجه لدخله في الحكم، و أمّا القيد الثاني أعني الفحص عن المغروق في السواحل القريبة بموضع الغرق و البلاد المتصلة بمحلّ قطاع الطريق فيمكن. و ما يدّعي من دلالة القرائن المفيدة للعلم بموته في بعض الموارد ككسر السفينة و هجوم القطاع، لا مضايفة فيها، فلو دلّت على وجه أفاد العلم فلا فرق بين جميع أقسام المسألة حتى الغائب في السفر إذ لا شي ء وراء العلم «و لا قرية بعد عبادان».

و الحاصل، لو حصل العلم بموت الغائب، يعمل به، من غير فرق بين الغائب في السفر و المفقود في المفاوز في شدة الحر و البرد، و المعارك العظيمة و إلّا فالظاهر عدم الاكتفاء بالظنون و الحدسيات، و لزوم الصبر أربع سنين و الفحص، إلى أن يحكم

الحاكم.

الخامس: ذهب صاحب المسالك إلى أنّ الحكم مختص بالزوجة فلا يتعدى

______________________________

(1). الحدائق: 25/ 490.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 311

إلى ميراثه وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده، فيتوقف ميراثه إلى أن يمضي مدّة لا يعيش مثله إليها عادة، و اختاره في الجواهر قائلًا بأنّ الإلحاق لا دليل عليه إلّا القياس.

لا شك أنّ مقتضى استصحاب الحياة، حرمة تقسيم أمواله، كما أنّ مقتضى استصحاب بقاء الزوجية هو حرمة نكاحها، خرج الثاني بالدليل و بقي الأوّل بحاله.

و الاستدلال بأنّ الفروج مبنية على الاحتياط فإذا خولف الأصل فيها، فغيرها أولى بالمخالفة: غير سديد لأنّ المخالفة لأجل دفع الضرر الحاصل بالمرأة بالصبر على العنت دون غيره من الميراث- و مع ذلك- فللنظر فيه مجال.

أوّلًا: أنّ الروايات و الفتاوى متفقة على أنّه لو كان للغائب مال يمكن الانفاق منه عليها لا يصح لها رفع الشكوى حتى يخيّرها الحاكم بين الطلاق و البقاء، فكيف يجوز طلاقها مع وجود ميراث للزوج اللّهمّ إذا فرضت المسألة، في المال الذي لا يمكن الإنفاق منه عليها.

و ثانياً: أنّ الموثقتين حاكمتان على خلافه، أعني موثقة سماعة و إسحاق بن عمار، روى الأوّل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة، فإن كان له ولد حبس المال و أنفق على ولده تلك الأربع سنين». ( «1»)

و روى الثاني، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): المفقود يتربّص بماله أربع سنين ثمّ يقسم. ( «2») و قد عمل القوم بروايتهما في غير المقام. فلا وجه لطرحهما في

______________________________

(1). الوسائل ج 17: الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى،

الحديث 9.

(2). الوسائل ج 17: الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 5، و بهذا المضمون الحديث 9 من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 312

المقام و ليست في المسألة شهرة مسقطة لهما عن الحجية.

السادس: اتفق النص و الفتوى على أنّ الخيار بين الصبر و رفع الشكوى إلى الحاكم ليخلصها إنّما هو فيما إذا لا يعرف خبره، و لا يكون هنا من ينفق عليها. و إلّا فلو عرف خبره، أو كان هنا من ينفق عليها من مال الزوج أوّلًا، أو من الولي إن لم يكن له مال فلا خيار لها، بل يتعين عليها الصبر.

و يدل على ذلك لفيف من الروايات:

صحيحة بريد بن معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال: ... فإن خبّر عنه بحياة صبرت و إن لم يخبر عنه بحياة حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود فقيل له: هل للمفقود مال؟ فإن كان للمفقود مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته، و إن لم يكن له مال قيل للوليّ: أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما أنفق عليها، و إن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق ...». ( «1»)

و بذلك يقيد إطلاق موثقة سماعة و مرسلة الفقيه حيث قال في الاولى: «فإن لم يوجد له خبر حتى يمضي الأربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر و عشراً ثمّ تحلّ للأزواج». ( «2»)

و كما أنّ الرواية تقيّد ما لم يرد فيه لزوم الانفاق و صبرها عنده، كذلك يقيّد بها، ما لم يرد فيه الترتيب بتقديم الإنفاق من مال الزوج على مال الوليّ كرواية الحلبي (

«3») و أبي الصلاح الكناني. ( «4»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(2). الوسائل ج 14: الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(3). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4 و 5.

(4). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4 و 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 313

ثمّ هل الولي مخيّر بين الإنفاق، و اختيار الطلاق، فلو ترك الإنفاق، و اختار الطلاق، فلا عقاب عليه كما هو الحال في الواجبات التخييرية، أو أنّ المتعيّن عليه، هو الإنفاق أولًا، فإن أبى أن ينفق عليها، يجب عليه الطلاق؟ وجهان و المتبادر من صحيحة بريد هو الثاني و هو أشبه بإيجاب أمرين على وجه الترتب.

و قد تعرضت الروايات لبعض ما ربما يختلج في الذهن، و هو أنّ الحاجة لا تنحصر في الأكل و اللبس حتى تصبر بالانفاق، بل الحاجة الغريزية أولى بالرعاية، و لكن الإمام أجاب عنه بما في صحيحة الحلبي: «قال: قلت: فإنّها تقول: فإنّي أُريد ما تريد النساء؟ قال: ليس ذاك لها و لا كرامة». ( «1»)

و في صحيحة الكناني: «قال: قلت: أ رأيت إن قالت: أنا أُريد مثل ما تريد النساء و لا أصبر و لا أقعد كما أنا، قال: ليس لها ذلك و لا كرامة إذا أنفق عليها». ( «2»)

هذا و لا بدّ من حمل الصحيحتين على ما إذا لم يكن الصبر عليها أمراً شاقاً لا يتحمّل عادة، إذ أيّ فرق بين الغسل و الوضوء الحرجيين و بقاء امرأة شابة بلا زوج بل ربما يكون الصبر في الثاني أشدّ بمراتب من الحرج بالتوضّؤ أو الغسل بالماء البارد، أو

في البرد القارص.

و ربما يقال بأنّ الحكم في مورد المفقود عنها زوجها، وضع على الحرج فلا يرتفع به و لكنه لا يخلو من تأمّل، إذ ليس هذا مثل أحكام الغرامات و الديات الموضوعة على الضرر و الحرج فلا ترفع عند وجودهما.

نعم إذا كان الصبر عليها أمراً غير شاق، خصوصاً إذا كان هناك بصيص من الرجاء فعليها الصبر، لا ما إذا كان شاقاً و ربما ينجر الأمر إلى ما لا تحمد

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 23، من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4 و 5.

(2). الوسائل ج 15: الباب 23، من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4 و 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 314

عاقبته، فللحاكم التأجيل و حلّ العقدة كما لا يخفى. هذا و لم أر من تعرض بذلك، لكنّه ليس ببعيد عن روح الإسلام و أحكامه السهلة السمحة التي بعث بها النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم).

و على ضوء ذلك، ينزل ما ورد عنهم (عليهم السلام) من الصبر، على ما لا يبلغ الأمر إلى هذا الحدّ.

السابع: لو أنفق عليها الولي أو الحاكم من ماله ثمّ تبيّن تقدّم موته على الإنفاق، مقتضى القواعد، هو الضمان: إما ضمان الآمر، لأمره المولوي بالإنفاق، و إما ضمان المنفِق لكونه السبب، و إما ضمان الزوجة لكونها المتصرّفة المنتفعة المباشرة للتلف، و لأقوائية المباشر يستقرّ الضمان عليها و المفروض أنّه لم يكن هناك أيّ غرور من الآمر و المنفق، كما إذا دعا إلى أكل طعام الغير بعنوان أنّه مال نفسه فتبين الحال. بل الجميع يحتملون موت الزوج و انّ ما ينفق عليه، يحتمل أن يكون مال الورثة و لكن ينفق المال لأجل استصحاب حياته و زوجيتها.

فإذا تبين خطأ الاستصحاب، و انّ التصرف كان في مال الغير، يستقرّ الضمان عليها على الأقوى إذ هي المنتفعة بالمال أو المتصرفة فيه بالمباشرة.

و الأمر بالإنفاق، لا يلازم عدم الضمان فإنّه لا يتجاوز عن الاذن في التصرف في اللقطة أو الأمر بجواز التصرف في مال المحتكر في الغلاء، أو السرقة من طعام الغير عند المجاعة أو تعليف دابة الغير، المشرف على الموت، فإنّ الأمر هنا، بمعنى جواز التصرف في تلك الموارد و أمّا كون التصرف بالمجّان فلا يستفاد منه.

و استدل لعدم الضمان عليها و لا على المنفق بوجهين:

1- انّ الشارع أمر بالإنفاق، و معه يكون الحكم بضمان المنفق، أو المنفق

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 315

عليها قبيحاً.

2- الحكم مبني على الظاهر و قد كانت زوجته ظاهراً.

يلاحظ على الأوّل: أنّ الحكم بالإنفاق لأجل حلّ المشكل موقتاً حتى تتبيّن الحال، و الضمان في مثل هذا كيف يكون قبيحاً، و الشاهد عليه أنّه لو وصل خبر الموت إليها في ذلك الوقت، تكون نفقتها عليها لا على الزوج.

و يلاحظ على الثاني: أنّ ما ذكره من انّ الأحكام الشرعية لا تناط بالواقع و نفس الأمر للزوم الحرج، و الشارع إنّما كلّف بالظاهر ظهر خلافه أم لم يظهر، إنّما يتمّ إذا كانت الأحكام منوطة بالواقع بما هو هو سواء أقامت عليها البيّنة أم لا، و أمّا إذا قلنا بأنّ الوظيفة هو العمل به في حدّ اقامة الطريق على الواقع فلا يلزم الحرج فيجب على المكلف تطبيق العمل على الواقع بمقدار ما قام الدليل عليه، و هذا هو السرّ في حجيّة الأمارات، و عليه فما دامت الأمارة غير قائمة على موته، كانت الزوجة معذورة، و معها تخرج عن العذر

و أيّ حرج في ذلك.

و عليه فالضمان عليها إلّا إذا كانت معسرة، فلا مانع من رجوع صاحب المال إلى الحاكم ليدفع الغرامة من بيت المال، و ليس المقام من قبيل «ما أخطأت القضاة ففي بيت مال المسلمين» لعدم الخطاء في المقام لأنّه عمل بمرّ الحق الذي ورد في الشرع في هذه الحال، و إنّما الرجوع إليه، لأجل أمره و استناد التلف إليه أقوى من المنفق المطيع لأمره. اللّهم إلّا أن يدعى ظهور الروايات في الانفاق عليها، انفاقاً بلا عوض و أنّه هو المتبادر منها، و ذلك لكونها محبوسة بأمر الشارع فيجب أن ينفق عليها أيضاً و لو لم تكن محبوسة، ربما تتزوّج و ترفع حاجتها، لكنّها لما حبست بأمره، يجب أن تكون النفقة عليه فتأمل.

الثامن: لو قدم الزوج و قد خرجت عن

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 316

العدّة و تزوّجت، لا سبيل له عليها و لو جاء و هي في العدة كان أملك بها، إنّما الخلاف فيما إذا جاء و قد خرجت عن العدّة و لم تتزوّج فذهب الصدوق في المقنع ( «1») و ابن إدريس في السرائر ( «2») و ابن حمزة في الوسيلة ( «3») و الشيخ في المبسوط ( «4») إلى أنّه لا سبيل له عليها. و اختار الشيخ في النهاية ( «5») و الخلاف ( «6») جواز الرجوع، و تبعه ابن البراج في المهذب ( «7»).

و قال المحقق في الشرائع فيه روايتان أشهرهما أنّه لا سبيل له عليها.

و هناك تفصيل ذكره العلّامة في المختلف ( «8») من أنّ العدّة إن كانت بعد طلاق الولي فلا سبيل للزوج عليها و إن كانت بأمر الحاكم من غير طلاق كان أملك

بها، و علّله بأنّ طلاق الأوّل، طلاق شرعي قد انقضت عدّته بخلاف الأمر بالاعتداد فانّه كان مبنياً على الظن بوفاته و قد ظهر بطلانه و لا أثر لتلك العدّة، و الزوجية باقية لبطلان الحكم بالوفاة.

أقول: لم نجد نصاً على القول الثاني و الوارد في صحيحة بريد و موثقة سماعة هو الأوّل ففي صحيحة بريد بن معاوية «فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلّقها الوالي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته و هي عنده على تطليقتين، و إن انقضت العدّة قبل أن يجي ء و يراجع فقد حلّت للأزواج و لا سبيل للأوّل عليها» ( «9») و مثله موثقة سماعة. ( «10»)

و أمّا التفصيل ببين طلاق الوليّ و أمر الحاكم بالاعتداد فهو محجوج بما ورد في موثقة سماعة، فقد ورد الأمر بالاعتداد من الحاكم بلا طلاق من الولي و الوالي، و معه قال: «فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة. ( «11»)

______________________________

(1). المقنع: 119، باب الطلاق.

(2). السرائر: 340، كتاب الطلاق.

(3). الوسيلة: 324، كتاب العدّة.

(4). المبسوط: 5/ 278، كتاب العدد.

(5). النهاية: 538.

(6). الخلاف: 3/ 61 المسألة 34، كتاب العدّة.

(7). المهذب: 2/ 338.

(8). المختلف: 41، كتاب الطلاق.

(9). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(10). الوسائل ج 14: الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(11). الوسائل ج 14: الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 317

التاسع: لو جاء الزوج و هي في العدّة، فاللائح من الروايات أنّ الزوجية لا تعود إلّا بالرجوع لقوله في صحيحة بريد «و إن جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدّتها فبدا له أن

يراجعها فهي امرأته و هي عنده على تطليقتين» ( «1») و في موثقة سماعة: «و إن قدم و هي في عدّتها أربعة أشهر و عشراً فهو أملك برجعتها». ( «2») و الموثقة و إن كانت خالية من الطلاق لكن قوله: «أملك برجعتها» يكشف عن وجوده و إن لم يذكر صريحاً حتى يكون الزوج معه أملك بارجاعها، و إلّا فلا معنى لرجعتها، و لعلّ مراد المحقق من قوله «فهو أملك بها» هو أملك برجعتها ليكون مطابقاً للنص. لا أنّه أملك بلا انشاء الرجوع.

العاشر: الظاهر من الروايات أنّ العدّة، عدّة طلاق، و قد صرّح في صحيحة بريد ( «3») أنّه بعد طلاق الولي أو الوالي على تطليقتين. غير أنّ مقدار العدّة هنا، هي عدة الوفاة: أربعة أشهر و عشراً، و إذا كانت العدّة رجعية فهل يجرى هنا جميع أحكام عدّة الطلاق من استئناف عدة الوفاة إذا مات الزوج أثناء العدّة أم لا، و إليك صور المسألة و إن كان بعضها خارجاً عن موضوع المسألة، و المقسم في جميع الصور هو: «التبيّن» لا موت الزوج لأنّ الأثر في عدّة الوفاة مترتب على التبيّن، لازمان الموت.

1- إذا تبيّن موته قبل انقضاء المدة «أربع سنين» أو بعده قبل الطلاق، فلا شك أنّه تجب عليها عدّة الوفاة، لكونها زوجة توفّي عنها زوجها و وصل إليها الخبر و هي زوجة لم تطلق.

2- لو تبيّن موته و هي في أثناء عدة الطلاق وجب عليها استئناف عدة

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(2). الوسائل ج 14: الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(3). الوسائل 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة

الإسلامية الغراء، ص: 318

الوفاة لعموم ما دلّ على ذلك مثل صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أيّما امرأة طلقت ثمّ توفيّ عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها و لم تحرم عليه فانّها ترثه ثمّ تعتد عدة المتوفّى عنها زوجها، و إن توفّيت و هي في عدّتها و لم تحرم عليه فانّه يرثها». ( «1») و مثلها مرسلة جميل بن درّاج، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل طلق امرأته طلاقاً يملك فيه الرجعة ثمّ مات عنها، قال: تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر و عشراً ( «2») و قد علمت أنّ المطلّقة الرجعية زوجة تجري عليها أحكام الزوجية.

و ظاهر روايات الباب و إن كان يشعر بكفاية اعتداد واحد، لكنّها منصرفة عن هذه الصورة، و النسبة بينهما و بين ما دلّ على استئناف العدّة إذا توفّي الزوج في أثناء العدّة و إن كان عموماً من وجه إلّا أنّ مقتضى الفهم العرفي تقديم الثانية على الأولى، فالاعتداد و إن لم يكن أقوى لكنّه أحوط كما عليه السيد الأصفهاني (قدس سره) في وسيلته، و سيدنا الاستاذ (قدس سره) في تحريره، وفاقاً لصاحب الجواهر حيث قال: «نعم لو فرض مجي ء خبر موته و هي في أثناء العدّة أمكن القول باستئنافها عدة الوفاة، كما إذا جاءها قبل الشروع بها». ( «3»)

3- إذا تبيّن موت الزوج بعد انقضاء العدّة سواء كان موته المتبيّن قبل العدّة أو في أثناءها أو بعدها و قبل التزويج أو بعده، فلا أثر لوصول هذا الخبر، لظهور الروايات في الاكتفاء بعدّة واحدة، و لو كانت هناك عدّة اخرى وجب الحث عليها، و هذا بخلاف ما إذا وصل الخبر إليها أثناء العدّة إذ

يكفي في البيان ما في الروايات العامّة من أنّ المعتدة الرجعية إذا توفّي زوجها، و هي في العدّة، استأنفت عدة الوفاة.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 3 و 5.

(2). الوسائل ج 15: الباب 36 من أبواب العدد، الحديث 3 و 5.

(3). الجواهر: 32/ 300.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 319

نعم لو قلنا- بما لم نقل به سابقاً- من أنّ الزوج أملك بها إذا جاء بعد الاعتداد، قبل التزويج، فيحتمل استئناف عدة الوفاة لو جاء الخبر و هي بعد لم تتزوّج، لأنّ الحكم بالعدة و البينونة كان مبنياً على الظاهر و مستند حكم الحاكم الاجتهاد، و قد تبيّن خطئه، فعليها عدة الوفاة بعد بلوغها الخبر كغيرها. لكنّه مخالف للنص من أنّها- بعد الاعتداد- تحل للازواج و الحالتان (إذا جاء الخبر بعد الاعتداد، أو بعد النكاح) متساويتان، فلو قيل بالاعتداد في الاولى لوجب الحكم في الثانية و لم يقل به أحد، سوى بعض الشافعية.

نعم لا بأس بالاحتياط فيما إذا تبيّن بعد الاعتداد، و كان الموت واقعاً في أثناء العدّة، لما قرّر في محله من أنّه إذا تجدد الموت في أثناء عدة الطلاق انتقلت إلى عدّة الوفاة و إن لم تعلم بالموت إلّا بعدها.

و إن كان ظهور الروايات في الاكتفاء بعدّة واحدة قويّاً، كما لا يخفى.

الحادي عشر: هل نفقة الزوجة في أيام الاعتداد على الغائب، أو لا؟ وجهان:

أحدهما: عدم النفقة لأنّ العدّة، عدة وفاة و الفرقة حصلت من حكم الحاكم. و لو فرض أنّ الفرقة بالطلاق و أنّه يجوز له الرجوع عليها لكن نفقة المطلّقة إنّما هي على الزوج إذا طلّقها الزوج، لا مثل المقام الذي يطلّقها الولي أو الوالي فالأدلّة منصرفة

عنها.

ثانيها: انّ قوله في صحيحة بريد: «فإن كان للمفقود مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته، و إن لم يكن له مال قيل للولي: أنفق عليها فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها و إن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة و هي طاهر فيصير طلاق الولي طلاق الزوج

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 320

فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته و هي عنده على تطليقتين. ( «1») نص في كون الفرقة بالطلاق و انّ طلاقها بمنزلة طلاق الزوج و لأجل ذلك يحسب تطليقة واحدة، و هي عنده على تطليقتين- و مع هذا التنزيل- لا وجه للترديد في وجوب النفقة عليه، و ادعاء الانصراف لا وجه له و كون مدّة العدّة في المقام موافقاً لمدّة عدّة الوفاة، لا يكون دليلًا على كون العدّة، عدة وفاة، بل هذا نوع خاص من عدة الطلاق، يوافق مقداره، مقدار عدّة الوفاة.

أضف إلى ذلك: أنّ مقتضى استصحاب حياة الزوج هو كون العدّة عدّة الطلاق، و لعلّ احتمال موته صار سبباً لجعل مدّته أكثر من عدّة الطلاق، لتتوافق كلتا العدّتين. و مقتضى الاحتياط، الاكتفاء في أخذ النفقة بثلاثة قروء لا أزيد. كما أنّ مقتضاه، الاكتفاء في الرجوع على الزوجة على مقدار عدة الطلاق. و إن كان ظاهر الدليل جواز رجوعه في جميع المدّة المضروبة. و لكن مع غض النظر عن الاحتياط انّا إذا رأينا أنّ الإمام إذا جعل طلاقهما طلاق الزوج، و رتب على عدّتها آثار العدّة الرجعية، نستكشف عمومية التنزيل. و من آثارها كون النفقة

عليه، و جواز الرجوع في جميع المدّة المضروبة، و يمكن ادعاء الصراحة في الحكم الأخير.

الثاني عشر: لا إشكال أنّه لو مات أحد الزوجين بعد العدّة فلا توارث بينهما لانقطاع العصمة بالخروج عن العدّة سواء تزوّجت أم لا، لما عرفت من ضعف القول برجوعه عليها إذا خرجت عن العدّة و لم تتزوّج.

إنّما الكلام فيما لو مات الزوج الغائب و هي في العدّة ففي ثبوت التوارث و عدمه، الوجهان المذكوران في الأمر المتقدم، و هما أنّ الظاهر من الروايات كون

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 321

العدّة رجعية، و أنّ الشارع نزل طلاق الولي أو الوالي منزلة طلاق الزوج، فلا مانع من شمول ما دل ( «1») على توارث الزوجين في العدّة الرجعية لما نحن فيه. و بالجملة إنّ ما ورد في المقام نوع حكومة لما دلّ من التوارث في العدّة، بايجاد الموضوع و توسيعه لها. و القول بترتب بعض آثار العدّة الرجعية كما ترى.

الثالث عشر: إذا حضر الزوج بعد الخروج عن العدّة و أراد طلاقها، لم يقع لانقطاع العصمة بينهما ففي صحيحة بريد: «و إن انقضت العدّة قبل أن يجي ء و يراجع فقد حلّت للأزواج و لا سبيل للأوّل عليها». ( «2») و أمّا إذا حضر و هي في أثناء العدّة و أراد طلاقها فقال المحقّق في الشرائع «صح» و هو مشكل لعدم صحة التطليقتين من دون تخلّل رجوع بينهما و المطلّقة لا تطلق ثانياً إلّا إذا كان هناك رجوع و المفروض عدمه. إلّا إذا قلنا بأنّ طلاقها يتضمن الرجوع نظير قول القائل اعتق عبدك عنّي أي ملّكني إيّاه ثمّ اعتق عنّي ...

و هو أنّما يصح إذا كان القائل متوجّهاً بالملازمة لا مطلقاً.

الرابع عشر: إذا علم أنّ الفحص لا ينفع و لا يترتب عليه أثر، فالظاهر سقوط وجوبه للغويته، و لم يظهر من الروايات كونه واجباً تعبّداً، و مثله ما إذا تفحّص و حصل اليأس فالظاهر سقوطه فيما بقي من المدّة، ففي كلتا الصورتين يكفي انقضاء المدّة في جواز طلاقها و زواجها.

الخامس عشر: إذا انقضت المدّة و لم يعلم موته و لا حياته، و أراد الحاكم الزام الولي بالطلاق، لكن انصرفت الزوجة و اختارت البقاء، فلها ذلك، لأنّ قيام الحاكم بذلك لأجل تخليصها من الحرج فإذا رضيت بالبقاء و تحمّل الحرج فلها ذلك، كما إذا عدلت عن البقاء فلها ذلك و لا يحتاج إلى التفحّص الجديد.

______________________________

(1). الوسائل ج 17: الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج.

(2). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 322

السادس عشر: ليس للفحص و الطلب كيفية خاصة، بل المدار ما يعد طلباً و فحصاً، أخذاً باطلاق الدليل و يتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود- رعاية- باسمه و شخصه أو بحليته إلى مظان وجوده للظفر به و بالكتابة و غيرها كالتلغراف و سائر الوسائل الرائجة في كلّ عصر ليتفقّد عنه، و بالطلب من المسافرين كالزوّار و الحجّاج و التجّار و غيرهم أن يتفقّدوا عنه في مسيرهم و منازلهم و مقامهم و بالاستخبار منهم حين الرجوع.

السابع عشر: لا يشترط في المبعوث و المكتوب إليه و المستخبر منهم من المسافرين العدالة، بل تكفي الوثاقة المفيدة للاطمئنان الذي هو علم عرفي.

الثامن عشر: لا يعتبر أن يكون الفحص مقروناً بالبعث أو الكتابة و نحوها من الحاكم، بل يكفي

كونه من كل أحد حتى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه، كما هو مقتضى الاطلاق.

التاسع عشر: مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام، و لا يعتبر فيه الاتصال التام، بل هو نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي فيه ما يصدق عرفاً أنّه قد تفحّص عنه في تلك المدّة.

العشرون: المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك و ما هو المعتاد، فلا يعتبر استقصاء الممالك و البلاد، و لا يعتنى باحتمال إمكان وصوله إلى مكان و لا بالاحتمالات البعيدة، بل إنّما يتفحّص عنه في مظان وجوده فيه و وصوله إليه و ما احتمل فيه احتمالًا قريباً. لانصراف النصوص عن الوجه غير المتعارف.

الواحد و العشرون: لو علم أنّه قد كان في بلد معين في زمان ثمّ انقطع أثره يتفحص عنه أوّلًا في ذلك البلد على المعتاد، فيكفي التفقّد عنه في جوامعه و مجامعه و أسواقه و متنزهاته و مستشفياته و خاناته المعدة لنزول الغرباء و نحوها، و لا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش أو السؤال، بل يكفي الاكتفاء، المعتد به

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 323

من مناطقه المشهورة، و ينبغي ملاحظة زي المفقود و صنعته و حرفته، فيتفقد عنه في المحال المناسبة له و يسأل عنه من أبناء صنفه و حرفته مثلًا. فإذا تم الفحص في ذلك البلد و لم يظهر منه أثر و لم يعلم موته و لا حياته فإن لم يحتمل انتقاله إلى محل آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص و السؤال، و اكتفى بانقضاء مدة التربّص أربع سنين، و إن احتمل الانتقال فإن تساوت الجهات فيه تفحص عنه في تلك الجهات، و لا يلزم الاستقصاء التام، بل يكفي الاكتفاء ببعض

المحال المهمة و المشتركة في كل جهة مراعياً للأقرب ثمّ الأقرب إلى البلد الأوّل، و إن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محل الفحص ذلك البعض و الاكتفاء به. خصوصاً إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره. و إذا علم أنّه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثمّ انقطع أثره كفى أن يتفحّص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة التي تشد إليها الرحال، و إن سافر إلى بلد معيّن من مملكة كالعراقي سافر إلى خراسان يكفي الفحص في البلاد و المنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد و في نفس ذلك البلد، و لا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق فضلًا عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة، و إذا خرج من منزله مريداً للسفر أو هرب لا يدري إلى أين توجّه و انقطع أثره تفحّص عنه مدّة التربص في الأطراف و الجوانب مما يحتمل قريباً وصوله إليه. و لا ينظر إلى ما بعد احتماله.

الثاني و العشرون: لو أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به بحكم «الولد للفراش» و قد أمكن لحوقه. و لو ادعاه الأوّل و ذكر أنّه وطأها سرّاً لم يلتفت إلى دعواه لزوال فراشه. نظير ما لو طلّقه فتزوّجت و أتت بولد يمكن إلحاقه بهما، و قال الشيخ في المبسوط بالقرعة ( «1») و لكنّه غير تام لأنّ الولد للفراش الفعلي إذا أمكن إلحاقه. و القرعة فيما لا نص فيه من الشارع.

______________________________

(1). المبسوط: 5/ 267.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 324

الثالث و العشرون: لو غلط الحاكم بالحساب فأمرها بالاعتداد فاعتدت و تزوّجت، قبل مضي مدّة التربّص: أربع سنين و أربعة أشهر و عشراً بطل النكاح الثاني،

لكونه نكاحاً لذات بعل يجري فيه حكمه، فلو دخل بها تحرم عليه أبداً و إلّا، يتزوّجها بعد مضي مدّة التربّص كاملًا.

هذا إذا لم يعلم موته و لا حياته، و أمّا إذا علم موته و أنّ نكاحه لها كان بعد موته صح الثاني، لكونه ليس نكاحاً لذات البعل لفرض موته، و لا نكاحاً للمعتدّة، لأنّ عدّة الوفاة تشرع بعد العلم بالوفاة و المفروض عدمه. لعدم وصول خبر الموت إليها.

هذا جيد إذا كان نكاحه لها بعد الموت و قبل الأمر بالاعتداد، و أمّا إذا كان بعده، و في أثناء الاعتداد ففيه وجهان: الصحة، لأنّ الاعتداد موقوف على الطلاق الصحيح الذي يتعقّب تربّص الأربع سنين. و المفروض أنّها اعتدّت قبل مضي مدة التربّص، و البطلان لابتناء النكاح ظاهراً و في زعم المتعاقدين على الاعتداد، و لا يخفى قوة الأوّل.

الرابع و العشرون: ما ورد في الروايات من الأحكام تعمّ الدائمة و المنقطعة لكونها أيضاً زوجة، و الموضوع في النصوص هي الزوجة. كما أنّ الظاهر عموميتها لليائسة، لعدم استغنائها في الفرقة عن الطلاق، و عدم اعتدادهما عدّة الطلاق، لا يضرّ لما عرفت من أنّ العدة، عدّة طلاق من جهة، و عدّة وفاة من جهة اخرى. مضافاً إلى اختصاص حلّ العقدة بقسم دون قسم غير تام.

و الحاصل أنّ عدم حاجة المنقطعة إلى الطلاق، و اليائسة إلى العدّة لا يكون سبباً للانصراف، غاية الأمر يكون لزوم الطلاق من خصوصيات المورد أي الدائمة و لا يكون معتبراً في حلّ العقدة مطلقاً و هي و إن كانت غنية عن الطلاق، لكن خلاصها في أثناء العدة لا يحتاج إلى سبب مخرج.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 325

الفصل الخامس: أحكام المعتدة

اشارة

1. في خروج المعتدة عن بيتها.

2.

نفقة ذات العدّة.

3. في نفقة المتوفى عنها زوجها.

4. المتزوجة في العدّة.

5. أحكام الحمل.

6. وجوب الاعتداد في الوطء بالشبهة.

7. إذا طلّقها بائناً ثمّ وطأها للشبهة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 327

أحكام المعتدة

و فيه مسائل

الأُولى: في سكنى المعتدة

لا سكنى للبائن لانقطاع عصمتها من زوجها و أمّا غيرها، فلا خلاف نصّاً و فتوى في وجوب السكنى لها عليه، و يدل عليه قوله سبحانه: (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ إِلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لٰا تَدْرِي لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) ( «1») و الآية كما تدل على حرمة إخراجهنّ، تدل على حرمة خروجهنّ و إن لم يكن هناك اخراج، نعم هي مختصة بالرجعية و لا تعم البائن لذيل الآية: (لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً) و قوله بعد الآية (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فٰارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ( «2») الصريح في الرجعية، لاختصاص جواز الامساك بها.

و تدل عليه أيضاً صحيحة سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن شي ء من الطلاق فقال: إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها و ملكت نفسها و لا سبيل له عليها و تعتد حيث شاءت و لا نفقة لها، قال: قلت: أ ليس اللّه عزّ و جلّ يقول: (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ) قال: فقال: إنّما عنى بذلك التي تطلّق تطليقة بعد

______________________________

(1). الطلاق: 1.

(2). الطلاق: 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 328

تطليقة فتلك التي لا تُخرَج و لا تَخرُج حتى تطلق الثالثة فإذا طلّقت الثالثة فقد بانت منه و لا نفقة لها و

المرأة التي يطلّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتّى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها و لها النفقة و السكنى حتى تنقضي عدّتها. ( «1»)

ثمّ يقع الكلام في أمرين آخرين:

1- هل يجوز لها الخروج بإذن زوجها، أو لا يجوز حتى و لو أذن، إلّا لضرورة مسوغة نُسب الثاني إلى المشهور لإطلاق الآية و الأخبار ( «2») و قال الزمخشري: جمع بين النهيين (لا تخرجوهن- و لا يخرجن) لأجل أن لا يأذنوا لهنّ في الخروج إذا طلبن ذلك إيذانا بأن إذنهم لا أثر له في رفع الحظر و اختاره في المسالك قائلًا بأنّ فيه حقاً للّه تعالى بخلاف السكنى المستحقة بالنكاح فإنّ حقها مختص بالزوجين و ذهب أبو الصلاح في الكافي ( «3») و العلّامة في التحرير ( «4») إلى الأوّل.

و الظاهر انّ الحكم بعدم الخروج ليس حكماً جديداً بل هو استمرار للحكم الموجود قبل الطلاق و من البعيد أن تكون المعتدّة أشد حكماً من المزوّجة، فالآية و اطلاقات الروايات منصرفة إلى ما إذا لم يأذن الزوج مثل المزوّجة قبل الطلاق.

و تؤيد ذلك صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا باذن زوجها حتى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض. ( «5») و هي رواية صحيحة، و تخصيص الكتاب بخبر الواحد و إن كان غير مرضي عندنا لكنّها تصلح له، بعد القول بانصراف الآية عن صورة الاذن و انّها

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب العدد، الحديث 1.

(2). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 18 من أبواب العدد الحديث، 3 و 4 و 5 و 6.

(3). الكافي 307، كتاب الطلاق.

(4). التحرير: 75، كتاب

الطلاق.

(5). الوسائل ج 15: الباب 18 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 329

ليست بصدد تأسيس حكم جديد و يؤيّده خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها». ( «1»)

أضف إلى ذلك ما نقل عن فضل بن شاذان من انّ المراد من النهي عن الاخراج و الخروج عن رغم و سخط و على انّها لا تريد العود إلى بيتها. و على ذلك يكون الخروج مع نيّة العود و لو بلا إذن من الزوج جائزاً.

2- لا يجوز اخراجها إلّا إذا أتت بفاحشة مبيّنة (بكسر الباء) أي ظاهرة، و قرِئ «مبيّنة» بفتح الياء أي مظْهَرة أظهرتها. و الفاحش في اللغة: القبيح و الفاحشة ما يشتدّ قبحه من الذنوب، فلا يجوز الاخراج إلّا إذا ارتكبت أمراً شديد القبح و ظاهره و اختلفت كلمة المفسرين في المراد منها.

فعن ابن عباس: كل معصية للّه تعالى ظاهرة، فهي فاحشة، و قيل المراد الزنا فتخرج لاجراء الحدّ عليها، و قيل: هي البذاء على أهلها فيحلّ لهم اخراجها، و قد جاء لفظ الفاحشة في الذكر الحكيم ثلاث عشرة مرة و استعمل في اللواط تارة قال سبحانه: (وَ لُوطاً إِذْ قٰالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفٰاحِشَةَ مٰا سَبَقَكُمْ بِهٰا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعٰالَمِينَ) ( «2») و في الزنا، أُخرى كما قال سبحانه: (وَ لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ سٰاءَ سَبِيلًا) ( «3») و في الكبائر ثالثة قال سبحانه: (وَ الَّذِينَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّٰهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللّٰهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ)

( «4») و الظاهر انّ المراد في المقام هو الاتيان بقبيح، يصعب تحمله على أهل البيت، لا مطلق الكبائر و إن لم تكن لها صلة بأهل البيت كما إذا ادّعت انّها خيّاطة و ليست كذلك أو أكلت الربا. هذا هو

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب العدد، الحديث 2، و سيوافيك البحث عن حجّها الواجب و غيره.

(2). الأعراف: 80.

(3). الأسراء: 32.

(4). آل عمران: 135.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 330

التفسير البياني و أمّا المأثور فعن الرضا (عليه السلام) تفسيرها بأذاها لأهل زوجها و سوء خلقها. ( «1») و عن الصادق (عليه السلام) تفسيرها بالزنا فتخرج و يقام عليها الحد. ( «2») و لا منافاة بين التفسيرين، لأنّهما من مصاديق الفاحشة و لا تختص بهما. و لعلّ الايذاء أدنى مراتب الفاحشة و الزنا من أشدّها و لأجل ذلك عبر في النهاية ( «3») ب- «أدنى ما يجوز معه اخراجها أن تؤذي أهل الرجل».

نعم الظاهر من رواية سعد بن عبد اللّه القمي، عن صاحب الزمان (عليه السلام) اختصاصها بالسحق، قال: قلت له: أخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته، قال (عليه السلام): الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا، فانّ المرأة إذا زنت و أُقيم عليها الحدّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ، و إذا سحقت وجب عليها الرجم، و الرجم خزي و من قد أمر اللّه عزّ و جلّ برجمه فقد أخزاه، و من أخزاه فقد أبعده، و من أبعده فليس لأحد أن يقربه». ( «4») و لكن مقتضى التعليل الوارد فيها هو كون السحق من

أظهر مصاديقها لا اختصاصها به، و على ذلك تحمل على بيان أشد المراتب، لا اختصاصها بها كما هو ظاهرها.

و أمّا خروجها، بلا إذن منه. ففي ذلك يقول الشيخ: «و متى اضطرّت المرأة إلى الخروج، أو أرادت قضاء حق [كزيارة الوالدين]، فلتخرج بعد نصف الليل، و لترجع إلى بيتها قبل الصبح» ( «5») و قريب منه عبارة المحقق في الشرائع.

أقول: في المقام روايتان، علّق الجواز في واحدة منهما على الحاجة، و في

______________________________

(1). فلاحظ الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب العدد، الحديث: 1 و 2 و 5 و 6 و 3.

(2). فلاحظ الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب العدد، الحديث: 1 و 2 و 5 و 6 و 3.

(3). النهاية: 534.

(4). الوسائل ج 15: الباب 23 من أبواب العدد، الحديث 4.

(5). النهاية: 534.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 331

اخرى، على الزيارة و هي التي عبر عنه الشيخ ب- «قضاء حق» روى الصفار في مكاتبته إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في امرأة طلّقها زوجها و لم يجر عليها النفقة للعدّة و هي محتاجة هل يجوز لها أن تخرج و تبيت عن منزلها للعمل أو الحاجة؟ فوقّع (عليه السلام): لا بأس بذلك إذا علم اللّه الصحة منها. ( «1»)

و روى سماعة بن مهران قال: سألته عن المطلّقة أين تعتد؟ قال: في بيتها لا تخرج و إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل و لا تخرج نهاراً، و ليس لها أن تحج حتى تنقضي عدّتها، و سألته عن المتوفى عنها زوجها أ كذلك هي؟ قال: نعم و تحجّ إن شاءت. ( «2»)

أقول: لا شك انّ الاضطرار الواقع في كلامهما لا يعني، الاضطرار

الذي يرتفع به الحكم كما هو المراد في حديث الرفع: «و ما اضطروا إليه» لعدم اختصاص الرفع به بالمورد حتّى يختصّ بالذكر، فلا محيص من حمله في كلامهما على الحاجة الواردة في المكاتبة التي يطلق عليها الاضطرار عرفاً فعندئذ يجوز معها و أمّا مراعاة الوقت الوارد في الموثقة فإنّما يلزم إذا ارتفع به الحاجة و إلّا فتخرج في الوقت الذي يرفع حاجتها و هل خروجها مشروط بما إذا كان بإذن الزوج أو لا، الظاهر الثاني، إذ لو كان مشروطاً لذكر.

و أمّا الحجّ فيجوز للمعتدّة عدّة وفاة بلا كلام لصحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن المتوفّى عنها زوجها قال: لا تكتحل للزينة و لا تطيب و لا تلبس ثوباً مصبوغاً و لا تبيت عن بيتها و تقضى الحقوق و تمتشط بغسلة و تحجّ و إن كان في عدّتها. ( «3») و مضمرة سماعة الماضية إنّما الكلام في المعتدّة الرجعية،

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 55 من أبواب العدد، الحديث 1.

(2). الوسائل ج 15: الباب 19 من أبواب العدد، الحديث 1.

(3). الوسائل ج 15: الباب 29 من أبواب العدد، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 332

فقد اختلفت الروايات، فيدل بعضها على الجواز كصحيحة محمد بن مسلم قال: المطلّقة تحجّ و تشهد الحقوق». ( «1») و بعضها الآخر المنع كمضمر سماعة الماضية، و ثالث على التفصيل بين اذن الزوج و عدمه و مقتضى الجمع هو الجواز معه لا بدونه.

ثمّ انّ منصرف الروايات هو الحج التطوعي دون الواجب و لأجل ذلك يقول المحقق و تخرج في الواجب و إن لم يأذن، لضيق وقته، كما هو شأن كل واجب مضيّق.

و يظهر

من الشيخ في الخلاف عدم جوازه في الواجب إلّا إذا خرجت بالحج ثمّ طلّقها زوجها، فإن كان الوقت ضيقاً بحيث تخاف فوات الحج إن أقامت فإنّها تخرج و تقضي حجّها و تعود فتقضي باقى العدّة إن بقي عليها وقت، و إن كان الوقت واسعاً أو كانت محرمة بعمرة فإنّها تقيم و تقضي عدّتها ثمّ تحجّ و تعتمر، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: عليها أن تقيم و تعتد و لا يجوز لها الخروج سواء كان الوقت ضيقاً أو واسعاً- دليلنا- قوله تعالى: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) و لم يفصل. ( «2»)

و مقتضى التعليل الوارد في كلامه جوازه و إن لم تحرم إذا كان عدم الخروج سبباً لفوات الحج.

الثانية في نفقة ذات العدّة
اشارة

تثبت النفقة و الكسوة لذات العدّة الرجعية ما دامت في العدّة كما تثبت للزوجة من غير فرق بين كونها حائلًا أو حاملًا.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 22 من أبواب العدد، الحديث 1.

(2). الخلاف: 3/ 58، المسألة 25، كتاب العدّة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 333

و يدل على ثبوت النفقة و الكسوة من الكتاب قوله سبحانه: (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ إِلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ( «1») و قوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) ( «2»)- وجه الدلالة- هو أن الآية كناية كأنّها تقول: «تعاملوا معهنّ نظير المعاملة قبل الطلاق، من جميع الجهات» لا خصوص السكنى فتعم النفقة و الكسوة. كما يدلّ على لزوم الكلّ ما دلّ على انّ المطلّقة الرجعية زوجة حقيقة كما مرّ و أمّا الروايات فيكفي في ذلك صحيح سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه

السلام) عن شي ء من الطلاق فقال: إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها و ملكت نفسها و لا سبيل له عليها و تعتدّ حيث شاءت و لا نفقة لها، قال: قلت: أ ليس اللّه عزّ و جلّ يقول: (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ) قال: فقال: إنّما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تُخرج و لا تَخرج حتى تطلّق الثالثة فإذا طلّقت الثالثة فقد بانت منه و لا نفقة لها، و المرأة التي يطلّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها و لها النفقة و السكنى حتى تنقضي عدّتها. ( «3») و النفقة فيها تعمّ الكسوة و بما انّ المسألة اتفاقية بين الفقهاء نكتفي بذلك.

نعم يشترط أن لا تكون ناشزة فلو طلّقها و هي ناشزة لم تستحق و كذا لو نشزت في العدّة بالخروج عن مسكنها بغير اذنه فتسقط نفقتها و سكناها و لو عادت إلى الطاعة عاد الاستحقاق لما عرفت من انّها زوجة.

______________________________

(1). الطلاق: 1.

(2). الطلاق: 6.

(3). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 334

في نفقة البائن

و أمّا البائنة فقد اتفق النص و الفتوى على عدم استحقاقها، اللّهم إلّا إذا كانت حاملًا- كما سيجي ء- و أمّا العامّة فهم بين موجب و ناف، قال الشيخ في الخلاف: «المطلّقة البائنة أو المختلعة لا سكنى لها، و به قال أحمد بن حنبل و إسحاق و قال باقي الفقهاء: إنّ لها السكنى- دليلنا- إجماع الفرقة، و لأنّ الأصل براءة الذمة، و شغلها يحتاج إلى دليل». ( «1»)

و قال أيضاً: «لا نفقة

للبائن، و به قال ابن عباس و مالك و الاوزاعي و ابن أبي ليلى و الشافعي، و قال قوم: أنّ لها النفقة، ذهب إليه في الصحابة عمر بن الخطاب و ابن مسعود و به قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه- دليلنا- ما قلناه في المسألة الاولى سواء و أيضاً قوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) لما ذكر: النفقة شرط ( «2») الحمل، و أيضا دليله يدل على أنّ من ليس بحامل لا نفقة لها. ( «3»)

لكن الاستدلال بمفهوم الآية على نفيها في مورد البائن غير الحامل موضع تأمل إذ الآية بصدد بيان مدة الانفاق و هو قوله: (حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) لا بصدد بيان الانفاق على الحامل حتى يؤخذ بمفهومها و انّها لا تجب في غيرها.

و الاولى الاستدلال بما تضافر من الروايات الدالة على عدم استحقاقها و هي:

بين نافية مطلقاً، كرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المطلّقة ثلاثاً

______________________________

(1). كذا في النسخ المطبوعة و الظاهر «شرطها».

(2). الخلاف: 3/ 77، المسألة 16 و 17، كتاب النفقات.

(3). الخلاف: 3/ 77، المسألة 16 و 17، كتاب النفقات.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 335

ليس لها نفقة على زوجها إنّما ذلك للّتي لزوجها عليها رجعة. ( «1») و رواية رفاعة بن موسى أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المختلعة لها سكنى و نفقة؟ قال: لا سكنى لها و لا نفقة. ( «2»)

و مفصّلة بين الحمل و غيره و هي كثيرة. روى سماعة، قال: قلت له: المطلّقة ثلاثاً لها سكنى أو نفقة؟ فقال: حبلى هي؟ قلت: لا، قال:

ليس لها سكنى و لا نفقة. ( «3»)

و مطلقة دالّة على لزوم الانفاق على الحبلى من غير فرق بين الرجعية و البائن ( «4»). فيحمل النافي أي القسم الأوّل، على المفصل أي القسم الثاني. و يكون القسم الثالث مؤيداً للزوم الانفاق في الحبلى البائن.

و أمّا ما رواه الحسن بن محبوب عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المطلّقة ثلاثاً على العدّة لها سكنى أو نفقة؟ قال: «نعم» ( «5») فمحمول على التقية لما عرفت، أو على كونها حاملًا، أو على الاستحباب.

ثمّ انّه وقع الكلام في انّ النفقة في البائن الحبلى هل هي للحمل أو للحامل. و التفصيل موكول إلى باب النفقات من كتاب النكاح.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 8 من أبواب النفقات الحديث 2 و هي متحد مع ما رواه في الوسائل برقم 4 من ذلك الباب و الحديث 9، و لاحظ الحديث 5 من ذلك الباب.

(2). الوسائل ج 15: الباب 8 من أبواب النفقات الحديث 2 و هي متحد مع ما رواه في الوسائل برقم 4 من ذلك الباب و الحديث 9، و لاحظ الحديث 5 من ذلك الباب.

(3). المصدر، الحديث 3، و لاحظ أيضاً الحديث 6 و 7 من ذلك الباب.

(4). الوسائل: الجزء 15، الباب 7 من أبواب النفقات الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5.

(5). الوسائل: الجزء 15، الباب 8 من أبواب النفقات الحديث 8.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 336

الثالثة: في نفقة المتوفّى عنها زوجها

اتفق النص ( «1») و الفتوى على انّه لا نفقة للمتوفى عنها زوجها و ذلك لعدم المال للزوج، و الأموال قد انتقلت إلى الورثة. قال الشيخ في الخلاف: «المتوفى عنها زوجها لا

نفقة لها على كل حال حاملًا كانت أو حائلًا بلا خلاف إلّا أنّ أصحابنا رووا أنّها إذا كانت حاملًا أنفق عليها من نصيب ولدها الذي في جوفها و لم يذكر الفقهاء ذلك، و روى عن بعض الصحابة أنّه قال: إنّ لها النفقة و لم يفصّل- دليلنا- إجماع الفرقة، و أيضاً الأصل براءة الذمة». ( «2»)

و أمّا ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله». ( «3») ففيه انّ الكليني رواه في باب «الرجل يطلّق امرأته ثمّ يموت قبل أن تنقضي عدّتها» و هو ظاهر في أنّ الخبر كان في المصدر محفوفاً بقرينة دالة على ورودها في المطلّقة، و هو غير ما نحن فيه. و أمّا تأويله بارجاع الضمير على الولد، فلا شاهد له، إذ الظاهر انّ الضمير يرجع إلى الزوج و على كل تقدير فالرواية إمّا مؤوّلة أو شاذة.

إنّما الكلام فيما إذا كانت حاملًا فالمشهور، انّه لا ينفق عليها من نصيب الولد، و قد وصفه المحقق بالأشهر أي رواية و عملًا، و نقل عن الاسكافي و الصدوق و أبي الصلاح و ابن البراج و ابن حمزة، بأنّه ينفق عليها من نصيب الولد. ( «4»)

______________________________

(1). لاحظ الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 3 و 6.

(2). الخلاف: 3/ 57، المسألة 20،، كتاب العدّة.

(3). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 4.

(4). المختلف: 62، كتاب العدّة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 337

و يدل على الأوّل، حديث أبي الصباح الكنائي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا ( «1») و يقابله حديثه الآخر

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها. ( «2»)

و أُجيب عن الثاني بأنّ في سنده: محمد بن الفضيل و هو مشترك بين الثقة و الضعيف.

يلاحظ عليه: أنّه ورد في سند كلا الحديثين.

و ربما يجمع بين الروايتين بوجهين:

1- لا منافاة بين الروايتين لأنّ عدم الانفاق من مال الزوج كما هو مضمون الرواية الأولى، لا ينافي لزومه من مال الولد. كما هو مضمون الرواية الثانية.

و أورد عليه في الجواهر بأنّه مناف لما هو المصرّح في صحيح محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن المتوفى عنها زوجها أ لها نفقة؟ قال: لا، ينفق عليها من مالها. ( «3») من لزوم الانفاق من مال نفسها.

يلاحظ عليه: أنّ الكلام في الحامل و النفي الوارد في صحيح ابن مسلم مطلق يحمل على الحائل، و لا منافاة بين كون نفقتها من مالها في الحائل دون الحامل فهي من مال الولد.

2- و جمع صاحب الحدائق ( «4») بين الروايتين، بحمل الاولى على ما إذا لم تكن

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 2.

(2). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 1.

(3). الجواهر 363: 32 و لاحظ: الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 6. و الاستدلال مبنيّ على فصل حرف النفي عن الفعل أي «لا، ينفق عليها ...»

(4). الحدائق: 25/ 118.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 338

الأُم محتاجة، و الثاني على ما إذا كانت محتاجة.

و الجمع الأوّل لا بأس به، لو لا أنّ تقييد الرواية الاولى مشكل، لأنّ الإمام بصدد بيان وظيفة السائل في الواقعة و ليس

في مقام ضرب القانون حتى يجوز تأخير قيده و سائر خصوصياته و لو كان الانفاق واجباً من مال الولد، لما صح له تركه.

و الحمل على الاستحباب أولى من الطرح، و أمّا الجمع الثاني، فهو و إن كان جمعاً تبرعيّاً لكنّه غير بعيد بالنسبة إلى قوله سبحانه: (حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) فتأمّل.

و أمّا ما رواه السكوني ( «1»)، فهو شاذ لم يعمل به أحد و تأويله بدفعه من نصيب الولد، خلاف ظاهر الرواية فانّ صريحها دفع المؤنة من سهام الجميع.

الرابعة: في المتزوّجة في العدّة

اتفق النص و الفتوى على انّ التزويج في العدة غير صحيح. و لم يخالف فيه أحد و قد قال سبحانه: (وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ) ( «2») فانّ تحريم العزم على إجراء الصيغة، يدل على حرمة نفس العقد فضلًا عن الآثار المترتبة عليه. ( «3») و المقصود في المقام لواحق المسألة، أعني: ما تمس بالعدة: و هي:

1- إذا عقدها و لم يدخل بها.

2- إذا عقدها و دخل بها عالماً بالتحريم.

3- إذا عقدها و دخل بها و كان جاهلًا بالتحريم و لم تحمل.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 2.

(2). البقرة: 235.

(3). الجواهر: 29/ 428- 436.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 339

4- إذا عقدها و دخل بها و كان جاهلًا بالتحريم فحملت.

فيقع الكلام في جميع الصور في وجوب العدّة الثانية و عدمه.

أمّا الأولى: فلا شك انّها في عدّة الأوّل، و مجرّد العقد الباطل لا يقطعها و لا يكون العقد الباطل سبباً للعدّة كما لا يخفى.

و أمّا الثانية: فالمشهور انّه لا عدّة لماءِ زان، سواء حملت منه أو لم تحمل إذ لا حرمة له، هذا و قد قدمنا الكلام في

ذلك، و قلنا إنّ الأحوط استبراؤها من ماء الزنا و قدّمنا ما يدلّ على ذلك ( «1») و هذا القول و إن كان غير مشهور، لكن مال إليه صاحب المسالك و اختاره في الحدائق: و هو المطابق للاحتياط المطلوب في باب النكاح و أمّا كيفية اعتدادها فيعلم ممّا يأتي.

و أمّا الثالثة: أعني: ما إذا دخل بها جاهلًا و لم تحمل، فيكون الدخول عندئذ شبهة و هو دخول صحيح لا ينفك عن العدّة، إنّما الكلام في تداخل العدّتين و عدمه.

فقال المحقق: أتمت عدّة الاولى لأنّها أسبق و استأنفت للثاني على أشهر الروايتين.

و الظاهر من الخلاف كونه المشهور حيث قال: «كل موضع تجتمع على المرأة عدّتان فانّهما لا تتداخلان بل تأتي بكل واحدة منهما على الكمال، و روى ذلك عن علي (عليه السلام) و عمر و عمر بن عبد العزيز، و به قال الشافعي، و ذهب مالك و أبو حنيفة و أصحابه إلى انّهما تتداخلان و تعتدّ عدّة واحدة منهما معاً- دليلنا- إجماع الفرقة، و أيضاً فقد ثبت وجوب العدّتين عليها، و تداخلهما يحتاج إلى دليل، و روى

______________________________

(1). فلاحظ الوسائل ج 15: الباب 44 من أبواب العدّة، الحديث 1 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 340

سعيد بن المسيب و سليمان بن يسار أنّ طلحة كانت تحت رشيد النخعي فطلّقها النيّة فنكحت في آخر عدّتها ففرّق عمر بينهما فضربها بالمخففة ضربات و زوّجها ثمّ قال: أيّما رجل يتزوج امرأة في عدّتها، فإن لم يكن دخل بها زوجها الذي تزوّجها فرّق بينهما و تأتي ببقية عدّة الأوّل ثمّ تستأنف عدّة الثاني لا تحل له أبداً، و عن علي (عليه السلام) نحو ذلك و لا مخالف

لهما في الصحابة. ( «1»)

و قال ابن البراج في المهذّب: «و إذا اجتمع على امرأة عدّتان و كانت هي و الزوج جاهلين، أو كان الزوج جاهلًا و كانت غير حامل تعتد بالاقراء أو بالشهور، فانّها تكمل عدّة الأوّل ثمّ تعتدّ عن الثاني. و إذا لم تكن اعتدّت عن الأوّل بشي ء، اعتدت منه بثلاثة أقراء، أو ثلاثة أشهر. فإن كانت اعتدت عنه ببعض العدّة، فإنّها تتم ذلك و تعتدّ عن الثاني عدّة كاملة، و إنّما قدّمت العدّة عن الأوّل لأنّها سابقة. ( «2»)

و قال ابن حمزة في الوسيلة: «و إن علم أحدهما دون الآخر سقط حق العالم و لزمه الحد، و لم يسقط حقّ الجاهل، و سقط الحدّ، و التحريم لازم، و للزوج الأوّل عليها رجعة، و لم يخل: اما جاءت بولد، أم لم تجئ فإن جاءت بولد انقضت عدّة الأوّل بوضع الحمل، و استأنفت العدّة عن الثاني. و إن لم تجئ بولد أتمت العدّة للأوّل، و استأنفت للثاني». ( «3»)

و قال ابن سعيد في الجامع: «و لا يتداخل العدّتان فإن تزوّجت المعتدّة و دخل بها الزوج فرّق بينهما و أتمت العدّة للأوّل و استأنفت عدّة من الثاني». ( «4»)

______________________________

(1). الخلاف: 3/ 60، المسألة 31، كتاب العدّة.

(2). المهذب: 2/ 332.

(3). الوسيلة: 326.

(4). الجامع للشرائع: 473.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 341

إلى غير ذلك من الكلمات الناصّة على تعدد العدّة.

و أمّا الروايات فهي على طائفتين، منها ما يدل على التعدّد:

مثل موثقة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها فتضع و تزوّج قبل أن تعتد أربعة أشهر و عشراً فقال: إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما و

لم تحلّ له أبداً و اعتدت بما بقي عليها من عدّة الأوّل و استقبلت عدّة اخرى من الآخر ثلاثة قروء، و إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما و أتمت ما بقي من عدّتها و هو خاطب من الخطاب. ( «1»)

و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع و تزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر و عشراً فقال: إن كان دخل بها فرّق بينهما و لم تحل له أبداً و اعتدّت ما بقي عليها من الأوّل و استقبلت عدّة اخرى من الآخر ثلاثة قروء و إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما و اعتدت بما بقي عليها من الأوّل و هو خاطب من الخطاب». ( «2»)

و صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدّتها قال: إن كان دخل بها فرّق بينهما و لم تحل له أبداً و أتمت عدّتها من الأوّل و عدّة اخرى من الآخر، و إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما و أتمّت عدّتها من الأوّل و كان خاطباً من الخطاب». ( «3»)

و خبر علي بن بشير النبّال قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها و لم يعلم و كانت هي قد علمت انّه قد بقي من عدّتها و انّه قذفها بعد علمه بذلك فقال: إن كانت علمت انّ الذي صنعت يحرم عليها فقدمت على

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(2). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

(3). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب

ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 9.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 342

ذلك فانّ عليها الحدّ حد الزّاني و لا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، و إن فعلت ذلك بجهالة منها ثمّ قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحدّ و فرّق بينهما و تعتد ما بقي من عدّتها الاولى و تعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة». ( «1»)

ثمّ انّ صريح تلك الروايات، هو عدم تداخل جزء من العدّة الثانية في العدّة الاولى، بل تجب عليها اكمال العدّة الاولى ثمّ استئناف العدّة الثانية كما هو ظاهر صحيح الحلبي و ابن مسلم و خبر ابن بشير النبال.

و منها: ما يدلّ على عدم التعدد و لا يتجاوز عن أربع:

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها قال: «يفرّق بينهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً». ( «2»)

لكن الظاهر من الرواية هو كفاية عدّة واحدة، بمعنى عدم تأثير الثاني أصلًا، مع فرض عروضه في أثناء العدّة الاولى.

و أمّا القول باشتراك العدّتين فيما بقي من العدّة الاولى، و اختصاص ما بقي من العدّة الثانية للثاني، فخارج عن مفاد الروايات جميعاً فهي بين التعدّد الكامل و الوحدة الكاملة.

و ربما يستدل للاتحاد بوجوه عقلية واهية لا يليق بالبحث، من ظهور أدلّة العدد في اتصال العدّة بالسبب أو ما يقوم مقامه كبلوغ الخبر من الوفاة و المفروض أنّ الزمان غير قابل للتعدد، فلا محيص عن التداخل. و أنّ الغرض هو الاستبراء و قد حصل بالعدّة الاولى.

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 9 و 18 و لعلّ هذه الرواية نفس التاسعة.

(2). الوسائل ج 14: الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 11.

لاحظ الحديث 12 من هذا الباب و الحديث 2 و 7 من الباب 16.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 343

يلاحظ عليهما: أنّهما اجتهادان في مقابل النصّ، أضف إليه انّ ظهور السبب في اتصال مسببه ترفع عنه اليد في مقابل النص.

ثمّ انّ الشيخ حمل روايات الوحدة على صورة عدم الدخول، و هو خلاف ظاهر البعض و صريح الآخر، إذ لو لم يكن هناك دخول فما معنى الاعتداد بعدّة واحدة منهما. كما انّه لو لم يكن دخول فما معنى حرمتها على الثاني كما هو صريح رواية زرارة. ( «1»)

و ربما يحمل التعدّد على الاستحباب. كما عن سيد المدارك في شرحه على النافع. و هو كما ترى.

و ربما يحمل التعدّد على التقية لكونه مذهب العامة حيث ذهب إليه الخليفة كما حكاه الشيخ في الخلاف و يؤيده روايتا زرارة و يونس. ( «2») و هو كما ترى لانّه كما نقله عن الخليفة، نقله عن علي أيضاً. و انّه لم يكن أحد من الصحابة قائلًا بالوحدة و أمّا الاستشهاد برواية زرارة و يونس فالثانية ضعيف من المراسيل التي، لا يصح الركون عليها في رد الأخبار الصحيحة. فالتعدد مضافاً إلى كونه المشهور، موافق للاحتياط المطلوب في باب النكاح.

أمّا الرابعة أعني ما إذا عقدها و دخل بها و كان جاهلًا بالتحريم و حملت و لها صور أربع.

1- لو حملت و علم بالقرائن انّه للاولى كما إذا طلّقها حاملًا ثمّ وطأها بالشبهة، اعتدّت بوضعه للأوّل لسبق سببه أوّلًا، و للنصوص السابقة ثانياً، ثمّ تعتدّ للثاني بعد وضعه إمّا بالاقراء إن كانت ذات العادة و إلّا فبالأشهر أو بالتلفيق كما سيظهر.

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث

2.

(2). فلاحظ الوسائل ج 15: الباب 38 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 344

2- لو حملت و دلّت القرائن على انّه للثاني، كما إذا تولد لأكثر من أقصى الحمل من وطء الأوّل اعتدّت بوضعه للثاني، لكون الحمل له فيكون وضعه خروجاً عن عدّته، لا خروجاً عن عدّة من ليس الحمل له. و أمّا عدّة الأوّل فإن كانت بالاقراء و عرض وطء الثاني في أثناء القرء الثاني مثلًا، لم يحتسب ذلك قرءاً، فبقي عليها قرءان فلو تأخر النفاس عن الولادة، يحسب الطهر الواقع بينهما قرءاً و لو اتصل بها و طهرت من دمها، فإن استمر الطهر لأجل الرضاع فتعتدّ بالأشهر لما عرفت من أنّ وظيفة من لا تحيض في الأقل من ثلاثة أشهر، هو الاعتداد بالاشهر، فلا تخرج من العدّة إلّا بعد مضي شهرين ( «1»)، يحسب كل شهر قرءاً و أمّا إذا حاضت فتخرج من العدّة بالقرءين.

هذا كله إذا كانت عدّتها بالاقراء و أمّا إذا كانت بالأشهر، فلو حملت في الشهر الثاني، فقد مضى قرء واحد، فلها الاعتداد بالشهرين أيضاً بعد الوضع، إذا بقيت بهذه الحالة و أمّا إذا صارت ذات عادة عددية و وقتية، فلا تخرج عن عدّة الأوّل إلّا بطهرين بينهما حيض.

3- إذا دلّت القرائن على انّ الحمل لثالث كما إذا تولّد لأكثر من مدّة الحمل من وطء الأوّل و لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني لم يعتبر زمن الحمل من العدّتين لفرض خروجه عنهما و ليس الحمل محكوماً بكونه من زنا، فالمتجه أن تعتدّ بعد وضعه، عدّة كاملة للأوّل، ثمّ استأنفت للثاني.

الرابعة: إذا صحّت انتسابه لكلّ واحد، كما إذا لم يتجاوز عن أقصى

الحمل بالنسبة إلى الأوّل و لم ينقص عن أقله بالنسبة إلى الثاني فقال الشيخ في المبسوط: «أُقرع بينهما» ( «2») بحجّة انّ القرعة لكلّ أمر مشكل و قد عرفت أنّها تختص بالمرافعات، و الاولى الحاقه لمن له الفراش، أخذاً بقول النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): «الولد للفراش»

______________________________

(1). إذا ضيفا إلى الشهر الذي كان قبل الوطء يصير ثلاثة أشهر.

(2). المبسوط: 5/ 247.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 345

و هل المراد الفراش الشأني فيلحق بالأوّل أو الفعلي فيلحق بالثاني، لأنّ المفروض انّ الوطء كانت شبهة. إلّا أنّ كون الأوّل فراشاً شأنياً مع كونه واطئاً و كان الولد قابلًا للانتساب له، محل تأمّل. فالأوّل أقوى. خلافاً لصاحب الجواهر.

الخامسة: في أوان التربّص

اعلم أنّه تعتدّ زوجة الحاضر من حين الطلاق و الوفاة، لظهور التربص الوارد في آيتي ( «1») الطلاق و الوفاة في اتصاله بسببه مضافاً إلى النصوص الواردة في طلاق الغائب و وفاته فانّها تدل بحكم المقابلة على انّ التربص في زمان الحضور إنّما هو من حينهما و ستوافيك الروايات.

و أمّا طلاق الغائب: فقد اتفق النص و الفتوى على كونه أيضاً من حينه، و سيوافيك نص المفيد و الشيخ و القول المخالف عند البحث عن عدّة الوفاة، فقد خالف في ذلك ابن الجنيد و الحلبيّ و سيمرّ عليك دليل الأخير عند البحث عن عدّة الوفاة، و يدل على ذلك لفيف من الروايات كصحيح محمد بن مسلم، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «إذا طلّق الرجل و هو غائب فليشهد على ذلك فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدّتها». ( «2») و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته

عن الرجل يطلّق امرأته و هو غائب عنها من أيّ يوم تعتد به؟ قال: إن قامت لها بيّنة عدل أنّها طلّقت في يوم معلوم و تيقّنت فلتعتد من يوم طلقت و إن لم تحفظ في أي يوم و في أي شهر فلتعتدّ من يوم يبلغها. ( «3»)

______________________________

(1). البقرة: 228 و 234.

(2). الوسائل ج 15: الباب 26 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2، و لاحظ الحديث 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 من ذلك الباب.

(3). الوسائل ج 15: الباب 26 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2، و لاحظ الحديث 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 من ذلك الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 346

و لأجل ذلك إذا طلّق و لم يعلمها إلّا بعد ما مضت عدّتها، فلا عدّة لها سواء كان حاضراً، أم غائباً، كما في صحيح أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال في المطلّقة إذا قامت البيّنة أنّه قد طلّقها منذ كذا و كذا فكانت عدّتها قد انقضت فقد بانت». ( «1») و ما عن الحلبي ( «2») من اعتبار البلوغ لظاهر الأمر بالتربص، أو انّ الاعتداد عبادة يحتاج إلى النيّة، غير تام و كأنّ بعض ما استدلّ به اجتهاد في مقابل النص و أمّا الاعتداد ففي صورة الجهل بالزمان، من يوم البلوغ- كما في الرواية السابقة- لأجل الأخذ بالقدر المتيقن، و إلّا لو علمت انّه كان إمّا قبل يومين أو عشرة أيام تأخذ بالقدر المتيقن.

و أمّا المتوفى عنها زوجها، و هو غائب فانّما تعتدّ من حين البلوغ لا من حين الوفاة فالمشهور عندنا هو هذا. قال

الشيخ في الخلاف: «إذا مات عنها و هو غائب عنها و بلغها الخبر فعليها العدّة من يوم يبلغها و به قال علي (عليه السلام)، و ذهب قوم إلى أنّ عدّتها من يوم مات سواء بلغها بخبر واحد أو متواتر، و به قال ابن عباس و ابن عمر و ابن مسعود و ابن الزبير و عطاء و الزهري و الثوري و مالك و أبو حنيفة و أصحابه و عامة الفقهاء و الشافعي و غيره، و قال عمر بن عبد العزيز: إن ثبت ذلك بالبيّنة فالعدّة من حين الموت، و إن لم يثبت بالبيّنة بل بالخبر و السماع فمن حين الخبر- دليلنا- إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط.

و أمّا إذا طلّقها ( «3») و هو غائب فإنّ عدّتها من يوم طلّقها لا من يوم يبلغها، و الخلاف بين الفقهاء فيها مثل الخلاف في المسألة الاولى سواء ( «4»).

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 27 من أبواب العدد، الحديث 2، و لاحظ الحديث 1 و 3 من هذا الباب.

(2). الوسائل ج 15: الباب 26 من أبواب العدد، الحديث 2.

(3). هذا الدليل راجع إلى المسألة السابقة فلاحظ.

(4). الخلاف: 3/ 54، المسألة 11، كتاب العدّة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 347

و وافقه المفيد و سلّار و ابن البرّاج و ابن حمزة. قال في المختلف قال المفيد: «فلو طلّق الغائب ثمّ ورد الخبر عليها و قد حاضت من يوم طلّقها إلى ذلك الوقت ثلاث حيض، فقد خرجت من عدّتها و لا عدّة عليها بعد ذلك و إن كانت حاضت أقلّ من ثلاث حيض احتسبت به من العدّة و ثبت عليها تمامها.

و لو مات عنها في غيبته و وصل خبر وفاته إليها

بعد سنة أو أقل أو أكثر، اعتدت لوفاته من يوم يبلغها الخبر بذلك و لم يحتسب بما مضى من الأيّام و الفرقان المعتدّة عليها، الحداد فإذا لم تعلم بموته لم تحتد، و المطلّقة لا حداد عليها و إنّما يجب أن يمتنع من الأزواج و هي و إن لم تعلم بطلاق زوجها ممتنعة من العقود عليها و الازواج و به قال سلار و ابن البراج و ابن حمزة».

و قال ابن الجنيد: و التي يطلّقها زوجها أو يموت و هو غائب عنها إن علمت الوقت و إلّا حين يبلغها فإن كان قد خرج وقت العدّة عنها فلا عدّة عليها إن كان مسيرة بين البلاد من كان يمكن علمها بذلك قبل الوقت الذي علمت و إن كانت المسافة لا تحتمل أن يعلم الحال في الوقت الذي علمت به اعتدت من يوم يبلغها عدّة كاملة و كانت كالتي يبلغها طلاق أو وفاة زوجها و هي معه في البلد.

و قال أبو الصلاح: «و إذا طلق الغائب أو مات فعليها أن تعتدّ لكلّ منهما من يوم بلغها الطلاق أو الوفاة لكون العدّة من عبادات النساء و افتقار العبادة إلى نيّة تتعلق بابتدائها». ( «1») و يدلّ على قول المشهور لفيف من الروايات:

كصحيح محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يموت و تحته امرأة و هو غائب، قال: تعتدّ من يوم يبلغها وفاته. ( «2»)

______________________________

(1). المختلف: 62، كتاب العدّة.

(2). الوسائل ج 15: الباب 28 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 348

و صحيح البزنطي، عن الرضا (عليه السلام) قال: سأله صفوان و أنا حاضر عن رجل طلّق امرأته و هو غائب فمضت أشهر، فقال: إذا

قامت البيّنة أنّه طلّقها منذ كذا و كذا، و كانت عدّتها قد انقضت فقد حلّت للازواج، قال: فالمتوفّى عنها زوجها، فقال: هذه ليست مثل تلك هذه تعتدّ من يوم يبلغها الخبر لأنّ عليها أن تحدّ. ( «1»)

ثمّ انّ هناك روايات ربما يمكن أن تقع دليلًا لبعض تلك الأقوال التي حكاها العلّامة في مختلفه و إليك نقلها مع توضيحها.

1- خبر أبي البختري عن على (عليه السلام) أنّه سئل عن المتوفى عنها زوجها إذا بلغها ذلك و قد انقضت عدّتها فالحداد يجب عليها، فقال علىّ (عليه السلام): إذا لم يبلغها ذلك حتى تنقضي عدّتها فقد ذهب ذلك كلّه و تنكح من أحبّت. ( «2») و الخبر ضعيف غاية الضعف لأجل أبي البختري، الذي وصف بالكذب.

2- صحيح الحسن بن زياد قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المطلّقة يطلّقها زوجها و لا تعلم إلّا بعد سنة، و المتوفى عنها زوجها و لا تعلم بموته إلّا بعد سنة قال: إن جاء شاهدان عدلان فلا تعتدان و إلّا تعتدان ( «3») فتدل على كفاية مرور مقدار العدّة في المتوفى عنها زوجها كالمطلّقة و هو صحيح في الثانية دون الاولى و لأجل ذلك حملها الشيخ على و هم الراوي و انّ كلام الإمام كان في المطلّقة دون المتوفى و على فرض ثبوته يحمل على البائنة. و كلا الحملين كما ترى ليس لهما شاهد.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 26 من أبواب العدد، الحديث 7 و لاحظ الحديث 2 و 3 و 4 و 5 و 8 من هذا الباب.

(2). الوسائل ج 15: الباب 28 من أبواب العدد، الحديث 7.

(3). الوسائل ج 15: الباب 28 من أبواب العدد، الحديث 9، و في

سنده «عبد الكريم» و هو عبد الكريم بن عمرو الخثعمي و هو ثقة بقرينة رواية أبي نصر البزنطي عنه، و الحسن بن زياد أيضاً ثقة، فالخبر صحيح.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 349

3- صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: امرأة بلغها نعى زوجها بعد سنة أو نحو ذلك، قال: فقال: إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها، و إن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت لها البيّنة أنّه مات في يوم كذا و كذا و إن لم يكن لها بيّنة فلتعتد من يوم سمعت ( «1») و صحة الرواية جرّت الشهيد في المسالك إلى الافتاء بمضمونها، و حمل سائر الروايات على الاستحباب.

4- صحيح منصور بن حازم المفصل بين موته في مكان قريب و بعيد، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول في المرأة يموت زوجها أو يطلّقها و هو غائب، قال: إن كان مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتد، و إن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر لأنّها لا بدّ من أن تحدّ له» ( «2»)، و في سنده سيف بن عميرة، وثّقه الشيخ في فهرسه، و النجاشي في رجاله و التوثيق موجود في المطبوع من الرجال دون النسخ المخطوطة منه. كما حكاه المعلّق في تعليقته، و قد اختاره الشيخ في تهذيبه و قال: انّ المتوفى عنها زوجها تعتدّ من يوم وفاة الزوج إن كانت قريبة كيوم أو يومين و إلّا من يوم بلغها و لعلّ الاعتداد في الأوّل من يوم مات، هو وصول الخبر إليها عاجلًا و تصير في حكم المعتدة من يوم الوفاة فلم يبق لما يصلح للاستدلال إلّا الصحيحان الأخيران

و هما لا يعادلان ما مضى من الروايات المتواترة أوّلًا، و المعللة ثانياً، و المشهورة ثالثاً، فيحمل المخالف على التقية كما يظهر من الأقوال المنقولة في الخلاف فلاحظ.

ثمّ إنّ الظاهر من البلوغ هو البلوغ العرفي، الذي يعبر عنه، ب- «الاطمئنان» لا مطلق البلوغ الذي لا يعبأ بقوله في الشرع كما إذا بلغ بخبر الفاسق، إلّا إذا أفاد الاطمئنان، نعم ظاهر صحيحة الكناني الماضية ( «3») عدم اشتراط البيّنة، كما في فتوى

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 28 من أبواب العدد، الحديث 10 و 12.

(2). الوسائل ج 15: الباب 28 من أبواب العدد، الحديث 10 و 12.

(3). الوسائل ج 15: الباب 28 من أبواب العدد، الحديث 2.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 350

عمر بن عبد العزيز، بل يكفي البلوغ العرفي الذي لم يردّه الشرع و على ضوء ذلك فلو بلغها بمن لا يعتدّ به فاعتدّت، ثمّ صادف ذلك، فالظاهر عدم الاجتزاء لعدم صدق البلوغ الوارد في الرواية.

السادسة: [المعروف استئناف العدة في صور]

1- إذا طلّقها رجعياً، ثمّ رجع، ثمّ طلق رجعياً قبل المسيس.

2- إذا طلّقها رجعياً، ثمّ رجع، ثمّ خالع قبل المسيس.

3- إذا خالعها، ثمّ تزوّج في العدّة، ثمّ طلّق قبل المسيس.

و المعروف استئناف العدة، في الأُولى و الثانية دون الثالثة.

و قد ذكر الشيخ في الخلاف الصورتين: الاولى و الثالثة و حكم في الاولى باستئناف العدّة و في الثالثة بالبناء على العدّة الاولى، قال: إذا طلّقها طلقة رجعية ثمّ راجعها ثمّ طلّقها بعد الدخول بها فعليها استئناف العدّة بلا خلاف.

و إن طلّقها ثانياً قبل الدخول فعليها استئناف العدة لأنّ العدّة الاولى قد انقضت بالرجعة، و قال الشافعي: إن لم يكن دخل بها على قولين، قال في القديم. تبنى و

هو قول مالك، و قال في الجديد: تستأنف و هو قول أبي حنيفة و اختيار المزني، و أصح القولين عندهم فأمّا إذا خالعها ( «1») ثمّ طلّقها فانّها تبنى على العدّة الأولة قولًا واحداً و هو قول محمد بن الحسن، و عند أبي حنيفة أنّها تستأنف العدّة، و قال داود: لا تجب عليها عدّة أصلًا لا تستأنف العدّة و لا تبنى- دليلنا- إجماع الفرقة و أخبارهم و أيضاً قوله تعالى: (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ)

______________________________

(1). المقصود انّه خالعها، ثمّ تزوجها في عدتها، ثمّ طلّقها قبل الدخول لها. و بهذا البيان ذكر في الخلاف الصورة الثانية و الثالثة. و التزوّج في العدة، قام مكان الرجوع بعد الطلاق و إنّما تزوّج و لم يرجع إلى نكاحه، لكون الطلاق خلعيّاً.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 351

و لم يفرق. ( «1»)

و إليك توضيح الجميع:

أمّا الاولى: أعني إذا طلّقها رجعيّاً، ثمّ رجع، ثمّ طلّق رجعيّاً يجب عليها استئناف العدّة، بل لا يكفي البناء على السابقة منها. و ذلك لأنّها بالرجوع عادت إلى النكاح الأوّل المجامع للدخول و صارت كأنّها لم تطلق بالنسبة إلى الآن فهي منكوحة و مدخولة و إن بقي للطلاق أثر ما من حيث عدّتها من المطلّقات الثلاث المحرّمة، فإذا طلّقها بعد الرجعة قبل المسيس يصدق عليها طلاق بعد نكاح وجد فيه المسيس، فيدخل في مفهوم قوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمٰا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهٰا فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا). ( «2»)

قال الشيخ في المبسوط: «إذا طلّق الرجل زوجته طلقة رجعيّة، و جرت في العدّة، ثمّ راجعها فانّ عدّتها تنقطع بالرجعة، لأنّها تصير

فراشاً فإن طلّقها بعد ذلك بعد الدخول فعليها استئناف العدّة بلا خلاف، و إن لم يكن دخل بها قال قوم: تبني و قال آخرون. تستأنف و هو الأصح عندنا». ( «3»)

و بذلك يعلم حكم الصورة الثانية، لأنّها بالرجوع عادت إلى النكاح الأوّل، و الخلع بعد الرجوع مثل الطلاق بعد الدخول فكما انّ الطلاق بعد الدخول، يدخل الموضوع في مفهوم الآية فهكذا الخلع بعد الدخول.

______________________________

(1). الخلاف 3/ 56، المسألة 17، كتاب العدّة، و قد أشار في ذيل العبارة إلى المسألة و ما في صدرها خارج عن محل البحث.

(2). الأحزاب: 49.

(3). المبسوط: 5/ 250 و قد أشار في ذيل العبارة إلى المسألة، كعبارة الخلاف و ما في صدره خارج عن المفروض.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 352

و الحاصل أنّ الرجوع بعد الطلاق، يجعله كأن لم يكن فترجع الزوجة إلى حبال الزوج و يصدق عليها انّها طلّقت أو خلعت بعد الدخول بها، فتجب العدّة.

و قد نسب إلى الشيخ، انّه لا عدّة فيها.

و أمّا الصورة الثالثة:

فالمعروف عدم وجوب العدّة خلافاً للقاضي في مهذبة و وجه ذلك: أنّه إذا كان الطلاق الأوّل بائناً، كما إذا خالعها في الأمر، ثمّ تزوّجها، فلا يعود الفراش الأوّل بالعقد الثاني، بل هو فراش جديد لم يحصل فيه دخول، فإذا طلّقها يصدق انّها مطلّقة عن نكاح غير مدخول بها فيدخل تحت منطوق الآية: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمٰا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهٰا) و المقام من الحيل الشرعية التى ذكروها في المقام. و قد فتحوا فصلًا لها في أثناء كتاب الطلاق و على ضوء هذا فيجوز للزوج و لغيره العقد عليها بلا عدّة.

و إلى هذه الصورة يشير الشيخ في المبسوط و

يقول: «إذا تزوّج امرأة و دخل بها، ثمّ خالعها [ثمّ عقد عليها] ثمّ طلّقها قبل الدخول، قال قوم: لا عدّة عليها للظاهر و لها أن تتزوج في الحال و هو الأقوى عندنا.

أقول: انّ من ذلك في النفس شيئاً. لأنّ العقد الجديد بعد الخلع ثمّ الطلاق قبل الدخول، إذا أسقط العدة. فكيف يصح لها التزويج، مع احتمال أدائه إلى اجتماع مياه في رحم واحد، فانّه ربما يتزوجها- و الحال هذه- شخص آخر، فيدخل بها و يخالعها، ثمّ يتزوجها و يطلّقها قبل الدخول فتنقطع العدّة و تحلّ للازواج فيتزوجها آخر، و يدخل بها و يخالعها ثمّ يتزوجها و يطلّقها قبل الدخول فتنقطع عدّتها و تحل للآخر، و عندئذ ربما تختلط مياه الازواج الثلاثة في رحم، و يكون الحمل مجهول النسب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 353

نعم قد أجاب عنه الشيخ في مبسوطه و قال: «هذا لا يلزم على مذهبنا، لانّه لا يصح أن يختلعها إلّا بعد أن يستبرئها بحيضة فيعلم براءة رحمها فإذا عقد عليها بعد ذلك ثمّ طلّقها قبل الدخول فانّها تملك نفسها و هي براءة الرحم فلا يؤدي إلى ما قالوه، و إنّما يؤدي على مذهب من وافقهم في جواز الطلاق قبل الاستبراء فيلزم ما قالوه». ( «1»)

و ما ذكره و إن كان متيناً، لكن حصول البراءة للرحم بحيضة واحدة، ليس أمراً قطعياً، لامكان تحيض الحامل. و كيف يحكم بالبراءة بها.

أضف إلى ذلك انّ سقوط العدّة إنّما هو بالنسبة إلى الزوج و أمّا سقوطها بالنسبة إلى الغير، فلم تثبت فالاحتياط لا يترك و لأجل ذلك حكم القاضي بالاعتداد قال: «فإن خالعها، ثمّ تزوجها ثمّ طلّقها، استأنفت أيضاً العدّة و لم يجز لها أن

تبني على ما تقدّم». ( «2»)

السابعة: في وجوب الاعتداد في الوطء بالشبهة

انّ الوطء بالشبهة له أحكام من حيث وجوب الاعتداد، و لحوق الأولاد، و حرمة التزويج و سقوط الحدّ إلى غير ذلك من الأحكام التي يبحث عنها في مختلف أبواب الفقه و البحث في المقام مركّز على وجوب العدة عليها فنقول:

لو كان الرجل و المرأة جاهلين، يجب الاعتداد عليها، و مثله ما إذا كان الواطئ جاهلًا دون المرأة، لأنّ العدّة حقّ له عليها كما هو الظاهر من قوله سبحانه: (فَمٰا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهٰا) ( «3») و أمّا لزوم الاعتداد في الشبهة لقوله

______________________________

(1). المبسوط: 5/ 25.

(2). المهذب: 2/ 322.

(3). الأحزاب: 49. المقصود: الاستدلال مركّز على أنّ العدّة حق للواطئ أو الزوج فقط بقرينة «اللام» فتجب العدّة عليها لأجل هذا الحق. فتدبّر.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 354

(عليه السلام): «إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة و الغسل» ( «1») خرج عنه الزنا لعدم حرمة، ماء الزاني و بقي غيره تحت الاطلاق.

إنّما الكلام فيما إذا كان الرجل عالماً و كانت المرأة جاهلة فهل يحكم عليها بالاعتداد، صيانة للمياه من الاختلاط، أو لا، لأنّه لا حق له عليها و المفروض انّه لا حرمة لمائه، و عندئذ فلها أن تتزوج و أمّا مسألة اختلاط المياه، فإن تبين انّ الحمل من الواطئ، أو من الزوج الثاني، فيحكم به و إلّا فمقتضى قوله (صلى الله عليه و آله و سلم) «الولد للفراش و للعاهر الحجر» يحكم بانّه من صاحب الفراش، خرج منه ما إذا علم انّه من الزاني.

و أمّا حكم الولد، فلو كانت الشبهة من الطرفين فيلحق بهما، و إلّا فيلحق بالجاهل منهما دون العالم. و لا مانع من التبعيض في

المقام فيكون ولداً شرعياً للجاهل دون العالم و بذلك يعلم حكم الحد فلا نطيل.

الثامنة: إذا طلّقها بائناً ثمّ وطأها شبهة

إذا طلّقها بائناً ثمّ وطأها شبهة فهل تتداخل العدّتان أو لا؟ و المراد من تداخلها: استئناف عدّة كاملة للأخير منهما، تدخل فيه بقية الاولى، كما انّ المراد من عدمه، إكمال العدّة الاولى ثمّ استئناف عدّة كاملة ثانية وجهان:

من أنّ الموجب لها حقيقة هو الوطء. و لو استأنفت عدة كاملة، ظهرت براءة الرحم لانقضائها. أضف إليه انّ المقام أولى من الاعتداد لشخصين و قد ورد النص ( «2») بالاكتفاء بعدّة واحدة فيها فكيف إذا كانت لشخص واحد.

و من انّ الأصل عدم التداخل، و ليس الموجب لها هو الوطء بل الموجب

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 12.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 355

أمران: الطلاق، الوطء، و لأجل ذلك لو طلق الغائب عن زوجته سنة، كان له عليها عدّة، نعم لو تعدد الوطء من المشتبه اجتزأ بعدّة كاملة للأخير، لكون السبب هو الوطء و أمّا النص الوارد بالاكتفاء بعدّة واحدة إذا كان الاعتداد لشخصين، فقد مرّ انّه غير معمول به.

ثمّ تقييد الطلاق بالبائن في عنوان المسألة، لأجل أنّ الوطء شبهةً في الطلاق الرجعي، رجوع عند البعض و إلّا فلا فرق بين البائن و الرجعي.

ثمّ إن كانت عدّة الطلاق بالحمل، ثمّ طرأ الوطء، فتعتد للثاني، بعد الوضع و إن كانت عدّة الطلاق بالأقراء، و حدث الحمل بالوطء، فتخرج عن العدّة الثانية بالوضع و يخرج من العدّة الاولى، باكمال الاقراء بعد الوضع. و الاكتفاء بالوضع عنهما، كما احتمل الشهيد في المسالك، مخالف لأصالة عدم التداخل.

و لأجل ذلك

إذا وُطئت في العدّة الرجعية شبهة، و حملت من الثاني اعتدّت بالوضع من الثاني لأنّ الحمل له، دونه، و أكملت عدّة الاولى بعد الوضع بأشهر أو اقراء و كان للأوّل الرجوع في تلك العدّة دون زمان الحمل الذي هو عدّة المشتبه. نعم حكى عن المبسوط جواز الرجوع في زمن الحمل.

*** تم تحرير كتاب الطلاق و بلغ الكلام إلى هنا صبيحة يوم الأربعاء، تاسع شوال المكرّم من شهور عام 1411 من الهجرة النبوية، نشكره سبحانه على آلائه و نعمائه و نسأله أن يديم صحة وجود شيخنا الاستاذ العلّامة الفقيه الشيخ جعفر السبحاني- دام ظله الوارف- انّه بذلك قدير و بالاجابة جدير.

سيف اللّه اليعقوبي القمشئي قم المشرفة نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 357

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبيّنا محمّد و آله الطاهرين لا سيما بقية اللّه في الأرضيين روحي و أرواح العالمين له الفداء.

قال شيخنا الاستاذ- مدّ ظلّه-

كتاب الخلع و المباراة

الخلع

اشارة

مصدر خلع و هو بضم الفاء بمعنى التبرّي و بفحتها بمعنى الإزالة و لعلّ المعنيين يرجعان إلى أصل واحد. و يناسب الثاني قوله سبحانه: (هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ) ( «1») و في الاصطلاح «إزالة قيد النكاح بفدية من الزوجة و كراهة منها له خاصة دون العكس و إلّا فيكون مباراة بمعنى المفارقة فهي ازالة قيد النكاح بفدية منها مع كراهة من الجانبين. و يدل على مشروعيته قوله سبحانه: (وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّٰا أَنْ يَخٰافٰا أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ( «2») و قد تضافرت الروايات على

مشروعيته ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قالت المرأة لزوجها جملة لا أُطيع لك أمراً مفسراً و غير مفسر حل له ما أخذ منها و ليس له عليها رجعة». ( «3»)

______________________________

(1). البقرة: 187.

(2). البقرة: 229.

(3). الوسائل ج 15: الباب 1 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 358

و يقع الكلام في مواضع أربعة:

1- في صيغته.

2- في الفدية أعني المال الذي تبذله المرأة ليطلّقها به.

3- في شرائطه.

4- في أحكامه.

و إليك الكلام في هاتيك المواضع:

الأوّل: في صيغته

اشارة

الخلع كما يستفاد من تعريفه من العقود المفيدة لإبانة الزوجية بعوض مخصوص، فلا بدّ من صيغة دالة عليها فتكفي كل عبارة دالّة على انشاء الابانة بعوض مثل قولك:

خلعتك أو خالعتك على كذا.

أنت، أو فلانة مختلعة على كذا.

و كما يقع الانشاء بصيغة الماضي، يقع بصيغة الجملة الاسمية كما مرّ مثل قوله: (وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ)، و أمّا الطلاق غير الخلعي فينحصر وقوعه بالحملة الاسمية و بخصوص صيغة «أنت طالق» و قد مضى ما دلّ على الانحصار ( «1»).

و قد تقدّم منّا مراراً أنّ المعاملات امور عقلائية، يكفي في تحققها كل ما أفاد مطلوبهم إذا لم يكن هناك تعبّد من الشارع على لفظ خاص.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 359

و بما أنّه من العقود، أو شبها فيتوقّف على قبولها، و يكفي سبق سؤالها ذلك، بأن تقول: طلّقني بألف.

و كما يتوقّف على انضمام القبول بأحد النحوين، يتوقّف على انضمام أحد الجزءين إلى الآخر، حتّى يعدّ المجموع كلاماً واحداً و لأجل ذلك ذهب المشهور إلى لزوم الفورية بينهما، و أمّا

شك المحدّث البحراني في لزوم القبول منها، و كون ذلك على الفورية ففي غير محلّه لأنّ المفروض أنّه من العقود الامضائية، فيقع الامضاء سعة و ضيقاً على مقدار ما عليه العقلاء في المقام. نعم لا يضرّ التراخي إذا لم يخرج عن حدّ العادة.

و على كلّ تقدير فلو خلعها بعوض بلا سبق سؤال منها، أو لحوق قبول إليه، بطل، فلا يقع الخلع لعدم قبول منها، كما لا يقع الطلاق المجرد، لعدم كونه مقصوداً للزوج.

كفاية الإنشاء بلفظ الخلع

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1414 ه ق نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 359

إذا اكتفى الزوج بلفظ الخلع، و قال خالعتك على كذا، من دون أن يضم إليه قوله: «فأنت طالق» فهل يجزي ذلك أو لا؟ ذهب إلى الأوّل السيد المرتضى في الناصريات و نقله العلّامة في مختلفه ( «1») عن المفيد، و الصدوق و ابن أبي عقيل، و سلار و ابن حمزة. و ذهب الشيخ في تهذيبه ( «2») و أبو الصلاح في كافيه ( «3») و ابن البراج في مهذبه ( «4»)، و ابن إدريس في سرائره ( «5») إلى الثاني. و توقّف المحقّق في شرائعه و اكتفى بنقل القولين.

______________________________

(1). المختلف 43.

(2). التهذيب 8/

(3). الكافي: 307

(4). المهذب 2/ 267.

(5). السرائر 2/ 726.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 360

ثمّ على القول بالاجتزاء هناك اختلاف آخر بين القائلين به و أنّه هل هو طلاق، أو فسخ، اختار المرتضى الأوّل، و الشيخ- على القول به- الثاني، و وصفه المحقق بانّه تخريج و قول بلا دليل و عقبه بانّه على القول به لا يعتد

به في عدد الطلقات، و تحقيق الحال في كلا المقامين (هل يجزي أو لا و على فرض الاجزاء طلاق أو فسخ) يتوقّف على نقل الكلمات ثمّ الروايات فنقول:

الخلع مجرداً عن لفظ الطلاق
اشارة

هل يقع الافتراق بمجرد الخلع، من دون تلفّظ بالطلاق، أو لا بدّ معه من التلفّظ به؟ قال الشيخ: الصحيح من مذهبنا انّ الخلع بمجرده لا يقع [لا يتحقق به الافتراق] و لا بدّ معه من التلفظ بالطلاق، و في أصحابنا من قال لا يحتاج معه إلى ذلك بل نفس الخلع كاف إلّا أنّهم لم يبيّنوا أنّه طلاق أو فسخ، و للشافعي فيه قولان: أحدهما أنّ الخلع طلاق ذكره في الاملاء و أحكام القرآن، و به قال عثمان بن عفان و رووه عن علي (عليه السلام) و عبد اللّه بن مسعود، و به قال مالك و الاوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه. و قال في القديم الخلع فسخ و هو اختيار الاسفرائيني و به قال ابن عباس و صاحباه: عكرمة و طاووس، و في الفقهاء أحمد و إسحاق و أبو ثور. ( «1»)

و يظهر مما نقله الكليني و الشيخ أنّ المسألة كانت ذات قولين في عصر أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام). فقد روى الكليني عن جعفر بن سماعة: انّ جميلًا شهد بعض أصحابنا و قد أراد أن يخلع ابنته من بعض أصحابنا فقال جميل للرجل: ما تقول رضيت بهذا الذي أخذت و تركتها، فقال: نعم، فقال لهم جميل: قوموا، فقالوا: يا أبا علي ليس تريد تتبعها بالطلاق فقال: لا قال و كان جعفر بن سماعة يقول يتبعها الطلاق في العدّة و يحتجّ برواية موسى بن بكر عن العبد

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 428، المسألة 3، كتاب الخلع.

نظام الطلاق في

الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 361

الصالح (عليه السلام) قال: قال عليّ (عليه السلام) المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدّة ( «1»).

و روى الشيخ أنّ لزوم الاتباع كان مذهب جعفر بن سماعة و الحسن بن سماعة، و علي بن رباط و ابن حذيفة من المتقدمين، و مذهب علي بن الحسن من المتأخرين. فأمّا الباقون من فقهاء أصحابنا المتقدمين فلست أعرف لهم فتياً في العمل به. ( «2»)

و قال ابن قدامة: «إنّ المختلعة لا يلحقها طلاق بحال و به قال ابن عباس و ابن الزبير و عكرمة و جابر بن زيد و الحسن و الشعبي و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور، و حكي عن أبي حنيفة أنّه يلحقها الطلاق الصريح المعيّن دون الكناية و الطلاق المرسل و هو أن يقول كل امرأة لي طالق، و روي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب و شريح و طاووس و النخعي و الزهري و الحكم و حماد و الثوري لما روي عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدّة». ( «3»)

أدلّة القائلين بالوقوع

إنّ هنا روايات صحيحة سنداً، و متقنة دلالة، تدل على الوقوع من دون لزوم اتباع الصيغة بالطلاق و هي:

1- صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: عدّة المختلعة عدّة المطلّقة، و خلعها طلاقها من غير أن يسمّى طلاقاً. ( «4»)

2- صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت أ رأيت إن هو طلّقها بعد ما خلعها أ يجوز عليها؟ قال: و لم يطلّقها و قد كفاه الخلع، و لو كان الأمر إلينا لم نجز

______________________________

(1). الكافي: 6/ 141.

(2). التهذيب: 8/ 97، في الخلع و المباراة.

(3).

المغني: 8/ 184، كتاب الخلع.

(4). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 362

طلاقاً. ( «1») و سيوافيك تفسير قوله: «و لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً» فانتظر.

3- صحيحة ابن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: تبين منه و إن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت، فقلت: فانّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلع، فقلت: تبين منه؟ قال: نعم. ( «2»)

4- صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: المختلعة التي تقول لزوجها: اخلعني و أنا أعطيك ما أخذت منك، فقال: لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئاً حتّى تقول: و اللّه لا أبرّ لك قسماً و لا أُطيع لك أمراً، و لآذننَّ في بيتك بغير اذنك، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلّمها حلّ له ما أخذ منها، و كانت تطليقة بغير طلاق يتبعها، و كانت بائناً بذلك، و كان خاطباً من الخطّاب. ( «3»)

5- خبر زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا يكون الخلع حتى تقول: لا أُطيع لك أمراً و لا أبّر لك قسماً و لا أُقيم لك حدّاً فخذ منّي و طلّقني، فإذا قالت ذلك فقد حلّ له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير، و لا يكون ذلك إلّا عند سلطان، فإذا فعلت ذلك فهي أملك بنفسها من غير أن

يسمّى طلاقاً. ( «4»)

و أمّا اشتراط صحته بوقوعه في محضر السلطان فلم يقل به أحد و لعل الظروف كانت توجبه آنذاك صيانة لحق الزوجة.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 8.

(2). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 9.

(3). الوسائل ج 15: الباب 1 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 4، الحديث 3 من الباب 3.

(4). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 10 و الحديث 5 من الباب 4 توصيفه بالخبر، لوقوع «موسى» في سنده و المراد منه موسى بن بكر و هو لم يوثق، و كونه ممدوحاً ليس ببعيد.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 363

بقي الكلام في تفسير الجملة الواردة في صحيح سليمان بن خالد «و قد وعدنا تفسيرها».

أقول: وردت تلك الجملة في روايات الباب بالصور التالية:

ففي صحيح سليمان بن خالد: «لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقها أو طلاقاً».

و في صحيح الحلبي: «لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً إلّا للعدّة».

و روى الشيخ مرسلًا: «لو كان الأمر إلينا لم نجز إلّا طلاق السنّة».

و لعل وجه عدم اجازة طلاقها لأجل عدم رعاية الشرائط المعتبرة في صحة الطلاق، كما يعرب عنه قوله في نقل الشيخ «لم نجز إلّا طلاق السنّة» و قوله «لم نجز طلاقاً إلّا للعدّة» أي طلاقاً في طهر غير المواقعة حتى تعتد فيكون الذيل متضمّناً لأمر جانبي، يعم المختلعة و غيرها حيث إنّ القوم كانوا غير ملتزمين برعاية الشرائط اللازمة. و الحاصل: أنّه لا صلة لقوله: لو كان الأمر ...» ( «1») لما قبله بل هو كلام مستقل.

بل يظهر من صحيح ابن بزيع أعني قوله: «و

ليس ذلك إذا خلع»، اعتبار عدم اتباع الطلاق في مفهوم الخلع، بحيث لو اتبعه الطلاق، خرجت المفارقة عن كونها خلعاً بل ينقلب طلاقاً، و على ذلك يكون ذكر الطلاق على خلاف الاحتياط، لا على وفاقه و إن كان الالتزام بذلك أمراً مشكلا، لأنّ الخلع من أقسام الطلاق، المشروط ببذل الزوجة شيئاً في مقابله و أقصى ما يمكن أن يقال: إنّه لو كان الخلع كافياً في تحقق انشاء الطلاق يكون ذكره لغواً لا مبطلًا و بذلك يظهر أنّ تفسير قوله: «و لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقها» بعدم مشروعية طلاق المختلعة من دون الرجوع بالفدية و الرجوع بالطلاق منه، تفسير، نعم ما ذكره صحيح في تفسير قوله: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة» كما سيوافيك.

______________________________

(1). الجواهر 33/ 6.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 364

دليل القائل بالاتباع

استدل القائل بلزوم الاتباع بما يلي:

1- ما رواه موسى بن بكر عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في عدّة» ( «1») و المراد من العدّة «عدة الطهر» فما دامت فيها يتبعه به، و أمّا إذا حاضت بعد الخلع، ينتظر طهرها.

يلاحظ عليه: أنّ السند ضعيف لما عرفت من أنّ موسى بن بكر لم يوثق، و قد روى هو بنفسه عن زرارة خلاف ذلك كما مرّ، و ما فسّر به الرواية أيضاً لا يخلو من بعد، لاستلزامه جواز تفكيك الطلاق عن الخلع أياماً، و هو مما لم يقل به أحد.

و يمكن أن يقال: المراد أنّها ما دامت في العدّة صالحة للطلاق، بأن ترجع المرأة في بذلها، فيراجعها الزوج ثمّ يطلّقها.

و إذا دار الأمر بين هذه الرواية القاصرة و ما تقدّمها يجب الأخذ به لوجود

الصحاح، و احتمال التقيّة غير وجيه لما عرفت من كون العامّة أيضاً ذات قولين على ما عرفت. و الظاهر أنّ رواية موسى بن بكر، نبويّة روتها العامّة كما يظهر من ابن قدامة، فلاحظ.

2- ما نقل الشيخ عن ابن سماعة: «من أنّ الطلاق لا يقع بشرط و الخلع من شرطه أن يقول الرجل إن رجعت فيما بذلت ما أملك ببضعك، فينبغي أن لا يقع به فرقة.

يلاحظ عليه: أنّه خلط بين حكم الخلع، و نفسه، و كونه من أحكامه لا يستلزم أن يكون نفس الخلع مشروطاً به، بل هو منجّز، غاية الأمر إن رجعت يرجع الرجل في طلاقه و هذا كالهبة المعوضة فإنّها منجزة، لكن لو رجع واحد من

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث، 5.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 365

الطرفين يرجع الآخر في هبته.

على فرض الاجتزاء طلاق أو فسخ

قد تقدم أنّ هنا بحثاً آخر، وراء كفاية الخلع من الطلاق و عدمه و هو أنّه على فرض الكفاية، هل الخلع حينئذ طلاق أو فسخ، ذهب المرتضى إلى الأوّل و الشيخ إلى الثاني و ظاهر النصوص هو الأوّل ففي صحيحة الحلبي: «و كانت عنده على تطليقتين باقيتين و كان الخلع تطليقة». ( «1»)

استدل الشيخ على أنّه فسخ بما ذكره في الخلاف بقوله: «و يدل عليه قوله تعالى: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) ثمّ ذكر الفدية بعد ذلك [و قال: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)] ثمّ ذكر الطلقة الثالثة فقال: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) فذكر الطلاق ثلاثاً و ذكر الفدية في أثنائه، فلو كان طلاقاً كان الطلاق أربعاً

و هذا باطل بالاتفاق». ( «2»)

يلاحظ عليه: انّا نلتزم بأنّ الخلع، من أقسام الطلاق فيدخل في قوله (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ) غاية الأمر، لما كان الطلاق منصرفاً إلى العاري عن الفدية و البذل، صرّح بهذا الفرد الخفي، فلا يكون ذكره بين الطلاقين و الثالثة، انّه شي ء وراءهما.

و على ضوء ذلك فهو من احدى الطلقات الثلاث كما هو صريح الروايات.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث، 2.

(2). الخلاف: 2/ 429، المسألة 3، كتاب الخلع.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 366

الثاني في الفدية

اشارة

الفدية، هي العوض التي تبذلها الزوجة لتحرّر من قيد النكاح و على ذلك لا يقع الخلع في البائن كالمطلّقة بلا دخول، و المرتدّة عن الإسلام لانقطاع الصلة بين الزوجين، فلا زواج حتى تتحرّر منه.

إنّما الكلام في الرجعية، فهل يجوز أن تبذل ليخلعها عليه أو لا؟ وجهان: من أنّها مطلّقة، و المطلّقة لا تطلق إلّا بالرجوع إلى حبالة النكاح، و من أنّها كالزوجة، و الأوّل أقوى لأنّ معنى كونها زوجة، ليست زوجة كاملة بل زوجيتها في معرض الزوال و هو عبارة اخرى عن كونها مطلّقة، فكيف تطلّق.

مقدار الفدية

اشتهر بينهم: كلما صحّ أن يكون مهراً، صحّ أن يكون فداء في الخلع، و معناه أنّه كلّما لا يصح أن يكون مهراً لا يصح أن يكون فداء في الخلع. قد اعترف في الحدائق، و غيره بعدم العثور على نص يفيد تلك الضابطة. و ما ورد في النصوص ربّما يعطي أوسع من ذلك أمّا الكتاب فاطلاقه، يعم بكل ما وقع التراضي عليه، و إن لم يكن مالًا، قال سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) و الفدية تستعمل في اطلاق الأسير، يقال فدى الرجل من الأسير استنقذه بمال أو غيره، و على ذلك فالفدية ما يتخلّص به الانسان من القيد و هو

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 367

أعم من المال و غيره و ربّما يكون غير المال أحبّ إلى الزوج منه، فيجوز أن يكون جنساً أو نقداً أو عملًا، أو ايجاد حق أو إسقاط حق.

نعم ورد في بعض الروايات «حل له أن يأخذ منها ما وجد» و في ثانيتها، «حلّ له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير» و

في ثالثتها «له أن يأخذ من مالها ما قدر عليه» و في رابع «المبارة يؤخذ منها دون الصداق، و المختلعة يؤخذ منها ما شئت أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر. ( «1»)

و أقصى ما يمكن أن يقال: إنّه يقع الخلع بكل شي ء متموّل قلّ أو كثر، سواء كان معلوماً أو مجهولًا إلّا ما لا يمكن العلم به، و ليس الخلع كالمعاوضات المالية حتى يشترط فيه، ما يشترط فيها، بل الميزان حصول التراضي بشي ء لا يقع مثار النزاع في المستقبل، سواء أ كان مالًا أم حقّاً معلوماً أو مجهولًا، لكن يمكن رفع الجهل عنه. هذا مقتضى النصوص.

لكن المحقق اكتفى في الحاضر بالمشاهدة و اشترط في الغائب لزوم ذكر جنسه من كونه فضة أو ذهباً، و وصفه و قدره ككونه عشرة مثاقيل.

و لم يعلم وجه التفريق بين الشاهد و الغائب حيث اشترط في الأوّل مجرد المشاهدة و إن لم يعرف وزنه و لا عدده و لا جنسه، و اشترط في الغائب لزوم ذكر الجنس و الوصف و القدر.

و الذي يمكن أن يقال: انّه لو كان ذكر الجنس، و الوصف، و القدر، مقدمة لصون الطرفين عن النزاع في المستقبل فله وجه، و أمّا إذا لم يكن كذلك و فرضنا أنّهما رضيا بما في الكيس أو أمثاله فلا وجه للاشتراط.

نعم أضاف السيد الأصفهاني (قدس سره) عنوان الكلّي إلى الغائب و

______________________________

(1). فلاحظ الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 6 و 5 و 4 و 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 368

قال: «فإن كان عيناً حاضراً يكفي فيه المشاهدة، و إن كان كليّاً في الذمة أو غائباً ذكر جنسه و وصفه

و قدره، و لو جعل الفداء ألفاً و لم يدر ما المراد فسد الخلع» ( «1») حيث ذكر مكان الغائب، الكلي في الذمة، و من المعلوم أنّه يجب ذكر الامور الثلاثة في الكلي، إذ لولاه لكان مثار النزاع و لما آلت الجهالة إلى العلم و مثله ما ذكر من جعل الفدية ألفاً و لم يذكر المميز، اللهمّ إلّا إذا قصدا المميز قلبا شيئاً معيّناً صح و لو قصد أحدهما دون الآخر و لكنّه رضي بما قصده صح، و عدم صحّة مثل ذلك في البيع، لا يكون دليلًا على عدم الصحّة في المقام، إذ ليس الخلع معاوضة حقيقية و إنّما هو فكّ القيد بعوض تراضى عليه الطرفان.

و لو جعل الفداء مائة دينار، ينصرف إلى النقد الغالب في البلد إذا تعدّد النقد، و مع عدم الغالب يبطل الخلع لأنّه جهالة لا يئول إلى العلم به و لم يتحقّق التراضي بشي ء معيّن في الواقع و إن كان مجهولًا في نظرهما.

إذا كان الفداء ممّا لا يملك المسلم

إذا كان الفداء ممّا لا يملك المسلم كالخمر و الخنزير فإمّا أن يكونا عالمين بالموضوع و أنّه خمر أو خنزير، أو يكونا جاهلين كما إذا تخيّلا الخمر خلًا، و الخنزير بقراً.

أمّا الأوّل: فقد اتفقوا على بطلان الخلع و إنّما اختلفوا في حكم الطلاق على أقوال ثلاثة:

1- بطلان الطلاق.

2- صحة الطلاق و وقوعه رجعياً، ذهب إليه الشيخ في المبسوط.

______________________________

(1). وسيلة النجاة: ج 2، كتاب الخلع: 386 الطبعة الثامنة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 369

3- التفصيل بين اتباعه بالطلاق فيصح الطلاق و إلّا كان البطلان أحق و هو خيرة المحقّق في الشرائع، و العلّامة في القواعد، و حكى صاحب الحدائق في تعليقته عليها أنّه المشهور بين المتأخّرين.

أمّا بطلان

الخلع فلأنّه يشترط فيه أن يكون الفداء شيئاً يبذل بازائه الثمن شرعاً و هو ليس كذلك و إن كان متمولًا عرفاً، و قد عرفت أنّه ورد في النصوص «يأخذ من مالها» و المقصود المال الشرعي.

و إن شئت قلت: إنّه نوع معاوضة شرعية بشهادة قوله: «فهي على ما بذلت مختلعة» و لا تكون المعاوضة شرعية إلّا إذا كان الفداء ممّا يدخل في ملك المسلم- و مع ذلك- يمكن تصحيح الخلع بأنّهما و إن كانا ممّا لا يملكان لكن يتعلّق بهما حق الاختصاص لامكان تخليل الخمر و سقي الماء من جلد الخنزير.

و أمّا بطلان الطلاق فلأجل، انّ العقود تابعة للقصود و في المقام ما قصد، أعني: الطلاق الخلعي لم يقع فكيف يقع ما لم يقصد و هو الطلاق الرجعي.

و وجه الصحة، انّ هنا أمرين متغايرين، بذل المال و انشاء الطلاق بداعى تمليك المال فإذا بطل الأوّل، لم يبطل الثاني لما تقرّر عندهم من أنّ تخلّف الداعي غير مبطل، بل تخلّف الشرط أيضاً مثله إذا كان من قبيل تعدّد المطلوب.

و يؤيّده: ما سيوافيك من الروايات من أنّها لو رجعت في بذلها لا يبطل الطلاق بل يصير رجعياً و سيوافيك توضيحه.

وجه التفصيل: انّه إنّما يكون أمرين متغايرين إذا لم يقتصر بالخلع حتى لا يلزم من فساد أحدهما، فساد الآخر فيفسد الخلع لفوات العوض، و يبقى الطلاق المتعقب له رجعياً لبطلان المعوض الذي كان سبباً لكونه بائناً.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصح إذا سبق الخلع على انشاء الطلاق و أمّا إذا قال:

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 370

أنت طالق بكذا رطل فلا وجه للصحة.

فالأولى الاستدلال على الصحة بما ورد عنهم (عليهم السلام)، من أنّها إذا رجعت في بذلها، فللزوج

أن يرجع في طلاقه، ففي الصحيح عن الرضا (عليه السلام)، من أنّها «إن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت». ( «1»)

و هذا يعرب عن صحة وقوع الطلاق إذا انتفى العوض بفسخ المرأة، من غير فرق بين كون انتفائه مستنداً إلى الفسخ أو كونه مما لا يُملك فانّ الجامع بينهما هو فقدان العوض حدوثاً و بقاءً أو بقاءً فقط.

و مع ذلك فهناك احتمال آخر لم نذكره و هو احتمال وجوب قيمتهما عند مستحلّيهما كما افتوا به إذا جعل الخمر و الخنزير مهراً، و لو قلنا به يكون الخلع لازماً.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ المهر ليس بركن في النكاح، و لذا يصح مع عدم ذكره بخلاف العوض في الخلع فانّه المقصود بالذات في مقابل ازالة قيد النكاح، فتأمّل. هذا كلّه إذا كانا عالمين.

و أمّا إذا كانا جاهلين فظنا الخمر انّها خل و الخنزير أنّه بقر فخالعها عليهما ثمّ تبيّن الخلاف فهناك وجوه:

1- البطلان كصورة العلم لفقد شرط صحته و هو كون الفداء مملوكاً و الجهل به لا يقتضي الصحة.

2- دفع القيمة لأنّها أقرب إليهما عند تعذرهما، و الخل و البقر، قيميان فمع تعذرهما يصار إلى القيمة، هذا هو الموافق لما هو المقرّر في الضمانات و الغرامات، فانّ القيمي يضمن بالقيمة لا بدفع فرد من جنسه كما هو الحال في الاحتمال الثالث.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب الخلع، الحديث 2، و لاحظ غيره من هذا الباب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 371

3- دفع فرد آخر من الخلّ و البقر ذكره المحقق، و ادّعى صاحب الجواهر عدم وجود الخلاف فيه و علّله بأن تراضيهما على فرد معيّن الذي يظن كونه

فرداً منه، يقتضي الرضا بالكلي المنطبق عليه، فالرضا به مستلزم للرضا بالكل، فإذا فات الفرد المعيّن المظنون، بقي الكلي لأنّه أقرب إلى المقصود. و لعلّ اختيار هذا الوجه دون الثاني، هو أنّ ضمان المثل بالمثلي و القيمي بالقيمي من خصائص المعاوضات المالية كالبيع و الإجارة و ليس الخلع من قبيل المعاوضات، فالمرأة تطلب الخلاص من قيد النكاح، و الرجل لا يخليها إلّا بشي ء.

هذا، و سيوافيك بعض الكلام فيما إذا تلف العوض قبل القبض أو بان مستحقّاً للغير، و ربما يخالف كلامهم فيه مع ما في المقام، فانتظر.

لو خالع على الثمرة قبل وجودها

لو خالع على حمل الدابة، أو الثمرة قبل وجودها سواء انعقد حبّها و تناثر وردها، أو لا، و ذلك للاطمئنان غالباً بوجودهما و ماليتهما و قد عرفت أنّ الميزان هو التراضي، و ليس الخلع من قبيل المعاوضات الحقيقية، حتى يشترط بدوّ الصلاح في التمر، و انعقاد الحب و تناثر الورد، في غيره.

من يصح بذل الفداء منه

ظاهر الكتاب أعني قوله سبحانه: (فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ( «1») كون الفداء منها و مثله السنّة، حيث جاء في غير واحد من الروايات «حلّ له ما أخذ

______________________________

(1). البقرة: 229.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 372

منها و ليس له عليها رجعة» ( «1») و في بعض النصوص «له أن يأخذ من مالها ما قدر عليه». ( «2»)

و على هذا، يجب أن يكون العوض منها و من مالها. فعندئذ يتصوّر صور:

1- أن تدفع الفداء مباشرة.

2- أن تأمر بوكيلها القائم مقامها بالدفع.

3- أن يدفعه الغير بإذنها و ضمانها بأن تقول لشخص: اطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم مثلًا ثمّ ترجع علىّ بعد دفعك إيّاه، و معنى ذلك اقراضه لها فيملّكها ثمّ يدفعه عنها مثل قوله: «اعتق عبدك عنّي».

كل ذلك لا اشكال فيه، لأنّ الفداء يخرج من مالها بالمآل فيصدق «أخذ منها» أو «أخذ من مالها».

و إنّما الكلام إذا قام متبرّع على ذلك و إن كان الايجاب و القبول من الزوجين كما إذا حصل التوافق بين الزوجين و المتبرّع على أن يخلعها بعوض معيّن ملك للمتبرّع أو شي ء في ذمته من دون أن يقرضه إيّاها و يملكه لها، فقد تردد فيه المحقق و قال الأشبه المنع أخذاً بحقيقة المعاوضة فلا معنى أن يخرج العوض من ملك الثالث و يستولي الغير

(المرأة) على العوض و لأجل ذلك قال السيد الأصفهاني: الظاهر انّه لا يصح من المتبرع الذي يبذل من ماله من دون رجوع إليها، فلو قالت الزوجة لزوجها: طلّقني على ألف درهم في ذمة زيد فطلّقها على ذلك و قد أذن زيد في ذلك أو أجاز بعد ذلك لم يصحّ الخلع ( «3»).

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 1، من أبواب الخلع، الحديث: 1، 2، 3، 4، 6، 7، 8.

(2). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب الخلع، الحديث 4.

(3). وسيلة النجاة: الجزء الثاني كتاب الخلع: ص 387. الطبعة الثامنة.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 373

و مع ذلك كله ففي النفس من المنع شي ء إذ ليس الخلع من المعاوضات الحقيقية حتى تجري فيه قاعدة «من له الغنم فعليه الغرم» و إنّما هو إزالة قيد من جانب، و إيجاد داع أو باعث و تطميع من جانب آخر، فإذا كانت هذه حقيقته فلما ذا لا يجوز لمحسن أن يتبرّع به خصوصاً إذا رأى أنّ الحياة لهما صارت مزعجة، و أنّ الصلاح في الفراق فيقدّم على التبرّع و الاحسان و (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) من دون اكراه و اجبار، و العناوين الواردة في الروايات واردة مورد الغالب، لأنّ بذل الفداء غالباً من مالها أو مهرها و اللّه العالم.

لو خالعت في مرض الموت

يقع الكلام في مقامين:

1- صحّة الخلع و عدمها.

2- حكم البذل، أنّه من الأصل أو الثلث.

أمّا الأوّل: فلا شكّ في صحّته لعموم الآية و إطلاق الروايات.

أمّا الثاني: فتارة يكون المبذول بمقدار مهر مثلها، و اخرى يكون زائداً عليها. ففيه وجوه ناشئة مما قرّر في منجزات المريض فقد اتفقوا فيها على أنّ معاوضاته إذا لم تكن فيها محاباة فهو من الأصل.

و انّ تبرّعاتها المحضة كالصدقة و الهبة من الثلث و على ذلك فهنا احتمالات:

1- من الأصل لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» المقتصر في الخروج عنه على التبرّعات و المقام ليس منها.

2- انّه من الثلث سواء كانت الفدية بمقدار مهر مثلها، أو زائدة عنه، لأنّ تحرّرها من قيد النكاح ليس شيئاً متمولًا حتى يرجع عوضه إلى الورثة، و الحجر على

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 374

المريض لأجل صيانة حقوقهم.

3- انّ الزائد عن مهر المثل من الثلث مثل المحاباة في المعاوضات.

و على ذلك فلو كان مهر مثلها، أربعين ديناراً مثلًا فبذلت مائة و لم يكن لها مال سواها صح للزوج أربعون في مقابلة مهر مثلها، و عشرون منها بالمحاباة و هي ثلث ما بقي من التركة فتحسب من الثلث و ترجع الورثة إلى الباقي و هو الأربعون لأنّها الزائد عنه، و قال المحقق هذا أشبه.

و الظاهر هو الأوّل، لتحكيم «الناس مسلّطون على أموالهم» و كونه محاباة فرع رضا الزوج بأقل منه و إلّا فلا، فهي كالمضطر الذي يشتري ضرورة الحياة بثمن غال. و لا فرق بين بذل مال في طريق معالجتها من المرض، و بذله في فكّ نفسها من قيد النكاح الذي كانت تعاني منه. على أنّ الخروج من الثلث أمر على خلاف القاعدة، يقتصر فيه على التبرّعات المجانية و المعاوضات المبتنئة على المحاباة الواضحة.

و لو كان الفداء ارضاع ولده، قال المحقق صح، مشروطاً بتعيين المدّة رفعاً للجهالة القادحة في أصل المعاوضة. و قد عرفت أنّ الجهالة إنّما تضر إذا صارت مثيراً للنزاع في المستقبل و يكفي في المقام تقييد الرضاع بالفطام. و كذا يصحّ لو طلّقها على نفقة بعد الرضاع قال المحقق يشترط

تعيين القدر الذي يحتاج إليه في المأكل و الملبس و المدة ... و قد عرفت أنّ الحكم أوسع من ذلك و يكفي انصراف الفدية إلى المتعارف فلا حاجة إلى تعيين القدر كما هو الحال في نفقة الزوجة.

و لو مات الولد قبل اكمال الرضاع

إذا كان رضاع الولد عوضاً و مات الولد قبل الفطام فما هو حكم ما بقي من

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 375

الشهور فهناك احتمالات:

1- يرجع بأُجرة مثله، و في الملبس و المأكل إلى مثله أو قيمته.

2- انفساخ العقد لتعذّر الوصول إلى العوض.

3- الصحة و عدم الرجوع بشي ء لانصراف العقد إلى القيام بأمر الرضاع ما دام الولد حيّاً و هذا هو الأظهر و على فرض التقسيط فلا يجب عليها دفع ما بقي من العوض- لأجل فوت الرضاع- دفعة واحدة، بل لها الأداء تدريجاً إلى وقت الفطام.

لو خالعها بعوض و لكن تخلّفت في مقام الأداء

لو خالعها بعوض، فتخلّفت في مقام الأداء و له صور، لأنّ العوض تارة يكون كلّياً و اخرى جزئياً معيّناً، و على التقديرين فالمتخلَّف إمّا يكون وصف الكمال، كما إذا شرط كون الفرس عربياً فدفع و بان عجمياً، أو وصف الصحة و يسمّى الفاقد بالمعيب كما إذا دفع الفرس و بان أعرج و يقع البحث في مقامات.

1- إذا خالع بعوض كلي موصوف بوصف من أوصاف الكمال فدفعت مكانه الفاقد منه كما عرفت مثاله، فله الرضا بما دفع، أو الردّ، و المطالبة بفرد آخر و ليس له إلزامها على الأرش إذا رضي بالفرد الفاقد، فليس أمامه إلّا طريقان إمّا الرضا به، أو ردّه و مطالبة فرد آخر.

2- نفس الصورة لكن الفاقد كان وصف الصحة، فمقتضى القاعدة في المقام، هو ما ذكر أيضاً إمّا الرضا، و إمّا مطالبة فرد آخر، و ليس له إلزامها على الأرش لأنّ وصف الصحة و إن كان يقسط عليه الثمن لكن العوض لمّا كان كلياً، لزم عليه إما الرضاء أو طلب تبديله بفرد آخر صحيح، مكان المعيب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 376

و

على كل تقدير: فلا وجه للالزام على الأرش في المقام سواء قلنا بتقسيط الثمن على الوصف أولا، أو قلنا بالتفصيل بين وصف الكمال و وصف الصحة أولا.

3- و لو خالعها علي شي ء معيّن فبان معيباً أو فاقداً لوصف الكمال فلو أمسك به فله أخذ الأرش في المعيب دون الفاقد لوصف الكمال على رأي المشهور، لأنّ الثمن لا يقسط عندهم إلّا على الجزء، خرج عنه تخلّف وصف الصحة بالدليل دون وصف الكمال. ( «1»)

إنّما الكلام فيما إذا ردّ، فقد اتفقوا في باب المعاملات على أنّه إن ردّ فهو يوجب انفساخ البيع، بخلاف المقام فإنّه إن ردّ يطالب بمثله أو قيمته كما ذكره المحقق في الشرائع، و عندئذ يوجه السؤال عن الفرق بين المقام و باب المعاملات، و قد أوضحه صاحب المسالك بقوله بأنّ المترتّب على العوض (الطلاق) قد وقع قبل الرد و الأصل فيه اللزوم و ليس هو كغيره من عقود المعاوضات القابلة للتفاسخ مطلقاً بل يقف فسخه على أُمور خاصة به بدليل خاص لا مطلقاً فلا وسيلة إلى تحصيل المطلوب من العوض إلّا بما ذكر:

ثمّ انّه أجاب عنه: بأنّ التسلّط على الرد و أعماله، لا يقتضي إلّا فسخ ما يقابله، و هو كون الطلاق خلعياً و مقتضاه عند الرد عود الطلاق إلى الطلاق المجرد من العوض كما لو رجعت هي بالبذل، و ليس هذا فسخاً بالطلاق، و على ذلك

______________________________

(1). نعم هو غير تام عندنا كما أوضحناه في أبحاثنا إذ كما انّ للأجزاء مدخليّة في ارتفاع الثمن و نزوله فهكذا الأوصاف من غير فرق بين أوصاف الصحة و أوصاف الكمال ككون العبد أُميّاً أو كاتباً و ما يظهر من الشيخ الأعظم من تقسيط الثمن على

الأجزاء المحسوسة، و انّ غيرها كأوصاف الكمال بل الصحّة من دواعى ارتفاع الثمن، لا يقابلها الثمن، غير تام عند العقلاء الذين هم المراجع في هاتيك الأبواب.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 377

فلو رد، فليس له المطالبة بالمثل أو القيمة بل لازمه عود الطلاق إلى كونه طلاقاً رجعياً ( «1»).

يلاحظ عليه: أنّ قياس المقام بالمعاوضات و اجراء حكمها عليه، فرع كون طلاق الخلع من هذا الباب، فعلى القول به ينفسخ العقد من رأسه في البيع أو يرجع الطلاق إلى الطلاق المجرد في المقام، و أمّا إذا كان العوض في المقام كالباعث و الداعي فلا يكون محكوماً بحكم المعاملات فيصح الخلع و يطالب بمثله أو قيمته- على نظر المحقق- أو يطالب بدفع فرد من جنسه سواء كان مثلياً أو قيمياً، كما أفتى به فيما إذا تبيّن أنّه غير مملوك.

و لعل الثاني أولى في موارد التخلّف الآتية.

لو تلف العوض قبل القبض

لو تلف العوض قبل القبض و بعد الخلع فهنا احتمالات:

1- بطلان الخلع و الطلاق لاقتضاء التلف قبله، الانفساخ لفوات معنى المعاوضة التي مقتضاها تبديل ملك بملك، و يد بيد، كما هو الحال في البيع، و به يفسّر قولهم: كل مبيع تلف قبل القبض فهو من مال بائعه.

يلاحظ عليه: انّه مبني على كون الخلع معاوضة حقيقية و قد عرفت ما فيه.

2- صحة الخلع و استصحاب وجوب تسليم العوض- بعد التلف- و هو خيرة المحقق في الشرائع.

يلاحظ عليه: أنّ استصحاب وجوب تسليم العوض بعد التلف لا يثبت

______________________________

(1). مسالك الافهام 2 و المطبوع عندى غير مرقّم.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 378

وجوب دفع المثل و القيمة إلّا على القول بالأصل المثبت، لأنّ معنى الأصل بقاء الضمان، فإذا ارتفع ضمان

العين للتلف، تعيّن الفرد الآخر و هو دفع المثل أو القيمة من غير فرق بين كون الاتلاف منها، أو من الأجنبي أو بآفة من اللّه تعالى.

3- صحة الخلع و الرجوع إلى الفرد المماثل و المشابه من غير فرق بين القيمي و المثلي، مثل ما إذا كان العوض ممّا لا يملك و كانا جاهلين، بحجّة أنّ الرضا بالجزئي رضا بالكلي المنطبق عليه فإذا فات الجزئي بالتلف بقي الكلّي و هو أقرب إلى المعقود عليه. ( «1»)

4- بطلان الخلع، لبطلان عوضه، أو كونه من أقسام الرجوع عن البذل إذا كان الاتلاف منها، و صيرورة الطلاق رجعياً بحجّة أنّ هنا أمرين الخلع، و قد بطل بتلف مقابله، و الطلاق، فهو انشاء مستقل باق.

هذه وجوه متضاربة لا يمكن الاعتماد عليها، و الثالث منها أشبه و عليه عمل العقلاء في نظائر المقام، و الأولى العمل بمقتضى الاحتياط و هو رجوع الزوجة عن العوض لابراء ذمتها من دفع العوض بأيّ نحو كان و رجوع الزوج إلى نكاحها لاحتمال الطلاق رجعياً، ثمّ انشاء الخلع من جديد إن أرادا.

لو خالعها على عين فبانت مستحقة

لو خالعها على عين و بانت مستحقة للغير و لها صور نذكر حكم صورتين:

الأولى: إذا كانا جاهلين.

الثانية: إذا كانا عالمين.

______________________________

(1). القول الثاني و الثالث متحدان في النتيجة و إن كان طريق الاستدلال مختلفا.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 379

ففي الصورة الأولى، تأتي الاحتمالات السابقة فيما إذا تلف العوض قبل القبض، لكن المسألة أشبه بما إذا جعل ما لا يملك عوضاً مع جهلهما بكونه منه، فقد تقدّم من المحقق أنّ الخلع صحيح و يدفع المماثل حتى في القيمي كالخلّ، مع أنّه أفتى في المقام بضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة و لم يعلم

الفرق بينهما مع اشتراكهما في عدم كون العوض عوضاً إمّا لأنّه لا يُملك كما في الخمر أو لا يَملك كما في المغصوب، و نظيره.

و لأجل ذلك قال السيد الأصفهاني: أنّه لو جعلته مال الغير مع الجهل بأنّه مال الغير فالمشهور صحة الخلع و ضمانها للمثل أو القيمة و فيه تأمل ( «1») ... و لكن ما ذكره هو خيرة المحقق و لم يثبت أنّه مشهور و وجه التأمّل عدم الفرق بين الخمر و المغصوب حتى يرجع في الأولى إلى المماثل، و في الثانية إلى المثل أو القيمة، و لعلّ الرجوع إلى الفرد المماثل في الجميع أشبه، كما مرّ.

و أمّا الصورة الثانية فتعلم حالها مما ذكرناه عند البحث عن جعل الفداء خمراً و خنزيراً مع العلم بالموضوع و الحكم و عرفت أنّ الأقوى بطلان الخلع دون الطلاق، فلاحظ. ( «2»)

______________________________

(1). وسيلة النجاة: كتاب الخلع، ص 387. الطبعة الثامنة.

(2). راجع ص 70- 72.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 380

الثالث في الشرائط

يقع الكلام تارة في شرائط الخالع و اخرى في شرائط المختلعة
أمّا الأوّل: فيشترط فيه، الشروط العامّة
اشارة

، البلوغ، و كمال العقل، و الاختيار، في مقابل الاكراه، و القصد في مقابل السكر و الغضب الرافع للقصد و قد مرّت أدلّتها في باب الطلاق، فلا نطيل.

إذا خالع وليّ الطفل بعوض

اتفقت كلمتهم على أنّ الولي يزوّج الصغير، و لا يطلّق عنه زوجته، ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصبي يتزوّج الصبية، يتوارثان؟ فقال إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم، قلت: فهل يجوز طلاق الأب قال: لا. ( «1»)

إنّما الكلام في المقام في خلعه عن المولّى عليه: فقال الشيخ: ليس للولي أن يطلق عمن له عليه ولاية لا بعوض و لا بغير عوض و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أكثر الفقهاء و قال الحسن البصري، و عطاء: يصحّ بعوض و غير عوض و قال الزهري و مالك: يصحّ، و لا يصحّ بغير عوض لأنّ الخلع كالبيع، و الطلاق كالهبة،

______________________________

(1). الوسائل ج 14: الباب 12، من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و قد تقدم الكلام من ذلك في كتاب النكاح.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 381

و البيع يصحّ منه دون الهبة ثمّ استدل على مختاره بإجماع الفرقة و أيضاً الأصل بقاء العقد و صحته، و ثبوت الخلع للولي يحتاج إلى دليل، و ليس عليه دليل، و أيضاً قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): الطلاق لمن أخذ بالساق، فالزوج هو الذي له ذلك دون غيره. ( «1»)

و بنى المحقق المسألة على كونه طلاقاً أولا، فعلى الأوّل، لا يصح، بخلاف الثاني، و الترديد في غير موضعه لأنّ الخلع من أقسام الطلاق قطعاً، و لأجل ذلك قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها، حلّ له

ما أخذ منها، و كانت عنده على تطليقتين باقيتين، و كان الخلع تطليقة. ( «2»)

و في رواية الحلبي، عدة المختلعة عدّة المطلّقة، و خلعها طلاقها من غير أن يسمّى طلاقاً ( «3») و لو كان هناك ما يدل على المغايرة، فلا أقل من كونه بمنزلة الطلاق، فيشترك معه في الأحكام أخذاً بالتنزيل، فكما أنّه لا يطلق، فهكذا لا يخلع.

و أمّا الثاني أي شرائط المختلعة
اشارة

يشترط فيها البلوغ، و العقل، لتوقف الكراهة أو خوف عدم اقامة الحدود كما هو لسان الآية عليهما، و لا يتصوران في الصغيرة.

كما يشترط أن تكون طاهراً طهراً لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولة بها، لأنّه إمّا طلاق أو نازل منزلته.

قال الشيخ في الخلاف: لا يصح الخلع إلّا في طهر لم يقربها فيه بجماع إذا كان دخل بها و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا يجوز في حال الحيض و في طهر

______________________________

(1). الخلاف: 2/ المسألة 29، كتاب الخلع.

(2). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع، الحديث 2 و لاحظ الحديث 4.

(3). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع، الحديث 2 و لاحظ الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 382

قربها فيه بجماع ( «1») و تدل عليه روايات الباب ( «2»).

و بذلك يظهر حال بعض ما تقدّم من الروايات من قوله (عليه السلام) «لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً إلّا للعدّة» لأنّ القوم لم يكونوا ملتزمين برعاية الطهر في الطلاق غير الخلعي فضلًا عنه حتى افتوا بالصحة في الخلعي و لأجل ذلك قال الإمام (عليه السلام) لم نجز طلاقاً إلّا للعدة «أي لأن تعتدّ» و لأجله نقل الشيخ مرسلًا عن الصادق (عليه السلام) «لو كان الأمر إلينا لم نجز إلّا

طلاق السنّة».

و من شرائطها كونها كارهة

يعتبر في الخلع أن تكون الكراهة من المرأة خاصّة لا منه وحده و لا منهما فيكون مباراة.

قال الشيخ في الخلاف: إذا كانت الحال بين الزوجين عامرة، و الاخلاق ملتئمة و اتفقا على الخلع، فبذلت له شيئاً حتى يطلّقها لم يحلّ ذلك و كان محظوراً، و به قال عطا و الزهري و النخعي و داود، و أهل الظاهر، و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و الأوزاعي و الثوري إنّ ذلك مباح، و استدل الشيخ بإجماع الفرقة على أنّه لا يجوز له خلعها إلّا بعد أن يسمع منها ما لا يحلّ ذكره من قولها «لا أغتسل لك من جنابة و لا أقيم لك حداً و لاوطئن فراشك من تكرهه أو يعلم ذلك منها، و هذا مفقود هنا، فيجب أن لا يجوز الخلع، ثمّ استدل بالآية بانّه حرم الأخذ إلّا عند الخوف. ( «3»)

و لا خلاف في ذلك لاستفاضة النصوص، و إنّما الكلام في تحديد هذا

______________________________

(1). الخلاف: 2/ المسألة 1، كتاب الخلع.

(2). الوسائل: الباب 6 من أبواب الخلع، الحديث: 1، 2، 3، 4، 6، 7.

(3). الخلاف: 2/ المسألة 1، كتاب الخلع.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 383

الشرط، فقد جعل في الآية هو الخوف على عدم اقامة حدود اللّه تعالى قال: (وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّٰا أَنْ يَخٰافٰا أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ( «1») و القدر المتيقّن من حدود اللّه هو لزوم اطاعة الزوجة لزوجها فيما تجب اطاعته، و قد فسّر به، في صحيحة محمد بن مسلم ( «2») و موثقة سماعة ( «3»)، حيث

تقول المرأة: لا أطيع لك أمراً، أو لا اطيع اللّه فيك.

و لعله إلى الاكتفاء به يشير في صحيح أبي بصير ( «4»)، و يقول: و قد كان يرخص للنساء فيما دون هذا، فإذا قالت لزوجها ذلك، حلّ خلعها و حلّ لزوجها ما أخذ منها، هذا مفاد الآية.

و أمّا الروايات، فيظهر منها لزوم اسماع الزوج الكلمات الواردة، في النصوص ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها، و اللّه لا أبرّ لك قسماً أو لا أطيع لك أمراً، و لا اغتسل لك من جنابة و لأوطينّ فراشك و لآذننّ عليك بغير اذنك». ( «5») و مثلها غيرها.

و أمّا كلمات الفقهاء، فهم على طوائف:

منهم: من تبع نفس النص فاشترط اسماع هذه الكلمات، قال في فقه الرضا: و أمّا الخلع فلا يكون إلّا من قبل المرأة و هو أن تقول لزوجها: لا أبرّ لك قسماً ... ( «6»).

و قال الصدوق في المقنع: ( «7»)

و منهم: من اكتفى بانفهامه منها منهم الشيخ في النهاية ( «8») قال: فمتى سمع

______________________________

(1). البقرة: 229.

(2). الوسائل ج 15 الباب 1، من أبواب الخلع، الحديث 1، 2، 7، و لاحظ ذيل الحديث 3.

(3). الوسائل ج 15 الباب 1، من أبواب الخلع، الحديث 1، 2، 7، و لاحظ ذيل الحديث 3.

(4). الوسائل ج 15 الباب 1، من أبواب الخلع، الحديث 1، 2، 7، و لاحظ ذيل الحديث 3.

(5). الوسائل ج 15: الباب 1 من أبواب الخلع، الحديث 3، و لاحظ 4، 5، 6، 8، 9.

(6). المستدرك 15/ 379.

(7). المقنع: 117.

(8). النهاية: 529.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 384

منها هذا القول: «لا أبرّ لك قسماً ...»

أو علم من حالها عصيانها في شي ء من ذلك و إن لم تنطق به، وجب عليه خلعها، و قد عرفت نص الشيخ في الخلاف بذلك، و عليه جرى ابن ادريس في السرائر. ( «1»)

و منهم: من عبّر عن الشرط بالكراهة، و عليه سلّار في المراسم ( «2»). و المحقّق في الشرائع ( «3») و مختصره ( «4») و الشهيد في اللمعة. ( «5»)

و جمع ابن البرّاج في المهذب ( «6»): بين الخوف من عدم اقامة الحدود، و الكراهة. و عندئذ يقع الكلام في تحديد الشرط و أنّه ما هو الشرط واقعاً و من المعلوم أنّ النسبة بين الخوف من عدم اقامة الحدود و الكراهة، عموم من وجه فربما تكرهه و لكنّها تكون مقيمة لحدود اللّه، و أُخرى يكون بالعكس و ثالثة يجتمعان.

و مقتضى القواعد، هو الأخذ بما في الذكر الحكيم من الخوف عن عدم إقامة الحدود، و يكفي في ذلك عدم الاطاعة للزوج فيما يرجع إلى حقوقه فضلًا عن عدم إقامة الحدود الواردة في الروايات و لأجله اكتفى في بعض الروايات السابقة بعدم الاطاعة و ذكر أنّ في الناس من يكتفى به، و أمّا إسماع ما جاء في الروايات أو افهامه فليس بلازم، و إنّما هو طريق لإحساس الخوف عن عدم اقامة الحدود.

و أمّا الكراهة، فهي لازم غالبي لا دائمي و على ضوء ذلك فليست الكراهة هي المقياس الوحيد بل الموضوع أوسع منها.

______________________________

(1). السرائر: 2/ 724.

(2). المراسم: 163.

(3). الشرائع: 3/ 53.

(4). مختصر النافع: 228.

(5). اللمعة: الروضة 3/ 151.

(6). المهذب: 2/ 267.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 385

و تظهر الثمرة، فيما لو كانت- مع الكراهة أو شدتها- مقيمة لحدود اللّه، فيشكل صحة الخلع حسب

ظاهر الكتاب، كما أنّه إذا خيف منها عدم اقامة الحدود، مع عدم الكراهة، بل لأمر روحيّ، يصح الخلع، مع كونه مشكلًا عند الأصحاب لعدم الكراهة فالمرجع هو الكتاب و إن كان الجمع بين المسألة و ما عليه الأصحاب من اشتراط الكراهة هو الأحوط. و على فرض عدم اشتراطها يسقط البحث عن أقسام الكراهة و أنّها ربما تكون ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج كقبح منظره و سوء خلقه، و اخرى عرضية ناشئة من بعض العوارض كوجود الضرّة و عدم إيفائه بحقوق الزوجة الواجبة أو المستحبة.

ثمّ القائل بموضوعية الكراهة خص الجواز بالقسمين المذكورين مع انّه ربما تكون الكراهة و طلب المفارقة من جهة ايذاء الزوج لها، بالسبّ و الشتم و الضرب فلو بذلت شيئاً لتخلص نفسها لم يتحقّق الخلع. ( «1»)

و قد عرفت أنّ الملاك الواقعي شي ء غير الكراهة فالبحث عن لزوم الذاتية دون العرضية فضلًا عن القسم الثالث ليس بمهم.

و أغرب منه ما حكاه صاحب الجواهر عن صاحب الحدائق، عمّن عاصره من مشايخ بلاد البحرين، من اعتبار الكراهة الذاتية قال: و قد حضرنا في غير موضع، مجلس الخلع و كانوا لا يوقعونه إلّا بعد تحقيق الحال و مزيد الفحص و السؤال من ثبوت الكراهة الذاتية و عدم الكراهة العرضية و السعي في قطع الأسباب الموجبة للكراهة التي تدعيها المرأة ليعلم كونها ذاتية غير عارضة. ( «2»)

______________________________

(1). وسيلة النجاة، الجزء الثاني: 387 و تحرير الوسيلة، ج 2، ص 352، المسألة 13.

(2). جواهر الكلام: 33/ 43- 44، حكاه عن الحدائق و لم نعثر عليه في محلّه.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 386

خلع الحامل و غير المدخول بها و اليائسة

إذا كان الخلع من أقسام الطلاق فيشترط فيه ما يشترط فيه و يستثنى منه

ما يستثنى منه، فيشترط فيه الطهارة من الحيض و وقوعه في طهر غير طهر المواقعة، و يستثنى طلاق الحامل و غير المدخول بها، فيصح طلاقهما و إن رأتا الدم- بناء على انّ الحامل ترى الدم- كما يستثنى اليائسة فتطلق في طهر المواقعة و بالجملة يجري فيه ما يجري في الطلاق و مرّ قولهم (عليهم السلام) «خمس يطلقنّ على كل حال: الحامل المتبين حملها، و التي لم يدخل بها زوجها، و الغائب عنها زوجها، و التي لم تحض، و التي قد جلست عن المحيض». ( «1»)

حضور شاهدين في العقد

إذا كان ظاهر الأدلة انّ الخلع طلاق كما هو ظاهر خبر محمّد بن مسلم و زرارة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): الخلع تطليقة بائنة و ليس فيها رجعة. و قال زرارة: لا يكون إلّا على موضع مثل الطلاق إمّا طاهراً و إمّا حاملًا بشهود ( «2») فيشترط فيه ما يشترط فيه، فلو لم يكن طلاقاً فهو منزّل منزلته فيحكم بأحكامه، مضافاً إلى ما رواه حمران عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا يكون خلع و لا تخيير و لا مباراة إلّا على طهر من المرأة من غير جماع و شاهدين يعرفان الرجل و يريان المرأة و يحضران التخيير و اقرار المرأة انّها على طهر من غير جماع يوم خيّرها. ( «3»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 1.

(2). الوسائل ج 15: الباب 6 من الخلع و المباراة، الحديث 6.

(3). الوسائل ج 15: الباب 6، الحديث 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 387

تجريد الخلع عن الشرط

الشرط على قسمين: قسم يقتضيه نفس العقد كما لو اشترط الرجوع في الطلاق «إن رجعت في البذل» فانّه لا إشكال فيه لأنّه ثابت له اشترط أم لم يشترط، إنّما الكلام فيما لا يقتضيه العقد كما إذا قال: خالعتك إن شئت، أو خالعتك إن ضمنت لي الفاً، فقد مر الكلام في صحته و عدمها عند البحث عن الطلاق و ذكرنا انّ أدلة القائلين بالبطلان غير وافية، و الأولى التمسك بعدم معروفية التعليق في أمثال النكاح و الطلاق. و انّ عموم الأدلة مثل قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «المؤمنون عند شروطهم إلّا شرطاً حرّم حلالًا أو حلّل حراماً» منصرف إلى كون الشرط و التعليق

فيه متعارفاً بين العقلاء و كأنّ هذه العقود و الإيقاعات أرفع من تسرّب الشرط إليها عندهم.

و لو غض البصر عن هذا الانصراف فعموم أدلّة الشرط هو المحكّم، و يؤيّده وقوع التعليق في الظهار كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. ( «1»)

خلع السفيه و المفلس

يقع الكلام تارة في المختلعة، و أُخرى في الخالع فلا شك في بطلانه من السفيهة لفساد بذلها بدون اذن الولي، و المفلسة لتعلّق حق الغرماء على مالها، اللّهمّ إلّا إذا بذلت شيئاً في ذمتها، فلا مانع من الصحة.

و أمّا الخالع السفيه و المفلس فيجوز لإطلاق الأدلة، إذ ليس هو إلّا محجوراً مالياً، لا مطلقاً، و الخلع ليس تصرّفاً في المال بل جلب له، نعم ليس للمرأة تسليم المال إلى الزوج السفيه بل يسلمه إلى الولي إذا كان الخلع على عين، و لأجل ذلك لو

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 16 من أبواب الظهار، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 388

تلفت في يد السفيه قبل أخذ الولي منه، كانت ضامنة بالمثل أو القيمة لكونه من قبيل التلف قبل القبض من غير فرق بين تقصير الولي في أخذها منه و عدمه.

و إن كان الخلع على دين في الذمة فلا تسلّمه إلّا إلى الولي، فلو سلمته إليه و تلف تكون المرأة ضامنة لعدم العبرة بالتسليم إلى السفيه بدون إذن الولي، نعم لو اذن الولي يكون قبضاً شرعياً فيكون التلف بعده لا قبله.

و لو خالع الذمي و الحربي و كان العوض مما لا يملك، صح و لو اسلما أو أسلم قبل القبض وجهان:

1- ينتقل إلى القيمة عند مستحلّيه، للتعذّر الشرعي المنزل منزلة التعذّر الحسي.

2- يسقط حق الزوج إذا أسلم قبل القبض و الأوّل هو

الأشبه.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 389

الرابع في أحكام الخلع

فيها مسائل
المسألة الأولى: الإكراه على الفدية و حكم الطلاق معه
اشارة

لو أكرهها على الفدية فعل حراماً، إذ لا يحلّ مال امرء إلّا باذنه و طيب نفسه، و المفروض خلافه. و يتحقق الاكراه بالتوعيد بما لا يليق بحالها، أو بالضرب و الشتم و نحوهما حتى تبذل مهرها أو مالها في مقابل طلاقها.

و هل يعدّ التقصير في اداء حقوقها الواجبة عليه، من الاكراه، أو لا؟ الظاهر التفصيل بين ما كانت الغاية من التقصير ذلك فيعد منه، و عدمه فلا، و إذا بذلت مهرها في هذه الحال و قام بأمور مباحة ربما تثير كراهتها كالتزويج بزوجة أو أكل أشياء لها روائح موذية، فلا يبعد صدق الاكراه لو كانت الغاية هو التجاؤها إلى الفداء و تخلّصها من الزوج، فما في الجواهر، من التفريق في بعض الصور، غير وجيه.

و لو طلّق و الحال هذه فهل يصح الطلاق و يكون رجعياً و يبطل الخلع أو لا؟ بحجّة أنّ الخلع ليس من المعاوضات الحقيقية حتى يبطل ببطلان العوض، و إنّما هو باعث وداع إلى الطلاق و تخلفه ليس بمضر، أو يبطل الطلاق من رأسه، بحجّة أنّ العقود تابعة للقصود، و قد تقدّم الكلام في ذلك، و استظهرنا الوجه الأوّل من الروايات التي تدل على أنّه لو رجعت المرأة في بذلها لا يبطل الطلاق، بل يصح للزوج الرجوع إلى نكاحها السابق. و هذا يعرب عن أنّ العوض ليس مقوّماً في

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 390

الخلع مثل البيع.

إذا خالعها و الأخلاق ملتئمة

قد عرفت أنّ الخلع متوقّف على الخوف من عدم اجراء حدود اللّه، كما في لسان الآية، و على الكراهة كما في لسان الفقهاء، فلو طلّق مع عدم الخوف، أو عدم الكراهة، يقع الكلام في صحة الطلاق أوّلًا و حكم الفدية ثانياً.

أمّا الأوّل

فقد مضى وجه صحته من أنّ الخلع ليس بمعاوضة حقيقية حتى يبطل ببطلان العوض، و ما أشبه الخلع بالهبة المعوضة إذا تخلّف المتهب الآخر عن دفع العوض، فلو كانت ماهية الهبة ماهية معاوضية كان القول بالبطلان هو المتعيّن، و لكنّها ليست ببيع و لا إجارة بل هي هبة و كرامة حتى و إن اقترنت بالعوض، فلو تخلّف المتهب الآخر لم يضرّ بها، غاية الأمر للمتهب الآخر، التسلّط على الفسخ عند التخلّف.

و أمّا الفدية فلا يملكها بلا كراهة لما مرّ من الروايات من انّه لا يحل للزوج أخذها منها إلّا إذا قالت: لا أُطيعك في أمر و لا أبرّ لك قسماً ... الحاكي عن كراهتها ايّاه و المفروض عدمها.

هل يجوز الطلاق بعوض

ثمّ إنّ الظاهر من الشهيد في مسالكه: انّ هناك تشريعاً آخر يغاير الخلع باسم الطلاق بعوض، و الكراهة شرط الأوّل، دون الثاني، بل هو عقد مستقل لا يشترط فيه سوى التراضي على الطلاق بعوض، قال: إنّ النصوص إنّما دلّت على توقّف الخلع على الكراهة و ظاهر حال الطلاق بعوض، أنّه مغاير له، و إن شاركه في بعض الأحكام.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 391

و الظاهر أنّه متفرّد في هذا الأمر كما نُقل عن سبطه، و قال المحقق القمي في رسالة ( «1») أفردها في الموضوع انّه كان على خلاف ما ذكره الشهيد منذ أربعين سنة لكنّه ظهر له بعد ذلك صحّته.

و على ضوء ذلك هناك خلع مشروط بالكراهة، و طلاق بعوض غير مشروط بشي ء إلّا التراضي و هما يختلفان موضوعاً و حكماً، أمّا الأوّل فتشترط الكراهة في الخلع دون الطلاق بعوض و أمّا الثاني فيختلفان من وجهين:

1- إنّ بطلان بعض الشرائط في الخلع، يوجب صيرورته

طلاقاً رجعياً- كما مرّ- لما استظهرنا من أنّ الخلع ليس عقداً معاوضياً حتى يصير طروء البطلان ببعض الشرائط سبباً لبطلانه في أصله بخلاف الطلاق بالعوض فانّ طروءه لبعض شرائط الصحة يوجب بطلانه من رأسه. ( «2»)

2- انّه يجوز للزوجة الرجوع إلى العوض في الخلع و يصير الطلاق رجعياً دون الطلاق بالعوض فانّه عقد لازم داخل تحت احدى العناوين التي أشار المحقّق القمي في رسالته و هي:

1- الطلاق بعوض ( «3»)

2- الصلح عن الطلاق بكذا.

3- الهبة المعوضة بالطلاق.

4- الجعالة على الطلاق «كأن يقول الزوج من دفع إليّ المقدار المعيّن فهي طالق».

______________________________

(1). طبعت الرسالة في «جامع الشتات».

(2). هذا هو الذي نص به في الجواهر، لاحظ ج 33 ص 55، و مقصوده من الأوّل في العبارة، الطلاق بالعوض و من الثاني، هو الخلع، فتدبر.

(3). «و على ذلك فهو عنوان مستقل».

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 392

5- الطلاق بعقد بيع.

6- الطلاق مع شرط العوض.

ثمّ ذكر أنّ دليل صحتها ما عدا الأوّل و السادس ( «1») عمومات الصلح و الهبة و الجعالة و البيع فيشمله قوله سبحانه: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «المؤمنون عند شروطهم». إن قلنا بالالزام بالعوض على جهة الشرطية و لو في ضمن الايقاع كالشرط في العتق.

هذا اجمال ما ذكره المحقق القمي في رسالته، و قد وصفه صاحب الجواهر بأنّه أوفق بفقه الأعاجم المبني على التجشم و التكلّف المعلوم كونه على خلاف طريقة المعتدلين من أهل الفن.

أقول: سواء أصح ما وصف به صاحب الجواهر أم لا، يرد على محاولة المحقق القمي أمران:

1- انّ اشتراط الكراهة في الخلع و الاصرار على أنّه لا يحل للزوج أخذ الفدية إلّا في موضع

الخوف عن عدم اقامة الحدود أو تصريحها بأنّها لا تطيعه في أمر، إنّما هو لأجل تقليل طلاق الخلع، فلو قلنا بجواز الطلاق مع العوض بلا هذا الشرط لكان ناقضاً للتشريع الأوّل من حيث الغاية و الغرض.

2- إنّ شمول أدلّة الصلح و الهبة و البيع و الجعالة للمورد مشكوك جدّاً، لأنّ الطلاق و النكاح و إن لم يكونا من الأُمور التعبديّة و لكنّهما ليسا كالبيع و الإجارة حتى يكونا من الأُمور العقلائية المحضة التي يجوز للعقلاء التقلّب فيها كيف شاءوا، فجعل الطلاق عوضاً في الصلح و الهبة و الجعالة أمر غير متعارف، فالعمومات منصرفة، فلم يبق سوى التمسّك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و أمثاله، و إنّما

______________________________

(1). و في الجواهر: الثاني و الظاهر انّه تصحيف.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 393

يصحّ التمسك إذا لم يعرف تشريع خاص في المورد- كما هو الحال في المقام- كما لا يخفى.

المسألة الثانية: جواز العضل لتفدي نفسها

إذا أتت الزوجة بالفاحشة، جاز عضلها و التضييق عليها بسوء العشرة، لتضطر إلى الافتداء منه بمالها و الأصل في ذلك قوله تعالى: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسٰاءَ كَرْهاً وَ لٰا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً). ( «1»)

و الآية بين ردّ سنّة جاهلية، و تشريع سنّة عادلة.

أمّا الاولى فقد كان أهل الجاهلية يرثون نساء الموتى و زوجاتهم- إذا لم تكن المرأة أُمّاً للوارث- من التركة فيرثونهنَّ مع التركة فكان أحد الورّاث يلقى ثوباً على زوجة الميت و يرثها فإن شاء تزوّج بها على غير مهر، بل بالوراثة و إن شاء زوّجها من غيره لينتفع

بمهرها، و إن شاء منعها النكاح إلى أن تموت في بيتها إن كان لها مال. هذا و يحتمل أن يراد من النساء، مطلق النسوة حتى تشمل البنات فقد كانت الاخوة يعاملون مع الاخوات كتركة الأب فيزوجوهنّ بمن شاءوا فينتفعون بمهورهنّ.

و أمّا الثانية: فهي تجويز التضييق عليهنّ ليفدين ببعض ما أخذن من

______________________________

(1). النساء: 19.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 394

أزواجهم عند الاتيان بفاحشة بيّنة، و العضل حرام إلّا إذا جئن بالفاحشة و كأنّ الآية تخصّص ما ورد في آية الخلع أعني: (وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّٰا أَنْ يَخٰافٰا أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ( «1») فسواء أ كان هناك خوف من إقامة الحدود أم لا، و سواء أ كانت هناك كراهة أولا، فإذا أتت الزوجة بالفاحشة يجوز العضل عليها لتفتدي ببعض ما أخذت من زوجها.

و ما يقال: من أنّها منسوخة بآية حدّ الزاني، غير وجيه، إذ أي منافاة بين الآيتين حتى تكون إحداهما ناسخة للُاخرى.

بقي الكلام في تبيين المراد من الفاحشة البيّنة، فقد وردت اللفظة في المقام، و في المطلّقة الرجعيّة قال سبحانه: (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ إِلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). ( «2»)

و هل المراد منها الزنا، أو الأعم منه و من النشوز، كسبّ من يتعلّق بالزوج أو كل معصية، و الأخير بعيد و إلّا يلزم جواز العضل إذا صدر منها الكذب أو الغيبة أو النميمة و هو كما ترى و الظاهر أنّ المراد المعاصي التي لها صلة بالعلقة الزوجية التي تورث الشنيعة، و الآية ظاهرة في أنّه لا يجوز للزوج العضل لأخذ

بعض ما آتاها إلّا إذا أتت بالفاحشة المبيّنة، فالمحكوم عليه بالنفي و الايجاب هو البعض، و أمّا الكل فخارج عن موضوع الآية سلباً و ايجاباً، و لا شك أنّه لا يجوز العضل عليها، إذا لم تأت بفاحشة، إنّما الكلام في جوازه لأخذ الكل، إذا أتت بها، و مثله أخذ ما أملكتها من طريق آخر فهل يجوز أخذه بالعضل عند الاتيان بالفاحشة فالآية ساكتة عن الموردين.

و الحق أن يقال: إذا قلنا بانّ المقام من أقسام الخلع، فيجري فيه ما يجري فيه

______________________________

(1). البقرة: 229.

(2). الطلاق: 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 395

من عدم المحدودية في جانب العوض، و أمّا إذا قلنا إنّه شي ء مستقل يقتصر في جواز الأخذ بما ورد في الآية لا غير، خصوصاً إذا لاحظنا الفرق الجوهري بين الدفعين، فإن التفدية في الخلع مقتضى اصرارها على الطلاق فهي تدفع ما تدفع بباعث داخلي بخلاف المقام، إذ ليس لها أي اصرار «لا على الطلاق و لا على التفدية» و إنّما عضل الرجل جرّها إلى التفدية، فعلى القول باستقلالها يشكل العضل لأخذ كل ما دفع.

المسألة الثالثة: إذا صح الخلع فلا رجعة
اشارة

توضيح الحال يستدعي الكلام في امور:

1- إذا صحّ الخلع و اجتمعت شرائطه كانت الفرقة بائنة، لا رجعة للزوج فيها، و تدل على ذلك مضافاً- إلى أنّ الغاية من تشريع الخلع هي كونها مطلّقة بائناً، و إلّا فلو كانت له رجعة بطل الغرض من البذل و الطلاق و تدلّ عليه جملة من الروايات، ففي صحيح محمد بن مسلم «المختلعة التي تقول لزوجها اخلعني و أنا أعطيك ما أخذت منك فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئاً حتى تقول و اللّه لا أبرّ لك قسماً ... فإذا فعلت ذلك من

غير أن يعلّمها، حلّ له ما أخذ منها و كانت تطليقة بغير طلاق يتبعها و كانت بائناً بذلك و كان خاطباً من الخطّاب. ( «1») و بهذا المضمون غيره ( «2») و كفى كون المسألة اتفاقية.

______________________________

(1). الوسائل: الباب 1 من أبواب الخلع، الحديث 4، و الباب 3، الحديث 3.

(2). الوسائل: الباب 1 من أبواب الخلع الحديث 6 و الباب 5، الحديث 3 و غيرهما ممّا سيوافيك في البحث التالي.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 396

2- إذا رجعت و كان الرجوع صحيحاً يصير الطلاق رجعياً و يدل على ذلك صحيح ابن بزيع قال فيها: «تختلع منها بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع- إلى أن قال- تبين و إن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ و تكون امرأته فعلت». ( «1»)

و في صحيحة ابن سنان: «و لا رجعة للزوج على المختلعة و لا على المباراة إلّا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها». ( «2»)

و في موثقة الفضل بن عبد الملك أبي العباس قال: المختلعة إن رجعت في شي ء من الصلح يقول لأرجعنّ في بضعك». ( «3»)

و في صحيحة ابن سنان و ابن بزيع دلالة على الحكم الأوّل أي كون الطلاق بائناً، كما أنّ لها دلالة على كونه رجعياً بعد رجوع الزوجة، و أمّا الموثقة ففيها دلالة على الحكم الثاني فقط.

3- هل يجوز للمرأة الرجوع في العدّة مطلقاً، سواء اشترطت أم لم تشترط، أو لا يجوز إلّا مع الاشتراط، فلو لم تشترط و أرادت الرجوع فلا بدّ من تراضيهما معاً بالرجوع و اتفاقهما عليه، فلو لم يرض الزوج بالرجوع لم يكن لها الرجوع، ظاهر الشيخ في النهاية، هو الأوّل و ظاهر ابن حمزة

في الوسيلة ( «4»)، هو الثاني، فليس يشترط عند الشيخ شي ء في جواز رجوعها غير كونها في العدّة فيصح للزوجة الرجوع و إن لم تشترط. قال في النهاية: «و تكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها، اللهمّ إلّا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها، فإن رجعت في شي ء من ذلك كان له الرجوع أيضاً في بضعها ما لم تخرج عن العدّة ... و اطلاق الروايات يؤيد مقالة الشيخ، و ليس لما ذكره ابن حمزة أثر في الروايات.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 3 من أبواب الخلع، الحديث 9.

(2). الوسائل: الباب 7، الحديث 4 و 3.

(3). الوسائل: الباب 7، الحديث 4 و 3.

(4). الوسيلة: 332.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 397

4- هل يشترط في جواز رجوعها امكان صحة رجوعه، أو لا يشترط، فعلى الأوّل لا يجوز لها الرجوع إذا كانت غير مدخول بها أو يائسة بخلاف الثاني.

صريح الشيخ في النهاية، هو الأوّل كما عرفت و ظاهر اطلاق الشرائع هو الثاني، و حديث لا ضرر و لا ضرار، يؤيّد ما قاله الشيخ مضافاً إلى أنّه المتبادر من نصوص الباب، ففي صحيح ابن بزيع «و إن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت» فهي تعرب عن أنّ الغاية عن ردّ ما أخذ منها إليها، صيرورتها امرأته و هي لا تكون إلّا إذا كان المحل قابلًا للرجوع، و اليائسة، و غير المدخول بها، و المطلّقة ثلاثاً، غير قابلة له، و لا يقصر عنها موثق أبي العباس، عن الصادق (عليه السلام): «المختلعة إن رجعت في شي ء من الصلح، يقول لأرجعنّ في بضعك» لأنّ الظاهر أنّ قوله: لأرجعنّ جزاء الشرط و هو فرع كون المحل قابلًا

للرجوع.

فبقي اطلاق صحيح ابن سنان، حيث قال: إلّا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها، فيقيّد بما ذكرنا لو كان له اطلاق. و يؤيّد ذلك: تقييد الأصحاب، جواز الرجوع بعدم خروجها عن العدّة، مع أنّه ليس في الروايات أثر منه، و ما هذا إلّا أنّهم فهموا من الروايات أنّ رجوعها مشروط بامكان رجوع الزوج و هو لا يكون إلّا إذا كانت في العدّة، فعليه فيشترط بسائر ما يكون له دخل في الرجوع، و هو كونها مدخولًا بها و غير يائسة و غير المطلّقة ثلاثاً.

هل يجوز لها الرجوع مع عدم علم الزوج

قد عرفت انّ جواز رجوعها مشروط بامكان رجوعه و هل يشترط وراء ذلك، علمه بالرجوع أو يجوز لها الرجوع و إن لم يطلع عليه حتى انقضى وقته؟ الظاهر هو الأوّل لأنّ جواز رجوعها مع جهله و عدم اطّلاعه حكم ضرري منفي بدليل نفيه.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 398

أضف إلى ذلك أنّ اللائح من الروايات هو شرطية جواز رجوعها، باطّلاعه، ففي موثقة فضل بن عبد الملك: أبي العباس: «المختلعة إن رجعت في شي ء من الصلح يقول لأرجعنّ في بضعك» ( «1») فإنّ قوله: «يقول» قائم مقام الجزاء فكأنّه يقول: فلا بأس لأنّه في مقابل رجوعها يقول: «لأرجعنّ» و الصحيحة، تعطي انّ جواز رجوعها إنّما هو في مورد، يصح للزوج أن يحتج عليها بهذا القول و هو فرع العلم، و بذلك تقف على دلالة صحيحة ابن سنان على هذا أيضاً، حيث ورد فيها «و إن ارتجعت في شي ء ممّا أعطيتني فأنا أملك ببضعك». ( «2»)

و أمّا قوله: في صحيح ابن بزيع: «و إن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها و تكون امرأته» ( «3») فالظاهر انّه لبيان الملازمة

بين رجوعها و عودها في حبالته، و ليس في صدد بيان شرائط رجوعها حتى يقال: إنّ الملازمة ثابتة سواء أعلم الزوج أم لا، فلو لم يطلّع الزوج و خرجت عن العدّة فلا عتب على الزوجة.

إذا رجعت تكون مطلّقة رجعية

هل الثابت بعد رجوعها في البذل جواز رجوع الزوج إلى نكاحها، أو انّ الثابت كونها مطلّقة رجعية لها من الآثار ما للرجعية منها؟ الظاهر من الروايات هو الثاني فانّ قوله (عليه السلام) في صحيح ابن بزيع «و تكون امرأته» نفس ما ورد في المطلّقة الرجعية، ففي رواية محمد بن مسلم «هي امرأته ما لم تنقض العدّة». ( «4»)

و في صحيح يزيد الكناسي «قلت فله أن يراجعها؟ قال: نعم و هي

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب الخلع، الحديث 3.

(2). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب الخلع، الحديث 4 و 3، و لاحظ صحيح ابن بزيع في الكافي 6/ 143.

(3). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب الخلع، الحديث 4 و 3، و لاحظ صحيح ابن بزيع في الكافي 6/ 143.

(4). الوسائل ج 15: الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 399

امرأته». ( «1»)

إلى غير ذلك من الروايات.

و على ذلك فلا يجوز نكاح اختها، و لا الرابعة بعد رجوعها و إن كان يجوز قبل رجوعها لكونها بائنة، ففي صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): سألته عن رجل اختلعت منه امرأته، أ يحل له أن يخطب اختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟ قال: نعم قد برئت عصمتها منه و ليس له عليها رجعة». ( «2»)

ثمّ لو فرض انّ الزوج تزوج بأُختها أو بالرابعة قبل رجوعها فهل يجوز

لها الرجوع في بذلها؟ الظاهر، لا، لأنّ المتيقن من جواز رجوعها ما تمكن الزوج من الرجوع و هو هنا منتف و توهم- تمكنه من الرجوع إليها بتطليقهما- غير تام، لأنّ المقصود هو الامكان العرفي أو الشرعيّ لا العقلي مضافاً إلى انّه ربما لا يفيد طلاقهما إذا بنى عليهما، فانّهما تكونان من ذوات العدّة و لا يجوز الجمع فيها بين الاختين و لا الخامسة، و لا يجوز الطلاق الخلعي لعدم كراهتهما الزوج.

و هل يجوز لها الرجوع في بعض ما بذلته، الظاهر ذلك و يترتب عليه صحة رجوعه و ذلك لأنّ البذل غير لازم من جهتها فكما يصح لها الرجوع في الجميع يصح في البعض لأنّ الحق لها، فلها اسقاط الجميع كما لها اسقاط البعض و الرجوع إلى البعض الآخر، و في رواية أبي العباس ما يؤيد ذلك و فيها «المختلعة إن رجعت في شي ء من الصلح يقول لأرجعنّ في بضعك». ( «3») و هو صريح في جواز الرجوع إلى البعض.

و ما في صحيح ابن بزيع: «و إن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها و تكون

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 11.

(2). الوسائل ج 15: الباب 12 من أبواب الخلع الحديث 1.

(3). الوسائل ج 15: الباب 7 من أبواب الخلع، الحديث 3.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 400

امرأته فعلت» فمحمول على الغالب لأنّ الغالب في الرجوع هو الرجوع بكل ما بذلته لا انّه منحصر فيه حتى لا يتحقق في الرجوع إلى البعض و مثله صحيحة عبد اللّه بن سنان في قوله (عليه السلام): إلّا أن يبدو للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها.

- و توهم- انّه لو جاز له

الرجوع فيما إذا رجعت إلى البعض يلزم أن يكون الطلاق مع العوض رجعية مع أنّها عبارة عمّا لا يشتمل على العوض- مدفوع، بأنّ الطلاق بعد الرجوع إلى البعض خال عن العوض و تملك الزوج لما بقي من العوض لأجل اسقاطها له، لا لبذلها له للزوج على أن يطلّقها به و ما هو المضر لاتصاف الطلاق رجعية، تقابل الطلاق بشي ء من العوض و هو غير متحقق في المقام.

المسألة الرابعة: لو خالعها و شرط الرجعة

لو خالعها و شرط الرجعة و إن لم ترجع هي في بذلها، فهل يصح الشرط أولا؟ و على فرض بطلانه، هل يصح الخلع أو لا؟، و على القول بالبطلان، هل يصح الطلاق رجعياً أو لا؟ فالكلام في الأمور الثلاثة.

يظهر من كلام الشيخ في الخلاف وجود الأقوال المختلفة بين العامة. قال: إذا طلّقها طلقة على دينار بشرط أنّ له الرجعة لم يصح الطلاق، و قال المزني فيما نقله عن الشافعي: إنّ الخلع باطل و يثبت له الرجعة، و يسقط البذل لأنّه جمع بين أمرين متنافيين: ثبوت الرجعة مع ملك العوض فبطل و ثبتت الرجعة، ثمّ قال المزني: الخلع عندي صحيح و الشرط فاسد، و يجب عليها مهر المثل و تسقط الرجعة. ( «1»)

______________________________

(1). الخلاف: 2/ المسألة 8، كتاب الخلع.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 401

فعلى قول الشيخ: الشرط و الخلع و الطلاق باطل، و على قول الشافعي: الشرط و الخلع باطل و الطلاق صحيح و الرجوع من آثاره، و على قول المزني: الشرط باطل و الخلع و الطلاق صحيحان، غير أنّ تصحيح الخلع يتوقف على وجود العوض و هو مهر المثل الذي يجب عليها دفعه.

هذا تحليل الأقوال، و إليك البحث في كل واحد من الأمور الثلاثة:

1- بطلان

الشرط، فلا شك في بطلانه لأنّه مخالف لمقتضى العقد، لأنّ الخلع لأجل تحرّر المرأة من قيد النكاح و شرط الرجعة يخالف ذلك المعنى.

2- الخلع باطل و فساد الشرط في المقام يوجب فساد المشروط فيكون الشرط و المشروط معاً باطلين و لا تبتنى المسألة على القاعدة المعروفة من كون الشرط الفاسد مفسداً للعقد و عدمه، و ذلك لأنّها راجعة إلى غير الشرط المخالف لمقتضى العقد، كما انّها راجعة إلى غير ما يكون الفساد لأجل الجهل أو لأجل استلزامه الدور، و قد نص على الأخيرين الشيخ الأعظم في بحث الشروط كما نص على الأوّل السيد الطباطبائي في تعليقته، قال الأوّل: لا تأمل في انّ الشرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين فيكون البيع غرراً، و كذا لو كان الاشتراط موجباً لمحذور آخر في أصل البيع كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانياً، لأنّه موجب للدور أو لعدم القصد إلى البيع الأوّل. ( «1»)

و قال الثاني: الشرط الفاسد من جهة كونه منافياً لمقتضى العقد عرفاً بحيث يرجع إلى التناقض خارج عن محل الكلام فانّه لا إشكال في كونه مفسداً من جهة عدم تحقق العقد معه. إلى آخر ما ذكره: ( «2»)

______________________________

(1). الشيخ الأنصاري- قده-: المكاسب، الخيارات، بحث الشروط، القول في حكم الشرط الفاسد، ص 286.

(2). السيد الطباطبائي- قده-: التعليقة: 2/ 135.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 402

و على ذلك لا شك في إبطال الشرط، الخلعَ لما عرفت من ابطال هذا النوع من الشرط، نفس العقد.

3- انّما الكلام في بطلان الطلاق المحض الخالي عن العوض فقد عرفت انّ المحقق فصل فيما إذا كان الفداء ما لا يملك، بينما اتبعه الطلاق، فيصح و

إلّا فلا، ( «1») و قد عرفت انّ التفصيل غير مفيد لأنّ الطلاق المتبع به الخلع لا يراد به إلّا الطلاق بعوض، و ليس انشاءً مستقلًا، فلا فرق بين اتباع الخلع بالطلاق و عدمه.

نعم يمكن تصحيح الطلاق استلهاماً ممّا دلّ على ان اخلاء الخلع عن العوض، «كرجوع المرأة إلى بذلها» لا يوجب بطلان الطلاق من أصله، فغاية ما يوجبه بطلان الشرط، خلو الخلع من العوض فلا يستلزم بطلان أصل الطلاق.

و مثل ذلك إذا طلق بعوض و شرط الرجعة، فلو قلنا بأنّه عين الخلع، يتحد معه في الحكم، و إن قلنا بانّه شي ء مستقل فتصحيح الطلاق مع بطلان المعاوضة يتوقف على القول بانّ المقام من قبيل تعدد المطلوب، فالمعاوضة شي ء و الطلاق شي ء آخر فلا يوجب بطلانها، بطلانه.

المسألة الخامسة: المختلعة لا يلحقها طلاق

قال الشيخ في الخلاف: المختلعة لا يلحقها طلاق، و معناه انّ الرجل إذا خالع زوجته خلعاً صحيحاً، ملك به العوض و سقطت به الرجعة، ثمّ طلّقها لم يلحقها طلاقه، سواء كان بصريح اللفظ، أو بالكناية، في العدّة كان، أو بعد

______________________________

(1). الجواهر 33: ص 22 قسم المتن.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 403

انقضائها، بالقرب من الخلع، أو بعد التراخي عنه، و به قال ابن عباس و ابن الزبير و عروة ابن الزبير، و في الفقهاء الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحاق، و ذهب الزهري و النخعي و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه إلى أنّه يلحقها طلاقها قبل انقضاء العدّة، و لا يلحقها بعد انقضائها، ثمّ ذكر الأقوال الاخرى للعامّة. ( «1») و دليل الحكم واضح لأنّ وقوع الطلاق مشروط بالرجعة و المفروض انتفاؤها.

المسألة السادسة: إذا قال أبوها: طلّق و أنت برئ من صداقها

إذا كانت الزوجة بالغة رشيدة، و كارهة، فإن وكّلت أباها في خلعها فلا شك في صحته، و أمّا إذا أقدم الوالد، بلا توكيل من ابنته، و قال لزوجها: طلّقها و أنت برئ من صداقها، فطلّق فهل يكون الخلع صحيحاً و تحصل البراءة له من صداقها أولا؟ المتعيّن هو الثاني لفرض عدم ولاية الأب على البالغة الرشيدة، فليس له التصرف في مالها، في ابراء ذمة زوجها من صداقها، فلا تبرأ ذمته، و تبقى مشغولة بالمهر، فيبطل الخلع غاية الأمر يكون الطلاق رجعياً. نعم لو وقفت على فعل الأب و أجازت صحّ الكلّ.

هذا إذا كانت الزوجة بالغة رشيدة، و أمّا إذا كانت صغيرة أو مجنونة، فصحّة تصرفه يتوقف على عدم وجود المفسدة على قول أو اشتراط وجود المصلحة على قول آخر، فلو وجد الشرطان أو أحدهما صح الخلع و برئت

ذمته.

و ربما يستدل بقوله سبحانه: (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ

______________________________

(1). الخلاف كتاب الخلع 431: 2، المسألة 9.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 404

فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) (البقرة/ 237) حيث فسر قوله (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) بالأب و الجدّ إذا كانت الزوجة صغيرة أو مجنونة فيقال إذا جاز للوالد العفو عن نصف المهر بعد الطلاق، فيجوز له العفو قبله عن الكل أو عن المثل، و لا يخفى انّ الاستدلال أشبه بالقياس إلّا إذا اريد الاستئناس.

المسألة السابعة: التوكيل في الخلع

إذا وكّلت المرأة غيرها في خلعها فإن عيّنت المقدار فيُتبع و إلّا فتنصرف الوكالة إلى المتعارف و هو بذلها مقدار مهر مثلها لزوجها نقداً بنقد البلد، فلو تجاوز عن ذلك، يبطل البذل لكونه خارجاً عن مورد الوكالة، غير انّ بطلان البذل لا يوجب بطلان الطلاق لصدوره من أهله و هو الزوج، و الخلو عن العوض لا يستلزم إلّا بطلان الخلع لا بطلان الطلاق بل يقع رجعياً.

و أمّا إذا وكل الزوج غيره في الخلع، و اطلق فقد قيل أيضاً ينصرف إلى الخلع بمهر المثل فما فوق نقداً بنقد البلد، فإن خلعها بأقل من مهر المثل يبطل الخلع (لخروجه عن مورد الوكالة) و الطلاق أيضاً لوقوعهما فضولياً غير مأذون فيه، و قد اتفقت كلمتهم على بطلان الفضولي في الايقاعات.

بقيت هنا مسائل تعرف حالها مما ذكرناه

***

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 405

التنازع و فيه مسألتان:
الأولى: إذا اتفقا على الجنس و اختلفا في القدر

إذا اتفقا على الجنس كالدينار و اختلفا في القدر، فقالت المرأة: إنّ العوض هو مائة دينار و قال الزوج: أكثر من ذلك فتجري فيه قاعدة المدّعي و المنكر، فينفي الزائد بيمين المنكر إذا لم تكن للمدّعي بيّنة.

و أمّا إذا اتفقا على القدر و اختلفا في الجنس، فقالت المرأة بأنّ العوض مائة درهم، و قال الزوج: مائة دينار، فهناك احتمالات:

1- تقديم قول المرأة و هو الظاهر من الشيخ في الخلاف. قال: إذا اختلف المختلفان في جنس أو قدره أو تأجيله، أو في عدد الطلاق كان القول قول المرأة في القدر الذي وقع عليه الخلع، و على الزوج البيّنة، و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: يتخالفان، ثمّ استدل بانّهما اتفقا على وقوع الفرقة و انّها قد ملكت نفسها و انّما اختلفا في ما

لزمها، فالزوج يدّعي زيادة تجحدها المرأة، فصار الزوج مدّعياً، و هي منكرة فعليه البيّنة و عليها اليمين. ( «1»)

و اختارة المحقق في الشرائع، و هو خيرة القاضي في جواهره ( «2») و نسبه في المسالك إلى الأكثر.

2- يتحالفان و يجب مهر المثل، و نقله ابن سعيد في جامعه قولًا، و قال: «و إن

______________________________

(1). الخلاف: 3/ المسألة 27، كتاب الخلع.

(2). القاضي ابن البراج، جواهر الفقه، ص 179، المسألة 632.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 406

اختلفا في قدر البذل أو جنسه أو تأجيله و لا بيّنة، قيل يتحالفان و يجب مهر المثل، و قيل: تحلف الزوجة ( «1») و قوّاه صاحب المسالك، و قال: إنّ كلًا منهما مدع و منكر، فانّ دعوى الفضة من جانب المرأة لا تجتمع مع دعوى الذهب من جانب الرجل، و مجرد الاتفاق في القدر لا يفيد ذلك، فيتحالفان فيثبت مهر المثل إلّا أن يزيد عمّا يدّعيه عليه، ثمّ قال: و لا يتجه هنا بطلان الخلع لاتفاقهما على صحته، و إنّما يرجع اختلافهما إلى ما يثبت من العوض، و يحتمل أن يثبت مع تحالفهما مهر المثل مطلقاً، لتساقط الدعويين بالتحالف. ( «2»)

يلاحظ عليه: أنّه لو كان المورد، من قبيل التداعي، فالأظهر بطلان العقد من الطرفين، كما هو الحال في عامة موارد التداعي، فإذا ادّعى البائع انّه باع القطن و ادّعى المشتري انّه اشترى الصوف، أو قال أحدهما: إنّ الثمن هو الدينار، و الآخر بأنّ الثمن هو الدرهم، فيتحالفان و يتساقطان، فينفسخ العقد لنفي كل واحد من المثمنين بالحلف و مثله الثمن.

و على ضوء ذلك فإذا تحالفا ينتفي كل من العوضين، و قد كان العقد على أحدهما فمع انتفائهما باليمين يخلو

العقد عن العوض فيبطل الخلع، فمن أين يمكن القول بثبوت مهر المثل فانّه فرض على الزوجين بلا التزام منهما.

3- التحالف و بطلان الخلع، و هذا هو الذي قوّاه صاحب الحدائق كما هو الحال في باب التداعي في الاختلاف في جنس المبيع أو الثمن.

هذا هو حال الأقوال الثلاثة، و مع ذلك فقد ذهب المشهور إلى القول الأوّل مع كون المقام أشبه بمسألة التداعي و لعلّ الوجه هو خروج الخلع من باب المعاوضات، فليس الخلع في مقابل عوض بل حقيقة الخلع دفع الغرامة من

______________________________

(1). الجامع للشرائع: 477.

(2). المسالك: 2/ و المطبوع عندي غير مرقّم.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 407

جانب الزوجة للخروج عن قيد النكاح فليس للزوجة أي ادّعاء على الزوج، و إنّما تدّعي انفكاكها من قيد النكاح و الزوج غير منكر له و إنّما يدّعي الزوج التزام المرأة بمائة دينار و هي منكرة فأشبه الموارد بقضية المدّعي و المنكر فتجري ضابطتهما.

و بعبارة اخرى النظر إلى المسألة بعين الدقة يعطي كون المقام من قبيل المتداعيين و أمّا النظر إليه بنظر العرف فهناك مدع، و هو الزوج و ليست الزوجة مدّعية و إنّما تدّعي شيئاً لا ينكره الزوج فيجب عليه اقامة البيّنة و إلّا لحلفت و برئت ذمتها مما يدّعيه الزوج، هذا و الأحوط التصالح.

الثانية: إذا قال الزوج: خالعتك على ألف في ذمتك فقالت بل في ذمة زيد

فالبيّنة عليه، و اليمين عليها فلو حلفت يسقط العوض مع يمينها و لا يلزم زيد.

هذا ما ذكره المحقّق في الشرائع، فنقول أمّا تقديم قولها- إذا لم يكن للزوج بيّنة- فلموافقة قولها أصل البراءة، و مخالفة قوله له، أضف إلى ذلك انّ المدّعي لو ترك، ترك و هو منطبق على الزوج دون الزوجة، كما هو واضح، و على ذلك تجب البيّنة

على الزوج، و إلّا فللزوجة اليمين.

و يمكن أن يقال: إنّ المدّعي هو الزوجة، و ذلك لأنّها تدّعي خلاف الظاهر، لأنّ ظاهر الخلع كون العوض عليها و هي تدّعي أنّه على الغير، و الزوج يدّعي انّه على الزوجة، و قوله يوافق الظاهر، و أيضاً: انّ الزوج يدّعي صحة الخلع لما عرفت من أنّه يجب أن يكون الخلع من مالها لا من مال المتبرّع، فالزوجة تدّعي انّه من مال المتبرع و انّ الخلع كان فاسداً.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 408

و مع ذلك، فالوجه الأوّل هو الأشبه، و ذلك لأنّ المقياس في تشخيص المدّعي عن المنكر هو تطابق الدعوى الأصل الموجود في المسألة و هي في المقام البراءة الأصلية فمن خالف قوله الأصل الموجود فهو المدّعي، و أمّا مسألة موافقة الظاهر فمع تسليم الكبرى فالصغرى ممنوعة، إذ ليس للخلع ظهور في كون العوض على الزوجة بل القدر المتيقن وجود عوض في مقابل الطلاق و أما كونه على عهدتها، فلا و ليس كل ظهور يعادل الأصل.

و أمّا مسألة مدّعي الصحة و الفساد، فإنّما يقدّم قول مدعي الصحة على المخالف فيما إذا ادّعيا حقاً كما إذا اتفقا على بيع يدّعي أحدهما انّه كان ربوياً و الآخر غير ربوي فإن كلًا منهما يدّعي انّ المثمن ملكه فمدّعي الصحة لأجل انّه بذل الثمن و مدّعي الفساد لأجل انّه باق على ملكه، ففي ذلك المجال يقدّم قول مدّعي الصحة على الفساد، و أمّا المقام فالزوجة لا تدّعي شيئاً و إنّما تدفع عن نفسه الغرامة غير قاصدة لاثبات صحة الخلع و فساده، بل لا غرض لها في الخلع، و إنّما همّها دفع الغرامة عن نفسها، ففي مثله، يقدّم قول مدّعي البراءة.

و

بذلك ظهر صحة قول المحقّق: أنّ البيّنة عليه، و اليمين عليها، فلو حلفت يسقط العوض مع يمينها.

و أمّا عدم لزوم شي ء على زيد- فمضافاً إلى أنّه مطابق للأصل- انّ الزوج ينفي اشتغال ذمته.

و أمّا إذا أجابت المرأة بقولها، بل خالعتني على كذا و ضمنه عنّي فلان أو يؤديه عني، فلا شك انّه يقدّم قول الزوج، لأنّها اعترفت بأنّ ذمتها كانت مشغولة، غير أنّ العوض انتقل إلى ذمة الغير فيجب عليها الاثبات، لأنّ الأصل، عدم انتقال العوض من ذمة الزوجة إلى ذمّة الغير، فقول الزوج مطابق للأصل الموجود في المسألة بخلاف قولها، و هناك فروع للتنازع يعلم حالها ممّا ذكرنا.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 409

المباراة

اشارة

المباراة بمعنى المفارقة، و هي قسم من الخلع، كما انّه قسم من الطلاق، فيزيد كلّ على مقسمه بقيد فالخلع يزيد على الطلاق بما عرفت في الفصل السابق، كما انّ المباراة يزيد على الخلع بأمور ثلاثة:

1- كراهة الزوجين.

2- كون الفداء أقل من مهرها أو عدم زيادته عليه على الأقل.

3- إذا كانت المباراة بلفظ «بارأت» يجب اتباعه بالطلاق.

هذا، و لا تجد عنواناً للمباراة في كتب الفقه لأهل السنّة، و إنّما هو من خصائص كتب الشيعة. و الأصل في الخلع و المباراة قوله سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (البقرة/ 229). و لعلّ دلالة الآية على مشروعية المباراة أظهر من دلالتها على مشروعية الخلع لنسبة الخوف إلى الزوجين معاً، كما انّه يحتمل أن يكون الخوف بالأصالة للزوجة و بالعرض للزوج فتكون ناظراً إلى الخلع و على كل تقدير فنبحث عن

الشروط الثلاثة:

الأوّل: الكراهة من الطرفين

اتفقت كلمتهم على ذلك الشرط، و يدل عليه، ظاهر الآية و موثقة سماعة قال: سألته، عن المباراة، كيف هي؟ قال: يكون للمرأة شي ء على زوجها من مهر أو من غيره و يكون قد أعطاها بعضه فيكره كل واحد منهما صاحبه، فتقول المرأة لزوجها ما أخذت منك فهو لي، و ما بقي عليك فهو لك و ابارئك، فيقول الرجل

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 410

لها: فإن أنت رجعت في شي ء ممّا تركت فأنا أحق ببضعك. ( «1»)

و قد عرفت أنّ المعيار هو الخوف من عدم إقامة الحدود و أمّا الكراهة، فإنّما هي لازم غالبي فانّ الكراهة من الطرفين يجرّهما إلى عدم اقامة حدود اللّه و قد مرّ في الخلع انّه يكفي قول المرأة لزوجها: لا أُطيع اللّه فيك.

( «2»)

الثاني: وجوب اتباع المباراة بلفظ الطلاق

المشهور وجوب اتباع المباراة بلفظ الطلاق و انّه لا يعتد بها بدونه: قال المحقق يشترط اتباعه بلفظ الطلاق، و في الجواهر الإجماع بقسميه عليه، و يظهر من الشيخ في التهذيب: تحقق الإجماع قبل عصره، قال: الذي أعمل عليه في المباراة ما قدّمنا ذكره في المختلعة و هو انّه لا يقع بها فرقة ما لم يتبعها بطلاق و هو مذهب جميع أصحابنا المحصلين، من تقدم منهم و من تأخّر. ( «3»)

و أمّا الروايات، فهي بين ساكتة و نافية للاتباع.

أمّا الثانية: فروى علي بن رئاب عن حمران، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يتحدث، قال: المباراة تبين من ساعتها من غير طلاق و لا ميراث بينهما لأنّ العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها و من الزوج. ( «4»)

و في رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: المباراة تكون من غير أن يتبعها الطلاق. ( «5»)

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 8 من كتاب الخلع، الحديث 3.

(2). الوسائل ج 15: الباب 1، من كتاب الخلع، الحديث 2.

(3). التهذيب 8/ 102.

(4). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 3 و 4.

(5). الوسائل ج 15: الباب 9 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 3 و 4.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 411

و أمّا الأولى: فهي الروايات الواردة في الباب الثامن من أبواب الخلع و المباراة في الوسائل حيث اكتفى في تحقق المباراة بقول المرأة أن تقول لزوجها: «لك ما عليك و اتركني فتركها» من دون أن يذكر لزوم الطلاق من جانب الزوج بل الظاهر منها انّه يكفي قول المرأة هذا إذا انضم إليه القبول من زوجها فلو

منع قائل اطلاق الروايات و أنّها ليست في مقام بيان خصوصيات الصيغة لكانت في الروايتين السابقتين كفاية، إلّا أنّ الاغماض عن الإجماع المدعي في كلام الشيخ أمر مشكل فلا يترك الاحتياط بالاتباع بالطلاق.

و أمّا حمل الروايات على التقية كما ذكره الشيخ فليس صحيحاً لما عرفت من انّ المباراة من خصائص فقه الشيعة فكيف تحمل على التقية؟

الثالث: اتفقت كلمة الأصحاب على انّه لا يجوز أن يزيد العوض على المهر

، كما اتفقوا على جواز أخذ العوض إذا كان أقل من المهر، إنّما الكلام فيما إذا ساوى المهر، فقد نقل العلّامة في المختلف ( «1») اختلاف فقهاء الشيعة في هذا الباب، فعن الشيخ علي بن بابويه في الرسالة، و ابنه في المقنع، و مثلهما الشيخ في النهاية، و ابن حمزة في الوسيلة، عدم الجواز، و صرح المفيد، و ابن ادريس، بجواز أخذ المهر جميعاً، و تبعهما المتأخرون.

و تدل على القول الأوّل، صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المباراة يؤخذ منها دون الصداق، و المختلعة يؤخذ منها ما شئت، أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر، ثمّ علّل الإمام (عليه السلام) بقوله: و إنّما صارت المباراة يؤخذ منها دون الصداق، و المختلعة يؤخذ منها ما شاء لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام و تكلّم بما لا يحل لها: ( «2») و الحديث صحيح لا إشكال في سنده.

______________________________

(1). مختلف الشيعة: كتاب الخلع و المباراة: ص 45.

(2). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 1.

نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 412

و يدل على القول الثاني، صحيح ابن مسكان، عن أبي بصير قال: و لا يحل لزوجها أن يأخذ منها إلّا المهر فما دونه. ( «1») و المراد من أبي بصير، هو الليث المرادي بقرينة

رواية ابن مسكان، عنه و إن كان المسمّيان بأبي بصير ثقتين لا فائدة في التعيين، و عندئذ فإن أمكن الجمع بين الروايتين بحمل ما دل على كونه دون المهر على الفضيلة، و إلّا فالمرجع هو التخيير، لأنّ الروايتين صحيحتان، و لا مزية موجبة للأخذ بإحداهما تعييناً.

الرابع: لا خلاف في انّ جميع ما ذكر من الشروط المعتبرة في صحة الطلاق، فانّها معتبرة في المباراة، و كذا ما تقدّم من انّه ليس للزوج الرجوع إلّا أن ترجع هي في البذل، و يدل على لزوم اجتماع الشرائط، رواية سماعة، قال: لا طلاق و لا تخيير و لا مباراة إلّا على طهر من غير جماع بشهود. ( «2») على انّ الظاهر من الروايات انّ هذه الشروط لطبيعة الطلاق من غير فرق بين قسم دون قسم، و أمّا جواز الرجوع في الكل فقد ورد في غير واحد من النصوص. ( «3»)

و أمّا حكم الرجوع إلى البعض فقد مرّ الكلام فيه في الخلع.

تمّ تحرير كتاب الخلع و المباراة صبيحة يوم الأحد، يوم ميلاد الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، أعني الحادي عشر من ذي القعدة الحرام من شهور عام 1411 من الهجرة النبويّة على هاجرها و آله الطاهرين آلاف التحية و الثناء بيد مؤلفه الفقير سيف اللّه اليعقوبي الاصفهاني جعل اللّه مستقبله خيراً من ماضيه بحق نبيّه و آله.

______________________________

(1). الوسائل ج 15: الباب 4 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 2.

(2). الوسائل ج 15: الباب 6 من أبواب الخلع و المباراة، الحديث 2 و لاحظ الحديث 1 و 3، و في المجموع كفاية.

(3). لاحظ الباب الثامن من أبواب الخلع و المباراة.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.