منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم المجلد 6

اشارة

سرشناسه : روحاني، محمدصادق ، شارح.

عنوان قراردادي : المكاسب. شرح.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم/ محمدصادق الروحاني.

مشخصات نشر : قم:انوار الهدي ، 1428ق. = 2007م. = 1386.

مشخصات ظاهري : 6 ج. در 3 مجلد.

شابك : ج.1 : 9789648812602 ؛ ج. 2 : 9789648812619 ؛ ج. 3 : 9789648812626 ؛ ج. 4 : 9789648812633 ؛ ج. 5 : 9789648812640 ؛ 15000 ريال (بهاي هر جلد) : ج. 6 : 9789648812657 ؛ 15000 ريال(بهاي هر جلد)

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : جلد پنجم اين كتاب قبلا توسط انتشارات سپهر منتشر شده است.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1 و 2 المكاسب المحرمه .--ج. 3 و 4. بيع .--ج. 5 و 6. خيارات.

عنوان ديگر : التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب -- نقد و تفسير.

موضوع : معاملات (فقه).

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب. شرح.

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7034 1386

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : 1128879

الجزء السادس

[مقدمة المؤلف]

(بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية الي الحق، و افضل صلواته و اكمل تسليماته علي رسوله صاحب الشريعة الخالدة، و علي آله العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه، سيما بقية الله في الارضين ارواح من سواه فداه.

و بعد،

فهذا هو الجزء السادس من كتابنا منهاج الفقاهة و قد وفقنا الي طبعه، و هو آخر اجزاء هذه الموسوعة و قد من الله تعالي علي بالتوفيق لاتمام هذا السفر الجليل انه ولي التوفيق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 5

[تتمة القول في الخيار و أقسامه و أحكامه]

[تتمة أقسام الخيار]

الخامس خيار التأخير.
اشارة

قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه الي المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخيره و لو ساعة لزم البيع ثلاثة ايام، فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو احق بالعين و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن (1) عند علمائنا اجمع، و الأصل في ذلك قبل الاجماع المحكي عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غيرها المعتضد بدعوي الاتفاق المصرح بها في التذكرة و الظاهرة من غيرها و بما ذكره في التذكرة من ان الصبر ابدا مظنة الضرر المنفي بالخبر، (2) بل الضرر هنا اشد من الضرر في الغبن حيث ان المبيع هنا في ضمانه و تلفه منه و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه

______________________________

خيار التأخير

الخامس خيار التأخير.

(1) المشهور بين الاصحاب ما افاده العلامة في التذكرة، و ذكره المصنف في المتن قال و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن و عن غير واحد منهم العلامة في التذكرة و التبصرة دعوي الاجماع عليه

و عن ظاهر المبسوط و الاسكافي و صريح الكفاية و الحدائق بطلان البيع و انفساخه بعد الثلاثة، و توقف في الحكم جماعة منهم المحقق الأردبيلي (رحمه الله)

و قد استدل للمشهور مضافا الي الاجماع الذي ادعاه غير واحد- بوجوه:

(2) احدها: حديث لا ضرر «1» فان صبر البائع بعدم تصرفه في المبيع مع عدم اخذه الثمن، و ضمانه و تلفه منه لكونه من التلف قبل القبض، و وجوب حفظه المبيع للمشتري ضرر عليه فينفي بالخبر.

و فيه: اولا: ان هذا لا ينطبق علي ما بنوا عليه سعة و ضيقا، نفيا و اثباتا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 6

الاخبار المستفيضة (1) منها رواية علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال: الاجل بينهما ثلاثة ايام،

فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و رواية اسحاق بن عمار عن العبد الصالح، قال: من اشتري بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجئ فلا بيع له و رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا و اعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه، ثمّ احتبست اياما ثمّ جئت الي بائع المحمل لأخذه، فقال: قد بعته، فضحكت ثمّ قلت لا و الله لا أدعك أو اقاضيك فقال:

أ ترضي بأبي بكر بن عياش قلت: نعم، فاتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر بقول من تحب «تريد» ان اقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره؟ قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول من اشتري شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام، و إلا

فلا بيع له.

______________________________

و ثانيا: انه قد تقدم في خيار الغبن انه لا يصح الاستدلال به

علي نفي اللزوم و ثبوت الخيار.

و ثالثا: ان هذه المعاملة قبل مضي الثلاثة محكومة باللزوم، و خارجة عن تحت الحديث بالنص و الاجماع، فلا يصح التمسك به بعدها بناء علي عدم جواز التمسك بما لا عموم زماني له بعد مضي زمان التخصيص.

و رابعا: ان الضرر من ناحية كون تلفه منه لا يرتفع بالحديث لقاعدة: كل مبيع تلف … الخ و من الناحيتين الأخيرتين يمكن التخلص منه بالالتزام بان له اخذ المبيع مقاصة عن الثمن.

ثانيها: ان مقتضي اطلاق العقد تسليم المبيع و تسلم الثمن علي غير وجه المسامحة عرفا، و حيث انه غير منضبط عرفا حدده الشارع الأقدس بثلاثة ايام، فمرجعه الي الشرط الضمني و الخيار عند تخلف الشرط، و هذا في الجملة و ان كان متينا الا انه لا يثبت به ما افتي الأصحاب به من اختصاصه بالبائع و غير ذلك من القيود.

(1) ثالثها الاخبار كصحيح علي بن يقطين «1» و خبر اسحاق بن عمار «2» و رواية ابن الحجاج «3» المذكورة في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) نفس المصدر ح 4.

(3) نفس المصدر ح 2

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 7

و صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قلت له: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمّ يدعه عنده، فيقول آتيك بثمنه قال ان جاء ما بينه و بين ثلاثة ايام و إلا فلا بيع له. (1)

و ظاهر هذه الاخبار بطلان البيع، كما فهمه في المبسوط حيث قال روي اصحابنا انه إذا اشتري شيئا بعينه بثمن معلوم، و قال للبائع اجيئك بالثمن و مضي،

فإن جاء في مدة الثلاثة كان البيع له و ان لم يرتجع بطل البيع، انتهي.

و ربما يحكي هذا عن

ظاهر الاسكافي المعبر بلفظ الروايات، و توقف فيه المحقق الاردبيلي، و قواه صاحب الكفاية، و جزم به في الحدائق طاعنا علي العلامة في المختلف حيث انه اعترف بظهور الأخبار في خلاف المشهور، ثمّ اختار المشهور مستدلا بأن الأصل بقاء صحة العقد و حمل الأخبار علي نفي اللزوم.

______________________________

(1) و صحيح زرارة «1» المذكور في المتن، و نحوها غيرها و أما معتبر علي بن يقطين عن ابي الحسن (عليه السلام): عن رجل اشتري جارية و قال:

أجيئك بالثمن، فقال: ان جاء فيما بينه و بين شهر و الا فلا بيع له «2».

فهو غير معمول به بين الأصحاب، و لا قائل به، و علي فرض عدم وهنه بذلك فلمعارضته مع ما تقدم لا بد من طرحه أو حمله علي استحباب الصبر له و عدم الفسخ الي مضي المدة المذكورة كما قيل، أو مخصوص بالجارية كما عن الشيخ الطوسي.

و علي اي حال: فالمعتمد هي النصوص المتقدمة،

و تحقيق القول فيها، ان محتملاتها ثلاثة:

الأول: انه يشترط في صحة البيع القبض في الثلاثة، فمع عدم القبض في الثلاثة لا يكون البيع صحيحا من الأول، استظهره السيد من النصوص.

الثاني: صحة البيع قبل مضي الثلاثة، و بطلانه بمضيها مع عدم القبض أو انفساخ العقد بذلك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر ح 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 8

اقول ظهور الأخبار في الفساد في محله إلا ان فهم العلماء و حملهم الأخبار علي نفي اللزوم (1) مما يقرب هذا المعني مضافا الي ما يقال من ان قوله (عليه السلام) في اكثر تلك الاخبار لا بيع له ((2) ظاهر في انتفاء البيع بالنسبة الي المشتري فقط، و لا يكون الا نفي اللزوم من

طرف البائع، الا ان في رواية ابن يقطين فلا بيع بينهما، (3) و كيف كان فلا اقل من الشك فيرجع الي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع (4) و توهم كون الصحة سابقا في ضمن اللزوم، فيرتفع

______________________________

و المشهور علي الأخير، و الآخرون علي الثاني،

و الأول خلاف الظاهر، فان ظاهر النصوص سؤالا و جوابا تمامية البيع قبل مضي الثلاثة، و نفي البيع من حين مضيها، فيدور الأمر بين الأخيرين.

و المصنف بعد اعترافه بظهورها في انفسها في الأول منهما ذهب الي ان هناك قرينتين صارفتين عن هذا الظهور.

(1) احداهما: فهم الاصحاب و حملهم الاخبار علي نفي اللزوم،

(2) ثانيتهما: ان قوله (عليه السلام) في اكثر تلك الاخبار لا بيع له ظاهر في ارادة انتفاء البيع بالنسبة الي المشتري خاصة، و حيث ان نفي الصحة لا يعقل من احد الطرفين، فلا محالة يكون المراد منه نفي اللزوم.

(3) ثمّ اورد علي الثاني منهما: بان في رواية ابن يقطين فلا بيع بينهما و لأجله تردد في ظهورها في نفي اللزوم، قال:

(4) و لا اقل من الشك فيرجع الي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع.

اما ما ذكره من القرينة الاولي فيرده ان فهم الأصحاب من حيث هو لا يصلح صارفا عن الظهور ما لم يوجب الاطمئنان بوجود القرينة الصارفة، و حيث انه يحتمل ان يكون منشؤه القرينة الثانية فلا يعتمد عليه،

فالعمدة بيان حال الثانية.

قد يقال: ان ظاهر تلك الجملة نفي الصحة من جهة كونها من قبيل نفي الحقيقة نظير لا صلاة الا بطهور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 9

بارتفاعه، مندفع بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة، (1) و انما هو حكم مقارن له في خصوص البيع الخالي من الخيار،

______________________________

و فيه: ان نفي الحقيقة في

المخترعات الشرعية كالصلاة صحيح، و أما في الامور الحقيقية الخارجية أو الاعتبارية العقلائية فلا يصح. فتأمل.

و الحق: ان هذه الجملة مسوقة لبيان نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، و ظاهر ذلك في نفسه و ان كان عدم ترتب الحكم الشرعي علي البيع من غير فرق بين الصحة و اللزوم،

لا ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من ان ظاهره نفي البيع المحكوم باللزوم شرعا و عرفا دون مطلق البيع،

الا ان قوله لا بيع له بعد ملاحظة ان الصحة غير قابلة للتبعيض بخلاف اللزوم ظاهر في ارادة نفي اللزوم.

و بعبارة اخري: ان المنفي هو البيع للمشتري لا البيع مطلقا، فمعني هذه الجملة: انه ليس للمشتري بيع يستحق به قبض المبيع من البائع بخلاف البائع، فان امر البيع بيده فله مطالبة المشتري بالثمن و له ترك ذلك بحل البيع.

و أما قوله (عليه السلام) في خبر ابن يقطين فلا بيع بينهما فلا ينافي ذلك لصدق النسبة اليهما بلحاظ احدهما.

لا يقال: انه يحتمل ان يكون المراد بالبيع المنفي المبيع كما هو المراد منه في قوله من اشتري بيعا فقوله لا بيع له ايضا ظاهر في فساد البيع و انفساخه.

فانه يقال انه خلاف الظاهر جدا، و مجرد استعماله فيه في صدر الحديث لا يصلح قرينة لذلك.

فتحصل: ان الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب.

(1) قوله مندفع بان اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة ما افاده قدس سره و ان كان متينا فان الصحة عبارة عن كون هذه المعاملة مشمولة لما امضاه الشارع و حكم بثبوت الملكية بعدها، و اللزوم عبارة عن عدم السلطنة علي حل المعاملة لا انه من انحاء وجود الملكية كما افاده السيد الا انه لو كان فصلا حقيقيا لها لما

كان ذلك مانعا عن اجراء الاستصحاب، فان تبدل مثل هذا الفصل عند العرف لا يوجب تبدل الموضوع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 10

ثمّ انه يشترط في هذا الخيار امور:

احدها: عدم قبض المبيع، (1) و لا خلاف في اشتراطه ظاهرا، و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما، ((2) بناء علي ان البيع، هنا بمعني المبيع لكن في الرياض انكار دلالة الاخبار علي هذا الشرط و تبعه بعض المعاصرين و لا أعلم له وجها غير سقوط هذه الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية و احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد (3) يعني قبض بائعه الثمن و لا يخفي ضعف هذا الاحتمال لأن استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر، (4) بل لم يوجد مع امكان اجراء اصالة عدم التشديد، (5)

نظير ما ذكره في الروضة من أصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة

______________________________

و لذا بعد تبدل الجواز في البيع باللزوم، بانقضاء المجلس مثلا لا يري العرف الابقاء الملكية الثابتة في المجلس.

شرائط خيار التأخير
اعتبار عدم قبض المبيع

ثمّ انه يشترط في هذا الخيار امور:

(1) احدها: عدم قبض المبيع، و لا خلاف في اشتراطه ظاهرا.

(2) و قد استدل لاعتبار هذا الشرط بقوله (عليه السلام) في خبر علي بن يقطين المتقدم فان قبض بيعه بناء علي ان البيع هنا بمعني المبيع.

(3) و اورد عليه: باحتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد، يعني قبض البائع الثمن.

و اجاب المصنف (رحمه الله) عنه بجوابين:

(4) احدهما: ان استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر، بل لم يوجد.

(5) ثانيهما: اجراء اصالة عدم التشديد نظير اصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة.

و لكن يرد علي الأول:

منعه، و علي الثاني: ان التشديد و التخفيف من انحاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 11

ثمّ انه لو كان عدم قبض المشتري لعد و ان البائع بأن بذل له الثمن فامتنع من اخذه و اقباض المبيع (1) فالظاهر عدم الخيار لان ظاهر النص و الفتوي كون هذا الخيار ارفاقا للبائع و دفعا لتضرره، (2) فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله

______________________________

وجود الكلمة كالجهر و الاخفات، فاصالة عدم التشديد تعارض اصالة عدم التخفيف، مع ان المخفف مباين بحسب الهيئة مع المشدد،

و لا يقاس ذلك باصالة عدم المد، فان مقتضي المد زيادة الهمزة، فيمكن اجراء اصالة عدم الزيادة بخلاف المقام،

فالانصاف انه حيث يحتمل قراءة بيعه بالتشديد، و قراءة، قبض بالتخفيف فمفاد هذه الجملة اعتبار قبض البائع الثمن.

و يحتمل قراءة قبض بالتشديد، سواء قرأ بيعه بالتشديد أو التخفيف. فيكون مفادها اعتبار اقباض المبيع.

و يحتمل قراءة بيعه بالتشديد مع قراءة قبض بالتخفيف، فمفادها ايضا اعتبار اقباض المبيع، و لا معين لأحد الأخيرين، فتكون مجملة لا يستفاد منها اعتبار اقباض المبيع.

فالأظهر عدم اعتباره،

ثمّ انها هنا فروعا متفرعة علي اعتبار هذا الشرط:

(1) احدها: انه إذا بذل المشتري الثمن و البائع امتنع عن اخذه و اقباض المبيع، هل يثبت الخيار ام لا؟ و الظاهر عدم الخيار لا لما افاده السيد (رحمه الله) بان المدار في الأخبار علي عدم مجيئه بالثمن فمع بذله لا خيار،

فان هذا الوجه يتم بالاضافة الي عدم قبض الثمن لا بالإضافة الي عدم اقباض المبيع، بل لما افاده المصنف (رحمه الله)

(2) من ان ذلك كالقبض بملاحظة ملاك الخيار و هو الارفاق بالبائع،

و حيث ان عدم اقباض البائع مع بذل المشتري الثمن بامتناع منه، فلا موجب للارفاق، فلا خيار لعدم

الملاك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 12

و لو قبضه المشتري علي وجه يكون للبائع استرداده، كما إذا كان بدون اذنه مع عدم اقباض الثمن. ففي كونه كلا قبض مطلقا أو مع استرداده أو كونه قبضا، وجوه رابعها ابتناء المسألة علي ما سيجي ء في احكام القبض من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه. و لعله الاقوي (1) إذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر علي البائع، الا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه و تضرره بعدم وصول ثمنه إليه و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة. و أما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك فيجري دليل الضرر بالتقريب المتقدم و ان ادعي انصراف الاخبار الي غير هذه الصورة، لكنه مشكل كدعوي شمولها و لو قلنا بارتفاع الضمان و لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض، فالاقوي ايضا ابتناء المسألة علي ارتفاع الضمان و عدمه.

______________________________

ثانيها: انه لو قبضه المشتري علي وجه يكون للبائع استرداده كما إذا كان بدون اذنه مع عدم اقباض الثمن ففيه وجوه ثالثها التفصيل بين استرداده و عدمه،

رابعها ابتناء المسألة علي ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه.

(1) و قد اختار المصنف (رحمه الله) الوجه الرابع، و محصل ما افاده في وجهه: ان ثبوت الخيار للبائع انما يكون من جهة الضرر، و هو انما يكون من جهات:

احداها: من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه و عدم جواز تصرفه فيه.

ثانيتها: من جهة تأخير الثمن و عدم الانتفاع به مدة.

ثالثتها: من جهة ان ضمان المبيع و تلفه منه.

و الضرر من الجهتين الأوليتين يتدارك بالتمكن من المقاصة باخذ المبيع، و الضرر من الجهة الأخيرة يندفع بالالتزام بعدم الضمان، فلو بنينا علي ارتفاعه به لا يبقي محل

للخيار و الا فالخيار باق.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان مدرك هذا الخيار ليس هو حديث نفي الضرر بل النصوص الخاصة.

و ثانيا: ان ذلك لو تم فانما هو في صورة امكان الاسترداد، و معه يرتفع الضرر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 13

و ربما يستظهر من قول السائل في بعض الروايات ثمّ يدعه عنده عدم كفاية التمكين (1) و فيه نظر، و الاقوي عدم الخيار لعدم الضمان (2) و في كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر الاخبار أو كالقبض لدعوي انصرافها الي صورة عدم قبض شي ء منه أو تبعيض الخيار بالنسبة الي المقبوض و غيره استنادا مع تسليم الانصراف المذكور الي تحقق الضرر بالنسبة الي غير المقبوض لا غير وجوه. (3)

______________________________

من الناحية الثالثة، فان تلفه و ان كان منه الا انه لا من حيث تلف مال الغير، بل من حيث انه ماله.

و ثالثا: انه لا يجوز التقاص مع عدم اقباض الثمن مطلقا، بل مع امتناعه عن الاقباض كما لا يخفي.

و استدل للثالث: بانه مع عدم استرداده يكون اذنا في القبض بقاء، و هو يكفي.

و فيه: ان صورة عدم الاسترداد مع التمكن منه اظن انها خارجة عن مورد النفي و الاثبات.

و استدل للأول- اي كون هذا القبض كلا قبض مطلقا- بالانصراف، اي انصراف النصوص عن صورة تحقق القبض علي غير الوجه المأذون فيه،

و لكن مع ذلك الأوجه هو الثاني، من جهة ان مدرك اعتبار هذا الشرط قوله (عليه السلام)

ان قبض بيعه فلو كان كل منهما بالتخفيف كان مفاده عدم الخيار مع قبض المشتري المبيع،

و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين اذن البائع و عدمه.

(1) ثالثها: لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض، ففيه وجوه،

(2) اختار المصنف (رحمه

الله) الخيار علي القول بارتفاع الضمان و عدمه علي القول بعدم الارتفاع.

و الحق ان يقال: انه ان قلنا بان التمكن و التخلية بنفسه قبض فلا اشكال في السقوط،

و الا فمقتضي الجمود علي ظواهر النصوص عدم سقوطه.

(3) رابعها: انه لو قبض بعض المبيع فهل هو كلا قبض، أو كالقبض، أو يبعض الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 14

الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن (1) و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوي و قبض البعض كلا قبض بظاهر الاخبار المعتضد بفهم ابي بكر بن عياش في رواية ابن الحجاج المتقدمة، و ربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة و فيه نظر (2)

______________________________

وجوه: اظهرها الأول لظهور قوله (عليه السلام) فان قبض بيعه في صحيح علي بن يقطين «1»

الذي هو المدرك لهذا الشرط في ارادة قبض المجموع لا البعض.

اعتبار عدم قبض مجموع الثمن

(1) الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن.

هذا الشرط مما اتفقت علي اعتباره كلمات الأصحاب و نصوص الباب،

انما الكلام في فروع:

الأول: انه لو قبض البعض فهل يسقط الخيار ام لا؟ وجهان:

استدل العلامة (رحمه الله) للثاني بخبر ابن الحجاج قال: اشتريت محملا فاعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثمّ احتبست اياما ثمّ جئت الي بائع المحمل لأخذه فقال: قد بعته،

فضحكت ثمّ قلت: لا و الله لا أدعك أو اقاضيك، فقال لي: ترضي بأبي بكر بن عياش؟

قلت: نعم، فاتيته فقصصنا عليه قصتنا فقال: أبو بكر يقول من تريد ان اقضي بينكما بقول صاحبك أو غيره؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته بقول: من اشتري شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام و الا فلا بيع له «2»

حيث انه يدل ان قبض البعض كلا قبض.

(2) و تنظر فيه المصنف و اورد عليه المحقق

النائيني (رحمه الله): بان ابن عياش في ذلك الخبر قد فهم من كلام الامام (عليه السلام) اعتبار قبض المجموع، و عدم كفاية قبض البعض

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 15

و القبض بدون الاذن كعدمه (1) لظهور الاخبار في اشتراط وقوعه بالاذن في بقاء البيع علي اللزوم، مع ان ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه علي وجه يجوز له التصرف فيه باق. نعم لو كان القبض بدون الاذن حقا كما إذا عرض المبيع علي المشتري فلم يقبضه.

فالظاهر عدم الخيار لعدم دخوله في منصرف الأخبار و عدم تضرر البائع بالتأخير، (2) و ربما يقال بكفاية القبض هنا مطلقا مع الاعتراف باعتبار الاذن في الشرط السابق

______________________________

و المتنازعان قد قنعا بما حكي عن الامام (عليه السلام)،

فاستدلال العلامة (رحمه الله) به في محله.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لأن ابن عياش لم تثبت وثاقته و لا كونه شيعيا،

بل الظاهر كونه عاميا.

و ثانيا: ان فهم ابن عياش و المتنازعين لا يكون حجة علينا.

و ثالثا: انه ليس في الخبر ما يشهد بان ابن عياش فهم من كلام الامام (عليه السلام) عدم كفاية قبض البعض، كيف و هو غير متضمن الا لبيان نقل عبارة الامام (عليه السلام) في مقام الحكم،

و لا يتضمن تمييز المحكوم له عن المحكوم عليه.

و بما ذكرناه ظهر انه- مضافا الي عدم صحة الاستدلال به، لا يكون هو معتضدا لما يستفاد من النصوص،

فالمتعين الاستدلال له بظهور الأخبار لأنه يصدق انه ما قبض الثمن.

(1) الفرع الثاني: انه لو قبض البائع الثمن بدون اذن المشتري فهل هو كلا قبض مطلقا، أو كالقبض المأذون فيه،

ام يفصل بين كونه بحق

كما إذا عرض المبيع علي المشتري فلم يقبضه فهو كالقبض المأذون فيه و بين كونه بباطل فلا يسقط الخيار كما اختاره المصنف (رحمه الله)؟ وجوه.

(2) و قد استدل المصنف (رحمه الله) لما اختاره: بان ظاهر الاخبار و ان كان اعتبار وقوعه بالاذن، الا انه إذا كان القبض عن حق تكون الأخبار منصرفة عنه و لا يتضرر البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 16

اعني قبض المبيع نظر إلي انهم شرطوا في عناوين المسألة في طرف المبيع عدم اقباض المبيع إياه، و في طرف الثمن عدم قبضه، (1) و فيه نظر، لأن هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع، فيعبر في طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له و هو القبض في الأول و الاقباض في الثاني، فتأمل.

______________________________

لا من جهة تأخير الثمن كما هو واضح و لا من جهة ضمان المبيع، لأن له دفع الضرر عن نفسه باقباض المبيع، فإذا لم يقبض كان هو المقدم علي الضرر، بخلاف ما إذا كان القبض عن غير حق، فانه لا يتمكن من دفع ضرر الضمان الا بالوقوع في ضرر التأخير.

و فيه: اولا: ان المتعين ملاحظة النصوص لا الضرر.

و ثانيا: انه إذا كان القبض بغير اذن لو اقبض البائع المبيع يحل له التصرف في الثمن فهو متمكن عن دفع الضرر في الفرضين باقباض المبيع من دون ان يقع في ضرر التأخير.

و ثالثا: ان عدم جواز تصرفه في الثمن حتي مع عدم اقباض المبيع لم يدل عليه دليل،

و مجرد ان له الامتناع عن اقباض الثمن لا يصلح شاهدا لعدم جواز تصرفه فيه بعد كونه ملكا له.

(1) و استدل للاول: بان المدار في الاخبار علي مجي ء الثمن و لا يصدق

ذلك في المفروض.

و فيه: ان هذا العنوان لا موضوعية له قطعا، و لذا لو فرض كونه مقبوضا له قبل ذلك أو في ذمته لا يحتاج الي شي ء آخر، بل هو طريق الي وصول الثمن الي البائع المتحقق في الفرض.

فالأظهر هو الثاني،

و يؤيده ان قبض الثمن ارتضاء للبيع، فيكون مسقطا للخيار من هذه الجهة،

و لعل سر تعبير الأصحاب عن هذا الشرط بعدم قبض الثمن هو ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 17

و لو اجاز المشتري قبض الثمن بناء علي اعتبار الاذن كانت في حكم الاذن (1) و هل هي كاشفة أو مثبتة اقواهما الثاني (2) و يترتب عليه ما لو قبض قبل الثلاثة فأجاز المشتري بعدها.

الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين، (3) لأن المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر في مخالفة الأصل علي منصرف النص مع انه في الجملة اجماعي.

______________________________

(1) الفرع الثالث: بناء علي اعتبار الاذن لو قبض البائع الثمن قبل مضي الثلاثة و اجاز المشتري بعد مضيها، فهل هي كاشفة فالخيار ساقط، ام مثبتة فهو باق؟ وجهان.

(2) اختار المصنف (رحمه الله) الثاني.

و اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بقوله: الظاهر انه لا ثمرة لهذا البحث، فان الرضا المذكور ان كان كاشفا أو كان مؤثرا في كون القبض اذنيا من الحين كان مقتضاه عدم الخيار،

اما علي الأول: فواضح، و أما علي الثاني: فلأن اجازة القبض السابق تدل علي الرضا بالمعاملة و هو من مسقطات الخيار.

و فيه: ان الرضا بالمعاملة ان كان مسقطا للخيار فهو رضا من له الخيار، و من له الخيار في المقام هو البائع و الراضي هو المشتري.

و كيف كان: فالأظهر هو الثاني، فان القول بالكشف انما يكون في تأثير العقد في الملكية

التي هي امر اعتباري، و أما في الامور الخارجية كاتصاف العقد بكونه مجازا فلا يعقل فيه الكشف و الا لزم انقلاب الشي ء عما وقع عليه.

و عليه ففي المقام إذا كان المسقط للخيار القبض المأذون فيه في الثلاثة فالإجازة بعدها لا توجب اتصاف القبض في الثلاثة بكونه ماذونا فيه، فالمتعين هو البناء علي عدم الكشف.

الشرط الثالث و الرابع

(3)

الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين

بلا خلاف فيه، بل هو اجماعي في الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 18

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهه كصاع من صبرة، (1) نص عليه الشيخ في عبارته المتقدمة في نقل مضمون روايات اصحابنا و ظاهره كونه مفتي به عندهم، و صرح به في التحرير و المهذب البارع و غاية المرام و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمة، و قال في الغنية و روي اصحابنا ان المشتري إذا لم يقبض المبيع و قال اجيئك بالثمن و مضي، فعلي البائع الصبر عليه ثلاثا ثمّ هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن، هذا إذا كان المبيع مما يصح بقائه، فإن لم يكن كذلك كالخضراوات فعليه الصبر يوما واحدا، ثمّ هو بالخيار ثمّ ذكر ان تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشتري و بعده من مال البائع ثمّ قال و يدل علي ذلك كله اجماع الطائفة، انتهي.

و في معقد اجماع الانتصار و الخلاف و جواهر القاضي لو باع شيئا معينا بثمن معين لكن في بعض نسخ الجواهر لو باع شيئا غير معين، و قد اخذ عنه في مفتاح الكرامة و غيره و نسب الي القاضي دعوي الاجماع علي غير المعين، و اظن الغلط في تلك النسخة.

______________________________

و قد استدل له:

بان المتبادر من النص غير ذلك.

توضيحه: انه لو اشترط تأخير الثمن فحيث ان الشرط في ثبوت الخيار عدم مجي ء المشتري بالثمن، و هذا انما هو فيما من شانه ان يجئ به، و مع اشتراط التأخير ليس من شانه ذلك، فيكون الفرض خارجا عن مورد النص.

و لو اشترط تأخير المبيع، فحيث ان الشرط عدم اقباض البائع، فيما وظيفته الاقباض، فلا يشمل ما إذا كانت وظيفته عدمه.

(1)

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهه،

كصاع من صبرة، نص عليه شيخ الطائفة في عبارة ظاهرة في كونه مفتي به عندهم، و صرح به في التحرير و المهذب البارع،

و جامع المقاصد و غيرها.

و ملخص القول فيه بالبحث في موارد:

الأول: فيما يستفاد من كلمات الأصحاب.

الثاني: فيما تقتضيه قاعدة نفي الضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 19

و الظاهر ان المراد بالثمن المعين في معقد اجماعهم هو المعلوم في مقابل المجهول لأن تشخص الثمن غير معتبر اجماعا. و لذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط المبيع بالمعين و الثمن بالمعلوم، و من البعيد اختلاف عنوان ما نسبه في الخلاف الي اجماع الفرقة و اخبار هم مع ما نسبه في المبسوط الي روايات اصحابنا مع انا نقول ان ظاهر المعين في معاقد الاجماعات التشخص العيني لا مجرد المعلوم في مقابل المجهول و لو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة الي الثمن للاجماع علي عدم اعتبار التعيين فيه مع انه فرق بين الثمن المعين و الشي ء المعين، فإن الثاني ظاهر في الشخصي بخلاف الأول. و أما معقد اجماع التذكرة المتقدم في عنوان المسألة فهو مختص بالشخصي، لانه ذكر في معقد الإجماع ان المشتري، لو جاء بالثمن في الثلاثة فهو أحق بالعين و لا يخفي ان العين ظاهر في الشخصي هذه حال معاقد

الإجماعات. و أما حديث نفي الضرر فهو مختص بالشخصي (1) لأنه المضمون علي البائع قبل القبض فيتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه و عدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي

______________________________

الثالث: في مقتضي النصوص الخاصة.

اما المورد الأول: فقد اتعب المصنف (رحمه الله) نفسه الزكية لاثبات ان المشهور بين الأصحاب اعتباره،

و لكن يرد عليه:

اولا: ان غاية ما اثبته (قدس سره) سكوت الفقهاء عن بيان حكم غير المبيع الشخصي،

و هذا لا يدل علي الاختصاص.

و ثانيا: انه معارض بان الشهيد (رحمه الله) نسب الخلاف الي الشيخ فقط، و قد نسب التعميم الي الأكثر، و عن الاحتجاج: دعوي الاجماع عليه.

و ثالثا: انه غير بالغ حد الاجماع.

و رابعا: انه لو كان بالغا حده لما كان حجة بعد معلومية مدرك المفتين.

(1) و أما المورد الثاني: فقد افاد المصنف (رحمه الله): ان قاعدة نفي الضرر تقضي الاختصاص، إذ المبيع الشخصي مضمون علي البائع قبل القبض، فيتضرر بضمانه، و عدم جواز التصرف فيه، و عدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 20

و أما النصوص فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان علي لفظ البيع المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع علي العين المعرضة للبيع و لا مناسبة في اطلاقه علي الكلي (1) كما لا يخفي و رواية زرارة ظاهرة أيضا في الشخصي من جهة لفظ المتاع، و قوله: يدعه عنده فلم يبق الا قوله (عليه السلام) في رواية ابي بكر بن عياش: من اشتري شيئا، فإن اطلاقه و ان شمل المعين و الكلي، الا ان الظاهر من لفظ الشي ء الموجود الخارجي، كما في قول القائل اشتريت شيئا، «و لو في ضمن امور متعددة كصاع من صبرة» و الكلي المبيع ليس

موجودا خارجيا، إذ ليس المراد من الكلي هنا الكلي الطبيعي الموجود في الخارج، لأن المبيع قد يكون معدوما عند العقد و الموجود منه قد لا يملكه البائع حتي يملكه، بل هو امر اعتباري يعامل في العرف و الشرع معه معاملة الاملاك، و هذه المعاملة و ان اقتضت صحة اطلاق لفظ الشي ء عليه أو علي ما يعمه، الا انه ليس بحيث لو اريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجي الشخصي احتيج الي قرينة علي التقييد، فهو نظير المجاز المشهور،

______________________________

و اورد عليه السيد الفقيه: بانه يكفي في لزوم الضرر لو كان المبيع كليا ضرر الصبر عن الثمن و ان لم يكن ضمان.

و فيه: ان ضررية تأخير الثمن انما تكون من جهة عدم وصول ما انتقل إليه،

و حرمانه من التصرف فيما انتقل عنه و الا فمجرد حرمانه عن الانتفاع بالثمن لا يعد ضررا،

بل هو عدم النفع، و معلوم ان هذا يختص بالمبيع الشخصي. و لكن الذي يسهل الخطب ان المدرك لهذا الخيار ليس هو حديث نفي الضرر.

و أما المورد الثالث: فالألفاط الواقعة في النصوص المأخوذة موضوعا لهذا الخيار ثلاثة: البيع، المتاع، الشي ء. و قد ادعي المصنف (رحمه الله) اختصاص الجميع بالشخصي.

(1) اما الاول: فبدعوي ان المراد بالبيع المبيع، و هو قبل البيع يطلق علي العين الشخصية باعتبار معرضيته للبيع، و لا مناسبة في اطلاقه علي الكلي.

و فيه: اولا: ان اطلاق البيع ليس باعتبار المعرضية، إذ ليس هنا هذا العنوان بل باعتبار المشارفة و الأول: و عليه فكما يشمل الشخصي يشمل الكلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 21

و المطلق المنصرف إلي بعض افراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق الي القرينة، (1) فلا يمكن هنا دفع احتمال ارادة خصوص

الموجود الخارجي باصالة عدم القرينة فافهم.

فقد ظهر مما ذكرنا ان ليس في ادلة المسألة من النصوص و الاجماعات المنقولة و دليل الضرر ما يجري في المبيع الكلي، و ربما ينسب التعميم الي ظاهر الأكثر لعدم تقييدهم البيع بالشخصي، و فيه ان التأمل في عباراتهم، مع الانصاف يعطي الاختصاص بالمعين، أو الشك في التعميم، مع انه معارض بعدم تصريح احد بكون المسألة محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص، الا الشهيد في الدروس، حيث قال: ان الشيخ (رحمه الله) قيد في المبسوط هذا الخيار بشراء المعين، فإنه ظاهر في عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقي الاصحاب، لكنك عرفت ان الشيخ (رحمه الله) قد اخذ هذا التقييد في مضمون روايات اصحابنا

______________________________

و ثانيا: ان اطلاقه في خبر اسحاق بن عمار انما يكون علي نحو الحقيقة، لقوله من اشتري بيعا إذ من المعلوم ان الاشتراء انما يكون بعد البيع، فهذا الاطلاق حقيقي و يصدق علي الكلي ايضا.

و أما الثاني، فالانصاف انه مختص بالشخصي، لأن المتاع ما يتمتع به و ينتفع به،

و من المعلوم ان هذا شأن الشخصي دون الكلي، مضافا الي قوله يدعه فانه ظاهر في الشخصي.

و ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من ان المراد به عدم قبضه الشامل للكلي، خلاف الانصاف، الا انه لا مفهوم له كي يدل علي عدم ثبوت الخيار فيما إذا كان المبيع كليا،

فيعارض مع غيره و يقيده.

و أما الثالث: فربما يدعي اختصاصه بالشخصي لوجهين:

الأول: ان الشيئية مساوقة للوجود، فهو لا يصدق علي الكلي.

و فيه: ان هذا و ان كان تاما الا انه لا اختصاص له بالموجود الخارجي، بل يشمل كل ماله نحو من الثبوت، و من انحائه الثبوت في الذمة.

(1) الثاني: ما

افاده المصنف (رحمه الله)، و حاصله: ان ارادة الشخصي منه علي العموم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 22

و كيف كان، فالتامل في ادلة المسألة و فتاوي الاصحاب يشرف الفقيه علي القطع باختصاص الحكم بالمعين، ثمّ ان هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما قال (1) في التحرير و لا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما.

و في السرائر قيد الحكم في عنوان المسألة بقوله: و لم يشترطا خيارا لهما أو لاحدهما، و ظاهره الاختصاص بخيار الشرط، و يحتمل ان يكون الاقتصار عليه لعنوان المسألة في كلامه بغير الحيوان و هو المتاع، و كيف كان، فلا اعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشرط سواء اريد ما يعم خيار الحيوان ام خصوص خيار الشرط، و سواء اريد مطلق الخيار و لو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة ام اريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة.

______________________________

ليست بحيث تحتاج الي قرينة، فيمكن ان يدعي انه المراد و لا يمكن نفيه باصالة عدم القرينة، كما في المجاز المشهور، و المطلق المنصرف الي بعض افراده انصرافا لا يحوج ارادة المطلق الي القرينة.

و فيه: ان المقام ليس نظيرا للمجاز المشهور، فلو كان فهو من قبيل المطلق المنصرف، و هو ممنوع، لأن بيع الكلي متداول، فلا ترجيح لأحد الثبوتين علي الآخر حتي يدعي الانصراف الي احدهما، مع ان المدار في حجية العموم ظهوره في العموم لا إصالة عدم القرينة.

فتحصل: ان الأظهر عدم الاختصاص بالشخصي.

ما قيل باعتباره في خيار التأخير

(1) و هنا امور قيل باعتبارها في هذا الخيار،

منها عدم الخيار لأحدهما اولهما.

و فيه اقوال اربعة:

الأول: ما عن العلامة في التحرير، هو: اشتراط خيار التأخير بعدم الخيار للبائع و المشتري مطلقا.

الثاني: ما عن ابن

ادريس، و هو: اعتبار ان لا يكون لهما خيار الشرط لا مطلق الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 23

سواء احدث فيها ام بعدها و اوجه ما يقال في توجيه هذا القول مضافا الي دعوي انصراف النصوص الي غير هذا الفرض ان شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير و تأخير المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع.

و توضيح ذلك ما ذكره في التذكرة في احكام الخيار، من انه لا يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار، (1) و لو تبرع احدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما في يده الآخر، و له استرداد المدفوع قضية للخيار، و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهي.

______________________________

الثالث: ما مال إليه صاحبا مفتاح الكرامة و الجواهر، و هو: اعتبار ان لا يكون للبائع خيار، و أما خيار المشتري فلا يعتبر عدمه.

الرابع: ما هو المشهور، و هو: عدم اعتبار هذا الشرط مطلقا.

و قد استدل للأول بوجوه:

(1) منها: ان من احكام الخيار عدم وجوب تسليم الثمن أو المثمن لمن له الخيار،

و بالتبع لا يجب علي الآخر تسليم ما انتقل عنه.

و قد تقدم ان ظاهر الأخبار كون عدم مجي ء المشتري بالثمن بغير حق التأخير،

كما ان ظاهرها ايضا كون عدم اقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الاقباض.

و فيه: ان ما افاده من ان من احكام الخيار عدم وجوب اقباض من له الخيار ما انتقل عنه- و ان اعترف به المصنف (رحمه الله) في باب القبض الا انه غير تام، إذ لا مدرك له سوي ما

افاده المحقق النائيني (رحمه الله)،

و هو: ان القبض و الإقباض من الشروط الضمنية، فإذا كان العقد خياريا كان كذلك بجميع ما تضمنه من الشروط، فكما لا يجب الوفاء بالعقد لا يجب الوفاء بما في ضمنه من الشروط. هذا بالنسبة الي من له الخيار،

و أما الآخر فلا يجب عليه التسليم، لأن التسليم و التسلم التزام من الطرفين،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 24

و حينئذ فوجه هذا الاشتراط ان ظاهر الاخبار كون عدم مجي ء المشتري بالثمن بغير حق التأخير، و ذو الخيار له حق التأخير، و ظاهرها ايضا كون عدم اقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الاقباض.

و الحاصل ان الخيار بمنزلة تأجيل احد العوضين و فيه بعد تسليم الحكم في الخيار و تسليم انصراف الاخبار الي كون التأخير بغير حق (1) انه ينبغي علي هذا القول كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق، (2) و كون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان مع اتفاقهم علي ثبوته فيه (3) كما يظهر من المختلف، و ذهب الصدوق الي كون الخيار في الجارية بعد شهر، الا ان يراد بما في التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لأحدهما،

______________________________

فإذا لم يف احدهما به لا يجب علي الآخر ذلك،

و هو غير تام، فان الخيار ليس الا السلطنة علي حل العقد، و أما الشروط فان كان وجه توهم عدم وجوب الوفاء بها انها تابعة للعقد، فيرد عليه: ان التبعية انما تكون في الوجود لا في دليل النفوذ و اللزوم، فان دليل لزومها المؤمنون عند شروطهم،

و ان كان وجهه انه إذا كان العقد جائزا لا معني لكون الشرط لازما فيرد عليه ما تقدم في مبحث خيار المجلس و الحيوان من ان

ذلك فاسد، و انه لا منافاة بين ان يكون له اعدام الموضوع، و لكن علي فرض بقاء الموضوع يجب عليه الوفاء بالشرط.

و أما المقدمة الثانية المذكورة في الاستدلال فهي تامة، و قد مر تقريبها في الشرط الثالث.

و بذلك يظهر انه لا مورد لقول المصنف (رحمه الله)

(1) و تسليم انصراف الاخبار الي كون التأخير بغير حق الموهم لعدم التسليم.

و اورد عليه المصنف: - مضافا الي منع المقدمتين- بوجهين آخرين:

(2) احدهما: ان لازمه كون مبدإ الثلاثة بعد التفرق، مع ان ظاهر الاخبار كونه من حين العقد.

(3) ثانيهما: ان لازمه عدم جريان خيار التأخير في بيع الحيوان لثبوت خياره للمشتري، مع اتفاقهم علي ثبوته فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 25

فلا ينافي ثبوته في الحيوان بعد الثلاثة (1) و قد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع من جهة اخري، فيسقط معه هذا الخيار لأن خيار التأخير شرع لدفع ضرره، و قد اندفع بغيره و لدلالة النص و الفتوي علي لزوم البيع في الثلاثة فيختص بغير صورة ثبوت الخيار له قال: (2) و دعوي ان المراد من الاخبار اللزوم من هذه الجهة مدفوعة، بأن التأخير سبب للخيار، و لا يتقيد الحكم بالسبب (3) و بين ما إذا كان الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه مع ان اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان و وجه ضعف هذا التفصيل ان ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في الثلاثة. و أما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب

______________________________

(1) ثمّ اجاب عن الثاني: بانه يمكن ان يكون مراد المستدل ان مبدأ الثلاثة في خيار التأخير بعد انقضاء ثلاثة الحيوان، من جهة انه مقتضي الجمع بين دليل خيار الحيوان و ما دل علي عدم

استحقاق التسليم في زمان الخيار و دليل خيار التأخير.

و بهذا البيان ظهر اندفاع ايراد السيد الفقيه علي المصنف (رحمه الله) من عدم ارتباط هذا الجواب بما اورده علي المستدل،

و لكن يرد عليه: ان هذا الجمع ليس عرفيا، فانه إذا كانت المنافاة بين دليل خيار الحيوان و دليل خيار التأخير- من جهة ان خيار الحيوان يوجب فقد شرط خيار التأخير،

حيث انه يكون عدم التسليم عن حق، و الشرط هو عدم التسليم عن غير حق- لا يصح الجمع بالنحو المذكور.

(2) و منها: ان الاخبار ظاهرة في لزوم البيع في الثلاثة، و خياريته بعدها، و حيث ان الخيار الثابت بعد الثلاثة هو الخيار المطلق، فالمنفي في الثلاثة هو الخيار المطلق، فيختص بغير صورة ثبوت الخيار في الثلاثة.

(3) و دعوي ان المثبت بعدها الخيار المقيد بكونه عن سبب خاص،

مندفعة باستحالة تقيد المسبب بسببه، و الا لزم كون الشي ء مقتضيا لنفسه و لاقتضائه و هو محال و دعوي ان المنفي خصوص خيار التأخير- اي ان المراد بالأخبار اللزوم من هذه الجهة مندفعة بمنافاته لقرينة المقابلة و تأخير الثمن من المشتري،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 26

فلا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير (1) و لذا لا ينافي هذا الخيار خيار المجلس و منها تعدد المتعاقدين لأن النص مختص بصورة التعدد، (2) و لأن هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس (3)

______________________________

و بهذا يندفع ما اجاب به المصنف (رحمه الله) عن هذا الوجه.

(1) من ان عدم تقييد الحكم بالسبب لا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة الضرر بالتأخير.

و لكن يرد عليه: ان المثبت ليس هو الخيار المقيد بالسبب و لا المطلق، بل الحصة الخاصة من

طبيعي الخيار، و المنفي في الثلاثة ذات تلك الحصة لا مطلق الخيار.

و منها: انصراف النصوص الي غير هذا الفرض.

و فيه: انه لا وجه لدعوي الانصراف.

و قد استدل للثاني: بان مرجع شرط الخيار الي شرط تأخير المبيع من البائع، إذ مرجعه الي اخذ زمام العقد بيده، فله السلطنة عليه بما له من المقتضيات التي منها التسليم،

و قد تقدم اعتبار ان لا يكون التأخير عن حق.

و فيه: ان لزوم التسليم من آثار العقد اعم من اللازم و الجائز، و عليه فشرط الخيار لا يكون شرطا لكون زمام هذا الأثر بيده.

و قد استدل للثالث: بان هذا الخيار جعل لاندفاع ضرر البائع، فإذا كان هذا الضرر مندفعا من جهة ثبوت الخيار له من جهة اخري فلا موجب لخيار التأخير.

و فيه: ان مدرك هذا الخيار هو النصوص، فلا بد من ملاحظتها دون رعاية حكمة الجعل.

فتحصل: ان الأظهر هو القول الرابع.

و مما قيل باعتباره: تعدد المتعاقدين، و قد استدل لاعتباره بوجهين:

(2) احدهما: ان النص مختص بصورة التعدد، فان مورده ذلك.

و فيه: ان القبض و الاقباض من وظائف المالكين أو من له الولاية أو الوكالة المفوضة لا العاقدين بما هما عاقدان، و عليه فالعبرة بتعدد المتبايعين لا المتعاقدين.

(3) ثانيهما: ان هذا الخيار يثبت بعد خيار المجلس، و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 27

و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد الا مع اسقاطه.

و فيه ان المناط عدم الاقباض و القبض و لا إشكال في تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما. و أما خيار المجلس فقد عرفت انه غير ثابت للوكيل في مجرد العقد و علي تقديره فيمكن اسقاطه أو اشتراط عدمه. نعم لو كان العاقد وليا

بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الأولان اعني عدم الاقباض و القبض، و ليس ذلك من جهة اشتراط التعدد، و منها ان لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية (1) فإن المحكي عن الصدوق في المقنع، انه إذا اشتري جارية فقال: اجيئك بالثمن، فإن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له و ظاهر المختلف نسبة الخلاف الي الصدوق في مطلق الحيوان و المستند فيه رواية ابن يقطين عن رجل اشتري جارية فقال: اجيئك بالثمن فقال: ان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر، و الا فلا بيع له و لا دلالة فيها علي صورة عدم اقباض الجارية و لا قرينة علي حملها عليها، (2) فيحتمل الحمل علي اشتراط المجي ء بالثمن الي شهر في متن العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط و يحتمل الحمل علي استحباب صبر البائع و عدم فسخه الي شهر،

______________________________

و فيه: اولا: ان خيار المجلس انما يثبت له إذا كان وليا أو وكيلا مفوضا من الجانبين أو من جانب و مالكا من طرف آخر، و لا يثبت للعاقد بما هو عاقد.

و ثانيا: انه يمكن اسقاطه أو اشتراط عدمه.

و ثالثا: انه قد تقدم انه لا يثبت بعد خيار المجلس فالأظهر عدم اعتبار هذا الشرط ايضا.

(1) و منها: ان لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية.

و قد استدل له بخبر ابن يقطين «1» المذكور في المتن.

(2) و اورد عليه المصنف (رحمه الله): بانه غير ظاهر في ارادة صورة عدم اقباض الجارية،

و يحتمل حمله علي اشتراط المجي ء بالثمن الي شهر، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط و يحتمل الحمل علي استحباب صبر البائع و عدم فسخه الي شهر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب

الخيار حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 28

و كيف كان، فالرواية مخالفة لعمل المعظم فلا بد من حملها علي بعض الوجوه،

ثمّ ان مبدأ الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد، (1) وجهان، من ظهور قوله فإن جاء بالثمن بينه و بين ثلاثة، ايام في كون مدة الغيبة ثلاثة و من كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة ايام، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) في رواية ابن يقطين الأجل بينهما ثلاثة ايام، فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و هذا هو الاقوي. (2)

______________________________

و فيه: ما ذكره من عدم ظهوره في صورة عدم اقباض الجارية حق، لكن قد عرفت عدم اعتبار اقباضه في هذا الخيار،

مع انه لو قلنا باعتباره عدم ظهور هذا الخبر في اعتباره لا يكون اشكالا عليه، إذ لا يجب تعرض الدليل لجميع الخصوصيات،

مضافا الي امكان الالتزام بالفرق و انه لا يعتبر ذلك في بيع الجارية.

و أما الحمل الأول فيبعده (فاء) التفريع المعتضد بعدم تعيين المدة.

و أما الحمل الثاني فهو ابعد، فان قوله فلا بيع له كيف يحمل علي الاستحباب فالصحيح الجواب عنه باعراض الأصحاب عنه و عدم عملهم به.

(1) قال المصنف ثمّ ان مبدأ الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد …

ظاهره (رحمه الله) ابتناء المسألة علي ان المراد بالمجي ء بالثمن في قوله ان جاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام، هل هو معناه الظاهر الملازم للافتراق إذ لا يمكن المجي ء مع الاجتماع، أو معناه الكنائي و هو عدم اقباض الثمن، و هو (قدس سره)

(2) قوي الثاني بقرينة قوله (عليه السلام) في خبر ابن يقطين: فان قبض بيعه.

و لكن يرد عليه: ان خبر ابن يقطين في المبيع و

غيره في الثمن، فلا يكون احدهما قرينة علي الآخر، و الظاهر لا يرفع اليد عنه بواسطة احتمال ارادة المعني الكنائي، اللهم الا ان يقال: ان من المعلوم عدم اعتبار المجي ء بهذا المعني، و انه لو كان عنده الثمن فاقبضه لا يكون كافيا، فلا محالة يكون المراد به الاقباض. فالأقوي ان المبدأ من حين العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 29

مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور:
اشارة

احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا اشكال، و لا خلاف، (1) و في سقوطه بالاسقاط في الثلاثة وجهان، (2) من ان السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير، فلا يتحقق إلا بعد الثلاثة (3)

______________________________

سقوط خيار التأخير بالاسقاط

و تمام الكلام في المقام في طي مسائل:

الاولي: في مسقطاته، أو قيل بكونه مسقطا،

(1) احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا خلاف بين الاصحاب.

و لكن مدرك هذا الخيار ان كان هو الاجماع صح ما افاده و ان كان هي الأخبار أو قاعدة نفي الضرر لا يصح،

اما إذا كان هي النصوص فلأن مفادها نفي اللزوم بعد الثلاثة، و بديل ذلك هو الجواز لا حق الخيار القابل للاسقاط،

كما انه ان كان المدرك هي قاعدة نفي الضرر لا يصح اسقاطه، فان مقتضاها كما تقدم نفي اللزوم خاصة لا إثبات حق خياري قابل للاسقاط، بل هو يلائم مع كونه جوازا حكميا غير قابل للاسقاط،

و مقتضي الاستصحاب عدم سقوطه بشي ء من المسقطات.

لا يقال: انه يلتزم بسقوطه بالاسقاط بواسطة الاجماع.

فانه يجاب عنه: اولا: انه غير ثابت،

و ثانيا: انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام)،

و مع الاغماض عن ذلك و تسليم سقوطه بالاسقاط و انه حق يقع، الكلام في اسقاطه و مسقطاته.

(2) و في سقوطه بالاسقاط في الثلاثة وجهان:

قد استدل علي عدم سقوطه بالاسقاط في الثلاثة بوجهين:

(3) احدهما: انه انما يثبت بعد الثلاثة، و سببه الضرر الحاصل بالتأخير غير المحقق في الثلاثة، فاسقاطه اسقاط لما لا يجب، فلا يصح.

و فيه: ان اسقاط ما لم يجب منجزا غير معقول، و أما معلقا علي ثبوته فهو معقول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 30

و لذا صرح في التذكرة بعدم جواز اسقاط خيار الشرط قبل التفرق إذا قلنا بكون مبدئه بعده، مع انه اولي بالجواز

و من ان العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في اسقاطه (1) مضافا الي فحوي جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد. (2)

______________________________

و لا دليل علي مبطلية التعليق سوي الاجماع غير الشامل للمقام من جهة انه تعليق علي ما يتوقف علي الشي ء، بل مبطلية التعليق مطلقا في غير البيع غير مسلمة.

ثانيهما: ما افاده المحقق الاصفهاني (رحمه الله)، و هو: ان المراد بالاسقاط ان كان هو الاسقاط الفعلي المنجز فهو غير معقول، و ان كان المراد الاسقاط معلقا علي تقدير ثبوته فهو معقول، الا انه لا دليل علي نفوذه، فان الدليل علي جواز اسقاط الحق هي القاعدة المجمع عليها من انه لكل ذي حق اسقاط حقه، و الظاهر منها ان من كان له حق فعلا له اسقاطه فعلا، و لا يشمل المقام.

و فيه: ان تلك القاعدة ليست مضمون رواية خاصة كي يستدل بظاهرها، بل هي مستفادة من دليل السلطنة بالتقريب المتقدم في خيار المجلس، و هو غير مختص بالصورة المفروضة،

مع انه قد تقدم في ذلك المبحث ان مدرك مشروعيته فحوي ما دل علي ان التصرف انما يكون مسقطا لكونه اسقاطا للحق و التزاما بالعقد. فراجع.

و قد استدل لجواز اسقاطه بوجوه:

احدها: ما افاده المصنف (رحمه الله)، و هو:

(1) ان العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في اسقاطه.

و فيه: ما تقدم في خيار المجلس مفصلا من انه لا ثبوت للشي ء قبل تحقق جميع اجزاء علته، و ان تحقق مقتضيه، و لا سقوط حقيقة قبل الثبوت، مع ان تمييز المقتضيات عن الشروط في باب الأحكام الشرعية مشكل، بل لا تكون الموضوعات و الأسباب و الشرائط مقتضيات قطعا. و تمام الكلام في محله.

الثاني: ما افاده المصنف (رحمه الله) ايضا، و هو:

(2) فحوي جواز

اشتراط سقوطه في ضمن العقد.

و فيه: ما سيجي ء منه (قدس سره) من انه يتم ذلك لو كان المدرك في الأصل الاجماع،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 31

الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، (1) حكي عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد، و لعله لعموم أدلة الشروط (2) و يشكل علي عدم جواز إسقاطه في الثلاثة بناء علي ان السبب في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد، فإن الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط، و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون شرط، (3) فإن كان اجماع علي السقوط بالشرط، كما حكاه بعض قلنا به، بل بصحة الاسقاط بعد العقد لفحواه و إلا فللنظر فيه مجال.

______________________________

و أما ان كان المدرك عموم ادلة الشروط فهو غير ثابت في الأصل.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله)، و هو: ان اسقاطه قبل ثبوته مرجعه الي اجتيازه عن حق مطالبة الثمن الثابت بالعقد.

و فيه: ان حق المطالبة لم يثبت كونه من الحقوق، و لعله من الأحكام غير القابلة للاسقاط.

فالصحيح ما ذكرناه في وجه سقوطه بالاسقاط في ضمن الجواب عن ادلة المانعين.

فراجع.

(1) الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد.

(2) و قد استدل لكونه مسقطا بعموم ادلة الشروط «1» و اورد عليه المصنف بناء علي عدم جواز اسقاطه في الثلاثة:

(3) بان الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون الشرط.

و فيه: اولا: ان المشروط ان كان سقوطه بعد ثبوته لا يكون ذلك خلاف المشروع بل هو مشروع.

و ثانيا: ان المشروط ان كان هي النتيجة يكفي ادلة الشروط دليلا لصحة الشرط المذكور. و تمام الكلام في

محله.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و باب 4 من ابواب كتاب المكاتبة من كتاب العتق و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 32

الثالث: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة (1) فإن المصرح به في التذكرة سقوط الخيار حينئذ، و قيل بعدم السقوط بذلك استصحابا و هو حسن لو استند في الخيار الي الاخبار.

و أما إذا استند فيه الي الضرر، فلا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا ضرر ليتدارك بالخيار (2) و لو فرض تضرره سابقا بالتأخير، فالخيار لا يوجب تدارك ذلك و انما يتدارك به الضرر المستقبل، و دعوي ان حدوث الضرر قبل البذل يكفي في بقاء الخيار مدفوع، بأن الاحكام المترتبة علي نفي الضرر تابعة للضرر الفعلي، لا مجرد حدوث الضرر في زمان: و لا يبعد دعوي انصراف الاخبار الي صورة التضرر فعلا بلزوم العقد بأن يقال: بأن عدم حضور المشتري علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجودا و عدما، و كيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.

______________________________

بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة

(1) الثالث: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة.

يقع الكلام تارة: بناء علي كون المدرك قاعدة نفي الضرر،

و اخري: بناء علي كونه الأخبار.

(2) اما علي الاول: فقد ادعي المصنف (رحمة الله) انه مسقط، و ذلك لانه لا ضرر في حال البذل فلا يضرر ليتدارك بالخيار، و الضرر السابق لا يتدارك به و انما المتدارك به الضرر المستقبل، و لا سبيل الي توهم كفاية حدوث الضرر لبقاء الخيار، لأن الحكم يدور مدار بقاء موضوعه.

و اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله): بان الخيار حكم عدمي، و هو عنوان لعدم حكم الشارع باللزوم، و عدم حكم الشارع هذا يستصحب عند الشك، و ارتفاع المناط انما يضر باستصحاب الحكم الوجودي

دون العدمي.

و فيه: ان الخيار امر وجودي قطعا، و هو ملك فسخ العقد و السلطنة علي حله.

و ربما يورد عليه: بان مفاد لا ضرر نفي الحكم عن الموضوع الضرري، و مع انتفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 33

______________________________

الضرر بما ان الموضوع يكون باقيا و تبدل الضرر من قبيل تبدل الحالة لا يضر بالاستصحاب.

و فيه: ان المختار عنده و عندنا ان المنفي هو الحكم الضرري، فإذا لم يكن الحكم ضرريا لا يكون منفيا.

و أما علي الثاني: فمقتضي اطلاق النصوص و عدم استفصالها بين دفع المشتري للثمن بعد الثلاثة و عدمه عدم كونه مسقطا،

و لكن المصنف (رحمه الله) كأنه لا يسلم ذلك، لأنه بعد نقل الاستدلال لعدم السقوط بالاستصحاب قال: و هو حسن لو استند في الخيار الي الأخبار، و لعل منشأه ان قوله (عليه السلام)

ان جاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام لا إطلاق له ليشمل ما بعد لا لثلاثة، و حيث ان الشرطية الثانية تصريح بمفهوم الاولي، و المفهوم تابع للمنطوق سعة و ضيقا، فلا يكون شاملا للبذل بعد الثلاثة.

و لكن يرده: ان خبر اسحاق بن عمار متضمن لشرطية مستقلة، لاحظ قوله (عليه السلام)

و أما ما افاده (رحمه الله) من قرب دعوي انصراف الأخبار الي صورة التضرر فعلا بلزوم العقد،

فيرد عليه: انه من المحتمل ان يكون حكم الشارع بالجواز مجازاة للضرر الذي اورده علي البائع، و عليه فلا وجه لدعوي الانصراف،

ثمّ علي تقدير الانصراف لا وجه لدعوي عدم جريان الاستصحاب، فان غاية ما يدعي قصور نصوص الباب عن الشمول لما بعد بذل المشتري الثمن، و هذا لا يمنع من اجراء الاستصحاب،

نعم علي المختار من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية لا يجري في المقام.

فتحصل: ان

مقتضي اطلاق النصوص عدم كونه مسقطا.

و عليه فيقع الكلام في الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 34

الرابع: اخذ الثمن من المشتري بناء علي عدم سقوطه بالبذل (1) و إلا لم يحتج الي الاخذ به و السقوط به لأنه التزام فعلي بالبيع و رضاء بلزومه (2) و هل يشترط افادة العلم بكونه لأجل الالتزام أو يكفي الظن، فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية أو غيرها لم ينفع ام لا يعتبر الظن ايضا وجوه من عدم تحقق موضوع الالتزام الا بالعلم و من كون الفعل مع افادة الظن امارة عرفية علي الالتزام كالقول،

و مما تقدم من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضاء نوعيا بالعقد، (3) و هذا من اوضح افراده و قد بينا عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرف علي الرضا، و خير الوجوه أوسطها، لكن الاقوي الأخير

______________________________

اخذ الثمن من المشتري

(1) الرابع: و هو اخذ الثمن من المشتري بناء علي عدم سقوطه بالبذل.

يقع الكلام في المقام في جهتين:

الاولي: في ان اخذ الثمن هل يكون مسقطا ام لا؟ و ما الفرق بين هذا الخيار و سائر الخيارات حيث لم يحتمل احد فيها سقوط الخيار باخذ الثمن، و في هذا الخيار مضافا الي احتماله ذهب إليه جمع.

الثانية: في انه علي فرض كونه مسقطا من جهة كونه التزاما فعليا هل يعتبر العلم بكونه بقصد الالتزام، ام يعتبر الظن الشخصي، ام لا يعتبر الظن ايضا؟.

اما الجهة الاولي: فقد استدل لمسقطيته.

(2) بانه التزام فعلي بالبيع، و رضا بلزومه،

و لعل الفرق بينه و بين سائر الخيارات ان هذا الخيار من ناحية تأخير الثمن و تضرر البائع بعدم وصول ماله إليه، فيصح ان يقال ان اخذ الثمن التزام بالبيع.

و لكن الانصاف انه ليس التزاما

بالبيع، بل هو تتميم للمعاملة، و جعل للمعاوضة العقدية عملية، و هذا يلائم مع كون البائع بانيا علي الفسخ. فالحق انه بنفسه ليس مسقطا.

(3) و أما الجهة الثانية: فقد استدل لعدم اعتبار العلم أو الظن بما تقدم من سقوط خيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 35

و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن (1) المصرح به في التذكرة و غيرها العدم،

للأصل و عدم الدليل، و يحتمل السقوط لدلالته علي الرضا بالبيع، و فيه ان سبب الخيار هو التضرر في المستقبل، لما عرفت من ان الخيار لا يتدارك به ما مضي من ضرر الصبر و مطالبة الثمن لا يدل علي التزام الضرر المستقبل، حتي يكون التزاما بالبيع، بل مطالبة الثمن انما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ، لا الالتزام بذلك الضرر ليسقط الخيار، و ليس الضرر هنا من قبيل الضرر في بيع الغبن و نحوه مما كان الضرر حاصلا بنفس العقد، حتي يكون الرضا به بعد العقد و العلم بالضرر التزاما بالضرر الذي هو سبب الخيار. (2)

و بالجملة، فالمسقط لهذا الخيار ليس الا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن أو التزامه بإسقاطه، أو اشتراط سقوطه، و ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل علي الرضا فإنما هو حيث يكون العقد سببا للخيار و لو من جهة التضرر بلزومه، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، مع ان سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن ايضا محل نظر لعدم كونه تصرفا و الله العالم.

______________________________

الحيوان أو الشرط بما كان رضا نوعيا بالعقد، و هذا من اوضح افراده.

و فيه: ان التصرف انما يكون مسقطا لخيار الحيوان للنص غير الشامل لغيره،

فالميزان هو حصول العلم أو الظهور العرفي، و مع فقد هما لا يكتفي بالظن

ايضا.

(1) و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن؟ وجهان.

الظاهر ان مطالبته ليست من المسقطات لعدم كونها مسقطة في شي ء من الخيارات لا لعدم كونها تصرفا كما قيل إذ لا يلزم ان يكون الدال علي الاسقاط تصرفا، بل يكفي فيه كل ما يدل عليه من القول أو الفعل،

بل لعدم كونها دالة عليه.

(2) و أما ما افاده المصنف (رحمة الله) بناء علي كونها مسقطة لسائر الخيارات بانه في سائر الخيارات يكون سبب الخيار العقد و لو من جهة التضرر بلزومه، و أما في هذا الخيار فالسبب ليس هو العقد و لا الضرر الماضي، بل الضرر المستقبل، لأنه الذي يندفع بالخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 36

مسألة: في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي قولان، (1)

و قد تقدم ما يصلح ان يستند إليه لكل من القولين في مطلق الخيار، مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد، و قد عرفت ان الاقوي الفور، و يمكن ان يقال في خصوص ما نحن فيه ان ظاهر قوله (عليه السلام) لا بيع له نفي البيع رأسا و الا نسب بنفي الحقيقة بعد عدم ارادة نفي الصحة هو نفي لزومه رأسا (2) بأن لا يعود لازما ابدا، فتأمل.

______________________________

دون ما مضي، و مطالبة الثمن لا تكون التزاما بالضرر المستقبل، بل هي التزام بما مضي،

فيرد عليه: ان دليل الخيار هو النص، و لعل منشأه التضرر بالتأخير في الثلاثة،

و يكون الخيار مجازاة له لا تداركا.

فورية خيار التأخير و عدمها

(1) المسألة الثانية: في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي فيه قولان.

و الكلام في هذه المسألة يقع في موردين:

الأول: في بيان ما يستفاد من النص.

الثاني: فيما تقتضيه القواعد.

اما المورد الأول: فقد استدل المصنف (رحمه الله) علي القول بالتراخي:

(2) بان الانسب بنفي الحقيقة بعد عدم ارادة نفي الصحة هو

نفي لزومه رأسا،

فقوله (عليه السلام) لا بيع له ظاهر في التراخي.

و الجواب عنه ما ذكره جل المحشين: بان هذا ينافي ما تقدم منه آنفا من انصراف الأخبار الي صورة التضرر فعلا بلزوم العقد، إذ عليه لا يشمل اطلاق النص ما إذا كان التضرر مستندا الي اختياره بعدم فسخ العقد في اول ازمنة الامكان و لكن قد مر عدم تمامية ما افاده هناك،

فاطلاق النص يقتضي البناء علي التراخي، فان نفي لزوم البيع بقول مطلق معناه ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 37

ثمّ علي تقدير اهمال النص و عدم ظهوره في العموم يمكن التمسك بالاستصحاب (1) هنا، لأن اللزوم إذا ارتفع عن البيع في زمان، فعوده يحتاج الي دليل، و ليس الشك هنا في موضوع المستصحب نظير ما تقدم في استصحاب الخيار، لأن الموضوع مستفاد من النص فراجع، و كيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوة. اما لظهور النص و أما للاستصحاب.

مسألة: لو تلف المبيع بعد الثلاثة، كان من البائع اجماعا (2)

مستفيضا، بل متواترا، كما في الرياض، و يدل عليه النبوي المشهور و ان كان في كتب روايات اصحابنا غير مسطور كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، (3) و اطلاقه كمعاقد الاجماعات يعم ما لو تلف في حال الخيار ام تلف بعد بطلانه، كما لو قلنا بكونه علي الفور فبطل بالتأخير، أو بذل المشتري الثمن فتلف العين في هذا الحال.

______________________________

(1) و أما المورد الثاني: فقد استدل المصنف (رحمة الله): بالاستصحاب للقول بالتراخي،

مع انه لم يسلم جريانه في خيار الغبن.

و ما افاده تام علي مسلكه، فانه انما منع من جريانه هناك من جهة ان الموضوع غير مستفاد من النص بالتقريب المتقدم، و في المقام يكون مستفادا منه،

و لكن قد عرفت انه لا مانع من

جريانه هناك من هذه الناحية، و لا يجري من جهة اخري، و هي موجودة في المقام، و هي عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية.

فتدبر،

مع انه قد تقدم ان المرجع عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فراجع.

تلف المبيع بعد الثلاثة من البائع

(2) الثالثة: و لو تلف المبيع فان كان التلف بعد الثلاثة كان من البائع اجماعا.

مستفيضا بل متواترا كذا في الرياض.

(3) و يشهد له: النبوي المعمول به بين الاصحاب غير المسطور في كتب روايات اصحابنا: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه «1».

______________________________

(1) المستدرك باب 9 من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 38

و قد يعارض النبوي بقاعدة الملازمة بين النماء و الدرك (1) المستفادة من النص و الاستقراء و القاعدة المجمع عليها، من ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، (2) لكن النبوي اخص من القاعدة الاولي، فلا معارضة و القاعدة الثانية لا عموم فيها، يشمل جميع افراد الخيار لا جميع احوال البيع، حتي قبل القبض، بل التحقيق فيها كما سيجي ء ان شاء الله اختصاصها بخيار المجلس. و الشرط و الحيوان مع كون التلف بعد القبض و لو تلف في الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع ايضا. (3)

______________________________

و قد اورد عليه: بانه يعارض مع قاعدتين اخريين:

(1) احداهما: قاعدة التلازم بين النماء و الدرك المستفاد من النص الخراج بالضمان «1» و الاستقراء.

(2) ثانيتهما: قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «2».

و لكن الاولي اعم من النبوي فتخصص به،

بل يمكن ان يقال انه لا معارضة بينهما، فان مفاد النبوي علي ما هو المشهور انتقال المبيع الي البائع قبل التلف آنا ما، و التلف في ملكه، و في ذلك الآن و ان كان

زمانا قصيرا يكون النماء للبائع.

و أما الثانية: فهي غير شاملة للمقام لوجوه:

الأول: انها مختصة بخيار الحيوان و الشرط و لا تشمل كل خيار.

الثاني: انها مختصة بما بعد القبض، و لا تشمل ما قبل القبض.

الثالث: ان موردها ما إذا تلف ما انتقل الي من له الخيار، كما في الحيوان المنتقل الي المشتري، و في المقام التالف هو ما انتقل عن من له الخيار.

(3) و أما ان كان التلف في الثلاثة فالمشهور بين الاصحاب كونه من مال البائع،

و هو مقتضي النبوي،

و عن جماعة من القدماء منهم المفيد و السيد: كونه من المشتري.

و قد استدل له: بقاعدة ضمان المالك لماله، و لكنها مع جريانها في الصورة السابقة

______________________________

(1) صحيح الترمذي ج 5 ص 285 و سنن ابي داود ج 2 ص 255 و المبسوط كتاب البيوع.

(2) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 39

و عن الخلاف الاجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء، منهم المفيد و السيدان مدعين عليه الاجماع و هو مع قاعدة ضمان المالك لماله يصح حجة لهذا القول، لكن الاجماع معارض، بل موهون و القاعدة مخصصة بالنبوي المذكور المخبر من حيث الصدور مضافا الي رواية عقبة بن خالد في رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا ان شاء الله، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المال و يخرجه من بيته فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه حقه و لو مكنه من القبض (1) فلم يتسلم فضمان البائع مبني علي ارتفاع الضمان بذلك و هو الأقوي، قال

الشيخ في النهاية إذا باع الانسان شيئا و لم يقبض المتاع و لا قبض الثمن و مضي المبتاع، فإن العقد موقوف ثلاثة ايام، فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة ايام كان المبيع له و ان مضت ثلاثة ايام كان البائع اولي بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة ايام و لم يكن قبضه اياه كان من مال البائع دون المبتاع،

______________________________

اخص من النبوي فتخصص به.

فالتفصيل بين الصورتين في غير محله،

مع ان خبر عقبة «1» المذكور في المتن. يدل علي انه من مال البائع، و هو من جهة ان مفروض السؤال حيث قال: آتيك غدا فسرق المتاع هو التلف في الثلاثة لا بعدها مختص بهذه الصورة.

فاستدلال صاحب الجواهر (رحمه الله) به في الصورة السابقة في غير محله.

(1) و لو مكنه من القبض فلم يتسلم فتلفت السلعة.

فان قلنا بكفاية التخلية بين المال و مالكه و عرضه عليه في صدق القبض فلا كلام،

و الا فقد بني الشيخ (رحمه الله) ضمان البائع و عدمه علي ارتفاع الضمان بذلك و عدمه،

و هو (قدس سره) قوي الأول.

توضيحه: ان التمكين من المشتري يوجب ارتفاع ضمان البائع، و معه يرتفع الخيار،

و مع ارتفاعه لا يكون المورد مشمولا لقاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه للانصراف

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 40

و ان كان قبضه اياه ثمّ هلك في مدة الثلاثة ايام كان من مال المبتاع و ان هلك بعد الثلاثة ايام كان من مال البائع علي كل حال، لأن الخيار له بعدها، انتهي. (1)

المحكي في المختلف و قال بعد الحكاية و فيه نظر، إذ مع القبض يلزم البيع، انتهي.

اقول كأنه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين، فيشمل ما بعد القبض و

ما قبله خصوصا مع قوله علي كل حال، لكن التعميم مع انه خلاف الإجماع مناف لتعليل الحكم (2) بعد ذلك بقوله لأن الخيار له بعد الثلاثة ايام، فإن المعلوم ان الخيار انما يكون له مع عدم القبض، فيدل ذلك علي ان الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض.

مسألة: لو اشتري ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه و بين الليل و إلا فلا بيع له، (3)

كما في مرسلة محمد بن ابي حمزة و المراد من نفي البيع نفي لزومه و يدل عليه قاعدة نفي الضرر، فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن الثمن.

______________________________

و فيه: ان الانصراف ممنوع و التلازم بين ارتفاع الخيار و ارتفاع الضمان ايضا كذلك،

فالأظهر انه من مال بائعه علي هذا المسلك.

(1) قال في محكي النهاية: و ان هلك بعد الثلاثة ايام كان من مال البائع علي كل حال لأن الخيار له بعدها.

و يمكن ان يكون وجه التعميم في هذه الصورة: ان هذا الخيار لا يسقط بالاقباض بعد الثلاثة عنده، و هو ممن نسب إليه ان انتقال المبيع الي المشتري انما يكون بعد انقضاء الخيار من غير فرق بين الخيار المتصل و المنفصل، فانه علي هذا يكون التلف من البائع لوقوعه في ملكه، فلا يتوجه ايراد المصنف (رحمه الله) عليه.

(2) بان التعميم مناف لتعليل الحكم بان الخيار له بعد الثلاثة،

و انما لا يلتزم بذلك في الاقباض في الثلاثة من جهة ان الاقباض قبلها رافع لموضوع الخيار.

شراء ما يفسد من يومه

(3) الرابعة: المشهور بين الاصحاب: انه لو اشتري ما يفسد من يومه فان جاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 41

و من هنا يمكن تعدية الحكم الي كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر، و ان خرج عن مورد النص، كما إذا كان المبيع مما يفسد في نصف يوم أو في يومين

فيثبت فيه الخيار في زمان يكون التأخير عنه ضررا علي البائع، لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا، لان الموضوع فيه ما يفسد من يومه و الحكم فيه بثبوت الخيار من اول الليل، فيكون الخيار في اول ازمنة الفساد.

و من المعلوم ان الخيار حينئذ لا يجدي للبائع شيئا، لكن المراد من اليوم اليوم و ليله، (1)

______________________________

بالثمن ما بينه و بين الليل و الا فلا بيع له.

و قد استدل لثبوت هذا الخيار بوجوه:

منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن محمد بن احمد عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابي حمزة أو غيره عمن ذكره عن ابي عبد الله أو ابي الحسن عليهما السلام: في الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه و يتركه حتي يأتيه بالثمن، قال: ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و الا فلا بيع له «1».

و الكلام فيه في موردين،

الأول: في سند الحديث.

الثاني: في فقهه.

اما الأول: فالاشكال فيه من وجوه:

منها انه مرسل.

و منها: ان محمد بن ابي حمزة مشترك بين ابن الثمالي و التيملي الذي لم يوثق.

و منها: ان من يروي عنه ابن يزيد لم يثبت كونه ابن ابي حمزة و لعله غيره.

و أما الثاني: فقوله من يومه اما يراد به في يومه من كون من للظرفية فيكون اول الليل الذي هو اول زمان الخيار بعد تحقق الفساد في النهار، و هذا الضرر لا يتدارك بالخيار،

و أما يراد به معناه المعروف و هو كونه للابتداء فيكون اول الليل الذي هو اول زمان الخيار بعد تحقق الفساد من اول اليوم و حاله حال السابق، فلا بد من التصرف باحد نحوين:

(1) احدهما: ما في المتن، و هو: ان المراد باليوم

و ليله

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 42

فالمعني انه لا يبقي علي صفة الصلاح ازيد من يوم بليله، فيكون المفسد له المبيت لا مجرد دخول الليل، فإذا فسخ البائع اول الليل امكن له الانتفاع به و ببدله، و لأجل ذلك عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت و انه ثابت عند دخول الليل و في معقد اجماع الغنية ان علي البائع الصبر يوما واحدا ثمّ هو بالخيار.

و في محكي الوسيلة ان خيار الفواكه للبائع فإذا مر علي المبيع يوم و لم يقبض المبتاع كان البائع بالخيار و نحوها عبارة جامع الشرائع. نعم عبارات جماعة من الاصحاب لا يخلو عن اختلال في التعبير، لكن الاجماع علي عدم الخيار للبائع في النهار يوجب تأويلها الي ما يوافق الدروس، و احسن تلك العبارات عبارة الصدوق في الفقيه التي اسندها في الوسائل الي رواية زرارة (1) قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الي الليل فإن المراد بالعهدة عهدة البائع.

______________________________

فالمعني انه لا يبقي علي صفة الصلاح ازيد من يوم بليله.

ثانيهما: ما افاده بعض المحققين، و هو حمل ما يفسد علي الاشراف علي الفساد،

فيكون من المجاز بالمشارفة، و يصح جعل الخيار من اول الليل لئلا يقع في الضرر الذي اشرف عليه، و كل منهما صحيح لا مرجح لأحدهما علي الآخر،

و أما تقريب دلالته علي الخيار لا الانفساخ فهو ما تقدم في نصوص خيار التأخير.

(1) و منها: ما ارسله الصدوق في الفقيه، و في آخر الخبر: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الي الليل «1».

و الكلام فيه من جهتين:

الاولي:

في سنده، و هو مضافا الي كونه مرسلا، لم يثبت كونه تتمة الرواية، بل من المحتمل كونه من كلام الصدوق، بل في محكي الجواهر: لعله الظاهر.

الجهة الثانية: في دلالته، و قد يقال: ان مفاده جعل الخيار و نفي اللزوم، و في حاشية السيد: و يحتمل ان يكون المراد كون عهدة تلفه علي البائع يوما الي الليل و بعده علي المشتري

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 43

و قال في النهاية و إذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها و لم يقبض المبتاع و لا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما، فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم و إلا فلا بيع له، انتهي.

و نحوها عبارة السرائر، و الظاهر ان المراد بالخيار اختيار المشتري في تأخير القبض و الاقباض مع بقاء البيع علي حاله من اللزوم، و أما المتأخرون فظاهر اكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار، (1) و ان اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما، و من عبر بأن الخيار الي الليل، و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات مع وضوح المقصد الا متابعة عبارة الشيخ في النهاية

______________________________

من جهة تقصيره في الأخذ.

و لكن ان كان المراد بالعهدة عهدة المبيع تعين ارادة ما احتمله السيد، فان أثرها حينئذ ان دركه عليه و هو في ضمانه،

و ان كان المراد بها عهدة البيع تعين ارادة الأول، فان اثر عهدة البيع لزومه و عدم انفكاكه عنه،

و الظاهر هو الثاني، لأن عهدة المبيع لا تكون مغياة بزمان، بل بالقبض بخلاف عهدة البيع.

و منها: حديث لا ضرر «1» فان البائع ضامن للمبيع ممنوع من التصرف فيه محروم عن الثمن.

و ترد

عليه الوجوه الأربعة التي اوردناها علي الاستدلال به لخيار التأخير،

و منها: ان مقتضي اطلاق العقد تسليم المبيع و تسلم الثمن ما لم يفسد، و مرجع ذلك الي الشرط الضمني و الخيار عند تخلف الشرط.

و يرد عليه ما ذكرناه عند الاستدلال به لخيار التأخير.

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) منها ان ظاهر هذا الكلام و كذا كلمات جمع من الاساطين منهم اكثر المتأخرين: كون الليل، غاية للخيار، مع انه لا شبهة بحسب النص و الفتوي ان مبدأ الخيار الليل و قد اول المحقق الأردبيلي (رحمه الله) كلماتهم بجعل الي الليل متعلقا بما يفسد لا بالخيار،

و لكن ذلك يتم في كلمات جمع منهم دون جميعهم، لاحظ ما عن النهاية و عبارة

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 44

لكنك عرفت ان المراد بالخيار فيه اختيار المشتري، و ان له تأخير القبض و الاقباض (1) و هذا الاستعمال في كلام المتأخرين خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار، فلا يحسن المتابعة هنا في التعبير و الاولي تعبير الدروس كما عرفت.

ثمّ الظاهر ان شروط هذا الخيار شروط خيار، التأخير (2) لأنه فرد من افراده كما هو صريح عنوان الغنية و غيرها، فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط.

نعم لا ينبغي التأمل هنا في اختصاص الحكم بالبيع الشخصي أو ما في حكمه كالصاع من الصبرة، و قد عرفت هناك ان التأمل في الادلة و الفتاوي يشرف

______________________________

التذكرة: فالخيار فيه الي الليل.

و قد تؤول كما احتمله المحقق الاصفهاني (رحمه الله): بان اطلاق الخيار باعتبار اول الأمر إليه بمضي اليوم و اقبال الليل باعتبار وجود مقتضيه و هو كون المبيع مما يؤول امره الي الفساد باقبال الليل و المقتضي له ثبوت بثبوت

مقتضيه و فعلية مقتضاه باقبال الليل.

و لكن هذا يتم في مثل عبارة النهاية و لا يتم في مثل عبارة التذكرة المتضمنة لكون الغاية الليل، فالمتعين حمل كلماتهم علي ما افاده المصنف (رحمه الله) و هو: ان مرادهم بالخيار معني غير الخيار المصطلح الثابت من اول الليل، و هو.

(1) ان المشتري مختار في المقبض و الاقباض في اليوم،

و ان له التأخير الي الليل من دون ان يستتبعه شي ء، و لازمه لزوم الصبر علي البائع الي الليل، و لزوم البيع عليه.

(2) و منها هل يعتبر في هذا الخيار شروط خيار التأخير كما عن الغنية و غيرها، ام لا؟ وجهان:

قد استدل للأول: بانه فرد من افراد خيار التأخير، و بوحدة لسان الدليلين.

و لكن الانصاف انهما متغايران، إذ المدار في خيار التأخير المتقدم علي تأخير قبض الثمن و هنا علي تأخير قبض المثمن، و الحكمة في ذلك الخيار دفع ضرر البائع من ناحية الصبر عن الثمن، و في هذا الخيار دفع ضرره من ناحية الفساد الموجب لضمان المبيع،

و مبدأ الخيار في المقام اول الليل، و في الخيار السابق بعد مضي ثلاثة ايام،

و عليه فالشروط المعتبرة في ذلك الفرد من التأخير لا وجه للبناء علي اعتبارها في هذا الفرد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 45

الفقيه علي القطع بالاختصاص أيضا و حكم الهلاك في اليوم هنا، و فيما بعده حكم المبيع هناك في كونه من البائع في الحالين و لازم القول الآخر هناك جريانه هنا، كما صرح به في الغنية حيث جعله قبل الليل من المشتري ثمّ ان المراد بالفساد في النص و الفتوي ليس الفساد الحقيقي (1) لأن موردها هو الخضر و الفواكه و البقول، و هذه لا تضيع بالمبيت و

لا تهلك.

(2) بل المراد ما يشمل تغير العين نظير التغير الحادث في هذه الامور بسبب المبيت و لو لم يحدث في البيع إلا فوات السوق، (3) ففي إلحاقه بتغير العين وجهان من كونه ضررا و من امكان منع ذلك لكونه فوت نفع لا ضرر. (4)

______________________________

(1) و منها انه هل المراد بالفساد الحقيقي، أو ما يشمل تغير العين الحادث بسبب المبيت؟ وجهان،

اختار المصنف الثاني، و استدل له:

(2) بان مورد النص و الفتوي الخضر و الفواكه و البقول، و هذه لا تضيع بالمبيت و لا تهلك.

و اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بان المراد به الفساد الحقيقي، و هو خروج العين الي حالة لا تتمول من جهة عدم ترتب الآثار المرغوبة من الطبيعة عليها مع: اندراجها بذاتها تحت الطبيعة، و أما الذي يخرج عن الصورة النوعية فذاك هو التلف دون الفساد كما توهمه المصنف (رحمه الله).

و لكن ما افاده في الفرق بين الفساد و التلف و ان كان متينا الا انه مع ذلك ليس المراد الفساد الحقيقي، إذ مرور يوم علي مثل البقول و الفواكه لا يوجب خروجها عن المالية، بل يوجب تغير العين بزوال طراوتها و شبهها.

(3) و منها انه لو لم يحدث في المبيع الا فوات السوق، فلا اشكال و لا كلام في عدم شمول النص و الفتوي له، لانه ليس من الفساد قطعا،

انما الكلام في انه إذا كان المدرك حديث لا ضرر. هل يشمله ام لا؟ المصنف (رحمه الله)

(4) جعل اثبات الخيار و نفيه دائرين مدار كون نقص القيمة ضررا أو فوات نفع و الحق انه ليس ضررا و لا فوت نفع بالنسبة الي البائع بعد عدم كون نقص القيمة السوقية موجبا لضمان البائع،

و هو ضرر بالنسبة الي المشتري، و لا يكون ذلك موجبا لجعل الخيار علي البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 46

السادس خيار الرؤية
اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان (1) و يدل عليه قبل الاجماع (2) المحقق و المستفيض حديث نفي الضرر، (3) و استدل عليه ايضا

______________________________

و بذلك ظهر ما في حاشية السيد، و هو ان الأقوي الالحاق، لأنه يصدق عليه الضرر عرفا و ان كانت العين باقية كما كانت، لأن المناط فيه فوات المالية، و لا فرق فيه بين نقص العين و القيمة، فالضرر صادق خصوصا في الأموال المعدة للتجارة.

خيار الرؤية

السادس: خيار الرؤية و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما وصفه فمن اشتري موصوفا غير مشاهد كان للمشتري خيار الفسخ إذا وجده دون الوصف و هذا التعبير اولي من تعبير المصنف حيث قال:

(1) و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما اشترطه، فيه المتبايعان لأن مورد هذا الخيار ليس خصوص ما لو رأي المبيع علي خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان ليكون من افراد خيار الشرط، كما هو ظاهر المتن،

بل مورده ما إذا تخلف الوصف الذي وقعت المعاملة عليه سواء كان بالاشتراط أو باخبار البائع به و الاعتماد عليه من غير تعهد و التزام منه، أو برؤية بعض المبيع و اعتقاد موافقة بعضه الآخر له. و عليه فالنسبة بين مورد هذا الخيار و مورد خيار تخلف الشرط عموم من وجه، و المجمع ما كان التوصيف بعنوان الاشتراط، و مورد افتراق هذا الخيار ما اشرنا إليه، و مورد افتراق ذاك شرط الفعل.

و دليل هذا الخيار امور:

(2) الاول: الاجماع، و هو لمعلومية مدركه لا يعتمد

عليه.

(3) الثاني: حديث «1» لا ضرر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 47

منها صحيحة جميل بن دراج قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما ان نقد المال صار الي الضيعة فقبلها، ثمّ رجع فاستقال صاحبه، فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليه السلام) انه لو قلب منها و نظر إلي تسع و تسعين قطعة ثمّ بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية و لا بد من حملها علي صورة يصح معها بيع الضيعة. (1) اما بوصف القطعة الغير المرئية أو بدلالة ما رآه منها علي ما لم يره.

و قد يستدل بصحيحة زيد الشحام قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل

______________________________

و فيه: ما تقدم من انه لا يصلح منشئا لاثبات الخيار،

مع انه إذا كان المبيع بما له من التخلف يسوي بالذي دفع من الثمن لا يكون هناك ضرر الا من ناحية تخلف الغرض الشخصي.

الثالث صحيح جميل «1» المذكور في المتن و تقريب الاستدلال به: ان الظاهر من الخبر ان المشتري لرؤية عمدة الضيعة كان معتقدا ان ما لم يره يكون مثل ما رآه، فوقعت المعاملة صحيحة، ثمّ بعد المعاملة و ملاحظة ما لم يره و انه غير ما رآه ندم من المعاملة، و قد حكم (عليه السلام) بثبوت خيار الرؤية.

و فيه: انه لا يدل الخبر علي تخلف الوصف، و ان ما لم يره لم يكن مطابقا لما رآه لو لم يكن دالا علي خلافه، و عليه فليس هو من الخيار المصطلح، بل الظاهر منه ارادة البطلان. اما في الجميع لو رجع الضمير في قوله لكان

له فيها خيار الرؤية الي الضيعة، أو في خصوص القطعة التي لم يرها،

و لعل الأول اظهر من جهة ان مورد السؤال هو الضيعة بتمامها.

(1) قوله و لا بد من جملها علي صورة يصح معها بيع الضيعة قد عرفت دلالة الصحيح علي البطلان و انه اجنبي عن المقام الرابع صحيح «2» زيد الشحام المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 48

اشتري سهام القصابين من قبل ان يخرج السهم، فقال (عليه السلام) لا يشتر شيئا حتي يعلم اين يخرج السهم، فإن اشتري شيئا فهو بالخيار إذا خرج قال في الحدائق.

و توضيح معني هذا الخبر ما رواه في الكافي و التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)

اشتري الغنم جماعة ثمّ تدخل دارا ثمّ يقوم رجل علي الباب فيعد واحدا و اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة ثمّ يخرج السهم قال: لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عدلت القسمة، الخبر.

اقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه، لأن المشتري لسهم القصاب ان اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية، و ان اشتري سهمه المعين الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين و هو باطل، و علي الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع. (1)

______________________________

و تقريب الاستدلال به: انه يدل علي ان الحصة المشاعة بوصف البائع إذا تبين بعد وقوع السهم انها ليست علي ما وصف يثبت للمشتري خيار الرؤية.

(1) و اورد عليه المصنف (رحمه الله): بان المبيع ان كان هو الحصة المشاعة فلا مورد لخيار الرؤية، و ان كان هو السهم المعين

الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين و هو باطل.

ثمّ مال هو (قدس سره) الي كون الخيار الذي يثبته الخبر خيار الحيوان إذا خرج السهم،

و الظاهر ان وجه نفي الموردية لو كان المبيع الحصة المشاعة ليس هو اشاعتها، حتي يرد عليه ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله): بان خيار الرؤية يجري في بيع المشاع إذا بيع بوصف المجموع فظهر الجميع علي خلاف الوصف.

بل وجهه ان التعيين المبني علي عدم التعديل في القسمة لا يصلح وجها لثبوت الخيار في البيع بل في القسمة.

و اورد عليه السيد الفقيه بقوله: يبعده قوله إذا خرج، فان خيار الحيوان غير معلق علي الخروج بل يثبت بمجرد العقد. انتهي.

و فيه: ان حكمة جعل خيار الحيوان الاطلاع علي العيب، و هو لا يكون الا بعد التعيين.

و لكن يرد علي المصنف (رحمه الله): ان الظاهر من الخبر كون المبيع ما يقع عليه السهم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 49

و يمكن حمله علي شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة، و يكون له خيار الحيوان (1) إذا خرج السهم، ثمّ ان صحيحة جميل مختصة بالمشتري. و الظاهر الاتفاق علي ان هذا الخيار يثبت للبائع ايضا (2) إذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره،

فتبين كونه زائدا علي ما وصف

______________________________

و هو لغرريته باطل كما يشهد له قوله: لا تشتر شيئا … الخ الظاهر في الارشاد الي الفساد، و عليه فقوله له الخيار يكون المراد به ان له الخيار في انشاء معاملة جديدة بعد تعيين المبيع،

نظير ما ورد في نصوص بيع ما ليس عنده من قوله: و هذا عليك بالخيار ان شاء اشتراه منك بعد ما تأتيه و ان شاء رده.

و قد يحتمل ان يكون المراد بالخيار

خيار القسمة لكونها غير معدلة، أو للحاجة في التعيين الي التراضي، و علي اي حال فلا ربط له بخيار الرؤية.

(1) قوله و يمكن حمله علي شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة و يكون له خيار الحيوان الظاهر ان وجه تخصيص خيار الحيوان، بما إذا كان المبيع من قبيل الكلي في المعين دون الكسر المشاع، لحاظ الحكمة في ذلك الخيار، و هو الاطلاع علي العيب في الثلاثة إذ المشاع لو كان فيه عيب كان جزء منه للمشتري قهرا فلا يتوقف ثبوت الخيار علي خروج السهم بخلاف الكلي في المعين إذ لا تعين له للمشتري الا بعد التعيين من البائع أو تلف ما عداه.

الخامس صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «1» المذكور في المتن و فيه: انه اجنبي عن المقام بالمرة، بل وارد في مقام بيان كيفية التقسيم، و ان التقسيم بلا تعديل السهام علي النحو الذي بينه السائل باطل.

فتحصل: انه لا دليل عليه، و لكن الظاهر تسالم القوم علي ثبوته و سيأتي رجوع ذلك الي خيار الشرط، فيدل علي مشروعيته دليل ذلك الخيار و الله العالم.

و استقصاء القول في المقام بالتعرض لأمور:

(2) الاول: انه هل يثبت هذا الخيار للبائع ايضا كما هو المتفق عليه

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 50

و حكي عن بعض انه يحتمل في صحيحة جميل ان يكون التفتيش من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف المشتري، و حينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة اليهما علي تقدير هذا الاحتمال (1) و لا يخفي بعده و ابعد منه دعوي عموم الجواب و الله العالم.

مسألة: مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة، (2)
اشارة

و المعروف انه يشترط في صحته ذكر اوصاف المبيع التي يرتفع بها

الجهالة الموجبة للغرر، إذ لولاها لكان غررا و عبر بعضهم عن هذه الاوصاف بما يختلف الثمن باختلافه، كما في الوسيلة و جامع المقاصد و غيرهما، و آخر بما يعتبر في صحة السلم و آخرون كالشيخين و الحلي اقتصروا علي اعتبار ذكر الصفة.

______________________________

فلو لم يشاهده البائع و باعه بالوصف فظهر اجود كان الخيار للبائع ام يخص بالمشتري؟ وجهان.

و حق القول في المقام: ان مدرك هذا الخيار ان كان هو الاجماع، أو حديث لا ضرر أو ما دل علي ثبوت الخيار عند تخلف الشرط، لم يكن وجه للاختصاص بالمشتري. و أما ان كان المدرك هي النصوص الخاصة اختص به.

(1) و احتمال ان يكون التفتيش من البائع بان يكون البائع باعه بوصف المشتري فيكون الجواب عاما، بعيد، لعدم تقدم ذكر من البائع، و مرجع الضمائر المستترة في السؤال هو المشتري، و علي تقدير هذا الاحتمال كان الخيار مختصا بالبائع، إذ لا عموم للجواب.

مورد خيار الرؤية.

(2) الثاني: المعروف بين الاصحاب: ان مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة، و انه يشترط في صحته ذكر اوصاف المبيع بما ترتفع به الجهالة الموجبة للغرر. و قد اختلفت تعابيرهم عن هذه الأوصاف، و المراد واحد، و لذا ادعي الاجماع علي كل واحد منها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 51

و الظاهر ان مرجع الجميع واحد، و لذا ادعي الاجماع علي كل واحد منها، ففي موضع من التذكرة يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفي في السلم عندنا. و عنه في موضع آخر من التذكرة ان شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا اجمع و يجب ذكر اللفظ الدال علي الجنس، ثمّ ذكر انه يجب ذكر اللفظ الدال علي التميز

و ذلك بذكر جميع الصفات التي يختلف الاثمان باختلافها و يتطرق الجهالة بترك بعضها، انتهي.

و في جامع المقاصد ضابط ذلك، ان كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته و انتفائه و يتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره، فلا بد من استقصاء اوصاف السلم، انتهي.

و ربما يتراءي التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه و كفاية ذكر اوصاف السلم من جهة انه قد يتسامح في السلم في ذكر بعض الاوصاف لافضائه الي عزة الوجود أو لتعذر الاستقصاء علي التحقيق (1) و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه، قال في التذكرة

______________________________

و تنقيح القول فيه: ان المراد من العين الشخصية ما يقابل الكلي في الذمة: الشامل للكسر المشاع الذي هو جزئي بجزئية منشأ انتزاعه، و الكلي في المعين المتعين باضافته الي الجزئي الخارجي، لاما يقابل غير المتعين بتمام انحاء التعين و عليه فلا يرد عليه ما اورده بعضهم بعدم اختصاص الخيار بذلك و جريانه في الكلي الخارجي و في الحصة المشاعة لقاعدة الضرر و تخلف الشرط، بل يمكن دعوي فهم المثالية من صحيحة جميل كما ان مراده من الغائبة ليس هي الغيبوبة الخارجية: لعدم العبرة بها، بل المراد الغيبوبة الذهنية بمعني عدم المعرفة به، فلا ايراد عليه.

الثالث: في الاشكالات التي اوردت في المقام، و هي اربعة:

(1) احدها: انهم ذكروا في المقام ضابطين للاوصاف اللازم ذكرها، و هما: اعتبار الأوصاف الدخيلة في مالية العوضين، و اعتبار ما يعتبر في باب السلم، و هما متنافيان، فانه يكتفي في باب السلم باقل من ذلك،

و لا يعتبر الاستقصاء بذكر كل وصف دخيل في المالية، لأنه يؤدي الي عزة الوجود،

و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 52

في

باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان بأوصافه المقصودة و ان تفاوت به الغرض و القيمة لافضائه إلي عزة الوجود، انتهي.

و قال في السلم في الاحجار المتخذة للبناء: انه يذكر نوعها و لونها و يصف عظمها فيقول: ما يحمل البعير منها اثنين أو ثلاثا أو اربعا علي سبيل التقريب دون التحقيق لتعذر التحقيق، و يمكن ان يقال: ان المراد ما يعتبر في السلم في حد ذاته، (1) مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة في بعض افراد السلم و ان كان يمكن ان يورد علي مسامحتهم هناك ان الاستقصاء في الاوصاف شرط في السلم غير مقيد بحال التمكن، فتعذره يوجب فساد السلم لا الحكم بعدم اشتراطه، كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط اوصافه و تمام الكلام في محله، ثمّ ان الاوصاف التي يختلف الثمن من اجلها غير محصورة (2) خصوصا في العبيد و الاماء فان مراتبهم الكمالية التي يختلف بها اثمانهم غير محصورة جدا و الاقتصار علي ما يرفع به معظم الغرر احالة علي مجهول، بل يوجب الاكتفاء علي ما دون صفات السلم

______________________________

(1) و اجاب عنه المصنف (رحمه الله)- بعد الايراد علي القوم بان تعذر استقصاء الأوصاف في السلم موجب لفساد السلم لا الفتوي بعدم اعتبار ذكر الأوصاف فيه: بانه يمكن ان يكون مرادهم باعتبار ما يعتبر في باب السلم ما يعتبر في ذلك الباب بالطبع لو لا عروض المانع، فلا تنافي.

و فيه: ان الايراد علي القوم في غير محله، إذ لو حكمنا بفساد السلم في الفرض لزم سد باب السلم لما اشار إليه من عموم هذا العذر، و المعلوم من الشرع خلافه، مع ان حمل ما ذكروه في الضابط

الثاني علي ذلك لا شاهد له.

فالحق في الجواب ان يقال: ان مرادهم بالأوصاف الدخيلة في المالية الأوصاف الدخيلة في المالية بلحاظ الآثار المترقبة من ذلك الشي ء عند نوع العقلاء لا الأوصاف الدخيلة في المالية بحسب الغرض الشخصي، و عليه فيرتفع التنافي، إذ ما يتعذر استقصائه في باب السلم ما كان من قبيل الثاني دون الأول.

(2) ثانيها: ان الاوصاف التي يختلف الثمن من اجلها غير محصورة خصوصا في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 53

لانتفاء الغرر عرفا بذلك، مع انا علمنا ان الغرر العرفي اخص من الشرعي، و كيف كان فالمسألة لا يخلو عن اشكال و اشكل من ذلك ان الظاهر ان الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة في بيع العين الحاضرة، و علي هذا فيجب ان يعتبر في الرؤية ان يحصل بها الاطلاع علي جميع الصفات المعتبرة في العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه (1)

قال في التذكرة: يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب، فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب يبطل ان لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهي.

و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة علي ما يعتبر في صحة السلم و بيع الغائب و من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية علي جميع الصفات المعتبرة في السلم و بيع العين الغائبة، فإنه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة علي سن الجارية بل و لا علي نوعها و لا غيرها من الامور التي لا يعرفها الا اهل المعرفة بها،

فضلا عن مرتبة كمالها الانساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال، و يبعد كل البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة، بل يلزم من ذلك عدم صحة

شراء غير العارف باوصاف المبيع الراجعة الي نوعه أو صنفه أو شخصه، بل هو بالنسبة الي الاوصاف التي اعتبروها كالأعمي لا بد من مراجعته لبصير عارف، و لا أجد في المسألة أوثق من ان يقال: ان المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة، (2) فإن دل علي اعتبار ازيد من ذلك حجة معتبرة اخذ به

______________________________

العبيد و الاماء، و الاكتفاء بذكر معظمها احالة علي المجهول.

(1) ثالثها: ان لازم كون التوصيف بمنزلة الرؤية لزوم مشاهدة ما يجب التوصيف به، مع انه لا يعتبر بعد مشاهدة العين الاطلاع علي الخصوصيات التي يجب ذكرها في العين الغائبة، فما الفرق بين المقامين مع اتحاد الدليل و هو ما دل علي النهي عن بيع الغرر.

(2) و اجاب عنهما المصنف (رحمه الله): بان الميزان رفع الغرر العرفي الذي هو اخص من الشرعي، و هو يرتفع بمشاهدة العين و ان لم يطلع علي الخصوصيات اللازم ذكرها إذا كانت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 54

و ليس فيما ادعاه العلامة في التذكرة من الاجماع حجة، مع استناده في ذلك الي كونه غررا عرفا، حيث قال في اول مسألة اشتراط العلم بالعوضين انه اجمع علماؤنا علي اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما ملك بازاء ما بذل، فينتفي الغرر فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم يتقدم رؤية أو يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهي.

و لا ريب ان المراد بمعرفة ما ملك معرفته علي وجه وسط بين طرفي الاجمال و التفصيل، ثمّ انه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر الاوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا، (1) لان الغرر بدون اخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع، فإذا اخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود،

لأن العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج و الغرر فيه اعظم، و يمكن ان يقال ان اخذ الاوصاف في معني الاشتراط لا التقييد (2) فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا و كذا و لا غرر فيه حينئذ عرفا. و قد صرح في النهاية و المسالك في مسألة ما لو رأي المبيع،

ثمّ تغير عما رآه ان الرؤية بمنزل الاشتراط

______________________________

العين غائبة.

و فيه: - مضافا الي ان الغرر لا حقيقة شرعية له كي يقال ان الغرر العرفي اخص من الشرعي، و ما يتراءي من الحكم بالفساد مع عدم الغرر العرفي كشراء المجهول بخيار أو بالمتيقن من قيمته فانما هو لدليل آخر فتأمل.

ان الغرر العرفي ايضا لا يرتفع بذلك في العين الحاضرة.

فالحق في الجواب: ان المعتبر في بيع العين المشاهدة الاطلاع علي الخصوصيات الدخيلة في المالية بلحاظ الأثر المترقب من ذلك الشي ء عند نوع العقلاء، و الا بطل البيع،

كما ان اللازم ذكر هذه الأوصاف في العين الغائبة.

(1) رابعها: ان توصيف المبيع بالاوصاف المجهول وجودها يوجب الجهل بوجود المبيع، إذ العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج، و الغرر فيه اعظم.

(2) و اجاب عنه المصنف (رحمه الله): بان التوصيف يرجع الي الاشتراط لا التقييد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 55

و لازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا.

و يمكن ان يقال ببناء هذا البيع علي تصديق البائع أو غيره في اخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة، كما يجوز الاعتماد عليه في الكيل و الوزن، و لذا ذكروا انه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما، و كيف كان، فلا غرر عرفا في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة و لا

دليل شرعا ايضا علي المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات، فيتعين الحكم بجوازه مضافا إلي الاجماع عليه ممن عدا بعض العامة، ثمّ ان الخيار بين الرد و الامساك مجانا هو المشهور بين الأصحاب، (1) و صريح السرائر تخييره بين الرد و الامساك بالارش و انه لا يجبر علي احدهما و يضعف بأنه لا دليل علي الأرش.

نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه اخذ الأرش، لكن بخيار العيب لا خيار رؤية المبيع علي خلاف ما وصفه، إذ لو لا الوصف ثبت خيار العيب ايضا و سيجي ء عدم اشتراط ذكر الأوصاف الراجعة الي وصف الصحة، و اضعف من هذا ما ينسب إلي ظاهر المقنعة و النهاية و المراسم من بطلان البيع، إذا وجد علي خلاف ما وصف،

______________________________

و فيه: - مضافا الي التأمل في صحة اشتراط غير الفعل و غير النتيجة علي ما سيأتي في محله ان التوصيف إذا لم يكن رافعا للغرر لم يكن الاشتراط ايضا رافعا له، و ثبوت الخيار عند تخلف الشرط لا يصلح رافعا له، و الا ارتفع باشتراط الخيار في كل بيع غرري في نفسه، و عليه فاللازم هو الاطمئنان بوجود الوصف أو اخبار من يكون خبره حجة شرعية.

الخيار بين الرد و الامساك مجانا.

(1) الرابع: ان الخيار بين الرد و الامساك مجانا هو المشهور بين الاصحاب،

و عن السرائر: التخيير بين الرد و الامساك بالأرش و عن بعض: تعين اخذ الارش،

و عن المقنعة و النهاية و المراسم: بطلان البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 56

لكن الموجود في المقنعة و النهاية ان لم يكن علي الوصف كان البيع مردودا و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد لا الباطل فعلا، و قد عبر في النهاية عن

خيار الغبن بذلك فقال: و لا بأس بأن يبيع الانسان متاعا بأكثر مما يسوي إذا كان المبتاع من اهل المعرفة، فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا و علي تقدير وجود القول بالبطلان، فلا يخفي ضعفه لعدم الدليل علي البطلان بعد انعقاده صحيحا عدا ما في مجمع البرهان.

و حاصله وقوع العقد علي شي ء مغاير للموجود، فالمعقود عليه غير موجود و الموجود غير معقود، عليه (1) و يضعف بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي لا يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا، بان يقال ان المبيع فاقد للأوصاف المأخوذة فيه، لا انه مغاير للموجود، (2) نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل في حقيقة المبيع عرفا، فالظاهر عدم الخلاف في البطلان و لو اخذ في عبارة العقد علي وجه الاشتراط كان يقول بعتك ما في البيت علي انه عبد حبشي فبان حمار أو حبشيا،

______________________________

اما الأول فقد مر ما يمكن ان يستدل به له و عرفت تماميته و قد استدل للثاني:

بان الضرر يرتفع بكل من الرد و الامساك بالارش، فمقتضي حديث لا ضرر «1»

التخيير بينهما.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان حديث لا ضرر لا يصح التمسك به في المقام.

و ثانيا: انه لو صح اقتضي تعين اخذ الارش، لأنه مقتضي الجمع بين ادلة اللزوم و الحديث كما لا يخفي.

و استدل للرابع بوجهين:

(1) الاول: وقوع العقد علي ما يغاير الموجود، فالمعقود عليه غير موجود،

و الموجود غير معقود عليه، و لا يكفي في الجواب ما قيل.

(2) من ان محل الكلام الاوصاف التي لا توجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا،

و ذلك فان التمليك من الاعتباريات، و هو متعلق علي الفرض بالموصوف بما هو موصوف و هو غير موجود لفقد الوصف.

فالحق في

الجواب ان يقال: ان الوصف إذا كان دخيلا في حقيقة المبيع- بما ان

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 4- 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 57

الا ان يقال ان الموجود و ان لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا إلا ان اشتراط اتصافه بالأوصاف في معني كون القصد إلي بيعه بانيا علي ذلك الأوصاف، فإذا فقد ما بني عليه العقد، فالمقصود غير حاصل، فينبغي بطلان البيع، (1) و لذا التزم اكثر المتأخرين بفساد العقد بفساد شرطه، فإن قصد الشرط ان كان مؤثرا في المعقود عليه، فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد، و إلا لم يوجب فساده فساد العقد،

بل غاية الأمر ثبوت الخيار.

و من هنا يظهر ان دفع ما ذكر في وجه البطلان الذي جعله المحقق الاردبيلي موافقا للقاعدة و احتمله العلامة (قدس سره) في النهاية، فيما إذا ظهر ما رآه سابقا علي خلاف ما رواه، بأنه اشتباه ناشئ عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات و الوصف المعين في الشخصيات، (2) و بين الوصف الذاتي و العرضي، و ان اقصي ما هناك كونه من باب تعارض الاشارة و الوصف و الاشارة اقوي

______________________________

العين بما هي موجودة لا تكون مورد الاعتبار الملكية و المالية حتي تباع- فلا محالة يكون البيع متعلقا بالوصف و العنوان، فتخلفه يوجب عدم البيع و ان كان غير دخيل فيها، الذي هو محل الكلام، يكون البيع بحسب بناء العرف و المتعاملين متعلقا بذات الموصوف،

و الوصف ليس عنوانا للمبيع، بل هو مطلوب آخر في المطلوب البيعي.

(1) الثاني: ان المعقود عليه و ان كان هو عين الموجود في الخارج، الا ان العقد علي الموجود وقع مبنيا علي الوصف.

و بعبارة اخري: الرضا في المعاملة لم يتعلق

الا بالمقيد بالصفة، و الفاقد لا رضا به،

و هذا يوجب البطلان.

(2) و اجاب عنه في الجواهر علي ما حكي عنه المصنف (رحمه الله) بما حاصله: ان الوصف المعين للكليات يوجب تضييق دائرة المبيع، من غير فرق بين الوصف الذاتي و العرضي،

فيكون الموجود غير معقود عليه، و أما الوصف المعين في الشخصيات فان كان ذاتيا فكذلك للمغايرة الذاتية، و ان كان عرضيا فالمورد و ان كان هو الموصوف الا انه يصدق علي الموجود انه مورد للبيع و علي فرض الاغماض عن ذلك في مورد العين الشخصية إذا كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 58

مجازفة لا محصل لها. (1) و أما كون الاشارة اقوي من الوصف عند التعارض،

فلو جري فيما نحن فيه لم يكن اعتبار بالوصف، فينبغي لزوم العقد و اثبات الخيار من جهة كونه وصفا لشخص لا مشخصا لكلي حتي يتقوم به و كونه عرضيا لا ذاتيا اعادة للكلام السابق، و يمكن ان يقال ان المستفاد من النصوص و الاجماعات في الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة الغير المتقومة للمبيع، سواء علم القصد إليها من الخارج ام اشترطت في العقد، كالحكم بمضي العقد علي المعيب مع عدم القصد الا الي الصحيح و منه المصراة و كالحكم في النص و الفتوي بتبعيض الصفقة إذا باع ما يملك و ما لم يملك و غير ذلك، (2) فتأمل. و سيجي ء بعض الكلام في مسألة الشرط الفاسد انشاء الله تعالي

______________________________

الوصف غير دخيل في الحقيقة يكون المورد مع تلف الوصف من قبيل تعارض الوصف و الاشارة، و الاشارة اقوي.

(1) قوله مجازفة لا محصل لها بناء علي ما ذكرناه في بيان مراد الجواهر يكون ما افاده هو الذي افاده المصنف (رحمه

الله)

في الجواب عن الوجه الاول فلا يكون مجازفة نعم لا ربط بالوجه الثاني.

و يرد علي ما افاده (رحمه الله) اولا: ان ما ذكر يفيد في مقام بيان اثبات الاتحاد و لا يفيد في في الجواب عن اشكال عدم الرضا كما لا يخفي.

و يرد علي ما افاده ثانيا: ان اقوائية كل من الاشارة و الوصف انما تكون ضابطة صورة اشتباه المراد دون المقام،

مع ان اقوائية الاشارة لو اعتمد عليها في المقام لزم منها صحة البيع و لزومه لا الخيار.

(2) و اجاب المصنف (رحمه الله) عنه بالاستقراء، و ان الشارع المقدس علي حسب ما يستفاد من النصوص و الاجماعات في الموارد المتفرقة حكم بصحة البيع مع الخيار بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقومة للمبيع.

و فيه: ان هذا المقدار لا يكفي في الجواب عن الوجه العقلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 59

نعم هنا اشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخلي في الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه بطلان البيع و الخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار، فإن الظاهر دخول الذكورة و الأنوثة في المماليك في حقيقة المبيع لا في مثل الغنم، و كذا الرومي و الزنجي حقيقتان عرفا، و ربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الاوصاف، كما إذا باعه الدهن أو الجبن أو اللبن علي انه من الغنم فبان من الجاموس.

و كذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر، و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته علي العرف (1) و ان خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الرباء، فتأمل.

مسألة: الأكثر علي ان الخيار عند الرؤية فوري، (2)

بل نسب الي ظاهر الاصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين الا من احمد، حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية و احتمل في نهاية

الأحكام و لم اجد لهم دليلا صالحا علي ذلك الا وجوب الاقتصار في مخالفة لزوم العقد علي المتيقن، و يبقي علي القائلين بالتراخي في مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين،

______________________________

فالحق في الجواب ان يقال: ان الظاهر من عبارات المشترطين للأوصاف غير الدخيلة في حقيقة الشي ء اخذها في المعاملة بنحو تعدد المطلوب، و ان اتصافه بها مطلوب آخر في مطلوب نظير اشتراط عمل خارجي كخياطة الثوب.

(1) قوله و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته علي العرف بل هذا هو المتعين لا من جهة تشخيص مفهوم الوصف الداخلي و الخارجي حتي يقال انه لم ينط الحكم في لسان الدليل بهما- بل من جهة ان ما يكون من قبيل الوصف الخارجي بنظر العرف بحسب ظهور الكلام ماخوذ بنحو تعدد المطلوب دون ما كان من قبيل الوصف الداخلي فتدبر.

خيار الرؤية فوري.

(2) الخامس: الاكثر علي ان الخيار عند الرؤية فوري.

و قد تقدم في مبحث خيار الغبن تنقيح القول، فيما تقتضيه القواعد من العمومات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 60

مع ان صحيحة جميل المتقدمة في صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك بعدم بيان مدة الخيار فيها علي عدم الفورية و ان كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في بعض الخيارات المستندة الي النص.

و قد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب في اثبات التراخي و ان استندوا إليه في بعض الخيارات السابقة.

مسألة: يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا (1)
اشارة

علي الوجه المتقدم في خيار الغبن و باسقاطه بعد الرؤية (2)

______________________________

و الاستصحاب و غير هما و ان كل خيار ثبت و لم يكن لدليله اطلاق مقتضي القواعد انه فوري فراجع.

نعم لو كان مدرك هذا الخيار النص الخاص كان مقتضي اطلاقه كونه علي التراخي،

و لكن قد عرفت انه لا يكون مدركا

له، فالحق انه علي الفور.

مسقطات خيار الرؤية

السادس: - قالوا- انه يسقط هذا الخيار بامور:

(1) احدها: ترك المبادرة الي الفسخ، و قد مر الكلام فيه و عرفت انه صحيح لان هذا الخيار علي الفور.

(2) ثانيها: اسقاطه بعد الرؤية.

اسقاط الخيار ان كان بعد الرؤية التي لا شك في تحقق الخيار عندها، كأنه من المسلمات عندهم نفوذه،

و هو محل تأمل لو كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر كما تقدم في مبحث خيار الغبن.

نعم لو كان المدرك النص أو الشرط الضمني تم ذلك: فان الخيار حينئذ من الحقوق،

و لكل ذي حق اسقاط حقه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 61

و بالتصرف بعدها (1) و لو تصرف قبلها. ففي سقوط الخيار وجوه ثالثها ابتناء ذلك علي جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرؤية بناء علي ان التصرف اسقاط فعلي، (2) و في جواز اسقاطه قبل الرؤية وجهان مبنيان علي ان الرؤية سبب أو كاشف، (3) قال في التذكرة لو اختار امضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لتعلق الخيار بالرؤية، انتهي.

و حكي ذلك من غيرها ايضا، و ظاهره ان الخيار يحدث بالرؤية لا انه يظهر بها و لو جعلت الرؤية شرطا لا سببا امكن جواز الاسقاط بمجرد تحقق المسبب و هو العقد و لا يخلو عن قوة.

______________________________

(1) ثالثها: التصرف بعد الرؤية.

و قد تقدم الكلام ايضا في مسقطية التصرف، و عرفت ان دليله الخاص غير عام لجميع الخيارات، و ان فيما لا نص فيه كالمقام لو كان التصرف كاشفا عن الاسقاط و دالا عليه سقط به الخيار و الا فلا.

هذا في التصرف بعد الرؤية.

(2) و أما التصرف قبلها ففيه وجوه:

احدها مسقطيته علي القول بمسقطية الاسقاط قولا قبل الرؤية، و عدمها علي القول بالعدم.

ثانيها: مسقطيته

مطلقا، و استدل لهذا الوجه: بان مسقطية التصرف انما تكون من جهة انه رضا متجدد بالبيع كما هو ظاهر التعليل بقوله (عليه السلام) فذلك رضا منه و يكون سقوط الحق لعدم الملاك لا لرفعه بعد ثبوته، و عليه فلا مانع من مسقطيته قبل ثبوت الخيار.

و فيه: ما تقدم في مبحث خيار الغبن من انه لا يكون مسقطا لهذه الجهة. فراجع.

ثالثها: عدم مسقطيته مطلقا، و استدل له: بانه لا يكون التصرف كاشفا عن الرضا بالعقد ان كان قبل الرؤية كما في التصرف قبل العلم بالغبن.

(3) و أما الاسقاط قبل الرؤية فان قلنا بان الرؤية كاشفة عن حدوث الخيار من حين العقد- كما هو مقتضي حديث لا ضرر «1» لأن الضرر انما يتوجه من حين العقد

______________________________

(1) مر مكررا مصادر الحديث و اخيرا في خيار الغبن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 62

و لو شرط سقوط هذا الخيار، ففي فساده و افساده للعقد كما عن العلامة و جماعة أو عدمهما كما عن النهاية و بعض أو الفساد دون الافساد وجوه، بل اقوال (1) من كونه موجبا لكون العقد غررا، (2) كما في جامع المقاصد من ان الوصف قام مقام الرؤية، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي و لا موصوف، و من ان دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتي يثبت بارتفاعه،

______________________________

و تخلف الشرط فانه من حين العقد- و النص الخاص- لاحظ ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيح جميل: كان له في ذلك خيار الرؤية «1» - فلا اشكال ايضا و ان قلنا بانها سبب أو شرط ففيه اشكال، و قد تقدم الكلام فيه مفصلا في مبحث خيار الغبن.

و به يظهر ان الاسقاط منجزا غير معقول، و

معلقا علي حدوثه لا مانع منه لو لا الاجماع، و انه لا فرق بين كونها سببا أو شرطا. فراجع.

اشتراط سقوطه

(1) رابعها: اشتراط سقوطه في ضمن العقد، ذكره الشيخ في النهاية و بعض آخر.

و فيه قولان آخران:

- الأول-: ما عن العلامة و جماعة، و هو: فساد الشرط و افساده للعقد.

- الثاني-: ما عن جماعة، و هو: الفساد دون الافساد.

و قد استدل للثاني بوجهين:

(2) الاول: انه موجب لكون البيع غرريا، و للقوم في بيان ذلك تقريبات،

احدها: ما عن المحقق الثاني، و حاصله: ان بيع مجهول الوصف انما ترتفع غرريته من جهة تعهد الوصف باعتبار انه موجب لكون امر العقد بيده عند تخلف الشرط، فلا يذهب ماله هدرا، فلا غرر، و إذا شرط سقوط الخيار لم يرتفع الغرر لخروج زمام امر العقد من يده فيعود الغرر و الخطر.

و فيه: ان الخيار حكم شرعي لا يرفع الغرر، و لو كان مؤثرا في رفع الغرر جاز بيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 63

فإن الخيار حكم شرعي لو اثر في دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا و العلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فإن الغرر هو الاقدام علي شراء العين الغائبة علي اي صفة كانت، و لو كان الالتزام المذكور مؤديا الي الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب ايضا مؤديا إليه، لأنه بمنزلة بيع الشي ء صحيحا أو معيبا بأي عيب كان، و لا شك انه غرر و إنما جاز بيع الشي ء غير مشروط بالصحة اعتمادا علي اصالة الصحة لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب في المبيع، لأن تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش من تخالف افراد

الصحيح و اقتصارهم في بيان الأوصاف المعتبرة في بيع العين الغائبة علي ما عدا الصفات الراجعة الي العيب انما هو للاستغناء عن تلك الأوصاف باصالة الصحة لا لجواز اهمالها عند البيع، فحينئذ فإذا شرط البراءة من العيوب، كان راجعا الي عدم الاعتداد بوجود تلك الأوصاف و عدمها، فيلزم الغرر خصوصا علي ما حكاه في الدروس عن ظاهر الشيخ و اتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره كالبيض و الجوز الفاسدين، كذلك حيث ان مرجعه علي ما ذكروه هنا في اشتراط سقوط خيار الرؤية الي اشتراط، عدم الاعتداد بمالية المبيع و لذا اعترض عليهم الشهيد و اتباعه بفساد البيع مع هذا الشرط لكن مقتضي اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب و لو كان للمعيب قيمة لأن مرجعه الي عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا و معيبا بأي وصف كان، ثمّ انه قد يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر في البيع حتي يلزم فساد البيع و لو علي القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد بل من انه اسقاط لما لم يتحقق بناء علي ما عرفت من ان الخيار إنما يتحقق بالرؤية، فلا يجوز إسقاطه قبلها فاشتراط الأسقاط لغو و فساده من هذه الجهة لا يؤثر في فساد العقد، فيتعين المصير الي ثالث الأقوال المتقدمة، لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 64

و أقوي الاقوال اولها، لأن رفع الغرر عن هذه المعاملة و ان لم يكن لثبوت الخيار لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر العرفي المتحقق في البيع، الا انه لأجل سبب الخيار (1) و هو اشتراط تلك الأوصاف المنحل الي ارتباط الالتزام العقدي

بوجود هذه الصفات، لأنها اما شروط للبيع و أما قيود للمبيع كما تقدم سابقا، و اشتراط سقوط الخيار راجع الي الالتزام بالعقد علي تقديري وجود تلك الصفات و عدمها، (2) و التنافي بين الأمرين واضح، و أما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بان نفي العيوب ليس ماخوذا في البيع علي وجه الاشتراط أو التقييد و إنما اعتمد المشتري فيهما علي أصالة الصحة لا علي تعهد البائع لانتفائها حتي ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها

______________________________

كل مجهول مع شرط الخيار.

ثانيها: ما عن المصنف (رحمه الله)، و حاصل ما افاده يرجع الي امرين، بل لعل ظاهر صدر كلامه الأول، و ظاهر ذيله الثاني:

(1) الاول: ان ارتفاع الغرر عن هذه المعاملة و ان لم يكن لثبوت الخيار الا انه من جهة سبب الخيار و هو اشتراط تلك الأوصاف الذي مرجعه الي ارتباط العقد بنفسه أو بمتعلقه بنفس وجود الوصف، لأنها اما شروط للبيع أو قيود للمبيع، و اشتراط سقوط الخيار الذي مرجعه الي الالتزام بالعقد علي تقديري وجود تلك الصفات و عدمها ينافي ذلك، فما هو الموجب لرفع الغرر ينافيه هذا الاشتراط.

(2) الثاني: ان اشتراط سقوط الخيار مرجعه الي الالتزام بالبيع مع عدم الوصف،

و هذا ينافي الالتزام بالبيع المرتبط بالالتزام بالوصف،

و الفرق بين الوجهين ان مرجع الأول الي ان لازم الشرط قيدية نفس الوصف و عدم قيديته، و مرجع الثاني الي الالتزام بالوصف و عدم الالتزام به.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان الموجب لرفع الغرر ليس هو الالتزام بالوصف بل الاطمئنان بوجوده أو اخبار من يكون خبره حجة به، و في غير ذلك لا يرتفع الغرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 65

بخلاف الصفات فيما

نحن فيه، فإن البائع يتعهد لوجودها في المبيع، و المشتري يعتمد علي هذا التعهد، فاشتراط البائع علي المشتري عدم تعهده لها، و التزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك.

نعم لو شاهده المشتري و اشتراه معتمدا علي اصالة بقاء تلك الصفات،

فاشتراط البائع لزوم العقد عليه و عدم الفسخ لو ظهرت المخالفة كان نظير اشتراط البراءة من العيوب، كما انه لو اخبر بكيله أو وزنه فصدقه المشتري، فاشترط عدم الخيار، و لو ظهر النقص، كان مثل ما نحن فيه، كما يظهر من التحرير في بعض فروع الأخبار بالكيل و الضابط في ذلك ان كل وصف تعهده البائع. و كان رفع الغرر بذلك،

لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده، و كل وصف اعتمد المشتري في رفع الغرر علي امارة اخري جاز اشتراط سقوط خيار فقده، كالاصل أو غلبة مساواة باطن الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك.

و مما ذكرنا ظهر وجه فرق الشهيد و غيره في المنع و الجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة و بين اشتراط البراءة من العيوب في العين المشكوك في صحته و فساده، و ظهر ايضا انه لو تيقن المشتري بوجود الصفات المذكورة في العقد في المبيع، فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقدها،

لأن رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها

______________________________

و ثانيا: انه لو سلم كون الرافع الالتزام بالوصف، الا ان اشتراط سقوط الخيار ليس مرجعه الي الالتزام بعدم الوصف، و لا عدم الالتزام بالوصف كي ينافيه، فان الخيار ليس اثرا لا ينفك للالتزام بالصفات حتي يكون شرط سقوطه في قوة عدم الالتزام بالوصف،

بل هو حكم شرعي ثبت في مورد الالتزام بالوصف قابل لأن يسقط بالشرط مع بقاء الالتزام.

و

بهذا البيان يندفع ما استفاده بعض مشايخنا من كلام المحقق الخراساني (رحمه الله) في وجه ذلك الذي هو التقريب الثالث، و هو:

ان الخيار لازم اشتراط الوصف و ابطال اللازم، و رفع اليد عنه ابطال للملزوم لفرض الملازمة، و إذا ارتفع الملزوم عاد الغرر لما عرفت من انه ليس لازما لا ينفك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 66

و كذا لو اطمأن بوجودها و لم يتيقن و الضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات و تعهدها من البائع و عدمه، هذا مع امكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع خرج اشتراط التبري من العيوب بالنص و الاجماع، لأن قاعدة نفي الغرر قابلة للتخصيص كما اشرنا إليه سابقا و ظهر ايضا ضعف ما يقال (1) من ان الأقوي في محل الكلام الصحة لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول و لو ان الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار و إلا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار و هو معلوم العدم و اقدامه علي الرضاء بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف ادخال الغرر عليه من قبل نفسه، انتهي.

توضيح الضعف ان المجدي في الصحة ما هو سبب الخيار، و هو التزام البائع وجود الوصف لا نفس الخيار و أما كون الاقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة في البيع الغرري و المسألة موضع اشكال.

______________________________

الوجه الثاني: انه اسقاط لما لم يتحقق، فاشتراط السقوط لغو و فاسد، و الشرط الفاسد مفسد للعقد.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان خيار الرؤية يثبت من حين العقد، فاشتراط سقوطه ليس اسقاطا لما لم يتحقق.

و ثانيا: ما تقدم في مبحث خيار الغبن

من ان اسقاط ما لم يتحقق علي تقدير تحققه لا محذور فيه.

و ثالثا: ان الشرط الفاسد لا يفسد كما سيأتي تحقيقه.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول الثالث و ضعفه،

فالأظهر هو القول الأول.

(1) قوله و ظهر ايضا ضعف ما يقال من ان الاقوي في محل الكلام الصحة القائل هو صاحب الجواهر (رحمه الله) و حاصل ما افاده في رد من استدل علي التنافي بانه مع عدم الاطمينان يكون لثبوت الخيار دخل في رفع الغرر ان ثبوت الخيار اجنبي عنه بل الموجب لارتفاعه التوصيف الذي يصدق معه تعلق البيع بمعلوم غير مجهول و لو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يكن ثبوت الخيار رافعا له و الا لصح بيع الغرر بشرط الخيار الخ و أما ما افاده المصنف (رحمه الله) في وجه ضعفه فقد تقدم الكلام فيه مفصلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 67

مسألة: لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت و لا بابدال العين،

لأن العقد انما وقع علي الشخصي فتملك غيره يحتاج الي معاوضة جديدة، (1) و لو شرط في متن العقد الابدال لو ظهر علي خلاف الوصف. ففي الدروس ان الاقرب الفساد، و لعله لان البدل المستحق عليه بمقتضي الشرط ان كان بإزاء الثمن فمرجعه الي معاوضة جديدة علي تقدير ظهور المخالفة، بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة، و ينعقد بيع آخر،

فيحصل بالشرط انفساخ عقد و انعقاد عقد آخر، كل منهما معلق علي المخالفة.

و من المعلوم عدم نهوض الشرط لاثبات ذلك، و ان كان بإزاء المبيع الذي ظهر علي خلاف الوصف، فمرجعه ايضا الي انعقاد معاوضة تعليقية غررية، لان المفروض جهالة المبدل و علي اي تقدير، فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور،

فيفسد و يفسد العقد، (2)

______________________________

حكم بذل التفاوت و ابدال العين

السابع: في سقوط هذا الخيار ببذل

التفاوت و بابدال العين، وجهان:

(1) قد استدل المصنف لعدم السقوط بان تملك غير العين الشخصية الواقع عليها البيع يحتاج الي معاملة جديدة.

و لكن هذا الوجه لا يكفي لاثبات المدعي، إذ تملك ما به التفاوت ببذل صاحبه امر،

و عدم سقوط الخيار بعد الملكية امر آخر، و مورد الكلام هو الثاني، و الدليل دليل للأول.

فالاولي الاستدلال له بان اطلاق النص يقتضي ذلك، و بذل التفاوت أو ابدال العين لا يوجب عدم ضررية اللزوم من حيث الغرض المعاملي و لو بقاء كي لا تكون المعاملة بقاء مشمولة لحديث لا ضرر، و ايضا لا يؤثر في رفع ما اوجبه تخلف الشرط من الخيار عند تخلف الوصف هذا مع عدم الشرط و أما لو شرط في متن العقد احدهما لو ظهر علي خلاف الوصف، فعن الدروس و في المكاسب.

(2) فساد الشرط و افساده للعقد في الاول، و في الجواهر: الحكم بالفساد في الثاني فالكلام يقع في موردين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 68

______________________________

الأول-: في صحة هذا الشرط و فساده.

- الثاني-: في سقوط الخيار به و عدمه.

اما المورد الأول: فغاية ما استدل به للفساد في مقابل عموم ما دل علي صحة الشرط و نفوذه «1» وجوه:

احدها: ان مقدار التفاوت مجهول، فشرط بذله شرط امر مجهول، و هو غرري باطل.

و فيه: انه لو سلم بطلان الشرط الغرري ان محل الكلام صحة شرط البذل و عدمها،

فلا بد و ان يفرض الصحة من سائر الجهات بان يفرض العلم بمقدار ما به تفاوت الواجد و الفاقد.

ثانيها: انه من قبيل التعليق في الشرط، و هو يبطل العقد و الايقاع.

و فيه: ان التعليق لا دليل علي مبطليته سوي الاجماع غير الشامل للشرط.

ثالثها: ان شرط النتيجة غير نافذ.

و فيه:

اولا: ان محل الكلام اعم من ذلك و من شرط الفعل.

و ثانيا: ان شرط النتيجة صحيح في غير ماله سبب خاص كالطلاق.

فالأظهر صحة هذا الشرط و نفوذه.

و أما المورد الثاني: فان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر أو الشرط سقط الخيار، و ذلك لأنه مع هذا الشرط و بذل التفاوت لا ضرر من حيث المالية، و هو واضح.

و لا من حيث الغرض المعاملي، فان المعاملة مع هذا الشرط كاشف عن سعة دائرة الغرض المعاملي،

و ان كان المدرك هو النص لم يسقط لإطلاق النص،

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 69

______________________________

اللهم الا ان يدعي انصرافه عن مثل الفرض، و الله العالم.

و أما شرط الابدال فظاهر صدر عبارة المصنف شرط الفعل، و ظاهر ذيلها شرط النتيجة،

فالكلام فيه يقع في موضعين.

الأول: في شرط النتيجة،

و هو قد يكون بجعل الواجد بدلا عن الفاقد في قبال الثمن، و حيث انه لا يعقل وقوع مال الشخص بدلا عن ماله، فلا محالة يرجع هذا الشرط الي شرط انفساخ المعاملة و انعقادها بين الواجد و الثمن،

و قد يكون بجعل الواجد بدلا عن الفاقد بوقوع احدهما في قبال الآخر.

اما الأول: فقد استدل لفساد الشرط بوجوه:

احدها: انه من قبيل شرط النتيجة، و قد تقدم ما فيه.

ثانيها: ان كلا من انفساخ المعاملة و انعقادها يتوقف علي سبب خاص، فشرط وقوعهما قهرا شرط مخالف للمشروع:

و فيه: ان مقتضي عموم ما دل علي وجوب الوفاء بالعقد، «1» و نفوذ كل تجارة عن تراض، «2» صحة هذا الشرط، بل و لزومه،

مضافا الي دليل نفوذ الشرط و لزومه «3».

ثالثها: ان الشرط مبادلة تعليقية، و التعليق يفسد المعاملة.

و فيه: ما تقدم من عدم مفسدية التعليق للشرط.

رابعها:

انه مبادلة غررية، و هي باطلة.

و فيه: ان الغرر لو كان فهو من جهة الجهل بالوجود، و هو مندفع بان المعاوضة

______________________________

(1) المائدة آية 2

(2) النساء آية 30.

(3) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 70

______________________________

حيث لا تنعقد الا عند ظهور التخلف، فهو عالم بانه اما تنعقد معاوضة او لا تنعقد، فلا غرر،

فالأظهر صحة هذا الشرط.

فان قيل: ان هذا الشرط و ان صح الا انه بمجرد انحلال البيع ينحل الشرط، إذ الشرط ما لم يكن في ضمن العقد لا يجب الوفاء به، فلا سبب للمعاوضة الجديدة.

اجبنا عنه: بان الشرط انعقاده يتوقف علي كونه في ضمن العقد، و أما انحلاله بسبب انحلال العقد فلا دليل عليه الا فيما إذا كان الشرط من قبيل الضميمة لأحد العوضين، و في المقام لا يتعقل ذلك، بل هو انما يكون للتحفظ علي الغرض الوسيع من المعاملة كما لا يخفي،

و أما سقوط الخيار به فهو لا إشكال فيه لانتفاء موضوع الخيار بانفساخ المعاملة.

و أما الثاني: اي جعل الواجد بدلا عن الفاقد، فمحذوره التعليق في الشرط الذي نتيجته نتيجة البيع و الجهالة و الغررية في المبدل، لأنه لا يعلم انه واجد للوصف ام فاقد،

و تعلقه بالنتيجة، و قد تقدم ان التعليق في الشرط لا دليل علي مبطليته،

و الغرر من حيث الجهل بالوجود يندفع بانه حين المعاوضة- و هو ظهور التخلف- قاطع بكونه واجدا أو فاقدا، و من حيث الجهل بالوصف يرتفع بتوصيفه بكونه غير واجد،

و أما سقوط الخيار به فالكلام فيه ما تقدم في شرط بذل التفاوت.

الموضع الثاني: في شرط الفعل، و هو ايضا قد يكون بجعل الواجد بدلا عن الفاقد،

و قد يكون بجعله بدلا عن الثمن الذي مرجعه الي

شرط حل العقد الأول ثمّ تبديل الواجد بالثمن،

اما المورد الأول: فمانع مشروعية هذا الشرط ليس الا جهالة المبدل و التعليق في الشرط، و قد تقدم ما فيهما، و أما سقوط الخيار به فهو ايضا ظهر مما ذكرناه من ان هذا الشرط يوسع دائرة الغرض المعاملي فلا ضرر.

و أما المورد الثاني: فمانع صحة الشرط بعض ما تقدم و عرفت ما فيه، و يجري فيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 71

و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض علي الشهيد (قدس سره) (1) حيث قال بعد نقل عبارة الدروس و حكمه بالفساد ما لفظه ظاهر كلامه ان الحكم بالفساد اعم من ان يظهر علي الوصف أو لا و فيه انه لا موجب للفساد مع ظهوره علي الوصف المشروط و مجرد شرط البائع الابدال مع عدم الظهور علي الوصف لا يصلح سببا للفساد لعموم الاخبار المتقدمة.

نعم لو ظهر مخالفا، فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة، و لا يجبره هذا الشرط لإطلاق الاخبار و الاظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة الي الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور و عدمه.

______________________________

ما ذكر من انه بانحلال العقد ينحل الشرط. و جوابه ما تقدم،

و أما في مسقطيته للخيار فحال هذا المورد حال المورد المتقدم، و الله العالم.

(1) قال المصنف (رحمه الله): و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض علي الشهيد محصل ما افاده صاحب الحدائق (رحمه الله) بعد حمل الحكم بالفساد من الشهيد علي فساد البيع: انه علي اطلاقه ممنوع، بل يتم في صورة ظهور الخلاف،

و وجه بطلانه حينئذ ان الموجود غير المبيع.

و دعوي ان هذا الشرط يجبر المخالفة، إذ معه كأنه يكون المبيع هو الواجد فلا مخالفة مندفعة

بانه شرط فاسد لإطلاق اخبار «1» الخيار، فلا يكون جابرا، و أما مع عدم ظهور الخلاف. فمقتضي عموم اخبار الخيار عند ظهور الخلاف و اخبار «2» البطلان القاضيتين بالصحة مع عدم ظهور الخلاف هو الحكم بالصحة،

ثمّ وجه كلام الشهيد (رحمه الله): بان مراده الحكم بفساد الشرط و وجه فساده بانه لا تأثير له مع الظهور و عدمه، إذ مع الظهور علي الوصف لا تخلف كي يجب الابدال و مع عدمه و المخالفة يكون الشرط مخالفا للسنة، و هي اخبار الخيار فلا اثر له علي التقديرين.

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب الخيار.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 72

و بالجملة فإني لا اعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة علي الاطلاق وجها يحمل عليه، انتهي.

مسألة: الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع علي عين شخصية موصوفة كالصلح و الاجارة (1)

لأنه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة، فإما ان يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الاردبيلي في بطلان بيع العين الغائبة.

و أما ان يحكم بلزومه من دون خيار، (2) و الاول مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه. و الثاني فاسد من جهة ان دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد و حرمة النقض.

و معلوم ان عدم الالتزام بترتب آثار العقد علي العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضا للعقد، بل قد تقدم عن بعض ان ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاء و عملا بالعقد حتي يجوز،

______________________________

ثبوت خيار الرؤية في كل عقد

(1) الثامن: هل يثبت خيار الرؤية في العقود الاخر، ام يختص بالبيع؟ وجهان.

الظاهر أن مدرك خيار الرؤية ان كان حديث لا ضرر ثبت ذلك في كل عقد، لأن نسبة الحديث الي جميع المعاملات علي حد سواء،

و ان كان مدركه تخلف الشرط فكذلك كما

هو واضح،

و أما ان كان مدركه النص الخاص فمورده خصوص البيع، فان امكن دعوي القطع بعدم خصوصية لموردها يتعدي الي سائر المعاملات، و الا فلا كما انه كذلك لو كان المدرك الاستقراء و تتبع الموارد الخاصة.

(2) و أما ما افاده المصنف (رحمه الله) من المنفصلة ذات الاطراف الثلاثة و هي: ان العقد لو تخلف الوصف اما ان يكون باطلا، أو صحيحا لازما، أو صحيحا جائزا، و الأول باطل لانه خلاف طريقة الأصحاب في تخلف الأوصاف، و الثاني باطل لأن دليل لزوم الوفاء بالعقد و هو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا يشمله، فان عدم الالتزام بترتب آثار العقد علي العين الفاقدة للوصف المشترط فيه لا يكون نقضا للعقد، فيتعين الثالث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 73

بل هو تصرف لم يدل عليه العقد فيبطل.

و الحاصل ان الامر في ذلك دائر بين فساد العقد و ثبوته مع الخيار و الاول مناف لطريقة الاصحاب في غير باب فتعين الثاني.

مسألة: لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة، (1)

و قال المشتري قد اختلف.

ففي التذكرة قدم قول المشتري لأصالة براءة ذمته من الثمن (2) فلا يلزمه ما لم يقربه أو يثبت بالبينة، و رده في المختلف في نظير المسألة بأن اقراره بالشراء اقرار بالاشتغال بالثمن، و يمكن ان يكون مراده ببراءة الذمة عدم وجوب تسليمه (3) الي البائع، بناء علي ما ذكره في احكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم الثمن و لا المثمن في مدة الخيار، و ان تسلم الآخر

______________________________

فيرد عليه ان دليل اللزوم لا ينحصر بما دل علي وجوب الوفاء بالعقد، و في غيره كفاية، مع ان اللزوم مقتضي الاستصحاب علي ما تقدم.

و اضف الي ذلك كله: ان الوصف ان كان قيدا مقوما للمعقود عليه لزم من تخلفه بطلان

العقد، و الا فان قلنا بان الالتزام بالشرط في قوة جعل الخيار عند تخلفه ثبت الخيار،

و الا فحيث ان الشرط التزام آخر في ضمن الالتزام المعاملي، فعدم امكان العمل بالالتزام الشرطي لا يقتضي جواز نقض الالتزام الأول.

اختلاف المتبايعين

(1) التاسع: لو اختلفا فقال البائع: لم يختلف صفة و قال المشتري: قد اختلفت، فعن التذكرة: قدم قول المشتري.

و قد استدل لتقديم قول المشتري بوجوه:

(2) الاول: ما عن العلامة (رحمه الله) من ان الاصل براءة ذمته من الثمن و مراده ما وجهه المصنف (رحمه الله)

(3) بان المراد عدم وجوب دفعه الي البائع، إذ اشتغال الذمة باصله ثابت لفرض صحة المعاملة، مع ان الثمن لم يفرض كليا، و عليه فلا يرد عليه ما افاده في محكي المختلف في نظير المسألة من ان اقراره بالشراء اقرار منه بالاشتغال بالثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 74

و كيف كان فيمكن ان يخدش بأن المشتري قد اقر باشتغال ذمته بالثمن سواء اختلف صفة المبيع ام لم يختلف، غاية الأمر سلطنته علي الفسخ لو ثبت ان البائع التزم علي نفسه اتصاف المبيع بأوصاف مفقودة، (1) كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا،

و حيث لم يثبت ذلك، فالأصل عدمه، فيبقي الاشتغال لازما غير قابل للازالة بفسخ العقد، هذا، و يمكن دفع ذلك بأن اخذ الصفات في المبيع و ان كان في معني الاشتراط،

الا انه بعنوان التقييد. فمرجع الاختلاف الي الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها صفات مفقودة، أو تعلقه بعين لوحظ فيها الصفات الموجودة أو ما يعمها و اللزوم من احكام البيع (2) المتعلق بالعين علي الوجه الثاني، و الاصل عدمه و منه يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين الاختلاف في اشتراط

كتابة العبد. و قد تقدم توضيح ذلك و بيان ما قيل أو يمكن ان يقال في هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغيير ما شاهداه قبل البيع.

______________________________

(1) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بما حاصله: ان هذا الاصل محكوم باصالة عدم التزام البائع علي نفسه باتصاف المبيع بوصف مفقود، فان الشك في وجوب التسليم مسبب عن الشك في الخيار، و هو مسبب عن الشك في التزام البائع بالوصف المفقود، فإذا جري الأصل الحاكم كان قول البائع موافقا للأصل.

و الجواب عنه- مضافا الي ذلك-: ان كون حكم الخيار عدم وجوب التسليم محل نظر و منع، بل هو واجب ما دام لم يفسخ العقد.

(2) الثاني: ما افاده المصنف (رحمه الله) و هو: ان اللزوم من احكام البيع بالعين الملحوظ فيها الوصف الموجود أو ما يعمه، و الأصل عدمه، و لا تجري اصالة عدم التزام البائع بالوصف المفقود التي ذكرها في رد العلامة من جهة ان اخذ الوصف في المبيع في قوة التقييد، و ليس التزاما مستقلا، فيكون الالتزام واحدا، و امره دائرا بين تعلقه بالموصوف أو الموجود، و حيث ان اللزوم من احكام تعلق البيع بالموجود، فتجري اصالة عدمه،

و لا تعارضها اصالة عدم تعلقه بالموصوف بالوصف المفقود لعدم ترتب الأثر عليها الا إذا ثبت بها وروده علي الموجود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 75

مسألة: لو نسج بعض الثوب فاشتراه علي ان ينسج الباقي كالأول بطل، (1)

كما عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد (قدس سره) و العلامة في كتبه و جامع المقاصد. و استدل عليه في التذكرة و جامع المقاصد بأن بعضه عين حاضرة و بعضه في الذمة مجهول.

______________________________

و فيه: ان من الواضح عدم دخالة الوصف الموجود في اللزوم، فان الدخيل فيه عدم تخلف الوصف و عدم

فقده. و بعبارة اخري: الخيار معلق علي العقد علي الموصوف بوصف مفقود، فاصالة عدم تعلق العقد بالموصوف بوصف مفقود تعبد بعدم الخيار البديل للزوم.

الثالث: ما عن التذكرة و هو اصالة عدم الرضا بهذا الموجود.

و فيه: ان الرضا به مفروض، و الا لزم منه البطلان لا الخيار.

و هناك وجوه اخر لاجل وضوح فسادها اغمضنا عن ذكرها،

فظهر ان الأصل مع البائع.

و عن المحقق الخراساني (رحمه الله) في مقام بيان ان الأصل مع البائع: انه لو كان الاختلاف في ذكر الوصف أو في ظهور الخلاف كان الأصل عدمهما.

و فيه: ان اصالة عدم ذكر الوصف و ان كانت من الاصول العقلائية الا انها لا تجري في المقام لتعين ذكره دفعا للغرر، فالخلاف في انه الوصف المفقود أو الموجود، و لا أصل عقلائي يعين احدهما،

و اصالة عدم ظهور الخلاف ليست من الاصول العقلائية و لا من التعبدية الا إذا كان الخيار مترتبا علي ظهور تخلف الوصف.

حكم نسج بعض الثوب

(1) العاشر: لو نسج بعض الثوب فاشتراه علي ان ينسج الباقي كالاول بطل كما عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد و العلامة في جملة من كتبه و جامع المقاصد، و عن المختلف:

صحته، و المصنف في المتن ذكر المسألة و نقل ما يمكن ان يستدل به فيها.

و لكن الظاهر ان مورد كلام الفقهاء غير ما ذكره المصنف،

و تنقيح القول فيها ان للمسألة صورا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 76

و عن المختلف صحته، و لا يحضرني الآن حتي اتأمل في دليله، و الذي ذكر للمنع لا ينهض مانعا، فالذي يقوي في النظر: انه إذا باع البعض المنسوج المنضم الي غزل معين علي ان ينسجه علي ذلك المنوال فلا مانع منه، و كذا إذا ضم

معه مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف علي ان ينسجه كذلك، إذ لا مانع من ضم الكلي الي الشخصي، و إليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام، حيث جعل اشتراط نسج الباقي كاشتراط الخياطة و الصبغ. و كذا إذا باعه اذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج بهذا المنوال، و لو لم ينسجه في الصورتين الاوليتين علي ذلك المنوال ثبت الخيار، لتخلف الشرط و لو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول، و بقي علي مال البائع و كان للمشتري الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه و الله العالم.

______________________________

احداها: ما هو ظاهر عنوان الأصحاب، و هو ما لو كان المبيع هو الثوب الشخصي الذي يكون بعضه موجودا و بعضه معدوما سيوجد.

و قد استدل لبطلان البيع فيها بوجوه:

الأول: ما عن الشيخ في المبسوط، و حاصله: ان البيع بالاضافة الي المنسوج لازم،

و بالاضافة الي غيره موقوف علي خيار الرؤية، اي يكون خياريا علي تقدير التخلف،

فيجتمع في شي ء واحد خيار الرؤية و عدمه و هما متناقضان، فهذا البيع المستلزم للمحال نفوذه محال نفوذه.

و فيه: اولا: ان تخلف الوصف في البعض يوجب الخيار في الجميع دون البعض.

و ثانيا: ان العقد ينحل بتعدد متعلقه، فبعضه موضوع اللزوم، و بعضه موضوع الخيار، فلا تناقض.

الثاني: ما عن العلامة في المختلف، و هو ان: الثابت في الشريعة اما بيع معدوم غير معين و هو الكلي في الذمة، أو موجود معين و هو الشخصي الموجود، و لم يعهد بيع المعدوم المعين. و فيه: انه لو شمله عموم (احل الله البيع) لا يضر عدم المعهودية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 77

______________________________

الثالث: ما عن العلامة في التذكرة، و هو: ان الباقي في الذمة مجهول.

و فيه:

ان التوصيف يرفع الجهالة.

فالاولي ان يستدل له: بان اعتبار الملكية يحتاج الي محل له تعين ما، كالكلي في الذمة، و العين الموجودة في الخارج المضافة الي البائع، و ما سيوجد بعد ليس في الذمة لعدم كونه كليا، و لا تعين خارجي له مضافا إليه، فلا يصح بيعه.

فتأمل فانه يمكن ان يقال: انه كما ان الكلي يكون في الذمة، كذلك الشخصي الذي سيوجد يعتبره العقلاء في العهدة، و معه لا مانع من بيعه، و الله العالم.

ثانيتها: بيع المنسوج الموجود مع مقدار معين من الغزل الموجود علي ان ينسجه كالموجود، فالمبيع بتمامه موجود، و الشرط متعلق بنسج بعضه، و لو نسجه بذلك المنوال فلا كلام و الا ثبت له خيار تخلف الشرط، و علي التقديرين البيع صحيح.

ثالثتها: ما إذا باع المنسوج الموجود و مقدارا كليا من الغزل بشرط ان ينسجه كالموجود، و لا محذور فيه لا من حيث البيع إذ ضم الكلي الي الشخصي في مقام البيع لا مانع منه، و لا من حيث الشرط و لو لم ينسجه علي ذلك المنوال، فقد حكم الشيخ (رحمه الله) بثبوت خيار تخلف الشرط.

و لكن يرد عليه: ان الكلي بما انه لا يتعين في ما نسج و لذا للبائع الابدال، فلا يتعين للمشتري القبول، و لا خيار له، بل له الامتناع عنه.

رابعتها: ما لو باع المنسوج الموجود و غزلا كليا منسوجا كالباقي فصفة المنسوجية مقومة للمبيع الكلي لا انها شرط فيه، و لا محذور فيه من حيث البيع الا انه عند التخلف يتعين الابدال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 78

السابع خيار العيب
اشارة

اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين من العيب (1) و إنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا علي اصالة السلامة (2)

و إلا لم يصح العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة و هي صحتها التي هي من اهم ما يتعلق به الاغراض.

و لذا اتفقوا في بيع العين الغائبة علي اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن باختلافها، و لم يذكروا اشتراط صفة الصحة، فليس ذلك الا من حيث الاعتماد في وجودها علي الأصل، فإن من يشتري عبدا لا يعلم انه صحيح سوي ام فالج مقعد لا يعتمد في صحته الا علي اصالة السلامة، كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا علي بقائه علي ما شاهده، فلا يحتاج الي ذكر تلك الصفات في العقد. و كما يعتمد علي اخبار البائع بالوزن. قال في

______________________________

اطلاق العقد يقتضي الصحة

(1) قوله اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين من العيب،

لا يخفي انه من المسلمات ثبوت خيار العيب في بيع العين الشخصية مع الجهل بالعيب- بالجهل المركب أو البسيط- و لا إشكال في الاول انما الكلام في الثاني، و غرض المصنف (رحمه الله) ان يبين أو لا صحة المعاملة- ثمّ ثبوت الخيار فيها- ثمّ الاحكام و منشأ الاشكال في الصحة بطلان البيع الغرري، اللازم من الجهل بصفات المبيع و من اهمها وصف الصحة و عليه فمع الشك في الصحة يلزم البناء علي البطلان مع ان بناء القوم علي اصالة الصحة و للقوم في تقريب اصالة السلامة الرافعة للغرر الموجبة لصحة العقد وجوه:

(2) احدها ما افاده المصنف و هو: ان الغالب في الاعيان حيث انه السلامة و بناء،

العرف و العقلاء في معاملاتهم علي التصريح بالعيب لو كان المتعلق معيوبا، فالاطلاق و عدم التقييد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين.

و هذا الوجه تام، غاية الأمر أن كفي الاشتراط في رفع الغرر نقول ان السلامة شرط ضمني،

و الا كانت قيدا و وصفا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 79

قال في التذكرة الأصل في المبيع من الاعيان و الاشخاص السلامة من العيوب الصحة، فإذا اقدم المشتري علي بذل ماله في مقابلة تلك العين، فإنما بني اقدامه علي غالب ظنه المستند إلي اصالة السلامة، انتهي. (1)

و قال في موضع آخر اطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة علي ما مر من ان القضاء العرفي يقتضي ان المشتري انما بذل ماله بناء علي اصالة السلامة فكأنها مشترطة في نفس العقد، انتهي. (2)

و مما ذكرنا يظهر ان الانصراف ليس من باب انصراف المطلق إلي الفرد الصحيح ليرد عليه: أولا منع الانصراف و لذا لا يجري في الأيمان و النذور، و ثانيا عدم جريانه فيما نحن فيه، لعدم كون المبيع مطلقا، بل هو جزئي حقيقي خارجي.

و ثالثا بأن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا علي المعيب، فلا معني لإمضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتي يثبت التخيير بينهما، و دفع جميع هذا بأن وصف الصحة قد اخذ شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في العين الخارجية، و انما استغني عن ذكر وصف الصحة لاعتماد المشتري في وجودها علي الأصل، كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود اصلها و صفاتها علي الأصل. (3)

و لقد أجاد في الكفاية حيث قال: ان المعروف بين الأصحاب ان اطلاق العقد

______________________________

(1) ثانيها: ان الغالب في الاعيان الخارجية بقائها علي خلقها الاصلية و الظن يلحق الشي ء بالأعم الأغلب.

و فيه: ان الظن لا يغني من الحق شيئا.

(2) ثالثها: ان بناء العرف و العقلاء علي الصحة و السلامة ما لم يثبت العيب.

و فيه: ان ذلك غير ثابت.

(3) رابعها: ان البيع انما يصح

لاجل اخبار البائع بالصحة، و هذا الاخبار ليس بالتصريح بل علم من القرينة، و هي ما علم ان الناس لا يبذلون المال في مقابل المعيوب إذا لم يصرحوا بالعيب، فلو بذل مال بازاء شي ء علم انه يريد ذلك الشي ء بوصف الصحة.

و هناك تقاريب اخر تقرب ما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 80

يقتضي لزوم السلامة، و لو باع كليا حالا أو سلما كان الانصراف الي الصحيح من جهة ظاهر الاقدام ايضا، و يحتمل كونه من جهة الاطلاق المنصرف الي الصحيح في مقام الاشتراء، و ان لم ينصرف إليه في غير هذا المقام، فتأمل.

ثمّ ان المصرح به في كلمات جماعة ان اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد (1) لأنه تصريح بما يكون الاطلاق منزلا عليه، و إنما ترك لاعتماد المشتري علي اصالة السلامة، فلا يحصل من اجل هذا الاشتراط خيار آخر غير خيار العيب،

كما لو اشترط كون الصبرة كذا و كذا صاعا، فإنه لا يزيد علي ما إذا ترك الاشتراط و اعتمد علي اخبار البائع بالكيل، أو اشترط بقاء الشي ء علي الصفة السابقة المرئية،

فإنه في حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا علي اصالة بقائها.

و بالجملة فالخيار خيار العيب اشترط الصحة ام لم يشترط، و يؤيده ما ورد من رواية يونس (2) في رجل اشتري جارية علي انها عذراء فلم يجدها عذراء قال: يرد عليه فضل القيمة، فإن اقتصاره (عليه السلام) علي اخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد يدل علي ان الخيار خيار العيب، و لو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطء أو مقدماته

______________________________

(1) قوله ثمّ ان المصرح به في كلمات جماعة ان اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد

بعد ما عرفت في تقريب المراد من الالتزام الضمني و انه ليس هو الالتزام القلبي، بل انشاء لورود العقد علي الصحيح، و ربط العقد به، لا محالة يكون اشتراطه مفيدا للتأكد،

و لكن ذلك لا يقتضي عدم ثبوت خيار تخلف الشرط و ذلك لان مقتضي القاعدة ثبوت خيار تخلف الشرط في جميع موارد تخلف وصف الصحة، و النصوص الخاصة قاضية بثبوت خيار العيب، في مورد الشرط الضمني و انه لا يترتب آثار خيار تخلف الشرط كعدم سقوطه بالتصرف مثلا، فلو صرح بالشرط مقتضي الدليلين البناء علي ثبوتهما معا.

(2) قوله و يؤيده ما ورد في رواية يونس «1» في رجل اشتري جارية المذكورة في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 81

و منه يظهر ضعف ما حكاه في المالك من ثبوت خيار الاشتراط هنا، فلا يسقط الرد بالتصرف و دعوي عدم دلالة الرواية علي التصرف أو عدم دلالته علي اشتراط البكارة في متن العقد كما تري.

مسألة: ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري علي الرد و أخذ الأرش (1)
اشارة

بلا خلاف و يدل علي الرد الاخبار المستفيضة الآتية.

و أما الأرش فلم يوجد في الاخبار ما يدل علي التخيير بينه و بين الرد (2)

بل ما دل علي الارش يختص بصورة التصرف المانع من الرد، فيجوز ان يكون الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري لا لتعيين احد طرفي التخيير بتعذر الآخر.

______________________________

الاستدلال أو التأييد بتلك الرواية تتوقف علي ثبوت امور احدها: دلالتها علي اشتراط البكارة صريحا و هي ممنوعة لامكان ان يكون المراد من قوله، اشتري جارية علي انها عذراء انه كان معتقدا كونها كذلك ثانيها دلالتها علي التصرف، و يمكن منعها ايضا بوجدانها غير عذراء بغير المباشرة بالنقل و الاشتهار ثالثها كون الثيبوبة عيبا و

سيأتي الكلام فيه التخيير بين الرد واخذ الارش

(1) قوله ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري علي الرد واخذ الارش بلا خلاف، و في الجواهر: اجماعا محصلا و محكيا مستفيضا صريحا و ظاهرا.

و يشهد بالرد- مضافا الي ذلك و إلي عموم ادلة الشروط كما مر- النصوص المستفيضة الآتية.

(2) و أما الارش، فلم يوجد في الاخبار ما يدل علي التخيير بينه و بين الرد، بل ما دل عليه يختص بما إذا لم يمكن الرد.

و قد استدل للتخيير بينه و بين الرد بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 82

نعم في الفقه الرضوي: فإن خرج السلعة معيبا و علم المشتري، فالخيار إليه ان شاء رده و ان شاء اخذه أو رد عليه بالقيمة ارش العيب. (1) و ظاهره كما في الحدائق التخيير بين الرد واخذه بتمام الثمن و أخذ الأرش، و يحتمل زيادة الهمزة في لفظه أو و يكون واو العطف. فيدل علي التخيير بين الرد و الارش

______________________________

(1) الاول ما في الفقه الرضوي «1»

و فيه: ما تقدم في اول الجزء الاول من هذا الشرح من ان كتاب الفقه الرضوي لم يثبت اعتباره، بل لم يثبت كونه كتاب خبر، و ضعفه غير منجبر بالعمل.

الثاني: ان هناك طوائف من النصوص:

احداها: ما دل علي الرد مع السكوت عن الارش، «2» و هي كثيرة.

ثانيتها: ما اطلق الارش من غير ذكر للرد، كرواية يونس المتقدمة. «3» بناء علي عدم ظهورها في صورة التصرف.

و خبر السكوني عن جعفر عن ابيه: ان عليا (عليه السلام) قضي في رجل اشتري من رجل عكة سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه الي علي (عليه السلام) فقال له علي (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا فقال الرجل انما بعته

منك حكرة فقال له علي (عليه السلام) انما اشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربا «4» بناء علي ان يكون الرب مخلوطا بالسمن، بحيث يعد عيبا فيه، و كون اخذ السمن بكيله من باب الارش.

ثالثتها: ما تضمن تعين الارش بعد التصرف «5».

و الثالثة اخص من الأولتين فتخصصان بها، و انما التعارض بين الأولتين لأن مقتضي

______________________________

(1) المستدرك- باب 12- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3. و جملة من ابواب احكام العيوب.

(3) الوسائل- باب 6- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

(4) الوسائل- باب 7- من ابواب احكام العيوب حديث 3.

(5) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2 و باب 4 من ابواب الحكام العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 83

و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الاخبار (1) و هو صعب جدا،

و أصعب منه جعله مقتضي القاعدة بناء علي ان الصحة، و ان كانت وصفا، فهي بمنزلة الجزء، فيتدارك فائته باسترداد ما قابله من الثمن، و يكون الخيار حينئذ لتبعض الصفقة و فيه منع المنزلة عرفا و لا شرعا.

و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق المطالبة بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله علي ما صرح به العلامة و غيره،

______________________________

الاولي تعين الرد، و مقتضي الثانية تعين الارش، و مقتضي الجمع بينهما البناء علي التخيير بان يحمل كل منهما علي بيان احد فردي التخيير،

أو يقال انهما متعارضتان فيحكم بالتخيير.

و فيه: اولا: انه ليس في شي ء من النصوص ما يكون ظاهرا في تعين الارش مع امكان الرد، و الخبران كما تري.

و ثانيا: ان الجمع بالنحو المذكور لا شاهد له، و لا يكون

عرفيا، بل هما متعارضتان عند العرف، و الرجوع الي التخيير في المتعارضين انما يكون بعد فقد المرجحات، و الترجيح مع نصوص الرد كما لا يخفي.

الثاني: ما اشار إليه المصنف (رحمه الله) بقوله:

(1) و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الاخبار، و هو صعب جدا و وجوه التكلف متعددة،

منها: ما في تعليقة السيد الفقيه، و هو ان يدعي ان المراد بالرد في نصوصه رد البيع في الجملة اعم من ان يكون بالرجوع بتمام الثمن بان يفسخ، أو بالرجوع بالارش لأنه ايضا رد للبيع في الجملة، حيث لم يبقه علي حاله من مقابلة المبيع بتمام الثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 84

ثمّ منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن إذا اخذ وجوده في المبيع الشخصي علي وجه الشرطية، كما في بيع الأرض علي انها «انه» جربان معينة و ما نحن فيه من هذا القبيل. (1)

______________________________

و فيه: ان الارش ليس جزء من الثمن، فاخذه ليس ردا للبيع في بعض مقتضاه، مع ان الظاهر من النصوص كان متعلق الرد فيها رد المبيع أو البيع هو رد البيع بتمامه كما هو واضح.

و منها: ان التقييد بعدم امكان الرد في نصوص الارش وارد مورد الغالب، لأن العادة قاضية بعدم امساك المعيب.

و فيه: ان هذا لو تم فانما هو فيما إذا كان لدليل الارش اطلاق فيجمع بينهما بذلك،

و الا فمجرد عدم المانع اثباتا لا يجدي.

و منها: غير ذلك مما هو واضح الفساد.

الرابع: كون ذلك مقتضي القاعدة. بتقريب: ان وصف الصحة الفائت بمنزلة الجزء،

فالمعقود عليه منحل الي اجزاء ثمنا و مثمنا، فكما انه في فوات الجزء يسترجع مقدار من الثمن يقابل ذلك الجزء، فكذلك في وصف الصحة، فثبوت الارش علي القاعدة.

و أما

ثبوت جواز الرد فمن جهة ان فوات الوصف يوجب تبعض الصفقة، فله الرد لذلك.

و فيه: اولا: ان لازم ذلك بطلان البيع بالنسبة الي الوصف الفائت، و رجوع مقدار من الثمن الي المشتري، مع انهم لا يقولون بذلك، بل باستحقاق المطالبة، بحيث لو لم يطالب لا يرجع شي ء من الثمن، بل مع المطالبة ايضا لا يرجع مقدار من اثمن، بل ما يوازيه في المالية.

و ثانيا: ان الارش قابل للاسقاط و لو كان ذلك عبارة عن رجوع مقدار من الثمن لم يكن قابلا للاسقاط.

(1) و أما ما افاده المصنف (رحمه الله) في مقام الجواب ثانيا، و حاصله: ان الجزء الخارجي ايضا إذا اخذ علي وجه الشرطية لا يقابل بالمال و لا يقع شي ء من الثمن بازائه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 85

و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الاجماع علي التخيير بين الرد و الأرش، نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط ان اخذ الأرش مشروط باليأس عن الرد، لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية و بعض مواضع

المبسوط ينافيه اطلاق الاخبار بجواز اخذ الارش (1) فافهم.

ثمّ ان في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه (2) ما تقدم في خيار الغبن. و قد عرفت ان الاظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب و الغبن واقعا، و ان كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب، خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع علي خلاف ما اشترط.

______________________________

ففيه ان الجزء يقابل بالمال مطلقا، اخذ علي نحو الشطرية أو الشرطية، لأن الثمن يجعل في مقابل المجموع عند اهل العرف، و هم المدار في الباب، و أما الأوصاف فهي و ان اوجبت زيادة المالية الا انها ليست

بمال و لا يجعل شي ء من الثمن بازائها. و تمام الكلام في محله.

الخامس: الاجماع، و لا بأس بالاستدلال به، فان هذا الحكم علي خلاف القاعدة،

و من المستبعد جدا استناد الفقهاء و الأساطين الي ما تقدم من الوجوه، و مع ذلك طريق الاحتياط واضح.

(1) قوله ينافيه اطلاق الاخبار بجواز اخذ الارش المراد من هذا الاطلاق هو الاطلاق من حيث امكان الرد و امتناعه، و الاطلاق الذي انكره، هو اطلاق النصوص من حيث التصرف و عدمه فلا يتوهم التنافي بين هذه العبارة و بين ما تقدم منه من انه لا إطلاق لنصوص الارش يشمل ما لو لم يتصرف.

ظهور العيب كاشف عن ثبوت الخيار لا مثبت له

(2) و في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه وجهان.

و ملخص القول: انه ان كان مدرك هذا الخيار الشرط الضمني كان الخيار ثابتا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 86

و قد صرح العلامة بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية قبلها، معللا بأن الخيار انما يثبت بالرؤية، لكن المتفق عليه هنا نصا و فتوي جواز التبري و اسقاط خيار العيب (1)

______________________________

من حين العقد، فان الشرط صحة المبيع واقعا لا عدم ظهور العيب فالتخلف من حينه، و كذلك الخيار. كما انه لو استند الي حديث لا ضرر كان لازمه ثبوته من حين العقد،

فان لزوم العقد علي المعيب ضرر و ان لم يلتفت المشتري الي العيب.

و ان كان: المدرك هو الاخبار فقد يتوهم ان مقتضاها ثبوت الخيار من حين ظهور العيب، فان نصوص الباب المتقدمة اشتملت علي لفظ ظهور العيب و وجد انه و رؤيته و العلم به، و الظاهر من كل عنوان اخذ في الموضوع موضوعيته و حمله علي الطريقية يتوقف علي القرينة،

و لكن يمكن دفعه بان هذه الكلية تامة في غير

العناوين التي تكون الطريقية و المرآتية من مقومات حقائقها كالعلم، و أما فيها فالظاهر هو اخذها بعنوان الطريقية و المرآتية، و لذا في جميع الموارد التي يؤخذ العلم في الموضوع يحمل علي ارادة الطريقية لا الموضوعية، و من تلك الموارد مقامنا هذا،

مع انه في بعض الصحاح جعل السبب نفس العيب لا ظهوره. لاحظ قول ابي جعفر (عليه السلام)

في الصحيح: ايما رجل اشتري شيئا و به عيب أو عوار و لم يتبرأ إليه و لم يبين له الخبر. «1» و الجمع يقتضي البناء علي ارادة الطريقية من الطائفة الاولي.

(1) و ربما يقال: ان المتفق عليه نصا و فتوي جواز التبري و اسقاط خيار العيب،

و ذلك دليل علي ان الخيار يثبت قبل ظهور العيب، و الا لم يصح اسقاطه.

و لكن بناء علي عدم صحة الاسقاط ما لم يثبت و ان كان سببه موجودا كما هو الحق في الاسقاط المنجز الاستدلال بهذه النصوص و الفتاوي متين، فانه يستكشف من جواز اسقاطه قبل ظهور العيب ثبوت الخيار قبله، و أما بناء علي مختار المصنف (رحمه الله) من صحة الاسقاط مع وجود السبب فلا يتم كما هو واضح.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 87

و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب، (1) ان استحقاق المطالبة بالأرش الذي هو احد طرفي الخيار لا معني لثبوته بظهور العيب، بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة هذا مضافا الي ان الظاهر من بعض اخبار المسألة ان السبب هو نفس العيب، لكنها لا تدل علي العلية التامة، فلعل الظهور شرط، و كيف كان فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع في كل حكم من احكام هذا

الخيار الي دليله، و انه يفيد ثبوته بمجرد العيب أو بظهوره، و المرجع فيما لا يستفاد من دليله احد الأمرين هي القواعد، فافهم.

ثمّ انه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و المثمن، كما صرح به العلامة و غيره،

هنا و في باب الصرف فيما إذا ظهر احد عوضي الصرف معيبا. و الظاهر انه مما لا خلاف فيه و ان كان مورد الأخبار ظهور العيب في المبيع، لأن الغالب كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد. (2)

______________________________

(1) قوله و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة … بظهور العيب لعل مقصوده ان الارش تدارك للفائت، و هذا لا ربط له بظهور فوات الوصف لانه تدارك نفسه لا تدارك ظهوره و فيه ان هذا استبعاد محض لا مانع من الالتزام به أي بثبوت الارش بعد ظهور العيب- و بعبارة اخري يكون السبب هو العقد، و لكن شرط تأثيره ظهور العيب.

(2) قوله ثمّ انه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و الثمن ما افاده (قدس سره) في وجه ثبوت خيار العيب في الثمن من ان التقييد في النصوص بالمبيع محمول علي الغالب من كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد، لا يفيد فان حمل القيد علي الغالب، يفيد فيما إذا كان هناك اطلاق و في المقام لا إطلاق يعم الثمن و المثمن فالحق ان يقال ان مدرك هذا الخيار، ان كان هو الشرط الضمني- أو حديث لا ضرر- أو الاجماع- ثبت ذلك بالاضافة الي الثمن ايضا، و ان كان المدرك هو الاخبار فهي و ان اختصت بالمبيع الا انه يمكن التعدي بضميمة دعوي القطع بعدم

الخصوصية للمبيع في ذلك و الله العالم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 88

القول في مسقطات هذا الخيار
اشارة

بطرفيه أو احدهما.

مسألة: يسقط الرد خاصة بأمور.
اشارة

احدها: التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرد و اختيار الأرش (1) و لو اطلق الالتزام بالعقد، فالظاهر عدم سقوط الأرش و لو اسقط الخيار فلا يبعد سقوطه. (2)

الثاني: التصرف في المعيب عند علمائنا، (3) كما في التذكرة. و في السرائر الإجماع علي ان التصريف يسقط الرد بغير خلاف منهم، و نحوه المسالك،

______________________________

مسقطات الرد

- الاسقاط

الرابعة: يسقط الرد خاصة بامور،

(1) احدها: التصريح بالتزام العقد و اسقاطه و اختيار الارش: فان هذا لازم التخيير بين الرد و الامساك بالارش، لكونه من الحقوق و لو اطلق الالتزام بالعقد فالظاهر ايضا عدم سقوط الارش.

و أما لو اسقط الخيار، فسقوط الرد به لا إشكال فيه و لا كلام: لأنه من الحقوق التي تسقط بالاسقاط كما عرفته في الخيارات السابقة،

و انما الكلام في الارش،

(2) و في المتن لا يبعد سقوطه.

و وجهه السيد بان الارش ليس امرا خارجا عن الخيار و زائدا عليه، بل نحو وجود خيار العيب هو التخيير بين امور ثلاثة: الالتزام بالعيب، و الرد، و الارش.

و فيه: ان للخيار معني واحدا في جميع الموارد و هو ملك حل العقد و اقراره، و هذا من احكام العقد. و أما الارش فهو غرامة شرعية لتدارك الفائت و اجنبي عن احكام العقد،

فاسقاط الخيار لا يوجب اسقاط حق الارش.

التصرف مسقط

(3) ثانيها: التصرف في المعيب عند علمائنا كما عن التذكرة، و عن السرائر و المسالك: الاجماع عليه في الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 89

و سيأتي الخلاف في الجملة من الاسكافي و الشيخين و ابن زهرة. و ظاهر المحقق،

بل المحقق الثاني، و استدل عليه في التذكرة ايضا، تبعا للغنية بأن تصرفه فيه رضاء منه به علي الإطلاق، و لو لا ذلك كان ينبغي له الصبر و الثبات حتي يعلم حال صحته و عدمها، و بقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: أيما رجل اشتري شيئا و به عيب أو عوار و لم يتبرأ إليه و لم يتبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار و بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع، و يرد عليه بقدر

ما ينقص من ذلك الداء و العيب، من ثمن ذلك لو لم يكن به. (1)

______________________________

و كلمات القوم في المقام مضطربة، و لا يمكن تحصيل الاتفاق علي شي ء، و الوجوه المحتملة كثيرة:

منها: مسقطية التصرف مطلقا.

و منها: مسقطيته إذا كان دالا نوعا علي الرضا.

و منها: مسقطية التصرف الكاشف عن الرضا و تغير المبيع.

و منها: مسقطية التصرف المغير للعين خاصة.

و منها: تغيرها و لو من غير تصرف،

و منها غير ذلك، و المهم ملاحظة الأدلة.

الظاهر ان التصرف إذا كان بقصد الالتزام بالعقد و كاشفا عنه كان مسقطا علي القاعدة من جهة ان الاسقاط كسائر الانشائيات لا يعتبر فيه اللفظ و يمكن انشاؤه بالفعل،

و ان لم يكن بقصد الاسقاط فقد استدل لمسقطيته بوجوه:

(1) احدها: صحيح زرارة «1» المذكور في المتن بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر و التقبيل و اللمس.

و فيه: اولا: ما تقدم في ذلك الباب من ان المراد من احدث الحدث ليس كل تصرف، بل كل تصرف مالكي لم يكن له قبل البيع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 90

و يدل عليه مرسلة جميل عن ابي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا، قال: ان كان الثوب قائما بعينه رده علي صاحبه و أخذ الثمن ثمن،

و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب. هذا، و لكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف حتي مثل قول المشتري للعبد المشتري ناولني الثوب أو اغلق الباب، علي ما صرح به العلامة في غاية الاشكال، (1) لاطلاق قوله (عليه السلام) ان كان الثوب قائما بعينه رده المعتضد باطلاق الاخبار في الرد. خصوصا

ما ورد في رد الجارية بعد ما لم تحض ستة اشهر عند المشتري، ورد المملوك في احداث السنة. و نحو ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف فيه بمثل اغلق الباب و نحوه،

و عدم ما يصلح للتقييد مما استدل به للسقوط، فإن مطلق التصرف لا يدل علي الرضا، خصوصا مع الجهل بالعيب.

و أما المرسلة، فقد عرفت اطلاقها لما يشمل لبس الثوب و استخدام العبد،

بل وطي الجارية لو لا النص المسقط للخيار به.

______________________________

و ثانيا: ان احداث الحدث غير احداث شي ء في المبيع، و الظاهر من الثاني ايجاد شي ء في المبيع يكون باقيا بخلاف الأول فهو عبارة اخري عن تغير العين.

ثانيها: اطلاق معقد الاجماع المدعي في كثير من العبائر.

و فيه: اولا: ما تقدم من منع الاجماع المحصل، و المنقول منه ليس بحجة،

و ثانيا انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام).

ثالثها: قيام النص «1» و الاجماع علي سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم مع عدم دلالته علي الالتزام بالبيع و عدم تغييره للعين.

(1) و فيه: انه لا وجه للتعدي عنه الي سائر التصرفات، فلا دليل علي مسقطية التصرف مطلقا، بل المستفاد من الصحيح مسقطية التصرف المغير للعين، فيوافق مضمونه مع مفاد مرسل جميل «2» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 91

و أما الصحيحة، فلا يعلم المراد من احداث شي ء في المبيع، لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغة و لا عرفا لمثل استخدام العبد و شبهه، مما مر من الامثلة، فلا يدل علي ازيد مما دل عليه ذيل المرسلة من ان العبرة بتغير العين و عدم قيامها

بعينها. اللهم الا ان يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان، من النص الدال علي ان المراد باحداث الحدث في المبيع هو ان ينظر الي ما حرم النظر إليه قبل الشراء، فإذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل علي سقوط الخيار هنا بكل تصرف،

فيكون ذلك النص دليلا علي المراد بالحدث هنا. و هذا حسن، لكن اقامة البينة علي اتحاد معني الحدث في المقامين، مع عدم مساعدة العرف علي ظهور الحدث في هذا المعني مشكلة، ثمّ انه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام، لمطلق التصرف، فلا دليل علي كونه من حيث الرضا بالعقد، فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه، و ان كان النص في خيار الحيوان دالا علي ذلك، بقرينة التعليل المذكور فيه علي الوجوه المتقدمة هناك في المراد من التعليل، (1) لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام ايضا يدل علي سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا، بل عرفت من التذكرة و الغنية ان علة السقوط دلالة التصرف نوعا علي الرضا

______________________________

فان قلت: ان المستفاد من المرسل مسقطية التغير و لو كان عن غير اختيار،

و المستفاد من الصحيح مسقطية التصرف المغير فكيف التوفيق.

اجبنا عنه انه لا مفهوم للصحيح كي يدل علي عدم مسقطية غير ما تضمنه، فلا مقيد لإطلاق المرسل.

فالمتحصل: ان المسقط تغير العين و عدم قيامها بعينها، كان بالتصرف أو بغيره،

(1) و عموم التعليل في اخبار الحيوان «1» الذي استدل به علي مسقطية التصرف الكاشف عن الرضا نوعا و ان لم يكن بقصد الاسقاط ستعرف حاله عند بيان ما يرد علي المصنف.

و يعضد ما اخترناه من عدم مسقطية التصرف بقول مطلق ما ورد في رد الجارية بعد ما لم تحض ستة اشهر عند

المشتري، «2» ورد المملوك في احداث السنة، «3» و نحو ذلك مما يبعد

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب احكام العيوب.

(3) الوسائل- باب 2- من ابواب احكام العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 92

و نحوه في الدلالة علي كون لسقوط بالتصرف من حيث دلالته علي الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه و من تأخر عنه، قال في المقنعة فإن لم يعلم المبتاع بالعيب، حتي احدث فيه حدثا، لم يكن الرد، و كان له ارش العيب خاصة، و كذلك حكمه إذا احدث فيه حدثا بعد العلم، و لا يكون احداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاء به منه، انتهي.

فإن تعليله عدم سقوط الأرش بعدم دلالة الاحداث علي الرضا بالعيب ظاهر خصوصا بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في ان سقوط الرد بالحدث لدلالته علي الرضا باصل البيع و مثلها عبارة النهاية من غير تفاوت. و قال في المبسوط إذا كان المبيع بهيمة فاصاب بها عيبا كان له ردها، فإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها و علفها و سقيها و حلبها و أخذ لبنها، و ان نتجت كان له نتاجها، كل هذا لأنه ملكه و له فيه فائدته و عليه مئونته، و الرد لا يسقط، لأنه انما يسقط الرد بالرضا بالمعيب أو ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي ء من ذلك، انتهي.

و قال في الغنية: و لا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالأرش،

لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب، انتهي.

و في السرائر قال في حكم من ظهر علي عيب فيما اشتراه و لا يجبر علي احد الأمرين يعني الرد و الأرش قال:

هذا إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة، أو ينقص قيمته بالتصرف، انتهي.

و في الوسيلة و يسقط الرد بأحد ثلاثة اشياء بالرضا و بترك الرد بعد العلم به إذا عرف ان له الرد و بحدوث عيب آخر عنده، انتهي.

و هي بعينه كعبارة المبسوط المتقدمة، ظاهرة في ان التصرف ليس بنفسه مسقطا الا إذا دل علي الرضا، و قال في التذكرة: لو ركبها ليسقيها، ثمّ يردها لم يكن ذلك رضاء منه بامساكها، و لو حلبها في طريق الرد، فالاقوي انه تصرف يؤذن بالرضا بها، و قال بعض الشافعية لا يكون رضاء بامساكه، لأن اللبن ماله قد استوفاه في حال الرد، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 93

و في جامع المقاصد و المسالك في رد ابن حمزة القائل بأن التصرف بعد العلم يسقط الأرش ايضا. ان التصرف لا يدل علي اسقاط الأرش، نعم يدل علي الالتزام بالعقد. و في التحرير: لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا قبل علمه بالعيب و بعده سقط الرد، انتهي.

و قد ظهر من جميع ذلك ان التصرف من حيث هو ليس مسقطا، و انما هو التزام و رضاء بالعقد فعلا، فكل تصرف يدل علي ذلك عادة فهو مسقط، و ما ليس كذلك فلا دليل علي الاسقاط به، كما لو وقع نسيانا أو للاختبار، و مقتضي ذلك انه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب لم يسقط، خصوصا إذا كان مما يتوقف العلم بالعيب عليه، و حصل بقصد الاختبار، الا ان المعروف خصوصا بين العلامة و من تأخر عنه:

عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده، و الذي ينبغي ان يقال: و ان

كان ظاهر المشهور خلافه: ان التصرف بعد العلم مسقط للرد إذا كان دالا بنوعه علي الرضا، (1) كدلالة اللفظ علي معناه لا مطلق التصرف،

و الدليل علي اسقاطه مضافا الي انه التزام فعلي فيدل عليه ما يدل علي اعتبار الالتزام إذا دل عليه باللفظ ما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضاء بالبيع. و لذا تعدينا الي خيار المجلس و الشرط و حكمنا بسقوطهما

بالتصرف فكذلك خيار العيب. و أما التصرف قبل العلم بالعيب، فإن كان مغيرا للعين بزيادة أو نقيصة أو تغير هيئة أو ناقلا لها بنقل لازم أو جائز.

______________________________

التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف.

و جعل هذه الأخبار مخصصة لما دل علي مسقطية التصرف كما عن صاحب الحدائق و ان كان متينا لو كان دليل علي مسقطية التصرف مطلقا- الا انه مع عدم الدليل عليها تكون هي معتضدة لما اخترناه.

(1) و افاد المصنف بما حاصلة: ان التصرف الكاشف عن الرضا و الالتزام بالعقد مسقط و لكن ان كان مراده مسقطية التصرف إذا كان مع قصد الالتزام به فنعم الوفاق،

و ان كان مراده مسقطية التصرف الكاشف و ان لم يكن بقصد الالتزام به و اسقاط الخيار- كما يظهر من استدلاله بما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضا بالبيع- فيرد عليه ما عرفت هناك من ان المراد به تنزيل الحدث منزلة الرضا بالعقد تعبدا. فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 94

و بالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشي ء بعينه، فهو مسقط ايضا،

لمرسلة جميل المتقدمة، و يلحق بذلك تعذر الرد بموت أو عتق أو اجارة أو شبه ذلك.

و ظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار علي ذلك، حيث قال في اول المسألة: و يسقط

الرد بأحداثه فيه حدثا، كالعتق و قطع الثوب سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده.

و في مسألة رد المملوك من احداث السنة، فلو احدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش، انتهي.

و هو الظاهر من المحكي عن الاسكافي حيث قال: فإن وجد بالسلعة عيبا و قد احدث فيه ما لا يمكن معه ردها الي ما كانت عليه قبله، كالوطئ للأمة و القطع للثوب أو تعذر الرد بموت أو نحوه، كان له فضل ما بين الصحة و العيب، انتهي.

و هذا هو الذي ينبغي ان يقتصر عليه من التصرف قبل العلم و أما ما عدا ذلك من التصرف قبل العلم كحلب الدابة و ركوبها و شبه ذلك، فلا دليل علي السقوط به بحيث يطمئن به النفس، و اقصي ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان، من التمثيل للحدث بالنظر و باللمس و قيام النص و الاجماع علي سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم، مع عدم دلالته علي الالتزام بالبيع و عدم تغييره للعين، و اطلاق معقد الاجماع المدعي في كثير من العبائر،

كالتذكرة و السرائر و الغنية و غيرها، و في نهوض ذلك كله لتقييد اطلاق اخبار الرد،

خصوصا ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد، كالنص برد الجارية بعد ستة اشهر،

ورد الجارية إذا لم يطأها ورد المملوك من احداث السنة نظر، بل منع، خصوصا معاقد الاجماع، فإن نقلة الاجماع كالعلامة و الحلي و ابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بأن العبرة بالرضا بالعقد. فكأن دعوي الإجماع وقعت من هؤلاء علي السقوط (1) بما يدل علي الرضا من التصرف، خصوصا ابن زهرة في الغنية حيث انه اختار ما قويناه من التفصيل بين

صورتي العلم و الجهل، و المغير و غيره

______________________________

(1) قوله فكان دعوي الاجماع وقعت من هؤلاء علي السقوط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 95

حيث قال (قدس سره) و خامسها يعني مسقطات الرد التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله الا بملكه، أو الاذن الحاصل له بعد العلم بالعيب، فإنه يمنع من الرد لشي ء من العيوب و لا يسقط حق المطالبة بالأرش، لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب. و كذا حكمه ان كان قبل العلم بالعيب، و كان مغيرا للعين بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصان فيه كالقطع للثوب، و ان لم يكن كذلك، فله الرد بالعيب إذا علمه ما لم يكن وطئ الجارية فإنه يمنع من ردها لشي ء من العيوب إلا الحبل، انتهي كلامه.

و قد اجاد (قدس سره) فيما استفاده من الادلة. و حكي من المبسوط ايضا ان التصرف قبل العلم لا يسقط به الخيار، لكن صرح بأن الصبغ و قطع الثوب يمنع من الرد فاطلاق التصرف قبل العلم محمول علي غير المغير.

و ظاهر المقنعة و المبسوط: انه إذا وجد العيب بعد عتق العبد و الامة، لم يكن له ردهما، و إذا وجده بعد تدبير هما أو هبتهما، كان مخيرا بين الرد واخذ ارش العيب،

و فرقا بينهما و بين العتق بجواز الرجوع فيهما دون العتق، و يرده مع ان مثلهما تصرف يؤذن بالرضا مرسلة جميل، (1) فإن العين مع الهبة و التدبير غير قائمة، و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في ذلك

______________________________

حيث انهم يصرحون بعدم الفرق بين التصرف قبل العلم بالعيب و بعده و في كلا الموردين يحكمون بسقوط الخيار، فيعلم ان مرادهم بما ذكروه ما هو ظاهره من ان التصرف بنفسه رضا

بالعقد أي مسقط للخيار لا انه يكون مسقطا إذا كان دالا علي الرضا- فيكون هذه العبارة منهم كعبارة «1» الامام (عليه السلام) في احداث الحدث في خيار الحيوان من الحكم بانه رضا بالبيع.

(1) قوله و يرده مع ان مثلهما تصرف يؤذن بالرضا مرسله) 2 (جميل يرد علي ما افاده اولا ان مفروض عبارة المقنعة و المبسوط التصرف قبل العلم بالعيب و هو عنده (قدس سره) لا يؤذن بالرضا و يرد علي ما افاده ثانيا- ما سيجي ء انشاء الله تعالي من ان الخروج عن الملك ليس من مصاديق عدم قيام العين بعينها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 96

و لذا اعترض عليهما الحلي بالنقض بما لو باعه بخيار، مع انه لم يقل احد من الأمة بجواز الرد حينئذ، و قال بعد ما ذكر: ان الذي يقتضيه اصول المذهب ان المشتري إذا تصرف في المبيع انه لا يجوز له رده، و لا خلاف في ان الهبة و التدبير تصرف.

و بالجملة فتعميم الأكثر لافراد التصرف مع التعميم لما بعد العلم و ما قبله مشكل و العجب من المحقق الثاني انه تنظر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة، مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر.

الثالث: تلف العين أو صيرورته كالتالف، فإنه يسقط الخيار هنا (1) بخلاف الخيارات المتقدمة الغير الساقطة بتلف العين، و المستند فيه بعد ظهور الإجماع اناطة الرد في المرسلة السابقة بقيام العين، (2) فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه،

______________________________

تلف العين مسقط لهذا الخيار

(1) الثالث: تلف العين أو صيرورته كتالف فانه يسقط الخيار هنا فها هنا فروع:

الأول: انه لو تلف العين حقيقة يسقط الخيار.

و الوجه فيه امران:

(2) احدهما: ان الرد علق في المرسل

علي قيام العين بعينها، و عدم ذلك تارة بتغير هيئتها و خصوصية من خصوصياتها،

و اخري بتلف العين، و يكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

ثانيهما: ان الحق في هذا الخيار في نصوص الباب علق علي الرد، فاما ان يكون حقيقة هذا الخيار بخلاف سائر الخيارات حق رد العين، أو تكون مثلها حق فسخ العقد،

غاية الأمر مقيدا بفسخه برد العين. و علي اي تقدير مع انتفاء الموضوع لا يعقل الرد، فلا يكون الحق باقيا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 97

فلو تلف أو انتقل إلي ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو ابق العبد أو انعتق العبد علي المشتري، فلا رد. (1)

و مما ذكرنا ظهر ان عد انعتاق العبد علي المشتري مسقطا برأسه، كما في الدروس لا يخلو عن شي ء. نعم ذكر انه يمكن ارجاع هذا الوجه الي التصرف، و هو ايضا لا يخلو عن شي ء، و الاولي ما ذكرناه، ثمّ انه لو عاد الملك الي المشتري لم يجز رده للأصل (2) خلافا للشيخ بل المفيد (قدس سره).

______________________________

(1) الثاني: انه إذا خرجت العين عن ملكه بانتقالها الي الغير أو بانعتاقها يسقط هذا الخيار.

و الوجه فيه: ان مقتضي اطلاق الصحيح فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ان اخراجه عن ملكه و سلب هذا الأمر الاعتباري منه موجب لسقوط حق الرد.

و بهذا البيان يمكن تصحيح استدلال المصنف (رحمه الله) بالمرسل، فانه لا تكون العين قائمة بعينها.

اضف الي ذلك ما تقدم من كون هذا الحق متعلقا بالرد، فمع خروجه عن ملكه لا يكون الموضوع باقيا، إذ المراد بالرد ليس هو الرد الخارجي بل رد الربط الملكي، و مع زوال الملك لا ربط ملكي كي يرجع الي البائع.

(2) الثالث: انه لو عاد الملك

الي المشتري فهل يجوز رده كما عن الشيخ و المفيد ام لا كما في المكاسب ام هناك تفصيل؟ وجوه.

قد استدل السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني (رحمه الله) للأول:

بانه يصدق ان العين قائمة بعينها، فان ظاهر ذلك عدم وجود وصف التغير فيها فعلا لا عدم حدوث التغير و ان كان قد زال، و زاد المحقق الايرواني (رحمه الله): بان منصرف احداث شي ء هو استمرار ذلك الحدث.

و فيه: ان هذا يتم فيما لو عاد الملك بالفسخ، و أما لو عاد بارث أو اشتراء و نحوهما فلا يتم، فان هذا الحق متعلق برد العين- اي رد ربطها الملكي- و مقتضي حقيقة الرد و مفهومه كون المردود جائيا من قبل البائع، و الملك الجديد لم يجئ من قبله. فتدبر،

فالحق هو التفصيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 98

الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشتري (1) و تفصيل ذلك انه إذا حدث العيب بعد العقد علي المعيب، فإما ان يحدث قبل القبض، و أما ان يحدث بعده في زمان خيار، يضمن فيه البائع المبيع اعني خيار المجلس و الحيوان و الشرط. و أما ان يحدث بعد مضي الخيار، و المراد بالعيب الحادث هنا هو الاخير. و أما الأول فلا خلاف ظاهرا في انه لا يمنع الرد، (2) بل في انه هو كالموجود قبل العقد حتي في ثبوت الأرش فيه علي الخلاف الآتي في احكام القبض.

______________________________

حدوث عيب عند المشتري
اشارة

(1) الرابع من المسقطات: حدوث عيب عند المشتري و تفصيل القول في ذلك بالبحث في موارد:

الأول: فيما إذا حدث العيب بعد العقد قبل القبض، و الكلام فيه،

تارة: في انه هل يكون سببا لثبوت الخيار للمشتري ام لا،

(2) و اخري: في انه هل يمنع عن الرد بالخيار

المسبب عن العيب السابق ام لا؟

اما الجهة الاولي: فقد استدل لثبوت الخيار به: بقاعدة الضرر، و بالارفاق بالمشتري، و بالنصوص الدالة علي ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه «1».

بتقريب: ان معني كونه من مال بائعه وقوع التلف في ملك البائع، و لازم تقديره في ملك البائع ان العقد كأنه لم يقع، و مقتضاه لو كان التالف تمام المبيع انفساخ العقد و لو كان التالف جزئه انفساخه بالنسبة الي ذلك الجزء، و لو كان وصف الصحة جريان احكام العيب، فان المنفي علي الأخير حيثية الوصف لفرض وقوع العقد، و معني عدم وقوع العقد علي الموصوف مع فرض وقوع العقد وقوعه علي المعيب،

أو بتقريب ان المستفاد من الاخبار تنزيل التلف أو النقص قبل القبض منزلة التلف و النقص قبل العقد، و لازم ورود العقد علي الناقص اجراء احكام خيار العيب.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار- و المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 99

و أما الحادث في زمن الخيار فكذلك، لا خلاف في انه غير مانع عن الرد، (1) بل هو سبب مستقل موجب للرد، بل الأرش علي الخلاف الآتي

______________________________

و في الجميع نظر:

اما قاعدة نفي الضرر: فلما مر من انها لا تصلح لاثبات الخيار.

و أما الارفاق: فهو بنفسه لا يصلح لذلك.

و أما النصوص: فالموضوع فيها تلف المبيع، و هو لا يشمل تلف وصف الصحة فانه ليس مبيعا و لا جزء منه،

و حملها علي كون ذكر التلف من باب كونه اظهر الافراد يحتاج الي قرينة.

مع انه يرد علي التقريب الأول: ان الوصف لم يقع عليه العقد، ففرض العقد كأن لم يكن غير مؤثر في ضمان الوصف و ترتب حكم الخيار.

و يرد علي

التقريب الثاني: ان غاية ما يستفاد من كون التلف من البائع دخوله في ملك البائع، بحيث يضاف إليه التلف و هو ملكه،

و ليس لازم ذلك فرض دخوله في ملك البائع قبلا، أو فرض وقوع التلف قبل العقد حتي يكون لازمه ورود العقد علي الناقص. و تمام الكلام في محله.

و أما الجهة الثانية: فملخص القول فيها: ان مقتضي اطلاق مفهوم المرسل ان كان الثوب قائما بعينه رده علي صاحبه، «1» ان العيب الحادث بعد العقد و لو كان قبل القبض يمنع عن الرد بالعيب السابق، و هذا لا يفرق فيه بين ان يكون هذا العيب موجبا لحدوث الخيار ام لا.

حدوث العيب بعد القبض

(1) المورد الثاني: ما إذا كان حدوث العيب بعد القبض و في زمان خيار المشتري

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 100

فيما قبل القبض، بناء علي اتحاد المسألتين، كما يظهر من بعض، و يدل علي ذلك ما يأتي من ان الحدث في زمان الخيار مضمون علي البائع و من ماله، و معناه ضمانه علي الوجه الذي يضمنه قبل القبض، بل قبل العقد الا ان المحكي عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب (1) ان تأثير العيب الحادث في زمن الخيار. و كذا عدم تأثيره في الرد بالعيب القديم انما هو ما دام الخيار، فإذا انقضي الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون علي المشتري، قال في الدروس لو حدث في المبيع عيب غير مضمون علي المشتري لم يمنع من الرد ان كان قبل القبض، أو في مدة خيار المشتري المشترط أو بالاصل فله الرد ما دام الخيار، فإن خرج الخيار ففي الرد خلاف بين ابن نما و تلميذه

المحقق (قدس سره)، فجوزه ابن نما، لانه من ضمان البائع و منعه المحقق (قدس سره) لأن الرد لمكان الخيار، و قد زال. و لو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد، انتهي.

______________________________

و الكلام فيه من حيث انه يوجب سقوط الرد بالعيب السابق هو الكلام فيما إذا حدث العيب قبل القبض،

و أما من جهة انه هل يوجب الخيار ام لا، فالنصوص متضمنة لأن ضمان المال و ضمان الحدث الحادث الشامل ذلك للعيب و زوال وصف الصحة، علي من لا خيار له،

و المراد بالضمان ان كان هو العهدة، فظاهره ثبوت الغرامة عليه لا الخيار و لا الانفساخ.

و ان كان هو التلف من البائع و استقرار الخسارة عليه اما انفساخا في التلف أو فسخا كما في العيب، فالمتحصل منها ان الخسارة تستقر علي البائع، فيسترجع المشتري تمام الثمن من البائع، اما لانفساخ العقد قهرا كما في التلف، أو للأخذ بالخيار. و علي اي تقدر لا يوجب حدوث الخيار.

(1) قوله الا ان المحكي عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب الي آخر ما نقله عنه الظاهر ان مراد المحقق (رحمه الله) ان العيب الحادث في ثلاثة الحيوان لا يؤثر في حدوث الخيار و انما للمشتري الرد بنفس خيار الحيوان و لا ينافي ذلك كون ضمان الوصف الفائت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 101

لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثاني و هو حدوث العيب في مبيع صحيح، و لعل الفرع الأول مترتب عليه، لأن العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا علي البائع (1) حتي يكون سببا للخيار غاية الأمر كونه غير مانع عن الرد بالخيارات الثلاثة كان مانعا عن الرد بالعيب

السابق، إذ لا يجوز الرد بالعيب مع حدوث عيب مضمون علي المشتري، فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار لا بالعيب السابق. فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع (2) للعيب الحادث. و لذا ذكر في اللمعة ان هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع (3) من ان العيب الحادث في الحيوان مضمون علي البائع مع حكمه بعدم الأرش، ثمّ انه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه، (4) و يضعف كلاهما بأن الظاهر تعدد الخيار، و فيه ان قول ابن نما (رحمه الله) لا يأبي عن التعدد كما لا يخفي.

______________________________

علي البائع بمعني استقرار خسارته عليه بالمعني المتقدم.

(1) قوله لان العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا علي البائع قد عرفت ان المحقق (رحمه الله) لا ينكر كونه مضمونا علي البائع و انما هو ملتزم بانه لا يوجب حدوث الخيار- و مع ذلك لا مانع من الالتزام بانه يمنع عن الرد بالعيب السابق من جهة ما دل علي سقوطه بتغير العين.

(2) قوله فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع قد عرفت انه ليس منشئا له بل المنشأ هو وجود المقتضي و هو ما دل علي سقوط الرد مع عدم قيام العين.

(3) قوله هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع بما ذكرناه ظهر عدم التنافي فلاحظ و تأمل..

(4) قوله ثمّ انه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه الجاعل هو صاحب الجواهر (رحمه الله) و هو غير تام فان المحقق يقول بخيار واحد و هو خيار الحيوان و شيخه ملتزم بثبوت خيارين احدهما خيار الحيوان و الآخر خيار العيب الحادث في زمان الخيار فلا وجه لدعوي المعاكسة و كان صاحب الجواهر (رحمه الله) تخيل ان ابن نما يقول

بثبوت خيار العيب خاصة فجعل قوله عكس قول المحقق و ضعفهما بان مقتضي الادلة التعدد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 102

و أما الثالث: اعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض و الخيار. (1)

فالمشهور انه مانع عن الرد بالعيب السابق، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام.

و في ظاهر الغنية الإجماع عليه، و المراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما يوجب الأرش، فيعم عيب الشركة و تبعض الصفقة إذا اشتري اثنان شيئا فأراد احدهما رده بالعيب، أو اشتري واحد صفقة و ظهر العيب في بعضه فأراد رد المعيب خاصة، و نحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد و غيره و نسيان الدابة للطحن كما صرح به في جامع المقاصد و يمكن الاستدلال علي الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة، فإن قيام العين و ان لم يناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف، كما اعترف به بعضهم في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين. إلا ان الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب و خياطته و صبغه ما يقابل تغير الأوصاف و النقص الحاصل و لو لم يوجب أرشا كصبغ الثوب و خياطته.

نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة، كالثمن و تعلم الصنعة، لكنه يندفع بأن

______________________________

العيب الحادث بعد القبض و الخيار.

(1) المورد الثالث: ما إذا كان حدوث العيب في يد المشتري بعد القبض و الخيار و الكلام فيه في جهات:

الاولي: في بيان الأدلة التي اقيمت لمانعية العيب الحادث بعد انقضاء الخيار للرد بالعيب القديم، و هي امور:

الاول: ما عن مفتاح الكرامة، و هو: ان العيب الحادث من جهة كونه مضمونا علي المشتري كان بمنزلة احداثه في المبيع حدثا المنصوص علي مانعيته من الرد.

و فيه: انه لم

يدل دليل علي هذا التنزيل، و مشاركتهما في كون العيب مضمونا علي المشتري مع افتراقهما من جهة كون الاحداث فعلا من افعال المشتري لا تصلح دليلا للتنزيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 103

الظاهر من قيام العين بقائه بمعني ان لا ينقص ماليته لا بمعني ان لا يزيد و لا ينقص،

كما لا يخفي علي المتأمل.

و استدل العلامة في التذكرة علي اصل الحكم قبل المرسلة، بأن العيب الحادث يقتضي اتلاف جزء من المبيع، فيكون مضمونا علي المشتري، (1) فيسقط رده للنقص الحاصل في يده، فإنه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق اولي من تحمل المشتري به للعيب الحادث هذا. و لكن المرسلة لا تشمل جميع افراد النقص مثل نسيان الدابة للطحن و شبهه و الوجه المذكور في التذكرة قاصر عن افادة المدعي،

لأن المرجع بعد عدم الاولوية من احد الطرفين الي اصالة ثبوت الخيار، و عدم ما يدل علي سقوطه، غاية الأمر انه لو كان الحادث عيبا كان عليه الأرش للبائع إذا رده، كما إذا تقايلا أو فسخ احدهما بخياره بعد تعيب العين، اما مثل نسيان الصنعة و شبهه فلا يوجب ارشا بل يرده، لأن النقص حدث في ملكه و انما يضمن وصف الصحة لكونه كالجزء التالف. فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله. نعم لو علل الرد بالعيب القديم، بكون الصبر علي المعيب ضررا، امكن ان يقال ان تدارك ضرر المشتري بجواز الرد مع تضرر البائع بالصبر علي العيب الحادث مما لا يقتضيه قاعدة نفي الضرر لكن العمدة في دليل الرد هو النص و الإجماع، فاستصحاب الخيار عند الشك في المسقط لا بأس به

______________________________

(1) الثاني: ما عن العلامة (رحمه الله) في التذكرة، و عبارته لا تخلو عن تشابه و توضيح

ما افاده: ان العيب الحاصل تحت يد البائع يكون البائع متحملا له، و تداركه انما يكون بجواز رد المشتري للمبيع علي البائع، و العيب الحاصل تحت يد المشتري يكون المشتري متحملا له، و تداركه انما يكون بجواز امتناع البائع من استرداده، فاحدهما مقتض و الآخر مانع، فلا يؤثر المقتضي في جواز الرد، فيتعين الامساك.

و فيه: ان مقتضي اطلاق ادلة خيار العيب جواز الرد في صورة حدوث العيب عند المشتري، و لا معارض لها في مقام الاثبات سوي قاعدة نفي الضرر من جانب البائع، و هي مع معارضتها بقاعدة نفي الضرر من جانب المشتري و تساقطهما معا لا تصلح لمعارضة اخبار خيار العيب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 104

إلا ان الانصاف ان المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ و الخياطة هو اناطة الحكم بمطلق النقص.

توضيح ذلك ان المراد بقيام العين هو ما يقابل الأعم من تلفها و تغيرها علي ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة علي ذلك، لكن المراد من التغير هو الموجب للنقص لا الزيادة، لأن مثل السمن لا يمنع الرد قطعا، و المراد بالنقص هو الأعم من العيب الموجب للارش، (1) فإن النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة انما هو لتعلق حق المشتري بالثوب من جهة الصبغ و الخياطة. و هذا ليس عيبا اصطلاحيا و دعوي اختصاصه بالتغير الخارجي الذي هو مورد الأمثلة فلا يعم مثل نسيان الدابة للطحن، يدفعه ان المقصود مجرد النقص مع انه إذا ثبت الحكم في النقص الحادث و ان لم يكن عيبا اصطلاحيا، ثبت في المغير و غيره للقطع بعدم الفرق، فإن المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز رد العين

______________________________

الثالث: ما عن الجواهر، و

هو عدم صدق الرد حينئذ، و اقتضاء الرد عدم تعيب المبيع و جبره بالارش لا يصيره ردا حقيقة.

و فيه: ان صدق الرد يتوقف علي بقاء ذات المبيع لا علي بقاء جميع خصوصياته.

الرابع: مرسل جميل «1» المتضمن لكون المردود قائما بعينه، و لا يصدق علي المعيب انه قائم بعينه.

(1) الجهة الثانية: في ان المدار علي كون الحادث عيبا اصطلاحيا، و هو ما يوجب الارش، أو علي ما يوجب نقصا في ماليته، أو علي التغير الحسي، أو علي التغير مطلقا لا ينبغي التوقف في انه ليس المراد به العيب الاصطلاحي لعدم اخذه في الموضوع،

مع ان خياطة الثوب الواقعة في المرسل ليست عيبا،

كما انه لا ينبغي التوقف في عدم كون المراد خصوص التغير المنقص للمالية لعدم كون الخياطة كذلك، فيدور الأمر بين الأخيرين.

و الظاهر من المرسل هو الأخير، فان عدم قيام العين قد يكون بورود النقص علي ذاتها، و قد يكون بوروده علي صفتها القائمة بجرم المبيع، و قد يكون بورود النقص علي

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 105

الا مع ارشه و كونه مجرد نقص لا يوجب ارشا كنسيان الكتابة و الطحن. اما الفرق في افراد النقص الغير الموجب للارش، بين مغير العين حسا و غيره فلا مجال لاحتماله.

ثمّ ان ظاهر المفيد في المقنعة، المخالفة في اصل المسألة، و ان حدوث العيب لا يمنع من الرد لكنه شاذ علي الظاهر، ثمّ مقتضي الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله، فلا يثبت بعد زواله (1) لعدم الدليل علي الثبوت بعد السقوط، قال في التذكرة عندنا ان العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب السابق،

سواء زال ام لا، لكن

في التحرير لو زال العيب الحادث عند المشتري و لم يكن بسببه كان له الرد و لا أرش عليه، انتهي.

و لعل وجهه ان الممنوع هو رده معيوبا، (2) لأجل تضرر البائع و ضمان المشتري لما يحدث و قد انتفي الامران

______________________________

وصفها القائم بنفسها كنسيان العبد للكتابة، و قد يكون بورود النقص الاعتباري كالشركة، و مقتضي اطلاق المرسل السقوط بكل ما يصدق عليه عنوان التغير الملازم لعدم قيام العين.

الجهة الثالثة: إذا تغيرت العين بالزيادة، فهل يكون ذلك مانعا عن الرد لإطلاق المرسل، ام لا لما افاده المصنف (رحمه الله) و غيره بان الظاهر من قيام العين بقائها بمعني ان لا ينقص ماليتها لا بمعني ان لا تزيد و لا تنقص، ام هناك تفصيل؟ وجوه:

اقواها الأخير، فان الزيادة إذا كانت مما يكون للمشتري بحيث لو فسخ البيع يكون له الرجوع علي البائع بقيمتها، أو يكون شريكا له في العين بالنسبة، فهي تمنع عن الرد، لأن صبغ الثوب بل و خياطته من هذا القبيل و ان لم تكن كذلك- كسمن الدابة و تعلم الصنعة- لا تكون مانعة، لأن المنع من الرد لما كان رعاية لحال البائع، فلا محالة يكون المرسل منصرفا عن ذلك. فتأمل.

(1) الجهة الرابعة: إذا زال العيب الحادث هل يجوز رد المبيع ام لا؟

و قد استدل للأول بوجوه:

(2) الاول: ما في المتن، و حاصله: ان الممنوع هو رد المبيع معيوبا من جهة اقتضاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 106

و لو رضي البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور جاز الرد، (1) كما في الدروس و غيره لأن عدم الجواز لحق البائع (2) و إلا فمقتضي قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب، غاية الأمر ثبوت قيمة العيب، و

انما منع من الرد هنا للنص و الاجماع أو للضرر

______________________________

دليل نفي الضرر، و كون العيب الحادث مضمونا علي المشتري، فإذا انتفي الأمران- كما في المقام- ارتفع المانع عن التمسك باطلاق دليل الخيار المقتضي لثبوته.

و فيه: ان المقيد للاطلاق هو مرسل جميل المتضمن لتقييده بقيام المبيع بعينه،

فالمتعين ملاحظة حاله.

الثاني: ما في الحاشية، و هو: ان كون المبيع معيبا مقتض للرد، و العيب الحادث مانع،

فإذا زال المانع اثر المقتضي اثره.

و فيه: انه في الشرعيات لا يتميز المقتضي عن المانع، و لا بد من ملاحظة المقتضي في مقام الاثبات.

الثالث: ما في حاشية السيد ايضا، و هو صدق قيام العين حينئذ، بدعوي ان ظاهره اعتبار قيامها علي حال الرد، و حين ارادته، و هذا يصدق في الفرض.

و فيه: ان الحادث غير الزائل بناء علي امتناع اعادة المعدوم فالعين غير قائمة،

فالأظهر بحسب النص عدم جواز الرد بلا حاجة الي التمسك بالاستصحاب.

(1) الجهة الخامسة: إذا رضي البائع برد المعيب بالعيب الحادث مجبورا بالارش أو غير مجبور، هل للمشتري الرد بحق الخيار، أو لا يجوز الا بالاقالة و التفاسخ؟ وجهان.

قد استدل للأول بوجهين:

(2) الاول: ما في المتن، و حاصله: ان عدم جواز الرد علي البائع من باب رعاية حال البائع، و الا فالتغير لا يمنع من الفسخ، و حقه يسقط برضاه، فيبقي حق المشتري بلا مزاحم.

و فيه: ان مقتضي اطلاق دليل الخيار ثبوت حق الرد حتي مع التغير، و المرسل قيده بما إذا كانت العين قائمة بعينها، و لا يكون متكفلا لاثبات حق للبائع. و جواز امتناع البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 107

و مما ذكرنا يعلم ان المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الأرش (1) الذي يغرمه البائع

للمشتري عند عدم الرد لأن العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد. (2)

ثمّ ان صريح المبسوط انه لو رضي البائع بأخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالأرش و هذا احد المواضع التي اشرنا في اول المسألة الي تصريح الشيخ فيها بأن الأرش مشروط باليأس من الرد، و ينافيه اطلاق الأخبار بأخذ الأرش.

______________________________

من قبول الرد انما هو لعدم الخيار للمشتري لا لثبوت حق شرعي له، و ما افاده (رحمه الله) من ان ذلك لرعاية حال البائع لا يثبت به كون ذلك حقا قابلا للاسقاط.

الثاني: قصور دليل مانعية العيب الحادث عن الشمول لما إذا رضي البائع، فلا مانع عن الخيار الثابت بدليله في ذلك الفرض.

و فيه: ان منطوق المرسل ان كان الثوب قائما بعينه غير مقيد برضا البائع، فكيف يقيد مفهومه به مع ان المفهوم تابع للمنطوق في العموم و الخصوص؟

فالأظهر انه ليس له الرد الا بعنوان الاقالة.

(1) قوله و مما ذكرنا يعلم ان المراد بالارش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الأرش محصل الفرق بينهما، ان الارش الذي يغرمه البائع، انما يكون بازاء مقدار من الثمن جعل بازاء وصف الصحة و لو في لبّ الارادة فلو اشتري ما يسوي در همين بدرهم، فظهر كونه معيوبا، و كان قيمة المعيوب نصف قيمة الصحيح، يكون البائع في المعاملة ملتزما بنصف درهم في مقابل وصف الصحة لا بدرهم، و هذا بخلاف ما يغرمه المشتري، فانه ان فسخ البيع يتعين عليه رد ما اخذه من البائع إليه، أو قيمته، فحيث انه اتلف علي البائع ما يوازي درهما فلا بد من ان يغرمه بهذا المقدار، و هذا هو مراد المصنف (رحمه الله) بقوله.

(2) ان العيب القديم مضمون

بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 108

تنبيه ظاهر التذكرة و الدروس ان من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة علي البائع. (1)

و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة ان التعدد المتصور فيه التبعض اما في احد العوضين و أما في البائع و أما في المشتري.

فالاول: كما إذا اشتري شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من بائع واحد فظهر بعضه معيبا، و كذا لو باع شيئا بثمن، فظهر بعض الثمن معيبا.

و الثاني: كما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا، فظهر معيبا و اراد المشتري ان يرد علي احدهما نصيبه دون الآخر.

و الثالث: كما إذا اشتري اثنان من واحد شيئا، فظهر معيبا، فاختار احدهما الرد دون الآخر و الحق بذلك الوارثان لمشتر واحد للمعيب.

و أما التعدد في الثمن بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن و بعضه الآخر بثمن آخر فلا اشكال في كون هذا عقدين و لا إشكال في جواز التفريق بينهما.

______________________________

تبعض الصفقة لا يمنع من الرد

(1) و عن التذكرة و الدروس: ان من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة.

لا إشكال و لا كلام فيما إذا اشتري شيئا واحدا بعضه بثمن و بعضه بثمن آخر، ظهر احدهما معيوبا كان له الخيار بالنسبة إليه خاصة.

كما لا إشكال في عدم جواز التفريق بينهما لو كان المبيع واحدا خارجيا و لو عرفا،

كالجارية، مع كون البائع واحدا و المشتري واحدا،

انما الكلام فيما إذا كان البيع واحدا و المبيع متعددا خارجا، كما لو جعل الاثنين منضما مبيعا واحدا فظهر احدهما معيوبا أو كان البائع متعددا أو المشتري كذلك فالكلام في مقامات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 109

اما الاول: فالمعروف انه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد،

بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الاجماع عليه (1) لأن المردود ان كان جزءا مشاعا من المبيع الواحد، (2) فهو ناقص من حيث حدوث الشركة،

______________________________

(1) الاول: ما إذا كان التعدد المتصور فيه التبعض في احد العوضين، فقد ادعي الاجماع علي انه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد،

و قد استدل له بوجوه:

احدها: ما عن الجواهر، و حاصله: ان الخيار حق واحد متعلق بمجموع المبيع لا كل جزء منه لا أقل من الشك و الأصل اللزوم.

و بعبارة اخري: ان الخيار حق حل العقد، و هو واحد متعلق بمجموع المبيع لا كل جزء منه.

و فيه: ان ظاهر ادلة الخيارات المجعولة لا لخصوصية في المبيع و ان كان هو التسلط علي حل العقد برد تمام المبيع، فحل بعض العقد برد بعض المبيع في المجلس لا دليل عليه،

و لكن الخيار المجعول لخصوصية في المبيع كخيار الحيوان فظاهر الدليل كون متعلق الخيار هو ما فيه الخصوصية دون غيره،

فلو ضم الحيوان الي شي ء و باعهما صفقه واحدة ثبت خيار الحيوان في خصوص الحيوان دون المجموع،

و مجرد وحدة العقد الانشائي لا تقتضي ذلك بالتوهم المشار إليه، و الا لانسد باب خيار تبعض الصفقة،

و المقام من قبيل الثاني، فان المجعول خيار واحد متعلق بما فيه عيب و عوار لا في المجموع، و عليه فمقتضي اطلاق الدليل جواز رده خاصة.

(2) قوله لان المردود ان كان جزء مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص علق عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بقوله- لا أتصور تعيب الجزء المشاع ليثبت خيار العيب فيه حتي يلزم الشركة انتهي و فيه انه يتصور فيما إذا كان الجزء المشاع من المبيع مورد الدعوي فيكون المعيب هو الجزء المشاع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 110

و ان كان معينا، فهو ناقص 1 من حيث حدوث التفريق فيه و كل منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، (1) فهو اولي بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن. و هذا الضرر و ان امكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة الا انه يوجب الضرر علي المشتري إذ قد يتعلق غرضه بامساك الجزء الصحيح، و يدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة الثوب و الصبغ، فإن المانع فيهما ليس الا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة لا مجرد تغير الهيئة. و لذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد قطعا.

______________________________

(1) ثانيها: ما استند إليه المصنف (رحمه الله)، و هو: ان فسخ البعض يوجب الضرر علي البائع، لأنه في الجزء المشاع موجب للشركة و في الجزء المعين موجب للتفريق، و كلاهما ضرر و نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، فهو اولي بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن، و جبره بخيار البائع و تسلطه علي استرداد المجموع ضرر علي المشتري لتعلق غرضه بامساك الصحيح، فيتعارضان، فلا يشمل الحديث شيئا منهما.

و فيه أو لا منع كون مجرد التفريق ضررا في جميع الموارد، نعم هو ضرر في مثل بيع مصراعي الباب.

و ثانيا: ان جواز فسخ البائع ليس ضررا علي المشتري، إذ لا يجب عليه الفسخ بالنسبة الي المعيب كي يجوز للبائع استرداد الصحيح، فهو باختياره يقدم علي ذلك، و مثله لا يكون مشمولا للحديث.

و ثالثا: انه في بادئ الأمر ليس الا ضرر المشتري من الصبر علي المعيب، فحديث لا ضرر يشمله لوجود المقتضي و عدم المانع، و من

شموله لذلك يتولد ضرر آخر علي البائع،

و لا يعقل ان يشمله الحديث، و الا لزم من شموله لضرر المشتري عدم شموله له، و ما يلزم من وجوده عدمه محال.

و رابعا: ان غاية ما يثبت بما افاده كون التبعيض ضررا علي البائع، و لكن مانعية ذلك عن اعمال المشتري خياره تتوقف علي دليل مفقود،

و ما ذكره من اولويته بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن يرد عليه منع الاولوية لان نسيان الدابة حدث مانع عن الرد و في المقام يكون المبيع قائما بعينه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 111

و قد يستدل بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع جوابه بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لا كل جزء منه (1) لا أقل من الشك لعدم اطلاق موثوق به و الاصل اللزوم، و فيه مضافا الي ان اللازم من ذلك عدم جواز رد المعيب منفردا و ان رضي البائع، لأن المنع حينئذ لعدم المقتضي للخيار في الجزء لا لوجود المانع عنه و هو لزوم الضرر علي البائع حتي ينتفي برضا البائع، انه لا يشك احد في ان دليل هذا الخيار كغيره من ادلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع لا كل جزء و لذا لم يجوز احد تبعيض ذي الخيار اجزاء ماله فيه الخيار، و لم يحتمل هنا احد رد الصحيح دون المعيب و انما وقع الاشكال في ان محل الخيار هو هذا الشي ء المعيوب، غاية الأمر انه يجوز رد الجزء الصحيح معه لئلا يتبعض الصفقة عليه. و أما لقيام الاجماع علي جواز رده و أما لصدق المعيوب علي المجموع (2) كما تقدم، أو ان محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه

العقد لكونه معيوبا و لو من حيث بعضه.

و بعبارة اخري الخيار المسبب عن وجود الشي ء المعيوب في الصفقة نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة، في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو سبب للخيار ام لا، بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد (3)

______________________________

(1) هذا اشارة الي الوجه الاول الذي نقلناه عن صاحب الجواهر و نقده.

(2) قوله و أما لصدق المعيوب علي المجموع مراده ما إذا كان المبيع واحدا عرفا و كان بعضه معيوبا و الا كان التزاما بما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله)

(3) قوله بل غاية الامر ظهور النصوص الواردة في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد هذا الترقي لدفع ما يتوهم وروده علي الشق الثاني و هو عدم اختصاص الخيار بالجزء المعيوب و حاصله انه و ان سلم ظهور النصوص في ذلك الا ان المنصرف منها أو ظاهرها ما إذا كان المبيع واحدا عرفا و لا تشمل ما إذا كان المبيع اثنين منضمين الذي هو محل الكلام و لكن لازم هذا البيان عدم الخيار في المعيب المنضم الي الصحيح لا في الجزء و لا في الكل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 112

لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتصف بالعيب نظير اخبار خيار الحيوان.

و هذا المقدار لا يدل علي حكم ما لو انضم المعيب إلي غيره، بل قد يدل كأخبار خيار الحيوان علي اختصاص الخيار بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه أو جزئه الحقيقي كبعض الثوب لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محل الكلام.

و منه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل إذا كان الشي ء قائما بعينه، (1)

لأن المراد بالشي ء هو المعيب، و لا شك في قيامه هنا بعينه.

و بالجملة فالعمدة في المسألة مضافا الي ظهور الاجماع، ما تقدم من ان مرجع جواز الرد منفردا إلي اثبات سلطنة للمشتري علي الجزء الصحيح من حيث امساكه، ثمّ سلب سلطنته عنه بخيار البائع و منع سلطنته علي الرد اولا اولي و لا أقل من التساوي، فيرجع الي اصالة اللزوم (2)

______________________________

(1) ثالثها: ما اشار إليه المصنف (رحمه الله)، و هو: انه مقتضي المرسل، «1» لانه لا يصدق قيام المبيع بعينه لو رد البعض.

و فيه: اولا: ان الظاهر من المرسل اعتبار كون المبيع قائما بعينه قبل الفسخ، و هذا موجود في المقام.

و ثانيا: ان المراد كون المعيب قائما بعينه، و هو كذلك حتي بعد الفسخ.

(2) رابعها: ما في المتن: ايضا و هو: ان مرجع جواز الرد منفردا الي اثبات سلطنة المشتري علي امساك الجزء الصحيح ثمّ سلب سلطنته عنه بخيار البائع، و منع سلطنته علي الرد اولا اولي، و لا أقل من التساوي، فيرجع الي اصالة اللزوم.

و فيه مضافا الي ما قد مران مرجعه ليس الي ذلك بل الي السلطنة علي حل العقد علي المعيوب و سلطنة البائع علي حله بالاضافة الي الصحيح، لا تنافي تلك بل لسلطنة المالك علي ماله ان مدرك خيار العيب ليس هو قاعدة لا ضرر. بل النص، فلا بد من الرجوع إليه

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 113

و الفرق بينه و بين خيار الحيوان الاجماع، كما ان للشفيع ان يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة.

و بالجملة فالاصل كاف في المسألة، ثمّ ان مقتضي ما ذكروه من الحاق تبعض الصفقة بالعيب الحادث انه لو رضي البائع

بتبعض الصفقة جاز الرد، كما في التذكرة معللا بأن الحق لا يعدوهما و هذا مما يدل علي ان محل الخيار هو الجزء المعيب، (1)

الا انه منع من رده نقصه بالانفراد عن باقي المبيع، إذ لو كان محله المجموع لم يجز رد المعيب وحده الا بالتفاسخ و معه يجوز رد الصحيح منفردا ايضا.

______________________________

و هو يقتضي خيار المشتري، و بعد ذلك ان قام دليل علي خيار البائع اخذ به ايضا،

و الا فلا.

خامسها: النص «1» المانع عن الرد بالخياطة و الصبغ، إذ المانع فيهما ليس الا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة.

و فيه: ان المانع هو تغير الهيئة، و انما لا يمنع ذلك إذا كان بما يوجب الزيادة لانصراف النص كما تقدم.

سادسها: الاجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

(1) قوله و هذا مما يدل علي ان محل الخيار هو الجزء المعيب لا دلالة فيما افاده علي ذلك إذ يمكن ان يكون نظر العلامة الي كون مورد الخيار المجموع و انما التزم بجواز رد المعيب من جهة رجوعه الي التفاسخ و الاقالة.

فتحصل: ان الأظهر ان التبعض لا يمنع من الرد، غاية الأمر ان لكل من البائع و المشتري خيار تبعض الصفقة بالنسبة الي الجزء الصحيح.

حكم ما إذا كان المشتري متعددا

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 114

و أما الثالث: و هو تعدد المشتري بأن اشتريا شيئا واحدا، فظهر فيه عيب، (1) فإن الأقوي فيه عدم جواز انفراد احدهما علي المشهور كما عن جماعة.

و استدل عليه في التذكرة و غيرها بأن التشقيص عيب مانع من الرد، (2) خلافا للمحكي عن الشيخ في باب الشركة، و الاسكافي و القاضي و الحلي و صاحب البشري فجوزوا

الافتراق.

______________________________

(1) المقام الثاني: ما إذا كان المشتري متعددا، قال العلامة في التبصرة و لو اشتري اثنان صفقة لم يكن لأحدهما رد حصته بالعيب الا إذا وافقه الآخر و قبل بيان الدليل ينبغي تقديم مقدمتين.

احداهما: ان موضوع البحث في هذا المقام و المقام الثالث انه بتعدد المشتري أو البائع، مع وحدة العقد الانشائي و المبيع عرفا، هل يتعدد الخيار ام لا؟ بل وحدة الخيار و تعدده تدوران مدار وحدة العقد أو المبيع أو تعدده،

و موضوع البحث في المقام الأول كان علي العكس من ذلك، و هو انه مع وحدة البائع و المشتري و العقد و تعدد المبيع هل يتعدد الخيار ام لا؟

ثانيتهما: في الأقوال في المسألة، و هي اربعة:

الأول: الجواز.

الثاني: عدمه.

الثالث: التفصيل بين علم البائع، بالتعدد فالأول، و عدمه فالثاني.

الرابع: التفصيل المنسوب الي ظاهر المبسوط و هو الجواز مع تحقق القبول من المشترين، و الوجهان مع وحدة القبول.

إذا عرفت هاتين المقدمتين، فاعلم: انه قد استدل لعدم الجواز بوجوه:

(2) احدها: ما استدل به في محكي التذكرة و غيرها و سلمه المصنف (رحمه الله) و هو: ان لازمه التبعيض علي البائع و هو عيب يمنع من الرد كسائر العيوب الحادثة عند المشتري.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان المبيع قائم بعينه قبل الفسخ، و لو سلم تغيره بعد الفسخ فهو لا يكون مانعا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 115

و في التذكرة ليس عندي فيه بعد، إذ البائع اخرج العبد اليهما مشقصا،

فالشركة حصلت بايجابه، و قواه في الايضاح لما تقدم من التذكرة، و ظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشتري، و استجوده في التحرير و قواه في جامع المقاصد و صاحب المسالك.

و قال في المبسوط إذا

اشتري الشريكان عبدا بمال الشركة، ثمّ اصابا به عيبا كان لهما ان يرداه و كان لهما ان يمسكاه، فإن اراد احدهما الرد و الآخر الامساك كان لهما ذلك.

ثمّ قال و لو اشتري احد الشريكين للشركة، ثمّ أصابا به عيبا، كان لهما ان يردا و ان يمسكا، فإن أراد احدهما الرد و الآخر الامساك نظر، فإن أطلق العقد و لم يخبر البائع انه قد اشتري للشركة لم يكن له الرد، لأن الظاهر انه اشتراه لنفسه فإذا ادعي انه اشتراه له و لشريكه فقد ادعي خلاف الظاهر، فلم يقبل قوله، و كان القول قول البائع مع يمينه، إلي ان قال و ان اخبر البائع بذلك قيل فيه وجهان:

أحدهما: و هو الصحيح أن له الرد لأن الملك بالعقد وقع لأثنين، فقد علم البائع أنه يبيعه من اثنين و كان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر، و قيل فيه وجه آخر، و هو أنه ليس له الرد، لأن القبول في العقد كان واحدا، انتهي.

و ظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد واحدا من اثنين. اما إذا تحقق القبول من الشريكين، فلا كلام في جواز الافتراق، ثمّ الظاهر منه مع اتحاد القبول التفصيل بين علم البائع و جهله، لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطي التفصيل بين كون القبول في الواقع لاثنين أو لواحد، فإنه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم اخبار المشتري بالاشتراك، بأن الظاهر انه اشتراه لنفسه لا بعدم علم البائع بالتعدد و كذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البينة من المشتري علي ان الشراء بالاشتراك دليل علي انه يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد في الواقع بالبينة

و ان لم يعلم به البائع الا ان يحمل اليمين علي يمين البائع علي نفي العلم،

و يراد من البينة البينة علي اعلام المشتري للبائع بالتعدد، و كيف كان فمبني المسألة علي ما يظهر من كلام الشيخ علي تعدد العقد بتعدد المشتري و وحدته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 116

و الأقوي في المسألة عدم جواز الافتراق مطلقا، لأن الثابت من الدليل هنا خيار واحد متقوم باثنين، فليس لكل منهما الاستقلال، و لا دليل علي تعدد الخيار هنا إلا اطلاق الفتاوي و النصوص من ان من اشتري معيبا فهو بالخيار، الشامل لمن اشتري جزءا من المعيب، لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه الي غير المقام، و لو سلمنا الظهور لكن لا ريب في ان رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه، بل ليس قائما بعينه و لو بفعل الممسك لحصته و هو مانع من الرد، و من ذلك يعلم قوة المنع و ان قلنا بتعدد العقد و ما ذكروه تبعا للتذكرة من ان التشقيص حصل بإيجاب البائع (1) فيه انه اخرجه غير مبعض و انما تبعض بالاخراج و المقصود حصوله في يد البائع، كما كان قبل الخروج (2) و خلاف ذلك ضرر عليه، و علم البائع بذلك ليس فيه اقدام علي الضرر الا علي تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض و هو محل الكلام (3).

______________________________

و ثانيا: انه بعد الفسخ ايضا قائم بعينه، فان ما اخذه كل من المشتريين قائم بعينه،

فان ما اخذه كل من المشترين قائم علي ما كان عليه عند اخذه، فانه لم يأخذ الا حصة نفسه، فافتراق حصته عن حصة صاحبه ليس نقصا فيما اخذه. و الظاهر ان هذا مراد العلامة (رحمه الله)، من

قوله:

(1) ان التشقيص حصل بايجاب البائع و لا يرد عليه ما ذكره المصنف (رحمه الله) بقوله:

(2) انه تبعض بالاخراج و المقصود حصوله في يد البائع كما كان قبل الخروج فانه يرد عليه: ان المقصود ارجاع ما تلقاه من البائع و تملكه منه، و هو حاصل.

ثانيها: ان النص منصرف الي غير المقام- اي الي ما إذا اتحد المشتري و قد استند المصنف (رحمه الله) إليه في المنع.

و فيه: انه لو تم ذلك لزم ان لا يحكم بالخيار لمجموع المشتريين ايضا،

مع انه لا يتم إذ لا وجه للانصراف سوي الغلبة.

(3) ثالثها: ما ذكره المصنف (رحمه الله) بقوله: ان خلاف ذلك ضرر عليه و علم البائع بذلك ليس فيه قدام علي الضرر الا علي تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض، و هو محل الكلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 117

و الحاصل ان الفرق بين هذه المسألة و المسألة الاولي غير وجيه.

و أما الثاني: و هو تعدد البائع، فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق إذ لا ضرر علي البائع بالتفريق (1) و لو اشتري اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد اشتري كل من كل ربعا فإن اراد احدهما رد ربع الي احد البائعين دخل في المسألة الثالثة، و لذا لا يجوز لأن المعيار تبعض الصفقة علي البائع الواحد.

______________________________

و قد تقدم الجواب عن ذلك في المقام الأول.

رابعها: ان العقد واحد، فالخيار الذي هو حل العقد واحد، و متعلقه المجموع،

فلا يجوز رد البعض.

و فيه: ان المراد من العقد الذي حكم عليه بالوحدة ان كان هو العقد الانشائي فيرد عليه اولا: انه يمكن القول بتعدده إذا قبل المشتريان، فانه لا يمكن القول بوحدة الايجاب و تعدد القبول لتضايفهما.

و ثانيا: انه لا عبرة الا

بالبيع الحقيقي و العقد المعنوي اللبي،

و ان كان هو العقد المعنوي فيرد عليه: انه مع تعدد الملكية لا محالة يتعدد التمليك لوحدة الايجاد و الوجود، و هو البيع الحقيقي.

خامسها: ان الثابت بالدليل هنا خيار واحد قائم باثنين، فليس لكل منهما الاستقلال.

و فيه: ان الدليل يثبت الخيار لكل من اشتري شيئا و به عيب علي نحو القضية الحقيقية، و فعلية ذلك انما تكون بفعلية موضوعه، و تعدده تابع لتعدد موضوعه خارجا،

و من المعلوم انه يصدق علي كل من المشتريين انه اشتري شيئا و به عيب،

فمقتضي اطلاق النص ثبوت الخيار له مستقلا.

فتحصل: ان الأظهر جواز الرد، كما ظهر مدرك القولين الآخرين و الجواب عنه.

المقام الثالث: ما إذا كان البائع متعددا، ففي المتن.

(1) فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق، إذ لا ضرر علي البائع بالتفريق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 118

مسألة: يسقط الأرش دون الرد في موضعين: (1)
احدهما: إذا اشتري ربويا بجنسه فظهر عيب في احدهما

فلا ارش حذرا من الربا (2) و يحتمل جواز اخذ الأرش و نفي عنه البأس في التذكرة (3) بعد ان حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية موجها له بأن المماثلة في مال الربا انما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت و الأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق، انتهي.

ثمّ ذكر ان الاقرب انه يجوز اخذ الأرش من جنس العوضين لأن الجنس لو امتنع اخذه لامتنع اخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شي ء آخر،

انتهي و عن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض اصحابنا المتقدم علي العلامة

______________________________

و لكن يرده: ان مجرد عدم المانع لا يكفي في الحكم بثبوت الخيار.

و بالجملة: ان الكلام في هذا المقام بعينه هو الكلام في المسألة المتقدمة دليلا و مختارا،

فالأظهر هو الجواز في المقامات الثلاثة.

مسقطات الارش خاصة

(1) السابعة:

يسقط الارش دون الرد في موضعين:

(2) احدهما: ما إذا اشتري ربويا بجنسه فظهر عيب في احدهما فلا ارش حذرا من الربا هكذا افاد جماعة،

(3) و نفي العلامة في محكي التذكرة الباس عن جواز اخذ الارش لا كلام و لا إشكال في صحة العقد و جواز الرد و انما الكلام في انه هل يستحق الارش ام لا، ام يفصل بين اخذه من الجنس فلا يجوز و من غيره فيجوز؟

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الأول: في انه هل يوجب اخذ الارش الربا ام لا يوجب؟

الثاني: في حكمه علي فرض صيرورته ربويا.

اما الأول: فقد استدل لصيرورته ربويا باخذ الارش بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 119

و حاصل وجهه ان صفة الصحة لم تقابل بشي ء من الثمن حتي يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة انقص منه قدرا بل لم تقابل بشي ء اصلا و لو من غير الثمن و الا لثبت في ذمة البائع و ان لم يختر المشتري الأرش بل الصحة وصف التزمها لبائع في المبيع من دون مقابلته بشي ء من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع إلا ان المشهور جوز للمشتري مع تبين فقده اخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من الثمن أو غيره و هذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع، (1)

هذا و لكن يمكن ان يدعي ان المستفاد من ادلة تحريم الربا

______________________________

منها: ان الارش و ان كان مجعولا شرعيا الا انه لا فرق في حرمة الربا بين كون الزيادة بجعل من المتعاقدين، أو بحكم الشارع: فانه من باب تتميم الناقص، مع انهما متماثلان من حيث المقدار.

(1) و فيه: ان جعل الارش من الشارع ليس بعنوان تتميم الناقص بل هو غرامة محضة. حكم

بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع و منها: ان الارش و ان لم يوجب زيادة احد العوضين الا انه يوجب نقص الآخر،

و هو ما يؤخذ منه الارش.

و فيه: انه سيجي ء في محله من ان الارش ليس جزء من العوض كي يكون تنقيصا موجبا لتعادل العوضين،

بل لو سلم حكم الشارع برد بعض الثمن لا يكون ذلك بعنوان انفساخ بعض العقد،

بل بعنوان تملك جديد.

و منها: ان الارش انما يكون بالتزام البائع بالتدارك عند نقص وصف الصحة، فهو من قبيل شرط الزيادة داخل في الربا.

و فيه: اولا: ان لازم ذلك بطلان البيع.

و ثانيا: ان اشتراط وصف الصحة كاشتراط سائر الصفات ليس التزاما بالارش،

بل بالخيار و الارش جعل بحكم الشارع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 120

و حرمة المعاوضة الا مثلا بمثل بعد ملاحظة ان الصحيح و المعيب جنس واحد ان وصف الصحة في احد الجنسين كالمعدوم (1) لا يترتب علي فقده استحقاق عوض و من المعلوم ان الأرش عوض وصف الصحة عرفا و شرعا فالعقد علي المتجانسين لا يجوز ان يصير سببا لاستحقاق احدهما علي الآخر زائدا علي ما يساوي الجنس الآخر.

و بالجملة فبناء معاوضة المتجانسين علي عدم وقوع مال في مقال الصحة المفقودة في احدهما و المسألة في غاية الاشكال و لا بد من مراجعة ادلة الربا و فهم حقيقة الأرش و سيجي ء بعض الكلام فيه انشاء الله.

______________________________

و منها ما في المتن قال،

(1) بعد ملاحظة ان الصحيح و المعيب جنس واحد ان وصف الصحة في واحد الجنسين كالمعدوم حاصله: ان الارش عوض وصف الصحة فمع كون الصحيح و المعيب جنسا واحدا و ان وصف الصحة في احد الجنسين كالمعدوم لا يترتب علي فقده استحقاق عوض علي ما هو

المستفاد من الأدلة، لا محالة يكون زائدا علي ما يساوي الجنس الآخر، فتشمله ادلة حرمة الربا، إذ لا فرق فيها بين سببية العقد للزيادة بلا واسطة أو بواسطة سببيته لاستحقاق الارش.

و فيه: ان الارش غرامة شرعية مجعولة لا ان العقد سبب له و بعبارة اخري: ما يتكفله دليل الربا انما هو عدم جواز التمليك علي وجه التفاضل لا إيجاد موضوع له حكم شرعي قهري.

و منها: ما عن المحقق الخراساني (رحمه الله)، و هو: ان الارش و ان لم يوجب انعقاد العقد علي المتفاضلين، الا انه يوجب استقراره عليهما، و لا فرق في الربا بين ان يكون انعقاد العقد علي المتفاضلين أو استقراره عليهما.

و فيه: ان اللزوم خارج عن العقد، فصيرورة العقد لازما باخذ الارش غير كون استقرار العقد متوقفا عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 121

الثاني: ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة

فإنه لا يتصور هنا ارش (1)

حتي يحكم بثبوته و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد و قد يناقش في ذلك بأن الخصاء موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة و انما يرغب في الخصي قليل من الناس لبعض الاغراض الفاسدة اعني عدم تستر النساء منه فيكون واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته و هذا المقدار لا يوجب زيادة في اصل المالية (2) فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره لكن الانصاف ان الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيرا لا نادرا بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لو لا هذا الغرض (3) صح ان يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصي فكان هذا الغرض صار غرضا مقصودا متعارفا و صحة الغرض و فساده شرعا لا دخل لها في المالية العرفية، كما لا يخفي.

______________________________

فتحصل: انه لا

يكون داخلا في الربا، فالأظهر صحة العقد و جواز اخذ الارش.

و أما المورد الثاني: فان قلنا بدخوله تحت دليل حرمة الربا، لا محالة يقع التعارض بين ذلك الدليل و دليل استحقاق الارش، و حيث ان النسبة عموم من وجه، و دلالة كل منهما علي حكم المجمع بالاطلاق، فاما ان يقال انهما يتساقطان و يرجع الي اصالة عدم استحقاق الارش، أو انه لا بد من الرجوع الي المرجحات، و الترجيح مع دليل حرمة الربا،

و علي التقديرين يسقط الارش.

(1) قوله الثاني ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة فانه لا يتصور هنا ارش ما افاده (قدس سره) من الكبري الكلية من القضايا التي قياساتها معها فانه مع عدم التفاوت لا يعقل ما به التفاوت الذي هو الارش انما الكلام في انه هل يتحقق مورد لذلك أي يكون النقص موجبا للعيب الموجب للخيار و لا يوجب نقصا في القيمة و المثبتون مثلوا له بالخصاء في العبيد.

(2) و اورد عليهم بانه يوجب نقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة و انما يرغب في الخصي قليل من الناس لبعض الاغراض الفاسدة و هو لا يوجب زيادة المالية و اجاب المصنف (رحمه الله) عن الايراد

(3) بان الراغب فيه لذلك الغرض بما انه كثير و مناط المالية بذل متعارف الناس مقدارا من المال بازاء الشي ء لا محالة يكون الخصاء غير منقص للمالية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 122

و بالجملة فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه سواء كان من جهة اغراض انفسه ام من جهة بيعه علي من له غرض فيه مع كثرة ذلك المشتري و عدم ندرته بحيث يلحق بالاتفاقيات.

مسألة: يسقط الرد و الأرش معا بأمور.
اشارة

احدها: العلم بالعيب قبل العقد

بلا خلاف و لا إشكال (1) لأن الخيار انما ثبت مع الجهل. (2)

______________________________

و الحق انه بناء علي ما سيأتي من المصنف (رحمه الله) من دخل نقص المالية في صدق العيب لا مجال لهذا البحث في المقام فانه كما يكون الارش ساقطا حينئذ يكون خيار العيب ساقطا رأسا و أما بناء علي مسلك من يري عدم دخله في صدق العيب يبقي لهذا البحث في المقام مجال فانه يبحث في ان الخصاء، كما انه يوجب جواز الرد لكونه عيبا يوجب جواز اخذ الارش لكونه منقصا للقيمة ام لا يوجب لعدم كونه منقصا لها

ما يسقط الرد و الارش

الخامسة: يسقط الرد و الارش معا بامور:

(1) احدها:

ما لو علم بالعيب ثمّ اشتراه

فانه لا خلاف و لا إشكال في انه لا أرش ايضا كما لارد، و قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع عليه،

و الوجه فيه اصالة اللزوم، بعد انه لا مقتضي للخيار.

اما إذا كان المدرك لهذا الخيار الاخبار، فلأنها مختصة بصورة الجهل لما فيها من التعبير بظهور العيب و وجد انه و رؤيته، و جميع تلكم بعد البيع.

و ان كان المدرك قاعدة لا ضرر فلأنها مختصة بصورة الجهل، إذ لا منة في رفع حكمه مع العلم.

و الظاهر: الي هذا نظر المصنف (رحمه الله) من.

(2) قوله: لان الخيار انما ثبت مع الجهل فلا يكون ما افاده مصادرة كما توهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 123

و قد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة، (1) و فيه نظر (2) و حيث لا يكون العيب المعلوم سببا للخيار

______________________________

(1) مورد الاستدلال صدر صحيح زرارة «1» المشار إليه ايما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار و لم يتبرأ إليه و لم يبين له فاحدث … الخ،

و المستدل هو صاحب الجواهر (رحمه

الله).

و تقريب الاستدلال به: انه و ان كان في مقام بيان مانعية احداث الحدث عن الخيار الا انه من تقييد موضوع الخيار بعدم التنبيه المأخوذ طريقا الي الجهل يستكشف اختصاص الخيار بصورة الجهل.

(2) و تنظر المصنف (رحمه الله) فيه:

و جملة من المحشين منهم السيد و المحقق الايرواني (رحمه الله)، ذكروا ان منشأ نظر المصنف (رحمه الله) انه لا مفهوم له،

فاوردوا عليه بايرادات:

احدها انه سيستدل به عن قريب في مسألة السقوط بالتبري، مع ان دلالته علي السقوط به أو بالعلم علي نسق واحد.

ثانيها: ان الشرط فيه و ان كان مسوقا لبيان تحقق الموضوع، الا انه من جهة تقيده بقيد يكون له مفهوم الشرط بالنسبة الي ذلك القيد، فيكون نظير ان يقال: ان رزقت ولدا ذكرا سويا فاختنه.

ثالثها: ان المفهوم الذي يؤخذ منه هو مفهوم القيد، و هذا المفهوم ان لم نقل به في غير مقام فلا يبعد القول فيه في المقام لمكان ورود الرواية في مقام ضبط مورد الخيار مقدمة لبيان سقوطه باحداث الحدث.

و لكن الظاهر ان وجه نظر المصنف (رحمه الله) انه يحتمل ان يكون المراد من قوله لم يبين له اعتبار عدم رفع الالتزام بالصحة، اي لم يصدر من البائع تنبيه علي العيب حتي يخرج عن عهدة البيع، فيجامع عدم التنبيه مع علم المشتري بالعيب لا اعتبار عدم التنبيه، و عليه فتوقف المصنف (رحمه الله) في محله و لا يرد عليه شي ء مما تقدم:

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 124

فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص (1) الذي له احكام خاصة فسد الشرط و افسد (2) لكونه مخالفا للشرع (3) و لو اراد به

مجرد الخيار كان من خيار الشرط و لحقه احكامه لا أحكام خيار العيب..

______________________________

(1) و لو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص فالأقوال فيه ثلاثة:

صحة العقد و الشرط، اختاره صاحب الجواهر (رحمه الله)

(2) فساد الشرط و العقد، اختاره المصنف (رحمه الله)

صحة العقد و فساد الشرط.

فالكلام يقع في موردين:

الأول في حكم الشرط.

الثاني: في حكم العقد.

(3) اما الاول: فقد استدل المصنف (رحمه الله) للفساد: بانه خلاف المشروع توضيحه: ان مدرك الخيار هو النص الخاص، فهو كما عرفت مختص بصورة الجهل،

فلا مقتضي للخيار مع العلم، و الشرط لا يحقق المقتضي لذلك الخيار الخاص المنحصر في سبب خاص.

و في الجواهر: الاستدلال للصحة بما توضيحه: ان الضرر مقتض للخيار، و الاقدام مع العلم مانع من حيث كشفه عن الرضا، و مع الشرط ترتفع الكاشفية فلا مانعية.

و فيه: اولا: ان المقتضي في مقام الاثبات هي الاخبار، و هي كما عرفت مختصة بصورة الجهل.

و ثانيا: انه لو سلم كون المقتضي في مقام الاثبات هي قاعدة لا ضرر فكونها مقتضية حتي مع العلم غير ثابت، بل المقتضي هو الضرر المستند الي الشارع، فمع العلم لا مقتضي، حيث ان الضرر لا يستند الي الشارع كما لا يخفي،

فالأظهر فساد الشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 125

الثاني: تبري البائع عن العيوب اجماعا في الجملة (1) علي الظاهر المصرح به في محكي الخلاف و الغنية و نسبه في التذكرة إلي علمائنا اجمع و الأصل في الحكم قبل الاجماع مضافا الي ما في التذكرة من ان الخيار انما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة. فإذا صرح البائع بالبراءة فقد ارتفع صحيحة زرارة المتقدمة و مكاتبة جعفر بن عيسي الآتية و مقتضي اطلاقهما كمعقد الاجماع المحكي عدم الفرق بين

التبري تفصيلا و إجمالا و لابين العيوب الظاهرة و الباطنة لاشتراك الكل في عدم المقتضي للخيار مع البراءة خلافا للمحكي في السرائر عن بعض اصحابنا من عدم كفاية التبري اجمالا. و عن المختلف نسبة الي الاسكافي

______________________________

و أما المورد الثاني: فان قلنا: ان الشرط الفاسد مفسد فسد العقد ايضا، و الا فلا.

و بذلك يظهر ان الشيخ (رحمه الله) الباني علي عدم مفسدية الشرط الفاسد ليس له الحكم بفساد العقد في المقام.

التبري عن العيوب

(1) ثانيهما: تبري البائع عن العيوب و قبول المشتري البيع معه، فانه يسقط به الرد و الارش بلا خلاف، و في الجواهر: اجماعا محكيا صريحا عن الغنية و الخلاف و التذكرة و ظاهرا في غيرها ان لم يكن محصلا.

و يشهد به- مضافا الي ذلك، و إلي ما في الجواهر-: ضرورة كون المراد البراءة مما رتب الشارع عليه من الحكم و هو الرد أو الارش، فهو حينئذ شرط مندرج فيما دل علي الشرائط حتي لو ذكره قبل العقد و بنيا عليه بناء علي انه حينئذ كالمصرح به فيه، و لأن المشتري حينئذ راض به علي ذلك، كما لو علم به و اقدم عليه، بل يشمله دليل ذلك.

بل قد يقال: ان في شمول ادلة الخيار المزبور لمحل الفرض محل شك، بل ظاهرها خلافه، فتبقي اصالة اللزوم و اصالة براءة الذمة من الأرش بلا معارض انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 126

و قد ينسب الي صريح آخر كلام القاضي المحكي في المختلف مع ان المحكي عن كامل القاضي موافقة المشهور و في الدروس نسب المشهور إلي اشهر القولين ثمّ ان ظاهر الادلة هو التبري من العيوب الموجودة حال العقد و أما التبري من العيوب المتجددة (1) الموجبة للخيار

______________________________

مفهوم صحيح

زرارة عن الامام الباقر (عليه السلام): ايما رجل اشتري شيئا به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يتبين له فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1».

بالتقريب الآتي.

و مصحح جعفر بن عيسي: كتبت الي ابي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادي عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق الا نقد الثمن، فربما زهد فإذا زهد فيه ادعي فيه عيوبا و انه لم يعلم بها فيقول المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري: لم اسمع البراءة منها: أ يصدق فلا يجب عليه الثمن ام لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب: عليه الثمن «2».

و دلالته علي ذلك من وجهين واضحة، و مع ذلك كله فلا يصغي الي ما قيل من ان شرط التبري من العيب موجب للجهل بالمبيع و الغرر، الموجبين للبطلان،

اضف إليه ما تقدم في مبحث خيار الرؤية في مسألة شرط عدم الخيار دفع ذينك و سائر ما اورد عليه.

هذا كله في العيب الموجود قبل العقد،

(1) و أما العيب المتجدد بعده الموجب للخيار، كالحادث بعد العقد قبل القبض أو في زمان خيار المشتري، فهل يصح التبري منه كما هو المشهور، و عن ظاهر التذكرة.

الاجماع عليه، ام لا يصح؟ وجهان.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

(2) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 127

فيدل علي صحته و سقوط الخيار به عموم المؤمنون عند شروطهم (1) قال

في التذكرة بعد الاستدلال بعموم المؤمنون لا يقال ان التبري مما لم يوجد يستدعي البراءة مما لم يجب (2) لانا نقول ان التبري انما هو من الخيار الثابت بمقتضي العقد لا من العيب، (3) انتهي.

اقول المفروض ان الخيار لا يحدث الا بسبب حدوث العيب و العقد ليس سببا لهذا الخيار (4) فإسناد البراءة الي الخيار لا ينفع و قد اعترف قدس سره في بعض كلماته بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية بعد العقد و قبل الرؤية. (5) نعم ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في العقد لكنه مخالف لسائر كلماته و كلمات غيره كالشهيد و المحقق الثاني.

و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب و البراءة من خيار الرؤية

______________________________

(1) قد استدل المصنف (رحمه الله) للاول: بعموم المسلمون عند شروطهم «1»

ثمّ اورد عليه ايرادين.

(2) احدهما: انه من قبيل البراءة مما لا ثبوت له فيكون كإسقاط ما لا يجب.

(3) و نقل عن العلامة الجواب عنه: بان البراءة ليست من العيب بل من الخيار الذي هو مقتضي العقد.

(4) و اجاب عنه: بان العقد ليس سببا لهذا الخيار، بل سببه حدوث العيب فهو غير ثابت و لو ثبوت مقتضيه، فيكون كالعيب غير الحادث من حيث تعلق البراءة بما لا ثبوت له.

و فيه: ان التبري من العيب مرجعه الي شرط عدم الخيار و سقوطه، و قد مر مرارا ان اسقاط ما لم يجب معلقا علي ثبوته لا مانع منه.

(5) قوله و قد اعترف (قدس سره) في بعض كلماته بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية سقوط الخيار أو عدم ثبوته غير اسقاط الخيار معلقا أو منجزا و لا محذور في الالتزام بعدم جواز الثاني، و جواز الاول كما تقدم و

عليه فلا تنافي بين كلماته

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و باب 4 من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 128

بل الغرر في الاول اعظم (1) الا انه لما قام النص و الاجماع علي صحة التبري من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته مع امكان الفرق بين العيوب و الصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع الغرر في الأول بالاعتماد علي اصالة السلامة (2) فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها بخلاف الثاني فإن الغرر لا يندفع فيه إلا بالتزام البائع بوجودها فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر.

و أما البراءة عن العيوب المتجددة فلا يلزم من اشتراطها غرر في البيع حتي يحتاج الي دفع الغرر باصالة عدمها لأنها غير موجودة بالفعل في المبيع حتي يوجب جهالة

______________________________

ثانيهما: انه موجب للغرر، بتقريب: ان ارتفاع الغرر انما كان بالالتزام بالصحة،

و شرط عدم الخيار و التبرئ من العيب مرجعه الي عدم الالتزام بالصحة، فيعود الغرر.

و يرده- مضافا الي ما افاده من ان ارتفاع الغرر انما يكون بغلبة السلامة المحفوظة مع التزام البائع و عدمه،

و مضافا الي ما في آخر كلامه من ان العيب الحادث لعدم وجوده حال العقد لا يلزم من عدم اشتراط عدمه الغرر ما مر في خيار الرؤية في الجواب عن وجوه المنافاة بين شرط عدم الخيار و ما يرتفع به الغرر. فالأظهر صحة هذا الشرط.

(1) قوله بل الغرر في الاول اعظم هذا وجه آخر لعدم جواز التبري لا ربط له بما سبق وجه الاعظمية ان كون المبيع فاقد الوصف الصحة اعظم من كونه فاقد الوصف الكمال.

(2) قوله باندفاع الغرر في الاول بالاعتماد علي اصالة السلامة في الحاشية اقول هذا ينافي ما ذكره آنفا وفاقا للتذكرة من

انه إذا صرح البائع بالبراءة يرتفع اقتضاء اطلاق العقد السلامة انتهي و يمكن دفعه بان ارتفاع الاطلاق لا يساوق عدم الغلبة بل عدم ارادة الصحيح و بعبارة اخري التبري انما ينفي الملازمة بين ارادة الصحيح، و ورود العقد علي الغالب لا انه

ينفي غلبة السلامة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 129

ثمّ ان البراءة في هذا المقام يحتمل اضافتها الي امور: (1)

الأول: عهدة العيوب و معناه تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه الي عدم التزام سلامته فلا يترتب علي ظهور العيب رد و لا أرش فكأنه باعه علي كل تقدير.

الثاني: ضمان العيب و هذا انسب بمعني البراءة و مقتضاه عدم ضمانه بمال فتصير الصحة كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع لا يوجب الا تخييرا بين الرد و الامضاء مجانا و مرجع ذلك الي اسقاط ارش العيوب في عقد البيع لا خيارها.

الثالث: حكم العيب و معناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضي العقد بسبب العيب و الأظهر في العرف هو المعني الأول و الأنسب بمعني البراءة هو الثاني. (2)

و قد تقدم عن التذكرة المعني الثالث و هو بعيد عن اللفظ الا ان يرجع الي المعني الاول و الأمر سهل، ثمّ ان تبري البائع عن العيوب مطلقا أو عن عيب خاص انما يسقط تأثيره من حيث الخيار اما سائر احكامه فلا، فلو تلف بهذا العيب في ايام خيار المشتري لم يزل ضمان البائع لعموم النص (3)

______________________________

(1) قوله البراءة في هذا المقام يحتمل اضافتها الي امور و لما كانت البراءة مما لا ربط له بالمتبرئ غير صحيح، و العيب بنفسه من مصاديق ذلك، التجأ الي ابداء احتمالات في التبري الموضوع للحكم في المقام:

احدها: ارادة البراءة عن تعهد البائع له و اثره حينئذ

سقوط الرد و الارش.

ثانيها: ارادة البراءة عن ضمانه لما به التفاوت و اثره سقوط الارش ثالثها: ارادة البراءة عن الحكم المترتب عليه و هو الخيار.

و المصنف مع اعترافه بان الأظهر في العرف هو المعني الأول، قال:

(2) و الا نسب بمعني البراءة هو الثاني و فيه: ان البراءة في الجميع بمعني واحد كانت امرا وجوديا يساوق التجنب عنه و نحوه، ام معني سلبيا، و انما الفرق فيما اضيف إليه، فالمتعين هو الأول.

(3) قوله فلو تلف بهذا العيب في ايام خيار المشتري لم يزل ضمان البائع لعموم النص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 130

لكن في الدروس انه لو تبرأ من عيب فتلف به في زمن خيار المشتري فالاقرب عدم ضمان البائع و كذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده و تلف في زمان خيار المشتري و يحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه و أقوي أشكالا ما لو تلف به و بعيب آخر تجدد في الخيار، انتهي كلامه رفع مقامه

______________________________

الظاهر ان مورد كلام المصنف تلف المبيع في ايام خيار آخر مختص بالمشتري غير خيار العيب الساقط بالتبرّي، لا التلف في ايام خيار العيب، إذ التلف في تلك الأيام غير مشمول لقاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لما عرفت من انه يوجب سقوط حق الرد بمقتضي النصوص لا الانفساخ،

فما في حاشية السيد (رحمه الله) من الايراد علي المصنف (رحمه الله) بان ظاهر العبارة خلاف المقصود، فانها ظاهرة في ارادة الفرع الأول، مع ان المقصود الفرع الثاني، في غير محله.

و الكلام في الفرع المقصود ليس في ان ظاهر التبري من العيب التبري عن هذه العهدة ايضا ام لا: لأن هذا البحث

لا يلائم التعليل بعموم النص، مع انه هين و تابع لقصد البائع و ظاهر كلامه،

و لا في ان هذه العهدة هل تكون من الحقوق و قابلة للاسقاط بان يكون مفاد قاعدة التلف في زمان الخيار كون دركه و خسارته عليه فيكون الضمان هنا كسائر الموارد قابلا للاسقاط، أو تكون من الأحكام و غير قابلة للاسقاط بان يكون مفاد القاعدة انفساخ العقد كما هو المعروف: فانه لا يلائم التعليل، مع انه سيأتي في احكام الخيار تنقيح القول فيه.

بل في انه بناء علي كون ذلك من قبيل الحكم هل النص المتضمن له مختص بصورة عدم التبري من العيب، ام يشمل صورة التبري، و المصنف (رحمه الله) اختار الثاني، و علله بعموم النص، و هو متين.

ما قيل بكون مسقطا للرد و الارش

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 131

ثمّ ان هنا امورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الأرش بها.

منها زوال العيب قبل العلم (1) به كما صرح به في غير موضع من التذكرة و مال إليه في جامع المقاصد و اختاره في المسالك، بل و كذا لو زال بعد العلم به قبل الرد و هو ظاهر التذكرة حيث قال في اواخر فصل العيوب لو كان المبيع معيبا عند البائع ثمّ اقبضه و قد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه و سبق العيب لا يوجب خيارا كما لو سبق علي العقد ثمّ زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد، انتهي.

و هو صريح في سقوط الرد و ظاهر في سقوط الأرش كما لا يخفي علي المتأمل خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد و الأرش معا علي زوال العيب، حيث قال لو اشتري عبدا

و حدث في يد المشتري نكتة بياض في عينه و وجد نكتة قديمة ثمّ زالت احداهما، فقال البائع الزائلة هي القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يتحالفان الخ. ما حكاه عن الشافعي و كيف كان ففي سقوط الرد بزوال العيب وجه لان ظاهر ادلة الرد خصوصا بملاحظة ان الصبر علي العيب ضرر هو رد المعيوب و هو المتلبس بالعيب (2) لا ما كان معيوبا في زمان فلا يتوهم هنا استصحاب الخيار.

______________________________

ثمّ ان هنا امورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الارش بها،

(1) منها: زوال العيب قبل العلم به، صرح به في محكي التذكرة و المسالك و فيه اقوال و وجوه ثلاثة، ثالثها كونه مسقطا للرد دون الارش قواه المصنف فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في انه هل يسقط الرد ام لا؟

(2) و قد استدل للمسقطية في المتن و غيرها بانه الظاهر من الادلة المتضمنة لاثبات حق الرد علي المعيوب الظاهر في المتلبس بالعيب فعلا.

و فيه: ان ما علق عليه الرد في النص ليس هو المعيوب، بل الموضوع هو الاشتراء الخاص، و هو اشتراء شي ء و به عيب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 132

و أما الأرش فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة عند العقد فقد استقر بالعقد (1) خصوصا بعد العلم بالعيب و الصحة انما حدثت في ملك المشتري فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلي دليل، فالقول بثبوت الأرش و سقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا مخالفا للاجماع و لم اجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده.

______________________________

و بعبارة اخري: عنوان موضوع الخيار وقوع العقد علي المعيوب، و هذا

العنوان لا انقضاء له، بل هو يكون باقيا و لو بعد ارتفاع العيب، فمقتضي اطلاق النص بقائه.

و لو اغمض عن ذلك و شك في بقائه، فهل يجري الاستصحاب ام لا؟

قد يقال بالعدم من جهة الشك في بقاء الموضوع، أو تيقن ارتفاعه،

و من جهة انه من الشك في المقتضي و من جهة انه لو كان زوال العيب قبل العلم به فليس له حالة سابقة بناء علي كون الخيار حادثا بعد العلم و كذا إذا كان زواله بعده لاحتمال كون الزوال قبل الرد كاشفا عن عدم ثبوته من الأول.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلما عرفت من ان الموضوع متيقن الثبوت، لأنه من اشتري شيئا و به عيب، و هذا الموضوع باق قطعا.

و أما الثاني: فلأن الشك في المقتضي بهذا المعني مورد لجريان الاستصحاب.

و أما الثالث: فلما تقدم من ظهور الدليل في ثبوت الخيار قبل العلم،

نعم بناء علي المختار من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام لا يجري هذا الأصل.

(1) المقام الثاني: في انه هل يسقط الارش ام لا؟ فان قلنا بعدم سقوط الرد فالحكم واضح، و ان قلنا بسقوطه فربما يقال- كما في المتن- بعدم سقوطه.

و استدل له بما توضيحه: ان استحقاق مطالبة الارش فرع اشتغال الذمة بما به التفاوت، و براءة الذمة بعد اشتغالها تحتاج الي دليل، و الا فالأصل يقتضي بقائه، و ليس الارش من قبيل الرد موضوعه العين الخارجية كي يتبدل الحكم بتبدل العين من المعيوبية الي الصحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 133

نعم هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي و هو ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد (1) لكن عرفت مرارا ان المرجع في ذلك هي الادلة و لا

منشأ لهذه القاعدة.

و منها التصرف بعد العلم بالعيب فإنه مسقط للأمرين (2) عند ابن حمزة في الوسيلة و لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب، و النص المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم ورد بأنه دليل الرضا بالمبيع لا بالعيب و الاولي ان يقال ان الرضا بالعيب لا يوجب اسقاط الارش

______________________________

و فيه: ان الذمة لا تكون احد طرفي التخيير، فمعني استحقاق الارش استحقاق التغريم، فإذا كان الموضوع هو المعيب سقط ذلك بارتفاعه.

فتحصل: ان الأظهر بقاء الرد و الارش.

(1) قوله ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد و فيه ان الصحة و ان زالت ثمّ عادت الا انها حين وجودها قبل العقد لم تكن مناطا للمطلب، هذا إذا اريد بالزائل وصف الصحة و ان اريد به العيب فهو لم يعد.

التصرف بعد العلم بالعيب

(2) و منها: التصرف بعد العلم بالعيب فانه ذهب جماعة منهم ابن حمزة في محكي الوسيلة الي انه يسقط الرد و الارش معا.

و تنقيح القول فيه بالبحث في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في مقتضي النصوص الخاصة.

اما الأول: فان كان التصرف كاشفا عن الاجازة و اسقاط الخيار و قصد به ذلك يكون مسقطا للخيار، إذ لا فرق في الاسقاط بين كون المظهر فعلا أو قولا، و الا فلا يكون مسقطا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 134

و انما المسقط له ابراء البائع عن عهدة العيب، و حيث لم يدل التصرف عليه فالاصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف (1) مع ان اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع، فليراجع.

______________________________

و أما النص العام الدال علي مسقطية التصرف لخيار الحيوان معللا بانه رضا بالبيع، «1» فقد عرفت حاله، و انه لا يدل علي مسقطية التصرف لكل

خيار.

(1) هذا بالنسبة الي الرد و أما الارش فان قلنا بعدم كون التصرف مسقطا للرد و عدم الأخذ بعموم العلة فالأمر واضح،

و ان قلنا بمسقطيته له لعموم العلة أو غيره فقد استدل لمسقطيته له بانه علامة الرضا بالمعيب ورد بانه علامة الرضا بالمبيع لا بالعيب.

و فيه: ان الالتزام بالبيع الشخصي المتعلق بالمعيب لا محالة يكون التزاما بالعيب لعدم معقولية الانفكاك.

فالاولي رده بان الرضا بالعيب يتصور علي وجهين:

احدهما: الرضا به مجانا و بلا عوض، و مرجع ذلك الي الابراء و اسقاط حق التغريم.

ثانيهما: الرضا به مع العوض، و حيث لا كاشفية له عن عدم اخذ العوض فلا يكون مسقطا له.

و أما المقام الثاني: فالنصوص الخاصة تدل علي مسقطية التصرف المغير للعين، بل تغير العين كما مر للرد، و هي اما مطلقة من حيث العلم و الجهل، أو مختصة بصورة الجهل بالعيب، فتدل علي المسقطية في صورة العلم بالاولوية،

و لا تدل علي سقوط الارش و لا علي عدم سقوطه في صورة العلم. فان ظاهر صحيح زرارة: ايما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار. «2» حدوث العلم بعد التصرف، فلا تعرض له لصورة العلم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 135

و منها التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب (1) كالبغل الخصي بل العبد الخصي علي ما عرفت فإن الأرش منتف لعدم تفاوت القيمة و الرد لأجل التصرف.

______________________________

اما مرسل «1» جميل فظاهره كون مقسم الشرطيتين: وجد ان العيب بعد الاشتراء،

و التغير، مع انه لو سلم عدم تقييده بصورة وجدانه بعد التغير

لا إطلاق له من هذه الجهة،

فانه وارد لبيان حكم الرد و الارش من حيث التغير و عدمه لا من حيث العلم و الجهل.

و أما اخبار وطء الجارية، فجملة منها «2» مختصة بالتصرف قبل العلم، و ما يتوهم اطلاقه خبران:

احدهما: خبر عبد الملك عن مولانا الصادق (عليه السلام): لا ترد التي ليست بحبلي إذا وطئها صاحبها و له ارش العيب «3».

ثانيهما: خبر محمد بن ميسر عنه (عليه السلام): كان علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت و لكن يرجع بقيمة العيب «4».

و لكن الأول في مقام الفرق بين الحبلي و غيرها لا في مقام بيان حال الوطء علما و جهلا،

و الثاني بين اجماله في خبر ثالث عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: قضي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل اشتري جارية فوطئها ثمّ وجد فيها عيبا «5»

فما افاده الشيخ (رحمه الله) من ان اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع في غير محله.

التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب

(1) و منها: التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب قد يتوهم ان التعرض لهذا المبحث في غير محله، إذ سقوط الرد و الارش مع اجتماع مسقط هذا و مسقط ذلك من القضايا التي قياساتها معها،

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 4 و 5- من ابواب احكام العيوب.

(3) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العيوب حديث 3.

(4) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 8.

(5) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 136

و قد يسشكل فيه من حيث لزوم الضرر علي المشتري بصبره علي المعيب،

و فيه ان العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض فلا بأس بأن يكون الخيار فيه كالثابت بالتدليس

في سقوطه بالتصرف مع عدم ارش فيه و حله ان الضرر اما ان يكون من حيث القصد الي ما هو ازيد مالية من الموجود. و أما ان يكون من حيث القصد الي خصوصية مفقودة في العين مع قطع النظر عن قيمته، و الاول مفروض الانتفاء، و الثاني قد رضي به و اقدم عليه، المشتري بتصرفه فيه بناء علي ان التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبين عدمها فيه الا ان يقال ان المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو مورد ثبوت الأرش و إلا فمقتضي القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف (1) كما في غير العيب و التدليس من اسباب الخيار خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه منزلة الأوصاف المشترطة التي لا يوجب فواتها ارشا فإن خيار التخلف فيها لا يسقط بالتصرف كما صرح به، نعم لو اقتصر في التصرف المسقط علي ما يدل علي الرضا كان مقتضي عموم ما تقدمه سقوط الرد بالتصرف مطلقا.

______________________________

لكن يرده ان التعرض له لجهتين:

احداهما: من جهة توهم عدم المقتضي للمسقطية في صورة الاجتماع.

ثانيتهما: من جهة توهم وجود المانع.

(1) اما الجهة الاولي: فتقريب عدم المقتضي: ان النصوص المتضمنة لسقوط الرد بالتصرف المغير مختصة بمورد فيه الارش، و لا تعرض لها بما لا أرش فيه.

و فيه: ان مرسل جميل متضمن لشرطيتين:

احداهما: ثبوت الرد مع قيام المبيع بعينه و الثانية: سقوطه مع التغير.

و الثانية و ان اختصت بمورد ثبوت الارش، الا ان الاولي بما ان منطوقها مطلق مفهومها ايضا كذلك. فتدبر فانه لا يخلو عن التأمل و النظر.

و أما الجهة الثانية: فتقريب وجود المانع: ان في بقاء مسقطية المجتمعين الضرر علي المشتري، فينتفي ذلك بحديث لا

ضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 137

و منها حدوث العيب في المعيب المذكور (1) و الاستشكال هنا بلزوم الضرر في محله (2) فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا له لأن الصحة في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في المبيع التي لا يوجب فواتها ارشا و النص الدال علي اشتراط الرد بقيام العين و هي المرسلة المتقدمة مختص بمورد امكان تدارك ضرر الصبر علي المعيب بالأرش (3) و الاجماع فيما نحن فيه غير متحقق (4) مع ما عرفت من مخالفة المفيد في اصل المسألة هذا كله مضافا الي اصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب و هي المرجع بعد معارضة الضرر المذكور بتضرر البائع بالفسخ

و نقل المعيب الي ملكه بعد خروجه عن ملكه سليما عن هذا العيب و كيف كان فلو ثبت الإجماع أو استفيض بنقله علي سقوط الرد بحدوث العيب و التغيير علي وجه يشمل المقام و ألا فسقوط الرد هنا محل نظر بل منع.

______________________________

و فيه: ان التصرف مع العلم بمسقطيته يكون اقداما علي الضرر، و بدونه لا يوجب الضرر المالي لفرض انتفائه، و الضرر من حيث الغرض المعاملي حيث انه موجود في جميع موارد التصرف المسقط قبل العلم فيخصص دليل نفي الضرر بما دل علي مسقطيته.

(1) و منها: حدوث العيب في المعيب المذكور لا كلام في سقوط الارش، انما الكلام في سقوط الرد ايضا،

و اورد عليه.

(2) تارة بان لزوم صبر المشتري ضرر عليه فينتفي بحديث لا ضرر.

(3) و اخري بان مدركه النص الخاص و مورده ثبوت الارش.

(4) و ثالثة بان مدرك مانعية العيب الحادث عن الرد الاجماع و هو مختص بغير الفرض و لكن يرد علي الاخير: ان المدرك ليس هو

الاجماع، بل النص الخاص.

و يرد علي الثاني: ان المرسل عام شامل لصورة عدم ثبوت الارش.

و يرد علي الأول: ان هذا الضرر يلزم في جميع موارد العيب الحادث، فالنص «1»

الدال علي مسقطيته للرد يقيد اطلاق حديث لا ضرر «2».

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) مر في خيار الغبن و غيره مصادر الحديث مرارا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 138

و منها ثبوت احد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجوز اخذ الأرش فيه لأجل الربا. (1)

اما المانع الأول: فالظاهر ان حكمه كما تقدم في المعيب الذي لا ينقص ماليته فإن المشتري لما اقدم علي معاوضة احد الربويين بالآخر اقدم علي عدم مطالبة مال زائد علي ما يأخذه بدلا عن ماله و ان كان المأخوذ معيبا فيبقي وصف الصحة كسائر الأوصاف التي لا يوجب اشتراطها الا جواز الرد بلا ارش فإذا تصرف فيه خصوصا بعد العلم تصرفا دالا علي الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم العقد كما في خيار التدليس بعد التصرف. نعم التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط كما تقدم.

و أما المانع الثاني: فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد ايضا و هو مبني علي عموم منع العيب الحادث من الرد حتي في صورة عدم جواز اخذ الأرش.

و قد عرفت النظر فيه و ذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد و هو انه لو رد فاما ان يكون مع ارش العيب الحادث. و أما ان يرد بدونه فإن رده بدونه كان ضررا علي البائع و ان رد مع الأرش لزم الربا قال لأن المردود حينئذ يزيد علي وزن عوضه و الظاهر ان مراده من ذلك ان رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة و

مقتضي المعاوضة بين الصحيح و المعيب من جنس واحد ان لا يضمن وصف الصحة بشي ء إذ لو جاز ضمانه لجاز اخذ المشتري الأرش فيما نحن فيه فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال فإذا حصل الفسخ وجب تراد العوضين من غير زيادة و لا نقيصة

______________________________

لو ثبت احد مانعي الرد فيما لا يؤخذ الارش فيه

(1) و منها: ثبوت احد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجور اخذ الارش فيه لاجل الربا مما ذكرناه في الفرعين السابقين، يظهر حال هذين الفرعين المذكورين في المقام،

فان الأقوال و الأدلة متحدة، و انما نتعرض لهما لبيان امرين:

احدهما: فيما افاده العلامة (رحمه الله) في وجه امتناع الرد.

ثانيهما: في بيان ما به يتدارك ضرر المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 139

و لذا يبطل التقاتل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة في احد العوضين فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن عليه إلا رد ما قابله لا غير، فإن رد الي البائع قيمة العيب الحادث عنده كما هو الحكم في غير الربويين إذا حصل العيب عنده لم يكن ذلك الا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه بجزء من الثمن فيلزم وقوع الثمن بازاء مجموع المثمن و وصف صحته فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا فمراد العلامة (رحمه الله) بلزوم الربا. اما لزوم الربا في اصل المعاوضة (1) إذ لو لا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة و قيمتها عند استرداد الثمن. و أما لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن و زيادة (2)

و الاول اولي و مما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا بأن قيمة العيب الحادث غرامة لما فات في يده مضمونا عليه نظير

المقبوض بالسوم إذا حدث فيه العيب فلا ينضم الي المثمن حتي يصير ازيد من الثمن.

______________________________

اما الأول: فقد افاد العلامة في وجهه: انه لو رد بدون ارش العيب الجديد لزم الضرر علي البائع، و لو رد معه لزم الربا، و علله: بان المردود حينئذ يزيد علي عوضه.

و المصنف (رحمه الله) احتمل في مراده وجهين:

(1) الاول: ان يكون مراده لزوم الربا في المعاملة.

(2) و الثاني: ان يكون مراده لزوم الربا في الفسخ، فانه يضم الي المثمن المردود شي ء آخر و هو الارش و اورد عليه السيد الفقيه (رحمه الله): بان مراد العلامة هو الوجه الأول قطعا، و ليس الثاني مراده، لأن اخذ الارش لا يعقل ان يكون مؤثرا في مقابل وصف الصحة و عدمه في المعاملة بان يكون اخذ الارش بعد ذلك مؤثرا في كون الوصف مقابلا بالعوض، بل حين المعاملة اما ان يكون مقابلا به فيلزم البطلان، و أما لا يكون كذلك، فاخذ الارش لا يبطله.

و لكن ببيان مراد المصنف (رحمه الله) يظهر اندفاع هذا الايراد، توضيحه: ان حقيقة الفسخ حل المعاوضة و رجوع كل من العوضين الي محله السابق من دون ان يقتضي شيئا آخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 140

إذ فيه وضوح الفرق فإن المقبوض بالسوم انما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض و العيب الحادث في المبيع لا يتصور ضمان المشتري له الا بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع و تلف وصف الصحة منه في يد المشتري، فإذا فرض ان صفة الصحة لا تقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد الكتابة لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها.

و الحاصل ان البائع لا يستحق من المشتري إلا

ما وقع مقابلا بالثمن و هو نفس المثمن من دون اعتبار صحته جزء فكأنه باع عبدا كاتبا فقبضه المشتري، ثمّ فسخ أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة. نعم هذا يصح في غير الربويين لأن وصف الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده لياخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحة، ثمّ ان صريح جماعة من الأصحاب عدم الحكم علي المشتري بالصبر علي المعيب مجانا فيما نحن فيه

______________________________

و عليه فان اقتضي الفسخ لارش العيب الجديد، و كون وصف الصحة في مقابل جزء من العوض ربا كان لازم مقابليته له ربا في المعاملة، و المفروض ان الشارع الأقدس حكم بان الصحيح و المعيب في غير المتجانسين واحد لا يقابل وصف الصحة في نظره بشي ء و لو ربا،

الذي هو مفروض في غير المتجانسين، و حيث ان المفروض اقدام المتبايعين علي معاملة صحيحة فحين المعاملة لا يلزم الربا، و انما يلزم ذلك من حين الفسخ لو اخذ الارش.

و لكن يرد علي الوجه الأول- مضافا الي ان الارش غرامة شرعية لا يكون بجعل المتعاملين:

انه لا يكون الفسخ معاوضة، و الربا انما يجري في المعاوضات مع انه من طرف واحد لا الطرفين.

و يرد علي الوجه الثاني:

اولا: ما تقدم من ان اخذ الارش حتي من العيب القديم لا يوجب الربا لكونه غرامة شرعية تعبدية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 141

فذكروا في تدارك ضرر المشتري وجهين (1) اقتصر في المبسوط علي حكايتهما احدهما: جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث (2) لما تقدم إليه الاشارة من ان ارش العيب الحادث في يد المشتري نظير ارش العيب الحادث في المقبوض بالسوم في كونها غرامة تالف مضمون علي المشتري لا

دخل له في العوضين حتي يلزم الربا

______________________________

و ثانيا: ان المحرم و غير النافذ هو المعاملة التي وجدت ربوبة،

و أما احداث الربا فيها بعد الوجود فلا دليل علي حرمته و مبطليته لها.

(1) و أما الثاني: فعلي المختار من ان اخذ الارش للعيب القديم لا محذور فيه كما تقدم، يتعين اخذ الارش بلا رد لكون العيب الحادث مانعا عن الرد و معينا للارش،

و علي القول بعدم جواز اخذ الارش يدور الأمر بين امور:

الأول: لزوم المعاملة و عدم جواز الرد واخذ الارش.

الثاني: جواز رد المعيب مع عرامة قيمة العيب الحادث.

الثالث: فسخ المعاملة و اعطاء مثل المبيع في العيب القديم سليما عن العيب الجديد من جهة تعذر رد المبيع و هو في حكم التلف، اي التعذر العقلي الموجب للانتقال الي البدل.

و الثاني: يرده ما دل علي مانعية العيب الحادث عن الرد.

و الثالث: يرده ما دل علي ان التلف في هذا الخيار مسقط له و لا يوجب الانتقال الي البدل، فيتعين الأول،

و حديث لا ضرر قد مر مرارا انه لا يصلح لاثبات الجواز للمعاملة اللازمة.

(2) قوله احدهما جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث هذا الوجه انما يتم لو سلمنا قصور ما دل علي مانعية العيب الحادث عن الرد في صورة عدم جواز اخذ الارش- و قد عرفت عدم قصوره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 142

الثاني: ان يفسخ البيع لتعذر امضائه (1) و إلزام المشتري ببدله من غير الجنس معيبا بالعيب القديم و سليما عن الجديد و يجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا ارش و مع الأرش و اختار في الدروس تبعا للتحرير. الوجه الأول مشيرا الي تضعيف الثاني بقوله لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل (2) و تبعه

المحقق الثاني معللا بأن الربا ممنوعة في المعاوضات لا في الضمانات و انه كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام و ان كانت ربوية فكما لا يعد هنا ربا فكذا لا يعد في صورة النزاع.

اقول قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه و بين ارش عيب المقبوض بالسوم فإنه يحدث في ملك مالكه بيد قابضه و العيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشتري و لا يقدر في ملك البائع الا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن الي المشتري و المفروض عدم المقابلة بين شي ء منه و بين صحة البيع.

و منها تأخير الاخذ بمقتضي الخيار فإن ظاهر الغنية اسقاطه للرد و الأرش كليهما حيث جعل المسقطات خمسة التبري و الرضا بالعيب و تأخير الرد مع العلم لأنه علي الفور بلا خلاف و لم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الأرش، ثمّ ذكر حدوث العيب و قال ليس له هاهنا إلا الأرش ثمّ ذكر التصرف و حكم فيه بالأرش فإن في إلحاق الثالث بالاولين في ترك ذكر الأرش فيه، ثمّ ذكره في الاخيرين و قوله ليس «له» هنا ظهورا في عدم ثبوت الارش بالتأخير و هذا احد القولين منسوب الي الشافعي. و لعله لأن التأخير دليل الرضا و يرده بعد تسليم الدلالة ان الرضا بمجرده لا يوجب سقوط الأرش كما عرفت في التصرف

______________________________

(1) قوله الثاني ان يفسخ البيع لتعذر امضائه هذا الوجه ايضا لا يتم من جهة ان التلف في هذا الخيار موجب لسقوط الخيار،

و جواز الرد لا للانتقال الي المثل أو القيمة.

(2) قوله لان تقدير الموجود معدوما خلاف الاصل فيه انه لا خصوصية للتلف الا امتناع الرد و الامتناع الشرعي كالامتناع العقلي.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 143

نعم سقوط الرد وحده له وجه (1) كما هو صريح المبسوط و الوسيلة علي ما تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط و يحتمله ايضا عبارة الغنية المتقدمة بناء علي ما تقدم في سائر الخيارات من لزوم الاقتصار في الخروج عن اصالة اللزوم علي المتيقن السالمة عما يدل علي التراخي عدا ما في الكفاية من اطلاق الاخبار و خصوص بعضها. و فيه ان الاطلاق في مقام بيان اصل الخيار. (2) و أما الخبر الخاص فلم اقف عليه و حينئذ فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم للأصل لا يخلو عن قوة مع ما تقدم من نفي الخلاف في الغنية في كونه علي الفور و لا يعارضه ما في المسالك و الحدائق من انه لا نعرف فيه خلافا لأنا عرفناه. و لذا جعله في التذكرة اقرب و كذا ما في الكفاية من عدم الخلاف لوجود الخلاف. نعم في الرياض انه ظاهر اصحابنا المتأخرين كافة و التحقيق رجوعا لمسألة الي اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام و عدمه.

______________________________

تأخير الأخذ بمقتضي الخيار.

و منها: تأخير الأخذ بمقتضي الخيار، فان ظاهر الغنية اسقاطه لهما، و قد ادعي الشهرة و عدم الخلاف علي كل من القول بسقوطهما به و عدمه، و هناك قول ثالث،

(1) ظاهر المصنف الميل إليه و تقويته و هو سقوط الرد دون الارش و المهم ملاحظة الأدلة.

و تحقيق الكلام بالبحث في موردين:

الأول: في الرد.

الثاني: في الارش.

اما الأول: فمقتضي اطلاق النصوص عدم السقوط ما لم يتحقق احد المسقطات،

و ما افاده المصنف (رحمه الله) من.

(2) ان الاطلاق في مقام بيان اصل الخيار فيه منع يظهر لمن راجع الاخيار و استدل للسقوط:

بما دل علي الفورية في كل خيار ثبت و لم يثبت كونه

علي الفور أو التراخي،

و بان التأخير دليل الرضا بسقوط الحق.

و لكن يرد علي الأول: انه لا يرجع إليه مع الدليل علي التراخي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 144

و لذا لم يتمسك في التذكرة للتراخي الا به و الا فلا يحصل من فتوي الاصحاب الا الشهرة بين المتأخرين المستندة الي الاستصحاب و لا اعتبار بمثلها.

و ان قلنا بحجية الشهرة أو حكاية نفي الخلاف من باب مطلق الظن لعدم الظن كما لا يخفي و الله العالم.

مسألة: قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا (1)

أو كان المشتري بالخيار، انتهي.

و مثله ما عن الخلاف و في موضع آخر من المبسوط وجب عليه ان يبينه و لا يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب و الاول احوط و نحوه عن فقه الراوندي و مثلهما في التحرير، و زاد الاستدلال عليه بقوله لئلا يكون غاشا و ظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلي و الخفي، و صريح التذكرة و السرائر كظاهر الشرائع الاستحباب مطلقا.

و ظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفي و الجلي، فيجب في الأول مطلقا، كما هو ظاهر جماعة أو مع التبري، كما في الدروس، فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة اقوال. (2)

______________________________

و يرد علي الثاني: عدم كاشفيته عن ذلك. فالأظهر عدم السقوط.

و أما الثاني: فعدم سقوطه اوضح، إذ مضافا الي ان مقتضي اطلاق الأخبار ذلك، ما استدل به علي سقوط الرد علي فرض تماميته لا يدل علي سقوط الارش.

اما الوجه الاول فلان لزوم العقد و عدم انحلاله اجنبي عن سقوط الارش و عدمه و أما الوجه الثاني فلان الرضا و الالتزام بالعقد اعم من كونه مجانيا أو مع العوض و بذلك ظهر اندفاع ايراد السيد الفقيه علي المصنف بان ما ذكر في وجه سقوط الرد يدل علي سقوط

الارش ايضا.

وجوب الاعلام بالعيب

(1) قوله مسالة قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل مخطورا.

(2) الاقوال في المسألة خمسة الاول وجوب الاعلام مطلقا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 145

و الظاهر ابتناء الكل علي صدق الغش و عدمه، و الذي يظهر من ملاحظة العرف و اللغة في معني الغش ان كتمان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع غش، فإن الغش، كما يظهر من اللغة خلاف النصح. اما العيب الظاهر فالظاهر ان ترك اظهاره ليس غشا، نعم لو اظهر سلامته عنه علي وجه يعتمد عليه، كما إذا فتح قرانا بين يدي العبد الاعمي مظهرا انه بصير يقرأ، فاعتمد المشتري علي ذلك و اهمل اختباره كان غشا (1)

قال في التذكرة في رد استدلال الشافعي علي وجوب اظهار العيب «مطلقا» بالغش ان الغش ممنوع بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري و تبينه و التقصير في ذلك من المشتري، انتهي.

و يمكن ان يحمل بقرينة ذكر التقصير علي العيب الظاهر، كما انّه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدمة المشتملة علي لفظ الكتمان و علي الاستدلال بالغش علي العيب الخفي بل هذا الجمع ممكن في كلمات الاصحاب مطلقا، و من اقوي الشواهد علي ذلك انه حكي عن موضع من السرائر ان كتمان العيوب مع العلم بها حرام و محظور بغير خلاف مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه فلاحظ، ثمّ التبري من العيوب هل يسقط وجوب الاعلام في مورده، كما عن المشهور ام لا، فيه اشكال نشأ من دعوي صدق الغش.

______________________________

الثاني: عدمه كذلك.

الثالث: استحباب الاعلام.

الرابع: التفصيل بين العيب الخفي و الجلي، فيجب في الأول دون الثاني:

الخامس: التفصيل بين الجلي و الخفي، فيجب في

الأول مع عدم التبري.

و تحقيق الكلام بالبحث في موارد:

الأول: في انه هل يصدق علي ترك الاعلام عنوان الغش ام لا؟

(1) و الاظهر: انه بمعني الخديعة و التلبيس و لا يصدق ذلك علي ترك الاعلام بالعيب، و لا علي كتمان العيب الخفي، و انما يصدق علي اظهار انه صحيح، و حيث ان البيع انما يكون من البائع بعنوان ان المبيع صحيح و انه ملتزم بصحته فهو اظهار لخلاف الواقع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 146

و من ان لزوم الغش من جهة ظهور اطلاق العقد في التزام البائع بالصحة، فإذا تبرأ من العيوب ارتفع الظهور (1) او من جهة ادخال البائع للمشتري فيما يكرهه عامدا و التبري لا يرفع اعتماد المشتري علي اصالة الصحة، فالتعزير انما هو لترك ما يصرفه عن الاعتماد علي الاصل و الاحوط الاعلام مطلقا كما تقدم من المبسوط، ثمّ ان المذكور في جامع المقاصد و المسالك و عن غيرهما انه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه و الآخر مجهول الا ان يقال ان جهالة الجزء غير مانعة ان كانت الجملة معلومة، كما لو ضم ماله و مال غيره و باعهما، ثمّ ظهر البعض مستحقا، فإن البيع لا يبطل في ملكه و ان كان مجهولا قدره وقت العقد، انتهي.

______________________________

و لا يفرق في ذلك بين العيب الخفي و الجلي الا إذا كان من الوضوح بحد لا موجب للالتزام بالصحة، و إلي هذا المورد النظر في صحيح «1» ابن مسلم المتضمن لخلط الجيد بالردي ء حيث قال (عليه السلام): إذا رؤيا جميعا فلا بأس.

و بذلك يظهر ضعف ما قيل من عدم صدق الغش علي ترك اظهار

العيب الجلي في المعاملة،

و اضعف منه دعوي عدم صدقه علي مجرد المعاملة علي المعيب بالعيب الخفي ما لم ينضم إليه شي ء آخر كما في حاشية السيد.

الثاني: في حكمه التكليفي.

و الأظهر انه حرام مطلقا كما تقدم الكلام فيه مفصلا في الجزء الثاني من هذا الشرح،

و ما افاده السيد (رحمه الله) من عدم حرمة المعاملة علي المعيب بالعيب الجلي و ان صدق عليها الغش لصحيح محمد بن مسلم، يندفع بما عرفت.

الثالث: في حكمه الوضعي.

و الحق عدم الفساد، لأن حرمة المعاملة اعم من فسادها، و لا دليل آخر علي الفساد في جميع الموارد كما تقدم الكلام فيه في الجزء الثاني.

(1) الرابع: انه لو تبرأ البائع من العيب هل يسقط وجوب الاعلام ام لا وجهان:

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 147

اقول الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن و لا يخرجه عن حقيقته، كالملح الزائد في الخبز، فلا وجه للاشكال المذكور. نعم لو فرض المزج علي وجه يوجب تعيب الشي ء من دون ان يستهلك فيه، بحيث يخرج عن حقيقته الي حقيقة ذلك الشي ء توجه ما ذكروه في بعض الموارد.

مسائل: في اختلاف المتبايعين
اشارة

و هو تارة في موجب الخيار، و أخري في مسقطه و ثالثة في الفسخ أما

الأول: [الاختلاف في موجب الخيار]
اشارة

ففيه مسائل: الاولي: لو اختلفا في تعيب المبيع و عدمه مع تعذر ملاحظته لتلف أو نحوه، (1) فالقول قول المنكر بيمينه.

______________________________

اظهرهما الأول، لان الغش كما عرفت انما يصدق علي فعل البائع من جهة كون البيع واقعا بعنوان ان المبيع صحيح و انه ملتزم بصحته، فإذا تبرأ عن العيب و لم يلتزم بالصحة لا يصدق الغش،

مع ان صدق الغش يتوقف علي ايقاع الطرف فيما يكرهه و غير راض به، فمع رضاه بذلك و شرائه بعد تبرئ البائع و عدم الفحص عن صحته و عيبه لا يصدق الغش.

لو اختلفا في تعيب المبيع

مسائل في اختلاف المتبايعين:

(1) الاولي لو اختلفا في تعيب المبيع فقد يكون البائع منكرا للعيب و المشتري مدعيا، و هو الغالب، و قد يكون البائع مدعيا كما لو فرضنا فسخ المشتري ثمّ ندامته منه،

و ادعي انه لم يكن له ذلك فلا يكون البيع منفسخا، و ادعي البائع انه كان معيوبا، فالبيع منفسخ.

و علي التقديرين، اما ان تكون الحالة السابقة هي العيب، و أما ان تكون هي الصحة، و أما ان تكون مجهولة.

اما في الصورة الاولي فالقول قول مدعي العيب مع يمينه للاستصحاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 148

الثانية: لو اختلفا في كون الشي ء عيبا و تعذر تبين الحال، لفقد اهل الخبرة (1)

كان الحكم كسابقه، نعم لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في الرد دون (2)

الارش، لأصالة البراءة.

الثالثة: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك،

بان (3) حدث بعد القبض و انقضاء الخيار

______________________________

و أما في الصورتين الاخيرتين فالقول قول منكره،

اما في الاولي منهما فللاستصحاب،

و أما في الثانية فبناء علي كون اصل السلامة من الاصول العقلائية، فلذلك و بناء علي عدم كونه منها فلا صالة اللزوم و

المراد بها في المقام استصحاب بقاء العقد بعد الفسخ و اصالة البراءة عن الارش.

(1) الثانية: لو اختلفا في كون الشي ء عيبا و تعذر تبين الحال، فان احرز كونه نقصا و لكن تردد الأمر بين كونه منقصا للقيمة و عدمه كان الأصل مع البائع لأصالة البراءة من الارش،

(2) فهل يثبت له الرد كما عن المصنف ام لا كما في الحاشية؟ وجهان:

قد استدل للثاني: بان النقص غير الموجب لنقص المالية لا يكون عيبا فلا تشمله ادلة خيار العيب.

و فيه: اولا: ان الالتزام الضمني بالصحة موجب لثبوت حق الرد لفرض تخلف الشرط.

و ثانيا: ان من يري دلالة حديث نفي الضرر علي نفي اللزوم لا بد له من البناء علي دلالته علي جواز الرد في المقام لعدم انحصار الضرر بالمالي، بل هو شامل لنقص الغرض المعاملي، فالأظهر ان له ذلك.

و ان تردد بين كونه نقصا و عدمه كان القول قول منكره مع اليمين لأصالة عدم كونه نقصا الازلي، و لأصالة اللزوم بالمعني المتقدم.

(3) الثالثة: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عنه و صور هذه المسألة ثلاثة.

احداها: ما لو ادعي المشتري تقدم العيب علي العقد و انكره البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 149

كان القول قول منكر تقدمه للاصل 1 (1) حتي لو علم تاريخ الحدوث و جهل تاريخ العقد لان اصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا تثبيت وقوع العقد علي العيب و عن المختلف انه حكي عن ابن الجنيد انه ان ادعي البائع ان العيب حدث عند المشتري حلف المشتري ان كان منكرا، انتهي.

و لعله لأصالة عدم تسليم البائع العين الي المشتري علي الوجه المقصود (2)

و عدم استحقاقه الثمن كلا و عدم لزوم العقد نظير

ما إذا ادعي البائع تغير العين عند المشتري و انكر المشتري. و قد تقدم في محله هذا إذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا يمكن عادة حصوله بعد وقت ضمان المشتري أو تقدمه عليه، و إلا عمل عليها من غير يمين.

______________________________

(1) قال المصنف كان القول قول منكر تقدمه للاصل مراده منه اصالة عدم حدوث العيب قبل العقد.

توضيحه: ان موضوع الخيار وقوع العقد علي المعيب علي ما هو ظاهر الأخبار،

فتجري اصالة عدم حدوث العيب الي ما بعد حدوث العقد، و حيث ان العقد علي العين محرز، و عدم العيب محرز بالأصل، فينفي موضوع الخيار.

و لا تعارضها اصالة عدم العقد حين حدوث العيب، لأنه لا يثبت بها وقوع العقد علي المعيب الذي هو موضوع الخيار الا علي القول بالأصل المثبت.

و بذلك يظهر الحال في الصورتين الاخيرتين، و هما ما لو اختلفا في حدوث العيب بعد العقد قبل القبض أو بعده،

و ما لو اختلفا في انه حدث في زمان خيار المشتري ليكون مضمونا علي البائع، أو فيما بعد مضي ذلك الزمان، فان الأثر مترتب علي تلف وصف الصحة قبل القبض، أو في زمان الخيار، فاصالة عدم التلف الي ما بعد القبض أو انقضاء زمان الخيار تجري و يترتب عليها عدم الضمان. و لا تعارضها اصالة عدم القبض و عدم الانقضاء الي ما بعد التلف لعدم الأثر.

و عن العلامة (رحمه الله): ان القول قول مدعي التقدم و هو المشتري.

(2) و استدل له: باصالة عدم تسليم المبيع الي المشتري علي الوجه المقصود،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 150

قال في التذكرة و لو اقام احدهما بينة عمل بها، (1) ثمّ قال: و لو اقاما بينة عمل ببينة المشتري (2) لأن القول قول

البائع لأنه ينكر، فالبينة علي المشتري و هذا منه مبني علي سقوط اليمين علي المنكر بإقامة البينة و فيه كلام في محله، و ان كان لا يخلو عن قوة

______________________________

و اصالة عدم استحقاق البائع الثمن كلا،

و اصالة عدم لزوم العقد.

و في الجميع نظر:

اما الاولي: فلأن عدم التسليم لا أثر له، و موضوع الأثر تلف الوصف قبل العقد، أو قبل القبض، أو قبل انقضاء الخيار، و الأصل عدمه.

و أما الثانية: فلأن الارش ليس جزء من الثمن، فالبائع مستحق للثمن كلا علي التقديرين.

و أما الثالثة: فلأن موضوع اللزوم ليس وقوع العقد علي الصحيح كي تجري اصالة عدمه و يحكم بعدم لزومه، بل الموضوع له عدم العيب حين العقد، و قد عرفت ان الأصل ذلك.

و تمام الكلام ببيان امور:

احدها: المشهور بين الأصحاب و ان كان كون اقامة البينة من المنكر كالعدم و ان وظيفته اليمين، بل عن المستند دعوي الاجماع عليه،

الا ان جماعة منهم العلامة و الشهيد ذهبوا الي سماع بينة المنكر، و ان ما دل علي ان اليمين علي من انكر انما هو في مقام الارفاق لا التعيين،

(1) و عليه فكل منهما اقام بينة عمل بها.

(2) ثانيها: و لو اقاما بينة قيل عمل ببينة المشتري بمعني ان بينة المشتري تقدم عند التعارض، فان البينة وظيفته، و انما تسمع بينة البائع المنكر لو لم يقم المشتري البينة،

و هو متين لما حقق في محله من تقديم بينة الخارج عند التعارض.

و للكلام محل آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 151

و إذا حلف البائع فلا بد من حلفه علي عدم تقدم العيب (1) أو نفي استحقاق الرد أو الارش ان كان قد اختبر المبيع و اطلع علي خفايا امره، كما يشهد بالاعسار و

العدالة و غيرهما مما يكتفي فيه بالاختبار الظاهر.

و لو لم يختبر، ففي جواز الاستناد في ذلك الي اصالة عدمه إذا شك في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد و حكي عن جماعة، كما يحلف علي طهارة المبيع استنادا الي الاصل

______________________________

(1) ثالثها قال المصنف و إذا حلف البائع فلا بد من حلفه علي عدم تقدم العيب محصله: انه في صورة امكان الاختبار و العلم بالحال لا كلام في انه يعتبر في الحلف القاطع للخصومة ان يكون علي الواقع و علي البت.

و أما في صورة الجهل بالحال فان كان مصب الدعوي هو العلم لا كلام ايضا في ان القاطع هو الحلف علي نفي العلم.

و ان كان هو الواقع، فان كان ذلك فعل الغير كما في الدعوي علي الميت كفي الحلف علي نفي العلم ايضا للدليل.

و ان كان فعل نفسه ففيه وجوه:

الأول: الحلف علي الواقع علي البت استنادا الي الأصل.

الثاني: الحلف علي نفي العلم و ان لم يدع المدعي عليه العلم.

الثالث: رد اليمين علي المدعي، اما مع ثبوت الحق بدون الرد كما عن بعض، أو مع عدم ثبوته كما عن آخر.

الرابع: ايقاف الدعوي.

الظاهر كما دلت «1» النصوص عليه اعتبار كون الحالف قاطعا،

الا انه إذا كان العلم ماخوذا في موضوعه علي وجه الطريقية قامت الامارات مقامه،

و ان كان ماخوذا فيه بما انه مقتض للجري العملي علي وفق ما تعلق القطع به قامت الاصول المحرزة ايضا مقامه، فيجوز الحلف علي الواقع استنادا الي الامارة أو الأصل،

______________________________

(1) الوسائل- باب 22- من ابواب كتاب الايمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 152

و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه (1) بأن المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة ما يعم غير معلوم النجاسة لا

الطاهر الواقعي، كما ان المراد بالملكية و الزوجية ما استند الي سبب شرعي ظاهري، كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف علي ملكية ما اخذ من يد المسلمين.

و في التذكرة بعد ما حكي عن بعض الشافعية جواز الاعتماد علي اصالة السلامة في هذه الصورة، قال: و عندي فيه نظر اقربه الاكتفاء بالحلف في نفي العلم،

و استحسنه في المسالك قال: لاعتضاده باصالة عدم التقدم، فيحتاج المشتري الي اثباته و قد سبقه الي ذلك في الميسية و تبعه في الرياض.

______________________________

و قد دلت الرواية علي جواز الحلف استناد الي اليد و هي موثقة حفص، «1» و دلت النصوص «2» علي جواز الشهادة مستندة الي الاستصحاب و الحلف لا يزيد علي الشهادة،

بل المستفاد من ذيل الموثق التلازم بينهما و اضف الي ذلك كله ان الدعاوي و الشهادات و الايمان تتوقف بحسب الغالب علي امارة أو أصل، لأن ما انتقل الي زيد من ابيه و ان كان جزميا الي ان كونه ابنا لأبيه بقاعدة الفراش، و كون المال مال ابيه انما هو بقاعدة اليد أو اصالة الصحة، و عليه فلو لم نجز الحلف الا مع العلم الوجد اني انسد باب الحلف و غيره من ما هو فاصل للخصومات و تمام الكلام في محله.

(1) قوله و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه محصل ما افاده (رحمه الله) ان الطهارة و الملكية من الموضوعات الشرعية فما كان غير معلوم النجاسة طاهر فعلا بحكم الشارع كما ان الملكية المستندة الي سبب ملكية شرعية ظاهرية فإذا كان مورد الدعوي الطهارة أو الملكية يصح الحلف علي الطهارة الفعلية أو الملكية الفعلية مستندا الي امارة أو اصل و هذا بخلاف مثل

العيب الذي هو من الموضوعات الواقعية فمع عدم العلم به لا يمكن الحلف بتا علي عدمه

______________________________

(1) الوسائل- باب 25- من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوي من كتاب القضاء- حديث 2.

(2) الوسائل- باب 17- من ابواب كتاب الشهادات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 153

اقول ان كان مراده الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم في اسقاط اصل الدعوي بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه اشكال. (1) نعم لو اريد سقوط الدعوي الي ان تقوم البينة، (2) فله وجه و ان استقرب في مفتاح الكرامة ان لا يكتفي بذلك منه،

فيرد الحاكم اليمين علي المشتري، فيحلف و هذا اوفق بالقواعد.

ثمّ الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم علي القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار علي البت قولا واحدا (3) لكن الظاهر ان المفروض في التذكرة صورة الحاجة الي يمين نفي العلم، إذ

مع الاختبار يتمكن من الحلف علي البت، فلا حاجة الي عنوان مسألة اليمين علي نفي العلم، لا ان اليمين علي نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار، فافهم.

______________________________

(1) قوله بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه اشكال الاظهر عدم الاسقاط من جهة ان الحلف علي نفي العلم فيما إذا كان مصب الدعوي هو الواقع لا أثر له الا في الدعوي علي الميت،

مع انه لو سلم ترتب الاثر عليه مطلقا بما ان سقوط الدعوي بحيث لا يسمع قول المدعي و ان اقام البينة بعد ذلك علي خلاف القاعدة و ما دل عليه مختص باليمين البتية فلا وجه للاسقاط في المقام.

(2) قوله نعم لو اريد سقوط الدعوي الي ان تقوم البينة لا وجه لذلك ايضا لانه خلاف ما تضمن

من النصوص «1» من جعل الايمان و البينات ميزانا لفصل الخصومة فالمتعين علي فرض عدم الحلف علي الواقع ان يرد الحاكم اليمين علي المدعي.

(3) قوله بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار علي البت قولا واحدا بل الحق عدم الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم مع امكان الاختيار و ان لم يختبر بالفعل حتي لو قلنا بالاكتفاء به مع عدم امكانه نعم ان كان مصب الدعوي هو العلم كفي الحلف علي عدمه مطلقا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوي كتاب القضاء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 154

فرع لو باع الوكيل، فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد رده علي الموكل، لأنه المالك و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما امر به، فلا عهدة عليه، و لو اختلف الموكل و المشتري في قدم العيب و حدوثه، (1) فيحلف الموكل علي عدم التقدم، كما مر و لا يقبل اقرار الوكيل بقدمه، لأنه اجنبي

______________________________

اختلاف الموكل و المشتري

(1) مسالة لو اختلف الموكل و المشتري في قدم العيب و حدوثه فللمسألة فروض:

الأول: ما إذا كان المشتري عالما بالوكالة.

لا كلام في انه يقدم قول الموكل مع يمينه علي عدم التقدم، كما تسمع دعوي المشتري مع البينة، و لا يقبل اقرار الوكيل بالقدم لأنه اجنبي.

و قد استدل لقبول اقراره بوجهين:

احدهما: ان الوكيل حيث يكون مالكا للتصرف فيكون اقراره نافذا، لأن من ملك شيئا ملك الاقرار به. و لا يصح الجواب عنه بان زوال وكالته يوجب زوال حكم اقراره،

فان اقراره بما يكون مالكا له حين التصرف نافذ، أ لا تري انه لو اقر الوكيل بالبيع يكون اقراره نافذا بل الحق في الجواب- بعد تسليم عموم القاعدة، و بعبارة اخري: بعد تسليم الدليل عليها

بهذا التعميم-: ان كون المبيع معيبا ام صحيحا غير قابل للوكالة و الاستنابة، فلا ينفذ اقراره بالنسبة الي ذلك.

ثانيها: ما دل من النصوص «1» علي ان الأمين لا يتهم و الوكيل امين، فيصدق في دعواه.

و فيه: ان ذلك مختص بما إذا لزم من عدم تأمينه تغريمه لا في مثل المقام مما لا شي ء عليه علي التقديرين كما لا يخفي. فالأظهر انه لا ينفذ اقراره.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب كتاب الوديعة- و غيره من ابواب ساير الكتب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 155

و إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل عن اقامة البينة، فادعي علي الوكيل بقدم العيب، (1) فإن اعترف الوكيل بالتقدم لم يملك الوكيل رده علي الموكل، لأن اقرار الوكيل بالسبق دعوي بالنسبة الي الموكل لا يقبل الا بالبينة، فله احلاف الموكل علي عدم السبق (2) لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله عليه مع انكاره اليمين (و لو رد اليمين) علي الوكيل، فحلف علي السبق الزم الموكل و لو انكر الوكيل التقدم، (3) حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف و لم يتمكن من الرد علي الموكل، لأنه لو اقر رد عليه، و هل للمشتري تحليف الموكل لأنه مقر بالتوكيل الظاهر لا، لأن دعواه علي الوكيل يستلزم انكار وكالته و علي الموكل يستلزم الاعتراف به، (4) و احتمل

______________________________

(1) الفرض الثاني: ما إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل من اقامة البينة و اعترف بالتقدم رده المشتري علي الوكيل، فهل للوكيل رده علي الموكل، ام لا الا مع اقامة البينة.

الظاهر هو الثاني، لأن اقراره بالسبق دعوي بالنسبة الي الموكل غير مشمولة لقاعدة من ملك لا تسمع

الا مع البينة،

(2) و هل له احلاف الموكل علي عدم السبق كما في المتن لكونه منكرا ام لا من جهة ان كل منكر ليس عليه اليمين، بل إذا كان عليه غرامة للمدعي باقراره و الغرامة هنا ليست للوكيل بل للمشتري؟ وجهان:

اوجههما الأول، من جهة ان هذه الغرامة توجهت بحسب الظاهر الي الوكيل، فحلف الموكل يوجب قرار الغرامة المتوجهة الي الوكيل علي الموكل فعليه اليمين و لو رد الموكل اليمين علي الوكيل فحلف علي السبق الزم الموكل.

(3) الفرض الثالث: ما إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و كان الوكيل غير متمكن من اقامة البينة، منكر التقدم، حلف لدفع الغرامة المتوجهة ظاهرا نحوه لو اعترف عن نفسه و ان لم تكن الغرامة عليه واقعا،

و هل للمشتري تحليف الموكل؟ وجهان.

(4) استدل المصنف (رحمه الله) للثاني: بان دعواه علي الوكيل تستلزم انكار وكالته و علي الموكل تستلزم الاعتراف بها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 156

و احتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذة له بإقراره، ثمّ إذا لم يحلف الوكيل و نكل، فحلف المشتري اليمين المردودة ورد العين علي الوكيل، فهل للوكيل ردها علي الموكل ام لا، وجهان، (1) بناهما في القواعد علي كون اليمين المردودة كالبينة، فينفذ في حق الموكل، أو كإقرار المنكر، فلا ينفذ، (2) و تنظر فيه في جامع المقاصد بان كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل علي الموكل، لأن الوكيل معترف بعدم سبق العيب، فلا تنفعه البينة القائمة علي السبق الكاذبة باعترافه، قال: اللهم الا ان يكون انكاره لسبق العيب استنادا الي الاصل، بحيث لا ينافي ثبوته و لا دعوي ثبوته كأن يقول لا حق لك علي في هذه الدعوي، إذ ليس في المبيع عيب ثبت لك

به الرد علي، فإنه لا تمنع حينئذ تخريج المسألة علي القولين المذكورين، انتهي.

______________________________

و فيه: ان هذا يتم لو ادعي المشتري القطع بكذب الوكيل في دعوي الوكالة، و لا يتم فيها إذا كانت دعواه من جهة كون العين تحت يده، مع انه يمكن ان يقال في صورة القطع ايضا: ان له ذلك مؤاخذة له باقراره، كما عن جامع المقاصد.

(1) و لو نكل الوكيل الحلف فحلف المشتري اليمين المردودة ورد العين علي الوكيل فهل يجوز للوكيل ان يردها علي الموكل ام لا؟ وجهان.

(2) بناهما في القواعد علي ان اليمين المردودة هل هي كالبينة الحالية عن الواقع التي تكون حجة مثبتة للمدعي به و ما يستخرج بها الحق فله ذلك،

ام هي كالاقرار الذي لا يملك به الوكيل الرد علي الموكل كما تقدم؟

و في حاشية السيد (رحمه الله): التحقيق عدم جريان حكم شي ء من البينة و الاقرار عليه،

فيرجع فيه الي مقتضي الاصول.

هذه المسألة: و هي مسألة ان اليمين المردودة- هل هي بمنزلة اقرار المنكر أو بمنزلة بينة المدعي غير معنونة في كتاب القضاء، و هي ذات قولين عند اصحابنا، و خالفهم السيد في ملحقات عروته، و تبعه بعضهم و فرعوا علي القولين فروعا ليس المقام مقام التعرض لها،

و انما نشير الي وجه الترديد، و هو: انه قد حصر في النصوص ميزان القضاوة في البينة و اليمين، و حيث ان المدعي لا يمين له فلا بد و ان يكون يمينه بمنزلة بينته أو بمنزلة اقرار المنكر الذي لا يبقي معه خصومة، فيكون الحصر محفوظا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 157

و في مفتاح الكرامة ان اعتراضه مبني علي كون اليمين المردودة كبينة الراد (1)

و المعروف بينهم انه كبينة المدعي اقول كونه كبينته

لا ينافي عدم نفوذها للوكيل المكذب لها علي الموكل و تمام الكلام في محله.

الرابعة: لو رد سلعة بالعيب، فأنكر البائع انها سلعته، (2) قدم قول البائع كذا في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد، لأصالة عدم حق له عليه و اصالة عدم كونها سلعته و هذا بخلاف ما لو ردها بخيار، فأنكر كونها له، فاحتمل هنا في التذكرة و القواعد تقديم قول المشتري و نسبه في التحرير إلي القيل لاتفاقهما علي استحقاق الفسخ بعد ان احتمل مساواتها للمسألة الأولي.

______________________________

و وجه كونه كالاقرار: ان المنكر برده اليمين كأنه ملتزم بالمدعي به علي تقدير حلف المدعي، و ليس معني الاقرار الا الالتزام بالمدعي به.

و وجه كونه كالبينة: ان جانب المدعي يطلب منه البينة لقوله البينة علي المدعي و لو لا ان اليمين المردودة كالبينة لما ثبت بها دعواه. و تمام الكلام في محله.

(1) قوله و في مفتاح الكرامة ان اعتراضه مبني علي كون اليمين المردودة كبينة الراد ليس مبنيا علي ذلك فان بينة المشتري مع اعتراف الوكيل، بكذبها لا تجدي للوكيل، و لا يصح الاستناد إليها علي الموكل: لعلمه بكذبها.

اختلاف المتبايعين في كون المردود سلعة البائع

(2) مسالة: لو رد سلعة بالعيب فأنكر البائع انه سلعته و الكلام فيها يقع في فرعين:

الأول: ما لو اختلفا في كون سلعة معينة معيوبة سلعة البائع، و ادعي المشتري انها له،

و البائع انكر ذلك، و ان سلعته صحيحة، و مقتضي ذلك الاختلاف في الخيار،

و الأظهر فيه تقديم قول البائع لأصلين: موضوعي، و حكمي.

اما الأصل الموضوعي: فهو اصالة عدم وقوع العقد علي السلعة المعينة الخارجية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 158

اقول النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في الخيار و مع الاتفاق عليه، كما لا يخفي

لكن ظاهر المسألة الاولي كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئا عن كون السلعة هذه السلعة المعيوبة أو غيرها، و الحكم تقديم قول البائع مع يمينه.

و أما إذا اتفقا علي الخيار و اختلفا في السلعة، (1) فلذي الخيار حينئذ الفسخ من دون توقف علي كون هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها، فإذا فسخ و اراد رد السلعة فأنكرها البائع، فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها.

نعم استدل عليه في الايضاح بعد ما قواه بأن الاتفاق منهما علي عدم لزوم البيع و استحقاق الفسخ و الاختلاف في موضعين:

احدهما: خيانة المشتري فيدعيها البائع بتغير السلعة و المشتري ينكرها و الاصل عدمها (2)

الثاني: سقوط حق الخيار الثابت للمشتري، فالبائع يدعيه و المشتري ينكره و الاصل بقائه (3) و تبعه في الدروس، حيث قال: لو انكر البائع كون المبيع مبيعه،

حلف و لو صدقه علي كون المبيع معيوبا و انكر تعيين المشتري، حلف المشتري انتهي:

______________________________

و بعبارة اخري: عدم كون هذه السلعة واقعة موقع البيع لسبق اليقين بعدمها، و هذا هو المراد من اصالة عدم كونها سلعته.

و أما الأصل الحكمي: فهو ان الخيار حق حادث مسبوق بالعدم، و الأصل عدمه.

(1) الفرع الثاني: ما لو اتفقا علي الخيار و اختلفا في كون العين المردودة سلعة البائع و فيه قولان:

احدهما: انه يقدم قول البائع، و الوجه فيه: الأصل الموضوعي المشار إليه في الفرع الأول:

ثانيهما: تقديم قول المشتري: و استدل له:

(2) بان مرجع الاختلاف حينئذ الي ان البائع يدعي خيانة المشتري بتغيير السلعة و ابراز سلعة اخري مكانها، و الأصل عدمها.

(3) و بان البائع يدعي سقوط الخيار المتفق عليه و الاصل بقائه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

159

اقول اما دعوي الخيانة فلو احتاجت الي الاثبات و لو كان معها اصالة عدم كون المال الخاص هو المبيع، لوجب القول بتقديم قول المشتري في المسألة الاولي (1) و ان كانت هناك اصول متعددة علي ما ذكرها في الايضاح، و هي اصالة عدم الخيار و عدم حدوث العيب و صحة القبض بمعني خروج البائع من ضمانه، لأن اصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم و هو وارد علي جميع الاصول العملية، (2) نظير اصالة الصحة. و أما ما ذكره من اصالة صحة القبض فلم نتحقق معناها و ان فسرناها من قبله بما ذكرنا لكن اصالة الصحة لا تنتفع لاثبات لزوم القبض. (3) و أما دعوي سقوط حق الخيار فهي انما تجدي

______________________________

(1) و اورد المصنف (رحمه الله) علي الاول: بان هذا الوجه يجري في الفرع الاول ايضا.

(2) و حيث ان مدركه ظهور حال المسلم فيكون هو واردا علي جميع الاصول العملية التي تكون مع البائع، فلا بد من القول بتقديم قول المشتري فيه ايضا.

و فيه: ان مدرك هذا الأصل ليس ظهور حال المسلم، إذ لا دليل علي حجية هذا الظهور، فان هذا الظهور كظهور حاله في عدم الكذب الذي لا يترتب عليه وجوب تصديقه،

بل الوجه فيه ان المشتري لثبوت الخيار له له الولاية علي العين، فيصدق فيما له تلك لكونه امينا من قبل الشارع، فلا يتهم بالخيانة للنصوص.

و هذا لا يجري في الفرع السابق لعدم ثبوت الخيار، فالولاية غير ثابتة.

و أما الوجه الثاني: فاورد عليه المصنف (رحمه الله): بانه يجدي إذا كان الخيار المتفق عليه لأجل العيب، مع انه لا يثبت به وجوب قبول هذه السلعة الا من جهة التلازم الواقع بينهما،

و لا يثبت احد المتلازمين

بالأصل الجاري في الآخر، و هو متين،

و يمكن ان يقال: انه لا يجدي في العيب ايضا مطلقا، إذ ربما يكونان متفقين علي بقاء العين و يختلفان في تعيينها.

(3) قوله لكن اصالة الصحة لا تنفع لاثبات لزوم القبض يرد علي ما افاده (قدس سره) ان اصالة صحة القبض بمعني الخروج معه عن الضمان لو جرت يثبت بها لزوم العقد فان الموجب للخيار هو تلف الوصف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 160

إذا كان الخيار المتفق عليه لاجل العيب، كما فرضه في الدروس و الا فاكثر الخيارات مما اجمع علي بقائه مع التلف علي ان اصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت الا ثبوته لا وجوب قبول هذه السلعة الا من جهة التلازم الواقع بينهما. و لعل نظر الدروس الي ذلك لكن للنظر في اثبات احد المتلازمين بالاصل الجاري في الآخر مجال، كما نبهنا عليه مرارا.

و أما الثاني: و هو الاختلاف في المسقط
اشارة

ففيه ايضا مسائل:

الاولي: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه (1) قدم منكر العلم،

فيثبت الخيار.

الثانية: لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده، (2) علي القول بأن زواله بعد العلم لا يسقط الارش بل و لا الرد، ففي تقديم مدعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه و عدم زواله المسقط للخيار أو تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار لأن سببه أو شرطه العلم به حال وجوده و هو غير ثابت

______________________________

فلو ثبت الصحة بالمعني المشار إليه ترتب عليها نفي الخيار و الحق ان يورد عليها بانها لا تجري إذ قبض ذات المبيع معلوم و قبضه موصوفا بالصحة غير معلوم و لا أصل يثبت قبضه كذبك

الاختلاف في المسقط

(1) مسالة: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه قدم قول منكر العلم فيثبت الخيار،:

لأن موضوع هذا الخيار

مركب من العيب، و جهل المشتري لما عرفت من اختصاص النصوص بصورة الجهل، واحد الجزءين محرز بالوجدان، و يجري الأصل في الجزء الآخر و هو الجهل، إذ العلم حادث مسبوق بالعدم، و بضم الوجدان الي الأصل يثبت موضوع الخيار، و معه لا تصل النبوة الي اصالة اللزوم، فقول المشتري موافق للأصل.

(2) و لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده علي القول بان زواله بعد العلم لا يسقط الارش، بل و لا الرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 161

فالاصل لزوم العقد و عدم الخيار وجهان: اقواهما الاول و العبارة المتقدمة من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد تومئ الي الثاني، فراجع.

و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال احد العيبين، (1) في كون الزائل هو القديم حتي لا يكون خيار أو الحادث حتي يثبت الخيار، فمقتضي القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار و لا يعارضه اصالة بقاء الجديد لان بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار الا من حيث استلزامه لزوال القديم، و قد ثبت في الاصول ان اصالة عدم احد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه

______________________________

فان قلنا: بانه لا فرق في الحكم بين كون الزوال قبل العلم أو بعده لا مجال لهذه المسألة،

و انما الكلام فيها لو قلنا بالفرق، و حينئذ ان قلنا بان الخيار لا يثبت الا بعد ظهور العيب قدم قول مدعي عدم ثبوت الخيار

لأصالة عدمه، و لا تجري اصالة عدم زوال العيب و بقائه لمعارضتها مع اصالة عدم ظهور العيب الي حين زوال العيب و تساقطهما معا.

و ان قلنا: بانه يثبت من حين العقد و ان زوال العيب يوجب رفعه، فاصالة عدم

زوال العيب قبل العلم يترتب عليها عدم سقوط الخيار و بقائه،

و لا تعارضها اصالة عدم العلم قبل الزوال لعدم ترتب الأثر عليها.

(1) و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال احد العيبين في كون الزائل هو القديم حتي لا يكون خيار أو الحادث حتي يثبت،

فان قلنا بان العيب الجديد بنفسه مانع شرعا عن الخيار فاصالة بقاء العيب الجديد يترتب عليها الأثر و تجري، و حينئذ ان بنينا علي ان زوال القديم لا يوجب سقوط الخيار،

فاصالة بقائه لا أثر لها فلا تجري، و ان انعكس انعكس.

و ان بنينا علي ان زوال القديم مسقط للخيار، و بقاء العيب الجديد مانع عن الخيار،

و ادعي المشتري زوال الجديد، و ادعي البائع زوال القديم، ففي الحقيقة البائع يدعي عدم المقتضي للخيار، و المشتري يدعي عدم المانع عنه، و كل منهما يدعي بقاء ما يدعي الآخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 162

لكن المحكي في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف، قال: لو اشتري عبدا و حدث في يده نكتة بياض بعينه و وجد نكتة قديمة، ثمّ زالت احداهما. فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي:

يحلفان علي ما يقولان فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد و استفاد المشتري بيمينه اخذ الارش، انتهي.

الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه، (1) فادعي البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه، ففي الدروس انه كالعيب المنفرد يعني انه يحلف البائع كما لو لم يكن سوي هذا العيب و اختلفا في السبق و التأخر. و لعله لأصالة عدم التقدم (2)

و يمكن ان يقال: ان عدم التقدم هناك راجع الي عدم سبب الخيار. و

أما هنا فلا يرجع الي ثبوت المسقط، بل المسقط هو حدوث العيب عند المشتري، و قد مر غير مرة ان اصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث في الزمان المتأخر، (3) و انما يثبت بها عدم التقدم الذي لا يثبت به التأخر، ثمّ قال في الدروس لو ادعي البائع زيادة العيب عند المشتري و انكر المشتري احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن، و الزيادة موهومة، و يحتمل حلف البائع اجراء للزيادة مجري العيب الجديد

______________________________

زواله، اما المشتري فهو يدعي بقاء القديم تحقيقا للمقتضي، و البائع يدعي بقاء الجديد اسقاطا لدعوي المشتري من الحلف علي عدم زواله، فيتحالفان، و لعل نظر الشافعي الي هذه الصورة، فلا ايراد عليه.

(1) لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه فادعي البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه، ففيها وجوه و اقوال.

(2) الاول ما عن الشهيد و هو انه يقدم قول البائع لأصالة عدم التقدم.

(3) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بان هذا الاصل لا يجري في المقام لانه لا يثبت به حدوث العيب في الزمان المتأخر الذي هو المسقط للخيار فظاهر المصنف (رحمه الله) الالتزام بالوجه الثاني و هو انه يقدم قول المشتري لأصالة بقاء الخيار عند الشك في سقوطه و هناك وجه ثالث و هو الاظهر و هو اجراء حكم التداعي، فان البائع يدعي حدوثه عند

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 163

اقول: قد عرفت الحكم في العيب الجديد و ان حلف البائع فيه محل نظر، ثمّ انه لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد علي المقدار المتفق عليه انه كان متقدما أو متأخرا.

و أما إذا اختلفا في اصل الزيادة، فلا اشكال في تقديم قول

المشتري.

الرابعة: لو اختلفا في البراءة قدم منكرها، (1) فيثبت الخيار لأصالة عدمها الحاكمة علي اصالة لزوم العقد.

و ربما يتراءي من مكاتبة جعفر بن عيسي خلاف ذلك، قال: كتبت الي ابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك: المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادي عليه

______________________________

المشتري فخياره ساقط و الثابت عليه خصوص الارش و المشتري ينكر ذلك و الاصل معه و هو استصحاب بقاء الخيار و لا يجري اصالة عدم العيب الي ما بعد القبض لانه لا يثبت بها الحدوث عند المشتري الذي هو المسقط للخيار،

و المشتري يدعي حدوث العيب عند البائع فيستحق الارش الزائد و البائع ينكره و الاصل معه و هو اصالة عدم تحققه الي حال القبض فكل منهما مدع من جهة و منكر من جهة اخري فيتحالفان.

اختلاف المتبايعين في البراءة

و لو اختلفا في البراءة و ادعي البائع التبري من العيوب و انكره المشتري.

(1) قال المصنف (رحمه الله) قدم منكرها و الكلام في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يقتضيه النص الخاص.

اما الأول: فمقتضي اصالة البراءة تقديم قول المشتري، فان موضوع الخيار مركب من العيب و عدم البراءة، و أحد الجزءين محرز بالوجدان، و الآخر بالأصل فيثبت الموضوع و يترتب عليه الخيار، و هو حاكم علي اصالة اللزوم.

و أما الثاني: فربما يتراءي من مكاتبة «1» جعفر بن عيسي المتقدمة المذكورة في المتن انه يقدم قول البائع

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 164

برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق الا نقد الثمن فربما زهد فيه، فإذا زهد فيه ادعي عيوبا و انه لم يعلم بها، فيقول له المنادي قد برئت منها فيقول المشتري لم اسمع البراءة

منها أ يصدق فلا يجب عليه ام لا يصدق؟

فكتب (عليه السلام) ان عليه الثمن، الخبر.

و عن المحقق الاردبيلي انه لا يلتفت الي هذا الخبر لضعفه مع الكتابة و مخالفة القاعدة، انتهي (1)

و ما ابعد ما بينه و بين ما في الكفاية، من جعل الرواية مؤيدة لقاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر.

______________________________

(1) و اورد عليها المحقق الاردبيلي (رحمه الله): بضعف السند و مخالفتها للقاعدة اما دعوي ضعف السند فيدفعها ان الشيخ (رحمه الله) يرويها بسنده عن الصفار عن محمد ابن عيسي عن جعفر بن عيسي، و سند الشيخ (رحمه الله) الي الصفار صحيح، و محمد بن عيسي بن عبيد و ان ضعفه جمع الا ان منشأ تضعيف الجميع كلام الصدوق الذي قال: لا أروي ما يختص بروايته عن يونس، و منشأ ذلك ابن الوليد و لا يعبأ به، فان اعتقاده انه يعتبر في الاجازة ان يقرأ علي الشيخ أو يقرأ الشيخ عليه، و يكون السامع فاهما لما يرويه، و كان لا يعتبر الاجازة المشهورة و كان محمد بن عيسي صغير السن في زمان يونس و لا يعتمدون علي فهمه حين القراءة و لا علي اجازة يونس له،

و هذا كما تري لا يصلح منشئا للضعف، لا سيما و قد صرح جمع من الأساطين بوثاقته، و اخوه جعفر ايضا ثقة أو حسن.

مع ان الأصحاب اعتمدوا علي هذه المكاتبة في غير المقام، و هو جابر للضعف لو كان.

و أما مخالفتها للقاعدة فلا تصلح مانعة عن العمل بها لو كانت،

و الحق انها لا تنافي القاعدة من جهة التوجيه الذي افاده المصنف (رحمه الله).

و حاصله: ان قول البائع في مفروض الخبر موافق للظاهر لجريان العادة بنداء الدلال عند

البيع بالبراءة من العيوب علي وجه يسمعه كل من حضر للشراء، فيقدم قوله مع يمينه المعلوم من الخارج

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 165

و في كل منهما نظر (1)

و في الحدائق: ان المفهوم من مساق الخبر المذكور، ان انكار المشتري انما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع و إلا، فهو عالم بتبري البائع و الإمام (عليه السلام) انما الزمه بالثمن من هذه الجهة. و فيه ان مراد السائل ليس حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه و بين الله بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع و المشتري، مع ان حكم العالم بالتبري المنكر له مكابرة معلوم لكل احد خصوصا للسائل كما يشهد به قوله أ يصدق ام لا يصدق، الدال علي وضوح حكم صورتي صدقه و كذبه، و الاولي توجيه الرواية بأن الحكم بتقديم قول المنادي لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب علي وجه يسمعه كل من حضر للشراء فدعوي المشتري مخالفة للظاهر، نظير دعوي الغبن و الغفلة عن القيمة ممن لا يخفي عليه قيمة المبيع، بقي في الرواية اشكال آخر، من حيث ان البراءة من العيوب عند نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب، بل يعتبر وقوعه في متن العقد و يمكن التفصي عنه. اما بالتزام كفاية تقدم الشرط علي العقد (2) بعد وقوع العقد عليه، كما يأتي في باب الشروط. و أما بدعوي أن نداء الدلال بمنزلة الايجاب

______________________________

حينما يقال ان القول قول البائع أو المشتري.

و أما ما افاده في الحدائق فيرد عليه ما في المتن.

(1) قوله و في كل منهما نظر اما وجه النظر في كلام المحقق الاردبيلي فقد تقدم و أما

وجه النظر في ما في الكفاية فهو ما تقدم من ان الاصل مع المشتري و لكن من المحتمل ان يكون نظر صاحب الكفاية الي ما افاده المصنف (رحمه الله) من كون قول البائع في مورد الرواية موافقا للظاهر فيوافق قاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر.

(2) قوله يمكن التفصي عنه اما بالتزام كفاية تقدم الشرط علي العقد هذا مما لا يلتزمون به فان الشرط من الانشائيات و مجرد البناء عليه في ضمن العقد لا يكفي في انشائه و ذكره قبل العقد كالعدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 166

لأنه لا ينادي إلا بعد أن يرغب فيه احد الحضار بقيمته، فينادي الدلال و يقول بعتك هذا الموجود بكل عيب و يكرر ذلك مرارا من دون ان يتم الايجاب،

حتي يتمكن من ابطاله عند زيادة من زاد.

و الحاصل جعل ندائه ايجابا للبيع، و لو ابيت الا عن ان المتعارف في الدلال كون ندائه قبل ايجاب البيع، امكن دعوي كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك،

مع ان الرواية لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الايجاب كما لا يخفي.

ثمّ الحلف هنا علي نفي العلم بالبراءة (1) لأنه الموجب لسقوط الخيار لانتفاء البراءة واقعا.

الخامسة: لو ادعي البائع رضاء المشتري به بعد العلم أو اسقاط الخيار أو تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده حلف المشتري لأصالة عدم هذه الامور،

______________________________

و الصحيح في التفصي عنه بناء علي كون التبري من العيوب من قبيل شرط سقوط الخيار- اما بما ذكره من كون نداء الدلال بمنزلة الايجاب أو انه لا تصريح في المكاتبة بكون النداء قبل الايجاب كما هو واضح و أما بناء علي كونه عبارة عن عدم الالتزام بصحة المبيع و هو من

جهة كونه رافعا لمنشإ الخيار بسقط به ذلك فالامر سهل فانه ليس من قبيل الشرط حتي يحتاج الي الانشاء.

(1) قوله ثمّ الحلف هنا علي نفي العلم بالبراءة و الوجه فيه ان مصب الدعوي هو العلم و عدمه فان المسقط هو التبري المعلوم للمشتري فيكفي الحلف علي نفي العلم هذا إذا كان مدرك تأثير التبري رجوعه الي شرط عدم الخيار فانه حينئذ يعتبر فيه القبول فلا يعقل بلا التفات و علم من المشتري و أما ان كان المدرك ان الخيار من جهة الالتزام بالصحة و التبري بمعني عدم الالتزام بصحة المبيع- فهو و ان كان امرا واقعيا يعلم تارة و يجهل اخري الا انه يكتفي فيه بالحلف علي عدم العلم مع عدم التمكن من اليمين البتية لكون المورد فعل الغير و المشهور الاكتفاء فيه بالحلف علي نفي العلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 167

و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه (1) ففي تقديم مدعي الحدوث لأصالة عدم تقدمه كما تقدم سابقا في دعوي تقدم العيب و تأخره أو مدعي عدمه لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد علي المعيب و الشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري فالاصل عدم وقوع العقد علي السليم من هذا العيب حتي يضمنه المشتري.

و أما الثالث: [الاختلاف في الفسخ]

ففيه مسائل:

الاولي: لو اختلفا في الفسخ فإن كان الخيار باقيا فله إنشاؤه. (2) و في الدروس انه يمكن جعل اقراره انشاءه (3) و لعله لما اشتهر من ان من ملك شيئا ملك الاقرار به (4)

______________________________

(1) قوله و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه الظاهر ان هذا تكرار لما في المسألة الثالثة من مسائل الاختلاف في المسقط

اختلاف المتبايعين في الفسخ

(2) و

لو اختلفا في الفسخ و ادعاه المشتري و انكره البائع و الكلام فيه في موردين:

الأول: فيما إذا كان الخيار باقيا.

الثاني: فيما إذا كان منقضيا.

اما الأول: فلا اشكال و لا كلام في ان له انشاؤه،

(3) انما الكلام فيما افاده الشهيد (رحمه الله) من انه يمكن جعل اقراره انشاءه ظاهر هذه العبارة كون اقراره نافذ الا من جهة انه اخبار بالفسخ، بل من جهة كونه انشاء له، و عليه فما استدل به المصنف (رحمه الله) له.

(4) من قاعدة من ملك اجنبي عن مراده و كيف كان: فان كان مراده جعل الاقرار نافذا من حيث انه انشاء له،

فيرد عليه: ان الاخبار و الانشاء متقابلان، فعلي القول بانه يعتبر في الفسخ الذي حل العقد ما يعتبر في العقد من الانشاء لا يكفي ذلك، نعم لو قلنا بانه لا يعتبر فيه سوي عدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 168

كما لو ادعي الزوج الطلاق، و يدل عليه بعض الاخبار الواردة فيمن اخبر بعتق مملوكه (1) ثمّ جاء العبد يدعي النفقة علي ايتام الرجل و أنه رق لهم و سيجي ء الكلام في فروع هذه القاعدة، و ان كان بعد انقضاء زمان الخيار (2) كما لو تلف العين افتقر مدعيه الي البينة و مع عدمها حلف الآخر علي نفي علمه بالفسخ إن ادعي عليه علمه بفسخه،

______________________________

الالتزام بالعقد كفي ذلك، لكن المبني بمراحل من الواقع.

و ان كان مراده جعل الاقرار نافذا من جهة انه اقرار بفعل له السلطنة عليه، تم ما افاده لقاعدة من ملك و لقاعدة اقرار العقلاء علي انفسهم من جهة انه اقرار بعدم حق الخيار له، و ان كان لازمه استحقاق استرداد الثمن.

(1) قوله و يدل عليه بعض الاخبار الواردة فيمن اخبر

بعتق مملوكه الظاهر ان لفظ العتق غلط من الناسخ، أو سهو من القلم بدل عن لفظ البيع فان الخبر وارد «1» في بيع المملوك- و علي أي حال هو لا يدل علي ذلك فانه متضمن لقضية في واقعة و لعله (عليه السلام) كان مطلعا علي كذب الغلام- و لذا هو (قدس سره) في رسالته في هذه القاعدة لم يستدل بهذا الخبر مع استقصائه لجميع ما استدل به و ما يمكن ان يستدل به علي هذه القاعدة و أما الثاني: و هو ما إذا كان بعد انقضاء زمان الخيار فلا اشكال في انه ليس له انشاؤه، و لا في عدم العبرة باقراره من جهة انه انشاء،

انما الكلام في انه هل ينفذ اقراره. من جهة كونه اخبارا عن الفسخ ام لا؟

الظاهر ان له ذلك لما تقرر في محله و اشرنا إليه سابقا من ان مقتضي قاعدة من ملك نفوذ اقرار من هو مسلط علي تصرف بذلك التصرف و ان كان زمانه ماضيا، و لذا لا شبهة في نفوذ اقرار الوكيل بالبيع إذا انكر الموكل وقوعه.

و في المقام بما انه اقرار بما يكون له تشمله القاعدة،

فما قيل من افتقار مدعيه الي البينة في غير محله.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب بيع الحيوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 169

ثمّ إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الأرش لئلا يخرج من الحقين أم لا لإقراره بالفسخ و زاد في الدروس أنه يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين من الأرش و ما زاد علي القيمة من الثمن أن اتفق لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن ورد القيمة فيقع التقاص في قدر القيمة و يبقي قدر الأرش مستحقا علي التقديرين،

انتهي.

الثانية: لو اختلفا في

تأخر الفسخ عن اول الوقت (1) بناء علي فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد (2) و عدم حدوث الفسخ في اول الزمان (3) أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ (4) وجهان: و لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد

______________________________

(1) لو اختلفا في تأخر الفسخ عن اول الوقت بناء علي فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير، أو مدعي عدمه وجهان:

الكلام يقع في موردين:

الأول فيما إذا اختلفا في زمان الفسخ.

الثاني: فيما إذا اتفقا عليه و اختلفا في زمان وقوع العقد.

اما المورد الأول: فقد ذكر المصنف (رحمه الله) لتقديم قول مدعي التأخير اصلين:

(2) اصالة بقاء العقد.

(3) و اصالة عدم حدوث الفسخ في اول الزمان.

اما اصالة بقاء العقد فهي لا تجري لكونها محكومة لأصالة بقاء زمان الخيار الي حال تحقق الفسخ، و أما اصالة عدم حدوث الفسخ في اول الزمان فهي لا تجري لعدم كون الفسخ في اول الزمان بهذا العنوان موضوعا للأثر، بل الموضوع هو الفسخ في حال له الخيار،

فيجري استصحاب بقاء زمان الخيار خاصة، و يترتب عليه تأثير الفسخ.

(4) و قد ذكر (قدس سره) لتقديم قول مدعي عدم التأخير اصالة صحة الفسخ و فيه: ان المختار عنده- علي ما صرح به في آخر كتاب البيع- و عندنا- علي ما حققناه في رسالة (القواعد الثلاث) المطبوعة- انه يعتبر في جريان اصالة الصحة في شي ء احراز قابلية المحل عقلا، و من الواضح ان الفسخ بعد انقضاء زمان الخيار غير مؤثر عقلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 170

مع الاتفاق علي زمان الفسخ (1) ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجه يضعف بأن اصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة الي اصالة عدم تقدمه علي الزمان المشكوك وقوعه فيه

لا يثبت وقوع الفسخ في اول الزمان. و هذه المسألة نظير ما لو ادعي الزوج الرجوع في عدة المطلقة و ادعت هي تأخره عنها. (2)

الثالثة: لو ادعي المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته بناء علي فوريته (3) سمع قوله ان احتمل في حقه الجهل للاصل و قد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر الا إذا نشأ في بلد لا يعرفون الاحكام و الجهل بالفورية فيعذر مطلقا لأنه مما يخفي علي العامة

______________________________

إذ لا فسخ لمن لا حق له عقلا.

فتحصل: انه يقدم قول مدعي عدم التأخير لأصالة بقاء زمان الخيار الي حال تحقق الفسخ لا لأصالة الصحة.

(1) و أما المورد الثاني: فالحق فيه ايضا تقديم قول مدعي العدم من جهة اصالة بقاء الزمان الخيار الي زمان الفسخ المعلوم، و أما اصالة تأخر العقد فكما لا يثبت بها وقوع الفسخ في الزمان الأول، كذلك لا يثبت بها وقوع المتقدم في آخر الوقت.

(2) قوله و هذه المسألة نظير ما لو ادعي الزوج الرجوع بمعني اصل المسألة لا خصوص الفرض الثاني كما لا يخفي.

(3) قوله الثالثة لو ادعي المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته بناء علي فوريته بناء علي عدم كون هذا الخيار علي الفور لا يبقي مورد لهذا البحث،

كما انه علي القول بانه بوجوده الواقعي فوري لا مورد لهذا النزاع ايضا و أما ان قلنا بانه بوجوده المعلوم فوري بحيث لا فورية الا بعد العلم باصل الخيار- فللنزاع في العلم بالخيار و الجهل به مجال فانه علي الجهل له اعماله و علي العلم ليس له ذلك و أما النزاع في العلم بالفورية و الجهل بها فانما يتصور له مورد لو كان فورية الخيار مقيدة بالعلم بالفورية بالنحو المعقول و علي أي

حال يقدم قول المشتري ان احتمل في حقه الجهل للاصل أي اصالة عدم العلم الا إذا كان قوله مخالفا للظاهر بان يكون في بلد اهله يعرفون الاحكام فيكون مدعيا لا يقبل قوله الا بالبينة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 171

القول في ماهية العيب

و ذكر بعض افراده (1)

اعلم ان حكم الرد و الارش معلق في الروايات علي مفهوم العيب و العوار.

اما العوار ففي الصحاح انه العيب و أما العيب فالظاهر من اللغة و العرف انه النقص عن مرتبة الصحة (2) المتوسطة بينه و بين الكمال، فالصحة ما يقتضيه اصل الماهية المشتركة بين افراد الشي ء لو خلي و طبعه و العيب و الكمال يلحقان له لأمر خارج عنه ثمّ مقتضي حقيقة الشي ء قد يعرف من الخارج كمقتضي حقيقة الحيوان الاناسي و غيره فإنه يعلم ان العمي عيب و معرفة الكتابة في العبد و الطبخ في الأمة كمال فيهما و قد يستكشف ذلك بملاحظة اغلب الافراد فإن وجود صفة في اغلب افراد الشي ء يكشف عن كونه مقتضي الماهية المشتركة بين افراده و كون التخلف في النادر لعارض.

______________________________

بيان حقيقة العيب.

(1) قوله القول في ماهية العيب و ذكر بعض افراده تحقيق القول في المقام في طي مسائل الاولي في بيان ماهية العيب، و استقصاء القول فيها بالبحث في جهات الاولي انه طفحت كلماتهم تبعا لمرسل السياري «1» بان (كل ما زاد أو نقص عن الخلقة الاصلية فهو عيب، و هذه عبارة اخري عما في المتن.

(2) انه النقص عن مرتبة الصحة و ظاهر ذلك ان كل ما ثبت في اصل الخلقة من الأجزاء و الأوصاف فزاد ذلك السيئ أو نقص فهو عيب، فينحصر العيب في الزيادة و النقيصة الخلقية، و عبر جماعة عن ذلك

بالخروج عن المجري الطبيعي، و لكن المفهوم العرفي من العيب اعم من ذلك، فان الخراج الثقيل الخارج عما جرت العادة عليه في الأراضي عيب عند العرف، مع ان الخراج اجنبي عن الخلقة الأصلية للأرض، و هو في الشرع أيضا كذلك، فان عدم حيض الجارية المدركة

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 172

و هذا و ان لم يكن مطردا في الواقع إذ كثيرا ما يكون اغلب الافراد متصفة بصفة لأمر عارضي أو لأمر مختلفة، الا ان بناء العرف و العادة علي استكشاف حال الحقيقة عن حال اغلب الافراد. و من هنا استمرت العادة علي حصول الظن بثبوت صفة الفرد من ملاحظة اغلب الافراد فإن وجود الشي ء في اغلب الافراد و ان لم يمكن الاستدلال به علي وجوده في فرد غيرها لاستحالة الاستدلال و لو ظنا بالجزئي علي الجزئي الا انه يستدل من حال الاغلب علي حال القدر المشترك ثمّ يستدل من ذلك علي حال الفرد المشكوك.

إذا عرفت هذا تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج عن المجري الطبيعي و هو ما يقتضيه الخلقة الاصلية.

______________________________

جعل في النص عيبا، مع انه ربما يكون احتباس الدم لعارض مزاجي لا لنقص في الخلقة،

و حمل الجارية جعل عيبا موجبا للخيار، مع انه ليس زيادة أو نقصا في الخلقة، و كذلك اباق العبد، فيعلم من ذلك ان العيب الشرعي اعم من الكلية المذكورة.

فالمتعين اما البناء علي ان الخبر ورد لبيان العيب لا لتحديده،

أو التصرف في الكلية بحملها علي خلاف ظاهرها، و هو كون الخلقة اسما لمعني مصدري يراد به ما عليه الشي ء من الهيئة، فيعم كل نقص أو زيادة و ان

لم يكن من اجزائه الأصلية، بل و ان كان الوصف الزائد اعتباريا ككون المزرعة ثقيلة الخراج و نحو تلك من الأوصاف الاعتبارية.

الجهة الثانية: بعد ما عرفت التوسعة في العيب، فقد يكون شي ء واحد معيبا بملاحظة الخلقة الأصلية، و غير معيب بالاضافة الي الحقيقة العادية الثانوية، و قد ينعكس الأمر،

و علي التقديرين ان كان ذلك بالاضافة الي جهتين فلا اشكال في ان لكل منهما حكمها،

مثلا لو كانت الأرض غير قابلة للزرع لكنها خفيفة الخراج فهي معيوبة باعتبار الخلقة الأصلية، و صحيحة باعتبار العادة الثانوية. و لو كانت قابلة للزرع لكنها ثقيلة الخراج فهي صحيحة بالاعتبار الأول و معيوبة بالثاني، و في الفرضين يجري حكم العيب إذ لا يجب ان يكون الشي ء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 173

و ان المراد بالخلقة الاصلية ما عليه اغلب افراد ذلك النوع، و ان ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيب و ما خرج عنه بالمزية فهو كمال فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه اغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضي طبيعتها فزيادة الخراج علي ذلك المقدار عيب، و نقصه عنه كمال و كذا كونها مورد العساكر ثمّ لو تعارض مقتضي الحقيقة الأصلية و حال اغلب الافراد التي يستدل بها علي حال الحقيقة عرفا رجح الثاني (1) و حكم للشي ء بحقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة و العيب و الكمال بالنسبة إليها. و من هنا لا يعد ثبوت الخراج علي الضيعة عيبا مع ان حقيقتها لا تقتضي ذلك و انما هو شي ء عرض اغلب الافراد فصار مقتضي الحقيقة الثانوية فالعيب لا يحصل الا بزيادة الخراج علي مقتضي الاغلب.

______________________________

معيوبا من جميع الجهات في ترتب احكام العيب، بل يكفي التعيب من جهة واحدة.

و

انما الكلام فيما إذا كان الاختلاف من جهة واحدة، كما إذا كان العبد الكبير اغلف فانه تام من حيث الخلقة، و معيوب باعتبار العادة الثانوية، إذ جرت العادة علي الختان،

و يجب ذلك، و العبد مورد للخطر عند الختان، و كما إذا كانت الأمة ثيبة فان فيها نقصا خلقيا و تمامية عادية.

و هذا هو مورد بحث المصنف (رحمه الله) حيث قال:

(1) ثمّ لو تعارض مقتضي الحقيقة الاصلية و حال اغلب الافراد التي يستدل بها علي حال الحقيقة عرفا رجح الثاني.

و المفروض في كلامه المفروغية عن عدم الخيار فيما إذا كان بحسب الحقيقة الثانوية غير معيوب، و انما جعل مورد البحث ان ما هو كذلك، اي نقص أو زيادة بحسب الحقيقة الأولية و لا يكون كذلك بحسب الحقيقة الثانوية، هل يكون عيبا موضوعا و انما لا يلحقه حكم العيب، أو انه ليس بعيب موضوعا؟

و وجه الأول ان العيب هو النقص أو الزيادة بحسب الخلقة الأصلية، و انما يعتني بوجود الصفة في اغلب افراد الطبيعة من جهة كشفه عن الخلقة الأصلية، و هذا انما يكون مع الجهل بها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 174

و لعل هذا هو الوجه في قول كثير منهم بل عدم الخلاف بينهم في ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء، و قد ينعكس الامر فيكون العيب في مقتضي الحقيقة الاصلية و الصحة بالخروج الي مقتضي الحقيقة الثانوية كالغلفة فإنها عيب في الكبير لكونها مخالفة لما عليه الاغلب الا ان يقال ان الغلفة بنفسها ليس عيبا انما العيب كون الاغلف موردا للخطر بختانه. و لذا اختص هذا العيب بالكبير دون الصغير.

و يمكن ان يقال ان العبرة بالحقيقة الاصلية و النقص عنها عيب و ان كان علي طبق

الاغلب (1) الا ان حكم العيب لا يثبت مع اطلاق العقد حينئذ لأنه انما يثبت من جهة اقتضاء الاطلاق للالتزام بالسلامة فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد فإذا فرض الاغلب علي خلاف مقتضي الحقيقة الاصلية لم يقتض الاطلاق ذلك بل اقتضي عكسه اعني التزام البراءة من ذلك النقص فاطلاق العقد علي الجارية بحكم الغلبة منزل علي التزام البراءة من عيب الثيبوبة

______________________________

و أما مع العلم بالخلقة الأصلية فلا يعتني بالكاشف. نعم لا يلحقه حكم العيب من جهة ان حكم العيب انما يثبت من جهة اقتضاء الاطلاق للالتزام بالسلامة، فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد. فمع فرض الأغلب علي خلاف مقتضي الحقيقة لا يقتضي الاطلاق ذلك،

بل يقتضي الالتزام بالبراءة من ذلك العيب، فلا يثبت الخيار من هذه الجهة.

و وجه الثاني: ان الغلبة بمنزلة الحقيقة الأصلية، و ان لها موضوعية كما تقدم،

مع ان مقتضي خبر سماعة في الرجل يشتري جارية علي انها بكر و لم يجدها كذلك،

قال (عليه السلام). لا ترد عليه، و لا يجب عليه شي ء، انه قد يكون يذهب في حال مرض أو امر يصيبها «1»

(1) و المصنف (رحمه الله) قوي الوجه الاول و لكن الأظهر هو التفصيل، إذ قد يكون شيوع النقص أو الزيادة لمصلحة شخصية أو نوعية، كالختان، فانه نقص امر به الشارع لمصلحة شخصية، و كالخراج، فانه لغرض نوعي عقلائي، و في مثل ذلك لا يعد عيبا لما عرفت من انه ليس المدار علي خصوص الخلقة الاصلية

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب احكام العيوب حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 175

و كذا الغلفة في الكبير فهي ايضا عيب في الكبير لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان الا ان الغالب في

المجلوب من بلاد الشرك لما كان هي الغلفة لم يقتض الاطلاق التزام سلامته من هذا العيب بل اقتضي التزام البائع البراءة من هذا العيب.

فقولهم ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء.

و قول العلامة في القواعد ان الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب لا يبعد ارادتهم نفي حكم العيب من الرد و الارش لا نفي حقيقته و يدل عليه نفي الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا مع انه في التحرير و التذكرة اختار الارش مع اشتراط البكارة مع انه لا أرش في تخلف الشرط بلا خلاف ظاهر.

و تظهر الثمرة فيما لو اشترط المشتري البكارة و الختان فإنه يثبت علي الوجه الثاني حكم العيب من الرد و الارش لثبوت العيب غاية الامر عدم ثبوت الخيار مع الاطلاق لتنزله منزلة تبري البائع من هذا العيب فإذا زال مقتضي الاطلاق بالاشتراط ثبت حكم العيب و أما علي الوجه الأول فإن الاشتراك لا يفيد الاخيار تخلف الشرط دون الارش لكن الوجه السابق اقوي عليه فالعيب انما يوجب الخيار إذا لم يكن غالبا في افراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها و الغلبة الصنفية مقدمة علي النوعية عند التعارض فالثيبوبة في الصغيرة الغير المجلوبة عيب لانها ليست غالبة في صنفها و ان غلبت في نوعها.

ثمّ ان مقتضي ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص للشي ء من حيث عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالا فإن (1) الانسان الخصي ناقص في نفسه و ان فرض زيادته من حيث كونه مالا

______________________________

و قد يكون لا لمصلحة بل لجهة اخري كثيبوبة الأمة، و في مثل ذلك يكون عيبا و لا عبرة بالغلبة، و هي من حيث هي ليست بمنزلة الخلقة الأصلية كما افاده المصنف (رحمه الله)

و الخبر لا يدل علي ازيد من نفي الخيار.

(1) الجهة الثالثة: هل يعتبر في صدق العيب ان يكون موجبا لنقص المالية فالنقص أو الزيادة خلقة و عادة غير المنقص للمالية لا يكون عيبا، ام لا يعتبر ذلك؟ وجهان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 176

و كذا البغل الخصي حيوان ناقص و ان كان زائدا من حيث المالية علي غيره،

و لذا ذكر جماعة ثبوت الرد دون الارش في مثل ذلك.

و يحتمل قويا ان يقال ان المناط في العيب هو النقص المالي فالنقص الخلقي الغير الموجب للنقص كالخصاء و نحوه ليس عيبا الا ان الغالب في افراد الحيوان لما كان عدمه كان اطلاق العقد منزلا علي اقدام المشتري علي الشراء مع عدم هذا النقص اعتمادا علي الاصل و الغلبة فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد لا يوجب تخلفه الا خيار تخلف الشرط، و يظهر الثمرة في طرو موانع الرد بالعيب بناء علي عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط، فتأمل. (1)

و في صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فإنه مضمون علي الاول بناء علي اطلاق كلماتهم ان العيب مضمون علي البائع بخلاف الثاني فإنه لا دليل علي ان فقد الصفة المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون علي البائع بمعني كونه سببا للخيار

______________________________

لا اشكال في ان مطلق الزيادة أو النقيصة الخلقية أو العادية لا يكون عيبا كحدة بصر العبد، و زيادة شعر رأس الجارية و ما شابه تلكم،

كما لا إشكال في انه ليس المدار علي الزيادة و النقص من حيث المالية فقط، و الا لكانت الأشياء المختلفة من حيث المالية بعضها صحيحا و بعضها معيبا، و ان لم يختلفا من حيث الأجزاء

الأصلية.

انما الكلام في انه إذا كانت الزيادة أو النقيصة الموجبة للنقص في الشي ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه غير موجبة للنقص في المالية من جهة تلازم النقص من هذه الجهة لأثر آخر و خاصية اخري مترتبة عليه، هل تكون عيبا ام لا؟

و الظاهر صدق العيب عليها، إذ المدار ليس علي المالية.

(1) قوله فتأمل الامر بالتأمل اشارة الي ما افاده في بحث موانع الرد من ان ادلتها مختصة بصورة ثبوت الارش- و قد تقدم ما عندنا و عرفت ان مرسل جميل يعم صورة عدم ثبوت الارش فهذه الثمرة موجودة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 177

و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال (1)

و ربما يستدل لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السياري الحاكية لقصة ابن ابي ليلي، (2) حيث قدم إليه رجل خصما له فقال: ان هذا باعني هذه الجارية فلم اجد علي ركبها حين كشفها شعرا و زعمت انه لم يكن لها قط، فقال له ابن ابي ليلي: ان الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتي يذهبوه فما الذي كرهت، فقال له:

ايها القاضي ان كان عيبا فاقض لي به، قال فاصبر حتي اخرج اليك فإني اجد أذي في بطني، ثمّ دخل بيته و خرج من باب آخر فأتي محمد بن مسلم الثقفي فقال له: أي شي ء تروون عن ابي جعفر في امرأة لا تكون علي ركبها شعرا أ يكون هذا عيبا، فقال له محمد بن مسلم: اما هذا نصا فلا اعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن ابيه عن آبائه عن النبي (صلي الله عليه و آله) قال كل ما كان في اصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فقال له ابن ابي ليلي: حسبك

هذا فرجع الي القوم فقضي لهم بالعيب. فإن ظاهر اطلاق الرواية المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها فيها و فهم ابن ابي ليلي من حيث قوله و عمله كون مجرد الخروج عن المجري

______________________________

(1) قوله و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال مراده شقا الثمرة الثانية، و هما ضمان النقص قبل القبض، و في مدة الخيار و هو في محله، فان تلف وصف المبيع إذا كان مشمولا لقاعدة كون التلف قبل القبض من البائع، «1» و قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «2» كان تلف الوصف الملتزم به ايضا كذلك و لا يقاس ذلك بتلف ما التزم به البائع بما هو اجنبي عن تلف المبيع.

(2) و أما خبر السياري المذكور في المتن «3» فهو ضعيف السند لاتفاق الرجاليين علي كون احمد بن محمد السياري راوي الخبر ضعيف فاسد المذهب. و قد اجاب عنه المصنف (رحمه الله) باجوبة اخر سيمر عليك ما فيها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار و المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار.

(2) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 178

الطبيعي عيبا و ان كان مرغوبا فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه كما يظهر من قول ابن ابي ليلي ان الناس ليحتالون، الخ. و تقرير المشتري له في رده لكن الانصاف عدم دلالة الرواية علي ذلك.

اما اولا: فلأن ظاهر الحكاية ان رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر (1) بل لكونها في اصل الخلقة، كذلك الكاشف عن مرض في العضو أو في اصل المزاج كما يدل عليه عدم اكتفائه في عذر

الرد بقوله لم اجد علي ركبها شعرا حتي ضم إليه دعواه انه لم يكن لها قط. و قول ابن ابي ليلي ان الناس ليحتالون في ذلك حتي يذهبوه لا يدل علي مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض، و انما هي مغالطة عليه تفصيا عن خصومته لعجزه عن حكمها و الاحتيال لإذهاب شعر الركب لا يدل علي ان عدمه في اصل الخلقة شي ء مرغوب فيه كما ان احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدل علي كون عدمه من اصله لقرع أو شبهه امرا مرغوبا فيه.

______________________________

و علي المختار من صدق العيب ليس له الا الرد لما تقدم من عدم معقولية الارش،

كما انه علي القول الآخر ايضا لا إشكال في ثبوت حق الرد من جهة الالتزام الضمني بعدم النقص، و لذا قد توهم عدم ترتب ثمرة علي هذا النزاع،

و المصنف (رحمه الله) دفعا لذلك ذكر ثمرتين.

احداهما: ما إذا طرأ احد موانع الرد بالعيب بناء علي عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط، فانه علي المسلك المنصور يسقط حق الرد دون المسلك الآخر، و عرفت تماميتها ثانيتهما: انه إذا حصل هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فانه علي فرض كونه عيبا يكون مضمونا علي البائع- و علي فرض عدمه لا يكون كذلك إذ لا دليل علي ان فقد الصفة المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون علي البائع و قد تنظر فيها المصنف، و قد عرفت انه في محله قال.

(1) اما اولا فلان ظاهر الحكاية ان رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر هذا انما يصلح ايراد اعلي التأييد الذي ذكره بفهم ابن ابي ليلي و أما اطلاق جواب الامام (عليه السلام) فهذا اجنبي عنه

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 179

و بالجملة فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر علي الركب مما يقطع أو يحتمل كونه لاجل مرض عيبا و قد عد من العيوب الموجبة للارش بما هو ادون من ذلك و أما ثانيا: فلأن قوله (عليه السلام) فهو عيب، انما يراد به بيان موضوع العيب (1)

توطئه لثبوت احكام العيب له و الغالب الشائع المتبادر في الاذهان هو رد المعيوب.

و لذا اشتهر كل معيوب مردود.

و أما باقي احكام العيب و خياره مثل عدم جواز رده بطرو موانع الرد بخيار العيب و كونه مضمونا علي البائع قبل القبض، و في مدة الخيار فلا يظهر من الرواية ترتبها علي العيب، فتأمل..

و أما ثالثا: فلأن الرواية لا تدل علي الزائد عما يدل عليه العرف لأن المراد بالزيادة و النقيصة علي اصل الخلقة، ليس مطلق ذلك قطعا فإن زيادة شعر رأس الجارية أو حدة بصر العبد أو تعلمهما للصيغة و الطبخ. و كذا نقص العبد بالختان و حلق الرأس ليس عيبا قطعا فتعين ان يكون المراد بها الزيادة و النقيصة الموجبين لنقص في الشي ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه، و لازم ذلك نقصه من حيث المالية (2) لأن المال المبذول في مقابل الاموال بقدر ما يترتب عليها من الآثار و المنافع.

______________________________

(1) قوله و أما ثانيا فلان قوله (عليه السلام) فهو عيب انما يراد به بيان موضوع العيب حاصله ان المتيقن من الخبر ثبوت حق الرد و هذا كما يلائم مع كون الخيار خيار العيب يلائم مع كونه خيار تخلف الشرط فلا يدل الخبر علي كونه خيار العيب و فيه اولا ان مقتضي اطلاق التنزيل ثبوت جميع احكام العيب لا خصوص الرد و ثانيا ان

الرد الثابت بمقتضي ظاهر الخبر الرد من باب العيب و هذا المقدار يكفي فيما هو المهم و هو كون العيب اعم مما ينقص المالية.

(2) قوله و أما ثالثا فلان الرواية لا تدل علي الزائد عما يدل عليه العرف و لازم ذلك نقصه من حيث المالية ما افاده في نفسه تام الا ان ما ذكره له من اللازم غير تام إذ مورد الكلام ما لو فرضنا النقص مع كونه موجبا لفقد بعض وجوه الانتفاعات- كونه موجبا للانتفاع بالشي ء ببعض انتفاعات اخر المستلزم ذلك لعدم النقص في المالية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 180

و أما رابعا: فلأنا لو سلمنا مخالفة الرواية للعرف في معني العيب فلا ينهض لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لو لا النص المعتبر لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالارسال، فافهم. (1)

و قد ظهر مما ذكرنا ان الاولي في تعريف العيب ما في التحرير (2) و القواعد من انه نقص في العين أو زيادة فيها، يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار. و لعله المراد بما في الرواية كما عرفت و مراد كل من عبر بمثلها.

و لذا قال في التحرير بعد ذلك. و بالجملة كلما زاد أو نقص عن اصل الخلقة و القيد الاخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الاغراض (3) كما قد يقال ذلك في العبد الخصي، و لا ينافيه ما ذكره في التحرير من ان عدم الشعر علي العانة عيب في العبد و الامة لأنه مبني علي ما ذكرنا في الجواب الأول عن الرواية من ان ذلك كاشف أو موهم لمرض في العضو أو المزاج لا علي انه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية. و في التذكرة بعد اخذ نقص

المالية في تعريف العيب، و ذكر كثير من العيوب و الضابط انه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط ان يكون الغالب في امثال المبيع عدمه، انتهي كلامه

______________________________

(1) قوله فافهم الظاهر انه اشارة الي انه ضعيف من جهة اخري غير الارسال و هو كون الراوي السياري.

(2) قوله الاولي في تعريف العيب ما في التحرير بل الاولي تعريفه بالنقص أو الزيادة المقتضي لنقص الشي ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه بحسب النوع.

(3) قوله و القيد الاخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الاغراض كلمات الاعلام المنقولة في المتن كالصريحة في عدم دخل نقصان المالية في صدق العيب و توجيهات المصنف (رحمه الله) بعيدة و اصرح من الكل كلام جامع المقاصد- قال كان عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 181

و ما احسنه حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب بل لما يوجب الرد فيدخل فيه مثل خصاء العبد، كما صرح به في التذكرة معللا بأن الغرض قد يتعلق بالفحولة و ان زادت قيمته باعتبار آخر، و قد دخل المشتري علي ظن السلامة، انتهي.

و يخرج منه مثل الثيبوبة و الغلفة في المجلوب. و لعل من عمم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك. و عن جماعة اراد به مجرد موجب الرد لا العيب الذي يترتب عليه كثير من الاحكام كسقوط خياره بتصرف أو حدوث عيب أو غير ذلك.

و عليه يبني قول جامع المقاصد كما عن تعليق الارشاد حيث ذكر ان اللازم تقييد قول العلامة يوجب نقص المالية بقوله غالبا ليندرج مثل الخصاء و الجب لأن المستفاد من ذكر بعض الامثلة ان الكلام في موجبات الرد لا

خصوص العيب،

و يدل علي ذلك انه قيد كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا بعلم المشتري بجلبه إذ ظاهره انه مع عدم العلم عيب فلولا انه اراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد لم يكن معني لدخل علم المشتري و جهله في ذلك. (1)

الكلام في بعض افراد العيب (2)
اشارة

______________________________

ان يقيد بقوله غالبا ليندرج فيه الخصاء و الجب فانهما يزيد ان في المالية مع انهما عيبان يثبت بهما الرد قطعا و في الارش اشكال منشؤه ان تعينه منوط بالنقصان و هو منتف هنا انتهي.

(1) قوله لم يكن معني لدخل علم المشتري و جهله في ذلك لعل التقييد بجهل المشتري من باب التقييد في لحوق الحكم لا في اصل الموضوع

بعض افراد العيب

(2) لا يخفي ان المصنف تعرض لجملة من المسائل المتعلقة بالعبيد و الاماء و حيث ان بنائنا علي القاء تلكم المسائل لعدم الموضوع لها فعلا، و من المستبعد جدا تحقق الموضوع لها الي زمان سيدنا و مولينا ارواح من سواه فداه فلذلك اغمضنا عن التعرض لها و لكن نذكره ما ذكره المصنف لئلا ينقص المكاسب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 182

مسألة: لا إشكال و لا خلاف في كون المرض عيبا

و اطلاق كثير، و تصريح بعضهم يشمل حمي يوم بان يجده في يوم البيع، قد عرض له الحمي و ان لم يكن نوبة له في الاسبوع قال في التذكرة الجذام و البرص و العمي و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس عيوب اجماعا، و كذا انواع المرض سواء استمر كما في الممراض أو كان عارضا و لو حمي يوم، و الإصبع الزائدة و الحول و الحوص و السبل و استحقاق القتل في الردة أو القصاص و القطع بالسرقة أو الجناية و الاستسعاء في الدين عيوب اجماعا، ثمّ ان عدا حمي اليوم المعلوم كونها حمي يوم يزول في يومه و لا يعود مبني علي عد موجبات الرد لا العيوب الحقيقة لأن ذلك ليس منقصا للقيمة.

مسألة: الحبل عيب في الاماء

كما صرح به جماعة، و في المسالك الاجماع عليه في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطء و يدل عليه الاخبار الواردة في تلك المسألة و علله في التذكرة باشتماله علي تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع هذا مع عدم كون الحمل للبائع، و إلا فالامر واضح و يؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات و عدم قابليتها للاستيلاد الا بعد الوضع. اما في غير الاماء من الحيوانات ففي التذكرة انه ليس بعيب و لا يوجب الرد بل ذلك زيادة في المبيع ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل كما هو مذهب الشيخ، و قال بعض الشافعية يرد به و ليس بشي ء، انتهي.

و رجح المحقق الثاني كونه عيبا و ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل لأنه و ان كان زيادة مزوجة الا انه نقيصة مزوجة الآخر لمنع الانتفاع بها عاجلا و لأنه

لا يؤمن عليها من اداء الوضع الي الهلاك و الاقوي علي قول الشيخ ما اختاره في التذكرة لعدم النقص في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر و أداء الوضع الي الهلاك نادر في الحيوانات لا يعبأ به. نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات نقص يوجب الخيار دون الارش كوجدان العين مستأجرة و كيف كان، فمقتضي كون الحمل عيبا في الاماء انه لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردها لحدوث العيب في يده سواء نقصت بعد الولادة ام لا لأن العيب الحادث مانع و ان زال علي ما تقدم من التذكرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 183

و في التذكرة لو كان المبيع جارية معيبة فحبلت و ولدت في يد المشتري فان نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم و كان له الارش و ان لم تنقص فالاولي جواز ردها وحدها من دون الولد الي ان قال، و كذا حكم الدابة لو حملت عند المشتري و ولدت فإن نقصت بالولادة فلا رد و ان لم تنقص ردها دون ولدها لأنه المشتري، انتهي.

و في مقام آخر لو اشتري جارية حائلا أو بهيمة حائلا فحبلت ثمّ اطلع علي عيب فإن نقصت بالحمل فلا رد بالحمل فلا رد ان كان الحمل في يد المشتري و به قال الشافعي: و ان لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد انتهي.

و في الدروس لو حملت احداهما يعني الجارية و البهيمة عند المشتري لا بتصرفه فالحمل له فإن فسخ رد الأم ما لم تنقص بالحمل أو الولادة.

و ظاهر القاضي ان الحمل عند المشتري يمنع الرد لأنه اما بفعله أو اهمال المراعاة حتي ضربها الفحل و كلاهما تصرف، انتهي.

لكن صرح في

المبسوط باستواء البهيمة و الجارية في انه إذا حملت احداهما عند المشتري و ولدت و لم تنقص بالولادة فوجد فيها عيبا رد الأم دون الولد و ظاهر ذلك كله خصوصا نسبة منع الرد الي خصوص القاضي و خصوصا مع استدلاله علي المنع بالتصرف لا حدوث العيب تسالمهم علي ان الحمل الحادث عند المشتري في الامة ليس في نفسه عيبا بل العيب هو النقص الحادث بالولادة و هذا مخالف للاخبار المتقدمة في رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل و للإجماع المتقدم عن المسالك و تصريح هؤلاء بكون الحبل عيبا يرد منه لاشتماله علي التغرير بالنفس و الجمع بين كلماتهم مشكل خصوصا بملاحظة العبارة الاخيرة المحكية عن التذكرة من اطلاق كون الحمل عند البائع عيبا و ان لم ينقص و عند المشتري بشرط النقص من غير فرق بين الجارية و البهيمة مع ان ظاهر العبارة الاولي كالتحرير و القواعد الفرق فراجع.

قال في القواعد لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير تصرف فالاقرب ان للمشتري الرد بالعيب السابق لأن الحمل زيادة، انتهي.

و هذا بناء منه علي ان الحمل ليس عيبا في غير الأمة، و في الايضاح ان هذا بناء علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 184

قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل في الانتقال ظاهر و أما عندنا فالاقوي ذلك لأنه كالثمرة المتجددة علي الشجرة و كما لو اطارت الريح ثوبا للمشتري في الدار المبتاعة و الخيار له فلا يؤثر و يحتمل عدمه لحصول خطر ما و لنقص منافعها فإنها لا تقدر علي الحمل العظيم، انتهي.

و مما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب الي الايضاح من ان ما قربه في القواعد مبني علي قول الشيخ من دخول الحمل

في بيع الحامل. نعم ذكر في جامع المقاصد ان ما ذكره المصنف ان تم فإنما يخرج علي قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار. و لعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها علي ما يتراءي من تعليله بقوله لأن الحمل زيادة يعني ان الحامل ردت الي البائع مع الزيادة لامع النقيصة.

لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا في غير الامة.

و كيف كان فالاقوي في مسألة حدوث حمل الامة عدم جواز الرد ما دام الحمل و ابتناء حكمها بعد الوضع و عدم النقص علي ما تقدم من ان زوال العيب الحادث يؤثر في جواز الرد أم لا، و أما حمل غير الأمة فقد عرفت أنه ليس عيبا موجبا للأرش لعدم الخطر فيه غالبا و عجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب الا فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الرد دون الارش لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات الغير الموجب للارش و كان محققا هنا مضافا الي نقص آخر و هو كون المبيع متضمنا لمال الغير لان المفروض كون الحمل للمشتري اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.

مسألة: الأكثر علي ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء

بل في التحرير لا نعلم فيه خلافا و نسبه في المسالك كما عن غيره الي اطلاق الاصحاب لغلبتها فيهن فكانت بمنزلة الخلقة الاصلية و استدل عليه ايضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الاصحاب علي ما ادعاه المستدل عن رجل باع جارية علي انها بكر، فلم يجدها كذلك قال:

لا ترد عليه و لا يجب عليه شي ء انه قد يكون تذهب في حال مرض أو امر يصيبها.

و في كلا الوجهين نظر:

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 6، ص: 185

ففي الأول: ما عرفت سابقا من ان وجود الصفة في اغلب افراد الطبيعة انما يكشف عن كونها بمقتضي اصل وجودها المعبر عنه بالخلقة الاصلية إذا لم يكن مقتضي الخلقة معلوما فيما نحن فيه و إلا فمقتضي الغالب لا يقدم علي ما علم انه مقتضي الخلقة الاصلية و علم كون النقص عنها موجبا لنقص المالية كما فيما نحن فيه خصوصا مع ما عرفت من اطلاق مرسلة السياري غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم تنزيل اطلاق العقد علي التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة.

و لا يثبت الخيار بوجودها و ان كانت نقصا في الخلقة الاصلية.

و أما رواية سماعة فلا دلالة لها علي المقصود لتعليله (عليه السلام) عدم الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارض و قدح هذا الاحتمال اما لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضمونا علي البائع. و أما لأن اشتراط البكارة كناية عن عدم وطئ أحد لها فمجرد ثبوتها لا يوجب تخلف الشرط الموجب للخيار بل مقتضي تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال انه لو فرض عدمه لثبت الخيار فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال طبيعي فعدمها نقص في اصل الطبيعة فيكون عيبا.

و كيف كان فالاقوي ان الثيبوبة عيب عرفا و شرعا الا انها لما غلبت علي الاماء لم يقتض اطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك و يظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا أو اشترط خصوص البكارة فإنه يثبت بفقدها التخيير بين الرد و الارش لوجود العيب، و عدم المانع من تأثيره و مثله ما لو كان المبيع صغيرة أو كبيرة لم تكن الغالب علي صنفها الثيبوبة فإنه يثبت حكم العيب.

و الحاصل ان

غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه فإذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب و لعل هذا هو مراد المشهور ايضا و يدل علي ذلك ما عرفت من العلامة (قدس سره) في التحرير من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا مع انه في كتبه بل المشهور كما في الدروس علي ثبوت الارش إذا اشترط البكارة فلولا ان الثيبوبة عيب لم يكن ارش في مجرد تخلف الشرط.

نعم يمكن ان يقال ان مستندهم في ثبوت الارش ورود النص بذلك فيما رواه في الكافي و التهذيب عن يونس في: رجل اشتري جارية علي انها عذراء فلم يجدها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 186

قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم انه صادق، ثمّ انه نسب في التذكرة الي اصحابنا عدم الرد بمقتضي رواية سماعة المتقدمة و أوله بما وجهنا به تلك الرواية.

و ذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية مع تعليلها الدال علي تأويلها، و لو شرط الثيبوبة فبانت بكرا كان له الرد، لأنه قد يقصد الثيب لغرض صحيح.

مسألة: ذكر في التذكرة و القواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير،

لأنه يخاف عليه من ذلك و هو حسن علي تقدير تحقق الخوف علي وجه لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بازائه، و يلحق بذلك المملوك المجدر، فإنه يخاف عليه لكثرة موت المماليك بالجدري و مثل هذين. و ان لم يكن نقصا في الخلقة الاصلية الا ان عروض هذا النقص اعني الخوف مخالف لمقتضي ما عليه الاغلب في النوع أو الصنف و لو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا فيه مع الجهل دون العلم و هو غير مستقيم لأن العلم و الجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا نعم لما كان

الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن اطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره في الثيب، و يظهر الثمرة هنا ايضا فيما لو اشترط الختان فظهر اغلف فيثبت الرد و الأرش. فإخراج العلامة الثيبوبة و عدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب لكونه (قدس سره) في مقام عد العيوب الموجبة فعلا للخيار.

مسألة: عدم الحيض ممن شأنها الحيض

بحسب السن و المكان و غيرها من الخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية لأنه خروج عن المجري الطبيعي و لقول الصادق (عليه السلام) و قد سئل عن رجل اشتري جارية مدركة فلم تحض عنده حتي مضي لها ستة اشهر و ليس بها حمل قال ان كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه و ليس التقييد بمضي ستة اشهر الا في مورد السؤال فلا داعي الي تقييد كونه عيبا بذلك كما في ظاهر بعض الكلمات ثمّ ان حمل الرواية علي صورة عدم التصرف في الجارية حتي بمثل قول المولي لها اسقني ماء و اغلق الباب في غاية البعد. و ظاهر الحلي في السرائر و عدم العمل بمضمون الرواية رأسا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 187

مسألة: الاباق عيب

بلا اشكال و لا خلاف لأنه من افحش العيوب و يدل عليه صحيحة ابي همام الآتية في عيوب السنة. لكن في رواية محمد بن قيس انه ليس في الاباق عهدة و يمكن حملها علي انه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد كما يشهد قوله (عليه السلام) في رواية يونس ان العهدة في الجنون و البرص سنة بل لا بد من ثبوت كونه كذلك عند البائع و إلا فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة البائع و لا خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع، و هل يكفي المرة عنده أو يشترط الاعتياد قولان من الشك في كونه عيبا و الاقوي ذلك وفاقا لظاهر الشرائع. و صريح التذكرة لكون ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف و لا يشترط اباقه عند المشتري قطعا.

مسألة: الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب

يثبت به الرد و الارش (1) لكون ذلك خلاف ما عليه غالب افراد الشي ء

______________________________

بعض افراد العيب.

(1) مسالة: المشهور بين الاصحاب ان الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب يثبت به الرد و الارش.

محل الكلام هنا و في هذه المسألة هو الخيار، و أما صحة البيع فهي مفروغ عنها،

و مع ذلك نشير إليها تبعا للمصنف، و عليه فالكلام يقع في جهات:

الأولي: في صحة المعاملة و فسادها.

الثانية: في الخيار.

الثالثة: في تحقيق حال الخبرين المذكورين في المقام.

اما الجهة الاولي: فمحصل القول فيها: ان الثفل تارة: يوجب نقصا في الزيت من حيث الوصف خاصة و ان افضي بعد التخليص الي نقص الكم، و يكون المجموع عند العرف زيتا لا زيتا و ثفلا. لا إشكال في صحة البيع في هذه الصورة بعد تعيين وزن المظروف من غير فرق بين زيادة الثفل و قلته، و من غير فرق

بين صورة العلم و الجهل إذ اللازم معرفة المبيع وزنا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 188

و في رواية ميسر بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري زق زيت يجد فيه دريا قال: ان كان يعلم ان الدردي يكون في الزيت فليس عليه ان يرده و ان لم يكن يعلم فله ان يرده.

نعم في رواية السكوني عن جعفر عن ابيه ان عليا قضي في رجل اشتري من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه الي علي (عليه السلام) فقال له علي (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل انما بعته منه حكرة، فقال له علي (عليه السلام):

انما اشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربا.

______________________________

و ان لم يعرف وزن الخالص بعد تخليص المبيع.

و اخري: يوجب نقصا فيه من حيث الكم، و يكون بنظر العرف زيتا و ثفلا لا زيتا معيوبا. و في هذه الصورة يصح البيع في صورة الجهل لو عين وزن المظروف، لأن وزن المبيع حينئذ معلوم، غاية الأمر بعد الظهور يكون من قبيل تبعض الصفقة.

و أما في صورة العلم فان امكن تعيين وزن الزيت صح البيع، و الا بطل للغرر، و لا يكفي تعيين وزن المجموع.

و أما الجهة الثانية: ففي مورد صحة البيع ان كان المبيع عند العرف مركبا من الزيت و الثفل يثبت خيار تبعض الصفقة، و ان كان المبيع هو الزيت المعيوب فان كان الثفل يسيرا جدا بحيث لا يعد في نفسه عيبا لا خيار، و ان كان كثيرا بمقدار خارج عن العادة ثبت خيار العيب.

و ان كان بمقدار جرت به العادة فتارة: يعلم المشتري بجريان العادة، و اخري:

لا يعلم، فان علم

بذلك لا خيار له، لأن الاقدام علي هذه المعاملة التزام بالبراءة من ذلك العيب و النقص، فلا خيار معه،

و ان لم يعلم بذلك ثبت له الخيار، فان الغلبة و العادة الثانوية ان لم تكن عن غرض لا تكون بمنزلة الحقيقة الأصلية كما تقدم.

و أما الجهة الثالثة: فالخبران هما خبرا «1» ميسر و السكوني المذكوران في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب احكام العيوب حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 189

قال في الوافي يقال اشتري المتاع حكرة اي جملة و هذه الرواية بظاهرها مناف لحكم العيب من الرد و الارش و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل، (1) و ربما استشكل في اصل الحكم بصحة البيع لو كان كثيرا للجهل بمقدار المبيع و كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالاجماع كما تقدم أو مفروضة في صورة انضمام الظرف المفقود هنا لان الدردي غير متمول و الاولي ان يقال إن وجود الدردي ان افاد نقصا في الزيت من حيث الوصف و ان افضي بعد التخليص الي نقص الكم نظير الغش في الذهب كان الزائد منه علي المعتاد عيبا و ان افرط في الكثرة و لا إشكال في صحة البيع حينئذ، لأن المبيع زيت و ان كان معيوبا. و عليه يحمل ما في التحرير من ان الدردي في الزيت و البذر عيب موجب للرد و الارش و ان لم يفد الا نقصا في الكم فإن باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة و مشاهدة شي ء منه تكون امارة علي باقيه و قال بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا فظهر امتزاجه بغيره الغير الموجب لتعيبه. فالظاهر صحة البيع و عدم ثبوت الخيار اصلا لأنه

اشتري السمن الموجود في هذه العكة و لا يقدح الجهل بوزنه للعلم به مع الظرف

______________________________

اما الخبر الأول: فعن الجواهر: كون الخيار لتبعض الصفقة، بدعوي اشتمال المبيع علي الزيت و غيره، مع ان المقصود هو الزيت.

و فيه: ان ظاهر قوله فليس عليه ان يرده و قوله فله ان يرده صحة البيع بالنسبة الي تمام ما في الزق، إذ لارد بدون الملك، فالقول بتبعض الصفقة خلاف الظاهر، بل الظاهر منه كون الخيار للعيب.

و ظاهر الخبر هو التفصيل بين العلم بجريان العادة علي انضمام الدردي الي الزيت و عدمه لا العلم التفصيلي بوجود الدردي، و هذا ينطبق علي ما ذكرناه من مقتضي القاعدة.

و أما الخبر الثاني: فظاهره كون الخيار لتبعض الصفقة و كون الرب متميزا عن السمن، لاحظ قوله فوجد فيها ربا اي وجد في العكة ربا، و قول البائع انما بعته منه حكرة اي جملة، فان ظاهر ذلك كون ما في العكة سمنا و ربا لا سمنا معيبا بما فيه من الرب و علي أي حال فكما في المتن.

(1) توجيهه بما يطابق القواعد مشكل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 190

و المفروض معرفة نوعه بملاحظة شي ء منها بفتح رأس العكة فلا عيب و لا تبعض صفقة الا ان يقال ان اطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا فيلحق بما سيجي ء في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار خاص و ان باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله بعتك ما في هذه العكة فتبين بعضه درديا صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة.

قال في التحرير لو اشتري سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد واخذ ما وجد من السمن بنسبة الثمن و

لو باع ما في العكة من الزيت علي انه كذا و كذا رطلا فتبين نقصه عنه لوجود الدردي صح البيع و كان للمشتري خيار تخلف الوصف أو الجزء علي الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة علي انها كذا و كذا، فظهر ناقصا و لو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت. فالظاهر عدم صحة البيع و ان عرف وزن المجموع مع العكة لأن كفاية معرفة وزنه الظرف و المظروف، انما هي من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع، كما علم بوزن مجموع الظرف و المظروف لكن علم بوجود صخرة في الزيت مجهولة الوزن.

______________________________

حيث انه حكم (عليه السلام) باداء السمن بكيل الرب، مع ان الخيار ان كان للعيب فلا يستحق الا الرد أو الارش، و ان كان لتبعض الصفقة بطل البيع بالنسبة الي الرب، و له الرد بالاضافة الي السمن، و علي التقديرين لا يستحق السمن بدل الرب،

و حمله علي كون المبيع كليا و اداء العكة الخاصة وفاء خلاف الظاهر لاحظ قوله انما بعته منك حكرة فانه كالصريح في كون المعاملة واقعة علي العكة الشخصية، إذ لا معني لكون كلي السمن المبيع حكرة،

و المتعين في توجيهه بناء علي كون الخيار للتبعض ان يقال: ان المراد من قوله لك بكيل الرب سمنا استحقاق ثمن ذلك المقدار من السمن،

بتقريب: ان قوله سمنا تمييز لكيل الرب لا انه مبتدأ لقوله لك و قوله بكيل الرب ايضا لا يكون مبتدأ لمكان الباء بل المبتدأ محذوف، و هو الثمن فالمعني: لك الثمن بمقدار السمن الموازي للرب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 191

مسألة: قد عرفت ان مطلق المرض عيب خصوصا الجنون و البرص و الجذام و القرن،

و لكن يختص هذه الأربعة من بيع

العيوب بأنها لو حدثت الي سنة من يوم العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرد و الارش هذا هو المشهور، و يدل عليه ما استفيض عن مولانا ابي الحسن الرضا (عليه السلام).

ففي رواية علي بن اسباط عنه في حديث خيار الثلاثة ان احداث السنة ترد بعد السنة، قلت: و ما احداث السنة قال الجنون و الجذام و البرص و القرن، فمن اشتري فحدث فيه هذه الاحداث فالحكم ان يرد علي صاحبه الي تمام السنة من يوم اشتراه.

و في رواية ابن فضال المحكية عن الخصال في أربعة أشياء خيار سنة الجنون و الجذام و القرن و البرص. و في رواية اخري له عنه (عليه السلام) قال ترد الجارية مع اربع خصال من الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة. هكذا في التهذيب.

و في الكافي القرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر و تخرج الصدر،

انتهي.

و مراده ان الحدب ليس خامسا لها لأن القرن يرجع الي حدب في الفرج لكن المعروف انه عظم في الفرج كالسن يمنع الوطء.

و في الصحيح عن محمد بن علي قيل و هو مجهول و احتمل بعض كونه الحلبي عنه (عليه السلام) قال يرد المملوك من احداث السنة من الجنون و البرص و القرن. قال: قلت و كيف يرد من احداث، فقال: هذا اول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة رددت علي صاحبه. و هذه الرواية لم يذكر فيها الجذام مع ورودها في مقام التحديد و الضبط لهذه الامور فيمكن ان يدعي معارضتها لباقي الاخبار المتقدمة.

و من هنا استشكل المحقق الاردبيلي في الجذام و ليس التعارض من باب المطلق و المقيد

كما ذكره في الحدائق ردا علي الاردبيلي (رحمه الله) إلا ان يريد ان التعارض يشبه تعارض المطلق و المقيد في وجوب العمل بما لا يجري فيه احتمال يجري في معارضه و هو هنا احتمال سهو الراوي في ترك ذكر الجذام فإنه اقرب الاحتمالات المتطرقة فيما نحن فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 192

و يمكن ان يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها علي المشتري بمجرد حدوث الجذام فلا معني للرد و حينئذ فيشكل الحكم بالرد في باقي الاخبار و وجهه في المسالك بأن عتقه علي المشتري موقوف علي ظهور الجذام بالفعل و يكفي في العيب الموجب للخيار وجود مادته في نفس الامر و ان لم يظهر فيكون سبب الخيار مقدما علي سبب العتق. فإن فسخ انعتق علي البائع و ان امضي انعتق علي المشتري.

و فيه أولا: ان ظاهر هذه الاخبار ان سبب الخيار ظهور هذه الامراض لأنه المعني بقوله فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة و لو لا ذلك لكفي وجود موادها في السنة، و ان تأخر ظهورها عنها و لو بقليل بحيث يكشف عن وجود المادة قبل انقضاء السنة و هذا مما لا أظن احدا يلتزمه مع انه لو كان الموجب للخيار هي مواد هذه الامراض كان ظهورها زيادة في العيب حادثة في يد المشتري، فلتكن مانعة من الرد لعدم قيام المال بعينه حينئذ، فيكون في التزام خروج هذه العيوب من عموم كون النقص الحادث مانعا عن الرد تخصيصا آخر للعمومات.

و ثانيا: ان سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطرو سببه بل ينبغي ان يكون الانعتاق القهري سببه مانعا شرعيا، بمنزلة المانع العقلي عن الرد كالموت. و لذا

لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام فلا اظن احدا يلتزم عدم الانعتاق الا بعد لزوم البيع خصوصا مع بناء العتق علي التغليب هذا.

و لكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة و الإجماع المدعي في السرائر و الغنية مشكل فيمكن العمل بها في موردها أو الحكم من أجلها بأن تقدم سبب الخيار يوجب توقف الانعتاق علي إمضاء العقد و لو في غير المقام ثمّ لو فسخ المشتري فانعتاقه علي البائع موقوف علي دلالة الدليل علي عدم جواز تملك المجذوم لا ان جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام في ملكه، ثمّ إن زيادة القرن ليس في كلام الأكثر فيظهر منهم العدم فنسبة المسالك الحكم في الأربعة إلي المشهور كأنه لاستظهار ذلك من ذكره في الدروس ساكتا عن الخلاف فيه.

و عن التحرير نسبه الي ابي علي و في مفتاح الكرامة انه لم يظفر بقائل غير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 193

الشهيدين و ابي علي و من هنا تأمل المحقق الاردبيلي من عدم صحة الاخبار و فقد الانجبار، ثمّ ان ظاهر اطلاق الاخبار علي وجه يبعد التقييد فيها شمول الحكم لصورة التصرف لكن المشهور تقييد الحكم بغيرها و نسب إليهم جواز الارش قبل التصرف و تعينه بعده و الاخبار خالية عنه و كلاهما مشكل الا أن الظن من كلمات بعض عدم الخلاف الصريح فيهما لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطي و الشيخ و ابن زهرة لم يذكر التصرف و لا الأرش.

نعم ظاهر الحلي الاجماع علي تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة و ان هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونة الا ان الفارق ضمان هذه إذا حدثت في السنة بعد القبض

و انقضاء الخيار و لو ثبت ان اصل هذه الامراض تكمن قبل سنة من ظهورها و ثبت ان اخذ الارش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابق للقاعدة ثبت الارش هنا بملاحظة التعيب بمادة هذه الامراض الكامنة في المبيع لا بهذه الامراض الظاهرة فيه.

قال في المقنعة و يرد العبد و الأمة من الجنون و الجذام و البرص ما بين ابتياعها و بين سنة واحدة و لا يرد ان بعد سنة و ذلك ان اصل هذه الامراض يتقدم ظهورها بسنة و لا يتقدم بأزيد فإن وطئ المبتاع الامة في هذه السنة لم يجز له ردها و كان له قيمة ما بينها صحيحة و سقيمة، انتهي.

و ظاهره ان نفس هذه الامراض يتقدم بسنة و لذا أورد عليه في السرائر ان هذا موجب لانعتاق المملوك علي البائع فلا يصح البيع و يمكن ان يريد به ما ذكرنا من ارادة مواد هذه الامراض.

خاتمة: في عيوب متفرقة

قال في التذكرة: ان الكفر ليس عيبا في العبد و لا الجارية، ثمّ استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا في الجارية إذا منع الاستمتاع كالتمجس و التوثن دون التهود و التنصر، و الاقوي كونه موجبا للرد في غير المجلوب و ان كان اصلا في المماليك الا ان الغالب في غير المجلوب الاسلام فهو نقص موجب لتنفر الطباع عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 194

خصوصا بما حظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات.

نعم الظاهر عدم الارش فيه لعدم صدق العيب عليه عرفا و عدم كونه نقصا أو زيادة في اصل الخلقة و لو ظهرت الامة محرمة علي المشتري برضاع أو نسب،

فالظاهر عدم الرد به لأنه لا يعد نقصا بالنوع و لا عبرة بخصوص المشتري و لو ظهر ممن

ينعتق عليه، فكذلك كما في التذكرة معللا بأنه ليس نقصا عند كل الناس و عدم نقص ماليته عند غيره. و في التذكرة لو ظهر ان البائع باعه وكالة أو ولاية أو وصاية أو امانة، ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال.

اقول الا قوي عدمه. و كذا لو اشتري ما عليه اثر الوقف. نعم لو كان عليه امارة قوية لم يبعد كونه موجبا للرد لقلة رغبة الناس في تملك مثله و تأثير ذلك في نقصان قيمته عن قيمة اصل الشي ء لو خلي و طبعه اثرا بينا و ذكر في التذكرة ان الصيام و الاحرام و الاعتداد ليست عيوبا.

اقول اما عدم ايجابها الارش فلا اشكال فيه. و أما عدم ايجابها الرد ففيه اشكال إذا فات بها الانتفاع في مدة طويلة فإنه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا.

و قال ايضا إذا كان المملوك نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو شاربا للخمر أو مقامرا ففي كون هذه عيوبا اشكال اقربه العدم.

و قال لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيئ الادب أو ولد زنا أو مغنيا أو حجاما أو اكولا أو زهيدا فلا رد و يرد الدابة بالزهادة، و كون الامة عقيما لا يوجب الرد لعدم القطع بتحققه فربما كان من الزوج أو لعارض، انتهي.

و مراده العارض الاتفاقي لا المرض العارضي قال في التذكرة في آخر ذكر موجبات الرد: و الضابط ان الرد يثبت بكلما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط ان يكون الغالب في امثال المبيع عدمه،

انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 195

القول في الارش
اشارة

و هو (1) لغة، كما في الصحاح و عن المصباح دية الجراحات،

عن القاموس انه الدية

و يظهر من الاولين انه في الاصل اسم للفساد، و يطلق في كلام الفقهاء علي مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن، و لم يقدر له في الشرع مقدر، و عن حواشي الشهيد قدس سره انه يطلق بالاشتراك اللفظي علي معان:

منها ما نحن فيه، و منها نقص القيمة لجناية الانسان علي عبد غيره في غير المقدر الشرعي و منها ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية، كقطع يد العبد. و منها اكثر الامرين من المقدر الشرعي و الارش، و هو ما تلف بجناية الغاصب، انتهي.

و في جعل ذلك من الاشتراك اللفظي اشارة الي ان هذا اللفظ قد اصطلح في خصوص كل من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعني اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها و بين الآخر، فلا يكون مشتركا معنويا بينهما و لا حقيقة و مجازا. فهي كلها منقولات عن المعني اللغوي بعلاقة الاطلاق و التقييد و ما ذكرناه في تعريف الارش، فهو كلي انتزاعي عن تلك المعاني، كما يظهر بالتأمل.

و كيف كان، فقد ظهر من تعريف الارش انه لا يثبت الا مع ضمان النقص المذكور (2)

______________________________

الارش-

ضمانه خارج عن الضمانين

(1) القول في الارش، و هو بحسب المتفاهم العرفي له معني متعارف فيما نحن فيه و هو ما به تتفاوت قيمة الصحيح و المعيب،

و لا يهمنا البحث في انه في اللغة له معني واحد أو معان متعددة، و كونه من قبيل الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة، و المجاز و انه في اصطلاح الفقهاء الذي يطلق علي معان هل لتلك المعاني جامع ام لا لعدم ترتب اثر عليه.

(2) قوله فقد ظهر من تعريف الارش انه لا يثبت الا مع ضمان النقص

المذكور ستعرف انه ليس من ضمان اليد و لا ضمان المعاوضة بل هو خارج عن الضمانين فهو ثابت من دون ضمان الوصف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 196

ثمّ ان ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص (1) و هو الاصل، فإن كان مضمونا بقيمته كالمغصوب و المستام و شبههما، و يسمي ضمان اليد كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة إذا وزعت علي الكل، و ان كان مضمونا بعوض بمعني ان فواته يوجب عدم تملك عوضه المسمي في المعاوضة و يسمي ضمانه ضمان المعاوضة كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض إذا وزع علي مجموع الناقص و المنقوص لا نفس قيمة العيب، لان الجزء تابع للكل في الصمان. و لذا عرف جماعة الارش في عيب المثمن فيما نحن فيه: بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت بين الصحيح و المعيب الي الصحيح، و ذلك لأن ضمان تمام المبيع الصحيح علي البائع ضمان المعاوضة بمعني ان البائع ضامن لتسليم المبيع تاما الي المشتري فإذا فاته تسليم بعضه ضمنه بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته.

______________________________

(1) قوله ثمّ ان ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص فيه: ان تبعية الوصف للعين في موارد ضمان اليد و الاتلاف مسلمة و أما في مورد ضمان المعاوضة فتبعية الوصف تتوقف علي كونه كالجزء و ستعرف انه ليس كذلك و المصنف (رحمه الله) ايضا يعترف به و كيف كان فالكلام في المقام يقع في امور الأول: ان ضمان الارش المتعارف هل هو من ضمان اليد، أو من ضمان المعاوضة، ام يكون خارجا عن الضمانين؟

و الا وجه هو الأخير، فان ضمان اليد انما يكون فيما إذا تلف و هو في يده لا

في ما إذا كان تلفا قبل ان يقع في يده كما في المقام، و ضمان المعاوضة انما يكون فيما إذا كان ذلك الشي ء مضمونا في المعاملة كالجزء و الأوصاف، و منها وصف الصحة ليست كذلك، فانها لا تقابل بالمال، و لا تكون ماخوذة في المعاملة بعنوان العوضية، و لو ضمنا، بل هي توجب زيادة قيمة الذات، ففي المعاملات تكون بمنزلة الداعي لبذل مقدار من الثمن بازاء الذات زائدا عما يبذل بازائه لولاها،

و الضمان الثابت بمقتضي قاعدة التلف في زمان الخيار، أو قبل القبض علي فرض شمول القاعدتين لتلف الوصف، انما هو فيما إذا كان التلف واردا علي المعقود عليه، و لا تشملان ما إذا كان العقد واردا علي التالف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 197

نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء، كأكثر النصوص، يوهم ارادة قيمة العيب كلها الا انها محمولة علي الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما فيها من ان البائع يرد علي المشتري، و ظاهره كون المردود شيئا من الثمن (1) الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد علي الثمن في بعض الاوقات كما إذا اشتري جارية بدينارين و كان معيبها تسوي مائة و صحيحها تسوي ازيد، فيلزم استحقاق مائة دينار فإذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلا بقرينة عدم صدق الرد و الاسترجاع تعين كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن، فإذا بني الامر علي ملاحظة الغلبة فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الاشياء من اهلها في اسواقها بقيمتها المتعارفة. و قد توهم بعض من لا تحصيل له ان العيب إذا كان في الثمن كان ارشه تمام التفاوت بين الصحيح

و المعيب و منشؤه ما يتراءي في الغالب من وقوع الثمن في الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع، فإذا ظهر معيبا وجب تصحيحه

______________________________

الملحوظ هو التفاوت بالنسبة

الثاني: ان الارش المضمون علي البائع هل هو ما به يتفاوت الصحيح و المعيب بحسب القيمة الواقعية، أو يكون ملحوظا بالنسبة الي الثمن المسمي،

و بعبارة اخري: ان اللازم هو تدارك الوصف بقيمته الواقعية ام بقيمته التي اقدما عليها و جعلاها في المعاملة قيمة له بملاحظة منشئيّته لزيادة قيمة الذات، و هذا معني ان المراد بالتفاوت هل هو التفاوت الواقعي ام التفاوت بالنسبة،

و الكلام فيه تارة: فيما تقتضيه القواعد،

و اخري: فيما يقتضيه النص الخاص اما الأول: فقد ذكر في تقريب ان القاعدة تقتضي كون الارش بالنسبة الي المسمي وجوه:

(1) منها: ما عن جماعة منهم المصنف و هو: ان البائع قد تعهد وصف الصحة الذي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 198

ببذل تمام التفاوت و الا، فلو فرض انه اشتري عبدا بجارية تسوي معيبها اضعاف قيمته فإنه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها قطعا و كيف كان، فالظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف في ذلك و إن كان المتراءي من الاخبار خلافه إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه.

نعم يشكل الامر في المقام من جهة اخري و هي ان مقتضي ضمان وصف الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في ذلك المقدار لعدم مقابل له حين العقد كما هو شأن الجزء المفقود من المبيع، مع انه لم يقل به احد، و يلزم من ذلك ايضا تعين اخذ الارش من الثمن مع ان ظاهر جماعة عدم تعينه منه معللا بأنه غرامة.

و توضيحه ان الارش لتتميم المعيب حتي يصير مقابلا للثمن لا

لتنقيص الثمن حتي يصير مقابلا للمعيب. و لذا سمي ارشا كسائر الاروش المتداركة للنقائص فضمان العيب علي هذا الوجه خارج عن الضمانين المذكورين، لأن ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة الي الفائت المضمون و مقابله إذ لا معني له غير ضمان الشي ء و اجزائه بعوضه المسمي و اجزائه

______________________________

له مدخل في وجود مقدار من الثمن، و التزم به بازاء المسمي المبذول في مقابل الصحيح بما هو صحيح، و مقتضي ذلك تعين الخروج عن عهدة الوصف بالمقدار الذي له دخل في المسمي لا بأزيد من ذلك.

و فيه: ان الأوصاف الاخر غير وصف الصحة دخيلة في المالية ايضا، و مع ذلك التزموا بانه لو التزم بوجود وصف صريحا في العقد، و تخلف ثبت حق الرد خاصة، و ليس ذلك الا من جهة ان الوصف غير مقابل بشي ء من الثمن المسمي، فلا وجه لثبوت ازيد من حق الرد من قبل الالتزام الضمني.

و بالجملة: الالتزام بالوصف كان هو وصف الصحة أو غيره ليس التزاما بتداركه حتي يتوهم كون عهدته عليه بمقدار دخله في المسمي.

و منها: ما في حاشية السيد الفقيه (رحمه الله) و حاصله: ان وصف الصحة كسائر الأوصاف و ان لم يكن مقابلا بالمال في عالم الانشاء الا انه مقابل به في عالم اللب، بمعني ان زيادة بعض الثمن انما هي بلحاظ الوصف، فإذا فرض تخلفه وجب علي البائع ان يغرم ما فات من المشتري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 199

و الضمان الآخر يقتضي ضمان الشي ء بقيمته الواقعية، فلا اوثق من ان يقال ان مقتضي المعاوضة عرفا هو عدم مقابلة وصف الصحة بشي ء من الثمن لأنه امر معنوي كسائر الاوصاف. و لذا لو قابل المعيب بما هو انقص منه قدرا

حصل الربا من جهة صدق الزيادة و عدم عد العيب نقصا يتدارك بشي ء من مقابله الا ان الدليل من النص و الاجماع دل علي ضمان هذا الوصف من بين الاوصاف و كونه في عهدة البائع بمعني وجود تداركه بمقدار من الثمن يضاف الي ما يقابل بأصل المبيع لاجل اتصافه بوصف الصحة، فإن هذا الوصف كسائر الاوصاف و ان لم يقابله شي ء من الثمن، لكن له مدخل في وجود مقدار من الثمن (1) و عدمه، فإذا تعهده البائع كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بأداء ما كان يلاحظ من الثمن لأجله و للمشتري ايضا اسقاط هذا الالتزام عنه.

______________________________

و ما اغترم بملاحظة ذلك الوصف.

و بالجملة: ان ضمان الارش ضمان المعاوضة اللبية، و لازمه انفساخ تلك المعاملة لا المعاوضة الحسية الانشائية، و مقتضاه جواز تغريمه بما اعطاه من غير مقابل في عالم اللب و فيه: ان المعاوضة التي لم يجعل في عالم الانشاء لها مبرز لا يترتب عليها اثر من الانفساخ أو التغريم أو غيرهما.

و منها: و هو الحق، و هو: ان مقتضي الارتكاز العقلائي، و بناء العقلاء بعد ورود الدليل علي ثبوت الارش ذلك، و بعبارة اخري ان اصل ثبوت الارش و ان كان بتعبد من الشارع الا انه بعد ورود الدليل عليه، الارتكاز العرفي و بناء العقلاء علي ان الملحوظ ليس هو تفاوت الصحيح و المعيب بحسب القيمة الواقعية الذي ربما يزيد علي تمام الثمن، كما لو اشتري ما يسوي صحيحه مائتي دينار و معيبه مائة بعشرة دنانير، بل الملحوظ هو التفاوت بالنسبة الي الثمن المسمي،

و لعل السر فيه ان ثبوت الارش في المقام ليس تعبدا صرفا، فلا بد له من منشأ عقلائي، و لا وجه

عقلائي له سوي اقدام المتبايعين علي بذل مقدار من الثمن لأجل وجوده،

فعند التخلف يكون منافيا لذلك المقدار و لعله الي ذلك نظر المصنف حيث قال.

(1) لكن له مدخل في وجود مقدار من الثمن الي آخر ما يقيده

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 200

______________________________

و أما الثاني: اي ما تقتضيه الأخبار،

فمحصل القول فيه: ان نصوص الباب علي طوائف،

و قد ادعي المصنف (رحمه الله) في كلام له قبل اسطر ظهور اغلبها في ارادة قيمة العيب كلها،

و في حاشية السيد: بل هو ظاهر جميعها،

و لكن الحق ان جملة منها مجملة قابلة للحمل علي كل واحد من المعنيين،

و جملة منها ظاهرة في ارادة ملاحظة التفاوت بالنسبة الي المسمي.

اما الاولي فهي طائفتان:

الاولي: ما اشتمل علي اخذ ارش العيب كقوله (عليه السلام) في خبر حماد بن عيسي: و له ارش العيب «1».

الثانية: ما اشتمل علي اخذ قيمة العيب كقوله (عليه السلام) في خبر محمد بن ميسر: و لكن يرجع بقيمة العيب. «2» لأن للقيمة فردين جعلي و واقعي.

و أما الثانية فهي طوائف:

الاولي: ما تضمن كلمة الرد كقوله (عليه السلام) في خبر منصور بن حازم: و لكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب. «3» فان الظاهر من الرد عدم زيادة المردود من الثمن، بل نقصانه منه،

و لو كان اللازم رد تمام قيمة العيب لزاد علي الثمن في بعض الأوقات كالمثال المتقدم.

الثانية: ما اشتمل علي كلمة الفضل كخبر طلحة بن زيد: ثمّ يرد البائع علي المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء. «4» إذ لا مناسبة لهذا التعبير الا بلحاظ ما وصل إلي البائع من الزيادة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 7.

(2) نفس المصدر حديث 8.

(3) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام

العيوب حديث 3.

(4) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 201

نعم يبقي الكلام في كون هذا الضمان المخالف للاصل بعين بعض الثمن كما هو ظاهر تعريف الارش في كلام الاكثر بأنه جزء من الثمن أو بمقداره، كما هو مختار العلامة في صريح التذكرة و ظاهر غيرها و الشهيدين في كتبهما وجهان: تردد بينهما في جامع المقاصد و اقواهما الثاني (1) لأصالة عدم تسلط المشتري علي شي ء من الثمن و براءة ذمة البائع من وجوب دفعه، لان المتيقن من مخالفة الاصل ضمان البائع لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدار وقع الاقدام من المتعاقدين علي زيادته علي الثمن لداعي وجود هذه الصفة لا في مقابلها مضافا الي اطلاق قوله (عليه السلام)

بجزء من عين الثمن عدا ما يتراءي من ظاهر التعبير في روايات الارش عن تدارك العيب برد التفاوت الي المشتري،

______________________________

الثالثة: ما تضمن انه يرد بقدر العيب من الثمن، الظاهر في كون المردود بعضا من الثمن، كقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء، و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1».

و قوله (صلي الله عليه و آله) في صحيح ابن سنان: و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها «2».

فتحصل مما ذكرناه: ان مقتضي القواعد و النصوص هو ما لا خلاف فيه بين الأصحاب من انه يلاحظ التفاوت بالنسبة إلي المسمي.

هذا الضمان انما هو بمقدار بعض الثمن لا بعينه

الثالث: ان هذا الضمان هل هو بعين بعض الثمن كما عن ظاهر الأكثر،

(1) أو بمقداره كما في المتن و عن جمع من الاساطين وجهان و تنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

احدهما: فيما يقتضيه الاصل و القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام

الخيار حديث 2.

(2) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 202

الظاهر في كون المردود شيئا كان عنده اولا و هو بعض الثمن، (1) لكن التأمل التام يقضي بأن هذا التعبير وقع بملاحظة ان الغالب وصول الثمن الي البائع و كونه من النقدين، فالرد باعتبار النوع لا الشخص (2) و من ذلك ظهر ان قوله (عليه السلام) في رواية ابن سنان. و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان كان فيها

______________________________

ثانيهما: فيما يستفاد من النصوص الخاصة.

اما المورد الأول: فالارش ليس تكليفا محضا لكونه قابلا للاسقاط،

و لا كليا ذميا إذ لا يتصور التخيير بين الرد و اشتغال الذمة،

و لا ملكا مشاعا إذ الملك لا يقبل الاسقاط،

بل هو تغريم البائع بما به التفاوت، و عليه فالشك في المقام انما هو في ان البائع يستحق التغريم من الثمن المسمي، أو بما به التفاوت مطلقا.

و علي الأول للبائع الامتناع من قبول ما دفع من غير المسمي،

و علي الثاني ليس له ذلك، فليس المقام من قبيل الدوران بين المتباينين، بل بين المطلق و المقيد، و وجوب دفع العوض عن وصف الصحة معلوم و خصوصية كونه من المسمي مشكوك فيها، و الأصل عدم اعتبارها.

(1) و أما المورد الثاني: فالنصوص علي طوائف:

الأولي: ما تضمن اخذ ارش العيب «1».

الثانية: ما تضمن اخذ قيمة العيب «2».

و هاتان الطائفتان مطلقتان، و مقتضي اطلاقهما كفاية التدارك من غير الثمن.

الثالثة: ما عبر فيه عن تدارك العيب برد التفاوت الي المشتري «3» و قد يتوهم دلالتها علي تعين كونه من الثمن، إذ ظاهر الرد كون المردود ما كان عنده اولا و هو بعض الثمن.

(2) و اجاب عنه المصنف (رحمه الله): بان هذا التعبير

وقع بملاحظة ان الغالب وصول الثمن

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 7.

(2) نفس المصدر حديث 8.

(3) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 203

محمول علي الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري، (1) فإذا اشتغلت ذمة البائع بالارش حسب المشتري عند اداء الثمن ما في ذمته عليه،

______________________________

الي البائع، و كونه من النقدين، فالرد باعتبار النوع لا الشخص.

يتم ما افاده، علي فرض حمله علي الغالب: فان خصوصية النقدين ملغاة عند العقلاء، بحيث يعدونها مالية محضة، فان رد فردا غير ما اخذ يصدق عرفا انه رد نفس ما اخذ،

الا ان الكلام في وجه هذا الحمل، فانه خلاف الظاهر يحتاج إلي قرينة، و عليه فبعد الاخذ باطلاقه لا مناص عن البناء علي تعين كونه من الثمن.

نعم يمكن ان يقال: ان المردود غير مذكور في النصوص المشار إليها الا في بعضها الذي سيمر عليك، و عليه فمن الجائز كون المردود هو مالية مقدار من الثمن، و عليه فيلائم ذلك مع الرد من غير الثمن بالتقريب المتقدم.

الرابعة: ما تضمن انه يرد بقدر العيب من الثمن، كقوله (عليه السلام) في خبر ابن سنان:

و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها «1».

و قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «2».

(1) و اجاب عن ذلك في المتن: بانهما يحملان علي الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري، فإذا اشتغلت ذمة البائع بالارش حسب المشتري عند اداء الثمن ما في ذمته عليه.

و يرد عليه ما تقدم من انه لا وجه للحمل علي الغالب.

و الحق

ان يورد عليه: بانه من المحتمل كون ذكر الثمن لبيان كون التفاوت ملحوظا بالاضافة الي الثمن المسمي لا لبيان مخرجية الثمن، فيكون مفادهما ملاحظة التفاوت بالنسبة إلي المسمي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 204

ثمّ علي المختار من عدم تعينه من عين الثمن.

فالظاهر تعينه من النقدين (1) لانهما الاصل في ضمان المضمونات الا ان يتراضي غيرهما من باب الوفاء أو المعاوضة، و استظهر المحقق الثاني من عبارة القواعد و التحرير بل الدروس عدم تعينه منهما، (2) حيث حكما في باب الصرف بأنه لو وجد عيب في احد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز اخذ الارش من غير النقدين و لم يجز منهما،

______________________________

فتحصل: ان الاظهر كون هذا الضمان بمقدار بعض الثمن لا بعينه.

يعتبر كون الارش من النقدين

الرابع: انه علي المختار من عدم تعين الارش من عين الثمن.

(1) فهل يتعين ان يكون من النقدين كما في المتن ام لا؟

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في بيان مراد المصنف (رحمه الله)

الثاني: في بيان ما هو الحق.

اما الأول: فمحصل ما في المتن: ان الظاهر تعين كونه من النقدين، لأن المضمون ليس الا المالية المحضة، و ليس في الأعيان الخارجية ما هو كذلك الا النقد،

(2) و المحقق الثاني: استظهر من كلام العلامة عدم تعين ذلك حيث انه ذكر ان احد العوضين المتخالفين في الصرف إذا كان معيبا و ظهر العيب بعد التفرق جاز اخذ الارش من غير النقدين و لم يجز منهما.

توضيح ما افاده: ان الارش حيث انه يكون عنده تتميما للمعيب ليساوي الصحيح و تتميما للمعاوضة فلا يجوز عنده اداء النقد ارشا بعد التفرق عن مجلس الصرف، لأن تتميم

المعاملة الصرفية بعد التفرق ينافي اعتبار التقابض في المجلس، و هذا بخلاف اداء غير النقد،

فانه حينئذ تنحل المعاملة الي صرفية و غير صرفية، و التفرق في الثانية لا منع عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 205

فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية انما يرجع فيها الي النقدين، فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان في احدهما (1) و يمكن رفع هذا الاشكال بأن المضمون بالنقدين هي الاموال المتعينة المستقرة و الثابت هنا ليس مالا في الذمة و إلا بطل البيع، (2) فيما قابله من الصحيح لعدم وصول عوضه قبل التفرق و إنما هو حق لو اعمله جاز له مطالبة المال، فإذا اختار الارش من غير النقدين ابتداء و رضي به الآخر فمختاره نفس الارش لا عوض عنه.

نعم للآخر الامتناع منه لعدم تعينه عليه، كما ان لذي الخيار مطالبة النقدين في غير هذا المقام و ان لم يكن للآخر الامتناع حينئذ.

و بالجملة فليس هنا شي ء معين ثابت في الذمة الا ان دفع غير النقدين يتوقف علي رضا ذي الخيار و يكون نفس الارش بخلاف دفع النقدين، فإنه إذا اختير غير هما لم يتعين للارشية

______________________________

(1) و اورد عليه المحقق الثاني (رحمه الله) بما توضيحه: ان الغرامات تتعين في النقدين في سائر الموارد، و غرامة احد النقدين اولي بان يكون منهما، و لازم ذلك عدم امكان الأداء من غير النقدين في الفرض، لأن ما يستحقه المشتري هو النقد.

(2) و اجاب المصنف (رحمه الله) عن ذلك: بانه فرق بين الغرامة الارشية و غيرها و ان في غيرها يتعين النقد، و لو تراضيا علي غيره يكون هو بدلا عما يستحقه، و في الغرامة الارشية و ان كان يتعين النقد الا انه لو تراضيا علي غيره

كان هو عين ما يستحقه ارشا لا بد له،

و يتضح ما افاده ببيان امرين:

احدهما: انه في سائر الغرامات حيث تكون الذمة مشغولة فلا بد و ان يكون لما في الذمة تعين اما بكونه هي المالية بشرط عدم الخصوصية و لا مطابق لها الا النقد، أو كونه هي المالية بشرط الخصوصية، أو كونه هي المالية لا بشرط وجود خصوصية و لا بشرط عدمها.

و لازم الاعتبار الأول عدم كفاية غير النقد الا بدلا لعدم مطابقة بشرط شي ء لما هو بشرط لا، و أما الغرامة الارشية فقد مر انه لا تشتغل بها الذمة، فلا يلزم ان يكون لها تعين،

بل لا معني له، و حيث انه لا تعين له فيمكن ان يكون ما يتعلق به حق التغريم بشرط لا،

و هو النقد عند النزاع في الخصوصيات، و بشرط شي ء عند التراضي علي خصوصية خاصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 206

ثمّ قد تبين مما ذكرنا في معني الارش انه لا يكون الا مقدارا مساويا لبعض الثمن و لا يعقل ان يكون مستغرقا له، (1) لأن المعيب ان لم يكن مما يتمول و يبذل في مقابلة شي ء من المال بطل بيعه و إلا فلا بد من ان يبقي له من الثمن قسط. نعم ربما يتصور ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشي ء علي صفة التملك بناء علي ان مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ العقد به، بل يأخذ المشتري ارش العيب و هو هنا مقدار تمام الثمن، لكن عدم الحاقه بالتلف مشكل، بناء علي ان العيب إذا كان مضمونا علي البائع بمقتضي قوله (عليه السلام) ان حدث في الحيوان حدث فهو من مال

البائع حتي تنقضي خياره كان هذا العيب كأنه حدث في ملك البائع و المفروض انه إذا حدث مثل هذا في ملك البائع كان بيعه باطلا، لعدم كونه متمولا يبذل بازائه شي ء من المال فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا حدث مثل هذا بعده مضمونا علي البائع الا ان يمنع ذلك و ان ضمانه علي البائع بمعني الحكم بكون دركه عليه، فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا

______________________________

ثانيهما: انه لا كلام في صحة التراضي علي غير النقدين في الغرامات، و عليه: ففي غير الغرامة الارشية يكون ما تراضيا عليه بدلا عما يستحقه الثابت في الذمة.

و أما في الغرامة الارشية، فحيث انها غير ثابتة في الذمة فلا معني لكون ما تراضيا عليه بدلا، بل هو اداء عين ما يستحقه.

و بهذا البيان يظهر اندفاع ما اورده السيد الفقيه في الحاشية عليه- فراجع و تدبر كما انه ظهر ما هو الحق في المقام، و هو تعين كونه من النقدين الا مع التراضي.

الارش المستوعب لتمام القيمة

(1) الخامس: في تصور الارش المستوعب لتمام القيمة و الكلام فيه في موردين:

الأول فيما إذا ورد البيع علي المعيب.

الثاني: فيما إذا كان البيع قبل حدوث العيب و كان ذلك قبل القبض أو في زمان الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 207

الحكم لا مطلقا حتي ينفسخ العقد به، و يرجع هذا الملك الموجود الغير المتمول الي البائع، بل لو فرضنا حدوث العيب علي وجه اخرجه عن الملك فلا دليل علي الحاقه بالتلف، بل يبقي العين الغير المملوكة حقا للمشتري و إن لم يكن ملكا له كالخمر المتخذ للتخليل و يأخذ الثمن أو مقداره من البائع أرشا لا من باب انفساخ العقد هذا الا ان العلامة قدس سره في القواعد و

التذكرة و التحرير و محكي النهاية يظهر منه الارش المستوعب في العيب المتقدم علي العقد الذي ذكرنا انه لا يعقل فيه استيعاب الارش للثمن.

قال في القواعد: لو باع العبد الجاني خطأ ضمن اقل الامرين علي رأي،

و الارش علي رأي (1) و صح البيع ان كان موسرا، و إلا تخير المجني عليه و لو كان عمدا وقف علي اجازة المجني عليه و يضمن الاقل من الارش و القيمة لا الثمن معها، (2) و للمشتري الفسخ مع الجهل، فيرجع بالثمن أو الارش (3) فإن استوعب الجناية القيمة، فالارش ثمنه ايضا و إلا فقدر الارش (4) و لا يرجع لو كان عالما و له ان يفديه، كالمالك و لا يرجع به عليه،

______________________________

و قبل الشروع في البحث في الموردين لا بأس بشرح ما في القواعد،

(1) قوله ضمن اقل الامرين علي رأي و الارش علي رأي وجه ضمان الاقل ان زيادة الارش غير مضمونة علي المولي لان جناية العبد لا يضمنها سيده و لا يجني الجاني علي ازيد من نفسه و وجه ضمان الارش خاصة ان الاختيار بيد المولي فيكون البيع اختيارا للارش و التزاما بالفداء.

(2) قوله لا الثمن معها أي مع الاجازة، ه لصحمو انه مع اجازة المجني عليه البيع، يضمن المولي اقل الامر بن من ارش الجناية و قيمة العبد و لا يضمن الثمن إذ ربما زاد علي القيمة و الزائد ملك للمولي لانه كسب له في مقابل ماله و زيادة الارش ليست علي المولي لما سبق.

(3) قوله فيرجع بالثمن أو الارش أي لو فسخ يرجع بالثمن و لو لم يفسخ يرجع بالارش.

(4) قوله فان استوعب الجناية القيمة فالارش ثمنه ايضا و الا فقدر الارش و قد ذكروا في

بيان مراده (قدس سره) وجوها احسنها ما ذكره جمع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 208

و لو اقتص منه فلا رد و له الارش و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان من الثمن، انتهي.

و ذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب، و قال في اوائل البيع من التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني و لو كان المولي معسرا لم يسقط حق المجني عليه من الرقبة ما لم يجز البيع اولا فإن البائع انما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه و لا يحصل من ذمة المعسر فيبقي حق المجني عليه مقدما علي حق المشتري و يتخير المشتري الجاهل في الفسخ و يرجع بالثمن و به قال احمد و بعض الشافعية أو مع الاستيعاب لان ارش مثل هذا جميع ثمنه و ان لم يستوعب يرجع بقدر ارشه و لو كان عالما بتعلق الحق به فلا رجوع الي ان قال: و ان اوجبت الجناية قصاصا تخير المشتري الجاهل بين الارش و الرد فإن اقتص منه احتمل تعين الارش و هو قسط قيمة ما بينه جانيا و غير جان و لا يبطل البيع من اصله لأنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض و المرتد

______________________________

و هو ارش خيار العيب و استيفائه لتمام ما يوازي ثمنه فالمراد من ثمنه ما يوازي الثمن لا عينه.

اما الأول: فالكلام فيه تارة: في ما إذا كان النقص الوارد علي العين خارجيا موجبا لسلب المالية مع بقاء ذات المبيع كذهاب رائحة ماء الورد.

و اخري: فيما إذا كان نقصا اعتباريا من حيث تعلق حق الجناية به الموجب للاسترقاق أو القصاص أو دية كاملة مستوعبة لقيمة العبد.

اما

في الصورة الاولي: فالظاهر بطلان البيع، سواء كان ذلك النقص موجبا لسلب المالية خاصة أو ذلك مع سلبه الملكية كصيرورة الخل خمرا، إذ يعتبر في صحة البيع المالية علي ما حقق في محله.

و أما في الثانية: فالظاهر صحة البيع و عدم بطلانه و ان كان الارش مستوعبا للقيمة،

و ذلك لأن فساد العقد اما ان يكون لنقص في المالك، أو يكون لنقص في المال، و شي ء منهما ليس.

اما النقص في المالك: فلأن ما ذكر وجها له امران:

احدهما: خروج العبد عن ملك مولاه بمجرد الجناية كما عن المحقق التستري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 209

و قال أبو حنيفة و الشافعي يرجع بجميع ثمنه لأن تلفه لأمر استحق عليه عند البائع فجري مجري اتلافه، انتهي.

و قال في التحرير في بيع الجاني خطأ و لو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجني عليه عن رقبة العبد، و للمشتري الفسخ مع عدم علمه فإن فسخ رجع بالثمن و ان لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت يرجع المشتري بالثمن ايضا، و ان لم تستوعب قيمته رجع بقدر الارش و لو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد لم يرجع بشي ء و لو اختار المشتري ان يفديه جاز و رجع به علي البائع مع الاذن و إلا فلا، انتهي.

______________________________

ثانيهما: ان الجناية توجب عدم مالكية المولي للتصرف فيه لتعلق حق المجني عليه به.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن ظاهر بعض «1» النصوص و ان كان ذلك الا انه معارض بظاهر غيره من الأخبار «2» و مخالف للقاعدة.

و أما الثاني: فلأن حق الجناية يتبع العين ايا ما كانت، و لا يزول بالبيع، فلا يكون مانعا عنه.

و أما النقص في المال: فقد ذكر له وجوه:

منها: خروجه

عن المالية.

و فيه: ان استحقاق الاسترقاق لا يوجب سلب المالية، فان استحقاق التملك من مقتضيات المالية، فكيف يوجب سلبها، و هل هو الا كاستحقاق الشريك لتملك حصة شريكه من المشتري و جواز القصاص جواز لاعدام المالية لا انه هدر لها،

و أما الحكم بدية كاملة فهو ليس بعنوان استحقاق مالية الجاني، بل باستحقاق ما يوازي ماليته، فلا يوجب خروجه عن المالية.

و منها: خروجه عن الملكية.

و فيه: ان النص قد مر حاله، و الحكم بالقصاص تجويز لاخراجه عن ملكه لا انه

______________________________

(1) الوسائل- باب 41- من ابواب القصاص في النفس.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 210

قوله و انتزعت اما راجع الي رقبة العبد أو الي القيمة إذا باع المجني عليه واخذ قيمته و هذا القيد غير موجود في باقي عبارات العلامة في كتبه الثلاثة و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب قيمته. اما ان يكون له قيمة تبذل بازائه أولا.

و علي الثاني: فينبغي بطلان البيع، (1) و لو قيل ان انتزاعه عن ملك المشتري لحق كان عليه عند البائع يوجب غرامته علي البائع كان اللازم من ذلك مع بعده في نفسه ان يكون الحكم كذلك فيما لو اقتص من الجاني عمدا.

و قد عرفت من التذكرة و القواعد الحكم بقسط من الثمن فيه.

و بالجملة فالمسألة محل تأمل و الله العالم.

______________________________

مخرج، و لا يتوقف القصاص علي تملك المجني عليه فضلا عن حكمه، و جواز الاسترقاق لا يعقل كونه مخرجا للملك لأنه بنفسه مخرج و مزيل لها، و الحكم بالدية اوضح.

و منها: ان بذل المال بازاء العبد الجاني سفهي.

و فيه: اولا: انه لا دليل علي بطلان البيع السفهي، فان الدليل «1» دل علي بطلان بيع السفيه لا

البيع السفهي.

و ثانيا: انه مع احتمال العفو أو التفدية بشي ء يسير لا يكون الاقدام علي بيعه سفهيا.

و منها: كون المال متعلقا لحق الجناية، و هو مانع عن صحة البيع.

و فيه: ان هذا الحق، حيث انه لا ينافي نفوذ البيع كما تقدم، فلا يكون مانعا عنه.

(1) فتحصل: ان الاظهر صحة البيع مع كون النقص اعتباريا و ان كان الارش مستوعبا للقيمة، و ان ما افاده العلامة متين و لا يرد عليه ما اورده المصنف (رحمه الله).

و أما الثاني: و هو حصول النقص بعد البيع قبل القبض، فعدم كونه من قبيل

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب الحجر- النساء: 6

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 211

مسألة: يعرف الارش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب (1)

ليعرف التفاوت بينهما فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت و إذا لم يكن القيمة معلومه فلا بد من الرجوع الي العارف بها و هو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند اهل البلد أو اهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة كمن يخبر بأن هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا. و هذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة علي سائر المحسوسات من العدالة و الاخبار عن الحس و التعدد، و قد يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسته اشباه هذا الشي ء و ان لم يتفق اطلاعه علي مقدار رغبة الناس في امثاله

______________________________

تلف المبيع الموجب لانفساخ العقد إذا كان النقص اعتباريا و ان كان الارش مستوعبا للقيمة واضح مما قدمناه،

و أما ان كان النقص خارجيا، فقد يقال: انه ان اوجب سلب المالية يكون ذلك بحكم التلف الموجب للانفساخ، فلا يتصور الارش المستوعب للقيمة.

و لكن يمكن ان يرد: بان الموجب للانفساخ

تلف ذات المبيع لا ماليته. فتدبر.

نعم ان اوجب ذلك سلب الملكية ايضا امكن القول بالانفساخ من جهة انه ليس هناك شي ء له اقباض كي يترقب قبضه، فتأمل فان هذا لو تم فانما هو في ما اوجب سلب الحق، اي حق الاختصاص ايضا، و مما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف

التقويم

(1) و يعرف الارش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب، فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت، و إذا لم تكن القيمة معلومة فلا بد من الرجوع الي العارف بها،

و قد وقع الكلام في ان قول العارف من باب الشهادة أو الخبر.

و الوجوه التي ذكروها في الفرق بينهما كثيرة لا يهمّنا التعرض لها، إذ الشهادة لها معنيان:

احدهما: عام، و هو يشمل جميع موارد الخبر، و هي بهذا المعني ليست مورد الحكم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 212

و هذا يحتاج الي الصفات السابقة (1) و زيادة المعرفة و الخبرة بهذا الجنس و يقال له بهذا الاعتبار اهل الخبرة و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته علي تقدير العلم بالخصوصيات واضحة كالصائغ العارف باصناف الذهب و الفضة من حيث الجودة و الرداءة مع كون قيمة الجيد و الردي ء محفوظة عند الناس معروفة بينهم فقوله هذا قيمته كذا يريد به انه من جنس قيمته كذا و هذا في الحقيقة لا يدخل في المقوم و كذا القسم الأول فمرادهم بالمقوم هو الثاني.

______________________________

ثانيهما: خاص، و هو الاخبار الجازم عن حق لازم للغير من غير الحاكم، و هي بهذا المعني لا تصور في مورد الشك في صدقها. و بغير هذين المعنيين لم تؤخذ موضوعة لحكم حتي يتصدي لبيانه، فالصفح عن ذلك اولي.

ثمّ المختار علي ما حققناه في

حاشيتنا علي الكفاية حجية الخبر الواحد في الموضوعات الا ما خرج بالدليل: غاية الأمر فيما إذا كان المخبر عنه حسيا،

و ان كان حدسيا، فان كان المخبر من اهل ذلك الفن كان قوله حجة من باب حجية قول اهل الخبرة إذا عرفت هذا فاعلم: ان العارف بالقيمة تارة: يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسة اشباه هذا الشي ء و ان لم يتفق اطلاعه علي مقدار رغبة الناس في امثاله.

و اخري: يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر، مع كون قيمته علي تقدير العلم بالخصوصيات واضحة.

و ثالثة: يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند اهل البلد أو اهل الخبرة،

فان اخبر عن نظره و حدسه كان قوله حجة من باب انه من اهل الخبرة و يكون مقوما.

(1) قوله و هذا يحتاج الي الصفات السابقة يعني بها التعدد و الاخبار عن الحس و العدالة و يرد عليه انه لا يعتبر في الرجوع الي اهل الخبرة التعدد و لا كون الاخبار عن حس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 213

لكن الاظهر عدم التفرقة بين الاقسام من حيث اعتبار شروط القبول و ان احتمل في غير الاول الاكتفاء بالواحد. (1) اما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد و أما لاعتبار الظن في مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم و يلزم من طرح قول العادل الواحد و الأخذ بالاقل لأصالة براءة ذمة البائع تضييع حق المشتري في اكثر المقامات. و أما لعموم ما دل علي قبول قول العادل خرج منها ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الاول دون ما كان من قبيل الفتوي كالثاني لكونه ناشئا عن حدس و اجتهاد و تتبع الاشباه و الانظار و قياسه عليها حتي

انه يحكم لأجل ذلك بأنه ينبغي ان يبذل بازائه كذا و كذا و ان لم يوجد راغب يبذل له ذلك ثمّ لو تعذر معرفة القيمة لفقد اهل الخبرة أو توقفهم. ففي كفاية الظن أو الأخذ بالاقل وجهان (2) و يحتمل ضعيفا الاخذ بالأكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون الا به. (3)

______________________________

(1) قوله و ان احتمل في غير الاول الاكتفاء بالواحد بل الاظهر الاكتفاء بالواحد حتي في القسم الاول كما مرت الاشارة إليه.

(2) قوله ففي كفاية الظن أو الاخذ بالاقل وجهان الأوجه هو الثاني بناء علي ما هو الحق من كون الارش من باب الغرامة لا الانفساخ.

(3) و ما ذكره (رحمه الله) في وجه الاخذ بالاكثر من عدم العلم بتدارك العيب المضمون الا به و حاصله ان الشك في المقام في سقوط الحق الثابت و مقتضي الاستصحاب بقائه ما لم يؤد الاكثر غير تام فان منشأ الشك المزبور الشك في كيفية الثبوت و مع اجراء الاصل في الثبوت و اثبات ان متعلق الحق هو الاقل لا يبقي مورد للاصل المشار إليه.

تعارض المقومين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 214

مسألة: لو تعارض المقومون
اشارة

فيحتمل تقديم بينة الاقل للاصل و بينة الاكثر لانها مثبتة، و القرعة لأنها لكل أمر مشتبه، و الرجوع الي الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية، و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع،

و تخيير الحاكم لامتناع الجمع و فقد المرجح، لكن الاقوي من الكل ما عليه المعظم من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان، (1) لأن كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به، (2) فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه، فإذا قوم احدهما بعشرة، فقد قوم كلا من نصفه بخمسة، و

إذا قوم الآخر بثمانية، فقد قوم كلا من نصفه بأربعة، فيعمل بكل منهما في نصف المبيع، و قولاهما و ان كانا متعارضين في النصف ايضا، كالكل، فيلزم بما ذكر طرح كلا القولين في النصفين، الا ان طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر اولي في مقام امتثال أدلة العمل

______________________________

و لو تعارض المقومون ففيه وجوه، و بعضها اقوال:

(1) الاول: ما اختاره المصنف و نسبه الي معظم، و هو: وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان، فإذا قوم احد المقومين بعشرة مثلا فقد قوم كلا من نصفيه بخمسة، و إذا قوم الآخر بثمانية مثلا فقد قوم كلا من نصفيه باربعة، فيعمل بكل منهما بنصف المبيع.

الثاني: تقديم بينة الأكثر.

الثالث: الرجوع الي القرعة.

الرابع: الرجوع الي الصلح.

الخامس: تخيير الحاكم.

السادس: الرجوع الي المرجحات لتعارض البينتين من الاعدلية و الأكثرية و نحوهما.

السابع: تقديم بينة الأقل.

التاسع: التساقط و الرجوع الي الأصل.

اما الأول: فقد استدل له بوجهين:

(2) احدهما: ان كلا من الدليلين حجة شرعية يلزم العمل به، فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 215

بكل بينة من طرح كلتيهما أو إحداهما رأسا. و هذا معني قولهم إن الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما و لو من وجه أولي من طرح أحدهما رأسا.

و لذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة: الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البينتان في دار في يد رجلين يدعيهما كل منهما بل ما نحن فيه اولي بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالي لأن الاخذ بأحد هما كلية و ترك الآخر كذلك في التكاليف الشرعية الالهية لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعاة حق

الله سبحانه لرجوع الكل الي امتثال امر الله سبحانه بخلاف مقام التكليف بإحقاق حقوق الناس. فإن في التبعيض جمعا بين حقوق الناس و مراعاة للجميع و لو في الجملة. و لعل هذا هو السر في عدم تخيير الحاكم عند تعارض أسباب حقوق الناس في شي ء من الموارد.

______________________________

و كل منهما و ان تعارض الآخر في بعض مضمونه ايضا الا ان طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر اولي في مقام امتثال ادلة العمل بكل بينة من طرح كلتيهما أو احداهما رأسا، إذ الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما و لو من وجه اولي من طرح احد هما رأسا.

و فيه: ان المصنف (رحمه الله) قد حقق في الاصول ان قاعدة الجمع لا أساس لها، و انما يجمع بين الدليلين لو كان الجمع عرفيا، و الا فمقتضي القاعدة هو التساقط، و عليه فلا وجه لما افاده في المقام، و لا حجة في البين حتي يصدق في نصف مدلولها.

فان قلت: ان ما حققه في الاصول انما هو في الأحكام التكليفية علي الطريقية، و أما في باب الحقوق و الوضعيات التي تحدث المصلحة بسبب قيام الحجة علي الأمر الاعتباري كالملكية فلا يجري، بل حيث انه عند التزاحم لا يعقل اعتبار ملكية عين واحدة لشخصين بالاستقلال، و تقديم احدهما ترجيح بلا مرجح، و أما اعتبار ملكية نصفها لشخص و نصفها الآخر لشخص آخر فهو معقول و لا تزاحم بينهما من هذه الجهة، فلا بد من الاخذ به بداهة استحالة عدم تأثير السببين في ما لا تزاحم بينهما.

يرد عليك انه حيث يكون ما هو ملك بالاستقلال لشخص كل جزء منه ملكا له

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

216

و قد يستشكل ما ذكرنا تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق، لأن مرجع بينة النفي الي عدم وصول نظرها و حدسها الي الزيادة، فبينة الاثبات المدعية للزيادة سليمة (1) و اخري بان الجمع فرع عدم اعتضاد احدي البنيتين بمرجح و اصالة البراءة هنا مرجحة و للبينة الحاكمة بالاقل.

و ثالثة: بأن في الجمع مخالفة قطعية و ان كان فيه موافقة قطعية لكن التخيير الذي لا يكون فيه الا مخالفة احتمالية اولي منه و يندفع الاول بأن المفروض ان بينة النفي تشهد بالقطع علي نفي الزيادة واقعا، و ان بذل الزائد في مقابل المبيع سفه و يندفع الثاني بما قررناه في الاصول من ان الاصول الظاهرية لا تصير مرجحة للادلة الاجتهادية

______________________________

من جهة الانحلال لا انه ملك اشاعي له مع فرض عدم الشريك له في الملك،

فالبينتان متعارضتان حتي بالنسبة الي كل جزء، فان كلا منهما تدل علي ان العين بتمامها و باجزائها ملك استقلال لمن تثبت الملكية له، و أما النصفان علي الاشاعة و ان لم تكن البينتان متعارضتين بالاضافة اليهما، الا انهما ليسا مدلولي البينتين كي يقال انهما غير متزاحمتين فيهما الثاني: ان التنصيف جمع بين الحقين فيجب رعاية لهما.

و فيه: ان التنصيف فيما إذا كان حق ثابت مردد بين الشخصين كالمال المردد بين ان يكون لزيد أو عمرو لا كلام فيه، و عليه بناء العقلاء، و يستفاد من بعض «1» النصوص، و يعبر عنه بقاعدة العدل و الانصاف، و هذا لا ربط له بالمقام، فان الزائد عما اتفق عليه المقومان يدور امره بين الاستحقاق و عدمه لا استحقاق البائع و استحقاق المشتري فلا مورد للتنصيف من باب الجمع بين الحقين لعدم الموضوع.

(1) و استدل للثاني: بانه

لا تعارض بين البينتين، لان مرجح بينة النفي الي عدم وصول نظرها و حدسها الي الزيادة، فبينة الاثبات المدعية للزيادة سليمة.

و فيه: ان بينة الأقل تشهد بالقطع علي عدم الزيادة واقعا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب احكام الصلح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 217

بل تصلح مرجعا في المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لأجل التعارض كما في الظاهرين المتعارضين كالعامين من وجه المطابق احدهما للاصل، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

و الحاصل ان بينة الزيادة تثبت امرا مخالفا للاصل و معارضتها بالأخري النافية لها لا توجب سقوطها بالمرة لفقد المرجح فيجمع بين النفي و الاثبات في النصفين و يندفع الثالث بأن ترجيح الموافقة الاحتمالية الغير المشتملة علي المخالفة القطعية علي الموافقة القطعية المشتملة عليها. انما هو في مقام الاطاعة و المعصية الراجعتين الي الانقياد و التجري

______________________________

و استدل للثالث: بعموم ادلة القرعة، «1» اما لتشخيص الواقع، أو لتشخيص الدليل،

و بخصوص بعض ما ورد من النصوص في تعارض البينات الامر بالرجوع الي القرعة الشامل باطلاقه للمقام كصحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في شاهدين شهدا علي امر و جاء آخران فشهدا علي غير الذي شهدا و اختلفوا قال (عليه السلام): يقرع بينهم فايهم قرع فعليه اليمين و هو اولي بالحق. «2» و نحوه غيره.

و لكن يرد علي الأول منهما: ان القرعة مختصة بموارد عدم تشخيص الحكم و لو مع الأصل، اما لاختصاص موضوع الأدلة بذلك أو لتخصيصها بادلة الاصول و الامارات،

و عليه ففي المقام بما ان مقتضي اصالة البراءة عدم استحقاق الزائد، فلا وجه للرجوع الي القرعة،

مع ان دليل القرعة مختص بما إذا كان هناك حق ثابت، و

في المقام ثبوته غير معلوم كما تقدم.

و يرد علي الثاني: انه مختص بمورد الحكومة كما هو واضح، فلا وجه للتعدي.

و استدل للرابع: بان كلا من المتبايعين متشبث بحجة ظاهرية، و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 13- من ابواب كيفية الحكم كتاب القضاء.

(2) الوسائل- باب 12- من ابواب كيفية الحكم حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 218

حيث ان ترك التجري اولي من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام احقاق حقوق الناس فإن مراعاة الجميع اولي من اهمال احدهما رأسا و ان اشتمل علي اعمال الآخر إذ ليس الحق فيهما لواحد معين كما في حقوق الله سبحانه ثمّ ان قاعدة الجمع حاكمة علي دليل القرعة لأن المأمور به هو العمل بكل من الدليلين لا بالواقع المردد بينهما إذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع فهما سببان مؤثر ان بحكم الشارع في حقوق الناس فيجب مراعاتها و اعمال اسبابها بقدر الامكان إذ لا ينفع توفية حق واحد مع اهمال حق الآخر رأسا علي النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع،

______________________________

و فيه: ان مجرد عدم امكان الحلف- مع ان مقتضي الأصل عدم الاشتغال بالزائد- لا دليل علي كونه سببا لوجوب الصلح.

و استدل للخامس: بامتناع الجمع و فقد المرجح.

و فيه: اولا: انه لا ينحصر الكلام بمورد التنازع و الخصومة.

و ثانيا: انه لا وجه لتخيير الحاكم بعد عدم كون الواقع كذلك قطعا.

و استدل للسادس: بالنصوص «1».

و فيه: انها مختصة بصورة النزاع و الترافع الي الحاكم، و لا دليل علي التعدي.

و استدل للسابع: بان اصالة البراءة مرجحة للبينة الحاكمة بالأقل.

و فيه: ان الأصل لا يصلح مرجحا للدليل لكونه في طوله.

فتحصل: ان الأظهر هو القول الثامن و هو التساقط و

الرجوع الي الأصل، و هو يقتضي عدم الاشتغال بالزائد.

فان قلت: انك بنيت في الاصول علي ان الأصل في تعارض الامارات هو التخيير لا التساقط، فكيف لا تلتزم به في المقام؟

قلت: ان ذلك فيما يمكن فيه التخيير، و في المقام لا يصح، إذ لا معني لتخيير البائع و المشتري معا كما لا يخفي، و ترجيح احدهما بلا مرجح.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب كيفية الحكم كتاب القضاء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 219

ثمّ ان المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و من الثلث ثلثهما و من الأربع ربعهما و هكذا في المعيب. (1)

ثمّ يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح و بين المأخوذ للمعيب و يؤخذ بتلك النسبة فإذا كان احدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الاخري ستة و احدي قيمتي المعيب اربعة و الاخري اثنين (2) اخذ للصحيح تسعة و للمعيب ثلاثة و التفاوت

بالثلثين فيكون الارش ثلثي الثمن. و يمكن ايضا علي وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين بأن تعمل في نصفه بقول المثبت للزيادة. و في نصفه الآخر بقول النافي فإذا قومه احداهما باثني عشر و الاخري بثمانية اخذ في نصف الاربعة بقول المثبت و في نصفها الآخر بقول النافي جمعا بين حقي البائع و المشتري

______________________________

طريق تحصيل التفاوت بين القيمتين

(1) المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح، فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و من الثلاث ثلثهما، و من الأربع ربعهما، و هكذا في المعيب، ثمّ يلاحظ النسبة بين المأخوذ للمعيب، و يؤخذ بتلك النسبة.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في موارد:

الأول: في بيان مورد الكلام.

الثاني: في بيان الطريقين المذكورين للجمع.

الثالث: في بيان ان الطريقين هل يختلفان ام

لا.

الرابع: في بيان الصحيح منهما.

اما الأول: فمورد الكلام صورة التعارض، و الا فلو كان ما به التفاوت علي كل من القولين هو النصف مثلا فهو خارج عن محل الكلام لعدم التعارض لمكان اتحاد النتيجة بالنسبة الي المسمي.

و بذلك يظهر ان المثال الأول الذي ذكره المصنف (رحمه الله) و هو.

(2) ما إذا كان احدي قيمتي الصحيح اثنتي عشر و الاخري ستة، و احدي قيمتي المعيب اربعة و الاخري اثنتين خارج عن محل الكلام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 220

لكن الاظهر هو الجمع علي النهج الأول و يحتمل الجمع بطريق آخر و هو ان يرجع الي البينة في مقدار التفاوت و يجمع بين البينات فيه من غير ملاحظة القيم و هذا منسوب الي الشهيد (قدس سره) علي ما في الروضة.

و حاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور فإن التفاوت الصحيح و المعيب علي قول كل من البينتين بالثلثين كما ذكرنا في الطريق الاول، و قد يختلفان كما إذا كانت احدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الاخري ثمانية و قيمة المعيب علي الاول عشرة و علي الثاني خمسة.

فعلي الأول: يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح اعني العشرة و نصف قيمتي المعيب و هو سبعة و نصف. فالتفاوت بالربع، فالارش ربع الثمن اعني ثلاثة من اثني عشر لو فرض الثمن اثني عشر.

و علي الثاني: يؤخذ التفاوت بين الصحيح و المعيب علي احدي البينتين بالسدس و علي الاخري ثلاثة اثمان و بنصف المجموع اعني ستة و نصفا من اثني عشر جزءا و يؤخذ نصفه و هو ثلاثة و ربع و قد كان في الاول ثلاثة و قد ينقص عن الاول كما إذا اتفقا علي ان قيمة المعيب ستة. و

قال احداهما قيمة الصحيح ثمانية، و قال الاخري عشرة.

فعلي الأول: يجمع القيمتان و يؤخذ نصفهما تسعة و نسبته الي الستة بالثلث.

و علي الثاني: يكون التفاوت علي إحدي البينتين ربعا و علي الاخري خمسين فيؤخذ نصف الربع و نصف الخمسين، فيكون ثمنا و خمسا و هو ناقص عن الثلث بنصف خمس.

توضيح هذا المقام ان الاختلاف اما ان يكون في الصحيح فقط، مع اتفاقهما علي المعيب، و أما ان يكون في المعيب فقط، و أما ان يكون فيهما، فان كان في الصحيح فقط كما في المثال الاخير فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما لأنك قد عرفت ان الملحوظ علي طريق المشهور نسبة المعيب الي مجموع نصفي قيمتي الصحيح المجعول قيمة منتزعة و علي الطريق الآخر نسبة المعيب الي كل من القيمتين المستلزمة لملاحظة اخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البينتين في العمل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 221

و المفروض في هذه الصورة ان نسبة المعيب الي مجموع نصفي قيمتي الصحيح التي هي طريقة المشهور مخالفة لنسبة نصفه الي كل من النصفين لأن نسبة الكل الي الكل تساوي نسبة نصفه الي كل من نصفي ذلك الكل و هو الاربعة و النصف في المثال لا إلي كل من النصفين «البعضين» المركب منهما ذلك الكل كالأربعة و الخمسة بل النصف المنسوب الي احد بعض المنسوب إليه كالأربعة نسبة مغايرة لنسبته الي البعض الآخر، اعني الخمسة و هكذا غيره من الامثلة.

و ان كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين ابدا،

لأن نسبة الصحيح الي نصف مجموع قيمتي المعيب علي ما هو طريق المشهور مساوية لنسبة نصفه الي نصف احداهما و نصفه الآخر الي نصف الأخري كما إذا اتفقا علي كون

الصحيح اثنا عشر، و قالت احداهما المعيب ثمانية و قالت الاخري ستة فإن تفاوت السبعة و الاثني عشر الذي هو طريق المشهور مساو لنصف مجموع تفاوتي الثمانية مع الاثنا عشر و الستة مع الاثنا عشرا لأولين بالثلث و الآخرين بالنصف و نصفهما السدس و الربع. و هذا بعينه تفاوت السبعة و الاثني عشر و ان اختلفا في الصحيح و المعيب فإن اتحدت النسبة بين الصحيح و المعيب (1) علي كلا البينتين فيتحد الطريقان دائما كما إذا قومه احداهما صحيحا باثني عشر و معيبا بستة و قومه الاخري صحيحا بستة و معيبا بثلاثة فإن نصف الصحيحين اعني التسعة تفاوته مع نصف مجموع المعيبين و هو الاربعة و نصف عين نصف تفاوتي الاثنا عشر مع الستة و الستة مع الثلاثة.

______________________________

فان التفاوت علي التقديرين بالثلثين. و كذا المثال الذي ذكره تحت عنوان قوله:

(1) و ان اختلفا في الصحيح و المعيب فان اتحدت النسبة … الخ،

و هو ما إذا قوم احداهما الصحيح باثني عشر و المعيب بستة، و قوم الاخري الصحيح بستة و المعيب بثلاثة، فان التفاوت علي التقديرين بالنصف كما صرح به،

و الظاهر ان منشأ اشتباه المصنف (رحمه الله) عبارة الجواهر حيث ذكر المثالين في آخر الصورة الاولي من الصور الثلاث التي ذكرها لبيان اتحاد الطريقين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 222

و الحاصل ان كل صحيح ضعف المعيب، فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف نصف المعيبين و ان اختلفت النسبة، فقد يختلف الطريقان و قد يتحدان و قد تقدم مثالهما في اول المسألة.

ثمّ ان الاظهر بل المتعين في المقام هو الطريق الثاني المنسوب الي الشهيد (قدس سره)

وفاقا للمحكي عن ايضاح النافع حيث ذكر ان طريق المشهور ليس بجيد، و لم

يذكر وجهه و يمكن ارجاع كلام الاكثر إليه كما سيجي ء. و وجه تعين هذا الطريق ان اخذ القيمة من القيمتين علي طريق المشهور أو النسبة المتوسطة من النسبتين علي الطريق الثاني.

اما للجمع بين البينتين باعمال كل منهما في نصف العين كما ذكرنا و أما لأجل ان ذلك توسط بينهما لأجل الجمع بين الحقين بتنصيف ما به التفاوت نفيا و اثباتا علي النهج الذي ذكرناه أخيرا في الجمع بين البينتين كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقي من الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع احدهما المردد بينهما من عند الودعي و لم تكن هنا بينة تشهد لاحدهما بالاختصاص بل و لا ادعي احدهما اختصاصه بالدرهم الموجود.

فعلي الأول فاللازم و ان كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح و المعيب كما فعله المشهور بأن يجمع الاثنا عشر و الثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح في المثال المتقدم و يؤخذ نصف احداهما قيمة نصف المبيع صحيحا و نصف الأخري قيمة للنصف الآخر منه، و لازم ذلك كون تمامه بعشرة و يجمع قيمتا المعيب أعني العشرة و الخمسة و يؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من أحدهما. و لازم ذلك كون تمام المبيع بسبعة و نصف إلا أنه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي إحدي القيمتين أعني العشرة إلي المجموع من نصف الأخري أعني سبعة و نصفا، كما نسب إلي المشهور لانه إذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة الي كل من النصفين صحيحا و معيبا واخذ الارش لكل نصف علي حسب تفاوت صحيحه و معيبه. فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح الا باعتبار ان نصفه مقوم بستة و نصفه الآخر باربعة، و كذا السبعة و

النصف ليست قيمة لمجموع المعيب الا باعتبار ان نصفه مقوم بخمسة و نصفه الآخر باثنين و نصف، فلا وجه لأخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة و السبعة و النصف بل لا بد من اخذ تفاوت ما بين الاربعة و الاثنين و نصف لنصف منه و تفاوت ما بين الستة و الخمسة للنصف الآخر.

و توهم ان حكم شراء شي ء تغاير قيمتا نصفيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 223

حكم ما لو اشتري بالثمن الواحد مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحا و معيبا بأن اشتري عبدا و جارية باثني عشر فظهرا معيبين و العبد يسوي اربعة صحيحا و اثنين و نصفا معيبا و الجارية يسوي ستة صحيحة و خمسة معيبة فإنه لا شك في ان اللازم في هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحة و معيبة اعني العشرة و السبعة و النصف واخذ التفاوت و هو الربع من الثمن و هو ثلاثة إذا فرض الثمن اثني عشر كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه.

مدفوع بأن الثمن في المثال لما كان موزعا علي العبد و الجارية بحسب قيمتهما فإذا اخذ المشتري ربع الثمن ارشا فقد اخذ للعبد ثلاثة اثمان قيمته و للجارية سدسها،

كما هو الطريق المختار لأنه اخذ من مقابل الجارية اعني سبعة و خمسا سدسه و هو واحد و خمس و من مقابل العبد اعني اربعة و اربعة اخماس ثلاثة اثمان و هو واحد و اربعة اخماس، فالثلاثة التي هي ربع الثمن منطبق علي السدس و ثلاثة اثمان، بخلاف ما نحن فيه، فإن المبذول في مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة امر واحد، و هو نصف الثمن، فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية و العبد في

المثال المفروض بثمن مساو للآخر، بأن اشتري كلا منهما بنصف الاثني عشر في عقد واحد أو عقدين، فلا يجوز حينئذ اخذ الربع من اثني عشر بل المتعين حينئذ ان يؤخذ من ستة الجارية سدس و من ستة العبد اثنان و ربع، فيصير مجموع الارش ثلاثة و ربعا

______________________________

و أما الثاني: فمحصل طريقة المشهور ملاحظة مجموع قيمتي الصحيح، و مجموع قيمتي المعيب، و ملاحظة نسبة المجموع الي المجموع، و الاخذ من الثمن بتلك النسبة. فإذا قوم احداهما الصحيح بستة، و الاخري باربعة، و قوم الاولي المعيب باثنين، و الاخري بثلاثة،

يلاحظ نسبة الخمسة الي العشرة، و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة و هي النصف.

و نسب الي الشهيد (رحمه الله) طريق آخر، و هو: الرجوع الي البينة في مقدار التفاوت،

و بجمع بين البينات فيه، من غير ملاحظة القيم، فالشهيد علي نصف مجموع الكسرين،

و المشهور علي الكسر بين القيمتين المنتزعتين.

و أما الثالث: فتارة: تتحد قيمة الصحيح و تختلف قيمة المعيب، و اخري: تتحد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 224

و هو المأخوذ في المثال المتقدم علي الطريق الثاني.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين شهادة البينات بالقيم أو شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب. و ان لم يذكر و القيم، هذا كله إذا كان مستند المشهور في اخذ القيمة الوسطي العمل بكل من البينتين في جزء من المبيع. و أما إذا كان المستند مجرد الجمع بين الحقين علي ما ذكرنا أخيرا بأن ينزل القيمة الزائدة و يرتفع الناقصة علي حد سواء فالمتعين الطريق الثاني ايضا، سواء شهدت البينتان بالقيمتين ام شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب.

اما إذا شهدتا بنفس التفاوت، فلأنه إذا شهدت احداهما بأن التفاوت بين الصحيح

و المعيب بالسدس و هو الاثنان من اثني عشر و شهدت الاخري بأنه بثلاثة اثمان و هو الثلاثة من ثمانية زدنا علي السدس ما تنقص من ثلاثة اثمان و صار كل واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا و نصف سدس، و ثمنه و هو من الثمن المفروض اثني عشر ثلاثة و ربع، كما ذكرنا سابقا،

______________________________

قيمة المعيب و تختلف قيمة الصحيح، و ثالثة: تختلف كل من القيمتين.

اما في الصورة الاولي: فالظاهر هي المطابقة الدائمية بين الطريقين، إذ قيمة الصحيح إذا كانت واحدة، و الكسر و ان كان يختلف باختلاف قيمة المعيب، لكن الكسرين متساو ان النسبة الي كل نصف من الصحيح لفرض تساوي النصفين في القيمة، فمجموع الكسرين قهرا هو كسر مجموع النصفين، فلا فرق بين ان يلاحظ الكسرين و يضافان الي الواحد،

و بين ان يلاحظ قيمتي الصحيح و المعيب، و يلاحظ الكسر الواحد.

و أما في الصورة الثانية: فالظاهر هو عدم المطابقة دائما، نفرض توافقهما علي ان قيمة المعيب ستة، و احداهما تقول: ان قيمة الصحيح عشرة، و الاخري تقول: انها ثمانية، لازم ما افاده المشهور من ملاحظة مجموع قيمتي الصحيح و هي ثمانية عشر، و ملاحظة مجموع قيمتي المعيب و هي اثنتا عشر، و ملاحظة نسبة المجموع الي المجموع، هو كون التفاوت بالثلث، و لازم ما افاده الشهيد (رحمه الله) و هو الرجوع الي البينة في مقدار التفاوت و الجمع بين البينات فيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 225

و ان شهدت البينتان بالقيمتين، فمقتضي الجمع بين حقي البائع و المشتري في مقام اعطاء الارش واخذه تعديل قيمتي كل من الصحيح و المعيب بالزيادة و النقصان بأخذ قيمة نسبته الي المعيب دون نسبة القيمة الزائدة و فوق

نسبة الناقصة فيؤخذ من الاثني عشر و العشرة من الثمانية و الخمسة قيمتان للصحيح و المعيب نسبة احداهما الي الاخري يزيد علي السدس بما ينقص من ثلاثة اثمان فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما علي المعيب بسدس و نصف سدس و ثمن سدس.

و من هنا يمكن ارجاع كلام الاكثر الي الطريق الثاني بأن يريدوا من اوسط القيم المتعددة للصحيح و المعيب القيمة المتوسطة بين القيم لكل منها من حيث نسبتهما الي قيمة الآخر، فيكون مرادهم من اخذ قيمتين للصحيح و المعيب قيمة متوسطة من حيث نسبة احداهما الي الاخري بين اقوال جميع البينات المقومين للصحيح و الفاسد، و ليس في كلام الاكثر انه يجمع قيم الصحيح و ينتزع منها قيمة، و كذلك قيم المعيب ثمّ تنسب احدي القيمتين المنتزعين الي الاخري.

______________________________

هو كون التفاوت بنصف الخمسين الذين هما ما به التفاوت لإحداهما، و هي ما تعين قيمة الصحيح عشرة، و نصف الربع الذي هو ما به التفاوت للأخري، و هي ما تعين قيمته ثمانية،

فيؤخذ من الثمن خمس و ثمن، و هذا اقل من الثلث، فلو كان الثمن اثني عشر لازم ما افاده المشهور الاخذ من الثمن اربعة، و لازم ما افاده الشهيد (رحمه الله) الاخذ منه ثلاثة و نصف. فتدبر.

و أما في الصورة الثالثة: فيظهر الحال فيها مما تقدم، و هو عدم المطابقة دائما.

و أما الرابع فالأظهر انه بناء علي الالتزام بالجمع يتعين اختيار طريقة الشهيد (رحمه الله)، إذ مدرك الجمع اما لزوم الجمع بين الحقين، أو لزوم العمل بالبينتين، و علي التقديرين يتعين ما ذهب إليه الشهيد (رحمه الله).

اما علي الأول: فلأن الحق يدور امره بين كل من التفاوتين: اي الربع و النصف مثلا،

فلا وجه لملاحظة قيمتي

الصحيح و المعيب و انتزاع قيمة متوسطة، ثمّ ملاحظة كسر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 226

قال في المقنعة: فإن اختلف اهل الخبرة عمل علي اوسط القيم و نحوه في النهاية.

و في الشرائع حمل علي الأوسط و بالجملة، فكل من عبر بالاوسط يحتمل ان يريد الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد، هذا مع ان المستند في الجميع هو ما ذكرنا من وجوب العمل بكل من البينتين في قيمة نصف المبيع. نعم لو لم يكن بينة اصلا لكن علمنا من الخارج ان قيمة الصحيح اما هذا و أما ذلك، و كذلك قيمة المعيب و لم نقل حينئذ بالقرعة و الاصل، فاللازم الاستناد في التنصيف الي الجمع بين الحقين علي هذا الوجه.

و قد عرفت ان الجمع بتعديل التفاوت لأنه الحق دون خصوص القيمتين المحتملتين و الله العالم.

القول في الشروط التي يقع عليها العقد (1) و شروط صحتها و ما يترتب علي صحيحها و فاسدها

______________________________

تلك القيمة.

و أما علي الثاني: فلأن الرجوع الي البينتين انما هو لتعيين ما به التفاوت، و انما التعارض بينهما في ذلك و هو مورد الأثر، فلا بد من الجمع بينهما في ذلك، و لا فرق في ذلك بين كون البينة قائمة ابتداء علي ما به التفاوت من دون تعرض لقيمتي الصحيح و المعيب، أو كونها قائمة علي القيمتين، و يكون ما به التفاوت مدلولها الالتزامي.

القول في الشروط
اشارة

(1) فصل: في الشروط المذكورة في متن العقد، و التي بناء العقد عليها.

لا إشكال في أن عقد البيع قابل للشروط و إن لم يقبل التعليق، و ستعرف الفرق بينهما،

و كيف كان فالشرط جائز إجماعا كما عن التذكرة و القواعد و غيرهما، و عن الغنية نفي الخلاف فيه بين المسلمين،

و النصوص «1» المتواترة شاهدة به، نذكر في المقام جملة منها تيمنا.

لاحظ النبوي: الشرط جائز بين المسلمين «2».

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار، و باب 15 من ابواب بيع الحيوان، و باب 4 من ابواب المكاتبة و غيرها.

(2) الخلاف ج 2 ص 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 227

______________________________

و صحيح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له، و لا يجوز علي الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز و جل «1» و صحيحه الآخر عنه (عليه السلام): المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز «2».

و خبر اسحاق عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما «3».

و صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام عن الشرط في الاماء لا تباع و لا تورث و لا توهب، فقال عليه السلام: يجوز ذلك غير الميراث فانها تورث، و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد «4».

و مرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام في رجل اشتري جارية و شرط لاهلها ان لا يبيع و لا يهب قال (عليه السلام) يفي بذلك إذا شرط لهم «5» الي غير ذلك من النصوص الكثيرة، و سيمر عليك الاستدلال بالكتاب أيضا له.

حقيقة الشرط

و تنقيح القول فيها بالبحث في مقامات:

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) الوسائل باب 15 من ابواب بيع الحيوان حديث 1.

(5) نفس المصدر

حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 228

الشرط يطلق في العرف علي معنيين (1) احدهما المعني الحدثي و هو بهذا المعني مصدر شرط فهو شارط للامر الفلاني و ذلك الامر مشروط و فلان مشروط له أو عليه.

______________________________

أي النزاع في معني الشرط و حقيقته- في الشروط الابتدائية، فانه لو شملها الشرط بما له من المعني كانت لازم الوفاء: لإطلاق الدليل، و الا فلا.

لا يقال: انه لا يجب الوفاء بها اجماعا و ان صدق عليها الشرط فلا فائدة في هذا النزاع.

فانه يرد: بان هذا الاجماع بما أنه ليس تعبديا، و لعل مدرك المجمعين عدم صدق الشرط عليها، فلا يصلح لتقييد اطلاق الدليل.

و قد ذكروا في مقام بيان معني الشرط عرفا و لغة امورا،

و هي: الالزام و الالتزام اما في البيع و نحوه كما عن القاموس، أو مطلقا و إليه يرجع ما في حاشية السيد من أنه جعل الزامي أي الجعل المستلزم للالزام، و العهدة، و العلامة،

و مطلق الربط، و التعليق.

(1) و المصنف (رحمه الله) ذهب الي ان له معنيين عرفيين: احدهما: الالزام و الالتزام،

و الثاني: ما يلزم من عدمه العدم،

و أن له معنيين اصطلاحين أحدهما: ما يستعمل في ألسنة النحاة و هي الجملة الواقعة تلو أداة الشرط ثانيهما: ما يستعمل في ألسنة أهل المعقول.

و الحق أن له معني واحدا و هو: الربط و التعليق، و استعماله في جميع الموارد انما يكون في ذلك المعني.

توضيح ذلك: أن الشرط- بالتحريك- بمعني العلامة، و الدون و الرذل، و الشريف،

و جمعه أشراط، و من ذلك اشراط الساعة أي علاماتها، و أشراط الغنم أي رذالها، و أشراط الناس أي أشرافهم.

و أما الشرط- بالسكون- و جمعه شروط فهو بحسب المتفاهم العر في ليس مطلق

الالزام، و لذا يصدق علي ايجاب عمل علي شخص، و لا علي مطلق الجعل و الاثبات، بل المنساق الي الذهن منه هو تقيد أمر بآخر اما واقعا أو بجعل جاعل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 229

و في القاموس انه الزام الشي ء و التزامه في البيع و غيره، (1) و ظاهره كون استعماله في الالزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح، لكن لا إشكال في صحته لوقوعه في الاخبار كثيرا مثل قوله (صلي الله عليه و آله) في حكاية بيع بريرة (2) ان قضاء الله احق و شرطه اوثق و الولاء لمن اعتق

______________________________

(1) و ما في القاموس و غيره من مصاديق هذا المعني العام،

كما أن اطلاقه في السنة النحاة علي الجملة الواقعة عقيب أداة الشرط- انما يكون من هذا الباب، فإن المقدم أما أن يكون شرطا واقعيا أو جعليا للجزاء كما أن اطلاقه في ألسنة أهل المعقول علي جزء من أجزاء العلة من هذا الباب.

و بالجملة للشرط معني واحد، و اطلاقه في جميع الموارد من ذلك الباب، و هو: تقيد أمر بآخر. غاية الأمر أن هذا التقيد و الربط قد يكون تكوينيا كربط احراق النار بالمحاذاة.

و قد يكون مجعولا بجعل تشريعي كجعل الطهارة شرطا للصلاة، و قد يكون مجعولا بجعل المتعاملين و ليس له معني آخر.

و بذلك ظهر أن الشرط بهذا المعني لا يصدق علي الشروط الابتدائية، و هو واضح.

و قد استند المصنف (رحمه الله) في شموله لها الي اطلاقه عليها في موارد:

(2) منها: قوله صلي الله عليه و آله و سلم في حكاية بيع بريرة: ان قضاء الله احق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق، «1» فإنه أطلق الشرط علي ما جعله الله تعالي ابتداء من

أن الولاء للمعتق خاصة.

و فيه: أولا: أن إطلاق الشرط عليه إنما هو من جهة أن الولاء مقيد بحسب

______________________________

(1) ليس في النصوص المروية من طرقنا إلا قوله (صلي الله عليه و آله): الولاء لمن أعتق راجع الوسائل باب 52 من ابواب نكاح العبيد

و الاماء، و باب 73 من أبواب كتاب العتق، و غيرها من كتب الحديث، نعم من طرق العامة ما تضمن الجملة بتمامها، و عن

دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) عنه (صلي الله عليه و آله): الولاء لمن أعتق و شرط الله آكد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 230

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرد علي مشترط عدم التزوج بامرأة اخري في النكاح ان شرط الله قبل شرطكم. (1)

و قوله ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام للمشتري، (2) قلت: و في غيره قال هما بالخيار حتي يفترقا.

و قد اطلق علي النذر أو العهد أو الوعد في بعض اخبار الشرط في النكاح (3)

______________________________

الجعل الإلهي بالعتق.

و ثانيا: أنه يمكن أن يكون الاستعمال مجازيا للمشاكلة، نظير قوله تعالي: (فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) «1» مع أن المجازاة ليست من الاعتداء.

(1) و منها: قول امير المؤمنين (عليه السلام) في الرد علي مشترط عدم التزوج بامراة اخري في النكاح: شرط الله قبل شرطكم «2» و الجواب عنه ما تقدم في سابقه.

(2) و منها: قوله ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام للمشتري «3».

و فيه: أن الاطلاق فيه إنما هو باعتبار ارتباط العقد بالخيار، غاية الأمر الخيار مجعول من الشارع للمتعاقدين.

(3) و منها: انه اطلق علي النذر أو العهد أو الوعد في بعض اخبار النكاح،

و الظاهر أن نظره الي خبر منصور بن يونس بزرج عن العبد الصالح (عليه السلام) قال:

قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثمّ طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها و لا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك،

فكيف يصنع؟ فقال (عليه السلام): بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال: المؤمنون عن شروطهم، «4» فإنه لا شرط إلا ما جعله لله عليه و هو إما نذر أو عهد

______________________________

(1) البقرة: 191.

(2) الوسائل- باب 20- من ابواب المهور حديث 6 كتاب النكاح.

(3) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 5.

(4) الوسائل- باب 20 من ابواب المهور حديث- 4 كتاب النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 231

و قد اعتراف في الحدائق بأن اطلاق الشرط علي البيع كثير في الاخبار. (1)

و أما دعوي كونه مجازا، فيدفعها مضافا الي اولوية الاشتراك المعنوي و إلي ان المتبادر من قوله شرط علي نفسه كذا ليس الا مجرد الالتزام استدلال الامام (عليه السلام)

بالنبوي: المؤمنون عند شروطهم فيما تقدم من الخبر الذي اطلق فيه الشرط علي النذر أو العهد و مع ذلك فلا حجة فيما في القاموس مع تفرده به. و لعله لم يلفت الي الاستعمالات التي ذكرناها و الا لذكرها و لو بعنوان يشعر بمجازيتها.

ثمّ قد يتجوز في لفظ الشرط بهذا فيطلق علي نفس المشروط كالخلق بمعني المخلوق فيراد به ما يلزمه الانسان علي نفسه.

الثاني: ما يلزم من عدمه العدم، من دون ملاحظة انه يلزم من وجوده الوجود اولا

______________________________

لا الي خبر ابن سنان المروي «1» في الحاشية، فإنه ليس فيه ما يتوهم كونه نذرا

أو عهدا، و لا يكون مذيلا بقول رسول الله (صلي الله عليه و آله): المؤمنون عند شروطهم.

و فيه: أن إطلاق الشرط ليس باعتبار أنه نذر أو عهد، بل باعتبار إناطة التزويج عليها بذلك الالتزام المؤكد.

(1) و منها: اطلاق الشرط علي البيع في كثير من الاخبار و فيه: أنه لم يستعمل الشرط في البيع في شي ء من الاخبار، فإن الأخبار التي ادعي صاحب الحدائق إطلاق الشرط فيها علي البيع إنما اطلق فيها ذلك باعتبار أنه قد التزم كون المبيع موصوفا بوصف خاص الذي هو التزام في ضمن البيع.

لاحظ: صحيح الحلبي: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسلم في وصف أسنان معلومه و لون معلوم ثمّ يعطي دون شرطه أو فوقه، فقال (عليه السلام): إذا كان عن طيبة نفس منك و منه فلا بأس «2» و نحوه غيره.

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور حديث 6 كتاب النكاح.

(2) الوسائل- باب 9- من ابواب السلف حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 232

و هو بهذا المعني اسم جامد لا مصدر، فليس فعلا و لا حدثا (1) و اشتقاق المشروط منه ليس علي الاصل كالشارط، و لذا ليسا بمتضايفين في الفعل و الانفعال، (2) بل الشارط هو الجاعل و المشروط هو ما جعل له الشرط كالمسبب بالكسر و الفتح المشتقين من السبب، فعلم من ذلك ان الشرط في المعنيين نظير الامر بمعني الشي ء و أما استعماله في السنة النحاة علي الجملة الواقعة عقيب ادوات الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من افادة تلك الجملة لكون مضمونها شرطا بالمعني الثاني، كما ان استعماله في السنة اهل المعقول و الاصول، فيما يلزم من عدمه العدم، و لا يلزم من وجوده الوجود،

مأخوذ من ذلك المعني. الا انه اضيف إليه ما ذكر في اصطلاحهم مقابلا للسبب، فقد تلخص مما ذكرنا ان للشرط معنيين عرفيين و آخرين اصطلاحيين (3) لا يحمل عليهما الاطلاقات العرفية بل هي مرددة بين الاوليين، فان قامت قرينة علي ارادة المصدر الاول أو علي ارادة الجامد تعين الثاني و إلا حصل الاجمال.

______________________________

قال المصنف (رحمه الله) بعد ما ذكر المعني الثاني للشرط و هو ما يلزم من عدمه العدم من دون ملاحظة أنه يلزم من وجوده الوجود أولا:

(1) و هو بهذا المعني اسم جامد لا مصدر فليس فعلا و لا حدثا و فيه: أن ضابط كون المعني اشتقاقيا: كون المبدأ صالحا و قابلا للقيام بشي ء بأحد أنحاء القيام، و عنوان ما يلزم من عدمه العدم و إن لم يكن صالحا لذلك إلا أن المبدأ فيه و هو استلزام شي ء لشي ء صالح لذلك، و هذا يكفي في كونه اشتقاقيا.

(2) و ما ذكره من عدم التضايف في الفعل و الانفعال بينه و بين المشروط يرد عليه: أن المشروط مضايف للشرط بالمعني الوصفي، و لا يعتبر في التضايف أن يكون مضايف ما هو علي هيئة المفعول هو هيئة الفاعل، مع أن المشروط بمعني المشروط فيه لا يكون مضائفا للشارط، و هو بما له من المعني و هو نفس المشروط مضايف له،

(3) قوله فقد تلخص مما ذكرنا ان للشرط معنيين عرفيين و آخرين اصطلاحيين قد عرقت ان له معني واحد، في العرف، و اللغة، و الاصطلاح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 233

و ظهر ايضا ان المراد بالشرط في قولهم صلوات الله عليهم المؤمنون عند شروطهم هو الشرط باعتبار كونه مصدرا. اما مستعملا في معناه اعني الزاما علي انفسهم و أما

مستعملا بمعني ملتزماتهم. و أما بمعني جعل الشي ء شرطا بالمعني الثاني بمعني التزام عدم شي ء عند عدم آخر، و سيجي ء الكلام في ذلك. و أما الشرط في قوله ما الشرط في الحيوان قال: ثلاثة ايام للمشتري قلت: و ما الشرط في غيره؟ قال:

البيعان بالخيار حتي يفترقا. و قوله الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط أو لم يشترط، فيحتمل ان يراد به ما قرره الشارع و الزمه علي المتبايعين أو احدهما من التسلط علي الفسخ فيكون مصدرا بمعني المفعول، فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع، و يحتمل ان يراد به الحكم الشرعي المقرر و هو ثبوت الخيار و علي كل تقدير ففي الاخبار عنه بقوله ثلاثة ايام مسامحة، نعم في بعض الاخبار في الحيوان كله شرط ثلاثة ايام و لا يخفي توقفه علي التوجيه (1)

______________________________

الكلام في شروط صحة الشرط
اشارة

و هي امور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها احدها ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف، (2) فيخرج ما لا يقدر العاقد علي تسليمه الي صاحبه سواء كان صفة لا يقدر علي العاقد علي تسليم العين موصوفا بها

(1) قوله و لا يخفي توقفه علي التوجيه و الوجه فيه انه ليس في الحيوان شرط ثلاثة ايام بل شرط خيار ثلاثة ايام فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه و لكن قد مران المراد بالشرط هو الخيار فلا حاجة الي التقدير و عليه فما في الحاشية من ان في العبارة سقطا فان المناسب ان يقول لا يخفي عدم توقفه علي التوجيه متين.

اعتبار دخول الشرط تحت القدرة

الكلام في شروط صحة الشرط، و هي امور.

(2) احدها ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف فيخرج ما ليس بمقدور كصيرورة الزرع سنبلا. كذا طفحت كلماتهم به و لكن بما أن القدرة و عدمها اللتين هما من قبيل العدم و الملكة تختصان بالأفعال،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 234

مثل صيرورة الزرع سنبلا و كون الامة و الدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا،

أو كان عملا كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا كما مثل به في القواعد.

لكن الظاهر ان المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا (1) و الغرض الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته، كأفعال الله سبحانه

______________________________

و لا تتعلقان بالأعيان الخارجية و الأوصاف، و هذا البحث لا يختص بالأفعال،

فالأولي التعبير بأن يكون ما يشترط تحت سلطانه و استيلائه،

فيعم الأوصاف، فإنه يسلط علي الوصف بسلطنته علي العين.

و كيف كان فتنقيح القول في المقام بالبحث في موارد:

الأول: فيما إذا كان الشرط فعلا.

الثاني: ما إذا كان وصفا.

الثالث: ما إذا كان من شروط

النتيجة.

أما الاول فلا كلام فيما إذا كان الفعل لأحد المتعاقدين و مقدورا له،

و الكلام إنما هو في غير ذلك من أقسامه أعم من، فعل محال من المشروط عليه، أو فعل الغير، أو فعل الله تعالي.

(1) قوله لكن الظاهر ان المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا قد تكرر في كلماتهم المثال للشرط غير المقدور بذلك و المراد من جعل الزرع سنبلا اما جعل الله تعالي كما صرح به الشهيد.

أو جعل المشروط عليه كما هو صريح جامع المقاصد و ظاهر الشرائع.

أو جعل الاعم من الله و من المشروط عليه كما صرح به صاحب الجواهر و علي فرض كون الثاني مرادا ليس المراد به كون المشروط عليه مفيض الوجود أو كونه مجري الفيض إذ لا يخطر شي ء منهما ببال المتعاملين بل المراد اعداد المقدمات المؤدية الي ذلك.

و حيث ان بعضها خارج عن تحت قدرته فهو شرط غير مقدور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 235

لاعن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه، لأن الالزام و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء، (1) و الاحتراز عن مثل الجمع بين الضدين أو الطيران في الهواء مما لا يرتكبه العقلاء، و الاتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز و الصحة بعيد عن شأن الفقهاء.

لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك في باب الاجارة و الجعالة، مع ان اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة. (2)

نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج عن اختيار المتعاقدين المحتمل وقوعه في المستقبل و ارتباط العقد به بحيث يكون التراضي منوطا به و واقعا عليه امر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم بل اولي بالاشتراط من الوصف الخالي الغير المعلوم

تحققه،

ككون العبد كاتبا و الحيوان حاملا، و الغرض الاحتراز عن ذلك.

و يدل علي ما ذكرنا تعبير اكثر هم ببلوغ الزرع و البسر سنبلا و تمرا أو لصيرورتهما كذلك، و تمثيلهم لغير المقدور بانعقاد الثمرة و إيناعها و حمل الدابة فيما بعد و وضع الحامل في وقت كذا و غير ذلك.

______________________________

(1) و ما افاده المصنف (رحمه الله): من ان الالزام و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء، و الإتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز بعيد عن شأن الفقهاء يرد عليه: أن الشرط حقيقته ربط العقد بشي ء كما اعترف به، فكما أن العقلاء يربطون عقودهم بفعل الغير علي ما صرح به كذلك يربطونها بالمحال.

و بالجملة لا كلام في عدم لزوم الوفاء بالشرط المحال، إنما الكلام في أنه هل يصح ربط العقد به أم لا بحيث يثبت للمشروط له الخيار مع عدم تحققه؟

و الأظهر جواز ذلك.

(2) قوله مع ان اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة يتم ذلك إذا كان المراد به السائغ الشرعي- و أما إذا كان المراد اعم منه و مما يسوغ عقلا فلا يتم فان المحال ايضا سائغ عقلا و لم يرد فيه منع شرعي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 236

و قال في القواعد يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره كجعل الزرع سنبلا، و البسر تمرا، قال الشهيد (رحمه الله) في محكي حواشيه علي القواعد أن المراد جعل الله الزرع سنبلا و البسر تمرا، لأنا إنما نفرض فيما يجوز أن يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من غير الإله جلت عظمته، انتهي.

لكن قال في الشرائع و لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره،

كبيع الزرع علي ان يجعله سنبلا و الرطب علي ان يجعله تمرا، انتهي. و نحوها عبارة التذكرة لكن لا بد من ارجاعها الي ما ذكر، إذ لا يتصور القصد من العاقل الي الالزام بهذا الممتنع العقلي، اللهم الا ان يراد اعمال مقدمات الجعل علي وجه توصل إليه مع التزام الايصال، فاسند الجعل الي نفسه بهذا الاعتبار، فافهم. (1)

و كيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور مضافا الي عدم الخلاف فيه (2) عدم القدرة علي تسليمه (3) بل و لا علي تسليم المبيع إذا أخذ متصفا به، لأن تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق

______________________________

(1) قوله فافهم الظاهر انه اشارة الي انه ان اريد باعمال المقدمات اعمالها بقيد الايصال كان من الممتنع العقلي فهو كرّ علي ما فر- و ان اريد به اعمالها بالمقدار المقدور لم يكن من شرط غير المقدور.

و قد استدل لعدم الجواز و اعتبار كون الشرط مقدورا بوجوه:

(2) احدها: الاجماع و فيه أولا: أن المخالف موجود و هو الشيخ و القاضي و غيرهما.

و ثانيا: أنه لمعلومية مدرك المجمعين و لا أقل من احتمال استنادهم الي بعض ما سيأتي- لا يعتمد عليه.

(3) ثانيها: ما عن العلامة (رحمه الله) و هو ان الشارط لا يقدر علي التسليم اي تسليم متعلق الشرط، بل البيع إذا قيد به، و القدرة علي التسليم معتبرة.

و فيه: أن مدرك اعتبار القدرة علي التسليم لزوم الغرر من عدمها كما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 237

و لا يناط بإرادة المشروط عليه، فيلزم الغرر في العقد (1) لارتباطه بما لا وثوق بتحققه. و لذا نفي الخلاف في الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط استنادا علي عدم القدرة علي تسليم المبيع، كما يظهر

بالتأمل في آخر كلامه في هذه المسألة.

______________________________

(1) و في المقام ان ادعي انه يلزم الغرر في البيع،

فيرده: أن الشرط التزام في الالتزام لا أنه من قيود المبيع، و يكون التزام واحد متعلقا بالمبيع و الشرط و إن ادعي لزوم الغرر في الشرط،

فيرده أولا: النقض بما إذا كان الشرط فعل المشترط عليه مع كونه اختياريا إذا لم يوثق بحصوله.

و ثانيا: أن الشرط الذي حقيقته ربط الالتزام بالوفاء بالعقد به، و ثبوت الخيار عند عدمه لا يلزم من عدم القدرة عليه الغرر و الخطر.

ثالثها: لزوم الغرر من عدم القدرة، و قد عرفت ما فيه:

رابعها: لزوم اللغوية و السفاهة.

و فيه: اولا أن مجرد ذلك لا يوجب البطلان، فإن الباطل معاملة السفيه لا المعاملة السفهية.

و ثانيا: أنه مع ربط العقد به و تعليق اللزوم عليه لا يلزم اللغوية و السفاهة.

خامسها: ما أفاده المحقق النائيني (رحمه الله) و هو أن الشرط أعد لنقل ما يصح نقله بسائر العقود و ما لا يصح نقله بها، فلا بد و أن يكون مملوكا للشارط و إلا فهو من قبيل: وهب الأمير ما لا يملك.

و فيه: أنه في الشرط ليس تمليك و تملك، بل ربط للعقد به، و أنه مع عدمه للشارط الخيار، فالأظهر عدم اعتبار القدرة.

و أما المورد الثاني، و هو ما إذا كان الشرط وصفا، فإن كان واثقا بوجوده كان الوصف حاليا استقباليا صح بلا تأمل، فإنه لا غرر و لا محذور آخر،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 238

و لا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا، للفرق بينهما بعد الاجماع بأن التزام وجود الصفة في الحال بناء علي وجود الوصف

الحالي، (1) و لو لم يعلما به، فاشتراط كتابة

العبد المعين الخارجي بمنزلة توصيفه به، أو بهذا المقدار يرتفع الغرر، بخلاف ما سيتحقق في المستقبل فإن الارتباط به لا يدل علي البناء علي تحققه. و قد صرح العلامة، فيما حكي عنه ببطلان اشتراط ان يكون الامة تحمل في المستقبل، لأنه غرر عرفا خلافا للمحكي عن الشيخ و القاضي فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل،

و بجواز الفسخ إذا لم يتحقق، و ظاهر هما كما استفاده في الدروس تزلزل العقد باشتراط مجهول التحقق، فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط

______________________________

(1) و الا فقد فصل المصنف (رحمه الله): بين الحالي و الاستقبالي و حكم ببطلان الثاني للزوم الغرر دون الأول، للإجماع، و لأن التزام وجود الصفة في الحال بناء علي وجود الوصف الحالي، و بهذا المقدار يرتفع الغرر لكون ذلك بمنزلة التوصيف.

و فيه: أولا: أنه لو كان البناء كافيا فلم لا يلتزم به في الاستقبالي؟

و ثانيا: أن لازمه البطلان مع عدم البناء في الوصف الحالي.

و ثالثا: أنه يستلزم ثبوت معنيين للشرط، أحدهما: البناء علي تحقق الشرط،

و الآخر عدمه.

و الحق هو التفصيل بينهما، و البناء علي الصحة في الاستقبالي، و البطلان في الحالي.

أما الصحة في الأول، فلأن المبيع حين ما يقع البيع عليه معلوم ذاتا و وصفا فلا غرر فيه، و لا يعتبر العلم بالأوصاف الي الأبد، و الشرط قد تقدم أن الجهل به من حيث هو لا يوجب الغرر.

و أما البطلان في الثاني، فلأن الجهل بالوصف الحالي موجب لكون المبيع مجهولا و غرريا فيبطل لذلك لو لا الإجماع علي الصحة علي ما ادعاه المصنف (قدس سره).

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 239

و يمكن توجيه كلام الشيخ بارجاع اشتراط

الحمل في المستقبل الي اشتراط صفة حالية موجبة للحمل، فعدمه كاشف عن فقدها. و هذا الشرط و ان كان للتأمل في صحته مجال (1) الا ان ارادة هذا المعني تخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف.

ثمّ ان عدم القدرة علي الشرط تارة لعدم مدخليته فيه اصلا، كاشتراط أن الحامل تضع في شهر كذا، (2) و اخري لعدم استقلاله فيه، كاشتراط بيع المبيع من زيد، فإن المقدور هو الايجاب فقط لا العقد المركب، فإن اراد اشتراط المركب،

فالظاهر دخوله في اشتراط غير المقدور إلا أن العلامة قدس سره في التذكرة بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه علي زيد قال لو اشترط بيعه علي زيد، فامتنع زيد من شرائه احتمل ثبوت الخيار بين الفسخ و الامضاء و العدم إذ تقديره بعه علي زيد إن اشتراه،

انتهي.

و لا اعرف وجها للاحتمال الأول إذ علي تقدير ارادة اشتراط الايجاب فقط قد حصل الشرط و علي تقدير ارادة اشتراط المجموع المركب ينبغي البطلان، الا ان يحمل علي صورة الوثوق بالاشتراء، فاشتراط النتيجة بناء علي حصولها بمجرد الايجاب فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذر الشرط، و عليه يحمل قوله في التذكرة و لو اشترط علي البائع اقامة كفيل علي العهدة، فلم يوجد أو امتنع المعين ثبت للمشتري الخيار، انتهي.

______________________________

(1) قوله و ان كان للتامل في صحته مجال لعل وجهه ان ذلك من الشروط التي لا منفعة معتد بها فيها و عدم ذلك من شروط صحة الشرط كما سيأتي فانتظر.

(2) و أما المورد الثالث و هو ما إذا كان الشرط من شروط النتيجة فان كان مما يكفي في تحققه كل سبب و لو كان هو الشرط. لا كلام في صحته، و إن

كان مما يتوقف علي سبب خاص، فإن كان الشرط تحققه عن سببه لا كلام في صحته أيضا إذا كان سببه مقدورا، و إن كان تحققه من دون السبب بطل، لكونه خلاف الكتاب و السنة، و بذلك يظهر ما في كلام المصنف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 240

و من افراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا علي سبب خاص، (1) بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط كاشتراط كون امرأة مزوجة أو الزوجة مطلقة من غير ان يراد من ذلك ايجاد الاسباب. اما لو اراد ايجاد الاسباب أو كان الشرط مما يكفي في تحققه نفس الاشتراط فلا اشكال، و لو شك في حصوله بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة، فسيأتي الكلام فيه في حكم الشرط.

الثاني: ان يكون الشرط سائغا في نفسه، (2) فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمرا و نحوه من المحرمات، لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم. (3) و يدل عليه ما سيجي ء من قوله: المؤمنون عند شروطهم الا شرطا احل حراما أو حرم حلالا، فإن الشرط إذا كان محرما كان اشتراطه و الالتزام به إحلالا للحرام، و هذا واضح لا إشكال فيه.

______________________________

(1) قوله و من افراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية … سبب خاص قد عرفت ان شرط حصول الغاية ما بين ما هو مقدور و ما لا يصح لكونه مخالفا للكتاب و السنة لا لكونه غير مقدور.

اعتبار كون الشرط سائغا

(2) قوله الثاني ان يكون الشرط سائغا في نفسه في الحاشية لا يخفي ان هذا الشرط راجع الي الشرط الرابع فلا وجه لعده مستقلا الظاهر ان وجه عده مستقلا ما افاده (رحمه الله) بقوله.

(3) لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم فانه يؤول الي اجتماع الوجوب و

الحرمة في شي ء واحد و ان لم يكن دليل علي اعتبار عدم المخالفة للكتاب و ان شئت قلت انه يقع التعارض بين دليل وجوب الوفاء بالشرط مع دليل ذلك الحرام فيتساقطان فلا دليل علي نفوذ هذا الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 241

الثالث: ان يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا، أو بالنظر الي خصوص المشروط له، (1) و مثل له في الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات.

و قد صرح جماعة بان اشتراط الكيل أو الوزن بمكيال معين، أو ميزان معين،

من افراد المتعارف لغو. سواء في السلم و غيره، و في التذكرة لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه، و لا يزيد به المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار، و الوجه في ذلك ان مثل ذلك لا يعد حقا للمشروط له، حتي يتضرر بتعذره، (2) فيثبت له الخيار

______________________________

اعتبار أن يكون فيه غرض عقلائي

(1) الثالث: ان يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء و قد استدل لاعتبار هذا الأمر بوجوه:

(2) الاول: ما في المتن و تبعه غيره، و هو: ان شرط ما لا غرض للعقلاء فيه و لا يزيد به المالية لا يعد حقا للمشروط له علي المشروط عليه حتي يتضرر بتعذره.

و بعبارة اخري: أن الحق من الاعتبارات العقلائية كالملكية، و اعتبار استحقاق ما لا غرض عقلائي فيه من العقلاء خلف، و حيث لا حق عند العقلاء فلا موقع لوجوب الوفاء،

كما لا موقع للخيار عند تخلفه.

و فيه: ان كون شي ء حقا لشخص آخر لا يتوقف علي الغرض العقلائي بعد عموم دليل الشرط له.

و بعبارة اخري: أن مدرك نفوذ الشرط و ثبوت الخيار عند تخلفه أن كان هو بناء العقلاء بضميمة عدم ردع الشارع عنه،

أو كان حديث لا ضرر «1»

تم ما ذكر،

و إلا فلا يتم، إذ عموم المسلمون عند شروطهم «2» يشمل كل شرط جعله العاقل علي نفسه، و لا مخصص لعمومه

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 5- 4- 3.

(2) الوسائل- باب 6- من أبواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 242

أو يعتني به الشارع، فيوجب الوفاء به (1) و يكون تركه ظلما، فهو نظير عدم امضاء الشارع لبذل المال علي ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء، و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه. (2)

و من هنا اختار في التذكرة صحة اشتراط ان لا يأكل الا الهريسة، و لا يلبس الا الخز و لو اشترط كون العبد كافرا ففي صحته أو لغويته قولان للشيخ و الحلي من تعلق الغرض المعتد به، لجواز بيعه علي المسلم و الكافر، و لاستغراق اوقاته بالخدمة و من ان الإسلام يعلو و لا يعلي عليه، و الاغراض الدنيوية لا تعارض الاخروية و جزم بذلك في الدروس و بما قبله العلامة (قدس سره).

______________________________

و عدم التضرر بتعذره لا يمنع من ذلك،

كما أن عدم كونه موردا لاعتبار العقلاء، لعدم كونه حقا- لا يصلح للمانعية، مع أن عدم اعتبارهم ممنوع:

ثانيها: ما في حاشية المحقق الاصفهاني (رحمه الله) و هو انصراف دليل الشرط عما لا غرض عقلائي فيه.

و فيه ان الانصراف المقيد للإطلاق هو ما أوجب عدم صدق الموضوع بنظر العرف،

و في المقام يصدق الشرط علي ذلك بلا كلام.

ثالثها: أن مقدارا من الثمن يقع بإزاء الشرط، فمع عدم كونه متعلقا لغرض عقلائي يكون بذل المال بإزائه من قبيل الأكل بالباطل فلا يجوز.

و فيه: أن الثمن لا يقع شي ء منه بإزاء الشرط.

(1) رابعها: ما في المتن ايضا و هو

ان الشارع لا يعتني بما لا غرض عقلائي فيه ليوجب الوفاء به.

و فيه: أن الشارع الأقدس بما أنه رئيس العقلاء لا يوجب الوفاء ابتداء بما ليس فيه غرض عقلائي، إلا أنه لو التزم العاقل علي نفسه العمل به لا مانع من امضائه له و إيجابه الوفاء به كما هو مقتضي إطلاق الدليل،

فالأظهر عدم اعتبار هذا القيد.

(2) قوله و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 243

الرابع: ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة، (1) فلو اشترط رقية حر أو توريث اجنبي كان فاسدا، لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغهما شي ء. نعم قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب و السنة بأدلة الوفاء، بل قد جوز بعض تخصيص عموم ما دل علي عدم جواز الشرط المخالف للكتاب و السنة، لكنه مما لا يرتاب في ضعفه.

و تفصيل الكلام في هذا المقام و بيان معني مخالفة الشرط للكتاب و السنة موقوف علي ذكر الاخبار الواردة في هذا الشرط، ثمّ التعرض لمعناها، فنقول ان الاخبار في هذا المعني مستفيضة بل متواترة معني.

______________________________

إن كان الشاك غير الشارط يبني علي الصحة حملا لفعل المسلم عليه،

و إن كان هو الشارط يحمل علي الصحيح، لعموم المسلمون عند شروطهم، فإنه و إن كان المورد من موارد الشبهة المصداقية إلا أن المخصص علي فرض وجوده بما أنه غير لفظي لا يمنع عن التمسك بالعموم فيه،

اعتبار عدم مخالفة الشرط للكتاب و السنة

(1) الرابع من الشروط: ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة و إلا كما لو اشترط توريث أجنبي فسد لأن اشتراط ما يخالف الكتاب و السنة اشتراط لما لا يسوغ لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغها شي ء و اعتبار هذا الشرط مما اتفق

عليه النص و الفتوي، و النصوص الدالة «1» عليه مستفيضة أو متواترة، لاحظ: ما تقدم. و سيأتي طرف منها. و إليك طرف منها في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و باب 13 و 18 من ابواب مقدمات الطلاق، و باب 22 من ابواب موانع الارث، و باب

20 و 29 و 38 من ابواب المهور، و باب 15 من ابواب بيع الحيوان إلي غير تلكم من الأبواب المتفرقة في الكتب، و في كثير منها

دلالة علي لزوم الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 244

ففي النبوي المروي صحيحا عن ابي عبد الله (عليه السلام): من اشترط شرطا سوي كتاب الله عز و جل، فلا يجوز ذلك له و لا عليه

، و المذكور في كلام الشيخ و العلامة (رحمه الله)

المروي من طريق العامة قوله (صلي الله عليه و آله) في حكاية بريرة لما اشتراها عائشة و شرط مواليها عليها ولاءها

ما بال اقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، فما كان من شرط ليس في كتاب الله عز و جل، فهو باطل قضاء الله احق و شرطه اوثق،

و الولاء لمن اعتق.

و في المروي موثقا عن امير المؤمنين (عليه السلام) من شرط لامرأته شرطا، فليف به لها. فإن المسلمين عند شروطهم، الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما.

و في صحيحة الحلبي: كل شرط خالف كتاب الله، فهو مردود.

و في صحيحة ابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل، فلا يجوز له و لا يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما «مما» وافق كتاب الله.

و في صحيحته الاخري: المؤمنون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز.

و في رواية محمد

بن قيس عن ابي جعفر (عليه السلام) فيمن تزوج امرأة و اصدقها و اشترطت عليه ان بيدها الجماع و الطلاق، قال: خالفت السنة و وليت حقا ليست اهلا له، فقضي ان عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق، و ذلك السنة

و في معناها مرسلة ابن بكير عن ابي عبد الله (عليه السلام) و مرسلة مروان بن مسلم الا ان فيهما عدم جواز هذا النكاح.

و في رواية ابراهيم بن محرز قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل قال لامرأته امرك بيدك فقال (عليه السلام): اني يكون هذا و قد قال الله تعالي: (الرجال قوامون علي النساء.

و عن تفسير العياشي عن ابن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قضي أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها رجل، و شرط عليها و علي اهلها ان تزوج عليها،

أو هجرها، أو اتي عليها سرية، فهي طالق، فقال (عليه السلام) شرط الله قبل شرطكم، ان شاء وفي بشرطه، و ان شاء امسك امرأته و تزوج عليها و تسري و هجرها ان اتت بسبب ذلك، قال الله تعالي: (فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنيٰ وَ ثُلٰاثَ)، و قال: (احل لكم مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ و اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الآية

،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 245

ثمّ الظاهر ان المراد بكتاب الله هو ما كتب الله علي عباده من احكام الدين و ان بينه علي لسان رسول (صلي الله عليه و آله) (1) فاشتراط ولاء المملوك لبائعه، انما جعل في النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعني، لكن ظاهر النبوي و احدي صحيحتي ابن سنان

______________________________

و تحقيق القول في المقام إنما هو بالبحث في جهات.

الأولي: أن الموجود في أغلب النصوص مخالفة الكتاب، و في بعضها

مخالفة السنة،

و في المرسل المروي عن الغنية الجمع بينهما، و المراد من السنة معلوم،

إنما الكلام في المراد من الكتاب، فقد ذهب المصنف (رحمه الله) و تبعه جمع الي.

(1) ان الظاهر ان المراد به ما كتبه الله تعالي علي عباده و ان بينه بلسان نبيه (صلي الله عليه و آله)

و بعبارة أخري: أن المراد كتابه التشريعي في مقابل كتابه التكويني.

و أورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله): بأنه إن أراد بالظهور الظهور الابتدائي، فهو ممنوع.

و إن أراد به الظهور الثانوي بقرينة عد اشتراط ولاء المملوك لغير المعتق مخالفا للكتاب، مع أنه لا آية في الكتاب تدل علي ذلك،

ففيه: أن الامام (عليه السلام) لعله عرف موقع استفادة ذلك من كلام الله، فإنه الخبير بمواقع استفادة الأحكام من القرآن.

و فيه: أن مراده بحسب الظاهر هو الثاني،

و يرد علي ما أفاده: أن الخبر متضمن للتوبيخ علي أنه مع كون الشرط مخالفا للكتاب كيف اشترطوها!؟ و من الواضح أن ما لا طريق لعامة الناس إليه لا يمكن أن يجعل ميزانا لشروطهم، و يوبخهم علي ما خالفه، و علي هذا فيكون المراد بالكتاب هو الكتاب التشريعي لا القرآن.

و يمكن أن يقال: إن المراد به هو القرآن، و لكن ما خالف السنة يكون مخالفا له بتقريب: أنه في القرآن أمر باتباع النبي (صلي الله عليه و آله) و المعصومين (عليهم السلام) فإذا عينوا وظيفة مخالفتها تكون مخالفة للكتاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 246

اشتراط موافقة كتاب الله في صحة الشرط، (1) و ان ما ليس فيه أو لا يوافقه،

فهو باطل و لا يبعد ان يراد بالموافقة عدم المخالفة، نظرا الي موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات الغير المحرمة في النفس

و المال،

فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعني، (2)

______________________________

الثانية: أن المستفاد من النصوص نفوذ كل شرط لم يخالف كتاب الله،

(1) و قد يتوهم ان جملة منها تدل علي اشتراط موافقة الكتاب في صحة الشرط و أن ما ليس فيه أولا يوافقه فهو باطل،

و هي علي ما صرح به المصنف (رحمه الله) النبوي من شرط لامرأته شرطا سوي كتاب الله عز و جل لم يجز ذلك عليه و لا له «1».

و صحيح ابن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام): و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله «2».

و عليه وقع الكلام في أن المدار علي المخالفة و عدمها أو علي الموافقة و عدمها نظرا الي إمكان الواسطة بين المخالفة و الموافقة.

و لكن يمكن منع دلالة الخبرين علي اختصاص النفوذ بالموافق،

أما النبوي، فلأن الظاهر من لفظ سوي كون الحكم في الكتاب و كون الشرط سوي ذلك، و هذا عين المخالفة.

أما الصحيح، فلأن الظاهر من الصحيح كون هذه الجملة منه مسوقة لبيان إبطال الشرط المخالف الذي تضمنه صدر الحديث،

مع أنه علي فرض دلالتهما علي ذلك يمكن منع الواسطة من جهة عدم اختصاص الموافقة لخصوص الكتاب، بل تعم الموافقة لعام من عموماته، و ليس مورد لا يكون المشترط مخالفا إلا و هو موافق له كما نبه عليه المصنف (رحمه الله)

(2) و عليه فالمراد بالموافق نفس الموافق لا غير المخالف علي ما افاده

______________________________

(1) الوسائل- باب 13- من ابواب مقدمات الطلاق حديث 1.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 247

ثمّ ان المتصف بمخالفة الكتاب، (1) اما نفس المشروط و الملتزم، ككون الاجنبي وارثا و عكسه، و كون الحر أو ولده رقا، و ثبوت الولاء

لغير المعتق و نحو ذلك، و أما ان يكون التزامه مثلا مجرد عدم التسري و التزوج علي المرأة ليس مخالفا للكتاب، و إنما المخالف الالتزام به، فإنه مخالف لإباحة التسري و التزوج الثابتة بالكتاب.

و قد يقال ان التزام ترك المباح لا ينافي اباحته، فاشتراط ترك التزوج و التسري لا ينافي الكتاب، فينحصر المراد في المعني الاول.

و فيه ان ما ذكر لا يوجب الانحصار، فإن التزام ترك المباح، و ان لم يخالف الكتاب المبيح له، الا ان التزام فعل الحرام يخالف الكتاب المحرم له، فيكفي هذا مصداقا لهذا المعني،

______________________________

(1) الثالثة: في ان المتصف بالمخالفة هل هو الشرط نفسه و هو الالتزام أو الشرط بالمعني المفعولي؟ و المصنف (رحمه الله) اختار أن المراد هو الجامع بينهما.

و الحق أن المراد به خصوص الالتزام، و ذلك لوجوه:

أحدها: ظهور الشرط في نفسه في ذلك.

ثانيها: أن المخالفة إنما تكون بين المتجانسين و لا مناسبة بين الحكم الشرعي و الملتزم به، فلا يتصف الملتزم به بكونه مخالفا للحكم و إن اتصف بكونه مخالفة له بخلاف الالزام و الالتزام، فإنهما من سنخ الأحكام، و يمكن فرض المخالفة بينهما و بين الحكم.

ثالثها: أن في بعض النصوص أسند الوفاء الي الشرط، «1» و معلوم أنه يستند الي نفس الالتزام، و لا يستند الي الملتزم به، و لا يقال ف بخياطة الثوب بخلاف بالالتزام به.

رابعها: أن في بعض النصوص حمل عنوان الباطل علي الشرط، «2» و بديهي أن

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 248

مع ان الرواية المتقدمة الدالة علي كون اشتراط ترك التزوج و التسري مخالفا للكتاب، مستشهدا عليه بما دل من الكتاب علي اباحتهما،

كالصريحة في هذا المعني، (1) و ما سيجي ء من تأويل الرواية بعيد، مع ان قوله (عليه السلام) في رواية اسحاق ابن عمار: المؤمنون عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ظاهر. بل صريح في فعل الشارط، (2) فإنه الذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعي و يمنع باشتراطه عن المباح الشرعي إذ المراد من التحريم و الاحلال ما هو من فعل الشارط لا الشارع، و اصرح من ذلك كله المرسل المروي في الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة.

______________________________

الفعل لا يتصف به و لا يقال: أن خياطة الثوب باطلة بخلاف الالتزام.

(1) خامسها: انه في النبوي اسند الجواز الي الشرط، و المراد به بقرينة تعديه ب.

علي) مضافا الي ظهوره في نفسه- هو الجواز الوضعي، إذ الجواز التكليفي لا يتعدي ب.

علي) و لا يقال: إن شرب الماء مباح لفلان علي فلان و لو كان الحكم ضررا عليه بخلاف الجواز الوضعي و النفوذ، و معلوم أنه لا معني لكون الملتزم به جائزا بهذا المعني، بخلاف الالتزام.

(2) سادسها: النصوص المتضمنة لاستثناء الشرط المحرم و المحلل: «1» فان المحرمية و المحللية وصفان للالتزام دون الملتزم به، فإن فعل الحرام ليس محللا للحرام، بل هو فعل الحرام، بخلاف التزام الشارط بفعله فإنه تحليل له، و هناك قرائن اخر.

و بالجملة ظهور النصوص بملاحظة القرائن المشار إليها في أن المراد بالشرط هو الالتزام- مما لا ينبغي إنكاره.

فالمتحصل من هذه النصوص أن الالتزام إذا كان مخالفا للكتاب كالالتزام بحرمة ما حلله الشارع. أو حلية ما حرمه، أو ثبوت الولاء لمن جعل الله تعالي الولاء لغيره، أو كون الأجنبي وارثا أو نحو ذلك لا يكون نافذا، و أما إذا لم

يكن الالتزام مخالفا له و كان الملتزم به مخالفا فهو غير مشمول لهذه النصوص.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 249

ثمّ ان المراد بحكم الكتاب و السنة، الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له: (1) هو: ما ثبت علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط لأجل تغير موضوعه بسبب الاشتراط.

توضيح ذلك: ان حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه (2) و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طار عليه، و لازم ذلك من عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم،

و بين ثبوت حكم آخر له، إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع. و مثال ذلك اغلب المباحات و المستحبات و المكروهات بل جميعها، حيث ان تجويز الفعل و الترك انما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن الفعل أو الترك، كأكل اللحم، فإن الشرع قد دل علي اباحته في نفسه، بحيث لا ينافي عروض التحريم له إذا حلف علي تركه، أو امر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له

______________________________

نعم إذا كان الملتزم به فعل الحرام أو ترك الواجب يمكن ان يقال: إن الشارع الأقدس أمر بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و نهي عن الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف، و عليه فالإلزام بما حرمه و بترك ما أوجبه بنفسه مخالف للكتاب، و هذا بخلاف الالزام بفعل المباح أو تركه.

لا يقال: إنه في خبر العياشي عد من الشرط المخالف للكتاب: شرط ترك التزوج و التسري، مستشهدا له بما دل من الكتاب علي إباحتهما «1».

فانه يقال: إنه لا بد من حمل الخبر علي أن مورده شرط عدم ثبوت سلطنة الزوج علي التزوج و التسري، و هذا

خلاف الكتاب المثبت للسلطنة في المقامين.

(1) الرابعة: في بيان المراد من الحكم الذي يعتبر عدم مخالفة الشرع معه المصنف (رحمه الله) لما التزم بشمول الشرط للملتزم به كغيره أشكل عليه الأمر في شرط فعل المباح الذي لا إشكال في نفوذه، مع أنه مخالف للكتاب بهذا المعني و قد التجأ الي تقسيم الحكم الي قسمين:

(2) احدهما: ما يثبت للشي ء مع قطع النظر عن عروض عنوان آخر لذلك الموضوع

______________________________

(1) الوسائل- باب 20- من ابواب المهور حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 250

إذا صار مقدمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده. و قد يثبت له لامع تجرده عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه، (1) و لازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له. و هذا نظير اغلب المحرمات و الواجبات.

فإن الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع الا عن بعض العنوانات كالضرر و الحرج، فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج و الضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين، فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج إذا عرفت هذا فنقول: الشرط إذا ورد علي ما كان من قبيل الأول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب، إذ المفروض انه لا تنافي بين حكم ذلك الشي ء في الكتاب و السنة، و بين دليل الالتزام بالشرط و وجوب الوفاء به. و إذا ورد علي ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب و السنة. (2)

______________________________

مثال ذلك: المباحات و المستحبات و المكروهات، حيث إن تجويز الفعل و الترك إنما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافي طرو عنوان كالشرط يوجب المنع عن الترك أو الفعل.

(1) ثانيها: ما يثبت

له لامع تجرده عن ملاحظة العنوانات الطارئة كأغلب الواجبات و المحرمات.

(2) ثمّ افاد انه إذا ورد الشرط علي ما كان من قبيل الاول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب، و إذا ورد علي ما كان من قبيل الثاني كان مخالفا للكتاب، و هذا هو الفارق بين شرط فعل الحرام أو ترك الواجب، و بين شرط فعل المباح أو تركه.

و فيه: إن ما أفاده (رحمه الله) ثبوتا أمر ممكن، و لكن في مقام الأثبات لا دليل عليه، بل الدليل علي خلافه، فإن لسان دليل الحرام متحد مع لسان دليل المباح و المكروه، فان كان للأول إطلاق كان للثاني أيضا و الا فلا، و لكن علي ما حققناه تنحل هذه العويصة بلا حاجة الي هذه التكلفات.

توضيحه: أن المشروط إما أن يكون من الأحكام الخمسة أو من الاعتباريات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 251

و لكن ظاهر مورد بعض الاخبار المتقدمة من قبيل الاول، (1) كترك التزوج و ترك التسري، فإنهما مباحان من حيث انفسهما، فلا ينافي ذلك لزومهما بواسطة العنوانات الخارجة، كالحلف و الشرط و امر السيد و الوالد، و حينئذ فيجب اما جعل ذلك الخبر كاشفا

______________________________

أو من الأعمال فعلا أو تركا، فان كان من الأحكام التكليفية كاشتراط وجوب شي ء أو حرمته أو إباحته و هو غير متصف بذلك كان هذا شرطا مخالفا للكتاب و السنة و غير نافذ و إن كان من الاعتباريات، فتارة يكون ذلك مجعولا للشارع ابتداء من دون تسبيب من المكلف إليه ككون شخص وارثا أو ثابتا له الولاء، و اخري يكون تسبيبيا.

فإن لم يكن تسبيبيا كان شرطه من دون أن يكون مجعولا شرعا كوارثية الأجنبي و ثبوت الولاء لغير المعتق و سلطنة المرأة علي

الطلاق و نحو تلكم- مخالفا للكتاب.

و إن كان تسبيبيا فإن كان الشرط هو اعتبار الشارع لم يكن نافذا: لانه خارج عن تحت القدرة، و إن كان هو ذلك الأمر في اعتبار الملتزم، فإن كان الشارع جعل له سببا خاصا كما في الطلاق كان شرطه لاعن سببه مخالفا للكتاب، و إلا فلا،

و إن كان من الأعمال فإن كان ذلك فعل حرام أو ترك واجب كان مخالفا للكتاب،

و هو ما دل علي لزوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و النهي عن الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف، مع أنه شرط غير سائغ الذي مر عدم نفوذه.

و إن كان فعل المباح أو المكروه، أو ترك المستحب أو المباح- كان نافذا و لم يكن مخالفا للكتاب.

قال المصنف بعد تقسيمه الحكم الي القسمين، و التزامه بأن المخالف للمشروع هو ما يخالف الثاني:

(1) و لكن ظاهر مورد بعض الاخبار المتقدمة من قبيل الاول و الظاهر أن نظره الشريف الي ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة و شرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق،

فقضي في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم فإن شاء وفي لها بما اشترط و ان شاء امسكها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 252

عن كون ترك الفعلين في نظر الشارع من الجائز الذي لا يقبل اللزوم بالشرط و ان كان في انظارنا نظير ترك اكل اللحم و التمر و غيرهما من المباحات القابلة لطرو عنوان التحريم، لكن يبعده استشهاد الامام (عليه السلام) لبطلان تلك الشروط باباحة ذلك في القرآن و هو في معني اعطاء الضابطة لبطلان الشروط و أما الحمل علي ان هذه

الافعال مما لا يجوز وقوع الطلاق عليها (1) و انها لا توجب الطلاق، كما فعله الشارط، فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة، إذ الكتاب دال علي اباحتها و انها مما لا يترتب عليه حرج و لو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل، و يشهد لهذا الحمل، و ان بعد، بعض الأخبار

______________________________

و اتخذ عليها و نكح عليها «1».

و ما رواه محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) و هو بمضمون الأول، إلا أن في ذيله استدل الامام (عليه السلام) بآيات ثلاث، مبيحة للتزوج و التسري و الهجران إن أتت بسبب ذلك «2»

و قريب منهما غيرهما «3».

و هذا الايراد كما يرد علي ما أختاره المصنف (رحمه الله) يرد علي المختار و هو أن شرط فعل المباح ليس مخالفا للكتاب.

و في المقام يشكل الأمر من ناحية اخري أيضا و هي: أنه في هذا المورد يدل خبر منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) فيمن يتزوج و يجعل لله عليه أن لا يطلقها و لا يتزوج عليها: قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال: المؤمنون عند شروطهم) 4 (علي الجواز.

فمورد الكلام أمر ان:

أحدهما: في وجه امتياز هذا المباح عن سائر المباحات.

ثانيهما: في الجمع بين الأخبار المتعارضة.

(1) و المصنف (رحمه الله): حمل الاخبار المانعة علي ان هذه الافعال مما لا يجوز تعلق وقوع

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور كتاب النكاح حديث 1، و بمضمونه خبر ابن سنان في ذلك الباب.

(2) الوسائل- باب 20- من ابواب المهور حديث 6.

(3) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 253

الظاهرة في وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام، مثل رواية منصور بن يونس قال: قلت لأبي

الحسن (عليه السلام): ان شريكا لي كان تحته امرأة فطلقها، فبانت منه فأراد مراجعتها، فقالت له المرأة لا و الله لا أتزوجك ابدا حتي يجعل الله لي عليك ان لا تطلقني و لا تتزوج علي، قال و قد فعل؟ قلت: نعم، جعلني الله فداك، قال: بئس ما صنع ما كان يدري ما يقع في قلبه بالليل و النهار، ثمّ قال اما الآن فقل له فليتم للمرأة شرطها، فإن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال: المسلمون عند شروطهم. فيمكن حمل رواية محمد بن قيس علي ارادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط، فتأمل. (1)

______________________________

الطلاق عليه، و أنها لا توجب الطلاق كما فعله الشارط، فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة.

و فيه: أن خبر محمد بن مسلم من جهة ما فيه من التمسك بالآيات الثلاث المرخصة للامور المذكورة كالصريح في أن الشرط هو، ترك التزوج، و التسري، و الهجر،

(1) و الظاهر انه الي هذا نظر المصنف (رحمه الله) في امره بالتأمل و ربما يقال: إنه يحمل الأخبار المانعة علي كون الإباحة في هذه الامور لا تقبل التغير بالشرط.

و لكن يرد عليه: مضافا الي استشهاد الامام (عليه السلام) لبطلان الشرط بإباحة تلكم في القرآن و هو في معني إعطاء الضابطة لبطلان الشرط- أنه يجدي في امتياز هذا المباح عن سائر المباحات لا في الجمع بين الأخبار المتعارضة.

و الحق أن يقال: إن الأخبار المانعة محمولة علي ما لو كان الشرط عدم السلطنة علي التزوج و التسري و الهجر، و الخبر الدال علي الجواز محمول علي اشتراط ترك الزواج خارجا،

و إن قيل: إن هذا تبرعي لا شاهد له،

يتعين أن يلتزم بالتخصيص، و أن شرط المباح نافذ إلا في هذا المورد،

أو

يطرح خبر الجواز، لأشهرية معارضه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 254

ثمّ انه لا إشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي الي القسمين المذكورين و ان المخالف للكتاب هو الشرط الوارد علي القسم الثاني لا الأول، و إنما الاشكال في تمييز مصداق احدهما عن الآخر في كثير من المقامات، (1) منها كون من احد ابويه حر رقا، (2) فإن ما دل علي انه لا يملك ولد حر قابل لأن يراد به عدم رقية ولد الحر بنفسه، بمعني ان الولد ينعقد لو خلي و طبعه تابعا لأشرف الابوين، فلا ينافي جعله رقا بالشرط في ضمن عقد، و ان يراد به ان ولد الحر لا يمكن ان يصير في الشريعة رقا،

فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب و السنة الدالين علي هذا الحكم.

و منها ارث المتمتع بها (3) هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد المتعة أو عقد آخر ام لا؟ فإن الظاهر الاتفاق علي عدم مشروعية اشتراطه في ضمن عقد آخر،

و عدم مشروعية اشتراط ارث اجنبي آخر في ضمن عقد مطلقا، فيشكل الفرق حينئذ بين افراد غير الوارث و بين افراد العقود، و جعل ما حكموا بجوازه مطلقا مطابقا للكتاب و ما منعوا عنه مخالفا

______________________________

(1) و قد اشكل الامر علي جماعة في تمييز مصداق احدهما عن الآخر في كثير من المقامات و إن كان علي، ما ذكرناه من ضابط المخالفة ينحل هذا الأشكال في الفروع الآتية و إليك جملة من تلك الفروع:

(2) منها: كون من احد ابويه حر رقا: مقتضي ما ذكرناه من الضابط بطلان اشتراط رقية الحر فإنها من الاعتبارات المجعولة شرعا ابتداء،

إلا أنه وردت روايات دالة علي جواز اشتراطها، «1»

و بإزائها ما يدل علي عدم الجواز، «2»

فإن قدمنا الطائفة الثانية لا كلام،

و أما إن قدمنا المجوزة فبدلالة الاقتضاء يستكشف أن الرقية و لو في هذا المورد من الاعتبارات الشرعية التسبيبية التي يتسبب إليها بالشرط.

(3) و منها: ارث المتمتع بها مقتضي ما ذكرناه بطلان اشتراط وارثيتها، و صحة اشتراط إعطاء مقدار من المال بعد وفاته لها فإنه يدخل في الوصية، و لعله بذلك يجمع

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب كتاب العتق و باب 10 من ابواب كتاب المكاتبة.

(2) الوسائل- باب 75- من ابواب كتاب العتق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 255

الا ان يدعي ان هذا الاشتراط مخالف للكتاب الا في هذا المورد أو ان الشرط المخالف للكتاب ممنوع الا في هذا المورد، و لكن عرفت وهن الثاني، و الاول يحتاج الي تأمل.

و منها انهم اتفقوا علي جواز اشتراط الضمان في العارية، (1) و اشتهر عدم جوازه في عقد الاجارة، فيشكل ان مقتضي ادلة عدم ضمان الامين عدم ضمانه في نفسه، من غير اقدام عليه بحيث لا ينافي اقدامه علي الضمان من اول الامر أو عدم مشروعية ضمانه و تضمينه و لو بالاسباب، كالشرط في ضمن عقد تلك الامانة أو غير ذلك.

و منها اشتراط ان لا يخرج بالزوجة الي بلد آخر، (2) فانهم اختلفوا في جوازه و الاشهر علي الجواز، و جماعة علي المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث وجوب اطاعة الزوج، و كون مسكن الزوجة و منزلها باختياره، و اورد عليهم بعض المجوزين: بأن هذا جار في جميع الشروط السائغة، من حيث ان الشرط ملزم لما ليس بلازم فعلا أو تركا.

______________________________

بين النصوص المتعارضة الدال بعضها علي أنها ترث مع الاشتراط، «1» و الدال آخر علي أنها لا ترث و إن اشترط، «2»

و

علي التقديرين لا وجه للفرق بين أفراد غير الوارث و افراد العقود.

(1) و منها: انهم اتفقوا علي جواز اشتراط الضمان في العارية و اشتهر عدم جوازه في عقد الاجارة، مقتضي القاعدة التي أسلفناها: بطلان اشتراط الضمان مطلقا،

و لكن وردت الروايات الخاصة الدالة علي الضمان مع الاشتراط، في العارية «3»

و بها يخصص ما دل علي عدم الضمان في العارية «4».

(2) و منها: اشتراط ان لا يخرج بالزوجة الي بلد آخر إذا اشترط عدم كون اختيار المكان بيد الزوج كان الشرط مخالفا للكتاب، و إذا اشترط أن لا يخرج بالزوجة من بلد اختارته صح الشرط و لم يكن مخالفا له

______________________________

(1) الوسائل- باب 32 من ابواب المتعة، و باب 17 من ابواب ميراث الازواج.

(2) نفس المصدر.

(3) الوسائل- باب 1 من ابواب كتاب العارية:

(4) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 256

و بالجملة فموارد الاشكال في تمييز الحكم الشرعي القابل لتغيره بالشرط بسبب تغير عنوانه عن غير القابل كثيرة، يظهر للمتتبع، فينبغي للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنة الدالين علي الحكم الذي يراد تغيره بالشرط و التأمل فيه، حتي يحصل له التميز و يعرف ان المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافي لقوله (صلي الله عليه و آله): الولاء لمن اعتق. أو من قبيل ثبوت الخيار للمتبايعين الغير المنافي لقوله (عليه السلام) إذا افترقا وجب البيع أو عدمه لهما في المجلس، مع قوله (عليه السلام) البيعان بالخيار ما لم يفترقا. الي غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة المخالفة حكما، فإن لم يحصل له بني علي أصالة عدم المخالفة، فيرجع الي عموم: المؤمنون عند شروطهم، و الخارج عن هذا العموم و ان كان هو المخالف واقعا للكتاب و السنة، لاما علم

مخالفته الا ان البناء علي اصالة عدم المخالفة (1) يكفي في احراز عدمها واقعا، كما في سائر مجاري الاصول، و مرجع هذا الاصل الي اصالة عدم ثبوت هذا الحكم علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط (2) مثلا نقول ان الاصل عدم ثبوت الحكم بتسلط الزوج علي الزوجة من حيث المسكن، لا من حيث هو لو خلي، و طبعه، و لم يثبت في

______________________________

و قد عرفت أنه بناء علي ما ذكرناه لا يبقي مورد للشك، إذ لو كان الحكم علي خلاف الشرط ثابتا و لو بحكم الاطلاق كان مخالفا له، و إلا فلا، و لو شك في وجوده الأصل عدمه.

و لكن المصنف (رحمه الله) لما قسم الحكم الي قسمين: قسم قابل للتغير، و قسم غير قابل له: اشكل عليه الأمر في بعض الموارد،

(1) و كيف كان فقد ذهب المصنف (رحمه الله) الي ان مقتضي الاصل في الموارد المشكوك فيها إجراء حكم الشرط الصحيح.

و ذكر في وجهه ما حاصله: أن موضوع أدلة النفوذ أمران: أحدهما: الاشتراط و هو محرز بالوجدان، ثانيهما: عدم المخالفة و هو يحرز بالأصل و هو.

(2) اصالة عدم ثبوت هذا الحكم علي وجه لا يقبل التغير بالشرط و فيه: أن ترتب عدم المخالفة علي عدم كون الحكم بنحو لا يقبل التغير ليس شرعيا،

بل هو عقلي فلا يثبت ذلك بإجراء الأصل فيه، مع أن هذا العنوان- أي كون الحكم غير قابل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 257

صورة الزام الزوج علي نفسه بعض خصوصيات المسكن، لكن هذا الاصل انما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال علي الحكم في اطلاقه، بحث يشمل صورة الاشتراط، كما في اكثر الادلة المتضمنة للاحكام المتضمنة للرخصة و التسليط.

فإن الظاهر سوقها في مقام بيان

حكم الشي ء من حيث هو الذي لا ينافي طرو خلافه، لملزم شرعي، كالنذر و شبهه من حقوق الله و الشرط و شبهه من حقوق الناس. اما ما كان ظاهره العموم، كقوله لا يملك ولد حر، فلا مجري فيه لهذا الاصل،

ثمّ ان بعض مشايخنا المعاصرين (1) بعد ما خص الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه في الاخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب، و ان التزام فعل المباح أو الحرام أو ترك المباح أو الواجب خارج عن مدلول تلك الاخبار، ذكر ان المتعين في هذه المورد: ملاحظة التعارض بين ما دل علي حكم ذلك الفعل و ما دل علي وجوب الوفاء بالشرط، و يرجع الي المرجحات

______________________________

للتغير- لم يؤخذ موضوعا لحكم من الأحكام، فلا يكون جاريا في نفسه.

و ربما يقال في تقريب هذا الأصل: وجهان آخران:

أحدهما: أنه لا ريب في كون الأحكام تدريجية بحسب البيان، فقبل بيان الحكم الذي يحتمل كونه مخالفا للشرط لم يكن هذا الشرط مخالفا للكتاب، و بعد بيانه يشك في ذلك، فيجري استصحاب العدم النعتي.

و فيه: أنه إن اريد إجراء الأصل في الشرط المتحقق في ذلك الزمان فهو لا ينفع بالنسبة الي هذا الشرط، و إن اريد اجراؤه في هذا الشرط كان استصحابا تعليقيا.

ثانيهما: استصحاب عدم المخالفة الأزلي، و لا بأس به بناء علي المختار من جريانه.

(1) هو الفاضل النراقي في عوائده: قال انه في موارد اشتراط ما هو مخالف للكتاب يقع التعارض بين دليل وجوب الوفاء بالشرط و دليل ذلك الفعل، و يرجع الي المرجحات.

و ما أفاده مركب من أمرين مترتبين.

أحدهما: أن الشرط المخالف للكتاب منحصر بما إذا كان المشروط حكما مخالفا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 258

و ذكر ان المرجح في مثل اشتراط

شرب الخمر هو الاجماع، قال و ما لم يكن فيه مرجح، يعمل فيه بالقواعد و الاصول، و فيه من الضعف ما لا يخفي مع ان اللازم علي ذلك الحكم بعدم لزوم الشرط، بل عدم صحته في جميع موارد عدم الترجيح (1)

لأن الشرط ان كان فعلا يجوز تركه، كان اللازم مع تعارض ادلة وجوب الوفاء بالشرط، و ادلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع الي اصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط، فلا يلزم. بل لا يصح و ان كان فعل محرم أو ترك واجب لزم الرجوع الي اصالة بقاء الوجوب و التحريم الثابتين قبل الاشتراط. فالتحقيق ما ذكرنا من ان من الاحكام المذكورة في الكتاب و السنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه، كأكثر ما ترخص في فعله و تركه. و منها ما لا يقبله كالتحريم، و كثير من موارد الوجوب و أدلة الشروط حاكمة علي القسم الأول دون الثاني، فإن اشتراطه مخالف لكتاب الله، كما عرفت و عرفت حكم صورة الشك، و قد تفطن (قدس سره)

لما ذكرنا في حكم القسم الثاني و ان الشرط فيه مخالف للكتاب بعض التفطن بحيث كاد أن يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين ادلة وجوب الوفاء بالشرط، و ادلة حرمة شرب الخمر، فقال: و لو جعل هذا الشرط من اقسام الشرط المخالف للكتاب و السنة، كما يطلق عليه عرفا لم يكن بعيدا، انتهي.

______________________________

لما ثبت في الكتاب ككون أمر الطلاق بيد المرأة، و الولاء لغير المعتق و نحو ذلك،

و هذا ينطبق علي ما ذكرناه و اخترناه.

ثانيهما: أنه بناء علي الاختصاص المذكور يقع التعارض بين الدليل المثبت للحرمة أو الوجوب و دليل نفوذ الشرط، فلا بد من إعمال قواعد التعارض،

و لكن قد مر أن شرط فعل الحرام أو ترك الواجب يؤول الي الشرط المخالف للكتاب بالتقريب الذي قدمناه بلا وصول النوبة الي إعمال قواعد التعارض.

(1) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بانه يلزم مما ذكره اعمال قواعد التعارض و الرجوع الي الأصل حتي في صورة اشتراط ترك المباح، و لا يلتزم بذلك أحد.

و فيه: أن الدليل المثبت للحكم غير الالزامي للشي ء بعنوانه الأولي لا يصلح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 259

و مما ذكرنا من انقسام الاحكام الشرعية المدلول عليها في الكتاب و السنة علي قسمين، يظهر لك معني قوله (عليه السلام) في رواية اسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما، فإن المراد بالحلال و الحرام فيهما ما كان كذلك بظاهر دليله حتي مع الاشتراط، نظير شرب الخمر و عمل الخشب صنما أو صورة حيوان، و نظير مجامعة الزوج التي دل بعض الاخبار السابقة علي عدم ارتفاع حكمها اعني الاباحة، متي اراد الزوج باشتراط كونها بيد المرأة، و نظير التزوج و التسري و الهجر حيث دل بعض تلك الاخبار علي عدم ارتفاع اباحتها باشتراط تركها معللا بورود الكتاب العزيز باباحتها. أما ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه أو كان حراما، كذلك فلا يلزم من اشتراط فعله أو تركه، الا تغير عنوان الحلال و الحرام

الموجب لتغير الحل و الحرمة، فلا يكون حينئذ تحريم حلال و لا تحليل حرام، أ لا تري انه لو نهي السيد عبده، أو الوالد ولده عن فعل مباح، اعني مطالبة ماله في ذمة غريمه، أو حلف المكلف علي تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا

من حيث طرو عنوان معصية السيد و الوالد، و عنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال، فكذلك ترك ذلك الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به و كذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها الي بلد آخر محرم في نفسه. و كذلك امتناعها من المجامعة، و لا ينافي ذلك حليتها باشتراط عدم اخراجها عن بلدها، أو باشتراط عدم مجامعتها، كما في بعض النصوص.

و بالجملة، فتحريم الحلال و تحليل الحرام، انما يلزم مع معارضة ادلة الوفاء بالشرط لأدلّة اصل الحكم حتي يستلزم وجوب الوفاء مخالفة ذلك و طرح دليله.

اما إذا كان دليل الحكم لا يفيد الا ثبوته لو خلي الموضوع و طبعه، فإنه لا يعارضه ما دل علي ثبوت ضد ذلك الحكم إذا طرأ علي الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك الحكم له الا مجردا عن ذلك العنوان

______________________________

للمعارضة مع ما يثبت الحكم الالزامي له بالعنوان الثانوي، لأن اللااقتضاء لا يعارض ماله الاقتضاء، فينحصر التعارض- لو سلم- بما لو اشترط ترك الواجب أو فعل الحرام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 260

ثمّ انه يشكل الامر في استثناء الشرط المحرم للحلال (1) علي ما ذكرنا في معني الرواية بأن ادله حلية اغلب المحللات بل كلها، انما تدل حليتها في انفسها لو خليت و انفسها، فلا تنافي حرمتها من اجل الشرط، كما قد تحرم من اجل النذر و أخويه. و من جهة اطاعة الوالد و السيد و من وجه صيرورتها علة للمحرم و غير ذلك من العناوين الطارئة لها.

نعم، لو دل دليل حل شي ء علي الحلية المطلقة، نظير دلالة ادلة المحرمات بحيث لا يقبل طرو عنوان مغير عليه اصلا، أو خصوص الشرط من بين العناوين، أو دل الدليل من الخارج علي كون

ذلك الحلال كذلك، كما دل بعض الاخبار بالنسبة الي بعض الافعال، كالتسري، و التزوج، و ترك الجماع من دون ارادة الزوجة، كان مقتضاه فساد اشتراط خلافه. لكن دلالة نفس دليل الحلية علي ذلك لم توجد في مورد، و الوقوف مع الدليل الخارج الدال علي فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك، إذ مورد الشك حينئذ محكوم بصحة الاشتراط. و مورد ورود الدليل علي عدم تغير حل الفعل باشتراط تركه مستغن عن الضابطة مع ان الامام علل فساد الشرط في هذه الموارد بكونه محرما للحلال،

كما عرفت في الرواية التي تقدمت في عدم صحة اشتراط عدم التزوج و التسري،

معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال علي اباحتها.

نعم، لا يرد هذا الاشكال في طرف تحليل الحرام، لأن ادلة المحرمات قد علم دلالتها علي التحريم، علي وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما، بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام عما يجب الوفاء به دليل علي ارادة الحرام في نفسه لو لا الشرط و ليس كذلك في طرف المحرم للحلال، فإنا قد علمنا ان ليس المراد الحلال لو لا الشرط لأن تحريم المباحات لاجل الشرط فوق حد الاحصاء، بل اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات و ترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا أو تركا.

______________________________

(1) محصله: ان شرط المباح و الحلال نافذ بلا كلام فما معني عدم نفوذ الشرط المحرم للحلال؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 261

و ربما يتخيل أن هذا الاشكال مختص بما دل علي الإباحة التكليفية، كقوله تحل كذا و تباح كذا، اما الحلية التي تضمنها الاحكام الوضعية، كالحكم بثبوت الزوجية أو الملكية أو الرقية أو أضدادها، فهي أحكام لا تتغير لعنوان أصلا، فإن الانتفاع بالملك

في الجملة و الاستمتاع بالزوجة، و النظر الي امها و بنتها من المباحات التي لا تقبل التغيير. و لذا ذكر في مثال الصلح المحرم للحلال ان لا ينتفع بماله أو لا يطأ جاريته.

و بعبارة اخري: ترتب آثار الملكية علي الملك في الجملة، و آثار الزوجية علي الزوج كذلك من المباحات التي لا تتغير عن اباحتها، و إن كان ترتب بعض الآثار قابلا لتغير حكمه الي التحريم، كالسكني فيما لو اشترط اسكان البائع فيه مدة،

و اسكان الزوجة في بلد اشترط ان لا يخرج إليه، أو وطئها مع اشتراط عدم وطئها اصلا، كما هو المنصوص و لكن الانصاف انه كلام غير منضبط، فإنه كما جاز تغير اباحة بعض الانتفاعات كالوطي في النكاح، و السكني في البيع الي التحريم لأجل الشرط كذلك يجوز تغير اباحة سائرها الي الحرمة، فليس الحكم بعدم تغير اباحة مطلق التصرف في الملك و الاستمتاع بالزوجة، لاجل الشرط الا للاجماع أو لمجرد الاستبعاد. و الثاني غير معتد به و الاول يوجب ما تقدم من عدم الفائدة في بيان هذه الضابطة، مع ان هذا العنوان اعني تحريم الحلال و تحليل الحرام، انما وقع مستثني في ادلة انعقاد اليمين. و ورد انه لا يمين في تحليل الحرام و تحريم الحلال. و قد ورد بطلان الحلف علي ترك شرب العصير المباح دائما، معللا بأنه ليس لك ان تحرم ما احل الله.

و من المعلوم ان اباحة العصير لم يثبت من الاحكام الوضعية، بل هي من الاحكام التكليفية الابتدائية.

______________________________

و أما ما دل علي عدم نفوذ شرط التسري «1» و نحوه- فنفس ذلك الدليل يكفي لعدم نفوذ الشرط في ذلك المورد بلا حاجة الي هذا الضابط، فهذا لا يترتب عليه

فائدة في مورد أصلا.

و ملخص القول في المقام: أنه قيل في تفسير تحريم الحلال الذي تضمنه الخبر «2» امور

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور كتاب النكاح

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 262

و بالجملة فالفرق بين التزوج و التسري اللذين ورد عدم جواز اشتراط تركهما معللا بأنه خلاف الكتاب الدال علي اباحتهما و بين ترك الوطي الذي ورد جواز اشتراطه، و كذا بين ترك شرب العصير المباح الذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا بأنه من تحريم الحلال و بين ترك بعض المباحات المتفق علي جواز الحلف عليه في غاية الاشكال، و ربما قيل في توجيه الرواية، و توضيح معناها ان معني قوله الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما، اما ان يكون الا شرطا حرم وجوب الوفاء به الحلال و أما ان يكون الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال و الاول مخالف لظاهر العبارة مع منا قضته لما استشهد به الامام (عليه السلام) في رواية منصور بن يونس المتقدمة الدالة علي وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق و التزوج، بل يلزم كون الكل لغوا إذ ينحصر مورد المسلمون عند شروطهم، باشتراط الواجبات و اجتناب المحرمات،

فيبقي الثاني، و هو ظاهر الكلام، فيكون معناه الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال، ثمّ قال فإن قيل: إذا شرط عدم فعله فلا يرضي بفعله، فيجعله حراما عليه، قلنا لا نريد ان معني الحرمة طلب الترك من المشترط بل جعله حراما ذاتيا، اي مطلوب الترك شرعا و لا شك ان شرط عدم فعل بل نهي شخص عن فعل لا يجعله حراما شرعيا. ثمّ قال فإن قيل الشرط من

حيث هو مع قطع النظر عن ايجاب الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا و تحريما شرعا فلا يحرم و لا يحلل. قلنا ان اريد انه لا يوجب تحليلا و لا تحريما شرعيا بحكم الشرط فهو ليس

______________________________

الاول: ما أفاده المصنف (رحمه الله) و هو ان المراد بالتحليل: الترخيص، و بالتحريم: المنع،

و لكن المراد بالحلال و الحرام هو ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط، و قد تقدم توجيه التفصيل بين الأحكام و ما يرد عليه، فراجع.

و ما ذكره في المقام تكرار لما سبق فلا مورد لاطالة الكلام في ذلك و نقده و انما المهم ذكر ما افاده المحققان النراقي و القمي، و توجيه ما افاداه و ما يرد عليهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 263

كذلك، بل حكم الشرط ذلك، و هو معني تحريم الشرط و تحليله، (1) و علي هذا فلا اجمال في الحديث، و لا تخصيص في ذلك كالنذر و العهد و اليمين، فإن من نذر ان لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لو نذر ان يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا أو يحرم ذلك علي نفسه شرعا لم ينعقد، انتهي.

اقول: لا أفهم معني محصلا لاشتراط حرمة الشي ء أو حليته شرعا، فإن هذا امر غير مقدور للمشترط و لا يدخل تحت الجعل، فهو داخل في غير المقدور، (2)

و لا معني لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لأن هذا لا يمكن عقلا الوفاء به، إذ ليس فعلا خصوصا للمشترط و كذلك الكلام في النذر و شبهه.

و العجب منه قدس سره حيث لاحظ ظهور الكلام في كون المحرم و المحلل نفس الشرط، و لم يلاحظ كون الاستثناء من الافعال التي يعقل الوفاء بالتزامها و حرمة الشي ء شرعا لا يعقل

فيها الوفاء و النقض. و قد مثل جماعة للصلح المحلل للحرام بالصلح علي شرب الخمر و للمحرم للحلال بالصلح علي ان لا يطأ جاريته و لا ينتفع بماله و كيف كان، فالظاهر بل المتعين أن المراد بالتحليل و التحريم المستندين إلي الشرط هو الترخيص و المنع، نعم المراد بالحلال و الحرام ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط لاما كان حلالا لو خلي، و طبعه، بحيث لا ينافي عروض عنوان التحريم له لأجل الشرط. و قد ذكرنا أن المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل حلية ذلك الشي ء أو حرمته، و بين وجوب الوفاء بالشرط و عدم وقوعه.

______________________________

(1) الثاني: ما عن المحقق النراقي، و حاصله: ان فاعل حرم و احل في قوله (عليه السلام): الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما: هو الشرط، و هذا لا يتحقق إلا بكون الملتزم به حرمة الحلال أو حلية الحرام،

و أما اشتراط ترك الحلال فهو شرط ترك التصرف دون حرمة الحلال.

و أورد عليه المصنف (رحمه الله) بإيرادين:

(2) احدهما: ان الحكم الشرعي امره بيد الشارع و غير مقدور للمكلف و لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 264

ففي الأول يكون الشرط علي تقدير صحته مغيرا للحكم الشرعي.

و في الثاني يكون مغيرا لموضوعه، فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي الصلح و الشرط، انهما لا يغيران حكما شرعيا، بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم لأجل الوفاء بالصلح و الشرط، كالنذر و شبهه. و أما تغييرهما لموضوع الاحكام الشرعية ففي غاية الكثرة، بل هما موضوعان لذلك. و قد ذكرنا ان الاشكال في كثير من الموارد في تميز احد القسمين من الاحكام عن الآخر، و مما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء

______________________________

يدخل تحت

الجعل، و لا معني لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لعدم إمكان الوفاء به عقلا.

و فيه: أولا أن شرط النتيجة لا يعتبر فيه إلا كونها واقعة بسبب الشرط و لو لا الاستثناء لكنا ملتزمين بأن شرط حرمة الحلال نافذ، و كنا نستفيد كونها مما يقع بالسبب من عموم دليل نفوذ الشرط الشامل له.

و ثانيا: أن بطلان هذا الشرط من جهة اخري غير هذه الجهة لا يكون مضرا.

و ثالثا: أن الشرط المحرم للحلال لا ينحصر بشرط حرمة ما يكون حلالا تكليفا،

بل يشمل ما لو اشترط حرمة ما هو حلال وضعا كعدم كون الطلاق بيد الزوج و نحو ذلك من الاعتباريات، و من المعلوم أن المشروط حينئذ هو ذلك الأمر في اعتبار نفسه، و لو لا هذا الاستثناء و ما دل علي أن الشرط المخالف للكتاب لا يكون نافذا لكنا ملتزمين بنفوذه.

ثانيهما: أن استثناء الشرط المحرم إنما يكون من الشرط الذي يجب الوفاء به، و ليست الحرمة و الحلية من أفعال المكلف، كي يجب الوفاء بهما.

و فيه: أن الوفاء لا يختص بشرط الفعل، فإنه بمعني الإنهاء و عدم النقض، و هذا يتصور في شرط النتيجة أيضا، و سيأتي زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالي.

فتحصل: أن ما أفاده المحقق النراقي حق لا ريب فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 265

يقرب من هذا التفسير الذي تكلمنا عليه، ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في رسالته التي الفها في هذه المسألة، (1) فإنه بعد ما ذكر من امثلة الشرط الغير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه و التزامه شرب الخمر و الزنا و نحو هما من المحرمات.

و من امثلة ما يكون التزامه و الاستمرار عليه من المحرمات: فعل المرجوحات و

ترك المباحات و فعل المستحبات كأن يشترط تقليم الاظفار بالسن ابدا، و ان لا يلبس الخز ابدا و لا يترك النوافل، فإن جعل المكروه أو المستحب واجبا، و جعل المباح حراما حرام الا برخصة شرعية حاصلة من الاسباب الشرعية، كالنذر و شبهه فيما ينعقد فيه.

و يستفاد ذلك من كلام علي (عليه السلام) في رواية اسحاق بن عمار: من اشترط لامرأته شرطا، فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما، قال (قدس سره).

فإن قلت: ان الشرط كالنذر و شبهه من الاسباب الشرعية المغيرة للحكم، بل الغالب فيه هو ايجاب ما ليس بواجب، فإن بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مباح. و أما لو اشترط في ضمن عقد آخر يصير واجبا، فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الأمثلة. قلت الظاهر من تحليل الحرام و تحريم الحلال هو تأسيس القاعدة، و هو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة ببعض الافعال علي سبيل العموم، من دون النظر إلي خصوصية فرد. فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلي، و كذا حلية المبيع، فالتّزوج و التّسرّي امر كلي حلال، و التزام تركه مستلزم لتحريمه و كذلك جميع احكام الشرع من التكليفية و الوضعية و غيرها انما يتعلق بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها، فالمراد من تحليل الحرام و تحريم الحلال المنهي عنه هو ان يحدث المشترط قاعدة كلية و يبدع حكما جديدا. و قد اجيز في الشرع البناء علي الشروط الا شرطا اوجب ابداع حكم كلي جديد مثل تحريم التزوج و التسري و إن كان بالنسبة الي نفسه فقط.

______________________________

(1) الثالث: ما عن المحقق القمي (رحمه الله) و قد جعله

المصنف (رحمه الله) قريبا مما افاده المحقق النراقي، مع أن بينهما بونا بعيدا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 266

و قد قال الله تعال: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) و كجعل الخيرة في الجماع و الطلاق بيد المرأة.

و قد قال الله تعالي: (الرجال قوامون علي النساء) و فيما لو اشترطت عليه ان لا تتزوج أو لا تتسري بفلانة خاصة اشكال، (1) فما ذكر في السؤال من وجوب البيع الخاص الذي يشترطانه في ضمن عقد ليس مما يوجب احداث حكم للبيع و لا تبديل حلال الشارع و حرامه، و كذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب الي ان قال (قدس سره).

و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط، لما يشترطانه من الشروط الجائزة،

ليس من باب تحليل حرام أو تحريم حلال، أو ايجاب جائز، علي سبيل القاعدة. بل الذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو وجوب العمل علي ما يشترطانه و هذا الحكم، ايضا

______________________________

محصل ما أفاده المحقق القمي (رحمه الله): أن معني تحريم الحلال جعل المباح حراما و هو إنما يكون فيما لو اشترط ترك المباح رأسا بالمرة، و أما لو اشترط تركه في الجملة فهو ليس من تحريم الحلال.

و بعبارة اخري: أن تحريم الحلال إنما هو بتأسيس القاعدة و اشتراط ترك ما حلله الشارع و هو الكلي دون الجزئيات، فإن الأحكام الشرعية متعلقة بالطبائع دون الجزئيات،

فاشتراط ترك المباح رأسا تحريم للحلال، و أما اشتراط ترك بعض الأفراد الذي لا يكون الحلية مجعولة له فليس من تحريم الحلال.

و فيه: أولا: أن الحكم و إن كان مجعولا علي الكلي، إلا أنه من جهة كونه مرآتا للأفراد و فعلية الحكم إنما تكون بفعلية موضوعه و تحققه خارجا، فالفرد الخارجي محكوم

بالحلية الفعلية، فلا محالة يكون تحريمه تحريما للحلال.

و بعبارة اخري: لا فرق بين الكلي و الجزئي من هذه الجهة.

و ثانيا: أن ما افاده يجري في تحليل الحرام أيضا و هو لم يلتزم بذلك فيه.

(1) قوله و فيما لو اشترطت عليه ان لا تتزوج أو لا تتسري بفلانة خاصة اشكال لا ينبغي الاشكال في صحته علي مسلك المحقق القمي (رحمه الله): فانه ليس تحريما لما هو محكوم بالحلية و مجعول له ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 267

من جعل الشارع. فقولنا العمل علي مقتضي الشرط الجائز واجب، حكم كلي شرعي، و حصوله ليس من جانب شرطنا حتي يكون من باب تحليل الحرام و عكسه، بل انما هو صادر من الشارع، انتهي كلامه رفع مقامه و للنظر في مواضع من كلامه مجال، فافهم و الله العالم الشرط الخامس ان لا يكون منافيا لمقتضي العقد، (1) و إلا لم يصح لوجهين:

احدهما: وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلف عنه

______________________________

الشرط المنافي لمقتضي العقد

(1) الشرط الخامس: ان لا يكون منافيا لمقتضي العقد و الا لم يصح كما هو المشهور بين الأصحاب.

قال في محكي الغنية: من الشروط الفاسدة بلا خلاف: أن يشترط ما يخالف مقتضي العقد.

و في القواعد: من المخالف للمشروع اشتراط ما ينافي مقتضي العقد.

و عن غير واحد دعوي الإجماع عليه.

و ملخص القول في المقام أن شرط الفعل خارج عن الشرط المنافي لمقتضي العقد،

و هو واضح.

و أما شرط النتيجة فتارة يشترط خلاف مضمون العقد أو ما يتقوم به، كأن يبيع بشرط أن لا يملك أو بلا ثمن، و اخري يشترط خلاف ما هو من لوازم مقتضي العقد.

أما الأول، فإن كان المنافي مقصودا في عرض قصد العقد فحيث إن

قصد المتنافيين من العاقل الملتفت محال فلا يعقل القصد الي البيع و الشرط معا.

نعم إن لم يكن قاصدا جدا للشرط، بل كان هازلا به بطل الشرط خاصة.

و إن قصد الشرط بعد ما قصد العقد بأن قصد البيع حقيقة ثمّ بدا له أن يعقبه بعدم الثمن مثلا، فإن لم يرفع اليد عما قصده أولا كان قصد الشرط محالا فيختص هو بالبطلان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 268

و بين الشرط الملزم لعدم تحققه، فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط (1) فلا بد اما ان يحكم بتساقط كليهما. و أما ان يقدم جانب العقد، لأنه المتبوع المقصود بالذات، و الشرط تابع و علي كل تقدير لا يصح الشرط.

الثاني: ان الشرط المنافي مخالف للكتاب و السنة (2) الدالين علي عدم تخلف العقد عن مقتضاه، فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب. و لذا ذكر في التذكرة ان اشتراط عدم بيع المبيع مناف لمقتضي ملكيته، فيخالف قوله (صلي الله عليه و آله) (الناس مسلطون علي أموالهم) و دعوي أن العقد إنما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقا خروج عن محل الكلام.

______________________________

و أما الثاني، فإن كان اللازم حكما غير قابل للزوال و الانفكاك كاللزوم الحكمي الثابت في بعض العقود كان الشرط باطلا، لكونه خلاف الكتاب و السنة.

و إن كان حقا قابلا لذلك، فإن لم يكن مما يعتبر فيه لفظ خاص كشرط الخيار في البيع صح البيع و الشرط، و إلا- أي كان مما يعتبر فيه لفظ خاص- بطل الشرط و هو واضح، هذا هو حق القول في المقام.

و قد ذكر المصنف (رحمه الله) وجهين لاعتبار هذا الشرط:

(1) احدهما: انه بعد وقوع التنافي بين ما يقتضيه العقد و ما يقتضيه

الشرط يستحيل الوفاء بالعقد المقيد بهذا الشرط، فإما أن يحكم بتساقطهما أو يقدم جانب العقد،

لأن العقد مقصود بالذات، و الشرط تابع، فكأنه مرجح لجانب العقد.

و فيه أولا: أنه لو تم لاختص بالقسم الأول، كما أن الوجه الثاني في كلامه مختص بالقسم الثاني، فهما لا يتواردان علي مورد واحد.

و ثانيا: أنه لا يتم من جهة ما عرفت من عدم معقولية القصد الجدي بالنسبة اليهما،

فلا تصل النوبة الي استحالة الوفاء.

هذا إذا قصد هما في عرض واحد، و إلا وجب الوفاء بالعقد دون الشرط كما تقدم.

(2) ثانيهما: ان الشرط المنافي مخالف للكتاب و السنة الدالين علي ذلك اللازم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 269

إذ الكلام فيما يقتضيه مطلق العقد و طبيعته السارية في كل فرد منه لاما يقتضيه العقد المطلق بوصف اطلاقه و خلوه عن الشرائط و القيود حتي لا ينافي تخلفه عنه لقيد يقيده و شرط يشترط فيه هذا كله مع تحقق الاجماع علي بطلان هذا الشرط، فلا اشكال في اصل الحكم، و إنما الاشكال في تشخيص آثار العقد التي لا يتخلف عن مطلق العقد في نظر العرف أو الشرع، و تميزها عما يقبل التخلف لخصوصية تعتري العقد، و ان اتضح ذلك في بعض الموارد، لكون الأثر كالمقوم العرفي للبيع أو غرضا اصليا، كاشتراط عدم التصرف اصلا في المبيع، (1) و عدم الاستمتاع اصلا بالزوجة حتي النظر و نحو ذلك، الا أن الأشكال في كثير من المواضع خصوصا بعد ملاحظة اتفاقهم علي الجواز في بعض المقامات، و اتفاقهم علي عدمه فيما يشبهه،

و يصعب الفرق بينهما و ان تكلف له بعض مثلا المعروف عدم جواز المنع عن البيع و الهبة في ضمن عقد البيع، و جواز اشتراط عتقه بعد

البيع بلا فصل، أو وقفه حتي

______________________________

و فيه: مضافا الي ما تقدم: أنه يتم في بعض اللوازم دون جميعها، مع أن الكلام إنما هو في اعتبار شرط غير ما تقدم، فلا يصح الاستدلال له به.

و قد يقرب الدليل العقلي المتقدم بتقريب آخر، و هو ما عن المحقق النراقي (رحمه الله)، و هو:

أن الشرط المنافي مستلزم لفساد العقد و عدم ترتب مقتضاه، و هو يستلزم فساد الشرط،

لكونه واقعا في ضمن عقد غير صحيح.

و فيه: ما تقدم من عدم معقولية هذا الشرط و العقد فلا تصل النوبة الي البحث في الصحة و الفساد.

و مما ذكرناه ظهر أنه لا يبقي الأشكال في تشخيص الصغريات بحسب الأدلة، إذ المقوم حاله معلوم، و اللازم قد تقدم حاله في الشرط السابق،

و لكن تبعا للشيخ (رحمه الله) نتعرض للموارد التي توهم كونها من موارد الشبهة.

(1) منها: اشتراط عدم التصرف في المبيع نظرا الي ان الاثر كالمقوم العر في للمبيع أو غرضا أصليا.

و لكن التصرف في الجملة في المبيع من لوازم الملكية لا من مقوماتها، بل ربما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 270

علي البائع و ولده، كما صرح به في التذكرة، و قد اعترف في التحرير بأن اشتراط العتق، مما ينافي مقتضي العقد، و انما جار لبناء العتق علي التغليب. و هذا لو تم لم يجز في الوقف خصوصا علي البائع و ولده، فإنه شرط مناف كالعتق ليس مبنيا علي التغليب، و لأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف و الاشكال في ان الشرط الفلاني مخالف لمقتضي العقد ام لا منها اشتراط عدم البيع، (1) فإن المشهور عدم الجواز، لكن العلامة في التذكرة: استشكل في ذلك بل قوي بعض من تأخر عنه صحته.

و منها

ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان من جواز الشركة فيه إذا قال الربح لنا و لا خسران عليك، لصحيحة رفاعة في الشركة في الجارية قال: و منعه ابن ادريس لأنه مناف لقضية الشركة (2) قلنا: لا نسلم ان تبعية المال لازمة لمطلق الشركة، بل للشركة المطلقة، و الاقرب تعدي الحكم الي غير الجارية من المبيعات انتهي

______________________________

يتخلف عنها كما في المحجور عليه، و كونه غرضا أصليا لا يوجب البطلان، و عليه فإن شرط عدم جواز التصرف بطل، لكونه مخالفا للكتاب، و إن اشترط عدم التصرف خارجا صح العقد و الشرط.

(1) و منها: اشتراط عدم البيع و المشهور بين الاصحاب و ان كان عدم جواز هذا الشرط إلا أنه لعدم كونه إجماعيا، لوجود المخالف، و عدم كونه تعبديا لو كان إجماعيا لاستناد المجمعين الي ما سيمر عليك لا يكون ذلك مدركا.

و قد استدل للبطلان بكونه خلاف مقتضي العقد، فإنه يقتضي السلطنة علي المبيع بالتصرف فيه بالبيع و شبهه، فاشتراط عدم البيع مناف لذلك.

و فيه: أن هذا يتم لو اشترط عدم السلطنة علي البيع، و لعله مورد نظر المشهور،

و الوجه فيه حينئذ كونه مخالفا للكتاب، و أما لو اشترط عدم البيع خارجا فلا محذور فيه.

(2) و منها: ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان من جواز الشركة فيه … و منعه ابن ادريس لانه مناف لمقتضي الشركة و تقريب كون هذا الشرط مخالفا لمقتضي العقد: أن مقتضي الشركة كون العين لهما و الثمن تابع للعين بمعني أن من له العين ينتقل تمام الثمن إليه بمقتضي المعاوضة و البيع المقتضي لدخول العوض في كيس من خرج المعوض عن ملكه، كما أن من له النصف ينتقل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 271

و منها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية، و عدم جوازه في الاجارة، (1) مستدلين بأن مقتضي عقد الاجارة عدم ضمان المستأجر، فاورد عليهم المحقق الاردبيلي، و تبعه جمال المحققين في حاشية الروضة: بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك انما المسلم اقتضاء العقد المطلق المجرد عن اشتراط الضمان نظير العارية.

______________________________

نصف الثمن إليه، فاشتراط ان يكون له أقل من النصف الذي هو معني كون الربح لهما و عدم الخسران عليه- مناف لمقتضي العقد.

و لكن إن قلنا بأنه لا يعتبر في البيع دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوض- لا اشكال في هذا الشرط من هذه الجهة فانه لا مانع من خروج العين عن كيس أحد الشريكين و دخول مقدار من الثمن في كيس صاحبه.

و إن بنينا علي أنه يعتبر في البيع ذلك فيمكن تصحيح الشرط بوجهين:

أحدهما: إرجاع هذا الشرط الي أن يتدارك أحدهما خسارة صاحبه من نفس العين أو من مال آخر بنحو شرط الفعل أو شرط النتيجة.

نعم بناء علي بطلان الشرط الغرري يبطل هذا الشرط، للغرر.

ثانيهما: إرجاعه الي اشتراط أن لا يبيع حصة شريكه بأقل من ثمنه، فإذا فرضنا الخسران في معاملة بمقدار ربع الثمن، كما لو كان المال المشتري قيمته ثلاثون دينارا فبيع بعشرين، فمرجع الشرط المذكور الي بيع حصة أحدهما بخمسة عشر و حصة الآخر بخمسة، و هذا أيضا لا محذور فيه من هذه الجهة، و لا يكون منافيا لمقتضي العقد.

(1) و منها: ما اشتهر بينهم من عدم جواز اشتراط الضمان في الاجارة و الكلام في شرط الضمان يقع في جهتين:

الاولي في أنه هل يكون منافيا لمقتضي عقد الإجارة أم لا؟

الثانية: في كونه خلاف الكتاب و السنة و

عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 272

و منها اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها، (1) فقد جوزه جماعة لعدم المانع و للنص، و منعه آخرون، منهم: فخر الدين في الايضاح مستدلا: بأن مقتضي العقد تسلط الرجل علي المرأة في الاستمتاع و الاسكان. و قد بالغ حتي جعل هذا قرينة علي حمل النص علي استحباب الوفاء.

______________________________

أما الجهة الاولي فالحق أنه لا يكون منافيا له، فإن عقد الإجارة تمليك للمنفعة بعوض و أجنبي عن العين، و يكون لا اقتضاء بالنسبة إليها.

و أما الجهة الثانية، فملخص القول فيها- و إن تقدم- أن العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة لا يكون ضامنا لها إما لما دل علي أن صاحب البضاعة مؤتمن و المستعير مؤتمن، «1» مع أنه ليس فيهما إلا الاستيلاء علي المال بإذن المالك الموجود في الإجارة، أو لانصراف حديث اليد «2» عن ذلك، أو لغير ذلك.

و عليه فإن اشترط الضمان يكون مخالفا لهذا الحكم الشرعي، نعم إن أراد بالشرط تمليك ما يعادل قيمة المال من غير أن يراد الضمان، أو ملكية ذلك بنحو شرط النتيجة لم يكن فيه محذور و يكون نافذا.

و بما ذكرناه ظهر أن ما استدل به علي البطلان من كونه خلاف مقتضي العقد،

و ما أورد عليه بأن العقد يقتضي عدم الضمان لو لا الشرط- في غير محلهما.

(1) و منها اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها و قد استدل لكونه مخالفا لمقتضي العقد: بأن عقد الزواج يقتضي سلطنة الزوج علي الاستمتاع و الإسكان، فاشتراط عدمه مخالف لذلك.

و لكن يرد عليه: أن عقد الزواج يقتضي الزوجية فقط، و السلطنة من أحكامها، فهو شرط غير مناف لمقتضي العقد، و أما من حيث منافاته للكتاب فقد تقدم، فراجع.

______________________________

(1) الوسائل-

باب 1- من ابواب العارية.

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 90، و كنز العمال ج 5 ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 273

و منها مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه، (1)

و عدم توارثهما مع الشرط أو لا معه، فإنها مبنية علي الخلاف في مقتضي العقد المنقطع، قال في الايضاح ما ملخصه بعد اسقاط ما لا يرتبط بالمقام: انهم اختلفوا في ان هذا العقد يقتضي التوارث ام لا؟

و علي الأول: فقيل المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو، فعلي هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط، لأن كل ما تقتضيه الماهية من حيث هي هي،

فيستحيل عدمه مع وجودها، و قيل: المقتضي اطلاق العقد اي العقد المجرد عن شرط نقيضه، اعني الماهية بشرط لا شي ء، فيثبت الارث ما لم يشترط سقوطه.

و علي الثاني: قيل: يثبت مع الاشتراط و يسقط مع عدمه، و قيل: لا يصح اشتراطه، انتهي.

و مرجع القولين الي ان عدم الارث من مقتضي اطلاق العقد أو ماهيته،

و اختار هو هذا القول الرابع، تبعا لجده و والده (قدس سره)، و استدل عليه اخيرا بما دل علي ان من حدود المتعة ان لا ترثها و لا ترثك، قال: فجعل نفي الارث من مقتضي الماهية

______________________________

(1) و منها: مسالة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه الكلام فيها من حيث كون هذا الشرط مخالفا للكتاب قد تقدم و أما من حيث كونه مخالفا لمقتضي العقد.

فقد استدل له فخر المحققين بما دل علي أن من حدود المتعة أن لا ترثها و لا ترثك، «1»

قال: فجعل نفي الأرث من مقتضي الماهية.

و فيه: أن مقتضي عقد المتعة تحقق الزوجية المنقطعة لا غير و هو لا

يقتضي التوارث و لا عدمه، و معني قوله: من حدود المتعة الي آخره، أي من أحكامها المترتبة عليه.

و مما ذكرناه يظهر: أنه ليس مورد يشك في كون الشرط فيه منافيا لمقتضي العقد بالمعني الأول، بل و بالمعني الثاني،

و أنه لو شك في ذلك يرجع الي أصالة عدم المخالفة فيحكم بالصحة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 32- من أبواب المتعة حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 274

و لا جل صعوبة دفع ما ذكرنا من الاشكال في تميز مقتضيات ماهية العقد من مقتضيات اطلاقه. التجأ المحقق الثاني مع كمال تبحره في الفقه، حتي ثني به المحقق فارجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافاة و عدم الاجماع علي الصحة أو البطلان الي نظر الفقيه فقال: اولا المراد بمنافي مقتضي العقد ما يقتضي عدم ترتب الاثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو، بحيث يقتضيه و رتب عليه علي انه اثره و فائدته التي لاجلها وضع، كانتقال العوضين الي المتعاقدين، و اطلاق التصرف فيهما في البيع، و ثبوت التوثق في الرهن و المال في ذمة الضامن بالنسبة الي الضمان،

و انتقال الحق الي مذمة المحال عليه في الحوالة و نحو ذلك، فإذا شرط عدمها أو عدم البعض اصلا نافي مقتضي العقد.

ثمّ اعترض علي ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا، و اجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما في مقتضي العقد، ثمّ اعترض بأن العقد يقتضي الانتفاع مطلقا، فالمنع عن البعض مناف له.

ثمّ قال و دفع ذلك لا تخلو عن عسر، و كذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا،

فإن ثبوته مقتضي العقد، فيلزم ان يكون شرط سقوطه منافيا له. ثمّ قال و لا يمكن ان يقال: ان مقتضي العقد ما لم يجعل الا

لاجله، كانتقال العوضين، فإن ذلك ينافي منع اشتراط ان لا يبيع المبيع مثلا، ثمّ قال و الحاسم لمادة الاشكال: ان الشروط علي اقسام:

منها ما انعقد الاجماع علي حكمه من صحة أو فساد.

و منها ما وضح فيه المنافاة للمقتضي، كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع أو وضح مقابله و لا كلام فيما وضح.

و منها ما ليس واحدا من النوعين فهو بحسب نظر الفقيه، انتهي كلامه رفع مقامه.

اقول: وضوح المنافاة ان كان بالعرف، كاشتراط عدم الانتقال في العوضين،

و عدم انتقال المال الي ذمة الضامن و المحال عليه، فلا يتأتي معه انشاء مفهوم العقد العرفي، و ان كان بغير العرف فمرجعه الي الشرع من نص أو اجماع علي صحة الاشتراط أو عدمه، و مع عدمهما وجب الرجوع الي دليل اقتضاء العقد لذلك الاثر المشترط عدمه، فإن دل عليه علي وجه يعارض باطلاقه أو عمومه دليل وجوب الوفاء به. بحيث لو اوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل و تخصيصه حكم بفساد الشرط، لمخالفته حينئذ للكتاب و السنة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 275

و ان دل علي ثبوته للعقد لو خلي و طبعه، بحيث لا ينافي تغير حكمه بالشرط،

حكم بصحة الشرط. و قد فهم من قوله تعالي: (الرجال قوامون علي النساء) ان السلطنة علي الزوجة من آثار الزوجية التي لا تتغير فجعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية السابقة منافيا لهذا الاثر و لم يجعل اشتراط عدم الاخراج من البلد منافيا. و قد فهم الفقهاء من قوله البيعان بالخيار حتي يفترقا، فإن افترقا وجب البيع. عدم التنافي، فاجمعوا علي صحة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار الشرعية للعقد، و كذا علي صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق و لو

شك في مؤدي الدليل وجب الرجوع الي اصالة ثبوت ذلك الاثر علي الوجه الثاني، فيبقي عموم ادلة الشرط سليما عن المخصص، و قد ذكرنا هذا في بيان معني مخالفة الكتاب و السنة.

الشرط السادس: ان لا يكون الشرط مجهولا (1) جهالة يوجب الغرر في البيع، لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين، كما سيجي ء بيانه، قال في التذكرة:

و كما ان الجهالة في العوضين مبطلة، فكذا في صفاتهما، و لو احق المبيع. فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع، انتهي.

______________________________

الشرط المجهول

(1) و من الشروط و هو الشرط السادس في المتن و ذكره جماعة:

أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع قال في محكي التذكرة: كما أن الجهالة في العوضين مبطلة فكذا في صفاتهما و لو احق المبيع، فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع. انتهي.

و لكن الشهيد في محكي الدروس قال: لو جعل الحمل جزءا من المبيع فالأقوي الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع. انتهي.

و تحقيق القول في المقام بالبحث في جهات:

الأولي: أن جهالة الشرط هل هي كجهالة أحد العوضين الموجبة لبطلان البيع،

لصيرورته غرريا توجب بطلان الشرط من حيث هو أم لا؟

الثانية: أن جهالة الشرط المستلزمة لغررية الشرط هل توجب غررية البيع ام لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 276

و قد سبق ما يدل علي اعتبار تعيين الاجل المشروط في الثمن، بل لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع، كفي لزومه في أصل الشرط بناء علي ان المنفي، مطلق الغرر، (1) حتي في غير البيع. و لذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتي الوكالة،

فبطلان الشرط المجهول ليس لابطاله البيع المشروط به، و لذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع، فإن

العلامة في التذكرة، ذكر في اشتراط عمل مجهول في عقد البيع. ان في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط، لكن الانصاف ان جهالة الشرط يستلزم في العقد دائما مقدارا من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة احد العوضين، و من ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة في مواضع من التذكرة، من الفرق في حمل الحيوان، و بيض الدجاجة

______________________________

الثالثة: أنه إذا فسد البيع لغررية الشرط هل يبطل الشرط أيضا أم لا؟

الرابعة: أنه هل هناك فرق بين شرط ما هو تابع و غيره أم لا؟

أما الجهة الاولي فقد استدل لمبطليتها بوجوه.

(1) الاول: المرسل: نهي النبي (صلي الله عليه و آله) عن الغرر «1».

و أورد عليه تارة بضعف السند،

و اخري بأن النهي إذا تعلق بالمعاملة نفسها يكون إرشادا الي الفساد، و أما إذا تعلق بعنوان آخر شامل لها يكون ظاهرا في الحرمة النفسية، و حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها كما تقدم،

و المقام من قبيل الثاني، فإن الغرر بمعني الخدعة، فالنهي عنه لا يدل علي أزيد من الحرمة.

و لكن يمكن دفع الأول: باستناد الأصحاب إليه في أبواب المعاملات حتي الجعالة،

فإنهم أفتوا بمضرية الجهل المستلزم للغرر، و لا مدرك لهم سوي المرسل، و احتمال التعدي عن البيع- بعيد.

و دفع الثاني: بما تقدم في الجزء الرابع من هذا الشرح من أن الغرر ليس بمعني الخديعة، بل هو بمعني الخطر فيكون المنهي عنه المعاملة المستلزمة للخطر، فيكون ظاهرا في الإرشاد الي الفساد.

______________________________

(1) التذكرة ج 1 ص 466، و عن الشهيد نحوه، و سبقهما الشيخ في الخلاف، فإنه استدل به في غير موضع منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 277

و مال العبد المجهول المقدار بين تمليكها علي وجه الشرطية في ضمن بيع

هذه الامور، بأن يقول بعتكها علي انها حامل، أو علي ان لك حملها، و بين تمليكها علي وجه الجزئية، بأن يقول بعتكها و حملها، فصحح الاول لأنه تابع، و ابطل الثاني لأنه جزء، لكن قال في الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع فالاقوي الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع. و قال في باب بيع المملوك و لو اشتراه و ماله صح، و لم يشترط علمه، و لا التفصي من الربا ان قلنا انه يملك و لو أحلناه اشترطا، انتهي.

______________________________

و الصحيح أن يورد عليه بأن دعوي انصراف الحديث الي المعاملة المستقلة قريبة،

بل لا يصدق الخطر و الغرر علي مثل الشرط الذي لم يجعل بإزائه شي ء، و لا يكون مقابلا بالمال:

الثاني: التعدي من البيع الي كل ما هو غرري.

و فيه: أن التعدي يتوقف علي إحراز عدم دخل الخصوصية و لم يحرز، مع أنه علي فرض التعدي يتعدي الي كل ما هو مبني علي المغابنة كالإجارة، و لا يتعدي الي الشرط،

و الإجماع عليه من جهة احتمال كون المدرك النبوي لا يصلح دليلا للتعدي.

الثالث: أن جهالة الشرط تستلزم غررية البيع و بطلانه، فإذا بطل البيع بطل الشرط، إذ لا شرط موضوعا أو حكما إلا في ضمن عقد صحيح، و سيأتي الكلام في ذلك،

فالأظهر عدم المبطلية.

و أما الجهة الثانية فقد استدل لمبطلية جهالة الشرط للبيع في المتن:

بأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين. ذكر ذلك في صدر المسألة و فيه: إن أوصاف المبيع لا بد و أن تكون معلومة كما تقدم في خيار الرؤية مفصلا،

فشرط وصف في المبيع مع الجهل به موجب للبطلان.

و أما شرط الفعل أو النتيجة سواء أ كان الشرط متعلقا بالغرض المعاملي-

ام لم يكن كذلك، بل كان نسبة عقد البيع إليه نسبة الظرف الي المظروف فقط بأن كان إيقاعه في ضمن العقد، لخروجه عن الابتدائية الي الضمنية، فجهالته لا توجب غررية البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 278

و المسألة محل اشكال، و كلماتهم لا يكاد يعرف التيامها، حيث صرحوا بان للشرط قسطا من احد العوضين، و ان التراضي علي المعاوضة وقع منوطا به،

و لازمه كون الجهالة فيه قادحة، و الاقوي اعتبار العلم، لعموم نفي الغرر الا إذا عد الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع، (1) كبيض الدجاج. و قد مر بما ينفع هذا المقام في شروط العوضين و سيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان ان شاء الله.

______________________________

فإن الشرط التزام و غير مربوط بالبيع و بما يتقوم به، و لا يوجب خطرا فيه بما هو بيع،

و كونه كذلك بالاضافة الي الغرض العقدي- لا يوجب كون البيع الانشائي كذلك.

و أما الجهة الثالثة فقد تقدم تنقيح القول فيها و عرفت أنه لا شرط موضوعا إلا في ضمن العقد.

و أما الجهة الرابعة فلا كلام في أن الشرط مطلقا تابع للعقد في مقام الأثبات و الإنشاء، و لكن ربما يكون المشروط مستقلا في عالم الثبوت، و ربما يكون تابعا في ذلك المقام بالتبعية الذاتية العرفية كتبعية بيض الدجاجة لها و المفتاح للدار و نحو ذلك،

و الذي وقع محل الكلام إنما هو القسم الأول،

و أما الثاني فلا اشكال في أن الجهل به لا يضر، لأن التابع يملك بتبع المتبوع و إن لم يلتفت إليه فضلا عما التفت إليه و ذكر مع عدم الإحاطة به.

(1) قوله الا إذا عد الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع اورد عليه السيد (قدس سره) بان هذا

مناف لما ذكره من انه يستلزم دائما مقدارا من الغرر مع ان الشرط في الغالب يعد تابعا غير مقصود بل هو كك دائما و لكن قد ظهر مما ذكرناه في الجهة الرابعة دفع هذا الايراد فان التبعية التي ارادها في هذه العبارة هي التبعية بالمعني الثاني و ما ذكره (رحمه الله) من ان الشرط تابع دائما انما هو التبعية بالمعني الاول فلاحظ و تدبر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 279

الشرط السابع ان لا يكون مستلزما لمحال، (1) كما لو شرط في البيع ان يبيعه علي البائع، فإن العلامة قد ذكر هنا انه مستلزم للدور. (2) قال في التذكرة: لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه اياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و جنسا و وصفا أو لا و إلا جاء الدور لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي بيعه فيدور اما لو شرط ان يبيعه علي غيره، فإنه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة، لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر،

______________________________

يعتبر أن لا يكون الشرط مستلزما للمحال

(1) من الشروط: و هو السابع في المتن ان لا يكون مستلزما لمحال كما لو شرط في البيع أن يبيعه علي البائع.

البحث في هذه المسألة يقع في جهتين:

الاولي: في أصل الحكم بلحاظ النص و الفتوي.

الثانية: في تطبيق الفساد علي القواعد.

أما الجهة الاولي فسيأتي الكلام فيها في حكم الشرط الفاسد، و في النقد و النسيئة.

و أما الجهة الثانية فقد استدل للبطلان المنسوب الي المشهور بوجهين:

(2) الاول: ما عن العلامة (رحمه الله) من لزوم الدور و تقريبه من وجهين:

أحدهما: ان بيعه له يتوقف علي ملكيته، و ملكيته تتوقف علي حصول الشرط و هو بيعه له فيلزم الدور،

و

لا ينتقض باشتراط بيعه من غيره، فإنه في نفسه معقول، و لا يكون الشرط متوقفا علي الملك، لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل. و الفضولي.

و فيه: أن هذا الوجه يتم علي أحد المسلكين و هما كون الشرط من قبيل الشرط المصطلح عند أهله و هو ما يلزم من عدمه العدم، و بعبارة اخري: ما هو من أجزاء العلة،

و توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار من غير فرق بين المتصل منه و المنفصل، إذ علي الاول يكون حصول البيع الأول متوقفا علي البيع الثاني، و توقف الثاني علي الأول واضح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 280

لجواز ان يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي، بخلاف ما لو شرط البيع علي البائع، انتهي.

و سيأتي تقرير الدور مع جوابه في باب النقد و النسية. و قد صرح في الدروس بأن هذا الشرط باطل لا للدور، بل لعدم القصد الي البيع (1) و يرد عليه و علي الدور النقض بما إذا اشترط البائع علي المشتري ان يقف المبيع عليه و علي عقبه، فقد صرح في التذكرة بجوازه، و صرح بجواز اشتراط رهن البيع علي الثمن مع جريان الدور فيه.

______________________________

و علي الثاني ما لم يتحقق الشرط و لم يصر البيع لازما لا يحصل الملك، و ما لم يحصل الملك لا يصح البيع الثاني، فإنه من قبيل البيع للمالك، و المبنيان فاسدان.

أما الأول: فلأن الشرط في المقام غير الشرط المصطلح، بل هو التزام في ضمن التزام، و لا يكون البيع معلقا علي الشرط، بل لزومه متوقف عليه.

و أما الثاني، فلأن الملك يحصل بتمامية البيع، و لزومه يتوقف علي انقضاء زمان الخيار، و علي هذا فالبيع الأول و الملكية الحاصلة منه

لا يتوقفان علي البيع الثاني فلا دور ثانيهما: أن الشرط لا بد و أن يكون مقدورا و مملوكا للشارط، و هذا منتف في المقام،

فإنه حين الاشتراط يكون المبيع ملكا للبائع، و لم ينتقل بعد الي المشتري، فاشتراط بيعه علي نفسه مرجعه الي اشتراط بيع المال علي مالكه و هو غير معقول.

و فيه: أن الشرط بيعه منه بعد ما انتقل عنه و صار ملكا للمشتري، و هذا في ظرفه معقول و مقدور له، و لا يعتبر أن يكون الشرط حين الاشتراط معقولا و مقدورا.

(1) الثاني: ما عن الشهيد (رحمه الله) من عدم القصد لان مثل هذا الشخص لا يريد قطع علاقة الملك عن نفسه و العقد متقوم بالقصد.

و فيه: أنه إن اريد بذلك أنه لا غرض عقلائي له في هذا البيع،

فيرد عليه أولا: أنه لا يعتبر في صحة العقد وجود الغرض العقلائي.

و ثانيا: أنه ربما يكون موجودا من التخلص عن حنث النذر و غيره.

و إن اريد به أنه لا قصد جدي به، فيرد عليه: أن شرط عود الملك مؤكد لشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 281

الشرط الثامن ان يلتزم به في متن العقد (1)، فلو تواطئا عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به علي المشهور، بل لم يعلم فيه خلاف عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف و المختلف و سيأتي لأن المشروط عليه ان انشاء الزام الشرط علي نفسه قبل العقد كان الزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا، و ان كان اثره مستمرا في نفس الملزم الي حين العقد بل الي حين حصول الوفاء و بعده نظير بقاء اثر الطلب المنشئ في زمان الي حين حصول المطلوب، و ان وعد بايقاع العقد مقرونا بالتزامه،

فإذا ترك ذكره في العقد، فلم يحصل ملزم له. نعم يمكن ان

______________________________

خروجه، إذ لو لا خروجه عنه لم يكن معني لعوده إليه،

فالانصاف أنه لا محذور في هذا البيع من حيث القاعدة.

نعم ورد النص علي البطلان في بعض فروض المسألة، و سيأتي الكلام فيه.

يعتبر ذكر الشرط في متن العقد

(1) قوله الشرط الثامن ان يلتزم به في متن العقد و لا يخفي أن محل الكلام غير الشروط الارتكازية العقلائية ككون المبيع صحيحا،

و نحو ذلك التي تكون بسبب تعاهدها عند العقلاء مدلولة للعقود التزاما و لو لم تذكر في متن العقد،

كما أن محل الكلام ليس هو الشرط الذي غفل عنه حين العقد، فإنه لا شبهة في عدم لزوم الوفاء به،

بل محل الكلام الشرط الذي تواطئ المتعاقدان عليه قبل العقد أو أنشأه و كانا متوجهين إليه حين العقد و هو علي قسمين:

الأول: ما لا يكون من قصدهما بناء العقد عليه و لا يوقعانه مبنيا عليه، لا كلام في عدم لزوم الوفاء به، فإن الشرط من الامور الانشائية، و لا يتحقق بدون الانشاء الاعتبار النفساني.

الثاني: ما يقع العقد مبنيا عليه، و هذا هو مورد البحث، و فيه أقوال:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 282

نعم يمكن ان يقال: ان العقد إذا وقع مع تواطؤهما علي الشرط. كان قيدا معنويا له، فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون الا مع العمل بذلك الشرط، و يكون العقد بدونه تجارة لاعن تراض، إذ التراضي وقع مقيدا بالشرط، فانهم قد صرحوا بأن الشرط كالجزء من أحد العوضين، فلا فرق بين ان يقول بعتك العبد بعشرة،

و شرطت لك ماله بين تواطؤ هما علي كون مال العبد للمشتري، فقال بعتك العبد بعشرة قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري، هذا مع ان الخارج من

عموم: المؤمنون عند شروطهم، هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه، فيعم محل الكلام و علي هذا، فلو تواطئا علي شرط فاسد فسد العقد المبني عليه و ان لم يذكر فيه نعم لو نسيا الشرط المتواطؤ عليه، فاوقعا العقد غير بانين علي الشرط، بحيث يقصدان من العوض المقرون بالشرط اتجه صحة العقد، و عدم لزوم الشرط هذا،

و لكن الظاهر من كلمات الاكثر عدم لزوم الشرط الغير المذكور في متن العقد، و عدم اجراء احكام الشرط عليه، و ان وقع العقد مبنيا عليه، بل في الرياض عن بعض الأجلة حكاية الاجماع علي عدم لزوم الوفاء بما يشترط، لا في عقد (1) بعد ما ادعي هو قدس سره الاجماع علي انه لا حكم للمشروط إذا كانت قبل عقد النكاح و تتبع كلماتهم في باب البيع و النكاح يكشف عن صدق ذلك المحكي

______________________________

أحدها: صحة العقد و الشرط.

ثانيها: صحة العقد و بطلان الشرط.

ثالثها: بطلان الشرط و العقد.

و قد استدل للثاني بوجوه:

(1) الاول: الاجماع و فيه أولا: أنه غير متحقق، لأن ما ذكره المصنف (رحمه الله) من كلمات القوم لا يدل علي ذلك، إذ ما ذكروه من عدم لزوم الوفاء بالشرط لا في عقد مما لا كلام فيه و هو غير المفروض و هو الشرط المبني عليه العقد،

و ما ذكروه في باب الربا و المرابحة إنما يكون مع مجرد المقاولة و الاطمينان بالعمل علي طبقها لامع تقيد العقد به،

و ما ذكروه في عقد النكاح إنما هو محمول علي سبق المقاولة خاصة أو علي كونه من قصد الزوج فقط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 283

فتراهم يجوزون في باب الربا و الصرف الاحتيال في تحليل معاوضة احد المتجانسين بازيد منه ببيع الجنس بمساويه،

ثمّ هبة الزائد من دون ان يشترط ذلك في العقد، فإن الحيلة لا تتحقق الا بالتواطي علي هبة الزائد بعد البيع و التزام الواهب بها قبل العقد مستمرا الي ما بعده. و قد صرح المحقق و العلامة في باب المرابحة بجواز ان يبيع الشي ء من غيره بثمن زائد، مع قصدهما نقله بعد ذلك الي البائع ليجيز بذلك الثمن عند بيعه مرابحة إذا لم يشترطا ذلك لفظا. و معلوم ان المعاملة لاجل هذا الغرض لا يكون الا مع التواطي و الالتزام بالنقل ثانيا، نعم خص في المسالك ذلك بما إذا وثق البائع بان المشتري ينقله إليه

______________________________

و ثانيا: أنه ليس إجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام).

الثاني: الأخبار الواردة في باب النكاح المتضمنة لعدم العبرة بالشرط السابق علي عقد النكاح، و أنه يهدم ما كان قبله من الشروط.

و فيه أن تلك النصوص تدل علي عدم العبرة بالشرط السابق، و هذا مما لا كلام فيه، إنما الكلام في ما أوقعا العقد مبنيا علي ذلك الشرط السابق الذي هو حقيقة الشرط،

لأنه من مقولة المعني و اللفظ مبرز له، و هذه النصوص لا تدل علي عدم الاعتبار بذلك.

و بالجملة أن مفاد هذه النصوص اعتبار وقوع النكاح مبنيا علي ما تواطئا عليه،

و هذا مما لا شك فيه، و ليس فيها ما يشهد بكون العبرة باللفظ المذكور في ضمن العقد.

الثالث: أن الشرط من الانشائيات، فتحققه يتوقف علي الانشاء و الإيجاد، و لا يكون موضوع الحكم بدون الانشاء،

و فيه: أن هذا بديهي، و لكن انشاءه إنما هو بالاعتبار النفساني و اللفظ مبرز لذلك،

و الكلام إنما هو في اعتبار المبرز.

الرابع: ما أفاده المحقق النائيني (رحمه الله) و حاصله: أن الانشائيات و منها: الشرط

لا بد و أن تبرز بمبرز و إلا لا يعتني بها عند العقلاء و لا يرتبون الأثر عليها.

نعم لا يعتبر مبرز خاص، و لذا يعتني بما هو من قبيل الشروط الضمنية حيث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 284

من دون التزام ذلك و ايقاع العقد علي هذا الالتزام لكنه تقييد لإطلاق كلماتهم خصوصا مع قولهم إذا لم يشترطا لفظا.

و بالجملة، فظاهر عبارتي الشرائع و التذكرة ان الاشتراط و الالتزام من قصد هما و لم يذكراه أي الاشتراط و الالزام لفظا لا أن النقل من قصد هما فراجع، و أيضا فقد حكي عن المشهور أن عقد النكاح المقصود فيه الأجل و المهر المعين إذا خلي عن ذكر الأجل ينقلب دائما. نعم ربما ينسب الي الخلاف و المختلف: صحة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع، لكن قد تقدم في خيار المجلس النظر في هذه النسبة الي الخلاف،

بل المختلف فراجع، ثمّ ان هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه، و هو بطلان العقد الواقع علي هذا الشرط. لأن الشرط من أركان العقد المشروط، بل عرفت أنه كالجزء من أحد العوضين، (1) فيجب ذكره في الايجاب و القبول كأجزاء العوضين. و قد صرح الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد و عدم الاستغناء عنه بذكره سابقا،

كما إذا قال بعني بدرهم فقال: بعتك. فقال المشتري قبلت

______________________________

إن تعاهدها عند العرف يوجب صيرورتها من المدلولات العرفية للفظ و إن لم يقصدها المتعاقدان، و الشرط الذي تبانيا عليه لا يكون مدلولا للفظ أبدا، إذ تباني المتكلم و المخاطب علي معني لا يوجب صيرورة اللفظ دالا عليه بنحو من الدلالة، فلا يعتني به و فيه: أن ما أفاده من اعتبار الابراز في الانشائيات مما

لا إشكال فيه في الجملة، إلا أن المتيقن من ذلك ما هو مستقل في الاعتبار كالبيع و شبهه، و أما ما يكون تابعا و من ضمائم إنشائي آخر فلا دليل علي اعتبار الابراز بالاضافة إليه،

فالأظهر هو القول الثاني.

و لكن الانصاف أن دعوي كون موضوع الأحكام التكليفية و الوضعية في باب الانشائيات و المعاملات هو ما ابرز بقول أو فعل قريبة، و الاحتياط سبيل النجاة.

(1) و أما الثالث: فقد استدل له المصنف (رحمه الله) بانه إذا كان مقصود هما انشاء البيع المشروط يكون الشرط من أركان العقد المشروط، بل قد مر أنه كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في الايجاب و القبول، و إلا فسد العقد بفساد ركنه.

و فيه: أنه لو تم ذلك لزم منه عدم تحقق البيع المشروط لا بما أنه عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 285

و سيأتي في حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك ان شاء الله تعالي.

و قد يتوهم هنا شرط تاسع، و هو تنجيز الشرط (1) بناء علي ان تعليقه يسري الي العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط الي جزء من احد العوضين، فإن مرجع قوله بعتك هذا بدرهم، علي ان تخيط لي ان جاء زيد علي وقوع المعاوضة بين المبيع و بين الدرهم المقرون بخياطة الثوب علي تقدير مجي ء زيد، بل يؤدي الي البيع بثمنين علي تقديرين فباعه بالدرهم المجرد علي تقدير عدم مجي ء زيد، و بالدرهم المقرون مع خياطة الثوب علي تقدير مجيئه، و يندفع بأن الشرط هو الخياطة علي تقدير المجي ء، لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق الي اصل المعاوضة الخاصة، و مجرد رجوعهما في المعني الي امر واحد لا يوجب البطلان. و لذا اعترف بعضهم بان مرجع قوله: انت

وكيلي إذا جاء رأس الشهر في ان تبيع.

______________________________

و دعوي: أن المقصود هو المشروط فوقوع غيره وقوع لما لم يقصد مندفعة بان الشرط ليس من قيود البيع، بل يكون إنشاء البيع مطلقا، و لزوم الوفاء به معلقا علي الشرط.

يعتبر التنجيز في الشرط

(1) قال المصنف: قد يتوهم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط و الكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في أن التعليق في الشرط هل يوجب بطلانه أم لا؟

الثانية: في أنه هل يوجب بطلان البيع أم لا؟

أما لجهة الاولي، فإن كان مدرك اعتبار التنجيز في العقود استحالة التعليق في الانشاء أو انصراف أدلة الامضاء عن المعلق، أو اعتبار الجزم في الانشاء بطل الشرط المعلق، لجريان هذه الوجوه بعينها فيه.

و إن كان المدرك هو الإجماع كما ذكرناه في الجزء الرابع من هذا الشرح لم يبطل، إذ القدر المتيقن منه العقود، بل البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 286

و أنت وكيلي في ان تبيع إذا جاء رأس الشهر الي واحد مع الاتفاق علي صحة الثاني، و بطلان الاول.

نعم ذكر في التذكرة: انه لو شرط البائع كونه احق بالمبيع لو باعه المشتري،

ففيه اشكال، لكن لم يعلم ان وجهه تعليق الشرط، بل ظاهر عبارة التذكرة، و كثير منهم في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط و هو الخيار معلقا علي رد الثمن، و قد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط و هو الخيار معلقا علي رد الثمن و قد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار

______________________________

و أما الجهة الثانية، فقد استدل لبطلان البيع بوجهين:

الأول: أن التعليق في الشرط موجب للتعليق في البيع، فإن شرط الشرط شرط، فما علق عليه الشرط في الحقيقة يكون معلقا عليه نفس البيع، المشروط.

و

فيه أولا: أن التعليق إنما يكون في متعلق الشرط و الملتزم به لا في الشرط و الالتزام، مثلا: الشرط في قول: بعتك هذا بدرهم علي أن تخيط ثوبي أن جاء زيد، هو الخياطة علي تقدير المجي ء لا الخياطة المطلقة.

و ثانيا: أن الشرط ليس جزء من أحد العوضين، بل هو التزام في ضمن التزام،

فالتعليق فيه لا يسري الي البيع.

الثاني: أن مرجع التعليق في الشرط الي البيع بثمنين و هو الدرهم علي تقدير، و مع الضميمة علي تقدير آخر.

و الجواب عن ذلك بإرجاع التعليق الي متعلق الشرط لا يكفي، فإن المحذور هو اختلاف الثمن علي التقديرين،

بل الحق في الجواب هو المنع عن كون الشرط جزء للثمن، و قد تقدم تنقيح القول في ذلك.

و عن المحقق النائيني الاستدلال لصحة الشرط المعلق: مضافا الي أنها مقتضي العمومات: بما ورد في امرأة مكاتبة أعانها ولد زوجها علي أداء مال كتابتها مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق من نفوذ الشرط و صحته مستشهدا بعموم: المسلمون عند شروطهم، و لا بأس به،

فتحصل ان الأظهر صحة العقد و الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 287

مسألة: في حكم الشرط الصحيح (1)
اشارة

و تفصيله: ان الشرط اما ان يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي، ككون العبد كاتبا، و الجارية حاملا، و نحوهما. و أما ان يتعلق بفعل من افعال احد المتعاقدين أو غيرهما، كاشتراط إعتاق العبد، و خياطة الثوب، و أما ان يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل، (2) كاشتراط تملك عين خاصة و انعتاق مملوك خاص و نحوهما، و لا إشكال في انه لا حكم للقسم الاول الا الخيار،

مع تبين فقد الوصف المشروط

______________________________

حكم الشرط الصحيح

(1) مسالة في حكم الشرط الصحيح و تفصيله: أن الشرط إما أن يتعلق

بصفة من صفات المبيع الشخصي، و إما أن يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما، و إما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية و النتيجة.

(2) و ظاهر المصنف و المحقق النائيني (رحمه الله) انه في موارد شرط النتيجة يكون المشروط هو اعتبار الشارع، و عليه قسما الشرط الي أقسام ثلاثة: شرط الوصف، شرط الغاية و النتيجة شرط الفعل.

و لكن الظاهر أن متعلق الشرط فيها هو الاعتبار النفساني للمتعاقدين الذي هو تحت اختيارهما دون الاعتبار الشرعي الخارج عن تحت قدرتهما، و عليه ففي تلك الموارد أيضا يكون من قبيل شرط الفعل، غاية الأمر يكون الفعل المشروط قسمين: أحدهما: ما هو من قبيل الاعتبار النفساني الذي يوجد بنفس الشرط و الالتزام،

ثانيهما: ما لا يوجد به كالخياطة.

حكم شرط الوصف

و كيف كان فالكلام في موارد:

الأول: ما إذا كان الشرط متعلقا بصفة من الصفات.

و الكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في بيان مراد المصنف، و أنه هل يكون ملتزما بفساد شرط الوصف أو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 288

إذ لا يعقل تحصيله هنا، فلا معني لوجوب الوفاء فيه و عموم المؤمنون مختص بغير هذا القسم. (1)

______________________________

صحته؟ لا يبعد القول بأنه ملتزم بعدم صحته من جهة قوله:

(1) فلا معني لوجوب الوفاء فيه. و عموم: المؤمنون مختص بغير هذا القسم فإنه استدل لبطلان شرط النتيجة بمثل ذلك، و حكمه بالخيار لعله من جهة إرجاع شرط الوصف الي التوصيف، و الخيار من باب تخلف الوصف لا تخلف الشرط، و قد صرح المصنف (رحمه الله) في مسألة اشتراط المقدورية برجوع شرط الوصف الي التوصيف.

الثانية: في بيان ما هو الحق،

و قد استدل لبطلان شرط الوصف بوجوه:

الأول: عدم المعقولية، فإن الوصف إما حاصل أولا، و علي التقديرين

لا معني لالتزامه.

و ما أفاده السيد الفقيه من أن الالتزام بالوصف الحالي و إن كان لا يعقل حقيقة عقلية إلا أن الالتزام العرفي يمكن تعقله و تحققه، فإنا نراهم يلتزمون بأمثال ذلك، فيقولون علي عهدتي أن يفعل فلان كذا. أو أن يكون البيع متصفا بكذا غريب، فإن ذلك من العرف إنما هو في مقام الأخبار، و تثبيت ما أخبر عنه، و لا دخل له بما هو من قبيل الانشاء.

و فيه: أن الشرط لا يكون منحصرا في الالزام و الالتزام، بل قد يكون تقييدا محضا لا للبيع، بل للالتزام بالمعاملة، و من الواضح معقولية تعليق الالتزام بالمعاملة علي ما هو خارج عن تحت القدرة و الاختيار.

الثاني: أن الالتزام بالوصف إن كان معقولا لا معني لصحته، إذ لا يتحقق شي ء به،

و لا يترتب عمل حتي يكون صحته بمعني تأثيره فيه، و الخيار حكم الشرط الصحيح لا أنه مصحح للشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 289

و أما الثالث: فإن اريد باشتراط الغاية اعني الملكية و الزوجية و نحوهما اشتراط تحصيلهما باسبابهما الشرعية فيرجع الي الثاني و هو اشتراط الفعل و ان أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط، فإن دل الدليل الشرعي علي عدم تحقق تلك الغاية 2 الا بسببها الشرعي الخاص، كالزوجية و الطلاق و العبودية و الانعتاق و كون المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل و نحو ذلك كان الشرط فاسدا، لمخالفته للكتاب و السنة، كما انه لو دل الدليل علي كفاية الشرط فيه ولاك، كالة، و الوصاية، و كون مال العبد، و حمل الجارية و ثمر الشجرة ملكا للمشتري، فلا اشكال. و أما لو لم يدل دليل علي احد الوجهين، كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع

لأحد العوضين،

كالامثلة المذكورة ملكا لأحدهما أو صدقة أو كون العبد الفلاني حرا و نحو ذلك.

______________________________

و فيه انه إذا كان الالتزام بالوصف صحيحا كان معناه تعليق الالتزام بالبيع عليه،

و مع عدمه لا يكون ملزما بالوفاء بالعقد، و لو كان موجودا يكون ملزما به، و هذا هو الأثر المهم.

الثالث: أن شرط الوصف حيث أنه لا يقدر علي تحصيله لا معني لوجوب الوفاء به،

فعموم المسلمون عند شروطهم «1» لا يشمله.

و فيه: أنه و إن تقدم في الجزء الثالث في مبحث المعاطاة: ان مفاد: المسلمون عند شروطهم: وجوب العمل بالشرط تكليفا، و لا يكون ذلك متكفلا لحكم وضعي من الصحة و اللزوم، و عليه فلا يشمل شرط الوصف إلا أنه لا ينحصر الدليل بذلك و مقتضي قوله (صلي الله عليه و آله): الشرط جائز بين المسلمين «2» أي نافذ صحة هذا الشرط،

فالأظهر صحته و نفوذه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

(2) الخلاف ج 2 ص 8 كتاب البيوع بيع الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 290

ففي صحة هذا الشرط اشكال (1) من اصالة عدم تحقق تلك الغاية. الا بما علم كونه سببا لها و عموم المؤمنون عند شروطهم، (2) و نحوه لا يجري هنا، لعدم كون الشرط فعلا ليجب الوفاء به، و من ان الوفاء لا يختص بفعل ما شرط بل يشمل ترتيب الآثار عليه، نظير الوفاء بالعهد، و يشهد له تمسك الامام (عليه السلام) بهذا العموم في موارد كلها من هذا القبيل، كعدم الخيار للمكاتبة التي اعانها ولد زوجها علي اداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق،

______________________________

حكم شرط النتيجة

المورد الثاني في شرط الغاية و النتيجة.

(1) قال المصنف ففي صحة هذا الشرط اشكال و محل الكلام في

هذا المقام: هو اشتراط الغاية و النتيجة بالمعني المتقدم المعقول، و هو اشتراط اعتبار الشارط لا الشارع لاعن أسبابها و مبرزاتها الخاصة، بل بنفس الاشتراط، و عليه فإن علم كون غاية خاصة لا يعتبر فيها لفظ مخصوص و سبب خاص لا إشكال في صحة الشرط و نفوذه، لا.

(2) لقوله (عليه السلام): المسلمون عند شروطهم، «1»

لما عرفت من كونه متضمنا لبيان حكم تكليفي و الشرط في الفرض ليس فعلا يترقب كي يجب الوفاء به،

بل لقوله (عليه السلام): الشرط جائز بين المسلمين. «2» و الأدلة الخاصة الدالة علي أن الشرط الذي لا يخالف كتاب الله يجوز علي المشترط و إن علم أنه يعتبر فيها سبب خاص و ليس الشرط منه- لا كلام في فساده، لكونه خلاف الكتاب و السنة.

و أما إن لم يدل دليل علي أحد الوجهين، فإن بنينا علي جريان أصالة عدم المخالفة يحكم بالصحة و النفوذ، لأن أدلة نفوذ الشرط دلت علي نفوذ كل شرط و صحته خرج عنها الشرط المخالف للكتاب، فلو شك في شرط أنه مخالف أم لا إذا جري هذا الأصل يدخل ذلك في المستثني منه، و تشمله أدلة النفوذ، و علي ذلك فإشكال المصنف (رحمه الله) في صحة هذا الشرط مع بنائه علي جريان الأصل المشار إليه لا وجه له

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

(2) الخلاف ج 2 ص 8 كتاب البيوع، بيع الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 291

______________________________

و إن بنينا علي عدم جريانه فحيث إنه يشك في كون الشرط مخالفا للكتاب،

فالتمسك بعموم دليل نفوذ الشرط تمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يجوز،

فيرجع الي أصالة عدم تحقق تلك الغاية.

و للسيد الفقيه و المحقق النائيني (رحمه الله) كلام في المقام، و

هو- أن الشك في كون شرط مخالفا للكتاب من قبيل الشبهة الحكمية بحسب الغالب دون المصداقية.

و محصل ما أفاده المحقق النائيني (رحمه الله) أن الشك في كون شرط كذلك و إن كان قد يتفق من جهة الشبهة المصداقية، كما لو شك في أن من يشترط ملكية المصحف له كافرا إلا أن الغالب كون منشأ الشك: الشك في الحكم الشرعي، و أن الحكم الفلاني هل يكون مجعولا في الشريعة حتي يكون اشتراط خلافه مخالفا للكتاب أم لا؟ أو أن السبب لهذا الأمر الاعتباري هل هو شي ء خاص أم كل ما يكون مبرزا له؟ فتكون الشبهة حكمية أو مفهومية لا مصداقية؟ و لا مانع من التمسك بالعموم في تلكم الموارد.

ثمّ أورد علي نفسه: بأن العام حيث خصص بالمخصص المتصل فإجمال المخصص يسري الي العام، فلا يتمسك به و أجاب عنه: بأن هناك عمومات لم تخصص، و واضح أن إجمال ما اتصل به المخصص لا يسري الي ما لم يتصل به.

و فيه: ان الميزان في كون الشبهة مصداقية لا يتمسك فيها بالعموم، أو حكمية يتمسك فيها به الي ملاحظة المشكوك فيه بالإضافة الي العام، فإذا كان الشك من جهة حكمية و لكن بالإضافة الي العام الذي يتمسك به مصداقية لا يجور التمسك به،

و المقام من هذا القبيل، فإن الشك في الحكم الفلاني أو أن الغاية المخصوصة هل جعل لها سبب خاص أم لا؟ و إن كان حكميا إلا أن ذلك بالإضافة الي عموم دليل الشرط مصداقية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 292

مضافا الي كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزء للعقد (1) و أما توقف الملك و شبهه علي اسباب خاصة، فهي دعوي غير مسموعة مع

وجود افراد اتفق علي صحتها، كما في حمل الجارية و مال العبد و غيرهما. و دعوي تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع مدفوعة، لعدم صلاحية ذلك للفرق (2)

______________________________

فإن المخالف للكتاب مفهومه مبين، و حكمه واضح لا شك في شي ء منهما، و الشك إنما يكون مصداقيا من هذه الجهة، فالتمسك بعموم دليل نفوذ الشرط تمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يجوز،

و لكن حيث عرفت أنه تجري أصالة عدم المخالفة، ففي مورد الشك يرجع الي عموم دليل نفوذ الشرط.

و يشهد لصحة هذا الشرط و تمامية الاستدلال بالعموم: ما تضمن عدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها علي أداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق، مستشهدا بهذا العموم.

(1) و قد استدل لصحة هذا الشرط بدليل الوفاء بالعقود و فيه: أن الشرط ليس جزء للعقد، بل هو التزام في التزام.

و لكن مع تسليم المبني لا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني (رحمه الله) بقوله:

إذا كان دليل المؤمنون مختصا بشرط الفعل كان دليل أوفوا أولي بالاختصاص،

لصراحته في التكليف الموجب للاختصاص،

فإن دليل المؤمنون، بما ان مضمونه عدم انفكاك المؤمن عن شرطه لا عدم انفكاك الشرط عن المؤمن و هذا ليس صفة في الشرط، بل صفة في المؤمن لا محالة، يكون ظاهرا في كونه متضمنا لحكم تكليفي بخلاف آية الوفاء.

نعم يرد عليه إيراد آخر و هو: ما ذكرناه في مبحث المعاطاة من أنه لو كان الامر بالوفاء إرشاديا يكون إرشادا الي اللزوم لا إلي الصحة، فراجع.

(2) قوله مدفوعة لعدم صلاحية ذلك للفرق لا كلام في ان التابع ان كان تابعا بنفسه كالزوائد المتصلة في الحيوان مثل صوفه و وبره يملك بتبع العين و لو لم يشترط بل و لو

لم يلتفت إليه حين العقد- كما انه لو صار تابعا بالاشتراط يصير من لو احق المتبوع و يملك بتبعه كما في الدابة و حملها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 293

مع انه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في بيع اخري، كما يظهر من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين و كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه، و ان انضم الي معلوم. و كيف كان، فالاقوي صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع اناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذر مثل هذه الغايات (1) بان ينذر كون المال صدقة أو الشاة اضحية أو كون هذا المال لزيد.

و حينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعني ترتب الآثار، و انما الخلاف و الاشكال في القسم الثاني و هو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل. (2)

و الكلام فيه يقع في مسائل:

الاولي: في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي (3) ظاهر المشهور هو

______________________________

و هذا لا ينافي توقف حصول الملكية علي سبب خاص إذا لمعاوضة حقيقة و انشاء بين المتبوع و عوضه فما افاده المصنف (رحمه الله) غير تام.

(1) قوله كما يصح نذر مثل هذه الغايات لا يخفي ان من استشكل في شرط النتيجة كصاحب الجواهر (رحمه الله) استشكل في نذر النتيجة ايضا اللهم الا ان يقال ان هذا ايراد عليه بلحاظ ما عن سيد المدارك من اسناد صحة هذا النذر الي قطع الاصحاب.

وجوب الوفاء بالشرط

(2) المورد الثالث: في شرط الفعل، و الكلام فيه في طي مسائل:

(3) الاولي: ظاهر المشهور وجوب الوفاء من حيث التكليف و ظاهر الشهيد في اللمعة عدم وجوب الوفاء.

لا يخفي أن نزاع الشهيد و غيره حيث حكم الشهيد بعدم وجوب الوفاء به

تكليفا،

و أن أثره في شرط الفعل خصوص الخيار و قلب اللازم جائزا، و حكم غيره بوجوب الوفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 294

______________________________

إنما هو النزاع في أن الشرط هل هو التعليق كما عليه الشهيد، أو الالتزام كما عليه غيره؟

فالأولي صرف عنان الكلام الي ذلك،

ثمّ الكلام في الدليل علي وجوب الوفاء.

أما المقام الأول، فمحصل ما أفاده الشهيد (رحمه الله) أن العقد له إطلاقان: أحدهما من حيث فعلية الصحة، الثاني من حيث اللزوم.

و بعبارة اخري: أن العقد بالتحليل منحل الي الالتزام بالملكية مثلا، و الالتزام بعدم رفع اليد عنه و الوفاء بالالتزام الأول.

و الشاهد عليه: أن بعض القيود لا معني لرجوعه الي العقد بالإطلاق الأول كما لا معني لكونه قيدا لأحد العوضين كشرط الخيار، فإنه لا يعقل إلا أن يكون قيدا للعقد بالإطلاق الثاني، إذ لا خيار إلا في فرض الصحة و الملكية، و الشرط إن جعل قيدا للعقد بالإطلاق الأول بطل العقد، و لكن المجعول في باب الشرط هو كونه قيدا له بالإطلاق الثاني، أي الالتزام بالوفاء بالعقد،.

و عليه فإن كان المشروط من قبيل الغايات يحصل بمجرد الاشتراط، و يلزم بلزوم العقد، و إن كان من قبيل الأفعال فلا محالة يتوقف لزوم العقد عليه، و هذا معني جعل العقد عرضة للزوال، و هذا يختص بخصوص شرط الفعل و هو واضح.

و بهذا البيان اندفع جميع ما أورده المصنف (رحمه الله) عليه التي مبناها تعليق أصل العقد علي المشروط.

و لكن الذي يرد علي الشهيد (رحمه الله) أنه و إن كان حقيقة الشرط قائمة بالتعليق و بدونه لا يصدق عليه الشرط، إذ مجرد كون الالتزام الشرطي في ضمن الالتزام البيعي بلا ربط لأحدهما بالآخر لا يوجب صدق عنوان الشرط، فلا

بد و أن يكون العقد مرتبطا به،

فالتعليق مأخوذ في حقيقة الشرط،

إلا أن المتعارف بين الناس في موارد اشتراط الفعل الالتزام بالفعل أيضا، بل ربما يكون هو المقصد الأصلي، و علي اي تقدير ما افاده لا يصلح دليلا علي عدم وجوب الوفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 295

الوجوب لظاهر النبوي: المؤمنون عند شروطهم (1) و العلوي من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم (2) الا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما و يؤكد الوجوب ما ارسل في بعض لكتب من زيادة قوله الا من عصي الله (3) في النبوي بناء علي كون الاستثناء من المشروط عليه لا من الشارط،

______________________________

و لا ينافي معه، كي يعارض الأدلة التي ستمر عليك.

(1) و أما المقام الثاني فيشهد بوجوب الوفاء: قوله (صلي الله عليه و آله): المؤمنون عند شروطهم «1».

و تقريب دلالته علي الحكم التكليفي: أن ظاهر كون المؤمن عند شرطه ملازمته إياه و قيامه بمقتضاه، و الأخبار بالتحقق يناسب إرادته و البعث نحوه، و حيث إنه متضمن لكون المؤمن عند شرطه لا عدم انفكاك الشرط عن المؤمن فلا يناسب ذلك الوضع، بل يناسب التكليف كما مر تحقيقه في مبحث المعاطاة.

و أما تقريب دلالته علي الوجوب دون الندب فبأمور:

الأول: ما حقق في محله من أن دلالة الجملة الخبرية علي الوجوب أقوي من دلالة الأمر عليه.

(2) الثاني: انه استدل بمثله علي الامر بالوفاء لاحظ: العلوي: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم. «2» و نحوه غيره:

الثالث: جعل المؤمن موضوعا: فإن مفهوم القضية أن من لا يفي بشرطه لا يكون مؤمنا و لا يكون كذلك إلا بكونه عاصيا و خارجا عما هو وظيفة المؤمن.

(3) الرابع: ما

في بعض الروايات من زيادة قول: الا من عصي الله فانه استثناء من المشروط عليه قطعا، لكونه استثناء ممن يجب عليه الوفاء و القيام بالشرط و هو المشروط عليه

______________________________

(1) الخلاف ج 2 ص 8.

(2) الوسائل- باب 40- من ابواب المهور كتاب النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 296

هذا كله مضافا الي عموم وجوب الوفاء بالعقد (1) بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة، و ربما ينسب الي غيره حيث قال انه لا يجب علي المشروط عليه فعل الشرط، و إنما فائدته جعل العقد عرضة للزوال،

و وجهه مع ضعفه يظهر مما ذكره قدس سره في تفصيله المحكي في الروضة عنه (قدس سره)

______________________________

دون الشارط، و ظاهر العصيان هو المخالفة للتكليف، و احتمال إرادة المعصية بنفس الالتزام فيكون مساوقا لأخبار استثناء ما خالف الكتاب متوقف علي حرمة الالتزام بالمعصية،

و بخلاف حكم الله، و لا دليل عليه.

و قد استدل لعدم دلالته علي الوجوب، بل دلالته علي الندب بوجهين:

الأول: ما افاده جمع و هو: أن تعليق الوفاء علي الايمان دليل الفضل و الندب، بل عن المحقق الايرواني (رحمه الله) أن ذلك كاشف عن عدم صوغ القضية في إنشاء الحكم و إلا فأي اختصاص للمؤمن في ذلك فتحمل القضية علي ظاهرها و هو الأخبار.

و فيه: ما عرفت من أن مفهومه أن من لا يفي بشرطه غير مؤمن، و هذه المبالغة تناسب وجوب الوفاء كما لا يخفي.

الثاني: أن الحمل علي الوجوب مستلزم للتخصيص الكثير، لعدم وجوب الوفاء بالشروط الفاقدة لأحد شروطها الثمانية، و لعدم وجوب الوفاء بالشروط المذكورة في العقود الجائزة بالذات، أو لكونها خيارية.

و فيه: أن الشرط الفاسد خارج عن تحت ذلك الدليل علي جميع التقادير، و

الشرط في ضمن العقد الجائز يجب الوفاء به، و جواز العقد لا ينافي وجوبه كما تقدم غير مرة،

فالأظهر وجوب الوفاء.

(1) قوله مضافا الي عموم وجوب الوفاء بالعقد قد مر عدم صحة الاستدلال به علي ذلك فان الشرط ليس جزء لأحد العوضين و بما حققناه يظهر ما في ساير كلمات المصنف (رحمه الله) في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 297

في بعض تحقيقاته، و هو ان الشرط الواقع في العقد اللازم ان كان العقد كافيا في تحققه، و لا يحتاج بعده الي صيغة، فهو لازم لا يجوز الاختلال به كشرط الوكالة و ان احتاج بعده الي امر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم، بل يقلب العقد اللازم جائزا و جعل السر فيه ان اشتراط ما العقد كاف في تحققه كجزء من الايجاب و القبول فهو تابع لهما في اللزوم و الجواز و اشتراط ما سيوجد امر منفصل عن العقد و قد علق عليه العقد و المعلق علي الممكن و هو معني قلب اللازم جائزا،

انتهي.

قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام: و الاقوي اللزوم مطلقا، و ان كان تفصيله اجود مما اختاره هنا.

اقول ما ذكره (قدس سره) في بعض تحقيقاته لا يحسن عده تفصيلا في محل الكلام مقابلا لما اختاره في اللمعة، لأن الكلام في اشتراط فعل سائغ، و انه هل يصير واجبا علي المشروط عليه ام لا، كما ذكره الشهيد في المتن، فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس الا كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له، فلا يقال انه يجب فعله أو لا يجب. نعم وجوب الوفاء بمعني ترتيب آثار ذلك الشرط المتحقق بنفس العقد مما لا خلاف فيه،

إذ لم يقل أحد بعدم ثبوت الخيار

أو آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد أي ثبوت الخيار و عدم ثبوته.

و بالجملة، فالكلام هنا في اشتراط فعل يوجد بعد العقد. نعم، كلام الشهيد في اللمعة اعم منه و من كل شرط لم يسلم لمشترطه، و مراده تعذر الشرط، و كيف كان،

فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار و عدمه خارج عن محل الكلام، إذ لا كلام و لا خلاف في وجوب ترتب آثار الشرط عليه، و لا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار،

و لا في ان المشروط عليه يجبر علي ترتيب الآثار، و ان شئت قلت: اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات لا المبادئ.

و مما ذكرنا يظهر ان تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية من الاجماع علي لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح، لانه انما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار.

و قد عرفت خروج مثل ذلك عن محل الكلام. نعم، في التذكرة لو اشتري عبدا بشرط ان يعتقه المشتري صح البيع و لزم الشرط عند علمائنا اجمع، ثمّ ان ما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 298

ذكره الشهيد (قدس سره) من ان اشتراط ما سيوجد امر منفصل، و قد علق عليه العقد الخ لا يخلو عن نظر، إذ حاصله ان الشرط قد علق عليه العقد في الحقيقة، و ان كان لا تعليق صورة، فحاصل قوله بعتك هذا العبد علي ان تعتقه، ان الالتزام بهذه المعاوضة معلق علي التزامك بالعتق، فإذا لم يلتزم بالاعتاق لم يجب علي المشروط له الالتزام بالمعاوضة.

و فيه مع ان المعروف بينهم ان الشرط بمنزلة الجزء من احد العوضين، و ان القاعدة اللفظية في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعني ايضا، ان رجوعه الي التعليق علي المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد

و ان لم يكن في صورة التعليق ان لازم هذا الكلام اعني دعوي تعليق العقد علي الممكن ارتفاعه من رأس عند فقد الشرط لا انقلابه جائزا.

الثانية: في انه لو قلنا بوجوب الوفاء به من حيث التكليف الشرعي، فهل يجبر عليه لو امتنع؟ (1) ظاهر جماعة ذلك.

و ظاهر التحرير خلافه، قال في باب الشروط: ان الشرط ان تعلق بمصلحة المتعاقدين، كالاجل و الخيار و الشهادة و التضمين و الرهن، و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة، جاز و لزم الوفاء، ثمّ قال: إذا باع بشرط العتق صح البيع و الشرط، فإن

اعتقه المشتري و إلا ففي اجباره وجهان: اقربهما عدم الاجبار، انتهي.

______________________________

في جواز الإجبار و عدمه

(1) الثانية: في انه لو قلنا بوجوب الوفاء به من حيث التكليف الشرعي فهل يجبر عليه لو امتنع؟ فيه أقوال أربعة:

الأول: جواز الإجبار.

الثاني: عدمه.

الثالث: التفصيل بينما كان حقا للبائع فلا يجوز الإجبار و بين ما كان حقا لغيره فيجوز كما يظهر من الصيمري.

الرابع: ما يظهر من العلامة، و هو: الفرق بين ما يكون من متعلقات المعاملة كالرهن و الكفيل و تعجيل الثمن فيجوز الإجبار، و بين ما يكون أجنبيا عنها كاشتراط العتق فلا يجوز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 299

و قال في الدروس يجوز اشتراط سائغ في العقد، فيلزم الشرط في طرف المشترط عليه، فإن اخل به فللمشترط الفسخ، و هل يملك اجباره عليه فيه نظر،

انتهي.

و لا معني للزوم الشرط الا وجوب الوفاء به، و قال في التذكرة في فروع مسألة العبد المشترط عتقه: إذا اعتقه المشتري فقد وفي بما وجب عليه- الي ان قال:

و ان امتنع أجبر عليه، إن قلنا إنه حق لله تعالي، و إن قلنا إنه حق للبائع لم يجبر، كما في شرط الرهن و

الكفيل، لكن يتخير البائع في الفسخ لعدم سلامة ما شرط، ثمّ ذكر للشافعي وجهين في الإجبار و عدمه. إلي أن قال: و الأولي عندي الإجبار في شرط الرهن و الكفيل لو امتنع، كما لو شرط تسليم الثمن معجلا فأهمل، انتهي.

و يمكن ان يستظهر هذا القول: اعني الوجوب تكليفا مع عدم جواز الاجبار من كل من استدل علي صحة الشرط بعموم المؤمنون، مع قوله بعدم وجوب الاجبار، كالشيخ في المبسوط، حيث استدل علي صحة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله (عليه السلام) المؤمنون عند شروطهم، ثمّ ذكر ان في اجباره علي الاعتاق لو امتنع قولين: الوجوب لأن عتقه قد استحق بالشرط، و عدم الوجوب و إنما يجعل «يحصل» له الخيار، ثمّ قال: و الاقوي هو الثاني، انتهي.

فإن ظهور النبوي في الوجوب من حيث نفسه، و من جهة القرائن المتصلة و المنفصلة مما لا مساغ لإنكاره. بل الاستدلال به علي صحة الشرط عند الشيخ و من تبعه في عدم افساد الشرط الفاسد يتوقف ظاهرا علي ارادة الوجوب منه، إذ لا تنافي بين استحباب الوفاء بالشرط و فساده، فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط في البيع علي صحته.

ثمّ ان الصيمري في غاية المرام قال: لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط العتق لأنه غير مخالف للكتاب و السنة، فيجب الوفاء به، قال: و هل يكون حقا لله تعالي أو للعبد، أو للبائع؟ يحتمل الاول. الي ان قال: و يحتمل الثالث و هو مذهب العلامة في القواعد و التحرير، لأنه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري علي العتق،

و هو يدل علي انه حق للبائع، و علي القول بأنه حق لله يكون المطالبة للحاكم و يجبره مع الامتناع و لا يسقط باسقاط

البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 300

و علي القول بكونه للبائع بكون المطالبة له و يسقط باسقاطه، و لا يجبر المشتري، و مع الامتناع يتخير المشترط بين الامضاء و الفسخ، و علي القول بأنه للعبد يكون هو المطالب بالعتق، و مع الامتناع يرافعه الي الحاكم ليجبره علي ذلك، و كسبه قبل العتق للمشتري علي جميع التقادير، انتهي.

و ظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعد ما لاجبار: ان كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام و لا خلاف في عدم الاجبار عليه، و هو ظاهر اول الكلام السابق في التذكرة، لكن قد عرفت قوله اخيرا و الاولي ان له اجباره عليه و ان قلنا انه حق للبائع، و ما ابعد ما بين ما ذكره الصيمري و ما ذكره في جامع المقاصد و المسالك من انه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الاجبار حيث قال: و اعلم ان في اجبار المشتري علي الاعتاق وجهين احدهما العدم، لأن للبائع طريقا آخر للتخلص و هو الفسخ. و الثاني له ذلك، لظاهر قوله تعالي: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله و هو الأوجه، انتهي.

و في المسالك جعل احد القولين ثبوت الخيار و عدم وجوب الوفاء مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء، و القول الآخر وجوب الوفاء بالشرط، و استدل له بعموم الأمر بالوفاء بالعقد (و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله)، و ظاهره وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء و التسلط علي الاجبار. كما ان ظاهر الصيمري الاتفاق علي وجوب الوفاء، بل و علي عدم الاجبار فيما كان حقا مختصا للبائع، و الأظهر في كلمات الاصحاب وجود الخلاف في المسألتين، و

كيف كان،

فالاقوي ما اختاره جماعة من ان للمشروط له اجبار المشروط عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط، (1)

______________________________

و محل الكلام إنما هو الإجبار المالكي لا الإجبار من ناحية وجوب الأمر بالمعروف.

(1) و قد استدل لوجوب الاجبار في المتن: بما دل علي وجوب الوفاء بالعقد و الشرط، بتقريب: أنه كما يكون مقتضي العقد ملكية كل من المتبايعين لما انتقل من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 301

فإن العمل بالشرط ليس الا كتسليم العوضين، فإن المشروط له قد ملك الشرط علي المشروط عليه بمقتضي العقد المقرون بالشرط، فيجبر علي تسليمه. و ما في جامع المقاصد من توجيه عدم الاجبار

______________________________

الآخر إليه فيكون مالكا فيجبر طرفه علي تسليمه، كذلك يكون المشروط له مالكا. علي المشروط عليه بمقتضي العقد المقرون بالشرط فيجبر علي تسليمه.

و الظاهر أن هذا مراده (قدس سره) لاما افيد من أن مقتضي وجوب الوفاء لزوم التسليم و العمل، فيجبر لو امتنع الموهم وحدة الخلاف في المسألتين، فإنه (قدس سره) قد فر من ذلك آنفا.

و فيه: أن آية الوفاء بالعقد «1» لا تدل علي نفوذ الشرط، و لزوم العمل، به، فضلا عن كون العمل ملكا للمشروط له، و دليل الوفاء بالشرط قد مر أنه يدل علي الحكم التكليفي لا الملكية.

فالحق- أن يقال: إن جواز الإجبار مبني علي استفادة الاستحقاق من أدلة الشروط و عدمها، إذ بناء علي الاستحقاق يجوز الإجبار لكونه ممتنعا عما يستحقه الغير،

و بناء علي التكليف المحض لا يجوز، من غير فرق علي التقديرين بين القول بوجوب الوفاء و عدمه.

و يمكن الاستدلال للاستحقاق بوجوه:

منها: أن المستفاد من الأدلة و المقطوع به بين الأصحاب جواز إسقاطه، و الحكم لا يقبل الأسقاط.

و منها: قوله (عليه السلام) المتقدم: من شرط

لامرأته شرطا فليف لها به، «2» فإن ظاهر الكلام الاختصاص الملكي و الحقي.

و منها: بناء العقلاء علي ذلك، و عليه فيجوز الإجبار.

______________________________

(1) المائدة: 2.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 302

بأن له طريقا الي التخلص بالفسخ (1) ضعيف في الغاية، فإن الخيار انما شرع بعد تعذر الاجبار دفعا للضرر.

و قد يتوهم ان ظاهر الشرط هو فعل الشي ء اختيارا، فإذا امتنع المشروط عليه فقد تعذر الشرط و صدور الفعل منه كرها غير ما اشترط عليه، فلا ينفع في الوفاء بالشرط. (2)

و يندفع بأن المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار و الاجبار،

و إنما يعرض له من حيث انه فعل واجب عليه، فإذا اجبر فقد اجبر علي نفس الواجب. نعم لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا و عن رضا منه لم ينفع اجباره في حصول الشرط.

______________________________

و قد استدل لعدم الجواز بوجهين:

(1) الاول: ما عن جامع المقاصد من ان له طريقا الي التخلص بالفسخ و فيه: أن مقتضي هذا الوجه لو تم عدم تعين الإجبار، و الكلام إنما هو في جوازه مع أنه لا يتم، فإن الخيار شرع بعد تعذر الإجبار كما سيأتي.

(2) الثاني: ان الشرط هو الاتيان بالعمل من عند نفسه فالفعل الحاصل بسبب الإجبار ليس عملا بالشرط، فالشرط غير قابل لأن يجبر عليه.

و فيه: أنه لا ريب في كونه هو الإتيان باختياره أما لاعن كره فهو لا نظر له إليه.

و قد استدل للثالث: بأن البائع يمكنه الفسخ استدراكا لحقه بخلاف غيره، إذ لا طريق له إلا الإجبار.

و قد ظهر اندفاعه مما ذكرناه في رد ما عن جامع المقاصد آنفا.

و استدل للرابع: بأن ما هو من متعلقات المعاملة

يكون بمنزلة العوضين في جواز الإجبار علي تسليمه بخلاف غيره.

و قد ظهر جوابه مما ذكرناه فالأظهر جواز الإجبار.

ثبوت الخيار مع عدم تعذر الإجبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 303

الثالثة: في انه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار، (1) فيكون مخيرا بينهما ام لا يجوز له الفسخ الا مع تعذر الاجبار: ظاهر الروضة و غير واحد هو الثاني، و صريح موضع من التذكرة هو الأول، قال: لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهر أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط، فإن اخل به لم يبطل البيع لكن يتخير المشترط بين فسخه للبيع و بين الزامه بما شرط، انتهي.

______________________________

(1) الثالثة: في انه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار ام لا؟

و اعترض المحقق النائيني (رحمه الله) علي المصنف الذي عنون هذه المسألة بأنها بعينها هي المسألة السابقة باختلاف يسير و تفاوت في العبارة قال: لعله سهو من قلمه.

و فيه: أن الكلام في المسألة السابقة كان في جواز الإجبار و عدمه، و في هذه المسألة إنما يكون في تقدمه علي الفسخ و عدمه،

فالفرق بين المسألتين واضح.

و أورد المحقق الايرواني (رحمه الله) عليه: بأن عنوان هذه المسألة عجيب، فإن عدم تعقل اجتماع حق الإجبار و الخيار بمكان من الوضوح، فإن الإجبار في موضوع عموم الشرط و شموله لما يصدر جبرا، فلا يكون تخلف مهما أمكن الفرد الإجباري منه، و موضوع الخيار صورة تعذر الشرط بجميع أفراده، و أني يجتمع هذان الأمران.

و فيه: أن موضوع الخيار ليس صورة تعذر الشرط خاصة، بل امتناع من عليه الشرط عن العمل به، فإن المجعول هو الشرط من حيث هو، و إنما يجبر عليه في المرتبة اللاحقة و هي الامتناع عن العمل به،

فالامتناع موضوع للحكمين،

و كيف كان ففي المسألة قولان:

أحدهما: أن له ذلك مع التمكن من الإجبار.

و الآخر: أنه ليس له ذلك.

و قد استدل للثاني بوجهين:

الأول: أن هذا الخيار علي خلاف القاعدة، و دليله حديث الضرر و هو لا يجري إلا مع تعذر الإجبار، إذ لا ضرر مع التمكن من الإجبار، فلا خيار، و علي هذا حمل كلام المصنف (رحمه الله)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 304

و لا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الاجبار لما عرفت من ان مقتضي العقد المشروط هو العمل علي طبق الشرط اختياراً أو قهراً الا أن يقال: ان العمل بالشرط لازم علي المشروط عليه يجبر عليه إذ ابني المشروط له علي الوفاء بالعقد.

______________________________

و يرد عليه:

مضافا الي ما عرفت من ان حديث الضرر لا يصلح دليلا للخيار في مورد من الموارد،

و إلي أن الدليل لا ينحصر به كما سيمر عليك انه يمكن أن يقال: إن جواز الإجبار لا يوجب رفع الضرر، بل الرافع هو الإجبار نفسه، و عليه فلزوم البيع مع امتناع المشروط عليه من العمل بالشرط ضرري يرفعه الحديث، و ليس المرفوع خصوص حكم ضرري لا يتمكن من رفعه.

الثاني: أن المتيقن من الإجماع الصورة المذكورة.

و فيه: أن المدرك ليس هو الإجماع.

و الحق أن يقال: إن الشرط و إن كان التزاما إلا أن قوامه بتقيد العقد به، و ليس التزاما مستقلا،

و معني تقيد العقد به ما تقدم من تعليق الالتزام بالوفاء بالعقد علي تحقق الشرط،

فبامتناعه عنه يتحقق شرط الخيار فيثبت،

فالأظهر ثبوت الخيار مع التمكن من الاجبار.

و استدل السيد (قدس سره) لذلك بخبر أبي الجارود- المنجبر ضعفه بالشهرة- عن أبي جعفر (عليه السلام): إن بعت رجلا علي شرط فإن أتاك بمالك و إلا فالبيع

لك. «1» بتقريب أن المراد من مالك مالك من الشرط، و من قول (عليه السلام): و إلا فالبيع لك، كون أمره بيدك.

و فيه: أن ما علق عليه الخيار هو الإتيان بالشرط و هو أعم من الاختياري و الاجباري.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 305

و أما إذا اراد الفسخ لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد علي الوجه الذي وقع عليه، فله ذلك، فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما، (1) و هذا الكلام لا يجري مع امتناع احدهما عن تسليم احد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد، لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر، و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه فيجبران علي ذلك بخلاف الشرط، فإن المشروط حيث فرض فعلا كالاعتاق فلا معني لتملكه، فإذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد، فيجوز للمشروط له ايضا نقضه، فتأمل.

______________________________

و قد ذكر المصنف (رحمه الله) بعد ما اختار عدم ثبوت الخيار مع التمكن من الإجبار وجها لثبوت نتيجة الخيار في عرض الإجبار.

(1) و حاصله: ان المشروط عليه إذا امتنع عن العمل بالشرط يكون امتناعه ذلك امتناعا عن العمل بالعقد المشروط، و نقضا للعقد، إذ ليس الشرط كامتناع احدهما عن تسليم احد العوضين حيث إن مقتضي العقد ملكية كل من المتبايعين لمال الآخر، فالامتناع عن التسليم ليس نقضا للعقد،

و هذا بخلاف الشرط، فإن الوفاء به إنما يكون بإيجاده و مع عدمه يكون ذلك نقضا للعقد المشروط، فللمشروط له أيضا نقضه فيرجع ذلك الي التقايل.

و بهذا البيان اندفع ما أساء به الأدب المحقق الايرواني (رحمه الله) فراجع.

و لكن يرد عليه (قدس سره) أن عدم العمل بالشرط ليس حلاله

حتي يكون بضميمة حل المشروط له هو التقايل،

بل هو عبارة عن ترك العمل مع بقاء الشرط كما هو الحال في الامتناع عن تسليم أحد العوضين طابق النعل بالنعل.

و بالجملة إنه كما يكون للعقد وفاءان: حقيقي و عملي و كذلك له نقضان، كذلك يكون للشرط بلا تفاوت بينهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 306

ثمّ علي المختار من عدم الخيار الا مع تعذر الاجبار لو كان الشرط من قبيل الانشاء القابل للنيابة، فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر اجباره، (1) الظاهر ذلك لعموم ولاية السلطان علي الممتنع (2) فيندفع ضرر المشروط له بذلك.

الرابعة: لو تعذر الشرط فليس للمشترط الا الخيار، (3) لعدم دليل علي الارش،

______________________________

(1) قوله فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر اجباره الظاهر ان له ذلك لا لثبوت الولاية المطلقة له فان ذلك باطل كما اسلفناه و لا لأن الشرط اعم من فعل المشروط عليه و غيره.

(2) بل لان الحاكم ولي الممتنع و ان شئت قلت ان حفظ مال الناس و متعلق حقهم مما يعلم ان الشارع الاقدس لا يرضي بتركه فهو من الامور الحسبية يتولاه الحاكم و يمكن ان يستشهد له بما دل «1» علي ان من لا ينفق علي زوجته بجبره الحاكم علي ذلك و ان لم يمكن يطلقها الحاكم، مع ان الطلاق امره اضيق من سائر الانشائيات.

حكم تعذر الشرط

(3) الرابعة: لو تعذر الشرط فلا كلام في ثبوت الخيار، فهل للمشروط له امضاء العقد واخذ شي ء بإزاء الشرط، كما عن العلامة (رحمه الله) في التذكرة حيث حكم بثبوت الأرش فيما إذا أشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق، و تبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد،

قال: إن امتنع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ

و استرجاع العبد و بين الامضاء فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا و قيمته بشرط التدبير. انتهي،

أم ليس له أخذ شي ء كما عن الدروس و غيره،

أم هناك تفصيل بين الشروط كما التزم به العلامة في بعض كتبه؟ وجوه.

و تنقيح القول في المسألة أن الظاهر من العلامة قدس سره تقسيم الشروط الي أقسام:

______________________________

(1) كتاب النكاح- باب 1- من ابواب النفقات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 307

فان الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال، بل المقابلة عرفا و شرعا انما هي بين المالين و التقييد امر معنوي لا يعد مالا و ان كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده و عدمه و ثبوت الارش في العيب لاجل النص، (1) و ظاهر العلامة ثبوت الارش إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق.

و تبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد، قال: فإن امتنع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ و استرجاع العبد و بين الامضاء، فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا و قيمته بشرط التدبير، انتهي.

______________________________

الأول: ما يكون من الأوصاف التي لا توجب إلا زيادة الرغبة في موصوفها من دون أن توجب زيادة في قيمة الموصوف بوجه، و اختار فيه تعين الخيار.

الثاني: ما يكون من الأوصاف التي توجب زيادة المالية في الموصوف، و اختار فيه تخيير المشروط له بين الفسخ و الرجوع بالتفاوت و الأرش.

الثالث: ما يكون من الأفعال التي يبذل بإزائها المال كخياطة الثوب أو الغايات،

و ذهب فيه الي تخيير المشروط له بين الفسخ و المطالبة به، أو بعوضه و قيمته الواقعية.

و المصنف (رحمه الله) في عنوان المسألة تبع العلامة مع إلغاء القسم الأول الواضح حكمه،

فالكلام يقع في موردين:

الأول: في ما إذا كان الشرط من الأوصاف

الدخيلة في المالية و كان متعذرا، و الحق به السيد (قدس سره) ما إذا كان من الأفعال و لكن كان متعذرا من الأول، لاما إذا طرأ عليه التعذر.

الثاني: في ما إذا كان من الأفعال المتمولة أو الغايات.

(1) اما الاول فقد استدل المصنف (رحمه الله) لعدم ثبوت الارش بما حاصله: ان الارش إما أن يكون تعبديا، أو يكون علي القاعدة، و الأول يحتاج الي دليل التعبد و هو مفقود،

و الثاني يتوقف علي وقوع شي ء من المال بإزاء الشرط و هو ليس، فإن الشرط- و هو القيد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 308

و مراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت الي القيمة لا تمام التفاوت لأن للشرط قسطا من الثمن، فهو مضمون به لا بتمام قيمته، كما نص عليه في التذكرة و ضعف في الدروس قول العلامة بما ذكرنا من ان الثمن لا يقسط علي الشروط و اضعف منه ثبوت الارش بمجرد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط و ان لم يتعذر، كما عن الصيمري و لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا و يقابل بالمال، كخياطة الثوب فتعذر. ففي استحقاق المشروط له لأجرته و مجرد ثبوت خيار له وجهان: قال في التذكرة لو شرط علي البائع عملا سائغا، تخير المشتري بين الفسخ و المطالبة به، أو بعوضه. ان فات وقته، و كان مما يتقوم، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري، و لو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ و الامضاء مجانا، انتهي.

و قال ايضا لو كان الشرط علي المشتري مثل ان باعه داره بشرط ان يصبغ له

______________________________

خارج عن المعاملة، و التقيد و إن

كان داخلا فيها لكنه ليس مالا و إن كان سببا لازدياد مالية المال.

و أورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بأن التقيد و إن كان بنفسه لا يعد مالا لكن الذات علي صفة التقيد مال يبذل بإزائه- بما له من التقيد- المال، فإن الكتابة مجردة و إن لم تعد مالا لكن ذات الكاتب علي صفة الكتابة مال، و هذا عين معني تقسيط الثمن.

و فيه: أن المقيد ينحل الي ذات المقيد و تقيده، و التقيد أمر انتزاعي لا يقابل بالمال و لكن الذي يرد علي المصنف (رحمه الله) و يوجب عدم إمكان تصحيح ما أفاده المحقق الايرواني (رحمه الله) وجها لثبوت الأرش بوجه: أن الشرط علي ما تقدم ليس قيدا للانشاء،

لاستحالته، و لا للمنشأ لكونه موجبا للتعليق المبطل، و لا لأحد العوضين، فإن العين الخارجية لا تقبل التقييد، بل هو للالتزام بالوفاء بالعقد، و عليه فلا مورد لما أفاده المحقق المشار إليه و لا إلي ثبوت الأرش.

و قد استدل لثبوته مضافا الي ما مر. بوجهين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 309

ثوبه، فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ و الامضاء بقيمته الفائت، ان كان مما له قيمة و إلا مجانا، انتهي.

و الظاهر ان مراده بما يتقوم ما يتقوم في نفسه سواء كان عملا محضا، كالخياطة أو عينا كمال العبد المشترط معه، أو عينا و عملا كالصبغ لا ما له مدخل في قيمة العوض، إذ كل شرط كذلك و ما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه، و ان كان مقتضي المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقا قيدا غير مقابل بالمال، (1) فإن المبيع هو الثوب المخيط و العبد و ماله

______________________________

أحدهما: ما أفاده السيد الفقيه، و حاصله: أن الشرط

و إن لم يكن مقابلا بالمال في عالم الانشاء إلا أنه مقابل به في عالم اللب، و لا منافاة بين أن يكون مال واحد تمامه مقابلا لشي ء في عالم و بعضه مقابلا لشي ء آخر في عالم آخر الذي هو في طول ذلك العالم.

و بعبارة اخري: يكون قيدا في مرحلة و جزء في مرحلة اخري، و عليه فمقتضي كون التمام في مقابل العين في عالم الانشاء جواز إمضاء المعاملة علي ما هي عليه، و إسقاط حق الشرط، و مقتضي كون البعض في مقابل الشرط في عالم اللب جواز استرداده لعدم وصول عوضه و هو الشرط إليه، و هذا معني تخييره بين الفسخ و الأرش.

و فيه: أنه في باب المعاملات لا يعتني بما لم يقع في حيز الانشاء.

و بعبارة اخري: أن تمام المناط فيها عالم الانشاء و إلا الالتزامات و البنائات القلبية غير المنشأة لا يترتب عليها أثر، فمجرد الجزئية في عالم اللب لا يؤثر شيئا.

ثانيهما: إدراج المورد تحت عنوان العيب، إذ المبيع مثلا لوحظ فيه وصف الانضمام بوصف أو عمل، و تعذره يوجب نقصا في المبيع.

و فيه: ما تقدم في حقيقة العيب من أن العيب هو نقص وصف الصحة خاصة،

فراجع، فالأظهر عدم ثبوت الأرش.

و أما المورد الثاني فقد ذهب جمع من الأساطين الي أن المشروط له يستحق اجرة ذلك العمل و عوضه الواقعي.

(1) و المصنف (رحمه الله) استشكل فيه من ناحية ان الشرط مطلقا قيد غير مقابل بالمال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 310

المصاحب للمال لا الثوب و الخياطة و العبد و ماله. و لذا لا يشترط قبض ما بازاء المال من النقدين في المجلس لو كان من احدهما (1) و سيجي ء في المسألة السابعة المعاملة مع

بعض الشروط معاملة الأجزاء.

الخامسة: لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلف أو بنقل أو رهن أو استيلاد، (2) فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ، فإذا فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه أو من اصله وجوه يأتي في احكام الخيار

______________________________

و المعاوضة واقعة بين العوضين أنفسهما.

و لكن الظاهر أن من يقول باستحقاق الاجرة لا يستند الي كون مقدار من العوض بإزائه حتي يرد عليه ذلك، بل الي أن المشروط له يملك علي المشروط عليه ذلك الفعل، أو تلك الغاية، فيجوز له مطالبة عوضه كائنا ما كان، فإيراد الشيخ (رحمه الله) في غير محله.

و لكن يرد عليه: أنه لا دليل علي الملكية، إذ غاية ما يستفاد من الدليل وجوب الوفاء بالشرط حقيا، و أما ثبوت الملكية فمما لم يدل عليه دليل، و بناء العقلاء علي أخذ العوض غير ثابت، فالأظهر أنه ليس له ذلك.

(1) قوله و لذا لا يشترط قبض ما بازاء المال … لو كان من احدهما مراده انه لو باع العبد و اشترط كون ماله معه و كان ماله من النقدين و الثمن منهما لا يجب التقابض في المجلس بالنسبة الي ماله من باب كونه بيع صرف و لو كان الشرط مقابلا بالمال أي بالثمن وجب ذلك.

التلف لا يمنع عن الفسخ

(2) الخامسة: لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلف أو بنقل، أو رهن، أو استيلاد فهل يمنع ذلك عن الفسخ، أم لا؟

و لو فسخ فهل يرجع عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها؟ وجوه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 311

و يأتي ان الاقوي الرجوع بالبدل جمعا بين الادلة، هذا كله مع صحة

العقد الواقع بأن لا يكون منافيا للوفاء بالشرط. و أما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه علي البائع، ففي صحته مطلقا أو مع اذن المشروط له أو إجازته أو بطلانه وجوه خيرها اوسطها

______________________________

و الكلام في هذه المسألة يقع في موضعين:

الأول: فيما إذا تلف العين أو خرجت عن ملكه مع عدم كون التصرف المخرج منافيا للشرط.

الثاني: فيما إذا كان التصرف المخرج للعين بنفسه منافيا للشرط، كما لو باع شيئا و اشترط أن لا يبيعه أو يوقفه أو نحو ذلك فباعه.

أما الموضع الأول فالكلام فيه في موارد:

الأول: في أنه هل يمنع ذلك من الفسخ أم لا؟ و مبني القولين: أن الخيار متعلق بالعقد أو العين؟ إذ علي الأول يجوز الفسخ، و علي الثاني لا يجوز، لانعدام الموضوع، و قد تقدم تفصيل القول في ذلك في الخيارات، و عرفت أن الأظهر تعلقه بالعقد.

الثاني: في حكم التصرف المخرج، و قد يتوهم أنه فاسد من جهة أنه تصرف في ملك كان معرضا للزوال، أو أنه ما لم ينقض زمان الخيار لا يصير ملكا للمشتري، فهو تصرف في ملك الغير،

و كلاهما فاسدان.

أما الأول، فلان كونه معرضا للزوال لا يوجب الفساد.

و أما الثاني، فلما مر من عدم توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار لا سيما مثل هذا الخيار المنفصل عن العقد.

الثالث: في أنه إذا فسخ المشروط له فهل يرجع الي القيمة من جهة صحة العقد الثاني و عدم الموجب لانحلاله بانحلال العقد الأول، لما ستعرف من فساد ما ذكر وجها لانحلاله،

أو الي العين من جهة أن الفسخ يقتضي رجوع العين مع إمكانه و المفروض ذلك؟ وجهان،

أقواهما: الأول، فإن عدم امكان الرجوع أعم من العقلي و الشرعي، و المفروض صحة العقد الثاني،

و لزومه، فيمتنع الرجوع بالعين شرعا، و المانع الشرعي كالمانع العقلي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 312

______________________________

و علي الثاني هل ينفسخ العقد الواقع عليه من حينه من جهة أنه معلول لأعمال الخيار فلا يتقدم عليه، أو من أصله من جهة أنه بفسخ العقد الأول ينحل هو من أصله فكذا ما يترتب عليه؟

و الأظهر هو الأول كما تقدم، فالأظهر هو الرجوع بالبدل.

و بما ذكرناه ظهر تمامية ما أفاده المصنف (رحمه الله) من أنه يرجع بالقيمة جمعا بين الأدلة،

أي دليل نفوذ العقد الأول، و دليل نفوذ العقد الثاني و لزومه، و دليل الخيار بالقياس الي العقد الأول.

هذا كله فيما إذا كان التصرف المخرج لازما،

و أما إن كان جائزا فقد يتوهم أنه بعد الفسخ يجبر المشتري علي الفسخ و إرجاع العين من جهة أن العقد جائز، فالمشتري متمكن من إرجاع العين فيجبر عليه، بخلاف ما إذا كان العقد لازما و لكنه فاسد من جهة أنه إذا فسخ المشروط له و رجع الثمن الي المشتري فلا بد و أن يرجع إليه شي ء إما العين أو بدلها، و الأول موجب لانفساخ العقد الثاني، و المفروض أنه لا وجه له، و لو التزم بانفساخه بفسخ المشروط له يرد بأن العقد الثاني بالقياس إليه لازم لا جائز، و انما يكون جائزا بالنسبة الي المشتري، و الثاني مستلزم لعدم جواز الإجبار كما هو واضح،

فالأظهر أنه لا فرق بين العقد اللازم و الجائز.

و أما الموضع الثاني فالكلام فيه في موردين:

الأول: في حكم التصرف المخرج صحة و فسادا، و الأقوال فيه ثلاثة،

ثالثها: الصحة مع إجازة المشروط له و الفساد مع عدمه.

و قد استدل للبطلان مطلقا بوجهين:

الأول: أن التصرف المنافي حرام، و حرمة المعاملة تستلزم فسادها.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 313

______________________________

و فيه أولا: أن التصرف المنافي إن كان بنفسه مما اشترط عدمه كما اشترط أن لا يبيع داره فباعه و إن كان معصية بناء علي وجوب الوفاء بالشرط إلا أنه إن كان مضادا لما هو شرط كما لو باع العبد و اشترط عتقه فباعه لا يكون البيع حراما إلا بناء علي اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضده، و المحقق في محله عدم الاقتضاء فلا يكون حراما.

و ثانيا: أن حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها كما حققناه في الجزء الاول من هذا الشرح فراجع.

الثاني: أن التصرف المزبور تصرف في متعلق حق الغير نظير بيع العين المرهونة،

و هو لا يكون نافذا، لعدم كون ما تصرف فيه ملكا طلقا، و الإجازة اللاحقة من ذي الحق لا تجدي سواء كانت الإجازة منه إسقاطا لحقه أم كانت إنفاذا للمعاملة مثل إجازة المالك،

أما علي الأول فواضح، و أما علي الثاني، فإن العقد حين وقوعه لم يشمله دليل الصحة فكيف يشمله بعد حين، و أما بيع الفضولي فعنوانه يتغير بالإجازة، و يصير عقدا للمالك بعد ما لم يكن عقدا له فيدخل في عنوان الدليل و هو عقد المالك.

و فيه أولا: أن حق المشروط له متعلق بالفعل المتعلق بالمال لا بنفس المال، و المال متعلق للمتعلق، و لا دليل علي اعتبار أن لا يكون البيع متعلقا بما هو متعلق حق الغير،

و بالجملة لا يكون المال خارجا عن كونه ملك طلق.

و ثانيا: انه لو سلم ذلك ما ذكر وجها لعدم نفوذ الإجازة اللاحقة لا يتم، فإن العقد له بقاء فإذا لم تشمله العمومات حين حدوثه لمانع و ارتفع ذلك المانع بقاء تشمله العمومات،

لوجود المقتضي و عدم المانع.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول

الثالث مع ما يرد عليه،

كما ظهر أن الأظهر هي الصحة مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 314

فلو باع بدون اذنه كان للمشروط له فسخه و الزامه بالوفاء بالشرط. (1)

نعم لو لم نقل باجبار المشروط عليه، (2) فالظاهر صحة العقد الثاني، فإذا فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من حينه أو من اصله، أو الرجوع بالقيمة وجوه:

رابعها التفصيل بين التصرف بالعتق، فلا يبطل لبنائه علي التغليب، فيرجع بالقيمة و بين غيره فيبطل، اختاره في التذكرة و الروضة.

قال في فروع مسألة العبد المشترط عتقه، بعد ما ذكر ان اطلاق اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا، فلو اعتقه بشرط الخدمة مدة تخير المشروط له بين الامضاء و الفسخ فيرجع بقيمة العبد، قال بعد ذلك و لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ و الامضاء، فإن فسخ بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام و تخالف هذه العتق بشرط الخدمة، لأن العتق مبني علي التغليب، (3) فلا سبيل إلي فسخه، و هل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري فيه احتمال، انتهي.

______________________________

(1) قوله كان للمشروط فسخه و الزامه بالوفاء بالشرط المراد من فسخه فرضه كالعدم و عدم الاعتناء به إذ المفروض بطلانه في نفسه بدون الاذن علي مذهبه.

(2) قوله نعم لو لم نقل باجبار المشروط عليه يعني انه بناء علي عدم الاجبار الكاشف عن كون وجوب الوفاء بالشرط حكميا لا حقيا يحكم بصحة العقد الثاني من جهة ان المانع عن صحة عقده كون المال متعلقا لحق الغير و المفروض عدم الحق فلا مانع عن صحته.

(3) قوله لان العتق مبني علي التغليب.

هذا التعليل عليل فان بناء العتق علي التغليب انما هو فيما لو انعتق بعض

العبد كما لو اعتق احد الشريكين حصته فانه ينعتق علي شريكه الآخر حصته لذلك و هذا غير مربوط بالمقام المورد الثاني: إذا فسخ المشروط له ففيه وجوه:

احدها: انفساخ العقد الثاني من حينه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 315

و مثله ما في الروضة و قال في الدروس في العبد المشروط عتقه: و لو اخرجه عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف، فللبائع فسخ ذلك كله، انتهي.

و ظاهره ما اخترناه (1) و يحتمل ضعيفا غيره، و في جامع المقاصد الذي ينبغي ان المشتري ممنوع من كل تصرف ينافي العتق المشترط.

ثمّ ان هذا الخيار، كما لا يسقط بتلف العين، كذلك لا يسقط بالتصرف فيها، (2) كما نبه عليه في المسالك في اول خيار العيب، فيما لو اشترط الصحة علي البائع، نعم إذا دل التصرف علي الالتزام بالعقد و سقط الخيار نظير خيار المجلس و الحيوان بناء علي ما استفيد من بعض اخبار خيار الحيوان المشتمل علي سقوط خياره بالتصرف معللا بحصول الرضا بالعقد. و أما مطلق التصرف فلا.

______________________________

ثانيها: انفساخه من أصله.

ثالثها: الرجوع بالقيمة.

رابعها: ما عن العلامة-،- من التفصيل بين التصرف بالعتق فلا يبطل، لبنائه علي التغليب، فيرجع بالقيمة، و بين غيره فيبطل، و قد تقدم في الموضع الأول تنقيح القول في ذلك، و عرفت أن الاظهر هو الثالث.

و انما الكلام في المقام في خصوص التفصيل الذي ذهب إليه العلامة،

الظاهر انه بناء علي عدم تمامية ما اخترناه من الرجوع بالقيمة، و أنه ينفسخ العقد الثاني- ما أفاده متين، لكن ينبغي أن يعلل بأن الحر لا يعود رقا، و أيضا لازمه التعميم الي كل مورد ثبت فيه عدم جواز الرجوع كما لو اشتري أرضا و جعله المشتري مسجدا.

(1) قوله و ظاهره

ما اخترناه و يحتمل ضعيفا غيره يعني ظاهره بطلان التصرفات الواقعة في متعلق حق الشرط- و يحتمل ارادته جواز فسخ العقد الاول و انفساخ هذه العقود ايضا.

(2) قوله كذلك لا يسقط بالتصرف فيها لا إشكال في انه يجوز وضعا و تكليفا للمشروط له التصرف فيما انتقل إليه لانه ملكه و ليس متعلقا لحق الغير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 316

السادسة: للمشروط له اسقاط شرطه إذا كان مما يقبل الاسقاط (1) لا مثل اشتراط مال العبد، أو حمل الدابة لعموم ما تقدم في اسقاط الخيار و غيره من الحقوق،

______________________________

و لو تصرف فان كان كاشفا عن اسقاط الخيار و قصد به ذلك لا كلام في سقوطه لان له ذلك و لا يعتبر في الاسقاط لفظ خاص- و ان لم يكن كاشفا عنه أو لم يقصد به ذلك لا يسقط و ما في بعض نصوص «1» خيار الحيوان من التعليل لمسقطية التصرف قد مر أنه لا يتعدي عنه الي ساير الخيارات.

إسقاط حق الشرط

السادسة: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن للمشروط له إسقاط حق خيار التخلف لو لم يعمل المشروط عليه بالشرط،

(1) كما انه لا خلاف بينهم في ان للمشروط له اسقاط شرطه إذا كان مما يقبل الأسقاط،

فالكلام يقع أولا في إسقاط خيار التخلف، ثمّ في إسقاط حق الشرط.

أما الأول فبعد ما عرفت مرارا من أن الخيار من الحقوق، و أن لكل ذي حق إسقاط حقه- جواز إسقاط خيار التخلف واضح، غاية الأمر بعد التخلف بنحو التنجيز و قبله بنحو التعليق لو لم يكن تسالم علي عدم السقوط بالإسقاط المعلق.

و ليعلم أن التخلف إنما يتصور في شرط الصفة أو الفعل دون شرط النتيجة، لأنها تحصل بمجرد الشرط، و عدم

ترتيب الأثر خارجا لا يوجب الخيار، و لو أسقطه لا يوجب ذلك ارتفاع وجوب العمل بالشرط و هو واضح.

و أما إسقاط حق الشرط الذي عرفت أنه حق،

فملخص القول فيه: أن الشرط تارة يكون شرط النتيجة، و اخري يكون شرط الصفة، و ثالثة يكون شرط الفعل، و الأولان لا يتصور فيهما بقاء حق الشرط كي يقبل الأسقاط، أما الأول، فلاستيفاء الحق بالشرط، و أما الثاني، فلأنه إن كان الوصف موجودا فهو، و إلا فلا معني لوجوب الوفاء

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 317

و قد يستثني من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له (1) كالعتق. فان المصرح به في كلام جماعة كالعلامة و ولده و الشهيدين و غيرهم عدم سقوطه باسقاط المشروط له، قال في التذكرة: الاقوي عندي أن العتق المشروط اجتمع فيه حقوق حق لله و حق للبائع و حق للعبد، ثمّ استقرت بناء علي ما ذكره مطالبة العبد بالعتق لو امتنع المشتري. و في الايضاح الاقوي انه حق للبائع و لله تعالي، فلا يسقط بالاسقاط، انتهي.

و في الدروس لو أسقط البائع الشرط جاز الا العتق لتعلق حق العبد و حق الله تعالي به، انتهي.

و في جامع المقاصد: ان التحقيق ان العتق فيه معني القربة و العبادة و هو حق الله تعالي و زوال الحجر و هو حق للعبد، و فوات المالية علي الوجه المخصوص للقربة و هو حق للبائع، انتهي.

اقول اما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الامر المطلوب

______________________________

فلا محالة يسقط حق الشرط و لا بقاء له، فمورده شرط الفعل.

و عليه فإن قلنا بصيرورة الفعل المشروط ملكا للمشروط له لا معني لإسقاطه أيضا، لأن

مورده الحقوق لا الأملاك، و إن قلنا بأنه يصير متعلق الحق فهو قابل للإسقاط،

و لو أسقطه لا يجب الوفاء بالشرط.

(1) صرح جماعة منهم العلامة في التذكرة و ولده في الايضاح و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم أنه يستثني من جواز إسقاط حق الشرط، شرط ما يكون حقا لغير المشروط له، و مثلوا له بالعتق، و قالوا: إنه لا يسقط بالإسقاط.

محصل الكلام انه لا إشكال في أنه لو كان حقا لغير المشروط له أيضا في عرض حقه لا يسقط بإسقاط المشروط له، إذ لكل ذي حق إسقاط حقه لا لغيره و المشروط له بالإضافة الي حق من له الحق أجنبي.

و عليه فإن كان حقان سقط حق المشروط له و بقي حق صاحبه، و إن كان حق واحد قائم باثنين لم يسقط بإسقاط واحد منهما، و يتوقف سقوطه علي توافقهما علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 318

للشارع، فهو واضح. و أما كونه حقا للعبد، فإنه ان اريد به مجرد انتفاعه بذلك،

فهذا لا يقتضي سلطنة له علي المشتري، (1) بل هو متفرع علي حق البائع دائر معه وجودا و عدما (2) و ان اريد ثبوت حق علي المشتري يوجب السلطنة علي المطالبة،

فلا دليل عليه و دليل الوفاء لا يوجب الا ثبوت الحق للبائع.

و بالجملة فاشتراط عتق العبد، ليس الا كاشتراط ان يبيع المبيع من زيد بأدون من ثمن المثل أو يتصدق به عليه، و لم يذكر احد ان لزيد المطالبة، و مما ذكر يظهر الكلام في ثبوت حق الله تعالي، فإنه ان اريد به مجرد وجوبه عليه، لأنه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض، فهذا جار في كل شرط و لا ينافي ذلك سقوط الشروط بالاسقاط، و ان

اريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوبا لله، كما ذكره جامع المقاصد، ففيه ان مجرد المطلوبية إذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق لله علي وجه يلزم به الحاكم و لا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد و القيام بحقوقهم. و قد عرفت ان المطلوب غير هذا، فافهم

______________________________

الأسقاط، و أن كان حق غيره في طول حقه فللمشروط له إسقاط حقه، و مع سقوطه يرتفع موضوع حق صاحبه، هذا كله مما لا كلام فيه.

إنما الكلام في الصغري، و قد مثلوا لما إذا كان الشرط متعلقا لحق غير المشروط له:

بالعتق، بدعوي: أنه بشرطه يثبت حق للبائع لكونه المشروط له، و للعبد، و لله تعالي، و لذا ذهب المصنف و ولده و الشهيدان الي أنه لا يسقط بإسقاط المشروط له.

لا كلام في أنه حق للبائع و أما كونه حقا للعبد فأجاب عنه المصنف (رحمه الله) بجوابين:

(1) احدهما: ان انتفاع الغير بالعمل غير سلطنته علي المشتري.

(2) ثانيهما: ان حق العبد علي فرض تسليم كونه حقا انما يكون موضوعه حق البائع فيسقط بإسقاطه.

و أما كونه حقا لله تعالي إما لكونه واجبا أو لأجل كونه تعبديا.

و تقريب الأول: أن الفعل إذا وجب يخرج زمام أمره عن يد المكلف و يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 319

السابعة: قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن عند انكشاف التخلف (1) علي المشهور، لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد عرفا علي مقابلة احد العوضين الا بالآخر، و الشرع لم يزد علي ذلك إذ امره بالوفاء بذلك المدلول العرفي فتخلف الشرط لا يقدح في تملك كل منهما لتمام العوضين، هذا و لكن قد يكون الشرط

______________________________

بيد

الله تعالي، و هذا هو معني الحقية و الملكية.

و تقريب الثاني: أن معني التعبدية تعين العمل لله تعالي، و ذلك فرع استحقاقه له دون غيره.

و يرد علي الأول: أولا النقض بجميع الشروط، فإنها يجب الوفاء بها.

و ثانيا: أن الايجاب لا يقتضي الملكية الاعتبارية أو الحق الاعتباري، بل هو موجب لخروج زمام الأمر عن يد المكلف تشريعا، و هذا غير كونه متعلقا لحقه تعالي.

ثمّ علي تقدير كونه حقا لله تعالي يمكن أن يقال: إنه في موضوع ثبوت حق البائع،

فلو أسقطه يسقط هو أيضا.

لو شرط قدرا معينا فتبين الاختلاف

(1) السابعة: قد عرفت مما ذكرناه من ان الشرط التزام في ضمن التزام انه لا يقسط عليه الثمن، لكونه في مقابل المثمن و الشرط خارج عنهما.

و لكن قد يكون الشرط قدرا معينا من المبيع فيتبين الخلاف من حيث الكم و تفصيل ذلك ما ذكره العلامة في التبصرة قال: و لو شرط مقدارا فنقص تخير المشتري بين الرد و الامساك بالقسط من الثمن سواء كانت أجزاؤه متساوية أو مختلفة، فإن أخذ بالقسط تخير البائع، و لو أخذه بالجميع فلا خيار، و لو زاد متساوي الأجزاء أخذ البائع الزائد فيتخير المشتري حينئذ و لو زاد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 320

تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة بان يشتري مركبا و يشترط كونه كذا و كذا جزء كان يقول بعتك هذا الارض أو الثوب أو الصبرة علي ان يكون كذا ذرعا أو صاعا، فقد جعل الشرط تركبه من اجزاء معينة، (1) فهل يلاحظ حينئذ جانب

القيدية و يقال ان المبيع هو العين الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزء، فالمتخلف هو قيد من قيود العين كالكتابة و نحوها في العبد لا يوجب فواتها الا خيارا بين الفسخ و

الامضاء بتمام الثمن، أو يلاحظ جانب الجزئية، فإن المذكور و ان كان بصورة القيد الا ان منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد و عدمه، فالمبيع في الحقيقة هو كذا و كذا جزأ الا انه عبر عنه بهذه العبارة كما لو اخبر بوزن المبيع المعين، فباعه اعتمادا علي اخباره، فإن وقوع البيع علي العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن علي الفائت.

و بالجملة فالفائت عرفا و في الحقيقة هو الجزء و ان كان بصورة الشرط، فلا يجري فيه ما مر من عدم التقابل الا بين نفس العوضين، و لأجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه

______________________________

المختلف فالوجه البطلان.

(1) و قال المصنف في المتن: و لكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة- الي ان قال- فقد جعل الشرط تركبه من أجزاء معينة. انتهي.

فالكلام في ذلك إنما هو في أنه هل يلاحظ جانب القيدية، فلا يقسط عليه الثمن أم يلاحظ جانب الجزئية فيقسط الثمن علي الفائت؟

و قبل بيان ما هو الحق في المقام ينبغي تقديم أمرين:

الأول: أن ما يؤخذ شرطا في المعاملة علي أقسام:

أحدها: الشروط الخارجية كخياطة الثوب و نحوها، أو ملكية شي ء آخر و شبهها مما هو من قبيل شرط النتيجة.

ثانيها: ما يكون من قبيل الأوصاف لأحد العوضين.

ثالثها: ما يكون من قبيل كمية الأشياء و مقاديرها.

لا إشكال في أن ما كان من قبيل الأول لا يقسط عليه الثمن، لما مر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 321

ارضا علي انها جربان معينة، أو صبرة علي انها اصوع معينة، و تفصيل ذلك العنوان الذي ذكره في التذكرة بقوله لو باع شيئا و شرط فيه قدرا معينا فتبين الاختلاف من حيث الكم،

______________________________

و أما القسم الثاني فما كان منه

من قبيل الأوصاف العرضية ككون العبد كاتبا كذلك،

و أما ما كان من قبيل الصورة الجوهرية التي بها شيئية الأشياء و ماليتها و تقع متعلقة للأغراض أولا و بالذات و تبذل الأعواض بإزائها كحمارية الحمار و ذهبية الذهب و نحوها،

فتخلفها يوجب بطلان العقد، لتقوم حقيقة المعاملة بها، و مع انتفائها لا معاملة، و السر فيه:

أن المادة الهيولائية من حيث هي ليست بمال و لا يبذل بإزائها العوض:

و إنما الكلام وقع في القسم الثالث لأجل أن فيه جهتين: جهة الوصفية من حيث إفادته لكون العين الشخصية متصفة بوصف كونها كذا جزء، وجهة ذاتية، لأنه يوجب اختلاف تلك الصورة الجوهرية زيادة و نقيصة.

الثاني: أن ظاهر ما عنونه المصنف (رحمه الله) في بادئ النظر: النزاع في المقام في أن شرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة الذي بحسب جعل المتعاملين و قصدهما من قبيل الشرط هل له خصوصية من بين سائر الشروط و بلحاظها حكم عليه شرعا بترتيب آثار الجزئية، أو لا خصوصية له.

و هذا غير تام، فإن لازم القول بأن له خصوصية إلغاء معاوضة المتعاملين و التعبد بمعاوضة اخري و هو كما تري،

بل النزاع في المقام في أن المبيع بحسب بناء المتعاملين هل هو المشروط، أي الأرض الشخصية مثلا، و حال شرط المقدار حال غيره من الشروط، أو لوحظ المقابلة بالقياس إليه في المعاملة؟ و القائل بالتقسيط يقول بالثاني، و مآل كلام المصنف (رحمه الله) الي ذلك.

إذا عرفت هذين الأمرين فاعلم أن المبيع تارة يكون متساوي الأجزاء و اخري مختلفها، و كل منهما إما يتبين النقص فيه و إما أن يتبين الزيادة فيه، فالأقسام أربعة كما ذكره العلامة في التبصرة، و المصنف في المتن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 322

فاقسامه اربعة (1) لانه اما ان يكون مختلف الاجزاء أو متفقها، و علي التقديرين فإما أن يزيد و إما أن ينقص، فالأول تبين النقص في متساوي الأجزاء،

و لا إشكال في الخيار و انما الاشكال و الخلاف في ان له الامضاء، بحصة من الثمن أو ليس له الامضاء الا بتمام الثمن فالمشهور، كما عن غاية المرام هو الاول. و قد حكي عن المبسوط و الشرائع و جملة من كتب العلامة و الدروس و التنقيح و الروضة و ظاهر السرائر و ايضاح النافع حيث اختارا ذلك في مختلف الاجزاء، فيكون كذلك في متساوي الاجزاء بطريق اولي و يظهر من استدلال بعضهم علي الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي الأجزاء مفروغا عنه.

و عن مجمع البرهان: انه ظاهر القوانين الشرعية، و وجهه مضافا الي فحوي الرواية الآتية في القسم الثاني ما اشرنا إليه من ان كون المبيع الشخصي بذلك المقدار

______________________________

(1) قال فاقسامه اربعة أحدها: ما إذا كان المبيع متساوي الأجزاء و تبين النقص فيه، و المشهور علي ما نسب إليهم علي تقسيط الثمن.

و عن جملة من الأساطين العدم.

و الأظهر: هو الأول، فإن ظاهر أخذ شي ء شرطا و إن كان عدم جعل شي ء من العوض بإزائه إلا أن الارتكاز العرفي في شرط المقدار و الكمية بخلاف ذلك، و هذا الارتكاز العرفي قرينة صارفة عن هذا الظهور فقول البائع: بعتك هذه الأرض بشرط أن تكون جربان معينة بكذا درهم، في قوة: بعتك كل جريب بكذا. فعند التخلف يرجع مقدار من الثمن.

و يشهد لذلك: مضافا الي أنه مقتضي القاعدة خبر عمر بن حنظلة عن الامام الصادق (عليه السلام) في رجل باع أرضا علي أنها عشرة أجربة فاشتري المشتري ذلك منه

بحدوده و نقد الثمن و وقع صفقة البيع و افترقا، فلما مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة، قال: ان شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء رد البيع و أخذ ماله كله إلا ان يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 323

و ان كان بصورة الشرط، الا ان مرجعه الي كون المبيع هذا القدر، كما لو كالا طعاما، فاشتراه فتبين الغلط في الكيل، و لا يرتاب اهل العرف في مقابلة الثمن لمجموع المقدار المعين المشترط هنا، خلافا لصريح القواعد و محكي الايضاح، و قواه في محكي حواشي الشهيد و الميسية و الكفاية، و استوجهه في المسالك و يظهر من جامع المقاصد ايضا، لأن المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان.

غاية الامر انه التزم ان يكون بمقدار معين و هو وصف غير موجود في المبيع، (1) فاوجب الخيار كالكتابة المفقودة في العبد

______________________________

له الي جنب ملك الأرض أيضا أرضون فليؤخذ و يكون البيع لازما له، و عليه الوفاء بتمام البيع، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله، و إن شاء رد الأرض و أخذ المال كله «1».

الذي احتج به الشيخ في محكي النهاية.

و مورده و إن كان هي الأرض و هي قيمية و القيمي ما لا يتساوي أجزاؤه في القيمة إلا أنه إذا ثبت ذلك في مختلف الأجزاء يثبت في متساويها بالأولوية، لاختصاص مختلف الأجزاء ببعض الاشكالات علي ما سيمر عليك.

و قد استدل للثاني بوجهين:

(1) احدهما: ما عن جامع المقاصد و هو: ان المبيع المقابل بمجموع الثمن هو الموجود المعين، غاية ما هناك أنه لا يعلم بالنقصان فهو من فوات الوصف.

و فيه: أن المبيع

و إن كان هو الموجود الخارجي إلا أنه من جهة كونه متكمما بكم خاص كما لو اشتراه بما هو كذلك.

ثانيهما: ما عن الجواهر، و حاصله: أن العين الشخصية لا تزيد و لا تنقص، و قد جعلت مبيعا، فلا محالة كل مقدار اخذ فيه فهو من باب اشتراط الوصف الذي لا شأن له في المبيع، بل أثره الخيار عند التخلف.

و فيه: أن العين الشخصية لا تزيد و لا تنقص بحسب الوجود الخارجي إلا أنها تزيد و تنقص بحسب فرض المتعاملين، و مفروضهما هو المتكمم بكم خاص.

______________________________

(1) الوسائل- باب 14- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 324

و ليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار الا انه غير موجود في الخارج، مع ان مقتضي تعارض الاشارة و الوصف غالبا ترجيح الاشارة عرفا، فإرجاع قوله بعتك هذه الصبرة علي انه عشرة اصوع، الي قوله بعتك عشرة اصوع موجودة في هذا المكان تكلف. و الجواب ان كونه من قبيل الشرط مسلم الا ان الكبري و هي ان كل شرط لا يوزع عليه الثمن ممنوعة، (1) لأن المستند في عدم التوزيع عدم المقابلة عرفا، و العرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة، فتأمل.

الثاني: تبين النقص في مختلف الاجزاء، (2) و الاقوي فيه ما ذكر من التقسيط مع الامضاء وفاقا للاكثر، لما ذكر سابقا من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط جزء من المبيع، مضافا الي خبر ابن حنظلة رجل باع ارضا علي انها عشرة اجربة،

فاشتري المشتري منه بحدوده و نقد الثمن. و اوقع صفقة البيع و افترقا، فلما مسح الأرض فإذا هي خمسة اجربة

______________________________

(1) قوله الا ان الكبري و هي ان كل شرط لا يوزع عليها الثمن ممنوعة لا

سبيل الي منعها بعد كون حقيقة الشرط تعليق الالتزام بالوفاء بالعقد علي شي ء فالاولي هو التعليل بما حققناه فراجع.

(2) ثانيها: ما إذا كان المبيع مختلف الاجزاء و تبين النقص فيه، و الكلام في وجه التقسيط ما تقدم.

و قد استدل علي عدم التقسيط فيه: مضافا الي ما مر- بوجوه:

الأول: ما عن الايضاح، و حاصله: أن الفائت بما أنه لا تحقق له و لا مماثل لا يكون له تعين وجودي و لا تعين طبيعي كما في متساوي الأجزاء، فيستحيل تقويمه، و ما يستحيل تقويمه يستحيل تقسيط الثمن عليه، ففواته كفوات صفة كمال.

و فيه: أن الفائت و إن كان لا تعين له واقعا إلا أنه جعل جزء مما فيه الجيد و الردئ في المعاملة، و حيث أنه ليس فيلقي من الثمن بذلك المقدار، مثلا: إذا بيع الأرض المختلفة الأجزاء بالسهولة و الحزونة علي أنها عشرة أذرع، فتبين أنها خمسة أذرع، فالفائت خمسة أذرع،

و قيمتها معلومة معينة فكيف يستحيل تقويمه!؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 325

قال: فإن شاء استرجع فضل ماله واخذ الأرض و ان شاء رد المبيع واخذ المال كله، الا ان يكون له الي جنب تلك الأرض ارضون فليوفه، و يكون البيع لازما، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع، فإن شاء المشتري اخذ الأرض و استرجع فضل ماله و ان شاء رد الأرض واخذ المال كله، الخبر. و لا بأس باشتماله علي حكم مخالف للقواعد، لأن غاية الامر علي فرض عدم امكان ارجاعه إليها،

و مخالفة ظاهره للاجماع طرح ذيله الغير المسقط لصدره عن الاحتجاج.

خلافا للمحكي عن المبسوط، و جميع من قال في الصورة الاولي بعدم التقسيط لما ذكر هناك من كون المبيع عينا خارجيا

لا يزيد و لا ينقص، لوجود الشرط و عدمه، و الشرط التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار، كما لو اشترط حمل الدابة أو مال العبد، فتبين عدمهما. و زاد بعض هؤلاء ما فرق به في المبسوط بين الصورتين، بأن الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن، لأن المبيع مختلف الاجزاء، فلا يمكن قسمته علي عدد الجربان. (1)

______________________________

(1) الثاني: ما عن المبسوط، و حاصله: ان الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن لان المبيع مختلف الأجزاء فلا يمكن قسمته علي عدد الجربان.

و فيه أولا: ما تقدم من أن الفائت جزء معين من الممتزج من الجيد و الردئ، مثلا:

إذا كان نصفه ناقصا يؤخذ من الثمن نصفه و هكذا.

و ثانيا: أنه إذا كان قيمة الأجزاء مختلفة لا بد و أن يعين أن أي مقدار منها من الجيد وأيا منها من الردي ء حفظا من الغرر، و عليه فالفائت يكون معلوما قسطه، و هو واضح.

الثالث: أن عدم معلومية قسط الفائت من الثمن يوجب جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد مع عدم إمكان العلم به عند الحاجة الي التقسيط.

و فيه: مضافا الي ما مر- أن اللازم معلومية ما يقع مبيعا و ما هو عوض عنه في مرحلة العقد بحسب بناء المتعاملين، لاما يكون مبيعا واقعا و ثمنا له كذلك، و لا جهل بما يعتبر العلم فيه فالأظهر هو التقسيط هناك أيضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 326

و فيه ان عدم معلومية قسطه (1) لا يوجب عدم استحقاق المشتري ما يستحقه علي تقدير العلم، فيمكن التخلص بصلح أو نحوه، الا ان يدعي استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد، مع عدم امكان العلم به عند الحاجة الي التقسيط. و فيه

منع عدم المعلومية، (2) لأن الفائت صفة كون هذه الأرض المعينة المشخصة عشرة اجربة، و يحصل فرضه و ان كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعف كل جزء من الأرض، لأنه معني فرض نفس الخمسة عشرة و فرضه ايضا بصيرورة ثلاثة منها ثمانية أو اربعة تسعة أو واحد تسعة أو واحد ستة أو غير ذلك،

و ان كان ممكنا الا انه لا ينفع مع فرض تساوي قطاع الأرض و مع اختلافها، فظاهر التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضي بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا علي ما هو عليه من الصفات المرئية أو الموصوفة.

ثمّ ان المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة، و نفي عنه البعد في التذكرة معللا بأن القطعة المجاورة للمبيع اقرب الي المثل من الارش. و فيه مع منع كون نحو الارض مثليا أن الفائت لم يقع المعاوضة عليه في ابتداء العقد، و قسطه من الثمن باق في ملك المشتري، و ليس مضمونا علي البائع، حتي يقدم مثله علي قيمته.

و أما الشيخ (قدس سره) فالظاهر استناده في ذلك الي الرواية

______________________________

(1) قوله و فيه ان عدم معلومية قسطه عبارات نسخ الكتاب في المقام مختلفة ففي بعضها هكذا و في بعضها و فيه مضافا الي ان عدم معلومية الخ- و علي الثاني فقوله بعد سطر و نصف.

(2) و فيه منع عدم المعلومية يكون غلطا و الصحيح الغاء لفظة و فيه- و كيف كان فمحصل جوابه الاول ان جهالة القسط لا تقتضي ذهاب حق المشتري الا ان يقال برجوع الجهالة حينئذ الي جهالة الثمن فالمعاملة باطلة رأسا و حاصل- جوابه الثاني انه ان كان الارض متساوية الاجزاء قيمة يفرض كل جزء من الارض المشتراة

علي انها عشرة اجربة فانكشف انها خمسة جزءين- و ان كانت مختلفة الاجزاء يؤخذ المقدار الناقص بوصف الموجود قيمة و كيفية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 327

الثالث: ان يتبيّن الزيادة عما شرط علي البائع (1) فإن دلت القرينة علي ان المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة، فالظاهر ان الكل للمشتري. (2) و لا خيار، و ان اريد ظاهره و هو كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة و عليه من حيث عدم النقيصة، ففي كون الزيادة للبائع و تخيّر المشتري للشركة أو تخيّر البائع بين الفسخ و الاجازة لمجموع الشي ء بالثمن وجهان: من ان مقتضي ما تقدم من ان اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به، فهو شرط صورة و له حكم الجزء عرفا ان اشتراط عدم الزيادة علي المقدار هنا بمنزلة الاستثناء و اخراج الزائد عن المبيع و من الفرق بينهما بأن اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا، و ليس بمنزلة الاستثناء، فتخلفه لا يوجب الا الخيار،

______________________________

(1) ثالثها: ما إذا كان المبيع متساوي الاجزاء و تبين الزيادة، و الكلام فيه في موردين:

الأول: في حكم الزيادة و أنها للبائع أو المشتري.

الثاني: في الخيار، و أنه لهما أو لأحدهما.

أما الأول: فإن دلت القرينة علي أن المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة، ففي المتن:

(2) فالظاهر ان الكل للمشتري و لكن الظاهر بطلان البيع حينئذ، للغرر،

و إن كان عدم الزيادة شرطا فإن كان المبيع هو الموجود الخارجي و أخذ عدم الزيادة شرطا بحسب بناء المتعاملين كان الزائد للمشتري،

و إن كان المبيع هو المتكمم بكم خاص بقي الزائد في ملك البائع، و الارتكاز العرفي مساعد مع الثاني.

و أما الثاني فعلي التقدير الأول فإن كان

الشرط من المشتري كان الخيار له، و ان كان من البائع ثبت له، و علي التقدير الثاني كان الخيار للمشتري من جهة عيب الشركة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 328

و لعل هذا اظهر (1) مضافا الي إمكان الفرق بين الزيادة و النقيصة، مع اشتراكهما في كون مقتضي القاعدة فيهما كونهما من تخلف الوصف لا نقص الجزء أو زيادته بورود النص المتقدم في النقيصة، و يبقي الزيادة علي مقتضي الضابطة، و لذا اختار الاحتمال الثاني، بعض من قال بالتقسيط في اطراف النقيصة، و قد يحكي عن المبسوط القول بالبطلان هنا لأن البائع لم يقصد بيع الزائد (2) و المشتري لم يقصد شراء البعض و فيه تأمل.

الرابع: ان يتبين في مختلف الاجزاء و حكمه يعلم مما ذكرنا. (3)

القول في حكم الشرط الفاسد
اشارة

و الكلام فيه يقع في امور: (4)

الأول: ان الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به، (5)

______________________________

(1) قوله و لعل هذا الظهر فيه منع بل المقامان من واد واحد فكما ان هناك قلنا، بان ظاهر الشرطية عدم جعل شي ء بازاء الشرط، الا انه في شرط الكم قرينة كلية صارفة، و عليه بنينا علي التقسيط كذلك لا بد من القول به هنا بلا تفاوت.

(2) قوله لان البائع لم يقصد بيع الزائد حاصله عدم التطابق بين الايجاب و القبول فان البائع قاصد للاستثناء و المشتري قاصد للشرط و فيه: انه ان كان ظهور الكلام في قصد البائع الاستثناء يكون بالنسبة الي المشتري ايضا كذلك كما انه لو كان ظاهرا في ارادة الشرط فبالنسبة الي كل منهما هكذا.

(3) و بما ذكرناه ظهر الحال في القسم الرابع و هو ما إذا تبينت الزيادة في مختلف الأجزاء، إذ حاله من جميع جهات الكلام حال

القسم الثالث.

حكم الشرط الفاسد

(4) القول في احكام الشرط الفاسد، و فيه مسائل:

(5) الاولي: لا يجب الوفاء به، لان فساد الشرط لا محالة يكون لانتفاء احد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 329

بل هو داخل في الوعيد، فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به علي القول بعدم فساد اصل العقد، (1)

______________________________

الأمور المذكورة المعتبر بعضها في أصل كونه شرطا، و بعضها في صحته، فلا كلام في عدم وجوب الوفاء به من حيث إنه شرط، لأن معني فساده عدم ترتب حكمه عليه.

و هل يترتب عليه حكم الوعد أم لا؟ أقوال.

أحدها: أنه وعد يترتب عليه حكمه.

ثانيها: ما عن المحقق النائيني (رحمه الله) و هو أنه لا يترتب عليه ذلك.

(1) ثالثها: ما في المكاسب و هو ترتبه علي القول بعدم فساد اصل العقد و الأظهر هو الأول، فإنه إنشاء التزام بشي ء فهو وعد.

و استدل للثاني، بأن الوعد إخبار فلا ربط له بباب الشروط التي هي من مقولة الانشاء.

و فيه: ما تقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح في مبحث الكذب أن الوعد ربما يكون إخبارا، و ربما يكون إنشاء كما إذا قال المولي لعبده: إذا فعلت الفعل الفلاني أعطيتك درهما،

فلا يكون الوعد مقابلا للانشاء.

و استدل للثالث بأن الشرط في ضمن العقد وعد مقيد لا مطلق قيد بصحة العقد.

و فيه أن العقد مقيد به لا هو بالعقد، بل هو مطلق، غاية الأمر إنشاء في ضمن إنشاء العقد.

و انما المهم في المقام بيان أن الشرط الفاسد مفسد للعقد أم لا؟

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في تعيين محل النزاع و بيان الأقوال.

أما الأول فإن كان فساد الشرط موجبا لاختلاف العقد نفسه كالشرط المنافي لمقتضي العقد بطل العقد بلا كلام، و ليس هو محل النزاع،

كما

أنه لا كلام في البطلان إذا كان فساده موجبا لاختلال شي ء من الامور المعتبرة في العوضين، كما لو اشترط وجود وصف مجهول في احد العوضين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 330

و لا تأمل ايضا في ان الشرط الفاسد لأجل الجهالة، يفسد العقد، (1) لرجوع الجهالة فيه الي جهالة احد العوضين، فيكون البيع غررا، و كذا لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر في اصل البيع، كاشتراط بيع المبيع من البائع. ثانيا: لأنه موجب للدور، أو لعدم القصد الي البيع الاول، أو للتعبد من اجل الاجماع أو النص،

و كاشتراط جعل الخشب المبيع صنما، لأن المعاملة علي هذا الوجه اكل للمال بالباطل و لبعض الاخبار، و انما الاشكال فيما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد. فهل يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد ام يبقي العقد علي الصحة؟ قولان:

حكي اولهما عن الشيخ و الاسكافي و ابن البراج و ابن سعيد، و ثانيهما للعلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة ممن تبعهم.

و ظاهر ابن زهرة في الغنية التفصيل بين الشرط الغير المقدور كصيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا، و بين غيره من الشروط الفاسدة، فادعي في الأول عدم الخلاف في الفساد و الافساد

______________________________

أو احداثه فيه فإنه يوجب الجهالة فيهما.

و إلي هذا نظر المصنف حيث قال:

(1) و لا تأمل ايضا في ان الشرط الفاسد لاجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه الي جهالة أحد العوضين، و إلا فشرط ما هو أجنبي عنهما لا يوجب الجهالة فيهما،

أو اشترط أمرا غير مقدور موجبا لتعذر تسليم أحد العوضين، كما لو بيع الزرع بشرط أن يجعل سنبلا. و أما إذا اشترط أمرا غير مقدور لا ربط له بالعوضين كما لو باع الثوب بشرط أن

يجعل الزرع سنبلا فهو داخل في محل الكلام أو اشترط شرطا أوجب سلب المالية عن أحد العوضين، كما لو باع الخشب بشرط أن يجعله صنما، فإن مرجع هذا الشرط الي حصر المنافع في المحرمة و سلب المحللة منه،

فيوجب سلب المنفعة و الخروج عن المالية، إذ المنافع المحللة لا يجوز استيفاؤها للشرط و المنافع المحرمة سلبها الشارع عنه، فيخرج عن كونه مالا فأكل المال علي هذا الوجه أكل للمال بالباطل، كما صرح به المصنف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 331

و مقتضي التأمل في كلامه ان الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور علي تسليمه، و لو صح ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف،

لرجوعه كالشرط المجهول الي ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين، لكن صريح العلامة في التذكرة: وقوع الخلاف في الشرط الغير المقدور، و مثل بالمثالين المذكورين و نسب القول بصحة العقد الي بعض علمائنا، و الحق ان الشرط الغير المقدور من حيث هو غير مقدور لا يوجب تعذر التسليم في احد العوضين. نعم لو اوجبه فهو خارج عن محل النزاع كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر،

و ربما ينسب الي ابن المتوج البحراني التفصيل بين الفاسد لأجل عدم تعلق غرض مقصود للعقلاء به، فلا يوجب فساد العقد، كأكل طعام بعينه أو لبس ثوب كذلك و بين غيره. و قد تقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد كاكل طعام بعينه أو ليس ثوب كذلك و بين غيره و قد نقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود

______________________________

و أما إذا لم يكن مخلا بالعقد و لا بالعوضين كما، لو اشترط

ما لا يسوغ أو عدم العتق أو عدم وطء الأمة مما يبطل الشرط ففيه أقوال:

الأول: ما عن الشيخ الطوسي و الاسكافي و ابني سعيد و البراج، و هو: عدم إفساده للبيع الثاني: ما عن أجلة المتأخرين، كالعلامة في بعض كتبه و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم و هو الافساد، و قواه العلامة في التبصرة قال: و في ابطال البيع به وجه قوي.

و لا يخفي أن المصنف نسب الي المتقدمين من الأصحاب بعكس ما ذكرناه، و لعله سهو من قلمه الشريف،

و الأولون علي قولين: الصحة مع الخيار، و بدونه.

و أما التفصيل المنسوب الي ابن زهرة و هو التفصيل بين الشرط غير المقدور كصيرورة الزرع سنبلا و بين غيره من الشروط الفاسدة، فالظاهر عدم كونه تفصيلا في ما هو محل النزاع، لرجوع القسم الأول في كلامه الي ما يوجب خللا في شروط أحد العوضين الذي عرفت خروجه عن محل النزاع،

و كيف كان فيشهد للصحة و عدم الافساد:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 332

للعقلاء عن التذكرة و غيرها، أن هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار و الخلاف في أن اشتراط الكفر صحيح أم لا؟ و عدم الخلاف ظاهرا في لغوية اشتراط كيل المسلم فيه بمكيال شخصي معين.

و ظاهر ذلك كله التسالم علي صحة العقد و لو مع لغوية الشرط، و يؤيد الاتفاق علي عدم الفساد استدلال القائلين بالافساد بأن للشرط قسطا من الثمن، فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا. نعم استدلالهم الآخر علي الافساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط، ربما يؤيد عموم محل الكلام، لهذا الشرط إلا أن الشهيدين ممن استدل بهذا الوجه، و صرح بلغوية اشتراط الكفر و الجهل بالعبادات، بحيث يظهر منه صحة العقد فراجع، و

كيف كان، فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة، وفاقا لمن تقدم لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصصه عدا وجوه:

احدها: ما ذكره في المبسوط للمانعين من ان للشرط قسطا من العوض،

مجهولا فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا. (1)

و فيه بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة جزء من الصداق فيجب علي هذا سقوط المسمي و الرجوع الي مهر المثل. (2)

______________________________

العمومات الدالة علي مشروعية المعاملة تأسيسا أو إمضاء.

و قد استدل للقول بالفساد بوجوه:

(1) احدها: ما عن الشيخ في المبسوط و هو: ان للشرط قسطا من العوض مجهولا فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا.

و أجاب المصنف (رحمه الله) عنه بأجوبة أربعة:

(2) الاول: النقض بالشروط الفاسدة في النكاح المرتبطة بالمهر، فانهم تسالموا علي أن فسادها لا يوجب فساد عقد المهر الذي يتضمنه عقد النكاح المنحل الي عقدين: إنشاء علقة الزوجية بين الزوجين و عقد المهر و هو تعين ذاك الأمر الكلي الثابت علي الزوج بإزاء تسلطه علي البضع في مقدار معلوم أو في عين معلومة حيث إن لازم فساده الرجوع الي مهر المثل، و قد حكموا بصحته، و أنه يرجع الي المهر المسمي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 333

اولا: منع مقابلة شي ء (الشرط بشي ء) من العوضين عرفا و لا شرعا، (1) لأن مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن و المثمن، غاية الأمر كون الشرط قيدا لأحدهما يكون له دخل في زيادة العوض و نقصانه، و الشرع لم يحكم علي هذا العقد إلا بإمضائه علي النحو الواقع عليه، فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين. و لذا لم يكن في فقده إلا الخيار بين الفسخ و الامضاء مجانا كما عرفت.

و ثانيا: منع جهالة ما بإزاء

الشرط من العوض (2) إذ ليس العوض المنضم الي الشرط و المجرد عنه الا كالمتصف بوصف الصحة، و المجرد عنه، في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف، و لذا حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الارش لو لم يتحقق العتق المشروط في صحة بيع المملوك، و بلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب.

______________________________

و بهذا يظهر أن تطويل الكلام في المقام في أن الشرط الفاسد في النكاح غير المرتبط بالمهر هل يكون مفسدا له أم لا؟ أجنبي عما هو محل النقض.

(1) الثاني: انه لا مقابلة بين الشرط واحد العوضين و قد تقدم تفصيل القول فيه و عرفت أن الشرط ليس جزءا من أحد العوضين و لا قيدا له، و إنما الشرط التزام مستقل قيد الالتزام بالوفاء بالعقد به.

و ما أفاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من أن العوض و إن كان لا يقابل القيد و لا التقيد و لكنه مقابل للمقيد بما هو مقيد لا ذات المقيد- قد مر جوابه، و عرفت أن المقيد منحل الي ذات المقيد و التقيد، و إذا كان التقيد أمرا انتزاعيا لا يقابل بالمال كان المقابل للعوض لا محالة ذات المقيد، غاية الأمر القيد يصير داعيا الي بذل المال في مقابل الذات أزيد مما يبذل لو لا القيد.

(2) الثالث: انه مع تسليم المقابلة لا نسلم الجهالة، إذ ليس العوض المنضم الي الشرط و المجرد عنه إلا كالمتصف بوصف الصحة و المجرد عنه في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف.

و فيه: أنه مع فرض المقابلة مجرد الانضباط لدي العرف لا يكفي، بل لا بد من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 334

و ثالثا: منع كون الجهالة الطارية علي العوض قادحة، انما القادح هو الجهل به عند

انشاء العقد. (1)

(الثاني): ان التراضي انما وقع غلي العقد الواقع علي النحو الخاص، (2) فإذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي، لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل، فالمعاوضة بين المثمن و الثمن بدون الشرط معاوضة اخري، محتاجة الي تراض جديد، و انشاء جديد، و بدونه يكون التصرف اكلا للمال لاعن تراض،

و فيه منع كون ارتباط الشرط بالعقد علي وجه يحوج انتفاؤه الي معاوضة جديدة عن تراض جديد، و مجرد الارتباط لا يقتضي ذلك، كما إذا تبين نقص احد العوضين، (3) أو انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة في البيع، كالكتابة، و الصحة،

______________________________

المعلومية عند المتبايعين.

(1) الرابع: ان اللازم العلم بما هو مبيع و ثمن في مرحلة البيع و الانشاء و أما العلم بما يصير مصداقا للمبيع أو الثمن فلا يكون معتبرا، و لذا في بيع ما يملك و ما لا يملك التزمنا بالصحة مع عدم معرفة المبيع و الثمن إلا في مرحلة الانشاء. و هذا حسن.

(2) ثانيها: ان التراضي انما وقع علي العقد الواقع علي النحو الخاص فإذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي، لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، فالمعاوضة المنشأة عن تراض لم تقع، و المعاوضة بدون الشرط تحتاج الي تراض جديد، و بدونه تكون من قبيل أكل المال بالباطل.

و يرده: مضافا الي النقوض المذكورة في المتن منها.

(3) قوله كما إذا تبين نقص احد العوضين فانه لا يوجب فساد العقد قطعا بل يقسط الثمن بنسبته و يصح في الباقي و للمشتري الخيار لانتفاء شرط الانضمام و بذلك ظهران مرجعه الي انتفاء الشرط ايضا فما عن جامع المقاصد من ان الفرق بينه و بين الشرط عسر جدا في غير محله: فانه عينه كما عرفت.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 335

و كالشروط الفاسدة في عقد النكاح، (1) فإنه لا خلاف نصا و فتوي في عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه.

و قد تقدم ان ظاهرهم في الشرط الغير المقصود للعقلاء في السلم و غيره عدم فساد العقد به، و تقدم أيضا ان ظاهرهم ان الشرط الغير المذكور في العقد لا حكم له صحيحا كان أو فاسدا، (2) و دعوي ان الاصل في الارتباط هو انتفاء الشي ء بانتفاء ما ارتبط به، و مجرد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب التعدي مدفوعة بأن المقصود من بيان الامثلة، انه لا يستحيل التفكيك بين الشرط و العقد،

و انه ليس التصرف المترتب علي العقد بعد انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة تصرفا لا عن تراض جوزه الشارع تعبدا و قهرا علي المتعاقدين، فما هو التوجيه في هذه الامثلة هو التوجيه فيما نحن فيه، و لذا اعترف في جامع المقاصد: بأن في الفرق بين الشرط الفاسد و الجزء الفاسد عسرا.

و الحاصل انه يكفي للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لاعن تراض، مستندا الي النقض بهذه الموارد، وحل ذلك ان القيود المأخوذ في المطلوبات العرفية و الشرعية:

______________________________

(1) و منها قوله و كالشروط الفاسدة في عقد النكاح نقضه في المقام انما يكون بالشروط الفاسدة، غير المربوطة بعقد المهر، بل بعقد النكاح نفسه- و عدم ابطالها مطلقا و ان لم يكن ثابتا الا في بعض الموارد اتفق النص «1»

و الفتوي علي عدم الافساد و هذا يكفي في النقض.

(2) و منها قوله و تقدم ايضا ان ظاهر هم ان الشرط الغير المذكور في العقد لا حكم له صحيحا كان أو فاسدا يمكن

دفع هذا النقض بانه في باب الانشائيات لا يعتني بالبناءات و الالتزامات القلبية ما لم تبرز فهي في حكم العدم فتدبر و به يظهر امكان دفع ما قبله- إذ ما لا يكون مقصودا للعقلاء لا يكون في الحقيقة قيدا.

ان الشرط ان كان من قبيل الصورة النوعية لما وقع عليه العقد لا محالة يكون مقابلا

______________________________

(1) الوسائل- باب 29 من ابواب المهور كتاب النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 336

منها ما هو ركن المطلوب ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا، و كون مطلوب المولي اتيان تتن الشطب، لا الاصفر الصالح للنارجيل، و مطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة لاجل التنظيف، فإن العرف يحكم في هذه الامثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود، فلا يقوم الحمار مقام العبد، و لا الاصفر مقام التتن، و لا التيمم مقام الغسل.

و منها ما ليس كذلك ككون العبد صحيحا، و التتن جيدا، و الغسل بماء الفرات،

فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب، و الظاهر ان الشرط من هذا القبيل لا من قبيل الأول، فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا لاعن تراض. (1)

نعم غاية الامر ان فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا بالفساد نظير فوات الجزء و الشرط الصحيحين، و لا مانع من التزامه و ان لم يظهر منه اثر في كلام القائلين بهذا القول.

______________________________

لعوض، إذ لا يصح المبادلة بين المادة الهيولائية و الثمن، لأنه لا مالية لها.

و إن كان من قبيل العوارض الخارجية فهو خارج عن العقد و المعاوضة، و لا يكون قيدا للبيع و لا لأحد العوضين، بل هو التزام قيد الالتزام بالوفاء بالعقد به، فالالتزام البيعي يكون مطلقا غير معلق و قد

تحقق عن الرضا و طيب النفس بالمعني المعتبر في صحة المعاملة، و قد تقدم تفصيل القول في ذلك.

(1) و الظاهر ان هذا مراد المصنف (رحمه الله) مما ذكره في المقام لا ان يكون مراده ما ذكره جمع منهم المحقق الخراساني (رحمه الله)

من أن التقييد يوجب تعدد المطلوب إذا لم يكن القيد مقوما لحقيقة المبيع و وحدة المطلوب إذا كان مقوما، بتقريب: أن العقلاء بناؤهم في مقام المعاملة علي أخذ ما هو دخيل في أصل الغرض المعاملي بنحو التقويم و علي أخذ ما لا دخل له في أصل الغرض، بل في مرتبة منه بنحو الشرطية، و في القسم الثاني حيث لم يتخلف الغرض الأصلي فلا بطلان للبيع بما هو بيع، و حيث تخلف الغرض الاقصي و هو ايضا غرض عقدي معاملي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 337

الثالث: رواية عبد الملك بن عتبة عن الرضا (عليه السلام) عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا علي أن ليس منه علي وضيعة هل يستقيم هذا، و كيف هذا. و ما حد ذلك،

قال لا ينبغي، و الظاهر ان المراد الحرمة لا الكراهة، كما في المختلف، إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد. (1)

______________________________

فيثبت الخيار، و عليه فلا تقيد لأصل الرضا بالبيع فإنه يرده: أن هذا لا يوجب التفاوت بين ما هو الركن و غيره، إذ غير الركن ربما يكون دخيلا في أصل الغرض.

و بالجملة إن ذلك ليس أمرا مضبوطا كي يمكن دعواه في جميع العقود، بل يختلف باختلاف الأغراض و الدواعي.

ثالثها: النصوص الخاصة الواردة في المقام.

منها: خبر «1» عبد الملك بن عتبة المذكور في المتن.

(1) و تقريب الاستدلال علي ما في محكي المختلف: ان الظاهر ارادة الحرمة لا الكراهة،

إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد.

توضيحه: أن منشأ حرمة العقد أو كراهته هو حرمة الشرط أو كراهته، و حيث إن كراهة الشرط لا معني لها فإن ما في ضمن العقد الصحيح وعد يستحب الوفاء به فلا بد من حمله علي إرادة الحرمة الوضعية، فيدل الخبر علي أن العقد فاسد، لفساد شرطه.

و فيه: إن هذا الخبر لا يصح الاستدلال به، لضعفه سندا و دلالة.

أما الأول، فلأن راوي الخبر عبد الملك بن عتبة الهاشمي الملكي لا الصيرفي الكوفي الثقة، بقرينة رواية علي بن الحكم عنه، و هو مجهول لم يوثق.

و أما الثاني، فلوجوه:

أحدها: أن الخبر متضمن لسؤالين: أحدهما: السؤال عن صحة البيع بهذا الشرط

______________________________

(1) الوسائل- باب 35- من ابواب احكام العقود كتاب التجارة. و الخبر مروي عن الامام الكاظم (عليه السلام).

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 338

و رواية الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجيئني فيطلب مني العينة فأشتري المتاع لأجله، ثمّ أبيعه إياه ثمّ اشتريه منه مكاني، قال: فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع، و كنت انت ايضا بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس، قال: فقلت ان اهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد، و يقولون انه ان جاء به بعد اشهر صح، قال انما هذا تقديم و تأخير لا بأس،

فإن مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو احدهما مختارا في ترك المعاملة الثانية،

و عدم الاختيار في تركها انما يتحقق باشتراط فعلها في ضمن العقد الاول، و الا فلا يلزم عليها، فيصير الحاصل انه إذا باعه بشرط ان يبيعه منه أو يشتريه منه لم يصح البيع الاول فكذا

الثاني، أو لم يصح الثاني لأجل فساد الأول، إذ لا مفسد له غيره،

______________________________

ثانيهما: السؤال عن صحة الشرط و تسلط المشتري علي أخذ الخسارة منه، و من الجائز رجوع قوله (عليه السلام): لا ينبغي الي الثاني دون الأول، فهو أجنبي عن المقام ثانيها: أن لا ينبغي لو لم يكن ظاهرا في الكراهة لا يكون ظاهرا في الحرمة التكليفية أو الوضعية.

ثالثها: أنه لو سلم ظهوره في الحرمة الوضعية أي الفساد، غاية ما يستفاد منه اعتبار عدم هذا الشرط في صحة البيع، و هذا أعم من مفسدية الشرط الفاسد.

ثمّ الربح و الخسارة بما أنهما تابعان لنفس المال و يستحيل أن يكونا لغير صاحب المال، فإن كان الشرط كون الخسارة علي البائع كان شرط أمر غير معقول، و إن كان الشرط تدارك الخسارة فهو معقول لا إشكال فيه، و ظاهر الخبر هو الأول.

و منها: ما ورد في بيع العينة، و المشهور فيه ما هو المعهود المتداول بين الناس تخلصا عن الربا و هو: أن يشتري السلعة بثمن مؤجل ثمّ يبيعها من بائعها بأقل من هذا الثمن نقدا متبانيا علي ذلك قبل العقد،

كخبري الحسين بن المنذر «1» و علي بن جعفر «2» المذكورين في المتن

______________________________

(1) الوسائل كتاب التجارة باب 5 من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 339

و رواية علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم الي اجل، ثمّ اشتراه بخمسة نقدا أ يحل، قال: إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس، و دلالتها اوضح من الاولي.

و الجواب اما عن الاولي، فبظهور- لا ينبغي- في الكراهة، و لا مانع من كراهة

البيع علي هذا النحو من ان البيع صحيح غير مكروه، و الوفاء بالشرط مكروه. (1)

و أما عن الروايتين، فأولا: بان الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية فتوي اهل المسجد، علي خلاف قول الامام (عليه السلام) في الرواية الاولي هو رجوع البأس في المفهوم الي الشراء، و لا ينحصر وجه فساده في فساد البيع، (2) لاحتمال ان يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الاول، فإن العرف لا يفرقون في الزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط، بين وقوع الشرط في متن العقد،

أو في الخارج، فإذا التزم به احدهما في خارج العقد الاول، كان وقوعه للزومه عليه عرفا فيقع لاعن رضا منه فيفسد.

______________________________

و تقريب الاستدلال بهما: أنهما بالمفهوم يدلان علي ثبوت البأس إذا لم يكونا مختارين و اشترطا البيع بالشرط الملزم و هو ما في ضمن العقد.

و عليه فإما يدل علي فساد البيع الأول فهو المطلوب، أو يدل علي فساد الثاني،

و حيث لا منشأ لفساده سوي فساد الأول فيثبت المطلوب،

و فيه: أن البيع المشروط بالشرط المذكور باطل إجماعا و نصا، و التزم بالبطلان فيه من لم يلتزم بمفسدية الشرط الفاسد.

و ان شئت قلت: إن البيع محكوم بالفساد لهذا الشرط الذي ليس بفاسد في نفسه،

و بعبارة اخري: أن الفساد فيه مختص بالعقد مع صحة شرطه في حد نفسه.

(1) و اجاب المصنف عن الخبر الاول- بما حاصلة: ان كراهة البيع و ان لم يكن لها منشأ سوي كراهة الشرط، لكن غاية الأمر كراهة الاشتراط لا العمل بالشرط، و لا منافاة بين كون الاشتراط مكروها و العمل بالشرط واجبا أو مستحبا.

(2) كما اجاب عن الاخيرين بجواب آخر، و هو: ان ظاهر السؤال و الجواب خصوصا بقرينة حكاية

فتوي أهل المسجد، هو: رجوع البأس الي الشراء، و لا ينحصر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 340

و ثانيا: بان غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا، و هو مما لا خلاف فيه حتي ممن قال بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ في المبسوط،

فلا يتعدي منه الي غيره، فلعل البطلان فيه للزوم الدور، كما ذكره العلامة أو لعدم قصد البيع، كما ذكره الشهيد (قدس سره) أو لغير ذلك. بل التحقيق ان مسألة اشتراط بيع المبيع خارجة عما نحن فيه، لأن الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسدا، لأنه في نفسه ليس مخالفا للكتاب و السنة، و لا منافيا لمقتضي العقد، بل الفساد في اصل البيع لأجل نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط. و قد اشرنا الي ذلك في اول المسألة.

و لعله لما ذكرنا لم يستند إليها احد في مسألتنا هذه، و الحاصل اني لم اجد لتخصيص العمومات في هذه المسألة ما يطمئن به النفس، و يدل علي الصحة ايضا جملة من الاخبار.

______________________________

وجه فساده في فساد البيع، لاحتمال أن يكون وجهه عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الأول، إذ أهل العرف لا يفرقون في إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بين الابتدائي منه و الواقع في متن العقد، فالشراء صادر بتوهم اللزوم و من غير طيب النفس فيفسد.

و فيه: أن ذلك لو أوجب عدم الرضا الموجب للفساد لما كان فرق بين الشرط الصحيح و الفاسد و لا يمكن الالتزام بالفساد فيما إذا كان البيع شرطا في ضمن عقد يجب الوفاء به.

وحل ذلك: أن مثل هذا عدم الرضا لا يوجب البطلان، بل الموجب هو الصادر عن غير اختيار أو عن إكراه، فينحصر

وجه الفساد في فساد البيع الأول،

مع أن حمل الشرط علي الخارج عن العقد خلاف الظاهر، فإنه فاسد في نفسه لا من جهة تعلقه بالبيع الثاني، و ظاهر هما كون الفساد لهذه الجهة، فالحق ما ذكرناه،

فتحصل أنه لا دليل علي المفسدية، و مقتضي العمومات الصحة و عدم الافساد.

و يشهد بذلك مضافا الي العمومات: جملة من النصوص الخاصة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 341

و منها ما عن المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) انه ذكر ان بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة. فاشترتها عائشة فاعتقتها، فخيرها رسول الله (صلي الله عليه و آله) فقال ان شاءت قعدت عند زوجها، و ان شاءت فارقته، و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا علي عائشة ان لهم ولاءها، فقال (صلي الله عليه و آله) الولاء لمن

اعتق و حملها علي الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية اشارة و في غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب و السنة، (1) فالانصاف ان الرواية في غاية الظهور.

و منها مرسلة جميل و صحيحة الحلبي، الاولي عن احدهما: في الرجل يشتري الجارية و يشترط لاهلها ان لا يبيع و لا يهب و لا يرث، قال: يفي بذلك إذا اشترط لهم الا الميراث، فإن الحكم بوجوب الوفاء بالاولين دون الثالث، مع اشتراط الجميع في العقد لا يكون الا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه، (2) و لو قلنا بمقالة المشهور من فساد اشتراط عدم البيع و الهبة

______________________________

لاحظ صحيح الحلبي «1» المذكور في المتن و مثله صحيح عيص بن القاسم «2»

و حملهما علي الشرط الخارج عن العقد خلاف الظاهر.

(1) قوله مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية اشارة و في غيرها صراحة

بكونه مخالفا للكتاب و السنة و فيه ان التعليل في غير هذه الرواية لا يجدي و في هذه الرواية لا تعليل بل قوله (صلي الله عليه و آله) الولاء لمن اعتق حكم ابتدائي لا تعليل لفساد الشرط حتي يقال انه لو كان الشرط في خارج العقد كان التعليل لفساده بعدم المقتضي اولي من التعليل له بوجود المانع- فالاولي ان يقال ان ظاهرها كون الشرط في ضمن العقد.

(2) قوله فان الحكم بوجوب الوفاء بالاولين دون الثالث مع اشتراط الجميع في العقد … بفساد شرطه اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بان ظاهر الخبر بقرينة قوله إذ اشترط ان الجواب قضيتان عامتان هما بطلان شرط الميراث و صحة الشرطين الآخرين فإذا طبقت علي المورد اقتضي بطلان شرط الميراث إذا قيل بالسراية بطلان العقد و إذا بطل العقد بطل الشرطان الآخران لانتفاء الموضوع لا لأجل فسادهما في حد انفسهما.

______________________________

(1) الوسائل- باب 37- من ابواب كتاب العتق حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 342

حتي انه حكي عن كاشف الرموز: اني لم اجد عاملا بهذه الرواية كان الامر بالوفاء محمولا علي الاستحباب، و يتم المطلوب ايضا، (1) و يكون استثناء شرط الارث لأن الملك فيه قهري للوارث لا معني لاستحباب وفاء المشتري به، مع ان تحقق الاجماع علي بطلان شرط عدم البيع و الهبة ممنوع، كما لا يخفي.

و الثانية: عن ابي عبد الله (عليه السلام) عن الشرط في الاماء لا تباع و لا تورث و لا توهب، قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد الخبر. فإن قوله فإنها تورث يدل علي بقاء البيع الذي شرط فيه ان لا

تورث علي الصحة، (2) بل يمكن ان يستفاد من قوله بعد ذلك كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فهو رد، اي لا يعمل به، ان جميع ما ورد في بطلان الشروط المخالفة لكتاب الله جل ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط لا بطلان أصل البيع،

______________________________

و فيه: ان الظاهر من السؤال هو السؤال عن حكم واقعة شخصية و هو بيع الجارية مع اشتراط هذه الامور الثلاثة و حمل الجواب علي ارادة بيان حكمين كليين خلاف الظاهر فالظاهر منه صحه العقد و الشرط، و فساد الشرط الثالث فيدل علي المطلوب.

و صحيح آخر للحلبي «1» و مرسل جميل «2» المذكورين في المتن و ظاهرهما بيان واقعة شخصية خارجية فهما يدلان علي صحة الشرطين و بالتبع صحة البيع و بطلان الشرط الثالث، فيدلان علي عدم مفسدية الشرط الفاسد للعقد.

(1) قوله كان الامر بالوفاء محمولا علي الاستحباب و يتم المطلوب تماميته تتوقف علي ان الشرط الفاسد في ضمن العقد الصحيح، وعد يستحب الوفاء به و أما إذا كان العقد فاسدا فلا وعد كي يستحب الوفاء به و قد تقدم بطلان ذلك فراجع.

(2) قوله فان قوله فانها تورث يدل علي بقاء البيع … علي الصحة اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بانه يمكن ان يكون المراد ان كل مملوك لا ينفك عن كونه مورثا لمالكه و عليه فغاية مدلوله ان شرط عدم الارث باطل الا يؤثر

______________________________

(1) الوسائل- باب 37- من ابواب كتاب العتق حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 343

و يؤيده ما ورد في بطلان الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح. (1)

و قد يستدل علي الصحة بأن صحة الشرط فرع علي صحة البيع، فلو كان

الحكم بصحة البيع، موقوفا علي صحة الشرط لزم الدور، (2) و فيه ما لا يخفي.

و الانصاف ان المسألة في غاية الاشكال، و لذا توقف فيها بعض تبعا للمحقق (قدس سره)

______________________________

في حكم الارث من غير تعرض لحكم العقد المتضمن لهذا الشرط و يمكن ان يقال تأييدا له ان قوله فانها تورث بمنزلة الصغري لقوله كل شرط خالف الخ، و مجموع القضية علة لقوله غير الميراث فمفاد الخبر ان شرط عدم الارث لا يجوز لكونه خلاف الكتاب و السنة و لا يكون متعرضا لحكم العقد و به يظهر ما في قوله بل يمكن ان يستفاد من قوله بعد ذلك كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فهو رد أي لا يعمل به ان جميع ما ورد الي آخره.

(1) و يؤيد ذلك ما ورد في النكاح من الاخبار الدالة علي صحة عقده و فساد الشرط فيه كصحيح محمد بن قيس «1» بل و خبر الوشاء «2» الذي استدل به بعضهم علي عدم مفسدية الشرط الفاسد.

(2) و قد يستدل للصحة بان صحة الشرط متوقفة علي صحة البيع فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا علي صحة الشرط لزم الدور.

و يرد عليه: أن صحة العقد لا تتوقف علي وجود الشرط فضلا عن صحته، نعم علي القول بمفسدية الشرط الفاسد تتوقف علي عدم الاشتمال علي الشرط الفاسد و هو لا يتوقف علي صحة العقد كما هو واضح،

مع ان المراد من الشرط الفاسد المتوقف علي عدم صحة العقد ليس هو الفاسد من جميع الجهات بل الفاسد من الحيثيات الراجعة الي الشرط نفسه من غير جهة لزوم وقوعه في ضمن العقد، و صحة الشرط المتوقفة علي صحة العقد هي صحته من ناحية لزوم

وقوع الشرط في ضمن العقد فكل من المتوقف و المتوقف عليه غير الآخر، فتدبر فإنه دقيق.

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور حديث 1.

(2) الوسائل- باب 39- من ابواب المهور حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 344

ثمّ علي تقدير صحة العقد، ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجه، (1) من حيث كونه في حكم تخلف الشرط الصحيح، فإن المانع الشرعي كالعقلي، فيدل عليه ما يدل علي خيار تخلف الشرط، و لا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو بالحكم الشرعي. و لذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار أو بفوريته، و لكن يشكل بأن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الاجماع

______________________________

الشرط الفاسد يوجب الخيار

(1) ثمّ علي تقدير صحة العقد ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجهان،

و الكلام يقع في مقامين:

الأول: في الخيار بناء علي كون خيار تخلف الشرط علي القاعدة كما اخترناه:

الثاني: في الخيار بناء علي كونه علي خلاف القاعدة ثابتا بأدلة نفي الضرر.

أما الاول فمقتضي القاعدة ثبوت الخيار و إن كان عالما بالفساد من جهة أنه علق الالتزام بالوفاء بالعقد علي الشرط و المفروض عدمه،

و لا فرق في ذلك بين كون عدمه قهريا كتعذر الشرط أو اختياريا كتخلف المشروط عليه عن العمل بالشرط أو لمنع شرعي كفساد الشرط.

نعم لازم ما ذكرناه عدم الخيار لو فرض إتيان المشروط عليه بالشرط إذا كان من الأفعال و إن كان معصية، كما لو اشترط شرب الخمر فشربها، فالخيار إنما يكون في شرط النتيجة و شرط الفعل مع عدم العمل.

و أما المقام الثاني، ففي صورة العلم بالفساد لا خيار، لأنه مع العلم قد أقدم علي ضرره فلا يعمه دليل الضرر.

و أما في فرض الجهل

فقد أورد المصنف (رحمه الله) علي القول بدلالة حديث نفي الضرر علي ثبوت الخيار هنا بوجوه بعضها مختص بالجهل بالحكم إذا كان عن تقصير.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 345

و ادلة نفي الضرر قد تقدم غير مرة انها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعي. إذا لم يعتضد بعمل جماعة، لأن المعلوم اجمالا انه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقه جديد (1) خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذرا، فرب ضرر يترتب علي المعاملات من اجل الجهل باحكامها، خصوصا الصحة و الفساد.

فإن ضرورة الشرع قاضية في اغلب الموارد بأن الضرر المترتب علي فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك، (2) مع ان مقتضي تلك الأدلة نفي الضرر الغير الناشئ عن تقصير المتضرر في دفعه، (3) سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع أو بالحكم، و ان قام الدليل في بعض المقامات علي التسوية بين القاصر و المقصر،

فالاقوي في المقام عدم الخيار، و ان كان يسبق خلافه في بادئ الانظار.

______________________________

(1) الاول: انه لا يصلح لتاسيس حكم شرعي إذا لم يعتضد بعمل جماعة لان المعلوم إجمالا أنه لو عمل بعمومه لزم منه تأسيس فقه جديد.

و فيه أن إشكال لزوم تخصيص الأكثر في الحديث لخروج أبواب الجنايات و الضمانات و التعزيرات و الخمس و الزكاة و الجهاد و غيرها لو ابقي الحديث علي ظاهره اشكال تعرض له المصنف في رسالته،

و أجاب عنه: بأن الخارج إذا كان بعنوان واحد جامع لا محذور فيه.

و قد أجبنا عنه بأجوبة اخر في الرسالة التي وضعناها للبحث عن الحديث و أثبتنا تبعا له أنه لا محذور فيه من هذه الناحية، و أن كل مورد دل الدليل علي خروجه عن الحديث نلتزم به، و في غير ذلك يكون

المرجع عموم الحديث، و لا محذور فيه.

(2) الثاني: ان ضرورة الشرع قاضية في اغلب الموارد بان الضرر المترتب علي فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك.

و فيه: أن المقصود ليس رفع الضرر المترتب علي فساد الشرط و فقده، بل رفع الضرر المترتب علي لزوم العقد الصحيح:

(3) الثالث: ان مقتضي تلك الادلة نفي الضرر غير الناشئ عن تقصير المتضرر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 346

الثاني: لو اسقط المشروط له، الشرط الفاسد علي القول بافساده، لم يصح بذلك (1) العقد لانعقاده بينهما علي الفساد، فلا ينفع اسقاط المفسد، (2) و يحتمل الصحة بناء علي ان التراضي انما حصل علي العقد المجرد عن الشرط، فيكون كتراضيهما عليه حال العقد. (3) و فيه ان التراضي انما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد السابق، كما في بيع المكره و الفضولي. و أما إذا طرأ الرضا علي غير ما وقع عليه العقد فلا ينفع، لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه و متعلق العقد لم يرض به. (4)

______________________________

في رفعه، و الوجه في ذلك صدق الاقدام علي الضرر بترك التعلم للحكم عمدا في صورة التقصير فلا يشمله الحديث.

و فيه: أنه لم يدل دليل علي عدم الشمول في صورة الاقدام كي يدور الحكم مدار صدق الاقدام و عدمه، بل انما نلتزم بعدم الشمول في صورة العلم، من جهة انه وارد مورد الامتنان، و لا امتنان في الرفع مع العلم، و هذا الوجه لا يجري في الجهل بالحكم إذا كان عن تقصير،

فتحصل: أن الاظهر ثبوت الخيار في فرض الجهل علي هذا المسلك أيضا.

لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد

(1) الثانية: لو اسقط المشروط له الشرط الفاسد علي القول بافساده فهل يصح بذلك العقد أم لا؟

المراد من اسقاط الشرط الرضا

بالعقد مجردا عن الشرط و قد استدل المصنف لعدم صحة العقد بذلك:

(2) بان العقد وقع فاسدا فلا ينفع اسقاط المفسد.

(3) ثمّ استدل للصحة: بان الفساد كان لاجل عدم الرضا فإذا رضي بالمجرد صح.

(4) و اجاب عنه: بان متعلق الرضا لم يعقد عليه أي لم يعقد علي المجرد و متعلق العقد و هو المقيد بالشرط لم يرض به.

و فيه: أن الشرط التزام خارج عن الالتزام العقدي و متعلق الالتزام العقدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 347

و يظهر من بعض مواضع التذكرة التردد في الفساد بعد اسقاط الشرط، قال:

يشترط في العمل المشروط علي البائع ان يكون محللا فلو اشتري العنب علي شرط ان يعصره البائع خمرا لم يصح الشرط، و لبيع علي اشكال ينشأ من جواز اسقاط المشتري الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه، و هو المانع من صحة البيع و من اقتران البيع بالمبطل. و بالجملة، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من اصله، (1) بحيث لو رضي صاحبه باسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، أو ايقاف البيع بدونه، فإن لم يرض بدونه بطل و الا صح، انتهي و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الايقاف (2)

الثالث: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا، و لم يذكر في العقد، فهل يبطل العقد بذلك بناء علي ان الشرط الفاسد مفسد له ام لا؟ (3) وجهان بل قولان مبنيان علي تأثير الشرط قبل العقد.

______________________________

نفس المقيد لامع القيد، و المفروض أنه المرضي به.

و الحق أن يقال: إن منشأ القول بالإفساد إن كان فقد الرضا صح العقد، و إن كان جهالة العوض أو النص الخاص لم يصح و هو واضح.

(1) قوله و بالجملة فهل يثمر اقتران هذا

الشرط بطلان البيع من اصله هذا بيان لما ذكره من وجهي الاشكال إذ المراد من الصحة التي ذكرها أولا هي الصحة المراعاة بالاسقاط.

(2) قوله و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الايقاف مراده عدم الوجه الصحيح، و الا فالايقاف هي الصحة المراعاة التي ذكر هو قده في اول المسألة وجهها و قويناه و الله العالم.

ذكر الشرط الفاسد قبل العقد

(3) الثالثة: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد فهل يبطل العقد بذلك بناء علي القول بأن الشرط الفاسد مفسد للعقد، أم لا؟ وجهان،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 348

فإن قلنا: بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور، و قد تقدم في الشروط لم يفسد و الا افسد (1) و يظهر من المسالك هنا قول ثالث: قال في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع المراد باشتراط ذلك شرطه في متن العقد، فلو كان في انفسهما ذلك و لم يشترطاه لم يضر و لو شرطاه قبل العقد لفظا، فإن كانا يعلمان بأن الشرط المتقدم لا حكم له، فلا اثر له، و إلا اتجه بطلان العقد، (2) كما لو ذكراه في متنه، لانهما لم يقدما الا علي الشرط، و لم يتم لهما فيبطل العقد، انتهي.

و في باب المرابحة بعد ذكر المحقق في المسألة المذكورة انه لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره، قال في المسالك اي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله، نعم لو توهم لزوم ذلك، أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله، اتجه الفساد،

انتهي.

______________________________

و قد بني المصنف القول بالصحة و الفساد في المسألة، علي القول بتأثير الشرط المذكور قبل العقد غير المذكور في متن العقد،

(1) فعلي القول بانه

لا حكم له كما هو ظاهر المشهور لم يفسد و الا افسد و أورد عليه أكثر المحققين من المحشين بما حاصله: أن إفساد الشرط الفاسد للعقد لا يدور مدار صدق لفظ الشرط، بل مدار تقيد الرضا بأمر لم يسلم أو الجهل بما قابل المبيع من الثمن، و كل من الأمرين حاصل بمجرد القصد بلا حاجة الي اللفظ.

و فيه: أنه في باب العقود و الايقاعات لا يعتني بالاغراض و الدواعي النفسانية ما لم تنشأ، فإذا فرضنا أن الشرط المتقدم غير المذكور في العقد ذكره قبل العقد كالعدم لا يكون مقيدا للعقد.

و إن شئت قلت: إنه كما لا عبرة بالرضا النفساني بشي ء ما لم يبرز كذلك القيد النفساني غير المنشأ لا يصلح للتقييد في باب المعاملات، فما أفاده المصنف (رحمه الله) متين.

(2) و قد يقال: كما في محكي المسالك- بدوران الصحة و الفساد مدار العلم بان الشرط المتقدم لا حكم له و الجهل به نظرا الي أنه مع العلم بالفساد لا يوقع العقد مبنيا علي الشرط فيصح العقد، و مع جهله بالفساد يوقع العقد مبنيا عليه بطبعه، فيفسد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 349

ثمّ حكي اعتراضا علي المحقق قدس سره (1) و جوابا عنه بقوله قيل عليه ان مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد، لأن العقود تتبع القصود، فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ، و أجيب عنه بأن القصد و ان كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان (2) لتوقف البطلان علي اللفظ و القصد، و كذلك الصحة و لم يوجد في الفرض (3) ثمّ قال (قدس سره)

______________________________

و فيه: أولا: ما تقدم من أنه مع عدم تأثير الشرط المتقدم لا حكم لوقوع العقد مبنيا عليه.

و ثانيا: أنه

لا فرق بين صورتي العلم و الجهل، فكما أنه في صورة الجهل بالفساد يوقع العقد مبنيا عليه كذلك في صورة العلم يمكن إيقاعه مبنيا عليه، فالتفصيل في غير محله.

و عن المحقق في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع، بعد الحكم بالبطلان، قال: و لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره.

قال في المسالك: أي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله،

(1) ثمّ حكي اعتراضا عليه و جوابا عنه و محصل الاعتراض: أن لازم تبعية العقد للقصد الحكم بالفساد، إذ المقصود هو المقيد بالشرط، و المعقود عليه هو المجرد عن القيد، فلا تطابق بين القصد و العقد.

و حاصل الجواب: أن العقد تابع للقصد بمعني أن ما يقع لا بد و أن يكون مقصودا،

و أما كل ما يقصد لا بد و أن يقع فلا.

و بعبارة اخري: أن ما يقع لا بد و أن يكون مقصودا، و أما في ما لا يؤثر العقد بالنسبة إليه و إن كان مقصودا فلا يعتبر تطابق العقد و القصد.

(2) و عليه فقوله في الجواب: ان القصد و ان كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان- يكون المراد منه أنه لا يعتبر في ما لا يؤثر العقد بالنسبة إليه مطابقة العقد للقصد،

(3) و قوله: لتوقف البطلان، الي آخره راجع الي النفي يعني انه تعليل لتوهم الاعتبار فالمتحصل: أنه لا يعتبر المطابقة في طرف البطلان بتوهم أنه كالصحة منوط بموافقة القصد و اللفظ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 350

و فيه منع ظاهر فإن اعتبارهما معا في الصحة (1) يقتضي كون تخلف احدهما كافيا في البطلان، (1) و يرشد إليه عبارة الساهي و الغالط و المكره، فإن المتخلف الموجب للبطلان هو

القصد خاصة و الا فاللفظ موجود، ثمّ قال و الذي ينبغي فهمه أنه لا بد من قصدهما إلي البيع (2) المترتب عليه أثر الملك للمشتري علي وجه لا يلزمه رده (أي بيعه علي البائع الأول) و إنما يفتقر قصدهما لرده بعد ذلك بطريق الاختيار نظرا إلي وثوق البائع بالمشتري أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض اختياره و مروته، انتهي كلامه.

اقول: إذا اوقعا العقد المجرد علي النحو الذي يوقعانه مقترنا بالشرط و فرض عدم التفاوت بينهما في البناء علي الشرط و الالتزام به الا بالتلفظ بالشرط و عدمه.

فإن قلنا بعدم اعتبار التلفظ في تأثير الشرط الصحيح و الفاسد فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط و غيره، فإن العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الاقدام علي العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد بل اقدامه كاقدام من يعتقد الصحة كما لا فرق في ايقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده و عدم ترتب اثر شرعي عليه و غيره.

و بالجملة فالاقدام علي العقد مقيدا امر عرفي يصدر من المتعاقدين و ان علما بفساد الشرط

______________________________

(1) قوله و فيه منع ظاهر فان اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف احدهما كافيا في البطلان يظهر بما ذكرناه في شرح كلام المجيب عدم ورود هذا الايراد عليه، فان المجيب لم يكن منكر الكفاية تخلف احدهما في البطلان بل كان يدعي انه في عدم تأثير العقد فيما ليس من مدلوله لا يعتبر مطابقة العقد للقصد.

(2) قوله و الذي ينبغي فهمه انه لا بد من قصدهما الي البيع الظاهر انه تصحيح لأصل المسألة و حاصله ان من يبيع ما اشتراه من بايعه ان كان بيعه منه مشروطا في ضمن

البيع الاول بطل و ان لم يكن مذكورا، و ان كان قاصدا لذلك و تواطئا عليه قبله و وثق البائع بذلك لا يكون مفسدا لعدم كون ذلك تقييدا للبيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 351

و أما حكم صورة نسيان ذكر الشرط، فإن كان مع نسيان اصل الشرط كما هو الغالب، فالظاهر الصحة لعدم الاقدام علي العقد مقيدا غاية الامر انه كان عازما علي ذلك لكن غفل عنه نعم لو اتفق ايقاع العقد مع الالتفات الي الشرط ثمّ طرأ عليه النسيان في محل ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا علي تواطئهما السابق.

الرابع: لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء فظاهر كلام جماعة من القائلين بافساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد، (1) قال في التذكرة في باب العيب: لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار، و قد صرح في مواضع اخر في باب الشروط بصحة العقد و لغوية الشرط، و قد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون العبد كافرا فبان مسلما، و مرجعه الي لغوية الاشتراط. و قد ذكروا في السلم لغوية بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين و لعل وجه عدم قدح هذه الشروط أن الوفاء بها لما لم يجب شرعا و لم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرجت عن قابلية تقييد العقد بها لعدم عدها كالجزء من احد العوضين (2) و يشكل بأن لغويتها لا تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين، فاللازم اما بطلان العقد و أما وجوب الوفاء،

كما إذا جعل بعض الثمن مما لا يعد مالا في العرف.

______________________________

(1) الرابع لو كان فساد

الشرط لاجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء فظاهر كلام جماعة من القائلين بإفساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد.

قال في محكي التذكرة: لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار.

(2) و ما ذكر وجها لعدم مفسديته من ان هذا الشرط لما لم يجب شرعا العمل به و لم يكن في تخلفه أو تعذره خيار خرج عن قابلية تقيد العقد به- لو تم اقتضي عدم مفسدية الشرط الفاسد مطلقا بلا اختصاص بهذا الشرط.

و الحق أن يقال: إن لغوية الشرط و إن أوجبت عدم تقيد العقد به عند العقلاء بما هم عقلاء إلا أنها لا تنافي تقيد العقد به بحسب قصد المتعاقدين، و عليه فيجري فيه ما ذكر في الشروط الفاسدة الآخر، و بذلك ظهر تمامية ما أفاده المصنف (رحمه الله) في المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 352

الكلام في أحكام الخيار

اشارة

الخيار موروث بأنواعه (1) بلا خلاف بين الاصحاب، كما في الرياض،

و ظاهر الحدائق. و في التذكرة ان الخيار عندنا موروث، لأنه من الحقوق كالشفعة و القصاص في جميع انواعه، و به قال الشافعي، الا في خيار المجلس. و ادعي في الغنية:

الاجماع علي ارث خيار المجلس و الشرط.

______________________________

انتقال حق الخيار الي الوارث
اشارة

و أما احكام الخيار فقد تقدم ذكر كثير منها في المباحث المتقدمة،

و بقي الكلام في مسائل:

(1) الاولي: صرح الاصحاب بما في المتن الخيار موروث بانواعه فإذا مات من له الخيار انتقل الي الوارث من اي انواع الخيار كان، بل ظاهرهم الاجماع عليه.

و تنقيح القول فيه: ان ارث الخيار يتوقف علي ثبوت امرين:

احدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا.

الثاني: كونه باقيا بعد الموت، و لا يكون من الامور القائمة بشخص مخصوص.

فالكلام يقع في مقامين:

اما الأول: فقد استدل له بالاجماع و بالاجماع علي سقوطه بالاسقاط إذ الحكم لا يقبل الاسقاط،

و بالتعليل في خبر خيار الحيوان لانتفائه بالتصرف بانه رضا «1».

و يرد علي الأخير: ما تقدم من انه تعبد بكون التصرف رضا بالعقد و اجازة له.

و لا كلام في انه في البيع الخياري كما لمن له الخيار فسخ العقد كذلك له اجازته و امضائه و جعله لازما، و هذا غير كونه حقا اللهم الا ان يقال: ان اجازة العقد و امضائه توجب اللزوم من جهة كونها اسقاطا للخيار كما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 353

و استدل عليه مع ذلك بأنه حق للميت، فيورث لظاهر القرآن، (1) و تبعه بعض من تأخر عنه، و زيد عليه الاستدلال بالنبوي، ما ترك الميت من حق فلوارثه. (2)

اقول الاستدلال علي هذا الحكم بالكتاب و السنة الواردين في

ارث ما ترك الميت يتوقف علي ثبوت امرين:

احدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا كإجازة العقد الفضولي، و جواز الرجوع في الهبة و سائر العقود الجائزة، فإن الحكم الشرعي مما لا يورث، و كذا ما تردد بينهما للاصل، و ليس في الاخبار ما يدل علي ذلك عدا ما دل علي انتفاء الخيار بالتصرف، معللا بانه رضا كما تقدم في خيار الحيوان

______________________________

و يمكن ان يستدل له: بان لزوم البيع حقي لا حكمي، و لذا يكون جعل الخيار فيه مشروعا نصا و فتوي، فكذلك الخيار الذي يقابله، بل نفس مشروعية جعل الخيار دليل كونه حقا، لأن الحكم امره بيد جاعله، و هو الشارع، و لا يعقل التسبيب إليه بايجاده. هذا كله مضافا الي تسالم الأصحاب علي ترتيب آثار الحق عليه.

و أما الثاني: فحيث ان جملة من الحقوق لا تكون قابلة للانتقال أو الانتقال بالارث من جهة كون الموضوع مقوما كحق التولية الملحوظ فيه شخص خاص، أو البلد، أو كونه مغيا بغاية يستحيل عدم تحققها بعد الموت، كخيار المجلس المغيا بالافتراق المتحقق بالموت قهرا،

و مثل هذه الحقوق لا تورث، فلا بد من اثبات ان حق الخيار ليس من قبيل هذه الحقوق بل هو حق قابل للانتقال بالارث و يكون باقيا بعد الموت.

(1) و دعوي ان عمومات الارث مثل قوله تعالي (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) «1» و قوله عز و جل (و لكم نصف ما ترك ازواجكم) «2».

(2) و النبوي: ما تركه الميت من مال فلوارثه «3». تكفي لاثبات كونه قابلا للانتقال

______________________________

(1) النساء آية 11.

(2) النساء آية 12.

(3) اصول الكافي ج 1 ص 406.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 354

و التمسك بالاجماع علي سقوطه بالاسقاط،

فيكشف عن كونه حقا لا حكما مستغني عنه بقيام الاجماع علي نفس الحكم.

الثاني: كونه حقا قابلا للانتقال ليصدق انه مما ترك الميت، بأن لا يكون وجود الشخص و حياته مقوما له، و إلا فمثل حق الجلوس في السوق و المسجد، و حق التولية و النظارة غير قابل للانتقال، فلا يورث، و اثبات هذا الامر بغير الاجماع ايضا مشكل، و التمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق، (1) و عدم انقطاعه بموت ذي الحق اشكل، لعدم احراز الموضوع، لان الحق لا يتقوم الا بالمستحق، (2) و كيف كان ففي الاجماع المنعقد علي نفس الحكم كفاية ان شاء الله تعالي.

______________________________

(1) و الاستصحاب يثبت بقائه بعد الموت فبضم الاستصحاب بعمومات الارث يثبت ذلك،

مندفعة بان ذاك الحق القائم بالمورث زال قطعا لتقومه به، و الشك انما هو في حدوث حق للوارث، فالمشكوك فيه غير المتيقن. و ان اريد استصحاب كلي الحق فمضافا الي انه من قبيل القسم الثالث من اقسام الكلي لا يجدي لاثبات الحق للوارث.

(2) و ان ابيت ما ذكرناه فلا اقل من الشك في الموضوع لاحتمال كون المستحق مقوما للموضوع، أو يكون استحقاقه لاجل عنوان منطبق عليه مفقود في الوارث فلا يجري الاستصحاب.

فالعمدة في اثبات كونه قابلا للانتقال الي الورثة هو الاجماع، و بعد ذلك يدخل في عموم ادلة الارث.

و قد يقال كما- عن جمع منهم المحقق الايرواني (رحمه الله): ان الخيار غير قابل للارث بوجه، فان الخيار سلطنة من ذي الخيار علي متعلقه، و ربط خاص بينهما، كما ان الملك استيلاء بين المالك و المملوك و ربط خاص بينهما، و كل من الربطين غير قابل للارث، لأنهما نسبتان قائمتان بنفس الشخص، و إذا مات انعدمت هذه النسبة

و لم تبق حتي يصدق عليها عنوان ما ترك نعم عين المال متروك في الأموال فيحكم بارثه، بمعني حدوث نسبة اخري للوارث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 355

بقي الكلام في ان ارث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا، (1)

______________________________

شبه تلك النسبة التي كانت للمورث.

و أما في الحقوق فعين الأموال المتعلقة لها اموال الآخرين لا يصدق انها مما تركه الميت كي يحدث للورثة حق فيها شبه ما كان لمورثهم و لذا لا يحكم بارث الحقوق المستحبة.

و فيه: انه كما يكون للملكية قسمان من المتعلق حقيقي كالعين الخارجية، و اعتباري ككلي الحنطة الباقية في الذمة، كذلك يكون للحق قسمان من المتعلق حقيقي كالأرض المحجرة بالنسبة الي حق الاولوية، و اعتباري كالعقد الذي هو متعلق حق الفسخ، و عليه فكما يقال في الملك ان الموروث هو المتعلق لا الملكية و انما تحدث الملكية بادلة الارث،

كذلك يقال في الحق ان الموروث هو المتعلق، و بدليل الارث يحدث الحق. فتدبر فانه دقيق.

و أما عدم ارث الحقوق المستحبة فوجهه كون المستحق مقوما لا موردا.

فان قيل ان مقتضي اطلاق النبوي المذكور في صدر المسألة (ما تركه الميت من حق فلوارثه) ان الخيار يورث اجبنا عنه بانه لا أصل له، و انما الموجود ما ذكرناه

ارث الخيار ليس تابعا لإرث المال

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) الاول: هل ارث الخيار تابع لإرث المال فلو فرض استغراق دين الميت لتركته منع انتقال الخيار الي الوارث، و لو كان الوارث ممنوع لنقصان فيه كالقتل للمورث، أو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي كالزوجة بالنسبة الي العقار لا يرث، ام لا يكون تابعا له، ام هناك تفصيل؟ وجوه.

و المصنف (قدس سره) ذكر ذلك مفصلا، و قسم حق الخيار باعتبار مورده الي اقسام، و

بين حكم كل قسم و نحن نقتفي اثره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 356

فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار الي الوارث، (1)

و لو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه، كالرقية أو القتل للمورث أو الكفر، فلا اشكال في عدم الارث، لأن الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر الحقوق، (2)

______________________________

(1) الاول: مورد استغراق الدين للتركة، و قد ارسل المصنف (رحمه الله) ارث الخيار فيه ارسال المسلم.

و اورد عليه السيد الفقيه (رحمه الله): بان الاشكال الآتي في الزوجة بالنسبة الي العقار جار فيه ايضا، ثمّ قال: بل يمكن ان يقال بعدم الارث في المقام، و ان قلنا به في الزوجة من حيث ان ما دل علي ممنوعيته من الارث لأصل التركة و هو قوله تعالي (من بعد وصية يوصي بها أو دين) «1» و غيره من الأخبار «2» يدل باطلاقه أو فحواه علي عدم الارث للحق المتعلق بها ايضا، فانه مزاحم للدين.

اما الاشكال الآتي في الزوجة و اجماله ان حرمانها من المال المتروك يوهم حرمانها من الخيار المتعلق به كما سيأتي تفصيله، فهو لا يجري في الدين المستغرق،

اما بناء علي ما اختاره المصنف (رحمه الله) من انتقال التركة الي الورثة فواضح،

و أما بناء علي عدم الانتقال فلأن الاستغراق مانع عن ارث ما يمكن وفاء الدين به و هو المال دون حق الخيار، و هو ليس مزاحما للدين، فلو كان مزاحم فهو اعماله.

و يمكن ان يقال انه لا يزاحم، بل ينتقل المال من المفسوخ عليه الي الورثة، و ما تركه الميت بما انه متعلق حق الديان لا ينتقل إليه، بل هو في حكم التلف، و تشتغل ذمة الميت بالبدل كما سيأتي انشاء الله تعالي

نظيره في المبحث الآتي.

(2) الثاني: مورد وجود احد موانع الارث كالقتل و الرق و الكفر، و قد ارسل عدم الارث فيه ارسال المسلم، و هو كذلك، فان نسبتها الي جميع ما تركه الميت ملكا كان أو حقا علي حد سواء.

______________________________

(1) النساء آية 11.

(2) الوسائل- باب 28- من ابواب احكام الوصايا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 357

و لو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي، كالزوجة غير ذات الولد، أو مطلقا بالنسبة الي العقار، و غير الاكبر من الاولاد بالنسبة الي الحبوة، (1) ففي حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا. أو عدم حرمانه كذلك، وجوه. بل اقوال.

ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الي الميت أو عنه، فيرث في الاول صرح به فخر الدين في الايضاح، و فسر به عبارة والده كالسيد العميد و شيخنا الشهيد في الحواشي.

و رابعها: عدم الجواز في تلك الصورة، و الاشكال في غيرها، صرح به في جامع المقاصد، و لم اجد من جزم بعدم الارث مطلقا، و ان امكن توجيهه بأن: ما يحرم منه هذا الوارث ان كان قد انتقل عن الميت فالفسخ لا معني له، لأنه لا ينتقل إليه بازاء ما ينتقل عنه من الثمن شي ء من المثمن.

______________________________

(1) الثالث: مورد المانع التعبدي ككون المتروك ارضا بالاضافة الي الزوجة و هو الذي نقل فيه الأقوال.

و ملخص الكلام فيه: ان الوجوه و الأقوال فيه اربعة أو خمسة ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الي الميت أو عنه فيرث في الأول دون الثاني.

رابعها: عدم الجواز فيهما انتقل الي الميت، و الاشكال فيما انتقل عنه.

خامسها: ما يظهر من المستند وجود القائل به، و هو الفرق بين انحصار الوارث بها فلا

ترث، و بين عدم الانحصار فترث.

وجه القول الأول: عموم دليل الارث، و عدم المانع عن خصوص الخيار.

و استدل لعدم الارث مطلقا بوجهين:

الأول: ان الخيار ملك كلا الالتزامين اللذين هما، مدلولان التزاميان للبيع، حيث انه بمدلوله الالتزامي، يدل علي التزام كل من المتعاقدين بالمدلول المطابقي، و هو المبادلة بين المالين، و كل منها مالك لالتزام طرفه إذا لم يكن خياريا، و الخيار عبارة عن ملك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 358

و بعبارة اخري الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه، توجب سلطنته عليه،

و لا علاقة هنا و لا سلطنة، و ان كان قد انتقل الي الميت فهو لباقي الورثة، و لا سلطنة لهذا المحروم، و الخيار حق فيما انتقل عنه بعد احراز تسلطه علي ما وصل بازائه. (1)

و لكن يرد ذلك بما في الايضاح: من ان الخيار لا يتوقف علي الملك، كخيار الاجنبي، فعمومات الارث بالنسبة الي الخيار لم يخرج عنها الزوجة و ان خرجت عنها بالنسبة الي المال. و الحاصل ان حق الخيار ليس تابعا للملكية، و لذا قوي بعض المعاصرين ثبوت الخيار في الصورتين، و يضعفه ان حق الخيار علقة في الملك المنتقل الي الغير من حيث التسلط علي استرداده الي نفسه، و إلي من هو منصوب من قبله كما في الأجنبي و بعبارة اخري ملك لتملك المعوض لنفسه، أو لمن نصب عنه، و هذه العلاقة لا ينتقل من الميت الا الي أو ارث يكون كالميت، في كونه مالكا، لأن يملك، فإذا فرض ان الميت باع ارضا بثمن، فالعلاقة المذكورة انما هي لسائر الورثة دون الزوجة، لأنها بالخيار لا ترد شيئا من الأرض الي نفسها و لا إلي آخر هي من قبله لتكون كالاجنبي المجعول له.

نعم لو كان الميت قد انتقلت إليه الأرض، كان الثمن المدفوع الي البائع متزلزلا في ملكه،

______________________________

كلا الالتزامين، و لا يمكن ان تملك الزوجة كليهما إذ الأرض لو انتقلت عن الميت فهي ليست مالكة لالتزام نفسها، و لو انتقلت إليه فهي ليست مالكة لالتزام طرفها، لأن الأرض لغيرها من الورثة.

و فيه: ان معني ملك الالتزامين التسلط علي الفسخ و الامضاء الذي هو امر اعتباري عقلائي كان ثابتا للمورث فيرثه وارثه و ليس تابعا للملك، و لذا يصح جعله للأجنبي.

(1) الثاني: ما افاده المصنف (قدس سره) و هو: ان الخيار عبارة عن السلطنة علي استرداد ما انتقل عن ذي الخيار بعد الفراغ عن السلطنة علي ما انتقل إليه، و الزوجة اما لا سلطنة لها علي الرد لو كان المنتقل الي الميت ارضا، و أما لا سلطنة لها علي الاسترداد لو كان المنتقل عن الميت ارضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 359

فيكون في معرض الانتقال الي جميع الورثة، و منهم الزوجة، فهي ايضا مالكة لتملك حصتها من الثمن. (1) لكن فيه ما ذكرنا سابقا من ان الخيار حق فيما انتقل عنه بعد احراز التسلط علي ما وصل بازائه، و عبر عنه في جامع المقاصد بلزوم تسلط الزوجة علي مال الغير.

و حاصله ان الميت انما كان له الخيار، و العلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلطه علي رد ما في يده لتملك ما انتقل عنه بازائه، فلا ينتقل هذه العلاقة الا الي من هو كذلك من ورثته، كما مر نظيره في عكس هذه الصورة، و ليست الزوجة كذلك. و قد تقدم في مسألة ثبوت خيار المجلس للوكيل، ان أدلة الخيار مسوقة لبيان تسلط ذي الخيار علي صاحبه، من جهة تسلطه

علي تملك ما في يده، فلا يثبت بها تسلط الوكيل علي ما وصل إليه لموكله، و ما نحن فيه كذلك، و يمكن دفعه بأن ملك بائع الأرض للثمن لما كان متزلزلا و في معرض الانتقال الي جميع الورثة، اقتضي بقاء هذا التزلزل بعد موت ذي الخيار ثبوت حق للزوجة

______________________________

و فيه: اولا: ان الخيار عبارة عن السلطنة علي حل العقد، و يستلزم ذلك الرد و الاسترداد.

و ثانيا: انه لو كان عبارة عن السلطنة علي الرد و الاسترداد فهو عبارة عن السلطنة علي الرد و الاسترداد الي المالكين.

و بعبارة اخري: عبارة عن رد المبيع ملكا لا خارجا، و يوجب اعادة الربط الملكي من دون ان يقيد محله بشخص خاص، و عليه فان قلنا بانه بالفسخ يرجع المال الي الميت و منه الي الورثة كان لازمه ارث الزوجة لو كانت الارض منتقلة الي الميت فانه يعود الثمن إليه و الزوجة ترث منه، و لو كانت منتقلة عنه لم ترث منها.

و لو قلنا بانه بالفسخ يرجع المال الي الورثة، يمكن ان يقال: ان الزوجة و ان لم ترث من الأرض الا انه لا مانع من كون فسخها سببا لعود الأرض الي سائر الورثة.

(1) قوله فهي ايضا مالكة لتملك حصتها من الثمن قد مران كون الثمن في معرض الانتقال لا يوجب ثبوت السلطنة الفعلية للزوجة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 360

و ان لم يكن لها تسلط علي نفس الارض، و الفرق بين ما نحن فيه، و بين ما تقدم في الوكيل، (1) ان الخيار هناك، و تزلزل ملك الطرف الآخر، و كونه في معرض الانتقال الي موكل الوكيل، كان متوقفا علي تسلط الوكيل علي ما في يده، و تزلزل ملك الطرف

الآخر هنا، و كونه في معرض الانتقال الي الورثة ثابت علي كل حال،

و لو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة، فإن باقي الورثة لو ردوا الارض و استردوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه، فحق الزوجة في الثمن المنتقل الي البائع ثابت، فلها استيفاؤه بالفسخ، ثمّ ان ما ذكروا رد علي فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة (2) بثمن معين يشترك فيه الزوجة الا ان يلتزم عدم تسلطهم علي الفسخ الا في مقدار حصتهم من الثمن، (3) فيلزم تبعيض الصفقة فما اختاره في الايضاح من التفصيل مفسرا به عبارة والده في القواعد لا يخلو عن قوة. قال في القواعد: الخيار موروث بالحصص كالمال من اي انواعه كان، الا الزوجة غير ذات الولد في الارض علي اشكال اقربه ذلك، ان اشتري بخيار لترث من الثمن، انتهي.

و قال في الايضاح: ينشأ الاشكال من عدم ارثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها. و من أن الخيار لا يتوقف علي الملك كالأجنبي، ثمّ فرع المصنف أنه لو كان

______________________________

(1) قوله و الفرق بين ما نحن فيه و بين ما تقدم في الوكيل حاصله ان التزلزل في المقام ثابت مع قطع النظر عن خيار الزوجة لخيار الباقين- و في مسألة الوكيل التزلزل منوط بخياره.

(2) قوله ثمّ ان ما ذكر وارد علي فسخ باقي الورثة للارض المبيعة حاصله- انه يمكن ان يقال في عكس الفرض و هو ما إذا كانت الارض منتقلة عن الميت بان ملكية الزوجة لمقدار من الثمن في معرض الزوال بفسخ باقي الورثة فيكون لها ايضا حق الازالة بالفسخ.

(3) قوله الا ان يلتزم عدم تسلطهم علي الفسخ الا في مقدار حصتهم من الثمن محصله انه لا نسلم ما ذكر فان للورثة

الفسخ بمقدار حصصهم فمقدار حصتها من الثمن ليس متزلزلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 361

الموروث قد اشتري بخيار فالأقرب إرثها من الخيار، لأن لها حقا في الثمن و يحتمل عدمه، لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ، فلو علل بإرثها دار، (1)

و الأصح اختيار المصنف لأن الشراء يستلزم منعها من شي ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة، (2) و هو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه، انتهي.

و قد حمل العبارة علي هذا المعني السيد العميد الشارح للكتاب، و استظهر خلاف ذلك من عبارة جامع المقاصد، فإنه بعد بيان منشأ الاشكال علي ما يقرب من الايضاح، قال: فالاقرب من هذا الاشكال، عدم ارثها ان كان الميت قد اشتري ارضا بخيار، فارادت الفسخ لترث من الثمن.

______________________________

(1) قوله فالاقرب ارثها من الخيار لان لها حقا في الثمن و يحتمل عدمه فلو علل بارثها دار تقريب الدوران ارث الثمن موقوف علي الفسخ، و هو موقوف علي كون الثمن موروثا ليكون فيه حق لها و لكن هذا يتم لو اريد من حقها في الثمن ملكها الفعلي و أما إذا اريد به ملكها التقديري، فهو لا يتوقف علي الفسخ، و لا علي حق الفسخ.

(2) قوله لان الشراء يستلزم منعها من شي ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة حاصل مقصوده ان ارث الثمن و ان توقف علي الخيار- الا ان الخيار لا يتوقف الاعلي كون الثمن موروثا شانا و هو كذلك لكونه جزء من التركة من حيث هو فلا دور.

و استدل للثالث فيما إذا كانت الأرض منتقلة الي الميت: بان العقد حيث يكون متزلزلا لثبوت الخيار لسائر الورثة فالثمن في معرض الانتقال الي جميع الورثة و منهم الزوجة، فللزوجة حق في

الثمن، فلها استيفائه باعمال الخيار.

و بان الخيار هو السلطنة علي الاسترداد خاصة.

و أما إذا كانت الأرض منتقلة عنه، فحيث انه لا سلطنة لها علي استردادها لا لنفسها لحرمانها، و لا لمن نصبت من قبله، فلا ترث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 362

و أما إذا باع ارضا بخيار، فالاشكال حينئذ بحاله، لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئا، و حمل الشارحان العبارة علي ان الاقرب ارثها إذا اشتري بخيار، لأنها حينئذ يفسخ فترث من الثمن، بخلاف ما إذا باع بخيار، و هو خلاف الظاهر، فإن المتبادر ان المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الارث الذي سيقت لاجله العبارة، مع انه من حيث الحكم غير مستقيم ايضا، فإن الأرض حق لباقي الوراث استحقوها بالموت، فكيف يملك الزوجة ابطال استحقاقهم لها و اخراجها عن ملكهم.

______________________________

و فيه: مضافا الي فساد الشق الثاني كما تقدم-: انه لو اغمض عن ذلك و سلم كونه عبارة عن السلطنة علي الاسترداد فليس هو السلطنة علي الاسترداد خاصة، بل عن السلطنة عليه و علي الرد، فمع عدم امكان احدهما لا يثبت الخيار،

ففيما إذا كانت الأرض منتقلة الي الميت- و ان كان لها السلطنة علي الاسترداد- الا انه لا سلطنة لها علي الرد لعدم كون الأرض ملكا لها، و لا هي منصوبة من قبل مالكها،

فليس لها الرد،

بل يمكن منع سلطنتها علي الاسترداد لأن تزلزل العقد من ناحية خيار الورثة لا يوجب اي سلطنة للزوجة، و كون الثمن في معرض الانتقال لا يوجب السلطنة الفعلية،

بل الثمن ملك شأني للزوجة علي تقدير اعمال الخيار.

و استدل للرابع- اي لعكس هذا التفصيل-: بان الثمن في صورة الانتقال الي الميت ملك للورثة و منهم الزوجة، فلها السلطنة علي رده،

و الخيار و إن كان سلطنة علي الاسترداد الا ان السلطنة علي الاسترداد الي النفس أو الي من كان منصوبا من قبله غير لازم، بل الفسخ يوجب الرجوع الي الميت، فلا مانع من الرد و الاسترداد. و هذا بخلاف صورة العكس، فان الأرض ملك لسائر الورثة ما عدا الزوجة، و لا سلطنة لها علي ما يستحقه الغير.

و فيه: مضافا الي ما تقدم انه مع دلالة الدليل، اي مانع من الالتزام: بان لها السلطنة علي ما يستحقه الغير و يرد الوجه الخامس: انه لا يمكن انحصار الوارث فيها، إذ مع فرض عدم وجود احد يكون الامام وارثا معها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 363

نعم لو قلنا ان ذلك يحصل بانقضاء مدة الخيار، استقام ذلك، و ايضا فانها إذا ورثت في هذه الصورة وجب ان ترث فيما إذا باع الميت ارضا بخيار بطريق اولي،

لأنها ترث حينئذ من الثمن و اقصي ما يلزم من ارثها من الخيار ان يبطل حقها من الثمن، و هو اولي من ابطال ارثها حق غيرها من الارض التي اختصوا بملكها، ثمّ قال: و الحق ان ارثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد جدا، و ابطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج الي دليل. نعم قوله لترث من الثمن علي هذا التقدير يحتاج الي تكلف زيادة تقدير (1) بخلاف ما حملا عليه، انتهي. و قد تقدم ما يمكن أن يقال علي هذا الكلام.

ثمّ ان الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة إذا اشتري الميت أو باع بعض أعيان الحبوة بخيار هو الكلام في ثبوته للزوجة في الأرض المشتراة و المبيعة.

______________________________

(1) قوله يحتاج الي تكلف زيادة تقدير فانه لا بد و أن يقدر فارادت الفسخ

لترث من الثمن و يمكن ان يمنع ذلك بجعل الغاية للمنفي.

فتحصل: ان الأظهر انها ترث مطلقا،

و محصل الوجه في ذلك: وجود المقتضي و عدم المانع،

اما وجود المقتضي فهو عموم دليل الارث،

و أما عدم المانع فلأن المانع المتوهم فيما إذا كانت الأرض منتقلة الي الميت،

اما عدم سلطنتها علي ردها، و قد عرفت ان الفسخ حل العقد، مع انه لو كان عبارة عن الرد و الاسترداد كان هو الرد الملكي لا الخارجي، فلا مانع من ردها الأرض و ان كانت ملكا لغيرها،

و أما عدم كونها مالكة لكلا الالتزامين، و قد عرفت دفعه و ما يتوهم مانعيته فيما إذا كانت الأرض منتقلة عن الميت،

اما عدم سلطنتها علي استردادها الي نفسها و أما عدم مالكيتها لالتزامين،

و قد عرفت دفعهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 364

مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار
اشارة

مع انه شي ء واحد غير قابل للتجزئة و التقسيم وجوه: (1)

الأول: ما اختاره بعضهم من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه،

بحيث يكون له الفسخ في الكل و ان اجاز الباقون، (2) نظير حد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين، كذلك حق الشفعة علي المشهور، و استند في ذلك الي ان ظاهر النبوي المتقدم (3) و غيره، ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من لهم الخيار، بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل مثل ذلك علي اراده الاشتراك لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث

______________________________

كيفية استحقاق الورثة للخيار

(1) التنبيه الثاني: في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع انه شي ء واحد غير قابل للتجزئة و التقسيم، وجوه:

(2) الاول: ما اختاره صاحب الجواهر (رحمه الله) من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه، بحيث يكون له الفسخ في الجميع و ان اجاز الباقون.

(3) و استدل

له: بظاهر النبوي المنجبر بالعمل: ما ترك ميت من حق فهو لوارثه «1»

بتقريب: ان ظاهره ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من له الخيار، و انما لا يلتزم بذلك في المال من جهة عدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد.

و اورد عليه المصنف بايرادات اربعه سيأتي التعرض لها و لما يرد عليها عند تعرضه لها و لكن الذي يرد عليه انه لا وجود له في كتب احاديثنا

______________________________

(1) لم اعثر علي هذه العبارة في كتب الحديث من طرقنا و انما رواها الشهيد الثاني في المسالك في كتاب الشفعة و تبعه

المتأخرون عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 365

الثاني: استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه، فله الفسخ فيه دون باقي الحصص، (1) غاية الامر مع اختلاف الورثة في الفسخ و الامضاء تبعض الصفقة علي من عليه الخيار، فيثبت له الخيار، و وجه ذلك ان الخيار لما لم يكن قابلا للتجزئة و كان مقتضي ادلة الارث كما سيجي ء، اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم،

تعين تبعضه بحسب متعلقه، فيكون نظير المشترين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما.

الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار، (2) فيشتركون فيه من دون ارتكاب تعدده بالنسبة الي جميع المال، و لا بالنسبة الي حصة كل منهم، لأن مقتضي ادلة الارث في الحقوق الغير القابلة للتجزئة، (3) و الاموال القابلة لها امر واحد، فهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة الا ان التقسيم في الاموال لما كان امرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع في المجموع الي اختصاص كل منهم بحصة مشاعة، بخلاف الحقوق فانها تبقي علي حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها، فلا يجوز لاحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكل و لا في حصته، فافهم.

______________________________

(1) الثاني: ما

اختاره جمع من المحققين و هو استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه فله الفسخ فيه دون باقي الحصص، و يظهر وجهه مما نذكره من النقد علي ساير الوجوه.

(2) الثالث: ما اختاره المصنف (قدس سره) و هو: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار فيشتركون فيه، و لا يكون الحق متعددا و لا المستحق، و لازمه عدم جواز الفسخ و لا الإجازة من البعض.

(3) و قد استند في ذلك الي ان الحق امر بسيط غير قابل للتجزئة فيشتركون فيه و ليس كالمال القابل لها.

و بعبارة اخري: ان مقتضي ادلة الارث ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة، الا ان التقسيم في الأموال لما كان ممكنا مرجع ذلك الي اختصاص كل منهم بحصة بخلاف الحق،

فانه يبقي علي حاله من اشتراك مجموع الورثة فيه.

و فيه: انه لا كلام في ان الحق امر بسيط كالملكية، و لا يتجزي، و لكن يتعدد بتعدد مورده

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 366

و هنا معني آخر لقيام الخيار بالمجموع، و هو ان يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ، ما لم يجز الآخر، لتحقق الطبيعة في الواحد، (1) و ليس له الاجازة بعد ذلك كما انه لو اجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده، لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا كان أو متعددا كان امضاء الواحد كفسخه ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر، لأن الاول قد استوفاه. و لو اتحدا زمانا كان ذلك كالامضاء و الفسخ من ذي الخيار بتصرف واحد، لا ان الفاسخ متقدم كما سيجي ء في احكام التصرف.

______________________________

و مورده في المقام هو الحل، و متعلق الحل هو العقد، و العقد

بما انه علي ملكية الدار مثلا و الدار قابلة للتبعيض، و كذا ملكيتها و كذلك العقد، و مع فرض قبول العقد له يكون الحل ايضا قابلا له، فيعقل تعدد حق الحل و الفسخ، و عليه فإذا كانت الملكية بمقتضي ادلة الارث منتقلة الي المتعدد بنحو التعدد، اي كل وارث مالك لمقدار من المال لا محالة ينحل العقد الي عقود كل منهم طرف لما هو متعلق بصحته، فلا محالة يتعدد حق الخيار.

(1) الرابع: ما ذكره المصنف (قدس سره) بقوله: و هنا معني آخر لقيام الخيار بالمجموع و هو ان يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجز الآخر لتحقق الطبيعة في الواحد و اورد عليه المحقق النائيني قدس سره: بانه مبني علي ان يكون ارث الخيار ثابتا لصرف الوجود من الوارث لا لمطلق الوجود، و حيث ان صرف الوجود قائم بكل واحد من الورثة، فكل من بادر الي اعمال الحق ينفذ في حق الجميع و هذا خلاف المتبادر من الأدلة من كون الحكم شموليا.

و فيه: ان مراده بذلك ليس ثبوت الحق لصرف وجود الطبيعة في مقابل ثبوته لجميع الوجودات، بل مراده له ثبوته للطبيعي من حيث هو، بتقريب انه كما قد يكون المملوك كليا كمن من الحنطة في الذمة، و قد يكون المالك كليا ككلي الفقير و السيد في الخمس و الزكاة، كذلك قد يكون من له الحق كليا ككلي الوارث. و تعينه و ان احتاج

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 367

ثمّ انه لا ريب في فساد مستند وجه الأول المذكور له (1) لمنع ظهور النبوي و غيره في ثبوت ما ترك لكل واحد

من الورثة، لأن المراد بالوارث في النبوي و غيره مما أفرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث المتحقق في ضمن الواحد و الكثير، (2) و قيام الخيار بالجنس يتأتي علي الوجوه الأربعة المتقدمة، كما لا يخفي علي المتأمل. و أما ما ورد فيه لفظ الورثة بصيغة المجمع، فلا يخفي أن المراد به ايضا،

اما جنس الجمع أو جنس الفرد أو الاستغراق القابل للحمل علي المجموعي و الافرادي و الاظهر هو الثاني، كما في نظائره، هذا كله مع قيام القرينة العقلية و للفظية علي عدم ارادة ثبوته لكل واحد مستقلا في الكل. اما الاولي فلان المفروض ان ما كان للميت و تركه للوارث حق واحد شخصي، و قيامه بالاشخاص المتعددين اوضح استحالة و اظهر بطلانا من تجزيه و انقسامه علي الورثة فكيف يدعي ظهور ادلة الارث فيه. (3)

______________________________

الي معين الا انه يكون في المقام باقدام من هو مصداق الطبيعي القابل للانطباق عليه بالأخذ بالخيار.

و بهذا ظهر انه لا وجه لما اورده السيد عليه بان الاولي عد هذا الوجه معني آخر لقيام الخيار بكل واحد مستقلا،

و لكن الذي يرد علي هذا الوجه: ان سياق ادلة الارث في الحق و المال واحد،

و بديهي انه ليس ارث الملك كذلك فارث الحق ايضا ليس كذلك.

(1) و قد اورد المصنف علي الوجه الاول بايرادات اربعة.

(2) احدها: ان المراد بالوارث في النبوي و غيره مما افرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث، المتحقق في ضمن الواحد و الكثير، و قيام الخيار بالجنس يتاتي علي الوجوه الاربعة المتقدمة و فيه: انه لو كانت القضية مهلة صح ما افاده، و أما لو كانت مطلقة فحيث ان الجنس ليس الا الطبيعة، فكونها تمام الموضوع لا يكون الا علي

الوجه الثاني في كلامه الذي سيأتي التعرض له.

(3) ثانيها: ان ما كان للميت و تركه للوارث حق واحد شخصي و قيامه بالأشخاص المتعددين اوضح استحالة و اظهر بطلانا من تجزءته و انقسامه علي الورثة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 368

و أما الثانية فلأن مفاد تلك الادلة بالنسبة الي المال المتروك، و حق المتروك شي ء واحد، و لا يستفاد منها بالنسبة الي المال الاشتراك، و بالنسبة الي الحق التعدد،

الا مع استعمال الكلام في معنيين، (1) هذا مع ان مقتضي ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة ان يكونوا كالوكلاء المستقلين، (2) فيمضي السابق من اجازة احدهم أو فسخه، و لا يؤثر اللاحق فلا وجه لتقدم الفسخ علي الاجازة علي ما ذكره. و أما الوجه الثاني فهو و ان لم يكن منافيا لظاهر ادلة الارث، من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث، الا ان تجزية الخيار بحسب متعلقه كما تقدم، مما لم يدل عليه ادلة الارث، اما ما كان منها كالنبوي غير متعرض للقسمة فواضح، و أما ما تعرض فيه للقسمة كآيات قسمة الارث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل باعمال هذا الحق أو اسقاطه فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ، أو ثمنها الباقي في ملكهم بعد الاجازة علي طريق الارث.

______________________________

و فيه: ان الحق لا يكون متروكا لما تقدم من انعدامه بموت المستحق، بل المتروك ما هو مورد الحق، و لا مانع من صيرورته طرفا لإضافات متعددة بعدد الورثة، كما لا مانع من تعلق الحق المستقل متعددا بعقد واحد،

و الاولي في تقريب هذا الوجه ان يقال: ان مورد هذا الحق هو حل العقد، و حيث ان ما

هو مورد بالاضافة الي المورث هو الحل الواحد غير المتعدد، و الواحد لا يتعدد بالانتقال من طرف الي طرف، فلا يعقل فيه التعدد.

(1) ثالثها: ان مفاد دليل الارث بالنسبة الي المال المتروك و الحق المتروك شي ء واحد، و لا يستفاد منه بالنسبة الي المال الاشتراك، و بالنسبة الي الحق التعدد الا مع استعمال الكلام في معنيين.

و فيه: ان دليل ارث الحق غير دليل ارث المال، فلا محذور في تعدد المعني.

(2) رابعها: ان مقتضي ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة ان يكونوا كالوكلاء المستقلين، فيمضي السابق من اجازة احدهم أو فسخه، و لا يؤثر اللاحق، فلا وجه لتقدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 369

و أما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته، فلا يستفاد من تلك الادلة،

فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع، فان اتفق المجموع علي الفسخ في المجموع، و إلا فلا دليل علي الانفساخ في شي ء منه. و من ذلك يظهر ان المعني الثاني للوجه الثالث، و هو قيام الخيار بالطبيعة المتحققة في ضمن المجموع ايضا لا دليل عليه، فلا يؤثر فسخ احدهم و ان لم يجز الآخر مع ان هذا المعني ايضا مخالف لأدلة الارث، لما عرفت من ان مفادها بالنسبة الي المال و الحق واحد. و من المعلوم ان المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق في ضمن المجموع.

______________________________

الفسخ علي الاجازة علي ما ذكره.

و فيه: انه فرق بين كون الحق واحدا و للمتعدد اعماله كما في مسألة الوكالة، و بين كون الحق متعددا في نفسه علي ما فرضه صاحب الجواهر، و ما افاده انما هو في الأول، و مورد كلام الجواهر هو الثاني، و لازم كون الحق متعددا عدم مزاحمة اجازة

المجيز لفسخ الفاسخ لاستقلال كل شخص بشخص من الخيار و قد ظهر مما ذكرناه: - مضافا الي عدم استقامة شي ء مما ذكره المصنف عدم تمامية ما افاده صاحب الجواهر ثبوتا و اثباتا.

فتحصل مما ذكرناه: ان الأظهر هو الوجه الرابع، و هو استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه فله الفسخ فيه دون باقي الحصص.

و علي الوجوه الثلاثة الأول لا إشكال في انه ليس لكل واحد من الورثة ان يفسخ بمقدار حصته، إذ الحق واحد و هو الخيار في الكل، فلا يجوز له الفسخ في البعض.

و أما علي المختار، فهل يجوز التفريق في الفسخ و الاجازة بان يفسخ واحد منهم بالنسبة الي حصته من المال، ام لا يجوز ذلك؟ ربما يقال بالثاني،

و استدل له بوجهين:

الأول: ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) و هو: ان مقتضي الشرط الضمني الذي التزم به الميت من عدم تبعض الصفقة عليه عدم نفوذ اعمال الخيار لكل واحد مستقلا، بل لا بد من اتفاقهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 370

ثمّ ان ما ذكرنا جار في كل حق ثبت لمتعدد لم يعلم من الخارج كونه علي خصوص واحد من الوجوه المذكورة، (1) نعم لو علم ذلك من دليل خارج اتبع كما في حد القذف، فإن النص قد دل علي انه لا يسقط بعفو احد الشريكين، و كذا حق القصاص، فإنه لا يسقط بعفو احد الشريكين، لكن مع دفع الآخر مقدار حصة الباقي من الدية الي اولياء المقتص منه جمعا بين الحقين، لكن يبقي الاشكال في حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم. و ان احتمله في الدروس من ان احد الورثة إذا عفي عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل المبيع، (2) فإن الظاهر ان

قولهم بذلك ليس لأجل دليل خارجي، و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل.

و يمكن ان يفرق بالضرر، فإنه لو سقطت الشفعة بعفو احد الشريكين تضرر الآخر بالشركة (3)

______________________________

علي الفسخ أو الاجازة الا ان يرضي الطرف بالتبعض.

و فيه: ان الشرط ان كان هو ان لا يفسخ في البعض فغايته عدم جوازه تكليفا لا وضعا، فان شرط الترك لا يوجب عدم نفوذ الفعل. نعم لو تخلف يثبت لمن عليه الخيار لتبعض الصفقة.

الثاني: انه يلزم منه التشقيص و هو ضرر علي الطرف منفي بالحديث.

و فيه: ان ضرره يجبر بالخيار في اصل البيع، فالأظهر هو الأول.

و يترتب علي كون حق الخيار واحدا قائما بالمجموع عدم الانفساخ بفسخ احدهم،

و عدم سقوط الحق باسقاطه، بل لا بد من الاجتماع علي الفسخ أو الاسقاط،

(1) و هذا جار في كل حق ثبت لمتعدد لم يعلم من الخارج كونه علي خصوص واحد من الوجوه المذكورة،

و قد ورد في الشرع ما يوهم خلاف ذلك، فان الأصحاب افتوا بان.

(2) احد الورثة إذا عفي عن الشفعة كان للآخر الاخذ بكل المبيع و الاشكال فيه من وجهين احدهما: انه كيف ينفذ العفو من احدهم مع ان الحق قائم بالمجموع.

ثانيهما: انه كيف يجوز الاستيفاء من احدهم و لو لم يأذن به الآخر، و المصنف (قدس سره)

اجاب عنه.

(3) بانه لو سقطت الشفعة بعفو احد الشريكين تضرر الآخر بالشركة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 371

بل لعل هذا هو السر في عدم سقوط حدي القذف و القصاص بعفو البعض،

لأن الحكمة و ما التشفي، فابطالها بعفو احد الشركاء اضرار علي غير العافي و هذا غير موجود غيما نحن فيه، فتأمل.

ثمّ ان ما اخترناه من الوجه الاول، (1) هو مختار العلامة في القواعد،

بعد ان احتمل الوجه الثاني و ولده في الايضاح و الشهيد في الدروس و الشهيد الثاني في المسالك و حكي عن غيرهم، قال في القواعد و هل للورثة التفرق فيه نظر (2) اقربه المنع، و ان جوزناه مع تعدد المشتري، و زاد في الايضاح بعد توجيه المنع، بأنه لم يكن لمورثهم الا خيار واحد انه لا وجه لاحتمال التفريق

______________________________

و فيه: اولا: انه لو تم اقتضي بقاء حقه بمقدار حصته، فان ارث حق الشفعة انما هو بمقدار الحصة لقاعدة الميراث لا استيفاء الحق في الجميع و ثانيا: انه لا يتم، فان حق الشفعة لا يكون ثبوته للضرر، فان ضرر الشركة حاصل قبلا، و قد تبدل شريك بشريك، و ربما يكون الثاني احسن من الاول و ثالثا إذا كان للجميع حق واحد فلا ضرر فان الملك الكذائي المتعلق لحق قائم بالمجموع قد انتقل الي الورثة، و لا ضرر في ذلك، و الحق انه لا فرق بين حق الشفعة، و المقام و ما ذكرناه يجري فيه.

(1) قوله ثمّ ان ما اخترناه من الوجه الاول مراده من الوجه الاول الوجه الاول من الوجه الثالث- و مراده من الوجه الثاني بحسب الظاهر الثاني من اصل الوجوه.

(2) قوله قال في القواعد و هل للورثة التفرق فيه نظر عبارات القواعد و الدروس و غيرهما محتملة لوجوه احدها: ارادة ثبوت مجموع الخيار للمجموع الثاني: ان لكل واحد خيارا بمقدار حصته الا ان فسخه مشروط بفسخ الآخرين الثالث: ان الخيار لكل واحد الا- انه لا يجوز التفريق لان الحق واحد- و المصنف (قدس سره) استظهر الاول و لم يتعرض للثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 372

و قال في الدروس في باب خيار العيب: لو جوزنا

لأحد المشترين الرد نجوزه لأحد الوارثين عن واحد، لأن التعدد طار علي العقد سواء كان الموروث خيار عيب أو غيره، انتهي. و في المسالك بعد المنع عن تفرق المشترين في الخيار، هذا كله فيما لو تعدد وارث المشتري الواحد، فإنه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة و التعدد طار مع احتماله، انتهي.

و ظاهر التذكرة في خيار المجلس الوجه الاول من الوجوه المتقدمة قال لو فسخ بعضهم و اجاز الآخر، فالاقوي انه ينفسخ في الكل، كالمورث لو فسخ في حياته في البعض و اجاز في البعض، انتهي.

و يحتمل ان لا يريد بذلك ان لكل منهما ملك الفسخ في الكل، كما هو مقتضي الوجه الأول، بل يملك الفسخ في البعض و يسري في الكل، (1) نظير فسخ المورث في البعض و كيف كان فقد ذكر في خيار العيب، أنه لو اشتري عبدا فمات، و خلف وارثين فوجدوا به عيبا لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة للتشقيص، انتهي.

و قال في التحرير: لو ورث اثنان عن ابيهما خيار عيب، فرضي احدهما، سقط حق الآخر من الرد دون الارش.

و الظاهر ان خيار العيب و خيار المجلس واحد، كما تقدم عن الدروس. فلعله رجوع عما ذكره في خيار المجلس، ثمّ انه ربما يحمل ما في القواعد و غيرها من عدم جواز التفريق علي انه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ و الاجازة، بل لا بد من الفسخ أو الاجازة في الكل، فلا دلالة فيها علي عدم استقلال كل منهم علي الفسخ في الكل، و حينئذ فإن فسخ احدهم و اجاز الآخر قدم الفسخ علي الاجازة، و ينسب تقديم الفسخ الي كل من منع من التفريق، بل في الحدائق تصريح الاصحاب بتقديم

الفاسخ من الورثة علي المجيز

______________________________

(1) قوله بل يملك الفسخ في البعض و يسري في الكل بل هذا هو صريحه- و لكن يرد عليه ان سريان فسخ البعض الي الكل لا يكون الا إذا كان مالكا لفسخ الكل كما في المورث و هو واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 373

و لازم ذلك الاتفاق علي انه متي فسخ احدهم انفسخ في الكل،

و ما ابعد بين هذه الدعوي و بين ما في الرياض من قوله و لو اختلفوا، يعني الورثة قيل: قدم الفسخ. و فيه نظر، لكن الاظهر في معني عبارة القواعد ما ذكرنا و ان المراد بعدم جواز التفريق ان فسخ احدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين. كما يدل عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب،

اما لو اورثا خيار العيب، فلا اشكال في وجوب توافقهما، فإن المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطي، و معناه عدم نفوذ التخالف.

و لا ريب ان عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الاجازة من أحدهما مع فسخ صاحبه، بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون اجازته لفسخ صاحبه و هو المطلوب و اصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير، ثمّ التذكرة. نعم ما تقدم من قوله في الزوجة غير ذات الولد اقربه ذلك ان اشتري بخيار لترث من الثمن قد يدل علي ان فسخ الزوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثمن لترث منه، إذ استرداد مقدار حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده و عند غيره،

و كيف كان، فمقتضي ادلة الارث ثبوت الخيار للورثة علي الوجه الثالث الذي اخترناه.

و حاصله انه متي فسخ احدهم و اجاز الآخر لغي الفسخ.

و قد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص لعدم اعمال الآخر حقه.

و يندفع بأن

الحق، إذا كان مشتركا لم يجز اعماله الا برضا الكل، كما لو جعل الخيار لأجنبيتين علي سبيل التوافق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 374

فرع إذا اجتمع الورثة كلهم علي الفسخ فيما باعه مورثهم، (1) فإن كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه الي المشتري، (2) و ان لم يكن موجودا اخرج من مال الميت و لا يمنعون من ذلك، و ان كان علي الميت دين مستغرق للتركة، لأن المحجور له الفسخ بخياره و في اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه وجهان، (3) و لو كان مصلحتهم في الفسخ لم يجبروا الورثة عليه لانه حق لهم فلا يجبرون علي اعماله

______________________________

لو اجتمع الورثة علي الفسخ

(1) الثالث: إذا اجتمع الورثة علي الفسخ فيما باعه مورثهم فهل المبيع يرجع الي الميت أو الي الورثة؟ و يترتب علي هذا النزاع فوائد لا تخفي.

(2) قوله فان كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه الي المشتري هذا هو المعروف بين الاصحاب، و خالفهم الشيخ في جملة من كتبه في صورة قصور التركة يشهد للمشهور صحيح جمل عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله (ع) في رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع و لم يدفع الثمن ثمّ مات المشتري و المتاع قائم بعينه فقال (عليه السلام) إذا كان المتاع قائما بعينه رد الي صاحب المتاع و قال ليس للغرماء ان يحاصوه «1»

و استدل لما ذهب إليه الشيخ بصحيح ابي ولاد عنه (عليه السلام) عن رجل باع من رجل متاعا الي سنة فمات المشتري قبل ان يحل ماله و اصاب البائع متاعه له ان يأخذه إذا حقق له فقال (عليه السلام) ان كان عليه دين و ترك نحوا مما عليه فلياخذه ان حقق له

فان ذلك حلال و لو لم يترك نحوا من دينه فان صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي ء يأخذ حصته و لا سبيل له علي المتاع «2»

و المراد بالنحو هنا المثل بمعني ان تكون تركته قدر ما عليه فصاعدا بحيث لا يحاص علي باقي الغرماء قصور،

و لعل الثاني اقوي، و تمام الكلام في كتاب الحجر،

(3) قوله و في اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه وجهان قد استدل للاول بانهم مكلفون باداء دين الميت و الفسخ مع المفسدة يضر بالاداء فلا يجوز

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب كتاب الحجر حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 375

و لو لم يكن للميت مال. ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان، من انه ليس لهم الا حق الفسخ كالأجنبي المجعول له الخيار، أو الوكيل المستناب في الفسخ و الامضاء، و انحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميت يوفي عنه ديونه و خروج الثمن من ملكه في المعين و اشتغال ذمته ببدله في الثمن الكلي،

فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع الا علي وجه كونه وفاء لدين الميت، و حينئذ فلا اختصاص له بالورثة علي حسب سهامهم، بل يجوز للغير أداء ذلك الدين، بل لو كان للميت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء.

و هذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن علي حسب سهامهم من المبيع.

و من انهم قائمون مقام الميت في الفسخ برد الثمن أو بدله، (1) و تملك المبيع، فإذا كان المبيع مردودا علي الورثة من حيث انهم قائمون مقام الميت، اشتغلت ذممهم بثمنه حيث انهم كنفس الميت، كما ان معني ارثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملّك الحصة بثمن من ما لهم لا من مال

الميت

______________________________

و فيه ان التكليف بالاداء انما هو مع وجود المال و الفسخ رافع للموضوع و علي تقدير عدم الجواز يكون ذلك تكليفيا لا وضعيا فلو فسخوا يكون نافذا و المراد من المصلحة عدم المفسدة إذ لا ريب في الجواز مع التساوي.

و كيف كان فلو لم يكن للميت مال ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان.

(1) و المصنف بني الحكم في هذا الفرع علي ان الوارث هل هو نائب عن الميت في الفسخ و الاجازة بمعني انه يفسخ عن الميت فينتقل المال الي الميت ثمّ الي الوارث ام هو مستقل و قائم مقامه بمعني انه يفسخ عن نفسه لانتقال الحق الثابت للميت إليه فينتقل المال الي الورثة، و مختاره هو الثاني.

و يرد عليه: ان الوارث ليس نائبا عن الميت في الفسخ، بل الحق ثابت له، و لكن ليس معني ذلك فسخ العقد عن نفسه و لنفسه، بل معناه حق حل العقد و فسخه لاعن نفسه و لا عن غيره، فان نسبته الي الكل علي حد سواء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 376

ثمّ لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة و ان لم يوافقه الباقي و فسخ. ففي انتقال المبيع الي الكل، أو الي الفاسخ، وجهان مما ذكرنا من مقتضي الفسخ، و ما ذكرنا اخيرا من مقتضي النيابة و القيام مقام الميت. (1)

______________________________

و بعبارة اخري: الفسخ حل للعقد القائم بشخصين خاصين مع انه علي تقدير الاغماض عما ذكرناه و تسليم ما افاده المصنف (قدس سره) لا وجه لتفصيله بين ما إذا كان للميت مال و بين ما لم يكن، فان مقتضي ما افاده انتقال العين الي الورثة و اشتغال ذممهم بمقدار حصصهم للمفسوخ عليه، من غير فرق

بين ان يكون له مال و ان لا يكون له مال.

(1) قوله و ما ذكرنا اخيرا من مقتضي النيابة و القيام مقام الميت الوجه الاول نيابة دون هذا الوجه و عليه فمراده من النيابة ما فسره بقوله و القيام مقام الميت كما يشير الي ما ذكرناه ما ذكره بعد ذلك بقوله فهو كنفس الميت لا نائب عنه.

و الحق ان يقال: ان حق الخيار الموروث ليس من قبيل حق الشفعة، فان حقيقة حق الشفعة تملك حصة الشريك من مشتريها بثمنها، و معلوم ان تملك حصة الشريك ببذل الثمن لا يقتضي رجوع الحصة الي الميت و لا ثمنها منه.

و بالجملة: الموروث ليس حق التملك، بل حق حل العقد، و هو يقتضي رجوع الأمر الي ما كان، و لازم ذلك عود الملك الي الميت و عود بدله عنه إذ المعاوضة كانت بينه و بين المفسوخ عليه.

و غاية ما يمكن ان يورد علي هذا الوجه امور:

الاول: ان انتقال المال الي الميت غير معقول لعدم قابليته لذلك.

و فيه: ان الملكية من الاعتباريات، و هي خفيفة المئونة، و لا مانع من اعتبار شي ء ملكا له لو اقتضت المصلحة ذلك.

الثاني: ان الوارث حيث يكون قائما مقام مورثه فيكون عقده عقده، فكأن العقد واقع علي ماله. و الحل حل لهذا العقد، و لازم ذلك تلقي الفاسخ من المفسوخ عليه من حين فسخه لا التلقي من الميت فتشتغل ذمته بالبدل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 377

و الأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي أو الوكيل في كونها لاستيفاء حق للغير، بل هي ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه، فهو كنفس الميت لا نائب عنه في الفسخ. و من هنا جرت السيرة بأن ورثة

البائع ببيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من أموالهم، و يستردون المبيع لأنفسهم، من دون ان يلزموا باداء الديون منه بعد الاخراج، (1) و المسألة يحتاج الي تنقيح زائد.

______________________________

و فيه: ان دليل الارث يدل علي ان ما كان للميت من ملك أو حق فهو لوارثه،

و لا يدل علي ان كل ما هو مضاف إليه مضاف الي وارثه كي يكون عقده عقده.

(1) الثالث: انه جرت السيرة بان ورثة البائع بيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من اموالهم، و يستردون المبيع لأنفسهم، من دون ان يلزموا باداء الديون منه بعد الاخراج و فيه: اولا: ان وجه جريان السيرة غير معلوم، و لعله يكون ردهم مثل الثمن من اموالهم من جهة ان الفسخ اوجب اشتغال ذمة الميت بالثمن، فهم يؤدون دينه. نعم لو جرت السيرة بعدم اداء سائر ديون الميت من المبيع، و عدم كونهم ملزمين بذلك، كشف ذلك عن عدم انتقال المبيع الي الميت، و لكن قيام السيرة علي ذلك ممنوع.

و ثانيا: ان غاية ما يثبت بذلك كون ارث الخيار المشروط برد مثل الثمن من قبيل حق الشفعة، و لا يثبت به كون جميع الخيارات كذلك.

الرابع: قياس حق الخيار بحق الشفعة، و قد عرفت الفرق بينهما.

و هناك وجوه أخر هيّن دفعها بعد مراجعة ما ذكرناه.

فالحق انه تنتقل العين الي الميت، فان كان بدلها موجودا فهو يعود الي المفسوخ عليه لا يقال: انه ان انتقل الي الوارث فهو في حكم التلف.

فانه يرد بانه ملك متزلزل فيعود منهم، و الا فتشتغل ذمة الميت بالبدل، كان للميت مال ام لم يكن، فيكون سبيله سبيل سائر ديونه،

و أما العين فان لم يكن للميت دين تنتقل الي الورثة و الا

فان كان الدين غير مستوعب ينتقل الفاضل منه علي الدين إليهم و ان كان مستوعبا لا ينتقل شي ء منها إليهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 378

مسالة لو كان الخيار لأجنبي و مات

، ففي انتقاله الي وارثه كما في التحرير أو إلي المتعاقدين، أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين، و ربما يظهر من القواعد، وجوه، (1) من انه حق تركه الميت فلوارثه، و من انه حق لمن اشترط له من المتعاقدين، لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره الي موكله دون وارثه.

______________________________

لو جعل الخيار لأجنبي

(1) الرابع: و لو كان الخيار لأجنبي، ففي انتقاله الي وارثه- كما عن العلامة (قدس سره) في التحرير- أو الي المتعاقدين، أو سقوطه- كما عن غير واحد و ربما يظهر من القواعد- وجوه.

و قد وقع الخلاف في الخيار المجعول للأجنبي في انه، هل هو من باب التمليك، أو التوكيل، أو التحكيم،

فقد يقال كما عن المحقق النائيني (قدس سره) بانه ليس من قبيل التمليك، لانه لو كان علي نحو جعل الملك كان لازمه ارث وارثه عنه: لان ما تركه لوارثه، و لا من باب التوكيل، و الا امكن عزله، بل هو متوسط بين الملكية و الوكالة نظير التولية علي الوقف، و هذا هو المراد من التحكيم الذي ذكره الفقهاء.

و لكن يمكن ان يكون من قبيل التمليك و جعل الحق له، و انما لا يرثه وارثه من جهة ضيق مقدار الجعل و المجعول، إذ المجعول هو حق الخيار للأجنبي بما انه ذو نظر و رأي يعتمد عليه في امر العقد، فيكون المستحق مقوما، و قد مر ان مثل هذا الحق لا يورث و لا ينتقل الي الغير:

و يمكن ان يكون من قبيل التوكيل، و انما لا

يمكن عزله لانه و ان كانت الوكالة جائزة في نفسها الا انه إذا كانت شرطا في ضمن عقد لازم لا يجوز العزل، و الظاهر ان جعل الخيار من قبيل الاول.

و قد ظهر مما ذكرناه امران:

الأول: انه لا يرثه وارثه و لا ينتقل الي غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 379

و من ان ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الاجنبي، (1) فلا يدخل فيما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لاجل الشك في مدخلية نفس الاجنبي.

و في القواعد لو جعل الخيار لعبد احدهما، فالخيار لمولاه، (2) و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه، و إذا امره باحدهما اجبر شرعا عليه، فلو امتنع فللمولي فعله عنه فيرجع الخيار بالآخرة له، لكن هذا يقتضي ان يكون عبد الاجنبي كذلك، مع انه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه، و لا يتوقف علي رضاه، إذا لم يمنع حقا للمولي، فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا وحلا، فافهم.

______________________________

الثاني: عدم تمامية ما افاده المحقق الايرواني (قدس سره) معلقا علي قول المصنف (قدس سره)،

(1) و من ان ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الاجنبي بقوله: لم افهم المراد من مدخلية الأصيل و عدم مدخليته، فان اريد كون الخيار مجعولا لشخص الأصيل فالكلام في مثل ذلك و يعدي الي الوارث بادلة الارث- الي ان قال- و ان اريد كون الخيار مجعولا لشخص الاصيل بشرط ان لا يورث ففيه: ان هذا شرط خلاف الكتاب و السنة. انتهي.

فانه قد عرفت ان الخيار انما يورث إذا لم يكن المستحق مقوما، بل كان موردا، و في جعل الخيار الظاهر كونه مقوما،

و هذا هو مراد المصنف (قدس سره) من مدخلية نفس الاجنبي،

فلا ايراد عليه.

(2) قال المصنف (قدس سره): و في القواعد لو جعل الخيار لعبد احدهما فالخيار لمولاه. هذه المسألة غير مربوطة بما نحن فيه، فان حاصلها: ان جعل الخيار للعبد هل هو جعل له لمولاه لأنه عبد لا يقدر علي شي ء، أوانه جعل له لنفسه بعد عدم مزاحمة اعماله لحق مولاه؟ و الحق ان جعل الحق له لا محذور فيه، فان كونه عبدا لا يقدر علي شي ء ليس معناه خروجه عن قابلية جعل مال أو حق له، بل معناه ان الأفعال التسبيبية لا تنفذ منه، و انما يلتزم بعدم مالكيته من التزم لدليل آخر مفقود في الحق.

نعم يمكن الفرق بين كون المستحق عبد أحد المتعاقدين أو عبد الاجنبي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 380

مسالة و من احكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار. (1)

و قد مرّ بيان ذلك في مسقطات الخيار، و المقصود هنا بيان انه كما يحصل اسقاط الخيار و التزام العقد بالتصرف، فيكون التصرف اجازة فعلية، كذلك يحصل الفسخ بالتصرف، فيكون فسخا فعليا.

و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة قد يكون بالقول، و قد يكون بالفعل. و قد ذكر جماعة كالشيخ و ابن زهرة و ابن ادريس و جماعة من المتأخرين عنهم كالعلامة و غيره (قدس الله اسرارهم) ان التصرف ان وقع فيما انتقل عنه كان فسخا، و ان وقع فيما انتقل إليه كان اجازة.

______________________________

من ناحية ان الخيار ان جعل لعبد أحدهما كان لازمه سلطنة العبد علي مولاه بحل العقد الواقع بينه و بين طرفه بخلاف ما لو جعل لعبد الأجنبي فان العقد حينئذ اجنبي عن مولاه و لعله لذلك قال في القواعد ان الخيار لو جعل لعبد احدهما فالخيار لمولاه و لو جعل لعبد الأجنبي فالخيار له لا لمولاه، و لكن

مقتضي ما ذكرناه من الفرق عدم ثبوت الخيار للعبد لا ثبوته لمولاه، و الذي يسهل الخطب عدم المورد لهذه المسألة، فالاغماض عن اطاعة الكلام اولي.

الفسخ الفعلي

(1) طفحت كلماتهم بانه من احكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار و تنقيح القول في المقام بالبحث في موارد

الاول هل الفسخ يحصل بالفعل كما يحصل بالقول ام لا- لا كلام من الاصحاب في حصوله به و هو مقتضي اطلاق دليل الفسخ بالتقريب المتقدم في مسألة المعاطاة و قد عرفت هناك انه فيما لم يدل دليل بالخصوص علي اعتبار اللفظ يكتفي بكل ما ينشأ به المنشأ كان قولا ام فعلا و قوله (عليه السلام) «1» انما يحلل الكلام و يحرم الكلام لا يدل علي اعتبار اللفظ في آلة الانشاء كما مر تحقيقه

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العقود حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 381

و قد عرفت في مسألة الأسقاط ان ظاهر الاكثر ان المسقط هو التصرف المؤذن بالرضا، و قد دل عليه الصحيحة المتقدمة في خيار الحيوان، المعللة للسقوط،

بأن التصرف رضا بالعقد فلا خيار، و كذا النبوي المتقدم، و مقتضي ذلك منهم ان التصرف فيما انتقل عنه انما يكون فسخا إذا كان مؤذنا بالفسخ و ليكون فسخا فعليا.

و أما ما لا يدل علي ارادة الفسخ، فلا وجه لانفساخ العقد به، و ان قلنا بحصول الاجازة به بناء علي حمل الصحيحة المتقدمة علي سقوط الخيار بالتصرف تعبدا شرعيا، من غير ان يكون فيه دلالة عرفية نوعية علي الرضا بلزوم العقد، (1) كما تقدم نقله عن بعض، الا ان يدعي الاجماع علي اتحاد ما يحصل به الاجازة و الفسخ، (2) فكلما يكون اجازة لو ورد علي ما في يده يكون

فسخا إذا ورد منه علي ما في يد صاحبه، و هذا الاتفاق و ان كان الظاهر تحققه الا ان اكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرف يدل علي اعتبار الدلالة علي الرضا في التصرف المسقط، فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة علي الفسخ في التصرف الفاسخ،

______________________________

الثاني: انه بناء علي كفاية الفعل هل يكتفي بخصوص ما قصد به الفسخ و كان مبرزا له عرفا- ام يكون التصرف فيما انتقل عنه فسخا تعبدا و لو لم يكن كاشفا عن قصد الفسخ- لا اشكال في الاختصاص بمقتضي القواعد و لكن قد ادعي ان مقتضي الدليل الخاص عدم الاختصاص و هو مؤلف من امرين.

(1) احدهما- انه في النص الخاص «1» حكم بان التصرف فيما انتقل إليه اجازة و ان لم يقصد به الامضاء.

(2) الثاني انه قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع علي ان ما يحصل به الاجازة ان وقع فيما انتقل إليه، يحصل به الفسخ ان وقع فيما انتقل عنه فان مقتضي هذين الامرين كون التصرف فيما انتقل عنه فسخا تعبدا

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 382

و يدل عليه كثير من كلماتهم في هذا المقام ايضا، قال في التذكرة اما العرض علي البيع و الاذن فيه و التوكيل و الرهن غير المقبوض بناء علي اشتراطه فيه و الهبة الغير المقبوضة، فالاقرب انها من البائع فسخ، و من المشتري اجازة، لدلالتها علي طلب المبيع و استيفائه، و هذا هو الاقوي و نحوهما في جامع المقاصد.

ثمّ انك قد عرفت الاشكال في كثير من امثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة كركوب الدابة في طريق الرد و نحوه مما لم يدل علي الالتزام اصلا، لكن الأمر هنا

أسهل بناء علي ان ذا الخيار إذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا الا من المالك، أو باذنه، دل ذلك بضميمة حمل فعل المسلم علي الصحيح شرعا، علي ارادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف.

قال في التذكرة: لو قبل الجارية بشهوة أو باشر فيما دون الفرج، أو لمس بشهوة، فالوجه عندنا انه يكون فسخا، لأن الإسلام يصون صاحبه عن القبيح، فلو لم يختر الامساك لكان مقدما علي المعصية، انتهي.

ثمّ نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم نظرا الي حدوث هذه الامور عمن تردد في الفسخ و الاجازة.

______________________________

و في كلا الامرين نظر اما الثاني فلان معقد الاجماع هو ما يحصل به الاجازة حقيقة و واقعا أو ظهورا لا مطلقا كي يشمل ما به يحصل الاجازة تعبدا و أما الاول فلان ما دل علي كون التصرف اجازة تعبدا مختص بخيار الحيوان و لا يتعدي منه الي غيره فالاظهر انه لا يتحقق الفسخ بما لا يكون كاشفا عن ارادته.

الثالث- انه لو لم يحرز انه بالتصرف فيما انتقل عنه هل قصد الفسخ ام لاهل يحكم بارادة الفسخ و انه ينفسخ ام لا لا كلام فيما إذا كان ظاهرا فيه للسيرة المستمرة من العقلاء علي اتباع الكاشف عن المراد الجدي قولا كان ام فعلا انما الاشكال فيما إذا لم يكن ظاهرا فيه.

و الكلام فيه في موضعين احدهما في التصرفات الخارجية غير الجائزة علي غير المالك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 383

و في جامع المقاصد عند قول المصنف (رحمه الله) و يحصل الفسخ بوطء البائع و بيعه و عتقه وهبته، قال لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام، حيث يوجد إليه سبيل،

و تنزيل فعله علي ما يجوز له فعله مع ثبوت طريق الجواز،

انتهي.

ثمّ ان اصالة حمل فعل المسلم علي الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا، كما صرح به جماعة كغيرها من الامارات الشرعية، فيدل علي الفسخ لا من الاصول التعبدية (1) حتي يقال انها لا تثبت ارادة المتصرف للفسخ، لما تقرر من ان الاصول التعبدية لا يثبت الا اللوازم الشرعية لمجاريها. و هنا كلام مذكور في الاصول، ثمّ ان مثل التصرف الذي يحرم شرعا الا علي المالك أو مأذونه التصرف الذي لا ينفذ شرعا الا من المالك أو مأذونه و ان لم يحرم، كالبيع و الاجارة و النكاح. فإن هذه العقود و ان حلت لغير المالك لعدم عدها تصرفا في ملك الغير، الا انها تدل علي ارادة الانفساخ بها بضميمة اصالة عدم الفضولية،

______________________________

الثاني في التصرفات الاعتبارية المتوقف نفوذها علي الملك اما الاول- فحيث، يحتمل كونه تصرفا عدوانيا و كونه تصرفا صحيحا لاحراز رضا صاحبه بالتصرف، و يحتمل كونه فسخا ففي الحكم بكونه فسخا لا بد من سد الاحتمالين الاولين اما احتمال كون التصرف عدوانيا، فيدفع باصالة حمل فعل المسلم علي الصحيح شرعا التي هي من الاصول العقلائية، و لكن لا يثبت بها ما يتوقف عليه الصحة كما صرح المصنف (رحمه الله) بذلك في رسالته و لذا قال لو شك في ان الشراء الصادر من الغير كان بما لا يملك كالخمر، أو بعين من اعيان ماله لا يحكم بخروج تلك العين من تركته و قد اشبعنا الكلام في ذلك في رسالة القواعد الثلاث المطبوعة و عليه، فغاية ما يثبت بها صحة التصرف و عدم الاثم عليه، و لا يثبت بها ما يتوقف الصحة عليه و هو ارادة الفسخ،

(1) قوله من الامارات الشرعية فيدل علي الفسخ لا من الاصول

التعبدية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 384

كما صرح بها جامع المقاصد عند قول المصنف، و الاجازة و التزويج في معني البيع، و المراد بهذا الاصل الظاهر، فلا وجه لمعارضته باصالة عدم الفسخ، مع انه لو اريد به اصالة عدم قصد العقد عن الغير، فهو حاكم علي اصالة عدم الفسخ، لكن الانصاف انه لو اريد به هذا لم يثبت به ارادة العاقد للفسخ، و كيف كان، فلا اشكال في اناطة الفسخ بذلك عندهم كالاجازة بدلالة التصرف عليه و يؤيده استشكالهم في بعض افراده من حيث دلالته بالالتزام علي الالتزام بالبيع أو فسخه و من حيث امكان صدوره عمن تردد في الفسخ، كما ذكره في الايضاح، و جامع المقاصد، و في وجه اشكال القواعد في كون العرض علي البيع و الاذن فيه فسخا، و مما ذكرنا يعلم انه لو وقع التصرف، فيما انتقل عنه نسيانا للبيع أو مسامحة في التصرف في ملك الغير،

أو اعتمادا علي شهادة الحال بالاذن، لم يحصل الفسخ بذلك.

______________________________

يرد عليه أو لا انه صرح في رسالته بانه لو سلم وجود ملاك الطريقية فيها مع انه ممنوع و لكن بما ان دليلها بناء العقلاء، و هو كما يمكن ان يكون من جهة الطريقية يمكن ان يكون لمصلحة اخري كحفظ نظام المعاشرة و نحوه،

فلا يثبت باصالة الصحة الا الآثار الشرعية المترتبة عليها، اما ما يتوقف عليه الصحة، أو ملازمها مطلقا، أو ما يلزمها فلا يثبت بها،

اضف الي ذلك ما حققناه في تلك المسألة و اثبتنا انها من الاصول التعبدية لا من الامارات، فلا يثبت بها الفسخ و أما احتمال كون التصرف صحيحا لاحراز رضا صاحبه، فلا اصل يحرز به عدمه،

و علي هذا فمع الشك لا أصل يحرز

به ارادة الفسخ و أما الثاني فاحتمال كونه فضوليا يدفع بالاصل، و المراد به ظهور الاطلاق و عدم التقييد بكونه للغير، و هذا الظهور متبع عند العقلاء، و لكن لا ساد لاحتمال كون التصرف عدوانيا كما تقدم فلا يحكم بالنفوذ،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 385

مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف، أو يحصل قبله متصلا به.
اشارة

و بعبارة اخري التصرف سبب، أو كاشف فيه، (1) وجهان. بل قولان، من ظهور كلماتهم في كون نفس التصرف فسخا، أو اجازة، و انه فسخ فعلي في مقابل القولي، و ظهور اتفاقهم علي ان الفسخ بل مطلق الانشاء لا يحصل بالنية، بل لا بد من حصوله بالقول أو الفعل، و مما عرفت من التذكرة و غيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح. و من المعلوم انه لا يصان عنه الا إذا وقع الفسخ قبله، و إلا لوقع الجزء الأول منه محرما و يمكن ان يحمل قولهم بكون التصرف فسخا علي كونه دالا عليه، و ان لم يتحقق به، و هذا المقدار يكفي في جعله مقابلا للقول، و يؤيده ما دل من الاخبار المتقدمة علي كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و سقوط الخيار، و ان اعتبر كونه مكشوفا عنه بالتصرف. و قد عرفت هناك التصريح بذلك من الدروس، و صرح به في التذكرة ايضا، حيث ذكر ان قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرف رضا بالعقد، فمقتضي المقابلة هو كون كراهة العقد باطنا و عدم الرضا به هو الموجب للفسخ إذا كشف عنه التصرف.

______________________________

الفعل كاشف

(1) مسالة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به و بعبارة اخري التصرف سبب أو كاشف فيه وجهان بل قولان لا يخفي ان الموجب لحمل التصرف علي الكاشف دون السبب،

مع ان الفسخ من الايقاعيات، و الظاهر تسالمهم علي احتياجها الي الانشاء، و ان ما ينشأ به العقد أو الايقاع سبب لا كاشف، انما هو احد المحاذير التي ذكروها في المقام.

الاول- ان الفعل ليس قابلا للانشاء ذكره المصنف (رحمه الله)

قال ان الفعل لا إنشاء فيه فالمنشأ يحصل بارادته المتصلة بالفعل، لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه و يرد عليه اولا النقض، بالمعاطاة المفيدة للملك التي هي بيع عنده، و انشأ بها البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 386

و يؤيده انهم ذكروا انه لا يحصل الاجازة بسكوت البائع ذي الخيار علي وطئ المشتري معللا، بأن السكوت لا يدل علي الرضا، فإن هذا الكلام ظاهر في ان العبرة بالرضا، و صرح في المبسوط بأنه لو علم رضاه بوطء المشتري سقط خياره،

فاقتصر في الاجازة علي مجرد الرضا. و أما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بالنية، فمرادهم بها نية الانفساخ اعني الكراهة الباطنية، لبقاء العقد، و البناء علي كونه منفسخا من دون ان يدل عليها بفعل مقارن به. و أما مع اقترانها بالفعل، فلا قائل بعدم تأثيرها فيما يكفي فيه الفعل، إذ كلما يكفي فيه الفعل من الانشاءات و لا يعتبر فيه خصوص القول فهو من هذا القبيل، (1) لأن الفعل لا إنشاء فيه، فالمنشئ يحصل بإرادته المتصلة بالفعل لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه.

نعم يلزم من ذلك ان لا يحصل الفسخ باللفظ اصلا، (2) لأن اللفظ ابدا مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال علي الفسخ. و قد ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة،

______________________________

اللهم الا ان يقال انه ملتزم فيها ايضا بذلك، كما يظهر من قوله.

(1) كلما يكفي فيه الفعل من الانشائيات و لا يعتبر فيه خصوص

القول فهو من هذا القبيل و ثانيا: انه لا فرق بين القول و الفعل- و المختار عندنا و ان كان حصول المنشأ قبل اظهاره بالقول أو الفعل، و هو مبرز له لا سبب كما حققناه في اول الجزء الاول من هذا الشرح- الا ان ذلك فيهما علي حد سواء، و أما من يري حصول المنشأ بالقول لا سبيل له الي منع حصوله بالفعل، فان الفعل احد الدوال لان قوام الدلالة بالكشفية النوعية عن المراد، و هذه لا تختص باللفظ، و لا فرق في ذلك بين الاخبار و الانشاء.

و ظني ان المصنف (رحمه الله) كان في ذهنه انه في باب الانشائيات مطلقا، يتحقق المنشأ باعتبار المنشي و ارادته و اللفظ أو الفعل كاشف عن ذلك، و مظهر له، لا انه آلة لإيجاده كما اخترناه و بينا انه لا يعقل ايجاد ذلك المعني باللفظ- و يعرب عن ذلك قوله- بعد منع حصول المنشأ بالفعل.

(2) نعم يلزم من ذلك ان لا يحصل الفسخ باللفظ اصلا لأن اللفظ ابدا مسبوق بالقصد و كيف كان فالفرق بين القول و الفعل مما لا وجه له اصلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 387

ان اللازم بناء علي القول بتضمن الوطء للفسخ عود الملك الي الواطئ مع الوطء أو قبيله، فيكون حلالا هذا أو كيف كان، فالمسألة ذات قولين ففي التحرير قوي جهة الواطئ الذي يحصل به الفسخ، و ان الفسخ يحصل بأول جزء منه، فيكشف عن عدم الفسخ قبله، و هو لازم كل من قال بعدم صحة عقد الواهب الذي يتحقق به الرجوع كما في الشرائع و عن المبسوط و المهذب و الجامع. و الحكم في باب الهبة و الخيار واحد، و توقف الشهيد

في الدروس في المقامين مع حكمه بصحة رهن ذي الخيار، و جزم الشهيد و المحقق الثانيان بالحل، نظرا الي حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن، ثمّ انه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل هذه الافعال فلا اشكال في وقوعها في ملك الفاسخ، فيترتب عليها آثارها فيصح بيعه و سائر العقود الواقعة منه علي العين لمصادفتها للملك و لو قلنا بحصوله بنفس الافعال، فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع،

و العتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرط لصحتها. و قد يقرر المنع بما في التذكرة عن بعض العامة من ان الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد، (1)

كما ان التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها عن الصلاة و لا

______________________________

و ان تم هذا الوجه أي حصول المنشأ قبل ابرازه بالفعل- أو قبل ابرازه مطلقا كما اخترناه، يرتفع جميع الاشكالات حتي في الوطء، لانه يقع بعد تحقق الملك فإذا نحن في فسحة من هذه الايرادات.

(1) الثاني ما نقله العلامة (رحمه الله) عن بعض العامة و هو ان الشي ء الواحد لا يعقل ان يكون فسخا و عقدا و هذا الوجه يختص بالوضعيات كالبيع و حاصله ان الفسخ و العقد متقابلان فلا يعقل ان يجتمعا في واحد و فيه: انهما متقابلان بالاضافة الي شي ء واحد، كملكية عين لزيد وحل تلك الملكية في زمان واحد، و أما العقد علي ملكيتها لزيد وحل ملكية عمرو، فهما ليسا متقابلين، و المقام من قبيل الثاني كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 388

يشرع بها في الصلاة، و بان البيع موقوف علي الملك الموقوف علي الفسخ المتأخر عن البيع، (1) و اجاب في التذكرة عن الاول بمنع عدم صحة حصول الفسخ و

العقد بشي ء واحد، بالنسبة الي شيئين. و اجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي و ان الدور معي، (2) و قال في الايضاح ان الفسخ يحصل بأول جزء من العقد، و زاد في باب الهبة قوله فيبقي المحل قابلا لمجموع العقد، انتهي.

و قد يستدل للصحة بأنه إذا وقع العقد علي مال الغير فملكه بمجرد العقد كاف كمن باع مال غيره، ثمّ ملكه. اقول: ان قلنا، بأن المستفاد من ادلة توقف البيع و العتق علي الملك، نحو قوله لا بيع إلا في ملك و لا عتق إلا في ملك هو اشتراط وقوع الانشاء في ملك المنشئ، فلا مناص عن القول بالبطلان، لأن صحة العقد حينئذ تتوقف علي تقدم تملك العاقد علي جميع اجزاء العقد لتقع فيه، فإذا فرض العقد أو جزء من اجزائه فسخا كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه، لأن المسبب انما يحصل بالجزء الاخير من سببه،

______________________________

(1) الثالث ان التصرفات المتوقفة علي الملك قسمان اعتباري و خارجي و صحة التصرف الاعتباري كالبيع متوقفة علي كون المبيع مملوكا له قبل البيع، و كونه مملوكا له يتوقف علي ان يكون قوله بعتك فسخا، و كونه فسخا متوقف علي كونه مبيعا- فالبيع يتوقف علي الملك، المتوقف علي الفسخ، المتوقف علي البيع، و هذا دور واضح- و جواز التصرف الخارجي كالوطئ يتوقف علي الملك، فبالوطء مثلا يتحقق الملك و الحلية المترتبة عليه في رتبة واحدة.

(2) قوله و اجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي و ان الدور معي الظاهر ان مراد الشهيد من الدور المعي: ان الفسخ المحقق، للملك، و البيع أي النقل العرفي، هما معا معلولان للعقد، و هما معا متلازمان، و لا يكون كل منهما علة للآخر:

و ان الملك شرط للبيع الحقيقي موجب للتقدم الرتبي، لا الزماني و لم يدل دليل علي استحالة كون شي ء واحد سببا، للشرط، و المشروط معا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 389

فكلما فرض جزء من العقد قابل للتجزئة سببا للتملك. كان الملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء، و إلا لزم تقدم وجود المسبب علي السبب و الجزء الذي لا يتجزأ موجود، (1) فلا يكون سببا مع أن غاية الامر حينئذ المقارنة بينه و بين التملك.

و قد عرفت ان الشرط بمقتضي الادلة سبب التملك علي جميع اجزاء العقد قضاء لحق الظرفية.

و أما دخول المسألة فيمن باع شيئا ثمّ ملكه، فهو بعد فرض القول بصحته يوجب اعتبار اجازة العاقد ثانيا بناء علي ما ذكرنا في مسألة الفضولي من توقف لزوم العقد المذكور علي الاجازة، الا ان يقال ان المتوقف علي الاجازة عقد الفضولي

و بيعه للمالك. و أما بيعه لنفسه نظير الغاصب، فلا يحتاج الي الاجازة بعد العقد، لكن هذا علي تقدير القول به و الاغماض عما تقدم في عقد الفضولي لا يجري في العتق الغير القابل للفضولي.

و ان قلنا ان المستفاد من تلك الادلة هو عدم وقوع البيع الغير المؤثر في نقل مال الغير بغير اذنه، (2) فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير، لا وقوع بعض اجزائه في ملك الغير و تمامه في ملك نفسه، لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه، فلا مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل الي البائع بأول جزء منه، و هذا لا يخلو عن قوة إذ لا دلالة في ادلة

______________________________

(1) قوله و الجزء الذي لا يتجزي غير موجود اورد عليه المحقق الايرواني (قدس سره) بان وجوده لا يدفع الاشكال: إذ الملك يتاخر

عن ذلك الجزء ان حصل الفسخ به فيلزم الاشكال و فيه: ان فرض الجزء الذي لا يتجزي فرض جزء، لا يمين له، و لا يسار، فلا يتصف بهما من حيث فرض التوسط فيه، و مثل هذا الجزء لا قبل له، و لا بعد، كي يقال ان الملك حصل بعده.

و المصنف (قدس سره) اجاب عن المحذور في التصرف الاعتباري بوجهين.

(2) احدهما ان المستفاد من دليل توقفه علي الملك ليس اعتبار وقوع الانشاء في ملك المنشئ حتي يحكم بالبطلان من جهة ان صحة العقد حينئذ تتوقف علي تقدم الملك علي جميع اجزاء العقد لتقع فيه قضاء لحق الظرفية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 390

اعتبار الملكية في المبيع الا علي اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا، و الحصر في قوله لا بيع الا في ملك اضافي بالنسبة الي البيع في ملك الغير، او في غير ملك كالمباحات الاصلية، فلا يعم المستثني منه البيع الواقع بعضه في ملك الغير و تمامه في ملك البائع، هذا، مع انه يقرب ان يقال ان المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد (1) لان العرف لا يفهمون من لفظ البيع الا هذا المعني المأخوذ في قولهم بعت. و حينئذ، فالفسخ الموجب للملك يحصل بأول جزء من العقد و النقل و التملك العرفي يحصل بتمامه، فيقع النقل في الملك، و كذا الكلام في العتق و غيره من التصرفات القولية عقدا كان أو ايقاعا.

و لعل هذا معني ما في الايضاح (2) من ان الفسخ يحصل بأول جزء، و بتمامه يحصل العتق. نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطئ و الأكل و نحو هما لا وجه لجواز الجزء الاول منها، فإن ظاهر قوله تعالي:

(إِلّٰا عَليٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ) اعتبار وقوع الوطء فيما اتصف بكونها مملوكة، فالوطي المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا،

______________________________

بل المستفاد منه عدم وقوع البيع مثلا في ملك الغير فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير لا وقوع بعض اجزائه في ملك الغير و تمامه في ملك نفسه و بالجملة لا دلالة في ادلة اعتبار الملكية في المبيع، الاعلي اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا، فلا تعم تلك الادلة البيع الواقع بعضه في ملك الغير.

(1) ثانيهما ان المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد و حينئذ فالفسخ يحصل باول جزء من العقد و النقل يحصل بتمامه فيقع في الملك و أما في التصرف الخارجي، كالوطئ، فالتزم بحرمة الجزء الاول منه، ان دل الدليل علي عدم حصول الفسخ قبيل التصرف.

(2) قوله و لعل هذا معني ما في الايضاح المشار إليه اصل التوجيه لا خصوص الوجه الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 391

و توهم ان الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به (1) قولا كان أو فعلا، فإن معني جواز الفسخ لأجل الخيار، الجواز الوضعي اعني الصحة لا التكليفي،

فلا ينافي تحريم ما يحصل به الفسخ، كما لا يخفي.

مع انه لو فرض دلالة دليل الفسخ علي اباحة ما يحصل به تعين حمل ذلك علي حصول الفسخ قبيل التصرف جمعا بينه و بين ما دل علي عدم جواز ذلك التصرف الا إذا وقع في الملك.

و بالجملة فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان في المسألة، لا يخلو عن قوة، و به ترتفع الاشكال عن جواز التصرفات تكليفا و وضعا، و هذا هو الظاهر من الشيخ في المبسوط، حيث جوز للمتصارفين تبايع النقدين. ثانيا

في مجلس الصرف و قال ان شروعهما في البيع قطع لخيار المجلس، مع ان الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار المتحقق هنا بالبيع المتوقف علي الملك، لكنه في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به الرجوع فيها معللا بعدم وقوعه في الملك.

______________________________

(1) قوله و توهم ان الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به حاصل التوهم: ان ما دل علي سلطنة ذي الخيار علي الفسخ، مقتضاه جوازه،

و عدم حرمته: لان ظاهر ما تضمن ان لك الفسخ، انه لا مانع منه تكليفا و مقتضي اطلاقه جواز كل تصرف حتي المتوقف علي الملك كالوطئ.

و في كلامه (قدس سره) مواقع للنظر الاول ما افاده من انه لو كان المستفاد من الادلة، اشتراط وقوع الانشاء في ملك المنشئ، كان المتعين البناء علي البطلان: لان صحته حينئذ تتوقف علي تقدم الملك قضاء لحق الظرفية فانه يرد عليه، ان الظرفية تقتضي المقارنة، و ينافيها التقدم إذ الظرفية و المظروفية متضايفتان، و هما متكافئتان في القوة و الفعلية، و عليه فمقتضي الظرفية تقارن الملكية و الانشاء زمانا الثاني ما افاده من ان المراد بالبيع هو النقل العرفي، و هو يحصل بتمام السبب، و الفسخ يتحقق باول جزء منه فيكون الملك سابقا عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 392

فرع لو اشتري عبدا بجارية مع الخيار له (1) فقال: اعتقهما فربما يقال بانعتاق الجارية دون العبد، لأن الفسخ مقدم علي الاجازة. و فيه انه لا دليل علي التقديم في مثل المقام مما وقع الاجازة و الفسخ في طرف واحد دفعة، سواء اتحد المجيز و الفاسخ،

كما المقام أو تعدد، كما لو وقعا من وكيلي ذي الخيار دفعة واحدة

______________________________

فانه يرد عليه: ان الفسخ ايضا يحصل

بتمامه إذ ليس كل قول أو فعل فسخا بل ما يكون دالا عليه و هو العقد بتمامه الثالث: ما افاده من انه مع عدم الالتزام بحصول الفسخ قبيل التصرف لا بد من البناء علي عدم جواز الجزء الاول فانه يرد عليه ان المستفاد من الادلة عدم جواز التصرف المزبور في ملك الغير و حيث ان هذا التصرف ينشأ به الفسخ فيصير ملكا له مقارنا له و لا دليل علي حرمة التصرف مع عدم سبق الملك- و بالجملة و هذه التصرفات جائزة مع الملك و المفروض هو ذلك فالحق في المقام ان يقال انه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل التصرف كما اخترناه فلا اشكال و الا- ففي التصرف الاعتباري بما ان المستفاد من الادلة هو اعتبار كون النقل الحاصل من العقد في ملكه- و المفروض حصول الفسخ بالعقد فيتحقق الفسخ و البيع في زمان واحد مع تقدم الفسخ آنا ما و لا إشكال و في التصرف الخارجي يكون التصرف مقارنا مع الملك و لا يعتبر في الجواز ازيد من ذلك و الله العالم.

لو اشتري عبدا بجارية

(1) قوله لو اشتري عبدا بجارية مع الخيار له محل البحث موارد الأول: ما إذا كان الخيار للمشتري.

الثاني: ما إذا كان الخيار للبائع.

الثالث: ما إذا كان الخيار لهما.

اما المورد الاول فتارة لا يقصد به الاجازة و لا الفسخ، و اخري يقصد هما معا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 393

انما المسلم تقديم الفسخ الصادر من احد الطرفين علي الاجازة الصادرة من الطرف الآخر، لأن لزوم العقد من احد الطرفين بمقتضي اجازته لا ينافي انفساخه بفسخ الطرف الآخر، كما لو كان العقد جائزا من احدهما فيفسخ مع لزوم العقد من الطرف الآخر بخلاف اللزوم و الانفساخ

من طرف واحد و نحوه في الضعف، القول بعتق العبد، لأن الإجازة إبقاء للعقد و الأصل فيه الاستمرار.

و فيه ان عتق العبد موقوف علي عدم عتق الجارية كالعكس. (1) نعم الاصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق اصلا، و هو الاقوي، كما اختاره جماعة منهم العلامة في التذكرة و القواعد و المحقق الثاني في جامع المقاصد، لأن عتقهما معا لا ينفذ، لأن العتق لا يكون فضوليا، و المعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل، لأن ملك احدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك. و لو كان الخيار في الفرض المذكور لبائع العبد بني عتق العبد علي جواز التصرف من غير ذي الخيار في مدة الخيار

______________________________

و ثالثة: يقصد الفسخ، و رابعة: يقصد الاجازة.

اما في الصورة الاولي فيتحقق عتق العبد خاصة، لورود الانشاء علي ماله و مال غيره فيؤثر في الاول.

و أما في الصورة الثانية، فان كان متوجها الي تنافيهما لا يتحقق القصد اليهما و ان لم يكن ملتفتا الي ذلك- فحيث ان الاجازة و هي ابرام العقد و الفسخ و هو حله و رفعه متنافيان، فلا يمكن تحققهما معا، و تحقق احدهما دون الآخر بلا مرجح، و مسألة تقديم الفسخ علي الاجازة، غير مربوطة بالمقام كما في المتن فلا يقع شي ء منهما و أما العتقان فلا يقعان معابل، يقع عتق العبد خاصة لحصول شرطه و هو الملك، و لا يقع عتق الجارية لعدم الملك و ما افاده- المصنف (رحمه الله)

(1) من ان عتق العبد موقوف علي عدم عتق الجارية كالعكس و توضيحه: ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) من ان عتق الجارية كما يتوقف علي الفسخ كذلك عتق العبد يتوقف علي الاجازة فانه و ان

كان مملوكا له فعلا الا ان نفوذ عتقه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 394

و عتق الجارية علي جواز عتق الفضولي. و الثاني غير صحيح اتفاقا، و سيأتي الكلام في الأول و ان كان الخيار لهما.

ففي القواعد و الايضاح و جامع المقاصد صحة عتق الجارية و يكون فسخا،

لأن عتق العبد من حيث انه ابطال لخيار بائعه غير صحيح بدون اجازة البائع و معها يكون اجازة منه لبيعه و الفسخ مقدم علي الاجازة، و الفرق بين هذا و صورة اختصاص المشتري بالخيار، ان عتق كل من المملوكين كان من المشتري صحيحا لازما، بخلاف ما نحن فيه. نعم لو قلنا هنا بصحة عتق المشتري في زمان خيار البائع، كان الحكم، كما في تلك الصورة.

______________________________

يتوقف علي امضاء العقد، و امضائه يتوقف علي عدم كون عتق الجارية فسخا كما في العكس يرد عليه: ان عتق العبد لا يتوقف علي امضاء العقد إذ لا يشترط فيه سوي الملك الموجود، و انما يتوقف عتق الجارية علي الفسخ من، جهة كون الفسخ سببا للملك الذي هو شرط العتق فلا يكون التوقف من الطرفين.

و أما في الصورة الثالثة: فقد افاد السيد الفقيه ان الاقوي، صحة كليهما، و حصول الفسخ فينتقل الي بدل العبد، و ذلك لان المقتضي للصحة موجود في كليهما، و لا منافاة، اما في الجارية فلان الفرض ان له الفسخ و اعتقها بهذا العنوان، و أما في العبد فلان صحة عتقه لا تتوقف علي قصد الاجازة إذ هو مملوك له فعلا و هذا كاف في صحته،

و لا بأس به.

و أما في الصورة الرابعة، فالاظهر صحة عتق العبد فقط إذ صحة عتق الجارية متوقفة علي قصد الفسخ و المفروض عدمه فلامنا في لعتق العبد.

و

أما المورد الثاني: فان قلنا بعدم جواز تصرف غير ذي الخيار في مدة الخيار تصرفا يمنع عن استرداد العين فسد عتق العبد- و الا صح و أما عتق الجارية فهو لا يصح علي أي حال لفقد شرطه و هو الملك و بطلان الفضولي في الايقاع.

و أما المورد الثالث فبناء علي نفوذ تصرف من عليه الخيار كان حكم هذا المورد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 395

مسالة من احكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين (1)
اشارة

عند الفسخ علي قول الشيخ، و المحكي عن ابن سعيد في جامع الشرائع. و ظاهر جماعة من الاصحاب منهم، العلامة في القواعد، و المحقق و الشهيد الثانيان قدس سرهم بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع في الهبة الي الورثة، ان حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الاكثر. و عن جماعة في مسألة وجوب الزكاة علي المشتري للنصاب بخيار للبائع ان المشتري ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع. بل ظاهر المحكي عن الجامع، كعبارة الدروس عدم الخلاف في ذلك حيث قال في الجامع و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار، و قيل بالعقد، و لا ينفذ تصرف المشتري فيه حتي ينقضي خيار البائع و سيجي ء عبارة الدروس، هذا.

و لكن خلاف الشيخ و ابن سعيد مبني علي عدم قولهما بتملك المبيع قبل انقضاء الخيار، فلا يعد مثلهما مخالفا في المسألة، و الموجود في ظاهر كلام المحقق في الشرائع جواز الرهن في زمن الخيار، سواء كان الخيار للبائع أو المشتري اولهما. بل ظاهره عدم الخلاف في ذلك بين كل من قال بانتقال الملك بالعقد. و كذا ظاهره في باب الزكاة

______________________________

حكم المورد الاول،

و ان بنينا علي عدم النفوذ، فلا يصح عتق العبد بدون اذن البائع و مع

الاذن الذي حقيقته امضاء العقد من ناحية البائع يصح العتق، و يكون حكمه حكم الصورة الثالثة من المورد الاول، و يصح عتق الجارية علي التقديرين و الفسخ هذا إذا قصد به الفسخ،

و الا بطل عتق الجارية ايضا و الله العالم

حكم تصرفات غير ذي الخيار جواز أو منعا

(1) قوله من احكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع عن استرداد العين كلمات القوم في المقام مضطربة لا يستفاد منها فتوي مسلمة عندهم لاحظ المتن حيث انه نقل كلمات جماعة منهم فالاولي البحث فيما يستفاد من الادلة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 396

حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك و لو مع ثبوت الخيار نعم استشكل فيه في المسالك في شرح المقامين علي وجه يظهر منه أن المصنف معترف بمنشإ الأشكال.

و كذا ظاهر كلام القواعد في باب الرهن، و ان اعترض عليه جامع المقاصد بما مر من المسالك، لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرف.

و كذا صريح كلام الشهيد في الدروس، حيث قال في باب الصرف: لو باع أحدهما ما قبضه علي غير صاحبه قبل التفرق، فالوجه الجواز وفاقا للفاضل، و منعه الشيخ قدس سره لأنه يمنع الآخر من خياره، ورد بأنا نقول ببقاء الخيار، انتهي.

و صرح في المختلف في باب الصرف بأن له ان يبيع ماله من غير صاحبه،

و لا يبطل حق خيار الآخر، كما لو باع المشتري في زمان خيار البائع، و هو ظاهر اللمعة، بل صريحها في مسألة رهن ما فيه الخيار، و ان شرحها في الروضة بما لا يخلو عن تكلف هذا.

و يمكن ان يقال ان قول الشيخ و من تبعه بالمنع ليس منشؤه القول بعدم انتقال المبيع و

متفرعا عليه، و إلا لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم ابطال حق الخيار، بل المتعين حينئذ الاستناد الي عدم حصول الملك مع وجود الخيار، بل لعل القول بعدم الانتقال منشؤه كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم، كما يظهر من بيان مبني هذا الخلاف في الدروس، قال في تملك المبيع بالعقد، أو بعد الخيار، بمعني الكشف أو النقل خلاف، مأخذه ان الناقل العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه و ان غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار، انتهي.

و ظاهر هذا الكلام كالمتقدم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرف في زمن الخيار مسلما بين القولين، الا ان يراد به نفوذ التصرف علي وجه لا يملك بطلانه بالفسخ و لا يتعقبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ و التصرف في زمن الخيار علي القول بجوازه معرض لبطلانه عند الفسخ أو مستعقب للضمان لا محالة. و هذا الاحتمال و ان بعد عن ظاهر عبارة الدروس، الا انه يقربه انه (قدس سره) قال بعد اسطر: ان في جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين.

و الحاصل ان كلمات العلامة و الشهيد بل و غيرهما (قدس سرهم) في هذا المقام لا يخلو بحسب الظاهر عن اضطراب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 397

ثمّ ان الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره من التصرفات، و ربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه علي التغليب. و كذا الظاهر عدم الفرق بين الاتلاف و التصرفات الناقلة.

و اختار بعض افاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الاتلاف و تجويز غيره،

لكن مع انفساخه من اصله عند فسخ ذي الخيار، و قيل بانفساخه من حينه.

______________________________

و الاقوال المستفادة منها ثمانية.

(1) الجواز مطلقا.

(2) عدم الجواز

ذلك.

(3) جواز الاتلاف تكليفا و المنع عن التصرف المعاملي نسب الي المحقق الخراساني.

(4) عكس ذلك و هو المنسوب الي صاحب المقابيس.

(5) الجواز مطلقا- الا انه لو فسخ يبطل اما من حين الفسخ أو من اصله.

(6) الفرق في التصرفات الناقلة بين العتق و غيره فلا ينفذ العتق و ينفذ غيره.

(7) الفرق بين الخيار الاصلي و ما يكون بجعل المتعاقدين.

(8) الفرق بين ما يكون ثابتا بالفعل و ما يكون ثابتا فيما بعد و تنقيح القول بالبحث في موارد احدها انه، هل يجوز تكليفا تصرف غير من له الخيار بالتصرف المانع عن استرداد العين، ام لا ثانيها، هل ينفذ تصرفه المعاملي، ام لا ثالثها، هل حكم الخيار المجعول للمتعاقدين حكم المجعول الشرعي، ام لا رابعها، انه علي فرض النفوذ، هل يجبر علي فسخه ان كان له ذلك، ام لا خامسها، علي فرض النفوذ، هل لذي الخيار الفسخ أو ينفسخ بفسخه للبيع الاول،

ام لا سادسها، انه علي المنع، هل يجوز التصرف قبل تنجز الخيار، ام لا سابعها، بناء اعلي عدم الجواز، هل يجوز التصرف الذي يكون في معرض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 398

حجة القول بالمنع، ان الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث ارجاعهما بحل العقد الي ملكهما السابق، فالحق بالآخرة متعلق بالعين التي انتقلت منه الي صاحبه فلا يجوز ان يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق باتلافها أو نقلها الي شخص آخر (1)

______________________________

التفويت كالوطئ الذي هو في معرض الاستيلاد ام لا ثامنها، بناء علي المنع هل يمنع عن نقل المنافع ايضا ام لا.

يجوز تصرف غير ذي الخيار تكليفا

اما الاول: فقد استدل لعدم الجواز بوجوه احدها توقف حصول الملك علي انقضاء زمان الخيار فهو في زمان الخيار لمن له الخيار فلا يجوز

لغيره التصرف فيه و فيه ما سيجي ء من عدم توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار.

الثاني: ان الخيار حق متعلق بالعين، فلا يجوز التصرف فيها بما يمنع عن استرداد العين لكونه موجبا لفوات الحق، و بعبارة اخري يكون ذلك موجبا لانعدامه فلا يجوز و فيه اولا ما تقدم من كون حق الخيار متعلقا بالعقد لا العين، لا بها مستقلا و لا بها و بالعقد بحيث يكون الثابت حقين، كيف و قد اسند الوجوب و الخيار في الاخبار الي البيع و العقد لا العوضين،

مضافا الي ان حقيقة الفسخ ذلك كما تقدم، مع انهم اتفقوا علي ان لذي الخيار حق الفسخ حتي مع تلف العين، فيستكشف من ذلك كونه سنخ حق لا يفوت بالتلف فالاتلاف لا يكون معدما لموضوع الحق و الالتزام بحقين كما تري بلا ملزم و لا وجه و ثانيا: ان لازم هذا الوجه هو القول الخامس و هو الجواز مراعي بعدم الفسخ: إذ هذا لا ينافي مع الخيار المتعلق بالعين.

(1) الثالث- ما نقله في المتن و اوضحه المحقق النائيني (قدس سره) و هو ان حق الخيار و ان لم يكن متعلقا بالعين و لكن يمكن ان يكون متعلقا بالعقد علي نحو الموضوعية، و يمكن ان يكون طريقا، و الغرض منه استرجاع العين بشخصها أو بما لها من المالية فلو كان موضوعيا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 399

و منه يظهر ان جواز الفسخ مع التلف بالرجوع الي البدل لا يوجب جواز الاتلاف، لأن الحق متعلق بخصوص العين، فاتلافها اتلاف لهذا الحق، و ان انتقل الي بدله لو تلف بنفسه، كما ان تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز اتلافها علي ذي الحق.

و إلي

ما ذكر يرجع ما في الايضاح من توجيه بطلان العتق في زمن الخيار بوجوب صيانة حق البائع في العين المعينة عن الابطال.

و يؤيد ما ذكرنا انهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم بأن التصرف الناقل إذا وقع باذن ذي الخيار سقط خياره، فلو لم يكن حقا متعلقا بالعين، لم يكن ذلك موجبا لسقوط الخيار، فان تلف العين لا ينافي بقاء الخيار لعدم منافاة التصرف «التلف» لعدم الالتزام بالعقد و ارادة الفسخ باخذ القيمة هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه المنع، لكنه لا يخلو عن نظر، فإن الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين، هي سلطنة ذي الخيار علي فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين و فقدها، فلا دلالة في مجرد ثبوت الخيار

______________________________

صرفا يجوز تصرف من عليه الخيار بجميع انحاء التصرفات الا ان هذا باطل- فانحصر في الوجهين علي الطريقية و مبني الوجهين انه لو كان المدار في باب الضمان علي قيمة يوم الاداء لبقاء العين التالفة في عهدة الضامن فلازمه وجوب حفظها ليتمكن المضمون له عن استرجاع العين فلا يجوز التصرفات الناقلة و المتلفة و ان قلنا بان المدار علي قيمة يوم التلف فلازمه ان يكون ماليتها المتقدرة في عهدة الضامن، فتجوز تلك التصرفات لان ما في الذمة هو القدر المشترك بين العين و بدلها و يكون حفظ العين من المقدمات الوجوبية للواجب، و حيث اخترنا ان المدار علي قيمة يوم الاداء فلا يجوز التصرفات المانعة.

و فيه اولا: انا لا نفهم معني كون الخيار متعلقا بالعقد، علي نحو الطريقية، فهل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 400

علي حكم التلف «التصرف» جوازا و منعا، فالمرجع فيه ادلة سلطنة الناس علي

اموالهم، أ لا تري ان حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين، و مجرد الفرق بينهما بأن الشفعة سلطنة علي نقل جديد، فالملك مستقر قبل الاخذ بها، غاية الامر تملك الشفيع نقله الي نفسه بخلاف الخيار، فإنها سلطنة علي رفع العقد، و ارجاع الملك الي الحالة السابقة لا يؤثر في الحكم المذكور، مع ان الملك في الشفعة اولي بالتزلزل لابطالها تصرفات المشتري اتفاقا و أما حق الرهن فهو من حيث كون الرهن وثيقة يدل علي وجوب ابقائه و عدم السلطنة علي اتلافه مضافا الي النص و الاجماع علي حرمة التصرف في الرهن مطلقا و لو لم يكن متلفا و لا ناقلا.

و أما سقوط الخيار بالتصرف الذي اذن فيه ذو الخيار، فلدلالة العرف لا للمنافاة. و الحاصل ان عموم الناس مسلطون علي اموالهم لم يعلم تقييده بحق يحدث لذي الخيار

______________________________

المراد ان تعلقه بالعقد بنحو الواسطة في العروض، بحيث يكون واقعا متعلقا بالعين و بالعرض و المجاز مستندا الي العقد، فهذا يرجع الي الوجه السابق الذي عرفت ما فيه،

أو المراد ان تعلقه به بنحو الواسطة في الثبوت، بحيث يكون اولا متعلقا بالعقد، و ثانيا بالعين فيكون هناك خياران، احدهما متعلق بالعقد، و الآخر بالمال، فهذا امر معقول الا انه يحتاج الي الدليل، و ما بأيدينا من الادلة، لا تدل علي ازيد من ثبوت خيار واحد متعلق بالعقد،

و الوجهان في باب الضمان غير مربوطين بالمقام، إذ الخيار لو كان متعلقا بالعقد جاز التصرفات حتي بناء اعلي كون المدار في الضمان علي قيمة يوم الاداء، لانه تصرف في ماله و المفروض عدم كونه متعلقا لحق الغير،

و دعوي: ان حفظ المال علي هذا المسلك من المقدمات الوجودية للواجب،

غريبة إذ

قبل الفسخ لا يكون التكليف بالضمان ثابتا كي يكون من المقدمات الوجودية، فلا محالة يكون من المقدمات الوجوبية، و لو كان الخيار متعلقا بالعين لم يجز،

و لو كان المدار في باب الضمان علي قيمة يوم التلف لكونه منافيا لحق الغير فلا يجوز و ثانيا يرد عليه ما اوردناه علي الوجه السابق من ان لازم هذا الوجه هو القول الخامس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 401

يزاحم به سلطنة المالك، فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الاصلية.

و أما الخيارات المجعولة بالشرط، فالظاهر من اشتراطها ارادة ابقاء الملك ليسترده عند الفسخ. بل الحكمة في اصل الخيار هو ابقاء السلطنة علي استرداد العين الا انها في الخيار المجعولة علة للجعل، و لا ينافي ذلك بقاء الخيار مع التلف، (1) كما لا يخفي، و عليه فيتعين الانتقال الي البدل عند الفسخ مع الاتلاف. و أما مع فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد، ففي تقديم حق الخيار لسبقه، أو الاستيلاد (2) لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين، مع وجود المانع الشرعي، كالعقلي،

وجهان أقواهما الثاني و هو اللائح من كلام التذكرة في باب الصرف حيث ذكر ان صحة البيع الثاني لا ينافي حكمه و ثبوت الخيار للمتعاقدين و منه يعلم حكم نقله عن ملكه و انه ينتقل الي البدل لانه إذا جاز التصرف فلا داعي الي اهمال ما يقتضيه التصرف، من اللزوم و تسلط العاقد الثاني علي ماله عدا ما يتخيل من ان تملك العاقد الثاني مبني علي العقد الاول، فإذا ارتفع بالفسخ و صار كان لم يكن و لو بالنسبة الي ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بني عليه من التصرفات و العقود.

______________________________

(1) قوله و لا ينافي

ذلك بقاء الخيار مع التلف وجه المنافاة ان هناك خيارا و شرطا، و لو تلف ينتفي موضوع الشرط و يبقي الخيار بحاله.

(2) قوله ففي تقديم حق الخيار لسبقه أو الاستيلاد … وجهان ان قلنا بان حق الاستيلاد انما يمنع عن نقلها اختيار أو لا يمنع عن نقلها بغير الاختيار، لا إشكال في تقدم حق الخيار،

و ان قلنا بكونه مانعا عن نقلها مطلقا، فبناء اعلي تعلق حق الخيار بالعقد دون العين و جواز الوطء، لا إشكال في تقديم حق الاستيلاد فان حاله حال ساير التصرفات الناقلة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 402

______________________________

و ان قلنا بتعلقه بالعين، فان كان الوطء باذن من له الخيار كان ذلك مسقطا لخياره علي ما سيأتي و ان كان بدون اذنه حرم الوطء ام جاز، قدم حق الاستيلاد لان حق الخيار له بدل، و هو الفسخ واخذ البدل و هو لا بدل له،

و ان شئت قلت ان حق الخيار و ان تعلق بالعين، الا ان ذلك مع بقائها، و أما مع تلفها فينتقل الي بدلها و دليل حق الاستيلاد يجعل المانعية فلا تعارض بينهما بل يعمل بكليهما.

الرابع ما استدل به علي مذهب الشيخ من عدم انتقال العوضين قبل انقضاء زمان الخيار خصوصا صحيح ابن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الي يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة و يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك فقال (عليه السلام) علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري، «1» بدعوي ان مقتضاء و ان كان عدم الملكية، الا انا اذا لم نقل بذلك، فاقرب المجازات الحمل علي ارادة عدم جواز التصرف في زمان

الخيار و فيه اولا انه مختص ببعض الخيارات و ثانيا: انه لو دل علي ذلك لدل علي جواز التصرف غير المنافي ايضا، و عدم جواز تصرف من له الخيار، فالمتعين حمله علي ارادة معني آخر و سيجي ء فالمتحصل مما ذكرناه هو جواز التصرفات من غير فرق بين صورة الفسخ و عدمه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 403

و الحاصل ان العاقد الثاني يتلقي الملك من المشتري الاول، فإذا فرض الاشتراء كان لم يكن، و ملك البائع الاول العين بالملك السابق قبل البيع، ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد الثاني، و يمكن دفعه بأن تملك العاقد الثاني مستند الي تملك المشتري له آنا ما، لان مقتضي سلطنته في ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه من التصرفات و اقتضاء الفسخ، لكون العقد كأن لم يكن، بالنسبة الي ما يعد الفسخ، لانه رفع للعقد الثابت. و قد ذهب المشهور الي انه لو تلف احد العوضين قبل قبضه، و قد بيع العوض الآخر المقبوض، انفسخ البيع الاول دون الثاني، و استحق بدل العوض المبيع ثانيا علي من باعه. و الفرق بين تزلزل العقد من حيث انه امر اختياري كالخيار، أو امر اضطراري كتلف عوضه قبل قبضه، غير مجد فيما نحن بصدده، ثمّ انه لا فرق بين كون العقد الثاني لازما أو جائزا، لان جواز العقد يوجب سلطنة العاقد علي فسخه لا سلطنة الثالث الاجنبي. نعم يبقي هنا الزام العاقد بالفسخ، بناء علي ان البدل للحيلولة و هي مع تعذر المبدل و مع التمكن يجب تحصيله

______________________________

يجوز تصرف من عليه الخيار وضعا

و أما المورد الثاني فعلي القول بعدم جواز التصرف تكليفا ربما يقال كما في حاشية السيد:

ان مقتضي القاعدة بطلان التصرفات الناقلة: لان الوجه فيه انما كان تعلق الحق بالعين، و هو مانع عن النفوذ ايضا، و هل يكون باطلا صرفا،

او حاله حال عقد الفضولي، فيصح بعد انقضاء زمان الخيار مع الاجازة، أو يصح من ذلك الحين بلا اجازة وجوه و الاقوي هو الاول: لان البيع حين صدوره كان مع المانع، و لازمه بطلانه إذ مقتضاه التأثير من حينه، و لا يمكن ذلك بالفرض،

و كونه مراعي مستلزم لتخلف المعلول عن علته، و الفرق بينه و بين بيع الفضولي واضح يرد عليه اولا: ان تعلق الحق لا يكون مانعا عن النفوذ، فانه يلتزم بنفوذ العقد الثاني، و لكن بما ان للبائع الاول حق ارجاع المبيع الي نفسه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 404

الا ان يقال باختصاص ذلك بما إذا كان المبدل المتعذر باقيا علي ملك مستحق البدل كما في المغضوب الآبق.

اما فيما نحن فيه، فان العين ملك للعاقد الثاني، و الفسخ انما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل في ملكه العوض و هو العاقد الاول، فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد الثاني، فيستقر بدله علي العاقد الاول، و لا دليل علي الزامه بتحصل المبدل مع دخوله في ملك ثالث، و قد مر بعض الكلام في ذلك في خيار الغبن،

هذا، و لكن قد تقدم ان ظاهر عبارة الدروس و الجامع، الاتفاق علي عدم نفوذ التصرفات الواقعة في زمان

______________________________

فالمبيع في البيع الثاني يكون مقيدا بهذا العنوان، و لازم ذلك كون العقد الثاني ايضا منحلا بحل الاول: لاقتضاء الفسخ الذي يكون سببا لتلقي الملك من المفسوخ عليه ذلك و ثانيا: انه لو سلم البطلان، فالحق انه يصح بعد انقضاء الخيار بلا احتياج الي الاجازة: فان

العقد حين تحققه، و ان لم يؤثر الا ان عدم التأثير كان لاجل المانع، فبعد ارتفاعه لا مانع من تأثيره، و لا يلزم من كونه مراعي تخلف المعلول عن العلة، هذا إذا قلنا بعدم جواز التصرف من جهة تعلق الحق بالعين و أما لو قلنا به للتعبد فعدم الفساد واضح إذ الحرمة لا تستلزم الفساد- و أما علي القول بجواز التصرفات تكليفا كما اخترناه فمقتضي القاعدة نفوذ التصرفات و هو واضح.

و أما المورد الثالث- فالانصاف ان شرط الخيار بحسب الغالب انما يكون من جهة تعلق الغرض بابقاء العين ليستردها بشخصها، فابقاء العين من قبيل الشرط المضمر فلا بد من العمل علي طبقه، و حيث ان العمل بالشرط واجب تكليفا كما مر، و لا فرق فيه بين الشرط الصريح و المضمر، فلا يجوز التصرفات الناقلة و المتلفة تكليفا لمن عليه الخيار لكونها خلاف الشرط، و أما النفوذ و عدمه، فمبنيان علي ما تقدم في مبحث الشروط من انه،

هل توجب ادلة الشرط رفع سلطنة المشروط عليه عن المشروط وضعا، ام لا- و حيث ان المختار عدمه كما تقدم، فالاظهر هو النفوذ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 405

الخيار، و توجيه بارادة التصرف علي وجه لا يستعقب الضمان، بان يضمنه ببدله بعد فسخ ذي الخيار بعيد جدا، و لم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه الرجوع الي البدل الا في مسألة العتق و الاستيلاد، فالمسألة في غاية الاشكال.

______________________________

و أما المورد الرابع فقد اختار السيد الفقيه (قدس سره)، انه يجبر علي الفسخ- من جهة انه بالفسخ يرجع نفس ما وقع عليه العقد الي الفاسخ، و ان كان تالفا ففي حال التلف انما يكون نفس العين في العهدة و انما يعطي

البدل في مقام تفريغ الذمة، و عليه فإذا فرض امكان تحصيله مع تلفه وجب مقدما علي اعطاء بدله و فيه: ان معني جواز العقد الثاني ان للعاقد فسخه، و الا فهو بالنسبة الي الفاسخ لازم لا جائز، و لا سلطنة له و لا ولاية علي المشتري المفسوخ عليه حتي يلزمه بفسخ العقد الثاني و انما له السلطنة علي العقد الاول بحله، فإذا حله بما ان العين تحت يد غير المفسوخ عليه،

فيقدر وجودها عنده لترتيب اثر الرجوع الي البدل، و أما تقديره لأثر آخر و هو ما افاده فيحتاج الي دليل مفقود فالاظهر عدم الاجبار.

العقد الثاني لا ينفسخ بحل الاول

و أما المورد الخامس فقد استدل لانفساخ العقد الثاني بحل الاول:

بان تملك العاقد الثاني مبني علي العقد الاول، فإذا ارتفع بالفسخ و صار كان لم يكن،

و لو بالنسبة الي ما بعد الفسخ كان من لوازمه ارتفاع ما بني عليه من العقد و فيه: ان العقد الثاني مترتب علي صحة الاول و لو آنا ما، و لا يتوقف علي بقائه ابدا:

فان صحته في وقت موجبة لحدوث الملكية المرسلة، فيصح العقد الثاني و بعد انحلال الاول، لا وجه لانحلال الثاني، لعدم ترتب انحلاله علي انحلاله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 406

ثمّ علي القول بانفساخ العقد الثاني، فهي يكون من حين فسخ الأول، أو من اصله (1) قولان، اختار ثانيهما بعض افاضل المعاصرين، محتجا بأن مقتضي الفسخ تلقي كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين (2) فلا يجوز ان يتلقي الفاسخ الملك من العاقد الثاني بل لا بد من انفساخ العقد الثاني بفسخ الاول، و رجوع العين الي ملك المالك الاول، ليخرج منه الي ملك الفاسخ، إلا أن يلتزم بان ملك العاقد الثاني الي

وقت الفسخ، فتلقي الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الاول، و رده بعدم معروفية التملك الموقت في الشرع فافهم.

______________________________

(1) و علي القول بانفساخ العقد الثاني فهل يكون من حين فسخ الاول أو من اصله قولان اختار ثانيهما المحقق صاحب المقابيس علي ما نسب إليه المصنف (قدس سره)

(2) و استدل له بان مقتضي الفسخ تلقي كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين و لازم ذلك انفساخ العقد الثاني و رجوع العين الي ملك المالك الاول لتخرج منه الي ملك الفاسخ و يرد عليه ان الالتزام بانحلال الثاني انما يكون لتلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه فهذا امر مشترك بين القولين و لا يصلح دليلا علي احدهما و توهم لزوم توقيت البيع و الملكية من كون الفسخ من الحين يدفعه: ان الانفساخ من الحين غير كون البيع موقتا بل هو مرسل و كذلك الملكية و الفسخ يوجب رفع ذلك و الا فهذا يلزم في كل فسخ من الحين.

و يمكن ان يقال ان مراده ان البائع الاول لو فسخ العقد،

فاما ان يلتزم برجوع المبيع إليه مع بقاء العقد الثاني، أو يلتزم بان العقد الثاني قبل الفسخ ليتلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه- أو يلتزم بان العقد الثاني تمليك موقت الي ما قبل فسخ الاول،

و شي ء من ذلك لا يمكن الالتزام به، اما الاول فلمنافاته لمقتضي الفسخ، و أما الثاني فلانه لا وجه للانحلال من دون حل، و أما الثالث فلعدم معروفية التملك الموقت في الشرع فيتعين الالتزام بانحلاله من الاول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 407

ثمّ ان المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف علي القول به هو زمان تحقق الخيار فعلا، كالمجلس، و الثلاثة في الحيوان

و الزمان المشروط فيه الخيار. (1)

و أما الزمان الذي لم يتنجز فيه الخيار، اما لعدم تحقق سببه، كما في خيار التأخير بناء علي ان السبب في ثبوته تضرر البائع بالصبر الي ازيد من الثلث. و أما لعدم تحقق شرطه، كما في بيع الخيار بشرط رد الثمن، بناء علي كون الرد شرطا للخيار و عدم تحققه قبله و كاشتراط الخيار في زمان متأخر.

ففي جواز التصرف قبل تنجز الخيار، خصوصا فيما لم يتحقق سببه، وجهان،

من ان المانع عن التصرف هو تزلزل العقد، و كونه في معرض الارتفاع و هو موجود هنا، و ان لم يقدر ذو الخيار علي الفسخ حينئذ، و من انه لا حق بالفعل لذي الخيار،

فلا مانع من التصرف، و يمكن الفرق بين الخيار المتوقف علي حضور الزمان،

و المتوقف علي شي ء آخر (2) كالتأخير و الرؤية علي خلاف الوصف، لان ثبوت الحق في الأول معلوم، و ان لم يحضر زمانه بخلاف الثاني، و لذا لم يقل احد بالمنع من التصرف في احد من العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض، و سيجي ء ما يظهر منه قوة هذا التفصيل، و علي كل حال، فالخيار المتوقف تنجزه فعلا علي ظهور امر كالغبن و العيب و الرؤية علي خلاف الوصف غير مانع من التصرف، بلا خلاف ظاهرا.

______________________________

و لكن يرد عليه ان مقتضي الجمع بين ما دل علي انفساخ العقد الثاني- و ما دل علي صحة البيع و انتقال المبيع الي المشتري- انتقال المبيع قبل ان ينتقل بالفسخ الي البائع الاول الي المشتري الاول.

(1) و أما المورد السادس ففيه اقوال ثالثها التفصيل بين ما يكون متوقفا علي مجي ء زمان- فلا تجوز

التصرفات فيه علي القول بالمنع في الخيار المنجز- و بين ما يكون متوقفا علي شي ء آخر كالرؤية علي الخلاف فيجوز.

(2) اختاره المصنف (رحمه الله)

رابعها التفصيل بين ما إذا كان الخيار متأخرا بنفسه و بمنشئه فيجوز و أما إذا كان شرط الخيار حاصلا و زمان اعماله متأخرا فلا يجوز اختاره المحقق النائيني (قدس سره)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 408

فرعان
اشارة

الأول: لو منعا عن التصرف المتلف في زمان الخيار، فهل يمنع عن التصرف المعرض لفوات حق ذي الخيار من العين، (1) كوطئ الأمة في زمان الخيار بناء علي ان الاستيلاد مانع من رد العين بالخيار قولان للمانعين، اكثرهم علي الجواز،

كالعلامة في القواعد، و الشارح في جامع المقاصد، و حكي عن المبسوط و الغنية و الخلاف، لكن لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك عن انقضاء الخيار

______________________________

و الحق ان يقال انه بناء علي مانعية حق الخيار من التصرفات ان كان موجودا منع عنها سواء كان زمان الاعمال موجودا ام متأخرا إذ المانع هو الحق الخياري الموجود و ان لم يكن موجودا لم يمنع عنها إذ المانعية فرع الوجود و العلم بانه سيوجد لا يصلح للمنع فضلا عما إذا لم يعلم بذلك و به يظهر ما في القول بالمنع مطلقا، و بالجواز كذلك، و ما اختاره في المتن.

التصرف الذي يكون في معرض التفويت

(1) و أما المورد السابع- فعلي القول بجواز التصرفات المتلفة و الناقلة لا كلام في الجواز و أما علي القول بعدمه، ففي المسألة وجوه و لعلها اقوال- الجواز مطلقا و عدمه كذلك، و التفصيل بين ما إذا علم بتحقق الاستيلاد، فعدم الجواز و بين ما إذا شك فيه فالجواز فالكلام يقع في مقامين،

الاول ما لو علم بتحقق الاستيلاد الثاني ما لو شك فيه اما الاول فالاظهر فيه هو الجواز. فان ما دل علي جواز نقل ام الولد و مانعية الاستيلاد، يكون مختصا بالنقل الاختياري، و لا دليل علي المنع عن مطلق الانتقال و لو قهرا علي مالكها و أما الثاني فعلي القول بعدم المنع في المقام الاول لا كلام، و أما علي القول بالمنع فيه فقد استدل للجواز بوجهين احدهما:

ان المتيقن من المنع، هو التصرف المتلف فعلا لحق ذي الخيار، و أما مجرد كونه في معرض التلف فلا دليل علي المنع عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 409

كما اعترف به في الايضاح. و لذا حمل في الدروس تجويز الشيخ الوطء علي ما إذا خص الخيار بالواطئ لكن قيل: ان عبارة المبسوط لا تقبل ذلك.

و ظاهر المحكي عن التذكرة، و ظاهر الدروس المنع عن ذلك لكون الوطء معرضا لفوات حق ذي الخيار من العين.

______________________________

و اجاب عنه المحقق النائيني (رحمه الله) بان متعلق التكليف فيما كان حصول الاثر متوقفا علي امر خارج عن اختيار المكلف، هو نفس فعل المكلف فما يحرم عليه في المقام هو الوطء لا حصول العلوق، فهو بنفسه تفويت لحق ذي الخيار لا انه في معرض ذلك و فيه: ان الوطء من حيث انه وطء لا منع عنه، و لذا يجوز مع العزل، و مع القطع بعدم الاستيلاد و المنع عنه انما هو فيما كان موجبا للاستيلاد، و حيث انه مشكوك فيه و غير معلوم، فيرجع الي اصالة البراءة و يثبت الجواز ثانيهما التمسك باستصحاب عدم العلوق، و عدم صيرورة المرأة الموطوءة حبلي و اورد عليه المحقق النائيني (رحمه الله) بانه استقبالي و ليس له حالة سابقة، الا بالعدم المحمولي، و الجواز مترتب علي عدم كون هذا الوطء موجبا للحمل، و هذا غير مسبوق بالعدم و لكن يرد علي الاول ما حققناه في محله من جريان الاستصحاب في الاستقبالي ايضا و يرد علي الثاني: ان المختار جريان الاصل في العدم الازلي مع ان الايلاد مترتب علي القاء النطفة ترتب المسبب التوليدي علي سببه فحين القاء النطفة يشك في تحقق الايلاد فيستصحب عدمه و لا

حاجة الي اثبات انه لا يتولد منه بنحو العدم النعتي فالاظهر هو الجواز.

اجارة العين في زمان الخيار
اشارة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 410

الثاني: انه هل يجوز اجارة العين في زمان الخيار بدون اذن ذي الخيار فيه وجهان، (1) من كونه ملكا له، (2) و من ابطال هذا التصرف لتسلط الفاسخ علي اخذ العين، إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه لأجل استيفاء منفعة، و لو اجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم يبطل الاجارة، لان المشتري ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام و من نماء هذا الملك المنفعة الدائمة، فإذا استوفاها المشتري بالاجارة، فلا وجه لرجوعها الي الفاسخ، بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة الاجارة، كما إذا باعه بعد الاجارة، و ليس الملك هنا نظير ملك البطن الأول من الموقوف عليه، لأن البطن الثاني لا يتلقي الملك منه حتي يتلقاه مسلوب المنفعة، بل من الواقف كالبطن الأول، فالملك ينتهي بانتهاء استعداده.

______________________________

(1) هذا هو المورد الثامن- و الكلام فيه في مقامات الاول في انه هل يجوز التصرف الاجاري علي القول بالمنع من التصرفات الناقلة و المتلفة ام لا و استدل للمنع بان لازم الفسخ استرداد العين خارجا و الاجارة منافية لذلك فان لازمها سلطنة المستاجر علي امساك العين لاستيفاء المنفعة و فيه ان الفسخ لا يقتضي الا استرداد العين ملكا و أما استردادها خارجا فهو مقتضي تسلط الناس علي اموالهم و لا مجري لذلك بعد كون العين متعلقة لحق الغير- و الاظهر هو الجواز.

(2) لا لما افاده المصنف (رحمه الله) من كونه ملكا فان توهم المنع لم يكن من ناحية عدم الملك بل من ناحية كون العين متعلقة لحق الخيار بل لان حق الخيار و ان كان متعلقا بالعين

لا ينافي اجارتها فانه لا يقتضي الا اعادة العين الي ملكه.

المقام الثاني في ان عقد الاجارة هل ينفسخ بفسخ البيع لخصوصية فيه، ام لا، بعد الفراغ عن صحته، اما لما ذكرناه، أو فيما إذا استأجر من ذي الخيار أو باذنه و قد استدل للانفساخ بوجوه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 411

فإن قلت: ان ملك المنفعة تابع لملك العين، بمعني انه إذا ثبت الملكية في زمان،

و كان زوالها بالانتقال الي آخر ملك المنفعة الدائمة، لأن المفروض ان المنتقل إليه يتلقي الملك من ذلك المالك، فيتلقاه مسلوب المنفعة (1) و أما إذا ثبت و كان زوالها بارتفاع سببها لم يكن ملك من عاد إليه متلقي عن المالك الاول، و مستندا إليه، بل كان مستندا الي ما كان قبل تملك المالك الأول، فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه لا برفعه كما في ملك البطن الاول من الموقوف عليه، فإن المنفعة تتبع مقدار تملكه، (2) قلت: اولا: انه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الاجارة مع عدم التزام احد ببطلان الاجارة و ثانيا: انه يكفي في ملك، المنفعة الدائمة تحقق الملك المستعد للدوام لو لا الرافع آنا ما

______________________________

(1) احدها ان ملكية من عليه الخيار للعين و منافعها ملكية مرسلة غير موقتة بالفسخ فالمنفعة بعد الفسخ لم تكن له فبالفسخ تبطل الاجارة و فيه: ان ملكية المشتري للعين و منافعها ملكية مرسلة غير موقتة، و الفسخ يكون رافعا لها، و عليه فبالفسخ تعود العين و أما منافعها، فحيث انها انتقلت الي المستأجر، فلا تعود ملكيتها إليه.

(2) ثانيها: ان الفسخ يقتضي عود الملك لا ملكية اخري، فالفسخ يوجب رفع ما اوجب انتقال العين و منافعها الي المشتري، فيعود ملكه

لها مستندا الي ما كان قبل تملك المالك، فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه، لا برفعه كما في ملك البطن الاول من الموقوف عليهم: فان المنفعة تتبع مقدار تملكها و فيه: ان المشتري إذا كان مالكا للعين و منافعها بملكية مطلقة، فاوجرها صارت المنفعة ملكا للمستأجر، فبالفسخ تعود العين و لا تعود المنفعة للمانع و هو كونها ملكا للمستأجر و لا يقاس بما إذا كان ملكية المنفعة ملكية موقتة ثالثها: ما يختص بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن، و هو ان البائع ببيعه الخياري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 412

ثمّ ان فاضل القمي في بعض اجوبة مسائله جزم ببطلان الاجارة بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن، و علله بأنه يعلم بفسخ البيع، ان المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ، و ان الاجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة الي فسخ البيع. انتهي. (1)

فإن كان مرجعه الي ما ذكرنا من كون المنفعة تابعة لبقاء الملك، أو الملك المستند الي ذلك الملك فقد عرفت الجواب عنه نقضا وحلا، و ان المنفعة تابعة للملك المستعد للدوام، و ان كان مرجعه الي شي ء آخر فليبين حتي ينظر فيه (2) مع ان

الاصل عدم الانفساخ، لأن الشك في ان حق خيار الفسخ في العين يوجب تزلزل ملك المنفعة ام لامع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله، كما إذا تقايلا البيع بعد الاجارة.

______________________________

يشترط بالشرط المضمر ابقاء العين مع المنفعة، فانفساخ الاجارة انما يكون لاجل كون الاجارة بعد الفسخ خلاف الشرط، و لعل هذا هو مراد المحقق القمي (رحمه الله)

(1) من قوله انه يعلم بفسخ البيع ان المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ الي آخر ما نقل المصنف (رحمه

الله) كلامه في المتن.

و عليه فهو غير الوجه المتقدم عليه، فما في المتن من قوله.

(2) فان كان مرجعه الي ما ذكرنا من كون المنفعة تابعة لبقاء الملك الي آخر ما افاده غير تام و لكن يرده ما تقدم من ان الشرط لا يوجب رفع السلطنة الوضعية،

فالاظهر عدم انفساخ الاجارة المقام الثالث في انه، هل تتدارك المنفعة المستوفاة بالاجارة، ام لا، وجهان اظهرهما التدارك: فان الفسخ يوجب رد العين بما لها من المنافع الي مالكها الاول،

فكما انه إذا كانت العين تالفة يجب رد بدلها كذلك إذا كانت منافعها تالفة بالاجارة أو غيرها يجب رد بدلها و بذلك يظهر انه يتدارك باجرة المثل لا الأجرة المسماة.

التصرف باذن ذي الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 413

ثمّ انه لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار و انه يسقط خياره (1) بهذا التصرف، اما لدلالة الاذن علي الالتزام بالعقد عرفا. (2) و ان لم يكن منافاة بين الاذن في التصرف و الاتلاف و ارادة الفسخ واخذ القيمة، كما نبهنا عليه في المسألة السابقة، و به يندفع الاشكال الذي اورده المحقق الاردبيلي من عدم دلالة ذلك علي سقوط الخيار. و أما لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق و هي العين باذن صاحبه، فلا ينفسخ التصرف و لا يتعلق الحق بالبدل (3) لأن اخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لامع سقوطه عنه.

و لو اذن و لم يتصرف المأذون ففي القواعد و التذكرة انه يسقط خيار الاذن و عن الميسية انه المشهور قيل: كان منشأ هذه النسبة فهم استناد المشهور في سقوط الخيار في الصورة السابقة الي دلالة مجرد الاذن، و لا يقدح فيها تجرده عن التصرف.

و قد منع

دلالة الاذن المجرد في المسالك و جامع المقاصد و القواعد.

______________________________

(1) قوله ثمّ انه لا إشكال في نفوذ التصرف باذن ذي الخيار و انه يسقط خياره قد استدل المصنف (رحمه الله) لسقوط خياره بوجهين.

(2) احدهما ان الاذن في التصرف دال عرفا علي الالتزام بالعقد و ان لم يكن منافاة بين الاذن في التصرف و ارادة الفسخ،

و اورد عليه المحقق الايرواني، بانه لا دلالة لو لا المنافاة، و ستعرف ما فيه،

(3) الثاني ان التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق و هي العين باذن صاحبه فلا يتعلق الحق بالبدل تحقيق القول في المقام، انه ان كان الخيار متعلقا بالعين كان الاذن في التصرف موجبا لجوازه و لم يكن دالا علي الالتزام بالعقد و لا رضا به و لا دالا علي اسقاط الخيار و بعبارة اخري انه حينئذ يكون اذنا في تفويت محل الحق الذي كان لا يجوز بدونه فما لم يفت لا وجه لسقوطه كما لو اذن في اتلاف ماله فانه ما لم يتلف لا يكون خارجا عن ملكه، و لا يكون الاذن مخرجا له عن ملكه، و لا التصرف مسقطا، و ان كان تفويتا لمحل الحق باذنه فان تفويت محل الحق لا يوجب سقوطه، و لذا لو اتلفه كان الحق باقيا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 414

و الأولي أن يقال بأن الظاهر كون إذن ذي الخيار في التصرف المخرج فيما انتقل عنه فسخا لحكم العرف، و لأن اباحة بيع مال الغير لنفسه غير جائز شرعا فيحمل علي الفسخ، كسائر التصرفات التي لا يصح شرعا الا بجعلها فسخا.

و أما كون اذن ذي الخيار للمشتري في التصرف إجازة و اسقاطا لخياره،

فيمكن الاستشكال فيه، لأن الثابت بالنص و الاجماع ان التصرف

فيما انتقل إليه اجازة، و ليس الأذن من ذلك، و انما حكم بالسقوط في التصرف عن اذنه لا لأجل تحقق الاسقاط من ذي الخيار بالاذن، بل لأجل تحقق المسقط لما عرفت، من ان التصرف الواقع باذنه صحيح نافذ

______________________________

و لا فرق الا بحرمة الاتلاف، تارة و اباحته، اخري و ان كان متعلقا بالعقد، كان الاذن في التصرف، لو لا كونه التزاما بالعقد و رضا به أو اسقاطا للخيار، لغوا فلا محالة يكون دالا علي الالتزام بالعقد، و اسقاطا لحقه بالكلية عرفا،

و أما التصرف نفسه فهو لا يكون مسقطا و لا مفوتا لمحل حقه.

و بما ذكرناه ظهر امور احدها: ان الوجهين المذكورين في المتن لمسقطية الاذن و التصرف لو تما- كانت تمامية كل منهما علي مسلك و لا يردان علي محل واحد ثانيها: ان ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من انه لا دلالة لو لا المنافاة غير تام ثالثها ان ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) في وجه بطلان مسقطية الاذن، من انه لو كان مسقطا و التزاما بالعقد، لزم سقوطه و لو لم يتصرف المأذون، و لا يمكن التزام به غير وجيه، فانه لم يلتزم به بعد دلالته عليه عرفا،

و الغريب انه يسلم دلالة الاذن بتصرف الأجنبي علي الفسخ مع ان هذا الوجه بعينه يجري في الاذن بتصرف المالك إذ لا معني للاذن في ان يتصرف المالك في ماله، فيجب حمله علي كونه اجازة و التزاما بالعقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 415

و التسلط علي بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق، (1) فالاذن فيما نحن فيه، نظير اذن المرتهن في بيع الرهن، لا يسقط به حق الرهانة، و يجوز الرجوع قبل البيع. نعم يمكن

القول باسقاطه من جهة تضمنه للرضا بالعقد، فإنه ليس بأدون من رضا المشتري بتقبيل الجارية.

و قد صرح في المبسوط بأنه إذا علم رضا البائع بوطء المشتري سقط خياره و يؤيده رواية السكوني في كون العرض علي البيع التزاما، فهذا القول لا يخلو عن قوة.

مسألة المشهور ان المبيع يملك بالعقد،

و اثر الخيار تزلزل الملك (2) بسبب القدرة علي رفع سببه، فالخيار حق لصاحبه في ملك الأخر، و حكي المحقق و جماعة عن الشيخ توقف الملك بعد العقد علي انقضاء الخيار، و اطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشتري، و صرح في التحرير بشموله لذلك

______________________________

(1) قوله و التسلط علي بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق و فيه ان التصرف نفسه لا يكون مفوتا لمحل الحق بجميع مراتبه، و لذا لو اتلفه من غير اذن كان الخيار باقيا و الاذن انما يؤثر في رفع المنع و لا أثر له غير ذلك فالمتحصل من ما ذكرناه، مسقطية الاذن لو كان الخيار متعلقا بالعقد، و عدم مسقطيته لو كان متعلقا بالعين و ان التصرف نفسه لا يكون مسقطا علي المسلكين.

المبيع يملك بالعقد

(2) قوله المشهور ان المبيع يملك بالعقد و اثر الخيار تزلزل الملك لا يخفي انه حيث لا يكون احد الوجوه و الاقوال اجماعيا و علي فرضه لا يكون تعبديا فلا يهمنا اطالة الكلام في نقل الاقوال و النزاع في بيان مراد القوم بل المتعين صرف

عنان الكلام الي بيان ادلة الطرفين و الكلام فيه يقع في مقامين الاول: في ادلة حصول الملك بالبيع و عدم توقفه علي انقضاء الخيار الثاني: في ما استدل به علي توقفه علي انقضائه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 416

لكن الشهيد في الدروس قال: في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار

بمعني الكشف أو النقل خلاف، مأخذه ان الناقل العقد و الغرض من الخيار الاستدراك و هو لا ينافي الملك. و ان غاية الملك التصرف الممتنع في زمان الخيار و ربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا اختص الخيار، و ظاهر ابن الجنيد توقف الملك علي انقضاء الخيار،

انتهي.

فإن في هذا الكلام شهادة من وجهين علي عدم توقف ملك المشتري علي انقضاء خياره عند الشيخ، بل المأخذ المذكور صريح في عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط، قال في محكي الخلاف العقد يثبت بنفس الايجاب و القبول، فإن كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالابدان، و ان كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم و ان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، لكنه لم ينتقل الي المشتري حتي ينقضي الخيار، فإن انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد الاول، انتهي.

و ظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف فحينئذ يمكن الجمع بين زوال ملك البائع بمعني عدم حق له بعد ذلك في المبيع نظير لزوم العقد من طرف الاصيل إذا وقع مع الفضولي و بين عدم انتقاله الي المشتري بحسب الظاهر حتي ينقضي خياره فإذا انقضي ملك بسبب العقد الاول بمعني كشف الانقضاء عنه فيصير انقضاء الخيار للمشتري نظير اجازة عقد الفضولي و لا يرد حينئذ عليه ان اللازم منه بقاء الملك بلا مالك. و حاصل هذا القول ان الخيار يوجب تزلزل الملك و يمكن حمله ايضا علي ارادة الملك اللازم الذي لا حق و لا علاقة لمالكه السابق فيه، فوافق المشهور. و لذا عبر في غاية المراد بقوله و يلوح من

كلام الشيخ توقف الملك علي انقضاء الخيار، و لم ينسب ذلك إليه صريحا.

و قال في المبسوط: البيع ان كان مطلقا غير مشروط، فإنه يثبت بنفس العقد و يلزم بالتفرق بالابدان، و ان كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد، و ان كان مقيدا «مشروطا» بشرط لزم بانقضاء الشرط، انتهي.

و ظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع و المشتري، لكن قال في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 417

باب الشفعة: إذا باع شقصا بشرط الخيار، فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن للشفيع الشفعة لأن الشفعة انما تجب إذا انتقل الملك إليه، و ان كان الخيار للمشتري وجب الشفعة للشفيع لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد، و له المطالبة بعد انقضاء الخيار و حكم خيار المجلس و الشرط في ذلك سواء علي ما فصلناه،. و لعل هذا مأخذ ما تقدم من النسبة في ذيل عبارة الدروس، هذا، و لكن الحلي (قدس سره) في السرائر ادعي رجوع الشيخ عما ذكره في الخلاف.

و يمكن ان يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور، مثل استدلاله في مواضع علي المنع عن التصرف في مدة الخيار، بأن فيه ابطالا لحق ذي الخيار، كما في مسألة بيع احد النقدين علي غير صاحبه في المجلس، و في مسألة رهن ما فيه الخيار للبائع، فإنه لو قال بعدم الملك تعين تعليل المنع به لا بإبطال حق ذي الخيار من الخيار، لأن التعليل بوجود المانع في مقام، فقد المقتضي كما تري.

و منها انه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانيا في المجلس لأن شروعهما في البيع قطع للخيار مع انه لم يصحح في باب الهبة البيع الذي يتحقق به الرجوع فيها لعدم

وقوعه في الملك، فلو لا قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصح البيع ثانيا لوقوعه في غير الملك علي ما ذكرنا في الهبة، و ربما ينسب الي المبسوط اختيار المشهور فيما إذا صار احد المتبايعين الذي له الخيار مفلسا، حيث حكم بأن له الخيار في الاجازة و الفسخ، لأنه ليس بابتداء ملك لأن الملك قد سبق بالعقد، انتهي.

لكن النسبة لا يخلو عن تأمل لمن لاحظ باقي العبارة، و قال ابن سعيد (قدس سره) في الجامع علي ما حكي عنه: ان المبيع يملك بالعقد و بانقضاء الخيار، و قيل بالعقد، و لا ينفذ تصرف المشتري الا بعد انقضاء خيار البائع، انتهي.

و قد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد ايضا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 418

و كيف كان فالاقوي هو المشهور لعموم ادلة حل البيع، و اكل المال إذا كانت تجارة عن تراض، (1) و غيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك، و يدل عليه لفظ الخيار في قولهم (عليهم السلام) البيعان بالخيار، (3)

______________________________

اما الاول: فما يدل علي ذلك أو توهم دلالته امور.

(1) احدها: العمومات مثل «1» احل الله البيع و دليل «2» التجارة عن تراض و نحوهما و الاستدلال بها يتم مع ضم ما افاده صاحب الجواهر (رحمه الله) الذي نقله المصنف (رحمه الله)

بعد اسطر بقوله و اشد ضعفا من الكل ما قيل، من ان المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد فهذه المعاملة اما صحيحة كذلك كما عند المشهور فثبت المطلوب أو باطلة من اصلها أو انها صحيحة الا انها علي غير ما قصداه و تراضيا عليه و تقريب الاستدلال ان

المقصود بالبيع هو الملكية المطلقة، و هي انما تكون من حين العقد، و مقتضي العمومات امضاء البيع علي ما قصد، فلو حصل الملك بعد انقضاء الخيار يكون غير ما قصداه، و يحتاج الي دليل مفقود و تحقق الملك بعد القبض في الصرف و السلم، انما هو لاجل دليل خاص مقيد لإطلاق الادلة و بما ذكرناه ظهر ان شيئا من الوجهين. أي العمومات و تخلف العقد عن القصد- لا يصلح دليلا ما لم يضم احدهما الي الآخر.

(2) ثانيها: لفظ الخيار في قولهم «3» البيعان بالخيار و فيه: ان هذا الاستدلال يتم لو كان الخيار عبارة عن حق استرداد العين، إذ لا يعقل الاسترداد الا مع الخروج عن الملك و أما لو كان عبارة عن حق حل العقد و العقد بما هو مع قطع النظر عن حصول الملك به له وفاء و نقض فلا يدل علي المقام و به يظهر ان المصنف الذي يري ان حق الخيار هو حق حل العقد، لا وجه لاستدلاله بهذا الوجه

______________________________

(1) البقرة آية 275.

(2) النساء آية 29.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 419

و ما دل علي جواز النظر في الجارية في زمان الخيار الي ما لا يحل له قبل ذلك، (1) فإنه يدل علي الحل بعد العقد في زمن الخيار، الا ان يلتزم بأنه نظير حل وطئ المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع، (2) و يدل عليه ما تقدم في ادلة بيع الخيار بشرط رد الثمن، من كون نماء المبيع للمشتري و تلفه منه، (3) فيكشف ذلك عن ثبوت الملزوم و هو الملك، الا ان يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار، بل من باب اشتراط انفساخ

البيع برد الثمن. و قد تقدم في مسألة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال و ما يشهد له من بعض العنوانات، لكن تقدم انه بعيد في الغاية، أو يقال ان النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان لزوم البيع، لأن الخيار يحدث برد مثل الثمن،

و ان ذكرنا في تلك المسألة أن الخيار في بيع الخيار المعنون عند الاصحاب ليس مشروطا حدوثه بالرد في ادلة بيع الخيار، الا الرواية قابلة للحمل عليه، الا ان يتمسك باطلاقه الشامل لما إذا جعل الخيار من اول العقد في فسخه مقيدا برد مثل الثمن، هذا مع ان الظاهر ان الشيخ يقول بالتوقف في الخيار المنفصل ايضا

______________________________

(1) ثالثها ما دل «1» علي جواز النظر في الجارية في زمان الخيار الي ما لا يحل له قبل ذلك.

(2) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بانه يمكن ان يكون نظير حل وطء المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع، فيكون الملك حاصلا بنفس النظر الموجب لسقوط الخيار،

و يرد عليه مضافا الي ذلك ان الشيخ لا ينكر حصول الملك في زمان الخيار المختص بالمشتري كما في المقام.

و للمحقق النائيني: في المقام كلام ذكره ايراد اعلي المصنف (رحمه الله) و هو ان التصرف في وطء المطلقة الرجعية وقع ممن له الحق، و في المقام يقع ممن عليه الخيار فلو لم يكن مالكا لكون العقد خيار يا حرم النظر،

و الظاهر انه سهو من قلمه الشريف فان خيار الحيوان للمشتري و السؤال انما هو عن نظره إليها.

(3) رابعها ما ورد من الادلة الدالة علي ان نماء المبيع للمشتري و تلفه منه في بيع الخيار «2» بشرط رد الثمن

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 8-

من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 420

و ربما يتمسك بالاخبار الواردة في العينة: (1) و هي ان يشتري الانسان شيئا بنسية، ثمّ يبيعه باقل منه في ذلك المجلس نقدا، لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية، لأن بيعها علي بائعها الأول و ان كان في خيار المجلس أو الحيوان، الا ان بيعه عليه مسقط لخيار هما اتفاقا و قد صرح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك، مع منعه عن بيعه من غير صاحبه في المجلس، نعم بعض هذه الاخبار يشتمل علي فقرات يستأنس بها لمذهب المشهور، مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال: نعم لا بأس به، قلت: اشتري متاعي فقال: ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك، فإن في ذيلها دلالة علي انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار و لا استيناس بها ايضا عند التأمل لما عرفت من ان هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف لسقوط خيار هما بالتواطؤ علي هذا البيع، كما عرفت التصريح به من المبسوط و يذب بذلك عن الاشكال المتقدم نظيره سابقا من ان الملك إذا حصل بنفس البيع الثاني مع انه موقوف علي الملك للزم الدور الوارد علي من صحح البيع الذي يتحقق به الفسخ، و حينئذ فيمكن ان يكون سؤال السائل بقوله اشتري متاعي من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق.

______________________________

و مقتضي اطلاقها ان النماء له، و ان كان الشرط هو الخيار من اول العقد مقيدا برد مثل الثمن، و حيث ان النماء تابع للاصل، و من لوازم الملك فيستكشف من ذلك حصول الملك قبل انقضاء الخيار.

(1) خامسها النصوص الواردة

في العينة و هي ان يشتري الانسان شيئا بنسيئة ثمّ يبيعه باقل منه نقدا- كصحيح بشار بن يسار المذكور في المتن «1»

و الاستدلال بها ليس بتضمنها جواز البيع من البائع كي يقال انه جائز حتي عند القائل بعدم حصول الملك علي القاعدة أو بالتعبد بل بقوله في الصحيح ليس متاعك فان حكمه بعدم كونه للبائع و ان كان في زمان الخيار يشهد بذلك

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 421

و يكون جواب الامام (عليه السلام) مبنيا علي جواز بيعه علي البائع لأن تواطؤهما علي البيع الثاني اسقاط للخيار من الطرفين (1)

كما في صريح المبسوط، فقوله ليس هو متاعك اشارة الي ان ما ينتقل اليك بالشراء انما انتقل اليك بعد خروجه عن ملك بتواطؤ كما علي المعاملة الثانية المسقط لخيار كما لا بنفس العقد، و هذا المعني في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة ثمّ لو سلم ما ذكر من الدلالة و الاستئناس لم يدفع به الا القول بالنقل دون الكشف كما لا يخفي و مثل هذه الرواية في عدم الدلالة و الاستئناس صحيحة محمد بن مسلم عن رجل اتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك بنقد أو بنسية، فابتاعه الرجل من اجله قال ليس به بأس، انما يشتريه منه بعد ما يملكه.

فإن الظاهر ان قوله انما يشتريه الخ، اشارة الي ان هذا ليس من بيع ما ليس عنده و ان بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الاول، فقوله بعد ما يملكه اشارة الي استيجاب العقد مع الأول كما يظهر من قولهم عليهم السلام في اخبار اخر واردة في هذه المسألة، و لا توجب البيع

قبل ان تستوجبه مع ان الغالب في مثل هذه المعاملة قيام الرجل الي مكان غيره ليأخذ منه المتاع و رجوعه الي منزله لبيعه من صاحبه الذي طلب منه ذلك، فيلزم العقد الاول بالتفرق، و لو فرض اجتماعهما في مجلس واحد كان تعريضه للبيع ثانيا بحضور البائع دالا عرفا علي سقوطه خياره و يسقط خيار المشتري بالتعريض للبيع.

______________________________

(1) و الايراد عليه كما في المتن بانه يمكن ان يكون ذلك اشارة الي الخروج عن الملك بالتواطي علي المعاملة الثانية المسقط للخيار، فحين المعاملة الثانية ليس متاعك،

خلاف الظاهر- فان ظاهره نفي كونه متاعا له من ناحية البيع أي ليس متاعك حيث بعته- نعم- يرد عليه انه لم يفرض في مورد الصحيح خيار و ليس الخبر في مقام البيان من هذه الجهة كي يتمسك باطلاقه فتأمل و بما ذكرناه يظهر الحال في الاستدلال لهذا القول بصحيح «1» محمد المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العقود حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 422

و بالجملة ليس في قوله بعد ما يملكه دلالة علي ان تملكه بنفس العقد مع انها علي تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف (1) كما لا يخفي، و نحوه في الضعف الاستدلال في التذكرة، بما دل علي ان مال العبد المشتري لمشتريه مطلقا أو مع الشرط، أو علم البائع من غير تقييد بانقضاء الخيار إذ فيه، ان الكلام مسوق لبيان ثبوت المال للمشتري علي نحو ثبوت العبد له، و انه يدخل في شراء العبد حتي إذا ملك العبد ماله،

مع ان الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار المختص بالمشتري، و التمسك باطلاق الروايات لما إذا شرط البائع الخيار كما تري، و اشد ضعفا من

الكل ما قيل من ان المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه، انتقال كل من الثمن و الثمن حال العقد، فهذه المعاملة اما صحيحة كذلك كما عند المشهور، فثبت المطلوب، أو باطلة من اصلها أو انها صحيحة الا انها علي غير ما قصداه و تراضيا عليه.

توضيح الضعف أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد، لكن الانشاء لما كان علة لتحقق المنشأ عند تحققه، كان الداعي علي الانشاء حصول المنشأ عنده، لكن العلية انما هي عند العرف، فلا ينافي كونه في الشرع سببا محتاجا الي تحقق شرائط اخر بعده، كالقبض في السلم و الصرف و انقضاء الخيار في محل الكلام. فالعقد مدلوله مجرد التمليك و التملك مجردا عن الزمان، لكنه عرفا علة تامة لمضمونه، و امضاء الشارع له تابع لمقتضي الادلة، فليس في تأخير الامضاء تخلف اثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد، و إنما فيه التخلف عن داعي المتعاقدين و لا ضرر فيه.

______________________________

و ان الاستدلال به انما يكون بتصحيح الامام (عليه السلام) البيع الثاني بحصول الملك و ظاهره حصوله بالاشتراء في المعاملة الاولي لا بالتعريض للبيع الثاني، و ليس الاستدلال بصحة البيع الثاني، حتي يقال انه جائز عند من يقول بعدم الملك إذا لتعريض مسقط للخيار.

(1) و ما في المتن من انه علي فرض الدلالة يدفع النقل لا الكشف يرد عليه: ان ظاهره التملك بالاشتراء لا بالاشتراء المتعقب بالبيع فتدبر فانه دقيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 423

و قد تقدم الكلام في ذلك في مسألة كون الاجازة كاشفة أو ناقلة. و قد يستدل ايضا بالنبوي المشهور المذكور في كتب الفتوي للخاصة و العامة علي جهة الاستناد إليه و هو ان الخراج بالضمان (1) بناء

علي ان المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان المشتري، فخراجه له و هي علامة ملكه.

و فيه انه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك علي انقضاء الخيار القول بكون ضمانه علي المشتري حتي يكون نماؤه له.

و قد ظهر بما ذكرنا ان العمدة في قول المشهور عموم ادلة حل البيع و التجارة عن تراض، و اخبار الخيار.

______________________________

(1) سادسها: النبوي «1» المشهور- الخراج بالضمان و تقريب الاستدلال به ان المبيع في زمان، الخيار المشترك، أو المختص بالبائع، في ضمان المشتري، فخراجه له، و بقاعدة التلازم بين، ملك المنفعة، و ملك العين يثبت حصول الملك بنفس العقد و فيه بعد تسليم قوة سنده لعمل قدماء اصحابنا به مع انه محل نظر،

قد مر في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد، ان فيه احتمالات،

اظهرها كون المراد بالضمان المعني المصدري مع امضاء الشارع له، و انه يختص الخبر بالعقود المعاوضية الصحيحة، و يدل علي انها توجب ملك المنافع، كما توجب ملك العين،

و عليه فلا يتم هذا الاستدلال نعم- يمكن تقريب الاستدلال بطريق آخر، و هو ان النبوي ظاهر في ان المعاوضة الصحيحة توجب ملك المنفعة بلا توقف علي شي ء آخر، و من ملك المنفعة يستكشف ملك العين سابعها السيرة العقلائية فانها جارية علي ترتيب آثار الملك علي الشي ء المشتري من دون انتظار لانقضاء زمان الخيار فتحصل ان العمومات و الروايات الخاصة و السيرة تدل علي حصول الملك قبل انقضاء الخيار.

______________________________

(1) المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان- و صحيح الترمذي ج 5 ص 285 و سنن ابي دواد ج 2 ص 255.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 424

و استدل للقول الآخر، بما دل علي كون تلف المبيع من مال البائع في زمان

الخيار، (1) فيدل بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك، لأنه مقابل الخراج علي كونه في ملك البائع، مثل صحيحة ابن سنان عن الرجل يشتري العبد و الدابة بشرط الي يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، علي من ضمان ذلك، فقال علي البائع، حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام، و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط، قال و ان كان بينهما شرط اياما معدودة، فهلك في يد المشتري، فهو من مال البائع.

و رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل اشتري امة من رجل بشرط يوما أو يومين فماتت عنده، و قد قطع الثمن، علي من يكون ضمان ذلك؟ قال: ليس علي الذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه. و مرسلة ابن رباط ان حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع. و النبوي المروي في قرب الاسناد في العبد المشتري بشرط فيموت، قال: يستحلف بالله ما رضيه ثمّ هو برئ من الضمان،

______________________________

اما المقام الثاني: فقد استدل لعدم حصوله الا بعد انقضاء الخيار بوجوه احدها: ان الغرض من الملك، و غايته التصرف الممتنع في زمان الخيار و فيه اولا: انه يجوز كما تقدم و ثانيا: انه لو سلم عدم الجواز فهو في التصرف المتلف و الناقل لا كل تصرف و ثالثا: انه لا ملازمة بين امتناع التصرف و عدم حصول الملك.

(1) ثانيها: النصوص الدالة علي كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار كصحيح «1» ابن سنان، و خبر عبد الرحمن «2» و مرسل ابن رباط، «3» و النبوي «4» المذكورة في المتن و تقريب الاستدلال بها من

وجهين الاول ان قوله حتي ينقضي الشرط و يصير المبيع له ظاهر في توقف الملك علي انقضاء الخيار و أما قبله فلا يصير للمشتري و فيه: انه بعد دلالة الادلة المتقدمة الصريح بعضها كقوله

______________________________

(1) اورد صدره في الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2 و ذيله في باب 8- منها حديث 2.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 1.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 425

و هذه الاخبار انما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري (1) مع اختصاص الخيار.

و قد عرفت ان ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما حكاه عنه في الدروس من القطع بتملك المشتري مع اختصاص الخيار، و كذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع و علي اي حال، فهذه الاخبار اما ان تجعل مخصصة لأدلة المشهور، بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان، أو لقاعدة التلازم بضميمة ادلة المسألة، (2) فيرجع بعد التكافؤ الي اصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار. و لكن هذا فرع التكافؤ المفقود في المقام من جهات اعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالاجماع المحكي عن السرائر،

______________________________

ليس متاعك علي حصول الملك بالعقد، يتعين صرف ذلك عن ظهوره، و حمله علي الملك المستقر، و انه لا يكون مستقرا عليه الا بعد انقضاء الخيار الثاني ان يضم الي هذه النصوص، ما دل علي ان المنافع تابعة للضمان، أو ملازمة معه كالنبوي المتقدم آنفا الخراج بالضمان، فانه يستنتج منهما ان الضمان علي البائع و المنافع له و بدليل تبعية ملك المنافع لملك العين يستكشف ان المبيع في زمان الخيار للبائع و فيه: انه لا دليل علي التلازم بين الضمان و ملكية المنافع، و النبوي قد

عرفت ان مفاده ان منافع المغصوب لمالكه، مع ان الغاصب ضامن له،

مع- ان الشيخ و من تبعه غير ملتزمين بذلك في الخيار المختص بالمشتري فانهم بانون علي حصول الملك بالعقد.

(1) قوله انما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري مراده ان هذه الاخبار، انما تجدي من ينكر تملك المشتري، مع اختصاص الخيار:

لورودها في الخيار المختص به، و لا تجدي لمثل شيخ الطائفة و ابن سعيد القائلين، بملك المشتري مع اختصاص الخيار به، فكلمة (في مقابل) زائدة.

و قد اجاب المصنف (رحمه الله) عن هذا الاستدلال بجواب آخر.

(2) حاصله ان في المقام طوائف من الادلة احداها: ادلة المشهور الدالة علي حصول الملك بالعقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 426

اطلاق ما تقدم عبارتي المبسوط و الخلاف، من كون الخلاف في العقد المقيد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل عن العقد، كما إذا شرط الخيار من الغد كما ان مقتضي تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط و الحيوان الذي يطلق عليه الشرط أيضا. فخيار العيب و الغبن و الرؤية و التدليس ليس الظاهر عدم جريان الخلاف فيها. و مما يدل علي الاختصاص ان ما ذكر من الادلة مختصة بالخيارين و ان الظاهر من لفظ الانقضاء في تحريرات محل الخلاف انقطاع الخيار الزماني. و أما خيار المجلس، فالطاهر دخوله في محل الكلام لنص الشيخ بذلك في عبارته المتقدمة عنه في باب الشفعة، و لقوله في الاستبصار ان العقد سبب لاستباحة الملك الا انه مشروط، بان يتفرقا بالابدان، و لا يفسخا العقد، و لنص الشيخ في الخلاف و المبسوط علي ان التفرق كانقضاء الخيار في لزوم العقد به، و مراده من اللزوم تحقق علة الملك لا مقابل الجواز كما لا

يخفي، مع ان ظاهر عبارة الدروس المتقدمة في مأخذ هذا الخلاف ان كل خيار يمنع من التصرف في المبيع، فهو داخل فيما يتوقف الملك علي انقضائه، و كذلك العبارة المتقدمة في عنوان هذا الخلاف عن الجامع، و قد تقدم عن الشيخ في صرف المبسوط ان خيار المجلس مانع عن التصرف في احد العوضين.

______________________________

ثانيتها: دليل التلازم بين الضمان و الملك ثالثتها- النصوص المشار إليها الدالة علي ضمان البائع للمبيع في زمان الخيار و هذه الطوائف متعارضة و الجمع بينها انما يكون باحد نحوين اما بجعل النصوص المتضمنة لان المبيع من مال البائع في زمان الخيار مخصصة لأدلة المشهور فيكون مفادها حينئذ ان الملك يحصل بالعقد الا إذا كان خياريا:

و أما بجعل تلك النصوص مخصصة لقاعدة التلازم بمعني ان المبيع يملك بالعقد و ان كان خياريا الا ان ضمان هذا المبيع علي البائع الذي هو غير مالك- و انما لم يحتمل التصرف في النصوص المشار إليها لصراحتها، فيدور الامر بين رفع اليد عن اصالة العموم في احدي تينك الطائفتين، و الترجيح مع ادلة المشهور لوجوه اعظمها الشهرة و فيه: انه لو علم بتخصيص احد العامين من وجه مقتضي القاعدة سقوطهما عن الحجية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 427

و من ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب و اخوته عن محل الكلام، فإن الظاهر عدم منعها من التصرف في العوضين قبل ظهورها. فلا بد ان يقول الشيخ باللزوم و الملك بعد الظهور و تنجز الخيار، و هذا غير لائق بالشيخ، فثبت ان دخولها في محل الكلام مستلزم. اما لمنع التصرف في موارد هذا الخيار. و أما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله و كلاهما غير لائق بالالتزام، مع

ان كلام العلامة في المختلف كالصريح في كون التملك بالعقد اتفاقيا في المعيب، لأنه ذكر في الاستدلال ان المقتضي للملك موجود، و الخيار لا يصلح للمنع، كما في بيع المعيب. و ذكرنا ايضا انه لا منافاة بين الملك و الخيار، كما في المعيب. و قد صرح الشيخ قدس سره في المبسوط ايضا بانه اشتري شيئا فحصل منه نماء ثمّ و جدبه عيبا رده دون نمائه محتجا بالإجماع، و بالنبوي الخراج بالضمان و سيجي ء تتمة ذلك إن شاء الله تعالي.

______________________________

و الشهرة ليست مرجعة للدلالة و انما هي مرجعة للسند،

مع: ان المراد بالتلازم بين الضمان و الملك ان كان هو التلازم بين الضمان و ملك المنافع و بتبعه ملك العين، فيرد عليه ما تقدم من عدم التلازم،

و ان كان هو التلازم بين الضمان بمعني الخسارة و كون تلف الشي ء خسارة منه لا عليه و الملك فهو، و ان كان عقليا، الا ان الجمع بين الادلة انما يكون بالالتزام بالملك من حين العقد و الانفساخ قبل التلف آنا ما.

ثالثها صحيح الحلبي «1» عن الامام الصادق (عليه السلام) في رجل اشتري شاة فامسكها ثلاثة ايام ثمّ ردها فقال (ع) ان كان في تلك الثلاثة الايام يشرب لبنها رد معها ثلاثة امداد و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء- بتقريب- انه لو كان مالكا كانت المنافع له و لم يكن وجه لرد ثلاثة امداد و فيه ما مر من عدم عمل الاصحاب به فانه متضمن للرد بعد ثلاثة ايام و لا خيار بعدها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 13- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 428

مسألة و من احكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار (1)
اشارة

في الجملة علي المعروف بين القائلين بتملك المشتري بالعقد.

______________________________

المبيع في ضمان من

ليس له الخيار

(1) قوله و من احكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار لا يخفي ان موضوع هذه المسألة، ما لو تلف المبيع، أو الثمن في يد مالكه الفعلي مع كون الخيار له، كما لو كان الخيار للمشتري و تلف المبيع في يده اما لو تلف المال تحت يد مالكه و كان الخيار لطرفه كما لو كان الخيار للبائع و تلف المبيع في يد المشتري أو كان الخيار للمشتري و تلف الثمن في يد البائع فكون الضمان علي من لا خيار له مطابق للقاعدة و كيف كان فهذا الحكم في الجملة مما لا كلام فيه و لا إشكال،

و يشهد به النصوص الخاصة لاحظ صحيح ابن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو يحدث فيه حدث، علي من ضمان ذلك؟ فقال (عليه السلام): علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري «1».

و عن التهذيب روايته مثله الا انه قال: و يصير المبيع للمشتري شرط البائع أو لم يشترط «2».

و النبوي الخاصي الآتي،

و مرسل ابن رباط عن ابي عبد الله (عليه السلام): ان حدث بالحيوان قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع «3».

و خبر البصري عنه (عليه السلام) فيمن اشتري امة بشرط فماتت عنده: ليس علي الذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه «4».

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2.

(2) نفس المصدر حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) نفس المصدر حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 429

______________________________

و قد وردت روايات دالة علي ثبوت هذا الحكم في خيار الشرط ايضا، لاحظ رواية اسحاق بن عمار، و خبر معاوية بن ميسرة، فثبوت ذلك فيهما في الجملة مما لا

كلام فيه، و هذا الحكم هو الذي طفحت عبارات القوم به. قالوا: ان تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له، و من مال البائع و هذه قاعدة مسلمة عند القوم مصطادة من النصوص الواردة في خياري الحيوان و الشرط.

و عليه فلا يصغي الي ما قيل، من ان مقتضي استصحاب عدم انفساخ العقد و اصالة البراءة عن وجوب دفع الثمن.

و خبر عقبة بن خالد عن الامام الصادق (عليه السلام) عن رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده … فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال (عليه السلام): من مال صاحب المتاع- الي ان قال- فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد «1».

و عموم ما دل علي وجوب الوفاء بالعقد «2» عدم كون التلف من مال البائع،

إذ الأولان محكومان للنصوص، و الأخيران يقيد اطلاقهما بها.

و قد استدل لضمان من ليس له الخيار مطلقا:

باستصحاب الضمان الثابت قبل القبض و فيه اولا: انه اخص من المدعي إذ ربما يكون المبيع من اول العقد في يد المشتري فلا ضمان علي البائع حتي يستصحب- و لا يمكن اثبات الحكم فيه بعد جريان الاستصحاب فيما لم يكن مقبوضا في اول العقد بضميمة عدم القول بالفصل فان ذلك انما يكون بين الحكمين الواقعيين و ثانيا: ان المراد بالضمان اما ان يكون ضمان الغرامة، أو ضمان المعاوضة

______________________________

(1) المائدة آية 2.

(2) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 430

و توضيح هذه المسألة ان الخيار إذا كان للمشتري فقط من جهة الحيوان فلا اشكال و لا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع. و يدل عليه ما تقدم في المسألة السابقة من الاخبار، و

كذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف في ذلك لقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة ابن سنان و ان كان بينهما شرط اياما معدودة، فهلك في يد المشتري، فهو من مال بائعه، (1) و لو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون البائع، فظاهر قوله (عليه السلام) حتي ينقضي شرطه، و يصير المبيع للمشتري، كذلك (2) بناء علي ان المناط انقضاء الشرط الذي تقدم انه يطلق علي خيار المجلس في الاخبار، بل ظاهره ان المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري و اختصاصه به بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه، و ان هذا المناط ينظر تعليل

______________________________

لا سبيل الي اجراء الاستصحاب علي التقديرين اما علي التقدير الاول فلان الثابت قبل القبض كما سيأتي ضمان المعاوضة دون ضمان الغرامة- و أما علي الثاني- فلان ضمان الغرامة و ان كان من الاحكام الوضعية الاعتبارية، الا ان ضمان المعاوضة و هو انفساخ العقد لا يكون الا حكما شرعيا بانه لو تلف ينفسخ العقد- و حيث انه لم يتلف فالمعلوم السابق ليس الا هذا الامر التعليقي- و قد حقق في محله انه لا يجري الاستصحاب التعليقي و ثالثا: ان العمومات مقدمة علي الاستصحاب فالحق ان مقتضي الاصل الاولي عدم الضمان إذا عرفت هذا فاعلم ان مورد الكلام مواضع.

يختص هذا الحكم بخياري الحيوان و الشرط

(1) الاول: ان هذا الحكم هل يختص بخياري الحيوان و الشرط كما عن الجواهر.

(2) ام يعم خيار المجلس لو كان للمشتري فقط كما لو اسقطه البائع كما مال إليه المصنف، ام يكون ثابتا في جميع الخيارات كما هو المنسوب الي المشهور؟ وجوه:

وجه الأول: اختصاص النصوص من حيث المورد بهما خصوصا بملاحظة ذكر المدة في جميع الروايات، الا النبوي: في

رجل اشتري عبدا بشرط ثلاثة ايام فمات العبد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 431

هذا الحكم في السرائر حيث قال: فكل من كان له خيار، فالمتاع يهلك من مال: من ليس له خيار لأنه قد استقر عليه العقد، و الذي له الخيار ما استقر عليه العقد و لزم،

فإن كان الخيار للبائع دون المشتري، و كان المتاع قد قبضه المشتري و هلك في يده،

كان هلاكه من مال المشتري دون البائع، لأن العقد مستقر عليه و لازم من جهته.

و من هنا يعلم انه يمكن بناء علي فهم هذا المناط طرد الحكم في كل خيار،

فتثبت القاعدة المعروفة من ان التلف في ضمان الخيار ممن لا خيار له من غير فرق بين اقسام الخيار (1)

______________________________

في الشرط قال (صلي الله عليه و آله): يستحلف بالله ما رضيه ثمّ هو برئ من الضمان، المروي في قرب الاسناد «1».

و استدل للثاني: بان الشرط الذي جعل انقضائه غاية لضمان من لا خيار له اطلق في النصوص علي خيار المجلس.

و فيه: ان المراد بالشرط في نصوص الباب هو ما ذكر فيها سابقا سؤالا و جوابا، و هو الخيار الذي يشترطه المتبايعان.

و استدل للثالث: بوجهين:

احدهما: صدق الشرط علي مطلق الخيار.

و فيه: ما تقدم آنفا.

(1) ثانيهما: استفادة المناط الذي يعم جميع الخيارات من قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية:

حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري. «2» فانه يستفاد منه- بعد حمل يصير المبيع له علي صيرورته ملكا لازما للفراغ عن كونه ملكا له قبل انقضاء الخيار ان المناط في الضمان عدم استقرار الملك لكون مالكه ذا خيار يقدر ان يسلب الملكية عن نفسه، و ان في مثل ذلك يكون تلف ماله علي غيره، و عليه فلا

فرق بين الخيارات لأن هذا المناط موجود في جميعها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 432

و لا بين الثمن و الثمن، كما يظهر من كلمات غير واحد من الاصحاب بل نسبه جماعة الي اطلاق الاصحاب، قال في الدروس في احكام القبض: و بالقبض ينتقل الضمان الي القابض إذا لم يكن له خيار، انتهي. فإن ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشتري في عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض، و نحوه كلامه (قدس سره) في اللمعة و في جامع المقاصد في شرح قول المصنف: و لو ماتت الشاة المصراة أو الامة المدلسة فلا شي ء له، و كذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس قال: و تقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر، لأن العلم إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك الا ان يقال انه غير مضمون عليه الآن لثبوت خياره، و لم اظفر في كلام المصنف و غيره بشي ء في ذلك، انتهي. و قال في شرح قول المصنف قدس سره و لا يسقط الخيار بتلف العين، مقتضي إطلاق كلامهم، أنه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشتري، انفسخ المبيع لاختصاص الخيار بالمشتري، ثمّ تردد فيه و في خيار الرؤية. و في المسالك في مسألة أن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم، و ان الحادث في ايام خيار الحيوان مضمون علي البائع، قال: و كذا كل خيار مختص بالمشتري.

و عن مجمع البرهان في مسألة ان تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من البائع استنادا الي عموم قاعدة تلف المال قبل القبض، ان هذه القاعدة معارضة بقاعدة اخري، و هي ان تلف المال في الخيار

المختص بالبائع من مال المشتري، فإن الظاهر من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الاصحاب، و صرح بنحو ذلك المحقق جمال الدين في حاشية الروضة، و استظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض معترفا بعمومها من جهات اخري، و ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين اقسام الخيار، و لابين الثمن و المثمن، و لابين الخيار المختص بالبائع و المختص بالمشتري. و لذا نفي في الرياض الخلاف في ان التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له.

و في مفتاح الكرامة ان قولهم: التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له، قاعدة لا خلاف فيها، ثمّ ذكر فيه تبعا للرياض: ان الحكم في بعض افراد المسألة مطابق للقاعدة.

لكن الانصاف انه لم يعلم من حال احد من معتبري الاصحاب الجزم بهذا التعميم، فضلا عن اتفاقهم عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 433

فإن ظاهر قولهم التلف في زمان الخيار هو الخيار الزماني، و هو الخيار الذي ذهب جماعة الي توقف الملك علي انقضائه لا مطلق الخيار، ليشمل خيار الغبن و الرؤية و العيب و نحوها، أ لا تري انهم اتفقوا علي انه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا علي البائع، و لو كان الموت بعد العلم بالعيب، أ لا تري ان المحقق الثاني ذكر ان الاقتصاص من العبد الجاني إذا كان في خيار المشتري، كان من ضمان البائع. و أما ما نقلنا عنه سابقا في شرح قوله: و لو تعيبت قبل علمه بالتدليس فهو مجرد احتمال،

حيث اعترف بأنه لم يظفر فيه علي شي ء، مع انه ذكر في شرح قول المصنف في باب العيوب و كل عيب تجدد في الحيوان بعد القبض، و قبل انقضاء الخيار، فإنه لا يمنع الرد في

الثلاثة نفي ذلك الاحتمال علي وجه الجزم، حيث قال الخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان، و كذا كل خيار يختص بالمشتري كخيار الشرط له، و هل خيار الغبن و الرؤية كذلك يبعد القول به خصوصا علي القول بالفورية لا خيار العيب، لأن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا، انتهي.

و من ذلك يعلم حال ما نقلناه عنه في خيار الغبن، فلم يبق في المقام ما يجوز الركون إليه، الا ما اشرنا إليه من ان مناط خروج المبيع عن ضمان البائع، علي ما يستفاد من قوله (عليه السلام) حتي ينقضي شرطه، و يصير المبيع للمشتري هو انقضاء خيار المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الاخبار، و صيرورة المبيع مختصا بالمشتري لازما عليه بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه، فيدل علي ان كل من له شرط، و ليس المعوض الذي وصل إليه لازما عليه، فهو غير ضامن له حتي ينقضي شرطه، و يصير مختصا به لازما عليه، و في الاعتماد علي هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد، مع انه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه، لان ظاهر الصحيحة الاختصاص بما كان التزلزل و عدم كون المبيع لازما علي المشتري ثابتا من اول الامر، كما يظهر من لفظة- حتي- الظاهرة في الابتداء. و هذا المعني مختص بخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و لو كان منفصلا، بناء علي ان البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط.

و لذا ذكرنا جريان الخلاف في المسألتين السابقتين فيه.

و أما الغبن و العيب و الرؤية و تخلف الشرط و تفليس المشتري و تبعض الصفقة، فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 434

و

الحاصل ان ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض الي ان يصير المبيع لازما علي المشتري، و هذا مختص بالبيع المتزلزل من اول الامر، (1) فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض، ثمّ يرجع بعد عروض التزلزل الي ضمان البائع، فاتضح بذلك ان الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة علي تأمل في خيار المجلس، ثمّ ان مورد هذه القاعدة انما هو ما بعد القبض.

و أما قبل القبض فلا اشكال و لا خلاف في كونه من البائع من غير التفات الي الخيار فلا يشمل هذه القاعدة خيار التأخير. و أما عموم الحكم للثمن و المثمن، (2) بأن يكون تلف الثمن في مدة خيار البائع المختص به من مال المشتري فهو غير بعيد

______________________________

و فيه: ان كلمة حتي قلما يتفق استعمالها في العلية، و معناها غالبا هي الغاية، و هي ظاهرة فيها في الخبر، فلا يستفاد العموم من الخبر.

و بعبارة اخري: لا سبيل الي احراز ان ما ذكر هو تمام العلة بحيث يتعدي عن مورد النصوص الي غيره.

و أما ما اورده المصنف (رحمه الله) عليه بعد الاعتراف بانه المناط: بان الظاهر منه بقرينة حتي الظاهرة في الاستمرار من حال العقد الي حين انقضاء الخيار الاختصاص.

(1) بما إذا كان التزلزل من اول الامر و هذا مختص بالخيارات الثلاثة إذ في الخيارات الاخر غير الثلاثة يحدث التزلزل بعد ان كان العقد لازما.

فيرده: انه في خياري الغبن و العيب يحدث التزلزل من حين العقد لا من بعد الظهور،

مع ان كلمة حتي و ان كانت ظاهرة في الاستمرار الا ان كون المبدأ من حين العقد أو غيره،

فلا دلالة للفظة حتي عليه جزما.

اختصاص هذا الحكم بالمبيع الشخصي

(2) الثاني: هل تختص هذه القاعدة

بالمبيع ام تعم الثمن؟ وجهان:

وجه الأول: اختصاص الاخبار بالمبيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 435

نظرا الي المناط الذي استفدناه، (1) و يشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة،

مضافا إلي استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض، (2) و توهم عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال المالك خرج منه ما قبل القبض مدفوع بأن الضمان الثابت قبل القبض و بعده في مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة،

لأن المراد به انفساخ العقد و دخول العوض في ملك صاحبه الأصلي و تلفه من ماله.

نعم هو مخالف لأصالة عدم الانفساخ، و حيث ثبت المخالفة قبل القبض، فالاصل بقاؤها بعد القبض في مدة الخيار.

نعم يبقي هنا ان هذا مقتض لكون تلف الثمن في مدة خيار البيع الخياري من المشتري فينفسخ البيع، و يرد المبيع الي البائع، و التزام عدم الجريان من حيث ان الخيار في ذلك البيع، انما يحدث بعد رد الثمن أو مثله، فتلف الثمن في مدة الخيار انما يتحقق بعد رده قبل الفسخ لا قبله مدفوع بما اشرنا إليه سابقا من منع ذلك، مع ان المناط في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه الي ذي الخيار تزلزل البيع المتحقق و لو بالخيار المنفصل كما اشرنا سابقا، فالاولي الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن شخصيا، (3) بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع، فيكون كذلك بعد القبض مع خيار البائع، و لو منفصلا عن العقد

______________________________

وجه الثاني: امران:

(1) احدهما: عموم المناط و ان الملاك تلف الملك المتزلزل و لو كان ثمنا و فيه: - مضافا الي ما تقدم من عدم كونه علة- انه لو سلم ذلك فالعلة هي صيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري كما في الخبر لا

صيرورة البيع لازما، و الفرق واضح.

(2) ثانيهما: استصحاب ضمان المشتري الثابت قبل قبضه و قد تقدم عدم جريانه، فالأظهر هو الاختصاص.

(3) الثالث: ان القاعدة هل تختص بالمبيع الشخصي أو مع الثمن الشخصي ام تعم الكلي منهما بعد التطبيق علي الفرد.

وجه الأول: امران:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 436

و أما إذا كان الثمن كليا، فحاله حال المبيع إذا كان كليا، كما إذا اشتري طعاما كليا بشرط الخيار له الي مدة، فقبض فردا منه فتلف في يده. فإن الظاهر عدم ضمانه علي البائع، لأن مقتضي ضمان المبيع في مدة الخيار علي من لا خيار له، علي ما فهمه غير واحد بقاؤه علي ما كان عليه قبل القبض، و دخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد، بل معني الضمان بالنسبة الي الفرد صيرورة الكلي كغير المقبوض. و هذا مما لا يدل عليه الاخبار، (1) المتقدمة، فتأمل.

ثمّ ان ظاهر كلام الاصحاب، و صريح جماعة، منهم كالمحقق و الشهيد الثانيين ان المراد بضمان من لا خيار له. لما انتقل الي غيره، هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه (2) و انفساخ العقد آنا ما قبل التلف

______________________________

احدهما ظهور النصوص بقرينة ما فيها من استناد التلف و الهلاكة و ما شابههما في الشخصي، فان الكلي إذا كان مبيعا أو ثمنا لا تلف له و لا هلاكة، و الفرد ليس مبيعا.

(1) ثانيهما: ان مقتضي ضمان المبيع في مدة الخيار علي من لا خيار له بقائه علي ما كان عليه قبل القبض، و دخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد، بل معني الضمان بالنسبة الي الفرد صيرورة الكلي كغير المقبوض، و هذا مما لا تدل عليه الاخبار.

و لكن يمكن ان يقال: ان

المبيع إذا كان كليا و طبق علي الفرد يصير البيع مستقرا عليه، فيكون هو المبيع بالحمل الشائع، و يكون للمبيع حينئذ التلف و الهلاكة، و معني ضمانه حينئذ انفساخ المعاملة لا صيرورة الكلي كغير المقبوض بحيث يعود الثمن كليا، فان عوده كذلك بعد التشخص كما تري، فالأظهر هو التعميم.

المستفاد من النصوص كون هذا الضمان ضمان المعاوضة

(2) الرابع: ان الضمان المستفاد من هذه النصوص هل هو ضمان المعاوضة و انفساخ العقد قبل التلف آنا ما كما هو المشهور، ام هو ضمان الغرامة و الرجوع علي البائع بقيمته

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 437

و هو الظاهر ايضا من قول الشهيد قدس سره في الدروس، و بالقبض ينتقل الضمان الي القابض ما لم يكن له خيار حيث ان مفهومه انه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه به بل يبقي علي ناقله الثابت قبل القبض.

______________________________

و بدله علي تقدير عدم الفسخ كما عن الشهيدين و العلامة؟ قولان.

و أما سائر الوجوه المحتملة في المتن و غيرها فلم نجد قائلا بشي ء منها.

و تنقيح القول فيه بالبحث في مقامين:

الأول: فيما يستفاد من ظواهر النصوص.

الثاني: في الحكم بلحاظ القواعد الخارجية الشرعية.

اما الأول: فظاهر قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: و ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع. «1» هو الانفساخ، إذ كلمة من اما نشوية أو تبعيضية أو للابتداء، و علي جميع التقادير ظاهرة في ذلك.

اما علي الأول: فلأن نشوء الهلاكة من مال البائع و عروضها عليه عبارة اخري عن صيرورته ملكا له قبلها، و حيث انه لا يصير ملكا له مجانا بل بالعوض، فيعود الثمن ايضا الي المشتري.

و أما علي الثاني: فلأن ظاهره حينئذ كون المبيع الهالك مال البائع، و حيث

لا يعقل ذلك فيقدر ملكه له قبل التلف آنا ما.

و أما علي الثالث: فلأن الضمير حينئذ و ان كان يرجع الي المبدأ المستفاد من قوله فهلك نظير (اعدلوا هو اقرب للتقوي) الا ان ظاهر كون هلاكة المبيع من مال البائع كونه ملكا له قبل التلف، إذ فرق بين كون التلف من البائع و كونه علي البائع، و ظاهر الأول ما ذكرناه.

و قد استدل للقول الثاني: بقوله علي البائع في جواب السائل علي من ضمان ذلك،

بدعوي ظهور ضمان المال التالف في الغرامة و الخسارة لمال الغير، فان الانسان لا يكون

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 438

و قد عرفت ان معني الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد و تلفه في ملك ناقله، بل هو ظاهر القاعدة و هي ان التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له، فإن معني تلفه منه تلفه مملوكا له، مع ان ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة علي ضمان البائع للمبيع في مدة خيار المشتري بضميمة قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك مالكه، (1) و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج، (2) فإنا إذا قدرنا المبيع في ملك البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شي ء من القاعدتين.

______________________________

ضامنا لمال نفسه،

هذا مضافا الي التعبير بلفظ علي فان تلف مال كل احد منه خسارة منه لا عليه.

و بالجمع بين التلف و الحدث في جملة من النصوص مع انه لا انفساخ في الحدث- كما سيأتي- فالضمان المنسوب اليهما بمعني واحد و هو الغرامة.

و لكن يرد علي الأول: ان السؤال عن ضمان ما تلف في ملك المشتري بانه هل تكون خسارته علي البائع أو المشتري مما لا يتصور له

وجه معقول، إذ لا يتوهم عاقل كون المشتري غارما لما تلف في ملكه، فلا محالة يكون المسئول عنه اما ضمان المعاوضة أو الجامع، و علي التقديرين لا يعارض مع الظهور المتقدم.

و به يظهر الجواب عن التعدية بحرف الاستعلاء، و كذا عن الجمع بين التلف و الحدث.

و أما المقام الثاني: فالقول بالانفساخ مخالف لقاعدة اصالة بقاء العقد المستفادة من.

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و غيره.

و أما القول بالغرامة فهو مخالف لأصالة البراءة عن وجوب تدارك التالف في ملك صاحبه، فكل منهما مخالف لقاعدة لا أولوية لأحد القولين من الآخر من هذه الجهة.

و قد يقال كما في المتن: بان القول بالغرامة مخالف لقاعدتين:

(1) احداهما: ما اشرنا إليه.

(2) ثانيتهما: قاعدة الخراج بالضمان الدالة علي ان المنافع لمن يكون ضامنا للمال فانه علي هذا البائع ضامن له و المنافع للمشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 439

و الحاصل ان ارادة ما ذكرنا من الضمان مما لا ينبغي الريب فيها، و مع ذلك كله فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم، بل يدل علي عدم الانفساخ، (1) قال (قدس سره) لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع و الخيار و بعده لا يبطل الخيار و ان كان التلف من البائع، كما إذا اختص الخيار بالمشتري، فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه، و لو فسخ المشتري رجع بالثمن، و غرم البدل في صورة ضمانه، و لو اوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل، و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر، انتهي.

و العبارة محتاجة الي التأمل من وجوه، (2) و قد يظهر ذلك من اطلاق عبارة التذكرة،

______________________________

و يرد

عليه: ان قاعدة الخراج بالضمان بهذا المعني لا أساس لها، و قد تقدم الكلام فيها في المقبوض بالعقد بالفاسد، و سيأتي في مسألة التلف قبل القبض، و المخالفة للقاعدة الاولي و ان لزمت الا ان القول بالانفساخ ايضا مخالف لقاعدة اخري كما عرفت.

و قد يقال: بان القول بالانفساخ مخالف لقواعد اربع، و سيأتي في مسألة التلف قبل القبض توجيهه و ما يرد عليه فانتظر،

كما سيأتي في تلك المسألة ان الانفساخ انما يكون من حين العقد و يكون حقيقيا لا حكميا، و جميع ما نذكره في تلك المسألة جار هنا.

(1) قوله فظاهر عبارة الدروس … يوهم بل يدل علي عدم الانفساخ صدر العبارة و هو قوله و بعده لا يبطل صريح في عدم الانفساخ و لكن ذيلها و هو قوله و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر دال علي انه متأمل في الحكم بالانفساخ و لهذه العبارة لا يجوز نسبة البطلان الي الشهيد.

(2) قوله و العبارة محتاجة الي التأمل من وجوه الأول: من الوجوه قوله و بعده لا يبطل الخيار، فان ظاهره ان القبض يرفع الضمان المعاوضي: فانه ينافي ما افاده في موضع آخر، و بالقبض ينتقل الضمان، الا ان يكون خيار إذ ظاهره: ان الضمان المعاوضي باق بعد القبض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 440

قال: لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار، فإن كان قبل القبض انفسخ البيع قطعا، و ان كان بعده لم يبطل خيار المشتري و لا البائع، و يجب القيمة علي ما تقدم. ثمّ حكي عن الشافعية وجهين في الانفساخ بعد القبض و عدمه، بناء علي الملك بالعقد، و يمكن حمله علي الخيار المشترك، كما ان قوله في القواعد

لا يسقط الخيار بتلف العين محمول علي غير صورة ضمان البائع للمبيع، لما عرفت من تعين الانفساخ فيها، و ربما يحتمل ان معني قولهم ان التلف ممن لا خيار له، ان عليه ذلك إذا فسخ صاحبه لا انه ينفسخ كما في التلف قبل القبض. و أما حيث يوجب المشتري فيحتمل انه يتخير بين الرجوع علي البائع بالمثل أو القيمة، و بين الرجوع بالثمن و يحتمل تعين الرجوع بالثمن. و يحتمل ان لا يرجع بشي ء فيكون معني له الخيار ان له الفسخ، (1)

______________________________

الثاني: قوله فلو فسخ الخ: إذ لو فسخ البائع ذو الخيار، لا وجه لضمانه كي يقيد الرجوع بالبدل، بصورة عدم ضمانه: لان ضمانه لا يكون الا مع اختصاص الخيار بالمشتري الثالث:: قوله و لو فسخ المشتري الخ: إذ مع فرض كون الخيار للمشتري يكون الضمان علي البائع، لقاعدة كل مبيع تلف في زمان الخيار، فهو ممن لا خيار له و لا يتصور ضمان المشتري الا ان يقال ان نظر الشهيد الي صورة ثبوت الخيار المشترك،

و هناك مواضع اخر يظهر للمتأمل فيما قدمناه.

(1) قوله و أما حيث يوجب المشتري فيحتمل انه يتخير بين الرجوع الي آخره لا وجه لهذه الاحتمالات، الا الأخير منها بعد حمل القاعدة علي صورة الفسخ: فان عدم الضمان، قد مر أنه علي وفق القاعدة و انما المخرج هو القاعدة فإذا اختصت بصورة الفسخ تبقي صورة الامضاء باقية تحت ما تقتضيه القواعد الاولية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 441

ثمّ الظاهر ان حكم تلف البعض حكم تلف الكل، (1) و كذا حكم تلف الوصف الراجع الي وصف الصحة بلا خلاف علي الظاهر، لقوله في الصحيحة السابقة أو يحدث فيه حدث، فإن المراد بالحدث اعم

من فوات الجزء و الوصف، (2)

هذا كله إذا تلف بآفة سماوية. و منها حكم الشارع عليه بالاتلاف. و أما إذا كان باتلاف ذي الخيار سقط به خياره و لزم العقد من جهته، (3) و ان كان باتلاف غير ذي الخيار (4) لم يبطل خيار صاحبه فيتخير بين امضاء العقد و الرجوع بالقيمة و الفسخ و الرجوع بالثمن.

______________________________

(1) الخامس: انه لو كان التالف هو الجزء انفسخ العقد بالنسبة إليه و لو كان هو الوصف الراجع الي وصف الصحة، فهل تشمله القاعدة لقوله (عليه السلام) في الصحيح المتقدم أو يحدث فيه حدث.

(2) فان المراد بالحدث اعم من فوات الجزء و الوصف كما في المتن ام لا يشمله كما هو الظاهر من التبصرة قال: و العيب الحادث من غير تفريطه لا يمنع الرد بالسابق؟ وجهان، و علي فرض الشمول يشكل الأمر في معناه إذ لا يعقل الانفساخ بالاضافة إليه لفرض عدم مقابلته بالثمن، و قد اشبعنا الكلام في ذلك في خيار العيب و ذكرنا ما افاده المصنف في المقام و نقده، فراجع

حكم اتلاف المبيع في زمان الخيار

السادس: إذا كان تلف المبيع بالاتلاف لا بآفة سماوية فهذه النصوص لا تشمله لانصرافها الي التلف السماوي.

و أما حكمه فملخص القول فيه: ان الاتلاف تارة: يكون ممن له الخيار، و اخري:

يكون ممن عليه الخيار، و ثالثة: يكون من الأجنبي.

(3) فان كان الاتلاف من ذي الخيار فقد حكم المصنف (رحمه الله) بكونه مسقطا لخياره و هو كذلك في خيار الحيوان و في خيار الشرط لو قصد به الاجازة و الامضاء،

و الا فالأظهر بقائه، و قد مر وجهه.

(4) و ان كان الاتلاف ممن عليه الخيار، فان اجاز من له الخيار العقد و لم يفسخه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

442

______________________________

غرم المتلف للمشتري ما اتلفه و لو فسخ يأخذ الثمن، و لا يخفي وجهه،

و لو كان الاتلاف من الأجنبي لا تنفسخ المعاملة و لا يسقط الخيار، فلو امضاها لا كلام، و ان فسخ رجع المشتري الي البائع فيأخذ ثمنه، و بالنسبة الي البائع وجوه:

احدها: انه يرجع بالقيمة الي المتلف.

ثانيها: انه يرجع الي صاحبه.

ثالثها: انه يتخير بينهما.

استدل للأول بوجهين:

الأول: ان البدل في ذمة المتلف قائم مقام العين، فيسترده بالفسخ بعد عدم امكان استرداد العين.

و فيه: ان ما في ذمة المتلف قبل الفسخ انما هو الحصة الخاصة من الكلي المتقومة بطرفيها من ذمة المتلف لمالكه حين التلف، فان اشتغلت ذمته لغيره فهو غير ما كان.

الثاني: ما حاصله: ان العين التالفة ملك للمالك السابق بعد الفسخ، و هي في عهدة المتلف، فتكون كما لو كانت موجودة عنده، فلا بد من الرجوع إليه.

و اورد عليه: بان الفسخ و ان اوجب اعتبار كون العين ملكا للناقل الا انها موصوفة باشتغال ذمة متلفها ببدلها، و تلفها بهذا الوصف يكون علي المالك المنقولة إليه لا علي المتلف، فيتعين ان يكون الضامن للفاسخ هو المفسوخ عليه.

و المصنف (رحمه الله) قد ذكر في وجه الثاني ما يكون دليلا له، و مع ذلك هو ايراد علي الوجهين اللذين ذكرهما للوجه الأول، و سيأتي عند شرح كلماته بيان ذلك، و ستعرف ان مراده الإيرادان المتقدمان فانتظر.

و الأظهر هو التخيير، فان العين بالتلف تثبت في عهدة المتلف، و مقتضي الفسخ رجوع العين الي الفاسخ، و حيث انها في عهدة الأجنبي فيرجع إليه، و لكن لا يتعين ذلك،

بل له ان يرجع الي المفسوخ عليه، لأن المال كان في عهدته قبل وضع الأجنبي يده عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

443

و ان كان باتلاف اجنبي (1) تخير ايضا بين الامضاء و الفسخ، و هل يرجع حينئذ بالقيمة الي المتلف، أو الي صاحبه، أو يتخير وجوه، من ان البدل القائم مقام العين في ذمة المتلف، فيسترده بالفسخ و لأن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ، أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء علي الوجهين في اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ، و علي التقديرين فهي في ضمان المتلف، كما لو كانت العين في يد الاجنبي، و من انه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج عن ملكه بدل المثمن و صار في ذمته، لأن ضمان المتلف محله الذمة لا الأمور الخارجية، و ما في ذمة المتلف إنما تشخص مالا للمالك و كونه بدلا عن العين انما هو بالنسبة الي التلف من حيث وجوب دفعه الي المالك (2) كالعين لو وجدت، لا انه بدل خارج يترتب عليه جميع احكام العين حتي بالنسبة الي غير التلف. فهذا البدل نظير بدل العين لو باعها المشتري، ففسخ البائع، فإنه لا يتعين للدفع الي الفاسخ. و أما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها، (3) مضمونة، لمالكها علي متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ، فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا علي المالك لا المتلف، و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ و بالقيمة بعده، و اتلاف الاجنبي ايضا سبب للضمان، فيتخير في الرجوع. و هذا اضعف الوجوه. (4)

______________________________

(1) قوله و ان كان باتلاف اجنبي عبارته في ذيل هذا العنوان لا تنطبق علي ما هو ما لو كان الخيار للمشتري و اتلف المبيع اجنبي إذ الفاسخ هو المشتري و المفسوخ عليه و

هو البائع و التالف هو المبيع و للمشتري الرجوع الي البائع بالثمن فقط كما تقدم نعم- يتم ما افاده من الوجوه- مع تبديل الفاسخ بالمفسوخ عليه في الموردين و المفسوخ عليه بالفاسخ في مورد واحد فلاحظ و تدبر.

(2) قوله و كونه بدلا انما هو بالنسبة الي التلف من حيث وجوب دفعه هذا اشارة الي ما ذكرناه من الجواب عن الوجه الاول للرجوع الي المتلف.

(3) قوله و أما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها هذا اشارة الي ما ذكرناه من الجواب عن الوجه الثاني له.

(4) قوله و هذا اضعف الوجوه قد عرفت انه الاقوي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 444

مسألة و من احكام الخيار ما ذكره في التذكرة، فقال: يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن، في زمان الخيار،

و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما عنده و له استرداد المدفوع قضية للخيار. (1)

و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهي. و يظهر منه ان الخلاف بين المسلمين انما هو بعد اختيار احدهما التسليم. و أما التسليم ابتداء فلا يجب من ذي الخيار اجماعا، (2)

ثمّ انه ان اريد عدم وجوب التسليم علي ذي الخيار من جهة ان له الفسخ، فلا يتعين عليه التسليم، فمرجعه الي وجوب احد الامرين عليه. و الظاهر انه غير مراد و ان اريد عدم تسلط المالك علي ما انتقل إليه إذا كان للناقل خيار، فلذا يجوز منعه عن ماله، ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم سلطنة الناس علي اموالهم. (3)

و بالجملة فلم اجد لهذا الحكم وجها معتمدا، و لم اجد من عنونه و تعرض لوجهه.

______________________________

حكم تسليم العوضين في زمان الخيار

(1) المشهور بين الاصحاب انه لا يجب

علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار حتي لو سلم احدهما لا يجبر الآخر علي تسليم ما عنده، و له استرداد المدفوع و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه،

(2) و المصنف بعد استظهاره نقل الاجماع علي هذا الحكم استشكل فيه: بانه، ان كان المراد عدم تعين التسليم بل هو مخير بينه و بين الفسخ،

فمتين، الا انه غير مراد،

و ان اريد انه مع بقاء العقد لا يجب التسليم،

(3) فغير تام إذ لا مخصص لعموم سلطنة الناس علي اموالهم، الدال علي وجوبه و اورد عليه المحقق النائيني (رحمه الله) بان العقد لو كان خياريا فهو بجميع مداليله المطابقية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 445

مسألة قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين، (1)

و هذا الكلام ليس علي اطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد، فإن من جملة افراد الخيار خيار التأخير بل مطلق الخيار قبل القبض، أو الخيار المختص بعده. (2) و من المعلوم ان تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد، فلا يبقي خيار، فيكون المراد التلف مع بقاء العقد علي حاله لا يوجب سقوط الخيار. و بعبارة اخري تلف العين في ملك من في يده لا يسقط به خياره و لا خيار صاحبه، و هو كذلك لأن الخيار، كما عرفت عبارة عن ملك فسخ العقد. و معلوم ان العقد بعد التلف قابل للفسخ، و لذا يشرع الاقالة حينئذ اتفاقا، فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف و لا مقيد له بصورة البقاء.

______________________________

و الالتزامية تحت يد ذي الخيار فلا يجب عليه التسليم كما لا يجب عليه الوفاء باصل العقد و فيه: اولا انه، لو تم لاختص، بالخيار المجعول للمتبايعين، و أما في الخيار المجعول الشرعي، فلا يجري فانه ليس هناك التزام

بكون العقد بجميع مداليله تحت يد ذي الخيار،

و غاية مدلول دليله كون رفع العقد و بقائه بيده، و لكن علي فرض البقاء، هل يجب التسليم ام لا فلا بد من الرجوع الي ما يقتضيه القاعدة، و هو الوجوب و ثانيا: انه لا يتم في الخيار المجعول للمتبايعين ايضا: فان وجوب التسليم اثر الملك،

لا اللزوم، و من يجعل الخيار لنفسه يجعل العقد متزلزلا، و لا نظر له الي شي ء آخر، كي يكون من قبيل شرط عدم تعين التسليم،

فالاظهر وجوبه علي تقدير بقاء العقد.

بقاء الخيار مع تلف العين

(1) قوله قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين تنقيح الكلام بالبحث في موارد.

الاول ان مرادهم بما ذكروه: ان التلف لا يكون ملزما للعقد و هذا علي اطلاقه صحيح،

(2) و لا يرد عليهم النقض بالخيار قبل القبض و في الخيار المختص بعده بدعوي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 446

اللهم إلا ان يعلم من الخارج ان شرع الخيار لدفع ضرر الصبر علي نفس العين، فينتفي هذا الضرر بتلف العين. كما في العيب، فإن تخيره بين الرد و الارش لأن الصبر علي العيب ضرر و لو مع اخذ الارش، فتداركه الشارع بملك الفسخ و الرد،

فإذا تلف انتفي حكمة الخيار، أو يقال انه إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد لا بالخيار اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف علي بقاء العين. هذا مع قيام الدليل علي سقوط الخيار بتلف المعيب و المدلس فيه فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.

نعم هنا موارد تأملوا في ثبوت الخيار مع التلف، (1) أو يظهر منهم العدم، كما تردد العلامة قدس سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس المال، بعد تلف

المتاع، بل عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم، نظرا الي ان الرد انما يتحقق مع بقاء العين. و فيه اشارة الي ما ذكرنا، من ان الثابت هو جواز الرد،

فيختص الفسخ بصورة تحققه لكن قوي في المسالك و جامع المقاصد ثبوت الخيار لوجود المقتضي و عدم المانع، و كما تردد المحقق الثاني في سقوط خيار الغبن، بتلف المغبون فيه.

______________________________

ان التلف يوجب انفساخ العقد و بتبعه يرتفع موضوع الخيار كما لا يرد النقض بخيار التأخير. فالكلام بما له من المراد علي اطلاقه.

(1) الثاني: انه لو شك في ان الخيار هل يرتفع بالتلف ام يكون باقيا و لم يدل الدليل علي احد الطرفين، فهل الاصل بقائه، ام لا،

ربما يقال بان مقتضي الاستصحاب بقائه و لكن الظاهر عدم جريان هذا الاصل و ذلك لوجوه،

احدها عدم جريان الاستصحاب في الاحكام،

ثانيها: ان بقاء الموضوع مشكوك فيه فان الموضوع يمكن ان يكون هو العقد، و هو باق و يمكن ان يكون هو العين و هي تالفة و مع الشك لا يجري الاستصحاب،

نعم لو احرز انه متعلق بالعقد و شك في بقائه من جهة اخري يجري الاستصحاب من هذه الجهة و لا محذور فيه من هذه الناحية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 447

و ظاهر تعليل العلامة في التذكرة عدم الخيار، مع نقل المغبون العين عن ملكه بعدم امكان الاستدراك حينئذ هو عدم الخيار مع التلف، و الاقوي بقاؤه، لأن العمدة فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه، (1) مضافا الي اطلاق قوله (عليه السلام) و هم بالخيار إذا دخلوا السوق، مع انه لو استند الي الاجماع امكن التمسك بالاستصحاب، الا ان يدعي انعقاده علي التسلط علي الرد، فيختص

بصورة البقاء و الحق في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردد خيار الرؤية، و من مواضع التردد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار علي وجه ارادتهما التسلط علي مجرد الرد،

المتوقف علي بقاء العين، فإن الفسخ و ان لم يتوقف علي بقاء العين، الا انه إذا فرض الغرض من الخيار الرد أو الاسترداد، فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء و التمكن من الرد، و الاسترداد. (2) و ان كان حكمة في خياري المجلس و الحيوان، الا ان الحكم اعم موردا من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم

______________________________

ثالثها: ان المورد مورد للتمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، لا باستصحاب حكم الخاص.

(1) الثالث: ان الخيار الثابت بحديث لا ضرر لو قلنا به، هل يكون باقيا بعد التلف ام لا ربما يقال بالثاني نظرا الي ان قاعدة نفي الضرر، انما تنفي اللزوم و تثبت الجواز، و المتيقن من الجواز الثابت بها حق رد العين، فإذا امتنع ردها لا دليل علي جواز فسخ العقد و فيه: ان حديث نفي الضرر ينفي اللزوم، فيثبت بديله و بديل لزوم العقد جوازه و تراد العوضين غير مربوط بحديث نفي الضرر- فالحق هو الاول:

(2) الرابع إذا كان الخيار ثابتا بعنوان الرد و الاسترداد فهل يرتفع بالتلف ربما يقال بذلك لعدم امكان الرد معه و لكن يرد عليه انه يمكن ان يكون المراد هو الرد و الاسترداد في الملك لا خارجا و هذا لا يتوقف علي بقاء العين بل الظاهر منه ذلك.

الخامس: الخيار الذي، يجعله المتعاقدان، ان علم مقصودهما، فلا كلام، و ان قصد الخيار بما له من المعني كان باقيا بعد التلف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 448

بخلاف ما إذا كان اطلاق جعل المتعاقدين مقيدا علي وجه التصريح به

في الكلام، أو استظهاره منه بعدم تعلق الغرض. الا بالرد أو الاسترداد. و من هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط برد الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري، لأن الثابت من اشتراطهما هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن لا التسلط علي مطلق الفسخ المشروع مطلقا، و لو عند التلف لكن لم اجد من التزم بذلك أو تعرض له. و من هنا يمكن ان يقال في هذا المقام و ان كان مخالفا للمشهور، بعدم ثبوت الخيار عند التلف، الا في موضع دل عليه الدليل، إذ لم يدل ادلة الخيار من الاخبار و الاجماع الا علي التسلط علي الرد أو الاسترداد، و ليس فيها التعرض للفسخ المتحقق مع التلف ايضا، و ارادة ملك الفسخ من الخيار غير متعينة في كلمات الشارع، لما عرفت في اول باب الخيارات من انه استعمال غالب في كلمات بعض المتأخرين. (1)

نعم لو دل الدليل الشرعي علي ثبوت خيار الفسخ المطلق، الشامل لصورة التلف، أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعني، ثبت مع التلف ايضا، و الله العالم.

______________________________

السادس: ان الخيارات التي اخذ في لسان دليلها عنوان الخيار كقوله (عليه السلام) البيعان بالخيار ما لم يفترقا «1» هل تكون باقية بعد التلف، ام لا ظاهر المصنف (رحمه الله)

(1) الثاني من جهة ان ارادة ملك فسخ العقد من لفظ الخيار انما تكون من المستحدثات و ليس في الروايات من ذلك اثر فالمتيقن من النصوص جواز الرد و الاسترداد و هو انما يكون مع بقاء العين و فيه: ان الخيار انما يكون مقابل اللزوم كما يشهد له مضافا الي انه المتفاهم منه عرفا ما تضمن من النصوص ثبوت الخيار،

الي ان يصير العقد لازما- و بالجملة- كون المراد من الخيار ملك فسخ العقد واضح و عليه فيكون باقيا بعد التلف لبقاء العقد، و احتمال كون الحق مأخوذا علي وجه مخصوص و هو حق حل العقد المتعلق بالعوضين بشخصيهما يدفعه الاطلاق.

______________________________

(1) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 449

مسألة لو فسخ ذو الخيار، فالعين في يده مضمونة (1)

بلا خلاف علي الظاهر، لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ، إذ لم يسلمها ناقلها الا في مقابل العوض، و الاصل بقاؤه (2) إذ لم يتجدد ما يدل علي رضا مالكه بكونه في يد الفاسخ امانة، إذ الفسخ انما هو من قبله، و الغرض من التمسك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها امانة مالكية أو شرعية، ليكون غير مضمونة برضا المالك، أو بجعل الشارع و اذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما في القبض بالسوم، و مرجع ذلك الي عموم علي اليد ما اخذت، (3) أو الي انها قبضت مضمونة، فإذا بطل ضمانه بالثمن المسمي تعين ضمانه بالعوض الواقعي، اعني المثل أو القيمة، كما في البيع الفاسد، هذا،

و لكن المسألة لا تخلو عن اشكال. و أما العين في يد المفسوخ عليه، ففي ضمانها أو كونها امانة اشكال مما في التذكرة من انه قبضها قبض ضمان، فلا يزول الا بالرد الي مالكها، و من ان الفسخ لما كان من قبل الآخر فتركه العين في يد صاحبه مشعر بالرضا به المقتضي للاستئمان، و ضعفه في جامع المقاصد، بأن مجرد هذا لا يسقط الأمر الثابت و الله العالم، هذا بعض الكلام في الخيارات و أحكامها و الباقي محول إلي الناظر الخبير بكلمات الفقهاء و الحمد لله صلي الله علي محمد و آله.

______________________________

كون

العين مضمونة بعد الفسخ

(1) قوله لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة قد استدل للضمان بوجهين.

(2) الاول: انها كانت مضمونة قبل الفسخ و الاصل بقائه و فيه: ان المعلوم سابقا هو الضمان المعاوضي و ما يراد اثباته هو ضمان الغرامة فلا يجري الاصل و استصحاب الجامع بينهما من قبيل الاستصحاب في القسم الثالث من اقسام الكلي و لا يجري.

(3) الثاني: عموم علي اليد فانه يقتضي ضمان كل ما هو تحت يد غير مالكه خرج عنه اليد الامانية، و في المقام ليست يد الفاسخ امانية و فيه: ان ذلك يتم في المقدار الزائد عما يقتضيه ضرورة الايصال- و أما في ذلك المقدار، فهو مأذون من الشارع في امساكه بل و من قبل مالكه للقطع برضاه بحفظه و امساكه فيده امانية فالاظهر عدم الضمان،

و بما ذكرنا يظهر الحال فيما بيد المفسوخ عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 450

القول في النقد و النسية.

اشارة

قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم في احد العوضين إلي أربعة أقسام: بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد. و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالي بالكالي. و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسية. و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر اعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي. (1)

______________________________

النقد و النسيئة

طفحت كلماتهم بما افاده العلامة في التذكرة من انقسام البيع باعتبار التأخير و التقديم الي اربعة اقسام، و منها بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة، و في المتن.

(1) و المراد بالحاضر اعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي و لكن الظاهر ان المؤجل ليس عبارة عن تعليق التمليك علي مضي الاجل، إذ لا تعليق في البيع اجماعا، و لاعن تعليق المملوك

و الثمن عليه: إذ الاعيان لا تتقدر بالزمان،

بل المراد شرط تأخير الأداء الي رأس المدة المعلومة.

فما عن المحقق الخراساني (رحمه الله) من انه من قبيل الثاني، ضعيف.

و علي ما ذكرناه لا اختصاص للمؤجل بالكلي، بل يتصور ذلك في العين الشخصية،

فيشترط ان تكون العين الي مدة كذا في يد المشتري امانة أو عارية.

و به يظهر ما في كلام المصنف (رحمه الله)

اطلاق العقد يقتضي النقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 451

مسألة اطلاق العقد يقتضي النقد، (1)

و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين الي الآخر، فيجب الخروج عن العهدة متي طولب صاحبها (2)

فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن، و المراد المطالبة مع الاستحقاق، بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه علي الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن علي المشتري، و يدل علي الحكم المذكور ايضا الموثق في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي. ثمّ افترقا، قال: وجب البيع و الثمن، إذا لم يكونا شرطا فهو نقد.

فلو اشترطا تعجيل الثمن، كان تأكيد المقتضي الاطلاق (3) علي المشهور، بناء علي ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من ارادة عدم المماطلة و التأخير، عن زمان المطالبة لا ان يعجل بدفعه من دون مطالبة إذ لا يكون تأكيدا حينئذ لكنه خلاف متفاهم ذلك الشرط الذي هو محط نظر المشهور، مع ان مرجع عدم المطالبة في زمان استحقاقها الي القاء هذا الحق المشترط في هذا المقدار من الزمان.

______________________________

و كيف كان فاستقصاء القول في هذه المسألة ببيان امور.

(1) الاول ما افاده المصنف من ان اطلاق العقد يقتضي النقد واضح لا ريب فيه.

(2) و علي ضوء ما ذكرناه في معني التأجيل اتضح ان ما افاده (رحمه الله) في

بيان المراد من النقد متين: فان لزوم الأداء بعد العقد، انما يكون بمقتضي ما دل علي تسلط الناس علي اموالهم، «1» فمع عدم اشتراط التأجيل و مطالبة المالك يجب رده إليه.

و يمكن ان يقال: ان لزوم التسليم مما يقتضيه الشرط الضمني ايضا.

و يشهد بالحكم- مضافا الي ذلك-: موثق عمار بن موسي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي ثمّ افترقا فقال (عليه السلام): وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد «2».

(3) قوله فلو اشترطا تعجيل الثمن كان تأكيد المقتضي الاطلاق.

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 273 الطبع الحديث و ج 1 ص 154 الطبع القديم.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب احكام العقود حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 452

و كيف كان، فذكر الشهيد (رحمه الله) في الدروس ان فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد، فاخل المشتري (1) به و قوي الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الاطلاق ايضا. يعني عدم تعيين الزمان إذا اخل به في اول وقته (2)

______________________________

و لكن اشتراط التعجيل يتصور علي وجوه:

احدها: ان يشترط ثبوت حق التعجيل بنحو النتيجة و مثل هذا الشرط لا يكون نافذا، لأنه لم يثبت كونه من قبيل الحق الاعتباري، و مع ذلك فهو ليس مؤكدا لمقتضي العقد لعين هذا الوجه.

ثانيها: ان يشترط التعجيل و الاسراع حتي مع عدم المطالبة، و هذا يكون تأكيدا لما يقتضيه العقد بمدلوله الالتزامي، و بما في ضمنه من شرط الأداء، فان مقتضاه الأداء حتي مع عدم المطالبة خارجا.

فما في المتن من انه لا يكون تأكيدا علي هذا غير تام.

ثالثها: ان يشترط التعجيل مع المطالبة، و هو ايضا تأكيد لمقتضي العقد.

رابعها: ان يشترط

عدم حق للمشتري في التأخير.

و قد يقال: انه صحيح و مؤكد لمقتضي العقد، فانه لو شرط التأجيل كان مقتضاه حق التأخير، و مقتضي عدمه الذي هو معني الاطلاق عدم حق له في التأخير، فهذا الشرط مؤكد لمقتضي العقد.

و فيه: ان المشتري لا حق له في التأخير لعدم العلة، فلا معني لاشتراطه.

و كيف كان: فما هو المتعارف من شرط التعجيل مؤكد لمقتضي العقد،

فما عن الجواهر من انكاره في غير محله.

(1) و الشهيد (رحمه الله) قال في الدروس ان فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد فاخل المشتري به و ظاهر ذلك في بادئ النظر اختصاص الخيار بما إذا عين زمان النقد فاخل المشتري به.

(2) و عن الشهيد الثاني: ثبوت الخيار عند التخلف و ان اطلق التعجيل و لم يقيد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 453

و هو حسن، (1) و لا يقدح في الاطلاق عدم تعين زمان التعجيل، لأن التعجيل المطلق معناه الدفع في اول اوقات الامكان عرفا، و لا حاجة الي تقييد الخيار هنا بصورة عدم امكان الاجبار علي التعجيل. (2) لأن المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل، امكن اجباره به ام لم يمكن وجب أو لم يجب. فإن مسألة ان ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقا أو بعد تعذر اجباره علي الوفاء. مسألة اخري مضافا الي عدم جريانها في مثل هذا الشرط

______________________________

بزمان معين،

(1) و استحسنه المصنف (رحمه الله) لان التعجيل المطلق معناه الدفع في اول اوقات الامكان عرفا.

ما افاده العلمان متين،

و لكن الظاهر ان الشهيد لم يرد من كلامه هذا اختصاص الخيار بما إذا عين زمان النقد،

بل مراده انه في صورة الاطلاق بعد مضي اول اوقات الامكان العرفي يثبت الخيار بخلاف ما إذا عين زمان

النقد، فانه بمضي هذا المقدار لا يثبت الخيار، بل يتوقف علي مضي ذلك الزمان، مثلا لو اوقع البيع في اول الصبح و اشترط التعجيل بلا تعيين زمان لو اخر الأداء ساعة مثلا يثبت الخيار، و أما لو اشترط التعجيل الي الغروب فقبل الغروب لا خيار له، و انما يثبت الخيار لو اخر الأداء عن الغروب. ففائدة هذا الشرط التضييق في زمان الخيار.

(2) قوله و لا حاجة الي تقييد الخيار هنا بصورة عدم امكان الاجبار علي التعجيل هذا ايراد علي صاحب الجواهر (رحمه الله) حيث انه اورد علي الفقهاء بانهم حكموا بالخيار من دون تقييد بعدم امكان الاجبار، مع انه لا بد من ذلك.

و محصل ما اورده المصنف (رحمه الله) عليه امران:

الأول: ان الخيار معلق علي فوات التعجيل، لا نفسه، فالموضوع غير قابل للاجبار،

و بعبارة اخري: ان الخيار لم يعلق علي التعجيل الذي يمكن فيه الاجبار، بل علق علي فواته غير الممكن فيه ذلك، و الظاهر ان هذا مراده لاما افاده السيد المحشي (رحمه الله)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 454

إذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الاجبار و بعده لا ينفع لأنه غير الزمان المشروط فيه الاداء (1)

مسالة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة (2)

غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان الغير المسامح فيهما، فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر، (3) و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة علي وجوب تعيين الاجل و عدم جواز السلم الي دياس أو حصاد، (4) و لا فرق في الأجل المعين بين الطويل و القصير.

______________________________

من ان الكلام في اصل ثبوت الخيار لا في بيان جميع ما يعتبر فيه حتي يجب التعرض لهذه الجهة ايضا.

(1) الثاني: ان الاجبار

قبل اول ازمنة الامكان عرفا حيث لا حق للبائع لا يجوز بعد مضيه لا معني للاجبار، فانه ليس اجبارا علي التعجيل المشترط لفوات موضوعه،

و اول ازمنة الامكان هو زمان الأداء، و هو غير قابل للاجبار.

و لكن يرد علي الوجه الثاني: اولا: النقض بالاجبار علي الواجبات، فان لازم هذا البيان عدم امكانه، اما في الواجبات المضيقة فلأنه قبل انقضاء زمانه لا يجوز الاجبار،

و بعده لا مورد له، و أما في الموسعة فلأنه قبل ان يصير وقته مضيقا لا يجوز الاجبار، و بعده حكمها حكم المضيقة.

و ثانيا: بالحل، و هو انه يجوز الاجبار في اول وقت الأداء، و لو قلنا بعدم توسعة وقته و في آخر الوقت لو قلنا بتوسعته.

اشتراط تأجيل الثمن

الثاني: بعد ما لا كلام في جواز اشتراط تأجيل الثمن في الجملة فاعلم: انه.

(2) يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة غير محتملة للزيادة و النقصان بلا كلام.

(3) كما لا كلام في انه يبطل لو لم يعين ذلك بلا خلاف للغرر.

(4) و أما الاستدلال له بما دل في السلم علي وجوب تعيين الاجل و عدم جواز السلم الي دياس أو حصاد، «1»

فغير صحيح، إذ بعد عدم العلم بالمناط يكون ذلك من قبيل القياس

______________________________

(1) الوسائل- باب 3 من ابواب السلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 455

و عن الاسكافي المنع من التأخير إلي ثلاث سنين. (1) و قد يستشهد له بالنهي عنه في بعض الأخبار مثل رواية أحمد بن محمد، قلت لأبي الحسن إنّي أريد الخروج إلي بعض الجبال. إلي أن قال: إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح، فقال فبعهم بتأخير سنة قلت: بتأخير سنتين قال: نعم، قلت: بتأخير ثلاث سنين قال: لا.

و المحكي عن قرب الاسناد عن البزنطي،

انه قال لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) ان هذا الجبل قد فتح منه علي الناس باب رزق، فقال (عليه السلام) إذا اردت الخروج فاخرج فانها سنة مضطربة، و ليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب، فقلت: انهم قوم ملأ و نحن نحتمل التأخير، فنبايعهم بتأخير سنة، قال: بعهم، قلت: سنتين، قال: بعهم،

قلت: ثلاث سنين، قال: لا يكون لك شي ء اكثر من ثلاث سنين.

و ظاهر الخبرين الارشاد لا التحريم فضلا عن الفساد، (2) و هل يجوز الافراط في التأخير (3) إذا لم يصل الي حد يكون البيع معه سفها و الشراء اكلا للمال بالباطل، فيه وجهان. قال في الدروس لو تمادي الاجل الي ما لا يبقي إليه المتبايعان غالبا كألف سنة. ففي الصحة نظر من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به، و من الاجل المضبوط و حلوله بموت المشتري، و هو اقرب و ما قربه هو الاقرب، لأن ما في الذمة،

و لو كان مؤجلا بما ذكر مال يصح الانتفاع به في حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع بل و بالبيع، كما اختاره في التذكرة.

______________________________

(1) و عن الاسكافي المنع من التأخير الي ثلاث سنين و استدل له بخبر احمد بن محمد «1» و خبر البزنطي «2» المذكورين في المتن.

(2) و الجواب عنه ما افاده المصنف من ظهور هما في الارشاد لا التحريم فضلا عن البطلان.

(3) و هل يجوز الافراط في التأخير إذا لم يصل الي حد يكون البيع معه سفها؟ فيه وجهان.

الظاهر ان التأجيل بمقدار لا يعد الثمن المؤجل مالا عند العقلاء لا إشكال في فساده

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب العقود حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 456

نعم يبقي الكلام في انه

إذا فرض حلول الاجل شرعا بموت المشتري، كان اشتراط ما زاد علي ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا، بل مخالفا للمشروع، حيث ان الشارع اسقط الاجل بالموت، (1) و الاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده، فيكون فاسدا بل ربما كان مفسدا و إن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان اشتراط مدة مجهولة، فافهم.

______________________________

فانه من قبيل البيع بلا ثمن.

(1) و لا يصح: ان يقال ان الدين حيث يصير معجلا بالموت فأيّ زمان جعل اجلا و لو كان في نفسه لا يعتبره العقلاء مالا الا انه بعد هذا الحكم من الشارع تكون له المالية، و بهذا القيد يكون مالا،

فان هذا الحكم مترتب علي الدين المؤجل، فلا بد من ملاحظة الدين قبل هذا الحكم، و المفروض انه لا دين قبله لعدم المالية له،

و في مقابل هذا القسم ما لو جعل المدة قصيرة جدا،

انما الكلام فيما لو اجل الثمن الي ما لا يطمئن ببقاء المتعاقدين الي ذلك الحين، بل يطمئن بعدم البقاء كمائة سنة مثلا، و في هذا المورد لا إشكال في ذلك من حيث انه مال، و الا شكال انما هو من جهات اخر:

احداها: لزوم اللغوية، فانه إذا فرض حلول الأجل شرعا بموت المشتري كان اشتراط ما زاد علي ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا.

و فيه: ان مجرد اللغوية لا يوجب البطلان.

ثانيها: لزوم الغرر من ذلك بعد ملاحظة حكم الشارع بحلول الأجل، فانه حينئذ لا يدري مدة تأجيل الثمن.

و فيه: ان الموضوع لما نهي عنه «1» هو الغرر العرفي، مع قطع النظر عن الحكم الشرعي، و في المقام مع قطع النظر عن الحكم الشرعي لا غرر هناك.

ثالثها: ان هذا الشرط مخالف للكتاب إذ الشارع اسقط الأجل بالموت، و الاشتراط المذكور

تصريح ببقائه بعده، فيكون فاسدا.

و فيه: ان الشرط في نفسه ليس مخالفا للشرع، إذ الشارع حكم تعبدا بحلول

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 457

ثمّ ان المعتبر في تعيين المدة هل هو تعيينها في نفسها و ان لم يعرفها المتعاقدان فيجوز التأجيل الي انتقال الشمس الي بعض البروج كالنيروز، و المهرجان،

و نحوهما، ام لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين العقد، وجهان (1) اقواهما الثاني،

تبعا للدروس و جامع المقاصد لقاعدة نفي الغرر، (2) و ربما احتمل الاكتفاء في ذلك بكون هذه الآجال مضبوطة في نفسها كاوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق حيث انه له شراء وزنة مثلا بعيار بلد مخصوص، و ان لم يعرف مقدارها و ربما استظهر ذلك من التذكرة.

و لا يخفي ضعف منشأ هذا الاحتمال، إذ المضبوطية في نفسه غير مجد في مقام يشترط فيه المعرفة، إذ المراد بالاجل الغير القابل للزيادة و النقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتي في نظر المتعاقدين لا في الواقع. و لذا اجمعوا علي عدم جواز التأجيل الي موت فلان، مع انه مضبوط في نفسه و ضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدي ايضا، و ما ذكر من قياسه علي جواز الشراء بعيار بلد مخصوص

______________________________

الأجل بالموت بعد صحة هذا الدين، و الشرط ليس هو عدم حلول الأجل كي يخالف الكتاب، بل هو تأجيل الثمن الي مدة معينة، و حكم الشارع بالحلول انما هو في مرتبة متأخرة عن هذا الشرط، فانه لو صح الشرط و تحقق الدين ترتب عليه هذا الحكم،

فلا يعقل ان يكون منافيا له، و لو لا ذلك لما بقي لهذا الحكم موضوع، إذ الدين المؤجل لا بد و ان

يكون شرط تأجيله في ضمن عقد من العقود، و المفروض بطلان شرط التأجيل الي مدة بعد الموت.

(1) و هل المعتبر في تعيين المدة تعيينها في نفسها و ان لم يعرفها المتعاقدان ام لا بد من معرفة المتعاقدين بها؟ وجهان.

(2) بعد ما عرفت من ان وجه بطلان شرط التأجيل الي مدة مجهولة انما هو لزوم الغرر، و عرفت سابقا ان الغرر عبارة عما لا يؤمن خطره، تعرف ان المعيار هو المعلومية عند المتعاقدين، و لا تكفي المعلومية عند الناس لو كانت المدة مجهولة عندهما، فان المعلومية عند الناس كالمعلومية الله تعالي، فكما ان علمه تعالي بذلك لا يوجب رفع الغرر، كذلك علم الناس به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 458

لا نقول به بل المعين فيه البطلان مع الغرر عرفا، كما تقدم في شروط العوضين. و ظاهر التذكرة اختيار الجواز حيث قال: بجواز التأقيت بالنيروز و المهرجان، لأنه معلوم عند العامة، و كذا جواز التأقيت ببعض اعياد اهل الذمة إذا عرفه المسلمون، لكن قال: بعد ذلك و هل يعتبر معرفة المتعاقدين، قال بعض الشافعية: نعم. و قال بعضهم لا يعتبر، و يكتفي بمعرفة الناس سواء اعتبر معرفتهما أولا و لو عرفا كفي، انتهي.

ثمّ الاقوي اعتبار معرفة المتعاقدين و التفاتهما الي المعني حين العقد، فلا يكفي معرفتهما به عند الالتفات و الحساب.

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا، (1)

ففي المبسوط و السرائر و عن اكثر المتأخرين انه لا يصح، و علله في المبسوط و غيره بالجهالة، كما لو باع اما هذا العبد و أما ذاك.

______________________________

البيع بثمنين حالا و مؤجلا

(1) الثالث قال المصنف: لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا كلمات الأصحاب في هذه المسألة مضطربة، فالاولي صرف عنان الكلام الي ما تقتضيه الأدلة،

و تنقيح

القول بالبحث في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في مقتضي النصوص الخاصة.

اما الأول: فصور البيع الموضوع في هذه المسألة ثلاث:

الاولي: ان يكون هناك بيع واحد بثمنين.

الثانية: ان يكون بيعان.

الثالثة: ان يكون بيع و شرط.

اما الاولي: فان كان المجعول في البيع ثمنا مرددا بين الثمنين واقعا كان ذلك باطلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 459

______________________________

لعدم المعقولية، إذ المردد لا وجود له في الخارج، من غير فرق في ذلك بين كون تمليك كل منهما بنحو الترديد فعليا، ام كان احدهما فعليا و الآخر المؤجل معلقا علي مجي ء وقته، و ان كان المجعول هو ما يختاره المشتري بعد ذلك الذي هو معين واقعا بطل البيع للغرر.

و ما عن المحقق الأردبيلي (رحمه الله) من عدم الغرر لأن الثمن معلوم علي كل من التقديرين و الاختيار الي المشتري،

غير تام، فانه لا غرر علي المشتري، و لكنه غرر بالنسبة الي البائع لأنه لا يدري ما يختاره المشتري.

و أما الصورة الثانية: و هي ان يكون هناك بيعان معلقان بان يقول ان كان الثمن نقدا فبعتك بدرهم و ان كان مؤجلا فبدرهمين، فمقتضي القاعدة هو البطلان فيها، إذ التعليق مبطل للبيع.

و أما الصورة الثالثة: و هي ان يبيع بالأقل حالا و يشترط زيادة مقدار الي الأجل المسمي فلا كلام في بطلان الشرط، فانه من الربا، انما الكلام في البيع، و الأظهر صحته، و لا مانع من صحته سوي وقوع الشرط الفاسد في ضمنه، و هو لا يكون مفسدا كما تقدم، فالثمن هو الأقل اخر ام لم يؤخر، و لكن ليس له التأخير لأن الرضا به مقيد بالشرط و قد فسد،

فمقتضي ما دل علي وجوب رد المال الي صاحبه لزوم التعجيل.

و ما افاده المصنف (رحمه الله)

بعد اسطر في تصحيح التأخير: بان الزيادة تكون في قبال اسقاط حق مطالبة البائع الي الأجل المعين لا في قبال التأخير كي لا يستحق المشتري التأخير إذا لم يستحق البائع الزيادة،

غير تام، فان حق المطالبة ليس من الحقوق القابلة للاسقاط، بل هو حكم بالسلطنة علي المطالبة، مع ان المجعول في قبال الزيادة اما سقوط هذا الحق أو اسقاطه، و لازم الأول عدم السقوط مع عدم نفوذ الشرط،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 460

و يدل عليه ايضا ما رواه في الكافي انه (عليه السلام) قال من ساوم بثمنين احدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم احدهما قبل الصفقة.

و يؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع بناء علي تفسيرهما بذلك. و عن الاسكافي، كما عن الغنية أنه روي عن النبي (صلي الله عليه و آله) أنه قال لا يحل صفقتان في واحدة، قال و ذلك بأن يقول إن كان بالنقد فبكذا، و إن كان بالنسيئة فبكذا، هذا إلا أن في رواية محمد بن قيس المعتبرة أنه قال أمير المؤمنين (عليهما السلام) من باع سلعة و قال ثمنها كذا و كذا يدا بيد. و كذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت و جعل صفقتهما واحدة فليس له إلا أقلهما و إن كانت نظرة.

و في رواية السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه ان عليا (عليه السلام) قضي في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا، و بالنسية كذا، فاخذ المتاع علي ذلك الشرط، فقال هو باقل الثمنين و ابعد الاجلين

______________________________

و لازم الثاني عدم استحقاق المشتري اسقاط البائع حق المطالبة.

فتحصل: ان مقتضي القاعدة عدم جواز التأخير في هذه الصورة، و لكن لو اخر لا

يستحق ازيد من الأقل.

و أما المقام الثاني: فنصوص الباب متعددة،

منها: ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع، «1» فانهما قد فسرا بذلك، و لكن ذلك مجمل لا يمكن الاستناد إليه في حكم و هو واضح.

و منها: النبوي انه (صلي الله عليه و آله) قال: لا يحل صفقتان في واحدة «2».

قال السيد ابن زهرة بعد نقله: و ذلك بان يقول ان كان بالنقد فبكذا، و ان كان بالنسيئة فبكذا، و هو ضعيف السند للارسال.

و منها: خبر «3» محمد بن قيس عن امير المؤمنين (عليه السلام)- بسند معتبر المذكور في المتن و منها خبر «4» السكوني عن الامام علي (عليه السلام) المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 1.

(3) نفس المصدر حديث 2.

(4) المستدرك- باب 2- من ابواب احكام العقود حديث 2، و رواه في الغنية ايضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 461

فقال هو بأقل الثمنين و ابعد الاجلين، فيقول ليس له الا اقل النقدين الي الاجل الذي اجله نسيئة.

و عن ظاهر جماعة من الاصحاب العمل بهما، و نسب الي بعض هؤلاء القول بالبطلان، فالاولي تبعا للمختلف الاقتصار علي نقل عبارة كل من هؤلاء من دون اسناد احد القولين إليهم، (1) قال في المقنعة: لا يجوز البيع بأجلين علي التخيير،

كقوله هذا المتاع بدرهم نقدا و بدرهمين الي شهر أو سنة أو بدرهم الي شهر،

و بدرهمين الي شهرين، فان ابتاع انسان شيئا علي هذا الشرط كان عليه اقل الثمنين في آخر الاجلين. و هذا الكلام يحتمل التحريم مع الصحة، و يحتمل الحمل علي ما إذا تلف المبيع، فإن اللازم مع فرض فساد البيع بالاقل الذي

بيع به نقدا، لأنه قيمة ذلك الشي ء، و معني قوله في آخر الاجلين انه لا يزيد علي الاقل و ان تأخر الدفع الي آخر الاجلين، أو المراد جواز التأخير لرضا البائع بذلك، و يحتمل ارادة الكراهة، كما عن ظاهر السيد (قدس سره) في الناصريات، ان المكروه ان يبيع بثمنين بقليل ان كان الثمن نقدا، و بأكثر ان كان نسية، و يحتمل الحمل علي فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير الأجل، لكن لا يفسد العقد كما سيجي ء. و عن الاسكافي انه بعد ما تقدم عنه من النبوي الظاهر في التحريم قال: و لو عقد البائع للمشتري كذلك و جعل الخيار إليه لم اختر للمشتري ان يقدم علي ذلك، فإن فعل و هلكت السلعة لم يكن للبائع الا اقل الثمنين، لإجازته البيع، به، و كان للمشتري الخيار في تأخير الثمن لاقل الي المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفي من غير زيادة علي الثمن الاقل.

و في النهاية فإن ذكر المتاع بأجلين و نقدين علي التخيير، مثل ان يقول بعتك هذا بدينار أو درهم عاجلا أو الي شهر أو سنة أو بدينارين أو درهمين الي شهر أو شهرين أو سنتين، كان البيع باطلا، فإن امضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع اقل الثمنين في آخر الاجلين انتهي

______________________________

و قد عمل بهما جماعة، و نسب الي بعضهم القول بالبطلان، فكما افاده المصنف (قدس سره)

(1) الاولي تبعا للمختلف الاقتصار علي نقل عبارة كل من هؤلاء من دون اسناد احد القولين إليهم- ثمّ نعقبه بما يخطر بالبال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 462

و عن موضوع من الغنية قد قدمنا ان تعليق البيع بأجلين و ثمنين، كقوله بعت الي مدة بكذا و إلي اخري بكذا يفسده،

فإن تراضيا بانفاذه كان للبائع اقل الثمنين في ابعد الاجلين بدليل اجماع الطائفة، و عن سلار ما علق باجلين و هو ان يقول: بعتك هذه السلعة الي عشرة ايام بدرهم و إلي شهرين بدرهمين كان باطلا غير منعقد، و هو المحكي عن ابي الصلاح. و عن القاضي: من باع شيئا بأجلين علي التخيير مثل ان يقول ابيعك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا و بدرهمين أو دينارين الي شهر أو شهور أو سنة أو سنتين كان باطلا، فإن امضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع اقل الثمنين في آخر الاجلين.

و قال في المختلف بعد تقوية المنع: و يمكن ان يقال انه رضي بالثمن الاقل، فليس له الاكثر في البعيد و الا لزم الربا إذ يبقي الزيادة في مقابل تأخير الثمن لا غير، فإذا صبر الي البعيد لم يجب له الاكثر من الاقل، انتهي.

و في الدروس: ان الاقرب الصحة و لزوم الاقل و يكون التأخير جائزا من طرف المشتري، لازما من طرف البائع لرضاه بالاقل، فالزيادة ربا. و لذا ورد النهي عنه و هو غير مانع من صحة البيع، انتهي.

اقول لكنه مانع من لزوم الاجل من طرف البائع، لأنه في مقابل الزيادة الساقطة شرعا إلا أن يقال: إن الزيادة ليست في مقابل الأجل بل هي في مقابل إسقاط البائع حقه من التعجيل الذي يقتضيه العقد لو خلي و طبعه، و الزيادة و ان كانت لكنة ربا كما سيجي ء الا ان فساد المقابلة لا يقتضي فساد الاسقاط، كما احتمل ذلك في مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو حريته، بل قال في التحرير بالرجوع الي الدية، و حينئذ فلا يستحق البائع الزيادة و لا المطالبة قبل الاجل،

لكن المشتري لو اعطاه وجب عليه القبول، إذ لم يحدث له بسبب المقابلة الفاسدة حق في التأجيل حتي يكون له الامتناع من القبول قبول الاجل، و انما سقط حقه من التعجيل.

و يمكن ايضا حمل الرواية علي ان الثمن هو الاقل، لكن شرط عليه ان يعطيه علي التأجيل شيئا زائدا، و هذا الشرط فاسد لما سيجي ء من ان تأجيل الحال بزيادة ربا محرم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 463

لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط، كما عليه جماعة، و حينئذ فللبائع الاقل، و ان فرض ان المشتري اخره الي الاجل، كما يقتضيه قوله في رواية محمد بن قيس و ان كانت نظرة لفرض تراضيهما علي ذلك بزعم صحة هذا الشرط،

أو البناء عليها تشريعا. و لعل هذا مبني قول الجماعة (قدس الله اسرارهم) فإن امضيا البيع بينهما كذلك بمعني انهما تراضيا علي هذه المعاملة لم يجب في مقابل التأخير الواقع برضاهما شي ء زائد علي الاقل، لفساد المقابلة و مرادهم من بطلان البيع الذي حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية، و عدم ترتب الاثر المقصود عليه.

و قد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المعاملة المذكورة في ظاهر متن الروايتين لا إشكال و لا خلاف في بطلانها، بمعني عدم مضيها علي ما تعاقدا عليه. و أما الحكم بامضائهما، كما في الروايتين فهو حكم تعبدي مخالف لأدلة توقف حل المال علي الرضا و طيب النفس، و كون الاكل لاعن تراض اكلا للباطل، فيقع الاشكال في

______________________________

و قد حمل خبر ابن قيس بعض علي ارادة البطلان و كون المشتري ضامنا للمبيع التالف في يده بالثمن الأقل بعد دعوي كون القيمة بحسب الغالب بمقدار الثمن المعين علي تقدير النقد.

و فيه: انه لم يذكر في

الخبر ما يشهد لكونه في مقام بيان حكم صورة التلف خاصة.

و قد حمله بعضهم علي صورة كون الزيادة من باب الشرط، و كون الثمن هو الأقل- اي الصورة الثالثة المتقدمة و اصر علي ذلك المحقق الاصفهاني (رحمه الله)،

و هو و ان كان خلاف الظاهر جدا لأن قوله في الخبر و كذا نظرة جعل الثمن هو الزائد علي تقدير النظرة، و يؤكده قوله فخذها باي ثمن شئت الصريح في تعدد الثمن،

الا ان الحمل علي الصورة الاولي أو الثانية مستلزم للتعبد بملكية الأقل مؤجلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 464

نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للاصل، ثمّ ان الثابت منهما علي تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما، (1) و أما ما عداه كما إذا جعل له الاقل في اجل و الاكثر في اجل آخر، فلا ينبغي الاستشكال في بطلانه، لحرمة القياس خصوصا علي مثل هذا الاصل. و في التحرير البطلان هنا قولا واحدا. و حكي من غير واحد ما يلوح منه ذلك الا انك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم للمسألتين، و ان لم ينسب ذلك في الدروس الا الي المفيد (قدس سره) لكن عن الرياض: ان ظاهر الاصحاب عدم الفرق في الحكم بين المسألتين، و هو ظاهر الحدائق ايضا، و ما ابعد ما بينه و بين ما تقدم من التحرير، ثمّ ان العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة المسألة انه مثل ما إذا قال المستأجر لخياطة الثوب: ان خطته فارسيا فبدرهم، و ان خطته روميا فبدرهمين، و اجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها الي الجعالة.

______________________________

من دون سبب معاملي، إذ البيع متقوم بالقصد المنتفي هنا علي الفرض، و هو لا يمكن، فيتعين الحمل

المزبور من جهة انه لا يلزم منه التعبد بامر غير ممكن غايته كونه خلاف الظاهر.

ثمّ الخبر لا يكون متعرضا لاستحقاق المشتري التأخير الي ابعد الأجلين، و يكون ذلك لازما علي البائع، بل غاية ما يستفاد منه جواز التأخير.

و مما ذكرناه ظهر الحال في خبر السكوني بل حمله علي الصورة المزبورة لا يكون منافيا لما هو الظاهر منه.

(1) قوله ثمّ ان الثابت منهما علي تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما بناء علي ما عرفت من ان الخبرين، انما يتضمنان الحكم بالصحة في مورد يكون الصحة هناك موافقة للقاعدة، لا بد من البناء علي الصحة في هذا المورد ايضا،

و لعل ما عن الفقهاء من عدم الفرق بين المسألتين، بل عن الرياض ان ظاهر الاصحاب عدم الفرق،

يكون مؤيدا لما ذكرناه من حمل الخبرين علي الصورة الثالثة: إذ لو كانا متضمنين للصحة في غيرها، لم يكن وجه للحكم بالصحة في هذه المسألة الا القياس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 465

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الاجل و ان طولب (1)

اجماعا، لان ذلك فائدة اشتراط التأجيل، و لو تبرع بدفعه لم يجب علي البائع القبول بلا خلاف، بل عن الرياض الاجماع عليه، و في جامع المقاصد في باب السلم نسبة الخلاف الي بعض العامة، و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة، فلا يكلف تقليد المنة (2) و فيه تأمل.

______________________________

القبول و الاسقاط قبل حلول الأجل

(1) قوله لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الاجل و ان طولب و تمام الكلام في هذه المسألة في طي فرعين:

الأول: انه هل يجب القبول علي البائع لو تبرع المشتري بدفع الثمن ام لا؟

الثاني: انه إذا اسقط المشتري الأجل الذي يستحقه هل يسقط و يكون للبائع مطالبته

في الحال ام لا؟

اما الأول: فالمشهور بين الأصحاب: عدم وجوب القبول، و المراد بالوجوب ما سيأتي في المسألة الآتية من وجوب القبول لو كان الدين حالا.

و استدل له بوجوه:

(2) احدها: ما عن التذكرة، و هو: ان التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقلد المنة.

و فيه: ان الزائد لا يكون ملكا، و صيرورته كذلك تتوقف علي القبول، و هذا بخلاف التعجيل الذي هو خصوصية في اداء ما هو ملك له.

و لعله لذلك امر المصنف بالتأمل بعد نقله ثانيها: ما عن المحقق الخراساني (رحمه الله)، و هو: ان المملوك شي ء مؤجل، و هو لا ينطبق علي المدفوع بالحال.

و فيه: ما عرفت في اول مبحث النقد و النسيئة من ان المؤجل ليس الا الدين الحالي مع جواز التأخير في الأداء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 466

و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع، من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله اياه كالودعي، فإن ذلك حق عرفا (1) و بالجملة ففي الاجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر.

و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل، حيث انه ليس لصاحب الدين الحال حق علي المديون، و اندفع ايضا ما يتخيل من ان الأجل حق مختص بالمشتري، و لذا يزاد الثمن من اجله، و له طلب النقصان في مقابل التعجيل، و ان المؤجل كالواجب الموسع في انه يجوز فيه التأخير و لا يجب، ثمّ انه لو اسقط المشتري اجل الدين. (2) ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد انه لو اسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال، و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل

في العقد اللازم (3)

______________________________

(1) ثالثها: ما في المتن و هو: ان التأجيل كما يكون حقا للمشتري يكون حقا للبائع من جهة ان المشتري التزم بحفظ ماله في ذمته، و المشتري انما يكون مسلطا علي حقه دون حق البائع.

لا كلام و لا إشكال في ان الزام الشخص و التزامه بحفظ مال غيره مشروع، و إذا وقع في ضمن العقد كان لازما، و ما لم يرفع المالك يده عن ذلك يجب علي المشروط عليه الحفظ.

انما الكلام في الشروط الخارجية المتعارفة بين الناس المتعلقة بتأجيل الثمن، فان الظاهر منهم اعتبار الاجل حقا للمشتري فقط، و عليه فيجب علي البائع القبول. نعم إذا اعتبر حقا للبائع أو لكل منهما علي الآخر لم يجب القبول.

(2) اما الفرع الثاني: و هو انه لو اسقط المشتري الاجل فهل يسقط فقد استدل لعدم سقوط حق التأجيل بالاسقاط بوجوه:

(3) احدها: ما عن جامع المقاصد و هو: انه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط بمجرد الاسقاط.

و فيه: انه ان اريد بذلك انه من قبيل الحكم لا الحق فلا يسقط بالاسقاط،

فيرد عليه: ان التأجيل انما يكون بجعل من الدائن، و امضاء من الشارع الأقدس،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 467

لانه المفروض فلا يسقط بمجرد الاسقاط، و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين. (1) و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل اما لو تقايلا في الأجل يصح (2) و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما المفروض، لأن التقايل في العقود لا في النذور، انتهي.

و فيه ان الحق المشترط في العقد اللازم يجوز لصاحبه اسقاطه، و حق صاحب الدين لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه، و في باب الشروط

من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل، فاسقط المديون الأجل لم يسقط، و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالاسقاط، و لهذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان، انتهي

______________________________

و من المعلوم ان المجعول ليس حكما شرعيا، بل يكون حقا امضاه الشارع،

فله اسقاطه.

و ان اريد به انه حق في العقد اللازم فلا يجوز اسقاطه للزوم العقد،

ففيه: ان الشرط في ضمن العقد صار سبا لثبوت الحق، و لا نظر له الي بقائه، و فيه يرجع الي ما تقتضيه القاعدة من ان لكل ذي حق اسقاط حقه.

(1) ثانيها: ما عنه ايضا من ان في الاجل حقا لصاحب الدين و فيه: ان المراد ان كان ان للبائع حقا كما يكون للمشتري،

فيرد عليه: ان ثبوت حق لشخص لا يمنع عن اسقاط الآخر حقه.

و ان كان المراد ان هناك حقا واحدا قائما بالطرفين فما لم يجتمعا علي اسقاطه لا يسقط فيرد عليه: ان الحق ان كان ثابتا لهما فبما ان طرف الحق بالنسبة الي كل منهما غير ما هو طرفه بالنسبة الي الآخر فان معني ثبوت حق التأخير للبائع ان له حق تأخير الاستيفاء علي المشتري، و معني حق التأخير للمشتري ان له حق تأخير الوفاء علي البائع، و مع تعدد الطرفين كيف يمكن ثبوت حق واحد.

(2) قوله اما لو تقايلا في الاجل يصح مشروعية التقايل متوقفة علي كونه من الحقوق و عليه فمقتضي غير الوجه الثاني عدم صحته

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 468

و يمكن ان يقال ان مرجع التأجيل في العقد اللازم الي اسقاط حق المطالبة في الأجل، (1) فلا يعود الحق باسقاط

التأجيل و الشرط القابل للاسقاط ما تضمن اثبات حق قابل لاسقاطه بعد جعله، أ لا تري انه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط باسقاطه بعد العقد، و لم تعد العيوب مضمونة ما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من ان لصاحب الدين حقا في الأجل، فدلالته علي المدعي موقوفة علي ان الشرط الواحد إذا انحل الي حق لكل من المتبايعين لم يجز لاحدهما اسقاطه، لأن الفرض اشتراكهما فيه، و لم يسقط الحق بالنسبة الي نفسه، لأنه حق واحد يتعلق بهما، فلا يسقط الا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل، و معناه الاتفاق علي اسقاط الشرط الراجع اليهما، فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في انفسها.

______________________________

(1) ثالثها: ما افاده المصنف (رحمه الله) و هو: ان التأجيل عبارة عن اسقاطه حق المطالبة و الساقط لا يعود باسقاط الأجل، و بعبارة اخري ان هذا الشرط لا يوجب ثبوت حق كي يجوز اسقاطه، بل هو اسقاط للحق فلا يعقل اسقاطه.

و فيه: اولا: ان جواز المطالبة من قبيل الحكم لا الحق، و لا أقل من الشك، فلا يجوز اسقاطه.

و ثانيا: ان الظاهر من اهل العرف احداث حق للمشتري في تأخير الأداء.

رابعها: ما افاده المحقق الخراساني (رحمه الله)، و هو: ان الثابت في البيع المؤجل ملكية الثمن المؤجل لا الملكية، و حق للمشتري في التأخير، فلا حق كي يسقط.

و فيه: ما تقدم في اول مبحث النقد و النسيئة من ان المؤجل عبارة عن الملكية الفعلية مع جواز التأخير لا الملكية المؤجلة. فراجع.

خامسها: ما نفي عنه البعد المحقق الاصفهاني (رحمه الله)، و هو: ان غاية ما يقتضيه التأجيل تضييق دائرة السلطنة علي

المطالبة و تأخيرها الي شهر مثلا، فلا حق حتي يقبل الاسقاط،

و قد ظهر جوابه مما اوردناه علي المصنف (رحمه الله)،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 469

نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالي بالنذر لم ينفع اتفاقهما علي سقوطه، لأن الحق معلق بغيرهما، و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل، أو لم يبت التعدد، فيرجع الي اصالة عدم السقوط. لكن الظاهر تعدد الحق،

فتأمل.

ثمّ ان المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط اجل الدين بالاسقاط، بأن الاجل صفة تابعة لا يفرد بالاسقاط، (1) و لذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح: الجودة أو الصحة لم يسقط، انتهي. و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه، (2)

______________________________

(1) سادسها: ما عن التذكرة و هو: ان الاجل صفة تابعة فلا تستقل بالسقوط كما هو الشأن في جميع الصفات كالجودة و الصحة.

و فيه: ان الأجل المجعول بالشرط هو التأخير، و هو من الأفعال دون الصفات، مع ان الصفة و ان لم تكن مستقلة في الثبوت الا انه لا مانع من استقلالها في الاستحقاق، و هو المناط لجواز الاسقاط مستقلا.

فالحق انه يسقط بالاسقاط، و عليه ففي موارد الشروط المتعارفة يصير الدين حالا و يلحقه حكمه، و في ما إذا اشترط ثبوت حق للبائع ايضا لا يصير حالا من ناحية البائع.

لو دفع الثمن عند حلول الأجل

(2) مسالة إذا حل اجل الثمن بل كل دين وجب علي مالكه قبوله لو دفعه و تنقيح القول في هذه المسألة بالبحث في فروع:

الأول: يجب الدفع علي المديون بعد الحلول طالب الدائن ام لا، ما لم يكن عدم المطالبة كاشفا عن رضاه بالتأخير، لأنه يجب دفع مال الغير

إليه بحكم النص «1»

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الدين و القرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 470

لان في امتناعه اضرارا (1) و ظلما إذ لا حق له علي من في ذمته في حفظ ماله في ذمته (2) و الناس مسلطون علي انفسهم، و توهم عدم الاضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه علي مالكه مدفوع، بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل انما يثبت لدفع هذا الظلم و الاضرار المحرم عن المديون، و ليس بدلا اختياريا حتي يسقط الوجوب عن المالك، لتحقق البدل أ لا تري ان من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله، لا يسقط عنه الوجوب، لقيام الحاكم مقامه في البيع، و كيف كان فإذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه لحديث نفي الضرر، بل مورده كان من هذا القبيل حيث ان سمرة بن جندب امتنع من الاستئذان للمرور الي عذقه الواقع في دار الأنصاري و عن بيعها، فقال النبي (صلي الله عليه و آله) للانصاري: اذهب فاقلعها وارم بها وجه صاحبها. فاسقط ولايته علي ماله،

______________________________

الثاني: إذا كان الدين حالا أو حل و دفع المديون، هل يجب علي الدائن القبول كما عن المشهور، بل في الجواهر: بلا خلاف اجده ايضا، بل في الرياض: الاجماع عليه، ام لا؟

وجهان:

قد استدل للأول: بوجوه:

(1) احدها: ان في امتناع الدائن اضرارا بالمديون و فيه: ان بقاء المال في ذمته الذي هو امر اعتباري ليس ضررا عليه، نعم ربما يكون لزوم الاداء بعد ذلك ضررا عليه، فلو كان يرفع ذلك بالحديث لا هذا.

(2) ثانيها: كون الامتناع ظلما علي المديون فانه لا يستحق ابقاء ماله في ذمته بل هو مستحق لتفريغ ذمته، حيث ان الناس مسلطون

علي انفسهم، «1» فلا يجوز.

و فيه: ان سلطنة المديون علي تفريغ ذمته لا تنكر، الا انها لا تقتضي رفع سلطنة الدائن علي نفسه التي مقتضاها ان له عدم القبول ما لم يثبت وجوبه الشرعي، و ابقاء المال في ذمة المديون ليس ايذاء و ظلما، فلو كان فانما هو رفع للايذاء، و لا دليل علي وجوب دفع الاذية عن الغير.

ثالثها: ما في الجواهر، و هو: ان مقتضي آية الوفاء بالعقد «2» ذلك، فان وجوب

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 2721 الطبع الحديث.

(2) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 471

و مقتضي القاعدة اجبار الحاكم له علي القبض (1) لأن امتناعه اسقط اعتبار رضاه في القبض الذي يتوقف ملكه عليه، لا أصل القبض الممكن تحققه منه كرها، مع كون الاكراه بحق بمنزلة الاختيار، فإن تعذر مباشرته و لو كرها تولاه الحاكم، لأن السلطان ولي الممتنع بناء علي ان الممتنع من يمتنع و لو مع الاجبار.

و لو قلنا انه من يمتنع بالاختيار جاز للحاكم تولي القبض عنه من دون الاكراه و هو الذي رجحه في جامع المقاصد و المحكي عن اطلاق جماعة عنهم عدم اعتبار الحاكم و ليس للحاكم مطالبة المديون بالدين، إذا لم يسأله، لعدم ولايته عليه مع رضا المالك بكونه في ذمته، و عن السرائر وجوب القبض علي الحاكم عند الامتناع و عدم وجوب الاجبار، و استبعده غيره، و هو في محله.

______________________________

الوفاء يتبع وجوب الدفع و القبول.

و فيه: ما تقدم مكررا من ان العقد هو ارتباط اعتبار كل من المتعاقدين بالآخر،

و الوفاء عبارة عن التمام أو ما يقاربه، فمفاد الآية الشريفة عدم رفع اليد عن العقد بحله و نقضه، و لا تدل الآية علي وجوب التسليم و وجوب

القبول.

فتحصل: انه لو لا الاجماع لا دليل علي وجوب القبول، و لكن الظاهر التسالم عليه.

الثالث: لو دفع المديون الدين.

فان امتنع الدائن من القبض فان رضي المديون بالصبر فلا كلام، و ان لم يرض به ففيه وجوه و اقوال:

الأول: ما عن الشيخين و المحقق و ابن حمزة و غيرهم، و هو: تعين العزل و كان هلاكه من صاحب الحق و ان امكن دفعه الي الحاكم.

الثاني: ما عن المشهور، و هو: تعين الدفع الي الحاكم.

(1) الثالث: ما اختاره المصنف (رحمه الله) و هو: تعين الاجبار اولا فان لم يمكن فالدفع الي الحاكم و مع تعذره فالعزل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 472

و لو تعذر الحاكم، فمقتضي القاعدة اجبار المؤمنين له عدولا كانوا ام لا، لأنه من المعروف الذي يجب الامر به علي كل احد، فإن لم يمكن اجباره. ففي وجوب قبض العدول عنه نظر، أقواه العدم، و حينئذ فطريق براءة ذمة المديون ان يعزل حقه، و يجعله امانة عنده، فإن تلف فعلي ذي الحق، لأن هذه فائدة العزل و ثمرة الغاء قبض ذي الحق،

______________________________

الرابع: تعين الاجبار اولا، و مع عدم امكانه فالتخيير بين العزل و الدفع الي الحاكم خامسها: التخيير بين الوجوه.

الظاهر انه ان قلنا بان اداء الدين انما يكون بالتخلية بين المال و الدائن، و انه لا يعتبر في تعيين الكلي في الفرد قبض الدائن لا كلام في كفاية التخلية في المقام، و لكن الظاهر اعتبار قبضه و عدم كفاية التخلية فيه، و بذلك يظهر وجه القول الأول و ضعفه.

و استدل للثاني: بان السلطان ولي الممتنع، فالحاكم يتولي القبض عنه.

و فيه: ان ذلك مختص بالممتنع عن حق مالي، كما هو مورده، و في المقام امتناع الدائن ليس

امتناعا عن الحق، إذ المديون لا يستحق علي الدائن قبضه منه:

و بان فراغ ذمة المديون من الامور الحسبية فيتصداه الحاكم.

و فيه: انه ليس ذلك من الامور المهمة التي لا يجوز تعطيلها.

و استدل لتعين الاجبار: بان اعتبار رضا الدائن بالقبض يسقط لحديث نفي الضرر،

فيجبره الحاكم علي القبض.

و فيه: اولا: انه لا دليل علي اعتبار الرضا و طيب النفس في القبض.

و ثانيا: ان الضرر انما يأتي من ناحية انحصار تعين الحق شرعا بقبض الدائن، فيرفع ذلك بالحديث، و إذا ثبت به تعينه بقبض غيره فالمتعين هو الحاكم.

و بذلك يظهر تعين الدفع الي الحاكم الذي هو المشهور.

و يمكن ان يقال: ان الضرر ينشأ من اناطة تفريغ ذمته بقبول الدائن، فيرتفع ذلك،

و نتيجة ذلك انه بالعزل يتعين ملك الدائن، و لا يبعد اظهرية الثاني،

فالقول الأول هو الارجح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 473

و لكن لم يخرج عن ملك مالكه، لعدم الدليل علي ذلك، فإن اشتراط القبض في التمليك لا يسقط بأدلة نفي الضرر، و إنما يسقط بها ما يوجب التضرر و هو الضمان، (1)

و حينئذ فنماء المعزول له و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا. و قد يستشكل في الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع و كون التلف من ذي الحق و وجهه ان الحق المملوك لصاحب الدين ان تشخص في المعزول كان ملكا له و ان بقي في ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه إذ لم يتلف ماله. و يمكن ان يقال ان الحق قد سقط من الذمة و لم يتشخص بالمعزول، و انما تعلق به تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني،

فبتلفه يتلف الحق، و مع بقائه لا يتعين الحق فيه فضلا عن ان يتشخص به.

و يمكن ان يقال بأنه يقدر آنا ما قبل التلف في ملك صاحب الدين.

ثمّ ان الظاهر جواز تصرفه في المعزول فينتقل المال الي ذمته لو اتلفه، (2)

______________________________

(1) و المصنف (رحمه الله) ذهب الي انه مع عدم امكان الاجبار و الدفع الي الحاكم يتعين العزل، و لكن لا يصير المعزول ملكا للدائن.

و تقريب ما افاده: ان الالتزام ببقاء ذمة المديون مشغولة ضرر عليه، و الالتزام بذهاب مال الدائن هدرا ضرر علي الدائن، و الجمع بينهما انما يكون بالالتزام بتفريغ الذمة علي وجه لا يتضرر به الدائن، و هو انما يكون بالعزل بنحو يوجب تعلق حق الدائن به بحيث له متي شاء استيفاء حقه منه، فالمعزول ملك للمديون لكنه متعلق حق الدائن،

و لازم ذلك عدم الضمان لو تلف مع كونه ملكا للمديون.

و فيه: ان لازم ذلك الالتزام بعدم مالكيته لشي ء، إذ المفروض سقوط الدين عن الذمة و عدم ثبوته في الخارج، و هو بلا وجه. و اضعف منه الالتزام بتبدل الملك الي الحق،

و مثله الالتزام بتبدل الملك التحقيقي الي التقديري آنا ما.

(2) الرابع: انه بناء علي المختار من تعينه بالعزل ملكا للدائن لا يجوز للمديون التصرف فيه و لا إتلافه و لا تبديله، و أما بناء علي بقائه علي ملك المديون فهل تعلق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 474

و مقتضي القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف، لأن مشروعية عزله و كون تلفه من مال صاحب الدين، انما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة، و تكليفه بحفظ المعزول اضر عليه من حفظ اصل المال في الذمة.

و عن المحقق الثاني انه يتجه الفرق بين ما إذا عرضه علي المالك بعد تعيينه و لم يأته به لكن اعلم بالحال،

و بين ما إذا اتاه و طرحه عنه فينتفي «فيلغي» وجوب الحفظ في الثاني دون الاول، و لعل وجهه ان المبري للعهدة التخلية و الاقباض المتحقق في الثاني دون الاول، و لعل وجهه ان المبرا للعهدة التخلية و الاقباض المتحقق في الثاني دون الاول و سيجي ء في مسألة قبض المبيع ما يؤيده، و عن المسالك انه مع عدم الحاكم يخلي بينه و بين ذي الحق و تبرأ ذمته، و ان تلف، و كذا

يفعل الحاكم لو قبضه

______________________________

حق الدائن به يمنع عن الامور المذكورة ام لا؟

الظاهر أن التصرف لا إشكال فيه علي اي تقدير، و ان كان ناقلا لعدم كونه مفوتا للحق، إذ لا مانع من الالتزام بان لذي الحق استيفاء حقه من المعزول متي شاء و ان كان منتقلا الي غير من عليه الحق كما التزمنا بذلك في حق الرهانة.

و أما الاتلاف: فقد يقال: انه لا يجوز، فانه اعدام لموضوع الحق و ابطال له،

و عود المال الي الذمة مضافا الي احتياجه الي دليل موجب و ليس إذ لا دليل علي ان اتلاف الحق موجب لاشتغال ذمته لا يقتضي جواز الاتلاف.

و لكن يمكن ان يقال: ان متعلق الحق ليس هو الموجود الخارجي بما هو كما هو كذلك في ما إذا كان تعلقه به بتعيين من الشارع كتعيين الجاني للاسترقاق، أو بجعل من المتعاقدين كجعل حق الخيار في عقد مخصوص، بل المتعلق هو ما عينه المديون بهذا العنوان من جهة ان بقاء المال في ذمته ضرر عليه فله ابقائه في ذمته و تحمل الضرر و له تفريغ ذمته بعزل ما يتمكن الدائن من استيفاء ماله منه، فيكون فراغ ذمته موقوفا علي بقاء المعزول علي حاله.

و بعبارة اخري: ان

هذا العنوان له حدوث و بقاء و ماله من البقاء موضوع لهذا الحق،

فللمديون اعدام الموضوع، و بارتفاعه يرتفع الحق، و لا مانع من ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 475

ان لم يتمكن من الزامه بالقبض و ان اشتركا في عدم الضمان ثمّ ان المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من اخذه: ان في انسحاب هذا الحكم فيمن أجبره الظالم علي دفع نصيب شريكه الغائب في مال علي جهة الاشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك و لا يتلف منهما ترددا و مثله لو تسلط الظالم بنفسه، و أخذ قدر نصيب الشريك (1) لم أجد للأصحاب تصريحا بنفي و لا إثبات مع أن الضرر هنا قائم أيضا، و المتجه عدم الانسحاب،

انتهي، و حكي نحوه عنه في حاشية الإرشاد من دون فتوي.

اقول اما الفرع الثاني فلا وجه لإلحاقه بما نحن فيه، إذ دليل الضرر بنفسه لا يقتضي بتأثير نية الظالم في التعيين، فإذا اخذ جزءا خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر الي من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له، (2) كما لو اخذ الظالم من المديون مقدار الدين بنية انه مال الغريم

______________________________

و به يظهر حال التبديل و الله العالم.

كما انه مما ذكرناه ظهر عدم وجوب حفظه من التلف، لأنه إذا صار بالعزل ملكا للدائن فحاله حال سائر أمواله التي لا يجب علي المديون حفظه من التلف لعدم كونه امانة عنده، و إذا كان باقيا علي ملك المديون و متعلقا لحق الدائن فمن حيث انه ماله سبيله كسبيل سائر أمواله، و من حيث انه متعلق الحق قد عرفت انه يجوز اتلافه فلا يجب التحفظ عليه.

(1) الخامس: انه كما يتعين الكلي في

المعزول هل يتعين المشاع فيما اخذه الغاصب اما بالجبر علي القسمة أو باخذه بعنوان مال الشريك ام لا؟ ام هناك فرق بين الصورتين؟

وجوه.

وجه الأول: ان الحكم بعدم تعين حصة الشريك بتعيين الغاصب أو الشريك ضرري مرفوع بالحديث.

و وجه الثاني: ان حديث لا ضرر لا يشمل المقام، اما لكون الضرري عدم الحكم لا الحكم، أو لعدم كون رفعه منة علي الامة- و ان كان منة علي المأخوذ منه.

(2) أو لان الضرر انما يكون باخذ المال المشاع فهو متوجه اليهما و لا وجه لصرفه الي غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 476

و أما الفرع الأول، فيمكن ان يقال بأن الشريك لما كان في معرض التضرر لأجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة، لكن فيه ان تضرره انما يوجب ولايته علي القسمة حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه، بأن لا يكون حصة الشريك بحيث تتلف بمجرد القسمة، كما في الفرض و إلا فلا ترجيح لأحد الضررين مع ان التمسك بعموم نفي الضرر في موارد الفقه من دون انجباره بعمل بعض الاصحاب يؤسس فقها جديدا.

مسألة لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال، (1)

بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا، لأن حقيقة الربا في القرض راجعة الي جعل الزيادة في مقابل امهال المقرض و تأخيره المطالبة الي اجل،

فالزيادة التي تراضيا عليه في اول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر الي شهر،

و بين ان يتراضيا بعد الشهر الي تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد، و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة علي ذلك. بل

______________________________

و وجه الثالث: انه إذا اجبر الغاصب احد الشريكين علي تعيين حصة شريكه و افرازها و تقسيم المال المشترك، فكما انه مع امتناع الشريك عن القسمة اختيارا تسقط ولاية الممتنع، كذلك في المقام، و ان كان امتناعه

بالاضطرار بمعني انه كما تسقط ولايته عند امتناعه عن اعمال ولايته كذلك مع تعذر اعمال ولايته لغيبة أو لسبب آخر، و المسألة تحتاج الي تأمل ازيد.

لا يجوز تأجيل الثمن الحال بازيد منه

(1) مسالة: لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في مقتضي النصوص الخاصة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 477

بل الظاهر من بعض التفاسير ان صدق الربا علي هذا التراضي مسلم في العرف، و ان مورد نزول قوله تعالي في مقام الرد علي من قال: (انما البيع مثل الربوا و احل الله البيع و حرم الربوا) هو التراضي بعد حلول الدين علي تأخيره الي اجل بزيادة فيه.

فعن مجمع البيان عن ابن عباس (1) انه كان الرجل من اهل الجاهلية إذا حل

______________________________

اما المقام الأول: فلا اشكال في صحة المعاملة الاولي، و انها لا تبطل بذلك، و ان اوجب صيرورتها ربوية.

اما التأجيل بالازيد نفسه، فاما ان يجعل الأجل في مقابل الزيادة باشتراطه ابتداء،

أو في ضمن عقد، أو المصالحة عليه، أو بيعه به، أو بجعل المجموع المؤجل في مقابل المجموع الحال بحيث تكون المعاوضة بين الثمن و مجموع ما جعل مؤجلا، أو يوقع الصلح علي ابراء الحال مما في ذمته بازاء ازيد منه مؤجلا، فالمعوض هو الابراء.

اما القسم الأول: فهو بجميع فروضه من الربا في القرض، لأن حقيقة الربا فيه راجعة الي جعل الزيادة في مقابل امهال المقرض و تأخيره المطالبة، من غير فرق بين ان يكون ذلك في اول القرض أو بعد مضي زمان، و من غير فرق بين ان يكون ذلك بنحو الشرط أو غيره، و قد ورد

ان الربا من ناحية الشروط «1».

و أما القسم الثاني: فان كان ما في ذمته من العروض الربوي كالحنطة فباعها بازيد منها مؤجلة بطل، لأن المشهور بطلان بيع الحال بمثله مؤجلا في الربويين. و ان كان من الاثمان كالدينار فباعه بازيد منه مؤجلا بطل ايضا من جهة ان الصرف لا يجوز الا يدا بيد.

و ان كان من العروض أو الاثمان و لكن باعه بغير جنسه بازيد منه فانه يصح علي القاعدة من جهة عدم الربا فيه من حيث المعاملة و لا من حيث القرض.

و أما القسم الثالث: فهو صحيح ايضا.

و أما المقام الثاني: فقد استدل المصنف (رحمه الله) علي عدم الجواز بوجوه:

(1) الاول: ما نقله في مجمع البيان عن ابن عباس من بيان مورد نزول الآية

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب الصرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 478

دينه علي غريمه فطالبه، قال المطلوب منه زدني في الاجل ازيدك في المال،

فيتراضيان عليه، و يعملان به، فإذا قيل لهم ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع، و الزيادة فيه بسبب الاجل عند حلول الدين سواء،

فذمهم الله و الحق بهم الوعيد و خطأهم في ذلك بقوله تعالي: (و احل الله البيع و حرم الربوا و يؤيده بل يدل عليه حسنة ابن ابي عمير أو صحيحته (1) عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الرجل يكون له دين الي اجل مسمي، فيأتيه غريمه فيقول له انقدني كذا و كذا واضع عنك بقيته، أو انقدني بعضه و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك قال: لا أري به بأسا انه لم يزد علي رأس ماله، قال الله تعالي: (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ) و لا

تظلمون علل جواز التراضي علي تأخير اجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد علي رأس ماله، فيدل علي انه لو ازداد علي رأس ماله لم يجز التراضي علي التأخير، و كان ربا يقتضي استشهاده بذيل آية الربا و هو قوله تعالي:

(فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ)

______________________________

الكريمة (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا) «1» من انه كان في الجاهلية الرجل منهم إذا حل دينه علي غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له: زدني في الأجل و ازيدك في المال،

فيتراضيان عليه و يعملان به، فإذا قيل لهم: هذا ربا، قالوا: هما سواء، يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء، فذمهم الله تعالي به و الحق الوعيد بهم و خطأهم في ذلك بقوله (و احل … ) الخ و ظاهره القسم الأول و لا يشمل القسمين الأخيرين.

(1) الثاني: صحيح ابن ابي عمير «2» المذكور في المتن بدعوي: انه علل جواز التراضي علي تأخير اجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد علي رأس ماله، فيدل علي انه لو ازداد علي رأس ماله لم يجز التراضي علي التأخير.

______________________________

(1) البقرة: 275.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب احكام الصلح حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 479

و يدل عليه بعض الاخبار الوارد في تعليم طريق الحيلة في جواز تأخير الدين بزيادة (1) باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار عن الحرام، فلو جاز التراضي علي التأجيل بزيادة لم يكن داع الي التوصل بأمثال تلك الحيل حتي صاروا عليهم السلام موردا لاعتراض العامة في استعمال بعضها، كما في غير واحد من الاخبار الواردة في ذلك. و يدل عليه ايضا أو يؤيده بعض الاخبار

الواردة في باب الدين. (2) فيما إذا اعطي المديون بعد الدين شيئا مخافة ان يطلبه الغريم بدينه.

______________________________

و فيه: ان الظاهر من الصحيح هو المعاملة علي التأجيل نفسه، و لا يكون له نظر الي بيع الحال بالمؤجل.

الثالث: النصوص الكثيرة الآتي بعضها الدالة علي كيفية الاسترباح بزيادة محللة فانها تشهد بان بذل الزيادة في قبال الأجل لو كان صحيحا لما توقفت حلية الزيادة علي هذه الحلية،

و دلالة هذه النصوص علي البطلان في القسم الثاني تتوقف علي تأمل زائد.

(1) قال المصنف (قدس سره): و يدل عليه بعض الاخبار الوارد في تعليم طريق الحيلة كموثق ابن عمار قلت لأبي الحسن (عليه السلام): يكون لي علي الرجل دراهم فيقول:

أخرني بها و انا اربحك، فابيعه جبة تقوم علي بالف درهم بعشرة آلاف درهم- أو قال بعشرين الفا- و اؤخره بالمال قال (عليه السلام): لا بأس «1».

و موثق محمد بن اسحاق عن الامام الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يكون له المال فيدخل علي صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بالف درهم و يؤخر عنه المال الي وقت فقال (عليه السلام) مثل ذلك، «2» و نحوهما غيرهما.

(2) قال (قدس سره): و يدل عليه ايضا أو يؤيده بعض الاخبار الواردة في باب الدين هو خبر اسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه السلام) سألته عن الرجل يكون له مع رجل

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 9- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 480

و مما ذكرنا من ان مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا، يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها و المقاولة عليها من غير عقد، و ظهر ايضا انه يجوز المعاوضة اللازمة علي

الزيادة بشي ء باشتراط تأخير الدين عليه في ضمن تلك المعاوضة، و ظهر ايضا من التعليل المتقدم في رواية ابن ابي عمير جواز نقص المؤجل بالتعجيل، و سيجي ء تمام الكلام في هاتين المسألتين في باب الشروط أو كتاب القرض ان شاء الله تعالي.

مسألة إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه (1)

و غيره قبل حلول الاجل و بعده بجنس الثمن و غيره، مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا، الا إذا اشترط احد المتبايعين علي صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية. اما الحكم في المستثني منه فلا خلاف فيه، الا بالنسبة الي بعض صور المسألة،

فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا.

______________________________

مال قرضا فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا «1».

بيع العين الشخصية من بايعها

(1) مسالة إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل قالوا جاز بيعها من بايعها و غيره قبل حلول الاجل بجنس الثمن و غيره مساويا أو زائدا عليه أو ناقصا، الا إذا اشترط احد المتبايعين علي صاحبه في البيع الاول قبوله منه بمعاملة ثانية فالكلام في مقامين الاول في المستثني منه و الكلام فيه في فرعين احدهما في بيع المؤجل و قد جوزه القوم مطلقا و خالفهم الشيخ قدس سره في محكي النهاية حيث

______________________________

(1) الوسائل- باب 19- من ابواب الدين و القرض حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 481

و قال في النهاية: إذا اشتري نسيئة فحل الأجل، و لم يكن معه ما يدفعه الي البائع جاز للبائع ان يأخذ منه ما كان باعه اياه من غير نقصان من ثمنه،

فإن اخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان اعطاه به، فإن اخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس، انتهي.

و عن الشهيد انه تبع الشيخ جماعة، و ظاهر الحدائق ان محل الخلاف اعم بما بعد الحلول و انه قصر بعضهم التحريم بالطعام، و كيف كان، فالاقوي هو المشهور للعمومات المجوزة كتابا و سنة (1) و عموم ترك الاستفصال في صحيحة بشار بن يسار (2) قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء مرابحة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه فقال: نعم لا بأس به فقلت له: اشتري متاعي و غنمي قال: ليس هو متاعك و لا غنمك و لا بقرك، و صحيحة ابن حازم عن ابي عبد الله (عليه السلام)

رجل كان له علي رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه فاتي الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب ابيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي فرضي، قال (عليه السلام):

لا بأس بذلك.

______________________________

منع عن بيعه بعد حلول الاجل بنقصان من الثمن ثانيهما: انه نسب الي الشيخ (قدس سره) في خصوص الطعام انه بعد الحلول لا يجوز للبائع اخذ الطعام بدلا عن الثمن الا بما يساويه بلا زيادة.

اما الأول: فتشهد للمشهور.

(1) مضافا الي العمومات و الاطلاقات جملة من النصوص:

(2) منها: صحيح «1» بشار بن يسار المذكور في المتن و مورده بيع النسيئة، و شراء ذاك المتاع بعينه، من دون ان يفصل بين حلول الأجل و عدمه، و ايضا من غير فرق بين كون الثمن في الثاني مساويا للثمن في الأول أو اقل أو اكثر.

و منها صحيح ابن حازم «2» المذكور في المتن و هو صريح في

البيع بعد حلول الأجل، و عام للمبيع الشخصي و مثله لأن قوله هذا الغنم كما يمكن ان يكون اشارة الي ما اشتراه يمكن ان يكون اشارة الي مثله.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 3.

(2) نفس المصدر حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 482

و رواية الحسين بن منذر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجيئني فيطلب العينة فاشتري له المتاع، ثمّ أبيعه إياه مرابحة، ثمّ اشتريه منه مكاني قال: فقال إذا كان هو بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع، و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس، قال: فقلت: ان اهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون انه ان جاء به بعد اشهر صح قال انما هذا تقديم و تأخير و لا بأس. و في المحكي عن قرب الأسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم أ يحل؟ قال: إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس، و عن كتاب علي بن جعفر قوله باعه بعشرة الي اجل ثمّ اشتراه بخمسة بنقد و هو اظهر في عنوان المسألة، و ظاهر هذه الاخبار كما تري يشمل صور الخلاف.

______________________________

و قد استدل له بجملة اخري من النصوص، و هي ان دلت علي الحكم في بعض الفروض الا انها لا تصلح للرد علي الشيخ (رحمه الله):

منها: خبر الحسين بن منذر «1» المذكور في المتن و هذا الخبر اما صريح في ما إذا كان البيع الأول مؤجلا من جهة اختصاص العينة بذلك، أو عام له و للحال لو منعنا عن اختصاصها به، و لو

فرض كون الأول مؤجلا كان البيع الثاني قبل حلول الأجل لصراحته في الاشتراء، و هو في مكانه، فعلي اي تقدير لا يكون دليلا علي الشيخ (رحمه الله)

و منها خبر علي بن جعفر «2» المروي في قرب الاسناد و كتاب علي بن جعفر مع اختلاف المتن و المتنان مذكور ان في الكتاب و الأول منهما ظاهر في المؤجل، و الثاني صريح فيه، و كلاهما ظاهران في الاشتراء قبل حلول الأجل، بل الثاني نص فيه، كما انهما صريحان في ورود البيعين علي المبيع الشخصي و الاشتراء بنقصان من الثمن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 483

و قد يستدل ايضا (1) برواية يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة قالا سألنا ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع طعاما بدراهم الي اجل، فلما بلغ ذلك تقاضاه فقال ليس لي دراهم خذ مني طعاما فقال: لا بأس به، فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء. و في دلالتها نظر، و فيما سبق من العمومات كفاية إذ لا معارض لها عدا ما ذكره الشيخ (رحمه الله)

من رواية خالد بن الحجاج قال: سالت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعته طعاما بتأخير الي اجل مسمي، فلما جاء الأجل اخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام، فاشتره مني فقال لا تشتره منه، فإنه لا خير فيه.

و رواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه، قال: سأله محمد بن قاسم الحناط فقال اصلحك الله ابيع الطعام من رجل الي اجل، فيجيئني و قد تغير الطعام من سعره، فيقول ليس عندي دراهم، قال:

خذ منه بسعر يومه فقال: أفهم اصلحك الله انه طعامي الذي اشتريه مني فقال: لا تأخذ منه حتي يبيعه و يعطيك، فقال رغم الله انفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي. و حكي عن الشيخ (قدس سره) انه اوردها في الاستبصار دليلا علي مختاره و حكي عن بعض ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.

______________________________

و منها: خبر يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة «1» المذكور في المتن و هو ظاهر في الشراء بذلك الثمن بلا زيادة و لا نقيصة، و هذا لا ينكره الشيخ (رحمه الله)، بل لا يبعد ظهوره في الوفاء بغير الجنس لا في الاشتراء، مع انه من جهة تكرار الاسم المنكر و هو قوله خذ مني طعاما بعد قوله عن رجل باع طعاما يدل علي تعدد الطعام في الموردين.

(1) و قد استدل للشيخ بروايتين: الاولي:

رواية «2» خالد بن الحجاج المذكورة في المتن و صريحها الاشتراء بعد حلول الأجل، و لكن لا ظهور لها في كون المبيع واحدا في البيعين لو لم تكن بقرينة تكرار الاسم المنكر ظاهرة في الاختلاف، مع انه لا ظهور لها في الاختلاف بمقدار الثمن، فهذه الرواية لا تنفع للشيخ (رحمه الله).

الثانية: رواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه «3» المذكورة في الكتاب

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب السلف حديث 10.

(2) نفس المصدر حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 484

اقول لا يظهر من رواية خالد دلالة علي مذهب الشيخ و علي تقدير الدلالة فتعليل المنع بأنه لا خير فيه من امارات الكراهة و اعلم انه قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة، فلما حل الأجل اخذ بها طعاما جاز إذا

اخذ ما اعطاه، فإن اخذ اكثر لم يجز. و قد روي انه يجوز علي كل حال. و حكي في المختلف عن الخلاف انه اذاع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة، فلما حل الأجل اخذ بها طعاما جاز ذلك إذا اخذ مثله، فإن زاد عليه لم يجز و احتج باجماع الفرقة و اخبارهم،

و بأنه يؤدي الي بيع طعام بطعام، ثمّ حكي عن بعض اصحابنا الجواز مطلقا، و عن بعضهم المنع مطلقا، ثمّ حكي عن الشيخ في آخر كلامه: انه قال و القول الآخر الذي لبعض اصحابنا قوي و ذلك انه بيع طعام بدراهم لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج الي اعتبار المثلية، انتهي.

______________________________

صريحها كون المورد شخص المبيع، و ظاهرها بعد الحلول، و ظاهرها ايضا الاختصاص بما إذا كان الثمن في البيع الثاني اقل، و هذه تدل علي ما ذهب إليه الشيخ (رحمه الله)

و اخص من الخبر الاول من وجهين: لانه اعم من البيع قبل الحلول و بعده و اعم من البيع بالمساوي أو الأقل، و هذه اخص من هاتين الجهتين فيتعين تخصيصه بها.

و أما الخبر الثاني: فهو صريح في البيع بالمساوي، فلا ينافي هذه الرواية و لا ينكره الشيخ.

و أما الخبر الثالث: فقد مر عدم دلالته علي ما يخالفه الشيخ (رحمه الله).

و أما خبرا علي بن جعفر فقد عرفت ان ظاهر احدهما و صريح الاخر البيع قبل حلول الأجل.

فتحصل: انه ليس في مقابل خبر عبد الصمد ما يعارضه، فما افتي به الشيخ بحسب الروايات لا إشكال فيه.

لا يقال: انه ضعيف السند لأن الراوي عن عبد الصمد قاسم بن محمد الجوهري و هو ضعيف أو مجهول.

فانه يرد: بان الخبر رواه الصدوق بسنده الي عبد الصمد و هو حسن،

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 485

اقول الظاهر ان الشيخ قدس سره جري في ذلك و فيما تقدم عنه في النهاية من عدم جواز بيع ما اشتري بجنس الثمن متفاضلا علي قاعدة كلية تظهر من بعض الأخبار من ان عوض الشي ء الربوي لا يجوز ان يعوض بذلك الشي ء بزيادة. و ان عوض العوض بمنزلة العوض، (1) فإذا اشتري طعاما بدراهم لا يجوز ان يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة، و كذلك إذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له ان يأخذ عوض الدراهم طعاما وعول في ذلك علي التعليل المصرح به في رواية علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام)

المعتضد ببعض الاخبار المانعة عن بعض افراد هذه القاعدة هنا. و في باب السلم قال: سألته عن رجل له علي آخر تمرا و شعيرا و حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم؟ قال:

إذا قومه دراهم فسد لان الاصل الذي يشري «اشتري» به دراهم و لا يصلح دراهم بدراهم، قال في المحكي التهذيب الذي افتي به ما تضمنه هذا الخبر الاخير من انه إذا كان الذي اسلف فيه دراهم له لم يجز ان يبيعه بدراهم، لأنه يكون قد باع دراهم بدراهم، و ربما كان فيه زيادة أو نقصان و ذلك ربا، انتهي.

و هنا يقول ايضا قبالا لمسألة السلم التي هي عكس مسألتنا انه إذا كان الذي باعه طعاما لم يجزان يشتري بثمنه طعاما لأنه يكون باع طعاما بطعام.

______________________________

و أما الفرع الثاني: فالمنسوب الي الشيخ (قدس سره) عدم جواز اخذ الطعام عوضا عن عوض الطعام الا بنحو التساوي، بل الظاهر المصرح به في محكي التهذيب سريان ذلك في جميع المعاوضات الربوية، فلا يجوز في اسلاف الطعام اخذ الدراهم بدلا عن الطعام.

(1) و قد استدل

له: بالقاعدة الكلية المستفادة من بعض الاخبار من ان عوض الشي ء الربوي لا يجوز ان يعوض بذلك الشي ء بزيادة و ان عوض العوض بمنزلة العوض،

و هو خبر علي بن جعفر قال: سألته عن رجل له علي آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم؟ قال: إذا قومه دراهم فسد، لأن الأصل الذي يشتري به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب السلف حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 486

و بالجملة فمدار فتوي الشيخ (قدس سره) علي ما عرفت من ظهور بعض الاخبار بل صراحته فيه من ان عوض العوض في حكم العوض في عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي، فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه، و بين اشتراء مجانسه منه، و لا فرق ايضا بين اشترائه قبل حلول الاجل أو بعده، كما اطلقه في الحدائق،

و تقييده بما بعد الحلول في عبارة النهاية المتقدمة لكون الغالب وقوع المطالبة و الايفاء بعد الحلول، و ان قصر المشهور خلافه به. لكن الاظهر هو الاطلاق، كما ان تقييد المنع في كلامه بأخذ ما باعه بالناقص، لأنه الغالب، لأن في رد نفس ما اشتراه رده بالناقص لا لخصوصية في النقص لا يجري في الزيادة. و لذا ذكر جواز اخذ المتاع الآخر بقيمته في الحال زادت أو نقصت، فيعلم منه ان اخذ ما باعه بقيمته في الحال غير جائز زادت أو نقصت.

و يؤيد الحمل علي الغالب انه (قدس سره) ذكر في مسألة السلم التي هي عكس المسألة انه لا يجوز له اخذ مثل الثمن زائدا علي ما اعطاه، فإن الغالب من اعطاء الطعام بدل الدراهم النقص مما اشتري، و مع العكس العكس

و ظهر ايضا مما ذكرنا ان الحكم مختص في كلام الشيخ بالجنس الربوي لا مطلق المتاع و لا خصوص الطعام. و أما الحكم في المستثني (1) و هو ما إذا اشترط في البيع الأول نقله الي من انتقل عنه، فهو المشهور و نص عليه الشيخ في باب المرابحة و استدلوا عليه أو لا بالدور، كما في التذكرة، قال في باب الشروط لو باعه

______________________________

و فيه: اولا: انه معارض في مورده بما يدل علي الجواز «1».

و ثانيا: انه يدل علي عدم الجواز حتي مع التساوي الذي لا يقول به الشيخ، و لعل وجهه عدم حصول التقابض في المجلس.

(1) و أما الثاني و هو الحكم في المستثني و هو ما إذا اشترط في البيع الاول نقله الي من انتقل عنه، فهو البطلان علي ما هو المشهور بين الاصحاب و ملخص القول فيه بالبحث في جهتين:

الاولي: في اصل الحكم بحسب النص و الفتوي.

الثانية: في تطبيقه علي القواعد.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب السلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 487

لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه اياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و وصفا وعينا ام لا،

و الا جاء الدور، لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي يبعه، فيدور اما لو شرط ان يبيعه علي غيره صح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا، لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع. علي البائع، انتهي.

اقول ظاهر ما ذكره من النقض انه يعتبر في الشرط ان يكون معقولا في نفسه مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه، و بيع الشي ء

علي غير مالكه معقول و لو من غير المالك كالوكيل و الفضولي بخلاف بيعه علي مالكه، فإنه غير معقول اصلا،

فاندفع عنه نقض جماعة ممن تأخر عنه باشتراط بيعه علي غيره أو عتقه، نعم ينتقض ذلك باشتراط كون المبيع رهنا علي الثمن، فإن ذلك لا يعقل مع قطع النظر عن البيع بل يتوقف عليه. و قد اعترف (قدس سره) بذلك في التذكرة فاستدل بذلك لاكثر الشافعية المانعين عنه.

و قال ان المشتري لا يملك رهن المبيع الا بعد صحة البيع، فلا يتوقف عليه صحه البيع و الا دار لكنه (قدس سره) مع ذلك جوز هذا الاشتراط الا ان يقال اخذ الرهن علي الثمن و التضمين عليه، و علي دركه و درك المبيع من توابع البيع، و من مصالحه فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن أو عدم تأخيره عن شهر مثلا و نحو ذلك،

لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه في التذكرة، من اشتراط وقف المشتري المبيع علي البائع و ولده و قرر الدور في جامع المقاصد، بأن انتقال الملك موقوف علي حصول الشرط، و حصول الشرط موقوف علي الملك. و هذا بعينه ما تقدم عن التذكرة بتفاوت في ترتيب المقدمتين، و اجيب عنه تارة بالنقض باشتراط بيعه من غيره.

و قد عرفت ان العلامة (قدس سره) تفطن له في التذكرة، و اجاب عنه بما عرفت انتقاضه بمثل اشتراط رهنه علي الثمن، و عرفت تفطنه لذلك ايضا في التذكرة،

و اخري بالحل، و هو ان انتقال الملك ليس موقوفا علي تحقق الشرط، و انما المتوقف عليه لزومه، و ثالثة بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد اجل البيع الأول، فإن ملك المشتري متخلل بين البيعين و مبني هذين الجوابين علي

ما ذكره العلامة في الاعتراض علي نفسه و الجواب عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 488

بما حاصله ان الشرط لا بد من صحته، مع قطع النظر عن البيع فلا يجوز ان يتوقف صحته علي صحة البيع، و لا فرق في ذلك بين اشتراط بيعه قبل الاجل أو بعده، لأن بيع الشي ء علي مالكه غير معقول مطلقا، و لو قيد بما بعد خروجه عن ملك مالكه لم يفرق ايضا بين ما قبل الاجل و ما بعده، و استدل عليه ايضا بعدم قصد البائع بهذا الشرط الي حقيقة الاخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك و جعله في غاية المراد اولي من الاستدلال بالدور بعد دفعه بالجوابين الاولين، ثمّ قال: و ان كان اجماع علي المسألة، فلا بحث ورد عليه المحقق و الشهيد الثانيان بأن الفرض حصول القصد الي النقل الاول لتوقفه عليه، و إلا لم يصح ذلك إذا قصدا ذلك و لم يشترطاه مع الاتفاق علي صحته، انتهي.

و استدل عليه في الحدائق (1) بقوله (عليه السلام) في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة في السؤال عن بيع الشي ء و اشترائه ثانيا من المشتري ان كان هو بالخيار ان شاء باع، و ان شاء لم يبع، و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر، فلا بأس، فإن المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط علي نفسه بشرائه ثانيا فدل علي ثبوت البأس إذا كان احد المتبايعين غير مختار في النقل من جهة التزامه بذلك في العقد الاول و ثبوت الباس في الرواية. اما راجع الي البيع الأول فتثبت المطلوب و ان كان راجعا الي البيع الثاني فلا وجه له الا بطلان البيع الأول،

إذ لو صح البيع الأول و المفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن بالبيع الثاني باس

______________________________

اما الجهة الثانية: فقد اشبعنا الكلام فيها في مبحث الشروط في الشرط السابع لصحة الشرط. و لذلك اغمضنا عن البحث فيما افاده المصنف في المقام و أما الجهة الاولي: فالمشهور بين الاصحاب: بطلان البيع المشروط بهذا الشرط،

و المصنف (رحمه الله) في الشرط الفاسد صرح بان بطلان هذا البيع مما لا خلاف فيه، و مع ذلك في المقام لم يسلم ذلك.

(1) و كيف كان: فقد استدل للبطلان بخبرين:

احدهما: خبر الحسين بن المنذر عن مولانا الصادق (عليه السلام) عن الرجل يجيئني فيطلب مني العينة فاشتري المتاع له مرابحة ثمّ ابيعه اياه ثمّ اشتريه منه مكاني قال: فقال: ان كان بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 489

بل كان لازما بمقتضي الشرط الواقع في متن العقد الصحيح، هذا، و قد يرد دلالتها بمنع دلالة البأس علي البطلان. و فيه ما لا يخفي و قد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا يقول به أحد من عدم اشتراط المشتري ذلك علي البائع، و فيه أن هذا قد قال به كل أحد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع، فإن المسألتين من واد واحد، بل الشهيد (قدس سره) في غاية المراد عنوان المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء. و قد يرد أيضا بأن المستفاد من المفهوم لزوم الشرط و أنه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه، و إن كان يحرم البيع الثاني أو هو و البيع الأول مع الشرط و يكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط، و إن كان لو فعل التزم به و هو غير التزام المحرم الذي يفسد و يفسد العقد. و

فيه أن الحرمة المستفادة من البأس ليس إلا الحرمة الوضعية أعني الفساد و لا يجامع ذلك صحة الشرط و لزومه.

نعم يمكن ان يقال بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع الثاني مع الفراغ عن صحة الاول، كما يشهد به ايضا بيان خلاف اهل المسجد المختص بالبيع الثاني ان المراد انه ان وقع البيع الثاني علي وجه الرضا و طيب النفس، و الاختيار فلا بأس به.

و ان وقع لاعن ذلك، بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله، و الزامه عرفا بما التزم كان الشراء فاسدا لكن فساد الشراء لا يكون الا لعدم طيب النفس فيه،

______________________________

و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا باس. الخبر «1».

ثانيهما: خبر علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم الي اجل ثمّ اشتراه بخمسة دراهم أ يحل؟ قال (عليه السلام): إذا لم يشترط و رضيا فلا باس «2».

بتقريب: انهما يدلان علي ثبوت البأس إذا لم يكونا مختارين و اشترطا البيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 490

و عدم وجوب الالتزام بما التزم علي نفسه. اما لعدم ذكره في متن العقد. و أما لكون الشرط بالخصوص فاسد لا يجب الوفاء به، و لا يوجب فساد العقد المشروط به، كما هو مذهب كثير من القدماء لا لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في متنه، حتي لو وقع عن طيب النفس، لأن هذا مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص حكم الرواية منعا و جوازا بالعقد الثاني. و أما رواية علي بن

جعفر فهي اظهر في اختصاص الحكم بالشراء الثاني، فيجب ايضا حمله علي وجه لا يكون منشأ فساد البيع الثاني فساد البيع الأول بأن يكون مفهوم الشرط انه إذا اشترطا ذلك في العقد أو قبله، و لم يرضيا بوقوع العقد الثاني بل وقع علي وجه الالجاء من حيث الالتزام به قبل العقد أو فيه فهو غير صحيح لعدم طيب النفس فيه، و وقوعه عن إلجاء و هذا لا يكون الا مع عدم وجوب الوفاء اما لعدم ذكره في العقد و أما لكونه لغوا فاسدا مع عدم تأثير فساده في العقد.

و بالجملة، فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصح ان يستند الي فساد الأول لما ذكرنا من ظهور الروايتين في ذلك فلا بد من أن يكون منشؤه عدم طيب النفس بالعقد الثاني و عدم طيب النفس لا يقدح الا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم و عدم اللزوم لا يكون الا لعدم ذكر الشرط في العقد أو لكونه فاسدا غير مفسد. ثمّ انه قال في المسالك انهما لو شرطاه قبل العقد لفظا،

______________________________

بالشرط الملزم و هو ما في ضمن العقد، و عليه فاما يدل علي فساد البيع الأول فهو المطلوب، أو يدل علي فساد الثاني، و حيث لا منشأ لفساده سوي فساد الأول فيثبت المطلوب.

و اجيب عن هذا الوجه بوجوه:

منها: ما افاده المصنف (رحمه الله)، و قد تعرضنا له و لجوابه في مسألة الشرط الفاسد.

و منها: ان ثبوت البأس اعم من الحرمة، و هو كما تري.

و منها: انهما يدلان علي ثبوت البأس و الحرمة للاشتراط أو البيع معه، و هذا يستلزم نفوذ الشرط.

و فيه: ان النهي في باب المعاملات و كذا ما شابهه ظاهر في الارشاد

الي الفساد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 491

فإن كان يعلمان ان الشرط المتقدم لا حكم له فلا اثر له و إلا اتجه بطلان العقد به كما لو ذكراه في متنه لانهما لم يقدما الاعلي الشرط و لم يتم لهما و يمكن ان يقال ان علمهما بعدم حكم للشرط لا يوجب عدم اقدامهما علي الشرط، فالاولي بناء المسألة علي تأثير الشرط المتقدم في ارتباط العقد به و عدمه و المعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم الا ان يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثر و بين الفاسد فيؤثر في البطلان و وجهه غير ظاهر بل ربما حكي العكس عن بعض المعاصرين و قد تقدم توضيح الكلام في ذلك.

القول في القبض

اشارة

و هو لغة: الأخذ مطلقا، أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف عبارات اهل اللغة، و النظر في ماهيته و وجوبه و احكامه يقع في مسائل:

مسألة: اختلفوا في ماهية القبض في المنقول، بعد اتفاقهم علي انها التخلية في غير المنقول (1) علي اقوال:

______________________________

لا الحرمة التكليفية.

و منها: انهما متضمنان لما لا يقول به احد، و هو اعتبار عدم اشتراط المشتري ذلك علي البائع.

و فيه: ان القوم ملتزمون بذلك، بل الشهيد عنون المسألة في غاية المراد بالاشتراط بشرط الاشتراء، فالحق انهما يدلان علي ذلك، فالحكم من حيث النص و الفتوي لا إشكال فيه، و الله العالم.

القول في القبض

و في جملة من الكلمات منها التبصرة، التعبير بالتسليم، و المراد واحد و النظر في ماهيته و وجوبه و احكامه في طي مسائل.

(1) الاولي اختلفوا في ماهية القبض بعد اتفاقهم علي انه التخلية فيما لا ينقل علي اقوال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 492

احدها: انها التخلية ايضا صرح به المحقق في الشرائع، و حكي عن تلميذه كاشف الرموز. و عن الايضاح نسبته الي بعض متقدمي اصحابنا و عن التنقيح نسبته الي المبسوط.

الثاني: انه في المنقول، النقل، و فيما يعتبر كيله أو وزنه الكيل أو الوزن.

الثالث: ما في الدروس من انه في الحيوان نقله، و في المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله و في الثوب وضعه في اليد.

الرابع: ما في الغنية و عن الخلاف و السرائر و اللمعة انه التحويل و النقل.

الخامس: ما في المبسوط من انه ان كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد، فالقبض فيه هو التناول باليد، و ان كان مثل الحيوان كالعبد و البهيمة فالقبض في البهيمة ان يمشي بها الي مكان آخر، و في العبد ان يقيمه الي مكان آخر

و ان كان اشتراه جزافا كان القبض فيه

ان ينقله من مكانه و ان كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه ان يكيله، و زاد في الوسيلة انه في الموزون وزنه، و في المعدود عده،

و نسب عبارة الشرائع الراجعة الي ما في المبسوط الي المشهور.

السادس: انه الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد، حكي عن المحقق الاردبيلي و صاحب الكفاية، و اعترف في المسالك تبعا لجامع المقاصد، لشهادة العرف بذلك،

الا انه اخرج عن ذلك المكيل و الموزون، مستندا الي النص الصحيح، و فيه ما سيجي ء.

السابع: ما في المختلف من انه ان كان منقولا فالقبض فيه النقل أو الأخذ باليد،

و ان كان مكيلا أو موزونا فقبضه ذلك أو الكيل أو الوزن.

الثامن: انه التخلية مطلقا بالنسبة الي انتقال الضمان الي المشتري دون النهي عن بيع ما لم يقبض، نفي عنه البأس في الدروس.

______________________________

و تنقيح الكلام بالبحث في جهات:

الاولي: ان تحديد مفهوم القبض انما هو لترتيب الآثار و الأحكام المترتبة علي هذا العنوان في الشرع، و أما ما لم يؤخذ القبض في موضوعه- كما في رد المغصوب و اداء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 493

اقول: لا شك ان القبض للمبيع هو فعل القابض و هو المشتري، و لا شك ان الاحكام المترتبة علي هذا الفعل لا يترتب علي ما كان من فعل البائع من غير مدخل للمشتري فيه، كما ان الاحكام المترتبة علي فعل البائع كالوجوب علي البائع،

و الراهن في الجملة و اشتراط القدرة علي التسليم لا يحتاج في ترتبها الي فعل من المشتري، فحينئذ نقول اما ما اتفق عليه من كفاية التخلية في تحقق القبض في غير المنقول، ان اريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة الي المبيع، و هو جميع ما يتوقف عليه من طرفه وصوله الي المشتري، و

يعبر عنه مسامحة بالاقباض و التسليم، (1)

و هو الذي يحكمون بوجوبه علي البائع و الغاصب و الراهن في الجملة، و يفسرونه بالتخلية التي هي فعل البائع. فقد عرفت انه ليس قبضا حقيقيا حتي في غير المنقول،

و ان فسرت برفع جميع الموانع، و اذن المشتري في التصرف، قال كاشف الرموز في شرح عبارة النافع: القبض مصدر يستعمل بمعني التقبيض و هو التخلية، و يكون من طرف البائع و الواهب بمعني التمكين من التصرف، انتهي.

بل التحقيق ان القبض مطلقا هو استيلاء المشتري عليه و تسلطه عليه الذي يتحقق به معني اليد و يتصور فيه الغصب.

نعم يترتب علي ذلك المعني الاول الاحكام المترتبة علي الاقباض و التسليم الواجبين علي البائع، فينبغي ملاحظة كل حكم من الأحكام المذكورة في باب القبض، و انه مترتب علي القبض الذي هو فعل المشتري بعد فعل البائع، و علي الاقباض الذي هو فعل البائع

______________________________

ما في اليد و نحو ذلك- فلا ملزم في تصوير الجامع بين ما يعتبر فيه، و بين القبض و لا محذور في الالتزام بتعدد المعني.

الثانية: ان القبض الذي هو المبدأ لهذه المادة له معني واحد، و باعتبار قيامه بالبائع مثلا يعبر عنه بالاقباض، و باعتبار قيامه بالمشتري قيام حلول يعبر عنه بالقبض،

و لا يكون معناه متعددا، من غير فرق بين تفسيره بالتخلية أو الاستيلاء و لكل من اعتباري هذا المعني الواحد آثار و احكام.

(1) فما في المتن من بطلان تفسير القبض بالتخلية قطعا من جهة ان القبض فعل المشتري، و التخلية فعل البائع في غير محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 494

مثلا، إذا فرض ان ادلة اعتبار القبض في الهبة دلت علي اعتبار حيازة المتهب الهبة، لم يكتف في ذلك بالتخلية

التي هي من فعل المواهب، و هكذا و لعل تفصيل الشهيد في البيع بين حكم الضمان و غيره، من حيث ان الحكم الاول منوط بالاقباض، و غيره منوط بفعل المشتري، و كيف كان، فلا بد من مراعاة ادلة احكام القبض، فنقول اما رفع الضمان، (1) فإن استند فيه الي النبوي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري و ان استند الي قوله (عليه السلام) في رواية عقبة بن خالد حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، احتمل فيه اناطة الحكم بالتخلية،

فيمكن حمل النبوي علي ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية، و احتمل ورود الرواية مورد الغالب، من ملازمة الاخراج للوصول الي المشتري، بقرينة ظاهر النبوي.

و لذا قال في جامع المقاصد بعد نقل ما في الدروس: ان الخبر دال علي خلافه،

و هو حسن ان اراد به ظاهر النبوي، لا ظاهر رواية عقبة أو غيرها، و الانصاف

______________________________

الثالثة: ان القبض في اللغة له معني واحد في جميع موارد استعماله، و الظاهر انه الاستيلاء علي الشي ء و التصرف فيه، كان ذلك بالقبض باليد أو بسائر الجوارح، أو باجراء المعاملة عليه، أو اغلاق الباب، أو نحو ذلك في المنقول و غيره، و المكيل و الموزون و غيرهما في الحيوان و غيره، فان هذا المعني هو المناسب لما يقابل البسط المساوق للامساك، و الظاهر انه في الشرع ايضا استعمل في هذا المعني الوحداني، و سيمر عليك ما توهم دخله فيه بالتعبد شرعا.

الرابعة: ان ما اعتبر فيه القبض بعنوانه و توهم انه في نصوصه، و ادلته اعتبر في القبض زائدا علي ما ذكرناه شي ء آخر، أو فسر بغير ما اخترناه امور:

(1) احدها: الخروج عن

ضمان المبيع فانه منوط بالقبض بعنوانه كما في النبوي المعروف: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من ماله بائعه. «1» و في رواية عقبة بن خالد عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده

______________________________

(1) المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 495

ان ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة الي ظاهر رواية عقبة، و ربما يخدش فيها بظهورها في اعتبار الاخراج من البيت مع انه غير معتبر في رفع الضمان اتفاقا. و فيه ان الاخراج عن البيت كناية عن الاخراج عن السلطنة، و رفع اليد، (1) و لا ينبغي خفاء ذلك علي المتأمل في الاستعمال العرفي. هذا، و لكن الجمود علي حقيقة اللفظ في الرواية يقتضي اعتبار الوصول الي يد المشتري، لأن الاقباض و الاخراج و ان كانا من فعل البائع، الا ان صدقهما عليه يحتاج الي فعل من غير البائع، لأن الاقباض و الاخراج بدون القبض و الخروج محال، الا ان يستفاد من الرواية تعلق الضمان علي ما كان من فعل البائع و التعبير بالاقباض و الاخراج مسامحة مست الحاجة إليها في التعبير. و ما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية، يظهر من بعض فروع التذكرة حيث قال لو احضر البائع السلعة. فقال المشتري ضعه تم القبض لأنه كالتوكيل في الوضع، و لو لم يقل المشتري شيئا. أو قال لا أريد حصل القبض لوجود التسليم، كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك، فإنه يبرئ من الضمان، انتهي.

و ظاهره ان المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو فعل البائع، و لو امتنع المشتري لكنه قدس سره صرح في عنوان المسألة، و

في باب الهبة بضعف هذا القول بعد نسبته الي بعض الشافعية

______________________________

و لم يقبضه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال (عليه السلام): من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد ماله إليه «1» الشارحة لحقيقة القبض بما يوهم خلاف ذلك.

(1) فانه قيل: ان الاخراج من البيت كناية عن اخراجه عن تحت استيلائه و تمكين المشتري منه فتدل علي كفاية الاستيلاء في صدق القبض.

و بعبارة اخري: ان الاخراج الي المشتري مساوق لاستيلائه،

و هذا هو مراد المصنف (رحمه الله) مما افاده في المقام.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لمحمد بن عبد الله بن هلال المهمل.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 496

فالظاهر ان مراده بل مراد الشهيد قدس سره رفع الضمان بهذا و ان لم يكن قبضا، بل عن الشهيد في الحواشي انه نقل عن العلامة (قدس سره) ان التخلية في المنقول و غيره يرفع الضمان، لأنه حق علي البائع، و قد ادي ما عليه.

اقول و هذا كما ان اتلاف المشتري يرفع ضمان البائع و سيجي ء من المحقق الثاني ان النقل في المكيل و الموزون يرفع الضمان و ان لم يكن قبضا.

و قد ظهر مما ذكرنا ان لفظ القبض الظاهر صيغته في فعل المشتري يراد به الاستيلاء علي المبيع، سواء في المنقول و غيره، لأن القبض لغة الأخذ مطلقا، أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف التعبيرات، فإن اريد الاخذ حسا باليد، فهو لا يتأتي في جميع المبيعات مع ان احكامه جارية في الكل. فاللازم ان يراد به في كلام اهل اللغة و في

لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع و الرهن (1) و الصدقة،

و تشخيص ما في الذمة اخذ كل شي ء بحسبه و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة.

و أما ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل و التحويل فيه، بل ادعي في الغنية الاجماع علي انه القبض في المنقول الذي لا يكتفي فيه بالتخلية

______________________________

و ثانيا: انه يمكن ان يقرأ يقبض بالفتح من القبض، و يكون الفاعل هو المشتري،

و عليه فالاخراج المعطوف عليه فعله و تصرفه في المبيع، فهو يؤكد ما ذكرناه من عدم كفاية التخلية و الاستيلاء في صدقه.

و الظاهر الي هذا نظر العلامة (رحمه الله) و الشهيد (رحمه الله)، حيث استندا إليه في اعتبار النقل في صدق القبض، و ما افاداه يتم ان كان مرادهما من النقل مطلق التصرف الخارجي كما لعله الظاهر، و الله العالم.

(1) ثانيها: الرهن و ظاهر الآية و الرواية اعتبار القبض فيه بعنوانه مع ان مجرد الاستيلاء يكفي، فان الاستيثاق المقوم له يحصل بمجرد الاستيلاء، و لم يعتبر القبض الا لأجل الاستيثاق.

و فيه: ان الاستيثاق مقوم حقيقة الرهن، و القبض شرط فيه شرعا، فاعتبار القبض ليس لأجل الاستيثاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 497

فهو لا يخلو عن تأمل. و ان شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف، في مثل الحيوان،

لأن مجرد اعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه عليه قبض عرفا علي الظاهر. ثمّ المراد من النقل في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له لا نقل البائع، كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة المصرح به في جامع المقاصد.

و أما رواية عقبة بن خالد المتقدمة، فلا دلالة فيها علي اعتبار النقل في المنقول و إن استدل بها عليه في التذكرة، لما عرفت

من ان الاخراج من البيت في الرواية نظير الاخراج من اليد كناية عن رفع اليد و التخلية للمشتري حتي لا يبقي من مقدمات الوصول الي المشتري الا ما هو من فعله.

و أما اعتبار الكيل و الوزن أو كفايته في قبض المكيل أو الموزون، (1) فقد اعترف غير واحد، بأنه تعبد، لأجل النص الذي ادعي دلالته عليه، مثل صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام): عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه،

فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتي تكيله أو تزنه الا ان توليه بالذي قام عليه.

و صحيحة منصور بن حازم إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن، فلا تبعه حتي تقبضه الا ان توليه، و في صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال إذا لم يربح عليه فلا بأس، و ان ربح فلا يبعه حتي يقبضه، و رواية ابي بصير عن رجل اشتري طعاما، ثمّ باعه قبل ان يكيله قال: لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل ان يكيله أو يزنه الا ان يوليه، كما اشتراه الي غير ذلك مما دل علي اعتبار الكيل و الوزن لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما

______________________________

(1) ثالثها: بيع المكيل و الموزون و قد اشتهر ان القبض في المكيل و الموزون بالكيل و الوزن.

و قد استدل له بجملة من النصوص: كصحيح معاوية «1» و صحيح منصور «2» و صحيح «3» علي بن جعفر، و خبر ابي بصير «4» المذكورة جميعا في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 11.

(2) نفس المصدر حديث 1.

(3) نفس المصدر حديث 9.

(4) نفس المصدر

حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 498

و إلا لم يفرق بين التولية و غيرها، فتعين لأمر آخر، و ليس الا من كون ذلك قبضا للاجماع، كما في المختلف علي جواز بيع الطعام بعد قبضه، و منه يظهر ما في المسالك حيث انه بعد ذكر صحيحة ابن وهب قال: و التحقيق هنا ان الخبر الصحيح دل علي النهي عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما، لا علي ان القبض لا يتحقق بدونهما، و كون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك، لأن الاعتبار بهما قبض و زيادة، و حينئذ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بالعرف و الخبر الأخر، و بتوقف البيع ثانيا علي الكيل و الوزن امكن ان لم يكن احداث قول،

انتهي. و الظاهر ان مراده بالخبر، خبر عقبة بن خالد و قد عرفت عدم ظهوره في اعتبار النقل.

ثمّ ان ظاهر غير واحد كفاية الكيل و الوزن في القبض (1) من دون توقف علي النقل. و الظاهر انه لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع كما صرح به في جامع المقاصد. و لذا نبه في موضع من التذكرة: بأن الكيل شرط في القبض، و كيف كان فالاولي في المسألة

______________________________

و تقريب الاستدلال بها من وجهين:

الأول: انها تدل علي اعتبار الكيل و الوزن، و حيث انه ليس لأجل اشتراط صحة المعاملة بهما و الا لم يفرق بين التولية و غيرها، فلا محالة يكون لأمر آخر،

و حيث انه قام الاجماع علي جواز بيع الطعام بعد قبضه، فيعلم من ذلك انه يكون من جهة كونه قبضا.

الثاني: ان جملة من النصوص كصحيحي منصور و علي بن جعفر متضمنة للنهي عن

بيع المكيل و الموزون قبل القبض،

و جملة منها كصحيح معاوية و خبر ابي بصير متضمنة للنهي عن بيعهما قبل الكيل و الوزن،

(1) و مقتضي الجمع بين الطائفتين كون قبضهما هو الكيل و الوزن و في صحيح معاوية شهادة علي ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 499

ما عرفت من ان القبض له معني واحد يختلف باختلاف الموارد، و ان كون القبض هو الكيل أو الوزن خصوصا في باب الصدقة و تشخيص ما في الذمة مشكل جدا، لأن التعبد الشرعي علي تقدير تسليمه مختص بالبيع، الا ان يكون اجماع علي اتحاد معني القبض في البيع و غيره، كما صرح به العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم في باب الرهن و الهبة، و حكي فيها الاتفاق علي الاتحاد عن ظاهر المسالك و استظهره الحاكي ايضا. و عن ظاهر المبسوط في باب الهبة ان القبض هي التخلية فيما لا ينتقل و النقل و التحويل في غيره، لكن صرح في باب الرهن بأن كلما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن و الهبات و الصدقات لا يختلف ذلك.

و عن القاضي انه لا يكفي في الرهن التخلية و لو قلنا بكفايته في البيع، لأن البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه و هنا لا استحقاق بل القبض سبب في الاستحقاق، بل و مقتضي هذا الوجه لحوق الهبة و الصدقة بالرهن، و هذا الوجه حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعية. فقال قدس سره القبض هنا كالقبض في البيع ففيما لا ينقل و لا يحول التخلية و فيما ينقل و يحول النقل و التحويل و فيما يكال أو يوزن الكيل و الوزن،

______________________________

و مورد النصوص، و كلمات الأصحاب البيع الثاني، قبل

القبض بعد الفراغ عن صحة البيع الأول، الذي هو حرام أو مكروه،

و محل الكلام ان القبض الرافع للحرمة أو الكراهة هل يكون منحصرا في الكيل أو الوزن المتجدد بينهما، ام هما من افراده، ام لا يكفيان عن القبض، ام يعتبر ان فيه شرعا زائدا علي ما هو حقيقة القبض تعبدا؟

المستفاد من جملة من الأخبار، و النصوص علي ما يقتضيه الجمود علي ظواهرها:

ان البيع الثاني، لا يجوز تحريما، أو تنزيها في المكيل و الموزون، قبل الكيل و الوزن، و قبل القبض اي الرافع للحرمة أو الكراهة هما معا، و ما ادعي من الاجماع علي الجواز بعد القبض و ان لم يكل أو يوزن غير ثابت،

كيف و قد صرح صاحب الجواهر بان ظاهر النصوص اعتبار الكيل و الوزن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 500

ثمّ حكي عن بعض الشافعية عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في البيع مستندا الي ان القبض في البيع مستحق و في الهبة غير مستحق، فاعتبر تحققه و لم يكتف بالوضع بين يديه. و لذا لو اتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا بخلاف المشتري، ثمّ ضعفه بأنه ليس بشي ء لاتحاد القبض في الموضعين و اعتبار العرف فيهما، انتهي.

و ظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم عنه الا ان يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان، و ان لم يكن قبضا كما اشرنا إليه سابقا.

فرعان الاول: قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة بامتعة البائع و مكنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان الي مكان كان قبضا، و قال ايضا إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كفي في المنقول النقل من حيز الي حيز و ان كان

في موضع يختص به، فالنقل من زاوية الي اخري بغير اذن البائع لا يكفي لجواز التصرف، و يكفي لدخوله في ضمانه و ان نقل بإذنه حصل القبض، و كأنه استعار البقعة المنقول إليها.

الثاني: قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو اما ان يكون قد كيل قبل البيع أو وزن أو لا بأن اخبر البائع بكيله أو وزنه، أو باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه، فإن كان الآخر فلا بد في تحقيق قبضه من كيله أو وزنه، للنص المتقدم، و ان كان الاول ففي افتقاره الي الاعتبار ثانيا لاجل القبض أو الاكتفاء بالاعتبار الأول وجهان

______________________________

حتي مع القبض، و حينئذ يبقي سؤال و هو:

انه في صحيح معاوية سئل عن البيع قبل القبض، و اجاب (عليه السلام) بانه في المكيل و الموزون لا بيع قبل الكيل و الوزن، و لو لم يكن القبض هو الكيل و الوزن لما صح ذلك و يمكن ان يقال: انه إذا كان المبيع كليا لا يعتبر في صحته فعلية الكيل و الوزن، و انما يكتفي بتقديره بمقدار معين كيلا أو وزنا، و لكن يعتبر فعليتهما في مقام الوفاء و تطبيق الكلي علي الفرد، و تعيينه الفرد، و حيث ان تطبيق الكلي علي الفرد و تعيينه فيه متوقف علي قبول المشتري و قبضه، فمجرد الكيل أو الوزن الفعلي من دون قبض من صاحب الحق لا يوجب التعيين، بل هو كيل مال البائع لا كيل مال المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 501

من اطلاق توقف الحكم علي الكيل و الوزن. و قد حصلا و قوله (عليه السلام) في النص حتي تكيله أو تزنه لا يدل علي اعتبار ازيد من اعتبار الكيل

و الوزن الشامل لما وقع قبل البيع. و من ان الظاهر ان ذلك لأجل القبض لا لتحقق شرط صحة البيع الثاني، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد و به صرح العلامة و الشهيد و جماعة و هو الاقوي و يدل عليه قوله (عليه السلام) الا ان يوليه فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع فلا بد منه في التولية و غيرها فدل علي ان ذلك لأجل القبض لا لصحة البيع، انتهي المهم من كلامه (رحمه الله).

اقول يبعد التزام القائلين بهذا القول ببقاء المكيل و الموزون بعد الكيل و الوزن و العقد عليه و الأخذ و التصرف في بعضه في ضمان البائع حتي يكيله ثانيا أو يزنه و ان لم يرد بيعه ثانيا، و كذا لو كاله و قبضه ثمّ عقد عليه و قد تفطن لذلك المحقق الاردبيلي (رحمه الله) فيما حكي من حاصل كلامه حيث نزل ما دل علي اعتبار الكيل و الوزن في البيع الثاني علي ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه، بل وقع البيع الأول من دون كيل، كما إذا اشتري اصوعا من صبرة مشتملة عليها أو اشتري باخبار البائع. اما إذا كاله بحضور المشتري، ثمّ باعه اياه فأخذه و حمله الي بيته و تصرف فيه بالطحن و العجن و الخبز، فلا شك في كونه قبضا مسقطا للضمان مجوز للبيع، و لا يلزم تكلف البائع بكيله مرة اخري للاقباض، الي ان قال: ما حاصله ان كون وجوب الكيل مرة اخري للقبض مع تحققه اولا عند الشراء كما نقله في المسالك عن العلامة و الشهيد و جماعة (قدس الله اسرارهم) و قواه ليس بقوي، انتهي.

و قال في جامع المقاصد عند شرح قول

المصنف ان التسليم بالكيل و الوزن فيما يكال أو يوزن علي رأي المراد به الكيل الذي يتحقق به اعتبار البيع، و لا بد من رفع البائع يده عنه، فلو وقع الكيل و لم يرفع البائع يده، فلا تسليم و لا قبض، و لو اخبره البائع بالكيل أو الوزن فصدقه، واخذ علي ذلك حصل القبض، كما نص عليه في التذكرة، ثمّ قال: و لو اخذ المبيع جزافا أو ما اشتراه كيلا وزنا أو بالعكس، فإن تيقن حصول الحق فيه صح، و إلا فلا، ذكره في التذكرة، و الذي ينبغي ان يقال: ان هذا الاخذ باعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع الي المشتري، و انتفاء سلطنة البائع، لو اراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط علي بيعه، لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه علي التحريم أو الكراهة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 502

و لو كيل قبل ذلك فحضر كيله أو وزنه، ثمّ اشتراه و أخذه بذلك الكيل فهو،

كما لو اخبره بالكيل أو الوزن بل هو اولي، انتهي.

ثمّ الظاهر ان مراد المسالك مما نسبه الي العلامة و الشهيد و جماعة من وجوب تجديد الاعتبار لاجل القبض، ما ذكره في القواعد تفريعا علي هذا القول، انه لو اشتري مكايلة و باع مكايلة فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض، قال في جامع المقاصد في شرحه انه لو اشتري ما لا يباع الا مكايلة و باع كذلك لا بد لكل بيع من هذين من كيل جديد، لأن كل بيع لا بد له من قبض. قال بعد ذلك: و لو انه حضر الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفي به، أو اخبره البائع فصدقه لكفي نقله و قام ذلك

مقام كيله. و في الدروس بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في زوال تحريم البيع أو كراهته قبل القبض، قال: نعم لو خلي بينه و بين الكيل «المكيل» فامتنع حتي يكتاله لم ينتقل إليه الضمان، و لا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض، انتهي.

و هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة و الشهيد و المحقق الثاني لاختيارهم وجوب تجديد الكيل و الوزن لأجل القبض، و ان كيل أو وزن قبل ذلك،

لكن الانصاف انه ليس في كلامهم و لا غيرهم ما يدل علي ان الشي ء الشخصي المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب كيله مرة اخري، لتحقق القبض،

كما يظهر من المسالك، فلا يبعد ان يكون كلام الشيخ قدس سره و من تبعه في هذا القول و كلام العلامة. و من ذكر فروع هذا القول مختصا بما إذا عقد علي كيل معلوم من كلي أو من صبرة معينة، أو علي جزئي محسوس، علي انه كذا و كذا، فيكون مراد الشيخ و الجماعة من قولهم اشتري مكايلة، انه اشتري بعنوان الكيل و الوزن، في مقابل ما إذا اشتري ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين في العقد، لكونه لغوا.

و الظاهر ان هذا هو الذي يمكن ان يعتبر في القبض في غير البيع ايضا من الرهن و الهبة، فلو رهن اناء معينا من صفر مجهول الوزن أو معلوم الوزن أو وهبه خصوصا علي القول بجواز هبة المجهول. فالظاهر انه لا يقول احد بأنه يعتبر في قبضه وزنه، مع عدم تعلق غرض في الهبة بوزنه اصلا.

نعم لو رهن أو وهب مقدارا معينا من الكيل أو الوزن، امكن القول باشتراط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 503

اعتباره في قبضه، و ان قبضه جزافا كلا قبض، فظهر ان قوله في القواعد اشتري مكايلة و هو العنوان المذكور في المبسوط لهذا القول، كما عرفت عند نقل الاقوال يراد به ما ذكرنا لاما عرفت من جامع المقاصد.

و يؤيده تكرار المكايلة في قوله و باع مكايلة، و يشهد له ايضا قوله في موضع آخر لو اخذ ما اشتري كيلا وزنا و بالعكس، فإن تيقن حصول الحق فيه، الخ.

و اظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط، فإنه بعد ما صرح باتحاد معني القبض في البيع و الرهن و غيرهما، ذكر انه لو رهن صبرة علي انه كيل كذا، فقبضه ان يكيله و لو رهنها جزافا فقبضه ان ينقله من مكانه مع انه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا، فافهم. و أما قوله في الدروس فلا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض، فلا يبعد ان يكون تتمة لما قبله من قوله نعم لو خلي بينه و بينه فامتنع حتي يكتاله، و مورده بيع كيل معين كلي، فلا يدل علي وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل العقد، ثمّ ان ما ذكره في المسالك في صحيحة ابن وهب اولا من ان قوله لا يبيعه حتي يكيله يصدق مع الكيل السابق، ثمّ استظهاره ثانيا بقرينة استثناء بيع التولية ان المراد غير الكيل المشترط في صحة العقد لم يعلم له وجه، إذ المراد من الكيل و الوزن في تلك الصحيحة و غيرها هو الكيل المتوسط بين البيع الأول و الثاني. و هذا غير قابل لإرادة الكيل المصحح للبيع الأول، فلا وجه لما ذكره اولا اصلا، و لا وجه لإرادة المصحح للبيع الثاني حتي يكون استثناء التولية قرينة علي عدم

ارادته لاشتراك التولية مع غيرها في توقف صحتهما علي الاعتبار، لأن السؤال عن بيع الشي ء قبل قبضه، ثمّ الجواب بالفرق بين المكيل و الموزون لا يمكن ارجاعها الي السؤال و الجواب عن شرائط البيع الثاني بل الكلام سؤالا و جوابا نص في ارادة قابلية المبيع قبل القبض للبيع و عدمها فالاولي ان استثناء التولية ناظر الي الفرق بين البيع مكايلة، بأن يبيعه ما اشتراه علي انه كيل معين، فيشترط قبضه بالكيل و الوزن،

ثمّ اقباضه، و بين ان يوليه البيع الأول من غير تعرض في العقد لكيله و وزنه، فلا يعتبر توسط قبض بينهما، بل يكفي قبض المشتري الثاني عن الأول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 504

و بالجملة فليس في الصحيحة تعرض لصورة كيل الشي ء اولا قبل البيع، ثمّ العقد عليه و التصرف فيه بالنقل و التحويل، و ان بيعه ثانيا بعد التصرف هل يحتاج الي كيل جديد لقبض البيع الأول، لا لاشتراط معلومية المبيع في البيع الثاني ام لا؟ بل ليس في كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة.

القول في وجوب القبض

مسألة: يجب علي كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع (1)
اشارة

لاقتضاء العقد، لذلك (2)

______________________________

ففعلية الكيل و الوزن مساوقة لقبض المشتري و قبوله، و علي هذا تنزل كلمات من نسب إليه كون قبض المكيل و الموزون بكيله أو وزنه،

و استثناء التولية انما يكون مناسبا لهذا المقام كما افاده بعض الأكابر، فانه يوليه البيع الصحيح، و يكون هو المباشر لما يكون وفاء، فكأن اعتبار بيع التولية اعتبار قيام المشتري الثاني مقام المشتري الأول في الطرفية للبيع لا انه بيع جديد حتي يعتبر فيه قبض البائع في البيع الثاني، هكذا افيد.

القول في وجوب القبض.

(1) الثانية يجب علي كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع بلا خلاف و

عن غير واحد دعوي الاجماع عليه و تنقيح القول بالبحث في مقامين:

الأول: في دليل وجوب التسليم، و انه هل يجبر عليه لو امتنع من وجب عليه ام لا؟

الثاني: في الفروع المتفرعة عليه.

اما المقام الأول: فيدل عليه امران:

(2) احدهما: ان مقتضي العقد مالكية كل من المتبايعين لمال الآخر و من لوازم الملك و آثاره سلطنة المالك علي ماله بالتصرف فيه بأي نحو شاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 505

فإن قال كل منهما: لا أدفع حتي اقبض، فالاقوي اجبارهما معا، (1) وفاقا للمحكي عن السرائر و الشرائع و كتب العلامة و الايضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك

______________________________

و بدفع مزاحمة الغير و مطالبته عمن بيده المال و وجوب الدفع عليه، و حيث ان هذا من لوازم الملك و الملك مقتضي العقد، فيصح ان يقال ان العقد يقتضي وجوب التسليم من حيث مدلوله الالتزامي،

و لازم هذا الوجه وجوب التسليم و ان امتنع الآخر عنه، لأن ظلم احد لا يسوغ ظلم الآخر.

و لو امتنع عن التسليم هل يجبر عليه من غير ناحية الأمر بالمعروف ام لا؟

ربما يقال انه لا يجبر، لأنه ليس له الا الملك، و لا أثر للملك الا السلطنة التكليفية،

و لا وجوب علي من بيده المال الا بعنوان اداء مال الغير، و الاجبار انما يكون لو امتنع عن حق كي يرفع امره الي الحاكم الذي هو ولي الممتنع.

و لكن الأظهر انه يجبر عليه، لأن الحاكم ولي من امتنع عن حق الغير أو ماله، و لذا لو كان المال الموروث عند شخص و امتنع عن ادائه يتولاه الحاكم أو يجبره علي الدفع من باب ولايته علي الممتنع.

و بعبارة اخري: انه و ان لم يجبر عليه من ناحية وجوب

التسليم الذي هو علي هذا المسلك تكليف محض، و لكن يجبر عليه من ناحية موضوعه و هو مال الغير.

ثانيهما: ان بناء العقلاء في باب المعاوضات علي التسليم و التسلم، فيصير القبض و الاقباض من الشروط الضمنية التي التزم بها المتعاقدان في متن العقد، و يكون الخيار لأجل تخلف هذا الشرط الضمني، فكل منهما يستحق علي صاحبه تسليم ما في يده،

و لازم هذا الوجه هو الاجبار لو امتنع عن التسليم بلا كلام.

الفروع المتفرعة علي وجوب التسليم.

و أما المقام الثاني: فالفروع المذكورة اربعة:

(1) احدها: انه لو امتنعا معا عن التسليم فالمشهور بين الاصحاب انهما يجبران

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 506

و غيرها، و عن ظاهر التنقيح الاجماع عليه، لما في التذكرة من ان كلا منهما قد وجب له حق علي صاحبه، (1) و عن الخلاف انه يجبر البائع اولا علي تسليم المبيع، ثمّ يجبر المشتري علي تسليم الثمن، سواء كان الثمن عينا أو في الذمة، لأن الثمن انما يستحق علي المبيع، فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق الثمن، و لعل وجهه دعوي انصراف اطلاق العقد الي ذلك. (2) و لذا استقر العرف الي تسمية الثمن عوضا و قيمة و لذا يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع، كما يقبحون مطالبة الاجرة قبل العمل، أو دفع العين المستأجرة، و الاقوي ما عليه الأكثر، ثمّ ان ظاهر جماعة ان محل الخلاف في هذه المسألة بين الخاصة و العامة، ما لو كان كل منهما باذلا و تشاحا في البدأة و التسليم لاما إذا امتنع احدهما عن البذل.

قال في المبسوط بعد اختياره، اولا اجبارهما معا علي التقابض، ثمّ الحكم بأن تقديم البائع في الاجبار اولي، قال هذا إذا كان كل منهما باذلا،

______________________________

معا لو امتنعا و عن التنقيح

الاجماع عليه، و عن الخلاف و المبسوط و الغنية و غيرها: انه يجبر البائع اولا علي تسليم المبيع، ثمّ يجبر المشتري علي تسليم الثمن.

و هناك قولان آخران للعامة الأول: انه يجبر المشتري اولا علي تسليم الثمن.

الثاني: انه لا يجبران معا.

(1) و استدل للاول: بان كلا منهما امتنع عما وجب عليه فيجبر عليه و استدل للثاني:

بان الثمن تابع للمبيع، و يستحق عليه، فيجب اولا تسليم المبيع ليستحق الثمن.

(2) و وجهه المصنف (رحمه الله): بانصراف اطلاق العقد الي ذلك و لذا استقر العرف الي تسمية الثمن عوضا و قيمة و يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع،

و بانه بتسليمه يستقر البيع و يتم، إذ لو تلف قبل القبض كان من مال البائع.

و يرد علي الأول: ان الثمن عوض لا تابع، و انما يتصف كل من المبيع و الثمن بالعوضية في مرتبة واحدة و آن واحد، و هو عند تمامية العقد من دون سبق و لحوق اصلا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 507

______________________________

و كذا في مرتبة استحقاق التسليم المعاوضي. و كون انصراف اطلاق العقد ذلك ممنوع و تقبيح مطالبة الثمن قبل دفع المبيع كتقبيح العكس.

و يرد علي الثاني: ان البيع يتم قبل القبض، و قد حكم الشارع تعبدا بالانفساخ لو تلف المبيع قبل القبض.

و استدل للثالث:

بان حق المشتري متعين في المبيع فيؤمر بدفع الثمن ليتعين حق البائع، فان للبائع حقا و هو التسلط علي الخيار بعد الثلاثة و قد يفوته ذلك بالقبض. كذا في الجواهر.

و ما ذكره اولا الي قوله فان للبائع موجود في محكي التذكرة، و ذيله اضافه هو إليه،

و الظاهر كونهما وجهين،

فان مآل ما في التذكرة الي انه انما يجب التسليم بعد تعيين حق كل منهما، و قبل

تسليم الثمن بما انه لا يكون حق البائع متعينا فيجب البدأة به كي يتعين حقه،

و مرجع ما في الجواهر الي ان تكليف البائع بالبدأة يفوت حقا يختص به و هو خيار التأخير.

و الجواب عن الوجه الأول: مضافا الي اختصاصه بالثمن الكلي الذي نبه عليه في آخر كلامه: ان وجوب التسليم كان من باب وجوب رد المال الي صاحبه ام من جهة الشرط الضمني، لا فرق فيه بين المتعين و الكلي، و نسبته اليهما علي حد سواء من دون تقدم و تأخر بينهما.

و يرد علي الوجه الثاني: ان وجوب التسليم انما يكون من باب الشرط الضمني،

و نسبة ذلك اليهما علي حد سواء، و تفويت حق احدهما علي تقدير لا يصلح مانعا عن العمل بما التزم علي نفسه.

و استدل للرابع:

بان الوجوب علي كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر، فإذا امتنعا معا ارتفع الوجوب عنهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 508

و أما إذا كان احدهما غير باذل اصلا، و قال لا أسلم ما علي (1) اجبره الحاكم علي البذل، فإذا حصل البذل حصل الخلاف في ان ايهما يدفع هذا إذا كان موسر قادرا علي احضار الثمن، فإن كان معسرا كان للبائع الفسخ و الرجوع الي عين ماله كالمفلس، انتهي.

و قال في التذكرة توهم قوم أن الخلاف في البدأة بالتسليم خلاف في ان البائع هل له حق الحبس أم لا، ان قلنا بوجوب البدأة للبائع، فليس له حبس المبيع الي استيفاء الثمن، و إلا فله ذلك، و نازع اكثر الشافعية فيه و قالوا هذا الخلاف مختص بما إذا كان نزاعهما في مجرد البدأة، و كان كل منهما يبذل ما عليه، و لا يخاف فوت ما عند صاحبه، فاما إذا لم

يبذل البائع المبيع، و اراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن، فله ذلك بلا خلاف، و كذا للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع، انتهي.

و قد صرح بعض آخر ايضا بعدم الخلاف في جواز الحبس، لامتناع الآخر من التسليم، و لعل الوجه فيه إن عقد البيع مبني علي التقابض، و كون المعاملة يدا بيد،

فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه، و التزم علي صاحبه ان لا يسلمه مع الامتناع، فقد ثبت باطلاق العقد، لكل منهما حق الامتناع مع امتناع صاحبه، فلا يرد ان وجوب التسليم علي كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر،

فلا يسقط التكليف باداء مال الغير عن احدهما بمعصية الآخر، و ان ظلم احدهما لا يسوغ ظلم الآخر هذا كله مع عدم التأجيل في أحد العوضين،

______________________________

و فيه: ان دليل الوجوب ان كان ما دل علي وجوب رد المال الي صاحبه فهو مطلق غير مشروط، و ان كان هو الشرط الضمني، و هو و ان كان مقيدا بتسليم الآخر علي ما ستعرف الا انه ليس مقيدا بعدم امتناع الآخر مطلقا حتي فيما إذا كان امتناعه لأجل امتناع هذا عن التسليم،. فتدبر فانه دقيق،

فالأظهر هو القول الأول.

(1) ثانيها: انه لو امتنع احدهما عن التسليم مع تمكين الآخر من التسليم فانه يجبر عليه، و هل يجب التسليم علي صاحبه ما لم يجبر عليه كما عن المحقق الأردبيلي، ام يجوز له عدم التسليم كما عن المشهور؟ وجهان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 509

فلو كان احدهما مؤجلا لم يجز حبس الآخر. (1) قال في التذكرة: و لو لم يتفق تسليمه حتي حل الاجل لم يكن له الحبس ايضا و لعل وجهه ان غير المؤجل قد التزم

بتسليمه من دون تعليق علي تسليم المؤجل اصلا و هذا مما يؤيد ان حق الحبس ليس لمجرد ثبوت حق للحابس علي الآخر، فيكون الحبس بازاء الحبس،

______________________________

قد استدل للأول: بان الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع علي كل واحد منهما،

و منع احدهما حق الآخر و ظلمه لا يجوز الظلم للآخر و منعه حقه، و استجوده المحدث البحراني (رحمه الله).

و لكن الأظهر هو الثاني، فانه التزم كل منهما في ضمن العقد ان يسلم بازاء التسليم،

و لازم ذلك عدم المطالبة مع عدم التسليم، و معه فليس للممتنع مطالبة صاحبه، و من المعلوم انه لا يجب دفع ما لا يستحق صاحبه مطالبته.

و ان شئت قلت: ان الالتزام بالتسليم المعاوضي ينحل الي التزامين: الالتزام بالتسليم عند تسليم الآخر، و الالتزام بعدم التسليم مع امتناعه عنه.

(1) ثالثها: انه لو كان تسليم احد العوضين مؤجلا لا إشكال في انه لا يجب علي مشترط التأخير التسليم و يجب علي غيره،

انما الكلام فيما إذا لم يسلم غير مشترط التأخير حتي حل الأجل، و انه هل لكل تسليم حكم نفسه، فلو امتنع احدهما عنه ليس للآخر الامتناع عنه كما عن الاكثر، ام يعود حكم التقابض؟ وجهان مبنيان علي انه كما لا التزام بالتسليم المعاوضي قبل حلول الأجل هل لا يكون التزام به بعده ايضا،

ام هناك التزام بالتسليم المطلق قبل حلول الأجل، و بالتسليم المعاوضي بعده إذا فرض عدم تسليم غير المؤجل. صريح الجواهر و التبصرة و غيرهما هو الأول،

و لكن المراجع الي اهل العرف يطمئن بالثاني افرض انه بعد العقد المذكور اطمأن غير مشترط التأخير بان صاحبه لا يسلم بعد حلول الأجل، فهل يلزمه اهل العرف بالتسليم، كلا و ليس ذلك الا لأجل الالتزام الضمني،

فالأظهر هو

الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 510

ثمّ ان مقتضي ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر و عدم استحقاق الممتنع لقبض ما في يد صاحبه انه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه لم يصح القبض، (1) فصحة القبض بأحد امرين: اما اقباض ما في يده لصاحبه فله

حينئذ قبض ما في يد صاحبه و لو بغير اذنه، و أما اذن صاحبه سواء أقبض ما في يده ام لا؟ كما صرح بذلك في المبسوط و التذكرة، و صرح فيهما بأن له مطالبة القابض برد ما قبض بغير اذنه، لأن له حق الحبس و التوثق الي ان يستوفي العوض، و في موضع من التذكرة انه لا ينفد تصرفه فيه، (2) و مراده التصرف المتوقف علي القبض،

كالبيع أو مطلق الاستبدال، ثمّ إذا ابتدأ احدهما بالتسليم اما لوجوبه عليه كالبائع علي قول الشيخ، أو لتبرعه بذلك اجبر الآخر علي التسليم، و لا يحجر عليه في ما عنده من العوض، و لا في مال آخر لعدم الدليل.

مسألة: يجب علي البائع تفريغ المبيع من امواله مطلقا
اشارة

و من غيرها في الجملة، (3) و هذا

______________________________

(1) رابعها: انه بناء علي الالتزام بالتسليم المعاوضي لو قبض الممتنع ماله بغير اذن صاحبه، فلا كلام في ان لصاحبه استرداده، لأنه و ان كان ماله الا ان المفروض ان لصاحبه حق الامتناع عن تسليمه و تسلطه علي حبسه مع امتناع القابض عن التسليم،

(2) انما الكلام في تصرفاته و انها هل تجوز ام لا. و في الجواهر: اختيار الثاني و استدل له: بانه المناسب للارفاق، و حديث الضرار.

و فيه: ان المناسب للارفاق و حديث الضرار هو الأول، فانه ماله، و لا يكون متعلقا لحق الغير، إذ لم يثبت بالالتزام الا جواز الامتناع لا حدوث حق في

العين يمنع عن التصرف فيها، و منع المالك عن التصرف في ماله ضرر عليه،

فالأظهر هو الأول.

لزوم التفريغ

(3) الثالث لا خلاف و لا إشكال في انه يجب علي البائع تفريغ المبيع من امواله مطلقا و من غيرها في الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 511

و هذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة الي التسليم، (1) و ان أو همه بعض العبارات ففي غير واحد من الكتب انه يجب تسليم المبيع مفرغا، و المراد ارجاع الحكم الي القيد و الا فالتسليم يحصل بدونه، و قد تقدم عن التذكرة، و كيف كان فيدل علي وجوب التفريغ ما دل علي وجوب التسليم، فإن اطلاق العقد، كما يقتضي اصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا، (2) فإن التسليم بدونه كالعدم بالنسبة الي غرض المتعاقدين، (3) و ان ترتب عليه احكام تعبدية كالدخول في ضمان المشتري و نحوه،

فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا، فإن تعذر ففي اول ازمنة الامكان

______________________________

و تنقيح القول في المقام بالبحث في فروع:

(1) الاول: يجب علي البائع تفريغ المبيع من امواله و من غيرها الا مع علم المشتري باشتغاله به و رضاه بذلك، و الدليل عليه ما دل علي وجوب التسليم من الوجهين.

الثاني: ان وجوب التفريغ هل هو نفسي كوجوب التسليم أو شرطي؟ ظاهر كلمات القوم هو الثاني حيث قالوا: يجب التسليم مفرغا.

و استدل المصنف (رحمه الله) للأول بوجهين:

(2) احدهما: ان اطلاق العقد كما يقتضي اصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا و المراد بالاطلاق اما هو الشرط المضمر، أو ان مقتضي العقد هو مالكية كل من المتعاقدين لما في يد الآخر،

و يترتب علي كل منهما آثار الملكية منها سلطنة مالكه عليه و دفع مزاحمة الغير،

و ترك التفريغ مزاحمة له في

سلطانه علي الانتفاع بماله فيجب التفريغ دفعا للمزاحمة.

و الظاهر ان مقتضي كلا الوجهين ما افاده من الوجوب النفسي،

اما الثاني: فواضح،

اما الأول: فلأن الشرط ليس واحدا و هو التسليم التام، بل هو اثنان لتعدد الغرض من كون المبيع تحت سلطانه، و الانتفاع به بجميع الانتفاعات.

(3) ثانيهما: ان التسليم بدونه كالعدم بالنسبة الي غرض المتعاقدين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 512

و لو تراخي زمان الامكان، و كان المشتري جاهلا كان له الخيار، لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه. (1) و في ثبوت الأجرة لو كان لبقائه اجرة الي زمان الفراغ وجه، و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغي الجزم بالاجرة، (2) كما جزموا بها مع امتناعه من اصل التسليم.

______________________________

و فيه: انه لو تم لدل علي الوجوب الشرطي لا النفسي كما لا يخفي.

(1) الثالث: لو تراخي زمان الامكان و مضت مدة و لم يتمكن البائع من التفريغ أو لم يفرغ فقد حكم المصنف (رحمه الله) بالخيار مع شرطين، و هما: كون المشتري جاهلا، و تضرره بفوات بعض المنافع. و الظاهر ان نظره الي حديث لا ضرر المختص بصورة التضرر و الجهل،

و لكن بما ان هذا الخيار يمكن اثباته من باب تخلف الشرط، فلا يكون مقيدا بصورة التضرر و فوات بعض المنافع.

(2) الرابع: لو مضت مدة و فات فيها بعض المنافع فان كان بتقصير منه كان تفويتا للمنفعة فتشمله قاعدة من اتلف «1» و يثبت ضمانه،

و ان لم يكن كذلك، فان كان الفوات- اي فوات المنفعة- مستندا إليه و لو كان من غير اختيار منه ضمن لقاعدة من اتلف و الا فلا، إذ لا إتلاف، و لا يد «2» عليها لفرض كونها تحت يد المشتري، فلا موجب للضمان.

و أما

قاعدة احترام مال المسلم «3» و قاعدة نفي الضرر، «4» فقد تقدم في الجزء الثالث من هذا الشرح انه لا يمكن اثبات الضمان بهما.

______________________________

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار و عليها الاجماع.

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.

(3) الوسائل- باب 3- من ابواب القصاص في النفس حديث 3.

(4) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار و قد مر في خيار الغبن عمدة مصادر الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 513

و لو كان في الأرض زرع قد احصد وجب ازالته لما ذكرنا، و ان لم يحصد (1)

وجب الصبر الي بلوغ أو انه للزوم تضرر البائع بالقلع. (2) و أما ضرر المشتري فينجبر بالخيار مع الجهل، (3) كما لو وجدها مستأجرة، و من ذلك يعلم عدم الاجرة لأنه اشتري ارضا تبين انها مشغولة

______________________________

حكم ما لو كانت الأرض مشغولة بالزرع

(1) الخامس: لو كانت الارض مشغولة بزرع للبائع لم يبلغ أو ان حصاده ففيه جهات من البحث:

الأولي: انه هل يجب علي المشتري الصبر الي بلوغ اوانه، ام له السلطنة علي المنع من ابقاء الزرع، ام له القلع أو الالزام بقلعه؟

(2) قد استدل للاول: بلزوم تضرر البائع بالمنع من الابقاء و القلع فسلطنة المشتري علي المنع من الابقاء مرفوعة بقاعدة نفي الضرر.

و اورد عليه تارة: بان البائع اقدم علي هذا الضرر ببيعه الذي هو نقل للمنافع الي ملك الغير تبعا للأرض.

و اخري: بانه معارض بتضرر المشتري من عدم سلطنته علي المنع و كون ذلك تحت استيلاء البائع.

(3) و دفع ذلك بانجبار ضرره بالخيار كما في المتن غريب فان لزوم البيع ليس ضرريا كي يثبت الخيار، بل الموجب للضرر هو سلطنة البائع علي الابقاء و عدم سلطنة المشتري علي المنع، و معلوم

ان القاعدة انما ترفع كل حكم كان ضرريا و لا تدل علي رفع حكم آخر و ان لزم منه عدم الضرر من هذا الحكم.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن صدق الاقدام علي الضرر يتوقف علي ثبوت السلطنة للمشتري علي المنع عن الابقاء، و هي مرفوعة بالحديث، فلا اقدام علي الضرر.

و ان شئت قلت: ان صدق الاقدام متوقف علي ثبوت السلطنة، و هو يتوقف علي صدق الاقدام و الا فهي ترتفع بالحديث، و هذا دور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 514

فلا يثبت اكثر من الخيار، (1) و يحتمل ثبوت الاجرة، لأنه اشتري ارضا لا يستحق عليها الاشتغال بالزرع، و المالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء فيتخير بين ابقائه بالاجرة (2) و بين قلعه، لتقديم ضرر القلع علي ضرر فوات منفعة الأرض بالاجرة،

و يحتمل تخيير المشتري بين ابقائه بالاجرة و قلعه بالارش، و يحتمل ملاحظة الاكثر ضررا

______________________________

و أما الثاني: فلأن عدم السلطنة لا يكون مشمولا لحديث لا ضرر فانه مختص بالأحكام الوجودية، و البائع لا سلطنة له علي الابقاء، فان الانسان مسلط علي مال نفسه دون مال غيره، و السلطنة علي الابقاء سلطنة علي مال الغير، فعدم هذه السلطنة لعدم المقتضي لا لوجود المانع،

فالأظهر انه لا سلطنة له علي المنع من الابقاء أو القلع أو الالزام بقلعه.

(1) الثانية: هل للمشتري الخيار مع الجهل ام لا؟ الظاهر ذلك لتخلف الشرط المضمر، فان بناء المتعاقدين ارتكازا كما ما مر علي تسليم المبيع مفرغا.

(2) الثالثة: هل للمشتري الاجرة مع اختيار البائع الابقاء و عدم اعمال المشتري للخيار ام لا؟

الأظهر هو الأول، فان العين بما لها من المنافع تنتقل بالبيع الي المشتري، و البائع يستوفي منفعتها المملوكة له بابقاء الزرع، فلا بد

من دفع الاجرة لاحترام مال المسلم.

و دعوي ان احترام المال سقط بمقتضي حديث لا ضرر الدال علي انه لا سلطنة للمشتري علي المنع من ابقاء الزرع و معه لا وجه للبناء علي بقاء احترامه و عدم ذهابه هدرا،

مندفعة بان لكل مال مضاف الي مسلم حيثيتين: حيثية المالية، و حيثية الملكية،

و لكل منهما احترام، و مقتضي الاحترام من الحيثية الاولي عدم ذهابه بلا تدارك، و مقتضي الاحترام من الحيثية الثانية عدم مزاحمة المالك في سلطانه بالتصرف فيه من غير اذنه و رضاه.

و حديث لا ضرر انما اسقط الاحترام من الحيثية الثانية، و لا وجه لسقوط الاحترام من الحيثية الاولي، فالأظهر ثبوت الاجرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 515

و لو احتاج تفريغ الأرض الي هدم شي ء (1) هدمه باذن المشتري، (2) و عليه طم ما يطم برضي المالك و اصلاح ما استهدم أو الارش (3) علي اختلاف الموارد، فإن مثل قلع الباب أو قلع ساجة منه اصلاحه اعادته بخلاف هدم حائط، فإن الظاهر لحوقه بالقيمي في وجوب الارش له و المراد بالارش قيمة الهدم لا أرش العيب. (4)

و بالجملة فمقتضي العرف الحاق بعض ما استهدم بالمثلي و بعضه بالقيمي، و لو الحق مطلقا بالقيمي كان له وجه، و يظهر منهم فيما لو هدم احد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن صاحبه اقول ثلاثة

______________________________

لو احتاج تفريغ الأرض الي هدم شي ء

(1) السادس: لو احتاج تفريغ الارض الي هدم شي ء هدمه و الكلام في هذا الفرع ايضا في جهات:

(2) الاولي: هل يتوقف الهدم علي اذن المشتري ام لا؟

ربما يقال بعدم التوقف نظرا الي ان شرط التفريغ شرط لذلك كله، و بناء عليه قيل لا يجب بعد الهدم اصلاح ما افسد.

و فيه: ان شرط التفريغ ليس الا شرط

كون الدار فارغة لا شرط فعل البائع، مع انه شرط له لا عليه، و عليه فلو سلم كون الشرط هو التفريغ المتوقف علي الهدم لا وجه للقول بعدم وجوب الاصلاح، إذ قد عرفت ان للمال المضاف الي المسلم بالاضافة الملكية حيثيتين، و لكل منهما احترام، و سقوط احترامه من احدي الحيثيتين لا يوجب سقوطه من الحيثية الاخري.

(3) الثانية: انه بعد الهدم هل يجب اعادته أو الارش ام هناك فرق بين ما كان مثليا كحائط البساتين فالاعادة، و بين ما لم يكن كذلك فالارش؟ وجوه،

و الأظهر هو الأخير، و لا يخفي وجهه.

الثالثة: ان الارش الذي يؤخذ هل هو قيمة الهدم أو ارش العيب؟

(4) صرح المصنف بالاول، و هو الاظهر فان هذا العيب انما طرا باذن المشتري و انما يحكم بضمان القيمة لاجل الاحترام بالتقريب المتقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 516

الاعادة مطلقا، كما في الشرائع. و عن المبسوط و الارش كذلك، كما عن العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين، و التفصيل بين ما كان مثليا كحائط البساتين و المزارع و إلا فالارش كما عن الدروس، و الظاهر جريان ذلك في كسر الباب و الشبابيك و فتق،

الثوب من هذا القبيل.

مسألة لو امتنع البائع من التسليم، (1)

فإن كان لحق، كما لو امتنع المشتري عن تسليم الثمن فلا اثم، و هل عليه اجرة مدة الامتناع احتمله في جامع المقاصد، الا ان منافع الاموال الفائتة بحق لا دليل علي ضمانها، (2)

______________________________

لو امتنع البائع عن التسليم

(1) الرابعة: في امتناع البائع عن التسليم و فيها فروع:

الأول: انه لو كان الامتناع لاعن حق لا كلام في ضمان المنافع، فانه كغيره من الغاصبين.

الثاني: إذا كان امتناعه عن حق، فان استوفي البائع المنفعة ضمن بلا كلام لاستيفائه منافع مال الغير، و

ان لم يستوفها ففيه وجهان بل قولان،

قد استدل للضمان: بان جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة.

توضيحه: ان مقتضي اليد و الاتلاف الضمان، و لا مانع سوي جواز الحبس، و هو لا يصلح للمانعية، و المصنف قال:

(2) الا ان منافع الاموال الفائتة بحق لا دليل علي ضمانها توضيحه: ان مال الغير إذا جاز حبسه اما ان يكون من جهة كونه امانة مالكية، أو يكون من جهة كونه امانة شرعية، و لكل منهما وجه في المقام، فان الالتزام بالتقابض المعاوضي مقتضاه استحقاق الحبس، و هو اقوي من التامين المالكي، و المفروض ان الشارع الأقدس ايضا رخص في الحبس، و علي التقديرين لا ضمان، إذ لا سبيل علي الأمين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 517

و علي المشتري نفقة المبيع، (1) و في جامع المقاصد ما اشبه هذه بمثل منع الزوجة نفسها حتي يقبض المهر، فإن في استحقاقها النفقة ترددا (2) قال و يحتمل الفرق بين الموسر و المعسر، انتهي.

و يمكن الفرق بين النفقة في المقامين و لو طلب من البائع الانتفاع به في يده. (3)

ففي وجوب اجابته وجهان، و لو كان امتناعه لا لحق وجب عليه الاجرة، لأنه عاد و مقتضي القاعدة ان نفقته علي المشتري.

______________________________

(1) الثالث: هل علي المشتري نفقة المبيع ام لا أم هناك تفصيل بين كونه عن حق فعليه النفقة، و بين كونه لاعن حق فعلي البائع؟ وجوه،

اظهرها الأخير، فان الحبس عن حق لا يوجب سقوط نفقة المملوك عن مالكه فضلا عن ثبوتها للبائع،

و أما في الحبس لاعن حق فمقتضي صحيح ابي ولاد «1» كون النفقة علي الغاصب.

(2) الرابع: لا إشكال في عدم وجوب نفقة الزوجة مع عدم التمكين إذا كان الامتناع لاعن حق لاشتراط وجوبها

بالتمكين التام،

انما الاشكال فيما إذا كان الامتناع عن حق، كما إذا امتنعت حتي تقبض المهر.

و منشأ الاشكال: ان الشرط هو التمكين الواجب عليها، و حيث لا وجوب مع جواز الامتناع فيجب النفقة أو التمكين المطلق، فلا تجب،

و لعل الظاهر هو الأول،

و عليه فالفرق بين النفقة في المقامين واضح، فان نفقة المملوك غير مشروطة بخلاف نفقة الزوجة.

(3) الخامس: لو طلب المشتري من البائع الانتفاع به في يده فهل تجب اجابته ام لا؟ وجهان مبنيان علي ان الملتزم به هو التقابض المعاوضي خاصة، فلا دليل في مقابل قاعدة السلطنة المقتضية للسلطنة علي جميع التصرفات و منها ذلك، فان الشرط هو عدم التسليم مع امتناع صاحبه عنه، أو هو المنع من التصرفات،

و لا يبعد اظهرية الثاني

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الاجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 518

الكلام في احكام القبض،

اشارة

و هي التي تلحقه بعد تحققه

مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله الي القابض،
اشارة

فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه اجماعا مستفيضا، بل محققا، (1) و يسمي ضمان المعاوضة (2) و يدل عليه قبل الاجماع النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، و ظاهره بناء علي جعل من للتبعيض انه بعد التلف يصير مالا للبائع، لكن اطلاق المال علي التالف انما هو باعتبار كونه مالا عند التلف، و بهذا الاعتبار يصح ان يقع هو المصالح عنه إذا اتلفه الغير لا قيمته،

______________________________

انتقال الضمان الي القابض

(1) من احكام القبض: انتقال الضمان ممن نقله الي القابض فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه اجماعا.

و ملخص القول فيه: انه لا كلام و لا إشكال في ذلك، و انه لو تلف قبل القبض يكون ضمانه علي البائع. و يشهد له النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه «1».

و خبر عقبة بن خالد عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال: آتيك غدا أن شاء الله تعالي فسرق المتاع،

من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله «2»

انما الكلام في مواضع:

(2) الاول: ان الضمان الثابت في المقام هل هو ضمان المعاوضة بحيث يتلف المبيع من البائع حقيقة كما في المتن أو ضمان الغرامة، بحيث يتلف في ملك المشتري بحيث يكون تلفه عليه

______________________________

(1) المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 519

كما صرح به في باب الصلح

من الشرائع و التحرير، و حينئذ فلا بد من ان يكون المراد بالنبوي: ان المبيع يكون تالفا من مال البائع. و مرجع هذا الي انفساخ العقد قبل التلف آنا ما، ليكون التالف مالا للبائع. (1)

و الحاصل ان ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف، لكن لما لم يتعقل ذلك تعين ارادة وقوع التلف علي مال البائع و مرجعه الي ما ذكره في التذكرة و تبعه من تأخر عنه من انه يتجدد انتقال الملك الي البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزأ من الزمان، و ربما يقال تبعا للمسالك ان ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع يوهم خلاف هذا المعني و لعله لدعوي ان ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله، بمعني كون دركه عليه فيوهم ضمانه بالمثل و القيمة

______________________________

و يكون منه حقيقة كما عن المسالك؟ وجهان:

الأظهر هو الأول، و ذلك لأن مدرك الضمان هو النبوي و خبر عقبة، و هما ظاهران في ذلك،

(1) اما النبوي فلان من اما نشوية أو للتبعيض أو للابتداء فان كانت نشوية كان معني الخبر: ان المبيع التالف بهذا الوصف ينشأ من مال البائع، و لازم ذلك كون التالف قبل التلف مالا له، و الا لم يكن التلف ناشئا من ملكه.

و بعبارة اخري: ان ظاهره علي هذا وقوع التلف علي مال البائع، و حيث انه ليس المراد رجوعه إليه مجانا، بل المراد رجوعه إليه ببدله فلازم ذلك انفساخ المعاملة.

و ان كانت للتبعيض، فظاهره و ان كان صيرورة المبيع ملكا للبائع بالتلف الا ان ذلك لما كان غير معقول، فلا بد و ان يراد به كونه ملكا له قبل التلف آنا ما، و يكون اطلاق المال عليه بعد

التلف باعتبار كونه مالا له قبله.

و ان كانت للابتداء، بان يكون ضمير هو عائدا الي التلف المستفاد من الماضي المشتق منه كما في مثل (اعدلوا هو اقرب للتقوي) فيكون مفاده: ان التلف من البائع،

و لازم ذلك الانفساخ، إذ فرق بين كون التلف منه و كونه عليه، و لازم الأول دخوله في ملكه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 520

و مما ذكرنا من ان معني الضمان هنا يرجع الي انفساخ العقد بالتلف و تلف المبيع في ملك البائع، و يسمي ضمان المعاوضة لا ضمانه عليه مع تلفه من المشتري، كما في المغصوب و المستام و غيرهما، و يسمي ضمان اليد يعلم ان الضمان فيما نحن فيه حكم شرعي لا حق مالي، فلا يقبل الاسقاط. (1) لذا لو أبرأه المشتري من الضمان لم يسقط، كما نص عليه في التذكرة و الدروس، و ليس الوجه في ذلك أنه إسقاط ما لم يجب، كما قد يتخيل و يدل علي الحكم المذكور أيضا، رواية عقبة ابن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال آتيك غدا إنشاء الله فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله. و لعل الرواية أظهر دلالة علي الانفساخ قبل التلف من النبوي. و كيف كان

______________________________

فما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من انه علي هذا لا يدل علي الانفساخ لصدق كون التلف منه مع ثبوت عوضه في امواله غير تام، فانه يصدق كون التلف عليه لا منه.

و

أما خبر عقبة: فلأن قوله فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع ظاهر في ان السرقة تكون من مال البائع، و لا يكون ذلك الا بالانفساخ حتي تكون سرقته منه.

(1) الثاني: ان هذا الضمان هل هو حقي قابل للاسقاط ام حكم شرعي غير قابل له؟ وجهان:

اقواهما الثاني، فان الضمان المعاوضي معناه كون المبيع بعد البيع، بحيث إذا تلف قبل قبضه ينفسخ العقد شرعا، و هذه الحيثية بالاضافة الي الانفساخ و الملكية من قبيل القوة بالاضافة الي الفعلية،

و ليس شي ء منهما حقا قابلا للاسقاط لا الانفساخ و الملكية الفعلية و لا هذه الحيثية، و عليه فلا يصح اسقاطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 521

فلا خلاف في المسألة أعني بطلان البيع عند التلف لا من أصله، (1) لأن تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد، (2) و إنما احتيج إليه لتصحيح ما في النص من الحكم بكون التالف من مال البائع، فيرتكب بقدر الضرورة و يترتب علي ذلك كون النماء قبل التلف للمشتري. و في معناه الركاز الذي يجده العبد المبيع التالف قبل القبض، و بعد وجدانه للركاز و ما وهب منه فقبله و قبضه أو أوصي له به فقبله ثمّ مات العبد أي العبد الموصي له به قبل قبض المشتري اياه

______________________________

(1) الثالث: انه علي الانفساخ هل يبطل البيع عند التلف أو من اصله؟ وجهان.

(2) استدل المصنف (رحمه الله) للاول بان تقدير كونه ملكا للبائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد.

و حاصله: ان الأصل بقاء العقد الي التلف، رفعنا اليد عن ذلك بالنسبة الي ما قبل التلف، فيبقي الباقي عملا بالاستصحاب الي حين العلم بالزوال.

و اورد عليه المحقق التقي (رحمه الله): بان

القول بالبطلان من رأس و ان كان مخالفا لما دل علي صحة البيع و نفوذه و حرمة نقضه، و لكن هذا لازم علي تقدير القول بالانفساخ قبل التلف آنا ما، فان مقتضي اطلاق تلك الأدلة ثبوت الملك و وجوب الوفاء في جميع الأزمنة لا مجرد ثبوت الملك آنا ما، مضافا الي لزوم مخالفة قاعدة سلطان الناس علي اموالهم و انفسهم، «1»

فان مقتضي الأول عدم خروج مال احد عن ملكه بدون رضاه، و مقتضي الثاني عدم دخول شي ء في ملكه بدون رضاه، و الانفساخ القهري موجب لخرم كل من القاعدتين، بل يلزم من ذلك خرم قاعدة الخراج بالضمان، «2» حيث ان الخراج علي هذا التقدير للمشتري و الضمان للبائع، بخلاف ما لو قلنا بالانفساخ من رأس، فان الضمان و الخراج للبائع،

فالقول بالانفساخ من رأس مخالف لقاعدة واحدة،

و القول بالانفساخ حين التلف مخالف لقواعد اربع، فيقدم الأول ترجيحا لحفظ القواعد الأربع علي حفظ دليل واحد،

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

(2) المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان صحيح الترمذي ج 5 ص 285.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 522

كما صرح به في المبسوط و التذكرة و صرح العلامة بأن مئونة تجهيزه لو كان مملوكا علي البائع، و هو مبني علي ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف (1)

______________________________

و لو فرض التكافؤ و التساقط فالمرجع اصالة فساد العقد و عدم انتقال كل من العوضين عن صاحبه الأصلي الي غيره.

و فيه: اما مخالفة القول بالانفساخ من حين التلف لدليل صحة البيع و نفوذه،

فيردها: ان العقد الصحيح هو ما يؤثر في الملكية المرسلة، و الفسخ أو الانفساخ لا يوجب عدم التأثير كي ينافيه، بل يوجب رفع هذه الملكية المرسلة.

و أما مخالفته لقاعدة

السلطنة علي النفس و المال،

فيردها: ان دليل السلطنة انما ينفي تصرف غيره من الناس، و الانفساخ حكم شرعي لا معني لكون دليل السلطنة نافيا له.

و أما مخالفته لقاعدة الخراج بالضمان،

فيردها: ما تقدم من عدم التلازم بينهما، و انما مفاد الحديث- علي فرض وجوده- ان الضمان، المعاوضي اي ملكية العين بازاء شي ء تتبعها ملكية المنافع،

فالأظهر هو الانفساخ من حين التلف.

(1) قوله و هو مبني علي ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف اورد عليه المحقق التقي (رحمه الله) بانه يمكن ان يلتزم بالانفساخ الحكمي، و يترتب عليه كون مئونة التجهيز علي البائع، بان يقال انه إذا حكم علي الملك الحكمي، فظاهره ايضا الملكية المطلقة الحكمية و مقتضاه ترتيب جميع احكام الملك و التنزيل منزلة الملك في جميع الاحكام، و من الاحكام وجوب تجهيز العبد علي المالك إذا مات و فيه: ان الخبر ليس في مقام بيان ثبوت الملك للبائع كي يتمسك باطلاقه، بل في مقام بيان تلف الملك من البائع و حيث انه لا يعقل تلف الملك منه حقيقة فهو تلف الملك منه حكما و لا أثر لذلك الا الانفساخ، و بالجملة لو كان لسان الدليل ملكية البائع تم ما افاده، و لكن بما ان لسانه كون التالف من ملك البائع و لا أثر لهذا سوي الانفساخ فلا يتم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 523

لا مجرد تقدير الملك الذي لا بد فيه من الاقتصار علي الحكم الثابت المحوج إلي ذلك التقدير دون ما عداه من باقي آثار المقدر إلا أن يقال: بأن التلف من البائع يدل التزاما علي الفسخ الحقيقي، (1) ثمّ انه يلحق بالتلف تعذر الوصول إليه عادة مثل سرقته علي وجه لا يرجي عوده (2)

______________________________

(1) و علي

هذا فهل الانفساخ حقيقي أو حكمي قولان؟

و قد استدل للثاني بوجهين:

احدهما: ان المال في الآن المتصل بقائه بانعدامه يخرج عن المالية و الملكية، إذ الشي ء الذي يتلف في آن وجوده لا قيمة له في العرف و لا يبذل العقلاء بازائه مالا.

و فيه: اولا: انه لا يوجب سلب المالية ما لم يكن معلوما لعامة الناس.

و ثانيا: ان تقديره ملكا انما هو لرجوع ما جعل عوضا عنه الي مالكه، و لا فرق في ذلك بين كونه مالا و عدمه.

الثاني: ما استند إليه المحقق التقي (رحمه الله)، و هو: ان الجزء غير المتجزئ من الزمان غير موجود، فالملك الحقيقي ان وجد لا في زمان فهو محال، و ان وجد في زمان فيكون هذا الزمان لا محالة قابلا للتجزئة، فيمكن فرض الملك في الأقل من ذلك، فلو حكم بالملك في هذا المقدار مع امكان الأقل منه فلم لا يحكم في اكثر من ذلك، و لو التزم بكون الملك في اقل من الزمان المفروض ينقل الكلام في ذلك المقدار الأقل و نقول فيه ما قلناه في الفرض الأول.

و فيه: انه يلتزم بالملك في الجزء الآخر من الزمان عرفا، و كون ذلك الجزء قابلا للتجزئة عقلا غير مناف بعد كونه غير قابل لها عرفا.

فالأظهر هو الانفساخ الحقيقي علي ما تقتضيه ظواهر الأدلة، فان ما دل علي كون التلف من البائع يدل بالالتزام علي الانفساخ الحقيقي.

(2) الرابع: ان التلف الحقيقي مساوق للانعدام الا ان التلف عرفا اعم منه و من كل ما لا يرجي معه عود المبيع كما هو ظاهر خبر عقبة بن خالد، «1» حيث حكم فيه بانه من البائع بسبب السرقة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 524

و عليه يحمل رواية عقبة المتقدمة، قال في التذكرة و وقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف، و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحش و لو غرق البحر الأرض المبيعة، أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل، أو كسيها رمل، فهي بمثابة التلف، أو يثبت به الخيار للشافعية وجهان: أقواهما الثاني، و لو ابق العبد قبل القبض أوضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية و رجاء العود، انتهي.

و في التذكرة ايضا لو هرب المشتري قبل وزن الثمن، و هو معسر مع عدم الاقباض احتمل ان يملك البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء الثمن و الصبر ثلاثة ايام للرواية، و الاول اقوي لورودها في الباذل، و ان كان موسرا اثبت البائع ذلك عند الحاكم، ثمّ ان وجد له مالا قضاه و إلا باع المبيع و قضي منه، و الفاضل للمشتري و المعوز عليه، انتهي.

و في غير موضع مما ذكره تأمل، ثمّ ان ظاهر كثير من الاصحاب: انه لا يعتبر في القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه، (1) فلو وقع بغير اذن ذي اليد كفي في رفع الضمان، كما صرح به في التذكرة، و الدروس، و غيرهما، و لو لم يتحقق الكيل و الوزن (2)

______________________________

لا يقال: ان تعذر التسليم عد من اسباب الخيار مع ان لازم هذا الوجه الانفساخ بسببه.

فانه يقال: تعذر التسليم ربما يكون مع العلم بالتمكن بعد حين أو مع الشك، و ربما يكون مع العلم أو الاطمئنان بعدم الامكان الي الابد، و الملحق بالتلف هو الثاني، و الموجب للخيار هو الأول. فتأمل فان ذلك قابل للمنع.

(1) الخامس: إذا وقع القبض غير واجد لشرائط صحته فهل ينتقل الضمان ام

لا؟

ملخص القول: انه مع فقد بعض ما يعتبر فيه ان صدق عليه القبض الذي حقيقته الاستيلاء علي المقبوض مع التصرف الخارجي علي ما تقدم انتقل الضمان، إذ لم يؤخذ في موضوع الانتقال سوي عنوان القبض، و عليه فلو تحقق القبض من دون اذن ذي اليد كفي و ان جاز استرداده.

(2) و أما الكيل و الوزن: فان كان المبيع شخصيا فهما غير معتبرين في القبض،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 525

بناء علي اعتبارهما في قبض المكيل، ففي سقوط الضمان بمجرد نقل المشتري قولان: قال في التذكرة في باب بيع الثمار: انه لو اشتري طعاما مكايلة، فقبض جزافا فهلك في يده، فهو من ضمان المشتري لحصول القبض، و ان جعلنا الكيل شرطا فيه فالاقرب انه من ضمان البائع، انتهي.

و قد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء علي اشتراط الكيل في القبض، و لا يخلو عن قوة، و هل يكتفي بالتخلية علي القول بعدم كونها قبضا في سقوط الضمان قولان: لا يخلو السقوط من قوة و ان لم نجعله قبضا. (1)

و كذا الكلام فيما لو وضع المشتري يده عليه و لم ينقله بناء علي اعتبار النقل في القبض، هذا كله حكم التلف السماوي و أما الاتلاف، (2) فإما ان يكون من المشتري، و أما ان يكون من البائع، و أما ان يكون من الاجنبي،

______________________________

و علي فرض الاعتبار تعبدا لا وجه لاعتبارهما في رفع الضمان،

و ان كان كليا فالوفاء لا يكون الا بالكيل و الوزن، فالقبض بلا اذن من البائع لا يحقق الوفاء و لا يشخص ملك المشتري كي يرتفع الضمان.

و أما النقل بناء علي اعتباره: فان كان معتبرا في صدق القبض فهو يعتبر في رفع الضمان و

ان كان غير معتبر فيه و ان اعتبر تعبدا فلا يكون معتبرا في رفع الضمان.

و مما ذكرناه ظهر عدم الاكتفاء بالتخلية علي القول بعدم كونها قبضا،

كما ظهر ما في كلمات المصنف من الاشكال.

(1) قوله لا يخلو السقوط من قوة و ان لم نجعله قبضا قد مر أنه لا قوة فيه، و لا وجه له مع عدم صدق القبض و تعليق الانفساخ علي القبض

انتقال الضمان بالاتلاف

(2) السادس: في الاتلاف و هو قد يكون من المشتري و قد يكون من البائع و قد يكون من الأجنبي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 526

فإن كان من المشتري، (1) فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة القبض في سقوط الضمان، لانه قد ضمن ماله باتلافه و حجته الاجماع لو تم و إلا فانصراف النص الي غير هذا التلف، فيبقي تحت القاعدة، قال في التذكرة هذا إذا كان المشتري عالما، و ان كان جاهلا، بأن قدم البائع الطعام المبيع الي المشتري فأكله، هل يجعل قابضا الاقرب انه لا يصير قابضا، و يكون بمنزلة اتلاف البائع، ثمّ مثل له بما إذا قدم المغصوب الي المالك فأكله، أقول هذا مع غرور البائع لا بأس به، اما مع عدم الغرور ففي كونه كالتلف السماوي وجهان و لو صال العبد علي المشتري فقتله دفعا ففي التذكرة ان الاصح انه لا يستقر عليه الثمن.

و حكي عن بعض الشافعية: الاستقرار لانه قتله في غرض نفسه، و لو اتلفه البائع (2) ففي انفساخ البيع كما عن المبسوط و الشرائع و التحرير لعموم التلف في النص (3) لما كان باتلاف حيوان أو انسان أو كان بآفة

______________________________

(1) فان كان الاتلاف من المشتري فحيث انه مساوق للقبض فانه استيلاء مع التصرف الخارجي، فبالإتلاف يتحقق

القبض، فلا يكون من التلف قبل القبض، و لا فرق في ذلك بين العلم و الجهل.

و ان ابيت عن ذلك فان قلنا بشمول التلف للسماوي و الاختياري فينفسخ العقد من غير فرق بين الصورتين، و الا فلا بد من الرجوع الي ما تقتضيه القاعدة، و هو كون التلف من المشتري لا من البائع.

(2) و ان كان الاتلاف من البائع ففيه وجوه:

الأول: ما عن المبسوط و الشرائع و التحرير، و هو: كونه كالتلف موجبا للانفساخ.

الثاني: كونه موجبا لضمان الغرامة.

الثالث: تخيير المشتري بين الرجوع بالمسمي، و الرجوع ببدل التالف، اختاره جمع من الأساطين منهم المصنف (رحمه الله).

(3) و استدل للاول: بان الانفساخ في النص علق علي التلف و هو قد يكون قهريا و قد يكون اختياريا، و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين اسبابه، بل ظاهر خبر عقبة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 527

أو ضمان البائع للقيمة لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ فيدخل تحت قاعدة اتلاف مال الغير، (1) أو التخيير بين مطالبته بالقيمة أو بالثمن. اما لتحقق سبب الانفساخ و سبب الضمان فيتخير المالك في العمل باحدهما. (2) و أما لأن التلف علي هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر تسليم المبيع،

فيثبت الخيار للمشتري لجريان دليل تعذر التسليم هنا، و هذا هو الاقوي (3)

و اختاره في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها، و عن حواشي الشهيد نسبة الي اصحابنا العراقيين

______________________________

ابن خالد شموله للاختياري، فان السرقة المنزلة منزلة التلف لا تكون الا بالاختيار،

و لا فرق في هذا المعني بين اتلاف الأجنبي و البائع.

و فيه: ان التلف منصرف الي القهري. و بعبارة اخري: انه بحسب المتفاهم العرفي مقابل للاتلاف، و خبر عقبة

قد مر انه ضعيف السند لمحمد بن عبد الله بن هلال و بما ذكرناه يظهر مدرك القول الثاني،

(1) فانه إذا لم يشمله النبوي يشمله من اتلف مال الغير بل لو شك فيما ذكرناه و احتمل شمول التلف لمورد الاتلاف يجري استصحاب بقاء المبيع علي ملك المشتري،

و ينقح بذلك موضوع من اتلف.

و استدل للثالث بوجهين:

(2) الاول: انه يجتمع فيه سبب ضمان المسمي و الانفساخ و هو كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، و سبب ضمان الغرامة و هو من اتلف مال الغير، و حيث لا مرجح لأحدهما فيحكم بالتخيير.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم شمول التلف لما إذا كان السبب اختياريا.

و ثانيا: انه لا تنافي بين الدليلين في المقام: فان دليل التلف قبل القبض يوجب انفساخ المعاملة و صيرورة المال للبائع، و يرتفع بذلك موضوع من اتلف مال الغير.

و بعبارة اخري: ان دليل من اتلف يدل علي تأثير الاتلاف علي تقدير وجود موضوعه، و ليس هو كسائر الادلة حافظا لموضوعه، و دليل التلف يوجب ارتفاع موضوعه، فلا تعارض بين الدليلين و لا تزاحم.

(3) الثاني: ان الاتلاف يوجب تعذر التسليم فيوجب الخيار للمشتري و حيث انه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 528

فإن اختار المشتري القيمة، فهل للبائع حبس القيمة علي الثمن وجهان: (1) من انها بدل عن العين و من ان دليل الحبس و هو الانفهام من العقد يختص بالمبدل اقواهما العدم، و لو قبض المشتري بغير اذن البائع حيث يكون له الاسترداد فاتلفه البائع في يد المشتري، ففي كونه كإتلافه قبل القبض فيكون في حكم الاسترداد، كما ان اتلاف المشتري في يد البائع بمنزلة القبض، أو كونه اتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة

لدخول المبيع في ضمان المشتري بالقبض، و ان كان ظالما فيه وجهان، (2) اختار اولهما في التذكرة

______________________________

متعلق بمال المشتري فيشمله دليل من اتلف مال الغير، فله الخيار و التضمين بالبدل،

و حيث انه مع اعمال احدهما لا مورد للآخر يتخير بينهما.

و اورد عليه: بان دليل الخيار مع تعذر التسليم مختص بما إذا بقي المال علي قابلية التسليم، غاية الأمر تعذر لعارض.

و فيه: انه تخصيص بلا وجه، و عليه فيتخير المشتري بين الفسخ واخذ الثمن،

و الابقاء واخذ القيمة.

(1) قوله فهل للبائع حبس القيمة علي الثمن وجهان قد استدل لعدم الجواز:

بان جواز الحبس، انما هو من جهة الالتزام الضمني و هو انما يكون بالتعاوض في تقابض العوضين فلا وجه لحبس القيمة و فيه ان الشرط هو التعاوض في تقابض العوضين اعم من انفسهما و بدليهما: فان هذا الالتزام انما هو للتحفظ علي ماله، بما انه مال لئلا يذهب هدرا خارجا مع عدم تسلم عوضه، و لا فرق في ذلك بين العوض و قيمته.

(2) و لو قبض المشتري بغير اذن البائع حيث يكون له الاسترداد فاتلفه البائع ففي كونه كإتلافه قبل القبض أو كونه اتلافا له بعد القبض وجهان،

اختار أو لهما في محكي التذكرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 529

و لو اتلفه اجنبي جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة الا ان المتعين منها هو التخيير، لما تقدم، (1) و لو لا شبهة الاجماع علي عدم تعين القيمة تعين الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ الي غير ذلك. (2)

مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين في جميع ما ذكر،

(3) كما صرح في التذكرة

______________________________

و استدل لكونه كإتلافه قبل القبض بوجهين:

احدهما: ان القبض بلا اذن كالعدم،

و قد تقدم عدم توقف صدق القبض علي الاذن.

ثانيهما: ان اتلاف البائع اياه استرداد، فكما انه لو استرده

فاتلفه يكون من الاتلاف قبل القبض، و كذا لو تلف باسترداده، كذلك لو اتلفه فانه استرداد بالاتلاف.

و فيه: اولا: انه لو استرده فاتلفه لا نسلم كونه من الاتلاف قبل القبض.

و ثانيا: ان الاتلاف ليس استردادا- الذي هو عبارة عن اعادة الاستيلاء السابق لعدم كونه استيلاء- بل اتلاف لما هو تحت استيلاء الغير.

فالأظهر انه من الاتلاف بعد القبض.

(1) و ان كان الاتلاف من الاجنبي جاء فيه الوجوه الثلاثة المتقدمة و وجه الانفساخ فيه اظهر: لما في خبر عقبة من الانفساخ، بما هو بمنزلة اتلاف الأجنبي،

فالأظهر فيه ايضا، التخيير بين الفسخ، واخذ الثمن و الابقاء، واخذ البدل من الأجنبي.

(2) قوله و لو لا شبهة الاجماع علي عدم تعين القيمة لا إجماع عليه، و علي فرضه لا يكون تعبديا، فلا مانع من الالتزام به لو ساعد الدليل علي ذلك.

تلف الثمن كتلف المثمن

(3) صرح غير واحد بان تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين و قد استدل له بوجوه:

احدها: الاجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين أو احتمال كونه احد المذكورات لا يعبأ به لعدم كونه تعبديا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 530

و هو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر ان بالقبض ينتقل الضمان الي القابض، بل الظاهر انه مما لا خلاف فيه، قال في المبسوط لو اشتري عبدا بثوب و قبض العبد، و لم يسلم الثوب فباع العبد صح بيعه، و إذا باعه و سلمه ثمّ تلف الثوب انفسخ البيع و لزمه قيمة العبد لبائعه، لأنه لا يقدر علي رده، انتهي.

و في باب الصرف من السرائر نظير ذلك، و قد ذكر هذه المسألة ايضا في الشرائع و كتب العلامة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها، اعني مسألة

من باع شيئا معينا بشي ء معين ثمّ بيع احدهما ثمّ تلف الآخر و حكموا بانفساخ البيع الأول، و قد صرحوا بنظير ذلك في باب الشفعة ايضا. و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة.

و يمكن ان يستظهر من رواية عقبة المتقدمة حيث ذكر في آخرها أن المبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله، (1) بناء علي عود ضمير الحق إلي البائع بل ظاهر بعضهم شمول النبوي له بناء علي صدق المبيع علي الثمن، (2) قال في التذكرة لو اكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض فان كانت في يد المشتري فكإتلافه

______________________________

(1) ثانيها: قوله (عليه السلام) في خبر عقبة المتقدم فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد ماله إليه بتقريب: ان ضمير لحقه يرجع الي البائع فيكون المراد ضمانه للثمن قبل القبض.

و فيه: ان كونه ضامنا للثمن اعم من الانفساخ، و ارادة الضمان المعاوضي لا ضمان الغرامة غير ثابتة.

و ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) من صراحة الرواية أو ظهورها في ارادة الضمان المعاوضي و سراية هذا الحكم الي الثمن،

يرد عليه: انه مع اختلاف التعبير كيف يدعي ذلك، بل ترتب ضمانه علي قبض المبيع يؤيد ارادة ضمان الغرامة لا المعاوضي كما لا يخفي، مع ان الخبر ضعيف السند كما تقدم.

(2) ثالثها: صدق المبيع علي الثمن فيعمه النبوي كل مبيع تلف قبل قبضه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 531

و ان كانت في يد البائع فكإتلافه، و ان كانت في يد اجنبي فكإتلافه، و ان لم تكن في يد احد انفسخ البيع، لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب الي آدمي فكان كالسماوية، انتهي.

ثمّ انه هل يلحق العوضان في غير البيع من المعاوضات به (1) في هذا الحكم

لم اجد أحدا صرح بذلك نفيا أو اثباتا. نعم ذكروا في الاجارة (2) و الصداق و عوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض، لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم،

الا انه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات علي وجه يظهر كونه من المسلمات. قال في مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل القبض و المال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة، أو بالتفريط و يسمي ضمان اليد يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه الي ان قال: اما ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة، فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كما في الصلح و الاجارة المعينة لما تقدم، و قال الشافعي لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع، انتهي.

و ظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة و العامة.

______________________________

وجه توهم الصدق ما اشتهر من صدق البيع علي الاشتراء لكونه من الأضداد.

و فيه: انه لا يصدق ذلك، و ليس البيع من الأضداد كما تقدم.

رابعها: كونه علي القاعدة من جهة الالتزام الضمني في ضمن البيع تسليم الثمن الي البائع، فإذا لم يمكنه التسليم بطل العوضية.

و فيه: انه ان قيد العوضية الاعتبارية ببقاء العوضين بطل البيع، و الا فلا يوجب اشتراط التسليم الا الخيار.

فالحق انه لا دليل علي الانفساخ بتلف الثمن.

(1) و بما ذكرناه يظهر الحال في سائر المعاوضات فان الانفساخ بتلف احد العوضين فيها لا مدرك له سوي بعض ما تقدم.

(2) نعم في خصوص الاجارة تنفسخ الاجارة بتلف العين فان المملوك فيها هي المنفعة، و مع عدم العين لا منفعة، فلا شي ء حتي يملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 532

مسالة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، (1)

فإن كان مما يقسط الثمن عليه انفسخ فيه فيما يقابله من

الثمن، لأن التالف مبيع قبل قبضه، (2) فإن البيع يتعلق بكل جزء إذ البيع عرفا ليس الا التمليك بعوض، و كل جزء كذلك. نعم اسناد البيع الي جزء واحد مقتصرا عليه يوهم انتقاله بعقد مستقل. و لذا لم يطلق علي بيع الكل البيوع المتعددة، و كيف كان فلا اشكال و لا خلاف في المسألة، و ان كان الجزء مما لا يتقسط عليه الثمن كيد العبد، فالاقوي انه كالوصف الموجب للتعيب.

فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد، فالمشتري مخير بين الرد و الارش، (3)

و إلا كان له الرد فقط، بل عن الايضاح ان الارش هنا اظهر، لأن المبيع هو مجموع بدن العبد، و قد نقص بعضه بخلاف نقصان الصفة و فيه تأمل.

بل ظاهر الشرائع عدم الارش هنا مع قوله به في العيب، فتأمل.

و كيف كان، فالمهم نقل الكلام الي حكم العيب الحادث قبل القبض، و الظاهر

______________________________

تلف بعض المبيع قبل قبضه

(1) الثامن: لو تلف بعض المبيع قبل قبضه فتارة: يكون التالف هو الجزء الذي يقسط عليه الثمن، و اخري: هو الوصف أو الجزء الذي لا يقسط عليه الثمن.

فتنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

(2) اما الاول: فمقتضي عموم النبوي كل مبيع تلف هو انفساخ البيع بالاضافة إليه لصدق المبيع علي كل جزء من الأجزاء، و عدم صدق البيوع علي بيع الدار مثلا لا ينافي ذلك، فان وحدة البيع فيه وحدة انشائية، و وحدة عمومية لا شخصية.

و أما الثاني: فالحق ان تلف الوصف لا يوجب الانفساخ و لا أخذ الارش.

اما الأول: فلأنه لا مقابل له من الثمن ليعود بالانفساخ،

و أما الثاني: فلان ثبوت الارش انما يكون بالتعبد، و دليله مختص بالعيب الموجود قبل العقد، و لا يشمل الحادث بعده.

(3) و

المصنف (رحمه الله) ذهب الي ان النبوي الدال علي الانفساخ في تلف الكل و الجزء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 533

المصرح به في كلام غير واحد انه لا خلاف في ان للمشتري الرد. و أما الخلاف في الارش، ففي الخلاف عدمه، مدعيا عدم الخلاف فيه و هو المحكي عن الحلي و ظاهر المحقق و تلميذه كاشف الرموز، لأصالة لزوم العقد و انما ثبت الرد لدفع تضرر المشتري به و عن النهاية ثبوته، و اختاره العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم،

و عن المختلف نقله عن القاضي و الحلبي و عن المسالك انه المشهور و استدلوا عليه بان الكل مضمون قبل القبض، فكذا ابعاضه و صفاته، و اورد عليه بان معني ضمان الكل انفساخ العقد و رجوع الثمن الي المشتري و المبيع الي البائع و هذا المعني غير متحقق في الوصف، لان انعدامه بعد العقد في ملك البائع لا يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن، بل يقابل بالاعم منه و مما يساويه من عين الثمن، بل يقابل بالاعم منه و مما يساويه من غير الثمن لان الارش لا يتعين كونه من عين الثمن، و يدفع بان وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن، و لذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده،

بل لا يضمن بمال اصلا، لجواز امضاء العقد علي المعيب بلا شي ء و حينئذ فتلفه علي المشتري لا يوجب رجوع شي ء الي المشتري، فضلا عن جزء من عين الثمن بخلاف الكل و الاجزاء المستقلة في التقويم

______________________________

الذي يقسط عليه الثمن يدل علي التخيير بين الرد و الامساك بالارش في المقام،

بتقريب: ان معني كونه من مال البائع وقوع التلف في ملكه، و لازم

تقديره في ملك البائع ان العقد كأن لم يقع، و مقتضاه لو كان التالف تمام المبيع انفساخ العقد، و لو كان التالف جزئه انفساخه بالنسبة الي ذلك الجزء، و لو كان هو الوصف أو الجزء الذي لا يقسط عليه الثمن و فقده موجب للتعيب جريان احكام العيب: فان المنفي علي الأخير حيثية الوصف لفرض وقوع العقد، و معني عدم وقوع العقد علي الموصوف مع فرض وقوعه وقوعه علي المعيب.

و فيه: اولا: ان الموضوع في النبوي تلف المبيع، و وصف الصحة و كذا ما بمنزلته ليس مبيعا و لا جزء منه، و حمله علي كون ذكر التلف من باب كونه اظهر الافراد يحتاج الي قرينة.

و ثانيا: ان الوصف لم يقع عليه العقد، ففرض العقد، كأن لم يكن غير مؤثر في ضمان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 534

فحاصل معني الضمان إذا انتفي وصف قبل العقد أو انعدم بعد العقد و قبل القبض هو تقدير التلف المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البائع في المقامين، و ان العقد من هذه الجهة كان لم يكن، و لازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا تلف تمام المبيع و انفساخه بالنسبة الي بعض اجزائه إذا تلف البعض، و انفساخ العقد بالنسبة الي الوصف بمعني فواته في ملكه، و تقدير العقد كان لم يكن بالنسبة الي حدوث هذا العيب، فكان العيب حدث قبل العقد، و العقد قد وقع علي عين معيبة، فيجري فيه جميع احكام العيب من الخيار و جواز اسقاط الخيار ردا و ارشا، و يؤيد ما ذكرنا من اتحاد معني الضمان بالنسبة الي ذات المبيع و وصف صحته الجمع بينهما في تلف الحيوان في ايام الخيار و تعيبه في صحيح ابن سنان

عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك؟ قال علي البائع حتي يمضي الشرط،

فقوله (عليه السلام) علي البائع حكم بالضمان لموت العبد و حدوث حدث فيه بفوات جزء أو وصف و معناه تقدير وقوعه في ملك البائع نعم قد يشكل الحكم المذكور لعدم الدليل علي ضمان الوصف لان الضمان بهذا المعني حكم مخالف للاصل يقتصر فيه علي محل النص و الاجماع و هو تلف الكل أو البعض و لو لا الإجماع علي جواز الرد لأشكل الحكم به ايضا الا انه لما استند في الرد الي نفي الضرر قالوا ان الضرر المتوجه الي المبيع قبل القبض يجب تداركه علي البائع، و حينئذ

______________________________

الوصف و ترتب حكم الخيار.

و قد يقال في تقريب ما افاده المصنف (رحمه الله): بان المستفاد من النبوي تنزيل التلف،

و النقص قبل القبض منزلة التلف و النقص قبل العقد، و لازم ورود العقد علي الناقص اجراء احكام خيار العيب.

و فيه: مضافا الي الايراد الأول الذي اوردناه علي ما افاده المصنف (رحمه الله): ان غاية ما يستفاد من كون التلف من البائع دخوله في ملك البائع، بحيث يضاف إليه التلف و هو ملكه،

و ليس لازم ذلك فرض دخوله في ملك البائع قبلا أو فرض وقوع التلف قبل العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 535

فقد يستوجه ما ذكره العلامة من أن الحاجة قد تمس الي المعاوضة، فيكون في الرد ضرر، و كذلك في الامساك بغير ارش، فيوجب التخيير بين الرد و الارش، لنفي الضرر (1) لكن فيه ان تدارك ضرر الصبر علي المعيب يتحقق بمجرد الخيار في الفسخ و الامضاء، كما في سائر موارد الضرر الداعي الي الحكم بالخيار، هذا، و

مع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة، هذا كله مع تعيبه بآفة سماوية،

______________________________

كي يكون لازمه ورود العقد علي الناقص.

(1) و ربما يستدل لجواز الرد بل علي اخذ الارش: بحديث لا ضرر «1» بدعوي ان المبيع إذا تعيب قبل القبض يكون الصبر عليه ضررا علي المشتري، فوجوب البيع الذي حدث فيه العيب من جهة الضرر يكون مرفوعا بالحديث،

و حيث انه ربما تكون الحاجة ماسّة الي المعاوضة، فيكون فسخها ايضا ضررا عليه، فله الامساك واخذ الارش، فتكون النتيجة هو التخيير بين الأمرين.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان حديث لا ضرر لا يصلح لاثبات الخيار.

و ثانيا: ان الصبر علي المعيب في نفسه لو كان ضرريا لا يقتضي كون العقد خياريا،

و البيع لا يصير ضرريا بذلك، بل هو بالقياس الي التعيب قبل القبض و بعده علي حد سواء.

و بالجملة: بما ان العقد لم يقع علي المعيب فلا يكون لزومه ابقاء للضرر و موجبا لاستقرار الضرر علي المشتري، و مجرد ارتفاع الضرر بذلك لا يصلح رافعا له.

و ثالثا: ان اخذ الارش مما لا وجه له اصلا، فان الامساك بلا ارش و ان كان ضررا علي المشتري الا انه مع الارش ضرر علي البائع، و لا أولوية لأحد الضررين علي الآخر فالأظهر عدم جواز الرد لو لا الاجماع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 536

و أما لو تعيب بفعل أحد، (1) فإن كان هو المشتري فلا ضمان (2) بأرشه، و إلا كان له علي الجاني أرش جنايته (3) لعدم الدليل علي الخيار في العيب المتأخر، إلا أن يكون بآفة سماوية، و يحتمل تخيير المشتري بين الفسخ و الامضاء، مع تضمين الجاني لارش جنايته (4) بناء

علي جعل العيب قبل القبض مطلقا موجبا للخيار، و مع الفسخ يرجع البائع علي الأجنبي بالارش.

مسألة الاقوي من حيث الجمع بين الروايات حرمة بين المكيل و الموزون قبل قبضه الا تولية (5)
اشارة

______________________________

(1) قوله و أما لو تعيب بفعل احد إذا قلنا بان التعيب بآفة سماوية يوجب الخيار بل الارش يقع الكلام في التعيب بفعل احد.

(2) فان كان ذلك بفعل المشتري لا كلام في انه لا يوجب شيئا.

(3) و ان كان بفعل الاجنبي أو البائع فقد يقال كما عن ظاهر الجواهر انه لا خلاف في الخيار و انما البحث في الارش،

و ظاهر المتن ثبوت الارش خاصة،

(4) ثمّ احتمل التخيير بين الرد و الامساك واخذ الارش من المتلف و لكن الخيار لا وجه له: فان الضرر، و ان اوجب ذلك، فانما هو إذا لم يكن بفعل احد، و الا فيتدارك بدليل الاتلاف بضمانه، و أما اخذ الارش فهو وجيه لعموم من اتلف،

فالاظهر هو اخذ الارش من المتلف خاصة.

حكم بيع ما لم يقبض

(5) قال (قدس سره) الاقوي من حيث الجمع بين الروايات حرمة ببيع المكيل و الموزون قبل قبضه الا تولية و في محكي التذكرة ان لعلمائنا في بيع ما لم يقبض خمسة اقوال، الجواز علي كراهية،

مطلقا، و المنع مطلقا، و المنع في المكيل و الموزون مطلقا و الجواز في غير هما، و المنع في الطعام خاصة، و المنع في المكيل و الموزون خاصة الا تولية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 537

لصحيحة ابن حازم المروية في الفقيه: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه، الا تولية، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه. و صحيح الحلبي في الكافي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال في الرجل يبتاع الطعام، ثمّ يبيعه قبل ان يكتال، قال:

لا يصلح له ذلك. و

صحيحه الآخر في الفقيه، قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام): عن قوم اشتروا بزا، فاشتركوا فيه جميعا، و لم يقتسموا، أ يصلح لأحد منهم بيع بزه قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ قال لا بأس به، و قال: ان هذا ليس بمنزلة الطعام، لأن الطعام يكال بناء علي ان المراد قبل ان يقبضه من البائع، اما إذا اريد من ذلك عدم قبض حصته من يد الشركاء فلا يدل علي ما نحن فيه، لتحقق القبض بحصوله في يد احد الشركاء المأذون عن الباقي، و رواية معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام):

عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه الا ان يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور في الفقيه قال سالت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري مبيعا ليس فيه كيل و لا وزن، أله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن، فان هو اقبضه كان ابرأ لنفسه

______________________________

و كما افاده العلامة العاملي هذه الاقوال لم ينقلها هكذا احد بل ادعي الاجماع علي بيع ما عدا المكيل و الموزون، و مع ذلك الاقوال اكثر من ذلك، و قد اختار العلامة نفسه في التحرير قولا غير ذلك، و هو حرمة بيع الطعام قبل قبضه الا تولية،

فالمهم صرف عنان الكلام الي ما يستفاد من النصوص،

و حق القول في المقام ان نصوص الباب طوائف: اكثرها مذكورة في المتن الاولي: ما دل علي المنع عن بيع ما لم يقبض مطلقا، كصحيح الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في الرجل يبتاع

الطعام ثمّ يبيعه قبل ان يكال قال: لا يصلح له ذلك «1».

و مثله خبر البصري «2» و ابي صالح «3» مع زيادة لا تبعه حتي تكيله، و صحيح الحلبي الآخر «4»

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 5.

(2) نفس المصدر حديث 14.

(3) نفس المصدر حديث 9.

(4) نفس المصدر حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 538

و صحيح الحلبي في الرجل يبتاع الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتي يقبضه و ان كان تولية فلا بأس، و خبر خرام المروي عن مجالس الطوسي، قال ابتعت طعاما من طعام الصدقة، فاربحت فيه قبل ان اقبضه، فاردت بيعه فسألت النبي (صلي الله عليه و آله)، فقال: لا تبعه حتي تقبضه، و مفهوم رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اشتري الطعام الي اجل مسمي، فيطلبه التجار مني بعد ما اشتريته قبل ان اقبضه، قال: لا بأس ان تبيع الي اجل، كما اشتريت الخبر،

و المراد تأجيل الثمن، و قوله كما اشتريت اشارة الي كون البيع تولية، فيدل علي ثبوت البأس في غير التولية، و مصححة علي بن جعفر عن اخيه عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتي يقبض، و ان كان تولية فلا بأس.

و في معناها رواية اخري، خلافا للمحكي عن الشيخين في المقنعة و النهاية و القاضي، و المشهور بين المتأخرين، فالكراهة لروايات صارفة لظواهر الروايات المتقدمة الي الكراهة، مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي المتقدمة، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): اشتري الطعام من الرجل، ثمّ ابيعه من رجل آخر قبل ان اكتاله،

فأقول له

ابعث وكيلك حتي يشهد كيله إذا قبضته قال: لا بأس و رواية جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الطعام، ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه قال: لا بأس و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس بذلك

______________________________

و صحيح منصور عنه (عليه السلام) عن رجل اشتري بيعا ليس فيه كيل و لا وزن، أ له ان يبيعه مرابحة قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ فقال (عليه السلام): لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن «1»

الثانية: ما دل علي الجواز مطلقا، كخبر الكرخي: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): اشتري الطعام من الرجل ثمّ ابيعه من رجل آخر قبل ان اكتاله فاقول: ابعث وكيلك حتي يشهد كيله إذا قبضته، قال (عليه السلام): لا بأس. «2» و نحوه خبر جميل «3»

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 18.

(2) الفقيه ج 3 ص 131.

(3) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 539

و هذه الروايات مطلقة يمكن حملها علي التولية، (1) و هو أولي من حمل تلك الأخبار علي الكراهة، مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها، مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول (2) و إن كانت أخف. و من ذلك يعلم ما في الاستئناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري طعاما، ثمّ باعه قبل ان يكيله قال: لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل ان يكيله أو يزنه الا ان يوليه، كما اشتراه فلا بأس ان يوليه، كما اشتراه إذا لم يربح به

أو يضع و ما كان عنده من شي ء ليس بكيل و لا وزن فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه بناء علي أن قوله لا يعجبني ظاهر في الكراهة، فإن ذلك يوجب رفع الكراهة رأسا في التولية، لأنه في قوة ان ذلك في التولية ليس مما لا يعجبني مع ان القائلين بالكراهة لا يفرقون بين التولية و غيرها في اصل الكراهة، و ان صرح بعضهم بكونها في التولية اخف.

و ربما يستدل علي الجواز بصحيحتي الحلبي و ابن مسلم، في جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها، لكن لا يبعد ارادة الثمرة علي الشجرة، فيخرج عن المكيل و الموزون و ربما يستأنس للجواز بالاخبار الواردة في جواز بيع السلم علي من هو عليه، بناء علي عدم الفرق بين المسألتين

______________________________

الثالثة: ما دل علي التفصيل بين بيع التولية و غيره بالجواز في الأول خاصة،

كصحيح ابن حازم عنه (عليه السلام): إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه الا ان توليه، فان لم يكن فيه كيل و لا وزن فبعه. «1» و نحوه غيره.

و للقوم في الجمع بين هذه النصوص مسلكان:

(1) احدهما: ما اختاره المصنف (رحمه الله) و جمع من الاساطين، و هو: تقييد الطائفتين الأوليتين بالثالثة لكونها اخص منهما، و هذا جمع عرفي.

(2) و المصنف (رحمه الله) ايده بان حمل النواهي علي الكراهة مع استثناء التولية يقتضي ان لا يكون بيع التولية مكروها مع انه لا خلاف في كراهته.

و لكن يرد علي هذا التأييد: ان ما دل علي كراهته- علي فرض حمل النواهي

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 540

و فيه تأمل لعدم ثبوت ذلك، بل الظاهر ان محل

الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض علي غير البائع، كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة و القائلين بالتحريم هنا.

و قد جعل العلامة بيع غير المقبوض علي بائعه مسألة اخري ذكرها بعد مسألتنا و فروعها، و ذكر ان المجوزين في المسألة الاولي: جزموا بالجواز هنا،

و اختلف المانعون فيها هنا، و من العجب ما عن التنقيح من الاجماع علي جواز بيع السلم علي من هو عليه مع اجماع المبسوط علي المنع عن بيع السلم قبل القبض،

مصرحا بعدم الفرق بين المسلم إليه و غيره، ثمّ ان صريح التحرير و الدروس:

الاجماع علي الجواز في غير المكيل و الموزون، مع ان المحكي في التذكرة عن بعض علمائنا القول بالتحريم مطلقا، و نسبه في موضع آخر الي جماعة منا و صريح الشيخ في المبسوط اختيار هذا القول، قال في باب السلم إذا اسلف في شي ء، فلا يجوز ان يشرك فيه غيره، و لا ان يوليه لأن النبي (صلي الله عليه و آله) نهي عن بيع ما لم يقبض، و قال من اسلف في شي ء فلا يصرفه الي غيره الي ان قال و بيوع الاعيان مثل ذلك ان لم يكن قبض المبيع، فلا يصح الشركة و لا التولية و ان كان قد قبضه صحت الشركة و التولية فيه بلا خلاف.

______________________________

علي المنع- يدل علي الكراهة الخفيفة، علي فرض حملها علي الكراهة، و الاستثناء انما يدل علي عدم ثبوت ما ثبت لغيره له، فان كان هو المنع فهو المنفي عنه، و ان كان شدة الكراهة فهي.

ثانيهما: ما ذهب إليه اكثر المحققين، و هو: حمل الأخبار المتضمنة للنهي علي الكراهة.

و قد ذكروا في وجهه: ان حمل المطلق علي المقيد انما يكون جمعا

عرفيا لو لا العوارض، و هي في المقام تقتضي اولوية الحمل علي الكراهة،

و هي امور:

الأول: ان النصوص المانعة المطلقة حملها علي بيع التولية حمل علي الفرد النادر لوضوح ان التجار غالبا لا يعجلون بالبيع قبل القبض مع عدم الربح اصلا.

الثاني: انه لو بني علي التقييد لزم حمل ما تضمن من النصوص جواز بيع الثمرة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 541

و قد روي اصحابنا جواز الشركة فيه و التولية قبل القبض، ثمّ ان المحكي عن المهذب البارع عدم وجدان العامل بالاخبار المتقدمة المفصلة بين التولية و غيرها،

و هو عجيب، فإن التفصيل حكاه في التذكرة قولا خامسا في المسألة، لأقوال علمائنا و هي الكراهة مطلقا و المنع مطلقا و التفصيل بين المكيل و الموزون و غيرهما،

و التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم و العدم، و هو قول الشيخ في المبسوط مدعيا عليه الاجماع و بالكراهة و العدم، و هنا سادس اختاره في التحرير، و هو التفصيل في خصوص الطعام بين التولية و غيرها بالتحريم و الكراهة في غيره من المكيل و الموزون، و المراد بالطعام يحتمل ان يكون مطلق ما اعد للاكل، كما قيل انه موضوع له لغة، و يحتمل ان يكون خصوص الحنطة و الشعير، بل قيل انه معناه شرعا، و حكي عن فخر الدين نقله عن والده و حكي اختياره عن بعض المتأخرين.

و عن الشهيد انه حكي عن التحرير انه الحنطة خاصة، و حكي عن بعض اهل اللغة، ثمّ ان الظاهر ان اصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصي، (1) كما يظهر من الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض لانفساخه بالتلف، و كون المبيع مضمونا علي البائع، فولاية المشتري علي التصرف ضعيفة.

______________________________

قبل قبضها علي خصوص

الباقية منها علي الشجرة.

الثالث: انه يجب علي التقييد تقييدها ايضا بما إذا لم يكن البيع قبل القبض من نفس البائع فانه جائز.

الرابع: انه يجب علي التقييد تقييدها ايضا بما إذا لم يكن البيع من احد الشركاء لشريكه فانه جائز علي ما دل عليه الخبر،

و بعض هذه الوجوه و ان لم يخل عن المناقشة الا ان في بعضها الآخر المؤيد بغيره كفاية،

فالأظهر هو الحمل علي الكراهة.

(1) و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين كون المبيع شخصيا ام كليا و هل المنع تكليفي أو وضعي؟ ربما يقال بالأول نظرا الي ظهور النهي في كونه مولويا لا إرشاديا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 542

و ذكر في التذكرة الكلي الغير المقبوض في فروع المسألة، و قال المبيع ان كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين، لأن المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه،

فمع عدمه اولي فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه، و لا الاستبدال به و به قال الشافعي،

انتهي. و كيف كان فلا فرق في النص و الفتوي بناء علي المنع بين المبيع المعين و الكلي بل و لا بناء علي الجواز، ثمّ ان ظاهر اكثر الاخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني، بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد اجماع المبسوط في خصوص الطعام، فإن جواز البيع و عدمه ظاهر ان في الحكم الوضعي الا ان المحكي عن المختلف انه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع،

لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد ان محل الخلاف الصحة و البطلان.

و بالجملة فلا ينبغي الاشكال في ان محل الخلاف في كلمات الاكثر هو الحكم الوضعي و

ينبغي التنبيه علي امور:

الاول: ان ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم، (1) فيصح بيعه قبل قبضه، قال في المبسوط اما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، و ان كان في الذمة، فكذلك يجوز لأنه لا مانع منه ما لم يكن صرفا، فأما إذا كان صرفا «فلا» لا يجوز بيعه قبل القبض

______________________________

و فيه: ان هذا الظهور انما هو في غير باب المعاملات و الموانع، و أما فيهما فله ظهور ثانوي في الارشاد، فيكون ظاهرا في الحكم الوضعي.

و أما ما عن الجواهر من استفادة البطلان من النصوص و ان كان النهي مولويا نفسيا،

فيرده: ما تقدم في اول الجزء الاول من هذا الشرح من ان النهي عن المعاملة لا يستلزم فسادها ما لم يكن ارشادا الي الفساد.

الثمن لا يكون ملحقا بالمبيع

و ينبغي التنبيه علي امور.

(1) الاول: هل يلحق الثمن بالمبيع في هذا الحكم كما هو ظاهر جماعة ام لا كما عن التذكرة و جامع المقاصد؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 543

و في موضعين من التذكرة قوي الجواز إذا كان الثمن كليا في الذمة و هو ظاهر جامع المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره و لو احال من له طعام من سلم الخ.

و استدل عليه في التذكرة بقول الصادق (عليه السلام) (1) و قد سئل عن الرجل باع طعاما بدراهم الي اجل، فلما بلغ الاجل تقاضاه، فقال ليس عندي دراهم خذ مني طعاما، قال لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء. و يمكن ان يقال ان المطلوب جعل الثمن مبيعا في العقد الثاني لا ثمنا ايضا، كما هو ظاهر الرواية مع اختصاصها بالبيع ممن هو عليه، فلا يعم الا بعدم الفصل لو ثبت

و صرح في اواخر باب السلم بالحاق الثمن المعين لمبيع، و يؤيده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه فإنه جار في الثمن المعين. (2)

______________________________

(1) و قد استدل لعدم اللحوق: بقول الامام الصادق (عليه السلام) المذكور في المتن «1»

و مورده و ان كان هو البيع ممن هو عليه الا انه يتم في غيره بعدم الفصل كما ان مورده جعل الثمن ثمنا ايضا، و لكن يتعدي الي جعله مبيعا.

و فيه: اولا: ان الغاء خصوصية المورد من الجهتين غير ثابت.

و ثانيا: انه مختص بغير المكيل.

و ثالثا: انه اما ظاهر في المعاوضة غير البيع أو مطلق.

و علي الأول لا كلام، و علي الثاني ان كانت نصوص الباب شاملة للثمن تخصصه و الا فيكفي العمومات للحكم بالصحة،

فالأظهر عدم اللحوق لاختصاص النصوص بالمبيع.

و قد استدل للحوق بوجهين:

(2) احدهما: ان ما ذكروه من التعليل للمنع في المبيع و هو قصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه جار في الثمن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب السلف حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 544

الثاني: هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال فلا يجوز جعله ثمنا و لا عوضا في الصلح و لا أجرة و لا وفاء عما عليه، أم يختص بالبيع، (1) ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع، و اظهر منها في الاختصاص قوله في التذكرة: الاقرب عندي أن النهي به متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات، و اظهر من الكل قوله في مواضع اخر لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم فقال لزيد: خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي لم يجز عند الشافعي، لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض و الاولي عندي الجواز، و ليس هذا بيعا و انما

هو نوع معاوضة، انتهي.

و اصرح من الكل تصريحه في موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل القبض، لأنه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع في احكامه، و قد صرح جامع المقاصد ايضا في غير موضع باختصاص الحكم بالبيع دون غيره.

و قد تقدم في كلامه انه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه، و لا الاستبدال به، لكن العلامة قد عبر بلفظ الاستبدال في كثير من فروع مسألة البيع قبل القبض، مع ان ما استدل به للمانعين من قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف جار في مطلق التصرف فصلا عن المعاوضة.

و قد صرح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة بانها معاوضة، و المعاوضة علي

______________________________

و فيه: ان هذا وجه اعتباري استحساني لا يصلح لأن يعتمد عليه في الحكم الشرعي.

ثانيهما: ان ما في ذيل خبر الحلبي ان هذا ليس بمنزلة الطعام ان الطعام يكال «1» يدل عليه فان المفهوم من التعليل ان كل ما يكال لا يجوز بيعه قبل قبضه.

و فيه: اولا: انه اخص من المدعي لاختصاصه بالمكيل.

و ثانيا: ان المعلل هو بيع ما اشتراه من البر، فالتعليل لا يقتضي الا ان كل ما اشتراه مما يكال لا يباع قبل قبضه لا ان كل ما يكال لا يجوز بيعه قبل قبضه.

و ثالثا: انه من الجائز ان يكون مورده البيع قبل ان يقبض حصته من الشركاء، بل هو الظاهر منه، فهو اجنبي عن المقام.

(1) الثاني: هل يختص الحكم بالبيع ام يعم مطلق الاستبدال و يكون البيع في النصوص

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 545

المسلم فيه قبل القبض غير جائزة و هو و ان رجع عن الصغري فيما بعد ذلك

لكنه لم يرجع عن الكبري، و صرح في الايضاح بابتناء الفرع الآتي اعني احالة من عليه طعام لغريمه علي من له عليه طعام علي ان الحوالة معاوضة مستقلة أو استيفاء،

و ان المعاوضة قبل القبض حرام أو مكروه واردة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولي من ارادة مطلق المعاوضة من البيع في قولهم ان الحوالة بيع أو ليست بيعا، بل هذه اظهر في كلماتهم. و قد صرح الاكثر بأن تراضي المسلم و المسلم إليه علي قيمة المسلم فيه من بيع الطعام قبل القبض فاستدلوا باخباره علي جوازه.

و يؤيده ايضا قوله في التذكرة لو كان لزيد طعام علي عمرو سلما، و لخالد مثله علي زيد، فقال زيد اذهب الي عمرو و اقبض لنفسك ما لي عليه لم يصح لخالد عند اكثر علمائنا، و به قال الشافعي و احمد، لأن النبي (صلي الله عليه و آله) نهي عن بيع الطعام بالطعام حتي يجري فيه صاعان صاع البائع و صاع المشتري و سيأتي ابتناء هذا الفرع في كلام جماعة علي مسألة البيع قبل القبض.

نعم ذكر الشهيد انه كالبيع قبل القبض، و صرح بابتناء الحكم فيما لو قال للمسلم اشتر لي بهذه الدراهم طعاما و اقبضه لنفسك علي حكم البيع قبل القبض،

و كيف كان، فالمسألة محل اشكال من حيث اضطراب كلماتهم، الا ان الاقتصار في مخالفة الاصل

______________________________

كناية عنه؟ وجهان.

الجمود علي ظواهر النصوص يقتضي الاختصاص بالبيع،

و لا يثبت هذا الحكم فيما إذا كان النقل بغير البيع لما انتقل إليه أو لما ينتقل عنه،

و حمل البيع علي ارادة مطلق الاستبدال يحتاج الي دليل مفقود و الغاء الخصوصية مع ما يري من تفاوت البيع مع غيره حكما و ان اتحدا نتيجة لا وجه

له،

و بعض الوجوه الاعتبارية مثل قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف و ان كان جاريا في غير البيع إذا كان النقل إليه بالبيع، الا انه لا يعتمد عليه في الحكم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 546

المتيقن هو المتعين، و منه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح و الاجارة و الخلع، كما صرح به في الدروس فضلا عن مثل الارث و القرض و مال الكتابة و الصداق و غيرها. نعم لو ورث ما اشتري و لم يقبض أو اصدقه أو عوض عن الخلع جري الخلاف في بيعه.

الثالث: هل المراد من البيع المنهي ايقاع عقد البيع علي ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلي المبيع (1) به فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص هو البيع كما لو نهي عن بيع ام الولد، أو حلف علي ان لا يبيع مملوكه، حيث لا فرق بين ايقاع المبيع عليه أو دفعه عن الكلي المبيع، ظاهر النص و الفتوي (2) و ان كان هو الاول،

______________________________

اقرار البيع علي ما لم يقبض

(1) الثالث: هل المراد من البيع المنهي عنه ايقاع عقد البيع علي ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلي المبيع به؟ وجهان.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في جهات:

الاولي: ان محل الكلام ليس جواز ابقاء الكلي غير المقبوض، فانه داخل في التنبيه السابق، بل محل الكلام جعل البيع السابق مستقرا علي فرد غير مقبوض للبائع، كما إذا كان عليه سلم لصاحبه فدفع إليه دراهم و قال: اشتر بها طعاما و اقبضه لنفسك، فان من عليه السلم هو مشتري الطعام و لم يقبض ما اشتراه و جعل البيع السابق مستقرا علي ما اشتراه.

وجه توهم المنع عنه امران:

الأول:

ان النصوص مطلقة شاملة لاحداث البيع علي ما لم يقبض و اقراره عليه.

(2) و المصنف (رحمه الله) استظهر منها الاختصاص بالاول ثمّ قال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 547

بل هو المتعين في الاخبار المفصلة بين التولية و غيرها، (1) الا أن المعني الثاني لا يبعد عن سياق مجموع الاخبار (2) و عليه، فلو كان عليه سلم لصاحبه، فدفع إليه دراهم،

و قال اشتر لي بها طعاما و اقبضه لنفسك جري فيه الخلاف في بيع ما لم يقبض، كما صرح به في الدروس و لكن في بعض الروايات دلالة علي الجواز مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له علي الآخر احمال من رطب أو تمر فيبعث عليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال: لا بأس إذا ائتمنه.

لكن في صحيحة الحلبي قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث الي بدراهم فقال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال: اري ان يولي ذلك غيرك و تقوم معه حتي يقبض الذي لك و لا تتولي انت شراءه.

و في موثقة عبد الرحمن يكون معه غيره يوفيه ذلك لكن ظاهر الخبرين كراهة مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة، و المطلوب صحة الشراء و عدم جواز الاستيفاء، ثمّ ان هذا كله، إذا كان الطعام المشتري شخصيا، و أما إذا وكله في شراء الكلي فلا يجري فيه ذلك، لأن تشخيص ما باعه سلما في الطعام الكلي المشتري موقوف علي قبضه

______________________________

(1) بل هو المتعين في الاخبار المفصلة بين التولية و غيرها المتقدمة.

(2) ثمّ نفي البعد عن الشمول للثاني عن سياق

مجموع الاخبار اما استظهاره الاختصاص من النصوص فمتين، فان ظاهرها كون الممنوع عنه احداث البيع علي ما اشتراه قبل قبضه،

كما ان دعواه تعينه في الأخبار المفصلة متينة، فان جعل المشتري مصداقا للكلي الثابت في ذمته بالاستسلاف ليس من بيع التولية مع التساوي و لا بيع مرابحة أو مواضعة،

مع الاختلاف في القيمة،

و أما ما نفي عنه البعد فغير تام لما عرفت من ظهور النصوص.

الثاني صحيح الحلبي «1» المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب السلف حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 548

ثمّ اقباضه و بدون ذلك لا يمكن الايفاء الا بالحوالة أو التوكيل، فيدخل المسألة فيما ذكره في الشرائع و غيرها تبعا للمبسوط. بل نسب الي المشهور من انه لو كان له علي غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فأمر غريمه ان يكتال لنفسه من الآخر فإنه يكره أو يحرم علي الخلاف. و قد علل ذلك في الشرائع، بأنه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه و ذكر المسألة في القواعد بعنوان الحوالة قال لو احال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سلم، فالاقوي الكراهة، و علي التحريم يبطل، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه، و بني في الايضاح جريان الخلاف في المسألة علي ان الحوالة معاوضة أو استيفاء، و ان المعاوضة علي مال المسلم قبل القبض حرام أو مكروه، و انكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون هذه المسألة من محل الخلاف في بيع ما لم يقض بناء علي ان الحوالة ليست معاوضة فضلا عن كونها بيعا، بل هي استيفاء.

اقول ذلك اما وكالة و أما حوالة، و علي كل تقدير يمكن تعميم

محل الخلاف لمطلق المعاوضة و يكون البيع كناية عنها. و لذا نسب فيما عرفت من عبارة التذكرة المنع في هذه المسألة الي اكثر علمائنا و جماعة من العامة محتجين بالنبوي المانع عن بيع ما لم يقبض و استند الشيخ (رحمه الله) ايضا في المنع الي الاجماع علي عدم جواز بيع ما لم يقبض.

______________________________

و نحوه غيره.

و فيه: ان هذه النصوص تدل علي عدم مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة، و المطلوب عدم جواز الاستيفاء.

و قد يستدل للجواز: بصحيح ابن شعيب عن مولانا الصادق (عليه السلام) عن الرجل يكون له علي الآخر احمال من رطب أو تمر فيبعث إليه بدنانير فيقول: اشتر بهذه و استوف منه الذي لك، قال: لا بأس إذا ائتمنه «1».

و فيه: اولا: ان الاستدلال به يتوقف علي كون احمال الرطب عليه بعنوان بيع السلم لا بعنوان آخر، و الا فهو غير مربوط بالمقام، بل هو داخل تحت عنوان الوفاء المحض.

______________________________

(1) التهذيب ج 7 ص 42 باب بيع المضمون حديث 68.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 549

و قد عرفت ما ذكره الشيخ في باب الحوالة، و لعله لذا قال الشهيد في الدروس في حكم المسألة انه كالبيع قبل القبض، لكنه قدس سره تعرض في بعض تحقيقاته لتوجيه ادراج المسألة في البيع بأن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة علي افراد لا نهاية لها فأي فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد و انصب العقد عليه فكأنه لما قال الغريم اكتل من غريمي فلان، قد جعل عقد السلم معه واردا علي ما في ذمة المسلّم منه غريمه و لما يقبضه بعد، و لا ريب أنه مملوك له بالبيع، فإذا جعل

موردا للسلم الذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه، فيتحقق الشرطان و يلحق

بالباب، و هذا من لطائف الفقه، انتهي.

و اعترضه في المسالك بأن مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة في الذمة لما كان امرا كليا كان البيع المتحقق به هو الامر الكلي، (1) و ما يتعين لذلك من الاعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع، و ان كان الامر الكلي انما يتحقق في ضمن الافراد الخاصة، فإنها ليست عينه و من ثمّ لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع الحق الي الذمة و المبيع المعين ليس كذلك. و حينئذ فانصباب العقد علي ما قبض كونه حينئذ مبيعا غير واضح. فالقول بالتحريم به عند القائل به في غيره غير متوجه، انتهي.

______________________________

و ثانيا: انه ظاهر في التوكيل في الشرط و القبض من قبل البائع، ثمّ استيفاء الحق منه، و هذا لا إشكال في جوازه.

الثانية: ان ما يشتري لاقرار البيع السابق عليه ربما يكون شخصيا و ربما يكون كليا، فان كان شخصيا فالكلام فيه من وجهين:

احدهما: ما تقدم من انه هل يشمل البيع الممنوع عنه قبل القبض لاقرار البيع علي ما لم يقبض ام لا، و قد تقدم ما هو الحق عندنا.

(1) الثاني: فيما افاده الشهيد الثاني (رحمه الله) الذي يذكره المصنف (رحمه الله) بعنوان الايراد علي الشهيد الأول. و حاصله: ان ما يتعين مصداقا للكلي المبيع من الأعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع، و ان كان الأمر الكلي انما يتحقق في ضمن الافراد الخاصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 550

اقول ما ذكره من منع تشخيص المبيع في ضمن الفرد الخاص المدفوع و ان كان حقا من حيث عدم انصباب العقد عليه،

الا انه يصدق عليه انتقاله الي المشتري بعقد البيع، (1) فإذا نهي الشارع عن بيع ما لم يقبض، نظير نهيه، عن بيع ام الولد،

و عن بيع ما حلف علي ترك بيعه، فإنه لا فرق بين ايقاع العقد عليه و بين دفعه عن الكلي المبيع، لكن يرد علي ما ذكره الشهيد عدم تشخص الكلي بالكلي الا بالحوالة الراجعة الي الاستيفاء أو المعاوضة و هذا لا يسوغ اطلاق البيع علي الكلي المتشخص به بحيث يصدق انه انتقل الي المحال بناقل البيع نعم هذا التوجيه انما يستقيم في الفرع المتقدم عن الدروس، و هو ما إذا امره بقبض الطعام الشخصي الذي اشتريه للمشتري، فإن مجرد قبضه بإذن البائع مشخص للكلي المبيع في ضمنه، فيصدق انه انتقل بالبيع قبل ان يقبض. و يمكن ان يقال ان تشخيص الكلي المبيع في الكلي المشتري يكفي فيه اذن البائع في قبض بعض افراد الكلي المشتري من دون حاجة الي حوالة، فإذا وقع فرد منه في يد المشتري صدق انه انتقل بالبيع قبل القبض، و كيف كان، فالاظهر في وجه ادخال هذه المسألة في محل الخلاف تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال، حتي المحقق بالحوالة، و ان لم نقل بكونها بيعا، و المسألة يحتاج الي فضل تتبع و الله الموفق

______________________________

فانها ليست عينه، و لذا لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع الحق الي الذمة، ففي الحقيقة هذا اشكال صغروي لشمول النصوص لاقرار البيع السابق علي ما لم يقبض.

(1) و فيه: ان الكلي يوجد بوجود فرده فإذا انطبق الكلي علي فرد يصير ذلك الفرد مبيعا بالحمل الشائع، و يصدق عليه انه انتقل الي المشتري بعقد البيع.

و ان كان كليا، فيدخل تحت عنوان المسألة المعنونة في

الفقه، و هي: انه لو كان له علي غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فامر غريمه ان يكتال لنفسه من الآخر، فانه يكره أو يحرم علي الخلاف. و قد علل ذلك في الشرائع و غيرها: بانه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه.

و تنقيح القول فيها: ان محل الكلام ليس بيع ماله علي غيره بما هو عليه، فانه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 551

و استدل في الحدائق علي الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح، و موثق عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل عليه كر من طعام، فاشتري كرا من رجل آخر، فقال للرجل: انطلق فاستوف كرك، قال: لا بأس به، و فيه انه لا دلالة لها علي محل الكلام لأن الكلام فيما إذا كان المالان سلمين، و مورد الرواية اعطاء ما اشتري به قبل قبضه وفاء عن دين لم يعلم انه سلم أو قرض أو غيرهما. و قد استدل به في التذكرة علي جواز إيفاء الفرض بمال السلم، و لذا قال جامع المقاصد في شرح قوله (رحمه الله) و لو احال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سلم الخ، (1) فإن قلت: لم اعتبر كون المالين معا سلمين قلت: لأن المنع انما هو من بيع ما لم يقبض، و إذا كان احد المالين سلما دون الآخر لم يتعين لكونه مبيعا لامكان اعتباره ثمنا، إذ لا معين لاحدهما، انتهي. و يمكن ان يقال ان ظاهر الحوالة بناء علي كونها معاوضة كون المحيل مملكا ماله في ذمة غريمه بازاء ما لغريمه عليه، (2) فما له معوض و مال

غريمه عوض، فإذا كان ماله علي غريمه سلما كفي في المنع عن تمليكه بازاء مال غريمه عليه، لأنه من بيع ما لم يقبض، و حينئذ فيتم الاستدلال بالرواية

______________________________

من افراد بيع ما لم يقبض،

بل محل الكلام تعيين ما عليه فيما له علي غيره بحيث يكون وفاء، و تصوير ذلك انما هو بقبض ماله علي غيره ثمّ تعيين ما عليه فيه، و الا فلا يعقل انطباق الكلي المتخصص بكونه في ذمة احد علي ما هو المتخصص بكونه في ذمة الآخر، و عليه فتعيين ذلك اما ان يكون بالتوكيل في القبض، و أما بمجرد الاذن في قبض من له في ذمته الكلي، و أما بحوالة من له عليه علي من عليه له.

اما التوكيل: فلا اشكال فيه و لا يكون حينئذ من بيع ما لم يقبض و أما الاذن: فالظاهر كفايته في تعيين ماله علي غيره، و لكن يصير سببا لاستقرار المبيع بالسلم علي ما لم يقبض.

(1) و أما الحوالة: فان قلنا بان ظاهرها بناء علي كونها معاوضة كون المحيل مملكا ماله في ذمة غريمه بازاء ما لغريمه عليه، فماله معوض و مال غريمه عوض،

(2) كما افاده المصنف (رحمه الله) فهي بيع حقيقة بصورة الحوالة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 552

نعم لو كان ما عليه سلما دون ماله امكن خروجه عن المسألة، لأن الظاهر هنا كون المسلم ثمنا و عوضا. و إلي هذا ينظر بقوله في القواعد و التحرير تبعا للشرائع، و لو كان المالان أو المحال به قرضا صح، و لا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه بأنه لا وجه لتخصيص المحال به بالذكر مع ان العكس كذلك، و استحسان تعبير الدروس بلفظ احدهما، ثمّ قال: و ليس له ان

يقول أن المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيل كونه مقابلا بالآخر، إذ ربما يقال ان شبهه بالثمن اظهر لاقترانه بالباء و كل ذلك ضعيف،

انتهي.

و فيه ما لا يخفي فإن الباء هنا ليس للعوض، و ظهور الحوالة في كون انشاء التمليك من المحيل لا ينكر، و احتمال كونه متملكا مال غريمه بمال نفسه، كما في المشتري المقدم لقبوله علي الايجاب بعيد و يدل علي هذا ايضا قولهم ان الحوالة بيع، فإن ظاهره كون المحيل بائعا، ثمّ ان المفروض في المسألة المذكورة ما لو اذن المحيل المحال في اكتياله لنفسه، بأن يأتي بلفظ الاحالة، كما في عبارة القواعد، أو يقول له اكتل لنفسك، كما في عبارتي المبسوط و الشرائع. اما لو وكله في القبض عن الاذن، ثمّ القبض لنفسه فيكون قابضا مقبضا مبني «فيبني» علي جواز تولي طرفي القبض،

و الأقرب صحته لعدم المانع.

______________________________

فتدخل في بيع ما لم يقبض من دون حاجة الي عنوان اقرار البيع السابق علي ما لم يقبض.

و ان قلنا بانها عبارة عن نقل ما ذمة المحال عليه الي المحتال عوضا عما في ذمته لا تبديلا فهي تكون نقلا لما لم يقبض،

فيدخل تحت العنوان المتقدم في التنبيه السابق، و لا ربط له باقرار البيع السابق، فانه يملك بهذا النقل لا بالبيع السابق.

و ان قلنا بانها ايفاء محض فهي لا تصح، فان ما ذمة المحال عليه كلي لا ناقل له علي الفرض، و لا يكون فردا كي ينطبق عليه ما في ذمة المحيل فلا وجه لانصباب عقد السلم علي موردها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 553

الرابع: ذكر جماعة انه لو دفع الي من له عليه طعام دراهم، و قال اشتر بها لنفسك طعاما لم يصح، (1)

لأن مال الغير يمتنع شراء شي ء به لنفسه، و وجهه ان قضية المعاوضة انتقال كل عوض الي ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر، فلو انتقل الي غيره لم يكن عوضا و يمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطاة علي القول بافادتها للاباحة، (2) فإنه يجوز ان يشتري به شيئا لنفسه علي ما في المسالك من جواز جميع التصرفات باجماع القائلين بصحة المعاطاة و ايضا، فقد ذكر جماعة منهم العلامة في المختلف و قطب الدين و الشهيد علي ما حكي عنهما، ان مال الغير المنتقل عنه بإزاء ما اشتراه عالما بكونه مغصوبا باق علي ملكه، و يجوز لبائع ذلك المغصوب التصرف فيه بأن يشتري به شيئا لنفسه و يملكه بمجرد الشراء، قال في المختلف، بعد ما نقل عن الشيخ في النهاية: انه لو غصب مالا و اشتري به جارية كان الفرج له حلالا، و بعد ما نقل مذهب الشيخ في ذلك في غير النهاية و مذهب الحلي ان كلام النهاية يحتمل امرين.

احدهما: اشتراء الجارية في الذمة، كما ذكره في غير النهاية.

______________________________

(1) الرابع: و لو دفع الي من له عليه طعام دراهم و قال: اشتربها لنفسك طعاما فهل يصح، ام لا وجهان مبنيان علي ما حقق في اول البيع من: ان حقيقته هي المعاوضة المقتضية لدخول العوض في كيس من خرج المعوض عن كيسه، ام حقيقته الاعطاء لا مجانا غير المقتضي لذلك، فعلي الأول لا يصح، و علي الثاني يصح، و حيث ان المختار هو الثاني كما تقدم فالأظهر هي الصحة،

و عليه فهل يصير المبيع حينئذ عوضا عما في ذمته من الطعام ام لا؟ الظاهر ذلك،

فان في وفاء الدين لا يعتبر كون ما يوفي به ملكا للمديون

و يصح اداء الغير من ماله،

(2) و أما مسالة المعاطاة و المقبوض بالعقد الفاسد و لو من جهة الغصبية مع العلم بذلك فقد تقدم الكلام فيهما مفصلا في الجزء الاول من هذا الشرح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 554

الثاني: أن يكون البائع عالما بغصب المال، فإن المشتري حينئذ يستبيح وطئ الجارية و عليه وزر المال، انتهي.

و قد تقدم في فروع بيع الفضولي و في فروع المعاطاة، نقل كلام القطب و الشهيد و غيرهما، و يمكن توجيه ما ذكر في المعاطاة بدخول المال آنا ما قبل التصرف في ملك المتصرف، كما يلزمهم القول بذلك في وطئ الجارية المأخوذة بالمعاطاة. و توجيه الثاني بأنه في معني تمليك ماله مجانا بغير عوض، و كيف كان، فالمعاوضة لا يعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه، (1) و إذا ثبت علي غير ذلك فلا بد من توجيهه اما بانتقال احد العوضين الي غير مالكه قبل المعاوضة و أما بانتقال العوض الأخر إليه بعدها. و من هنا يمكن ان يحمل قوله فيما نحن فيه اشتر بدراهمي طعاما لنفسك،

علي ارادة كون اللام لمطلق النفع لا للتمليك بمعني اشتر في ملكي و خذه لنفسك، كما ورد في مورد بعض الاخبار السابقة اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك، و يمكن ان يقال انه إذا اشتري لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا، كما لو باع الغير لنفسه، فإذا قبضه فأجاز المالك الشراء و القبض تعين له و حيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله علي مالك الطعام، فافهم.

______________________________

(1) قوله فالمعاوضة لا يعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه و فيه انه لم يرد آية و لا رواية دالة علي كون المبيع معاوضة بين المالين،

و قد مر في اول كتاب البيع عند بيان حقيقته من ان اصل ذلك هو ما عن المصباح في تعريف البيع بانه مبادلة مال بمال، و قد اوردنا عليه بايرادات خمسة خامسها: ان مقتضي هذا التعريف لزوم دخول العوض في كيس من خرج المعوض عن كيسه، مع انه لا يعتبر ذلك، أ لا تري ان الانسان يعطي الدرهم الي الخباز، و يقول اعط الخبز للفقير، فان هذا بيع مع انه لا مبادلة فيه، و الالتزام بانه يملك الفقير الدرهم اولا ثمّ يعطي الخباز، أو انه يوكله في تمليكه الخبز اياه ثمّ اعطائه للفقير، خلاف الواقع الذي عليه بناء العرف و العقلاء في امثال هذه المعاملة و علي ذلك فلا اشكال في المسألة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 555

مسألة لو كان له طعام علي غيره، فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته (1)
اشارة

فهنا مسائل ثلاث:

احداها: ان يكون المال سلما

بأن اسلفه طعاما في العراق و طالبه بالمدينة، مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة، (2) فلا اشكال في عدم وجوب ادائه في ذلك البلد،

و اولي بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد، و لو طالبه في ذلك البلد بقيمته في بلد وجوب التسليم، و تراضيا علي ذلك، قال الشيخ لم يجز، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، (3) و هو حسن بناء علي ارادة بيع ما في ذمته بالقيمة، أو ارادة مطلق

الاستبدال من البيع المنهي عنه. اما لو جعلنا المنهي عنه خصوص البيع، و لم يحتمل التراضي علي خصوص كون القيمة ثمنا، بل احتمل كونه مثمنا، و السلم ثمنا، فلا وجه للتحريم، لكن الانصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا إذا كان من النقدين في الثمنية،

فيبني الحكم علي انصراف التراضي المذكور الي البيع أو القول بتحريم مطلق الاستبدال. و أما إذا لم يرض المسلم إليه ففي جواز إجباره علي ذلك قولان، المشهور كما قيل: العدم، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة.

______________________________

مطالبة الطعام في غير مكان حدوثه في ذمته

(1) مسألة: لو كان له طعام علي غيره فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته فهنا فروع ثلاثة:

(2) الاول: ما لو كان المال سلما فلو طالبه في غير مكان المعاملة مع عدم اشتراط التسليم فيه لا يجب ادائه كما هو مقتضي الشرط الضمني بالتسليم في بلد المعاملة،

و اولي بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد.

و لو طالبه في ذلك البلد بقيمة بلد وجوب التسليم،

فتارة: يتراضيان علي ذلك،

و اخري: لا يرضي المسلم إليه، فان تراضيا جاز.

(3) و استدل للعدم: بانه من بيع الطعام قبل قبضه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 556

و عن جماعة منهم العلامة في

التذكرة: الجواز، لأن الطعام الذي يلزمه دفعه معدوم (1) فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه.

و توضيحه أن الطعام قد حل و التقصير من المسلم إليه، (2) حيث انه لو كان في ذلك البلد امكنه اداء الواجب بتسليم المال الي المشتري ان حضر، و إلا دفعه الي وليه و لو الحاكم أو عزله، و كيف كان فتعذر البراءة مستند الي غيبته، فللغريم مطالبة قيمة بلد الاستحقاق حينئذ، و قد يتوهم انه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام و ان

______________________________

و فيه: اولا: انه قد تقدم جوازه.

و ثانيا: علي فرض العدم يكون البيع من البائع مستثني منه.

و ثالثا: ان الممنوع علي فرضه هو جعل الطعام مثمنا، و لا تشمل النصوص ما لو جعل ثمنا.

و رابعا: انه يختص بما لو اريد بيع ما في ذمته بالقيمة، و لا يعم غيره من افراد الاستبدال،

و ان لم يرض المسلم إليه بذلك.

فهل يجوز اجباره علي ذلك ام لا؟ وجهان استدل للأول بوجهين:

(1) احدهما: ما هو ظاهر الكلام المحكي عن التذكرة و هو: ان التسليم في البلد من قبيل القيود المشخصة للكلي المبيع، التي بتعذرها يصدق تعذر وجود المبيع في الخارج، و مع تعذره للمشتري مطالبة قيمته.

و فيه: ان التسليم في البلد،- الذي يقتضيه اطلاق العقد بحسب الشرط الضمني الارتكازي- ليس من قبيل القيود المشخصة، بل هو من قبيل الشروط الخارجية التي لا يصدق تعذر المبيع بتعذرها، بل غايته ثبوت الخيار للمشتري.

(2) الثاني: ما افاده المصنف ذكره توضيحا لما افاده العلامة في التذكرة و حاصله: ان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 557

كان ازيد قيمة كما سيجي ء القول بذلك في القرض، و لو كان الطعام في بلد المطالبة مساويا في القيمة

لبلد الاستحقاق. فالظاهر وجوب الطعام عليه لعدم تعذر الحق، و المفروض عدم سقوط المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق، فيطالبه بنفس الحق.

الثانية: أن يكون ما عليه قرضا، (1)

و الظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة، لأنها إنما يستحقها في بلد القرض، فإلزامه بالدفع في غيره إضرار خلافا للمحكي عن المختلف، و قواه جامع المقاصد هنا، لكنه جزم بالمختار في باب القرض، أما مطالبته بقيمة بلد الاستحقاق، فالظاهر هو جوازها وفاقا للفاضلين.

و حكي عن الشيخ و القاضي. و عن غاية المرام نفي الخلاف لما تقدم من ان الحق هو الطعام علي ان يسلم في بلد الاستحقاق و قد تعذر بتعذر قيده لا بامتناع ذي الحق،

فلا وجه لسقوطه.

غاية الامر الرجوع الي قيمته لاجل الاضرار، و لذا لو لم يختلف القيمة،

فالظاهر جواز مطالبته بالمثل لعدم التضرر، لكن مقتضي ملاحظة التضرر اناطة الحكم بعدم الضرر علي المقترض أو بمصلحته و لو من غير جهة اختلاف القيمة، كما فعله العلامة في القواعد و شارحه جامع المقاصد

______________________________

شرط الأداء في بلد المعاملة- الذي هو شرط لكل من المتبايعين علي الآخر- قد تعذر تحققه في الخارج بسوء اختيار البائع، فليس له عند مطالبة المشتري منه حقه الامتناع عن الأداء.

و فيه: ان اشتراط التسليم في البلد ينحل الي شرطين: احدهما: اشتراط القبض في البلد، ثانيهما: عدم التسليم في غير ذلك، اي عدم ثبوت حق في التسليم في غيره، و سوء الاختيار انما يسقط حق البائع من ناحية الشرط الأول، و لا وجه لابطاله حقه من ناحية الشرط الثاني،

فالأظهر عدم جواز الاجبار كما عن المشهور، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة.

(1) الثاني: ان يكون ما عليه قرضا لا خلاف في جواز اخذا لقيمة بسعر بلد القرض،

فهل يجوز له

المطالبة بالمثل في غير بلد القرض مع اختلاف القيمة ام لا؟ جهان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 558

ثمّ انه اعترف في المختلف بتعين قيمة بلد القرض، مع تعذر المثل في بلد المطالبة (1)

و فيه تأمل، فتأمل.

و ظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل و لا بالقيمة، (2) و كأنه يتفرع علي ما عن الشهيد (رحمه الله) في حواشيه من عدم جواز مطالبة المقترض المثل في غير بلد القرض حتي مع عدم تضرره، فيلزم من ذلك عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق اولي. و لعله لأن مقتضي اعتبار بلد القرض ان ليس للمقرض الا مطالبة تسليم ماله في بلد القرض، و مجرد تعذره في وقت من جهة توقفه علي مضي زمان لا يوجب اشتغاله بالقيمة، كما لو اخر التسليم اختيارا في بلد القرض، أو احتاج تسليم المثل الي مضي زمان، فتأمل.

______________________________

اقواهما الثاني، لأن مقتضي اطلاق عقد القرض التسليم في بلد القرض، و عليه فلو طالب لا يجب دفع المثل،

(1) فما عن المختلف من وجوبه ضعيف و هل له المطالبة بقيمة بلد الاستحقاق- كما عن الشيخ و القاضي و الفاضلين و غيرهم بل عن غاية المرام: نفي الخلاف فيه- ام لا كما في الجواهر؟ قولان:

اظهر هما الثاني، إذ لا وجه لجواز المطالبة سوي ما تقدم في المسألة الاولي الذي عرفت ضعفه.

(2) فما عن الشهيد و في الجواهر من عدم جواز المطالبة بالمثل و لا بالقيمة هو الأظهر.

و أما خبر سماعة سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل له عليه مال فغاب عنه فرآه يطوف حول الكعبة، أ يتقاضاه؟ قال (عليه السلام): لا تسلم عليه و لا تروعه حتي يخرج من الحرم «1».

فلا يعلم كونه قرضا، مع انه مساق

لبيان حرمة الحرم و ان له المطالبة في غير ذلك المكان بالتادية في بلد القرض و ربما كان هاربا منه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب الدين و القرض حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 559

الثالثة: ان يكون الاستقرار من جهة الغصب، (1)

فالمحكي عن الشيخ و القاضي انه لا يجوز مطالبته بالمثل في غير بلد الغصب، و لعله لظاهر قوله تعالي:

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فإن ما في ذمته هو الطعام الموصوف بكونه في ذلك البلد، فإن مقدار مالية الطعام يختلف باختلاف الأماكن، فإن المالك لمقدار منه في بلد قد يعد غنيا، و المالك لاضعافه في غيره يعد فقيرا، فالمماثلة في الصفات موجودة لا في المالية، لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الازمان. فإن اللازم علي هذا عدم جواز مطالبته بالمثل في زمان غلائه، و حله ان المماثلة في الجنس و الصفات هي المناط في التماثل العرفي من دون ملاحظة المالية، و لو لا قاعدة نفي الضرر و انصراف اطلاق العقد في مسألتي القرض و السلم لتعين ذلك فيهما ايضا، و لو تعذر المثل في بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد، لأن اللازم عليه حينئذ، المثل في هذا البلد لو تمكن فاذا تعذر قامت القيمة مقامه و في المبسوط و عن القاضي قيمة بلد الغصب و هو حسن بناء علي حكمها في المثل و المعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل حينئذ فتعين بدله مع تعذره، و يحتمل وقت التعذر، لأنه وقت الانتقال الي القيمة. و في المسألة اقوال: مذكورة في باب الغصب ذكرناها مع مبانيها في البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد، فليراجع الي هنا

______________________________

(1) الثالث: ان يكون الاستقرار من جهة الغصب و قد اشبعنا الكلام في هذه المسألة في الجزء

الثالث من هذا الشرح في المقبوض بالعقد الفاسد.

الحمد لله اولا و آخرا الجزء السادس.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.