سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين المجلد 29

اشارة

سرشناسه : حسینی میلانی، سیدعلی، 1326 -

عنوان قراردادی : احادیث خاص (ثقلین) .شرح

عنوان و نام پديدآور : حدیث الوصیه بالثقلین الکتاب و السنه/ تالیف الیسیدعلی الحسینی المیلانی.

مشخصات نشر : قم: مرکز الحقایق الاسلامیه، 1429ق. = 1387.

مشخصات ظاهری : 32 ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 20.

شابک : 978-964-2501-75-5

وضعیت فهرست نویسی : برونسپاری

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : احادیث خاص (ثقلین)-- نقد و تفسیر

موضوع : امامت -- احادیث

رده بندی کنگره : BP145 /ث702 ح5 1387

رده بندی دیویی : 297/218

شماره کتابشناسی ملی : 2882688

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 7

كلمة المؤلّف … ص: 7

الحمد للَّه رب العالمين، والصّلاة والسلام علي خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

وبعد:

هذا نقد علمي لما كتبه الدكتور علي أحمد السالوس حول حديث الثقلين.

هذا الحديث الثابت صدوره عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لدي المسلمين كافّة.

فقد توافقوا علي روايته بأسانيدهم المعتبرة الكثيرة، وتسالموا علي ثبوته عنه، ولم نجد- خلال هذه القرون المتمادية- من يشك في صحته إلّارجلًا واحداً … وهو أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي … حيث أودعه في روايةٍ واحدةٍ له كتاب (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية).

وقد خطّئه العلماء، وحذّروا من الاغترار بفعله، ومنهم من أحسن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 8

الظنَّ به فحمل ذلك منه علي عدم استحضاره لسائر طرق الحديث …

لا سيّما وأنّه في صحيح مسلم … كما ستري ذلك كلّه في هذا الكتاب.

والحق معهم … فإنّه لو جاز رمي

مثل هذا الحديث- الصحيحة أسانيده والكثيرة طرقه- بالضّعف، لَما بقي فيما بأيدينا من الأحاديث النبوية ما نثق بصدوره عن الرسول الكريم إلّاالشاذ النادر، وهذا يؤدّي إلي سقوط السنّة النبويّة وهدم أركان الشريعة المقدّسة.

ولهذه الأمور وغيرها … لم نعثر- وما كنّا نظن العثور- علي مقلّد لابن الجوزي من أهل العلم فيما قاله حول هذا الحديث، حتي جاء دور «الدكتور».

و «للدكاترة» و «المشايخ» في الآونة الأخيرة تحرّك واسع في شتي البلدان الإسلامية للتأليف في المسائل العقدية، وكثير منهم يتعرّضون لعقائد الشيعة الإمامية الإثني عشرية، وخاصّة في الإمامة والخلافة، لكنّها- في الأغلب- حملات وتهجّمات مفعمة بالضغينة والحقد … إلّا أن الملفت للنّظر وقوع التناقضات العجيبة فيما بين هؤلاء الكتّاب من جهةٍ، وبينهم وبين علمائهم السابقين من جهةٍ أخري

فالسّابقون منهم علي أنّ «الخلافة عن النبي» من فروع الدين لا من أصوله، فتكون الإمامة من المسائل العمليّة الفرعية، شأنها شأن الصلاة والزكاة ونحوهما، ولكلٌ مجتهدٍ رأيه … يقول القاضي عضد الدّين الايجي وشارحه الجرجاني: «الإمامة ومباحثها ليست من أصول

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 9

الديانات والعقائد- خلافاً للشيعة- بل هي عندنا من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلّفين» «1» ويقول سعد الدين التفتازاني: «لا نزاع في أن مباحث الإمامة بفروع الدين أليق، لرجوعها إلي أن القيام بالإمامة ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات …

ولا خفاء في أن ذلك من الأحكام العملية دون الإعتقادية» «2».

وإذا كان هذا حكم الإمامة عندهم، فلماذا هذه الحملات والهجمات علي الإماميّة؟

ثم إنهم يقولون بأنّ الإمامة تنعقد بالقهر والغلبة، فيجب إطاعة من تغلّب علي الأمر وتسلّط علي المسلمين بالجور والسّيف، وكان فاجراً وفاسقاً، وهذا ما نصَّ عليه التفتازاني وابن تيمية وغيرهما.

وفي هذه الأُصول إنكار

للحكومة الشرعية، وتقرير لسلطنة الظالمين، وفصل بين الدنيا والدين …

فهذا ما بني عليه السابقون.

والكتّاب الحاضرون تناقضوا … فمنهم من مشي علي طريقة السّلف، وعلي هذا الأساس ذهب إلي نفي أن يكون النبي صلي اللَّه عليه وآله وسلم قد قام بتأسيس دولة، وجعل من الشريعة الإسلامية شريعةً

__________________________________________________

(1) شرح المواقف 8/ 344.

(2) شرح المقاصد 5/ 232.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 10

روحية محضة، لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في الدنيا، ثم طعن في الخلفاء من بعده وأتباعهم بأنهم كانوا يعملون من أجل الدنيا والفتح والاستعمار، لا من أجل الدين، وأن أبا بكر كان أول ملك في الإسلام، ثم تبعه الملوك الآخرون، فهم جميعاً كانوا يخدعون الناس باسم الدين، وأنّ التاريخ الإسلامي لم يكن إلّاقهراً وغلبةً وحكماً بالسيف، وكان شراً وفساداً ونكبة للإسلام والمسلمين «1».

وقد أثار القوم ضجّة كبيرةً علي هذا المؤلف وكتابه، وكتبت الردود عليه، حتي كفّروه، واتّهموه بالتعاون مع السياسات الأجنبية، وكانت النتيجة صدور حكم من هيئة كبار العلماء في مصر ضدّ الكتاب ومؤلّفه «2».

ونحن وإنْ كنّا نري بطلان هذه الفكرة، إلّاأنا نقول بأنّ ما ذهب إليه هذا الشيخ ليس إلّاردّ فعلٍ للأسس التي بنيت عليه دعائم مذهب القوم منذ صدر الإسلام، لكنّهم يكفّرونه ويسكتون عمّن كان السّبب المباشر لحدوث مثل هذه الفكرة.

وحول القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من

__________________________________________________

(1) لاحظ كتاب: الإسلام وأصول الحكم. للشيخ علي عبد الرزاق من كبار علماء الأزهر ومن مشاهير القضاة في الديار المصرّيه.

(2) لاحظ كتاب: الإسلام والخلافة في العصر الحديث للدكتور محمد ضياء الريّس. وكتاب: حقيقة الإسلام وأصول الحكم للشيخ محمد بخبت.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 11

خلفه، قال أئمتهم من الصّحابة بوقوع

التحريف في القرآن، ففي أهم كتبهم الحديثية- كالبخاري ومسلم ومسند أحمد والترمذي وابن ماجة والمستدرك وغيرها- عن غير واحدٍ من الصحابة: كان مما أنزل اللَّه آية كذا، وكانت آية كذا تحت السرير فلما تشاغلنا بموت رسول اللَّه دخل داجن فأكلها. وكنّا نقرأ فيما نقرأ علي عهد رسول اللَّه آية كذا. وكانت آية كذا من القرآن وأسقطت فيما أسقط منه …

وهكذا في عشراتٍ من الأحاديث الصحيحة سنداً، تراهم يصرّحون بنقصان القرآن وهم الجامعون له «1».

ومن هنا جاء في كتب القوم التصريح بالتحريف عن جماعةٍ منهم، ففي تفسير القرطبي أنّه طعن قوم علي عثمان جمع القرآن «2» وذكر الرّافعي ذلك عن جماعةٍ من أهل الكلام «3» وعن الثوري- الذي وصفوه بأمير المؤمنين في الحديث-: «بلغنا أنّ ناساً من أصحاب النبي كانوا يقرأون القرآن أصيبوا يوم مسيلمة فذهبت حروف من القرآن» «4» وقال الشعراني المتوفي سنة 973: «لو لا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع

__________________________________________________

(1) تجد هذه الأحاديث وغيرها مع النظر في أسانيدها ومداليلها في كتابنا: التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف. المطبوع المنتشر في البلاد.

(2) تفسير القرطبي 1/ 84.

(3) إعجاز القرآن: 41.

(4) الدر المنثور 5/ 179.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 12

الحكمة في غير أهلها، لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان» «1».

حتي أنّ بعض أئمتهم في القراآت، في القرن الرابع، كان يقرأ ما حملته تلك الروايات عن أولئك الصحابة جاعلًا إيّاها من القرآن حقيقةً، اقتداءً بهم، لكنّ فقهاء القوم أشاروا علي السّلطان بالقبض عليه، وضربه، فضرب ضرباً شديداً، فلم يصبر واستغاث وأذعن بالتوبة، فخلي سبيله وكتب عليه كتاب بتوبته، وأخذ فيه خطّه بالتوبة «2» فتاب من العمل بما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وسائر

الصّحاح … عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبي موسي الأشعري، وزيد بن ثابت، وعبداللَّه بن مسعود، وأبي بن كعب، وعائشة، وحفصة …

هذا ما فعله السابقون في هذا المجال، وكان الحق معهم، فلا يجوز متابعة أولئك … ولا يجوز الأخذ بالكتب المذكورة … في كلّ شي ء …

والكتّاب المعاصرون … تناقضوا … فمن المشايخ والدكاترة كمحمد رشيد رضا، وأحمد محمد شاكر، وأحمد أمين، والرافعي، والخضري، ومصطفي زيد … وجماعة، يخطّأون الصحابة بصراحةٍ، ويردّون هذه الأحاديث ويبطلونها.

يقول الرافعي: «ولا يتوهمنّ أحد أن نسبة بعض القول إلي

__________________________________________________

(1) الكبريت الأحمر- هامش اليواقيت والجواهر- 143.

(2) راجع قضية أبي الحسن محمد بن أحمد بن شنبوذ البغدادي المتوفي سنة 328 في تاريخ بغداد 1/ 280، وفيات الأعيان 3/ 326، غاية النهاية في طبقات القراء 2/ 52.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 13

الصحابة نص في أنّ ذلك القول صحيح ألبتة، فإنّ الصحابة غير معصومين» «1» ويقول مصطفي زيد: «أمّا الآثار التي يحتجّون بها فمعظمها مروي عن عمر وعائشة، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار عنهما، بالرغم من ورودها في الكتب الصّحاح، وفي بعض هذه الروايات جاءت العبارات التي لا تتفّق ومكانة عمر وعائشة، ممّا يجعلنا نطمئنّ إلي اختلاقها ودسّها علي المسلمين» «2».

ومنهم من ألّف كتاباً أسماه (الفرقان) فجمع فيه طائفةً من تلك الروايات المروية عن الصّحابة، معتقداً بصحّتها لكونها في الصحاح، فأحدث ضجّة كبيرةً- كما أحدث كتاب عبد الرزاق- حتي طلب علماء الأزهر من الحكومة مصادرة الكتاب! «3» ولا ندري هل فعل بمؤلّفه ما فعل بالقاري ء البغدادي المسكين أو لا؟

وحول الصحابة … قالوا: الصحابة كلّهم عدول، وادّعي غير واحدٍ من أئمة القوم كابن عبد البرّ القرطبي، وابن حزم الأندلسي، وابن حجر العسقلاني «4»

الإجماع علي ذلك … وهذا أيضاً من أهم الأسس التي بنوا عليه مذهبهم في الأصول والفروع، لشدّة اعتنائهم بالأقوال والآثار التي

__________________________________________________

(1) إعجاز القرآن: 44.

(2) النسخ في القرآن 1/ 283.

(3) طبع هذا الكتاب بمطبعة دار الكتب المصرية سنة 1367- 1948.

(4) الاصابة 1/ 19، الاستيعاب 1/ 8.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 14

يروونها عن الصحابة الذين يقتدون بهم.. وإن كانوا يواجهون الصعوبات في مختلف الأبواب، ويقعون في التناقضات، لوجود التناقضات بين الصحابة أنفسهم! لكن لا إجماع، فقد جاء في كلام التفتازاني: «إن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات- علي الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور علي ألسنة الثقات- يدلّ بظاهره علي أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حدّ الظلم والفسق. وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللّداد، وطلب الملك والرياسة والميل إلي اللّذات والشهوات، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النبي بالخير موسوماً» «1».

وكذا قال آخرون.

والكتّاب المعاصرون … تناقضوا … فمن «المشايخ» و «الدكاترة» كمحمد رشيد رضا، ومحمود أبي رية، والرافعي، وطه حسين، وأحمد أمين … من يقول بأنّ في الصحابة عدولًا وغير عدول، كما قال التفتازاني وجماعة. ومنهم من بقي علي قول السّلف …

وحول الصحيحين «2» … فالمعروف بين السابقين منهم هو القول

__________________________________________________

(1) شرح المقاصد 5/ 310.

(2) كتابا البخاري ومسلم عرفا بالصّحيحين، وذكر لهما من الفضائل والمناقب ما لاتصدّقه العقول، وقد قال غير واحدٍ منهم: لو حلف رجل بطلاق زوجته في صحة أحاديثهما لم يحنث، وقد وقع الخلاف بينهم- بعد جعلهما أصح الكتب بعد القرآن- في ترجيح أحدهما علي الآخر، والمعروف بينهم ترجيح كتاب البخاري.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 15

بصحّة ما جاء في هذين الكتابين من

أول حديثٍ إلي آخر حديث، حتي اشتهر القول بينهم في كتب الرجال بأنّ من أخرج له في الصحيحين فقد جاز القنطرة. ومن السّابقين من طعن في الكتابين، وفي شروحهما الطعن في كثير من أحاديثهما «1».

والكتّاب المعاصرون … تناقضوا … فمنهم من خالف المشهور بين السّلف، وقد ذكرنا بعضهم، ومنهم الذين أقاموا الضجّة الكبري علي كتاب (أضواء علي السنّة المحمدية) للشيخ محمود أبي ريّة، وثاروا عليه، حتي ألّفوا في ذلك كتباً، وما ذلك إلّالأنه جاء بحقائق عن الصحابة والكتب المعروفة بالصّحاح، حقائق طالما حاول السّابقون- وأتباعهم اللّاحقون- كتمها عن أعين الناس …

و «الدكتور السالوس» لم نقف بعدُ علي آرائه في القضايا المذكورة وغيرها، ولا ندري ما إذا كان أهلًا لأن يكون له رأي «2» …

__________________________________________________

(1) قد ذكرنا في الكتاب بعض الموارد من ذلك.

(2) قد بلغنا أنّ هناك كتباً مطبوعة باسم «الدكتور» ولا ندري هل هي له أو مطبوعة باسمه أو قد عاونه فيها غيره كما قد صرّح بهذا هو في خصوص كتابه في حديث الثقلين. ولا تستغربنّ هذا الذي قلناه، فإنّ من اليقين أن ما نشر باسم الرجل الباكستاني- حشره اللَّه مع أوليائه- لم يكن من تأليفه وكم له من نظير!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 16

أما في كتابه في (حديث الثقلين) وهو في (40) صفحة، فلم يحدّد موقفه- عن اجتهادٍ أو تقليد- من شي ء من ذلك … وعلي كلّ حالٍ فقد وجدنا كتابه الصغير يشتمل علي تناقضٍ كثير، ولا يقوم بحثه علي أصولٍ ثابتةٍ من العلم الكامل، والمنطق السليم، والأسلوب المهذّب.

إنّ الذين عبّر عنهم في كتابه ب «بعض المسلمين» وهم الشيعة الاثنا عشرية، إنما يحتجّون بروايات الذين يسمّون أنفسهم ب «أهل السنّة»، تلك الروايات

المخرّجة في كتبهم في شتي العلوم، والمرويّة بأسانيدهم عن الصّحابة عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم … إنما يحتجّون بها من باب الإلزام، لكونها رواياتهم وفي كتبهم، كما يحتج المسلم علي النصراني بما في الإنجيل لكونه الكتاب الذي يؤمن به، مع أنه في نفسه غير مؤمن بما يحتجُّ به.

وهكذا فعلوا في خصوص حديث الثقلين … في بحوثهم مع أهل السنّة …

فهل «الدكتور» يري عدالة الصّحابة، وأنهم صادقون فيما يروونه عن الصّادق الأمين؛ أو فيهم الفاسق والعادل، فيجوز أن يكون بعضهم كاذباً عليه؟ وهل يقول: بأنّ كتاب مسلم وغيره من الصّحاح كلّ أحاديثها صحيحة من الأوّل إلي الآخر، أو لابدَّ من النظر في رجالها، كما هو حال الكتب غير الموصوفة بالصّحة؟ وهل يعير وزناً لكلمات أعلام طائفته في تراجم رجال أحاديثهم وشروح الأحاديث الواردة في كتبهم، أو لا،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 17

حتي وإن أجمعوا علي شي ء، فربما يخالفهم ويستبدُّ برأيه؟

إن كان يذهب في هذه الأمور إلي غير مذهب الجمهور، كأن يقول:

الصحابة فيهم العادل وغيره، وكتاب مسلم فيه الصحيح وغيره، وما يقوله كبار علماء السنّة غير معتمد، فليس للخصم أن يلزمه بما لا يراه حجةً، ويكون البحث معه بأسلوبٍ آخر.

ولكن، إن كان مذهبه ذلك، ولذا قال بعدم صحة حديث الثقلين، والوارد في صحيح مسلم، ومسند أحمد، وصحيح الترمذي، والمستدرك علي الصحيحين … فلماذا يستدلّ بأحاديث كتاب مسلم ومسند أحمد في الصفحات الأخيرة من كتابه؟

وتناقضات «الدكتور» في كتابه كثيرة:

فإنّه إذا كان يري أهل الكوفة شيعة، والشيعي لا يجوز الأخذ بحديثه، فكيف يحتج بما يرويه أهل الكوفة؟

وإذا كان الأعمش مدلّساً فيتوّقف عن قبول حديثه، فكيف يستند إلي حديثٍ يرويه الأعمش؟

وإذا كان أحمد يتساهل في رواية

أحاديث الفضائل في المسند، فكيف يحتج بحديثٍ يرويه في فضل أبي بكر؟

وإذا كان الحاكم شيعيّاً ومتساهلًا في مستدركه، فكيف يستدلّ بحديثٍ يرويه السيوطي في الجامع الصغير عن المستدرك عن أبي هريرة؟ وهل يجديه عدم ذكر المستدرك والنقل عن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 18

الجامع الصغير؟

وإذا كان يأخذ رأي الذهبي في تلخيص المستدرك بعين الإعتبار، فلماذا يأخذه في موضعٍ ويتغافل عنه في مواضع؟

وهكذا … في قضايا أخري، تجدها في ثنايا الكتاب … ومن ذلك أنه:

عندما يذكر رواية الترمذي يحرّف الكلام.

وعندما يورد عبارة ابن حجر حول الحاكم أو غيره يحرّفها!

وعندما يورد روايات أحمد في مسنده يقول: «هي سبعة» مع أنّها أكثر؟

وبعد:

فقد رأينا أن في نشر هذا الكتاب خدمةً للحق، وأداء لبعض الواجب تجاه التراث، ووفاءً بما لروّاد الحقيقة وذوي الأفكار الحرّة علينا من وظيفة التوضيح والبيان، والتحذير من الانخداع بالأساليب التي يتّبعها بعض كتّاب العصر في البحوث العلمية، ثم توعية أهل الحق بما يدور حولهم هنا وهناك. واللَّه ولي التوفيق.

قم/ علي الحسيني الميلاني

1413

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 19

مقدّمة فيها أُمور … ص: 19

الأُوّل:

إنه إذا كان الغرض من البحث هو الوصول إلي الحقيقة والكشف عن الواقع، فلابدّ فيه من الابتعاد عن العصبيّة والهوي، ورعاية الأدب، وحفظ الأمانة لدي النقل، ثم الإحتجاج علي الخصم وإلزامه بما يراه حجة. لاسيّما في زماننا، فإنه عصر التحقيق عن طريق المنطق والاستدلال الصحيح، فلا يصغي في هذا العصر إلي التهريج كما لا يروج فيه التدليس والتّحريف.

لقد ولّت عصور التقليد الأعمي والتعصّب للهوي، تفتّحت العقول وتيقّظت الأفكار، الحقيقة ضالتها المنشودة، والعلماء متوافرون، والكتب موجودة.

وسيري القاري ء الكريم إلتزامنا في هذا الكتاب بقواعد البحث وآدابه، وأصول الاستدلال وأُسسه المنطقيّة، فلم نتمسّك إلّابكتب أهل

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 20

السنة، ولم نستدل إلّابكلمات علماء تلك الطائفه، من غير تصرّف في شي ء أو تحريف، مع ذكر القائل واسم كتابه بتعيين رقم الصفحة والجزء إن كانت طبعته في أكثر من جزء.

الثاني:

إنّ حديث الثقلين من الأحاديث المتفق عليها بين المسلمين، فالشيعة ترويه بأسانيدها وطرقها المعتبرة عن غير واحدٍ من أئمة أهل البيت عليهم السلام وصحابة رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم-، وهو عندها حديث متواتر مقطوع الصّدور.

ويرويه أهل السنّة بأسانيدهم وطرقهم المتكثرة عن أكثر من ثلاثين من أصحاب النبي- صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- وهو مخرّج في أكثر كتبهم من الصّحاح والسّنن والمسانيد والمعاجم …

فاستدلال علماء الشيعة بكتب أهل السنة ورواياتهم لا يعني عدم وجوده عندهم بطرقهم، وإنّما هو للإلزام والإحتجاج حسبما تقتضيه قواعد البحث والمناظرة، إذ لا تكون كتب الشيعة حجةً علي غير الشيعة.

الثالث:

كثير من رجال الأحاديث المرويّة في كتب أهل السنة، وكثير من مشاهير مؤلّفيهم، موصوفون عندهم بالتشيع، فيقولون بترجمته:

«شيعي» أو «فيه تشيّع» أو «يتشيّع» ونحو ذلك، تجد ذلك في رجال

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 21

الكتب المعروفة عندهم بالصّحاح، وخاصةً في كتابي البخاري ومسلم، فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفصل التّاسع من مقدمة كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) وهو أشهر شروحه: «الفصل التاسع: في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب، مرتّباً لهم علي حروف المعجم، والجواب عن الاعتراضات موضعاً موضعاً» فذكر أسمائهم وبحث عنهم من الصفحة 381 حتي قال في ص 459:

«فصل: في تمييز أسباب الطعن في المذكورين» فأورد أسماء جماعةٍ رموا بالتشيع ودافع عنهم، كإسماعيل بن أبان، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعدي بن ثابت الأنصاري، وأبي نعيم

الفضل بن دكين، ومحمد بن فضيل بن غزوان …

فما معني التشيع؟

قال الحافظ ابن حجر: «والتشيع محبّة علي وتقديمه علي الصحابة، فمن قدّمه علي أبي بكر وعمر فهو غال في تشيّعه ويطلق عليه رافضي وإلّا فشيعي، فإن انضاف إلي ذلك السبُّ أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، وإن اعتقد الرّجعة إلي الدنيا فأشدّ في الغلو» «1».

والقائلون بتقديم أميرالمؤمنين علي علي أبي بكر وعمر- فضلًا عن عثمان- في الصحابة والتابعين كثيرون.

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 460.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 22

فمن الصّحابة من ذكرهم الحافظ ابن عبد البر القرطبي في (الاستيعاب) حيث قال:

«وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم: أنّ علي بن أبي طالب- رضي اللَّه عنه- أوّل من أسلم. وفضّله هؤلاء علي غيره» «1».

ومن التابعين وأتباعهم ذكر ابن قتيبة جماعةً في كتابه المعارف حيث قال: «الشيعة: الحارث الأعور، وصعصعة بن صوحان، والأصبغ بن نباتة، وعطية العوفي، وطاووس، والأعمش، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو صادق، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة، وسالم بن أبي الجعد، وإبراهيم النخعي، وحبّة بن جوين، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وفطر بن خليفة، والحسن بن صالح بن حي، وشريك، وأبو إسرائيل المّلائي، ومحمد بن فضيل، ووكيع، وحميد الرواسي، وزيد بن الحباب، والفضل بن دكين، والمسعود الأصغر، وعبيد اللَّه بن موسي وجرير بن عبد الحميد، وعبداللَّه بن داود، وهشيم، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي، وجعفر الضبيعي، ويحيي بن سعيد القطّان، وابن لهيعة، وهشام بن عمّار، والمغيرة صاحب إبراهيم، ومعروف بن خرّبوذ،

__________________________________________________

(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/ 1090.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 23

وعبد الرزاق، ومعمر، وعلي بن الجعد» «1».

ومن

العلماء والمحدّثين في القرون اللّاحقة من الشيعة من لا يحصي عددهم إلّااللَّه …

وقد اضطرب القوم واختلف موقفهم تجاه هؤلاء الروّاة من الصحابة والتابعين وتابعيهم … ولننقل عبارة الحافظ ابن حجر فإنه قال:

«فقد اختلف أهل السنّة في قبول حديث من هذا سبيله، إذا كان معروفاً بالتحرّز من الكذب، مشهوراً بالسّلامة من خوارم المروءة، موصوفاً بالديانة والعبادة. فقيل: يقبل مطلقاً، وقيل: يردّ مطلقاً، والثالث التفصيل بين أن يكون داعيةً لبدعته أو غير داعية، فيقبل غير الداعية ويردّ حديث الداعية. وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من الأئمة، وادعي ابن حبّان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوي ذلك نظر.

ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم زاده تفصيلًا فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية علي ما يشيّد بدعته ويزيّنه ويحسّنه ظاهراً، فلا تقبل، وإن لم تشتمل فتقبل، وطرد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية فقال: إن اشتملت روايته علي ما يردّ بدعته قبل وإلّا فلا. وعلي هذا، إذا اشتملت رواية المبتدع

__________________________________________________

(1) المعارف: 341.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 24

سواء كان داعيةً أم لم يكن علي ما لا تعلّق له ببدعته أصلًا هل تردّ مطلقاً أو تقبل مطلقاً؟ مال أبو الفتح القشيري إلي تفصيل آخر فيه فقال: إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو إخماداً لبدعته وإطفاءً لناره، وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلّاعنده- مع ما وصفنا من صدقه وتحرّزه عن الكذب واشتهاره بالدين وعدم تعلّق ذلك الحديث ببدعته- فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنّة علي مصلحة إهانته وإطفاء بدعته. واللَّه أعلم» «1».

أقول:

فالتشيع لا يضرّ بالوثاقة ولا يمنع من الإعتماد، وهذا ما نصَّ عليه

الحافظ ابن حجر وطبّقه في غير موضعٍ، ففي كلامه حول «خالد بن مخلّد القطواني الكوفي» قال: «خ م ت س ق- خالد بن مخلَّد القطواني الكوفي أبو الهيثم، من كبار شيوخ البخاري، روي عنه وروي عن واحدٍ عنه، قال العجلي: ثقة وفيه تشيّع. وقال ابن سعد: كان متشيّعاً مفرطاً.

وقال صالح جزرة: ثقة إلّاأنه يتشيّع. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.

قلت: أمّا التشيّع، فقد قدّمنا أنه- إذا كان ثبت الأخذ والأداء-

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 382.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 25

لا يضرّه، سيّما ولم يكن داعية إلي رأيه» «1».

بل الرّفض غير مضر … قال الحافظ ابن حجر:

«خ ت ق- عبّاد بن يعقوب الرواجني الكوفي أبو سعيد، رافضي مشهور، إلّاأنه كان صدوقاً، وثّقه أبو حاتم، وقال الحاكم: كان ابن خزيمة إذا حدّث عنه يقول: حدّثنا الثقة في روايته المتّهم في رأيه عبّاد بن يعقوب، وقال ابن حبان: كان رافضيّاً داعية، وقال صالح بن محمد، كان يشتم عثمان رضي اللَّه عنه. قلت: روي عنه البخاري في كتاب التوحيد حديثاً واحداً مقروناً وهو حديث ابن مسعود: أيّ العمل أفضل؟. وله عند البخاري طريق أخري من رواية غيره» «2».

وقال الحافظ الذهبي في «أبان بن تغلب»:

«أبان بن تغلب [م، عو] الكوفي شيعي جلد، لكنّه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم، وأورده ابن عدي وقال: كان غالباً في التشيّع. وقال السعدي: زائغ مجاهر.

فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلًا مَن هو صاحب بدعة؟

وجوابه: إن البدعة علي ضربين، فبدعة صغري كغلوّ التشيّع أو

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 398.

(2) مقدمة فتح الباري: 410.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

حديث الثقلين، ص: 26

كالتشيّع بلا غلو ولا تحرّف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصّدق. فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذه مفسدة بيّنة … » «1».

لكنّ بعض المتعصّبين منهم يقدحون في الرجل إذا كان شيعيّاً ويكرهون الرواية عنه، ويعبّرون عنه بعباراتٍ شنيعة، بل حتي وإن كان من الصّحابة، مع أنّ المشهور بينهم- بل ادعي عليه الإجماع- عدالة الصحابة أجمعين، وإليك نموذجاً من ذلك:

قال الحافظ ابن حجر: «ع- عامر بن واثلة، أبو الطفيل اللّيثي المكي، أثبت مسلم وغيره له الصحبة، وقال أبو علي ابن السكن: روي عنه رويته لرسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم من وجوهٍ ثابتة، ولم يرو عنه من وجهٍ ثابت سماعه. وروي البخاري في التاريخ الأوسط عنه أنه قال: أدركت ثمان سنين من حياة النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

وقال ابن عدي: له صحبة.

وكان الخوارج يرمونه باتّصاله بعلي وقوله بفضله وفضل أهل بيته، وليس بحديثه بأس. وقال ابن المديني: قلت لجرير: أكان مغيرة يكره الرواية عن أبي الطفيل؟ قال: نعم. وقال: صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: مكي ثقة. وكذا قال ابن سعد وزاد: كان متشيّعاً. قلت: أساء

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1/ 5.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 27

أبو محمد ابن حزم فضعّف أحاديث أبي الطفيل وقال: كان صاحب راية المختار الكذّاب.

وأبو الطفيل صحابي لا شكّ فيه، ولا يؤثر فيه قول أحدٍ ولا سيّما بالعصبيّة والهوي. ولم أر له في صحيح البخاري سوي موضعٍ واحدٍ في العلم، رواه عن علي، وعنه معروف بن خرّبوذ. وروي له الباقون» «1».

الرابع:

عندما ينقل علماء الشيعة توثيق رجلٍ من رواة أهل السنّة عن أئمة الجرح والتعديل منهم … فإنّهم لا يدّعون

كون أهل السنّة متّفقين علي وثاقة الرّجل … لأنّ طرائق القوم وأنظارهم في الجرح والتعديل مختلفة، كما لا يخفي علي من راجع كتبهم في علم رواية الحديث … بل لا يوجد عندهم المجمع علي قبوله ووثاقته إلّاأقل قليلٍ من الرّواة، ولذا أسّسوا قاعدةً في تعارض الجرح والتعديل، وأنّ أيّهما المقدَّم علي الآخر …

ولعلّك تستغرب إذا ما سمعت أنّ القوم لم يتّفقوا حتّي علي مثل (البخاري) و (مسلم) صاحبي الكتابين المعروفين ب (الصحيحين)! …

لكنّه أمر واقع … وإليك بعض العبارات الصّريحة في هذا الأمر المهم بالنسبة إلي الأهم الأشهر منهما وهو «البخاري».

قال الحافظ الذهبي بترجمة علي بن المديني بعد الكلام عليه:

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 410.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 28

«وكذا امتنع مسلم عن الرواية عنه في صحيحه، لهذا المعني، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الرواية عن تلميذه (محمد) لأجل مسألة اللّفظ. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان أبو زرعة ترك الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة» «1».

و (محمد) هو (البخاري).

ولأجل تكلّم الإمامين المذكورين في البخاري، فقد أورده الذهبي في (الضعفاء) وقال: «حجّة إمام، ولا عبرة بترك أبي زرعة وأبي حاتم له من أجل اللّفظ» «2».

وقد اغتاظ السبكي والمناوي من صنيع الذهبي هذا، كما ستعلم.

لكنّ ابن أبي حاتم قد سبق الذّهبي في ذلك، فأورد البخاري في كتابه (الجرح والتعديل) ونصَّ علي ترك أبيه وأبي زرعة الرواية عن البخاري، وقد نقل الذهبي ذلك بترجمة البخاري «3».

وأضاف الذّهبي بترجمة البخاري تكلّم محمد بن يحيي الذهلي فيه وأنه قال: «من ذهب بعد هذا إلي محمد بن إسماعيل البخاري

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3/ 183.

(2) المغني في الضّعفاء 2/ 557.

(3) سير أعلام النبلاء 12/

462.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 29

فاتّهموه، فإنّه لا يحضر مجلسه إلّامن كان علي مثل مذهبه» «1».

بل ذكر أنّ الذهلي أخرج البخاريَّ ومسلماً من مدينة نيسابور «2».

وقال بترجمة الذهلي: «كان الذهلي شديد التمسك بالسّنة، قام علي محمد بن إسماعيل لكونه أشار في مسألة خلق أفعال العباد إلي أنّ تلفّظ القاري ء بالقرآن مخلوق … وسافر ابن إسماعيل مختفياً من نيسابور، وتألّم من فعل محمد بن يحيي … » «3».

أقول:

فهذا طرف من تكلّم الأكابر من السّنة في محمّد بن إسماعيل البخاري، ولو أردنا التوسّع بذكر جميع ما قيل فيه وفي مسلم لخرجنا عن وضع المقدّمة.

وكما ذكرنا من قبل، فقد اشتدّ غيظ بعض العلماء علي الذهبي لنقل هذه الأشياء، قال السّبكي في (طبقات الشافعيّة):

«وممّا ينبغي أن يتفقّد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنّسبة إلي الجارح والمجروح، فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه بذلك.

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 12/ 453.

(2) سير أعلام النبلاء 12/ 455.

(3) سير أعلام النبلاء 12/ 283.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 30

وإليه أشار الرافعي بقوله: وينبغي أن يكون المزكّون برآء من الشحناء والعصبّية في المذهب، خوفاً من أن يحملهم ذلك علي جرح عدل أو تزكية فاسق، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة، جرحوا بناءً علي معتقدهم وهم المخطَّئون والمجروح مصيب.

وقد أشار شيخ الإسلام سيد المتأخرين تقي الدين ابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح إلي هذا وقال: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف علي شفيرها طائفتان من الناس: المحدّثون والحكّام.

قلت: ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ. فياللَّه والمسلمين! أيجوز لأحدٍ أن يقول: البخاري متروك، وهو حامل لواء الصناعة ومقدَّم أهل السنّة والجماعة! … »

«1».

وقال المنّاوي بترجمة البخاري: «زين الأمّة، إفتخار الأئمة، صاحب أصحّ الكتب بعد القرآن، ساحب ذيل الفضل علي ممرّ الزمان، الذي قال فيه إمام الأئمة ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم منه. وقال بعضهم: إنه آية من آيات اللَّه يمشي علي وجه الأرض. قال الذهبي: كان من أفراد العالم، مع الدين والورع والمتانة. هذا كلامه في (الكاشف).

ومع ذلك غلب عليه الغرض من أهل السنّة، فقال في (كتاب

__________________________________________________

(1) طبقات الشافعية 2/ 12.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 31

الضعفاء والمتروكين): ما سلم من الكلام لأجل مسألة، تركه لأجلها الرازيّان. هذه عبارته، وأستغفر اللَّه تعالي نسأل اللَّه السّلامة ونعوذ به من الخذلان» «1».

الخامس:

وعندما ينقل علماء الشيعة الحديث عن كتاب من كتب القوم فليس معني ذلك كون كلّ ما فيه من الأحاديث معتبراً، فإنّه وإن اشتهرت بين القوم كتب بالصّحاح، واشتهر من بينها كتابا البخاري ومسلم، فكانا أصحّ الكتب عندهم بعد القرآن الكريم، لكنّ ذلك مشهور عندهم وليس بمتّفقٍ عليه، ولذا تراهم يردّون بصراحةٍ كثيراً من الأحاديث المخرجة في الكتابين فكيف بغيرهما من الكتب … ولا بأس بالإشارة إلي بعض ذلك:

فمنها: ما أخرجه البخاري من حديث خطبة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عائشة إلي أبي بكر، فقال له أبو بكر: «إنّما أنا أخوك».

قال الحافظ ابن حجر: «قال مغلطاي: في صحّة هذا الحديث نظر … » «2».

ومنها: ما أخرجه البخاري حول شفاعة إبراهيم الخليل عليه السّلام لأبيه.

__________________________________________________

(1) فيض القدير 1/ 24.

(2) فتح الباري 11/ 26.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 32

قال الحافظ ابن حجر: «قد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحّته» «1».

ومنها: ما أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه من حديث صلاة النبي

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم علي عبداللَّه بن أُبي، وأنه نزل في هذه القصّة قوله تعالي «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ».

قال ابن حجر: «استشكل فهم التخيير من الآية، حتي أقدم جماعة من الأكابر علي الطّعن في صحة هذا الحديث، مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرّجوا الصحيح علي تصحيحه» فذكر من الطاعنين في صحّة هذا الحديث: أبا بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني، وأبا حامد الغزالي، والداودي شارح البخاري «2».

ومنها: ما أخرجه البخاري من حديث دعاء النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في نزول المطر، ثم قوله: «اللهم حوالينا ولا علينا».

وقد أبطله كبار الأئمة كبدر الدين العيني صاحب (عمدة القاري في شرح البخاري)، وكالدمياطي، والداودي وأبي عبد الملك، والكرماني صاحب (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري) «3».

__________________________________________________

(1) فتح الباري 8/ 406.

(2) فتح الباري 8/ 271.

(3) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري 7/ 46.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 33

والحافظ ابن حجر الذي طالما دافع عن أحاديث البخاري قال:

- بترجمة أسباط بن نصر، راوي حديث الدعاء المشار إليه-: «هو حديث منكر» «1».

ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث شريك حول إسراء النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الذي جاء فيه: «وذلك قبل أن يوحي إليه».

فقد قال النووي بشرحه: «هو غلط لم يوافق عليه» «2» وتبعه الكرماني في شرح البخاري «3» وقال ابن قيّم الجوزيّة: «قد غلّط الحفّاظ شريكاً في ألفاظ حديث الإسراء» «4».

ومنها: ما أخرجه البخاري من حديث رجم القردة الزناة!!

قال ابن حجر: «قد استنكر ابن عبد البر قصّة عمرو بن ميمون هذه وقال: فيها إضافة الزنا إلي غير مكلَّف وإقامة الحدّ علي البهائم، وهذا منكر عند أهل العلم» «5».

ومنها: ما أخرجه البخاري عن

عطاء عن ابن عباس في التفسير، وهو ثلاثة أحاديث.

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 1/ 212.

(2) المنهاج في شرح صحيح مسلم 2/ 45- 66.

(3) الكواكب الدراري 25/ 204.

(4) زاد المعاد في هدي خير العباد 2/ 49.

(5) فتح الباري 7/ 127.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 34

فقد طعن غير واحدٍ من أئمتهم في هذه الأحاديث، نقل الحافظ ابن حجر كلماتهم ثم اعترف بالحق فقال: «هذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد، ولا بدّ للجواد من كبوة» «1».

ومنها: ما أخرجه البخاري من حديث فيه سماع (مسروق بن الأجدع) من (أم رومان) وهي ام عائشة.

قال كبار الأئمة كالخطيب البغدادي، وابن عبدالبر، والقاضي عياض، والسهيلي، وابن سيد الناس، والمزّي، والذهبي، والعلائي، وغيرهم: هذا باطل. فراجع «2».

أقول:

هذه نماذج في هذا الباب … ولو كان لنا مجال لأوردنا غيرها.

وبعد

فإنّ الحق تواتر حديث الثقلين- فضلًا عن صحّته- وأنه يدلُّ علي عصمة أهل البيت وأفضليّتهم، فيدلُّ علي وجوب الرجوع إليهم والأخذ منهم واتّباعهم … فهو من أدلّة إمامتهم بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله مباشرةً.

ويقع الكلام في ذلك في بابين:

__________________________________________________

(1) فتح الباري. المقدمة 2/ 135- 136.

(2) الاستيعاب 4/ 1937، الروض الأنف 6/ 440، عيون الأثر في المغازي والسير 2/ 101، فتح الباري 7/ 53.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 36

الباب الأوّل: تواتر حديث الثقلين … ص: 36

اشارة

حديث الثقلين ولفظه

حديث الثقلين وتكراره في مواطن

حديث الثقلين وصحّته

حديث الثقلين وتواتره

حديث الثقلين والمحاولات السقيمة

مع الدكتور السالوس في سند حديث الثقلين

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 37

حديث الثقلين ولفظه … ص: 37

إعلم أن الحديث المعروف ب «حديث الثقلين» قد رواه القوم بألفاظٍ مختلفة «1».

فمنها: ما أخرجه مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم قال:

«قام رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعي خماً بين مكّة والمدينة، فحمد اللَّه وأثني عليه ووعظ وذكّر ثم قال: أما بعد ألا يا أيّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فاجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب اللَّه فيه الهُدي والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به. فحثّ علي كتاب اللَّه ورغّب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي … » «2».

__________________________________________________

(1) المقصود هنا إيراد بعض ألفاظه عن بعض المصادر.

(2) صحيح مسلم 7/ 122.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 38

ومنها: ما أخرجه أحمد بإسناده عن زيد بن ثابت قال:

«قال رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- إني تارك فيكم خليفتين كتاب اللَّه حبل ممدود ما بين السّماء والأرض، أو ما بين السماء الي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» «1».

ومنها: ما أخرجه الترمذي بإسناده عن جابر بن عبداللَّه قال:

«رأيت رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- في حجّته يوم عرفة وهو علي ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيّها الناس، قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي» «2».

ومنها: ما أخرجه ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري

قال:

«قال رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- أيها الناس: إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي، أمر بيّن، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللَّه حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتي يردا عليّ الحوض» «3».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 5/ 181.

(2) صحيح الترمذي 5/ 621.

(3) الدر المنثور 2/ 60.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 39

ومنها: ما عن ابن أبي شيبة أنه أخرجه في (المصنّف) بإسناده عن جابر بن عبداللَّه قال: «قال رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- إني تركت فيكم ما لن تضلّوا بعدي إن اعتصمتم به: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي».

ومنها: ما أخرجه الترمذي باسناده عن زيد بن أرقم قال:

«قال رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» «1».

ومنها: ما أخرجه الحاكم النيسابوري عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:

«نزل رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- بين مكّة والمدينة عند شجرات خمس ودوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- عشية فصلّي ثم قال خطيباً، فحمد اللَّه وأثني عليه وذكّر ووعظ فقال ما شاء اللَّه أن يقول، ثم قال: أيّها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب اللَّه وأهل بيتي عترتي، ثم قال: أتعلمون أني أولي بالمؤمنين من

__________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 5/ 621.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 40

أنفسهم؟- ثلاث مرّات- قالوا: نعم. فقال رسول

اللَّه- صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم-: من كنت مولاه فعلي مولاه» «1».

ومنها: ما أخرجه الحاكم عن يحيي بن جعدة عن زيد بن أرقم قال:

«أخبرني محمد بن علي الشيباني بالكوفة، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا أبو نعيم، ثنا كامل أبو العلاء، قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر عن يحيي بن جعدة عن زيد بن أرقم- رضي اللَّه عنه- قال:

خرجنا مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، حتي انتهينا إلي غدير خم، فأمر بدوح فكسح في يومٍ ما أتي علينا يوم كان أشدّ حراً منه، فحمد اللَّه وأثني عليه وقال: يا أيّها الناس: إنّه لم يبعث نبي قط إلّاما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله. وإني أوشك أن أدعي فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلّوا بعده: كتاب اللَّه عزّوجل. ثم قام فأخذ بيد علي- رضي اللَّه عنه- فقال: يا أيها الناس من أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم: قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه».

وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح «2».

ومنها: ما أخرجه الطبراني بإسناده عن زيد بن أرقم قال:

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 110.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 533.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 41

«نزل النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يوم الجحفة، ثم أقبل علي الناس، فحمد اللَّه وأثني عليه ثم قال: إني لا أجد لنبي إلّانصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعي فأجيب، فما أنتم قائلون؟ قالوا:

نصحت. قال: أليس تشهدون أن لا إله إلّااللَّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق، وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا: نشهد، قال:

فرفع يديه فوضعهما علي صدره، ثم قال: وأنا أشهد معكم. ثم قال:

ألا

تسمعون! قالوا: نعم. قال: فإني فرطكم علي الحوض وأنتم واردون عليَّ الحوض، وإنّ عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصري، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين:

فنادي منادٍ: وما الثقلان يا رسول اللَّه؟

قال: كتاب اللَّه، طرف بيد اللَّه عزّوجل، وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا، والآخر: عترتي. وإنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض. وسألت ذلك لهماربي.

فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

ثم أخذ بيد علي- رضي اللَّه عنه- فقال: من كنت أولي به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» «1».

__________________________________________________

(1) المعجم الكبير 5/ 186- 187.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 42

حديث الثقلين وتكراره في مواطن … ص: 42

قال ابن حجر الهيتمي المكي في كتابه الذي أسماه بالصّواعق المحرقة:

«ثم اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرةً وردت عن نيف وعشرين صحابياً، ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشّبه، وفي بعض تلك الطّرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخري أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي اخري: أنه قال ذلك بغدير خم، وفي آخر أنه قال لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مرّ.

ولا تنافي، إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها، إهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.

وفي رواية- عند الطبراني- عن ابن عمر: إنّ آخر ما تكلّم به النبي- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم-: أُخلفوني في أهل بيتي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 43

وفي أخري- عند الطبراني وأبي الشيخ-: إنّ للَّه عزّوجلّ ثلاث حرمات فمن حفظهنّ حفظ اللَّه دينه ودنياه، ومن لم يحفظهنّ لم يحفظ اللَّه دنياه ولا آخرته.

قلت: ما

هنّ؟ قال: حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي» «1».

أقول:

* أمّا حديث أنّه قاله في حجة الوداع بعرفة، فقد تقدّم عن الترمذي. ومن رواته أيضاً:

أبو بكر ابن أبي شيبة كما جاء في كنز العمال 1/ 48 ط 1 والحكيم الترمذي في نوادر الأصول: 68.

وأبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير 3/ 63 برقم 2679.

والمزّي في تهذيب الكمال 10/ 51 وتحفة الأشراف 2/ 278.

وابن الأثير في جامع الأصول 1/ 277.

والخطيب التبريزي في المشكاة 3/ 258.

وابن كثير الدمشقي في تفسيره- هامش فتح البيان 9/ 115.

* وأمّا حديث أنه قاله في غدير خم، فقد تقدم عن مسلم والطبراني والحاكم، ومن رواته أيضاً:

أحمد في المسند 3/ 17.

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 89- 90.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 44

والدارمي في السنن 2/ 310.

وابن أبي عاصم في كتاب السنة: 629.

والبيهقي في السنن الكبري 2/ 148.

والبغوي في المصابيح 2/ 205.

وابن كثير في تاريخه 5/ 209.

* وأمّا حديث أنّه قاله في مرضه وقد امتلأت الحجرة، فقد أخرجه الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة:

«إن النبي- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- قال في مرض موته: أيّها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً، فينطلق بي، وقد قدّمت إليكم القول معذرةً إليكم، ألا إني مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه عزّوجل وعترتي. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتي يردا عليَّ الحوض فأسألهما ما خلفت فيهما».

ورواه عنه العصامي في سمط النجوم العوالي 2/ 502 رقم 136.

وأخرجه أبو بكر البزار في مسنده بلفظٍ أوجز، كما في كشف الأستار عن زوائد البزار 3/ 221 رقم 12/ 26.

وقال العّلامة الأزهري في تهذيب اللغة 9/ 78: «روي عن النبي- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- أنه قال

في مرضه الذي مات فيه: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي ولن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 45

ورواه ابن حجر المكي عن ام سلمة في مرضة قالت- وقد امتلأت الحجرة بأصحابه: 89.

* وأمّا حديث أنه قاله في منصرفه من الطّائف فأخرجه ابن أبي شيبة- كما في الصواعق- حيث قال: «وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عوف قال: لمّا فتح رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم مكة انصرف إلي الطائف، فحصرها سبع عشرة ليلة أو تسع عشرة ليلة، ثم قام خطيباً فحمد اللَّه وأثني عليه ثم قال: أوصيكم بعترتي خيراً وإنّ موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده لتقيمنَّ الصلاة ولتؤتنّ الزكاة أو لأبعثنَّ إليكم رجلًا مني أو كنفسي يضرب أعناقكم. ثم أخذ بيد علي رضي اللَّه عنه ثم قال: هو هذا.

وفيه رجل اختلف في تضعيفه، وبقية رجاله ثقات.

وفي روايةٍ: إنه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال في مرض موته: يا أيها الناس يوشك أن اقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدمت إليكم معذرةً إليكم، ألا إني مخلّف فيكم كتاب اللَّه ربي عزّوجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا مع علي والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا عليَّ الحوض، فأسألهما ما خلفت فيهما» «1».

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 75.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 46

حديث الثقلين وصحّته … ص: 46

اشارة

لقد أخرج حديث الثقلين في غير واحدٍ من الصحاح السّتة والصحاح الأخري ومن الكتب الملتزم فيها بالصحة، كما نصَّ علي صحّته كثير من الحفّاظ:

الحديث في صحيح مسلم: … ص: 46

فقد أخرجه مسلم في كتابه الذي قال جمهورهم بصحة كلّ ما جاء فيه، بل قدّمه بعضهم علي كتاب البخاري، وعلي رأسهم أبو علي الحافظ النيسابوري المشتهر ب «الحافظ»، حتي ذكره السمعاني في (الأنساب) بهذا العنوان، وقال:

«وذكرت من حفّاظ الحديث واحداً عرف به، وهو أبو علي الحافظ النيسابوري … واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والرحلة، ذكره الحافظ أبو عبداللَّه الحافظ في تاريخ نيسابور فقال:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 47

أبو علي الحافظ النيسابوري، ذكره في الشرق كذكره في الغرب، تقدّم في مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف، وكان مع تقدّمه في هذه العلوم أحد المعدِّلين المقبولين في البلد».

وإن شئت المزيد من الثناء عليه، فراجع: تذكرة الحفّاظ 3/ 902 وطبقات السبكي 3/ 276.

توفي أبو علي الحافظ سنة 349.

الحديث في صحيح الترمذي: … ص: 47

وأخرجه أبو عيسي الترمذي في صحيحه، وسيأتي وصفه بإيجاز.

الحديث في مسند أحمد: … ص: 47

وأخرجه أحمد بن حنبل في مواضع من مسنده بأسانيد عديدة، وسيأتي الكلام علي المسند وتلك الروايات ببعض التفصيل.

الحديث في صحيح ابن خزيمة: … ص: 47

وأخرجه إمام الأئمة- كما وصفوه- ابن خزيمة في صحيحه، فقد أورده عنه الحافظ السخاوي في كتابه (إستجلاب إرتقاء الغرف) «1»، وهذا كلام الحافظ جلال الدين السّيوطي في وصف صحيح ابن خزيمة،

__________________________________________________

(1) هذا الكتاب مخطوط وعندنا منه نسخة مصورة، والحديث في الورقة 22.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 48

«صحيح ابن خزيمة أعلي مرتبةً من صحيح ابن حبان، لشدّة تحرّيه، حتي أنّه يتوقف في التصحيح لأدني كلام في الإسناد فيقول: إن صحّ الخبر، وإن ثبت كذا، ونحو ذلك».

وقال: «قد علم ممّا تقرّر أنَّ أصحّ من صنّف في الصحيح ابن خزيمة ثم ابن حبان ثم الحاكم، فينبغي أن يقال: أصحّها بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة، ثم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم ابن حبان والحاكم، ثم ابن خزيمة فقط، ثم ابن حبان فقط، ثم الحاكم فقط، إن لم يكن الحديث علي شرط الشيخين» «1».

الحديث في صحيح أبي عوانة: … ص: 48

وأخرجه الحافظ أبو عوانة الإسفرائني في صحيحه، وأورده عنه العّلامة الشيخ محمود القادري في كتابه (الصّراط السوي) «2». وقد نصّ القوم علي صحّة كتابه وتلقّوه بالقبول حتي وصفوه بصاحب المسند الصحيح، فلاحظ ترجمته في وفيات الأعيان 5/ 436، وتذكرة الحفّاظ 2/ 779، ومرآة الجنان 29/ 269، وطبقات السبكي 3/ 487 وغيرها.

__________________________________________________

(1) تدريب الراوي- شرح تقريب النواوي 1/ 104، 109، 124.

(2) هذا الكتاب مخطوط، وعندنا منه نسخة مصوّرة، والحديث في الورقة 18.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 49

الحديث فيما ألّف حول الصحاح أو الصحيحين: … ص: 49

وأخرجه الحاكم النيسابوري في كتابه (المستدرك علي الصحيحين) بأسانيد علي شرطهما.

وأخرجه أبو عبداللَّه الحميدي في (الجمع بين الصحيحين).

وأخرجه رَزين العبدري في (تجريد الصّحاح).

الحديث في الكتب الملتزم فيها بالصحّة: … ص: 49

اشارة

وأخرجه غير واحدٍ من الحفاظ في كتبهم التي التزموا فيها بالصحّة، كالعّلامة سراج الدين الفرغاني في كتابه (نصاب الأخبار) «الذي وعد بجمعه مقتصراً علي إيراد ألف حديث صحيح» «1».

وكالحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه (المختارة) قال الحافظ السيوطي نقلًا عن الحافظ العراقي: «جمع كتاباً سمّاه (المختارة) والتزم فيه الصحّة» «2».

ذكر بعض من نصَّ علي صحّته: … ص: 49

والذين نصّوا علي صحّة هذا الحديث كثيرون، فمن أشهرهم:

محمد بن جرير الطبري- كما في كنز العمال- ولفظه: «عن

__________________________________________________

(1) كشف الظنون 2/ 1954.

(2) التقييد والإيضاح: 24، تدريب الراوي 1/ 144.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 50

محمد بن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب أن النبي قال: إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا كتاب اللَّه سبب بيد اللَّه وسبب بأيديكم وأهل بيتي. ابن جرير وصحّحه» «1».

ومحمد بن إسحاق، وتبعه الأزهري وابن منظور. وستعرف لفظه.

والقاضي الحافظ أبو عبد اللَّه المحاملي، كما في كنز العمال، حيث رواه «عن علي: أن النبي- صلّي اللَّه عليه وسلّم- حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: أيّها الناس: ألستم تشهدون أنّ اللَّه ربّكم؟

قالوا: بلي قال: ألستم تشهدون أن اللَّه ورسوله أولي بكم من أنفسكم، وأن اللَّه ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلي

قال: فمن كان اللَّه ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعده: كتاب اللَّه سببه بيده وسببه بأيديكم وأهل بيتي.

ابن راهويه

وابن جرير

وابن أبي عاصم

والمحاملي في أماليه وصحح» «2».

__________________________________________________

(1) كنز العمال 1/ 380.

(2) كنز العمال 13/ 139.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 51

والحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك كما ستعرف.

والحافظ أبو بكر الهيثمي في (مجمع الزوائد).

والحافظ ابن كثير في تاريخه 5/ 209 ونقل تصحيح

الذهبي، وفي تفسيره 6/ 199.

والحافظ جلال الدين السّيوطي في الجامع الصغير.

وتبعه شارحه العلّامة المناوي.

وهو صحيح لدي كلّ من أورده عن صحيح مسلم، ولا يحصي عددهم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 52

حديث الثقلين وتواتره … ص: 52

اشارة

لكنّ الحق أنّ هذا الحديث متواتر بالنظر إلي رواته في القرون المختلفة:

1- رواته من الأصحاب: … ص: 52

ذكر الترمذي بعد أن أخرج حديث الثقلين عن جابر:

«وفي الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد».

وقد عرفت روايته عن أمير المؤمنين علي- عليه السلام- وعن زيد بن ثابت وأم سلمة.

وعرفت من عبارة ابن حجر المكي: «أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرةً وردت عن نيف وعشرين صحابيّاً».

ولكنك إذا تتبّعت وجدتها واردةً عن نيف وثلاثين … ولكن لا حاجة، لثبوت التواتر بالعدد الذي ذكر بل بالأقلّ منه.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 53

2- رواته من التّابعين: … ص: 53

اشارة

وبالنظر في تلك الطرق الكثيرة التي أشار اليها ابن حجر المكي وغيره يعرف رواة الحديث من التابعين، الذين أثني عليهم القرآن الكريم والنبيّ العظيم كما يروي القوم ويقولون … وهذه أسماء ثلّة من رواة حديث الثقلين من التابعين:

1- أبو الطفيل عامر بن واثلة، وعداده في الصحابة، كما تقدم عن ابن حجر العسقلاني.

2- عطية بن سعد العوفي.

3- حنش بن المعتمر.

4- الحارث الهمداني.

5- حبيب بن أبي ثابت.

6- علي بن ربيعة.

7- القاسم بن حسّان.

8- حصين بن سبرة.

9- عمر بن مسلم.

10- أبو الضحي مسلم بن صبيح.

11- يحيي بن جعدة.

12- الأصبغ بن نباتة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 54

13- عبداللَّه بن أبي رافع.

14- المطلب بن عبداللَّه بن حنطب.

15- عمر بن علي بن أبي طالب.

رواته عبر القرون: … ص: 54
اشارة

وأمّا من رواه من بعد الصحابة والتابعين من أعلام الأمة وحفّاظ الحديث ومشاهير رجال العلم عبر القرون، فلا يحصون كثرةً، فإليك أسماء أشهرهم في كلّ قرن حسب الطّبقات.

القرن الثّاني: … ص: 54

1- سعيد بن مسروق الثوري المتوفي سنة 126.

2- أبو إسحاق السبيعي سنة 129.

3- الركين بن الربيع 131.

4- أبو حيان التيمي 145.

5- سليمان بن مهران الأعمش 147.

6- زكريا بن أبي زائدة 148.

7- محمد بن إسحاق المدني 151.

8- كثير بن زيد 158.

9- معروف بن خرّبوذ المكي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 55

10- أبو عوانة وضّاح بن عبداللَّه الواسطي 175.

11- حاتم بن إسماعيل 186.

12- أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم البصري المعروف بابن عليّة المتوفي سنة 193.

القرن الثالث: … ص: 55

13- محمد بن عبداللَّه أبو أحمد الزبيري الحبّال سنة 203.

14- أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي 204.

15- جعفر بن عون المخزومي 206.

16- الأسود بن عامر الشامي 208.

17- يعلي بن عبيد الطنافسي 209.

18- أبو غسّان مالك بن إسماعيل النهدي 219.

19- أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي 225.

20- سعيد بن سليمان الواسطي 225.

21- سعيد بن منصور الخراساني 227.

22- محمد بن سعد الزهري البصري 230.

23- أبو محمد خلف بن سالم المخرّمي السندي 231.

24- أبو خيثمة زهير بن حرب 234.

25- أبو الفضل شجاع بن مخلد الفلاس البغوي 235.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 56

26- أبو بكر ابن أبي شيبة 235.

27- أبو يعقوب إسحاق بن راهويه 238.

28- أحمد بن حنبل 241.

29- سفيان بن وكيع الجراح 247.

30- أبو محمد عبد بن حميد الكسي 249.

31- عباد بن يعقوب الرواجني 250.

32- أبو موسي محمد بن المثني العنزي 252.

33- أبو محمد عبداللَّه بن عبد الرحمن الدارمي 255.

34- مسلم بن الحجاج النيسابوري 261.

35- أحمد بن المنصور الرمادي 265.

36- أحمد بن يونس أبو العباس الضبي 268.

37- أبو عبداللَّه محمد بن يزيد ابن ماجة القزويني 273.

38- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني 275.

39- يعقوب بن سفيان الفسوي 277.

40- أبو عيسي محمد

بن عيسي الترمذي 279.

41- أبو بكر ابن أبي الدنيا البغدادي 281.

42- أبو عبداللَّه الحكيم الترمذي 285.

43- أبو بكر ابن أبي عاصم الشيباني 287.

44- عبداللَّه بن أحمد بن حنبل 290.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 57

45- أبو العباس ثعلب البغدادي 291.

46- أبو بكر البزار البصري 292.

47- أبو جعفر المطين 297.

القرن الرّابع: … ص: 57

48- أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي 303.

49- الحسن بن سفيان النسوي 303.

50- أبو يعلي أحمد بن علي الموصلي 307.

51- أبو يحيي زكريا بن يحيي الساجي 307.

52- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 310.

53- أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة 311.

54- أبو بكر ابن أبي داود السجستاني 316.

55- أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني 316.

56- أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي 321.

57- أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي 328.

58- أبو عبد اللَّه القاضي المحاملي 330.

59- أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة 332.

60- أبو عبداللَّه محمد بن يعقوب بن الأخرم الشيباني 344.

61- أبو محمد دعلج بن أحمد السجزي 351.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 58

62- أبو القاسم الطبراني 360.

63- أبو الشيخ ابن حيان 369.

64- أبو منصور الأزهري اللغوي 370.

65- أبو الحسين محمد بن المظفر البغدادي 379.

66- أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني 385.

67- أبو طاهر المخلّص الذهبي 393.

القرن الخامس: … ص: 58

68- أبو عبيد الهروي 401.

69- أبو عبداللَّه الحاكم النيسابوري 405.

70- أبو سعد الخركوشي النيسابوري 407.

71- أبو زكريا يحيي بن ابراهيم المزكي النيسابوري 414.

72- أبو إسحاق الثعلبي 427.

73- أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الإصفهاني 430.

74- أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي 458.

75- أبو غالب ابن بشران النحوي 462.

76- أبو عمر يوسف بن عبداللَّه ابن عبد البر القرطبي 463.

77- أبو بكر الخطيب البغدادي 463.

78- أبو محمد الحسن بن أحمد الغندجاني 467.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 59

79- أبو عبداللَّه الحميدي الأزدي 488.

80- أبو المظفر السمعاني 489.

القرن السادس: … ص: 59

81- أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي 507.

82- أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني 507.

83- أبو شجاع شيرويه الديلمي 509.

84- أبو محمد حسين بن مسعود البغوي 516.

85- أبو بكر المزرفي الشيباني 527.

86- زاهر بن طاهر الشحامي 533.

87- أبو الحسن رزين بن معاويه العبدري 535.

88- جار اللَّه الزمخشري 538.

89- القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي 544.

90- أبو الفضل ابن ناصر البغدادي 550.

91- أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني 569.

92- أبو القاسم علي بن الحسين ابن عساكر الدمشقي 571.

93- أبو موسي محمد بن عمر المديني 581.

94- سراج الدين أبو محمد الأوشي الفرغاني 596.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 60

القرن السابع: … ص: 60

95- أبو الفتح أسعد بن محمود العجلي 600.

96- المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير 606.

97- أبو محمد عبد العزيز بن الأخضر البغدادي 611.

98- أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن الأثير 630.

99- ضياء الدين المقدسي 642.

100- أبو عبداللَّه ابن النجار البغدادي 643.

101- رضي الدين الصاغاني 650.

102- أبو سالم محمد بن طلحة القرشي 652.

103- شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي 654.

104- أبو الفتح الأبيوردي 667.

105- أبو زكريا النووي 676.

106- القاضي ناصر الدين البيضاوي 685.

107- محبّ الدين أبو العباس الطبري المكي 694.

القرن الثامن: … ص: 60

108- جمال الدين ابن منظور الأفريقي 711.

109- صدر الدين إبراهيم بن محمد الحموئي 722.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 61

110- نجم الدين أبو العباس القمولي 727.

111- علاء الدين البغدادي الخازن 741.

112- أبو الحجاج المزي 742.

113- أثير الدين أبو حيان الأندلسي 745.

114- شمس الدين الذهبي 748.

115- علاء الدين الترّكماني 749.

116- أبو الفداء ابن كثير الدمشقي 774.

117- سعد الدين التفتازاني 791.

القرن التاسع: … ص: 61

118- نور الدين أبو بكر الهيثمي 807.

119- مجد الدين الفيروزآبادي 817.

120- أبو العباس تقي الدين المقريزي 845.

121- ابن حجر العسقلاني 852.

122- نور الدين ابن الصبّاغ المالكي 855.

القرن العاشر: … ص: 61

123- أبو الخير شمس الدين السخاوي 902.

124- جلال الدين السيوطي 911.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 62

125- نور الدين السمهودي 911.

126- شهاب الدين القسطلاني 923.

127- شمس الدين العلقمي 929.

128- شمس الدين الصالحي 942.

129- ابن الديبع الشيباني 943.

130- شمس الدين ابن طولون 953.

131- محمد بن أحمد الخطيب الشربيني 968.

132- شهاب الدين ابن حجر المكي 973.

133- علي بن حسام الدين المتقي 975.

134- شيخ بن عبداللَّه العيدروس اليمني 990.

القرن الحادي عشر: … ص: 62

135- علي بن سلطان الهروي القاري 1013.

136- عبد الرؤف المناوي 1031.

137- نور الدين الحلبي 1033.

138- الشيخ عبد الحق الدهلوي 1052.

139- شهاب الدين الخفاجي المصري 1069.

140- علي بن أحمد العزيزي 1070.

141- محمد بن محمد المغربي 1094.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 63

القرن الثاني عشر: … ص: 63

142- صالح بن مهدي المقبلي الصنعاني المتوفي 1108.

143- عبد الملك العصامي المكي 1111.

144- محمد أمين المحبّي 1111.

145- ابن حمزة الحسيني 1120.

146- محمد بن عبد الباقي الأزهري 1122.

147- رضي الدين بن محمد الشّامي 1142.

148- عبد الغني النابلسي 1143.

149- إبراهيم الشبراوي 1162.

150- ولي اللَّه بن عبدالرحيم الدهلوي 1176.

151- محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني 1182.

القرن الثالث عشر: … ص: 63

152- أبو الفيض محمد مرتضي الزبيدي 1205.

153- مير غني الحسيني 1207.

154- محمد مبين بن محبّ اللَّه الكهنوي 1220.

155- سليمان بن إبراهيم البلخي 1293.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 64

القرن الرابع عشر … ص: 64

156- حسن العدوي الحمزاوي 1303.

157- أحمد زيني دحلان 1304.

158- صديق حسن القنوجي 1307.

159- أحمد ضياء الدين الكمشخانوي 1311.

160- مؤمن بن حسن الشبلنجي.

161- القاضي بهجت بهلول أفندي.

162- الشيخ منصور علي ناصف.

163- محمد بن عبد الرحمن المباركفوري 1353.

164- الشيخ محمود أبو ريّة.

165- الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 65

حديث الثقلين والمحاولات السقيمة … ص: 65

اشارة

قد ذكرنا جملةً من ألفاظ حديث الثقلين وطائفةً من رواته في مختلف القرون، فلا ريب في تواتره فضلًا عن صحّته. وإذ لم يكن لأحدٍ مجال لأن يخدش في هذا الحديث من حيث السّند، تري بعضهم يحاول تحريف نصّه والتصرّف في متنه كي يسقط الاستدلال به:

* أخرج الخطيب البغدادي بإسناده عن مطيّن عن نصر بن عبد الرحمن عن زيد بن الحسن الأنماطي، عن معروف، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد: «أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال: يا أيّها الناس إني فرط لكم، وأنتم واردون عليَّ الحوض، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني، الثقل الأكبر كتاب اللَّه، سبب طرفه بيد اللَّه، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا» «1».

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 8/ 442.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 66

أقول:

وسيأتي النصّ الكامل للحديث بترجمة «زيد بن الحسن الأنماطي».

* وأخرج أبو جعفر العقيلي في كتابه (الضعفاء الكبير) بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: «إن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم خطب يوم عرفة فقال في خطبته: قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب اللَّه. وأنتم مسؤلون عني فما أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السبّابة يرفعها إلي السماء ويكبّها إلي الأرض: اللهم اشهد».

وهذا تحريف للحديث الذي

أخرجه الترمذي في كتابه، وقد تقدّم لفظه وسيأتي أيضاً مع البحث عن سنده.

* وجاء ابن تيميّة الحراني، فزعم أنّ قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «وعترتي فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» غير صحيح، قال: «فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصح» «1».

__________________________________________________

(1) منهاج السنّة 4/ 104.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 67

أقول:

أوّلًا: يكفي للشيعي إخراج الترمذي وحده.

ثانياً: الترمذي غير منفرد به، فقد أخرجه كثيرون قبله وبعده، فمن المتقدّمين عليه الذين رووا هذا القول في حديث الثقلين:

1- سليمان بن مهران الأعمش.

2- ومحمد بن إسحاق.

3- وأبو أحمد الزبيري الحبّال.

4- وأبو عامر العقدي.

5- ومحمّد بن سعد الزهري.

6- وابن بقيّة الواسطي.

7- وأحمد بن حنبل.

8- وعبّاد بن يعقوب الرواجني.

9- ونصر بن علي الجهضمي.

10- وعبد الملك بن محمد الرقاشي البصري.

ومن المتأخّرين عن الترمذي الرّواة لهذه الفقرة من الحديث:

1- الحكيم الترمذي.

2- عبداللَّه بن أحمد بن حنبل:

3- أبو بكر البزار.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 68

4- أبو نصر القباني.

5- أبو عبدالرحمن النسائي.

6- أبو يعلي الموصلي.

7- محمد بن جرير الطبري.

8- أبو القاسم الطبراني.

9- الحاكم النيسابوري.

10- شمس الدين الذهبي.

وثانياً: قوله عن أحمد أنه ضعّفه. لم نجد هذا النقل عن أحمد في شي ء من كتب الحديث، علي أن أحمد نفسه من أكبر وأشهر رواته في مسنده، وسيأتي الكلام عن ذلك بالتفصيل.

رابعاً: قوله: ضعّفه غير واحدٍ من أهل العلم. لا أساس له، لأنّ القوم بين راوٍ ومصحّح للحديث كلّه، وبين مضعّف للحديث كلّه، ولم نجد مضعّفاً لهذه الفقرة، كما لم نجد مضعّفاً له من أصله غير ابن الجوزي وستعلم ما في ذلك، وهلا ذكر ابن تيميّة واحداً من «غير واحد»!!

* وبما ذكرنا من

رواية الأئمة الأعلام حديث الثقلين في مختلف القرون، وهم من بلادٍ مختلفة، فيهم المكي، والمدني، والشامي، والكوفي، والبصري، والخراساني … يظهر سقوط قول «الدكتور» عنه بأنّه «كوفي النّشأة»، فإن أراد أنّ رواته كلّهم من الشيعة، لكون الكوفة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 69

مدينة شيعية.

قلنا: ليس الأمر كذلك، فقد كان في الكوفة شيعة وغير شيعة، بل كان في الكوفة أناس يسبّون علياً، وعثمانيّون يبغضون علياً عليه السّلام «1».

ولو سلّمنا كون الأمر كذلك، فقد عرفت أنّ التشيع غير ضائر، بل كان غير واحدٍ من شيوخ البخاري من الشيعة …

* هذا، ولا يعارض حديث التمسّك بالكتاب والعترة، ما ورد في بعض كتب القوم من الوصية بالكتاب والسنة بعنوان «الثقلين» ونحوه، وهذا واضح، إلّاأنّه لابدّ من الإلتفات إلي ما يلي:

أوّلًا:

لقد جاء في (الموطّأ) ما نصّه: «وحدّثني عن مالك أنّه بلغه أنّ رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- قال: تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب اللَّه وسنة نبيّه» «2».

__________________________________________________

(1) روي عن عبدالرحمن بن أخي زيد بن أرقم قال: «دخلت علي أم سلمة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها.

فقالت: من أين أنتم؟ فقلت: من أهل الكوفة. فقالت: أنتم الذين تشتمون النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم. قالت: بلي أليس يلعنون علياً ويلعنون من يحبّه؟! وكان رسول اللَّه يحبّه» رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، بترجمة علي 2/ 164 ورواه غير أيضاً.

(2) الموطّأ بشرح السيوطي 2/ 208.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 70

أقول:

لم أجد الوصيّة بالكتاب والسنة بهذا اللّفظ في المصادر الأوليّة من الصّحاح وغيرها، وهذا الذي جاء في (الموطّأ) لا سند له، وتعبير «الدكتور» عنه ب «غير متّصل الإسناد» في غير محلّه، وما في شرح

السيوطي من أنه «وصله ابن عبد البر من حديث كثير بن عبداللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جدّه» «1» لايجدي، فإنه لو كان سند ابن عبد البرّ معتبراً لنصّ عليه الجلال وغيره، واشتهر في الكتب الحديثيّة. هذا أوّلًا.

وثانياً: إنه يمكن التأكّد مما ذكرنا بمراجعة ترجمة (كثير بن عبداللَّه) في تهذيب التهذيب 8/ 377 ففيها ما يلي:

قال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث ليس بشي ء.

وقال عبداللَّه بن أحمد: ضرب أبي علي حديث كثير بن عبداللَّه في المسند ولم يحدّثنا عنه.

وقال أبو خيثمة: قال لي أحمد: لا تحدّث عنه شيئاً.

وقال الدوري عن ابن معين: لجدّه صحبة، وهو ضعيف الحديث، وقال مرةً: ليس بشي ء.

__________________________________________________

(1)

تنوير الحوالك 2/ 208.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 71

وقال الدارمي عن ابن معين أيضاً: ليس بشي ء.

وقال الآجري: سئل أبو داود عنه فقال: أحد الكذّابين. سمعت محمد بن الوزير يقول: سمعت الشافعي- وذكر كثير بن عبداللَّه بن عمرو بن عوف فقال- ذاك أحد الكذابين، أو أحد أركان الكذب.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه فقال: واهي الحديث.

وقال أبو حاتم: ليس بالمتين.

وقال النسائي في موضعٍ آخر: ليس بثقة.

وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه لا يتابع عليه.

وقال أبو نعيم: ضعّفه علي بن المديني.

وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، يستضعف.

وقال ابن حجر: ضعّفه السّاجي.

وثالثاً: إنه ضعيف عند ابن عبد البر نفسه، بل قد ذكر أنه مجمع علي ضعفه.

ورابعاً: فالحديث يرويه عن أبيه عن جدّه، وقد قال ابن حبان:

روي عن أبيه عن جدّه نسخةً موضوعة لا يحلّ ذكرها في الكتب، ولا الرواية إلّاعلي جهة التعجّب!

وقال ابن السّكن: يروي عن أبيه عن جدّه أحاديث فيها نظر.

وقال الحاكم: حدّث عن أبيه عن جدّه نسخةً فيها مناكير.

وما ذكره

الجلال من أنه «ما من مرسلٍ في الموطّأ إلّاوله عاضد أو

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 72

عواضد كما سأبيّن ذلك في هذا الشرح، فالصواب إطلاق أنّ الموطأ صحيح لا يستثني منه شي ء» «1».

رأي من عنده، وقد نقل هو عن الحافظ ابن حزم قال: «وقال ابن حزم في كتاب مراتب الديانة: أحصيت ما في موطأ مالك، فوجدت فيه من المسند خمسمائة ونيفاً، وفيه ثلاثمائة ونيف مرسلًا، وفيه نيف وسبعون حديثاً قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيه أحاديث ضعيفة وهّاها جمهور العلماء» «2».

علي أنّ رأيه هنا منقوض بكلامه في (تدريب الراوي) حيث ذكر فيه فوائد قال: «الثالثة: صرّح الخطيب وغيره بأن الموطّأ مقدّم علي كلّ كتابٍ من الجوامع والمسانيد» ثم قال السيوطي: «فعلي هذا هو بعد صحيح الحاكم» «3».

أقول:

فالموطأ من حيث الصحّة متأخر رتبةً عن (المستدرك علي الصحيحين) للحاكم، الذي أورده الحافظ ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) وهذه هي العبارة كاملةً:

__________________________________________________

(1) تنوير الحوالك 1/ 8.

(2) تنوير الحوالك 1/ 9.

(3) تدريب الراوي 1/ 83.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 73

«إمام صدوق ولكنّه يصحّح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه؟ فما هو ممّن يجهل ذلك، وإن علم فهو خيانة عظيمة، ثم هو شيعي مشهور بذلك، من غير تعرّض للشيخين، وقد قال أبو طاهر: سألت أبا إسماعيل عبد اللَّه الإنصاري عن الحاكم أبي عبداللَّه، فقال: إمام في الحديث رافضي خبيث.

قلت: إنّ اللَّه يحبّ الإنصاف: ما الرجل رافضي بل شيعي فقط، ومن شقاشقه قوله: اجتمعت الأمة علي أنّ الضبي كذاب. وقوله في أن المصطفي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ولد مسروراً مختوناً قد تواتر هذا.

وقوله: إن عليّاً وصي.

فأمّا صدقه في نفسه

ومعرفته بهذا الشأن، فأمر مجمع عليه. مات سنة 405.

والحاكم أجلّ قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكراً من أن يذكر في الضعفاء. لكن قيل في الإعتذار عنه أنّه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنّه قد حصل له تغيّر وغفلة في آخر عمره.

ويدلّ علي ذلك أنّه ذكر جماعةً في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصحّحها … » «1».

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 5/ 233.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 74

موجز الكلام في مالك: … ص: 74

هذا، ويبقي الكلام علي (مالك بن أنس) ولا بأس بنقل نقاطٍ مذكورةٍ في تراجمه في كتب القوم:

1- كونه من الخوارج. قال أبو العباس المبرّد في بحثٍ له حول الخوارج: «وكان عدّة من الفقهاء يُنسبون إليهم، منهم عكرمة مولي ابن عباس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس. ويروي الزبيريّون: إن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّاً وطلحة والزبير فيقول: واللَّه ما اقتتلوا إلّاعلي الثريد الأعفر» «1».

ويشهد بذلك تركه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام في (الموطأ) حتي أنّ هارون الرّشيد الذي حمل الناس علي أخذ (الموطأ) تعجّب من ذلك «2». مع أنّه قد كذّب أناساً ثم أخرج عن بعضهم فيه، مثل هشام بن عروة «3».

2- كونه مدلّساً. ذكروا ذلك عنه في غير موضع. وقال الخطيب البغدادي في أخبار بعض المدلّسين: «يقال: إن ما رواه مالك بن أنس عن

__________________________________________________

(1) الكامل 1/ 159.

(2) تنوير الحوالك 1/ 7.

(3) مقدمة فتح الباري 2/ 169.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 75

ثور بن زيد عن ابن عباس، كان يرويه عن عكرمة عن ابن عباس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة، فأسقط اسمه من الحديث وأرسله. وهذا

لا يجوز، وإن كان مالك يري الإحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم أنّ الحديث عمّن ليس بحجة عنده» «1».

3- إجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم. قال عبداللَّه بن أحمد: «سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء، فيتكلّم ابن أبي ذئب، يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي:

ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل» «2».

4- كان يتغنّي بالآلات. حتّي ذكر ذلك أبو الفرج الإصبهاني في كتابه «3».

5- تكلّم الأئمة فيه. ولهذه الأمور وغيرها تكلّم فيه الأئمة في زمانه. قال الخطيب: «عابه جماعة من أهل العلم في زمانه» «4» ثم ذكر:

ابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق «5».

وقال ابن عبدالبر: «تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلامٍ فيه

__________________________________________________

(1) الكفاية في علم الرواية: 365.

(2) العلل ومعرفة الرجال 1/ 179.

(3) الأغاني 2/ 75. وانظر نهاية الارب 4/ 229.

(4) تاريخ بغداد 10/ 223.

(5) تاريخ بغداد 10/ 224.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 76

جفاء وخشونه كرهت ذكره» «1» وتكلّم فيه إبراهيم بن سعد- وكان يدعو عليه- وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن أبي يحيي «2».

وثانياً:

لقد جاء في سيرة محمد بن إسحاق التي جمعها ابن هشام خطبة الرسول- صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- في حجة الوداع، وممّا جاء في الخطبة قوله: «وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً أمراً بيّناً: كتاب اللَّه وسنة نبيّه» «3».

أقول:

خطبة الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في حجة الوداع، في سيرة ابن إسحاق التي جمعها ابن هشام، ليس لها سند حتي ننظر فيه، وإنما جاء في الكتاب المذكور: «خطبة الرسول في حجة الوداع: قال ابن إسحاق: ثم مضي رسول اللَّه- صلّي اللَّه

عليه [وآله وسلّم- علي حجّه … وخطب الناس خطبته التي بيّن فيها ما بيّن، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثم قال: أيّها الناس! إسمعوا قولي … » هذا أوّلًا.

وثانياً: إن محمد بن اسحاق من رواة حديث الثقلين مع التصريح

__________________________________________________

(1) جامع بيان العلم 2/ 157.

(2) جامع بيان العلم 2/ 158.

(3) سيرة ابن هشام 4/ 603.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 77

بصحّته، قال ابن منظور في (لسان العرب) ما نصّه: «وقال الأزهري- رحمه اللَّه- وفي حديث زيد بن ثابت قال قال رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم-: إنّي تارك فيكم ثقلين خلفي، كتاب اللَّه وعترتي، فإنهما لن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض.

وقال: قال محمد بن إسحاق: هذا حديث صحيح، ورفعه عن زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري، وفي بعضها: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، فجعل العترة أهل البيت» «1».

ثالثاً: ابن اسحاق أيضاً مقدوح عند جماعةٍ من أعلام القوم، فقد رمي بالتدليس، وبالقدر، وبالتشيع، وقال غير واحدٍ منهم مثل: سليمان التيمي، ويحيي القطّان، ووهب بن خالد، ومالك بن أنس، وغيرهم:

«كذّاب».

وإن شئت التفصيل فراجع ما ذكره الحافظ ابن سيد الناس المتوفي 734 في مقدّمة سيرته (عيون الأثر).

ثالثاً:

جاء في (فيض القدير- شرح الجامع الصغير) رواية عن أبي هريرة عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنه خطب في حجة الوداع فقال:

«تركت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما: كتاب اللَّه وسنتي، ولن يتفرقا

__________________________________________________

(1) لسان العرب 4/ 538.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 78

حتي يردا عليَّ الحوض» «1».

وقد أورد «الدكتور» هذا الحديث من دون أن يشير إلي مصدره- وهو المستدرك- وينظر في سنده!

وهذا سند الحديث: «أخبرنا أبو بكر ابن إسحاق الفقيه، أنبأ محمد بن عيسي بن

السكن الواسطي، ثنا داود بن عمرو الضبي، ثنا صالح بن موسي الطلحي، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة … » «2».

وفيه: صالح بن موسي الطلحي الكوفي. قال ابن حجر العسقلاني:

قال ابن معين: ليس بشي ء.

وقال أيضاً: صالح وإسحاق ابنا موسي ليسا بشي ء ولا يكتب حديثهما.

وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين: ليس بثقة.

وقال الجوزجاني: ضعيف الحديث علي حسنه.

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث جدّاً كثير المناكير عن الثقات؛ قلت: يكتب حديثه؟ قال: ليس يعجبني حديثه.

وقال البخاري: منكر الحديث عن سهيل بن أبي صالح.

__________________________________________________

(1) فيض القدير 3/ 240.

(2) المستدرك علي الصحيحين 1/ 93.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 79

وقال النسائي: لا يكتب حديثه، ضعيف.

وقال في موضع آخر: متروك الحديث.

وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد وهو عندي ممّن لا يتعمّد الكذب، وليس يشبه عليه، ويخطي ء، وأكثر ما يرويه عن جدّه من الفضائل ما لا يتابعه عليه أحد.

وقال الترمذي: تكلّم فيه بعض أهل العلم.

وقال عبداللَّه بن أحمد: سألت أبي عنه فقال: ما أدري، كأنه لم يرضه.

وقال العقيلي: لا يتابع علي شي ء من حديثه.

وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتي يشهد المستمع لها أنّها معمولة أو مقلوبة، لا يجوز الإحتجاج به.

وقال أبو نعيم: متروك، يروي المناكير» «1».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 4/ 354.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 83

مع الدكتور السالوس في سند حديث الثقلين … ص: 83

كلامه في مقدّمة البحث … ص: 83

اشارة

وإذ عرفت في الفصول السابقة موجز الكلام حول تواتر حديث الثقلين فضلًا عن صحته، بعد أن وقفت علي طائفةٍ من ألفاظه المعتبرة المشتملة علي الأمر بالتمسّك بالكتاب والعترة، والتأكيد علي أنّ الأمة لن تضلّ ما دامت متمسّكةً بهما ومنقادةً لهما وآخذةً عنهما، والتأكيد علي

أنهما لن يفترقا حتي يردا الحوض …

إذا عرفت ذلك … فلننظر فيما ذكره الدكتور السّالوس في بحثه حول هذا الحديث الشريف وفقهه …

وقد جعل الدكتور بحثه في فصلين: «الفصل الأول: الروايات من كتب السُنّة» وهذا الفصل يبدأ من الصفحة رقم- 9- الي الصفحة- 33-.

ثم «الفصل الثاني: فقه الحديث» من الصفحة (34) إلي الصفحة (40).

وقد ذكر قبل الفصل الأول:

«الحديث ومنهج الدراسة» جاء فيه:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 84

«يطلق الثقلان علي الجن والإنس، قال تعالي في سورة الرحمن «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ». غير أنّ هذا المعني ليس المراد هنا، وإنّما المراد: القرآن الكريم وعترة رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله «1» وسلّم- والثقلان مثنّي ثقل- بفتحتين- أي: الشي ء النفيس الخطير.

والمقصود بحديث الثقلين: ما يروي عن الرسول- صلّي اللَّه عليه وسلّم- أنه ترك بعده كتاب اللَّه المجيد وأهل بيته الأطهار. قال الإمام النووي: قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل: لثقل العمل بهما والحديث اختلفت أسانيده وتنوّعت متونه».

أقول:

سنتكلّم عن المراد بالثقلين، وعن معني هذه الكلمة، في الباب الثاني حيث نبحث عن «فقه الحديث».

وليس المقصود بحديث الثقلين «ما يروي عن الرّسول»!! وإنّما هو حديث مقطوع بصدوره عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، رواه عنه من أصحابه من عرفت، ورواه عنهم التابعون، ثم رواه الأئمة والحفّاظ في

__________________________________________________

(1) نضيف في كلّ موردٍ من موادر الصّلوة والتسليم [وآله عطفاً علي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، لأنّ النبي هو أمرنا بذلك في الأحاديث المتفق عليها، لكن بعض من ينتسب إلي السنّة ويجعل نفسه من أهلها يلتزم بمخالفة هذه السنة الثابتة عنه لدي الفريقين!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 85

مختلف القرون، كما عرفت أنّ النبي- صلّي اللَّه عليه وآله

وسلّم- قد كرّر هذا الكلام مرّةً بعد أخري لا سيّما في أواخر حياته الكريمة، وفي زمنٍ قصير، إذ لم يكن بين موقفه في يوم عرفة وبين وفاته ثلاثة أشهر …

وسيأتي مزيد بيان لهذا في «فقه الحديث».

وأمّا قوله: «والحديث اختلفت أسانيده وتنوّعت متونه» فاعتراف بالحقيقة، فأسانيده كثيرة جداً، ومتونه المتنوّعة يجمعها الوصيّة بالكتاب والعترة ووجوب اتّباعهما وامتثال أوامرهما ونواهيهما … كما ستعرف ذلك.

قال:

«وصدر في القاهرة مؤخَّراً كتاب عنوانه حديث الثقلين، ذكر مؤلّف الكتاب أنه ينقل الأخبار الصحيحة الموقوفة المنسوبة إلي أصحابها ورواتها. ونشرت الكتاب جهة علميّة أيّدت قول المؤلّف.

نظرت في الكتاب فوجدته … ».

أقول:

هذا الكتاب الصّادر في القاهرة بالعنوان المذكور، إنما ألّف في سنة (1370) ونشر في القاهرة في سنة (1374) أي قبل أن ينشر «الدكتور» كتابه بأكثر من (30) سنة، فهل يعبّر عن هذا الزّمان ب «مؤخَّراً»؟!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 86

ثم لماذا لم يذكر «الجهة العلميّة» التي نشرت الكتاب وأيّدته؟

وإذا كان «الدكتور» يحاول كتم اسم «الجهة العلميّة» التي أيّدت قول مؤلّف كتاب (حديث الثقلين) المطبوع الموجود بين أيدي الناس، فما ظنّك به في المسائل العلميّة، والقضايا الدقيقة؟

نعم، هذا الكتاب ألّفه العلّامة الشيخ قوام الدين الوشنوي، ونشرته وأيّدته (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) في القاهرة، والعلماء الأعلام أصحاب مجلّه (رسالة الإسلام) …

يقول الدكتور:

«رأيت أن أتتبع روايات هذا الحديث الشريف في كتب السنّة قدر الاستطاعة، وأجمع كلّ الروايات».

لكنّه لم يتطرّق إلّالرواياته في (صحيح مسلم) و (مسند أحمد) و (صحيح الترمذي) و (المستدرك علي الصحيحين) مع وجوده في عشرات الكتب غيرها.. وهذا ليس ببعيد ممّن يكتم إسم «الجهة العلمية» التي اعترفت بالحق!!

أللهم إلّاأن يكون لقصرباعه الذي عبّر عنه ب «قدر الاستطاعة»!!

كلامه في الفصل الأوّل: الروايات من كتب السنّة … ص: 86

وقبل الورود في البحث

نشير إلي أنّ عنوان الفصل الأوّل من كتابه- وهو «الروايات من كتب السنّة» - يوهم أن ليس لحديث الثقلين ذكر إلّا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 87

في الكتب التي ذكرها، وهذا مخالف للواقع كما نبهّنا عليه من قبل. فإن أراد من كلمة «من» في العنوان أنّ ما ذكر بعض روايات كتب السنّة لا كلّها، فقد اعترف بالحقيقة، وأنّه لم يتتّبع روايات هذا الحديث في كتب السنّة … !!

ثم إنّه ذكر:

«أوّلًا- الموطأ، لا نجد في موطأ الإمام مالك ذكراً للثقلين …

ثانياً: ذكر الكتاب والسنّة في غير الموطّأ … ».

لكنه يعلم جيّداً: أنّ الكلام ليس في وصيّة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالكتاب والسنّة … ولذا يقول- بعد ذكر ما أراد ذكره- «ولسنا في حاجةٍ إلي أن نطيل الوقوف هنا، فلا خلاف بين المسلمين في وجوب التمسّك والإعتصام بالقرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة».

فما الغرض من ذكر هذه الأحاديث مع هذا الإعتراف؟

إنّ وجوب التمسّك والإعتصام بالقرآن والسنّة لا خلاف فيه بين المسلمين، كما لا خلاف بينهم في أنّ ما دلَّ علي هذا المعني لا يعارض ما يدلّ علي وجوب التمسّك والاعتصام بالقرآن والعترة، بل إنّ كلّاً منهما مفسّر للآخر ومؤيّد له … فالنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يأمر بالتمسّك بالقرآن والسنّة، لكن لا بالسنّة التي يأتي بها أبو هريرة وأمثاله من الكذّابين عليه في حياته وبعد وفاته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، بل

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 88

بالسنّة التي ينقلها العترة الطّاهرة وأتباعهم، الذين لا خلاف بين المسلمين في وجوب قبول ما رووه عنه …

لكنّا نعترض علي «الدكتور» بأنّ الأحاديث التي أوردها لا أساس لها من الصحّة، فحديث (الموطأ) لا سند له،

وكذا ما جاء في (سيرة ابن هشام)، وما نقله عن (فيض القدير) عن أبي هريرة ضعيف جدّاً، وهو عن (مستدرك الحاكم) الذي سيطعن «الدكتور» فيه وفي مولّفه نقلًا عن (لسان الميزان)!! ولعلّه لذا نسب الحديث هنا إلي (فيض القدير) دون (المستدرك)!!

هذا، وقد تكلَّمنا علي كلّ هذا في أحد الفصول الماضية تحت عنوان (حديث الثقلين والمحاولات السقيمة).

البخاري وحديث الثقلين: … ص: 88

يقول: «الدكتور»:

«ثالثاً: الصحيحان: لم يرد في صحيح البخاري ذكر لحديث الثقلين، إلّاما أشرنا إليه من قبل من أن الإمام البخاري جعل من كتب صحيحه: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة».

لكن ما المقصود من هذا الكلام؟ فسواء جعل البخاري ذلك من كتب كتابه أو لم يجعل، فالاعتصام بالكتاب والسنّة لا خلاف فيه بين المسلمين … ولكن إذا كان إعراض البخاري عن حديث التمسّك

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 89

بالكتاب والعترة موهناً له، فقد أعرض عن حديث الثقلين الوارد في الموطّأ!

لكن حديث الموطأ لا سند له، وإعراض البخاري أو غيره عن حديثٍ لا يوهنه إذا كان له طريق صحيح، وقد نصَّ غير واحدٍ من الأئمة علي أنّه ليس كلّ ما ليس في الصحيحين بمردود، وهذه عبارة الإمام النووي- كما وصفه «الدكتور» لدي النقل عنه- في الدفاع عن الصحيحين: «فإنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صحَّ عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جملٍ من الصحيح، كما يقصد المصنّف في الفقه جمع جملةٍ من مسائله» «1».

وقال ابن القيّم في حديث أبي الصهباء الذي انفرد به مسلم: «وما ضرَّ ذلك الحديث انفراد مسلم به شيئاً، ثم هل تقبلون أنتم أو أحد مثل هذا في كلّ حديثٍ ينفرد به مسلم عن البخاري؟ وهل قال البخاري قط:

إن كلّ حديثٍ لم أدخله في كتابي فهو

باطل أو ليس بحجةٍ أو ضعيف؟

وكم قد احتجّ البخاري بأحاديث خارج الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه؟ وكم صحّح من حديثٍ خارج عن صحيحه؟» «2».

بل إنّهم طعنوا في كثيرٍ من الأحاديث التي أخرجها وحكم

__________________________________________________

(1) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 1/ 37.

(2) زاد المعاد في هدي خبر العباد 4/ 60.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 90

بصحتّها، كما تقدَّم في المقدّمة.

علي أنّه لو أخرج البخاري حديث التمسّك بالكتاب والعترة في كتابه المعروف بالصحيح، لكان من الممكن أن يقدح «الدكتور» في سنده!! كما فعل بالنسبة إلي سند رواية مسلم له في كتابه الذي قدَّمه غير واحدٍ من أكابر القوم علي كتاب البخاري!

ثم إنَّ البخاري وإن لم يخرج هذا الحديث الشريف في كتابه المعروف بالصحيح، فقد أشار إليه في تاريخه الكبير حيث عنون «حذيفة» فقال:

«حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري، قال سعيد بن سليمان:

حدثنا زيد بن الحسن الكوفي قال: حدثنا معروف بن خرّبوذ قال: حدثنا أبو الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إنكم واردون عليَّ الحوض.

نزل الكوفة» «1».

رواية مسلم بن الحجاج النيسابوري: … ص: 90

ثم يقول «الدكتور»:

«أما الإمام مسلم، فقد ذكر أربع روايات لهذا الحديث الشريف،

__________________________________________________

(1) التاريخ الكبير 3/ 96.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 91

نثبتها هنا كما جاءت في صحيحه، وكلّها عن زيد بن أرقم، في باب فضائل علي بن أبي طالب. كتاب فضائل الصّحابة، رضي اللَّه عنهم، والرّوايات هي:

1- حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلّد جميعاً عن ابن عليّة.

قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثني أبو حيّان، حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلي زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه قال

له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه. لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم. قال:

يا ابن أخي، واللَّه لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم. فما حدّثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلّفونيه. ثم قال: قام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعي خمّاً، بين مكة والمدينة، فحمد اللَّه وأثني عليه، ووعظ وذكّر، ثم قال: أما بعد، ألا أيّها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب اللَّه، فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به. فحثّ علي كتاب اللَّه ورغّب فيه. ثم قال: وأهل بيتي. أذكّركم اللَّه في أهل بيتي،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 92

أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال:

نعم.

2- وحدثنا محمد بن بكّار بن الريّان، حدثنا حسّان (يعني ابن إبراهيم) عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم. وساق الحديث بنحوه، بمعني حديث زهير.

3- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا محمد بن فضيل. ح وحدثنا إسحاق بن ابراهيم، أخبرنا جرير، كلاهما

عن أبي حيان، بهذا الإسناد، نحو حديث إسماعيل. وزاد في حديث جرير: كتاب اللَّه فيه الهدي والنور، من استمسك به وأخذ به كان علي الهدي، ومن أخطأه ضلّ.

4- حدثنا محمد بن بكار بن الريّان، حدثنا حسان (يعني ابن إبراهيم) عن سعيد (وهو ابن مسروق) عن يزيد بن حيّان، عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً، لقد صاحبت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وصلّيت خلفه. وساق الحديث بنحو حديث أبي حيّان، غير أنه قال: ألا وإني تارك فيكم ثقلين، أحدهما:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 93

كتاب اللَّه عزّوجل، وهو حبل اللَّه، من اتّبعه كان علي هدي ومن تركه كان علي ضلالة. وفيه: فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم اللَّه، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلّقها، فترجع إلي أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده».

أقول:

ذكر نصوص روايات مسلم، ولم يتكلّم هنا بشي ءٍ حول أسانيدها.

ثم قال:

«رابعاً: مسند الإمام أحمد وروايته عن زيد بن أرقم: ذكر الإمام أحمد في مسنده سبع روايات لحديث الثقلين، احداها عن زيد بن أرقم، وهي تتفّق مع ما رواه الإمام مسلم … ».

فذكر رواية أحمد المتفقة مع ما رواه مسلم …

وبالنسبة إلي أسانيد هذه الروايات قال: «رأينا فيما سبق ما رواه الإمامان مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم، وهذا لا خلاف حول صحّته» لكنّه- مع ذلك- ينسب إلي ابن الجوزي القول بأنَّ الحديث من الأحاديث الموضوعة، ثمّ يتفضّل فيقول: «وإن كانت الروايات في جملتها كما يبدو لنا لا تجعل الحديث ينزل إلي درجة الموضوع» «1».

__________________________________________________

(1) أنظر: 24.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 94

أقول: صارت زحمة «1»!!

وسيتبيّن

لك حقيقة الأمر … فانتظر …

رواية أحمد بن حنبل: … ص: 94
اشارة

ثم قال: «خامساً: باقي روايات الثقلين في المسند وغيره:

بالبحث في كتب السنّة نجد روايتين في سنن الترمذي تتّفقان مع روايات مسند الإمام أحمد الستة، التي أشرنا إليها من قبل، ونذكر هنا الروايات الثمانية، ثم نتحدّث عنها. روايات المسند هي:

1- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، حدّثنا أسود بن عامر، أخبرنا إسرائيل- يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي- عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه، حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» 3/ 14.

2- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، حدّثنا أبو النضر، حدّثنا محمد- يعني ابن طلحة- عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال: إني أوشك أن أدعي

__________________________________________________

(1) مثل عراقي، يضربُ لمن يدلي بشي ءٍ من الحق- لا كلّه- ويجعل نفسه متفضّلًا!!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 95

فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه عزّوجل، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإن اللّطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما؟ 3/ 17.

3- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك- يعني ابن أبي سليمان- عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله : إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللَّه عزّوجلّ حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» 3/ 26.

44- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني

أبي، ثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» 3/ 59.

5- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا الأسود بن عامر، ثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسّان، عن زيد بن ثابت، قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم. إني تارك فيكم خليفتين، كتاب اللَّه حبل

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 96

ممدود ما بين السماء والأرض- أو ما بين السماء إلي الأرض- وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» 5/ 181- 182.

6- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا شريك عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب اللَّه وأهل بيتي. وإنهما لن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض جميعاً» 5/ 189- 190.

والترمذي أخرج روايتين، هما:

1- حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدّثنا زيد بن الحسن- هو الأنماطي- عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبداللَّه قال:

رأيت رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- في حجته يوم عرفة، وهو علي ناقته القصواء- يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي. (حسن غريب).

2- حدّثنا علي بن المنذر كوفي، حدّثنا محمد بن فضيل، قال:

حدّثنا الأعمش، عن عطية، عن

أبي سعيد، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم- رضي اللَّه عنهما- قالا: قال رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم-: إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 97

السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (حسن غريب)».

أقول: هنا مؤاخذات:

أوّلًا: روايات المسند أكثر ممّا ذكر: … ص: 97

لقد نصّ «الدكتور» علي أنه: «ذكر الإمام أحمد في مسنده سبع روايات لحديث الثقلين، إحداها عن زيد بن أرقم».

لكنّ الموجود في المسند أكثر … فمن رواياته: الرواية الآتية وهي عن زيد بن أرقم، وهذا نصّها:

«حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة، قال: لقيت زيد بن أرقم- وهو داخل علي المختار أو خارج من عنده- فقلت له: أسمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول: إني تارك فيكم الثقلين؟ قال: نعم» «1».

وأخرجه أحمد في كتابه الآخر (فضائل الصحابة) ط/ جامعة أُم القُري ونصّ محققه علي صحّته.

لكنّ: «الدكتور» أسقطه من الحساب!! لماذا؟ لإنّ هذه الرواية من أقوي روايات حديث الثقلين سنداً ودلالةً، فلا مناص من كتمه!!

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 4/ 371.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 98

وكما كتم ذكر رواية علي بن ربيعة هذه عن زيد، وهي في مسند أحمد، كذلك كتم ذكر رواية يحيي بن جعدة عنه، وهي في مستدرك الحاكم بسند صحيح علي شرط الشيخين، عند الحاكم والذهبي، كما ستري …

وثانياً: عدم ذكر صحيح الترمذي بالاستقلال: … ص: 98

ثم لماذا لم يذكر صحيح الترمذي ولم يعنونه بالاستقلال؟

إنّ الغرض من ذلك هو التمهيد للطعن في أسانيده!!

لقد ذكر الشيخ أحمد محمد شاكر- في مقدّمة شرحه وتحقيقه لكتاب الترمذي- ترجمةً وافيةً له وتعريفاً بكتابه، نقلًا عن كبار العلماء السّابقين، حتي ذكر عن بعضهم التصريح بأنّ كتاب الترمذي أنفع من كتابي البخاري ومسلم، وعن آخر أنه قال بعد ذكر الموطأ وكتابي البخاري ومسلم: ليس فيهم مثل كتاب أبي عيسي … فإن شئت الوقوف علي ذلك فارجع إليه.

وثالثاً: التحريف في كلام الترمذي: … ص: 98

وكما لم ينوّه بشأن كتاب الترمذي كذلك عمد إلي تحريفه، للغرض المذكور … ولأجل أن يتبيّن واقع الأمر ننقل نصّ ما ذكره الترمذي:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 99

«حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدّثنا زيد بن الحسن- هو الأنماطي- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: رأيت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في حجته يوم عرفة، وهو علي ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي.

قال: وفي الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد.

قال: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

قال: وزيد بن الحسن قد روي عنه سعيد بن سليمان وغير واحدٍ من أهل العلم» «1».

«حدّثنا علي بن المنذر، كوفي، حدّثنا محمد بن فضيل، قال: حدّثنا الأعمش، عن عطية عن أبي سعيد، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم- رضي اللَّه عنهما- قالا:

قال رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللَّه حبل ممدود

من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتي يردا

__________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 5/ 621.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 100

عليَّ الحوض. فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

وقال: هذا حديث حسن غريب» «1».

النّظر في مناقشة الروايات المذكورة: … ص: 100

يقول «الدكتور» بعد إيراد الرّوايات الثّمانية عن مسند أحمد والترمذي:

«هذه هي بقيّة روايات حديث الثقلين، وبالنظر فيها نجد ما يأتي:

1- عن أبي سعيد الخدري خمس روايات، الأربع الأولي من المسند والثانية من سنن الترمذي، وهذه الروايات كلّها يرويها: عطيّة عن أبي سعيد.

وعطيّة هو: عطية بن سعد بن جنادة العوفي، والإمام أحمد نفسه- صاحب المسند- تحدّث عن عطيّة وعن روايته عن أبي سعيد فقال:

بأنّه ضعيف الحديث، وأن الثوري وهشيماً كانا يضعّفان حديثه، وقال:

بلغني أنّ عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد، فيوهم أنه الخدري. وقال ابن حبان:

سمع عطيّة من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي، فإذا قال الكلبي: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كذا،

__________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 5/ 622.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 101

فيحفظه، وكنّاه أبا سعيد وروي عنه، فإذا قيل له: من حدّثك بهذا؟ فيقول:

حدّثني أبو سعيد، فيتوهّمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي. قال: لا يحلّ كتب حديثه إلّاعلي التعجّب. وقال البخاري في حديثٍ رواه عطيّة: أحاديث الكوفيين هذه مناكير. وقال أيضاً: كان هشيم يتكلّم فيه. ولقد ضعّفه النسائي أيضاً في الضعفاء، وكذلك أبو حاتم.

ومع هذا كلّه: وثّقه ابن سعد فقال: كان ثقة إن شاء اللَّه وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به، وسئل يحيي بن معين: كيف حديث عطية؟ قال صالح «1».

وما ذكره ابن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر

من قبل».

ترجمة عطيّة العوفي: … ص: 101

أقول:

الطّعن في «عطيّة العوفي» عجيب جدّاً، لأنّه إن كان المطلوب كون الرّجل مجمعاً علي وثاقته حتي تقبل روايته، فلا إجماع علي عطيّة، بل لا إجماع حتي علي البخاري وأمثاله كما ذكرنا في المقدّمة … إذن، لابدَّ من التحقيق والنّظر الدقيق، لنعرف من روي عن عطية واعتمد عليه، ولنفهم السبب في طعن من طعن فيه …

__________________________________________________

(1) أنظر: ترجمته في تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 102

لقد أمر «الدكتور» بالرجوع إلي (تهذيب التهذيب) و (ميزان الاعتدال)، وعندما نرجع إلي الأوّل منهما وهو أجمع الكتب الرجاليّة للأقوال «1» نجد:

1- عطيّة من التابعين:

إنه يروي عن: أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وزيد بن أرقم.

وقد رويتم في الصحيح عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» «2».

وفي (معرفة علوم الحديث): «النوع الرابع عشر من هذا العلم معرفة التابعين، وهذا نوع يشتمل علي علومٍ كثيرة، فإنهم علي طبقاتٍ في الترتيب، ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرّق بين الصحابة والتابعين، ثم لم يفرّق أيضاً بين التابعين وأتباع التابعين. قال اللَّه عزّوجل: «وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ». وقد ذكرهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلم … فخير الناس قرناً بعد الصحابة من شافه

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 7/ 200.

(2) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم. جامع الاصول 9/ 404.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 103

أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلم وحفظ عنهم الدين والسنن، وهم قد شهدوا الوحي والتنزيل … » «1».

2- عطيّة

من رجال البخاري في الأدب المفرد:

والبخاري وإن لم يخرج عن عطيّة في كتابه المعروف بالصحيح، أخرج عنه في كتابه الآخر (الأدب المفرد) … وهذا الكتاب وإن لم يلتزم فيه بالصحّة، لكن من البعيد أن يخرج فيه عمّن يراه من الكذّابين!!

3- عطيّة من رجال أبي داود:

وأبو داود السجستاني أخرج عنه في كتابه الذي جعلوه من الصّحاح الستة، وقال الإمام الحافظ إبراهيم الحربي لمّا صنف أبو داود كتابه: «ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد» نقله قاضي القضاة ابن خلّكان «2». وفي المرقاة في شرح المشكاة: «قال الخطابي شارحه: لم يصنّف في علم الدين مثله، وهو أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من الصحيحين. وقال أبو داود: ما ذكرت فيه حديثاً أجمع الناس علي تركه.

وقال ابن الأعرابي: من عنده القرآن وكتاب أبي داود لم يحتج معهما إلي شي ء من العلم ألبتة. وقال الناجي: كتاب اللَّه أصل الاسلام وكتاب أبي داود عيد الاسلام، ومن ثمَّ صرّح حجة الإسلام الغزالي باكتفاء

__________________________________________________

(1) معرفة علوم الحديث: 41.

(2) وفيات الأعيان 2/ 138.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 104

المجتهد به في الأحاديث، وتبعه أئمة الشافعيّة علي ذلك» «1».

فهذا طرف من كلمات القوم في وصف كتاب أبي داود الذي أخرج فيه عن عطية العوفي.

4- عطيّة من رجال الترمذي:

والترمذي أيضاً أخرج عنه عطيّة في كتابه المعدود من الصّحاح الستّة عندهم، والذي حكوا عنه أنه قال: «صنّفت هذا الكتاب فعرضته علي علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته علي علماء العراق فرضوا به، وعرضته علي علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلّم» «2».

5- عطيّة من رجال ابن ماجة:

وابن ماجة القزويني أيضاً أخرج عنه عطيّة في كتابه الذي نصَّ ابن خلكان

علي كونه أحد الصحاح الستة «3».

6- عطيّة من رجال أحمد في المسند:

وأحمد بن حنبل أخرج عنه فأكثر، ومن ذلك روايات حديث الثقلين، ولابدَّ من البحث هنا في جهاتٍ:

__________________________________________________

(1) المرفاة في شرح المشكاة 1/ 22.

(2) انظر مقدّمة الشيخ أحمد محمد شاكر لصحيح الترمذي.

(3) وفيات الأعيان 3/ 407.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 105

الأولي في رأي أحمد في مسنده وأنه هل شرط الصحيح أو لا؟

والثانية: في رأي العلماء في مسند أحمد.

والثالثة: في رأي أحمد في عطية.

أما رأيه في عطية فسنتكلّم عليه عندما نتعرّض لطعن من طعن فيه.

رأي أحمد في المسند: … ص: 105

أمّا رأي أحمد بن حنبل في مسنده، فقد ذكر الحافظ السيوطي عن بعض العلماء، أن أحمد شرط في مسنده الصحيح «1». وذكر قاضي القضاة السبكي بترجمة أحمد من (طبقاته) عن عبداللَّه بن أحمد قال:

«قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّةٍ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم رجعوا إليه».

قال السبكي: «قال أبو موسي المديني: لم يخرج إلّاعمّن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته. ثم ذكر بإسناده إلي عبداللَّه ابن الإمام أحمد- رحمة اللَّه- قال: سألت أبي عن عبدالعزيز بن أبان، لم أخرج عنه في المسند شيئاً، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته».

وأورد السبكي ما ذكره المديني بإسناده إلي حنبل بن إسحاق قال:

__________________________________________________

(1) تدريب الراوي 1/ 171- 172.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 106

«جمعنا عمّي- يعني الإمام أحمد- لي ولصالح ولعبد اللَّه، وقرأ علينا المسند، وما سمعه معنا- يعني تماماً- غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول اللَّه صلّي

اللَّه عليه [وآله وسلّم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلّا ليس بحجة».

قال السبكي: «قال أبو موسي ومن الدّليل علي أنّ ما أودعه الإمام أحمد- رحمه اللَّه- مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلّاما صحَّ عنده: ما أخبرنا به أبو علي الحداد. قال: أنا أبو نعيم، وأنا ابن الحصين وأنا ابن المذهب قال: أنا القطيعي، ثنا عبداللَّه قال: حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التياح قال: سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنه قال:

يهلك أمتي هذا الحيّ من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللَّه؟ قال: لو أنّ الناس اعتزلوهم. قال عبداللَّه: قال أبي في مرضه الذي مات فيه:

إضرب علي هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي. يعني قوله:

إسمعوا وأطيعوا.

وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذّ لفظه مع الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه. فكان دليلًا علي ما قلناه» «1».

__________________________________________________

(1) طبقات الشافعية الكبري 2/ 31- 33.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 107

وقال شاه ولي اللَّه الدهلوي بعد ذكر طبقةٍ من الكتب: «وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإنّ الإمام أحمد جعله أصلًا يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه» «1».

آراء العلماء في المسند: … ص: 107

وقال جماعة من أعلام الحفّاظ بصحّة أحاديث المسند كلّها، ومنهم:

الحافظ أبو موسي المديني.

وقاضي القضاة السبكي.

والحافظ أبو العلاء الهمداني.

والحافظ عبد المغيث بن زهير الحربي، وله في ذلك مصنَّف.

والحافظ ابن الجوزي عدّ المسند من دواوين الإسلام، وذكره قبل الصحيحين. وهذه عبارته في مقدمة كتابه الموضوعات:

«فمتي رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإسلام كالموطّأ ومسند أحمد والصحيحين وسنن أبي داود والترمذي ونحوها، فانظر فيه. فإن كان له نظير في الصحاح

والحسان فرتّب أمره، وإن ارتبت فيه فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده، واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّي

__________________________________________________

(1) حجة اللَّه البالغة: 134.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 108

بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه» «1».

وقاضي القضاة السبكي، في كتابه الذي ألّفه في زيارة قبر النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وتعرّض فيه للردّ علي ابن تيمية، قال في البحث حول حديث: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» بعد ذكر أنه في مسند أحمد: «وأحمد- رحمه اللَّه- لم يكن يروي إلّاعن ثقة، وقد صرّح الخصم- يعني ابن تيمية- بذلك، في الكتاب الذي صنّفه في الردّ علي البكري، بعد عشر كراريس منه، قال: إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو إلّاعن ثقة عنده كمالك …

وأحمد بن حنبل …

وقد كفانا الخصم مؤنة تبيين أن أحمد لا يروي إلّاعن ثقة.

وحينئذٍ، لا يبقي له مطعن فيه» «2».

وقال الحافظ جلال الدين السيوطي: «قال شيخ الإسلام- يعني ابن حجر العسقلاني- في كتابه: تعجيل المنفعة في رجال الأربعة:

ليس في المسند حديث لا أصل له إلّاثلاثة أحاديث أو أربعة، منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفاً، قال: والاعتذار عنه أنه ممّا أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهواً، أو ضرب وكتب من

__________________________________________________

(1) الموضوعات 1/ 99.

(2) شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام: 10- 11.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 109

تحت الضرب».

قال السيوطي: «وقال في كتابه: تجريد زوائد مسند البزار: إذا كان الحديث في مسند أحمد لم نعزه إلي غيره من المسانيد».

قال: «وقال الهيثمي في زوائد المسند: مسند أحمد أصح صحيحاً من غيره».

قال: «وقال ابن كثير: لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته

… ».

قال: «وقال الحسيني في كتابه: التذكرة في رجال العشرة: عدّة أحاديث المسند أربعون ألفاً بالمكرّر» «1».

وقال الدكتور أحمد عمر هاشم- استاذ الحديث بجامعة الأزهر- في تعليقه علي كتاب تدريب الراوي في هذا الموضع: «وللشيخ ابن تيميّة في ذلك كلام حسن، فقد ذكر في التوسّل والوسيلة: إنه إن كان المراد بالموضوع ما في سنده كذّاب، فليس في المسند من ذلك شي ء، وإن كان المراد ما لم يقله النبي- صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم لغلط راويه وسوء حفظه، ففي المسند والسنن من ذلك كثير».

7- توثيق عطيّة من قبل الأئمّة:

هذا، وبالإضافة إلي كلّ ما تقدّم … نجد في ترجمة عطيّة:

__________________________________________________

(1) تدريب الراوي 1/ 139.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 110

وثّقه ابن سعد وقال: له أحاديث صالحة.

وقال الدوري عن ابن معين: صالح.

ووثّقة الحافظ سبط ابن الجوزي «1».

وقال الحافظ أبو بكر البزار: يعدّ في التشيع، روي عنه جلّة النّاس.

وأبو حاتم وابن عدي- وإن ضعّفاه- قالا: يكتب حديثه.

8- طعن بعضهم في عطيّة بسبب تشيّعه:

ثم إنّ المستفاد من كلمات القوم بترجمة عطيّة: إن السّبب العمدة في تضعيفه هو تشيّعه، فعندما نراجع تهذيب التهذيب نجد:

إن الجوزجاني لم يضعّفه وإنما قال: «مائل». وعن ابن عدي: «قد روي عن جماعةٍ من الثقات، ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدّة وعن غير أبي سعيد، وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعدّ مع شيعة أهل الكوفة». والبزار لم يضعّفه وإنما ذكر تشيعه ونصَّ علي أنه مع ذلك فقد روي عنه جلّة الناس، والساجي قال: «ليس بحجة» ولم يذكر لقوله دليلًا إلّا: «كان يقدّم عليّاً علي الكلّ».

وقال ابن حجر: «قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث، فكتب الحجاج إلي محمد بن القاسم أن يعرضه علي سبّ

علي، فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه فأبي أن يسبّ، فأمضي

__________________________________________________

(1) تذكرة خواص الأمة: 42.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 111

حكم الحجاج فيه، ثم خرج إلي خراسان، فلم يزل بها حتي ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها فلم يزل بها إلي أن توفي سنة 11».

9- النّظر في الطّاعن وكلامه:

لقد ضُرب الرّجل أربعمائة سوطاً وحلقت لحيته … بأمرٍ من الحجّاج … ثم جاء من لسانه وسوط الحجاج شقيقان فقال عنه: «مائل» أو ضعّفه، أو اتّهمه … وما ذلك كلّه إلّالأنّه أبي أن يسبَّ عليّاً … !!

لقد عرفت في المقدمة أنّ التشيع لا يضّر بالوثاقة، كما نصّ عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني في (شرح البخاري)، وبني عليه في غير موضع، منها في ترجمة خالد بن مخلّد حيث قال: «أمّا التشيّع، فقد قدمّنا أنّه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضرّه، لا سيّما ولم يكن داعيةً إلي رأيه» «1».

والجوزجاني الذي قال عن عطية «مائل»: كان ناصبيّاً منحرفاً عن علي عليه السلام، وكان يطلق هذه الكلمة علي الرواة الشيعة … فاستمع إلي ابن حجر يقول:

«خ د ت: إسماعيل بن أبان الورّاق الكوفي، أحد شيوخ البخاري ولم يكثر عنه، وثّقه النسائي، ومطين، وابن معين، والحاكم أبو أحمد، وجعفر الصائغ، والدارقطني، وقال في رواية الحاكم عنه: أثني عليه

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 398.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 112

أحمد وليس بقوي.

وقال الجوزجاني: كان مائلًا عن الحق ولم يكن يكذب في الحديث. يعني: ما عليه الكوفيون من التشيع.

قلت: الجوزجاني كان ناصبياً منحرفاً عن علي، فهو ضدّ الشيعي المنحرف عن عثمان. والصواب موالاتهما جميعاً، ولا ينبغي أن يسمع قول مبتدع في مبتدع» «1».

أقول:

فلا يسمع قول الجوزجاني في

عطيّة وأمثاله إلّاناصبي منحرف عن علي!!

وأيضاً: قد عرفت- في المقدّمة- تنبيه الحافظ ابن حجر علي عدم الإعتداد بالطعن بسبب الاختلاف في العقائد قائلًا: «واعلم أنه وقع من جماعةٍ الطعن في جماعةٍ بسبب اختلافهم في العقائد، فينبغي التنبّه لذلك وعدم الاعتداد به إلّابحق» «2».

وقد ذكرنا أنّ الحافظ ابن أبي حاتم الرازي أورد إمامه الأكبر البخاري في كتاب (الجرح والتعديل)، وأورده الحافظ الذهبي في كتاب (المغني في الضعفاء) لطعن جماعةٍ من الأئمة في البخاري بسبب

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 387.

(2) مقدمة فتح الباري: 382.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 113

اختلافه معهم في مسألة اللّفظ، وهي من أهم المسائل في العقائد … حتي تضجّر العلّامة السبكي والعّلامة المناوي من فعل الحافظ الذهبي هذا!!

وممّا يؤكّد ما ذكرنا- من كون الرجل من رجال الصحاح، وأنّ تضعيف بعضهم إيّاه إنما هو لأجل الاختلاف في العقائد، وأنه لا يعتدّ به- حذف الحافظ ابن حجر اسم عطية العوفي من ميزان الاعتدال، وعدم ذكره في (لسان الميزان)، مشيراً إلي أنّه لا ينبغي الإصغاء إلي تكلّم الجوزجاني ومن كان علي شاكلته … في مثل عطيّة التابعي الثقة المعتمد عليه في الكتب المعوّل عليها عندهم …

10- رأي أحمد في عطيّة:

بقي أن نعرف رأي أحمد في عطيّة الذي أكثر عنه في المسند:

جاء في تهذيب التهذيب عن أحمد أنه قال: «هو ضعيف الحديث.

ثم قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيسأله عن التفسسير، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد.

قال أحمد: وحدثنا أبو أحمد الزبيري: سمعت الكلبي يقول: كنّاني عطيّة أبو سعيد».

أقول:

هنا نقاط نضعها علي الحروف، أرجو أن يتأمّلها المحقّقون المنصفون، بعد الالتفات إلي ما ذكرناه حول- رأي أحمد في المسند-

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين،

ص: 114

وبعد البناء علي ثبوت هذا النقل عن أحمد الذي أكثر من الرواية عن عطيّة عن أبي سعيد:

1- إنّ السبب في قوله: «ضعيف الحديث» هو ما ذكره قائلًا:

«بلغني» ثم نظرنا فإذا في الجملة اللّاحقة يذكر السند الذي بلغه الخبر به وهو: «أبو أحمد الزبيري سمعت الكلبي يقول … ».

2- هذا الكلبي هو: محمد بن السائب المفسّر المشهور، ووفاته سنة (146) «1» وقد عرفت أن عطيّة مات سنة (111) «2»، وهذا ما يجعلنا نتردّد في أصل الخبر، ففي أيّ وقت حضر عطيّة التفسير عند الكلبي؟

وأيّ مقدارٍ سمع منه؟

3- قال ابن حجر: «قال ابن حبّان- بعد أن حكي قصته مع الكلبي بلفظ مستغربٍ فقال: سمع من أبي سعيد أحاديث، فلمّا مات جعل يجالس الكلبي يحضر بصفته، فإذا قال الكلبي قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كذا فيحفظه، وكنّاه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له:

من حدّثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهّمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي- قال: لا يحلّ كتب حديثه إلّاعلي التعّجب».

__________________________________________________

(1)

انظر: العبر وغيره حوادث 146.

(2) وهو قول ابن سعد ومطيّن والذهبي. قال الذهبي في تاريخ الإسلام: «وقال خليفة: مات سنة 127. وهذا القول غلط».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 115

يفيد هذا النقل:

(أ) أنّ السبب في تضعيف ابن حبّان أيضاً هو هذه القصّة …

(ب) أنّ القصة- إن كان لها أصل- قد زاد القوم عليها أشياء من عندهم.

(ج) أنّ هذا اللّفظ مستغرب بحيث التجأ ابن حجر إلي الطعن فيه.

واعلم أنّ «الدكتور» أورد اللفظ المذكور عن ابن حبان بواسطة ابن حجر وأسقط كلمته «بلفظٍ مستغرب»!!.

4- إنّ الكلبي المذكور رجل قد أجمعوا علي تركه، متهم عندهم بالكذب والرفض، قال ابن سعد: «قالوا:

ليس بذاك، في روايته ضعيف جدّاً» «1».

وقال الذهبي في وفيات سنة (146): «فيها: محمد بن السائب أبو نضر الكلبي الكوفي، صاحب التفسير والأخبار والأنساب، أجمعوا علي تركه، وقد اتّهم بالكذب والرفض. قال ابن عدي: ليس لأحدٍ أطول من تفسيره» «2».

وفي طبقات المفسرين: «محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر الكوفي النسابة المفسر، روي عن: الشعبي وجماعة. وعنه:

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 9/ 159.

(2) العبر 1/ 158.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 116

إبنه، وأبو معاوية، ويزيد، ويعلي بن عبيد، وخلف. متهم بالكذب، ورمي بالرفض. قال البخاري: تركه القطّان وابن مهدي. قال مطيّن: مات سنة (146).

أخرج له: أبو داود في المراسيل، والترمذي وابن ماجة في التفسير.

وله تفسير مشهور، وتفسير الآي الذي نزل في أقوامٍ بأعيانهم، وناسخ القرآن ومنسوخه» «1».

فأقول:

إذا كان هذا الرجل مجمعاً علي تركه ومتّهماً بالكذب والرفض، فكيف روي عنه الجماعة وحتي بعض أصحاب الصحاح؟

الواقع: إنهم كانوا يعتمدون عليه في التفسير، فقد ذكر ابن حجر عن ابن عدي: «حدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير» ولذا روي عنه الترمذي وابن ماجة في التفسير كما عرفت، ولم يكونوا يعتمدون عليه في الحديث، كما عرفت من عبارة ابن سعد حيث قال:

«في روايته ضعيف جدّاً»، بل إنّ مثل عطيّة الذي لازم جماعةً من كبار الصحابة وروي عنهم، في غنيً عن الرواية عن الكلبي.

لكنّهم حيث كانوا يأخذون منه التفسير كانوا يحاولون التستّر علي ذلك … لأنّه كان يفسّر الآي ويذكر الأقوام الذين نزلت فيهم بأعيانهم

__________________________________________________

(1) طبقات المفسرين 2/ 149.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 117

- ولعلّه لذا رمي بالكذب والرفض- وكذلك كان عطيّة، فإنّه كان يكنّيه لئلّا يعرف الرجل فتلاحقه السّلطات، لا لغرض التدليس والتلبيس …

ويشهد بذلك

كلام قاضي القضاة ابن خلكان بترجمة الكلبي: «روي عنه سفيان الثوري ومحمد بن إسحاق، وكانا يقولان: حدثنا أبو النصر، حتي لا يعرف» «1». فلو كان ما يفعله عطيّة مضرّاً بوثاقته لتوجّه ذلك بالنسبة إلي سفيان وابن إسحاق …

بل لتوجّه الطعن في البخاري وكتابه المشهور بالصحيح، فإنه كان يروي عن «محمد بن يحيي الذهلي» - الذي طرد البخاري من نيسابور، وكتب إلي الريّ ضدّه، فترك أئمة القوم في الريّ الحضور عنده والسّماع منه- فقد جاء بترجمة الذهلي: أن البخاري يروي عنه ويدلّسه كثيراً، لا يقول: (محمد بن يحيي) بل يقول: (محمد) فقط، أو (محمد بن خالد) أو (محمد بن عبداللَّه) ينسبه إلي الجدّ ويعمّي اسمه، لمكان الواقع بينهما» «2».

فهذا واقع الحال في رواية عطيّة عن الكلبي إن ثبت أصل القضيّة.

ويؤكّد ما ذكرنا توثيق ابن سعد وابن معين وغيرهما عطيّة، وروايتهم عنه، فلو كان صنيع عطية مضرّاً بوثاقتة لما وثّقوه ولا رووا

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 3/ 436.

(2) سير أعلام النبلاء 12/ 275.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 118

عنه. ولا سيّما أحمد وأرباب الصّحاح … ويحيي بن معين الذي روي عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وسائر الأئمة، وقد وصفوه بإمام الجرح والتعديل وجعلوه المرجوع إليه في معرفة الصحيح والسقيم، وربّما قدّموا رأيه علي رأي البخاري في الرجال …

الكلمة الأخيرة: … ص: 118

وأخيراً … لو كان أحمد يري ضعف حديث عطيّة، فلماذا روي عنه بكثرة في المسند الذي عرفت رأيه فيه؟

لقد تنبّه «الدكتور» إلي هذا الإعتراض فانبري للجواب عنه، وهذه عبارته: «وقد يقال هنا: إذا كان الإمام أحمد يري ضعف حديث عطيّة، فلماذا روي عنه؟ والجواب: إن الإمام أحمد إنما روي في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم. ويدلّ

علي ذلك أنّ ابنه عبداللَّه قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن خراش عن حذيفة؟ قال:

الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد؟ قلت: نعم. قال: الأحاديث بخلافه.

قلت: فقد ذكرته في المسند؟ قال: قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صحّ عندي لم أرو من هذا المسند إلّاالشي ء بعد الشي ء اليسير. وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث كثيرة في المسند، وردَّ كثيراً ممّا روي، ولم يقل به، ولم يجعله مذهباً له.

وعندما عدّ ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 119

أخرجها الإمام أحمد في مسنده، وثار عليه من ثار، ألّف ابن حجر العسقلاني كتابه (القول المسدّد في الذبّ عن المسند). فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي، ثم أجاب عنها، وممّا قال: الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شي ء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام.

والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع. وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوه تساهلنا. وهكذا حال هذه الأحاديث.

وما ذكره ابن حجر ينطبق علي الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسّك بالعترة».

نقول:

هذه عبارة «الدكتور» كما هي بلا زيادةٍ ولا نقصان، وعليك بمراجعة «المسند تحقيق شاكر- طلائع الكتاب 1/ 57» و «ص 11 من القول المسدّد» هل تري من اختلافٍ بين ما فيهما وما نقله عنهما؟!

والمهمّ فيها هو الجواب عن السؤال … والجواب هو قوله:

«ما ذكره ابن حجر ينطبق علي الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسّك بالعترة».

أي: إن أحمد يري ضعف حديث عطيّة، لكنّه روي فضائل أهل البيت والتمسّك بالعترة عن عطيّة وأمثاله لتساهله في الفضائل.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين،

ص: 120

لكن هذا الجواب غير مسموع، ولو كلّف «الدكتور» نفسه وراجع روايات أحمد عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري فقط، لوجد فيها الفضائل، والأحكام في الحلال والحرام، والتفسير، والمواعظ …

وبتعبير آخر: إنّ هذا الجواب من «الدكتور» يؤكّد الأدلّة التي أقمناها علي وثاقة عطية عند أحمد وغيره من الأئمة، والبيان الذي ذكرناه لقصّة روايته علي الكلبي- إن صحّت- … لأنّ المفروض أنه «قد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا» هذا هو المفروض … وقد وجدنا أحمد يروي عن عطية الحلال والحرام …

فهل «الدكتور» يجهل هذا؟ أو يتجاهله؟!

نعم … إن أحمد كما روي حديث التمسك بالعترة عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري … وهو من أحاديث الفضائل، كذلك روي عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري … من أحاديث الحلال والحرام بكثرة …

ففي نظرةٍ سريعة في الجزء الثالث في مسند أبي سعيد الخدري، الذي يبدء من الصفحة (2) وينتهي في صفحة (98) نجد روايته عنه في الصفحات: 7، 9، 10، 13، 14، 17، 20، 21، 22، 27، 31، 32، 38، 39، 40، 42، 43، 45، 54، 55، 65، 73، 74، 80، 83، 89، 93، 97، 98 …

فمثلًا في الصفحة (43) روي عنه حديثاً في حكم الأضحيّة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 121

وفي الصفحة (45) حديثاً في أن الجنين ذكاته ذكاة أمّه.

وفي الصفحة (54) و (73) في حكم غسل الجنابة …

وهكذا …

هذا في رواياته عن عطية عن أبي سعيد الخدري … ولو وجدنا فراغاً لعددنا روايات أحمد عن عطيّة عن غير أبي سعيد من الصّحابة، لا سيّما ما كان منها في الأحكام والحلال

والحرام … إلّاأن فيما ذكرنا غنيً وكفاية.

ثم قال «الدكتور»: … ص: 121

«2- الرواية الثانية للترمذي، رواها عن علي بن المنذر الكوفي، عن محمد بن فضيل. ثم انقسم السند إلي طريقين، انتهي الأوّل إلي عطيّة عن أبي سعيد. والثاني: إلي زيد بن أرقم. ولا يظهر هنا أي السندين هو الأصل … والذي جمع بين الطريقين في هذا الإسناد هو: علي بن المنذر الكوفي، أو محمد بن الفضيل. ولكن الثاني روي عنه مسلم في إحدي رواياته السابقة عن زيد بن أرقم. فيستبعد الجمع عن طريقه، فلم يبق إلّا علي بن المنذر. وهو من شيعة الكوفة. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو صدوق ثقة. سُئل عنه أبي فقال: محلّه الصدق. قال النسائي:

شيعي محض ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن نمير: هوثقة صدوق. وقال الدارقطني: لا بأس به. وكذا قال مسلمة بن قاسم وزاد: كان

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 122

يتشيع. وقال الإسماعيلي: في القلب منه شي ء لست أخيّره. وقال ابن ماجة: سمعته يقول: حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلًا «1».

وما سمعه منه ابن ماجة يجعلنا نتردّد كثيراً في الاحتجاج بقوله، فكيف يقطع آلاف الأميال للحج ثمانياً وخمسين مرة أكثرها راجلًا؟

ليس من المستبعد إذن أن يجمع راوٍ شيعي كهذا بين روايتين في مناقب أهل البيت تتفّقان في شي ء وتختلفان في شي ء آخر».

ترجمة علي بن المنذر الكوفي: … ص: 122

ونقول:

لقد تقدّم لفظ رواية الترمذي حديث الثقلين في كتابه الذي يعدّ من (الصّحاح الستة) عند القوم، وكما ذكرنا من قبل، فإنّ مجرد إخراج الترمذي لهذا الحديث الشريف يكفي للاحتجاج به عليهم، لا سيّما وأنّه أخرجه من طريقين عن اثنين من كبار الصحابة بعد أن أخرجه عن جابر بسندٍ آخر، ونصّ علي أنّ «في الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن

أرقم، وحذيفة بن أسيد» ممّا يدلُّ علي شدّة اعتنائه به وسعيه وراء إثباته.

والحاصل: إنه قد أخرج الحديث بثلاثة طرق عن ثلاثة من

__________________________________________________

(1) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 123

الصحابة، واكتفي بالنسبة إلي رواية غيرهم بالإشارة.

وقد أخرج الترمذي الرواية الثانية بطريقيها عن شيخه: علي بن المنذر الكوفي … ولننظر إلي ترجمته في تهذيب التهذيب:

«ت س ق (الترمذي والنسائي وابن ماجة).

علي بن المنذر بن زيد الأودي ويقال: الأسدي. أبو الحسن الكوفي الطريقي.

روي عن: أبيه، وابن عيينة، وابن فضيل، وابن نمير، ووكيع، والوليد بن مسلم، وإسحاق بن منصور السلولي، وأبي غسّان النهدي، وجماعة.

وعنه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، ومطيّن، ومحمد بن يحيي بن منده، وزكريا السجزي، وابن أبي الدنيا، وعبداللَّه بن عروة، وعبداللَّه بن محمد بن سيار الفرهياني، وعمر بن محمد بن بجير، والهيثم بن خلف، وأبو علي ابن مصقلة، والحسن بن محمد بن شعبة، وجعفر بن أحمد بن سنان القطان، ويزيد بن الهيثم القاضي، ويحيي بن صاعد، وأحمد بن الحسين بن إسحاق الصدفي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ومحمد بن جعفر بن رباح الأشجعي. وآخرون.

قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو صدوق ثقة. سئل عنه أبي فقال: محلّه الصدق. وقال النسائي: شيعي محض ثقه. وذكره

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 124

ابن حبّان في الثقات، وقال مطين: مات في ربيع الآخر سنة 256 سمعت ابن نمير يقول: هو ثقة صدوق.

قلت: وقال الإسماعيلي: في القلب منه شي ء لست أخيره.

وقال ابن ماجة: سمعته يقول: حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلًا.

وذكر ابن السمعاني: إنه قيل له الطريقي، لأنه ولد بالطريق.

وقال الدارقطني: لا بأس به. وكذا قال مسلمة بن قاسم وزاد: كان

يتشيع» «1».

هذا كلّ ما جاء في تهذيب التهذيب … وهل تجد فيه إلّاالتوثيق. بل التصريح بكونه صدوقاً؟

أمّا كلمة الإسماعيلي فلا تدل علي قدح، ولا نعلم ما كان في قلبه!

وأمّا أنه «كان يتشيّع» فلا يضرّ كما تقدم …

لقد ظهر:

1- أنّه من مشايخ الترمذي.

2- أنّه من مشايخ ابن ماجة.

وذلك في كتابيهما المعدودين من الصّحاح الستة عندهم، وقد عرفت شأن الكتابين عندهما وعند القوم.

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 7/ 337.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 125

3- أنّه من مشايخ النّسائي، وقد أخرج عنه في كتابه الذي نقلوا عنه القول بأنّ كلّ ما فيه صحيح، والذي أطلق عليه الصّحة جماعة من كبار أئمتهم. قال السيوطي: «قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر: قد أطلق اسم الصّحة علي كتاب النسائي: أبو علي النيسابوري، وأبو أحمد ابن عدي، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو عبداللَّه الحاكم، وابن منده، وعبد الغني بن سعيد، وأبو يعلي الخليلي، وأبو علي ابن السكن، وأبو بكر الخطيب، وغيرهم» بل نقلوا عن بعض أكابرهم: «أن لأبي عبدالرحمن شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم» «1».

4- وأنّه من مشايخ جماعة كبيرة من كبار الأئمة، أمثال: مطيّن، وأبي حاتم، وابن منده، والسجزي، وابن صاعد، وابن أبي حاتم …

5- وأنّه وثّقه: أبو حاتم الرازي، والنّسائي، وابن حبان، وابن نمير وغيرهم …

6- وأنّه قال أبو حاتم وولده عبد الرحمن: صدوق. وقال النسائي:

ثقة.

أمّا النسائي فقد تقدّم أن له شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم. وأمّا أبو حاتم فقد ذكر الذهبي أنه متعنّت في الرجال يجب التوقف عن قبول قدحه، أمّا لو وثّق فالزم توثيقه … وسنذكر عبارة

__________________________________________________

(1) راجع مقدمة شرح السيوطي علي سنن النسائي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 126

الذهبي كاملةً …

فهذا

حال علي بن المنذر الكوفي …

يقول «الدكتور» حيث لم يجد مجالًا للطعن في الرجل: «وقال ابن ماجة: سمعته يقول: حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلًا.

وما سمعه منه ابن ماجة يجعلنا نتردّد كثيراً في الاحتجاج بقوله، فكيف يقطع آلاف الأميال للحج ثمانياً وخمسين مرة أكثرها راجلًا؟».

باللَّه عليك!! يأتي الرجل بعد مئات السّنين فيشكّك في عدالة رجلٍ، ويتردد في الاحتجاج بقوله لشي ءٍ سمعه منه ابن ماجة ولم يتردّد- ابن ماجة- في الاحتجاج بقوله! كأنّ هذا الرجل يري نفسه أفهم وأتقي من ابن ماجة وأبي حاتم الرازي والنّسائي والترمذي و و … !! إن كان كذلك فأهلًا وسهلًا!!

إنّ هذا الأمر لا يوجب التردّد في العدالة والإحتجاج به، وإلّا لم يوثّقه القوم ولم ينصّوا علي أنّه صدوق …

والواقع: إن الذي قد وفّق له علي بن المنذر- وإن كان لا يتيسّر لكلّ أحدٍ- قد حصل لكثيرٍ من الناس، علي ما يذكر في تراجمهم «1» بل لقد

__________________________________________________

(1) بل ذكر صاحب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل) بترجمة: «صالح بن يوسف أبي شعيب المقنع الواسطي الأصل»: أنه «يقال: إنه حج تسعين حجة راجلًا، في كلّ حجة يحرم من صخرة بيت المقدس» انظر ج 1 ص 296.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 127

ذكر القوم بتراجم مشايخهم من هذا الباب ما يستغربه أولوا الألباب، ولننقل من ذلك حكايتين، والعهدة علي الراوي:

ذكر الحافظ ابن الجوزي «1» عن موسي بن هارون قال: «رأيت الحسن بن الخليل مرةً بعرفات وكلّمته، ثم رأيته يطوف بالبيت، فقلت:

ادع اللَّه لي أن يقبل حجي. فبكي ودعالي. ثم أتيت مصر فقلت: إن الحسن كان معنا بمكة، فقالوا: ما حجّ العام، وقد كان يبلغني أنه يمرّ إلي مكة في كلّ ليلة فما كنت أصدّق،

حتي رأيته فعاتبني وقال: شهرتني، ما كنت أحبّ أن تحدّث بها عني، فلا تعد بحقّي عليك» «2».

وقال ابن العماد: «ذكر السخاوي في طبقاته: إنّ الشيخ معالي سأل الشيخ سلطان بن محمد البعلبكي المتوفي سنة 641 فقال: يا سيدي كم مرّة رحت إلي مكة في ليلة؟ قال: ثلاث عشرة مرة. قلت: قال الشيخ عبداللَّه اليونيني: لو أراد أن لا يصلّي فريضةً إلّافي مكة لفعل» «3».

__________________________________________________

(1)

وهو صاحب (العلل المتناهية) الذي أورد فيه حديث الثقلين بأحد أسانيده، وحذّرالعلماء من الاغترار بذلك، إلّاأنّ «الدكتور» … !

(2) صفة الصفوة 4/ 293.

(3) شذرات الذهب 5/ 211.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 128

سماع الأعمش من حبيب بن أبي ثابت حديث الثقلين: … ص: 128

وثمة تشكيك آخر لا أساس له من «الدكتور».

يقول: «والأعمش وحبيب من الثقات، وثبت سماع الأعمش من حبيب، وسماع حبيب من زيد بن أرقم، إلّاأنّ في هذه الرّواية لم يثبت السّماع».

أقول:

في هذه العبارة أمور:

1- الاعتراف بوثاقة الأعمش وحبيب بن أبي ثابت. وحينئذٍ لا يضرّ كونهما مدلّسين، إذ لو كان تدليسهما مضراً بالوثاقة لما وثّقهما.

2- الاعتراف بسماع الأعمش من حبيب، وسماع حبيب من زيد.

3- دعوي أنه في هذه الرواية لم يثبت السّماع!! فما الدليل؟

لقد أخرج حديث الثقلين الحافظ النسائي بإسناده عن الأعمش عن حبيب عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم «1».

وأورده الحافظ ابن كثير عن النسائي في سننه ثم قال: «قال شيخنا أبو عبداللَّه الذهبي: هذا حديث صحيح» «2».

__________________________________________________

(1) خصائص علي. رقم الحديث: 79.

(2) البداية والنهاية 5/ 209.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 129

وأخرجه الحاكم بثلاثة طرق عن يحيي بن حمّاد، في أحدها عبداللَّه بن أحمد عن أبيه، قال: «ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال:

ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم …

» ثم صحّحه هو والذهبي علي شرط الشيخين «1».

وأخرجه الحاكم في «ذكر زيد بن أرقم الأنصاري» من كتاب «معرفة الصحابة» من (مستدركه) بإسناده عن حبيب عن حبيب يحيي بن جعدة عن زيد، وصحّحه هو والذهبي علي شرط الشيخين، وقد تقدّم لفظه «2».

وقال الحافظ السخاوي في كتابه الجليل (استجلاب إرتقاء الغرف) بعد تفسير قوله تعالي «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»: «وإذ قد بان لك الصحيح في تفسير هذه الآية فأقول: قد جاءت الوصيّة الصريحة بأهل البيت في غيرها من الأحاديث، فعن سليمان بن مهران الأعمش عن عطيّة بن سعد العوفي وحبيب بن أبي ثابت، أوّلهما عن أبي سعيد الخدري- رضي اللَّه عنه- وثانيهما عن زيد بن أرقم- رضي اللَّه عنه- قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي …

__________________________________________________

(1) المستدرك 3/ 109.

(2) المستدرك 3/ 533.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 130

أخرجه الترمذي في جامعه وقال: حسن غريب».

أقول:

فلماذا يفضح «الدكتور» نفسه؟! ليقال عنه: إنّه إمّا جاهل وإما متجاهل؟!

حول الحاكم وروايات حديث الثقلين: … ص: 130

وتعرّض «الدكتور» للحديث في المستدرك، فقال:

«وفي المستدرك، روي الحاكم هذا الحديث بما يفيد سماع الأعمش من حبيب، وهذا يحتاج إلي مراجعة الإسناد الذي ذكره، وما أكثر رجاله، غير أنّا لسنا مضطرّين إلي بذل هذا الجهد، فإن ثبت سماع الأعمش بقي أكثر من موطن ضعف.

والحاكم ذكر الحديث بروايتين: احداهما في إسنادها الإمام أحمد بن حنبل. وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيمية.

والأخري بيّن الذهبي وهي إسنادها».

أقول:

أوّلًا: ذكر «الدكتور» في هذا الموضع في الهامش مترجماً الحاكم ما هذا نصّه:

«هو أبو عبداللَّه محمد بن عبداللَّه الضبي النيسابوري. ولد سنة 321 ه. قال

عنه ابن حجر في لسان الميزان: إمام صدوق ولكنّه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 131

يصحّح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك. فما أدري هل خفيت عليه؟ فما هو ممن يجهل ذلك، وإن علم فهو خيانة عظيمة. ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين. والحاكم أجلّ قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكراً من أن يذكر في الضعفاء. لكن قيل في الاعتذار عنه أنّه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنه حصل له تغيّر في عقله في آخر عمره. ويدلّ علي ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصحّحها».

وقال «الدكتور» في هامش الصفحة- 26-: «راجع ما ذكرناه من قبل عن الحاكم ومستدركه، وعن روايتيه لهذا الحديث».

وخلاصة كلامه بترجمة الحاكم هو الطعن فيه وفي كتابه، لكن الملاحظ:

1- إنّه في الصفحة- 11- نقل عن (فيض القدير- شرح الجامع الصغير) روايةً عن أبي هريرة … وكتم المصدر الذي نقل عنه الرواية في فيض القدير، وقد ذكرنا سابقاً أنّه مستدرك الحاكم، ونظرنا في سنده علي ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل …

فإذا كان حال الحاكم وكتابه كما ذكر عن ابن حجر واعتمده، فلماذا احتّج بحديثه هناك مع محاولة التكتّم علي اسمه؟

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 132

2- إنّه حرّف كلام الحافظ ابن حجر! وقد نقلناها سابقاً كاملةً! لقد جاءت عبارة «الدكتور»: «ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين، والحاكم أجل … » إلّاأنّ بين كلمة «الشيخين» وكلمة «والحاكم» يوجد ما يلي:

«وقد قال أبو طاهر: سألت إسماعيل بن عبداللَّه الأنصاري عن الحاكم أبي عبداللَّه. فقال: إمام في الحديث

رافضي خبيث.

قلت: إن اللَّه يحبّ الإنصاف! ما الرجل رافضي، بل شيعي فقط.

ومن شقاشقه قوله …

فأمّا صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. مات سنة 405».

هذا، والسّبب في الطعن في الحاكم وكتابه والاقتصار علي ما جاء في لسان الميزان- مع التحريف لكلام ابن حجر- هو إسقاط حديث الثقلين المخرّج في المستدرك عن الاحتجاج كما لا يخفي

3- لكن الإحتجاج برواية الحاكم صحيح، لأنّهم قدّموا كتاب (المستدرك) حتي علي مثل (الموطّأ) كما عرفت سابقاً، وأثنوا علي الحاكم نفسه من حيث الصدق والمعرفة بالحديث بما لا مزيد عليه:

قال ابن خلكان: «إمام أهل الحديث في عصره، والمؤلّف فيه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 133

الكتب التي لم يسبق إلي مثلها. كان عالماً عارفاً واسع العلم» «1».

وقال الذهبي: «الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدّثين … » «2».

وقال: «برع في معرفة الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان، لابل في الدنيا، وكان فيه تشيع وحطّ علي معاوية، وهو ثقة حجّة» «3».

وقال السّيوطي: «الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدّثين. وكان إمام عصره في الحديث، العارف به حق معرفته، صالحاً ثقة، يميل إلي التشيع» ثم ذكر الثناء عليه عن غير واحد «4».

وقال ابن قاضي شهبة: «قال الخطيب البغدادي: كان ثقة، وكان يميل إلي التشيع. قال الذهبي: هو معظّم للشيخين بيقين ولذي النورين، وإنما تكلّم في معاويه فأوذي» «5».

وقال ابن الجزري: «وكان إماماً ثقةً صدوقاً» «6».

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 3/ 408.

(2) تذكرة الحفاظ 3/ 1039.

(3) العبر في خبر من غبر 2/ 210.

(4) طبقات الحفّاظ: 410.

(5) طبقات الشافعية 1/ 198.

(6) طبقات القراء 1/ 185.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 134

ومن مصادر ترجمته أيضاً: الوافي بالوفيات 3/ 320، طبقات الشافعية للسبكي 4/

155، النجوم الزاهرة 4/ 238، مرآة الجنان 3/ 14، المختصر في أخبار البشر 2/ 144، شذرات الذهب 3/ 176، الجواهر المضية 2/ 65، المنتظم 7/ 274، تاريخ ابن كثير 11/ 355 … وغيرها.

ثانياً: ماذا يعني من قوله: «والحاكم ذكر الحديث بروايتين … »؟ في هذا الموضع خيانة عظيمة أو جهل مفرط. وبيان ذلك أنّه:

إن أراد رواية الأعمش عن حبيب عن زيد، فليس إلّارواية واحدة.

وإن أراد ذكر الحاكم الحديث مطلقاً، فليس بروايتين بل بأربعة روايات:

إحداها: ما أخرجه عن أبي عوانة عن الأعمش عن حبيب عن زيد «1».

والثانية: ما أخرجه عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن زيد «2».

والثالثة: ما أخرجه عن أبي نعيم عن كامل أبو العلاء عن حبيب عن يحيي بن جعدة عن زيد «3».

__________________________________________________

(1) المستدرك 3/ 109.

(2) المستدرك 3/ 110.

(3) المستدرك 3/ 533.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 135

والرابعة: ما أخرجه بقوله: «حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن مصلح الفقيه بالري، ثنا محمد بن أيوب، ثنا يحيي بن المغيرة السعدي، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبداللَّه النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم- رضي اللَّه عنه- قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض.

هذا حديث صحيح الإسناد علي شرط الشيخين ولم يخرجاه» «1».

ووافقه الذهبي علي التصحيح ووضع علامة الشيخين في آخر الحديث في تلخيصه.

فالثالثة والرابعة كتمهما «الدكتور» أو جَهِلَ بهما؟!

النّظر في مناقشة سند روايات الحاكم: … ص: 135

وثالثاً: يقول «الدكتور» وهو يقصد مناقشة سند ما أخرجه الحاكم بعد أن قال بأنه ذكر روايتين:

«إحداهما: في إسنادها الامام أحمد بن

حنبل. وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيمية. والأخري بيّن الذهبي وهي إسنادها».

__________________________________________________

(1) المستدرك 3/ 148.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 136

أقول:

هنا أيضاً خيانة أو جهل!!

أمّا أوّلًا:

فلأنّ إحداهما- وهو الذي عن الأعمش عن حبيب عن زيد- قد أخرجه الحاكم بثلاثة طرق.

وأمّا ثانياً:

فلأن أحمد بن حنبل في إسناد طريق واحدٍ من الطرق الثلاثة دون الطريقين الآخرين!!

وإن كنت في ريبٍ فهذه عبارة الحاكم:

«حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا يحيي بن حماد.

وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار، قالا: ثنا عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيي بن حماد.

وثنا أحمد بن سهل الفقيه ببخاري، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن سالم المخرمي، ثنا يحيي بن حماد.

ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم- رضي اللَّه عنه- قال: لمّا رجع

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 137

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحاتٍ فقممن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه تعالي وعترتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن اللَّه عزوجلّ مولاي وأنا مولي كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي- رضي اللَّه عنه- فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم وال ممن والاه وعاد من عاداه.

وذكر الحديث بطوله. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله».

ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه علي تصحيحه

«1».

وأمّا ثالثاً:

فلأنَّ أحمد بن حنبل لم يضعّف الحديث!

يقول «الدكتور»: «وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيميّة» مشيراً إلي قوله في الصفحة- 25- نقلًا عن منهاج السنة 4/ 105:

«وشيخ الإسلام ابن تيميّة رفض هذا الحديث وقال: وقد سئل عنه أحمد ابن حنبل فضعّفه، وضعّفه غير واحدٍ من أهل العلم وقالوا:

لا يصح».

__________________________________________________

(1) المستدرك 3/ 109.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 138

لكنّا قد ذكرنا كلام ابن تيميّة في فصل (حديث الثقلين والمحاولات السقيمة) وتكلّمنا عليه.

وأمّا رابعاً:

فلأنّ أحمد- لو كان منه تضعيف- فقد ضعّف جملة: «وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» هذه الجملة التي وردت في رواية الترمذي. فأحمد ليس مضعّفاً للحديث، كما أن ابن تيمية أيضاً ليس برافض للحديث … وقد أوردنا سابقاً كلام ابن تيمية وما نسبه إلي أحمد، وتكلّمنا عليه هناك، فراجع.

وأمّا خامساً:

فلأنَّ الذّهبي- الذي اعتمد عليه «الدكتور» في غير موضعٍ، وفي مناقشته الرواية الثانية وستعلم ما فيها من النظر- وافق الحاكم في تصحيح هذه الرواية علي شرط الشيخين … ولو كان هناك من أحمد أو غيره من الأئمة كلام في إسناد هذه الرواية لأشار إليه، كما فعل بالنسبة إلي الرواية الثانية.

وأمّا سادساً:

فلأنّ الذهبي أخرج الرواية الثانية بقوله: «حسّان بن إبراهيم الكرماني، ثنا محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه عن الطفيل عامر بن واثلة أنّه سمع زيد بن أرقم … » فلم يقل إلّا: «لم يخرجا لمحمد وقد

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 139

وهّاه السّعدي».

فالذهبي لم يطعن في رجال الإسناد وإنّما قال بعد رواية الحديث:

«قلت: لم يخرجا لمحمّد، وقد وهّاه السعدي» وهذا غير صريح في أنه يطعن في «محمّد بن سلمة» ومن المستبعد أن يقلّد الذهبي السّعديَّ الجوزجاني وقد

أورده في (ميزان الاعتدال) فقال نقلًا عن ابن عدي:

«كان شديد الميل إلي مذهب أهل دمشق في التحامل علي علي رضي اللَّه عنه» «1».

وقال ابن حجر: «وممن ينبغي أن يتوقّف في قبول قوله في الجرح:

من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الإعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأي العجب، وذلك لشدّة انحرافه في النصف وشهرة أهلها بالتشيّع … » «2».

وقد تقدّم كلام ابن حجر في مقدمة فتح الباري حول الرجل. وإن شئت المزيد فراجع ترجمته «3».

وأمّا سابعاً:

فلأنّ الرواية الثالثة- التي أخفاها «الدكتور» أو جهل بها- قال

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1/ 76.

(2) لسان الميزان 1/ 16.

(3) تهذيب التهذيب 1/ 158.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 140

الحاكم: «هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي بصراحةٍ … وقد تقدم نصّها سابقاً.

والرواية الرابعة- التي أخفاها «الدكتور» أو جهل بها كذلك- صحيحة عندهما، وقد تقدم نصّها قريباً.

ترجمة القاسم بن حسّان العامري: … ص: 140

يقول «الدكتور»:

«3- القاسم بن حسان العامري الكوفي، روي الروايتين الخامسة والسادسة من المسند عن زيد بن ثابت. ورجّح المرحوم الشيخ أحمد شاكر توثيقه وقال: «وثقه أحمد بن صالح وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وذكر البخاري في الكبير اسمه فقط، ولم يذكر عنه شيئاً، وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فلم يذكر فيه جرحاً، ثم نقل عن المنذري أن البخاري قال: القاسم بن حسان سمع من زيد بن ثابت.

وعن عمّه عبد الرحمن بن حرملة، وروي عن الركين بن الربيع، لم يصح حديثه في الكوفيين. ثم عقّب شاكر علي هذا بقوله: والذي نقله المنذري في شأن القاسم بن حسان لا أدري من أين جاء به … ».

قال «الدكتور» بعد نقل كلام

الشيخ المذكور الذي نصّ علي خطأ المنذري في نسبة الطعن إلي البخاري: «وفي توثيق القاسم بن حسان نظر، فابن حبّان ذكره أيضاً في أتباع التابعين ومقتضاه أنه لم يسمع من

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 141

زيد بن ثابت. وقال ابن القطان لا يعرف حاله» ثم قال في الهامش: انظر ترجمته في تهذيب التهذيب.

ثم حاول الدّفاع عن المنذري مدّعياً أنّ للبخاري كتاباً كبيراً في الضعفاء يقع في تسعة أجزاء، وهو مخطوط، ولا توجد منه نسخ في مصر، فلِمَ لا يكون المنذري نقل منه؟

ونقول:

لقد نظرنا إلي ترجمة القاسم في تهذيب التهذيب كما أمر «الدكتور» فوجدناها كما يلي:

«د س- أبي داود والنسائي: القاسم بن حسان العامري الكوفي.

روي عن: أبيه، وعمه عبد الرحمن بن حرملة، وزيد بن ثابت، وفلفلة الجعفي.

وعنه: الركين بن الربيع، والوليد بن قيس السكوني والد أبي بدر.

ذكره ابن حبّان في الثقات.

قلت: في أتباع التابعين، ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت. ثم وجدته قد ذكره في التابعين أيضاً.

وقال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح: ثقة.

وقال ابن القطّان: لا يعرف حاله».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 142

وهذا آخر ترجمته في تهذيب التهذيب «1». وخلاصتها أنّه ثقة عند: ابن حبان، وأحمد بن صالح، وابن شاهين … فأين الجرح؟ ومن الجارح؟

إن قول ابن القطّان: «لا يعرف حاله» ليس بجرحٍ ولا يعارض توثيق ابن حبان وأحمد بن صالح وابن شاهين، لأنه جاهل بحال الرجل وأولئك عارفون!

وصريح عبارة ابن حجر: أن ابن حبان ذكره في الثقات في أتباع التابعين ومقتضاه أنّه لم يسمع عن زيد بن ثابت، قال: ثم وجدته قد ذكره في التابعين أيضاً. أي: فمقتضاه أنّه سمع من زيد بن ثابت ومن التابعين

ولا يخفي أن «الدكتور» أورد كلام ابن حجر بعبارةٍ موهمة!!

وإذ رأيت أن لا جارح للرّجل، والبخاري- كما ذكرالشيخ شاكر- لم يذكر عنه شيئاً في تاريخه الكبير، ولم يترجمه في الصغير، ولم يذكره في الضعفاء، وأيضاً: لم ينقل عنه أحد شيئاً في الرّجل، إلّاالمنذري، فيقول شاكر: «وهم فأخطأ» ويقول «الدكتور»: لِمَ لا يكون المنذري نقل من كتاب مخطوطٍ للبخاري؟ لكنّ هذا الكتاب لم يره لا هو، ولا الشيخ

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 8/ 279.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 143

شاكر، ولا ابن حجر العسقلاني، ولا غيرهم، ولا توجد منه نسخة في مصر، ولم يطّلع عليه المحققون عن الكتب التراثية، ولا أصحاب دور النشر المحيون لآثار القدماء … ؟!!

روايات زيد بن الحسن الأنماطي: … ص: 143

وناقش «الدكتور» سند الرواية الأولي من روايتي الترّمذي: بأنّ «في سندها: زيد بن الحسن الأنماطي الكوفي. الذي روي عن الإمام الصّادق عن أبيه عن جابر بن عبداللَّه.

قال أبو حاتم عن زيد هذا: كوفي، قدم بغداد، منكر الحديث.

وذكره ابن حبان في الثقات. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب وميزان الإعتدال.

وخطبة الرسول صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في خطبة الوداع رواها مسلم بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر، وليس فيها (وعترتي أهل بيتي) راجع صحيح مسلم- كتاب الحج- باب حجة النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

وهذه الخطبة رويت عن جابر بطرقٍ متعددة في مختلف كتب السنة، وليس فيها جميعاً ذكر لهذه الزيادة».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 144

نقول:

سواء رويت هذه الخطبة كما ذكر «الدكتور» أو، لا «1»، فإنّ العمدة أن تكون رواية الترّمذي هذه المستملة علي «وعترتي أهل بيتي» معتبرةً سنداً، فإنّها حينئذٍ يحتج بها ويستند إليها، بل تكون قرينةً لكلّ روايةٍ معتبرةٍ- بالفرض- خاليةٍ عن هذه

الجملة المباركة …

لكن (زيد بن الحسن) روي حديث الثقلين برواياتٍ ثلاث:

الأولي: عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السلام- عن جابر قال: رأيت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في حجته يوم عرفة- وهو علي ناقته القصوي- فخطب فسمعته وهو يقول: أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي.

أخرجه الترّمذي. وأخرجه الحافظ الطبراني عن مطين عن نصر بن عبد الرحمن عنه «2».

الثانية: عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري: أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «أيها الناس إني فرط لكم، وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوض أعرض ما بين صنعاء وبصري، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين

__________________________________________________

(1) لاحظ فصل: حديث الثقلين والمحاولات السقيمة.

(2) صحيح الترمذي 5/ 621.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 145

تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: السبب الأكبر كتاب اللَّه عزّوجل، سبب طرفه بيد اللَّه وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتي يردا عليَّ الحوض».

أخرجه الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي صاحب المسند الكبير المتوفي سنة 303 عن نصر بن عبد الرحمن عنه.

وأخرجه الحافظ أبو نعيم الإصفهاني في ترجمة حذيفة بن أسيد عن شيخه محمد بن أحمد بن حمدان عن الحسن بن سفيان.

وأخرجه الحافظ الطبراني بطريقين:

عن محمد بن الفضل السقطي عن سعيد بن سليمان عن زيد بن الحسن الأنماطي. وعن مطين وزكريا بن يحيي الساجي عن نصر بن عبد الرحمن عنه.

وأورده الحافظ الهيثمي في مناقب أهل البيت عن الحافظ الطبراني وقال:

«وفيه: زيد بن الحسن الأنماطي. وثّقه

ابن حبّان. وبقيّة رجال أحد الإسنادين ثقات».

الثالثة: روي زيد بن الحسن حديث الثقلين عن معروف بن خرّبوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال: لمّا صدر رسول اللَّه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 146

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من حجة الوداع نهي أصحابه عن شجراتٍ بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهنَّ، ثم بعث إليهنَّ فقمَّ ما تحتهنَّ من الشوك، وعمد إليهنَّ فصلي تحتهنَّ ثم قام فقال:

أيها الناس، إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلّانصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظنّ أني موشك أن أدعي فأجيب، وإني مسؤول وإنّكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وجهدت ونصحت، فجزاك اللَّه خيراً.

فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلّااللَّه، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور؟

قالوا: بلي نشهد بذلك.

قال: اللهم اشهد. ثم قال:

أيها الناس، إنّ اللَّه مولاي وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه- يعني عليّاً رضي اللَّه عنه- اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوض أعرض ما بين بصري وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 147

فيهما، الثقل الأكبر كتاب اللَّه عزّوجل، سبب طرفه بيد اللَّه وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا. وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف أنهما لن ينقضيا حتي يردا عليَّ الحوض».

أخرجه الحافظ الطبراني بطريقين فقال:

«حدّثنا محمد بن عبداللَّه الحضرمي (هو مطين) وزكريا بن يحيي الساجي

قالا: نا نصر بن عبدالرحمن الوشاء.

وحدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، نا سعيد بن سليمان الواسطي قالا:

نا زيد بن الحسن الأنماطي، نا معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري» «1».

والحافظ ابن حجر المكي «2».

والحلبي صاحب السيرة النبوية «3».

وأخرج هذا الحديث الحافظ ابن عساكر، قال:

«أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن المزرفي، أنبأنا أبو الحسين ابن المهتدي، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن (هو

__________________________________________________

(1) المعجم الكبير 3/ رقم 3052.

(2) مجمع الزوائد 9/ 165.

(3) انسان العيون 3/ 301.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 148

الدارقطني) أنبأنا العباس بن أحمد البرتي، أنبأنا نصر بن عبد الرحمن أبو سليمان الوشاء، أنبأنا زيد بن الحسن الأنماطي … » «1».

وأورده الحافظ ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر «2».

فوائد ذكر روايات زيد بن الحسن: … ص: 148

وإنما ذكرنا روايات زيد بن الحسن هذه لفوائد:

1- ليعلم أنّ روايته ليست منحصرةً بما جاء في الترمذي.

2- ليعلم أنّ الترمذي غير منفرد بالذي أخرجه عنه، فقد أخرجه الحافظ الطبراني عن الحافظ مطين عن نصر بن عبد الرحمن عن زيد بن الحسن …

3- ليعرف الرواة والمخرجون لرواياته من رجال الحديث وكبار الحفاظ.

4- ليعلم رواية حذيفة بن أسيد من روايات الصحابة الذين ذكرهم الترمذي بقوله: «وفي الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد» «3».

5- وليعلم رواية «سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم»

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق. ترجمة أمير المؤمنين 1/ 45.

(2) البداية والنهاية 7/ 9.

(3) هذه الجملة لم يذكرها «الدكتور»!!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 149

الذين قال الترمذي: «وزيد بن الحسن قد روي عنه سعيد بن سليمان وغير واحدٍ من أهل العلم» «1».

فهذا شأن زيد بن الحسن بين الرّواة والحفّاظ

المحدّثين …

ترجمة زيد بن الحسن: … ص: 149

ولم يتكلّم «الدكتور» في سند رواية الترمذي عن زيد بن الحسن إلّا في (زيد بن الحسن) نفسه. ولم يقل إلّا «قال أبو حاتم عن زيد هذا:

كوفي قدم بغداد منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات» ثم أمر بالنظر بترجمته من تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال.

فنقول:

قد راجعنا ترجمته في تهذيب التهذيب فوجدناهاكما يلي:

«ت- الترمذي. زيد بن الحسن القرشي أبو الحسن الكوفي، صاحب الأنماط. روي عن: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، ومعروف بن خرّبوذ، وعلي بن المبارك الهنائي.

وعنه: إسحاق بن راهويه، وسعيد بن سليمان الواسطي، وعلي بن المديني، ونصر بن عبد الرحمن الوشاء، ونصر بن مزاحم.

قال أبو حاتم: كوفي قدم بغداد منكر الحديث. وذكره ابن حبان في

__________________________________________________

(1) وهذه الجملة لم يذكرها «الدكتور».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 150

الثقات. روي له الترمذي حديثاً واحداً في الحج» «1».

فقد ذكر ابن حجر أسماء جماعةٍ من الأئمة رووا عن زيد بن الحسن- وهو ما نصَّ عليه الترمذي من قبل- وأن ابن حبان ذكره في الثقات.

ويبقي قول أبي حاتم: «منكر الحديث» وهو غير مسموع:

أمّا أولًا: فلأنّه لو كان منكر الحديث لما أخرج عنه هؤلاء الأئمة:

كابن راهويه، وابن المديني، وسعيد بن سليمان، والترمذي …

وأمّا ثانياً: فلأنّ «أبا حاتم» متعنّت في الرّجال، ولا يبني علي تجريحه كما نصَّ عليه الحافظ الذهبي بترجمته حيث قال:

«إذا وثّق أبو حاتم رجلًا فتمسك بقوله، فإنّه لا يوثّق إلّارجلًا صحيح الحديث، وإذا ليّن رجلًا أو قال فيه: لا يحتج به. فلا. توقّف حتي تري ما قال غيره فيه، وإن وثقه أحد فلا تبن علي تجريح أبي حاتم، فإنه متعنّت في الرجال، قد قال في طائفةٍ من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو

ذلك» «2».

وقال الذهبي بترجمة أبي زرعة الرازي: «يعجبني كثيراً كلام

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 3/ 350.

(2) سير أعلام النبلاء «ترجمة أبي حاتم» 13/ 247.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 151

أبي زرعة في الجرح والتعديل، يبين عليه الورع والخبرة. بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جرّاح» «1».

حول رأي ابن الجوزي في حديث الثقلين: … ص: 151

وبعد:

فقد تحقق أنّ حديث الثقلين من الأحاديث الثابت صدورها عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وقد نصَّ علي صحته وثقة رواته كبار الأئمة والحفّاظ المعتمدين عند القوم.

ولهذا تراهم ينبّهون علي وهم الحافظ ابن الجوزي بذكره الحديث في كتابه (العلل المتناهية) قال ابن حجر المكي: «وذكر ابن الجوزي لذلك في (العلل المتناهية) وهم أو غفلة عن استحضار بقيّة طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال ذلك يوم غدير خم»! «2».

وأيضاً: يحذّرون من أن يغتر أحد بصنيعه، فيقول الحافظ السّمهودي: «ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في (العلل المتناهية)! فإيّاك أن تغترَّ به، وكأنّه لم يستحضره حينئذٍ»! «3».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء «ترجمة أبي زرعة» 13/ 65.

(2) الصواعق المحرقة: 90.

(3) جواهر العقدين: 232.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 152

ومن هنا يظهر: أنّ ما فعله ابن الجوزي لا قيمة له ولا يعبأ به، وأن مقتضي حسن الظنّ به أن يقال: لم يستحضره!

وقد يقوي حمله علي الصّحة بما إذا علمنا أنّه نفسه يروي هذا الحديث الشّريف في كتابه في الروايات (المسلسلات) «1» حيث جاء فيه:

«الحديث الخامس: أنا محمد بن ناصر قال: أنا محمد بن علي بن ميمون، قال: أنا أبو عبداللَّه محمد بن علي العلوي قال: ثنا القاضي محمد بن عبداللَّه الجعفي قال: ثنا الحسين بن محمد القراري قال: ثنا الحسن بن علي

بن بزيع قال: ثنا يحيي بن حسن بن فرات قال: ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي، عن الحارث بن حصيرة، عن صخر بن الحكم عن حبان بن الحارث الأزدي، عن الربيع بن جميل الضبي، عن مالك بن ضمرة:

عن أبي بكر: إن رسول اللَّه قال: يرد عليَّ الحوض راية علي أمير المؤمنين وإمام الغرّ المحجّلين، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدّقناه، ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه. فأقول: ردوا

__________________________________________________

(1) كما في نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة رقم: 37 ق 6- 27. انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (فهرس حديث ص 40) وهذا الحديث في الورقة 8 أ- ب.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 153

رواءً. فيشربون شربةً لا يظمأون بعدها أبداً، وجه إمامهم كالشمس الطالعة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجمٍ في السماء».

هذا، وسنتعرّض عن قريب لبعض كلمات العلماء الصّريحة في عدم الاعتداد بآراء ابن الجوزي في الأحاديث والرجال …

والواقع:

إنّ ابن الجوزي ذكر حديث الثقلين بسندٍ له عن عطيّة عن أبي سعيد في كتابه الذي ألّفه في الأحاديث الضعيفة بزعمه وأسماء ب (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) … فقال: «هذا حديث لا يصح» ثم جعل يطعن في السّند «1».

فمعني قوله: «لا يصح» أي: «ضعيف» وليس معناه كونه «موضوعاً» عنده … إذ لو كان يراه موضوعاً لذكره في كتابه الآخر الذي أسماه ب (الموضوعات) «2».

فابن الجوزي قد ضعّف حديث الثقلين، لكن علي أساس الطريق الذي ذكره، ولذا احتمل القوم كونه لم يستحضر بقيّة طرقه … !!

لكنّ «الدكتور» اغترّ بابن الجوزي، ونسب إليه أنّه «اعتبر هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة» ولا يخفي ما في هذا التعبير!

إنّه

__________________________________________________

(1) العلل المتناهية 1/ 268.

(2) طبع هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 154

يوهم ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الأحاديث الموضوعة التي أدرجها في كتابه (الموضوعات)، وقد عرفت واقع الحال!

إلّا أن «الدكتور» يضطرب في كلامه ويتلعثم … فيقول بعد ذلك مباشرةً:

«وإن كانت الروايات في جملتها كما يبدو لا تجعل الحديث ينزل إلي درجة الموضوع».

ثم يعود فيقول:

«إننا قد نوافق علي عدم جعل الحديث من الموضوعات. ومع هذا، فابن الجوزي قد يكون له ما يؤيّد رأيه!»

أنظر إلي هذا الرجل! كيف يتلّون ويضطرب!

يحذّر العلماء من الاغترار بذكر ابن الجوزي حديث الثقلين في (العلل المتناهية) ويحملون عمله علي الصحّة ب «لعلّ» و «كأنّ» ابن الجوزي لم يستحضر من طرقه غير الطريق الذي ذكره …

و «الدكتور» ينسب إليه القول بوضع الحديث جازماً بذلك، وكأنّه موضوع عند ابن الجوزي! وبكلّ طرقه وأسانيده!

ثم يقول تارةً: «لا ينزل إلي درجة الموضوع»! وأخري: «قد يكون له ما يؤيّد رأيه»!

ثم ما هو المؤيّد الذي قد يكون؟!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 155

استمع إليه:

«فليس من المستبعد أن يكون هذا الحديث كوفي النشأة»!

باللَّه عليك! يجعل ابن الجوزي قائلًا بوضع الحديث! ثم يقول «قد يكون»! له «ما يؤيّد»! وهو «فليس من المستبعد … »!!

سبحان اللَّه!!

يتكلّم «الدكتور» وكأنّه قد اكتشف حقيقةً عجز عن كشفها جهابذة الحديث والرجال وغيرهما من الفنون … وتوصّل إلي ما خفي علي أئمة قومه … بعد قرون … !!

لكنّه يعلم أن في علماء هذا العصر، ممّن يعتقد بهم علماً وتحقيقاً، وهم لا يقلّون عنه عناداً وتعصّباً … من لم يغتر بتضعيف ابن الجوزي، بل يقول بخطئه، ويعترف بصحّة حديث الثّقلين …

«وفي عصرنا وجدنا العلّامة المحقّق الشيخ ناصر الدين

الألباني … » «1».

ويقول عن الدكتور أحمد محمود صبحي:

«اعتبر حديث التمسّك بالكتاب والعترة من الأحاديث المتفق علي صحتها عند أهل السنة» «2».

__________________________________________________

(1) أنظر: ص 25.

(2) هامش ص: 40.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 156

أقول:

وكذلك غيرهما:

كالعّلامة المحقق الشيخ أحمد البنّا في كتابه: (الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني 1/ 186) وفي كتابه: (بلوغ الأماني. المطبوع في ذيل الفتح الرباني 4/ 26) حيث أخرجه ثم قال:

«وهو في صحيح مسلم وغيره».

والاستاذ العّلامة توفيق أبو علم … في كتابه (أهل البيت 77- 80) وذكر: «أحاديث الثقلين من الأحاديث التي رواها أجلّاء علماء أهل السنة، وأكابر محدثيهم، في صحاحهم، بأسانيدهم المتعددة، واتفق علي روايتها الفريقان … » وسنذكر مجمل كلامه في (فقه الحديث).

والعّلامة المحدّث الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، في تعاليقه علي كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني: «المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية 4/ 65).

والعلّامة المحقق الكبير الشيخ محمود أبو ريّة حيث قال: «وقد جاء هذا الحديث بروايات مختلفة- والمعني واحد- في كثير من كتب أهل السنة. وإذا أردت الوقوف علي هذه الرّوايات فارجع إلي كتاب (المراجعات) التي جرت بين العلّامة شرف الدين الموسوي رحمه اللَّه، وبين الاستاذ الكبير الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر سابقاً، في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 157

الصّفحات من (20) وما بعدها من الطبعة الرابعة» «1».

«الدكتور» وكتاب «المراجعات»: … ص: 157

لكنّ «الدكتور» له غيظ شديد من كتاب «المراجعات»!! ومنزعج من سعيه جادّاً للدخول إلي كلّ بيت علي حدّ تعبيره!!

يقول:

«وفي عصرنا أيضاً نجد كتاباً يسعي جادّاً للدخول إلي كلّ بيت، رأيت طبعته العشرين في عام 1402 ه، ويوزّع علي سبيل الهديّة في الغالب الأعم، واسم الكتاب (المراجعات). ذكر مؤلّفه شرف الدين الموسوي هذا الحديث بالمتن الذي بيّنا ضعف

أسانيده وقال بأنه حديث متواتر. ثم نسب للشيخ سليم البشري- رحمه اللَّه- شيخ الأزهر والمالكية: أنه تلقي هذا القول بالقبول، وأنّه طلب المزيد. ثم ذكر صاحب المراجعات بعد ذلك روايات أشد ضعفاً، ونسب للشّيخ البشري أيضاً أنه أعجب بها، ورآها حججاً ملزمة … ».

أقول:

أوّلًا: إن (السيّد شرف الدين العاملي) من كبار علماء الطائفة الشّيعية، لكنّك تري «الدكتور» حيث يذكره يقول: «مؤلّفه شرف الدين

__________________________________________________

(1) أضواء علي السنّة المحمدية: 404.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 158

الموسوي» في حين يذكر الشيخ البشري باحترام مترحّماً عليه، ويذكر الشيخ الألباني ب «العلّامة المحقّق الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه اللَّه» و «الشّيخ الجليل» مرةً بعد أخري …

فإن كان يجهل بمنزلة السيّد شرف الدين وجب عليه أن يسأل! لكنّ نسبة «الدكتور» إلي الجهل حمل علي الصحّة، فالسيّد شرف الدين أعرف وأشهر وأجلّ … يقول الاستاذ عمر رضا كحّالة: «عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي: عالم، فقيه، مجتهد، ولد بالمشهد الكاظمي مستهل جمادي الآخرة، وأخذ عن طائفةٍ من علماء العراق، وقدم لبنان، ورحل إلي الحجاز ومصر و دمشق وإيران، وعاد إلي لبنان فكان مرجع الطائفة الشيعيّة، وأسس الكليّة الجعفرية بصور، وتوفي ببيروت في 8 جمادي الآخرة (سنة 1377) ونقل جثمانه إلي العراق فدفن بالنجف.

من آثاره: المراجعات. وهي أسألة وجّهها سليم البشري إلي المترجم فأجاب عليها. أبو هريرة. الشيعة والمنار. إلي المجمع العلمي العربي بدمشق. والفصل المهمة في تأليف الأمة» «1».

وثانياً: إنّ كتاب (المراجعات) من أجلّ الكتب المؤلّفة في مسألة الإمامة في العصور المتأخّرة، أهداه مؤلّفه «إلي أولي الألباب من كلّ

__________________________________________________

(1) معجم المؤلفين 5/ 87.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 159

علّامة محقق، وبحّاثة مدقّق، لابس الحياة العلميّة فمحّص حقائقها.

ومن كلّ حافظ

محدّث جهبذ حجّة في السنن والآثار، وكلّ فيلسوف متضلّع في علم الكلام، وكلّ شابٍ حي مثقّف حرّ قد تحلّل من القيود وتملّص من الأغلال، ممن نؤملّهم للحياة الجديدة الحرّة».

إنّه كتاب يحتوي علي أسألة الشيخ البشري، يستوضحه فيها من آراء الإماميّة وعقائدهم، وعلي أجوبة السيد شرف الدين عن تلك الأسئلة، بالاستناد إلي كتب أهل السنّة في الحديث والرجال والتاريخ وغيرها …

لقد أصبح كتاب (المراجعات) منذ انتشاره من أهم المصادر والمراجع المعتمدة في البحوث العلميّة، وعاد كثير من الناس ببركة أساليبه الرصينة وبراهينه المتينة إلي الرشد والصواب والطريق الحق والصّراط المستقيم.

وثالثاً: إنّ (الشيخ سليم البشري) لمّا كان عالماً منصفاً يريد الإصلاح بين المسلمين، مضطر إلي الإذعان بصحة حديث الثقلين وغيره، وكذلك يكون كلّ فردٍ طالب للحق، داعٍ إلي الخير.. فلو لم يتلقّ (الشيخ) ما قاله (السيّد) بالاستناد إلي الكتب المعتمدة لدي (الشيخ) وطائفته … لُتعُّجب منه … كما تعجّب كبار الحفّاظ كالسّخاوي والسمهودي وابن حجر المكي وغيرهم من إيراد ابن الجوزي الحديث

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 160

في (العلل المتناهية)!

رابعاً: إنّ (حديث الثقلين) أوّل الأحاديث المطروحة في هذه (المراجعات)، وهو لم يخرجه إلّاعن: أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، والحاكم، وأبي يعلي، وابن سعد، والطبراني، والسيوطي، وابن حجر المكي، والمتّقي الهندي …

تنبيه:

قد تعرّض «الدكتور» في هامش هذا الموضع من كتابه لثلاثة أحاديث أوردها صاحب (المراجعات) عن كتب القوم، رواها أئمتهم كالحافظ المطيّن، والباوردي، وابن جرير الطبري، وابن شاهين، وابن مندة، وأبي نعيم، والحاكم، والطبراني، والسيوطي، والمتقي الهندي … وغيرهم … فنقل «الدكتور» عن الشيخ الألباني أنّ هذه الأحاديث الثلاثة موضوعة …

ونقول:

أوّلًا: ما الدليل علي تقدّم قول الألباني علي قول مثل الحاكم حيث ينصّ علي صحّة

حديثٍ علي شرط الشيخين؟

وثانياً: إنّ تكذيب هذه الأحاديث وأمثالها إنّما هو طعن في رواة القوم وعلمائهم وكتبهم، لأنّ هؤلاء الرواة والمحدّثين إن كانوا يعتقدون بصحّة هذه الأحاديث عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فهي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 161

أحاديث متفق عليها بين المسلمين، وإن كانوا يعتقدون بكذبها واختلاقها عليه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، لزم أن يكونوا أيضاً كاذبين، لأنّ ناقل الكذب كاذب، وإن كانوا يروونها جاهلين بأحوالها، ثم جاء الشّيخ الألباني فكان أعلم منهم فيما رووه، فهذا ما لا أظنّ الألباني يدّعيه، ولا «الدكتور» يصدّقه!!

وثالثاً: إن غرض الشيعي من نقل هذه الأحاديث هو إلزام رواتها بها، وكذا إلزام من يمجّد بأولئك الرواة ويثني علي كتبهم بالألقاب الضخمة!!

ورابعاً: الإعتراض علي السيد شرف الدين بأنّه «حكي تصحيح الحاكم للحديث دون أن يتبعه بيان علّته، أو علي الأقل دون أن ينقل كلام الذهبي في نقده» مردود بوجوه:

الأوّل: إن الغرض هو الاحتجاج بكتب أهل السنّة ورواياتهم!

والثاني: إنّ الحديث لو كان له علة، لبيّنها الحاكم نفسه، كما بيّن- حسب رأيه- في غير موضع.

والثالث: كيف يطلب نقل كلام الذهبي في نقده من لا ينقل تصحيح الذهبي حديث الثقلين تبعاً للحاكم؟!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 162

خلاصة البحث: … ص: 162

إنّه قد ذكرت بعض ألفاظ حديث التمسّك بالكتاب والعترة، وأنَّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كرّر هذا الكلام في مواطن عديدة، ثم ذكرت جملةً من مصادره (الصّحاح) وأسماء جماعةٍ من الأعلام المصرّحين بصحته وثبوته عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

ثم أشرت إلي أنّه حديث متواتر، وذكرت أسامي رواته من الأصحاب ثم التابعين ثم الأئمة والحفّاظ عبر القرون …

أما «الدكتور»، فقد اقتصر علي بعض روايات الحديث،

وأخرجه تخريجاً يوهم القرّاء أن ليس لهذا الحديث وجود في كتابٍ غير الكتب التي نقل عنها، وحتي هذه الكتب لم يذكر إلّابعض ما روي فيها … فزعم أنّ أحمد لم يخرج في (المسند) لهذا الحديث إلّاسبع روايات، وقد عرفت أنّها أكثر، والثامن منها سنده معتبر تام بلا كلام … وعن المستدرك لم يذكر سوي روايتين، وقد أخرج فيه أربع روايات، صحّحها علي شرط الشيخين، ووافقه الحافظ الذهبي في ثلاثة منها بصراحةٍ، فلم يشر «الدكتور» إلي موافقته، لكنّه حيث ذكر الذهبي في الرّابعة جرح السّعدي الجوزجاني النّاصبي الشهير في أحد رواتها أشار «الدكتور» الي هذا الجرح واعتمده تبعاً لِمَن لا يجوز متابعته، ولا يتابعه إلّامن كان علي شاكلته!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 163

ومع ذلك كلّه … تبيّن أنّ مناقشاته في أسانيد الرّوايات التي أوردها مردودة كلّها، وقد اعتمدنا في الجواب عمّا تفوّه به علي كتاب (تهذيب التهذيب)، وهو الكتاب الذي طالما أرجع إليه في بحثه … إلّاأنّه كان- لدي النقل عنه- لا ينقل إلّاما يتوّهم دلالته علي مدّعاه ويسقط ما عداه.

فروايات هذا الحديث الشريف كلّها معتبرة سنداً، سواء التي في (صحيح مسلم) وغيره من الصحاح، والتي في (مسند أحمد) وغيره من المسانيد، والتي في (صحيح الترمذي) وغيره من السنن.

وأمّا روايات الحاكم في المستدرك، فما اتفق منها هو والذهبي علي صحته علي شرط الشيخين، يكون بحكم الحديث المخرّج في (الصحيحين) كما هو مقتضي كلام أئمة القوم …

من كلمات الأعلام في ابن الجوزي: … ص: 163

ومن هنا لا تجد من يقول بضعف الحديث الشريف- فضلًا عن وضعه- إلّاابن الجوزي … ولم يعبأ بقوله أحد، بل تعجّبوا منه وحذّروا من الاغترار به، بل تجد في كلماتهم حول الرّجل التصريح بأنّه لا يؤخذ بكلامه حول

الأحاديث ولا يعتمد عليه … وإليك بعض الشواهد علي ذلك:

قال الذهبي بترجمة أبان بن يزيد العطّار: «قد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء ولم يذكر فيه أقوال من وثقه، وهذا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 164

من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق» «1».

وبترجمة ابن الجوزي نفسه من (تذكرة الحفاظ) عن الموقاني:

«وكان كثير الغلط فيما يصنّفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره» فأضاف الذهبي: «قلت: له وهم كثير في تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحوّل إلي مصنف آخر، ومن أن جلّ علمه من كتبٍ وصحف ما مارس فيه أرباب العلم كما ينبغي» «2».

وقال ابن حجر بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري بعد قصة:

«دلّت هذه القصة علي أن ابن الجوزي حاطب ليلٍ لا ينتقد ما يحدّث به» «3».

وقال السّيوطي: «قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه» «4».

وقال السّيوطي في تعقيباته: «واعلم أنّه جرت عادة الحفاظ كالحاكم وابن حبّان والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون علي حديثٍ

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1/ 16.

(2) تذكرة الحفاظ 4/ 1347.

(3) لسان الميزان 2/ 83.

(4) طبقات الحفّاظ: 480.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 165

بالبطلان من حيثيّة سندٍ مخصوص، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفاً من وجهٍ آخر، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به، فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم علي المتن بالوضع مطلقاً، ويورده في كتاب الموضوعات، وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر».

وقال السيوطي بشرح النووي: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين، أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر في كتابه كثيراً ممّا لا دليل علي

وضعه بل هو ضعيف» وأضاف السيوطي: «بل وفيه الحسن بل والصحيح، وأغرب من ذلك أن فيها حديثاً من صحيح مسلم كما سأبيّنه.

قال الذهبي: ربما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قويّةً … » «1».

هذا، وقد ذكروا بترجمته أنّه قد أودع السّجن مدةً من الزّمن بفتوي علماء عصره لبعض ما ارتكبه … «2».

فكان حال ابن الجوزي في نظر علماء القوم وفقهائهم حال ابن تيميّة الحرّاني الذي حكم عليه بالسّجن- بعد أن لم يفد معه البحث،

__________________________________________________

(1) تدريب الراوي 1/ 235.

(2) مرآة الجنان- حوادث 595.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 166

ولم تؤثّر فيه الموعظة والنصيحة- فبقي مسجوناً إلي أن مات في السّجن … «1».

__________________________________________________

(1) راجع ترجمة ابن تيمّية في المصادر الرجالية والتاريخيّة، من ذلك: الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر 1/ 147، البدر الطّالع للحافظ الشوكاني 2/ 260. وقال ابن حجر المكي صاحب الصواعق في فتويً له: «ابن تيمية عبد خذله اللَّه وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه، وبذلك صرّح الأئمة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق علي إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العزّ ابن جماعة، وأهل عصرهم، وغيرهم من الشافعيّة والمالكية والحنفيّة. ولم يقصر اعتراضه علي متأخّري الصوفية، بل اعترض علي مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه عنهما.

والحاصل: أن لا يقام لكلامه وزن، بل يرمي في كلّ وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه ضال مضل غال، عامله اللَّه بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله. آمين» الفتاوي الحديثيّة: 86.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 168

الباب الثاني فقه حديث الثقلين … ص: 168

اشارة

حديث الثقلين وصية الرسول

فقه الحديث في صحيح مسلم

لا اختلاف في فقه

الحديث بين روايات مسلم وروايات غيره

تنبيهات

مع الدكتور السالوس في فقه حديث الثقلين

كلمة الختام

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 169

وهلّم لننظر في فقه حديث الثقلين …

وفي هذا الباب أيضاً … نرجع إلي كبار علماء القوم المحقّقين، أصحاب الكتب المعتمدة المرجوع إليها في فهم السّنة الكريمة، والأحاديث الواردة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم …

فلنرجع إلي

المنهاج في شرح صحيح مسلم، للنووي.

ونفع قوت المغتذي في شرح الترمذي، للشّاذلي.

والمرقاة في شرح المشكاة، للقاري.

ونسيم الرياض في شرح الشفاء، للخفاجي.

وفيض القدير في شرح الجامع الصغير، للمناوي.

وشرح المواهب اللدنية، للزرقاني.

وأمثال هذه الكتب من الشروح وكتب اللغة وغيرها …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 170

حديث الثقلين وصيّة الرسول: … ص: 170

وقبل الورود في البحث نشير إلي أنّ تكرار النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حديث الثقلين، وفي الأيام الأخيرة من عمره الشريف، فيه دلالة واضحة علي أنّه وصيّة منه لأمّته، وهذا ما جاء في كلام غير واحدٍ من علماء القوم، بل ذكر بعضهم الحديث بلفظ الوصيّة … فقد قال في لسان العرب: «وفي حديث النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: أوصيكم بكتاب اللَّه وعترتي».

وقال ابن حجر المكي: «وقد جاء الوصية الصّريحة بهم في عدّة أحاديث، منها حديث: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي الثقلين أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال الترمذي: حسن غريب. وأخرجه آخرون.

ولم يصب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية، كيف! وفي صحيح مسلم وغيره … » «1».

وقال الحافظ السخاوي في (استجلاب ارتقاء الغرف) «2»: «قد جاءت الوصية الصريحة بأهل البيت في

غيرها من الأحاديث، فعن

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 90.

(2) استجلاب ارتقاء الغرف 1/ 336.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 171

سليمان بن مهران الأعمش … » إلي آخر عبارته. وقد تقدمت.

وقال الحافظ السمهودي في (جواهر العقدين) «1»: «الذكر الرابع:

في حثّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الأمة علي التمسّك بعده بكتاب ربهم، وأهل بيت نبيّهم، وأن يخلفوه فيهما بخير، وسؤاله من يرد عليه الحوض عنهما، وسؤال ربه عزّوجل الأمة كيف خلفوا نبيّهم فيهما، ووصيّته بأهل بيته، وأنّ اللَّه تعالي أوصاه بهم … ».

إذا عرفت هذا، فلننظر في ألفاظ الحديث علي ضوء كلمات القوم:

فقه الحديث في صحيح مسلم: … ص: 171

اشارة

* قوله: صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «إني تارك فيكم الثقلين». وفي رواية الحافظ الدارقطني بدل «تارك» لفظ «مخلّف» … هكذا في رواية مسلم وكثيرين.

و «الثقلان» مثني «ثقل» بفتحتين، كما في (القاموس) وغيره، قال في القاموس: «والثقل- محركةً-: متاع المسافر وحشمه، وكلّ شي ء نفيس مصون، ومنه الحديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي» «2».

__________________________________________________

(1)

جواهر العقدين: 231.

(2) القاموس المحيط: ثقل.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 172

أو مثني «ثِقل» بكسر الثاء وسكون القاف، كما قال جماعة آخرون من أهل الحديث واللّغة، قال في لسان العرب: «التهذيب «1»: وروي عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنه قال في آخر عمره: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي. فجعلهما كتاب اللَّه عزّوجل وعترته. وقد تقدم ذكر العترة. وقال ثعلب «2»: سمّيا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل. قال: وأصل الثقل أن العرب تقول لكلّ شي ء نفيس خطير مصون: ثقل. فسمّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما … » «3».

وقال الحافظ الزرندي المدني: «سمّاهما ثقلين، لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما والمحافظة علي رعايتهما ثقيل …

» «4».

وقال ابن الأثير: «فيه «5»: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه

__________________________________________________

(1) تهذيب اللغة للامام أبي منصور الأزهري المتوفي سنة: 370.

(2) أبو العباس أحمد بن يحيي ثعلب المتوفي سنة: 291.

(3) لسان العرب: ثقل.

(4) نظم درر السمطين 231- 232.

(5) أي: في الحديث.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 173

وعترتي. سمّاهما ثقلين لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. ويقال لكلّ شي ء خطير نفيس: ثقل. فسمّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما» «1».

وقال النووي: «قوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: وأنا تارك فيكم ثقلين. فذكر كتاب اللَّه وأهل بيته. قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل: لثقل العمل بهما» «2».

* «أوّلهما»: … ص: 173

فقد ترك النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم شيئين سمّاهما- فيما أخرجه مسلم- ب «ثقلين» أحدهما: كتاب اللَّه … فما هو الثاني؟ إنه ليس إلّا «أهل بيته»، فلذا قال النووي بشرح صحيح مسلم: «فذكر كتاب اللَّه وأهل بيته» … وهو أيّ معنيً أراد من تسمية «الكتاب» ب «الثقل»، فنفس المعني هو المراد من تسميته «العترة أهل البيت» ب «الثقل»، ولا ريب في أنّه إنّما ترك «الكتاب» في الأمة لكي تتمسّك به وتعمل به وتتبّعه وتطبّق ما جاء به، فكذلك الأمر بالنسبة إلي «العترة أهل البيت».

إذن، «فالكتاب والعترة» هما الخليفتان من بعده، اللّذان يملآن الفراغ الحاصل من فقده.

* ومن هنا، فقد جاء الحديث في غير واحدٍ من الروايات بلفظ

__________________________________________________

(1) النهاية في غريب الحديث «ثقل».

(2) المنهاج في شرح صحيح مسلم 15/ 180.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 174

«إني تارك فيكم خليفتين» ومن الذين أخرجوه كذلك:

أحمد بن حنبل، عن زيد بن ثابت. وقد تقدّم.

وابن أبي عاصم الشيباني المتوفي سنة 287 «1» في (كتاب السنّة) «2» عن زيد بن ثابت،

وفيه تسمية «الكتاب والعترة» ب «الثقلين» و «الخليفتين» معاً، وهذا مما يؤكّد ما قلناه. واعلم أنه قد أخرج حديث الثقلين عن عليّ، وعبداللَّه بن عمر، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس … بعشرة أسانيد «3».

وأبو القاسم الطّبراني، وعنه الحافظ أبو بكر الهيثمي قال: «عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إني تركت فيكم خليفتين كتاب اللَّه وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض. رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات» «4».

وجلال الدين السّيوطي عن أحمد والطبراني وصحّحه.

قال شارحه المناوي: «إني تارك فيكم بعد وفاتي خليفتين. زاد في

__________________________________________________

(1) قال الذهبي في العبر 2/ 79: «كان إماماً، فقيهاً، ظاهرياً، صالحاً، ورعاً، كبير القدر، صاحب مناقب».

(2) نشر وتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني. ذكره «الدكتور» بكلّ احترام وأثني عليه.

(3) انظر كتاب السنة: 628- 631.

(4) مجمع الزوائد 9/ 163.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 175

رواية: أحدهما أكبر من الآخر. وفي روايةٍ بدل خليفتين: ثقلين سمّاهما به لعظم شأنهما.

عهده، وقيل: السبب الموصل الي رضاه. وعترتي. بمثنّاة فوقيّة.

أهل بيتي. تفصيل بعد إجمال بدلًا أو بياناً، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» «1».

فالخليفتان من بعده صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم هما: القرآن وأصحاب الكساء الذين أذهب اللَّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً …

* «أُذكّركم اللَّه في أهل بيتي»: … ص: 175

ولمّا كان القرآن كلام اللَّه، وكان أصحاب الكساء معصومين مطهّرين بنصّ الكتاب- وهم المراد من «عترتي أهل بيتي» - كان من الواجب الأخذ بهما واتّباعهما، والايتمار بأوامرهما والانتهاء بنواهيهما، والتمسّك بهما في جميع الأمور الدينية والدنيويّة … ولهذا جاء لفظ «الأخذ» والأمر به في رواية غير واحدٍ:

كالترمذي في صحيحه.

وابن أبي شيبة في مصنفه.

وأحمد في مسنده.

__________________________________________________

(1) فيض القدير 3/ 14.

سلسلة اعرف الحق

تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 176

وابن سعد في طبقاته.

والطبراني في معجمه الكبير.

وقد تقدمت رواياتهم …

قال القاري: «والمراد بالأخذ بهم التمسّك بمحبّتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل بروايتهم، والاعتماد علي مقالتهم» «1».

وقال شهاب الدين الخفاجي: «أي تمسّكتم وعملتم واتبعّتموه» «2».

فإذن: «الأخذ» هو «الاتّباع».

* وقد جاء الحديث بلفظ «الاتّباع» عند غير واحد:

كالحاكم في مستدركه. وقد تقدّم لفظه.

وكابن حجر المكي في صواعقه، في معني قوله تعالي «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ».

* وكما حثّ علي اتّباع كتاب اللَّه عزّوجل ورغّب في التمسك به، كذلك حثَّ علي اتّباع العترة أصحاب الكساء والتمسّك بهم، فقال ثلاثاً:

«أذكّركم اللَّه في أهل بيتي» قال الزرقاني المالكي بشرح هذه الجملة:

«قال الحكيم الترمذي: حضٌّ علي التمسّك بهم، لأنّ الأمر لهم

__________________________________________________

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5/ 600.

(2) نسيم الرياض- شرح شفاء القاضي عياض 3/ 410.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 177

معاينة، فهم أبعد عن المحنة» «1».

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي: «لقد كرّر هذه الكلمة للمبالغة والتوكيد، وهي إشارة إلي وجوب أخذ السنّة منهم، كما أنّ الأولي إشارة إلي الأخذ بما في الكتاب. فعلي جميع الذين آمنوا أن يكونوا مطيعين لأهل بيت النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم» «2».

حاصل معني الحديث: … ص: 177

إن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لمّا أحسّ بدنّو أجله، أوصي أمّته بأهم الأمور لديه، وهما الكتاب والعترة، وجعلهما الخليفة من بعده، وحثّ علي التمسّك بهما واتّباعهما، وحذّر من تركهما والتخلّف عنهما، خوفاً عليها من الضلالة والهلاك …

قال ابن حجر المكّي: «تنبيه: سمّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم القرآن وعترته- وهي بالمثنّاة الفوقية: الأهل والنسل والرهط الأدنون- ثقلين، لأنّ الثقل كلّ شي ء نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللّدنّية والأسرار والحكم العليّة والأسرار الشرعيّة، ولذا

حثّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم علي الاقتداء

__________________________________________________

(1) شرح المواهب اللدنية 7/ 5.

(2) أشعة اللمعات في شرح المشكاة 4/ 677.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 178

والتمسّك بهم والتعلّم منهم» «1».

لا اختلاف بين روايات مسلم وروايات أحمد والترمذي: … ص: 178

وإذا كان الكتاب والعترة بتلك المثابة التي أفادتها روايات صحيح مسلم- كما شرح كبار علماء الحديث- فلا يبقي أيّ فرقٍ واختلاف بين مفاد حديث الثقلين في (صحيح مسلم) ومفاده في (مسند أحمد) و (الترمذي) و (الطبراني) و (الحاكم) و (الذّهبي) وغيرهم …

غير أنّ في روايات هؤلاء زيادة توضيحيّة ليست موجودةً في روايات مسلم …

وإن شئت، فقارن بين لفظ مسلم، ففيه: «ألا أيّها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب اللَّه، فيه الهدي والنور، فخذوا كتاب اللَّه واستمسكوا به، فحثّ علي كتاب اللَّه ورغّب فيه. ثم قال: وأهل بيتي.

أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي».

وبين لفظ أحمد: «إني أوشك أن أدعي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه عزّوجل. وعترتي. كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 90.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 179

إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإن اللّطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما».

وبين لفظ الترمذي: «إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، أحدهما أعظم منم الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

فهل من فرق؟

أمّا «لن تضلّوا بعدي».

فبيان لنتيجة التمسّك بالثقلين، وهذا أمر حتمي يفهمه كلّ أحدٍ، فإنّ من تمسّك بالقرآن والعترة لن يضل، ومن ترك اتّباعهما ضلّ …

وأمّا «أنّهما

لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض».

فبيان لما يستلزمه كونهما معاً جنباً إلي جنبٍ في جميع الأزمنة، إذ لو أمكن مفارقة العترة الكتاب في يومٍ من الأيام لما سمّاهما رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم ب «الثقلين».

وأمّا «فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

فتأكيد للوصيّة بهما.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 180

ذكر العلماء الروايات المذكورة في سياق واحد: … ص: 180

وممّا يؤكد ما ذكرناه، من عدم الاختلاف بين هذه الروايات في المدلول والمفاد: ذكر غير واحدٍ من أعلام الحفاظ إياها في سياقٍ واحدٍ وتحت عنوانٍ واحدٍ … ونحن نكتفي بكلامِ واحدٍ منهم:

قال الحافظ محبّ الدين الطبري «1» في كتابه (ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي) ما هذا نصّه:

«باب في فضل أهل البيت، والحثّ علي التمسّك بهم وبكتاب اللَّه عزّوجل، والخلف فيهما بخير:

عن زيد بن أرقم: رضي اللَّه عنه- قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللَّه عزّوجلّ، حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.

__________________________________________________

(1)

من كبار حفّاظ القوم وشيخ الحرم المكي في عصره، توجد ترجمته في: تذكرةالحفاظ 4/ 1474، النجوم الزاهرة 8/ 74، البداية والنهاية 13/ 30، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 8، الوافي بالوفيات 7/ 135 طبقات الحفاظ: 510 وغيرها من معاجم التراجم. توفي سنة 694.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 181

وعنه قال: قام فينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم خطيباً، فحمد اللَّه وأثني عليه ثم قال: أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عزّوجلّ فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين، أوّلهما كتاب اللَّه، فيه الهدي

والنور، فتمسّكوا بكتاب اللَّه عزّوجلّ وخذوا به- وحثّ فيه ورغّب فيه ثم قال- وأهل بيتي. أذّكركم اللَّه في أهل بيتي- ثلاث مرّات-.

فقيل لزيد: من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: بلي إن نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم عليه الصّدقة بعده. قال: ومن هم؟

قال: هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس. قال: أكلّ هؤلاء حرم عليهم الصدقة؟ قال: نعم. أخرجه مسلم.

وعند أحمد معناه من حديث أبي سعيد ولفظه:

إنه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال: إني أوشك أن أدعي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا فيما تخلفوني فيهما.

وعن عبد العزيز بسنده إلي النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال:

أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا، فمن تمسّك بنا اتخذ إلي ربّه سبيلًا. أخرجه أبو سعد في شرف النبوة» «1».

__________________________________________________

(1) ذخائر العقبي 16.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 182

تنبيهات … ص: 182

1- حديث التمسّك بالكتاب والعترة في خطبة الغدير: … ص: 182

إنّه قد تبيّن ممّا ذكرنا أنّ الذي قاله رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في خطبته- يوم خطب بماءٍ يدعي خمّاً بين مكّة والمدينة- هو حديث التمسّك بالكتاب والعترة … وقد نصَّ علي هذا غير واحدٍ من الحفّاظ أيضاً، ولنكتفِ بكلام الحافظ ابن كثير الدمشقي حيث قال:

«قد ثبت في الصحيح أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال في خطبته بغدير خم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» «1».

__________________________________________________

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/ 199.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 183

2- حديث التمسّك بالثقلين وحديث من كنت مولاه: … ص: 183

إنّه جاء في بعض ألفاظ خطبة الغدير حديث التمسّك بالكتاب والعترة وحديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» معاً … ومن الرواة:

محمد بن جرير الطبري.

وابن أبي عاصم.

والمحاملي.

رواه عنهم علي المتقي الهندي، ونصَّ علي أن المحاملي «1» صحّحه، وقد تقدّم نصّه.

ورواه الحاكم النيسابوري بثلاثة طرقٍ عن أبي عوانة عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم … » ثم قال: «هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله».

وقد وافقه الحافظ الذهبي علي تصحيحه علي شرطهما في (تلخيصه).

فكان هذا الحديث عن زيد بن أرقم شارحاً لما أخرجه مسلم عنه، من خبر خطبته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بغدير خم …

__________________________________________________

(1)

أبو عبداللَّه الحسين بن إسماعيل الضبّي البغدادي- المتوفي سنة 330- تجد ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 19، الكامل في التاريخ 8/ 139، العبر 2/ 222 تذكرة الحفاظ 3/ 824، طبقات الحفاظ: 343 وغيرها.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 184

وقد تقدّم نصّ الحديث في الكتاب.

ورواه النسائي في سننه، وعنه الحافظ ابن كثير ثم قال: «قال شيخنا أبو عبداللَّه الذهبي: وهذا

حديث صحيح» وهذا نصّه بتمامه:

«وقد روي النسائي في سننه عن محمد بن المثني عن يحيي بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لمّا رجع رسول اللَّه من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحاتٍ فقممن ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، ثم قال: اللَّه مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول اللَّه؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّارآه بعينيه وسمعه بأذنيه.

تفرّد به النسائي من هذا الوجه.

قال شيخنا أبو عبداللَّه الذهبي: وهذا حديث صحيح» «1».

__________________________________________________

(1) تاريخ ابن كثير/ البداية والنهاية 5/ 206.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 185

3- علي المصداق الأوّل للعترة في الحديث: … ص: 185

ومن ذلك يفهم المراد من قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«وعترتي أهل بيتي»، وهذا ما نصَّ عليه علماء القوم أيضاً:

قال ابن حجر المكي: «وفي أحاديث الحثّ علي التمسّك بأهل البيت إشارة إلي عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلي يوم القيامة …

ثم أحق من يتمسّك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- لما قدّمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته. ولذلك خصّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بما مرّ يوم غدير خم» «1».

4- دلالة الحديث علي وجود المستأهل من العترة إلي يوم القيامة: … ص: 185

ومنه يفهم وجود من يكون أهلًا للتمسّك به من العترة الطّاهرة في كلّ زمانٍ إلي يوم القيامة … وهذا أيضاً ممّا نصَّ عليه غير واحد:

قال ابن حجر المكي: «وفي أحاديث الحثّ علي التمسّك بأهل البيت إشارة إلي عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسّك به إلي يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما سيأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: في كلّ خلف من أمتي عدول

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 90.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 186

من أهل بيتي» «1».

وقال الحافظ الشريف السمهودي في تنبيهات حديث الثقلين:

«ثالثها: إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلًا للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمانٍ وجدوا فيه إلي قيام الساعة، حتي يتوجّه الحثّ المذكور إلي التمسّك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك- ولهذا كانوا- كما سيأتي- أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض» «2».

وكذا قال المنّاوي بشرح الجامع الصغير 3/ 15.

والزرقاني المالكي بشرح المواهب اللدنية 7/ 8.

ونقلا كلام الشريف السمهودي الحافظ المذكور …

5- دلالة الحديث علي إمامة الأئمة من العترة: … ص: 186

وإذ قد عرفت «فقه حديث الثقلين» علي ضوء كلمات علماء أهل السنّة المحققين، بعد الوقوف علي كثيرٍ من أسانيده وألفاظه … تتمكّن بكلّ سهولةٍ أن تعرف الذين جعلهم اللَّه ورسوله قائمين مقام الرّسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من بعده، في إدارة شئون المسلمين وتدبير

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 90.

(2) جواهر العقدين: 244.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 187

أمورهم، وتعليمهم الكتاب والحكمة، وتزكيتهم وإرشادهم … إلي غير ذلك من وظائف النبوّة …

وإنّ القيام بذلك لا يليق إلّالمن كان طاهراً مطهّراً من جميع أنواع الرّجس، وقد عرفت أنّ المراد من «عترتي أهل بيتي» هم: «أصحاب الكساء الذين أذهب اللَّه عنهم الرّجس وطهّرهم

تطهيراً».

وإلّا لمن كان أعلم الناس بالكتاب وأعرفهم بحقائق الدين … ولا ريب في أن «أهل بيته» كذلك، ومن هنا فقد ورد التصريح بذلك في بعض ألفاظ حديث الثقلين، كاللفظ المتقدّم نقله عن الحافظ الطّبراني في (المعجم الكبير) المشتمل علي قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم» «1».

وقال الشريف الحافظ السمهودي: «الذين وقع الحثّ علي التمسّك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب اللَّه عزّوجل، إذ لا يحثّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم علي التمسّك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتي يردا الحوض، ولهذا قال: لا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا،

__________________________________________________

(1) انظر الحديث في الكتاب.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 188

ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم» «1».

وقال الشيخ القاري في شرح المشكاة: «وأقول: الأظهر هو أنّ أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطّلعون علي سيرته، الواقفون علي طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا عدلًا لكتاب اللَّه سبحانه، كما قال: «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»» «2».

ولقد نصَّ نظام الدين النيسابوري في (تفسيره) علي ضوء حديث الثقلين علي كون «عترته» صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «ورثته، يقومون مقامه» وهذه عبارته بتفسير قوله تعالي «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَي عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ» قال:

«وكيف تكفرون، استفهام بطريق الإنكار والتعجّب. والمعني: من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أن آيات اللَّه تتلي عليكم علي لسان الرسول صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم غضّةً في كلّ واقعة، وبين أظهركم رسول اللَّه يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة …

أمّا الكتاب، فإنه باقٍ علي وجه الدهر.

__________________________________________________

(1) جواهر

العقدين: 243.

(2) المرقاة في شرح المشكاة 5/ 600.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 189

وأمّا النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فإنه وإن كان مضي إلي رحمة اللَّه في الظاهر، ولكنّ نور سرّه باقٍ بين المؤمنين، فكأنه باق، علي أنّ عترته صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، ولهذا قال: إني تارك فيكم الثقلين … » «1».

__________________________________________________

(1) غرائب القرآن ورغائب الفرقان 1/ 347.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 193

مع الدكتور السالوس في فقه حديث الثقلين … ص: 193

كلامه في «الفصل الثاني: فقه الحديث» … ص: 193

اشارة

و «الدكتور» لم يذكر في (فقه الحديث) إلّاأنّ ما صحّ عن زيد بن أرقم يدلّ علي وجوب رعاية حقوق أهل بيت الرسول صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم. (قال): وتعرّضت للحديث عن المراد بأهل البيت.

أقول:

ليس الصحيح بمنحصرٍ فيما روي عن زيد بن أرقم … وليس ما صحّ عن زيد بن أرقم بمنحصر بما جاء في «صحيح مسلم»، فقد صحّ عنه هذا الحديث بألفاظٍ أخري، وهي- مضافاً إلي صحّتها- موضّحة للمراد من اللّفظ المخرج في صحيح مسلم، علي أنّ الذي في صحيح مسلم بوحده كاف في الدلالة علي المقصود.

وقد بيّنا كلّ ذلك …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 194

قال:

«ويبقي هنا فقه الحديث الذي بيّنت ضعف طرقه، والضعيف ليس بحجّة، ولكن ما دمنا وجدنا من صحّحه فلنبحث في فقهه لو فرضنا صحته».

أقول:

قد بيّنا صحّة ما ادّعي ضعفه، علي أن ثمة طرقاً صحيحة لم يتعرض لها عمداً أو جهلًا … وليس الأمر كما ذكر من «وجدنا من صحّحه» بل الواقع: لم نجد ولا يوجد من ضعّفه إلّاابن الجوزي الذي ردّ عليه الكلّ … علي أنّ في اعترافه بأنه «وجدنا من صحّحه» كفاية.

قال:

«قال العلّامة المناوي في فيض القدير 3/ 14: إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم

بنواهيه …

ثم قال 3/ 15: لن يفترقا، أي الكتاب والعترة، أي يستمران متلازمين حتي يردا علي الحوض … ».

أقول:

فأورد عبارات عن العلّامة المناوي في كتابه المذكور، وفيها بعض كلمات الشريف السمهودي … ومنه يعلم قبوله لما يقول … وقد أوردنا نحن عنه وعن غيره العبارات الوافية الشافية في فقه حديث الثقلين

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 195

ومدلوله ومفاده …

وهو- وإن اقتصر علي هذا الكلام من المناوي فلم ينقل عنه الكلمات الأخري، كما لم ينقل كلمات الشرّاح غيره- قد عجز عن الجواب عمّا ذكر، فالتجأ إلي كلامٍ لابن تيميّة، فذكر بعده بلا فاصل:

«وقال ابن تيمية بعد أن بيّن أنّ الحديث ضعيف لا يصح: وقد أجاب عنه طائفة بما يدلّ علي أن أهل بيته كلّهم لا يجتمعون علي ضلالةٍ.

قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلي وغيره».

وقال أيضاً: «إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع، والعترة بعض الأمة، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة».

أقول:

هذا كلام «الدكتور» وهذا «فقهه»! وأيّ علاقةٍ لهذا بفقه حديث الثقلين؟

ثم ذكر «الدكتور» أموراً هي في الحقيقة اعتراف بالحق!

قال:

«1- يجب ألّا يغيب عن الذهن المراد بأهل البيت، فكثير من الفرق التي رزي ء بها الإسلام والمسلمون ادّعت أنها هي التابعة لأهل البيت.

2- أهل البيت الأطهار لا يجتمعون علي ضلالة، تلك حقيقة واقعة، ونلحظ هنا أنهم في تاريخ الإسلام لم يجتمعوا علي شي ء يخالف

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 196

اجماع باقي الأمة، فالأخذ بإجماعهم أخذ بإجماع الأمة كما أشار ابن تيمية.

3- إذا نظرنا إلي أهل البيت كأفرادٍ يتأسّي بهم، فمن يتأسّي به منهم ونتمسّك بسيرته، لابدّ أن يكون متمسّكاً بالكتاب والسنّة، فإن خالفهما فليس بمستحق أن يكون من أهل البيت.

وكلّ إنسان يؤخذ بقوله ويرد إلّا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم. ولذلك فعند الخلاف نطبّق قول اللَّه تعالي «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» «1».

4- لو كان ما ذكره الشريف من الفقه بلازم للحديث لكان في هذا ما يكفي لرفض المتن، فالأيام أثبتت بطلانه، وإلّا فمن الذي نؤمر باتّباعه في عصرنا هذا علي سبيل المثال؟

أبإحدي الفرق التي تنتسب لآل البيت؟ أم بجميع الفرق، وكلّ فرقة تري ضلال غيرها أو كفره؟ أم بنسل آل البيت من غير الفرق؟

فكيف إذن نؤمر بالتمسّك بمن لا نعرف؟

5- فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسّك بهم، فالعطف علي الصغير ورعاية اليتيم والأخذ بيد الجاهل، غير الأخذ من العالم العابد العامل بكتاب اللَّه تعالي وسنة رسوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم».

__________________________________________________

(1) سورة النساء: الآية 59.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 197

أقول:

هذا غاية «فقه» الدكتور …

ونحن نقول:

1- هذا الحديث أحد الأدلّة علي «المراد بأهل البيت»، وقد ذكرنا كيفية دلالته علي ضوء كلمات شرّاحه من العلماء والحفّاظ الأعلام:

كالمناوي، والقاري، والخفاجي، والسمهودي، والسخاوي، والمحدّث الدّهلوي، والزّرقاني المالكي.. وغيرهم.

2- وأهل البيت لا يجتمعون علي ضلالة، وحتي الواحد منهم- الذين قرنهم بالكتاب- لا يخالف الكتاب فضلًا عن أن يجتمعوا علي مخالفته، فهم أقران الكتاب، ومن خالفهم كان علي ضلالة، وكلّ إجماع لم يدخلوا فيه فهو ضلالة …

أمّا إجماعهم فحجّة، وهم لا يجتمعون علي ضلالة كما اعترف «الدكتور»، ولا شك في أنّهم أجمعوا علي ما أفاده حديث الثقلين من أنَّ عليّاً هو خليفة الرّسول والإمام من بعده بلا فصل …

3- وهم كما أفاد حديث الثقلين- وغيره من الأحاديث الصحيحة- أفراد يتأسّي بهم ويتمسّك، والرّسول لا يأمر

بالتمسّك بمن خالف الكتاب والسنة ولو مرّةً واحدة …

4- وهم- كما أفاد الحديث- لا يفارقون الكتاب في زمنٍ من

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 198

الأزمنة، ففي كلّ عصرٍ يوجد الكتاب ويوجد من يكون أهلًا للتمسّك به منهم … وهذا العصر أيضاً كسائر العصور، وعلي كلّ مسلمٍ يريد العمل بما قاله اللَّه ورسوله- صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- أن يعرف من يريد التمسّك به، وقد قال رسول اللَّه- وفي الحديث المتفق عليه بين المسلمين-: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية» «1».

5- وقد دلّ هذا الحديث علي وجوب التمسّك بالعترة كوجوب التمسّك بالكتاب بلا فرق …

ومن المناسب أن نورد هنا كلام العلّامة الاستاذ توفيق أبي علم في (فقه الحديث) فإنّه قال بعد الحديث:

«وقد يكون هذا صريحاً في خروج النساء من أهل البيت، واختصاصه بعشيرته وعصبته، وهو رأينا الذي انتهينا إليه في ختام هذا البحث. واللَّه أعلم.

وحديث الثقلين من أوثق الأحاديث النبوية وأكثرها ذيوعاً، وقد اهتم العلماء به اهتماماً بالغاً، لأنه يحمل جانباً مهمّاً من جوانب العقيدة الإسلامية، كما أنه من أظهر الأدلّة التي تستند إليها الشيعة في حصر الإمامة في أهل البيت، وفي عصمتهم من الأخطاء والأهواء. لأنّ النبي

__________________________________________________

(1) هو بهذا اللفظ في عدّةٍ من المصادر، منها: شرح المقاصد 5/ 239 وله ألفاظ أُخري في المسند 4/ 96، سنن البيهقي 8/ 156 وغيرهما.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 199

صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قرنهم بكتاب اللَّه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فلا يفترق أحدهما عن الآخر، ومن الطبيعي أن صدور أيّة مخالفة لأحكام الدين تعتبر افتراقاً عن الكتاب العزيز، وقد صرّح النبي بعدم افتراقهما

حتي يرداعلي الحوض، فدلالته علي العصمة ظاهرة جليّة.

وقد كرّر النبي هذا الحديث في مواقف كثيرة، لأنه يهدف إلي صيانة الأمة، والمحافظة علي استقامتها وعدم انحرافها في المجالات العقائدية وغيرها، إن تمسّكت بأهل البيت ولم تتقدم عليهم ولم تتأخّر عنهم. ولو كان الخطأ يقع منهم لما صحّ الأمر بالتمسّك بهم، الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة.

وفي أن المتمسّك بهم لا يضل كما لا يضلّ المتمسّك بالقرآن. ولو وقع منهم الذنب أو الخطأ لكان المتمسّك بهم يضلّ.

وإن في اتباعهم الهدي والنور كما في القرآن، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال.

وفي أنهم حبل ممدود من السماء إلي الأرض كالقرآن، وهو كناية عن أنهم واسطة بين اللَّه تعالي وبين خلقه، وأن أقوالهم عن اللَّه تعالي، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك.

وفي أنّهم لن يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مدّة عمر الدنيا، ولو

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 200

أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه إماماً لهم أو تقصير عنهم وائتمام بغيرهم، كما لا يجوز التقدم علي القرآن بالافتاء بغير ما فيه، أو التقصير عنه باتّباع أقوال مخالفيه.

وفي عدم جواز تعليمهم وردّ أقوالهم، ولو كانوا يجهلون شيئاً لوجب تعليمهم ولم ينه عن ردّ قولهم.

وقد دلّت هذه الأحاديث أيضاً علي أنّ منهم من هذه صفته في كلّ عصر وزمان، بدليل قوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: وإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، وإنّ اللطيف الخبير أخبره بذلك. وورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.

ويتخذ أنصار أن أهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر وأمّهم الزهراء

هذا الحديث، ليرجحوا رأيهم قائلين إنه لا يمكن أن يراد بأهل البيت جميع بني هاشم، بل هو من العام المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفة والنزاهة من أئمة أهل البيت الطاهرين، وهم الأئمة الاثنا عشر، وأمّهم الزهراء البتول. ويدلّلون علي ذلك بالإجماع علي عدم عصمة من عداهم» «1».

__________________________________________________

(1) أهل البيت: 77- 80.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 201

خلاصة البحث: … ص: 201

وخلاصة البحث: أنّا لا نقول في (فقه الحديث) إلّابما قاله علماء القوم أنفسهم في شروحهم، وقد قرأت كلماتهم، وتلك كتبهم موجودة متوفّرة …

إنّ هذا الحديث يدلّ دلالة صريحة علي إمامة (العترة أهل البيت) وخلافتهم بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وأن علي الأمة أن تتمسّك بهم وتتعلّم منهم وترجع إليهم ولا تتقدّم عليهم …

أمّا ما وقع بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم … فذاك أمر آخر … وعلي علماء الأمّة أن يذكروا الدليل عليه والمبرّر له … لتكون الأمة علي بصيرةٍ من أمرها، وليكون عذراً لها عند ما يردون علي الرسول «الحوض» فيسألهم: «كيف خلفتموني فيهما»!!

كلامه في ختام القول: … ص: 201

يقول «الدكتور»:

«وفي ختام القول عن فقه الحديث أذكر هنا ما ذهب اليه بعض المسلمين من أن الحديث يدل علي إمامة أفرادٍ معيّنين من أهل البيت، تجب طاعتهم والأخذ عنهم، وأنّ أول هؤلاء علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالي عنه، وأنّه هو وصي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 202

وهذا القول جدّ خطير، فإنه يؤدي إلي اتّهام الصحابة الكرام، خير أمّة أخرجت للناس، بأنّهم خالفوا وصيّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وإلي عدم شرعيّة خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة- رضي اللَّه تعالي عنهم- وإلي هدم أركان رئيسة في الإسلام.

غير أننا هنا لا نحب أن نخوض في هذا الموضوع، فالبحث لا يتّسع لمثله، وإنما نقول في فقه هذا الحديث بأنّ ما ذهب إليه هؤلاء القوم مردود مرفوض، لأن الحديث ليس بصحيح ولا صريح، ومعارض بالصحيح والصريح.

ومن الأحاديث الصريحة الصحيحة ما يأتي».

ثم ذكر أحاديث عن البخاري ومسلم ومسند أحمد.

أقول:

أوّلًا: «بعض المسلمين» يعتقدون بإمامة أفراد معينّين من أهل البيت عليهم

السلام، أوّلهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم: المهدي، و «حديث الثقلين» أحد أدلّتهم علي ما ذهبوا إليه وقالوا به …

وثانياً: القول بأنّ الحديث يدلّ علي إمامة هؤلاء الأفراد ووجوب إطاعتهم والأخذ عنهم … لا يختص ب «بعض المسلمين»، بل كلّ من يتأمّل في (فقه الحديث) قائل بهذا القول …

وثالثاً: «حديث الثقلين» هو وصيّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 203

وسلّم لأمّته، وقد نصَّ علي هذا المعني غير واحدٍ من كبار العلماء، وعلي الأمّة جمعاء العمل بهذه الوصيّة بلا ريب وإنّهم مسئولون عنها.

رابعاً: هذا القول يؤدّي إلي اتهام بعض الصّحابة … هذا صحيح …

ولكنّ «الدكتور» قال: «وكلّ إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلّارسول اللَّه … ».

خامساً: هذا القول يؤدي إلي عدم شرعيّة خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة … هذا صحيح … ولكن هل يري «الدكتور» كونهم من (أهل البيت) الذين أمر النبي في حقّهم في هذا الحديث ونحوه بما أمر حتي تكون خلافتهم شرعيّة؟

إذا كان عدم شرعيّة خلافة الثلاثة هو المدلول الواضح لهذا الحديث وغيره من الأحاديث المعتبرة، فما ذنب أصحاب هذا القول؟

النظر فيما زعم معارضته لحديث الثقلين: … ص: 203

سادساً: الأحاديث التي ذكرها عن البخاري ومسلم وأحمد وزعم كونها صريحة وصحيحة، لا تصلح للمعارضة لما يأتي:

1- إن «بعض المسلمين» الذين يقولون بإمامة الأفراد المعيّنين، لا يرون هذه الأحاديث صحيحةً وصريحة، فلا يكونون ملزمين بقبولها حتي تتم المعارضة.

2- إنّ الحديث المتفق عليه بين المسلمين جميعهم، لا يعارض بما ورد عن بعضهم، حتي لو كان صحيحاً وصريحاً.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 204

3- إنّ الأحاديث التي ذكرها «الدكتور» هي في الأغلب عن: عائشة وحفصة وعبداللَّه بن عمر … وقول هؤلاء- لا سيّما في مثل هذا المقام- غير

مسموع.

4- إن كتابي البخاري ومسلم- وإن سمّيا بالصحيحين- يشتملان علي أحاديث باطلة، كما لا يخفي علي من راجع شروحهما، وقد تقدمت الإشارة إلي بعض تلك الاحاديث، بل «الدكتور» نفسه لا يستبعد أن يكون حديث الثقلين المخرج في (صحيح مسلم) موضوعاً!!. فكيف يستدلّ بأحاديث الكتابين، والحال هذه؟

5- إنّ (مسند أحمد) قد أصرّ «الدكتور» علي عدم التزام أحمد بصحّة ما فيه، بل قد وافق علي ما نقله عن ابن حجر عن أحمد أنّه يتساهل في الفضائل!! … فكيف يستدلّ بروايات أحمد ولا سيّما في الفضائل؟

6- إنّ بعض الأحاديث التي احتجّ بها من موضوعات بعض النّواصب، وقد اعترف بهذه الحقيقة بعض المحققين من أهل السنة من المتقدّمين والمعاصرين، كالدكتور أحمد محمد صبحي، الذي نقل «الدكتور» كلامه وتحامل عليه!!

7- ولأجل أن نبرهن علي سقوط الأحاديث التي أوردها، وعلي عدم إنصاف «الدكتور» في بحثه، ننظر في أسانيد عدّةٍ منها، ونشير إلي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 205

مواضع الضّعف فيها باختصار.

والذي يهمّنا منها:

أ- ما دلّ علي أنّ عليّاً عليه السلام لم يعيّن أحداً لخلافته، وهو روايتان نقلهما عن أحمد فقال: «وروي أحمد بسندٍ صحيح عن الإمام علي رضي اللَّه عنه أنه قال: لتخضبنَّ هذه من هذا …

وفي روايةٍ بسندٍ آخر: أنّ الإمام قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتخضبنّ هذه من هذه … ».

نقلهما عن أحمد وأضاف: «وبالحاشية بيان الشيخ شاكر لصحّة الإسناد».

أقول:

لم يذكر سندي الحديثين، ونصّ علي صحة الأوّل، وأشار إلي تصحيح الشيخ شاكر، ولم يوضّح هل الشيخ يصحّح كلا الحديثين أو الأوّل فقط؟ ولم يصرّح برأيه هو في سند الثاني منهما؟ ولا ندري هل تحقّق هو بنفسه صحّة ما صحّح أو قلَّد الشّيخ؟

لكنه تكلَّم في الكتاب مع

الشيخ شاكر الذي صحح سند حديث الثقلين، وكأنّه أعلم منه وأفهم! (أنظر ص 22- 23) كما تكلّم مع الشيخ الآخر- وهو الألباني- الذي صحّح حديث الثقلين وكأنّه أعلم منه وأفهم! (انظر ص 25- 26).

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 206

إذن، لا يقصد «الدكتور» هنا من ذكر تصحيح الشيخ شاكر جعل المطلب علي عهدة ذاك الشّيخ، فلماذا ذكر هذا؟

لعلّ السبب في ذلك: علمه بأن كلا الحديثين عن «عبداللَّه بن سبع»، وهذا الرّجل لم يرو في الكتب الستّة عنه ولا رواية واحدة!! وأنّ في طريق كلا الخبرين هو «الأعمش»، وهذا الرجل من رواة حديث الثقلين، وقد طعن فيه «الدكتور» من قبل!!

ب- ما دلَّ علي أنّ اللَّه سبحانه أبي والمؤمنون إلّاأبا بكر. قال «الدكتور»: «أخرج أحمد في مسنده هذا الحديث بسندٍ صحيح كسند مسلم، وبسندين آخرين».

أقول:

وهنا لم يذكر شيئاً عن الشيخ شاكر، وسكت عن تصحيح السندين الآخرين بصراحة!!

وعندما نراجع مسند أحمد نري السند الأوّل (ج 6 ص 7):

«ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة».

والسند الثاني (ج 6 ص 106):

«ثنا مؤمّل قال ثنا نافع يعني مولي ابن عمر، ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 207

والسند الثالث (ج 6/ 144):

«ثنا يزيد أنا ابراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة».

فهذه أسانيد هذا الحديث الذي جعل فضيلةً لأبي بكر ودليلًا علي إمامته، لكنّها تنتهي كلّها إلي عائشة، فهي تروي هذا في حقّ أبيها!! وهي صاحبة المواقف المشهورة من علي أمير المؤمنين!

ثم انظر إلي من يرويه عنها!

فالراوي عنها في السّندين الأوّل والثاني هو: «ابن أبي مليكة التيّمي» من عشيرة أبي بكر وهو من مناوئي

علي، وكان قاضي عبداللَّه بن الزبير في مكّة ومؤذنه.

والراوي عنها في السند الثالث هو «عروة بن الزبير» وهو من أشهر المنحرفين عن علي، ومن أكبر مشيّدي سلطان بني أميّة …

والراوي عن «ابن أبي مليكة» في الأوّل هو «عبد الرحمن بن أبي بكر» وهو ابن أخيه … قال ابن معين: وقال النسائي: ليس بثقة، قال أحمد: منكر الحديث، وكذا نقل العقيلي عن البخاري، وقال ابن سعد: له أحاديث ضعيفة، وقال ابن عدي: لا يتابع في حديثه وقال ابن خراش:

ضعيف الحديث ليس بشي ء، وقال البزار: ليّن الحديث، وقال

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 208

ابن حبان: ينفرد عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات «1».

والرّاوي عنه في الثاني بواسطة نافع هو «مؤمّل بن إسماعيل» وهو مولي آل الخطّاب! قال البخاري: منكر الحديث. وقال جماعة: كان كثير الغلط، ونصَّ غير واحدٍ علي أنه يجب علي أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشدّ، فلو كانت هذه المناكير عن الضّعفاء لكنّا نجعل له عذراً «2».

والراوي عن «عروة» في الثالث هو «الزهري» وهو من أشهر المبغضين لعلي والمشيدين لحكومة بني أميّة … كما لا يخفي علي من راجع أحواله.

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 6/ 132.

(2) تهذيب التهذيب 10/ 340.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الثقلين، ص: 209

كلمة الختام … ص: 209

هذا تمام الكلام علي ما ذكره «الدكتور» تحت عنوان (فقه الحديث).

وختاماً أطرح سؤالًا أرجو من القراء الكرام أن يطالبوا «الدكتور» بالجواب عنه، وهو:

إنه لو لم يكن هذا الحديث دالًاّ علي وجوب إطاعة أفرادٍ معيّنين من أهل البيت، الأمر الذي اعترف به كبار علماء قومك كما رأيت، فلماذا أتعبت نفسك- وساعدك غيرك- في ردّه، مع تحريفٍ لكلام هذا وذاك! وكتمٍ

لحديثٍ وإنكارٍ لآخر، وجرحٍ لمن لا يجوز جرحه من الرّجال، وتقليدٍ لمن لا يجوز تقليده؟!

واللَّه أسأل أن يوفّقنا جميعاً لأن نعرف الحق ونكون من أهله ونعمل من أجله، وأن يعيذها من شر الشّيطان وأن نكون من خيله ورجله، وأن يجعلنا فيمن يراقبه في كتابته وفعله وقوله، فيبيّض وجهه إذا نشرت صحيفة عمله، بجاه سيّدنا وحبيبنا محمد وآله.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.