مصباح المنهاج - كتاب الطهارة المجلد 4

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : مصباح المنهاج/ تاليف محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.

مشخصات نشر : نجف : دار الهلال ، 1427 ق. = 2006 م. = 1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره: 964-8276-54-4 ؛ ج.1 :964-8276-54-4 ؛ ج. 4 964-8276-42-0 : ؛ ج.5: 964-8276-43-9 ؛ ج.7: 964-8276-83-1 ؛ ج. 8: 964-8276-84-8 ؛ ج.5: 964-8276-85-5

وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري.

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 4 و 5 (چاپ اول: 1426ق. = 2005م. = 1384).

يادداشت : ج. 3 و 7 و 8 ( چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388)

يادداشت : ج.9(چاپ؟: ؟؟13).

يادداشت : چاپ قبلي: محمدسعيد طباطبايي حكيم، 1415 ق. = 1994م.= 1373.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج.1. كتاب التجارة.- ج. 4 و 5 و 7 و 8 . كتاب الطهاره

موضوع : اصول فقه شيعه

رده بندي كنگره : BP159/8 / ط2م6 1385

رده بندي ديويي : 297/312

شماره كتابشناسي ملي : 1041894

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

تتمة المبحث الرابع في الغسل

المقصد الثاني في غسل الحيض

اشارة

المقصد الثاني

في غسل الحيض (1)

و فيه فصول:

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

(1) ظاهر جملة من الأصحاب أن الحيض اسم عين جامد، و هو عبارة عن الدم الخاص، حيث عرف به أو وصف بصفاته في المبسوط و السرائر و المراسم و الوسيلة و المعتبر و الشرائع و النافع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و الروض و الروضة و غيرها، فيكون اشتقاق الفعل و الوصف منه، حيث يقال:

حاضت المرأة، و هي حائض، بلحاظ خروجه منها، نظير قولنا: بال الصبي و باضت الدجاجة بلحاظ خروج البول و البيضة منهما، مع أن كلا من البول و البيض اسم جنس جامد.

و قد يظهر من غير واحد أن منشأ تسميته بذلك سيلانه من الرحم، أو سيلانه بدفع، أو اجتماعه فيه، لأن هذه الامور معاني الحيض بحسب أصل اللغة، و إن احتمل في المعتبر كون تسميته بذلك ابتدائية بلحاظ خصوصية الدم، قال: «كما يقال: حاضت الأرنب إذا رأت الدم و حاضت السمرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر».

و كيف كان، فظاهر أكثرهم كون ذلك معناه لغة أو عرفا من دون أن يكون معني شرعيا أو اصطلاحيا و به صرح في الجواهر مدعيا أنه الذي يظهر بعد إمعان

ص: 5

______________________________

النظر و التأمل في كلمات أهل اللغة و غيرها. قال: «و ليس له نقل شرعي إلي معني جديد. و احتماله كاحتمال أن الحيض في اللغة اسم من أسماء المعاني و هو السيل أو سيل دم مخصوص- و هو الذي رتب الشارع علي خروجه الأحكام- ضعيفان».

لكن كلمات جملة من اللغويين شاهدة بكونه من أسماء المعاني، مصدرا لحاضت، فقد ساقه كذلك كالمحيض في الصحاح و التبيان و مجمع البيان و نهاية ابن الأثير و لسان العرب و القاموس و مجمع البحرين و حكاه في مفتاح الكرامة عن المغرب، و في لسان العرب عن غير واحد.

كما حكي عن الأزهري قوله: «و المحيض و الحيض اجتماع الدم إلي ذلك المكان»، و في التبيان: «و أصل الباب الحيض: مجي ء الدم لأنثي علي عادة معروفة»، و في مجمع البحرين: «و الحيض اجتماع الدم … و الحيضة المرة الواحدة من الحيض»، و في نهاية ابن الأثير: «فأما الحيضة بالفتح فالمرة الواحدة من دفع الحيض و نوبه»، و نحوه في لسان العرب، مع وضوح أن المرة و الدفعة و النوبة من صفات الأفعال، لا الأعيان، و لم يشر في شي ء منها إلي مجيئه بمعني الدم بنحو الاشتراك- كما ذكروا ذلك في البول- فضلا عن الاختصاص.

نعم، في مفردات الراغب: «الحيض الدم الخارج من الرحم علي وجه مخصوص في وقت مخصوص، و المحيض الحيض … ». لكن لا مجال للخروج به عمّا سبق، و لا سيما مع مطابقته للمعني العرفي و مناسبته لهيئة الحيض و اشتقاقاته المختلفة من اسم الزمان و المكان و المصدر و غيرها.

كما لا مجال مع ذلك لدعوي: أنه بمعني الدم شرعا، و إن صرّح به في التذكرة و المنتهي و الروض، لعدم الدليل علي خروج الشارع عن المعني اللغوي و العرفي، بل هو خلاف الأصل و بعيد في نفسه، لخلوه عن الفائدة المصححة له، و مخالفته لظاهر إضافة الدم إليه في النصوص، حيث يبعد كونها من إضافة العام للخاص.

و مجرد إطلاقه في بعض النصوص علي الدم لا يكشف عن نقله إليه، لأن

ص: 6

______________________________

الاستعمال أعم من الحقيقة، بل الظاهر ابتناؤه علي التسامح في إطلاق الشي ء علي متعلقه، كما هو كثير في استعمالات العرف و الشرع.

و مثله ما يظهر من المدارك و احتمله في كشف اللثام من كونه المعني الاصطلاحي له. فإنه و إن لم يكن في الاصطلاح مشاحة، إلا أن ثبوت الاصطلاح بتصريح من عرفت لا يخلو عن إشكال مع إهمال جملة من الأصحاب التعرض لذلك، و شيوع إضافة الدم إليه في كلماتهم- حيث يبعد كونها من إضافة العام للخاص، كما سبق- و تصريح بعضهم- كالحلبي في إشارة السبق- بأنه خروج الدم المخصوص. فلا يبعد كون مبني تعريفه بالدم في كلام من سبق علي التسامح أو الخطأ في تشخيص المعني اللغوي و العرفي لا تحديد معني اصطلاحي له مخترع.

و أشكل من ذلك: الاقتصار في التذكرة و المنتهي و الروض و المدارك في بيان المعني اللغوي علي السيل أو الاجتماع أو نحوهما مما سبق التعرض له في بيان منشأ التسمية.

حيث يظهر من ذلك عدم معهودية الحيض بالمعني الخاص في اللغة و العرف السابق، و أنه من مستحدثات الشارع، أو الفقهاء، لتعلق الغرض به بسبب أحكامه الشرعية، كالإسلام و الوضوء و الأذان و الإقامة و نحوها مما كانت تسميتها بلحاظ مناسبتها لمفاهيم لغوية عامة من دون أن تكون معهودة قبل الشريعة لأهل اللغة، مع وضوح أن الحيض ليس كذلك، بل هو معروف بين الناس بما له من المعني الخاص مع قطع النظر عن أحكامه الشرعية، كما يشير اليه قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذيً «1»، و لذا كان موردا للأحكام و الآثار العملية في كثير من الأعراف و الأديان غير المرتبطة بالإسلام، فهو كسائر المفاهيم العرفية التي أخذت موضوعا للأحكام الشرعية، كالجنابة و المني و البول و غيرها.

و أما تصدي الشارع الأقدس لتمييزه بالصفات و تحديد مدته و شروطه و نحو ذلك، فليس مبنيا علي اختراعه لمفهومه، بل لتحديد مصاديقه دفعا للاشتباه أو الخطأ

______________________________

(1) سورة البقرة: 222.

ص: 7

______________________________

فيها، كذكر صفات المني، و لذا لم يرد السؤال عن مفهومه في النصوص.

و منه يظهر أن ما في المبسوط و الشرائع من أخذ ثبوت الحد لقليله في تعريفه ليس حدا شارحا لمفهومه بل رسما لتحديد مصاديقه، كما أن ما في الشرائع و غيره من أخذ بعض الأحكام الشرعية في تعريفه- كدخله في انقضاء العدة- ليس صالحا لتحديد مصاديقه أيضا، لأن تشخيص الحكم فرع تشخيص مصداق موضوعه، فلا يكون علامة له، بل هو إشارة لمفهومه إجمالا بسبب معهودية أخذه في موضوع الحكم المذكور.

و قد تحصل مما سبق: أن الحيض و إن كان له مفهوم عام بحسب أصل اللغة- كالسيلان أو الاجتماع أو نحوهما- إلا أنه بما له من المعني المعهود الخاص معروف بين الناس قبل الإسلام مع قطع النظر عن أحكامه.

و بذلك المفهوم صار موضوعا للأحكام الخاصة ككثير من المفاهيم العرفية، من دون أن تكون أحكامه سببا في معروفيته، فضلا عن أن تكون مأخوذة فيه، و هو عبارة عن خروج الدم الخاص من المرأة فهو اسم معني و مصدر لحاضت المرأة، و لم يثبت خروج الشارع أو الفقهاء عن المعني المذكور و إرادتهما منه الدم الخاص ليكون اسما جامدا.

ص: 8

الفصل الأول في سببه
تحديد مصاديق الحيض

الفصل الأول في سببه و هو خروج دم الحيض الذي تراه المرأة في زمان مخصوص غالبا (1)،

______________________________

(1) الظاهر عدم سوق الوصف المذكور للتقييد و الاحتراز، لأن غلبة الاعتياد في الزمان من لوازم الحيض غير المفارقة له، و إنما المفارق له فعلية الاعتياد، بل هو للتوضيح و الإشارة لماهية الحيض بالوصف المعهود له، كما جري عليه في المنتهي و التذكرة و القواعد، كما أن ذكره للإشارة لماهية الحيض إجمالا، لا للرجوع إليه في مقام تشخيص فعلية أحكام الحيض أو عدمها واقعا أو ظاهرا عند الشك للعمل عليها، لعدم صلوح الغلبة بنفسها لذلك.

و مثله في ذلك توصيفه فيها و في السرائر و الغنية و الشرائع و المعتبر و غيرها بغلبة ثبوت الصفات الخاصة له، من السواد أو شدة الحمرة و الغلظ و الحرارة و الدفع علي اختلافهم في بيانها.

نعم، مقتضي إطلاق ذكر هذه الصفات له من دون تنبيه علي كونها غالبية في المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم و الوسيلة و غيرها، الإرجاع إليها في مقام العمل و اناطة معرفة الحيض بها وجودا و عدما.

إلا إن ذلك- مع أنه لا مجال له في نفسه، كما يظهر مما يأتي إن شاء اللّه تعالي- مخالف لظاهر بعض كلماتهم، لفرض اشتباه الدم فيها مع ذلك و الإرجاع لمميزات أخر، مع عدم اشتباه هذه الصفات غالبا، فلا يبعد إرادتهم غلبة اتصاف الحيض بهذه الصفات- كما صرح به من سبق- فيجري فيه ما تقدم.

ص: 9

سواء خرج من الموضع المعتاد أم من غيره (1)، و إن كان خروجه بقطنة (2)، و إذا انصب من الرحم إلي فضاء الفرج و لم يخرج منه أصلا ففي جريان حكم الحيض عليه إشكال (3).

______________________________

غاية الأمر كون الصفات المذكورة مرجعا عند الاشتباه في بعض الموارد حسبما دلت عليه النصوص، علي ما يتضح في محله إن شاء اللّه تعالي.

(1) لإطلاق ما دل علي سببية الحيض للغسل كأدلة سائر أحكامه، و قد سبق أن الحيض من الأمور العرفية، و هو متقوم بنوع الدم و كيفية خروجه، فهو عبارة عن خروج الدم المتجمع في الرحم و المندفع منه بمقتضي طبيعة مزاج المرأة، من دون خصوصية لموضع الخروج المعتاد. و لذا طبق علي السلقلقية- كما في لسان العرب- أو السلقلق- كما في القاموس- و هي التي تحيض من دبرها.

و قد تضمن بعض أخبار فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام: أنه جبه بعض النساء بذلك و نحوه «1»، و لا مجال لجريان ما تقدم في ناقضية البول و الغائط لاختلاف المقامين في الأدلة. فراجع.

(2) بلا إشكال ظاهر. لصدق الحيض في المقام عرفا، كما يناسبه ما في غير واحد من النصوص من التعبير عنه برؤية الدم.

نعم، قد ينافيه تعريف الحيض في كلام غير واحد من اللغويين بسيلان الدم، لما تقدم من بعضهم من أن أصله السيلان، لظهور السيلان في نزول الدم و خروجه بنفسه. لكن لا يبعد ابتناؤه علي غلبة ذلك فيه كسائر الصفات المذكورة في كلامهم، أو علي أن المراد سيلانه من الرحم.

و كيف كان، فلا مجال للخروج به عما ذكرنا.

(3) كما في العروة الوثقي و محكي نجاة العباد و جملة من حواشيهما.

______________________________

(1) راجع الاختصاص طبع النجف الاشرف صفحة 296- 300، مستدرك الوسائل باب: 37 من أبواب الحيض.

ص: 10

______________________________

و كأنه لعدم وضوح صدق الحيض به، ليرفع اليد عن أحكام الطاهر الثابتة بالعمومات- كجواز الاستمتاع بها- أو بالأصل- كجواز دخولها المساجد- حيث لا بد في الخروج عن العموم و الأصل من دليل قاطع.

و أما استصحاب عدم الحيض فلا مجال له، لأنه من استصحاب المفهوم المردد الذي لا يجري علي التحقيق.

و أما دعوي: أن المأخوذ في نصوص التحيض هو الخروج و الرؤية، و مقتضاه عدم التحيض مع عدمهما.

فمندفعة بعدم العثور علي ما يظهر منه إناطة التحيض بخروج الدم و إنما وصف بالخروج عند التعرض لمخرجه و لمنبعه، كقوله عليه السّلام: «إن دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مخرج واحد» «1»، و هو أجنبي عما نحن فيه.

و أما الرؤية فهي و إن ورد إناطة التحيض بها، إلا أنه ليس لبيان حد التحيض بالدم ليكون له مفهوم صالح للاستدلال، بل لبيان وجوب التحيض بالدم، كقوله عليه السّلام: «كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «2».

مع أنه بعد معلومية عدم توقف التحيض علي الرؤية لا بد من حملها علي الطريقية إما لخروج الدم للظاهر أو لخروجه لباطن الفرج، و لو كان الأول أنسب في نظائر المقام لم يبعد كون الثاني أنسب في المقام لما يأتي، و لا سيما بملاحظة ورود ذلك في الطهر «3».

مع أن المراد به الطهر في باطن الفرج لما يأتي من الاكتفاء في بقاء الحيض ببقاء الدم فيه. فتأمل جيدا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 3.

(3) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض، و باب: 27 منها حديث 5، 6، و باب 49 منها و غيرها.

ص: 11

و إن كان هو الأظهر (1)

______________________________

(1) كما حكاه قدّس سرّه عن شيخه الجواهري. و قد يوجه بصدق الحيض عرفا، لأنه أمر تقتضيه طبيعة المزاج و ما تقتضيه طبيعة المزاج هو اندفاع الدم من الرحم لباطن الفرج، و ليس خروجه للظاهر إلا لأن مقتضي طبع السائل النزول للسافل.

و يؤيد ذلك نصوص الاستبراء «1» الدالة علي بقاء الحيض ما دام الدم في باطن الفرج، لإلغاء خصوصية البقاء في ذلك و فهم عدم الفرق بينه و بين الحدوث عرفا.

و لا سيما مع ظهور بعض نصوصه في مفروغية السائل عن بقاء الحيض ببقاء الدم في باطن الفرج، لفرضه الشك في الطهر مع فرض انقطاع الدم «2»، فلو كان الحيض عرفا منوطا بظهور الدم لم يكن وجه لفرضه ذلك، بل كان المناسب له فرض الطهر تبعا لانقطاع الدم، و إن حكم الشارع ببقاء الحيض تعبدا.

كما يؤيد أيضا بما ورد في الاستحاضة التي لا تثقب الكرسف، مع وضوح كون استمرار خروج الدم فيها حدثا جديدا، لا بقاء للحدث الأول، و لذا يجب له تجديد الوضوء أو الغسل، حيث يظهر من ذلك أن المناط في تحقق الحدث خروج الدم لباطن الفرج، فجعل ذلك قرينة علي نظيره في الحيض قريب جدا.

و دعوي: ورود ذلك في بقاء الاستحاضة لا في حدوثها، كما هو الحال في نصوص الاستبراء من الحيض، فلو لم يتعد من البقاء للحدوث لم تنفع نصوص الاستحاضة، و لو تعدي له كفت نصوص الاستبراء.

مدفوعة بأن الاستئناس بنصوص الاستحاضة ليس بلحاظ دلالتها علي بقاء الاستحاضة بخروج الدم لفضاء الفرج لإثبات صدق الحيض في المقام ليتوجه عليه ما ذكر، بل بلحاظ دلالتها علي أن خروج الدم لفضاء الفرج سبب لحدث جديد، و لذا

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 2، 3، 4.

ص: 12

______________________________

يجدد له الغسل أو الوضوء، كما ذكرنا، و ينفع ذلك في تجدد حدث الحيض.

علي أنه يبعد جدا الالتزام بأنه مع انقطاع الاستحاضة لحظة لو وضعت المرأة الكرسف ثم توضأت أو اغتسلت كان لها أن تصلي بذلك الوضوء صلوات كثيرة و إن علمت رجوع الدم لها و إصابته للكرسف ما لم يثقبه و يخرج للظاهر، بل هو خلاف المستفاد من مجموع أدلتها عرفا، مع وضوح أن خروج الدم المتجدد استحاضة جديدة، لأن النقاء المتخلل بين الدميين في الاستحاضة طهر، و ليس كالنقاء المتخلل بين الدميين في الحيض.

و بالجملة: البناء علي تحقق الحيض بمجرد نزول الدم من الرحم لفضاء الفرج قريب جدا، و إن كان الأمر محتاجا للتأمل.

لكن في موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المرأة تكون في الصلاة فتظن أنها قد حاضت. قال: تدخل يدها فتمس الموضع، فإن رأت شيئا انصرفت، و إن لم تر شيئا أتمت صلاتها» «1»، فإن الاكتفاء في الفحص بمس الموضع الذي يراد به ظاهر الفرج و عدم طلب إدخال الإصبع و نحوه لباطنه ظاهر في توقف التحيض علي خروج الدم للظاهر. و به يخرج عما سبق لو تم في نفسه.

ثم إن المصرح به في محكي نجاة العباد بعد استشكاله في الحكم هو أن مقتضي الاحتياط ترتيب أحكام الحائض. و الظاهر أن مراده الجمع بينها و بين أحكام غير الحائض، لأن لها أحكاما إلزامية لا يعلم سقوطها، و مقتضي الاحتياط ترتيبها.

و لذا صرح في العروة الوثقي و محكي حاشية المحقق الخراساني قدس سرّه علي نجاة العباد و غيرهما بأن الاحتياط بالجمع بين أحكام الطاهر و الحائض. لكن عن بعض حواشي نجاة العباد لزوم الاحتياط بالجمع بين أحكام الحائض و المستحاضة.

و قد احتمل شيخنا الأستاذ قدّس سرّه كون المراد به ما لو خرج بعد استقراره في باطن الفرج بنحو لا يحكم عليه وحده بالحيضية، كما لو نقص زمانه عن أقل الحيض،

______________________________

(1) الوسائل باب: 44 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 13

و لا إشكال في بقاء الحدث ما دام باقيا في باطن الفرج (1).

مسألة 1: إذا افتضت البكر فسال دم كثير و شك في أنه من دم الحيض أم من دم العذرة أو منهما

(مسألة 1): إذا افتضت البكر فسال دم كثير و شك في أنه من دم الحيض أم من دم العذرة (2) أو منهما (3) فإن كانت مطوقة بالدم فهو من العذرة و إن كانت مستنقعة فهو من الحيض (4).

______________________________

و كان بضميمة زمان استقراره في باطن الفرج بقدره أو أكثر، حيث يتردد الخارج للظاهر بين أن يكون بعض الحيض و ان يكون استحاضة.

و أما احتمال كون زمان مكثه في باطن الفرج محكوما بالاستحاضة فلا وجه له. و كأنه لأن الخروج للظاهر إن كان معتبرا في الحكم بالحيض كان معتبرا في الحكم بالاستحاضة، لأنهما من باب واحد.

لكن سبق شدة استبعاد اعتبار خروج الدم للظاهر في الاستحاضة. مع أنه لا مجال لترتيب أحكام الاستحاضة مع خروج الدم للظاهر، لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن المفروض العلم بكونه دم الحيض الخلقي في المرأة.

و أما ما ذكروه من أن كل دم غير محكوم بالحيضية فهو استحاضة فالمتيقن منه ما إذا شك في نوعه، لا ما إذا علم نوعه و لم يحكم عليه بالحيضية لعدم خروجه للظاهر في بعض مدة أقل الحيض لضعف دفع أو لحبس أو نحوهما.

اللهم إلا أن يفرض في المقام الشك في نوع الدم حيث يحكم بأنه حيض مع اجتماع شروطه- و لو لقاعدة الإمكان- و بأنه استحاضة مع فقدها. فتأمل.

(1) كما يظهر من نصوص الاستبراء علي ما سبق.

(2) و هي بضم العين البكارة.

(3) احتمال كون الدم منهما غير مذكور في النصوص و لا في الفتاوي- فيما تيسر لي من فحص- و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(4) كما في الفقيه و المقنع و المبسوط و النهاية و الوسيلة و التذكرة و المنتهي و عن

ص: 14

______________________________

الذكري و غيرها. و لعله إليه يرجع قوله في الدروس: «و يتميز من العذرة بتلوث القطنة فيه لا بتطوقها».

و يشهد به ما في صحيح خلف بن حماد عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام و قد دخل عليه بمني: «فقلت له: إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم، فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام، و إن القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن دم الحيض، و قال بعضهن دم العذرة، فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال: فلتتق اللّه فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتي تري الطهر و ليمسك عنها بعلها، و إن كان من العذرة فلتتق اللّه و لتتوضأ و لتصلّ و يأتيها بعلها إن أحب ذلك. فقلت له: و كيف لهم أن يعلموا ما هو حتي يفعلوا ما ينبغي؟ قال:

فالتفت يمينا و شمالا في الفسطاط مخافة ان يسمع كلامه أحد، قال: ثم نهد إلي، فقال:

يا خلف سر اللّه فلا تذيعوه و لا تعلموا هذا الخلق اصول دين اللّه، بل ارضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال. قال: ثم عقد بيده اليسري تسعين، ثم قال: تستدخل قطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رقيقا «رفيقا» فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، و إن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض … » «1».

و صحيحه الآخر: «قلت لأبي الحسن الماضي عليه السّلام: جعلت فداك، رجل تزوج جارية أو اشتري جارية طمثت او لم تطمث أو في أول ما طمثت، فلما افترعها غلب الدم، فمكث [فمكثت. يب] أياما و ليالي فأريت القوابل، فبعض قال من الحيضة و بعض قال من العذرة. قال: فتبسم فقال: إن كان من الحيض فليمسك عنها بعلها و لتمسك عن الصلاة و إن كان من العذرة فلتتوضأ و لتصلّ و يأتيها بعلها إن احب.

قلت: جعلت فداك و كيف لها ان تعلم من الحيض هو أم من العذرة؟ فقال: يا خلف سر اللّه فلا تذيعوه، تستدخل قطنة ثم تخرجها، فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة، و إن خرجت مستنقعة بالدم فهو من الطمث» «2».

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 15

______________________________

و صحيح زياد بن سوقة: «سئل ابو جعفر عليه السّلام عن رجل افتض امرأته فرأت دماء [دما. في يب] كثيرا لا ينقطع عنها يوما [يومها. يب] كيف تصنع بالصلاة؟ قال:

تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل و تمسك معها قطنة و تصلي، فإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض» «1».

و منه يظهر ضعف ما عن الأردبيلي، حيث قال في شرح الإرشاد بعد التعرض لصفات الحيض: «و أما كونه من اليمني أو اليسري عند الاشتباه بغيره يتميز بذلك، و امتيازه عن العذرة بالطوق و غيره فغير واضح و إن ورد به النص مع اختلافه، كما حكي، لكن ليس بحيث يعمل عليه و لا ينظر إلي غيره. فالمرجع حينئذ الصفات المذكورة لا مجرد الطوق و إلا فالمرجع هو الأصل و الاحتياط واضح، و يحمل الرواية علي ذلك».

إذ لا وجه للتوقف في ذلك مع ورود الروايات المتقدمة به. كما لا وجه لتنزيلها علي خصوص الواجد للصفات، بل اشتباه الواجد لها بدم العذرة بعيد.

و أما الاختلاف فلم ينقله أحد في نصوص المقام، بل في نصوص الاختبار بالجانب عند الاشتباه بدم القرحة، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

بقي في المقام امور..

الاول: أول من تعرض لكيفية ادخال القطنة و إخراجها الشهيد الثاني، قال في المسالك: «و طريق معرفة التطوق و عدمه أن تضع قطنة بعد أن تستلقي علي ظهرها و ترفع رجليها ثم تصبر هنيئة ثم تخرج القطنة إخراجا رقيقا»، و قال في الروض:

«و مستند ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام لكن في بعضها الأمر باستدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء، و في بعضها إدخال الاصبع مع الاستلقاء. و طريق الجمع حمل المطلق علي المقيد، و التخيير بين الاصبع و الكرسف، لأن الكرسف أظهر في الدلالة».

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 16

______________________________

و في المدارك بعد نقل ذلك عنه قال: «و ما ذكره رحمه اللّه لم اقف عليه في شي ء من الاصول، و لا نقله ناقل في كتب الاستدلال. و الذي وقفت عليه في هذه المسألة روايتا زياد بن سوقة و خلف بن حماد المتقدمتان، و هما خاليتان عن قيد الاستلقاء و إدخال الإصبع. فالأظهر الاكتفاء بما تضمنته الرواية الثانية من وضع القطنة و الصبر هنيئة، ثم إخراجها برفق».

و يتجه ما ذكره بملاحظة النصوص السابقة، لصلوح صحيح خلف الاول لتقييد إطلاق إدخال القطنة و إخراجها في الصحيحين الأخيرين، و لا سيما مع قرب انصرافه إلي ما تضمنه الصحيح لمناسبته لمقام الفحص و استكشاف الحال.

و دعوي: عدم حجّية صحيح خلف الاول في ذلك لقرب اتحاد الواقعة التي تضمنها مع الواقعة التي تضمنها صحيحه الثاني، فالاختلاف بينهما كالاختلاف في نسخ الرواية الواحدة مسقط لكل منهما عن الحجية فيما ينفرد به، و يكون المرجع صحيح زياد بن سوقة الذي هو مطلق من هذه الجهة.

مدفوعة: بأن الاختلاف بين الصحيحين لما كان بالاجمال و التفصيل فهو لا يوجب عرفا استحكام تعارضهما المسقط لهما عن الحجية، بل الجمع بينهما عرفا بحمل إهمال القيد في الثاني علي غفلة الراوي عنه أو تسامحه فيه، لتخيل وضوحه بسبب مناسبته لمقام الفحص- كما سبق- أو لعدم الغرض ببيانه، كما هو الحال في كثير من موارد النقل بالمعني، فيبقي الاول حجة في بيان القيد، و لا سيما مع بعد الخطأ في نقله، لما فيه من العناية و الدقة.

ثم إنه لو فرض ورود النصوص التي أشار إليها في الروض كان مقتضي الجمع بينها التخيير بين الإصبع مع الاستلقاء و الكرسف مطلقا و لو بدونه، لا اعتبار الاستلقاء فيهما معا. فلاحظ.

الثاني: جعل في الإرشاد الحكم بالحيض منوطا بعدم التطوق، لا بخصوص الاستنقاع، و هو لا يناسب ما تقدم من النصوص و الفتاوي. و لعله لذا حمله في الروض

ص: 17

______________________________

علي خصوص الاستنقاع.

و ربما يوجه الإطلاق المذكور بقاعدة الامكان، حيث تقتضي البناء علي الحيض عند فقد الاستنقاع الذي هو امارته و فقد التطوق الذي هو إمارة عدمه.

لكنه- مع ابتنائه علي عموم القاعدة للمقام، و يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالي- لا يناسب النصوص المتقدمة الظاهرة في ملازمة الحيض للاستنقاع و البكارة للتطويق، و لذا اقتصر فيها عليهما في مقام التقسيم و التمييز عند التردد بينهما، و لم يشر لغيرهما، و هو المناسب لما يرتكز عرفا من كونهما من لوازمهما التكوينية، حيث يكون عدم الاستنقاع حينئذ دليلا علي عدم الحيض فيخرج عن موضوع قاعدة الإمكان.

اللهم إلا أن يقال: الاستنقاع في النصوص المتقدمة و إن كان ظاهرا بدوا في استيلاء الدم علي تمام سطوح القطنة و نفوذه لباطنها، إلا أنه لا مجال للجمود عليه مع ما هو المعلوم من خروج دم الحيض من الرحم المتصل ببعض جوانب فضاء الفرج، فلا يغمس تمام القطنة إلّا مع كثرته، و بدونها لا ينفذ إلا في بعض جوانبها، بل قد لا ينفذ أصلا لقلّته في بعض أوقاته، و حيث لا يحتمل خصوصية حال الافتضاض في كيفية خروج دم الحيض لا بد من حمل النصوص المتقدمة علي صورة كثرة الدم، كما صرح به في الصحيحين الأخيرين. و يكون ما هو علامة للحيض في غيره مجرد عدم التطويق الملازم للبكارة حتي مع قلة الدم.

و لا أقل من خروج صورة قلة الدم التي لا يحصل معها الاستنقاع و التطويق عن مورد النصوص، فمع الحكم فيها بعدم البكارة لفرض عدم التطويق يحكم بالحيض، إما لانحصار الأمر به- لو لم يحتمل دم ثالث- أو لقاعدة الإمكان. فلاحظ.

نعم، لا يبعد الاكتفاء في البناء علي البكارة بالتطويق من بعض الجوانب- كما عن كشف الغطاء- لإمكان عدم استيعاب التشقق في البكارة لبعض الجوانب أو لسرعة التئام الجرح منه، فيختص نبع الدم بالباقي، و يتميز بذلك عن الحيض، لأن نبع الدم فيه من داخل الفرج لا من أوله كما لا يخل بذلك تلطخ القطنة من رأسها من دون أن

ص: 18

______________________________

ينفذ الدم فيه لأنه قد يحصل بمجرد إدخال القطنة من البكارة بسبب انطباق المدخل.

و بالجملة: بعد الالتفات إلي كيفية خروج الدم في البكارة و في الحيض و تنبيه النصوص لذلك و جريها عليه، يتعين عدم الجمود علي الاستنقاع الظاهر في استيعاب القطنة، و لا علي التطويق الظاهر في الكامل، بل التعدي إلي ما يناسبه الأمران مما يختلف باختلاف كثرة الدم و لا خفاء به غالبا.

الثالث: قال في السرائر: «فإن اشتبه دم الحيض بدم العذرة في زمان الحيض فلتدخل المرأة قطنة … »، و قد يظهر منه اختصاص الاختبار المذكور بالدم الخارج في العادة دون غيره مما يخرج ممن لم تطمث، أو ممن لا عادة لها. و لا يظهر الوجه في ذلك بعد اختصاص الصحيح الأول بمن لم تطمث و صراحة الثاني في العموم لها، و شمول إطلاق الثالث لها، كإطلاق الفتاوي.

و قريب منه ما يأتي من المعتبر من الاقتصار علي ما إذا كان الدم بصفات دم الحيض، فإنه مخالف لإطلاق النصوص المتقدمة، بل يبعد جدا اشتباه الدم بدم العذرة إذا كان بصفات دم الحيض، خصوصا الحرقة و الدفع، لما هو المعلوم من خلو دم العذرة عنهما، فالظاهر كون منشأ الاشتباه في مورد النصوص هو استمرار الدم علي خلاف الغالب في دم العذرة مع خلوه من الحرارة و الدفق الغالبين في دم الحيض.

الرابع: قال في المعتبر عند الكلام في دم الحيض: «و لو جاء بصفة دم الحيض و اشتبه بدم العذرة حكم أنه للعذرة إن خرجت القطنة مطوقة بالدم. روي ذلك زياد ابن سوقة عن أبي جعفر عليه السّلام و خلف بن حماد عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام … و لا ريب أنها إذا خرجت مطوقة كانت من العذرة، أما إذا خرجت منتقعة فهو محتمل. فإذا يقضي بأنه من العذرة مع التطوق قطعا. فلهذا اقتصر في الكتاب علي الطرف المتيقن».

و مراده بالكتاب المختصر النافع، حيث اقتصر فيه علي الحكم بأن الدم من العذرة مع التطوق و لم يذكر الحكم بالحيض مع الاستنقاع، و نحوه في الشرائع و القواعد و عن الموجز و البيان، و هو- كما تري- إهمال للنصوص المتقدمة الحاكمة

ص: 19

______________________________

بالحيضية مع الاستنقاع من دون وجه.

و قد حمله غير واحد علي ما إذا اشتبه بدم ثالث غير دم الحيض و العذرة لدعوي اختصاص النصوص المتقدمة بما إذا تردد الدم بين الحيض و العذرة لا غير.

لكن فيه- مع أنه مخالف لظاهر كلامه- أن صحيح زياد بن سوقة شامل لصورة الاشتباه بدم ثالث. و مجرد السؤال فيه عن الصلاة لا يكشف عن الاشتباه بالحيض فقط، لأن للاستحاضة دخلا في الصلاة أيضا. غاية ما يدعي تخصيص إطلاقه بادلة الصفات، و هو يقتضي البناء علي الحيضية مع كون الدم بصفات الحيض كما هو مفروض كلامه.

بل قال قدّس سرّه بعد ذلك بأربع مسائل: «و ما تراه المرأة بين الثلاثة إلي العشرة حيض إذا انقطع، و لا عبرة بلونه ما لم يعلم أنه لقرح أو لعذرة. و هو إجماع. و لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا، فيجب أن يكون الدم فيه حيضا». فان مقتضاه البناء علي الحيضية في المقام.

و مثله ما ذكره شيخنا الاستاذ قدّس سرّه من احتمال حمله علي صورة كثرة الدم لدعوي تعذر الفحص المذكور معه، لتلوث القطنة بمجرد ادخالها حتي لو كان من البكارة.

إذ فيه- مع عدم إشعار كلامه بذلك، بل هو لا يناسب فرض التردد بين التطويق و الاستنقاع- أن التلوث بسبب إدخال القطنة لا يمنع من الاختبار المذكور، إذ مع كثرة نبع الدم إن كان نفوذه في القطنة بنحو التطويق كان من البكارة، و إن كان بغمس تمام القطنة كان من الحيض، كما يظهر مما سبق. و لذا تضمن صحيح زياد الاختبار المذكور في فرض كثرة الدم إلا أن تكون الكثرة فاحشة بنحو توجب نفوذ الدم في القطنة بمجرد مماستها للفرج عند إدخالها من دون مهلة معتد بها يكون فيها الاختبار. و هو فرض نادر أو غير واقع خارج عن مفاد النصوص، لظهورها في أن نفوذ الدم في القطنة بعد إدخالها بزمان معتد به. و ربما يرجع إليه ما عن كشف الغطاء

ص: 20

______________________________

من قوله: «و يشترط أيضا أن لا يكون الدم كثيرا مستوليا علي القطنة بمجرد دخولها، فلا يمكن الاختبار».

الخامس: من الظاهر اختصاص الصحيحين الأولين بما إذا تردد سبب الدم بين الحيض و العذرة، دون ما إذا احتمل كونه منهما معا، لأنه المناسب لاختلاف القوابل المذكور فيهما.

أما الصحيح الثالث فهو و إن لم يتعرض فيه لذلك، بل للسؤال عن حكم الصلاة المتجه حتي مع احتمال كونه منهما معا، إلا أن الاقتصار فيه علي الحكم بالحيضية تارة و بالبكارة اخري ظاهر في انصراف السؤال عن الاحتمال المذكور. كما أن الفتاوي قاصرة عنه، كما أشرنا إليه عند التعرض في المتن.

هذا و حيث لا يحتمل دخل خصوصية حال الحيض في استلزام البكارة للتطويق، و لا حال الافتراع في استلزام الحيض للاستنقاع أمكن مع الاحتمال المذكور إحراز اجتماعهما عند اجتماع الأمرين باستنقاع القطنة في بعض جوانبها الملاصق لداخل فضاء الفرج و تطويقها فيما يلاصق منها أوله، الذي هو موضع البكارة. كما يمكن إحراز انفراد أحدهما بتحقق ما يناسبه فقط.

كما قد يشتبه الأمر بأن يكون الدم كثيرا يغمس تمام القطنة، حيث يتردد الأمر معه بين انفراد الحيض و اجتماعه مع البكارة من دون أن يتميز موضع التطويق. لكن لا أثر للاشتباه المذكور بعد ترتب أحكام الحيض علي كل حال، حيث لا أثر معه للبكارة.

السادس: النصوص المتقدمة مختصة باحتمال مفاجأة الحيض بعد الافتراع، دون ما إذا كان الافتراع حال الحيض ثم تردد استمرار الدم بين الحيض و البكارة، و قوله في صحيح خلف الثاني: «أو في أول ما طمثت» لا يراد به فعلية الطمث، بل بلوغها مبالغ النساء بطمثها، مع كون الافتراع حال طهرها، كما يناسبه تفريع غلبة الدم علي الافتراع.

و من هنا كان الفرض المذكور خارجا عن النصوص. لكن لا ينبغي التأمل في التمييز معه بالاستنقاع و التطويق، لإلغاء خصوصية موارد النصوص من هذه الجهة.

ص: 21

______________________________

و إنما الإشكال في وجوب الفحص حينئذ، كما يجب في مورد هذه النصوص، و نصوص الاستبراء، حيث قد يدعي إلغاء خصوصية الموردين المذكورين، و استفادة وجوب الفحص في كل مورد يشك في الحيض من نصوصهما.

لكنه ممنوع، لإمكان اهتمام الشارع بالاحتياط لاحتمال الحيض، دون احتمال الطهر، و لذا شرع الاستظهار بيوم أو يومين أو أكثر عند استمرار الدم في أثناء العشرة «1»، و نهي عن اختبار المرأة نفسها عند انقطاع الدم ليلا «2»، و من الظاهر أن اللازم في مورد النصوص المذكورة لو لا الفحص هو البناء علي عدم الحيض، لاستصحاب الطهر في مورد نصوص المقام، و لظهور انقطاع الدم فيه في مورد نصوص الاستبراء، بخلاف محل الكلام، حيث يلزم البناء فيه علي الحيض لاستصحابه، فلا دليل علي وجوب الفحص فيه احتياطا لاحتمال الطهر.

و قد تعرض غير واحد للكلام في ذلك، علي اختلاف بينهم فيه، مع غموض كلماتهم في أن المقصود حجية الاختبار لو حصل، أو وجوبه مع الفراغ عن حجيته.

و مثله في ذلك ما لو شك في الافتضاض، حيث لا تخلو كلماتهم فيه عن غموض من هذه الجهة، و الظاهر حجية الاختبار المذكور فيه، و إن كان خارجا عن مورد النصوص المتقدمة، إلغاء لخصوصيتها عرفا، و عدم وجوبه لعدم وضوح إلغاء خصوصيتها من هذه الجهة. فلاحظ.

السابع: لو تردد الدم بين العذرة و غير الحيض لم يبعد اعتبار التطويق و عدمه في إثبات العذرة و نفيها، لأنه و إن خرج عن مورد النصوص المتقدمة إلا أن إلغاء خصوصية موردها قريب جدا، كما ذكرناه في نظائره.

نعم، ثبوت الاستحاضة مع عدم التطويق موقوف علي أصالة كون دم غير الحيض و العذرة دم استحاضة. كما أن وجوب الفحص المذكور موقوف علي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض و يأتي الكلام فيه في المسألة التاسعة.

(2) الوسائل باب: 19 من أبواب الحيض. و يأتي الكلام فيه في أوائل الفصل السادس في ذيل الكلام في وجوب الاستبراء.

ص: 22

و لا يصح عملها بدون ذلك ظاهرا (1).

______________________________

وجوب الفحص عن دم الاستحاضة عند الشك في حدوثها. و هو موكول إلي مبحث الاستحاضة.

الثامن: ذكر الصدوق في المقنع أن دم العذرة لا يتجاوز الشفرين، و نحوه ذكر في الفقيه حاكيا له عن رسالة والده. و مقتضي ذلك مانعية سيلان الدم للخارج من الحكم بأنه من العذرة و إن تطوقت القطنة، إذ لا أقل من تنافي الامارتين و تعارضهما المسقط لهما عن الحجية، أو الحكم بأن السائل دم آخر غير المطوق للقطنة.

لكن لم نعثر علي نص بذلك عدا الرضوي «1» الذي لا مجال للتعويل عليه في نفسه، فضلا عن الخروج به عن إطلاق النصوص المتقدمة، و لا سيما مع التعبير فيها بسيلان الدم و كثرته و غلبته، بل يتعين العمل عليها. و ربما يحمل ما في الرضوي و كلام الصدوق علي بيان الوصف الغالبي، لسوقه فيهما مساق وصف دم الحيض بأنه يخرج بحرارة شديدة، و دم الاستحاضة بأنه بارد يسيل من المرأة و هي لا تعلم. فلا ينافي خروجه عن ذلك و اشتباهه بغيره بنحو يحتاج تمييزه للاختبار المذكور.

(1) لظهور النصوص المتقدمة في وجوب الفحص المذكور، و المنسبق منها كون وجوبه طريقيا لترتيب أحكام الطاهر أو الحائض المشار اليها فيها، فيكون رادعا عن الرجوع لاستصحاب الطهر المقتضي لصحة العمل من دون فحص. و ليس وجوبه نفسيا كي لا يمنع من الرجوع لاستصحاب الطهر و إن كانت عاصية بتركه، و لا إرشاديا لشرطيته في عملها، ليبطل العمل بدونه واقعا، فإن كلا منهما خلاف ظاهر النصوص.

و بذلك يفترق المقام عن سائر الشبهات الموضوعية حيث يجوز الرجوع فيها للأصول من دون فحص.

و بذلك يتضح أيضا تنجز احتمال أحكام كل من الطاهر و الحائض التكليفية في

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب 2 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 23

إلا أن تعلم بمصادفته للواقع (1).

______________________________

حقها قبل الفحص كوجوب الصلاة، و تمكين الزوج من الوطء، و حرمة تمكينه منه، و دخول المساجد عليها و غير ذلك. لأن ذلك مقتضي كون وجوب الفحص طريقيا، بل هو مقتضي العلم الإجمالي بثبوت أحد التكليفين بعد عدم جريان استصحاب الطهر المسقط له عن المنجزية.

و من ذلك يظهر أنه لو تأخرت في الاختبار في الزمان المشتبه الذي ينبغي لها الاختبار فيه حتي مضي زمان يحتمل فيه مجي ء الحيض و انتهاؤه ثم اختبرت فظهرت القطنة مطوقة تعين عليها الاحتياط بغسل الحيض، لعدم المؤمن لاحتمال وجوبه بعد عدم كشف الفحص عن عدم وجوبه، و عدم جريان استصحاب الطهر.

ثم إن النصوص المتقدمة و إن اختصت بصورة العلم بالافتضاض، إلّا أنه لا يبعد التعدي منها لما لو شك فيه، لأن منجزية احتمال حيضية الدم بنحو تقتضي وجوب الفحص و تمنع من الرجوع لاستصحاب الطهر مع العلم بالافتضاض تقتضي منجزيته مع الشك فيه بالأولوية العرفية.

بل لا يبعد التعدي في وجوب الفحص لغير البكارة مما يعلم أو يحتمل وجوده في الفرج و خروج الدم منه، لقوة ظهور النصوص المذكورة في أهمية احتمال الحيض. فتأمل.

(1) بأن ينكشف كون الدم من العذرة حين العمل، إما بالقطع أو بالاختبار في وقت يعلم بأنه إن كان الدم منها فيه كان منها حين العمل. و الوجه في صحة العمل حينئذ ما أشرنا إليه من أن ظاهر النصوص كون الأمر بالاختبار طريقيا لتحصيل الواقع، لا إرشاديا لشرطيته لعملها، فمع فرض إصابة الواقع لا وجه لبطلانه.

و قد نبه سيدنا المصنف قدّس سرّه إلي أن عدم تعرض الامام عليه السّلام في صحيح خلف الأول لما ذكره الفقهاء من الفتوي بالاحتياط لا يكشف عن عدم مشروعية الاحتياط من دون فحص و بطلان العمل المطابق للواقع الأولي بدونه، لأن السائل لم يشر في سؤاله له عليه السّلام إلي فتواهم المذكورة، ليكشف إعراض الإمام عليه السّلام عنها عن ردعه

ص: 24

مسألة 2: إذا تعذر الاختبار المذكور فالأقوي الاعتبار بحالها السابق من حيض أو عدمه
اشارة

(مسألة 2): إذا تعذر الاختبار المذكور فالأقوي الاعتبار بحالها السابق من حيض أو عدمه (1).

______________________________

عن مضمونها. كما ان اقتصاره عليه السّلام علي بيان الاختبار لا ينافي مشروعية الاحتياط و تحصيل الواقع بدونه، إذ قد يكون منشؤه سهولة الاختبار و صعوبة الاحتياط.

و مما ذكرنا ظهر أنه لا مجال لما في الجواهر من أن مقتضي ظهور النص و الفتوي في وجوب الاختبار توقف صحة عملها علي وقوعه بوجه تعذر فيه، و ما في طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن مقتضاه توقف الصحة علي الغفلة عن وجوب الاختبار.

نعم، يتجه ذلك بناء علي اعتبار الجزم بالنية في العبادة مع القدرة عليه الذي هو خلاف التحقيق.

كما يتجه بناء علي أن حرمة العبادة علي الحائض ذاتية لا تشريعية، و أن المحرم يعم الإتيان بها برجاء المشروعية، حيث تكون العبادة دون فحص محتملة للتحريم المنجز فيتعذر التقرب بها و إن قيل بعدم استحقاق العقاب علي التجري. و هو محل إشكال. و تمام الكلام فيه في محله.

ثم إن أثر الحكم المذكور إنما يظهر فيما يجب إعادته أو قضاؤه علي تقدير الحيض، كقضاء الصلوات السابقة و أداء الصلاة التي يحتمل الحيض في اثناء وقتها و الصوم، دون مثل أداء صلاة اليوم التي يحتمل الحيض في تمام وقتها، حيث يعلم ببراءة الذمة مع الإتيان بها من دون اختبار و لو لم ينكشف الحال، لعدم وجوبها مع الحيض، و صحتها مع عدمه.

(1) أما مع سبق الحيض فلاستصحابه، حيث سبق في الأمر السادس جريانه حتي مع التمكن من الاختبار. كما أن المرجع مع سبق الطهر هو استصحابه، الذي لا مانع منه إلا الخطاب بالاختبار في النصوص السابقة الذي لا مجال له مع تعذره.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من انه لا يبعد شمول إطلاق النصوص المتقدمة لصورة العجز عن الاختبار، فيمتنع معه الرجوع للاستصحاب كما يمتنع

ص: 25

______________________________

الرجوع له مع التمكن منه. فهو غير ظاهر، لأن دلالة النصوص علي امتناع الرجوع للاستصحاب إنما هي بسبب الأمر فيها بالاختبار، و حيث يقصر الأمر به عن صورة تعذره كان امتناع الرجوع للاستصحاب تابعا له في ذلك، فكيف يكون إطلاق النصوص شاملا لصورة التعذر؟!.

نعم، لو كان الأمر بالاختبار مسوقا لبيان امتناع الرجوع للاستصحاب و كناية عنه فقد يتوجه الإطلاق المدعي، لإمكان امتناع الرجوع له في ظرف تعذر الاختبار، نظير استفادة إطلاق الجزئية و الشرطية من إطلاق الأمر بالجزء و الشرط المسوق للكناية عنهما، لإمكان عمومهما لحال تعذر الجزء و الشرط. لكن لا مجال لدعوي ذلك في المقام، لعدم التوجه في مورد النصوص للاستصحاب المذكور، لتكون مسوقة لبيان عدم جريانه، و إنما استفيد امتناع الرجوع إليه تبعا من الأمر بالاختبار المسوق للحث الفعلي عليه و الذي يقصر عن حال تعذره.

إن قلت: الأمر في صحيحي خلف بترتيب أحكام الحائض و الطاهر ظاهر في تنجز تلك الأحكام قبل الاختبار، و أن الاختبار إنما هو لأجل تنجزها، و من الظاهر إمكان تنجز الأحكام المذكورة مع تعذر الاختبار، بل هو مقتضي إطلاق الأمر بها، و لازمه امتناع الرجوع لاستصحاب الطهر.

«قلت»: لم تتضمن النصوص الأمر بترتيب أحكام كل من الحيض و الطهر عند احتماله، ليكون لها إطلاق شامل لحال تعذر الاختبار، بل الأمر بترتيب أحكام الثابت من الأمرين و الاقتصار عليه، و ذلك لا يكون إلا مع تيسر معرفة الحال بالاختبار و نحوه و يتعين قصوره عن صورة تعذرها لتعذر الاختبار و غيره، بل يتعين الرجوع فيه للقواعد الأخر، و منها استصحاب الطهر مع اليقين بسبقه.

بقي في المقام امور..

الأول: الرجوع لاستصحاب الطهر موقوف علي قصور قاعدة الامكان عن المقام و نحوه مما يحتمل فيه عدم نزول الدم من الرحم، و هو غير بعيد، و إن كان الجزم

ص: 26

و إذا جهلت الحال السابقة فالأحوط وجوبا الجمع بين عمل الحائض و الطاهرة (1).

______________________________

فيه موقوفا علي النظر في أدلة القاعدة، و هو ما يأتي إن شاء اللّه تعالي في المسألة الرابعة.

الثاني: لو أمكن الاختبار بعد العمل لاستكشاف حاله احتمل وجوبه، إلغاء لخصوصية موارد النصوص، و إن لم يخل عن الاشكال أو المنع، و يأتي نظيره عند التعرض لكلام الجواهر.

الثالث: لو أمكن معرفة الحال بغير الاختبار المذكور لم يبعد وجوبه و عدم الرجوع لاستصحاب الطهر، لإطلاق الأمر في صحيحي خلف بترتيب أحكام الثابت من الأمرين، الظاهر في تنجزها مع إمكان معرفة الحال. فتأمل جيدا.

(1) للعلم الإجمالي بثبوت أحد الحكمين، فيتنجز الإلزامي من كل منهما، كوجوب الصلاة و الصوم من أحكام الطهر، و حرمة دخول المساجد و وجوب قضاء الصوم و بطلان قضاء الصلاة من أحكام الحيض. لكنه يقتضي الفتوي بلزوم الاحتياط بالجمع المذكور- كما هو ظاهر المستمسك و بعض حواشي العروة الوثقي- بنحو لا يجوز لمقلديه الرجوع لمن يفتي بتعيين أحدهما، لا التوقف عن الفتوي المستلزم لجواز رجوع مقلديه لغيره ممن يفتي بتعيين أحدهما، كما هو ظاهر المتن.

هذا و قد ذكر السيد قدّس سرّه في العروة الوثقي أنها تبني حينئذ علي الطهارة، و أمضاه بعض الأعاظم و غيره. و قد يرجع إليه ما عن نجاة العباد و جملة من حواشيها من الحكم بأولوية الاحتياط المذكور من دون إلزام به.

و كأن ما في العروة الوثقي مبني علي مسلكه من حجية العام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص، لأن أحكام الطاهر هي مقتضي العمومات، و أدلة أحكام الحائض مخصصة لها، فمع الشك في تحقق الحيض و عدم إحراز وجوده و لا عدمه يتعين البناء علي مقتضي العمومات بترتيب أحكام الطاهر. لكن تحقق في محله ضعف المسلك المذكور.

ص: 27

______________________________

و مثله الاستدلال علي ذلك..

تارة: بقاعدة المقتضي، بدعوي: أن المستفاد من الأدلة كون أحكام الطهارة من مشروعية العبادة للمرأة و جواز وطئها و صحة طلاقها مقتضي طبعها الأولي، و الحيض من سنخ المانع عنها، و مع إحراز المقتضي لا يعتني باحتمال المانع.

و اخري: بما قد ينسب لبعض الأعاظم من أن تعليق الحكم علي عنوان وجودي يقتضي عدم ترتبه مع عدم إحراز العنوان المذكور، و لما كانت أحكام الحيض معلقة في الأدلة علي عنوانه فلا ترتب مع عدم إحرازه، بل لا يترتب إلّا نقائضها التي هي أحكام الطهارة، لأنها لم تعلق علي عنوان الطهارة بما أنها أمر وجودي، بل استفيد اختصاصها بها من الجمع بين إطلاقاتها و أدلة أحكام الحيض.

لاندفاعه- بعد تسليم كون المقام من صغريات إحدي الكبريين المذكورتين- بأن الكبريين غير تامتين، كما تقدم عند الكلام في الشك في الكرية من مباحث المياه. فراجع.

نعم، قد يوجه ذلك بانحلال العلم الإجمالي المذكور بالاستصحاب، حيث قد يقرب بأحد وجهين:

أولهما: استصحاب عدم خروج الدم من الرحم، بناء علي أن معني الحيض خروج الدم من الرحم بحيث يكون هو الموضوع لأحكامه، فباستصحاب عدمه يثبت لها أحكام الطهارة، لعموم أدلتها.

ثانيهما: استصحاب عدم كون هذا الدم حيضا من باب استصحاب العدم الأزلي، بناء علي ما هو غير بعيد من أن حيضية الدم من لواحق وجوده- كما ذكره شيخنا الأستاذ- خلافا لما احتمله سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنها من لوازم ماهيته. بل لا يبعد عدم كونه من استصحاب العدم الأزلي، لأن الحيضية تابعة لخروج الدم المتأخر عن وجوده زمانا. و عن بعض مشايخنا الاعتماد علي هذا الوجه في الاكتفاء بأعمال الطاهرة.

و يشكل الأول بأنه لا طريق لإحراز مطابقة خروج الدم من الرحم لمفهوم الحيض، بل هو أعم منه، فيشاركه فيه النفاس و الاستحاضة، غاية ما يدعي أن

ص: 28

______________________________

الأصل في الدم الخارج من الرحم الحيضية، فاستصحاب عدم الخروج من الرحم لا ينفي الحيضية، إلّا بناء علي الأصل المثبت، لأن انتفاء العام يستلزم انتفاء الخاص.

مضافا إلي أن المستصحب ان كان هو عدم خروج مطلق الدم من الرحم فهو خلاف فرض الجهل بالحالة السابقة، و إن كان عدم خروج الدم الخاص فمن الظاهر أن الحيض لما كان يتحقق بخروج مطلق الدم من الرحم فانتفاء خروج الدم الخاص منه لا يقتضي انتفاء الحيض، لأن انتفاء الخاص لا يستلزم انتفاء العام، إلا بضميمة العلم بعدم خروج غيره من أفراد الدم منه، فيكون من أظهر أفراد الأصل المثبت، كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه.

و منه يظهر الحال في الثاني، لوضوح أنه يكفي في تحيض المرأة حيضية أي دم خرج منها، لا خصوص الدم الخاص، فعدم حيضية الدم الخاص لا يستلزم عدم حيضيتها إلّا بضميمة العلم بعدم خروج دم آخر منها محتمل للحيضية. علي أن موضوع الأحكام هو المرأة الحائض و حيضية الدم ليست مقومة لحيضيتها شرعا و لا عرفا، بل هما متلازمان خارجا، لوضوح أن خروج النوع الخاص من الدم يصحح انتزاع الحيضية له و لها، من دون ترتب بينهما في الاتصاف بها. بل ليس فائدة الأصل المذكور إلا عدم ترتيب أحكام دم الحيض علي الدم المذكور، كعدم العفو عن قليله في الصلاة، كما نبه له سيدنا المصنف و شيخنا الأستاذ (قدس سرهما).

و لو لا ما ذكرنا لامتنع الرجوع لاستصحاب الحيض عند العلم بسبقه، لكونه محكوما للاستصحابين المذكورين مسببيا بالإضافة إليهما، لوضوح ان الشك في بقاء الحيض يكون مسببا عن الشك في خروج الدم من الرحم، و في حيضيته. فتأمل جيدا.

هذا و في الجواهر: «أما إذا لم تتمكن من الاختبار المذكور … فيحتمل البناء علي الحيضية، لأصالتها عندهم، و عدمها. و الأقوي الفرق بين الصور، بسبق الحيض، أو العذرة، و حيث لا سبق فالظاهر وجوب العمل عليها ثم الاختبار بعد ذلك. فتأمل جيدا».

لكن من الظاهر أن سبق العذرة لا أثر له في المقام، لعدم كون موضوع الآثار هي العذرة، بل عدم الحيض، فيكفي استصحابه مع اليقين به سابقا و لو مع عدمها.

ص: 29

______________________________

كما أن وجوب العمل عليها مع فرض عدم جريان الاستصحاب ثم الاختبار بعد ذلك، إن أريد به العمل جمعا بين أحكام الحائض و الطاهر- للعلم الإجمالي المذكور- لم يحتج للاختبار بعد ذلك، و إنما يحتاج للاختبار فيما بعد للعمل اللاحق، و هو خارج عن محل الكلام، لعدم كونه بالإضافة للمذكور متعذرا.

و إن أريد به العمل علي طبق أحكام الطاهرة أشكل- مضافا إلي ما عرفت من عدم الوجه للاقتصار عليه- بأن وجوب الاختبار بعد القدرة لاستكشاف حال العمل السابق المفروض وقوعه مطابقا للأصل الجاري حينه محتاج إلي دليل، لظهور النصوص في كون الاختبار للعمل اللاحق الذي لا يشرع بدونه، و قد سبق الإشكال في التعدي منه لما نحن فيه.

تنبيه

الاحتياط في حق المرأة لا يقتضي منع الزوج عن الوطء، بل حيث يدور الأمر فيه بين الحرمة لاحتمال الحيض و الوجوب لاحتمال الطهر يتعين تخييرها بينهما. نعم، لو أمكنها إقناع الزوج بترك الوطء لم يبعد وجوبه عليها، للعلم معه بعدم مخالفة الوظيفة المعلومة إجمالا. و أظهر من ذلك حرمة طلبها الوطء من الزوج، لتنجزه عليها بمقتضي العلم الإجمالي المذكور.

كما أنه لا ملزم للزوج باجتناب وطئها لعدم منجزية العلم الإجمالي في حقه بعد خروج بعض أطرافه عن مورد عمله. بل مقتضي أصالة البراءة في حقه جواز الوطء.

و انقلاب الأصل في الفروج- لو تم- مختص بما إذا كان احتمال الحرمة لاحتمال عدم الزوجية أو ملك اليمين، لا لاحتمال مثل الحيض مع إحراز الزوجية، كما في المقام.

نعم، لو كان الاحتياط في العمل بسبب توقف المجتهد عن الفتوي للشبهة الحكمية فقد يكون مشتركا بين الزوجين. و حينئذ لو طالب الزوج تخيرت المرأة بين التمكين و الامتناع مع تعذر معرفة الوظيفة عليها، لانسداد طريق العلم بالمجتهد الذي يجوز الرجوع اليه. أما مع تيسر معرفتها فاللازم عليها الرجوع اليها و العمل بها، كما يجب في سائر موارد تعذر الاحتياط. فتأمل جيدا.

ص: 30

تتميم

______________________________

تعرض جمهور الأصحاب من القدماء و المتأخرين إلي مسألة اشتباه دم الحيض بدم القرحة و اختلفوا فيها علي أقوال:

الأول: أن الدم إن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة. و به صرح في المقنع و الفقيه و المبسوط و النهاية و السرائر و الوسيلة و القواعد و التذكرة و المنتهي- في صدر كلامه و ان ذكر بعد ذلك منافاة الرواية له- و جامع المقاصد، و هو المناسب لما في الإرشاد من جعل الخروج من الأيسر من صفات الحيض، كما أنه المحكي عن المفيد و القاضي و الإصباح و الجامع و البيان و جميع كتب العلامة و الجعفرية و غيرها.

و جعله الأشهر في التذكرة، و نسبه للأكثر في جامع المقاصد و الروض و محكي شرح الجعفرية، و للمشهور في جامع المقاصد أيضا و المسالك و حاشية المدارك و محكي فوائد الشرائع و شرح المفاتيح.

الثاني: عكس الأول، و به صرح في الدروس و الذكري و حكي عن ابن الجنيد و ابن طاوس، و لعله ظاهر الكليني، لأنه اقتصر علي الخبر الدال عليه في باب معرفة دم الحيض و العذرة و القرحة.

الثالث: عدم اعتبار الجانب، و إليه ذهب في المعتبر و المدارك و ظاهر المسالك، و حكي عن الأردبيلي.

و كأن منشأ اختلاف القولين الأولين الاختلاف في الرواية الواردة في المقام، و هي مرفوعة محمد بن يحيي عن ابان، فقد رويت في التهذيب هكذا: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فتاة منا بها قرحة في جوفها «1» و الدم سائل لا تدري من دم الحيض

______________________________

(1) كذا في المطبوع في النجف الاشرف من التهذيب و حكاه غير واحد من الفقهاء عنه و عن الكافي، و هو الموجود في بعض نسخ الكافي علي ما حكي. و ظاهر الوسائل ان الموجود في التهذيب و الكافي (فرجها) بدل (جوفها) و هو الموجود في بعض نسخ الكافي أيضا.

ص: 31

______________________________

أو من دم القرحة. فقال: مرها فلتستلق علي ظهرها ثم ترفع رجليها و تستدخل اصبعها الوسطي، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة» «1». و كذا رويت في الكافي إلا أنه قال: «فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة» «2».

و قد صرح غير واحد بترجيح الأولي، لأن الشيخ اعرف بوجوه الحديث و أضبط، و لانجبارها بعمل المشهور، و اعتضادها بفتوي الصدوق ناقلا له عن رسالة والده التي قيل إنها متون أخبار كنهاية الشيخ، و بالرضوي «3».

و قال في الجواهر: «بل المحكي عن كثير من النساء العارفات أن الحيض مخرجه من ذلك». كما قد يعتضد ببعض نصوص الاستبراء من أنها تعمد برجلها اليسري علي الحائط «4»، حيث يناسب كون مخرج الحيض من الجانب الأيسر.

لكن رفع الرجل اليسري لا يكشف عن كون مخرج الحيض من الجانب الأيسر، بل قد يكون لاستلزامه الضغط علي الجانب الأيمن. علي أن في مرسل يونس في الاستبراء أيضا: «و ترفع رجلها اليمني» «5». و شهادة النساء العارفات لم تتضح بنحو تثبت صحة الرواية المذكورة. و الرضوي قد سبق عدم وضوح كونه من كلام المعصوم عليه السّلام بل لسان بعضه لا يناسب ذلك، و لا يبعد كونه كتاب فتوي مقارب في اللسان للروايات فلا يزيد علي موافقة الرواية لفتوي الصدوق. و موافقتها لرسالة علي بن بابويه لم تثبت، لأن الصدوق إنما نسب لأبيه ما أفتي به بعد فقرات كثيرة من هذا الكلام فلعل نسبته لا تشمله، بل تختص بتلك الفقرات.

علي أن موافقة الرواية لفتاوي هؤلاء إنما يكشف عن وجودها و لا ينافي اشتباههم في مضمونها، إذ ليس الاشتباه عليهم بأبعد من الاشتباه علي الكليني و ابن الجنيد.

______________________________

(1) الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 32

______________________________

و مثله الحال في فتوي المشهور فإنها إنما توجب انجبار الرواية مع الشك في صدورها، لا في تصحيفها، إذ اتفاق النقلين في السند و اللسان شاهد بعدم كونهما روايتين إحداهما مهجورة عند الاصحاب و الاخري معتمدة لهم، بل ليس هناك إلا رواية واحدة اختلف الكليني و الشيخ في كيفية نقل محمد بن يحيي لها، و مرجحية عمل المشهور في مثل ذلك غير ظاهرة، و لا سيما مع اضطراب كلماتهم و قرب كون منشأ عملهم الأنس بكتب الشيخ و ترجيح فتاواه، لأن الشهرة لو كانت فهي بعده.

كما ان الترجيح بأضبطية الشيخ و أعرفيته غير ظاهر، بل قال المجلسي في مرآة العقول بعد ذكر الترجيح بهما: «و فيهما معا نظر بيّن يعرفه من يقف علي احوال الشيخ و وجوه فتاواه … و يمكن ترجيح رواية الكليني بتقدمه و حسن ضبطه، كما يعلم من كتابه الذي لا يوجد مثله» و أشار غيره لذلك، بل اغرق فيه صاحب الحدائق.

علي انه صرح في الوافي بأن ما سبق من التهذيب إنما هو في بعض نسخه، و قال في الذكري بعد نقل رواية الكافي: «و في كثير من نسخ التهذيب الرواية بلفظها بعينه. قال الصدوق و الشيخ في النهاية الحيض من الايسر. قال ابن طاوس: و هو في بعض نسخ التهذيب الجديدة، و قطع بأنه تدليس … » بل لم ينقل في المنتهي و المختلف عن التهذيب إلا ما يوافق رواية الكليني، و لذا جعل في المنتهي الرواية منافية لفتوي الصدوق و الشيخ، كما ذكر ذلك في التحرير أيضا.

نعم، نبه للاختلاف بين الكافي و التهذيب في التذكرة. و منه يظهر أنه لا مجال لما عن شرح المفاتيح من استبعاد الاختلاف المذكور في نسخ التهذيب لاتفاق النسخ التي بين ايدينا علي ما يخالف الكافي، كما لم يشر إليه المحشون مع أن ديدنهم نقل النسخ حتي النادرة، بل اعترف المحققون باتفاقها علي ذلك، و يناسبه عدول الشهيد في البيان المتأخر تأليفا إلي ما يوافق المشهور، حيث يكشف عن اطلاعه علي خطأ ما ذكره سابقا.

إذ فيه: انه لا مجال لرفع اليد عن نقل هؤلاء الأعاظم بذلك و إن كان هذا

ص: 33

______________________________

الاضطراب غريبا. و قد يكون عدول الشهيد في البيان لمرجّحية الشهرة بنظره حينئذ، لا لظهور خطأ ما ذكره سابقا.

نعم، قد ترجح النسخ المخالفة للكافي بموافقتها لفتاوي الشيخ نفسه، كما نبه له غير واحد، إلّا أن خطأ الشيخ و غفلته عن مخالفة فتواه للسان دليله ليس بأبعد كثيرا من خطئه أو خطأ الكليني في نقل الرواية، لما عرفت من وحدة الرواية.

و من هنا كان مقتضي القاعدة سقوط رواية التهذيب باختلاف نسخه، و أما الكافي فحيث لم نعثر فيه و لم ينقل عنه الاختلاف، بل صرح في الوافي باتفاق نسخه، فروايته هي الحجة بعد انجبار ضعف سندها باعتماد المشهور عليها و لو في المضمون الآخر، لأن انجبار الرواية بالشهرة ليس لكونها أمارة علي صحة مضمونها، كي لا يتم مع مخالفتهم لها، بل لكونها موجبة للوثوق بصدورها، و كشفها عن اطلاعهم علي قرائن موجبة له، و حيث سبق وحدة الرواية فاعتمادهم علي نسخة التهذيب مستلزم لانجبار نسخة الكافي و إن أخطئوا في تشخيص مفادها.

لكن الإنصاف أن الاكتفاء بذلك في حجّية رواية الكافي لا يخلو عن إشكال، لأن اختلافها مع الرضوي، و مخالفة الصدوق و الشيخين و أتباعهم في فتاواهم لها موجب للريب فيها، و لا سيما مع هذا الاضطراب في نقل التهذيب لها. و من هنا كان المتعين طرحها و الرجوع للقواعد الأخر، بعد عدم وجود قدر مشترك بين النقلين ليخرج عن القواعد المذكورة فيه بعد انجبار الرواية لما سبق.

نعم، قد يدعي أن ذلك يقتضي التوقف عن القواعد، للعلم الإجمالي بتخصيصها بأحد وجهي الرواية.

لكن لا مجال له بعد اختلاف نقل الرواية من جهة اخري قد يختلف فيها مفاد القاعدة، فلا تكون مخالفة للقاعدة علي أحدهما، و هي تعيين موضع القرحة و أنها الفرج أو الجوف، علي ما أشرنا إليه عند نقلها. و لم ينبه الاصحاب لذلك بل أطلق بعضهم من هذه الجهة و اقتصر الصدوق علي القرحة في الفرج، و يظهر من بعضهم

ص: 34

______________________________

إرادة القرحة في الجوف. و الكل لا مجال له بعد اختلاف نقل الرواية. كما قد يظهر من الصدوق إرادة الاشتباه و لو للشك في وجود القرحة و هو مطابق في ذلك للرضوي، و إلّا فالمرفوعة المتقدمة ظاهرة في فرض العلم بها.

و من هنا كان اللازم تنقيح مفاد القاعدة فاعلم: أن القرحة إن علم أو احتمل وجودها في الفرج جاز البناء علي الحالة السابقة من حيض أو عدمه، و مع عدمها يتعين الجمع بين عمل الطاهر و الحائض، بناء علي قصور قاعدة الإمكان عن شمول الدم الذي يحتمل نزوله من الفرج، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

و إن احتمل أو علم وجودها في الجوف فالظاهر عموم قاعدة الإمكان و لزوم البناء علي الحيض.

و يقتضيه في الجملة مرسلة يونس القصيرة- التي لا تخلو عن اعتبار، بناء علي ما سبق في مبحث الكر من حجّية مراسيل يونس- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فإذا رأت المرأة الدم في ايام حيضها تركت الصلاة، و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت و انتظرت … و إن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيام، و لم تر الدم فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض، إنما كان من علّة، إما قرحة في جوفها و إما من الجوف … » «1».

فإن ظاهره عدم الاعتناء باحتمال خروج الدم من القرحة إذا لم يحرز فقده لشروط الحيض، و إنما يبني علي عدم كونه حيضا عند فقده لشروطه.

نعم، هو قاصر عما لو علم بوجود القرحة أو خرج الدم في غير ايام العادة، و العمدة فيه قاعدة الامكان. فلاحظ.

بقي في المقام أمران:
الأول: أنه بناء علي اعتبار الجانب و لزوم العمل بالرواية علي أحد الوجهين المتقدمين فالظاهر وجوب الفحص عليها

و عدم الرجوع إلي ما تقتضيه القواعد إذا

______________________________

(1) الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 35

______________________________

كان مخالفا للاحتياط من بعض الوجوه، لأمر الامام عليه السّلام بالفحص الظاهر في لزومه و تنجز الواقع بدونه.

الثاني: بناء علي اعتبار الجانب فمورد الرواية ما لو علم بوجود القرحة و تردد الدم بينها و بين الحيض.

و أطلق غير واحد الرجوع إليه عند اشتباه دم الحيض بدم القرحة، بنحو يشمل ما لو شك في وجود القرحة، بل ظاهر بعضهم و صريح آخرين عموم اعتباره لما إذا لم تكن هناك قرحة، بحيث يكون من علامات الحيض، لدعوي:

أن الجانب إن كان من شئون الحيض فلا خصوصية لوجود القرحة فيه، خلافا لما صرح به بعضهم من الاقتصار علي مورد الرواية، لإمكان خصوصية وجود القرحة في مخرج دم الحيض.

و الإنصاف أن الاحتمال المذكور غير عرفي، فالتعميم أنسب. بل لا يبعد البناء علي وجوب الفحص مع تيسره لو شك في وجود القرحة و إن خرج عن مورد الرواية، لنظير ما تقدم في العذرة عند الكلام في وجوب الفحص. بل مقتضي ما تقدم هناك وجوب الفحص عن الحيض مع العلم بوجود القرحة في الفرج أو احتمالها و إن لم يعتمد علي المرفوعة في المقام.

ص: 36

الفصل الثاني في تحديد وقت الحيض
لا حيض قبل البلوغ

الفصل الثاني كل دم تراه الصبية قبل بلوغها تسع سنين و لو بلحظة لا تكون له أحكام الحيض (1).

______________________________

(1) كما صرح به الأصحاب، و نفي فيه الخلاف في الحدائق، بل ادعي الإجماع عليه في المعتبر و كشف اللثام و الجواهر، و عن مجمع البرهان: «الذي يقتضيه النظر في الحيض و العلامات هو الحكم بكون الدم حيضا إن لم يكن إجماع، لكن الظاهر أنهم أجمعوا عليه».

و يقتضيه موثقة عبد الرحمن بن الحجاج: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ثلاث يتزوجن علي كل حال: التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض- قلت: و متي تكون كذلك؟ قال إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض- و التي لم تحض و مثلها لا تحيض- قلت: و متي يكون كذلك؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين- و التي لم يدخل بها» «1».

و معتبرته: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ثلاث يتزوجن علي كل حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض- قال: قلت: و ما حدها؟ قال: إذا أتي لها أقل من تسع سنين- و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض. قلت: و ما حدها؟ قال:

إذا كان لها خمسون سنة» «2».

و حديث عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام: «قال إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب العدد من كتاب الطلاق حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب العدد من كتاب الطلاق حديث: 4.

ص: 37

______________________________

كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيئة و عوقب، و إذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، و ذلك أنها تحيض لتسع سنين» «1».

و منها يظهر ضعف ما تقدم عن مجمع البرهان فإنها تنهض لرفع اليد عن إطلاق أدلة العلامات لو تم، كما لا يخفي.

بقي في المقام امور..

الأول: أن ظاهر الأصحاب بل صريح بعضهم عدم الاكتفاء بالدخول في التاسعة، بل لا بد من إكمالها، و ادعي عليه الإجماع في كشف اللثام.

و يقتضيه النصوص المتقدمة، أما الثاني فظاهر، حيث يصدق علي من لم تكمل التاسعة أن لها أقل من تسع سنين. و أما الأول و الثالث فلأن بلوغ الشي ء و إن كان قد يصدق بالدخول فيه إلا أنه يعلم بعدم إرادته في المقام، لأنه لا يتوقف علي الدخول في التاسعة، لأن التسع مجموع السنين و الدخول فيها يكون بالدخول في السنة الأولي.

نعم، لو عبر ببلوغ التاسعة فقد يتوجه الاحتمال المذكور.

الثاني: ظاهر النص و الفتوي كون التحديد بذلك تحقيقيا لا تقريبيا، كما هو الحال في سائر التحديدات الشرعية، و به صرح في التذكرة لكن في الروض: «و الأقرب أنه تحقيق لا تقريب مع احتماله، فلو قلنا به فإن كان بين رؤية الدم و استكمال التسع ما لا يسع الحيض و الطهر كان الدم حيضا» و حكي نحوه عن نهاية الأحكام. و لا مجال للاحتمال المذكور بعد ظهور النص و الفتوي في خلافه. كما انه لا شاهد بتحديد التقريب بما ذكراه من عرف أو غيره.

الثالث: الظاهر أن المراد بالسنين الهلالية، لأن ذلك مقتضي الاطلاقات المقامية لأدلة التحديدات الشرعية، تبعا للعرف الذي وردت فيه.

و قد يدل عليه قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ «2»،

______________________________

(1) الوسائل باب: 44 من كتاب الوصايا حديث: 12.

(2) سورة البقرة: 189.

ص: 38

______________________________

لظهوره في أن فائدتها بنظر الشارع توقيت الناس بها، فيكون حاكما علي أدلة التوقيتات. فتأمل.

كما أن الظاهر الاكتفاء بالتلفيق فيكتفي بمرور نفس اليوم من شهر الولادة في الدور التاسع، و لا يهم نقيصة الأشهر، لاكتفاء العرف بذلك في تطبيق التسع سنين.

الرابع: صرح في المبسوط و الوسيلة و الغنية و وصايا السرائر و محكي نوادر قضائها و الجامع و التحرير بأن الحيض بلوغ في المرأة، و في الغنية الإجماع علي ذلك.

و ذكر في الشرائع أنه لا يكون بلوغا، بل قد يكون دليلا عليه، و بدليليته عليه صرح في القواعد و الروضة و المسالك و غيرها، و عن مجمع البرهان استظهار الإجماع عليها، و نفي في المسالك الخلاف في كونه دليلا علي سبق البلوغ، و في كونه بلوغا بنفسه.

و قد يستدل علي كونه بلوغا بموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم. و الجارية مثل ذلك إذا أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم» «1».

و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لا يصلح للجارية إذا حاضت إلا أن تختمر، إلا أن لا تجده» «2»، و في صحيح يونس بن يعقوب الوارد في اللباس في الصلاة: «و لا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار» «3». و في خبر أبي بصير:

«علي الصبي إذا احتلم الصيام و علي الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار … » «4»، و في مرسل الصدوق: «علي الصبي اذا احتلم الصيام و علي المرأة اذا حاضت الصيام» «5»، و غيرها مما يناسب ألسنتها.

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 126 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلي حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 29 من أبواب لباس المصلي حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

ص: 39

______________________________

و أما حديث عبد اللّه بن سنان المتقدم فهو بضميمة العلم بعدم ملازمة الحيض للتسع محمول علي إرادة أن علة البلوغ بالتسع أنها وقت إمكانه، و مرجعه إلي أن سبب البلوغ إمكان الحيض لا فعليته، فيكون من نصوص البلوغ بالتسع لا بالحيض، و إن عده من نصوص المقام سيدنا المصنف قدّس سرّه.

هذا و قد استشكل في سببية الحيض للبلوغ بأن الحيض حيث لا يكون إلا بعد إكمال تسع سنين، التي بها يتحقق البلوغ فلا يستند البلوغ إليه. قال في كتاب الصوم من السرائر بعد ذكر الحيض و الحبل من علامات البلوغ- بعد ذكر بلوغ التسع و الاحتلام و الإنبات-: «هكذا يذكر في الكتب و المحصّل من هذا بلوغ التسع سنين، لأنها لا تحيض قبل ذلك، و لا تحمل قبل ذلك، فعاد الأمر إلي بلوغ التسع سنين، و إنما أوردنا ما أورده غيرنا من المصنفين».

و قد تصدي غير واحد لتوجيه ذلك بحمله علي أن الحيض أمارة علي البلوغ عند الشك في بلوغ المرأة تسع سنين، لا سبب له في قبال بلوغها تسع سنين.

فإن اريد لزوم البناء علي ذلك في نفسه مع قطع النظر عن النصوص المتقدمة، فهو متجه بناء علي أن امتناع الحيض قبل التسع واقعي دلت عليه النصوص، لا شرعي راجع إلي عدم ترتيب أحكام الحيض قبلها و إن كان الدم حيضا واقعا- و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي- و علي اليقين بكون الدم الخارج ممن لا يعلم ببلوغها حيضا، حيث يعلم بسببه ببلوغ التسع من باب الانتقال من الملزوم للازم، و لا يكون أمارة عليه شرعا.

أما لو كان امتناعه قبل التسع شرعيا فاليقين بكون الدم حيضا لا يكفي في البناء علي البلوغ، لأنه اعم منه. و اليقين بكونه الحيض الواجد للأحكام موقوف علي اليقين ببلوغ التسع، فلا يكون سببا له. كما أنه لو لم يتيقن بكون الدم حيضا فالرجوع للصفات أو لقاعدة الإمكان في البناء علي حيضيته موقوف علي إطلاق دليليتهما للأمارية عليه و التعبد به عند الشك فيه من حينية البلوغ. و هو قريب في أدلة الصفات

ص: 40

______________________________

و لا يخلو عن إشكال أو منع في قاعدة الامكان، و يبتني علي ما يأتي في المسألة الرابعة من الكلام فيها.

هذا بناء علي امتناع الحيض واقعا قبل التسع، أما بناء علي امتناعه شرعا فلا ينفع إطلاق أدلة الصفات أيضا، لظهورها في بيان صفات الحيض الواقعي، و قد ذكرنا أن العلم به لا يكفي في البناء علي بلوغ التسع علي المبني المذكور، فإحرازه بالصفات أولي بذلك.

و ان اريد لزوم البناء علي ذلك بلحاظ النصوص المتقدمة، حيث يلزم حملها عليه بعد تعذر حملها علي سببية الحيض للبلوغ ثبوتا- لما تقدم- فلا مجال له، لندرة الجهل ببلوغ المرأة تسع سنين مع حيضها، ليحتاج لنصب الامارة شرعا، لغلبة تأخر الحيض عن التسع كثيرا، فيلزم حمل هذه النصوص علي الفرد النادر.

بل لا بد من طرح هذه النصوص أو الجمع بينها و بين نصوص البلوغ بالتسع و نصوص تأخر الحيض عن التسع بوجه آخر.

أما موثق عمار فحيث كان صريحا في أن سن البلوغ هو الثلاث عشرة سنة، فهو لا ينافي أدلة عدم الحيض قبل التسع، بل هي حاكمة أو واردة عليه، و إنما ينافي أدلة البلوغ بالتسع، فإن أمكن الجمع بينهما بحمل الثانية علي الاستحباب و إلا تعين طرحه.

و أما صحيح محمد بن مسلم فالأقرب حمله علي عدم وجوب الخمار بالتسع، إما لعدم البلوغ بها أو لجواز تأخيره عن البلوغ إلي الحيض، و لو بحمله علي الخمار في الصلاة، الذي هو المراد في صحيح يونس و غيره، و التي يلزم حملها علي ذلك أيضا.

و اما خبر أبي بصير و مرسل الصدوق فحيث كانا ظاهرين في تحقق البلوغ بالحيض، و كان الحيض قبل التسع ممتنعا- كما قد يظهر من نصوص المقام- أو نادرا كانا منافيين لما دل علي تحقق البلوغ بالتسع، و جري فيهما ما تقدم في موثق عمار، لأن مضمونهما مقارب لذيله.

ص: 41

و إن علمت أنه حيض واقعا (1).

______________________________

(1) سبق عند الكلام في مفهوم الحيض أنه من الامور العرفية، و لازم ذلك إدراك العرف له بأنفسهم مع قطع النظر عن التحديدات الشرعية، و إمكان القطع به علي خلافها، كما يمكن مع الجهل بها.

و حينئذ لو فرض العلم به فما ذكره قدّس سرّه من عدم ترتيب أحكام الحيض مبني علي ما ذكره في مستمسكه من أن الأدلة التي تضمنت تحديدات الشارع الأقدس للحيض و إن كانت ظاهرة في أنفسها في بيان الحدود الواقعية له، إلا أنه بعد تعذر البناء علي ظاهرها، لفرض العلم بحيضية الدم الفاقد للحد، يتعين حملها علي بيان نفي أحكام الحيض عن الفاقد للحد بلسان نفي الموضوع و إن كان حيضا واقعا.

خلافا لما قرّ به أستاذه المحقق الخراساني قدّس سرّه من حملها علي نفي أحكامه عند الشك فيه، فلو علم به تعين ترتيب أحكامه لعموم أدلتها، بعد امتناع التعبد الظاهري علي خلاف العلم.

و قد ساق قدّس سرّه تبعا لأستاذه المذكور الكلام في جميع التحديدات في مساق واحد. و لعل الاولي الكلام في كل منها عند التعرض له و النظر في أدلته لإمكان اختلاف ألسنة أدلتها.

فالكلام هنا في حد السن من طرفي القلة و الكثرة لتشابه ألسنة أدلته في الطرفين.

و لم يذكر المحقق الخراساني قدّس سرّه ما يقتضي الحمل علي الوجه المذكور فيه إلا استبعاد عدم ترتيب أحكام الحيض شرعا علي ما علم أنه حيض واقعا. قال: «و لا أظن أن يلتزم به أحد» مضافا إلي أنه ليس لسان الأخبار بيان حدود تعبدية و قيود شرعية لما هو موضوع لأحكام خاصة شرعا، بل لبيان أن الحيض كذلك واقعا، غاية الأمر يكون ذلك غالبيا، للقطع بالتخلف أحيانا.

و فيه: ان مجرد البعد- لو سلم- لا يجدي. و عدم التزام أحد به غير ظاهر، بل

ص: 42

______________________________

استظهر سيدنا المصنف قدّس سرّه التسالم علي خلاف ما ذكره قدّس سرّه بالنظر لظاهر كلماتهم، بل صريح بعضها. كما أن حمل الأدلة الظاهرة في القضية الواقعية الكلية علي القضية الواقعية الغالبية إنما يقتضي حجية الغلبة عند الشك إذا كانت واردة في مقام الأمر أو النهي عن ترتيب الأحكام في مقام العمل، و من الظاهر عدم ورود نصوص المقام للنهي عن ترتيب أحكام الحيض، بل لبيان عدم وجوب العدة، فغاية ما تدل عليه أن السن الذي تسقط فيه العدة لا يمتنع فيه الحيض، بل يغلب عدمه فيه. و هو لا يستلزم حجية الغلبة المذكورة علي نفي الحيض في السن المذكور عند الشك فيه.

نعم، لا مجال لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من إنكار الغلبة بملاحظة أحوال النساء. قال: «و كيف يصح دعوي كون الغالب ذلك مع ان الفرق بين المشتمل علي الحد و غيره بمحض الآنات اليسيرة».

لاندفاعه بأن ذلك لا يمنع من استفادة الغلبة من بيانات الشارع الأقدس المطلع علي دقائق الأمور. غاية الأمر مانعيته من إدراك العرف لها بأنفسهم، لصعوبة التمييز عليهم معه.

بل الانصاف أنه لا يمنع من إدراكهم لها في خصوص المقام، حيث كان الحد لامتناع الحيض في مقابل إمكانه، لا لعدمه في مقابل وجوده، إذ يسهل الاطلاع علي الغلبة مع كون زمان إمكان الحيض المذكور في الحد أوسع من زمان تحققه غالبا، لغلبة تأخر الحيض عن التسع و انقطاعه قبل سن اليأس.

بل لو لم يكن الحد المذكور دائميا فلا ريب في أنه غالبي، ثم إن كون الحيض من المفاهيم العرفية التي يستقل العرف بتشخيصها بنحو قد يقطع بها علي خلاف التحديدات الشرعية، لا يستلزم رفع اليد عن ظهور النصوص المتقدمة في القضية الواقعية الكلية، بل يكون مرجع القضية المذكورة إلي تخطئة العرف في تشخيص الحيض علي خلافها من دون أن تقتضي التصرف في مفهومه، لاستناد العرف في تشخيصه إلي علامات معهودة له في الدم الخاص الطبيعي للمرأة الذي هو دم الحيض عندهم، و يمكن اطلاع الشارع الأقدس علي أن العلامات أعم من الدم المذكور، و أنه لا يخرج

ص: 43

______________________________

إلا في السن الخاص و الخارج في غيره ليس منه و إن كان واجدا للعلامات. و ليس تشخيص العرف له مبنيا علي البداهة غير القابلة للخطأ، كتشخيصه للرضاع و البياض.

و عليه تكون القضية المذكورة بعد الاطلاع عليها مانعة من العلم بالحيض علي خلافها.

هذا و لو فرض عدم مانعية القضية المذكورة من العلم بالحيض علي خلافها فالعلم المذكور مساوق للعلم بعدم تماميتها، فهل يتعين ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه من حملها علي القضية الواقعية الغالبية- و إن لم تكن حجة عند الشك لما سبق- من دون أن تقتضي رفع اليد عن عموم أحكام الحيض في المخالف للغالب، أو ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من المحافظة علي ما هي ظاهرة فيه من الكلية و حملها علي النفي التشريعي الراجع إلي نفي أحكام الحيض عما خرج عن الحد الشرعي بلسان نفي الموضوع- الذي هو مفاد الحكومة العرفية- وجهان، أظهرهما الأول، لقوة ظهورها في القضية الواقعية في مقام تحديد الحيض بما هو أمر خارجي. و لا سيما مع عدم ورود النصوص في مقام نفي الحيض عمّا خرج عن الحد ابتداء، بل في مقام آخر.

فقد وردت جملة منها «1» - و منها حديثا عبد الرحمن بن الحجاج- في مقام تحديد موضوع خارجي أخذ في سقوط العدة، و هو اليائس من المحيض أو التي لا تحيض و هي في سن من لا تحيض، و من الظاهر أن مقام السؤال و الجواب يناسب إرادة تحديد زمان الحيض واقعا، لا تحديد موضوع أحكامه شرعا.

كما أن حديث عبد اللّه بن سنان قد تضمن تعليل وضع القلم ببلوغ التسع بأنها قابلة للحيض حينئذ من دون نظر لأحكامه بل المناسب للبلوغ هو القابلية للحيض بنفسه، لا ثبوت أحكامه علي تقدير تحققه.

بل قوله عليه السّلام: في مرسلة ابن أبي عمير: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش» «2». كالصريح في إرادة نفس الحيض بالكناية عنه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 44

و كذا المرأة بعد اليأس. و يتحقق اليأس ببلوغ خمسين سنة في غير القرشية، و فيها ببلوغ ستين (1).

______________________________

بالحمرة، إذ لم يعهد الكناية بها عن أحكامه.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في قوة ظهور النصوص في بيان القضية الواقعية، و أنه يتعذر حملها علي قضية تشريعية تنزيلية بلحاظ أحكام الحيض.

و دعوي: أن ورودها في مقام تحديد تعذر الحيض و اليأس منه لا يناسب حملها علي القضية الغالبية، لابتناء اليأس و التعذر علي السلب الكلي، كما هو صريح مرسلة ابن أبي عمير المتضمنة تأكيد نفي الحيض بقوله: «قط».

مدفوعة: بأن الغلبة إنما هي بلحاظ الشذوذ في الخلقة مع ارادة الكلية في الوضع الطبيعي للمرأة. و علي هذا لا مجال لرفع اليد عن عموم أحكام الحيض في الفرد الشاذ لو تحقق.

و أما ما سبق من سيدنا المصنف قدّس سرّه من ظهور تسالمهم علي خلاف ذلك، فهو ممنوع، لأنهم- تبعا للنصوص- في مقام تحديد نفس الحيض، و لا نظر لهم إلي فرض خروج الحيض عن الحد المذكور في كلماتهم، ليعلم رأيهم فيه، بل الفرض المذكور ممتنع عندهم كما قد يظهر مما ذكروه في امارية الحيض علي البلوغ و إن كان قد يظهر من كلام المفيد الآتي في تحديد سن اليأس للنبطية إمكان الحيض بعد سن اليأس. لكنه ظاهر في ترتب أحكامه.

نعم، في المعتبر: «و لو رأت دما لما كان حيضا، بمعني: انه لا تمتنع مما يمنع منه الحائض». و هو مشعر بأن مرجع نفي الحيضية الي نفي أحكامها و إن كانت موجودة حقيقة. لكنه- مع عدم بلوغه مرتبة الظهور في صدق الحيض حقيقة- لا يكفي في إثبات التسالم بنحو ينهض بتخصيص العمومات.

في سن اليأس

(1) قال في مفتاح الكرامة: «لم يختلفوا- كما في مجمع الفائدة- في عدم اليأس

ص: 45

______________________________

قبل الخمسين و تحققه في الستين مطلقا، كما اتفقوا- كما في شرح المفاتيح و ظاهر المجمع- علي أنه إذا لم يكن خمسين يكن [يكون: ظ] ستين».

هذا، و الأقوال المعروفة للأصحاب في المقام أربعة:

الأول: ما ذكره في المتن، و هو ظاهر الفقيه، لاقتصاره فيه علي مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة، و المبسوط، لقوله فيه: «و تيأس المرأة من الحيض إذا بلغت خمسين سنة إلا إذا كانت امرأة من قريش، فانه روي أنها تري دم الحيض إلي ستين سنة»، و المعتبر و الروضة، و مال إليه في المسالك و نسبه إلي أصحابنا في التبيان و مجمع البيان، و عن الراوندي في الأحكام أنه قطع به في الهاشمية خاصة.

الثاني: التفصيل المذكور، لكن مع إلحاق النبطية بالقرشية، كما في المراسم و الوسيلة و التذكرة و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و عن غيرها، و نسب للمشهور في جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك.

الثالث: تحديد اليأس بالخمسين مطلقا، كما في النهاية و ظاهر طلاق السرائر و الشرائع و في المدارك و عن جمل الشيخ و الاستبصار و المهذب و كشف الرموز، و في النافع أنه أشهر الروايتين، و قيده في كتاب الطهارة و العدد من السرائر بما إذا تغيرت عادتها.

الرابع: تحديده بالستين مطلقا كما في طهارة الشرائع و ظاهر المنتهي، و جنح إليه في محكي المختلف.

و الأقوي الأول جمعا بين ما دل علي التحديد بالستين- و هو موثقة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في أول المسألة المؤيدة بمرسلة الكليني «1» - و ما دل علي التحديد بالخمسين- كمعتبرة عبد الرحمن المتقدمة هناك أيضا، و صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: حد التي قد يئست من المحيض خمسون سنة» «2»، و قريب منها مرسلة البزنطي «3» - بقرينة مرسلة بن أبي عمير المتقدمة قريبا، بناء علي ما سبق في مباحث

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 46

______________________________

الكر من حجّية مراسيله، و لا سيما مع ظهور فتوي الصدوق بمضمونها و اعتماد غيره من اجلّة الأصحاب عليها و تأيدها بمرسلة المبسوط المتقدمة في كلامه و مرسلة المقنعة الآتية «1».

و الإشكال فيها تارة: بعدم اشتمالها علي حد اليأس في القرشية، و لا يكفي ذكره في مرسلتي المبسوط و المقنعة لضعفهما. و اخري: بأن الحمرة أعم من الحيض، فبقاء الحمرة في القرشية بعد الخمسين لا ينافي انقطاع الحيض بها.

مدفوع بظهور المفروغية بين الأصحاب عن أن الحد إذا زاد علي الخمسين فهو الستون، كما تقدم من مفتاح الكرامة. و بأن الظاهر كون الحمرة كناية عن الحيض، كما فهمه الأصحاب بطبعهم، و لا سيما مع أنه هو الذي يهتم بمعرفة حده، و إلا فمن المعلوم عدم امتناع غيره من أنواع الدم في السن المذكور. علي أنه يكفي في ذلك رواية الستين المتقدمة.

نعم، قد يشكل الاستدلال برواية الستين- كما عن بعض مشايخنا- تارة: بضعف رواية عبد الرحمن، لرواية الشيخ لها بسنده عن علي بن الحسن بن فضال، و طريقه اليه منحصر بأحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير، و لا نص علي توثيقهما. و عدم التعويل علي مرسلة الكليني.

و اخري: بأن حملها علي القرشية حمل علي الفرد النادر.

و ثالثة: بأنه بعد عدم التعويل علي مرسلة الكليني ينحصر الأمر برواية عبد الرحمن، و الظاهر اتحادها مع معتبرته المتقدمة المتضمنة للتحديد بالخمسين، لتقارب لسانيهما و اشتراكهما في بعض رجال السند فتكون رواية مضطربة غير حجة علي أحد الوجهين، و يكون المرجع غيرهما مما تضمن التحديد بالخمسين.

و لو فرض كونهما روايتين متعارضتين تعين طرح رواية الستين، لأنها أشبه بقول العامة، لقول بعضهم بالخمس و خمسين، و آخر باثنتين و ستين، و ثالث بسبعين، و لم ينقل القول بالخمسين إلا عن الحنابلة الذين هم جماعة قليلة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 9.

ص: 47

______________________________

و يندفع الأول: بأنه يكفي في إثبات وثاقة احمد بن عبدون كونه شيخ النجاشي و قد روي عنه غير مرة منها في ترجمة أبان بن تغلب، مع ظهور حاله في أنه لا يروي بلا واسطة إلا عن ثقة، كما يظهر مما ذكره في غير موضع منها في ترجمة أبي المفضل محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه الشيباني. و لذا وثقه بعض مشايخنا نفسه في معجم رجال الحديث.

و أما ابن الزبير فتشهد القرائن بجلالته حيث صرح الشيخ بأنه روي جميع كتب ابن فضال و أكثر الأصول و روي عنه التلعكبري، الذي ذكر عنه الشيخ أيضا أنه جليل القدر عظيم المنزلة واسع الرواية عديم النظير روي جميع الأصول و المصنفات، و ذكر النجاشي أنه كان وجها في أصحابنا ثقة معتمدا لا يطعن عليه، مع أن من جملة طعون القدماء التي اشار إليها النجاشي و غيره في ترجمة بعضهم أنه يروي عن الضعفاء.

بل طريق الشيخ إلي كتب ابن فضال منحصر به، مع أهمية تلك الكتب و فتوي الشيخ و غيره بكثير من رواياتها، حيث يظهر من مجموع ذلك معروفية الرجل بين الأصحاب و جلالته و أنه من مشايخ الإجازة الذين يهتم باتصال السند من طريقهم، كما يناسبه تنبيه النجاشي في ترجمة احمد بن عبدون علي لقائه إياه و روايته عنه. علي أن الظاهر معروفية كتب ابن فضال في عصر الشيخ، و ذكر السند له لمحض التبرك و الجري علي سيرة الأصحاب في ذكر الاسناد، و من ثم ذكر بعضهم عدم الحاجة لتوثيق مشايخ الإجازة. فإن ذلك بمجموعه كاف في الاعتماد علي الرواية و الوثوق بصدورها عن ابن فضال الذي هو موثق.

و يندفع الثاني: بأن مرسلة ابن أبي عمير لا تكون قرينة علي حمل رواية الستين علي خصوص القرشية، بل علي ورودها لبيان أقصي حد سن اليأس في المرأة و لو بلحاظ بعض النساء، فمرجع الجمع إلي حملها علي قضية نوعية، لا انحلالية كلية ليلزم تخصيصها بالقرشية و يرد ما سبق.

و أما الثالث: فهو و إن كان لا يخلو عن قرب، إلا أن في بلوغه حدا يسقط

ص: 48

______________________________

الروايتين عن الحجيّة و يخرج عن أصالة الصدور في كل منهما إشكالا أو منعا، لاختلاف متن الروايتين في بعض الألفاظ و في ترتيب الثلاث اللاتي يتزوجن علي كل حال.

و لا مجال لدعوي استحكام التعارض بينهما لو كانا روايتين بعد إمكان الجمع بينهما بقرينة مرسلة ابن أبي عمير التي عرفت حجيتها. و لو سلم لم تصلح مشابهة فتوي العامة لتعيين رواية الستين للسقوط، للمنع من ذلك صغري و كبري. فتأمل.

هذا و قد أشار في الروض إلي ذهاب بعضهم إلي البناء علي الخمسين بالنسبة إلي العبادة، و علي الستين بالنسبة للعدة. فإن كان مبتنيا علي الجمع بين النصوص بذلك، فهو- مع خلوه عن الشاهد- لا يناسب معتبرة عبد الرحمن من نصوص الخمسين، لورودها في نفي العدة.

و ان كان مبتنيا علي طرح النصوص و الاحتياط في مقام العمل، أشكل بعدم الوجه لطرحها مع إمكان الجمع بينها بما سبق. مع أنه لا يقتضي الاحتياط، بل يكون المرجع بعد الخمسين عموم ما دل علي إحراز الحيض بالعادة أو الصفات أو قاعدة الإمكان.

علي أن البناء علي ثبوت العدة ينافي الاحتياط من حيثية جواز الرجوع بالمرأة في بعض الموارد من دون تجديد العقد عليها. و المتحصل: أن الأقوي هو القول الأول.

و أما ما تقدم عن الراوندي من القطع بالستين في خصوص الهاشمية. فهو إن رجع إلي التوقف في ثبوت ذلك في غيرها من أفراد القرشية، فلا وجه له مع إطلاق دليل التفصيل. و إن رجع إلي عدم تيسر إحراز قرشية غيرها لضياع الأنساب- كما ذكره غير واحد- فهو يختلف باختلاف الأشخاص في تيسر طريق إثبات النسب و عدمه، و ليس المرجع فيه الفقيه، و ربما يختص تيسر إحراز القرشية ببعض أفراد الهاشمية كالطالبية و العباسية في الجملة، كما ذكره غير واحد.

و في الجواهر: «نعم، لا يبعد إلحاق الحكم علي القبيلة المعروفة الآن بقريش» و كأن مراده القبيلة القاطنة في أواسط العراق التي بعض أفرادها في النجف الأشرف.

ص: 49

______________________________

فإن كان وجه إلحاقها ثبوت كونها من قريش عنده قدّس سرّه فهو حجة عليه. و ان كان لظهور حال التسمية أشكل بأن مجرد الاشتراك بالاسم لا يكفي في الإلحاق ما لم يبتن علي ادعاء الانتساب للقبيلة المعهودة و شياع ذلك بالنحو المعتبر في ثبوت النسب، و هو غير ظاهر في القبيلة المذكورة، بل ادعي بعض المؤلفين رجوعها إلي ربيعة.

ثم إنه من جميع ما تقدم يظهر ضعف القولين الآخرين، لابتنائهما علي العمل ببعض نصوص المقام دون بعض، و لا سيما القول الرابع المبتني علي العمل برواية الستين، و إهمال نصوص الخمسين مطلقها و مقيدها، مع أنها أكثر عددا، و معول عليها عند جمهور الأصحاب و إن اختلفوا بين الإطلاق و التقييد.

نعم، قال في المنتهي: «و لو قيل: اليأس يحصل ببلوغ ستين أمكن، بناء علي الموجود، فإن الكلام مفروض فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها علي ما كانت تراه قبل ذلك، فالوجود هاهنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلا. و لو قيل:

ليس بحيض، مع وجوده و كونه علي صفة الحيض، كان تحكما لا يقبل. اما بعد الستين فالإشكال زائل، للعلم بأنه ليس بحيض، لعدم الوجود و لما علم من أن للمرأة حالا يبلغها يحصل معها اليأس، لقوله تعالي: وَ اللّٰائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ «1».

كما تري، لأن عدم الوجود بعد الستين خلاف الفرض أيضا. و ليس في الآية تعرض لسن اليأس. و فرض اليأس لا يستلزم تحديده بسن خاص، بل مقتضي الإطلاق المقامي إيكاله للإحراز الشخصي، و هو يختلف باختلاف أحوال النساء.

بل المراد باليأس في الآية هو اليأس من دون بلوغ السن الخاص، لتقييدها بالريبة، و الحكم بوجوب العدة عليها، فهي خارجة عما نحن فيه. و ليس وجه التحديد بالسن إلا النصوص التي يرفع بها اليد عن قاعدة الإمكان- لو تمت- أو عن بناء العرف علي حيضية الدم الخارج في عادة مستمرة و لو مع تبدلها، خصوصا إذا كان بالصفات، و لا وجه معه للاقتصار علي نصوص الستين.

اللهم إلا أن يبتني ما ذكروه علي إهمال النصوص لتعارضها، و الاعتماد علي

______________________________

(1) سورة الطلاق: 4.

ص: 50

______________________________

الإجماع الذي تقدم من مفتاح الكرامة دعواه في المقام. لكن لا وجه لإهمال النصوص مع إمكان الجمع بينها بما سبق.

و أشكل منه ما تقدم من السرائر- في الطهارة و العدد- من تقييد التحديد بالخمسين بما إذا تغيرت عادة المرأة. لعدم الدليل عليه من النصوص، بل لا يقتضيه الاعتبار أيضا، إذ ليس تغير العادة غريبا في النساء، فإن كان البناء علي العمل بالنصوص لزم التحديد بالسن مطلقا، و لو مع بقاء العادة، و إن كان البناء علي إهمالها- لتعارضها، أو عدم حجّية أخبار الآحاد عنده- لزم البناء علي الحيضية بعد الخمسين و لو مع اختلاف العادة، و لا إجماع هنا علي دخل بقاء العادة، بل لا يعرف القول به من غيره.

و مثله في الإشكال ما قد يظهر من كلام المفيد الآتي من اختصاص الاعتبار بسن اليأس بما إذا انقطع الحيض، و أنه يمكن بقاء الحيض بعده، فانه مخالف لظاهر نصوص تحديد اليأس بالسن، بل مقتضاها البناء علي عدم حيضية الدم لو خرج بعده و إن كان بصفات الحيض، كما سبق.

و أما القول الثاني فقد اقتصر في التذكرة في الاستدلال عليه علي مرسلة ابن أبي عمير المختصة بالقرشية و في المدارك: «و اما النبطية فذكرها المفيد و من تبعه معترفين بعدم النص عليها ظاهرا». لكن المفيد قد نسبه للرواية، حيث قال في مبحث العدد من المقنعة: «و إن كانت قد استوفت خمسين سنة و ارتفع عنها الحيض و أيست منه لم يكن عليها عدة من طلاق. و قد روي أن القرشية و النبطية تريان الدم إلي ستين سنة. فإن ثبت ذلك فعليها العدة حتي تجاوز الستين». نعم، لا مجال للتعويل علي الرواية في الخروج عن اطلاقات الخمسين مع إرسالها.

و أما ما في الجواهر من دعوي: انجبارها بالشهرة، بل في جامع المقاصد نسبة ذكر النبطية للأصحاب، فيدفعه أن الشهرة لو تمت فهي بين المتأخرين، كما يظهر من الروض، بل من جامع المقاصد أيضا لأنه عقب نسبة ذكره للأصحاب بنقل ما في الذكري من انه ذكرها المفيد و من تبعه رواية. و إلا فلم يعرف القول بها من أحد من

ص: 51

______________________________

القدماء حتي المفيد، لظهور ذيل كلامه المتقدم في عدم الجزم بها، كما هو المناسب لما تقدم من البيان و التبيان من نسبة التحديد بالخمسين في غير القرشية للأصحاب.

بل قد يكون التأمل في مجموع كلام بعض من نسب له الفتوي من المتأخرين شاهدا بتردده تبعا لضعف دليلها. كما ربما لا تكون فتوي بعضهم بمضمونها لاعتمادهم عليها، كما يناسبه عدم الإشارة إليها في التذكرة، بل هو صريح جامع المقاصد، حيث قال بعد الاعتراف بضعف المستند سوي الشهرة: «و يمكن أن يستأنس له بأن الأصل عدم اليأس، فيقتصر فيه علي موضع الوفاق. و في بعض الأخبار الصحيحة عن الصادق عليه السّلام حدّ التي يئست من المحيض خمسون سنة، و في بعضها استثناء القرشية.

و الأخذ بالاحتياط في بقاء الحكم بالعدة و توابع الزوجية- استصحابا لما كان، لعدم القطع بالمنافي- أولي. و الأمر في العبادة أسهل. فالوقوف مع المشهور أوجه». فلا ينبغي التأمل في عدم حجّية الرواية.

و أما ما في جامع المقاصد فضعفه ظاهر. لأن أصالة عدم اليأس و إن كانت مقتضي إطلاق بعض النصوص بحيضية الدم الذي تراه المرأة، علي ما يأتي الكلام فيه في قاعدة الإمكان، إلا أنه لا مجال لها و لا للاحتياط مع اطلاقات التحديد بالخمسين.

علي أن أهمية الاحتياط في بقاء العدة من الاحتياط في العبادة- لو تمت و كانت صالحه للترجيح- إنما تقتضي الترجيح مع تعذر الجمع بينهما، و إلا وجب الجمع بينهما مع تنجزهما بالعلم الإجمالي. بل سبق أن البناء علي بقاء العدة ينافي الاحتياط من حيثية رجوع الزوج بها.

و من هنا لا مجال للقول المذكور، و لأجله لا يهم تحديد النبطية و إن أطال الأصحاب فيها و في نقل كلمات اللغويين و غيرهم علي اختلافها بما لا ينهض بالحجّية.

و إنما المهم تحديد القرشية، و الكلام فيه في أمرين..

الأول: أن القرشية هي المنتسبة إلي قريش القبيلة المشهورة. و قيل: إنها تنتهي

ص: 52

______________________________

إلي النضر بن كنانة بن خزيمة، و أرسله إرسال المسلمات في إثبات الوصية و تاريخ اليعقوبي و إعلام الوري و كشف الغمة و المسالك و الروض و الروضة و المدارك و كشف اللثام و الحدائق و المستند و الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم و العروة الوثقي و بعض حواشيها، و في تنقيح المقال: «بل هو المشهور بين فقهائنا، بل المتفق عليه بين متأخريهم»، اقتصر عليه في الصحاح ناسبا له للفراء، و في الكشاف و لسان العرب في مادتي (نضر) و (قرش)، و القاموس، و حكي عن ابن سيدة و ابن أبي الفتوح في النفحة العنبرية، بل ادعي الرازي في تفسيره الاتفاق عليه.

لكن في مجمع البحرين بعد أن ذكر ذلك قال: «و قيل: قريش هو فهر بن مالك و من لم يلده فليس بقرشي». و نظير ذلك في سيرة ابن هشام، و اقتصر علي الثاني في لسان العرب في مادة (فهر)، و حكاه الطبري و ابن الأثير عن هشام بن محمد الكلبي، كما حكي عن العقد الفريد و سبك الذهب و المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء و الشجرة المحمدية لأبي علي الجواني و السيرة النبوية لابن دحلان، و نسبه في عمدة الطالب إلي كثير من الأقوال، و عن السيرة الحلبية: «فهر اسم قريش. قال الزبير بن بكار: اجمع النسابون من قريش و غيرهم أن قريشا إنما تفرقت عن فهر».

و في عمدة الطالب و عن محكي سبائك الذهب: أن الأصح الأول. لكن لا طريق له مع الاختلاف المذكور، و تسالم متأخري أصحابنا عليه لا يكفي فيه مع قرب استنادهم فيه إلي من سبق أو نحوهم و عدم أخذهم له من المعصومين عليهم السّلام.

و أما ما عن بعضهم من احتمال أن قريشا هو قصي فهو ضعيف جدا، لما هو معلوم من عدم رجوع كثير من القبائل المعروفة بهذه النسبة له، بل ذكروا أن قصيا إنما سمي (مجمعا) لأن قريشا تجمعت إلي مكة من حواليها بعد تفرقها في البلاد حين غلب عليها قصي.

و مثله ما في مجمع البحرين: «و جاء في الحديث: امرأة من قريش. يريد العلوية»، إذ لا قرينة علي هذا التفسير، إلا أن يريد حديثا آخر غير مرسلة ابن أبي عمير قد احتف

ص: 53

______________________________

بقرينة علي ذلك.

و كيف كان، فالتردد إنما هو بين رجوع القبيلة إلي النضر و رجوعها إلي فهر بن مالك بن النضر.

و من هنا لا مجال للبناء علي الستين فيمن لا يرجع إلي فهر من ولد النضر، بل يتعين علي الخمسين فيها، لا لأصالة عدم كونها قرشية، لأنها من استصحاب المفهوم المردد، بل لعموم ما دل علي التحديد بالخمسين، لأن المرجع في مورد إجمال الخاص المنفصل هو العموم.

أما دعوي: أن الرجوع فيه لعموم التحديد بالخمسين ليس بأولي من الرجوع فيه لعموم التحديد بالستين، لتكافئهما، و أما مرسلة ابن أبي عمير فحيث كان التخصيص فيها متصلا فلا مجال للرجوع مع إجماله لعمومها، فيظهر اندفاعها مما سبق من أن موثقة عبد الرحمن المتضمنة للستين لو كانت حجة في نفسها- و غض النظر عن احتمال اتحادها مع معتبرته المتضمنة للخمسين و سقوطهما عن الحجّية بالاضطراب- فهي محمولة بقرينة مرسلة ابن أبي عمير علي القضية النوعية، لا الكلية العامة الصالحة للعمل، لئلا يلزم حملها علي الفرد النادر، فلا تكون مرجعا مع الشك. فلاحظ.

الثاني: الظاهر اعتبار الانتساب لقريش بالأب، كما صرح به جملة من الأصحاب، و هو الحال في نظائر المقام مما اخذ فيه عنوان القبيلة. لكن احتمل بعضهم الاكتفاء بالانتساب للأم، بل حكي القول به في المستند عن جماعة و اختاره، كما اختاره بعض المعاصرين، إما للإطلاق لدعوي: كفاية ذلك في صدق القرشية، أو ان المرأة من قريش. أو لأن للأم مدخلا في سن اليأس بسبب تقارب الامزجة، و من ثم اعتبر ذلك في المبتدأة، حيث ترجع للخالات و بناتهن. أو لاستصحاب كونها ممن تحيض و عمومات الرجوع للصفات و العادة في إحراز الحيض.

لكن الإطلاق ممنوع، لعدم كفاية ذلك في دخول الشخص في القبيلة عرفا،

ص: 54

و المشكوك في أنها قرشية بحكم غير القرشية (1).

______________________________

و إن كفي في صدق الولد و الذرية و البنوة، و من ثم تباينت القبائل، و ظاهر النصوص في المقام ارادة الدخول في القبيلة، لا أحد العناوين المذكورة.

كما أن دخل الأم في ذلك بسبب تقارب الأمزجة غير ثابت بنحو يخرج به عن عموم دليل التحديد بالخمسين. و بالعموم المذكور يخرج عن الاستصحاب و العمومات المشار إليها- لو تمت في أنفسها- كما يخرج به عنها في غير المنتسبة أصلا لا بالأب و لا بالأم.

الشك في كون المرأة قرشيا

(1) لما في الروض و الروضة و المدارك من أصالة عدم كونها قرشية، و في المسالك من ان الأصل عدم الإلحاق بها.

قال جمال الدين الخونساري في حاشيته علي الروضة في بيان الأصل المذكور:

«أي الراجح من جهة الغلبة. أو أن الأصل عدم سقوط العبادة و عدم وجوب العدة» ثم أشكل علي كلا التقريبين بما لا يسعنا إطالة الكلام فيه.

لكن التقريبين المذكورين- مع الاشكال فيهما في انفسهما- مخالفان لظاهر تقرير الأصل في كلماتهم، لظهورها في إرادة الأصل الموضوعي المحرز لعدم القرشية.

فالأولي تقريبه باستصحاب عدم كون المرأة قرشية بلحاظ أن قرشية المرأة و انتسابها لمّا كانا من لواحق وجودها الزائدة علي ذاتها جري استصحاب عدمها بلحاظ حال ما قبل وجودها، حيث لم تكن متصفة بهما، بناء علي التحقيق من جريان استصحاب العدم الأزلي.

بل لا يبعد كون اصالة عدم الانتساب من الأصول العقلائية المعول عليها مع قطع النظر عن الاستصحاب المذكور. و لعله لذا عول عليها الفقهاء في جميع الموارد، كما ذكره شيخنا الأعظم، و جري عليها في المقام من لم يعول علي الاستصحاب المذكور، كبعض الأعاظم قدّس سرّه. و بها يخرج عن عموم وجوب العدة مع الريبة.

ص: 55

______________________________

و اما عموم سقوط العبادة برؤية الدم فهو عبارة عن عموم التحيض بالصفات أو العادة أو قاعدة الإمكان، و حيث كان قاصرا عن غير القرشية بعد سن الخمسين كان التمسك به مع الشك في قرشية المرأة من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام أو الخاص.

بل مقتضي اصالة عدم كونها قرشية البناء علي عدم التحيض بها. و لا تعارض باستصحاب عدم كونها من غير قريش لعدم اخذ عنوان غير القرشية في موضوع التحديد بالخمسين، بل موضوعه مطلق المرأة المحرز بالوجدان و انما خرجت عنها القرشية تخصيصا، و مع احراز عدم الخاص يتعين الرجوع لحكم العام علي ما ذكر في مباحث العموم و الخصوص.

هذا و لو شك في بلوغ المرأة سن اليأس فلا ينبغي التأمل في استصحاب عدمه، ليترتب عليه وجوب العدة و التحيض بخروج الدم. كما أنه لو شك في بلوغها تسع سنين جري استصحاب عدمه، ليترتب عليه عدم وجوب العدة و عدم التحيض برؤية الدم، كما ذكره بعضهم، لأن المستصحب ليس هو العدم الأزلي، بل العدم المقارن لوجود المرأة. و اما أمارية الحيض علي البلوغ بنحو يرفع به اليد عن استصحاب عدمه فقد تقدم الكلام فيها.

نعم، ينبغي التنبيه علي أمر، و هو أن الأصل المحرز لكون المرأة في سن الحيض- كاستصحاب عدم بلوغها الخمسين- يحرز وجوب العدة عليها، لتوقف سقوطها شرعا علي خروجها عن السن المذكور، فيتعين عدم سقوطها مع احراز عدمه. كما أنه إنما يحرز حيضية الدم الخارج منها بضميمة عموم احراز الحيض بالعادة أو الصفات أو قاعدة الإمكان، و إلا فمجرد كون المرأة في سن الحيض لا يستلزم حيضية الدم الخارج منها.

أما الأصل المحرز لعدم كونها في سن الحيض- و هو استصحاب عدم كونها قرشية أو عدم بلوغها تسع سنين- فهو و إن كان يحرز بنفسه سقوط العدة عنها لنظير ما سبق، إلا أنه لا ينهض باحراز عدم حيضية الدم الخارج منها، و لا عدم ثبوت أحكام

ص: 56

______________________________

الحيض به، لما سبق- في فرض العلم بحيضية الدم الخارج قبل البلوغ- من أن ظاهر أدلة عدم الحيض قبل البلوغ و بعد سن اليأس ليس بيان قضية شرعية واقعية لبيان عدم ترتب أحكام الحيض عليه في السن المذكور، و لا ظاهرية لبيان التعبد بعدم الحيضية مع خروج الدم في السن المذكور عند الشك في حاله، ليكون الأصل المذكور محرزا للمانع من تلك الأحكام، أو لموضوع التعبد الظاهري بعدم موضوعها، بل بيان قضية خارجية واقعية، فيكون مجري الأصل ملازما خارجا لعدم الحيض بخروج الدم و عدم ثبوت أحكامه، فيبتني إحرازهما به علي الأصل المثبت.

نعم، لما كان عموم إحراز الحيض بالعادة أو الصفات أو قاعدة الإمكان مختصا بالسن الخاص كان الأصل المحرز لعدم كونها فيه مانعا من الرجوع للعموم المذكور، و مع عدم إحراز الحيض بخروج الدم يتعين الرجوع لاستصحاب عدمه، فعدم التحيض لا يترتب علي الأصل المذكور رأسا، بل بضميمة الاستصحاب المذكور.

و لذا لو كان مقتضي الاستصحاب الحيض- كما لو رأت من يشك في قرشيتها الدم قبل انتهاء الخمسين بثلاثة ايام مثلا ثم استمر بها إلي ما بعد الخمسين- تعين البناء عليه، و لم ينفع الأصل المحرز لعدم كونها في سن الحيض، لأنه إنما يمنع من احرازه بالعادة و نحوها، لا انه يحرز عدمه ليكون حاكما علي استصحاب الحيض.

و بذلك يظهر الاستغناء عن الأصل المحرز لعدم كونها في سن الحيض- لو بني علي عدم جريانه كما بني علي ذلك بعض الأعاظم في اصالة عدم القرشية- لأن عموم إحراز الحيض بالعادة و نحوها لمّا كان قاصرا عمّا اذا لم تكن المرأة في سن الحيض فلا يمكن الرجوع إليه مع الشك في حالها، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و مع عدم إحراز الحيض بخروج الدم يتعين الرجوع لمقتضي الحالة السابقة من الحيض و عدمه. فلاحظ.

ص: 57

حكم النسب بالزنا

و في المنتسبة إليهم بالزني إشكال (1).

______________________________

(1) فقد استظهر في الجواهر عدم الفرق بين النسب الشرعي و غيره. لكن مال في كتاب الزكاة إلي جواز دفع زكاة غير الهاشمي للهاشمي المتولد من الزني.

قال: «فالأحوط عدم دفعها للمتولد منهم و لو من زني. و إن كان قد يقوي خلافه، لعموم الفقراء في مصرف الزكاة، و لم يثبت أنه هاشمي بعد الانسباق للمتولد منهم بغير ذلك».

و استشكل فيه سيدنا المصنف قدّس سرّه في المبحث المذكور، قال: «دعوي الانصراف غير ظاهرة، فعموم المنع من اعطاء الهاشمي محكم. و نفي ولد الزني علي نحو يشمل المقام غير متحصل، اذ عدم التوارث أعم. و قاعدة: الولد للفراش، قاعدة ظاهرية لا مجال لها في ظرف العلم بالانتساب».

لكنه قدّس سرّه خالف مسلكه في كتاب النكاح في المسألة السابعة و الاربعين من فصل المحرمات بالمصاهرة في الجمع بين الاختين من الزني، فقد ادعي التسالم علي نفي النسب بالزني، ثم قال: «كما يقتضيه قوله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» «1»، فإن الظاهر منه أنه وارد في مقام بيان الحكم الواقعي من نفي النسب عن العاهر واقعا.

و يشير إليه ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أيما رجل وقع علي وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعي ولدها فانه لا يورث منه شي ء، فإن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر. و لا يورث ولد الزني، إلا رجل يدعي ابن وليدته» «2»، فإن قوله: «و لا يورث ولد الزني» كالصريح في ولد الزني الواقعي، و نحوه غيره» «3».

أما ما ذكره في كلامه الثاني من التسالم علي نفي النسب بالزني شرعا واقعا

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 58، 56 من أبواب نكاح العبيد و الاماء و باب: 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما اشبهه.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما اشبهه حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما اشبهه حديث: 4.

ص: 58

______________________________

فهو المناسب للتصريح بذلك في السرائر، و لما في التذكرة و القواعد و غير موضع من الشرائع من عدم ثبوت النسب بالزني، و في المبسوط من عدم لحوق ولد الزني بامه شرعا، و ظاهر بعضهم أنه من المسلمات، كما يظهر المفروغية عنه من تعليل نفي التوارث بعدم صحة النسب و نفيه شرعا في المبسوط و الخلاف و التهذيبين و السرائر و الغنية و غيرها، و مما يظهر من السرائر من أن الالحاق بوطء الشبهة مستند للرواية لا للقاعدة، و هو المناسب لتعبير بعضهم بالحاق وطء الشبهة بالنكاح الصحيح.

كما يظهر المفروغية عنه أيضا مما ذكروه في ميراث المجوس من الخلاف في توريثهم بالنسب الباطل عندنا، و هو النسب العرفي المستند لنكاح باطل.

و لعله لذا ادعي الإجماع في المسالك علي نفي النسب بالزني، و قال في الجواهر:

«فلا يثبت النسب مع الزني إجماعا بقسميه، بل يمكن دعوي ضروريته».

نعم، لما كان معني انتفائه شرعا تصرف الشارع في مفهوم النسب و نقله من الإطلاق للتقييد أو قصور موضوع أدلة أحكامه و اختصاصها بالمقيد فلا يناسب تسالمهم علي ذلك تعليل تحريم بنت الزني علي أبيها بأنها بنت لغة أو حقيقة في الخلاف و الشرائع و التذكرة و كشف اللثام و غيرها.

بل في التذكرة: «لقوله تعالي: وَ بَنٰاتُكُمْ و حقيقة البنتية موجودة فيها، فإن البنت هي المتكونة من مني الرجل و نفيها عنه شرعا لا يوجب نفيها عنه حقيقة، لأن المنفي في الشرع هو تعلق الأحكام الشرعية من الميراث و شبهه». حيث قد يظهر منه رجوع النفي الشرعي إلي نفي بعض الأحكام، كما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه في كلامه الأول.

كما هو المناسب لاستشكال العلامة في القواعد في انتفاء جملة من أحكام النسب عنه، قال: «و في تحريم النظر إشكال. و كذا في العتق و الشهادة و القود و تحريم الحليلة و غيرها من توابع النسب». و في كشف اللثام بعد ذكر ذلك: «و الأولي الاحتياط فيما يتعلق بالدماء أو النكاح».

ص: 59

______________________________

لكن الإنصاف أنه لا مجال للتشكيك في التسالم لأجل ذلك، لأن من ذكروه- مع قلتهم- قد اعترفوا بانتفاء النسب شرعا كما ذكره غيرهم، بل الظاهر ابتناؤه علي الغفلة عن أن تمامية الكبري المذكورة تستلزم امتناع حمل أدلة الأحكام علي النسب الحقيقي أو اللغوي كما نبه له في السرائر و المسالك.

نعم، لا يبعد كشف ذلك عن عدم التسالم علي تحديد مفهوم القاعدة، بل حيث كانت مأخوذة من الأدلة اختلفت تطبيقاتهم لها حسب اختلاف مفاد الأدلة عندهم و لو بمعونة الارتكازيات و القرائن الخاصة في الموارد المتفرقة.

كما قد يشهد بذلك أيضا ظهور كلماتهم في أن عمدة الدليل علي ذلك ما دل علي نفي ميراث ولد الزني و النبوي المتقدم، مع ظهور كون نفي الميراث لا يستلزم إطلاق نفي النسب، و أما النبوي فقد تكرر في كلامهم الاستدلال به علي القاعدة الظاهرية الراجعة إلي الحاق الولد بالفراش عند الشك في انعقاده من ماء صاحبه، و هو لا يناسب حمله علي نفي نسب الزني واقعا عند العلم بانعقاد الولد من ماء الزاني الذي هو محل الكلام، حيث يظهر من ذلك اضطرابهم في مفهوم القاعدة و عدم تحديده بالوجه الموجب لصلوح تسالمهم عليها للاستدلال بها في المقام.

و من هنا لا مجال للاستدلال بالتسالم المذكور، بل اللازم النظر في مفاد الأدلة التي هي المستند له.

و من الظاهر أنه لا مجال للاستدلال بما تضمن نفي بعض أحكام النسب كالميراث، لأنه أعم من إطلاق إلغاء أحكام النسب بنحو يشمل مورد الشك، كما اشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه في كلامه الاول.

فالعمدة النبوي المستفيض المشهور بين الفريقين الذي تقدم منه قدّس سرّه حمله علي النفي الواقعي بقرينة تفريع عدم إرث ابن الزني عليه في صحيح الحلبي. و لأجله يلزم حمل الصحيح علي العلم بكون الولد من ماء الزاني، و حمل قوله في صدره: «فادعي ولدها» علي التبني تجاهلا لعدم ميراث ابن الزني، لا الادعاء القابل للكذب و عدم

ص: 60

______________________________

كون الولد من مائه. و بلسان الصحيح المذكور حديث آخر عنه عليه السّلام مروي بطرق متعددة لا يبعد كون بعضها موثقا «1».

و دعوي: أن لازم حمل النبوي علي القضية الواقعية كفاية الفراش في الإلحاق و إن لم يكن الولد من ماء صاحبه، مع عدم الإشكال في اشتراط الإلحاق به واقعا بكونه منه و ظاهرا بإمكان ذلك، و هو مناسب لإرادة ترجيح الفراش علي العاهر ظاهرا عند التردد بينهما.

مدفوعة: بإمكان حمله علي كون الفراش قيدا في إلحاق الولد بمن تكون من مائه، لإتمام الموضوع للإلحاق بصاحبه. نعم، ظاهر جملة من النصوص كون قاعدة الفراش ظاهرية، كحديث سعيد الاعرج الذي لا يبعد اعتباره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: الرجل يتزوج المرأة ليست بمأمونة تدعي الحمل. قال: ليصبر لقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر» «2». و في صحيحه عنه عليه السّلام: «سألته عن رجلين وقعا علي جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر» «3». و قريب منه الموثق و الصحيح عن الحسن الصيقل «4»، الذي لا يبعد وثاقته، و خبر علي بن جعفر «5».

و حمل النبوي علي المعنيين بعيد جدا، بل لعله ممتنع عرفا، لرجوع الأول للتصرف شرعا في مفهوم النسب أو أحكامه واقعا، و الثاني للتعبد ظاهرا بالنسب عند الشك فيه.

و من هنا يتعين العمل بالنصوص الأخيرة لأنها أصرح في ارادة القاعدة الظاهرية و تنزيل الحديثين السابقين عليها بحمل ادعاء الولد في صدرهما علي الادعاء القابل للخطأ لاحتمال عدم كونه من مائه و يكون الاستشهاد بالنبوي لبيان عدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 56 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 58 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث: 2، 3، 7.

(5) الوسائل باب: 8 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث: 2، 3، 7.

ص: 61

______________________________

تصديقه، و حمل الحكم في ذيلهما بعدم ميراث ولد الزني علي كونه حكما مستقلا غير متفرع علي مفاد النبوي، فكأنه عليه السّلام قال: لا يورث منه، لأنه لا يصدق في ادعائه له عملا بقاعدة الفراش، و لأن ولد الزني لا يورث، فلا يفيده صدق الادعاء المذكور.

بل لعل حمل الحديثين علي هذا المعني أقرب من حملهما علي المعني الذي قربه سيدنا المصنف قدّس سرّه مع قطع النظر عن النصوص الاخيرة، لأنه الأنسب بالادعاء، و لعدم الاشعار بتفريع الذيل علي الاستشهاد بالنبوي، بل لازم المعني الاول كون الذيل تكرارا لمفاد الصدر من دون فائدة، أما علي المعني الثاني فيكون مضمونه مستقلا عن الصدر محتاجا للبيان. فتأمل.

و لو فرض تعذر حمل الحديثين علي المعني الذي ذكرناه تعين الالتزام بإجمال وجه الاستشهاد بالنبوي فيهما، و يقتصر علي المتيقن من مفادهما، و هو نفي الميراث.

و لا سيما مع كون القاعدة الظاهرية أقرب لمفاد النبوي الشريف، لظهور مقابلة الفراش بالعاهر فيه في كون إلحاق الولد بالفراش تكريما لصاحبه في قبال حرمان العاهر منه و توهينه بالحجر، و هو يناسب ترجيح الفراش عند التردد في الولد بينه و بين العهر، لا شرطيته واقعا مع العلم بصاحب الماء، بل هو لا يناسب إضافة الولد للفراش باللام.

علي انه لو فرض إجمال الحديث في نفسه و تكافؤ طائفتي النصوص المتقدمة في بيان المراد منه، فالقاعدة الظاهرية- مع كونها مسلمة في نفسها- مطابقة لأصالة عدم الانتساب، و القاعدة الواقعية لا دليل عليها، بل مقتضي الإطلاقات المقامية لأدلة أحكام النسب الحمل علي النسب العرفي و إن كان من الزني. و يقتصر في الخروج عنها علي ما قام الدليل علي عدم ترتبه عليه كالميراث.

ثم إنه لو تم كون نفي النسب بالزني شرعا واقعيا فهو إنما يقتضي نفي أحكام النسب الشرعية، دون الآثار الواقعية، لأن نفي الشارع لها بالبيان المذكور إنما يتجه إذا كان في مقام الإخبار عن قضية واقعية مرجعها إلي الكناية بنفي النسب عن نفي آثاره، و هو خلاف ظاهر النبوي جدا، بل خلاف المقطوع به منه.

ص: 62

مسألة 3: الأقوي مجامعة الحيض للحمل
اشارة

(مسألة 3): الأقوي مجامعة الحيض للحمل (1).

______________________________

و من هنا لا مجال لشمول النفي للمقام، لما سبق من ظهور أدلة تحديد سن اليأس في بيان قضية خارجية، لا شرعية. علي انها لو كانت شرعية فحيث كان منشؤها ارتكازا خصوصية المزاج التي لا دخل للفراش فيها لم يبعد انصراف إطلاق نفي النسب عنها. فلا ينبغي التوقف في عموم التحديد بالستين للمنتسبة لقريش بالزني.

فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) مطلقا، كما هو ظاهر المقنع و الناصريات و التذكرة و المنتهي و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و المدارك، و عن الجامع و المقتصر و غيرها من كثير من كتب الاصحاب، بل هو صريح بعضها. و قد نسب للمشهور في جامع المقاصد، و للأكثر في المدارك، و في الناصريات دعوي الإجماع علي اجتماع الحيض مع الحمل.

و يشهد باجتماعهما مطلقا- مضافا إلي عموم ما دل علي إحرازه بالعادة أو الصفات أو قاعدة الإمكان- النصوص الكثيرة، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام:

«سألته عن الحبلي تري الدم كما كانت تري أيام حيضها مستقيما في كل شهر. قال:

تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها، فإذا طهرت صلت» «1»، و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن [أبا إبراهيم] عليه السّلام عن الحبلي تري الدم و هي حامل كما كانت تري قبل ذلك في كل شهر، هل تترك الصلاة؟ قال: تترك الصلاة إذا دام» «2»، و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل: الحبلي تري الدم، أ تترك الصلاة؟ فقال: نعم، ان الحبلي ربما قذفت بالدم» «3». و غيرها.

خلافا لما في ظاهر الشرائع و عن ابن الجنيد و المفيد و التلخيص من عدم اجتماعهما مطلقا، و عن ظاهر كشف الرموز الميل إليه، و نسبه في النافع لأشهر الروايتين «4». لموثق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أنه قال: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: ما كان اللّه ليجعل حيضا

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 1.

(4) يأتي منه في المعتبر ان المراد به حال استبانة الحمل. (منه عفي عنه).

ص: 63

______________________________

مع حبل. يعني إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة. إلا أن تري علي رأس الولد إذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة» «1»، و صحيح حميد بن المثني: «سألت أبا الحسن الأول عليه السّلام عن الحبلي تري الدفقة و الدفقتين من الدم في الأيام و في الشهر و الشهرين. فقال: تلك الهراقة «2» ليس تمسك هذه عن الصلاة» «3»، و خبر مقرن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: سأل سلمان رحمه اللّه عليا عليه السّلام عن رزق الولد في بطن أمه. فقال:

ان اللّه تبارك و تعالي حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن أمه» «4»، و للإجماع علي جواز طلاق الحامل و إن رأت الدم- كما تقتضيه النصوص المتضمنة أنها تطلق علي كل حال «5» - بضميمة ما تضمن بطلان طلاق الحائض «6»، و عن شرح المفاتيح دعوي تواتر الأخبار بذلك كأخبار استبراء الجواري و السبايا بحيضة «7».

لكن لا مجال للاستدلال بما عدا الموثق، أما الصحيح فلعدم تحقق أقل الحيض بالدفقة و الدفقتين، بل لعل قوله عليه السّلام: «ليس تمسك هذه … » مشعر بخصوصيتها في عدم الإمساك عن الصلاة و عدم عمومه لكل حامل.

و أما خبر مقرن فهو- مع ضعفه- محمول علي حبس الحيضة بالمقدار الذي يحتاجه الولد، فلا ينافي خروج ما زاد علي ذلك، كما تضمنه صحيح سليمان بن خالد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الحبلي ربما طمثت؟ قال: نعم، و ذلك أن الولد في بطن امه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة» «8».

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 12.

(2) قال في الصحاح: (و هراق الماء يهريقه بفتح الهاء هراقة بالكسر صبه. و في مجمع البحرين: (و في الحديث:

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 64

تلك الهراقة من الدم، بهاء مكسورة بمعني الصبة).

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 13.

(5) راجع الوسائل باب: 25، 27 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

(6) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

(7) راجع الوسائل باب: 10، 11 من أبواب بيع الحيوان، و باب: 3، 10، 17، 45، من أبواب نكاح العبيد و الاماء.

(8) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 14.

ص: 64

______________________________

و أما جواز طلاقها فهو لا ينهض بضميمة عموم بطلان طلاق الحائض بنفي الحيض عنها، لعدم حجية العام في عكس نقيضه، بل المتيقن من حجيته نهوضه بإثبات الحكم في المورد تبعا لإحراز موضوعه، دون نفي موضوعه تبعا لإحراز انتفاء حكمه فرارا من التخصيص.

علي أنه لو كان حجة في ذلك في نفسه تعين البناء علي تخصيصه في المورد المذكور، لأجل النصوص المتقدمة الصريحة في اجتماع الحيض و الحمل.

كما أن أخبار الاستبراء إنما تقتضي أمارية الحيض علي انتفاء الحمل، و لا ملزم بكون منشئها امتناع اجتماعه معه، بل لعله لندرته التي هي ظاهر صحيحي عبد اللّه بن سنان و سليمان بن خالد. و ربما يناسبه استحباب الاستبراء بحيضتين، حيث قد يظهر منها عدم كفاية الواحدة في اليقين بعدم الحمل.

فالعمدة موثق السكوني التام السند و الدلالة. و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من قرب حمله علي القضية الغالبية الامتنانية و كون التفسير من الراوي. ففيه- مع عدم وضوح الامتنان في ذلك، و بعد كون التفسير من غير الإمام عليه السّلام- أن لسانه لا يناسب القضية الغالبية.

و مثله ما ذكره من ترجيح النصوص المتقدمة عليه بمخالفتها للعامة. لاختلاف العامة في ذلك، فكما حكي القول بعدم اجتماعهما عن جماعة منهم، بل نسبه في التذكرة لجمهور التابعين، كسعيد بن المسيب و عطاء و الحسن و جابر بن زيد و عكرمة و محمد بن المنكدر و الشعبي و مكحول و حماد و الثوري و الأوزاعي و أبي حنيفة و ابن المنذر و أبي عبيد و أبي ثور و أحمد، و زاد في الخلاف و المنتهي الشافعي في القديم، كذلك حكي القول باجتماعهما عن مالك و الشافعي في الحديث و الليث و الزهري و قتادة و إسحاق و عائشة. و لا دليل علي مرجحية المخالفة لقول أكثرهم مع ظهور القول الآخر عندهم.

فالعمدة في ترجيح النصوص المذكورة عليه شهرتها، لكثرة عددها جدا و شيوع

ص: 65

حتي بعد استبانته (1).

______________________________

روايتها بين الأصحاب، بخلافه حيث لم يروه إلا الشيخ بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيي، فهو بالنسبة إليها شاذ نادر.

و أما ما يظهر من الجواهر من الجمع بين أدلة عدم الحيض مع الحمل و أدلة اجتماعهما بحمل الأولي علي الفاقد للصفات أو المرئي بعد العادة كثيرا، و حمل الثانية علي المرئي في العادة أو ما قاربها واجدا للصفات، لنصوص الصفات الآتية، و لمثل صحيحي ابني مسلم و الحجاج المتضمنين تشبيه رؤيتها للدم برؤية الحائض له.

ففيه: أنه حيث كان دليل عدم الحيض حال الحمل منحصرا بالموثق فهو ظاهر في امتناع الحيض معه بنحو لا موضوع للتفصيل المذكور فيه، لا في عدم حيضية الدم، ليمكن فيه التفصيل المذكور. علي أن حمل إطلاق عدم الحيض علي الدم الفاقد للصفات أو المرئي بعد العادة كثيرا حمل علي الفرد الخفي، فلا مجال له في مقام الجمع العرفي.

و من هنا يستحكم التعارض بين الموثق و نصوص التحيض بخروج الدم مطلقها و مقيدها، فيلزم طرحه لما سبق. و يتعين العمل بها بعد تنزيل المطلق منها علي المقيد المنافي له، كنصوص الصفات و غيرها- علي ما يأتي- دون الموافق، كصحيحي ابني مسلم و الحجاج، لاشتمالهما علي التقييد في السؤال، لا في الجواب.

(1) خلافا لما في المبسوط «1»، و الخلاف و السرائر و محكي الإصباح من عدم حيضها بعد الاستبانة، و نسبه في السرائر لأكثر أصحابنا المحصلين منهم، و صرح في المعتبر بأن المراد مما في النافع من أن أشهر الروايتين عدم حيضها إنما هو بعد استبانة الحمل. بل في المسألة الخامسة و العشرين من مباحث حيض الخلاف: «إجماع الفرقة علي أن الحامل المستبين حملها لا تحيض، و إنما اختلفوا في حيضها قبل أن يستبين الحمل». لكن اعترف في المسألة السادسة من كتاب الطلاق بتحقق الخلاف فيها، كما

______________________________

(1) ذكر ذلك في فصل النفاس و أحكامه. أما في مباحث العدد فلا يظهر منه إلا اجتماع الحيض مع الحبل في الجملة. (منه عفي عنه).

ص: 66

______________________________

صرح به في السرائر.

و كيف كان، فالمراد باستبانة الحمل إن كان هو العلم به مع أخذها بمحض الطريقية رجع إلي القول السابق بعدم اجتماع الحيض مع الحمل مطلقا في الواقع، مع البناء ظاهرا علي الحيض عند الشك في الحمل، كما لا تأباه كلمات أهل القول المذكور، لما أشرنا من أمارية الحيض علي عدم الحمل.

و لعله الظاهر من السرائر، لاقتصاره في بيان الخلاف في الحامل علي الخلاف في المستبين حملها، و لاستدلاله علي عدم اجتماع الحيض مع الحمل بالإجماع علي صحة طلاق الحامل حال خروج الدم منها، مع أن موضوع الإجماع- كالنصوص- هو الحامل الواقعية، و ليس العلم بحملها إلا طريقا محضا لترتيب الحكم المذكور.

و حينئذ ينحصر الدليل عليه بما تقدم في وجه عدم اجتماع الحيض مع الحمل مطلقا، كما يرده نصوص اجتماعهما علي ما سبق، لتعذر حملها علي خصوص البناء علي الحيض ظاهرا عند الشك في الحمل و عدم التحيض مع العلم به.

و أولي بالإشكال ما لو أخذت الاستبانة بالمعني المذكور قيدا في المانعية واقعا، لأن اجتماع الحيض مع الحمل ليس حكما شرعيا، بل هو أمر واقعي كشف عنه الشارع، و من المقطوع به تبعيته للواقع من دون دخل للاستبانة فيه و عدمها. كيف و لازمه اختلاف الحيض باختلاف الأشخاص من حيثية استبانة الحمل و عدمها، مع وضوح كون الحيض أمرا حقيقيا لا إضافيا.

إلا أن يرجع ذلك إلي ترتب أحكام الحيض قبل الاستبانة لا بعدها من دون نظر لواقعه. و حينئذ لا دليل علي ذلك حتي ما تقدم من أدلة اجتماع الحيض مع الحمل، لأنها- مع عدم خصوصية الاستبانة فيها- ظاهرة في انتفاء الحيض واقعا. بل تنهض نصوص اجتماعهما برده، لتعذر حملها علي صورة الجهل بالحمل.

نعم، في الرضوي: «و الحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة، و قد روي: أنها تعمل ما تعمله

ص: 67

______________________________

المستحاضة إذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة. و العمل من خواص الفقهاء علي ذلك» «1». و ظاهر ذيله إرادة هذا المعني. لكنه- مع ضعفه في نفسه، و ظهور غموض المراد به- لا مجال لرفع اليد به عما مضي.

و إن كان المراد بالاستبانة ظهور الحمل عرفا أشكل بعدم الدليل علي التفصيل المذكور. و الجمع به بين النصوص تبرعي بلا شاهد. بل يأباه أكثر نصوص اجتماعهما، حيث يلزم حملها علي أقل أحوال الحمل و أخفاها.

بل صحيح محمد بن مسلم المتقدم كالصريح في خلافه، سواء كان قوله:

«مستقيما في كل شهر» بدلا من قوله: «كما كانت تري … » الذي هو حال معمول لقوله: «تري الدم» كما هو الأقرب، أم حالا معمولا لقوله: «تري أيام حيضها»، إذ علي الأول يكون المفروض فيه استمرار الدم في جميع أشهر الحمل، و علي الثاني يكون ظاهرا في ذلك، لأنه مقتضي فرض مشابهة الدم المرئي أيام الحمل للدم المرئي قبله.

و حمله علي المشابهة من غير حيثية الاستقامة في كل شهر بعيد جدا، لعدم مناسبته للتنبيه علي الخصوصية المذكورة في المشبه به.

و يقرب منه في ذلك صحيح ابن الحجاج، و إن لم يكن مثله، لإمكان كون قوله: «في كل شهر» للتنبيه لدم الحيض لعدم التصريح به فيه كما صرح به في صحيح محمد بن مسلم، مع قصد التشبيه بدم الحيض في غير الجهة المذكورة.

و مثله في ذلك ما لو اريد بالاستبانة مضي مدة خاصة حددت بها شرعا، كالثلاثة أشهر، علي ما في حسن محمد بن حكيم من قول العبد الصالح عليه السّلام: «رفع الطمث ضربان، إما فساد من حيضة … و إما حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر، لأن اللّه عزّ و جلّ قد جعله وقتا يستبين فيه الحمل» «2». أو خمسة و أربعين ليلة علي ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن اشتري جارية لا تحيض من قوله عليه السّلام:

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب العدد حديث: 4.

ص: 68

______________________________

«أمرها شديد غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتي يستبين له إن كان بها حبل، قلت:

و في كم يستبين؟ قال: في خمسة و أربعين ليلة» «1».

هذا كله مع أن الاستبانة بأي وجه فسرت فالبناء علي عدم الحيض معها مناف لصريح صحيح أبي المغراء حميد بن المثني: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحبلي قد استبان ذلك منها تري الدم كما تري الحائض من الدم. قال: تلك الهراقة، إن كان دما كثيرا فلا تصلين، و إن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين» «2». و قريب منه المرسل عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «3».

هذا و مقتضي ما ذكره في الخلاف من أن الدليل علي التفصيل المذكور الأخبار المذكورة في التهذيبين، و أنه بين فيهما وجه اختلاف الأخبار كون مراده بالاستبانة ما فسرها به في الاستبصار، قال: «فالوجه فيه أن يكون ذلك مع الحبل [الحبلي. ظ] المستبين حملها، و إنما يكون الحيض ما لم يستبن الحبل، فإذا استبان فقد ارتفع الحيض، و لأجل ذلك اعتبرنا أنه متي تأخر عن عادتها بعشرين يوما فليس ذلك بدم حيض يدل علي ذلك … » ثم ذكر صحيح الصحاف الآتي، كما ذكر في التهذيب القول المذكور مستدلا عليه بالصحيح المزبور وجها للجمع بين النصوص من دون تنبيه علي الاستبانة.

لكن ظاهر القول المذكور كدليله- علي ما يأتي- ليس هو التفصيل بالوجه المذكور في خصوص الشهر الأول الذي قد لا يستبين فيه الحمل، بل في كل شهر حتي التاسع، فإن كان المراد من التفصيل بين الاستبانة و عدمها الأول فلا يشهد به الصحيح المذكور، و تنهض نصوص اجتماع الحيض مع الحمل برده، لتعذر حملها علي خصوص ما يري في أيام العادة من الشهر الأول، بل المتيقن منها إرادة حال استبانته.

و إن كان المراد به الثاني رجع للقول الآتي الذي يأتي الكلام في دليله. لكن لا مناسبة للتعبير عنه بالاستبانة و عدمها، كما لا يخفي. و من هنا لا مجال لحمل كلام غير الشيخ ممن بني علي عدم حيض المستبين حملها عليه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 16.

ص: 69

لكن لا يترك الاحتياط فيما يري بعد العادة بعشرين يوما (1).

______________________________

نعم، قد يناسبه ما في المعتبر من الجمع بين استحسان الصحيح المذكور و الجنوح لمضمونه و ما تقدم من دعوي أن شهرة الرواية بعدم الحيض إنما هي مع استبانة الحمل.

(1) فقد سبق من التهذيبين البناء علي عدم حيضية الدم المذكور لصحيح الصحاف، كما صرح به في النهاية، و في المعتبر: «و هذه الرواية حسنة، و فيها تفصيل يشهد له النظر»، و في المدارك: «و هي مع صحتها صريحة في المدعي، فيتعين العمل بها، و إن كان القول الأول لا يخلو عن قرب أيضا» و مراده بالقول الأول إطلاق اجتماع الحيض مع الحمل.

و كيف كان، فينحصر الدليل عليه بالصحيح المذكور، و هو ما رواه الحسين بن نعيم الصحاف قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن أم ولدي تري الدم و هي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال: فقال لي: إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت تري فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فإن ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث، فلتتوضأ و تحتشي بكرسف و تصلي. و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت تري فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل و لتصل..» «1».

و قد جعله في التهذيبين شاهد جمع بين نصوص اجتماع الحيض مع الحمل و موثق السكوني. و قد ذكرنا آنفا أنه لا ظهور له في الاختصاص بالشهر الأول من الحمل. و ذلك لإطلاق السؤال، بل المتيقن منه ما يكون بعد استبانة الحمل الذي لا يكون غالبا إلا بعد مضي أكثر من شهر، فعدم الاشارة في الجواب للاختصاص ببعض الأشهر ظاهر في العموم لها.

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 70

______________________________

و توهم حمل قوله: «الوقت الذي كانت تري فيه الدم» علي الزمان الجزئي و هو آخر أزمنة رؤية الدم قبل الحمل، لا علي الزمان الكلي و هو أيام العادة التي تتكرر في كل شهر. ممنوع جدا، فإن المناسب لذلك أن يقول: الوقت الذي رأت فيه الدم. مع أنه لا يناسب ما بعده من فرض رؤية الدم في الوقت المذكور أو قبله. بل لازمه اعتبار كون الطهر بين الدم المرئي قبل الحمل و بعده عشرين يوما أو دونها، و هو مستلزم لتقدمه علي العادة غالبا، و لم يقل أحد بذلك، بل التزموا بعدم تأخره عن العادة عشرين يوما.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في أن المراد بالوقت هو أيام العادة التي تتكرر في كل شهر، و في ظهور الحديث في عموم التفصيل لجميع أشهر الحمل. و لازمه إمكان الحيض حال الحمل مطلقا- كما تضمنته النصوص الأول و امتناع تنزيل موثق السكوني عليه لتضمنه امتناع الحيض حاله مطلقا بنحو لا موضوع معه للتفصيل المذكور.

و لو غض النظر عما ذكرنا و حمل التفصيل فيه علي خصوص الشهر الأول رجع إلي امتناع الحيض في بقية الأشهر و سهل تنزيل موثق السكوني عليه، إلا أنه لا مجال لتنزيل النصوص الأول عليه كما سبق، لأن المتيقن منها حال ظهور الحمل و استبانته الذي يكون غالبا بعد الشهر الأول. و من هنا لا مجال لجعل الصحيح شاهد جمع بين النصوص.

بل يتعين رفع اليد عن موثق السكوني لما سبق، و العمل بنصوص اجتماع الحيض مع الحمل بعد تنزيلها علي هذا الصحيح، لأنها بين ما يطابقه موردا- كصحيح محمد بن مسلم- و ما لا ينافيه أصلا، لتضمنه إمكان الحيض حال الحمل بلا نظر لتمييز دمه عن غيره من الدماء- كصحيح سليمان بن خالد- و مطلق يتضمن التحيض برؤية الدم- و هو الأكثر- فيسهل تنزيله عليه و تقييده به، كما لا يخفي.

و لا وجه مع ذلك لقول شيخنا الأعظم قدّس سرّه بعد ذكر الصحيح المذكور:

ص: 71

______________________________

«و كيف كان، ففي مكافأته لما تقدم من الأخبار منع واضح». قال: سيدنا المصنف قدّس سرّه:

«و كأنه لكثرة النصوص المطلقة و اشتمال بعضها علي بعض التعليلات بنحو تأبي عن التقييد». لكن ندرة الفرد المذكور تهون إهمال استثنائه في المطلقات. و لم نعثر إلا علي التعليل بأن المرأة ربما حاضت أو قذفت الدم، و هو لا يأبي التقييد المذكور.

و مثله ما يظهر من غير واحد من وهنه بإعراض أكثر الأصحاب عنه، لعدم وضوح إعراض القدماء عنه بعد عمل الشيخ به، و ذكر الكليني له في أول باب:

«الحبلي تري الدم»، و تصريح المحقق في المعتبر بما سبق، و العلامة في المنتهي بابتنائه علي مقتضي الغالب في النساء و خصوصا الحامل في عدم كون الدم بعد العادة حيضا، حيث قد يظهر منه حمله علي الحكم ظاهرا بعدم الحيضية عملا بالغلبة و إن أمكن حيضية الدم الخارج من الحامل في الواقع مطلقا.

و قرب كون إهمال بعضهم له لأنهم بصدد بيان أصل اجتماع الحيض مع الحمل- كما قد يظهر من المرتضي في الناصريات- أو لندرة الفرض المذكور، كما أهمل جملة من الأصحاب التعرض لحيض الحامل و عدمه.

و لم يتضح الإعراض عنه إلّا من جماعة من المتأخرين الذين لا يوهن إعراضهم، و لا سيما مع ظهور بعض كلماتهم في كون منشئه استبعاد تنزيل المطلقات عليه أو إمكان تأويله أو نحو ذلك من الاجتهاديات، دون الاطلاع علي قرائن حسية موهنة له.

و كذا ما في الجواهر من إجمال التقدم علي العادة الذي حكم فيه بحيضية الدم معه، لإمكان انطباقه علي التأخر عن العادة السابقة بأكثر من عشرين يوما الذي حكم فيه بعدم حيضية الدم معه، فيحصل التدافع بين الصدر و الذيل.

إذ الظاهر ابتناؤه علي تخيل إطلاق التقدم في الصحيح، كما هو مقتضي نقله بإسقاط لفظ: (بقليل) مع أنه موجود في الوسائل و الحدائق تبعا للكافي و التهذيب، بل الاستبصار و إن كان الموجود في المطبوع منه: (القليل) لقرب كونه تصحيفا له، علي أنه لو فرض إطلاقه فهو منصرف لذلك، لانسباق كون المراد تحكيم العادة التي

ص: 72

______________________________

قد تتقدم أو تتأخر قليلا، كما ذكر في النصوص و بعض الفتاوي، و لذا ألحق به الشيخ صورة التأخر قليلا. و لا أقل من لزوم حمله عليه، جمعا بين الصدر و الذيل و دفعا للتدافع بينهما.

و أشكل من ذلك ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه من أن الحكم بحيضية ما في العادة و عدم حيضية ما تأخر عن عشرين يوما منها ظاهري، تبعا لظاهر حال العادة.

و حينئذ يتعين حمل الحكم بعدم حيضية المتأخر ظاهرا علي ما إذا لم يستمر الدم ثلاثة أيام أخذا بالاطلاقات، لأنه أولي من تقييد قوله في صحيحة ابن الحجاج: «تترك الصلاة إذا دام»، و في صحيح ابي المغراء: «إن كان دما كثيرا فلا تصلين»، لاعتضاد المطلقات بعضها ببعض و بموافقة العمومات المتقنة التي عليها العمل.

إذ فيه: - بعد تسليم كون الحكم بالتحيض في الصحيح ظاهريا- أن عدم التحيض مع عدم استمرار الدم ثلاثة أيام- مع أنه واقعي- لا يختص بما يري بعد العشرين، فالحمل عليه إلغاء لخصوصية التفصيل، و هو مما يأباه الصحيح جدا، بخلاف تقييد المطلقات بالصحيح.

و بالجملة: لا ينبغي التوقف عن العمل بالصحيح و تحكيمه علي المطلقات، لكن بعد الجمع بينه و بين ما دل علي الاعتبار بالصفات، الذي يأتي الكلام فيه قريبا إن شاء اللّه تعالي.

نعم، لم يتعرض فيه لما إذا رؤي الدم بعد العادة بأقل من عشرين يوما، و قد يدعي ظهوره في لزوم البناء علي حيضيته، لقوة ظهوره في خصوصية العشرين، فلو بني علي عدم حيضيته لزم إلغاؤها. و يشكل بظهوره في خصوصية العشرين في البناء علي عدم الحيض للعلم بعدمه، كخصوصية كونه في العادة في البناء علي الحيض و لو لأماريتها عليه، فيكون المتوسط بينهما فاقدا للخصوصيتين غير منظور إليه في الصحيح.

نعم، مقتضي إطلاق النصوص المتقدمة و غيرها البناء علي حيضيته.

ص: 73

و لا سيما إذا كان فاقدا للصفات (1).

______________________________

و دعوي: أنها بصدد البناء علي عدم مانعية الحمل من الحيض، لأن احتمال ذلك هو الموجب للسؤال.

مدفوعة بأن كون ذلك هو الموجب للسؤال لا يمنع من استفادة الإطلاق منها بعد الأمر فيها بترتيب أحكام الحيض برؤية الدم الراجع لعدم التعويل علي احتمال عدم الحيضية. غاية الأمر أن ذلك قد يوجب إلغاء خصوصية موردها و التعدي منها لغير الحامل إلا أن يفرض حكومة أدلة الصفات علي ذلك. و يأتي في المسألة السادسة إن شاء اللّه تعالي ما ينفع في المقام. و منه يظهر ضعف ما عن محكي الجامع من اعتبار كون الدم في العادة.

(1) ففي الفقيه: «و الحبلي إذا رأت الدم تركت الصلاة، فإن الحبلي ربما قذفت الدم. و ذلك إذا رأت الدم كثيرا أحمر، فإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء».

و يشهد به صحيح إبراهيم بن هاشم عن بعض رجاله عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن الحبلي قد استبان حبلها تري ما تري الحائض من الدم. قال:

تلك الهراقة من الدم، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء» «1». و في التفصيل بين الكثرة و القلة صحيح أبي المغراء المتقدم «2»، و في عدم التحيض مع الصفرة الرضوي المتقدم «3»، في التفصيل بين الاستبانة و عدمها.

كما قد يستدل عليه أيضا بصحيح اسحاق بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحبلي تري الدم اليوم و اليومين. قال: إن كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» «4». و سيتضح حاله إن شاء اللّه تعالي.

و استشكل شيخنا الأعظم قدّس سرّه في ذلك بأن المراد بالنصوص ليس هو اعتبار

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 5.

(3) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

ص: 74

______________________________

الصفات في حيضية الدم بمجموعه واقعا، كما هو المدعي، بل في الحكم بحيضيته ظاهرا بمجرد خروجه عند الشك في استمراره ثلاثة أيام، كما يشهد به ذكر اليوم و اليومين في صحيح إسحاق، مع أن الحيض لا يقل عن ثلاثة. و لعل الكثرة و القلة في حديث ابن مسلم إشارة إلي استمرار الدم ثلاثة أيام و انقطاعه بعد زمان يسير «1». فلا ينافي التحيض مع استمرار الدم ثلاثة أيام مطلقا و إن كان الدم فاقدا للصفات، كما هو مقتضي إطلاق نصوص الاجتماع، و لا سيما مع أن حمل أخبار منع الحيض مع الحمل علي خصوص فاقد الصفة في غاية البعد.

و يندفع بأن استبعاد حمل أخبار المنع علي الفاقد و إن كان في محله، لأنه أخفي أفراد الدم، بل لا مجال له في عمدتها و هو موثق السكوني المتضمن عدم اجتماع الحيض مع الحمل، لا عدم حيضية الدم الخارج حاله، إلا أنه إنما يمنع من جعل الصحيح شاهد جمع بين النصوص، لا من تخصيصه لنصوص الاجتماع بعد ما سبق من تعين العمل بها و طرح نصوص المنع، و مرجعه عدم حيضية الفاقد، كما تقدم من الصدوق.

و حمل الأخبار المذكورة علي التحيض برؤية الدم ظاهرا لا حيضية الدم بمجموعه واقعا مخالف لظاهرها جدا، كحمل الكثرة و القلة علي الاستمرار و عدمه، بل الظاهر منها كثرته و قلته حال خروجه، كما يناسبه سوقهما مساق اللون، و إلا فلا دخل للصفرة في عدم التحيض مع القلة بالمعني المتقدم، كما لا دخل للحمرة في التحيض بناء علي العمل بالعمومات.

و لا مجال للاستشهاد لما ذكره بصحيح إسحاق، لظهوره في كون الدم بمجموعه لا يزيد علي اليوم أو اليومين، لإضافتهما له، لا لحكمها حاله، بل لا أثر لهما إذا كان المراد السؤال عن حكمها الظاهري، لاحتياجها لمعرفة الحكم بمجرد رؤية الدم.

حينئذ إن أمكن العمل بظاهره و تخصيص ما دل علي تحديد أقل الحيض

______________________________

(1) هذا راجع إلي ورود الحديث لبيان الحكم الواقعي، غايته انه لبيان شرط متفق عليه، لا شرطية الصفات.

(منه عفي عنه).

ص: 75

______________________________

بثلاثة في الحامل- كما قد يناسبه تعليل حملها بأن الدم قد يفضل عن الولد في صحيح سليمان بن خالد، و التعبير عنه بالهراقة في غير واحد من النصوص- فهو، و إلا فلا مجال لحمله علي خلاف ظاهره و تفسير غيره من النصوص به، مع عدم اشتمالها علي ما يلزم بالتفسير المذكور.

نعم، قد يشكل الاستدلال بنصوص الصفات بوضوح عدم حجية الرضوي.

و ظهور صحيح أبي المغراء في التفصيل بين الكثرة و القلة. و حملهما علي ما يلازم الحمرة و الصفرة بلا قرينة، بل لا يناسبه الحكم بالغسل عند كل صلاتين الذي هو حكم الاستحاضة الكثيرة، التي يغلب حمرة الدم فيها لكثرته، فلا يؤثر في لونه اختلاطه برطوبات الرحم القليلة غالبا.

و لا مجال لجعل الكثرة و القلة بنفسهما في الصفات المعتبرة في حيضية الدم، إذ لازمه حمل الكثرة فيه علي ما يزيد بوجه ظاهر علي الاستحاضة الكثيرة، و الظاهر إباء نصوص اجتماع الحيض و الحمل- كالفتاوي- عن اختصاص حيضية الدم بذلك.

فلا يبعد حمل الكثرة فيه علي الاستمرار ثلاثة أيام، فيخرج عن محل الكلام.

و أما صحيح إسحاق فلو أمكن العمل بظاهره أشكل التعدي في التفصيل الذي تضمنه عن مورده للدم المستمر ثلاثة أيام الذي هو محل الكلام.

فلم يبق إلا حديث محمد بن مسلم المشتمل سنده علي الإرسال، و انجباره بظهور عمل الصدوق في الفقيه به، لتعبيره بمضمونه، لا يخلو عن إشكال. مع أنه لو تم مختص بالصفرة، و هي أخص من فاقد صفات الحيض، فليكن عدم الحيضية مختصا بها نظير ما يأتي في المسألة الرابعة.

هذا و لو غض النظر عن ذلك و بني علي حجية نصوص الصفات فقد سبق لزوم العمل بصحيح الصحاف أيضا، و حيث كان بينه و بينها عموم من وجه فقد ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن المرجع في موضع التعارض- و هو الخارج في العادة فاقدا للصفات، و الخارج بعد العشرين يوما واجدا لها- إطلاقات الباب المقتضية للحيضية،

ص: 76

______________________________

بل يمكن الرجوع في الأول إلي إطلاق ما دل علي أن الصفرة في أيام الحيض حيض «1».

و يشكل بأن لازم ذلك حمل ما دل علي عدم حيضية الفاقد للصفات علي خصوص ما لا يري في العادة أو خصوص ما يري بعدها بعشرين يوما و حمل الصحيح الدال علي عدم حيضية ما خرج بعد العشرين يوما علي خصوص الفاقد للصفات، و كلاهما مخالف لظاهر دليله جدا، لأنه حمل علي الفرد الخفي الذي لا ينسبق له الذهن.

بل الأول لا يناسب ما في صحيح أبي المغراء و حديث ابن مسلم من تشبيه رؤية الحامل الدم برؤية الحائض له، مع أن العادة من أظهر صفات الحيض عرفا.

و الثاني إن رجع إلي إبقاء ذيل الصحيح الوارد في حكم ما يري في العادة علي إطلاقه، كان أدعي لاستبشاع حمل الصدر علي الفاقد، و إن رجع إلي تنزيل الذيل أيضا علي ذلك، رجع إلي ورود الصحيح لبيان حكم الفاقد لا غير، و هو كالمقطوع ببطلانه.

مع أن الذي يظهر من مساق كلامه قدّس سرّه في المتن اختصاص احتمال إعمال دليل الصفات بالخارج بعد العشرين يوما من العادة، مع أن اللازم بناء علي ما سبق- تبعا له قدّس سرّه- من قصور صحيح الصحاف عما يخرج بعد العادة قبل العشرين، إعمال دليل الصفات فيه، فيحكم بعدم حيضية الفاقد منه لها، لعدم المعارض له فيه، فتخصص به العمومات فيه أيضا.

و كيف كان، فالأقرب البناء علي كون كل من فقد الدم للصفات و رؤيته بعد عشرين يوما من العادة مانعا من حيضيته، و الاقتصار في الحكم بالحيضية علي الواجد للصفات غير الخارج بعد عشرين يوما من العادة. إذ لا يلزم منه إلا حمل دليل الصفات علي خصوص ما يري في العادة، و صحيح الصحاف علي خصوص الواجد للصفات. و كلاهما سهل في مقام الجمع بين الأدلة، لأنه حمل علي الفرد الظاهر. و قد تقدم عند الكلام في نصوص عدم اجتماع الحيض مع الحمل من الجواهر ما يقاربه، و إن لم يبتن علي العمل بصحيح الصحاف.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

ص: 77

______________________________

و أما ما عن بعض مشايخنا من أن إطلاق أدلة الصفات معارض بإطلاق ما دل علي تحيض الحامل برؤية الدم في العادة كصحيحي ابني مسلم و الحجاج و غيرهما، و المرجع في مورد الاجتماع- و هو الفاقد المرئي في العادة- إطلاق أدلة تحيض الحامل برؤية الدم.

فمدفوع بأن تنزيل أدلة العادة علي واجد الصفات أقرب من تنزيل أدلة الصفات علي ما لا يري في العادة، لأن الواجد للصفات هو الفرد الأظهر كالمرئي في العادة، و لا سيما مع اشتمال أدلة الصفات علي فرض رؤية الحامل للدم كرؤية الحائض له، فلا معدل عما ذكرنا. و لا يضر عدم ظهور القائل بذلك لاضطراب الأصحاب في المسألة و في فهم أدلتها و العمل بها و الجمع بينها، بنحو لا يظن معه اطلاعهم علي ما يمنع من العمل بظواهر الأدلة الواصلة إلينا، فضلا عن الوثوق به، بنحو يسقطها عن الحجية.

و قد تحصل من جميع ما تقدم: أن الاصحاب بين من منع حيض الحامل مطلقا- كالمفيد و ابن الجنيد- أو بعد الاستبانة- كالشيخ علي البيان المتقدم، و ابن ادريس- و من أجازه مطلقا مع البناء علي حيضية كل دم يحكم بحيضيته مع عدم الحمل- و هو المنسوب للمشهور- أو إذا كان أحمر- كما تقدم من الصدوق في الفقيه- أو ما عدا ما يخرج بعد العشرين فاقدا للصفات- كما يستظهر من كلام سيدنا المصنف قدّس سرّه في المتن و في استدلاله- أو مطلقا- كما تقدم أنه الأظهر، مع الكلام في اعتبار الصفات فيما يري بعد العادة قبل العشرين يوما، الذي حكي عن بعض مشايخنا- أو علي حيضية خصوص ما يخرج في العادة- كما تقدم عن الجامع و كلام الشيخ مردد بينه و بين ما سبقه- أو حيضية ما لم يتأخر عن عشرين يوما أو يفقد الصفات، كما تقدم أنه الأظهر بناء علي تمامية دليل الصفات، و تقدم من الجواهر ما يقاربه.

هذا كله في ذات العادة الوقتية، و أما غيرها فهي خارجة عن مفاد صحيح الصحاف موضوعا، فيتردد الأمر فيها بين المنع من حيضها مطلقا أو مع استبانة

ص: 78

______________________________

الحمل، و إمكانه مع حيضية كل ما يحكم بحيضيته مع عدم الحمل، أو خصوص الواجد للصفات. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم. و منه نستمد العون و التوفيق.

تنبيهات
الأول: العشرون يوما في التفصيل المتقدم تبدأ من أول العادة،

لا من آخرها لأنه المنساق من المقابلة لرؤية الدم في العادة أو ما قبلها، و لأن حسابها من آخر العادة يقارب العادة اللاحقة غالبا، فلا يبقي معه موضوع للتفصيل المذكور، بناء علي ما هو الظاهر من جريانه مع انقطاع الحيض في بعض الأشهر ثم عوده، لإطلاق صحيح الصحاف، حيث يشمل الحاصل في العادة بعد الانقطاع.

الثاني: ما يخرج بعد العادة بعشرين يوما حيث لا يحكم عليه بالحيضية لا يكون تكرره في وقته من أشهر الحمل موجبا لانقلاب العادة،

لأن أيام العادة هي أيام خروج الحيض لا أيام خروج مطلق الدم و إن لم يكن حيضا، فلا مجال للبناء علي حيضيته في الشهر الثالث فما بعده.

الثالث: إذا تم دليل الصفات فلو كان بعض الدم واجدا لها دون بعض فهو خارج عن المتيقن من الدليل المذكور،

فيحكم بحيضيته بمقتضي الإطلاقات و إن كان المقدار الواجد لها دون أقل الحيض. بل حيث تقدم اختصاص الحكم بالحيضية علي ما يخرج في العادة أمكن الرجوع فيه إلي ما دل علي أن الصفرة في أيام الحيض حيض «1».

كما أنه لو تمت دعوي: أن دم الحيض لا بد من اشتمال بعضه علي الصفرة تعين حمل الأحمر في دليل الصفات علي حمرة البعض، فيدخل محل الكلام في موضوع الحكم بالحيضية في الصحيح.

الرابع: الذي تقتضيه القواعد مشاركة الحامل لغيرها في حكم التحيض

برؤية الدم مع الشك في استمراره ثلاثة أيام، الذي يأتي الكلام فيه في المسألة الرابعة إن شاء اللّه تعالي. لعموم أكثر الأدلة الآتية لها أو كلها. و هو مقتضي الإطلاق المقامي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

ص: 79

______________________________

لما تضمن من النصوص أنها قد تحيض، لظهور سكوته عن طريق إحراز حيضها في التحويل علي الطريق المعهود في غيرها.

بل الظاهر مما تضمن أنها تمسك عن الصلاة إذا رأت الدم أو قذفت به أو نحو ذلك التحيض برؤية الدم، لأنه و إن ورد لبيان الحكم الواقعي دفعا لتوهم عدم حيض الحامل- كما هو مصب السؤال- لا لبيان حكمها الظاهري عند الشك في استمرار الدم، إلا أن إناطة ترك الصلاة برؤية الدم و دفقه اللذين هما من المحسوسات الوجدانية بمجرد رؤية الدم ظاهر في المفروغية عن ترتب العمل عليهما في الظاهر.

نعم، تقدم قوله عليه السّلام في صحيح ابن الحجاج: «تترك الصلاة إذا دام» «1»، و قد يستظهر منه أنها لا تترك الصلاة إلا بعد دوامه المحمول علي الدوام ثلاثة أيام، لعدم اعتبار غير ذلك قطعا. و لعله لذا استدل به الفقيه الهمداني قدّس سرّه و بنصوص الصفات علي عدم تحيض الحامل بمجرد رؤية الدم في العادة، بل لا بد من استمراره ثلاثة أيام أو لكونه واجدا للصفات، بناء علي ما سبق من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من حمل نصوص الصفات علي الحكم الظاهري.

لكن تقدم منع تنزيل نصوص الصفات علي ذلك، و أما الصحيح فحيث كان السؤال فيه عن رؤية الحامل الدم كما تراه الحائض، فهو ظاهر في السؤال عن الحكم الواقعي في فرض استمرار الدم، و هو لا يناسب التقييد بالدوام في الجواب، و ليس حمله علي بيان موضوع الحكم الظاهري بأولي من حمله علي تأكيد اعتبار الدوام في الحكم الواقعي، أو علي إرادة استمرار الدم في مقابل تقطعه الذي اشير إليه في صحيح حميد بن المثني المتقدم فيمن تري الدفقة و الدفقتين في الأيام و الشهر و الشهرين، فلا يخرج به عما سبق.

الخامس: الحكم بعدم حيضية ما يخرج بعد العشرين يوما من العادة

كالصريح في كون النفي حقيقيا لا تنزيليا بلحاظ انتفاء الأحكام، كما يشهد به نفي لازم الحيضية

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 80

الفصل الثالث في تحديد مدة دم الحيض
اشارة

الفصل الثالث أقل الحيض ما يستمر ثلاثة أيام (1).

______________________________

و هو كونه من الرحم مع عدم كونه موضوعا للأحكام. فيكون مانعا من العلم بحيضية الخارج.

و لو لم يمنع منه في مورد لزم حمل الحكم المذكور علي القضية الواقعية الغالبية، ليرجع إليها في مقام العمل ظاهرا عند الجهل بحال الدم، لورودها في مقام ترتيب الأحكام، و ليست كقضية عدم الحيض قبل البلوغ و بعد سن اليأس التي تقدم عدم الوجه في حملها علي حجية الغلبة المفروضة. و حينئذ يترتب علي الحيض المخالف للغالب أحكام الحيض العامة، بعد عدم سوق القضية للنفي التنزيلي بلحاظ انتفاء الأحكام لتكون من سنخ المخصص للعمومات.

و أظهر من ذلك الحكم بحيضية ما يخرج في العادة، فانه و إن كان بلسان الإثبات بنحو القضية الكلية الواقعية إلا أنه لما أمكن خروج غير دم الحيض من الحامل فاستبعاد امتناع خروجه في العادة عرفا صالح للقرينية علي حمل القضية علي الظاهرية، بلحاظ أمارية العادة علي الحيض أو أصالة كون الخارج فيها حيضا، فلا تنافي العلم بعدم حيضية الدم، فلا تترتب أحكامه، و حملها علي القضية التنزيلية لبيان كونه بحكم الحيض و إن لم يكن حيضا بعيد جدا.

(1) قد صرح الأصحاب بأن أقل الحيض ثلاثة أيام، و نفي في السرائر و التذكرة الخلاف فيه، كما ادعي الإجماع عليه في الخلاف و الغنية و المنتهي و جامع المقاصد و الروض و كشف اللثام و المدارك و محكي نهاية الأحكام و المختلف و الذكري

ص: 81

______________________________

و التنقيح و غيرها، و عده الصدوق في أماليه من دين الإمامية، و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كاد يكون متواترا»، و قريب منه في طهارة شيخنا الأعظم، بل جزم بتواتر نقل الإجماع عليه.

و يشهد به النصوص المستفيضة، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام و أكثره ما يكون عشرة أيام» «1» و صحيح صفوان: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن أدني ما يكون من الحيض.

فقال: أدناه ثلاثة و أبعده عشرة» «2»، و غيرهما.

نعم، تقدم صحيح إسحاق بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحبلي تري الدم اليوم و اليومين. قال: إن كان دما عبيطا فلا تصل ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» «3»، و في موثق سماعة: «سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض فتقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة أيام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء. قال: فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت تري الدم ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدة أيام سواء فتلك أيامها» «4».

و قد تقدم من شيخنا الأعظم و الفقيه الهمداني (قدس سرهما) حمل الأولي علي إرادة التحيض ظاهرا بمجرد خروج الدم عند الشك في استمراره. و قد أصر عليه بعض مشايخنا هنا فيما حكي عنه بدعوي: أنه لا معني للنهي عن الشي ء السابق، فلا بد من كون المراد أنها متي رأت الدم تترك الصلاة، و هو حكم ظاهري.

و تندفع بأن التحيض متي رأت الدم إنما يكون حكما ظاهريا إذا أخذ في موضوعه الشك في استمراره بعد الفراغ عن التحيض معه واقعا، و لا إشعار بذلك في الصحيح، بل ظاهره إرادة الحكم الواقعي لدفع توهم عدم حيض الحامل، و يكون

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 82

______________________________

مقتضي الجمع بينه و بين ما دل علي اعتبار الاستمرار فيه كون الحكم المذكور مقيدا بالاستمرار مراعي به.

غايته أنا أشرنا في ذيل المسألة السابقة إلي أن إناطة العمل بالرؤية و عدم التنبيه علي لزوم المراعاة ظاهر في المفروغية عن التحيض ظاهرا برؤية الدم و عدم التوقف لأجل احتمال عدم الاستمرار. علي أنه لم يتعرض في الصحيح سؤالا و جوابا لحال رؤية الدم، بل لحكم اليوم و اليومين، الظاهر في خصوصيتهما، و هو لا يناسب الحكم الظاهري.

و أشكل من ذلك حمله الموثق علي ذلك أيضا. لأنه لا يناسب إقرار ما في السؤال من فرض القعود و الطمث يومين و تكرره، كما لا يناسب إطلاق الحكم بحصول العادة مع اتفاق الشهرين في عدد الأيام الظاهر في إمكان استقرار العادة علي اليومين.

فلا ينبغي التأمل في ظهور الحديثين في إمكان نقص الحيض عن ثلاثة أيام.

نعم، لا مجال للتعويل علي الموثق مع معارضة النصوص الكثيرة له و ترجحها عليه بالشهرة في الرواية. بل الإجماع دليل قطعي علي خلاف مضمونه.

و أما الصحيح فحيث كان مختصا بالحامل كان مقتضي الجمع العرفي تقييده للإطلاقات المذكورة، كما سبق و سبق التعرض لما يناسبه عند الكلام في نصوص الصفات من مسألة حيض الحامل، لو لا ظهور الإجماع علي خلافه لإطلاق معاقده، إلا أن يحتمل كون وجه إعراضهم عنه تخيل استحكام التعارض بينه و بين النصوص المذكورة. فتأمل.

و أما ما يأتي من الاستبصار من حمله علي من تري الدم اليوم و اليومين و يتم لها الثلاثة في مدة العشرة، بناء منه علي عدم اعتبار التوالي في الثلاثة عملا بمرسل يونس الآتي. فهو بعيد جدا، لأنه و إن كان بين المرسل المتضمن عدم حيضية اليومين إذا لم تتم الثلاثة في العشرة و الصحيح عموم من وجه، إلا أن حمل المرسل علي غير الحامل التي هي الفرد غير المتعارف أقرب عرفا من حمل الصحيح علي من تتم لها الثلاثة، لاحتياجه إلي عناية يبعد معها جدا إهمال التنبيه عليه.

ص: 83

______________________________

و أشكل منه ما عن الراوندي في الأحكام من جعل الصحيح قرينة علي حمل المرسل علي خصوص الحامل، و الاقتصار عليها في عدم اعتبار التوالي في الثلاثة، مع اعتباره في غيرها. إذ فيه- مضافا إلي ما سبق- أن حمل المرسل علي خصوص الحامل بعيد جدا، بعد كونها الفرد غير المتعارف المغفول عنه.

هذا و الأصحاب رضي اللّه عنهم بعد أن اتفقوا علي أن أقل الحيض ثلاثة أيام اختلفوا في اعتبار التوالي فيها و عدمه، فذهب جملة منهم إلي اعتبار التوالي، كما في الفقيه و الهداية و إشارة السبق و السرائر و الشرائع و جملة من كتب العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني- مما عثرنا عليه أو حكي عنه- و هو ظاهر الغنية و المعتبر و محكي الكافي، كما هو المحكي عن جمل الشيخ و عقوده و المقتصر و التنقيح و عن والد الصدوق و المرتضي و محكي ابن الجنيد و غيرهم، و جعله في المبسوط الأحوط.

و نسبه للأكثر في التذكرة و جامع المقاصد و كشف اللثام، و جعله الأشهر في محكي نهاية الأحكام، و المشهور في المسالك و محكي الذكري و شرح المفاتيح، و الأظهر بين الأصحاب في محكي كشف الرموز، و لم أعثر علي مخالف صريح فيه بعد الشيخ إلي الأردبيلي.

و ذهب إلي عدم اعتبار التوالي في النهاية و التهذيبين «1»، و جواهر القاضي و محكي المهذب و مجمع البرهان، و نسبه في المبسوط إلي بعض أصحابنا، و قواه في كشف اللثام و استظهره في الحدائق «2»، مدعيا ميل جملة من متأخري المتأخرين إليه منهم الحرّ في

______________________________

(1) فإنه و إن لم يصرح به في التهذيب إلا أنه بعد أن ذكر أن الحائض إذا رأت الدم أقل من ثلاثة أيام فليس بحيض قال: (و يؤيد ذلك ما أخبرني به الشيخ … ) و ذكر مرسلة يونس الآتية الصريحة في ذلك. و قال في الاستبصار تعقيبا علي صحيح إسحاق المتقدم في الحبلي تري الدم اليوم و اليومين: (فلا ينافي هذا الخبر ما قدمناه من أن أقل الحيض ثلاثة أيام، لأن الوجه فيه أن تري الدم اليوم و اليومين دما متواليا و تري تمام الثلاثة في مدة العشرة، لأن الحائض متي رأت الدم في مدة العشرة أيام ثلاثة أيام كانت حائضا و إن لم يكن ذلك متواليا حسبما رويناه في كتاب تهذيب الأحكام في رواية يونس).

(2) علي تفصيل يأتي التنبيه إليه إن شاء اللّه تعالي.

ص: 84

______________________________

رسالته و بعض علماء البحرين.

و قد يظهر التردد من الوسيلة و المعتبر لقوله في الأول في بيان أقل الحيض:

«و هو ثلاثة أيام متواليات. و روي مقدار ثلاثة أيام من عشرة» و اقتصاره في الثاني علي نسبة عدم اعتبار التوالي للرواية.

و قد تقدم عن الراوندي التفصيل بين الحامل و غيرها، كما تقدم وجهه و دفعه، فالمهم حجة القولين الأولين.

أما اعتبار التوالي
فقد استدل له بوجوه..
الأول: الاحتياط،

و هو ممنوع صغري و كبري، كما لا يخفي.

الثاني: استصحاب عدم الحيض.

و قد استشكل فيه.. تارة: بما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره من أنه من استصحاب المفهوم المردد الذي لا يجري علي التحقيق. و قد يتجه بناء علي كون مفهوم الحيض شرعيا، حيث قد يحتمل أخذ التوالي فيه، و قد سبق في أول الفصل المنع من ذلك و أنه أمر عرفي و أن تحديد الشارع له راجع إلي تحديد مصاديقه، و لا يظن من أحد احتمال أخذ التوالي في مفهومه عرفا، و غاية ما يحتمل كونه من لوازمه التي يدل عدمها علي عدمه، فليس الشك حينئذ إلّا في مصداقه، و مقتضي الاستصحاب عدمه لليقين به سابقا.

نعم، لو قيل برجوع التحديدات الشرعية للحيض إلي تحديد أحكامه بلسان تحديد موضوعها مع عموم عنوانه حقيقة، كان مرجع الشك في اعتبار التوالي إلي الشك في التخصيص الذي لا يعتد به في قبال العموم. لكن يأتي إن شاء اللّه تعالي المنع من ذلك، كما تقدم في نظائره.

و اخري: بمعارضته باستصحاب عدم الاستحاضة، لأنها أيضا ذات أحكام خاصة، فاستصحاب عدمها يقتضي انتفاء تلك الأحكام.

و قد يجاب عنها بوجهين:

أولهما: أنه إن قلنا بعدم الواسطة بين الحيض و الاستحاضة في ذات الدم غير

ص: 85

______________________________

النفساء و ذات العذرة و القرحة فأصالة عدم الحيض محرزة للاستحاضة و حاكمة علي استصحاب عدمها، بناء علي أن المستفاد من النصوص و الفتاوي أن المرأة ذات الدم إذا لم تكن حائضا و لا ذات قرحة أو عذرة فهي مستحاضة، علي ما يأتي الكلام فيه في مبحث الاستحاضة و إن قلنا بثبوت الواسطة بينهما فلا تعارض بين الأصلين، بل يجريان معا، و يحكم بعدم ترتب أحكام كل منهما. إلا أن يعلم من الخارج بأحدهما إجمالا، فيعلم بكذب أحد الأصلين.

ثانيهما: أنه لما كان استصحاب عدم كل من الأمرين لا يحرز أحكام الآخر فلا تعارض بين الاستصحابين ذاتا.

غايته أن مقتضي استصحاب عدم الحيض وجوب الصلاة و الصوم و مقتضي استصحاب عدم الاستحاضة عدم وجوب تجديد الوضوء و الغسل لهما، مع العلم بكذب أحد الأمرين و عدم مشروعية الصلاة و الصوم بدون التجديد بناء علي دوران الدم بين الحيض و الاستحاضة.

و لازم ذلك سقوط استصحاب عدم الاستحاضة للقطع بعدم فعلية الخطاب بأثر عدمها، و هو عدم وجوب التجديد، المانع من التعبد به ظاهرا باستصحابه، أما مع الحيض فلأن وجوب التجديد لما كان غيريا لمقدميته للصلاة و الصوم فلا موضوع للسعة بنفي وجوبه مع عدم وجوبهما من جهة الحيض، و أما مع عدمه و ثبوت الاستحاضة فلوجوب التجديد تبعا لوجوبهما.

و إذا لم يجر استصحاب عدم الاستحاضة وجبت الصلاة و الصوم بمقتضي استصحاب عدم الحيض و وجب تجديد الغسل و الوضوء لهما للقطع بعدم صحتهما بدونه.

فالمقام نظير ما لو علمت المرأة في أثناء الوقت بأنها إما أن تكون قد صلت ذات الوقت أو استحيضت، حيث لا يجري استصحاب عدم الاستحاضة في حقها، للعلم بعدم فعلية أثره علي تقدير الصلاة، و عدم ثبوته علي تقدير عدمها، فلا يمكن التعبد به ظاهرا باستصحابه، بل لا يجري الأصل إلا في الصلاة، فإن أحرزها- كما في مورد

ص: 86

______________________________

قاعدة الفراغ- فهو، و إلا لزم الاتيان بها بعد التجديد، للعلم ببطلانها بدونه.

هذا و قد تعرض شيخنا الأعظم قدّس سرّه لما يقرب من هذين الوجهين في الجواب عن الإشكال المذكور، و أطال سيدنا المصنف قدّس سرّه في تعقيبه، و الظاهر أنه لا مجال لما ذكره علي التقريبين المتقدمين. فلاحظ.

و بالجملة: الظاهر تمامية الاستصحاب المذكور في نفسه. إلا أن يكون محكوما لقاعدة الإمكان أو لاطلاقات أدلة التحيض بخروج الدم في العادة أو بالصفات، بناء علي عمومها لصورة عدم التوالي، أو للنص المستدل به علي عدم اعتبار التوالي، بناء علي نهوضه بذلك. و يتضح الحال في ذلك فيما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و الاستصحاب المذكور مغن عن استصحاب أحكام الطاهر الذي استدل به غير واحد، لأنه سببي بالإضافة إليه. مع الإشكال فيه في نفسه بأنه بالإضافة إلي الأحكام التي لم يدخل وقتها قبل رؤية الدم تعليقي لا يجري علي التحقيق، و بالإضافة للأحكام التي دخل وقتها غير محرز فيه بقاء الموضوع، لاحتمال أخذ عدم الحيض قيدا في موضوعها.

و أشكل من ذلك التمسك بأصالة البراءة من تكاليف الحائض، كحرمة دخول المساجد و تمكين الزوج من الوطء و نحوهما. لمعارضتها بأصالة البراءة من تكاليف الطاهر كوجوب الصلاة و الصوم و تمكين الزوج من الوطء، حيث يعلم إجمالا بثبوت أحد التكليفين الملزم بالاحتياط مع إمكان الجمع، و التخيير مع عدمه. إلا أن يكون هناك ما ينحل به العلم الإجمالي من دليل أو أصل محرز لأحد الأمرين، كاستصحاب عدم الحيض، الذي هو العمدة في تقريب الأصل.

الثالث: عموم أحكام الطاهر،

بدعوي: لزوم الاقتصار في تخصيصه بأدلة أحكام الحائض علي المتيقن مع إجمال المخصص بسبب إجمال الحيض. و هو مبني علي احتمال اعتبار التوالي في مفهوم الحيض. و قد سبق في الوجه الثاني المنع من ذلك، بل المحتمل كونه من لوازمه الخارجية، فالشك فيه مع عدمه شك في المصداق لا في المفهوم، و لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص، إلا مع

ص: 87

______________________________

إحراز عدمه بأصل أو نحوه.

الرابع: الرضوي:

«و إذا رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات» بدعوي: انجباره بالشهرة العظيمة، بل في الرياض: «و لا دليل في المقام سواه». كما اقتصر عليه في المستند.

و يندفع بما ذكرناه و ذكره غير واحد في غير مقام من أنه لا يكفي في انجبار الخبر موافقته لفتوي المشهور، بل لا بد فيه من اعتمادهم عليه، و هو غير حاصل في المقام بعد عدم إشارتهم له. نعم، مطابقة عبارة الصدوق في الفقيه و الهداية له قد يكون أمارة علي اعتماده عليه.

لكنه ليس بنحو صالح لإثبات حجيته، و لا سيما مع غموض حال الرضوي.

بل لا ريب في أن دعوي انجبار مرسل يونس الآتي بعمل الشيخ أولي من ذلك.

الخامس: ما في المدارك من أن المتبادر من قولهم عليهم السّلام: أدني الحيض ثلاثة و أقله ثلاثة، كونها متوالية.

و قد تصدي غير واحد لتقريب التبادر المذكور.

و حاصل ما يقال في وجهه: أن ظاهر أدلة التقدير في طرفي القلة و الكثرة بيان اختلاف أفراد الحيض في الأمد، و حيث كان الحيض استمراريا و وحدة الأمر الاستمراري المقومة لفرديته بعدم انقطاعه، كان ظاهر التحديد المذكور اعتبار وجود الحد في الحيض الواحد المستمر المستلزم لاعتبار التوالي.

نعم، لو كان التحديد للجنس الحاصل في الخارج مطلقا أو خصوص ما تلبس الشخص به منه لم يعتبر فيه الاستمرار، كما لو قيل: جلوسي في المسجد ثلاثة أيام.

إلا أنه لا مجال له في المقام، بقرينة التحديد في طرف الكثرة، لما هو المعلوم من أن تمام الحيض أو حيض المرأة الواحدة يزيد علي عشرة أيام كثيرا.

و مثله ما لو امتنع رجوع التحديد للفرد، كالصوم ثلاثة أيام، و الحج ثلاث سنين، حيث لا يزيد الفرد الواحد من الصوم عن اليوم الواحد، و لا يستغرق الحج الواحد إلا أياما قليلة، فيلزم حمله علي محض تحقق ثلاثة أفراد في الأزمنة الثلاثة،

ص: 88

______________________________

و يكون مقتضي إطلاقه عدم اعتبار التوالي.

إلّا أن يراد منه بنحو من العناية وحدة المجموع الاعتبارية، تبعا لتعاقب أجزائه التي يصدق معها الاستمرار، و لذا يقال: صمت من أول الشهر إلي نصفه، فيعتبر التوالي حينئذ.

و منه يظهر أنه لا مجال لما في الجواهر من النقض بالنذر و اليمين، لاختلاف الحال فيهما ثبوتا حسب اختلاف المتعلق في رجوع التحديد فيه للفرد، أو لبيان عدد الأفراد، و إثباتا حسب اختلاف القرائن و المناسبات.

و مثله دعوي: أن اعتبار التوالي في الأقل يقتضي اعتباره في بقية المراتب، مع أنه لا إشكال في عدم اعتباره فيها. و لذا لو رأت الدم ثلاثة أيام مثلا ثم انقطع يومين و عاد قبل العشرة كان المجموع إلي العشرة حيضا. لاندفاعها بأن ذلك للدليل الخاص المخرج عما تقتضيه القاعدة المتقدمة فيلزم الاقتصار فيه علي المتيقن منه، و هو ما إذا حكم بحيضية السابق لاستمراره ثلاثة أيام.

بل بناء علي حيضية النقاء المتخلل لا يكون ذلك خارجا عن القاعدة، لتحقق التوالي في تمام الحيض الواحد المركب من أيام الدم و أيام النقاء.

و دعوي: أن البناء علي وحدة الحيض و استمراره فيه بلحاظ النقاء المتخلل يقتضي البناء عليه في أقل الحيض أيضا.

مدفوعة: بأنه لا إشكال في عدم البناء عليه فيه، و لذا لو رأت الدم يومين بينهما يوم نقاء لم يكن المجموع مصداقا لأقل الحيض. بل لا بد في الحكم بحيضية النقاء المتخلل من قابلية الدم الأول لأن يكون حيضا بنفسه، و هو لا يكون إلا باستمراره ثلاثة أيام، لأنه المتيقن من مورد النص.

هذا حاصل ما يقرب به هذا الوجه حسبما يتحصل من مجموع كلماتهم بعد تتميمه بما يقتضيه المقام. و قد أطلنا الكلام فيه لأنه عمدة الوجوه بعد الأصل.

لكنه يشكل بأن وحدة الأمر الاستمراري المقومة لفرديته إنما تكون بعدم

ص: 89

______________________________

انقطاعه إذا لم تكن هناك جهة أخري صالحة لاعتبار وحدته و فرديته، فالطواف مثلا و إن كان أمرا استمراريا إلا أنه حيث لم يشرع إلا السبعة أشواط فوحدته شرعا إنما تكون بإكمال السبع و لو مع تخلل الفصل بين أجزائه، كما أن عدم تخلل الفصل بين الأربعة عشر شوطا لا يوجب كونها طوافا واحدا.

و في المقام حيث كان مبني الحيض علي خروج الدم في نوب متفرقة يقتضيها طبع المزاج فقد تدرك المرأة كون الحيض المتقطع من نوبة واحدة مما تقتضيه طبيعة مزاجها، و أن تقطعه لضعف الدفع أو لوجود المانع، فاعتبار التوالي بالوجه المتقدم موقوف علي كون فردية الحيض و وحدته التي يبتني عليها التحديد بالثلاثة بلحاظ استمراره، لا بلحاظ النوب المشار إليه، و لا قرينة علي حمل دليل التحديد علي الأول.

بل الظاهر انصرافه للثاني، لارتكازية الجهة التي ذكرناها. و لذا لا يشك في بناء العرف- مع قطع النظر عن التحديدات الشرعية- علي أن المرأة التي يتخلل دمها الشهري يوم نقاء مثلا تحيض في شهرها حيضة واحدة متقطعة، لا حيضتين، بخلاف ما لو حاضت في أول الشهر و آخره، فيكون مقتضي الإطلاقات المقامية لنصوص التحديد الحمل عليه.

و لا سيما مع الجري عليه في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال:

إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولي، و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» «1»، و موثقته عنه عليه السّلام: «قال: أقل ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولي، و إذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخري مستقبلة» «2».

لظهورهما في عدّ الدميين في العشرة حيضة واحدة، لا حيضتين، و هو لا يكون إلّا بلحاظ ما ذكرنا. و نحوهما في ذلك صحيحة عبد الرحمن الآتية و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 11.

ص: 90

______________________________

و دعوي: أن المراد بها إلحاق الدم الثاني بالأول في كونه حيضا، لا بيان الوحدة بينهما ليستكشف بذلك ابتناء وحدة الحيض المقومة لفرديته علي أمر غير الاستمرار.

مدفوعة بمخالفة ذلك للظاهر، بل المناسب له الاقتصار علي الحكم بحيضية الثاني، لا الحكم عليه بأنه من الحيضة الأولي بخصوصها.

و من ثم استدل بحديثي محمد بن مسلم علي عدم اعتبار التوالي، لأن مقتضي إطلاقهما أن الدميين في العشرة حيض واحد و إن كان الأول دون الثلاثة، بل يكتفي ببلوغ مجموعهما الثلاثة.

و أما ما يظهر من المعتبر و غيره من أن مضمونها إلحاق الدم الثاني بالحيضة الأولي، و هو إنما يتم مع حيضية الدم الأول، و مقتضي نصوص التحديد عدم حيضيته إلا ببلوغه ثلاثة أيام.

فيدفعه: أن كون الدم المتأخر من الحيضة الأولي مستلزم لكون الدم الأول مهما بلغ بعض الحيضة لإتمامها، و نصوص التحديد إنما تقتضي اعتبار الثلاثة في تمام الحيضة لا في بعضها.

نعم، قد يشكل الاستدلال المذكور بما ذكره الفقيه الهمداني من أن الحديثين بصدد إلحاق الدم بإحدي الحيضتين بعد الفراغ عن تمامية شروط الحيض، و ليسا بصدد بيان شروطه، ليكون لهما إطلاق بنفي اعتبار التوالي فيه.

لكن هذا إنما يمنع مما صدر من غير واحد من الاستدلال بهما علي نفي التوالي، و لا ينافي كشفهما عن أن وحدة الحيض التي هي المعيار في التحديد بالثلاثة بلحاظ النوبة الطبيعية و لو مع التقطع، التي عرفت أنها المنصرف إليها عرفا، دون استمرار خروج الدم.

و لعله لأجل ذلك استدل بعضهم بإطلاق أدلة التحديد بالثلاثة أيام علي عدم اعتبار التوالي.

و إن كان قد يشكل بأن واجدية المتفرق للحد المذكور لا يقتضي الحكم

ص: 91

______________________________

بحيضيته، لعدم سوق أدلة التحديد لبيان حيضية كل دم واجد للحد، بل لبيان عدم حيضية الفاقد له، و لذا لا تنافي أدلة سائر شروط الحيض.

غاية الأمر عدم نهوض أدلة التحديد بنفي حيضية الدم المتفرق، و يحتاج إثبات حيضيته أو نفيها للدليل.

اللهم إلا أن يكون الدليل علي حيضيته هو الدليل علي حيضية المستمر ثلاثة أيام من عموم ما دل علي التحيض برؤية الدم مطلقا أو في العادة أو بالصفات، إذ لا فرق بينهما إلا بلحاظ احتمال اعتبار التوالي لدعوي كونه مقتضي أدلة التحديد، فإذا ظهر قصورها عن ذلك و أن مقتضي إطلاقها عدمه تعين الرجوع في البناء علي حيضية المتفرق إلي ما يرجع إليه في المستمر. و لعل هذا هو مراد من استدل بإطلاق نصوص التحديد.

هذا كله بناء علي اعتبار الاستمرار في الأيام الثلاثة علي تقدير اعتبار التوالي فيها. أما لو قيل بعدم اعتباره و أنه يكفي وجود الدم في كل يوم من الأيام الثلاثة- كما يأتي من غير واحد- فلا يتم الوجه السابق في تقريب ظهور نصوص التحديد في التوالي، لابتنائه علي اعتبار الاستمرار في وحدة الحيض التي هي موضوع التحديد. و حينئذ يكون الاستدلال بإطلاق نصوص التحديد لنفي اعتبار التوالي أظهر. و ما في الروض و غيره من ظهورها في اعتبار التوالي غير ظاهر المأخذ.

هذا و قد استدل الشيخ و من تبعه علي عدم اعتبار التوالي- مع قطع النظر عن الإطلاقات المذكورة- بمرسلة يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في حديث: «فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض، و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت و انتظرت من يوم رأت الدم إلي عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتي يتم لها ثلاثة أيام فذلك الدم الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو الحيض، و إن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيام و لم تر الدم فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن الحيض إنما كان من علة إما قرحة في جوفها و إما من

ص: 92

______________________________

الجوف، فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها، لأنها لم تكن حيضا … و إن تم لها ثلاثة أيام فهو من الحيض، و هو أدني الحيض، و لم يجب عليها القضاء … » «1».

و قد استشكل فيه تارة: بإرسال الخبر. و اخري: بأن راويه عن يونس إسماعيل بن مرار الذي لم ينص علي توثيقه أحد.

و يندفع الأول بما تقدم في مبحث تحديد الكر عن الشيخ و الشهيد (قدس سرهما) من إجماع الطائفة علي العمل بمراسيل يونس، لأنه لا يروي و لا يرسل إلا عن ثقة، المؤيد بما تضمن من الروايات إرجاع الرضا عليه السّلام إليه في معالم الدين «2»، الظاهر في اعتماده عليه السّلام عليه في معرفة أحاديثهم و حسن انتقائه لها، و بما ورد بسند صحيح من تشديده في قبول الروايات و كثرة رده لها حتي قيل له في ذلك فاعتذر بكثرة الكذب عليهم عليهم السّلام «3». فراجع.

و الثاني بأن الظاهر كون روايات إسماعيل من كتب يونس التي حكي عن ابن الوليد تصحيح رواياتها إلا ما رواه محمد بن عيسي عن يونس، كما حكاه بعض مشايخنا.

و بأن الظاهر كون الرجل من رواة كتاب نوادر الحكمة، لوقوعه في سند مؤلفه لرواية في صوم المكاري و إتمامه «4»، مع عدم رواية الأصحاب له في الفقه غير كتاب نوادر الحكمة، و لم يستثنه القميون من رجال الكتاب المذكور كما استثنوا غيره، بنحو يظهر منه أن منشأ الاستثناء عدم ثبوت وثاقة الرجل عندهم، حيث يظهر من ذلك توثيقهم لإسماعيل في الجملة. و بكثرة رواية إبراهيم بن هاشم- الذي هو من الأجلاء، حتي قيل أنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم- عنه فقد نقل بعض مشايخنا أنه روي عنه فيما يزيد عن مائتي مورد، إذ يبعد جدا عدم وثاقته عنده مع ذلك، فإن ذلك كله كاف في استفادة وثاقة إسماعيل، و لا سيما مع ظهور معروفية رواياته بين الأصحاب

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 33، 34، 35.

(3) رجال الكشي طبع النجف الأشرف ص: 195.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.

ص: 93

______________________________

و اعتمادهم عليها في الجملة.

مضافا إلي ظهور اعتماد الكليني و الشيخ و ابن البراج علي الرواية و حكاية الشيخ مضمونها عن بعض الأصحاب.

و أما ما في الروض من طعن الرواية بالشذوذ، فهو لا يرجع إلي محصل. إذ لو أريد به شذوذها بلحاظ روايات الأصحاب، فليس هناك ما ينافيها صريحا، غاية الأمر دعوي انصراف نصوص التحديد للثلاثة المتوالية، و هو لو تم لا يوجب شذوذ الرواية، بل يلزم رفع اليد بها عنه لصراحتها.

و إن أريد به شذوذها عما عليه الأصحاب، فقد اعترف هو بأن اعتبار التوالي مذهب الأكثر، و لم يدع أحد الإجماع عليه، و كيف يمكن دعوي شذوذ رواية عمل بها من عرفت و ظاهر ابن حمزة و المحقق التردد لأجلها.

و اشكل من ذلك ما عن الجامع من أن الكل علي خلافها.

هذا و أما ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه في تقريب عدم منافاتها لما عليه الأكثر، من إمكان دعوي أن قيد التوالي في كلامهم لبيان أقل أيام قعود المرأة و إن لم يستمر فيها الدم، دفعا لتوهم كون النقاء المتخلل طهرا، ليصح مقابلته بأكثر أيام الحيض، حيث يراد به أكثر أيام قعودها و إن لم يستمر فيها الدم، فإن أريد بالأقل أقل أيام الدم لزم إما عدم مراعاة المقابلة بينه و بين الأكثر، أو حمل الأكثر علي خصوص أيام الدم، مع إهمال أكثر أيام القعود.

فهو مخالف للظاهر جدا، لظهور حالهم في الإشارة لمفاد نصوص التحديد الظاهرة في إرادة زمان الدم في طرفي القلة و الكثرة، لأنه المفهوم عرفا من الحيض، بل هو المقطوع به في بعضها كصدر مرسلة يونس المتقدمة «1»، المتضمن تفريع الأكثر و الأقل علي كثرة دم المرأة و قلته. و القعود في غير أيامه لو تم قد تعرضوا له في مقام آخر و استدلوا عليه بنصوص أقل الطهر، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 94

______________________________

و لو حملت نصوص أقل الحيض علي زمان القعود لزم إهمالها لأقل أيام الدم الذي يحتاج لبيانه، كما لزم إهمالهم له تبعا لها، و انحصار الدليل عليه بمرسلة يونس، الدالة علي عدم اعتبار التوالي.

بل بعض كلماتهم كالصريحة في إرادتهم من مورد اعتبار التوالي أيام الدم، حيث تعرضوا في بيان الخلاف فيه للقول بعدم اعتبار التوالي أيام الدم، لا للقول بكون النقاء المتخلل طهرا، كما فرعوا عليه الكلام في كيفية وجود الدم في الأيام الثلاثة.

و من هنا لا مجال لإنكار مخالفة الأكثر لمفاد المرسلة. و لذا ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه أنه يقوي العمل بها، لقوتها دلالة و سندا، لو لا مخالفتها للشهرة العظيمة.

لكن الظاهر عدم موهنية الشهرة المذكورة لها بعد اعتماد من عرفت من القدماء عليها، و لا سيما مع قرب استناد بعض القائلين باعتبار التوالي إلي الاحتياط أو الأصل أو نحوهما من الوجوه الاجتهادية من دون أن يبتني علي اطلاعهم علي ما يوهن الرواية. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

بقي في المقام أمور..
الأمر الأول: أن الذي صرح به الشيخ و نسبه لبعض أصحابنا لزوم كون الثلاثة في ضمن العشرة،

و ظاهر غير واحد المفروغية عنه، بل ادعي الاتفاق عليه في المنتهي، و أن الخلاف إنما هو في لزوم توالي الثلاثة زائدا علي ذلك. و تقتضيه مرسلة يونس المتقدمة.

و ظاهرهم ذلك أيضا فيما إذا كان الدم الأول بقدر أقل الحيض أو أزيد، ففي محكي نهاية الأحكام: «و لا قائل بالالتقاط من جميع الشهر و إن لم يزد مبلغ الدم عن الأكثر» فمرجعه إلي لزوم كون الحيضة الواحدة في ضمن عشرة أيام و إن كانت متقطعة.

لكن ظاهر الحدائق الاكتفاء بعدم فصل أقل الطهر بين الدميين، فلو رأته يومين أو ثلاثة ثم نقيت تسعة أيام ثم رأته خمسة أيام كان المجموع حيضة واحدة فإن مصب كلامه و إن كان هو كون النقاء المتخلل بين الدميين طهرا لا حيضا، إلا أن ظاهره المفروغية عما ذكرناه.

ص: 95

______________________________

و لازمه إمكان تفرق الحيضة الواحدة في واحد و تسعين يوما، بأن تنقي بعد كل يوم تسعة أيام، بناء علي ما هو الظاهر من إمكان التلفيق بين أكثر من دميين، بل بناء علي إمكان التلفيق بين ساعات الدم لا خصوص أيامه يمكن تفرق الحيضة الواحدة في أكثر من ذلك بكثير، بأن تراه كل مرة ربع يوم أو أقل ثم تنقي تسعة أيام و هكذا حتي يكمل لها أكثر الحيض، و هو من البعد بمكان.

و كيف كان، فيظهر منه الاستدلال لذلك بحديثي محمد بن مسلم المتقدمين في الاستدلال علي اعتبار التوالي بأدلة التحديد بثلاثة أيام. و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا طلقها زوجها متي تكون [هي] أملك بنفسها؟ قال: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها.

قلت: فإن عجل الدم عليها قبل أيام قرئها. فقال: إذا كان الدم قبل عشرة أيام فهو أملك بها، و هو من الحيضة التي طهرت منها، و إن كان الدم بعد العشرة أيام فهو من الحيضة الثالثة، و هي أملك بنفسها» «1»، حيث التزم بأن المراد في هذه النصوص من العشرة أيام التي يخرج الدم قبلها هي العشرة من حين انقطاع الدم الأول، لا من حين خروجه، لأن ذلك هو المراد بالعشرة التي يخرج الدم بعدها، لأن كون الثاني حيضة مستقلة عن الأول مشروط بمضي أقل الطهر، فلو حملت العشرة التي يخرج الدم قبلها علي العشرة من حين خروج الدم لزم عدم التطابق بين العشرتين.

و أصرح منها في ذلك الرضوي: «و الحد بين الحيضتين القرء، و هو عشرة أيام بيض، فإن رأت «2» الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولي، و إن رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من الحيضة الثانية» «3».

و أجيب عنه بأن حمل حديثي محمد بن مسلم علي ما ذكره مستلزم لتقييد صدرهما بما إذا لم يتجاوز الدميان العشرة أيام، و ليس هو بأولي من حمل العشرة علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب العدد حديث: 1.

(2) كذا نقل في الحدائق و المستند، و في المطبوع من الرضوي و مستدرك الوسائل: (زاد) و الظاهر أنه تصحيف.

(3) مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 96

______________________________

العشرة من حين رؤية الدم، مع تقييد ذيله بمضي أقل الطهر بين الدميين.

لكنه يشكل بأن تقييد الذيل بمضي أقل الطهر بعيد جدا، لما فيه من إهمال موضوع الإلحاق المذكور في الحديثين عرفا، و جعل الموضوع أمرا آخر غير مذكور، و ليس هو كتقييد الصدر بعدم تجاوز الدميين العشرة، إذ لا يستلزم إهمال موضوع الإلحاق المذكور في الحديثين، بل تقييد مورده.

نعم، بعد التقييد المذكور قد يقرب ما أشرنا إليه آنفا من كون الحديثين بصدد بيان ما يمكن إلحاق الدم به من الحيضتين، لا بصدد فعلية الإلحاق، ليكون ظاهرهما تحديد موضوعه و يتعين حمله علي ما ذكره في الحدائق مع الالتزام بالتقييد المذكور.

و لا أقل من الالتزام بذلك في الفقرة الثانية، لقوله عليه السّلام في صدر الموثقة: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة»، حيث قد يوجب انصراف العشرة فيها إلي العشرة من رؤية الدم كالثلاثة، و تكون قرينة علي إرادة ذلك في الصحيح أيضا، لأن الظاهر أنه بعض منها و يلزم بما ذكرنا.

و بالجملة: إن لم يكن الحديثان ظاهرين في العشرة من حين رؤية الدم فلا أقل من إجمالهما و عدم ظهورهما في العشرة من حين انقطاعه.

و أما صحيح عبد الرحمن فهو ظاهر- بسبب عدم تعيين مبدأ العشرة فيه مع فرض تعجيل الدم قبل القرء في السؤال- في إرادة العشرة قبل أيام القرء التي تكون غالبا بعد مضي أقل الطهر من الدم الأول، لغلبة كون الدم دون العشرة، بل هو المتعين في مورد الصحيح، لتضمنه الترديد في إلحاق الدم الثاني بين الحيضتين الظاهر في المفروغية عن قابلية الحيضة الأولي لذلك من حيثية كمية الدم، فيكون واردا لتحديد تعجيل الحيض الذي تضمنته بعض النصوص، كموثق سماعة: «سألته عن المرأة تري الدم قبل وقت حيضها. فقال: إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت» «1». و قد وقع الكلام بينهم في تحديده تبعا للنصوص.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 97

______________________________

نعم، الظاهر عدم إمكان البناء علي إلحاق الدم بالحيضة الأولي بمجرد تقدمه علي القرء بأكثر من عشرة أيام، بل لا بد إما من تقييده بما إذا كان في ضمن العشرة أيام من حين رؤية الدم الأول- ليطابق القول المشهور- أو من حين انقطاعه- ليطابق ما في الحدائق- أو حمل العشرة فيه علي العشرة بأحد المعنيين السابقين ليطابق أحد القولين أيضا.

و الكل بعيد، لأن الأول- مع ما فيه من إلغاء موضوع الإلحاق المذكور في الصحيح- لا بد فيه من التقييد أيضا بما إذا كان تمام الدميين في ضمن عشرة أيام، و هو لا يناسب مورد السؤال، لظهوره في الفصل المعتد به بينهما، حتي يحتمل كون الثاني حيضة مستقلة و يسأل عنه.

و الثاني- مع ما فيه من إلغاء موضوع الإلحاق أيضا- لا بد فيه من التقييد بما إذا لم يتجاوز الدميان عشرة أيام، و هو بعيد في مفروض السؤال، و هو ما إذا كان كل من الدميين صالحا لأن يكون حيضة تامة، لأن زيادة الحيضة علي خمسة أيام هو الشائع الغالب، فيبعد إرادة ما عداه من الإطلاق.

و الثالث- مع رجوعه إلي أحد الوجهين السابقين، فيستلزم لازمه- مخالف في نفسه لظاهر الصحيح.

فلعل الأقرب حمل كونه من الحيضة السابقة علي كونه حقيقة من بقية دمها الذي لم يخرج بها و إن لم يكن جزءا منها عرفا و لا شرعا، فلا تجري عليه حدودها و لا يحكم بأحكامها، لعدم سوقه لتحديد الحيضة السابقة في مقام النظر لأثرها كي لا يناسب حمله علي بيان أمر واقعي غير شرعي، بل لبيان نفي أثر كونه حيضة مستقلة، و هو بينونة المطلقة به، لأن ذلك هو الجهة المسئول عنها، و هو يجتمع مع كون الإلحاق بالسابقة واقعيا لا شرعيا.

و لا مجال لنظيره في حديثي محمد بن مسلم، لأن تعقيب التفصيل المذكور فيهما لقوله عليه السّلام في الموثقة: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة» ظاهر في كونه من شئون تحديد الحيض ذي الأحكام.

ص: 98

______________________________

و الظاهر أن ما ذكرنا في صحيح عبد الرحمن أقرب مما ذكره فيه شيخنا الأعظم قدّس سرّه من احتمال حمل (من) في قوله: «و هو من الحيضة التي طهرت منها» علي كونها ابتدائية لبيان أن الدم استحاضة ناشئة من الحيضة السابقة، لأن الغالب كون الاستحاضة من توابع الحيض، لا تبعيضية لبيان أنه بعض الحيضة السابقة. قال: «و لا يقدح في ذلك كونها تبعيضية قطعا».

للإشكال فيه بأن (من) حيث وقعت بين الشي ء و سنخه في المقام فظاهرها التبعيض، و يبعد حملها علي الابتدائية، و لا سيما مع استلزامه التفكيك بين الفقرتين.

و كيف كان، فالأخذ بظاهر الصحيح ممتنع في نفسه، و لم يتضح كون التصرف فيه بالنحو المناسب لاستدلال الحدائق عرفيا، ليتجه البناء عليه، فإن أمكن حمله علي ما ذكرنا أو نحوه فهو، و إلا تعين البناء علي إجماله و عدم نهوضه بالاستدلال.

هذا و قد يستدل أيضا بما في ذيل مرسلة يونس المتقدمة من قوله عليه السّلام بعد ما سبق: «و لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام، فإذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت بعد ذلك الدم، و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام، فذلك من الحيض، تدع الصلاة، فإن رأت الدم من أول ما رأته [رأت. خ] الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام و دام عليها، عدت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام، ثم هي مستحاضة» «1»، لأن الحكم فيه بحيضية الثاني مع عدم مضي أقل الطهر بين الدميين لا بد أن لا يبتني علي كونه حيضة مستقلة، بل متمما للحيضة السابقة، كما هو المناسب لقوله عليه السّلام: «عدت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام» فيدل علي المطلوب.

و قد أجاب عن ذلك شيخنا الأعظم قدّس سرّه بأن قوله عليه السّلام: «من يوم طهرت» لما لم يكن قيدا ل (عشرة) لتقدمه عليها «2» لم يصلح بيانا لمبدئها، بل يكون مبدؤها أول

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) لأن الظرف المذكور و إن أمكن تقدمه علي عامله إلا أنه ليس معمولا لعشرة، لأنها اسم جامد، فلا يكون قيدا لها إلا إذا كان تاما متعلقا بكون عام صفة لها، و يمتنع تقدم الصفة علي الموصوف. (منه عفي عنه).

ص: 99

______________________________

رؤية الدم الأول، و يكون المعني: و لم يتم لها من يوم طهرت إلي يوم رؤية الدم الثاني عشرة أيام من أول حيضها. فيدل علي اشتراط حيضية الدم الثاني بكونه في ضمن العشرة من حين رؤية الدم الأول، كما هو المشهور.

و فيه: أن تقدير العشرة بما ذكره بعيد جدا مبتن علي عناية لا إشعار بها في الكلام. بل ظاهره أن مبدأها يوم الطهر، لأن عدم ذكر مبدئها مع شدة الحاجة لبيانه ظاهر في الاتكال علي الظرف المذكور في بيانه و إن لم يكن قيدا للعشرة.

نعم، قال قدّس سرّه: «مع أن حاشية نسخة التهذيب الموجودة عندي المصححة المقروة علي الشيخ الحر العاملي بدل قوله: «طهرت»: «طمثت» و انطباقه علي مذهب المشهور واضح. و يؤيد ما ذكرناه أن الظاهر من العشرة في قوله في الفقرة الثانية تمام العشرة المذكورة في الفقرة الأولي، و لا ريب أن المراد تمام العشرة من مبدأ ظهور الدم الأول، لا من زمان انقطاعه».

و لا يخفي أن النسخة التي ذكرها و إن كانت لا تقتضي إلا سقوط رواية التهذيب باختلاف نسخة، دون رواية الكافي لها علي طبق الوجه الأول، إلا أن اعتضادها بالمؤيد المذكور في كلامه يوجب الريب في رواية الكافي أيضا، إذ لا يمكن توجيهها مع الفقرة الثانية إلا بحمل «تمام العشرة» علي ما يضاف للخمسة التي ذكرت في صدر الرواية بحملها علي خصوص أيام الدم- كما ذكره في الحدائق- و حمل اللام علي العهد الذهني بلحاظ معهودية أن أكثر الحيض عشرة، و هو و إن كان ممكنا إلا أن الوجه الذي ذكره أقرب، بلحاظ تقدم (عشرة) فيكون العهد ذكريا، و التعبير بالتمام الذي فرض عدمه في الفقرة التي هي محل الكلام. فتأمل.

و لا سيما مع ظهور الاضطراب في هذه الفقرات، و عدم مناسبة النسخة الأولي لصدر المرسلة المتقدم الصريح في اعتبار كون الدميين في العشرة، فإنه و إن اختص بأقل الحيض، و اختص الذيل بما زاد عليه، إلا أن بعد التفكيك بينهما في ذلك موهن للنسخة المذكورة و مقرب للثانية. فلاحظ.

ص: 100

______________________________

و قد تحصل من جميع ما تقدم: أن النصوص المستدل بها لما في الحدائق لا تنهض به. علي أنه لو فرض تمامية دلالتها في أنفسها إلا أنه لا مجال للتعويل عليها بعد ظهور إعراض الأصحاب عنها، و ظهور مفروغيتهم عن عدم تفرق الحيضة الواحدة في أكثر من عشرة أيام، لعدم تنبيههم إلا لعود الدم في ضمن العشرة مع شدة احتياجه للتنبيه.

و لا سيما مع تعرضهم للخلاف في اعتبار التوالي في الأقل و تصريحهم بلزوم كونه في ضمن العشرة، بل تقدمت دعوي الإجماع عليه من المنتهي و عن نهاية الأحكام: «و لا قائل بالالتقاط من جميع الشهر و إن لم يزد مبلغ الدم عن الأكثر». إذ يبعد جدا خفاء ذلك علي الأصحاب مع كونه معرضا للابتلاء.

فلا مجال للخروج بهذه النصوص عن المرسلة التي تقدم الاستدلال بها للمشهور.

نعم، قد يقال: لما كانت المرسلة مختصة بأقل الحيض فلا دليل علي امتناع خروج ما زاد عليه عنها. بل مقتضي أدلة التحديد بأن أكثره عشرة إمكانه، بناء علي ما سبق من عدم ظهورها في الاستمرار.

لكن الإنصاف أن من القريب جدا فهم عدم الخصوصية لأقل الحيض في ذلك، و أن تحديد تفرق الدم بالعشرة لأجل أنها منتهي ترامي الحيض، و لذا صار أكثره عشرة. علي أنه سبق قرب حمل العشرة في حديثي محمد بن مسلم علي العشرة من حين رؤية الدم. و لعل المتيقن منهما صورة بلوغ الدم السابق أقل الحيض.

مضافا إلي ما أشرنا إليه من ظهور تسالم الأصحاب علي ذلك، حيث يقرب معه فهمهم ذلك من مجموع النصوص، إذ لو لم يكن إجماعهم حجة في نفسه لم يبعد كشفه عن تمامية دلالة النصوص التي ذكرناها بنحو لا مجال معه للرجوع لاطلاقات أدلة التحديد، خصوصا مع أن لازمه إمكان تفرق الحيض في مدة طويلة جدا، كما سبق.

بل لا إشكال فيما ذكرنا بناء علي حيضية النقاء المتخلل بين الدميين، حيث لا يظن من أحد إمكان كون القعود أكثر من عشرة أيام.

و لعله لذا لم يتصد في الحدائق للتفصيل المذكور، مع أنه مقتضي الجمع بين

ص: 101

______________________________

المرسلة و النصوص التي ذكرها لو تمت دلالتها، لأن النصوص المذكورة بين ما هو مطلق بنظره، كحديثي محمد بن مسلم و ما هو مختص بما إذا كان الدم المنفصل زائدا علي أكثر الحيض، كصحيح عبد الرحمن الظاهر في المفروغية عن تحقق الحيضة السابقة و ذيل المرسلة بناء علي النسخة الأولي.

علي أن تطبيق إطلاقات التحديد علي الدم المتفرق مشروط بإدراك المرأة كون الدميين من حيضة واحدة، لأنها في مقام تحديد الحيض الواحد، لا بيان وحدة الحيض، و هو قد يتم مع قلة الفاصل، و يبعد تحققه بعد العشرة، بل في أثنائها مع طول الفاصل، و إنما بني علي الإلحاق فيما يقع في ضمنها لمرسلة يونس لأنه المتيقن من حديثي محمد بن مسلم. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

الأمر الثاني: لا يبعد اختصاص المرسلة بما إذا كان التلفيق في أقل الحيض بين دميين لا أكثر،

إلا أن ظاهرهم المفروغية عن إمكان التلفيق بين أكثر من دميين في العشرة علي القول بعدم اعتبار التوالي، كما لا إشكال ظاهرا بينهم في ذلك لو بلغ الدم الأول أقل الحيض.

و يقتضيه إطلاق نصوص التحديد بعد حملها علي عدم إرادة الاستمرار، إما لأنه مقتضي إطلاقها، أو بعد تحكيم المرسلة عليها الظاهرة في كون الثلاثة الملفقة من أفراد الواجد للحد الذي دلت عليه النصوص، لا خروجا عنه، ليقتصر علي موردها، كما أنه مقتضي إطلاق حديثي محمد بن مسلم أيضا، اللذين عرفت أن المتيقن منهما ما لو بلغ الدم الأول أقل الحيض.

و من هنا يتجه الاكتفاء في أقل الحيض بالتلفيق من أبعاض اليوم، بل بالساعات- كما جعله في المبسوط و المعتبر و التذكرة و المنتهي و محكي الجامع و نهاية الأحكام مقتضي القول بعدم اعتبار التوالي- لأنه بعد حمل الإطلاق علي محض بيان المقدار، فكما لا يعتبر الاستمرار في مجموع الثلاثة لا يعتبر في كل منهما. و ما في كشف اللثام- و رافقه غيره- من اعتبار كمال الأيام في التلفيق بينها، لأنه المتبادر، في غير محله.

ص: 102

الأمر الثالث: حكم النقاء المتخلل بين الدمين

______________________________

قال في الروض بعد ذكر القول بعدم اعتبار توالي الثلاثة: «و علي هذا القول لو رأت الأول و الخامس و العاشر فالثلاثة حيض لا غير». و مقتضاه كون النقاء المتخلل طهرا لا تثبت فيه أحكام الحيض من القعود عن الصلاة و نحوه.

و نحوه المحكي في كشف اللثام و غيره عن الفخر في شرح الإرشاد و الهادي، و هو الذي جزم به صاحب الحدائق القائل بعدم اعتبار التوالي و قد جعله مفاد مرسلة يونس. و في محكي الجامع و إن ادعي أن الكل علي خلافها.

و استشكل في ذلك في المدارك و كشف اللثام و غيرهما بأنه لا يناسب الإجماع علي أن أقل الطهر عشرة، و لذا يحكم بحيضية النقاء المتخلل لو بلغ الدم الأول ثلاثة أيام. و من هنا صرح في كشف اللثام بالإجماع علي اعتبار التوالي في الثلاثة التي هي أقل الحيض، و عن شرح المفاتيح أن الخلاف إنما هو في اعتبار استمرار الدم ثلاثة أيام في أول الحيض إذا لم تكن أقل الحيض، و أما إذا كانت أقل الحيض فلا بد من استمرارها عند الكل. لكن هذا لا يناسب تعرضهم في أقل الحيض للخلاف في اعتبار التوالي في الثلاثة بنحو يظهر منهم المفروغية عن كون المتفرق علي القول بحيضيته من أفراد أقل الحيض.

اللهم إلا أن يكون نظرهم في التحديد بالثلاثة و الخلاف في اعتبار التوالي إلي أيام الدم الذي هو المعيار في الحيض عرفا، من دون نظر إلي أيام القعود التي لو فرض شمولها للنقاء المتخلل كانت ملحقة بالحيض حكما، و هو خارج عن محل الكلام في التحديد و غيره.

و علي هذا لا مجال لدعوي: أن الثلاثة المتفرقة ليست من أقل الحيض عندهم.

كما لا مجال لنسبة القول باختصاص حكم الحيض بها إليهم من مجرد كونها عندهم من أقل الحيض، لأن عدم حيضية النقاء المتخلل عندهم لا ينافي كونه بحكم الحيض عندهم، بل لا بد في ذلك من النظر في كلماتهم و أدلتهم الأخر.

و كيف كان، فحيث كان الحيض عبارة عن خروج الدم الخاص- كما سبق- كان جريان أحكامه علي النقاء المتخلل موقوفا إما علي صدق الحيض معه عرفا،

ص: 103

______________________________

لاكتفائهم في استمرار الحيضة الواحدة بابتداء دمها في الظهور و عدم انتهائه، أو توسع الشارع في مفهومه بنحو يشمله علي خلاف ما عليه العرف، أو إلحاقه بالحيض حكما مع عدم كونه منه.

أما الأول فلا مجال للبناء عليه بعد الرجوع للعرف و اللغة في معني الحيض.

نعم، قد يحتمل ذلك مع قلة الفترات بالنحو المتعارف في ظهور الحيض، علي ما يأتي الكلام فيه في كيفية رؤية الدم المعتبرة في الأيام الثلاثة إن شاء اللّه تعالي. و لو تم خرج عن محل الكلام و لزم البناء علي حيضيته إجماعا، كما في التذكرة، و كان الكلام في غيره مما لا يصدق معه استمرار الحيض. و منه يظهر أنه لا مجال لما في التذكرة و المنتهي من الاستدلال عليه بأن من شأن الدم التقطع. فلاحظ.

كما أن الثاني مخالف للإطلاق المقامي لأدلة أحكام الحيض القاضي بحملها علي الحيض العرفي. علي أن الحكم في مرسلة يونس المتقدمة علي ثلاثة أيام الدم المتفرقة في ضمن العشرة بأنها أدني الحيض صريح في رد هذين الوجهين. بل لازمهما عدم دلالة نصوص التحديد علي كون أقل الدم ثلاثة أيام، لأن مقتضي إطلاقها الاكتفاء برؤية الدم في أول اليوم الأول و آخر الثالث، لاستمرار الحيض بالمعني المذكور ثلاثة أيام حينئذ، و هو خلاف المقطوع به من النصوص و الفتاوي.

فيتعين الثالث، و حيث كان مخالفا لعموم أحكام الطهر كان محتاجا للدليل.

و قد استدل عليه جملة من الأصحاب بما يأتي من النصوص و الإجماع علي أن أقل الطهر عشرة أيام. و هو مبني علي خروج الشارع الأقدس في مفهوم الطهر في هذه النصوص عما عليه العرف- و هو النقاء من دم الحيض- و إرادته منه الطهارة الشرعية التي هي موضوع الأحكام المعهودة، حيث يمكن عدم تحققها حين النقاء بين الدميين، إذ لو أراد منه الطهر العرفي الصادق علي النقاء المذكور يعلم بقصور التحديد عنه و عدم بقائه علي عمومه.

و الأول مخالف لإطلاق نصوص التحديد المقامي، كما لا يناسب المقابلة

ص: 104

______________________________

في بعض النصوص المذكورة و غيرها بين الطهر و الدم، كقوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلي أن تري الدم» «1»، و في مرسلة يونس الطويلة: «إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة، و إذا رأيت الطهر و لو ساعة من نهار فاغتسلي و صلي» «2».

كما أنه خلاف ظاهر التعبير فيها و في غيرها «3» برؤية الطهر، لظهوره في كون الطهر أمرا يري كالدم، لا أمرا شرعيا غير قابل للرؤية.

كيف و لازم البناء علي إرادة المعني المذكور من نصوص التحديد عدم نهوضها بإثبات لزوم تخلل عشرة أيام بين الحيضتين، بل يمكن كون النقاء بينهما دونها مع كونه بحكم الحيض، لعدم التصدي فيها لتحديد النقاء، بل لتحديد المحكوم بالطهارة منه، بخلاف ما إذا كان المراد بها المعني العرفي المتقدم، إذ حيث يعلم بلزوم الفصل بين الحيضتين، فإذا كان أقل الطهر عشرة أيام لزم تخلله بينهما.

و من هنا لا ينبغي التأمل في أن المراد به في نصوص التحديد معناه العرفي المقابل للحيض، فيختص التحديد بالطهر بين الحيضتين. إما لأجل تخصيص ما تضمن إمكان تفرق الحيضة في ضمن العشرة لعموم التحديد، أو لانصراف العموم لذلك، كما هو صريح جملة من معاقد الإجماعات عليه، و المناسب لجعل موضوعه في بعض نصوصه القرء «4»، المفسر في جملة من النصوص بما بين الحيضتين «5».

و بالجملة: بعد أن كان الطهر عرفا مقابلا للحيض فهو صادق قطعا علي النقاء المتخلل بين الدميين في المقام و يكون دليل إمكان تخلله مخرجا له عن عموم تحديد أقل الطهر تخصيصا أو تخصصا، سواء كان بحكم الحيض أم لم يكن، و لا مجال لتحكيم العموم المذكور فيه لإثبات أحكام الحيض له، فضلا عن نفي كونه طهرا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 4.

(3) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 1.

(5) راجع الوسائل باب: 14 من أبواب العدد.

ص: 105

______________________________

و أما ما في الحدائق من اعتضاد ما ذكره من وقوع الطهر في أقل من عشرة أيام بموثق يونس بن يعقوب أو صحيحه: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة. قال: تدع الصلاة. قلت: فإنها تري الطهر ثلاثة أيام أو أربعة. قال:

تصلي. قلت: فإنها تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة [أيام] قال: تدع الصلاة. قلت: فإنها تري الطهر ثلاثة أيام أو أربعة. قال: تصلي. قلت: فإنها تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة.

قال: تدع الصلاة. تصنع ما بينهما و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلا فهي بمنزلة المستحاضة» «1» و قريب منه حديث أبي بصير «2».

فهو كما تري، لأن حملهما علي كون الدم المتفرق حيضة واحدة مستلزم لزيادة الحيض علي العشرة أيام، و حملهما علي كونه حيضات متعددة مستلزم لكون الطهر بين حيضتين دون العشرة، و لا مجال للبناء عليه. فيتعين حملهما علي صورة اشتباه الحيض بغيره، أو طرحهما، علي ما يأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه تعالي. فالعمدة ما ذكرناه.

و منه يظهر حال ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من الاستدلال بما تضمن تفسير القرء بالطهر، لظهوره- بضميمة ما تضمن تفسير القرء بما بين الحيضتين «3» - في أن الطهر المطلق ليس إلا ما بين الحيضتين، و لا طهر سواه، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: الأقراء هي الأطهار» «4».

لاندفاعه بأنه حيث عرفت أن النقاء المتخلل بين أجزاء الحيضة الواحدة طهر و إن جرت عليه أحكام الحيض فلا مجال لحمل الصحيح علي الطهر المطلق، بل خصوص ما بين الحيضتين منه لبيان خروج العدة بأول الحيضة الثالثة و دفع احتمال كونه نفس الحيضة المستلزم لخروجها بانتهاء الحيضة المذكورة، كما تضمنته جملة من النصوص و حكي عن بعض العامة. و يناسب ما ذكرنا ما في صحيحه الآخر: «قلت

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.

(3) راجع الوسائل باب: 14 من أبواب العدد.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب العدد حديث: 3.

ص: 106

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي أن الأقراء التي سمي اللّه عزّ و جلّ في القرآن إنما هو الطهر فيما بين الحيضتين. فقال: كذب لم يقل برأيه، و لكنه إنما بلغه عن علي عليه السّلام فقلت: أ كان علي عليه السّلام يقول ذلك؟ فقال: نعم،، إنما القرء الطهر الذي يقرء فيه الدم فيجمعه، فإذا جاء المحيض دفعه [دفقه]» «1».

ثم إنه قد يستدل علي ذلك أيضا بما في بعض نصوص الاستبراء من فرض انقطاع الدم مع الشك في الطهر، ففي مرسلة يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري أ طهرت أم لا. قال: تقوم قائما … » «2».

بل يظهر من بعضها أن الطهر يستعمل تارة: في انقطاع الدم. و اخري: في الفراغ من الحيض، و أن موضوع الأحكام الثاني، ففي موثق سماعة عنه عليه السّلام: «قلت له: المرأة تري الطهر و تري الصفرة أو الشي ء فلا تدري أ طهرت أم لا، قال: فإذا كان كذلك فلتقم … » «3».

و يندفع بأن المراد بهما انقطاع الدم عن الخروج للظاهر مع احتمال بقائه في باطن الفرج الذي ينكشف بالاستبراء و أن المعيار في الطهر ذي الأحكام عدم وجوده في باطنه، لا انتهاء الحيضة الذي هو محل الكلام.

بل مقتضي إطلاقهما تحققه بذلك و إن عاد بعد الفصل بالنقاء قبل العشرة لعدم انتهاء الحيضة، و عدم ترتب أحكام الحيض علي النقاء المذكور. و مثلهما في ذلك سائر ما تضمن الأمر بالغسل و الصلاة بانقطاع الدم.

نعم، لو تم الدليل علي ترتب أحكام الحيض علي النقاء المذكور لزم حملها علي غير صورة عود الدم قبل العشرة، أو علي بيان الوظيفة الظاهرية في فرض الجهل بعوده، كما يتعين الثاني فيما تقدم في مرسلة يونس من الأمر بالغسل و الصلاة عند انقطاع الدم بعد اليوم أو اليومين و انتظار عوده، و في مرسلة داود عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب العدد حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 107

______________________________

له: فالمرأة يكون حيضها سبعة أيام أو ثمانية أيام، حيضها دائم مستقيم، ثم تحيض ثلاثة أيام ثم ينقطع عنها الدم و تري البياض لا صفرة و لا دما قال: تغتسل و تصلي.

قلت: تغتسل و تصلي و تصوم ثم يعود الدم. قال: إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة و الصيام. قلت: فإنها تري الدم يوما و تطهر يوما. قال: إذا رأت الدم أمسكت و إذا رأت الطهر صلت، فإذا مضت أيام حيضها و استمر بها الطهر صلت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة. قد انتظمت لك أمرها كله» «1».

و خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن المرأة تري الدم في غير أيام طمثها فتراها [فتراه. ظ] اليوم و اليومين و الساعة و الساعتين و يذهب مثل ذلك كيف تصنع؟ قال: تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم و تغتسل كلما انقطع عنها» «2»، لاختصاص الأخيرتين بالنقاء القليل و فرض احتماله في الأولي، ليست مطلقة قابلة للتقييد بغيره.

لكنه لا ينافي ما ذكرنا من ظهورها بدوا في عدم جريان أحكام الحيض علي النقاء، لأن حمل المطلق علي المقيد و الكلام علي الوظيفة الظاهرية التي يؤخذ الجهل في موضوعها مخالف لظاهرهما.

هذا و قد استدل سيدنا المصنف قدّس سرّه علي عدم جريان أحكام الحيض علي النقاء بما تقدم في مرسلة يونس من قوله عليه السّلام: «و إن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتي يتم لها ثلاثة أيام فذلك الدم الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض» لظهوره في اختصاص الحيض بأيام الدم.

أقول: بل قوله عليه السّلام بعد ذلك: «و هو أدني الحيض» صريح في ذلك.

إلا أنه لا يصلح للاستدلال، لما عرفت من عدم احتمال كون النقاء حيضا، بل غاية الأمر أنه طهر بحكم الحيض، و لا تنفيه المرسلة، لأنها بصدد تحديد نفس

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 8.

ص: 108

______________________________

الحيض، لا تحديد موضوع أحكامه و لو كان أعم منه.

كما استدل صاحب الحدائق علي ذلك بالنصوص التي تقدم منه الاستدلال بها علي عدم لزوم كون الحيضة الواحدة في عشرة أيام، و الاكتفاء بعدم الفصل بين الدميين بعشرة، بدعوي: أنه لو كان النقاء حيضا لزم زيادة الحيض علي عشرة أيام، و هو باطل إجماعا و نصا. و في الجواهر أنه كيف ساغ له الإقدام علي تخصيص قاعدة أقل الطهر و قصرها علي ما بين الحيضتين و لم يسغ له الإقدام علي نقض قاعدة أكثرية الحيض حتي جعل لزوم بطلانها شاهدا له علي مدعاه، مع أن منشأهما واحد.

لكنه كما تري، للفرق بين القاعدتين في وضوح العموم و خفائه قطعا.

علي أنه بملاحظة ما سبق من أن الحيض أيام الدم و الطهر أيام النقاء يتضح أن قاعدة تحديد الطهر بالعشرة لا يراد منها العموم قطعا، بل تقصر عن النقاء المتخلل بين أجزاء الحيضة الواحدة و إن لم نقل بجريان أحكام الحيض عليه، و أن جريان أحكام الحيض علي النقاء في مفروض كلام صاحب الحدائق لا يستلزم زيادة الحيض علي عشرة، بل زيادة أيام القعود عليها، و هو- كزيادة نفس الحيض- لا يظن من أحد احتماله فضلا عن القول به.

نعم، سبق الاشكال في حمل النصوص المذكورة علي ما ذكره و العمل بها فيه.

فراجع.

فالعمدة في الدليل علي عدم جريان أحكام الحيض علي النقاء المذكور ما أشرنا إليه من عموم أحكام الطهر، و إطلاق ما تضمن الأمر بالغسل و الصلاة عند انقطاع الدم الظاهر في الحكم الواقعي، و قد عرفت عدم نهوض الأخبار المستدل بها علي حيضيته بالخروج عن ذلك.

كما لا مجال للاستدلال عليه بأن لازم جريان حكم الطهر علي النقاء إمكان عدم مانعية الحيض من الصلاة، كما لو فرض عدم استيعاب الدم المتقطع في كل نوبة لوقت الفريضة. إذ لا محذور في الالتزام بذلك، و لا سيما مع ندرة الفرض المذكور

ص: 109

______________________________

بالنحو المانع من وضوح حكمه من السيرة و نحوها علي خلاف مقتضي الأدلة.

فالعمدة في الدليل علي ذلك الإجماع الذي قد يستفاد من استيعاب كلماتهم، فقد ادعي الإجماع في الخلاف و التذكرة و ظاهر المنتهي علي أنه إذا انقطع الدم بعد الثلاثة و عاد قبل العشرة كان مجموع الدم و النقاء المتخلل حيضا، في قبال بعض العامة المقتصرين في الحيضية علي الدم، و عن شرح المفاتيح أنه لم ينقل في ذلك خلاف.

و يؤيده إرساله في كلام بعضهم إرسال المسلمات، بل تصريح جملة منهم بذلك في النفاس، كما في المبسوط و الخلاف و السّرائر و المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و غيرها، و عن كشف الالتباس نسبته لسائر عبارات الأصحاب و عن مجمع البرهان الإجماع عليه، مع أن غاية الدليل لهم في النفاس إلحاقه بالحيض. فإن المستفاد من مجموع ذلك مفروغيتهم عن أن النقاء المتخلل للدم في ضمن العشرة بحكم الدم.

و دعوي: اختصاص معقد الإجماع المتقدم- ككلماتهم المتقدمة بما إذا كان الدم الأول ثلاثة أيام، و لا يشمل النقاء المتخلل للثلاثة- بناء علي عدم اعتبار التوالي فيها- الذي هو محل الكلام، و سبق ظهور مرسلة يونس في كونه بحكم الطهر.

مدفوعة بأن الظاهر كون اختصاص معقد الإجماع بذلك لأنه مورد كلام مدعيه، أو لبنائه علي اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض، لا لخصوصيته فيه، كما يناسبه استدلالهم عليه بأن أقل الطهر عشرة، و ظهور جملة من عباراتهم في أن مرجع القول بعدم اعتبار التوالي إلي حيضية النقاء مع الدم، ففي الوسيلة أنه لو تفرقت ثلاثة الدم في ضمن عشرة أيام كان جميع العشرة بحكم الحيض في إحدي الروايتين، و نحوه عن المعتبر و التذكرة، و في المنتهي: «و احتسب النقاء من الحيض عند القائلين بالتلفيق مطلقا، و عندنا بشرط أن يتقدمه حيض صحيح».

و ربما كان هذا هو الوجه لما تقدم عن الجامع من أنها لو رأت الدم ثلاثة متفرقة كانت وحدها حيضا علي رواية يونس، و علي خلافها الكل، حيث لا يبعد كون مراده

ص: 110

______________________________

مخالفة الكل للرواية في اختصاص الحيض بالدم المتفرق، لا في حيضيته التي سبق ظهور القائل بها منهم.

نعم، تقدم من الروض و عن غيره أن مقتضي القول بعدم اعتبار التوالي في الثلاثة حيضية أيام الدم وحدها، و في المنتهي: «إذا قلنا بالتلفيق فكل قدر من الدم لا يجعل حيضا تاما، و كذا كل قدر من الطهر، لكن جميع الدماء حيض واحد يفرق، و جميع النقاء طهر كامل واحد، حتي أن العدة لا ينقضي بعود الدم ثلاث مرات، و لو كان كل قدر من النقاء طهرا كاملا خرجت العدة بعد ثلاثة»، و نحوه عن نهاية الأحكام، فإنه صريح في أن النقاء المتفرق طهر لا حيض.

لكن لا يبعد عدم ابتناء كلام الأولين علي الاطلاع علي كلام القائلين بعدم اعتبار التوالي حسا، بل علي محض الاجتهاد منهم في لازم القول المذكور تبعا لدليله، و هو مرسلة يونس التي عرفت ظهورها في عدم جريان حكم الحيض علي النقاء.

و كلام المنتهي لا يناسب تصريحاته بحيضية النقاء، فلا يبعد كون مراده نفي كون النقاءات أطهارا متعددة حتي علي القول بطهرية النقاء الذي حكاه عن بعض العامة- كما احتمله شيخنا الأعظم قدّس سرّه لا الحكم منه بكونه طهرا.

كيف و قد نبه في الفرع الثاني لعدم وجوب الغسل بانقطاع الدم الأول إذا لم يغمس القطنة، بل الوضوء و الصلاة، لأنه إن لم يعد بعد ذلك لم يكن الدم حيضا، بل استحاضة حكمها الوضوء، و إن عاد تبين أن الزمان حيض، بناء علي ما سبق منه من حيضية النقاء، فلا يشرع فيه الغسل.

و من هنا لا مجال لإخلال ذلك بدعوي الإجماع السابقة.

نعم، يشكل التعويل عليه في الخروج عن ظاهر الأدلة المتقدمة، لعدم وضوح كونه إجماعا تعبديا، بل من القريب جدا استنادهم فيه لقاعدة أن أقل الطهر عشرة المجمع عليه عندنا، كما تكرر في كلماتهم الاستدلال به، و حيث سبق عدم نهوضها بالمدعي لم ينهض الإجماع المبتني عليها بالاستدلال عليه.

ص: 111

______________________________

و لا سيما مع أن الآثار العملية لذلك- كقضاء الصوم و عدم وجوب الغسل بانقطاع الدم الأول لو لم يغمس القطنة- ليست شايعة الابتلاء بنحو يتضح لأجله قيام السيرة عليها لتعضد الإجماع المدعي و تكشف عن اتصاله بعصر المعصومين عليهم السّلام و جري من لم يصرح بمقتضاه عليه، لا علي ظاهر الأدلة القاضية بجريان أحكام الطهر علي النقاء.

و من هنا يصعب الخروج عن الظاهر المذكور، و البناء علي جريان أحكام الحيض علي النقاء، فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

الأمر الرابع: لما كانت مرسلة يونس مختصة بما إذا كان تفرق الدم في أيام العادة فقد مال في الحدائق إلي تقييدها لإطلاق حديثي محمد بن مسلم

بناء علي كونهما من أدلة المسألة- و كونها شاهد جمع بينهما و بين الرضوي المتقدم الصريح في اعتبار التوالي بحمله علي غير أيام العادة، و إن اعترف بأن ظاهر الأصحاب عموم النزاع في اعتبار التوالي لأيام العادة و غيرها.

و يشكل بأن المرسلة لا تصلح لتقييد حديثي محمد بن مسلم، لعدم التنافي بينهما و بينها مع اتفاقهما في الإثبات. و الرضوي ضعيف في نفسه فلا ينهض بمعارضة الحديثين لتكون المرسلة شاهد جمع بينهما و بينه.

نعم، سبق الإشكال في الاستدلال بحديثي محمد بن مسلم. فالظاهر أن وجه التعميم إلغاء خصوصية مورد المرسلة عرفا، و أنه إذا أمكن تقطع الحيض في العادة أمكن في غيرها.

و لا سيما مع كون مقتضي إطلاق حديثي محمد بن مسلم إمكان تقطع الحيض بعد الثلاثة و لو في غير العادة. و خصوصا مع تطبيق أقل الحيض عليه في المرسلة، حيث يظهر منه كون المراد بالأقل ما يعم المتقطع.

مضافا إلي اعتضادها بإطلاق نصوص التحديد بناء علي ما سبق من شموله للمتقطع. و بالجملة: لا ينبغي التأمل بعد ملاحظة إطلاق نصوص التحديد و إعمال الفهم العرفي في المرسلة في عدم اختصاص التقطع في أقل الحيض بأيام العادة.

ص: 112

الأمر الخامس: لا إشكال في وجوب الغسل إذا زاد الدم الأول علي مقدار الاستحاضة القليلة.

______________________________

و أما إذا كان بقدرها بأن لم يغمس القطنة فلا يجب الغسل بانقطاعه، بناء علي حيضية النقاء المتخلل، لما تقدم من العلامة من تردد الأمر بين الاستحاضة التي يجب بها الوضوء و بقاء حكم الحيض المانع من الغسل و به يرفع اليد عن إطلاق المرسلة.

أما بناء علي أن النقاء طهر، فحيث يحتمل حيضية الدم يحتمل مشروعية الغسل، فيجب بمقتضي إطلاق المرسلة المحمول علي التعبد ظاهرا بحيضية الدم، لقاعدة الإمكان أو نحوها، و لذا وجب ترك الصلاة برؤيته.

فلا مجال لما في الروض من وجوب الوضوء خاصة لاحتمال كونه استحاضة، فلو عاد الدم بعد ذلك في ضمن العشرة انكشف بطلانه.

و مثله قوله: «و لو اغتسلت للأولين احتياطا ففي إجزائه نظر». إذ هو مبني علي اعتبار الجزم بالنية في الغسل الذي هو خلاف التحقيق، و لا سيما مع تعذر معرفة الحال.

نعم، مقتضي القاعدة أنه لو لم يعد الدم بنحو يتم به أقل الحيض انكشف عدم مشروعية الغسل فلا يجزي للصلاة. و لم ينبه لذلك في المرسلة. فلا بد من حملها إما علي الدم الذي يغمس القطنة، أو علي إجزاء الغسل في الفرض تعبدا، أو علي فرض ضم الوضوء للغسل استحبابا، أو لعدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء.

و لعل الأقرب الأخير. فتأمل.

الأمر السادس: الظاهر أنه بناء علي اعتبار التوالي في الأيام الثلاثة فاللازم كونها في أول الحيض،

و لا يكفي كونها في وسطه، فلو رأت الدم يوما ثم نقت يوما ثم رأت الدم ثلاثة أيام لم يحكم بإلحاق اليوم الأول بثلاثة الحيض، و إن حكاه في الجواهر عن بعض المحصلين من معاصريه.

لأنه إن بني علي ظهور نصوص التحديد في التوالي و العمل بها كان إلحاق المتقطع محتاجا للدليل، و المتيقن من دليله- و هو حديثا محمد بن مسلم و صحيح

ص: 113

و لو في باطن الفرج (1). و ليلة الأول كليلة الرابع خارجتان، و الليلتان المتوسطتان داخلتان (2).

______________________________

عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و الإجماع- هو إلحاق المتأخر عن الثلاثة دون المتقدم. و إن بني علي عدم ظهورها فيه أو رفع اليد عنها في ذلك بمرسلة يونس لزم عدم اعتبار توالي الثلاثة مطلقا حتي في وسط الحيض. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

الكلام في الليالي

(1) أما بناء علي ما سبق منه قدّس سرّه من الاكتفاء بنزول الدم لباطن الفرج في حدوث الحيض و ترتب أحكامه فظاهر.

و أما بناء علي اعتبار خروجه للظاهر في حدوثه فالظاهر عدم الإشكال بينهم في عدم اعتباره في بقائه، بل يكفي خروجه لباطن الفرج لابتناء الحيض علي ذلك، فتنصرف إليه نصوص التحديد.

و لذا اكتفي به هنا من لم يكتف به هناك. و أما الاستدلال بنصوص الاستبراء «1» الصريحة في عدم الطهر مع بقاء شي ء من الدم في داخل الفرج.

فقد يشكل بأنها حيث كانت واردة في الحائض و التي لا تعلم بطهرها من الحيض فالمتيقن منها ما إذا صدق الحيض منها، لاستمرار الدم ثلاثة أيام، و لا تدل علي الاكتفاء به في تحقق الحدّ المذكور الموقوف عليه صدق الحيض. و لا سيما بناء علي ما سبق منهم من أن عدم الطهر أعم من خروج الدم الذي يعتبر فيه الحد المذكور.

و إن سبق المنع منه.

(2) كما في كشف اللثام و الرياض و المستند و الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيرها، و نفي في المستند الخلاف في دخول الليلتين المتوسطتين و استظهر ذلك في الرياض. لكن اعتبر الأيام الثلاثة بلياليها في التذكرة و المنتهي و جامع المقاصد و الروض و محكي ابن الجنيد، بل نفي الخلاف فيه في التذكرة، و ادعي الإجماع عليه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض.

ص: 114

______________________________

في المنتهي، و نسبه لظاهر الأصحاب في محكي الذخيرة، و نفي الريب فيه في جامع المقاصد، مدعيا دلالة بعض أخبار العامة عليه، كما نسبه لبعض الأخبار في الروض.

نعم، احتمل غير واحد خروج الليالي عن مقعد الإجماع و نفي الخلاف في التذكرة و المنتهي. و هو- كما تري- مخالف للظاهر.

و مثله ما في الجواهر من حمل كلام جميع من سبق- عدا الذخيرة- علي خصوص الليلتين المتوسطتين. قال: «و إلا للزم أن يكون أقل الحيض أربعة أيام و ثلاثة ليالي لو فرض رؤيتها الدم صبح الخميس لعدم صدق الأيام بلياليها بدون ذلك، لأن المفروض كون ليلة الخميس بياضا. أو يجعل يوم الخميس ليلته ليلة الجمعة، و يوم الجمعة ليلته ليلة السبت، و يوم السبت ليلته ليلة الأحد. و هما معا كما تري».

للإشكال فيه بأن جمعهم الليالي مع الأيام ظاهر في إرادة مجموع اليوم و الليلة في كل منها الراجع لتثليث الليالي كالأيام، كما يناسبه ما في جامع المقاصد و الروض من ابتنائه علي دخول الليلة في مسمي اليوم أو علي التغليب.

و إنما يكتفي بثلاثة أيام في الفرض الذي ذكره إما لإرادتهم من إضافة الليلة لليوم مطلق الليلة مع اليوم، لا خصوص ليلته، أو للاكتفاء بالتلفيق نظير التلفيق في أبعاض اليوم.

فلا ينبغي التأمل في ظهور كلام من سبق في إلحاق الليالي.

و كيف كان، فلا ينبغي التأمل في ظهور اليوم في نفسه فيما يقابل الليل. و لا مجال لما تقدم من جامع المقاصد و الروض من احتمال عمومه له، فحمله علي ما يعمه تغليبا- نظير قولنا: الشهر ثلاثون يوما- يحتاج إلي قرينة.

و حينئذ نقول: أما بناء علي اعتبار الاستمرار في أقل الحيض فاليوم في نصوص التحديد..

تارة: يحمل علي ما يقابل الليل، مع تنزيله علي محض بيان المقدار من دون خصوصية لبياضه، بنحو يتم الحد بمقداره من الليل. و لازمه الاجتزاء بيومين و ليلة

ص: 115

______________________________

و بيوم و ليلتين.

و اخري: علي ذلك مع المحافظة علي خصوصية بياضه. و لازمه إلحاق الليلتين المتوسطتين محافظة علي الاستمرار، بل الليالي الثلاثة مع عدم كون مبدأ الدم أول النهار، دون الليلة المتطرفة، لعدم توقف الاستمرار عليها.

و ثالثة: علي ما يعم الليل تغليبا. و لازمه اعتبار ثلاثة أيام و ثلاث ليال مطلقا و مع قطع النظر عن الاستمرار.

و الأول بعيد جدا، بل هو خلاف المقطوع به من النصوص و عبارات الأصحاب، لاستلزامه عدم توقف أقل الحيض علي أيام ثلاثة أصلا، و لا مناسبة مصححة لاختيارها في التحديد.

و الثاني و إن كان أنسب بالمحافظة علي المعني الحقيقي لليوم في الإلحاق و الاقتصار في الإلحاق علي المتيقن، كما التزموا بنظيره في ثلاثة الخيار و الاعتكاف و عشرة الإقامة و غيرها.

إلّا أن الثالث هو الأقرب في خصوص المقام، لظهور أن الأقل لما كان هو أحد طرفي الشي ء لم يكن قابلا للزيادة و النقصان، فلا مجال لتحديده بما يقابلهما، كما هو مقتضي الوجه الثاني، حيث يستلزم اختلافه باختلاف مبدئه، فإن خرج في أول اليوم كان مقداره أقل مما إذا خرج في نصف الليل، و هو أقل مما إذا خرج في أول الليل أو أثناء النهار، بل يلزم تحديده بما لا يقبلهما، كما هو مقتضي الوجه الثالث.

نعم، لو لم يكن لسان التحديد بيان أقل الحيض، بل بيان أقل ما يستوعبه من الأيام كسائر خواصه، أمكن حمله علي الوجه الثاني، و لا يضر بذلك قبوله للزيادة و النقصان، لعدم التصدي فيه لتحديد مقداره. لكنه لا يناسب لسان النصوص.

بل لا يناسب واقع الحيض، لعدم خصوصية بياض الأيام فيه ارتكازا، بل المناسب له خصوصية المقدار و الأمد.

و لا سيما بملاحظة مرسلة يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أدني الطهر

ص: 116

______________________________

عشرة أيام. و ذلك أن المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم فيكون حيضها عشرة أيام، فلا تزال كلما كبرت نقصت حتي ترجع إلي ثلاثة أيام، فإذا رجعت إلي ثلاثة أيام ارتفع حيضها، و لا يكون أقل من ثلاثة أيام» «1».

لصراحتها في تبعية التحديد لكثرة الدم و قلته، لا لخصوصية بياض اليوم.

و بهذا افترق المقام عن الخيار و الإقامة و نحوهما مما كان مرجع تحديده بالأيام إلي تحديد الحكم الشرعي أو موضوعه القابلين للزيادة و النقصان، لا إلي تحديد أمر واقعي لا يقبلهما.

و منه يظهر الحال بناء علي عدم اعتبار الاستمرار، إذ بعد تعذر الحمل علي الوجه الأول فالحمل علي الوجه الثاني مستلزم لخروج الليالي مطلقا، المستلزم خروج صورة الاستمرار التي هي شايعة عن أقل الحيض، و يرجع التحديد إلي بيان ما يستوعبه الحيض من الأيام، الذي عرفت أنه بعيد في نفسه غير مناسب للسان النصوص، فيتعين الثالث.

و لعل هذا هو الوجه في جزم المحقق و الشهيد الثانيين به مع عدم جزمهما بدخول الليل في مسمي اليوم، بل احتمال كونه مرادا منه تغليبا مع وضوح أن الثاني مخالف للأصل.

و لأجل ما ذكرنا لم يبعد انصراف إطلاق اليوم في كلام جملة من الأصحاب لما يعم الليل. و لعله لذا نسبه لظاهر الأصحاب في محكي الذخيرة.

كما لعله الوجه في دعوي الإجماع و عدم الريب في كلام من سبق، مع عدم حكاية التصريح به عن أحد من القدماء غير ابن الجنيد.

نعم، الوجه المذكور بناء علي عدم اعتبار الاستمرار مستلزم لاعتبار استيعاب الدم للأيام، أما لو اكتفي بوجوده في كل منها في الجملة لزم البناء علي عدم ورود النصوص لبيان كم الحيض و مقداره، بل مجرد لزوم وقوعه في الأيام الثلاثة.

و حينئذ لا وجه لإلحاق الليالي- الراجع إلي الاكتفاء بوقوعه فيها دون الأيام

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 117

و لا يكفي وجوده في بعض كل يوم من الثلاثة (1)،

______________________________

- بعد خروجها عن مسمي الأيام. و من هنا يتجه الإشكال علي الشهيد الثاني في الروض، حيث جمع بين الأمرين.

مقدار خروج الدم في اليوم

(1) بعد البناء علي اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض فظاهر المسالك و الروض و المدارك الاكتفاء برؤيته في بعض كل يوم من الثلاثة، و استقر به في الحدائق و عن شرح المفاتيح و محكي الذخيرة. و في كشف اللثام: «و هو مناسب للمشهور من عدم التشطير» «1» و نسب لظاهر الأكثر في المدارك و عن شرح المفاتيح و محكي الذخيرة، و في الأخير أنهم يشترطون أن تكون رؤية معتدا بها عرفا.

و أشار شيخنا الأعظم قدّس سرّه للاستدلال عليه بما تقدم في موثق سماعة من فرض قعود البكر في أول طمثها يومين «2» بحمله علي القعود عن الصلاة يومين مع زيادة الحيض عليهما بالدخول في الثالث- كما لو رأت الدم بعد الظهر بمقدار صلاة الظهرين من يوم الجمعة و انقطع عصر الأحد- فيدل علي عدم لزوم استيعاب الثالث.

لكنه كما تري، لظهوره في تبعية القعود للطمث في كونه يومين تارة و ثلاثة أخري، فهو ظاهر في إمكان كون الحيض يومين- كما سبق- و عدم إمكان العمل به في ذلك لا يقتضي حجيته فيما ذكره بعد أن لم يكن مقتضي الجمع العرفي.

نعم، ظاهر غير واحد الاستدلال باطلاق نصوص التحديد، قال في الروض:

«لصدق رؤيته ثلاثة أيام، لأنها ظرف، و لا تجب المطابقة بين الظرف و المظروف».

لكنه يشكل بأن ظاهر النصوص تحديد الدم و تقديره بالثلاثة، لا مجرد كونه فيها، فاللازم مطابقته لها و عدم قصوره عنها، كما نبه له غير واحد.

و أما ما عن حاشية الروض بما تقدم في مرسلة يونس من قوله عليه السّلام: «فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها … ». فلعله بلحاظ ظهوره في كون الأيام ظرفا لا حدا.

______________________________

(1) لم يتضح المراد به.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1. و تقدم عند الكلام في أقل الحيض.

ص: 118

______________________________

لكنه يندفع بأن كون أيام العادة ظرفا للدم لا ينافي كون الثلاثة حدا له، كما تضمنته المرسلة نفسها، بل قوله عليه السّلام: «فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام … » صريح في اعتبار استيعاب الدم لليوم.

و مثله الاستدلال بإطلاق مفهوم الرضوي: «و إن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات» «1».

لأنه و إن كان ظاهرا في كون الثلاث ظرفا للرؤية، إلا أنه- مع ضعفه في نفسه- يلزم تقييده بنصوص التحديد- و منها صدره- الظاهرة في كونها حدا للدم المرئي و للحيض.

كما لا مجال لنسبته لظاهر الأكثر بعد ما يأتي من كلماتهم، و كذا ما في التذكرة و المنتهي من جعل القول بأن أقل الحيض يومان و نصف في قبال قول الأصحاب بأن أقله ثلاثة.

و كأنه لذلك ذكر في الروض أنه ربما يعتبر وجوده في أول الأول، و آخر الثالث و أي جزء من الثاني، و نسبه غير واحد لبعض الأصحاب أو بعض متأخريهم «2»، و لم يستبعده البهائي في الحبل المتين و محكي حاشية الاستبصار، و قواه في المستند.

قال في الأولين: «إذ لو لم يعتبر وجوده في الطرفين المذكورين لم يكن الأقل ما جعله الشارع أقل».

و إليه يرجع ما في المستند من أن المتبادر من نصوص التحديد عدم تحقق الحائضية في أقل من ثلاثة أيام.

قال: «و أظهر منه في ذلك المعني قوله في موثقة ابن بكير: ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة و تجلس أقل ما يكون من الطمث، و هو ثلاثة أيام.

الحديث «3». فإن المتبادر … ثلاثة أيام تامة، لصحة السلب عن الأقل و لو بدقيقة … ».

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 119

و يندفع بأن كثرة الحيض و قلته إنما هي بطول أمد خروج الدم و قصره،

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) حكاه غير واحد عن السيد حسن بن السيد جعفر معاصر الشهيد الثاني.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 119

______________________________

لا بكثرة الفاصل بين طرفيه مع انقطاعه في الوسط.

إلا أن يعمم الحيض للنقاء المتخلل، بناء علي حيضيته، و لازمه عدم اعتبار خروجه في اليوم الثاني، كما تقدم في أول الكلام في حكم النقاء المتخلل.

و أما الموثق فلسانه مقارب للسان بقية النصوص، و لا يتضح وجه أظهريته منها.

و من هنا كان اللازم استيعاب الدم لليوم و استمراره فيه، كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب، لتعبيرهم بعبارات النصوص.

بل هو كالصريح مما ذكره جملة سبق التعرض لهم من الاكتفاء بالتلفيق بالساعات حتي تتم ثلاثة أيام في ضمن العشرة بناء علي عدم اعتبار التوالي و عدم الاكتفاء به بناء علي اعتباره، و ما في كلام بعضهم من تقييد الأيام بالكاملة، و ما في الغنية و السرائر و محكي الكافي من التعبير في بعض فروع أقل الحيض بالاستمرار، بل صرح به في جامع المقاصد و محكي المحرر لابن فهد و غاية المرام و غيرها، و حكي عن ظاهر الإسكافي، و في محكي الجامع: «لو رأت يومين و نصفا لم يكن حيضا، لأنه لم يستمر ثلاثة أيام بلا خلاف».

بل سبق أن عمدة الدليل علي اعتبار التوالي يبتني علي اعتبار الاستمرار في وحدة الحيض.

هذا و قد ذكر جمال الدين في حاشيته علي الروضة بعد أن مال إلي أن القول الأول مقتضي إطلاق النصوص أنه لا ريب في تحيض المرأة بالدم المتقطع مع عدم خروجه في فترات التقطع عن الوجه المتعارف لها كثيرا، و أما مع خروجه عن متعارفها بوجه معتد به مع كونه بصفات الحيض فيحتمل تحيضها به عملا بإطلاق دليلي التحديد و الصفات، و عدمه اقتصارا في الحكم بسقوط العبارات و العدة علي المتيقن.

و هو كما تري، إذ مع فرض شمول إطلاق نصوص التحديد لغير المستوعب لليوم- كما هو مقتضي الظرفية- لا ينهض التعارف الشخصي للخروج عنه، و لا سيما مع واجديته للصفات، و مع فرض ظهورها في الاستيعاب لا يحكم بحيضية غير

ص: 120

______________________________

المستوعب من أول الأمر، فلا ينعقد لها التعارف فيه. إلا أن يعلم بحيضية الدم، فيأتي فيه ما يأتي فيما لو علم بحيضية الفاقد للحدّ إن شاء اللّه تعالي.

نعم، قال في التذكرة في مسألة اعتبار التوالي بعد ذكر الخلاف في التلفيق بين الدميين و في حيضية النقاء المتخلل: «و موضع الخلاف ما إذا كانت أزمنة النقاء زائدة علي الفترات المعتادة بين دفعات الدم، فإن لم يزد عليها فالجميع حيض إجماعا» و نحوه عن المنتهي و نهاية الأحكام بلا دعوي للإجماع.

فإن كان مراده به الاعتياد الشخصي للمرأة جري فيه ما تقدم في كلام جمال الدين. لكن يبعده ما سبق منه مما يظهر منه اعتبار الاستمرار مطلقا.

و لعله لذا قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه في توجيهه: «مرادنا من التوالي عدم تخلل النقاء و استمرار التقاطر من الرحم عرفا و لو لم يخرج للخارج. و لذا فرق في نهاية الأحكام و التذكرة بين الفترات و ما يتخلل من ساعات النقاء بين الثلاثة- علي القول بعدم اشتراط التوالي- بأن دم الحيض يجتمع في الرحم، ثم يقطره الرحم شيئا فشيئا.

فالفترة ما بين ظهور دفعة و انتهاء أخري من الرحم إلي المنفذ، فإذا زاد علي تلك فهو النقاء. انتهي. لكنه لا يخلو من منافاة لتفسير الاستمرار بتلطخ الكرسف كلما وضعت.

إلا أن يقيد بما بعد الصبر هنيئة».

و قريب إليه ما أشار إليه في الرياض. و قد يرجع إليه ما في العروة الوثقي من كفاية الاستمرار العرفي.

و هو يبتني علي أن مبني الحيض علي التقطع في الخروج من الرحم و لو لداخل الفرج، فلا يخل التقطع المذكور باستمراره عرفا، و يلزم تنزيل إطلاق نصوص التحديد عليه، حيث لا يكون الاستمرار فيه تسامحيا، بل حقيقيا بنظر العرف، و إلا لزم حمل النصوص علي ما لا يتعارف خارجا، و لا تناسبه إطلاقاتها المقامية.

لكن ابتناء الحيض علي التقطع غير ثابت، بل لا يبعد ابتناؤه علي الاستمرار الحقيقي، بحيث كلما أدخلت القطنة تلوثت، فيلزم اعتبار ذلك. غايته بعد المبالغة في إدخالها كما

ص: 121

و لا مع انقطاعه في الليل (1). و يكفي التلفيق من أبعاض اليوم (2).

______________________________

يظهر من نصوص الاستبراء «1». و الأمر محتاج للفحص، و المناسب إيكاله للنساء.

و أما ما يظهر من الجواهر من الاكتفاء ببقاء الدم في باطن الرحم، حيث نزل عليه كلام العلامة المتقدم.

فهو ممنوع جدا، لعدم إدراك ذلك عرفا، فلا تنزل النصوص عليه. إلا أن يرجع إلي ما ذكرناه من معهودية الفترات في خروج الحيض، و لو لما تقدم عن العلامة، فيبني علي ما تقدم.

ثم أنه مما ذكرنا يظهر أنه بناء علي عدم اعتبار التوالي فلا بد من إكمال ثلاثة أيام بلياليها في ضمن العشرة. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) يظهر وجهه مما تقدم في دخول الليالي في التحديد.

(2) كما قواه شيخنا الأعظم قدّس سرّه و استظهر في المستند عدم الخلاف فيه، و في الجواهر: «لا يبعد جريان التلفيق الذي يعده أهل العرف كالحقيقي … كأن يكون قد جاء الدم عند الظهر و انقطع في الثالث عنده و نحو ذلك. و منه تعرف أنه لا وجه للتلفيق بالمخالف، كتلفيق النهار بالليل، لعدم مساعدة العرف له. بل قد عرفت سابقا الاشكال فيما ذكرناه من التلفيق».

و لا يخفي أن الجمود علي عنوان اليوم يقضي بعدم الاكتفاء بالتلفيق، و لا أقل من خروجه عن المتيقن منه، فتجري أصالة عدم الحيض، بناء علي ما سبق عند الكلام في اعتبار التوالي.

لكن لا يبعد التعميم له عرفا و لو لإلغاء خصوصية العنوان المذكور في مقام التقدير.

بل لا ينبغي التأمل فيه في المقام بملاحظة ما سبق في وجه دخول الليالي من ظهور نصوص التحديد في بيان مقدار غير قابل للزيادة و النقصان.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض.

ص: 122

و أكثر الحيض عشرة أيام (1).

______________________________

ثم أن ذلك لا يستلزم الاكتفاء بالأيام الملفقة التامة بناء علي عدم اعتبار التوالي، فضلا عن التلفيق من أبعاض اليوم، لأن تحقق أقل الحيض بها لا ينافي عدم الاكتفاء بها من حيثية خصوصية التقطيع، جمودا علي ظاهر اليوم في مرسلة يونس.

و من ثم كان ظاهر غير واحد عدم الاكتفاء به علي القول المذكور. لكن سبق في الفرع الثاني مما ألحقناه بالكلام في اعتبار التوالي تقريب الاكتفاء به، تبعا لغير واحد.

فراجع.

أكثر الحيض
اشارة

(1) يظهر وجهه مما تقدم في الأقل، لسوقهما في أكثر النصوص و عبارات الأصحاب و معاقد إجماعاتهم في مساق واحد.

نعم، في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إنه أكثر ما يكون الحيض ثمان و أدني ما يكون منه ثلاثة» «1»، و في مرسلة يونس الطويلة عند التعرض للمرأة التي سألت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سن لها التحيض بالعدد و أنها ليست ذات عادة قال عليه السّلام: «ألا تري أن أيامها لو كانت أقل من سبع … ما قال لها تحيضي سبعا …

و كذلك لو كان حيضها أكثر من سبع و كانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة و هي حائض … » «2».

و لا مجال للتعويل عليهما في قبال ما سبق. و لذا رمي في التهذيب الصحيح بالشذوذ، مدعيا إجماع العصابة علي ترك العمل به، كما طعنه في المنتهي بمخالفته لإجماع المسلمين. و ذكر أنه يحمل إما علي مستمرة الدم إذا كانت عادتها ثمانية- كما صنع الشيخ- أو علي بيان الغالب بحسب حال النساء، كما ذكره غير واحد.

لكن الأول بعيد جدا لا يناسب التعبير بالأكثر، و لا المقابلة بالأقل.

و الأقرب الثاني، فتكون الأكثرية بلحاظ أفراد الحيض لا أمده المقوم لأجزائه،

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 14.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 123

______________________________

كما قد يناسبه العدول عما تضمنته نصوص التحديد من إضافة العدد للحيض إلي إضافته لما يكون منه.

و أما المرسلة فهي ظاهرة في إمكان زيادة العادة علي العشرة، و ترتب أحكام الحيض تبعا لذلك و أن المرأة المذكورة لو كانت كذلك لم تتحيض بالسبع.

و دخول (لو) الامتناعية إنما يدل علي امتناع كون تلك المرأة كذلك، بدليل أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله لها بالتحيض سبعا فلا ينافي إمكان ذلك في غيرها من ذوات العادة، بل فرضه ظاهر في إمكانه، كفرض كونها عشرة أو أقل من سبع، كما لا يخفي. فالعمدة ما عرفت من عدم نهوضها بمعارضة ما سبق.

تنبيهات:
الأول: أن الكلام في الليالي المتوسطة و المتطرفة في الأكثر يظهر مما سبق في الأقل،

لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة.

الثاني: تقدم منا في مسألة اعتبار التوالي في تعقيب ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه

في مرسلة يونس أن ظاهر النصوص إرادة أكثر أيام الدم، لا أيام القعود عن الصلاة و نحوها، و أن القعود في غير أيامه لو تم مستفاد من أدلة أخر تقدم الكلام فيها عند الكلام في حكم النقاء المتخلل بين الدميين.

و لو قيل به في النقاء المذكور فالظاهر التسالم علي عدم تجاوزه بضميمة أيام الدم علي العشرة، و هو ظاهر بناء علي عدم إمكان تفرق الحيضة الواحدة في أكثر من عشرة أيام. و أما بناء علي إمكانه- كما يظهر من الحدائق- فالظاهر انحصار الدليل عليه بالتسالم المذكور. و لا مجال للاستدلال عليه بأن أكثر الحيض عشرة، لوروده لتحديد أيام الدم لا أيام القعود، كما ذكرنا.

الثالث: الكلام في ظهور إطلاقات التحديد في اعتبار التوالي

كما يجري في الأقل يجري في الأكثر و ما بينهما من المراتب.

فإن قيل بظهوره في اعتبار التوالي فحيث كان مبنيا علي ما تقدم من بعضهم من

ص: 124

______________________________

أن وحدة الحيض باستمراره، كان مقتضاه عدم تقطع الحيض الواحد.

فيتعين مع تقطعه أن يكون الحيض أول دم يشتمل علي أقله، و ما يري بعده قبل مضي أقل الطهر استحاضة.

نعم، خرج منه ما يري في العشرة، فيحكم بحيضيته، كما يأتي في الفصل الخامس، و يظهر وجهه مما تقدم في مقدار الفصل بين دميي الحيضة الواحدة من فروع عدم اعتبار التوالي.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن لازم اعتبار التوالي في الأكثر البناء علي حيضية الدم المتقطع بتمامه و إن زاد علي العشرة، لعدم تحقق العشرة المتوالية به، و حيث لا يمكن الالتزام به كشف عن عدم اعتبار التوالي في الأكثر.

فهو كما تري، لعدم دخول الدم المذكور بتمامه في شي ء من المراتب التي تضمنتها أدلة التحديد فكيف يمكن دخوله في إطلاقها.

و بعبارة أخري: اعتبار الاستمرار في الحدين و ما بينهما من المراتب فرع اعتباره في وحدة الحيض، فغير المستمر ليس بمجموعه حيضا واحدا، لا أنه دخيل في حدية أحد الحدين مع إطلاق الحيض بالإضافة إليه.

نعم، يتجه ما ذكره قدّس سرّه لو كان مفاد النصوص تقييد عدم زيادة الحيض علي عشرة بما إذا كانت متوالية، بحيث يرجع إلي عدم اشتمال الحيض علي ما يستمر أكثر من عشرة أيام و إن أمكن أن يزيد عليها- مع التقطع. و كذا لو كان التحديد مختصا بالحيض المستمر، لا لمطلق الحيض. لكن الأول مباين لمفاد النصوص. و الثاني لا يناسب إطلاقها.

و إن قيل بعدم ظهوره في اعتبار التوالي- كما تقدم منا- كان مقتضي إطلاقه إمكان كون الحيضة الواحدة في أكثر من عشرة أيام، كما التزم به في الحدائق مع البناء علي كون النقاء المتخلل طهرا.

لكن لا بد من الخروج عن مقتضي الإطلاق المذكور، كما يظهر مما سبق في الفرع الثالث مما ألحقناه بالكلام في اعتبار التوالي.

ص: 125

أقل الطهر

و كذلك أقل الطهر (1).

______________________________

(1) كما صرح به الأصحاب، و في المعتبر: «و لا أعلم فيه خلافا لأصحابنا» و ادعي الإجماع عليه في الانتصار و الخلاف و الغنية و التذكرة و الروض و المدارك و محكي نهاية الأحكام و المختلف و الذكري و شرح الجعفرية و غيرها، و في المنتهي أنه مذهب أهل البيت عليهم السّلام و جعله في الأمالي من دين الإمامية.

و يشهد به صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلي أن تري الدم» «1»، و مرسلة يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أدني الطهر عشرة أيام … و لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام» «2».

و أما الاستدلال عليه بما تضمن أن ما يري قبل العشرة فهو من الحيضة السابقة و ما يري بعدها فهو من الحيضة المستقبلة مما تقدم في مسألة اعتبار التوالي «3».

فهو موقوف علي أن المراد بالعشرة العشرة من حين انقطاع الدم، و قد تقدم الاشكال فيه عند الكلام في مقدار الفصل بين الدميين.

ثم إنه قد يدعي معارضة ما تقدم في تحديد أقل الطهر بعشرة بقوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة عند التعرض لتحيض مستمرة الدم بالصفات: «إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة، و إذا رأيت الطهر و لو ساعة من نهار فاغتسلي و صلي» «4»، و ما في مرسل داود المتقدم عند الكلام في حكم النقاء المتخلل بين الدميين من فرض الطهر يوما و الدم يوما «5»، و موثق يونس أو صحيحه: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة تري

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 11. و باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 3. و باب: 17 من أبواب العدد حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 126

______________________________

الدم ثلاثة أيام أو أربعة. قال: تدع الصلاة. قلت: فإنها تري الطهر ثلاثة أيام أو أربعة.

قال: تصلي قلت: فإنها تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة [أيام] قال: تدع الصلاة. قلت:

فإنها تري الطهر ثلاثة أيام أو أربعة. قال: تصلي. قلت: فإنها تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة. قال: تدع الصلاة. تصنع ما بينهما و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلا فهي بمنزلة المستحاضة» «1»، و قريب منه خبر أبي بصير «2».

لكن لا يبعد حمل مرسلة يونس علي أنها تصلي في أول ساعة من الطهر- الذي يكون بفقد الدم الصفات- و لا تنتظر شيئا- كما في الوسائل- في قبال ذات العادة التي تنتظر انتهاء عادتها و إن فقد الدم الصفات، فلا ينافي لزوم استمرار الطهر عشرة. أو علي النقاء المتخلل بين الدميين المحكومين بأنهما حيض واحد لواجديتهما للصفات في ضمن العشرة، حيث لا إشكال في وجوب ترتيب أحكام الطهر عليه إما واقعا أو ظاهرا، علي ما تقدم. و إلا فلا يظن من أحد البناء علي كفاية الساعة في الطهر بين الحيضتين. و لعل الثاني أقرب، لأنه الأنسب بعبارة النص. و هو المتعين في مرسل داود، لظهوره في كون مجموع الدماء في العادة.

نعم، لا مجال لكلا الوجهين في الأخيرين، للتصريح فيهما بأن الطهر أقل من عشرة، و لامتناع كون مجموع الدماء حيضة واحدة لزيادتها علي العشرة. و من ثم حملهما الشيخ علي اختلاط العادة، أو استمرار الدم مع اختلاف صفته، فيشتبه الحيض بغيره، فهي تتحيض بكل دم تراه لاحتمال كونه هو الحيض دون ما سبقه الذي لم يفصله عنه أقل الطهر، و هو لا ينافي كون الحيض بعض الدماء بنحو يتم لها أقل الطهر.

و استحسنه في المعتبر. و يناسبه ما في ذيلهما من تحديد الحكم بذلك إلي شهر ثم الرجوع لحكم المستحاضة، إذ يبعد جدا خصوصية الشهر فيه لو كان حكما واقعيا، بخلاف ما لو كان ظاهريا، حيث يمكن ارتفاع الاضطراب بعد الشهر، و يسهل التسامح بالصلاة فيه احتياطا للحيض، بخلاف ما إذا طالت المدة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 127

فكل دم تراه المرأة ناقصا عن ثلاثة أو زائدا علي العشرة أو قبل مضي عشرة من الحيض الأول فليس بحيض (1).

______________________________

نعم، المناسب لذلك التنبيه لوجوب قضاء الصلاة المتروكة في بعض الدماء، للعلم إجمالا بعدم حيضية بعضها، فعدم التنبيه عليه قد يكشف عن كون الجميع حيضا واقعا.

لكن الخروج بذلك عما ذكرنا في وجه كونه ظاهريا لا يخلو عن إشكال. فلا يبعد عدم تصدي الإمام عليه السّلام لهذه الجهة و الاتكال فيها علي عموم وجوب القضاء.

و لو فرض ظهورهما في عدم وجوبه فهو لا يستلزم حيضية الدم واقعا، بل قد يرجع إلي سقوطه منّة و تسهيلا علي المرأة بعد تسويغ الشارع لها ترك الصلاة ظاهرا.

و ربما يأتي الكلام فيهما في الفصل الخامس إن شاء اللّه تعالي.

و بالجملة: لا مجال للخروج بما سبق عما تقدم من تحديد أقل الطهر بعشرة أيام.

نعم، تقدم الكلام في النقاء المتخلل بين الدميين من حيضة واحدة. فراجع.

كما إنه مما تقدم في أقل الحيض يتضح حال الليالي في المقام.

هذا و المصرح به في كلام جماعة كثيرة أنه لا حد لأكثر الطهر، و نفي فيه الخلاف في الغنية، و ادعي الإجماع عليه في التذكرة. و يقتضيه إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «فما زاد».

و عن أبي الصلاح تحديده بثلاثة أشهر. و رماه بالشذوذ في المنتهي، و حمله في التذكرة و غيرها علي الغالب. لكن الغالب هو الحيض في كل شهر، و ما زاد علي ذلك نادر من دون خصوصية للثلاثة أشهر.

و من هنا لا يبعد حمل كلامه علي أنها إنما تكون من ذوات الأقراء و تعتد بها إذا لم يتجاوز طهرها ثلاثة، و إلا اعتدت بالشهور. و لعله إليه يرجع ما عن البيان من احتمال نظره إلي عدة المسترابة.

الكلام في الدم الفاقد في الحد

(1) لفقده لحدّ الحيض. فلا مجال للتعويل علي بعض الطرق المحرزة له

ص: 128

______________________________

شرعا- كالعادة و قاعدة الإمكان- لورودها لإحرازه ظاهرا عند الشك فيه الذي هو فرع إمكانه، و مقتضي نصوص التحديد امتناعه.

بل لو فرض العلم بدوا بحيضيته لبعض الأمارات فقد يرتفع بمجرد الالتفات لفقده للحد، حيث يوجب الشك أو العلم بعدم ملازمة الأمارات المذكورة للحيض و تخطئة العرف في اعتقاد ملازمتها له لو كان بانيا علي ذلك.

نعم، لو فرض عدم ارتفاع العلم بذلك المستلزم للعلم بعدم كون التحديد واقعيا كليا فهل تجري أحكام الحيض عليه أو لا؟.

تقدم من سيدنا المصنف قدّس سرّه عند الكلام في سن الحيض أن التحديدات المذكورة له من الشارع إن تعذر تنزيلها علي تحديد الحيض الحقيقي كما في الفرض المذكور تعين تنزيلها علي تحديد ما يكون منه موضوعا للأحكام، فلا تجري في الدم المذكور و إن كان حيضا.

و تقدم منعه هناك. و المتجه منعه هنا أيضا بالنظر لألسنة التحديدات المتقدمة، لقوة ظهورها في تحديد الحيض الحقيقي، خصوصا مثل مرسلة يونس «1» المتضمنة أن تردد الحيض بين حديه مسبب عن كثرة الدم و قلته بحسب مزاج المرأة، فمع تعذر حملها علي القضية الواقعية الكلية يكون الأقرب تنزيلها علي القضية الواقعية الغالبية، دون القضية التعبدية الراجعة لنفي الأحكام.

فيتعين إجراء أحكام الحيض في الفرض، عملا بإطلاق أدلته.

نعم، لا بد من البناء علي حجية القضية الغالبية المذكورة لو شك في حيضية الدم الفاقد، لتضمن أدلتها تفريع العمل عليها. و بهذا افترق هذا التحديد عن التحديد بالسن، كما يظهر بمراجعة ما تقدم فيه.

و مما ذكرنا يظهر أن المتعين جريان أحكام الحيض إذا كان الانقطاع قبل الثلاثة بسبب دعاء الدم الذي تضمنته جملة من النصوص- و فيها الصحيح- لقطع الحيض

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 129

______________________________

لمن تريد النسك أو زيارة مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله «1».

و لا مجال لتوهم كشف انقطاعه عن عدم حيضيته، لابتناء تشريع الدعاء علي كونه حيضا، فلا يمنع تأثيره من البناء علي حيضيته لو كانت مقتضي بعض الأمارات الشرعية أو قاعدة الإمكان، فضلا عما لو كانت معلومة، بل يؤكدها.

بل لا يبعد جريان أحكام الحيض عليه حتي بناء علي ما تقدم من سيدنا المصنف قدّس سرّه لأن عدم جريان الأحكام علي فاقد الحد و إن كان راجعا إلي قصور عموم الأحكام المذكورة عنه الممكن في المقام، إلا أن قصورها عنده ليس بلسان التخصيص، بل بلسان الحكومة العرفية، لتضمن أدلة التحديد نفي الحيض عن فاقد الحد.

و من الظاهر أن اللسان المذكور لا يناسب فرض الدم حيضا موضوعا للأحكام، في نصوص تشريع الدعاء المشار إليها، بل الأولي تخصيص أدلة التحديد بها، بحملها علي فقد الحد من غير جهة الدعاء و إبقاء فاقد الحد بسبب الدعاء تحت عموم أحكام الحيض. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

______________________________

(1) تراجع النصوص المذكورة في الوسائل باب: 93 من أبواب الطواف و باب: 8 من أبواب المزار من كتاب الحج.

ص: 130

الفصل الرابع في معيار العادة و أحكامها
اشارة

الفصل الرابع تصير المرأة ذات عادة بتكرر الحيض مرتين (1).

______________________________

(1) فلا يكفي المرة و لا يعتبر الثلاث، كما صرح به الأصحاب رضي اللّه عنهم و ادعي الإجماع عليه في الخلاف و التذكرة و جامع المقاصد و المدارك، كما عي الإجماع في جامع المقاصد و محكي الذكري و شرح الجعفرية علي عدم اعتبار الثلاث.

و يقتضيه موثق سماعة: «سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض فتقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء. قال:

فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت تري الدم ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدة أيام سواء فتلك أيامها» «1».

و قوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة: «فإن انقطع الدم أقل من سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة تري الطهر و تصلي فلا تزال كذلك حتي تنظر ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتي يوالي عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما سواه و تكون سنتها فيما تستقبل إن استحاضت، قد صارت سنة إلي أن تجلس أقراؤها.

و إنما جعل الوقت أن توالي عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة لها، فيقول لها:

دعي الصلاة أيام قرئك، و لكن سن لها الأقراء، و أدناه حيضتان فصاعدا … » «2».

و لا يقدح ظهور الموثق في إمكان نقص الحيض عن الثلاثة، لأن عدم العمل به في

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 131

متواليتين (1) من غير فصل بينهما بحيضة مخالفة (2).

______________________________

ذلك- كما تقدم- لا يمنع من العمل به في كيفية حصول العادة بعد كونهما أمرين متباينين.

و منه يظهر ضعف القول بكفاية المرة، كما عن بعض العامة و عن الفخر في شرح الإرشاد حكايته عن بعض أصحابنا.

مضافا إلي أن الغرض المهم من تنقيح العادة إنما هو حجيتها، و حيث كانت الحجية مخالفة للأصل احتيج في الاكتفاء بالمرة للدليل، و لا دليل عليه بعد اختصاص مطلقات الرجوع للعادة بما يظهر في الاستمرار و التكرر، لاشتمالها علي مثل استقامة الحيض، و أيامها، و أيام حيضها، و الأيام التي كانت تقعد فيها، و نحو ذلك مما لا يصدق بالمرة، بل يشكل صدقه بالمرتين لو لا ما سبق.

و أما ما في كلام جماعة من أن العادة مأخوذة من العود، و لا يتحقق بالمرة.

فهو موقوف علي اشتمال أدلة الإرجاع علي عنوان العادة، و لم أعثر عاجلا علي ذلك، و الوقت يضيق عن استقصاء الفحص.

(1) كما صرح به في النهاية و القواعد و المنتهي و محكي نهاية الأحكام و غيرها، بل هو المنصرف من إطلاق المرتين في كثير من كلماتهم، و منها معاقد الإجماعات المتقدمة، لأخذهم في موضوعها عنوان العادة المتوقفة علي التوالي، و لا سيما مع استدلالهم بالمرسلة المتقدمة الصريحة في اعتبار التوالي، و الظاهرة في انصراف الأقراء في كلامه صلّي اللّه عليه و آله له. و هي الدليل في المقام. مضافا إلي ما تضمن عنوان الاستقامة «1».

و بها يخرج عن إطلاق موثق سماعة الاكتفاء باتفاق شهرين. بل قد يستشكل في ثبوت الإطلاق له بعد تعريف الشهرين في نسخة الكافي، الذي يقرب معه العهد لخصوص المتواليين.

(2) لتوقف التوالي علي ذلك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

ص: 132

أقسام العادة
اشارة

فإن اتفقا في الزمان و العدد- بأن رأت في أول كل من الشهرين المتواليين أو آخره سبعة أيام مثلا- فالعادة وقتية و عددية (1).

______________________________

(1) بمعني: أنها تكون مرجعا في تعيين الوقت و العدد معا، كما صرح به في المعتبر و المنتهي و التذكرة و الإرشاد و جامع المقاصد و الروض و الروضة و محكي الذكري، و هو ظاهر المبسوط و القواعد، و عدم تعرض جملة منهم له، بالاقتصار علي فرض الاتفاق في العدد، لا يدل علي خلافهم فيه، لأن عدم فرض هذه الصورة في كلامهم لا يدل علي اختصاص حجيتها عندهم في فرض وقوعها بأحد الأمرين.

بل قد يظهر منهم المفروغية عن حجيتها في كلا الأمرين، كما هو المناسب لإرجاعهم المستحاضة للعادة مع احتياجها لمعرفة الوقت و العدد معا، و لحكمهم بتحيض صاحبة العادة بمجرد رؤية الدم.

و من هنا قد يكون الاقتصار علي فرض الاتفاق في العدد للمفروغية عن لزوم الاتفاق في الوقت، فترجع كلماتهم إلي إرادة الوقتية و العددية التي هي محل الكلام.

و كيف كان، فيقتضيه ما تقدم في مرسلة يونس، حيث فرض فيها عدد معين و انقطاع الدم في وقت واحد من الشهرين.

و حمل الوقت فيه علي العدد المذكور سابقا بعيد في نفسه، كتنزيله علي أن المدار في العادة المفروضة فيه علي خصوص الوقت، لاستلزامه عدم الفائدة لذكر العدد سابقا.

علي أن كلا منهما لا يناسب إرجاع المستحاضة للعادة المذكورة و الاقتصار عليها في بيان وظيفتها، مع أن عمل المستحاضة بأحكام الحيض موقوف علي معرفة الأمرين معا، فلا بد من نهوض العادة بذلك، لكونها عددية و وقتية.

و لا سيما مع ظهور هذه الفقرات في تحديد العادة التي أخذت في موضوع السنة الأولي من سنن النبي صلّي اللّه عليه و آله في المستحاضة، التي شرحتها المرسلة قبل ذلك، و قد قال عليه السّلام في بيان تلك السنة: «أما إحدي السنن فالحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ثم استحاضت و استمر بها الدم و هي في ذلك تعرف

ص: 133

و إن اتفقا في الزمان خاصة دون العدد- بأن رأت في أول الشهر الأول

______________________________

أيامها، و مبلغ عددها … و إنما سن لها أياما معلومة من قليل أو كثير بعد أن تعرفها …

و أما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت و نقصت حتي أغفلت عددها و موضعها من الشهر … فهذا يبين أن هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها و لا وقتها … فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلي النظر حينئذ إلي إقبال الدم و إدباره … » «1».

فإن هذه الفقرات صريحة في أن العادة التي أريد شرحها و تحديدها بالمرتين فيما سبق هي الوقتية العددية و أن الرجوع إليها في الوقت و العدد معا.

و لا ينافي ذلك ما تضمنته المرسلة نفسها من أن النبي صلّي اللّه عليه و آله إنما قال لذات العادة:

«تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها»، الظاهر في الإرجاع في خصوص العدد، لإمكان المفروغية عن أخذ الوقت المفروض معرفته و التنبيه علي العدد لدفع توهم كثرة الحيض علي العادة بسبب استمرار الدم.

و بهذا يكون مطابقا معني ما حكاه الإمام عليه السّلام بعد ذلك عنه صلّي اللّه عليه و آله.

و مثله في ذلك إطلاق ما تضمن إرجاع المستحاضة إلي أيامها، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها و لا يقربها بعلها … » «2» و غيره، لظهوره في تعيين الأيام، و لذا أرجع إليها مع توقف عمل المستحاضة و ارتفاع تحيرها علي معرفة الوقت و العدد معا. فتأمل.

هذا مضافا إلي إطلاق ما تضمن الإرجاع لقسمي العادة الآخرين لو تم الدليل علي كل منهما بخصوصه، لأن هذا القسم من أفرادهما معا، بل من أظهرها، لكونه أكد في استقامة الحيض و انضباطه.

______________________________

(1) لم نعتمد علي الوسائل في تخريج هذه الفقرات، لتقطيعه للرواية علي خلاف الترتيب، و إنما أخذناها من الكافي الطبعة الجديدة ج: 1، ص: 83- 86.

(2) الكافي: ج 3 باب جامع في الحائض و المستحاضة حديث 2، ص: 88.

ص: 134

سبعة و في أول الثاني خمسة- فالعادة وقتية خاصة (1).

______________________________

(1) فتكون مرجعا في تعيين الوقت، كما في جامع المقاصد و الروض و المدارك و كشف اللثام، بل في المستند دعوي الإجماع عليه.

لكن لم يتضح الوجه في دعواه بعد عدم تصريح القدماء به، بل هم بين من ظاهره الاقتصار علي العدد و من ظاهره اعتبار الوقت معه، بل قد يظهر من السرائر المفروغية عن عدم ثبوت الوقتية غير العددية، لأنه خص العادة بذات الوقت و العدد، ثم دفع احتمال الاكتفاء فيها بالعدد، و لم يشر لاحتمال الاكتفاء فيها بالوقت، بل في التذكرة:

«ذهب علماؤنا أجمع إلي أن العادة إنما تثبت بالمرتين تري الدم فيهما بالسواء عددا و وقتا».

اللهم إلا أن يكون إهمال القدماء لها لقلة فائدتها، أو لعدم بنائهم علي كثرة التفريعات، كإهمال بعضهم لأحد القسمين الآخرين. و لعله لذا لم يشر إليها في السرائر، لا للمفروغية عن عدمها.

و إجماع التذكرة محمول علي إرادة العادة التي يرجع إليها في الوقت و العدد معا، و يكون معقده في الحقيقة اعتبار المرتين، و لذا صرح هو بانعقاد الوقتية فقط، كما صرح بانعقاد الأقسام الثلاث في جامع المقاصد، مع تعبيره في بيان معقد الإجماع بنظير عبارة التذكرة.

إلا أن الإنصاف عدم نهوض ذلك بتوجيه دعوي الإجماع، فضلا عن نهوضه بالحجية، و لا سيما في مثل المقام مما يقرب فيه عدم كونه إجماعا تعبديا، بل يبتني علي بعض الاجتهاديات. فلا بد من التماس دليل آخر في المقام.

و قد يستدل بمرسلة يونس المتقدمة، بدعوي: أنها تضمنت شرح العادة الوقتية خاصة، لقوله عليه السّلام: «فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء» لصراحته في تقوم العادة بانقطاع الدم في وقت واحد من الشهرين، و كذلك في أول الحيض بين الأول و الآخر في ذلك.

مضافا إلي أن أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله بالتحيض أيام الأقراء لا يصلح لأن يعمل عليه إلا

ص: 135

______________________________

مع ضبط وقتها.

و فيه: أنه إن أريد بالاتفاق في خصوص الوقت الاتفاق في أحد الأمرين من أول الدم أو آخره فلا مجال له بعد ما سبق في العادة الوقتية و العددية، و إن أريد به الاتفاق في الأول و الآخر معا كانت العادة وقتية و عددية لا وقتية فقط.

كما أن صلوح أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله لأن يعمل به كما يتوقف علي ضبط الوقت يتوقف علي ضبط العدد، لأن المراد من أيام الأقراء تمامها.

و مثله في ذلك ما في المستند من الاستدلال بما سبق من قوله عليه السّلام في بيان السنن: «فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلي النظر حينئذ إلي إقبال الدم و إدباره» بدعوي: دلالته بالمفهوم علي عدم الرجوع للتمييز مع معرفة الأيام وحدها، و تمام المطلوب يثبت بالإجماع المركب.

لاندفاعه بأن المراد بذلك نسيان العادة الوقتية و العددية بعد انعقادها، و لا إشكال ظاهرا في أن النسيان إنما يمنع من الرجوع للعادة المذكورة في خصوص الجهة المنسية منها، لأن عدم العمل بها مع النسيان ليس لسقوطها به عن الحجية ذاتا، بل لتعذر العمل بها معه، و هو مختص بجهته، و ذلك لا يستلزم انعقاد العادة الوقتية غير العددية من أول الأمر، بحيث يتحقق بها معرفة الأيام فقط.

و إن كان مراده بالإجماع المركب إثبات الملازمة بين الأمرين به فهو ممنوع جدا، لعدم الجامع بينهما ارتكازا.

و لعل الأولي أن يقال: بعد أن تضمنت النصوص بعض الأحكام لوقت الحيض، كالتحيض بمجرد رؤية الدم «1»، و تعجيل الحيض «2»، و أن الصفرة في أيام الحيض حيض «3»، و غيرها، فمقتضي إطلاقها المقامي و إن كان هو اعتبار صدق العنوان

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الحيض.

(3) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

ص: 136

______________________________

عرفا المتوقف علي التكرار كثيرا مع اتحاد الوقت و لو مع اختلاف العدد إلا أن المستفاد مما تقدم في المرسلة الاكتفاء في صدقه بالمرتين- كما نبه له في الجملة سيدنا المصنف قدّس سرّه- لأنه و إن ورد في خصوص العادة الوقتية و العددية- كما تقدم- إلا أن استدلال الإمام عليه السّلام له بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله ظاهر في أن ذلك هو الذي ينبغي أن يستفاد منه، و هو لا يكون إلا بالمفروغية عن صدق الإضافة بالمرتين من دون خصوصية للمورد.

مضافا إلي قضاء المناسبات الارتكازية بأن ما تضمنته المرسلة من حجية العادة الوقتية و العددية في تعيين الوقت و العدد معا لا يبتني علي الارتباطية، بل الانحلال، لمناسبة العادة في كل من الجهتين للحجية فيما يناسبها مع قطع النظر عن الأخري.

و لا سيما مع قوله عليه السّلام: «فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه» لإشعاره بأن المعيار في العمل عليه كشفه عن طبيعة المزاج، و من الظاهر عدم ابتناء الكشف المذكور عن الارتباطية.

و مقتضاه استقلال كل منهما بالحجية فيما يناسبه لو انفرد.

و لا ينافي هذا موثق سماعة المتقدم الظاهر بمقتضي الشرطية في اعتبار اتفاق الشهرين في عدد الأيام. لأنه بصدد بيان كيفية تحقق العادة التي يرجع إليها في العدد، جوابا عن السؤال عن حكم الاضطراب فيه، فلا ينافي عدم اعتبار الاتفاق في العدد في العادة الوقتية التي يرجع إليها في خصوص الوقت.

و ليس بصدد بيان مطلق العادة التي يرجع إليها في الجملة، لتدل علي عدم الرجوع حتي في الوقت للعادة التي لا تبتني علي الاتفاق في العدد، إذ لو كانت بصدد ذلك لزم عدم دلالته علي جواز الرجوع للعادة المذكورة في العدد، بل علي جواز الرجوع إليها في الجملة.

ثم إنه هل المعيار في تحقق العادة الوقتية خصوص الاتفاق في أول الحيض، أو ما يعم الاتفاق في آخره و في وسطه، كما لو رأته في الشهر الأول من الأول للسابع و في الثاني من الثالث للسابع، أو رأته في الشهر الأول من الثاني للتاسع، و في الثاني من

ص: 137

و إن اتفقا في العدد فقط- بأن رأت الخمسة في أول الشهر الأول و في آخر الشهر الثاني- فالعادة عددية فقط (1).

______________________________

الثالث للثامن؟ لا يبعد العموم، عملا بالجهة الارتكازية المشار إليها، لعدم الفرق في وقت الحيض بين الأول و الوسط و الآخر، كما في الجواهر، لكن قال: «إلا أني لم أعثر علي أحد من الأصحاب أثبت ذلك أو رتب حكما عليه، مع تصور بعض الثمرات له».

و قد تظهر ثمرته في مثل التحيض برؤية الدم في الأيام التي يتفق الشهران في وجود الحيض فيها.

بل لا يبعد جريان ذلك و ترتب الثمرة لو كان بين الشهرين عموم من وجه، كما لو رأته في الأول من الأول للخامس، و في الثاني من الثالث للثامن.

نعم، لا يبني علي الأيام المتفق عليها بين الشهرين أنها تمام زمان الحيض، بنحو يكون أولها أوله، و آخرها آخره، لعدم اتفاق الشهرين في ذلك، بل هي أيام الحيض في الجملة، فلا يكون التقدم عليها تعجيلا في الحيض مثلا. فتأمل. و يأتي في الفرع الأول بعض ما يتعلق بالمقام.

(1) بمعني: أنها تكون مرجعا في تعيين العدد، كما في المعتبر و التذكرة و المنتهي و جامع المقاصد و الروض و المدارك و كشف اللثام. بل هو مقتضي إطلاق من اقتصر في بيان معيار العادة علي الاتفاق في العدد، كما في النهاية و الشرائع، و إن سبق احتمال إرادتهم منه خصوص صورة الاتفاق في الوقت أيضا.

و كيف كان، فيقتضيه- مضافا إلي ما سبق في تقريب استفادة حجية العادة من مرسلة يونس، حيث يجري نظيره في المقام- إطلاق موثق سماعة المتقدم، لظهوره في كفاية الاتفاق في العدد في انعقاد العادة التي يرجع إليها فيه.

بقي في المقام أمور..
الأول: الظاهر توقف العادة العددية مطلقا- وقتية كانت أم لا- علي الاتفاق في عدد الأيام،

ص: 138

______________________________

فلو اختلفت لم تنعقد العادة في الأقل و إن تكرر في الشهرين- كما صرح به جماعة، منهم المحقق و الشهيد الثانيان- لأن المدار في التكرر أن يكون العدد المتكرر تمام الحيض، حتي يصدق اتفاق الشهرين و تساويهما فيه، لا ما يعم كونه بعض الحيض، و إلا لزم انعقاد العادة بالشهرين دائما، لعدم انفكاكهما عن التساوي أو الاختلاف بالقلة و الكثرة. و منه يظهر ضعف ما عن نهاية الأحكام و الذكري من الميل لانعقادها فيه، و قد يظهر من المنتهي الميل إليه.

اللهم إلا أن يكون المراد حجيتها في نفي ما دون الأقل، لا ما زاد عليه. فلو رأت في شهر خمسة و في الثاني سبعة لم ينقص في الثالث عن خمسة، و إن أمكن الزيادة عليها. حيث قد يتجه ذلك، إما بدعوي: صدق العدد في الجملة، كما صدق الوقت في الجملة مع الاختلاف في مقداره كثرة و قلة تبعا لعدم الاتفاق في العدد، علي ما سبق في العادة الوقتية غير العددية.

أو بدعوي: أن المستفاد من نصوص العادة وجوب الأخذ بالقدر المشترك بين الحيضتين لاتفاقهما فيه و إن لم يتفقا في قدر الحيض.

لكنه- مع بعده عن مساق كلماتهم- لا ثمرة له، لأن العادة العددية إنما تنفع في نفي الزائد عليها لو استمر الدم لا في نفي حيضية الناقص عنها لو قصر عنها الدم.

مع عدم تمامية الوجه المذكور له. أما الدعوي الأولي فللفرق بين العدد و الوقت بتقوم العدد بالحدّ غير القابل للزيادة و النقصان، بخلاف الوقت، حيث يصدق علي المتفق عليه من الوقتين أنه وقت الحيض، بمعني كونه فيه، و لذا سبق ترتب خصوص أحكام ذلك، كالتحيض بمجرد رؤية الدم، لا أحكام تمام الوقت، بخلاف العدد، إذ ليس هناك حكم بعدم النقص عن أيام الحيض أو عدم الزيادة عليه، بل الحكم إنما هو بالتحيض بالعدد المتفق عليه، و المفروض عدمه.

و أما الثانية فلاختصاص الأدلة بحجية العادة في إثبات مقدار الحيض و وقته، و التعدي منهما لغير ذلك في غير محله بعد كون الأصل عدم حجية العادة العرفية، فضلا عن الحاصلة بالمرتين.

ص: 139

______________________________

و منه يظهر أنه لا مجال لجعل ذلك في الفرض حجة لنفي زيادة الحيض علي الأكثر، و لا سيما مع أن إهماله في نصوص العادة مع دوام الابتلاء به موجب لظهورها في عدمه. فتأمل جيدا.

الثاني: الظاهر أنه لا يعتبر في العادة العددية استقرار عادة للطهر،

فلو رأت في أول الشهر الأول خمسة ثم في وسط الثاني خمسة كان عادتها الخمسة و إن زاد أو نقص الطهر الثاني عن الأربعين يوما التي كان عليها الطهر الأول، كما صرح به في المعتبر و المنتهي و التذكرة و جامع المقاصد و غيرها.

لإطلاق موثق سماعة كما أن الوجه المتقدم لاستفادة العادة العددية من المرسلة- لو تم- قاض بأن المدار علي حال الحيض لا الطهر.

و أما ما عن الذكري من اعتبار استقرار عادة الطهر، فلعل ظاهر المنقول من كلامه إرادته اعتباره في العادة الوقتية.

و لعله مبني علي ما يأتي من بعضهم من أن المراد بالشهر في العادة شهر الحيض، لا الشهر الهلالي، حيث لا يعلم اتحاد الحيضتين وقتا إلا بمطابقة الطهر الثاني للأول، كما يتضح قريبا. و عليه لا يكون مخالفا لمن سبق، و إن ظهر منه مخالفته لهم.

و من ثم لم يخل كلامه عن غموض. و قد أطال في تعقيبه غير واحد بما لا مجال لمتابعتهم فيه. فلاحظ.

الثالث: لا يبعد عدم إخلال الاختلاف اليسير في انعقاد العادة الوقتية و العددية

بالنحو الذي يتسامح فيه عرفا- كالساعة و الساعتين- لندرة الاتفاق الحقيقي علي الظاهر.

و أما ما عن كاشف الغطاء من عدم إخلال الاختلاف في الدم ببعض اليوم، فلا مجال للبناء علي إطلاقه، كما نبه له صاحب المستند و شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيرهما.

الرابع: الظاهر أنه لا يعتبر في استقرار العادة في العدد تعدد الشهر و لا توالي الشهرين،

فإذا رأت خمسة أيام مرتين في شهر واحد أو في شهرين بينهما شهر لا حيض فيه انعقدت عادتها علي الخمسة، كما صرح به غير واحد. لأنه و إن لم يناسب الجمود

ص: 140

______________________________

علي المتيقن من مفاد الموثقة و المرسلة، إلا أن إلغاء خصوصيتهما في ذلك قريب جدا، لعدم دخل الزمان في أمارية العدد ارتكازا.

اللهم إلا أن يقال: لما كان المستفاد من النصوص المتضمنة أن الحيض في كل شهر مرة، و أن الريبة بتجاوز الشهر «1»، و أن مستمرة الدم تتحيض في كل شهر مرة «2»، و غيرها أن الوضع الطبيعي للحيض هو التعاقب في كل شهر، فلا مجال لإلغاء خصوصية الشهر بعد تضمن النصوص لها، بل احتمال عدم أمارية الاتفاق في العدد عليه مع الإخلال بها معتد به بعد عدم استقامة الحيض بدونها، لقرب اختصاص انعقاد العادة و حجيتها شرعا بالحيض الطبيعي.

فالعمدة ما أشرنا إليه في دليل العادة الوقتية و العددية من صلوح المرسلة ببيان الاكتفاء بالمرتين في صدق العادة في كل من الوقت و العدد، لأن استدلال الإمام عليه السّلام بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله ظاهر في أن المدار علي تعدد القرء من دون خصوصية للشهر، و إن ذكر في كلام الإمام عليه السّلام. فلاحظ.

و أما استقرار العادة في الوقت فمن الظاهر أنه منوط بتماثل الوقت في شهرين، حيث يصدق معه تعيين الوقت عرفا، إلا أن الكلام في أن المعيار هو الشهر الهلالي، أو الشهر الحيضي، الذي هو عبارة عن مدة الحيض و الطهر، و أقله ثلاثة عشر يوما؟

صرح بالثاني في المنتهي و محكي نهاية الأحكام، و قد يناسبه ما في المبسوط من أن المرأة إذا تكرر منها الحيض خمسة أيام بعده طهر عشرة أيام، أو تكرر منها الحيض خمسة أيام معه طهر خمسة و خمسين يوما فقد حصل لها عادة في الحيض و الطهر تعمل عليهما لو استمر بها الدم بعد ذلك، و أقره عليه في المعتبر.

و فيه: أولا: أنه خروج عن ظاهر لفظ الشهر في المرسلة كسائر موارد استعماله في كلام الشارع الأقدس و العرف، و لا سيما في المقام حيث ارتكز عند العرف أن الوضع الطبيعي للحيض هو التعاقب في كل شهر، و سبق دلالة النصوص عليه.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الحيض.

(2) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض.

ص: 141

______________________________

و ما في الروض من الإشكال في الاستدلال بالمرسلة في غير محله، بعد كون المرسل لها يونس الذي تقدم الاعتماد علي مراسيله، و لا سيما مع روايته لها عن غير واحد من رجاله، لظهوره في معروفيتها بين الأصحاب، مع أنه يكفي اعتماد الأصحاب عليها في المقام و غيره، حيث لا دليل علي انعقاد العادة الوقتية بالمرتين سواها، لما سبق من أن المطلقات إنما تقتضي اعتبار الصدق العرفي المتوقف علي كثرة التكرر.

و مثله ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من حمل ذكر الشهر علي الغالب من دون أن يكون معتبرا، و لذا لا يعتبر في العادة العددية. لاندفاعه بتقوم العددية بالاتفاق في العدد، الحاصل مع الاختلاف في الشهر، فيمكن تنزيل ذكر الشهر بالإضافة إليها علي الغالب، لما تقدم، بخلاف الوقتية، لأنها متقومة بالاتفاق في الوقت المتفرع علي فرض جهة مصححة لاعتبار الاتفاق من الشهر الهلالي أو غيره، فمع ظهور المرسلة في إرادة الشهر الهلالي لا وجه لرفع اليد عنه.

إلا أن يريد بذلك أن ذكر الشهر ليس لخصوصيته، بل لأنه إحدي جهات الانضباط، فيقوم غيره مقامه و أن الاقتصار عليه للغلبة، فيرجع لما يأتي.

و ثانيا: أن لازم الحمل علي الشهر الحيضي تحقق العادة دائما و عدم الفائدة فيها، لأن كل حيض في أول الشهر الحيضي دائما، و الاختلاف إنما هو في طول الشهر و قصره، و لا أثر له في تعيين وقت الحيض في ضمن الشهر، لأن مدار العادة علي وقت الحيض من الشهر، لا علي حال الشهر.

نعم، لو غض النظر عن الحيضة الأولي و فرض بدء الشهر بالطهر كان مدار العادة علي الحيضة الثانية و الثالثة و أمكن اختلاف وقتهما بالإضافة إلي الشهر الحيضي، كما لو طهرت بعد الحيضة الأولي عشرة أيام ثم حاضت خمسة، ثم طهرت عشرين يوما ثم حاضت خمسة، كما يمكن اتفاقهما بأن يتساوي الطهران كالحيضتين.

لكنه- مع توقفه علي اختصاص التوقيت بأول الحيض، إذ لو عمم لآخره، كما سبق، فالحيضتان في مثل الفرض المذكور متفقتان في كونهما في آخر الشهر الحيضي،

ص: 142

______________________________

و كذا حال كل حيضة- يبتني علي تحكم صرف، إذ لا وجه لجعل الطهر مبدأ الشهر مع أسبقيته و إهمال الحيض مع أسبقيته.

هذا و لو فرض دخل طول الشهر الحيضي و قصره في توقيت الحيض فثبوت العادة و إن لم يكن لازما للحيضتين، لإمكان اختلاف الأشهر باختلاف كل من الحيض و الطهر، إلا أن اللازم عدم انعقاد العادة بالحيضة الثانية، بل تتوقف علي انتهاء الطهر الثاني حيث يعلم به التطابق بين شهري الحيض، فلا يكفي فيها رؤيته في يوم خاص من شهرين هلاليين، لعدم العبرة بالشهر الهلالي حينئذ، مع أنه يمكن تحصيل الإجماع علي خلافه، كما في الجواهر.

و منه يظهر عدم إمكان تنزيل المرسلة عليه، لظهورها في الاكتفاء في انعقاد العادة بالاتفاق بين الحيضتين من دون انتظار للطهر.

و لعله لهذا و نحوه كان ظاهر كشف اللثام التعميم لكل من الشهر الهلالي و الشهر الحيضي، و الاكتفاء بأحدهما، فلا يحتاج لانتظار الطهر إلا في الثاني، فلا ينافي الإجماع المتقدم. بل لا يبعد تنزيل ما سبق من المبسوط و المعتبر عليه، بل لا يظن حتي بالعلامة عدم الاعتداد بالشهر الهلالي المتيقن من النص و الفتوي.

و ربما يوجه التعميم المذكور بوجوه..

الأول: أن العادة العددية كما تكون حجة في الحيض تكون حجة في الطهر، فيتحصل من مجموع العادتين وقت الحيض من دون أن يستند لعادة وقتية فيه.

و يناسبه ما تقدم من المبسوط، كما يناسبه اقتصارهم في فرض ذلك علي ما إذا تساوي الطهران عددا و الحيضتان كذلك، دون ما إذا اختلفت مع تساوي الشهرين الحيضيين، كما لو حاضت خمسة ثم طهرت عشرين يوما، ثم حاضت عشرة ثم طهرت خمسة عشر يوما، حيث يتحصل بذلك أن وقت الحيض بعد خمسة و عشرين يوما من الحيض السابق.

لكنه يندفع باختصاص النصوص العامة و الخاصة بعادة الحيض و لا دليل علي

ص: 143

______________________________

ثبوت عادة للطهر، كما في الجواهر. و هذا هو العمدة، لا ما ذكره من أن غاية ما تقتضيه العادة الوقتية حيضية ما فيها، لا نفي حيضية ما في غيرها، فلا مجال للبناء مع استمرار الدم في الفرض علي عدم حيضية ما صادف وقت الطهر من الشهر الحيضي، بل ينبغي الرجوع فيه للصفات أو غيرها حسبما تقتضيه الأدلة. لاندفاعه بأن رجوع مستمرة الدم إلي عادتها يقتضي انحصار حيضها بها، لا مجرد تحيضها فيها، علي ما يتضح في محله إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: تنزيل المرسلة الواردة لبيان العادة الوقتية علي الأعم من الشهر الهلالي و الشهر الحيضي.

و فيه: أن إطلاق الشهر علي الحيضي لما كان مجازيا كان التعميم له محتاجا للقرينة، بل لما لم يكن بينه و بين الشهر الهلالي جامع ارتكازي تعذرت إرادتهما معا.

و لا سيما مع ما سبق من أن العادة تتم في الشهر الهلالي باتفاق الحيضتين في اليوم من الشهر، و في الشهر الحيضي باتفاق مقدار الشهرين الموقوف علي تمامية الطهر الثاني، و مفاد المرسلة مناسب لخصوص الأول.

الثالث: تنزيل المرسلة علي إرادة الاكتفاء في تعيين الحيض بكل أمد تتشابه فيه حيضتان متواليتان و أن ذكر الشهر- المحمول علي الهلالي- لأنه الغالب في حال النساء، من دون خصوصية له في ذلك، فيرجع إلي ما سبق احتماله في كلام شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

و يندفع بظهور المرسلة في خصوصية الشهر، و إلغاء خصوصيته و التعميم بالوجه المذكور محتاج إلي دليل.

و لا سيما مع ما أشرنا إليه من تطابق النصوص و المرتكزات العرفية علي أن الحيض في كل شهر مرة.

بل ليس التعميم لذلك إلا كالتعميم لكل جهة تتفق فيها الحيضتان تصلح للكشف عن الحيض، و لا يظن من أحد الاكتفاء بذلك، فلا تنعقد العادة بالحيض مرتين عند الخوف أو التعب أو غيرهما. و كذا لو اتفقت الحيضتان في عدم الزيادة علي

ص: 144

______________________________

قدر خاص أو عدم التأخر لوقت خاص إلي غير ذلك مما يقطع بعدم انعقاد العادة به، و إن كان قد يظهر من بعضهم الالتزام ببعض أفراده.

و دعوي: أن قوله عليه السّلام: «فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه» ظاهر في أن المعيار علي العادة كيفما كانت.

ممنوعة، بل هو ظاهر في أن تكرر الوقت الشهري يوجب كونه عادة يعمل عليها في قبال المرة التي لا يعمل عليها، لا أن كل ما يتكرر يكون عادة يعمل عليه، لعدم مناسبة التركيب المذكور له، و عدم إمكان الالتزام به علي عمومه، كما ذكرنا.

الرابع: أن المرسلة و إن اختصت بالشهر الهلالي، إلا أنه يكفي في الشهر الحيضي العمومات المتضمنة رجوع المرأة لأيامها أو أيام حيضها، أو أقرائها أو نحو ذلك، حيث تصدق هذه العناوين علي أيام العادة المتحصلة من الشهر الحيضي، و إن لم تتحصل بالإضافة للشهر الهلالي.

و فيه: أن العمومات المذكورة إن لم تنصرف في نفسها لخصوص الأيام المتعينة بلحاظ الشهر الهلالي، لأنها الجهة الصالحة للتعيين المعهودة عرفا، دون الجهات الأخري من التعيين، فلا أقل من صلوح المرسلة لصرفها إليه، بلحاظ ما تضمنته من تعليل عدم الرجوع للقرء الواحد بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «دعي الصلاة أيام أقرائك» حيث يظهر من ذلك أن عدم الرجوع له ليس لعدم صلوحه في نفسه للتعيين، بل لاعتبار التعدد فيما يرجع إليه، و من الظاهر أن صلوح القرء الواحد لتعيين الوقت إنما يكون بلحاظ الشهر الهلالي، لأنه الأمر المنضبط عرفا الذي يصلح للتعيين دون غيره من الخصوصيات الكثيرة التي تقارنه.

فالتكرر المعتبر لا بد أن يكون مع المحافظة علي الجهة المذكورة، لا أنه بنفسه يحدث جهة أخري تكون مرجعا في التعيين.

و بعبارة أخري: ظاهر المرسلة أن ما من شأن القرء الواحد أن يكشف عنه لا يعمل عليه ما لم يتكرر في قرءين لا أن التكرر في قرءين بنفسه يكشف عن جهة

ص: 145

______________________________

يجب العمل عليها، و لذا جعل المقابل لاعتبار المرتين الاكتفاء بالمرة، دون اعتبار كثرة التكرار التي يتوقف عليها حصول جهة التعيين من التكرار عرفا.

و لا ينافي هذا قوله عليه السّلام بعد فرض تكرر الحيض: «فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه».

لأن المراد به فعلية الانكشاف المساوق للحجية، فلا ينافي صلوح القرء الواحد للكاشفية عن تلك الجهة و أن القرء الآخر يؤكد كاشفيته حتي تبلغ مرتبة الحجية.

و بذلك تكون المرسلة حاكمة علي العمومات و كاشفة عن أن الرجوع للأيام و الأقراء ليس بلحاظ تحصيل جهة تعيين بالتكرار، بل بلحاظ تأكيد جهة خاصة تتحصل من القرء الواحد.

و من الظاهر أن القرء الواحد لا يصلح للتعيين من حيثية العدد إلا بعدده، و من حيثية الوقت إلا بموقعه من الشهر الهلالي فلا بد من تكررهما في بقية الأقراء، و مع الاختلاف بينها فيهما لا تنعقد عادة و إن تحصل من مجموعها جهة متفق عليها قد يصدق بلحاظها الأيام و الأقراء عرفا.

و منه يظهر ضعف ما في الجواهر من الاكتفاء بالشهر الحيضي مع كثرة التكرر بنحو يحصل لها الاعتياد العرفي، عملا بالعمومات بعد قصور المرسلة عنها، لاختصاصها بالعادة الشرعية.

إذ بما ذكرنا يتضح قصور العمومات عن ذلك بعد تحكيم المرسلة عليها.

و لو غض النظر عنه تعين الاكتفاء بالمرتين، لأن مقتضي المرسلة أن مصحح الإضافة التي تضمنتها العمومات هو المرتين.

و أما ما يظهر منه من ورود المرسلة لبيان العادة الشرعية، و موضوع العمومات العادة العرفية، فليعمل بكل منهما في مورده.

فهو لا يناسب ما في المرسلة من الاستدلال بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله الذي هو من جملة العمومات.

ص: 146

______________________________

بل ليس في المقام إلا عادة واحدة أخذت في موضوع العمومات، و مقتضي الإطلاق المقامي و إن كان هو اعتبار الاعتياد العرفي في صدقها، إلا أن ما تضمن الاكتفاء بالمرتين حاكم عليها.

ثم إن ما ذكرنا كما يقتضي توقف العادة الوقتية علي اتفاق الحيضتين في الوقت بلحاظ الشهر الهلالي، كذلك يقتضي اعتبار توالي الشهرين الهلاليين الذين يخرج فيهما الدم- كما هو ظاهر وصف الشهرين بالمتواليين في كلام بعضهم- فلا يكتفي باتفاق الحيضتين في الوقت من الشهر مع تخلل شهر لا دم فيه بينهما، لأن القرء الواحد إنما يصلح عرفا لتعيين الوقت بلحاظ مطلق الشهر، لا بلحاظ كل شهرين أو ثلاثة، فمع خروج الدم في الشهر المتصل به أيضا يكون القرء الثاني مؤكدا لما يكشف عنه القرء الأول، أما مع عدم خروجه فيه، فينتقض مفاد القرء الأول، و لا يكفي رؤيته في الشهر الثالث، لأنه إن أريد به إثبات العادة في كل شهر فهما علي خلاف ذلك، و إن أريد به إثباتها في كل شهرين فالقرء الأول لا يصلح للكشف عن ذلك، و إنما هو أمر متحصل من مجموع القرءين، كالاتفاق بلحاظ الشهر الحيضي، و قد سبق عدم ظهور المرسلة في ذلك.

و لا سيما مع ظهور قوله عليه السّلام: «حتي تنظر ما يكون في الشهر الثاني» في إرادة الشهر المتصل بشهر الدم، لا الشهر الثاني من شهور الدم و إن كان ثالثا أو رابعا بالإضافة للشهر الأول للدم.

فما صرح به بعضهم من الاكتفاء بعدم تخلل حيضة مخالفة مما لا مجال له و إن أرسله إرسال المسلمات.

الخامس: صرح في المعتبر و التذكرة و المنتهي و محكي غيرها بانعقاد العادة المركبة،

و هي التي تختلف فيها الأشهر بدورة منظمة كما لو رأت الدم في الشهر الأول خمسة أيام و في الثاني ستة و في الثالث سبعة، ثم رجعت إلي الخمسة و الستة و السبعة بالانتظام المذكور.

و إليه مال شيخنا الأعظم قدّس سرّه. بل عممه للاختلاف في الوقت، كما لو رأت الدم أول الشهر الأول و خامس الثاني و عاشر الثالث، ثم رجع إلي الأول و الخامس

ص: 147

______________________________

بالانتظام المذكور.

و كأن الوجه في ذلك- بعد قصور المرسلة و الموثقة عنه- عمومات رجوع المرأة لأقرائها و أيامها، لأنها و إن لم تقتض الاكتفاء بالتكرر مرتين، إلا أن المرسلة حاكمة عليها، لما سبق من ظهورها في الاكتفاء في النسبة بالمرتين.

و منه يظهر ضعف ما في الجواهر من عدم الاكتفاء فيها بالمرتين و اعتبار كثرة التكرار بالنحو الذي يحصل به الاعتياد العرفي، نظير ما سبق منه في الاعتبار بالشهر الحيضي.

اللهم إلا أن يقال: المرسلة إنما تضمنت الاكتفاء بالقرءين حملا للأقراء في كلام النبي صلّي اللّه عليه و آله علي ما يعممها، لا الاكتفاء بالمرتين و لو اشتملت كل مرة علي أقراء متعددة، كما في المقام.

فالاستدلال بالمرسلة يبتني علي إلغاء خصوصية موردها و فهم أن المعيار في العادة علي المرتين مطلقا، و هو لا يخلو عن إشكال.

بل لا مجال للبناء عليه، لأن العادة المركبة كما تكون بأشهر منفردة- كما في الفرض السابق- تكون بشهرين شهرين، كما لو رأت الدم خمسة في شهرين متواليين، ثم ستة في آخرين، ثم خمسة في شهرين، ثم ستة في آخرين و هكذا.

فالبناء علي عموم العادة للمركبة في الفرض السابق يقتضي عمومها لها في هذا الفرض، لعدم الفرق بينهما بالنظر للأدلة، و لازمه عدم العلم بالعادة البسيطة بالشهرين الأولين، لاحتمال تعقبهما بما يخالفهما مما تتحصل منه عادة مركبة، و هو لا يناسب المرسلة و الموثقة جدا.

و حملهما علي انعقاد العادة البسيطة ظاهرا لا واقعا حتي ينكشف الحال- مع بعده في نفسه لقوة ظهورهما في بيان العادة الواقعية- مستلزم لعدم الدليل علي انعقاد العادة الواقعية بالمرتين، لانحصار الدليل عليه بالموثق و المرسلة.

و مثله الإشكال فيما ذكره غير واحد من الاستدلال بعدم الفصل بين المرتين و الأكثر. لأن مجرد عدم الفصل لا يجدي ما لم يكشف عن الاتفاق علي عدم الفصل،

ص: 148

______________________________

بحيث يرجع إلي الإجماع علي الملازمة بين الاكتفاء بالمرار الكثيرة و الاكتفاء بالمرتين، و لا طريق لذلك مع عدم العثور علي تحرير المسألة ممن قبل المحقق في المعتبر، و قرب كون الوجه في بنائه و بناء من بعده علي ذلك التوسع في فهم النص، لا علي وضوحه عند الأصحاب و تسالمهم عليه بنحو يكشف عن إجماع تعبدي.

و لا سيما مع ما عرفت من استلزامه عدم العلم بانعقاد العادة البسيطة بشهرين متفقين الذي هو متيقن من كلماتهم كالنصوص.

مضافا إلي أن الاكتفاء بالمرتين في ذلك يستلزم التوسع في العادة المركبة كثيرا، لعدم خصوصية الوجه المتقدم في الدخول تحت العمومات، بل كما تكون بلحاظ اختلاف الشهور تكون بلحاظ اختلاف الأحوال و الأطوار، كالصحة و المرض، و الحرّ و البرد، و السفر و الحضر، و غيرها، فلو رأته مثلا خمسة حال الصحة و ثلاثة حال المرض و تكرر ذلك مرتين من دون فصل بما يخل بالنظم انعقدت لها عادة مركبة في الصحة و المرض.

بل يتوسع لكل ما يتكرر مرتين و إن لم يتحصل منه وقت و عدد محدودان، فلو رأته في شهرين متتاليين خمسة أيام ثم في آخرين ستة تنعقد لها عادة علي التطابق بين كل شهرين متتاليين، فلو رأته في الخامس أربعة لزم التحيض في السادس كذلك. و كذا لو كان الاتفاق بين كل شهرين متتاليين في الوقت.

بل يلزم أخذ كل جهة مشتركة تتكرر مرتين، سواء كانت بسيطة- كتطابق الشهرين المتتاليين في عدم النقيصة عن السبعة أو عدم التأخر عن نصف الشهر، مع اختلافهما في المقدار أو الوقت التفصيليين- أم مركبة- كتطابق كل شهرين أو ثلاثة في ذلك- إلي غير ذلك مما لا يظن بأحد الالتزام به- و إن كان قد يبدو من إطلاق بعض كلماتهم- لعدم إمكان تنزيل إطلاق ما دل علي رجوع من لا تعرف أيامها إلي التمييز أو غيره علي خصوص من لا يشترك لها قرآن في جهة أصلا، أو علي الرجوع في غير الجهة المشتركة. و من هنا لا ينبغي التأمل في عدم الاكتفاء في ذلك بالمرتين.

ص: 149

______________________________

و أما البناء عليها مع كثرة التكرار بالنحو الذي تصدق معه العادة عرفا- كما سبق من الجواهر- فهو مبني علي الرجوع للعمومات. و يشكل بأن العمومات لم تتضمن عنوان العادة لتشمل ما ابتنت علي اختلاف الأيام، بل علي عنوان أيام الحيض و أيامها و أيام أقرائها، و لا يبعد انصرافها إلي خصوص الأيام المتعينة المتفقة، دون المختلفة و إن كانت بانتظام.

بل ما سبق في تقريب عدم نهوض العمومات بإثبات العادة بلحاظ الشهر الحيضي جار هنا، لوضوح أن العادة المذكورة تتحصل من مجموع الأقراء، و ليست متحصلة من القرء الواحد و مؤكدة ببقية الأقراء لتنهض بها العمومات. فراجع ما سبق يتضح الحال هنا.

هذا و سيأتي من سيدنا المصنف قدّس سرّه التعرض للعادة المركبة في المسألة الحادية عشرة. و ذكرها هنا أنسب بنظم الكلام. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

السادس: لو كان حيض المرأة بنحو يتخلله النقاء

فبناء علي ما سبق منا من كون النقاء طهرا يتعين البناء علي كون أيام الدم هي المعيار في العادة الوقتية، سواء اتفق الشهران في تخلل النقاء بقدر واحد أو مختلف في محل واحد أو مختلف أم اختص به أحدهما و استمر الدم في الآخر بقدر أيام الدم في ذي النقاء لإطلاق موثق سماعة، حيث يصدق في جميع الفروض المذكورة تساوي أيام الدم.

و أما العادة الوقتية التفصيلية المبنية علي الاتفاق في أول الحيض و آخره و وسطه فلا إشكال في عدم انعقادها مع اختلاف الشهرين في تخلل النقاء أو في قدره أو موقعه.

و أما مع اتفاقهما في جميع ذلك فلا يبعد انعقادها في أيام الدم، لأنه و إن خرج عن المتيقن من المرسلة، لظهورها في فرض وحدة الانقطاع تبعا لوحدة الدم، إلا أنه لا يبعد إلغاء خصوصيتها في ذلك، و لا سيما مع الاستدلال فيها بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «دعي الصلاة أيام أقرائك» الذي يعم الأقراء المذكورة.

و منه يظهر انعقاد العادة الوقتية الإجمالية بلحاظ الأول أو الوسط أو الآخر في

ص: 150

______________________________

جميع الصور المذكورة.

نعم، الظاهر البناء علي حيضية الدم المستمر في وقت النقاء من العادة إذا لم يتجاوز مجموع الدم العشرة لما دل علي عدم الاقتصار علي العادة مع عدم التجاوز عن العشرة.

بل لا يبعد البناء علي حيضية ما يبدأ خروجه في أيام النقاء، لا لما في صحيح محمد بن مسلم في المرأة تري الصفرة في أيامها من قوله عليه السّلام: «لا تصلي حتي تنقضي أيامها» «1» و إن حكي عن بعض مشايخنا الاستدلال به، بدعوي: صدق عدم انقضاء أيامها في الفرض. لاندفاعها بأنه إنما تضمن نهي من تري الدم في أيامها لا مطلق من لم تنقض أيامها. بل لما قد يستفاد من نصوص تعجيل الدم عن العادة من ابتناء الرجوع للعادة علي نحو من التوسع في الوقت.

و كذا جواز تحيضها فيه مع استمرار الدم فيه في مورد مشروعية الاستظهار لها بعده في آخر الحيض، لقرب أولويته بالاستظهار منه. و إن كان الأمر محتاجا للتأمل.

و أما بناء علي المشهور من كون النقاء بحكم الحيض فدليله و إن لم يتحصل لنا- كما سبق- إلا أنه لا إشكال في عدم كونه بلسان تنزيل النقاء منزلة الدم، بل غايته تنزيله منزلة الحيض أو نفي الطهر عنه، و حينئذ يشكل شمول الموثق و المرسلة علي نحو يقوم مقام الدم في أحد الشهرين في انعقادها، بل يختصان بما إذا تساوي الشهران في أيام النقاء و أيام الدم، لظهورهما في أن المعيار في انعقاد العادة علي الدم، و ليس التعبير في الموثق بالقعود إلا كناية عنه، كما يشهد به ذيله الذي عليه المعول، لوروده في تحديد العادة.

و لا ينافيه الاستدلال في المرسلة بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله المتقدم، لأن أيام الأقراء و إن كانت شاملة له علي المبني المذكور، إلا أن المرسلة تضمنت وروده فيمن تعرف أيامها، و ظاهرها إرادة أيام الدم التي تضمنت هي انعقاد العادة بها.

نعم، يتعين علي المبني المذكور الجلوس في أيام النقاء بعد انعقاد العادة باتفاق أيام الدم كسائر أفراد النقاء المتخلل بين الدميين، كما لا يبعد البناء علي حيضية الدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 151

______________________________

الخارج فيه، لما سبق من الاستظهار.

و منه يظهر أن ما تضمن الأمر بالجلوس عن الصلاة أيام الأقراء و إن اقتضي في الفرض الجلوس أيام النقاء، لأنها من جملة الأقراء علي المبني المذكور، إلا أنه لا يدل علي انعقاد العادة بلحاظها، لأنه وارد لبيان حكم العادة، لا كيفية انعقادها. فلاحظ.

هذا و أما ما حكاه شيخنا الأعظم قدّس سرّه عن بعض من قارب عصره من أن المدار في العادة علي الدم الأول وقتا و عددا، مدعيا أنه المستفاد من الفتاوي و النصوص بعد إمعان النظر، فلا يبعد أن يكون الوجه فيه ما أشرنا إليه من ظهور المرسلة في وحدة الانقطاع، و لا يبعد كونه منصرف كلمات الأصحاب.

لكنه لو تم اقتضي عدم انعقاد العادة بالحيض المتقطع، لخروجه عن موردها، لا انعقادها بخصوص الدم الأول منه. علي أنه عرفت ما يصلح للخروج عنه، بل لا مجال له في الموثق، لعدم ما يشعر به فيه.

السابع: ادعي في المنتهي الاتفاق علي انقلاب العادة العددية بالمرتين المتفقتين،

بل هو ظاهره في الوقتية أيضا، و به صرح شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره ممن تأخر عنه.

و لا يخفي أن الجمود علي الموثق و المرسلة لا يقتضيه، لورودهما في بيان كيفية انعقاد العادة للمبتدئة، بل مقتضي إطلاقهما العمل علي العادة المذكورة و لو مع مخالفتها فيما بعد بشهر واحد أو أكثر متفقة أو مختلفة.

نعم، لما تضمنت المرسلة الاستدلال بالنبوي الذي هو كبقية العمومات ظاهر في العادة الفعلية، و لم يظهر منها الخروج عن مفاده العرفي إلا في الاكتفاء بالمرتين، كان حملها علي العمومات أقرب من حمل العمومات عليها عرفا، فتحمل علي نسخ كل مرتين متفقتين لما قبلها، كما تنسخ المرات الكثيرة التي تتحقق بها العادة العرفية ما قبلها لو بقينا علي العمومات و قلنا بالعادة العرفية، فينزل الموثق علي ذلك أيضا، لأنه مثلها.

و بعبارة أخري: لما كان مقتضي العمومات أن المدار علي الأقراء و الأيام الفعلية المستلزم لنسخ كل عادة لما قبلها، و كان مقتضي الموثق و المرسلة الاكتفاء في العادة

ص: 152

______________________________

بمرتين متفقتين كان مقتضي الجمع بينهما و بين العمومات عرفا نسخ كل مرتين متفقتين لما قبلهما و صدق الأيام و الأقراء بها لا بما قبلها، و هو أقرب من تنزيل العمومات علي خصوص الأوليين جمودا علي ظاهر الموثق و المرسلة.

ثم إنه صرح في المنتهي بعدم زوال حكم العادة بالمرة المخالفة لها، بل قد يظهر من اقتصاره في نسبة الخلاف علي أبي يوسف الاتفاق منا بل من بقية العامة علي ذلك.

و يقتضيه إطلاق الإرجاع للعادة المذكورة في الموثق و المرسلة.

بل مقتضاه عدم زوالها بالمرتين و الأكثر مع الاختلاف. إلّا بناء علي انعقاد العادة في القدر المشترك بين المختلفين، حيث يتجه نسخه لمقتضي العادة السابقة، بناء علي ما عرفت من نسخ كل عادة لما قبلها، فلو كانت عادتها خمسة أو في أول الشهر، ثم رأته في شهر ستة و في آخر سبعة، أو في شهر في السابع و في آخر في العاشر، انعقد لها عادة عددية بما زاد علي الخمسة، أو وقتية بعد السادس من الشهر، و انتقضت العادة الأولي.

لكن عرفت في الأمر الرابع و الخامس ضعف المبني المذكور، و أن العادة تختص بالمتفقين، فيتعين بقاء العادة الأولي.

و دعوي: أن مقتضي مفهوم قوله عليه السّلام في الموثق: «فإذا اتفق الشهران عدة أيام سواء فتلك أيامها» عدم ثبوت العادة مع اختلاف الشهرين.

مدفوعة بأن مقتضي المفهوم المذكور كون اختلاف الشهرين مانعا من انعقاد العادة بهما، لا من ثبوت العادة مطلقا و لو بغيرهما. علي أنه لو كان مقتضاه عدم ثبوت العادة مطلقا و لو بغيرهما فالمرأة داخلة في المنطوق، لفرض اتفاق الشهرين اللذين أوجبا العادة السابقة لها.

نعم، لو كان المراد بالشهرين خصوص الأخيرين اتجه دخولها في المفهوم.

لكنه- مع مخالفته لإطلاق الشهرين خصوصا مع تنكير لفظهما كما في نسخة التهذيب- مستلزم لارتفاع العادة بالشهر الواحد المخالف للعادة، لأنه و الشهر السابق مختلفان.

هذا و قد يدعي زوال حكم العادة بالأشهر المختلفة إذا كانت كثيرة يصدق بها

ص: 153

______________________________

كون المرأة مضطربة، إما لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من انصراف إطلاق الإرجاع للمرتين عن ذلك. أو لإطلاق ما تضمن الرجوع مع الاضطراب و عدم العادة إلي التمييز و نحوه، فإنه لو لم يقدم علي إطلاق الإرجاع للمرتين فلا أقل من تكافئهما و الرجوع لإطلاق الإرجاع للتمييز.

لكن لم يتضح حال الانصراف المدعي، بل الظاهر أنه- لو تم- بدوي، و أن الإطلاق المذكور محكم، فتكون به المرأة ذات عادة ترجع إليها لا مضطربة ترجع للتمييز.

نعم، قد يستدل عليه في الجملة بموثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث المرأة التي سألته عمن يستمر بها الدم، و فيه: «قال عليه السّلام: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين. قالت له: إن أيام حيضها تختلف عليها، و كان يتقدم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة و يتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال: دم الحيض ليس به خفاء … » «1» لأن فرض التقدم و التأخر مناسب لتعيين الوقت بعادة سابقة.

و قوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة: «و أما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت و نقصت حتي أغفلت عددها و موضعها من الشهر … [إلي أن قال:] و كان أبي يقول: إنها استحيضت سبع سنين، ففي أقل من هذا تكون الريبة و الاختلاط … [إلي أن قال:] إن اختلطت الأيام عليها و تقدمت و تأخرت فسنتها إقبال الدم و إدباره و تغير حالاته … » «2»، لأن فرض الزيادة و النقيضة مناسب لإرادة اختلاف الدم اللاحق عن العادة، لا كون استمرار الدم موجبا لنسيان العادة.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لقرب حمل الموثق علي اضطراب الحيض ابتداء، لا بعد انعقاد العادة، لنسبة الاختلاف فيه إلي أيام الحيض، فيراد تقدم كل حيض و تأخره عما قبله لا عن العادة، و إلّا كان المناسب أن يقال: إن حيضها اختلف عن أيامها.

كما أن الحمل المذكور في المرسلة لا يناسب التعبير بالإغفال الظاهر في النسيان، و لا لجعل سبب الاختلاط فيه طول الدم، لوضوح أن الاضطراب عن العادة لو تم

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 154

(مسألة 4): ذات العادة الوقتية- سواء أ كانت عددية أم لا- تتحيض بمجرد رؤية الدم في العادة (1).

______________________________

يستند لتعدد الحيضات المختلفة لا لطول الدم الواحد الذي حكمه الرجوع للعادة، بل المناسب له نسيان العادة. و من ثم لا تخلو المرسلة عن إجمال، فلا تنهض بالخروج عن إطلاق الرجوع للمرتين.

هذا ما يهم من الكلام في فروع العادة، و لم يبق إلا الكلام في انعقاد العادة بالتمييز، الذي يأتي الكلام فيه تبعا لسيدنا المصنف قدّس سرّه في المسألة السابعة. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق.

مسألة 4: ذات العادة الوقتية- سواء أ كانت عددية أم لا- تتحيض بمجرد رؤية الدم في العادة
اشارة

(1) إجماعا، كما في الشرائع و عن فوائدها و التحرير و كشف الالتباس، و هو مذهب أهل العلم، كما في المعتبر، و بإجماع العلماء، كما في التذكرة، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم، كما في المنتهي، و نفي الخلاف فيه في جامع المقاصد.

و يقتضيه جملة من النصوص …

منها: ما تضمن تحيض المرأة مطلقا برؤية الدم، مثل ما ورد في الحامل «1»، مما تقدم بعضه، و فيمن اشتبه دمها بالعذرة «2»، أو القرحة «3»، و فيمن تري الدم مكررا كل ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة أو ستة «4»، و فيمن ذهب طمثها ثم عاد إليها شي ء «5»، و فيمن يفجؤها الدم في الصلاة «6»، و فيمن تحيض في أثناء وقت الصلاة «7»، أو في أثناء النهار و هي صائمة «8»، و غيرها مما يأتي التعرض له في المسألة الخامسة.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض.

(2) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض.

(3) راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض.

(4) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض.

(5) الوسائل باب: 32 من أبواب الحيض حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 44 من أبواب الحيض حديث: 1.

(7) راجع الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض.

(8) راجع الوسائل باب: 50 من أبواب الحيض.

ص: 155

______________________________

فإنها بين ظاهر و صريح في ترتيب أثر الحيض بمجرد رؤية الدم و عدم لزوم إحراز استمراره ثلاثة أيام الذي لا يكون غالبا إلا بالانتظار، و يأتي في المسألة الخامسة ما يتعلق بالنصوص المذكورة.

و منها: ما تضمن جلوس مستمرة الدم أيام حيضها «1»، كموثق إسحاق بن جرير المتقدم «2»، و مرسلة يونس الطويلة «3» و غيرهما، لظهوره في فعلية الجلوس في تمام أيام الحيض، لا أنه الحكم الواقعي و إن لم يعمل عليه فعلا، لعدم اليقين باستمرار الدم ثلاثة أيام إلا بعد مضيها.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن عمومات الأمر بالقعود عن الصلاة أيام الحيض لا تصلح للاستدلال، لظهورها في الحكم الواقعي للحيض، لا في التحيض بالرؤية. إلا أن يريد بالعمومات المذكورة ما تضمن حرمة الصلاة حال الحيض، حيث لا تنهض بإحراز حيضية الدم الخارج لو علم استمراره ثلاثة أيام، فضلا عما لو لم يعلم.

و منها: ما دل علي ترك المرأة الصلاة برؤية الدم في أيام حيضها، كمرسلة يونس القصيرة «4» المتقدمة عند الكلام في اعتبار التوالي في أقل الحيض. بل التعرض فيها بعد ذلك لانقطاع الدم قبل الثلاثة موجب لكونها كالصريحة في عدم الاعتناء بالاحتمال المذكور في أول الأمر.

و منها: ما يأتي في تحيض المرأة برؤية الصفرة في أيام الحيض، حيث يدل علي التحيض برؤية الدم و الحمرة بالأولوية العرفية. و لعله لذا حكي عن جامع المقاصد دعوي تواتر الأخبار عن المعصومين عليهم السّلام بذلك، كما ادعي في المستند تواترها الإجمالي.

فلاحظ.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 5، 3 من أبواب الحيض.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 156

______________________________

ثم إن المناسب للحكم المذكور هو العادة الوقتية عددية كانت أم لا، كما ذكره في المتن و سبقه إليه في المسالك و كشف اللثام و عن غيرهما.

و يناسبه إطلاق مثل مرسلة يونس القصيرة المتضمنة تحيض المرأة برؤية الدم في أيام حيضها «1»، لصدقه في الوقتية فقط.

و قد يظهر من بعضهم الاقتصار علي العددية الوقتية، لاقتصارهم في بيان العادة عليها. لكن سبق في أقسام العادة أن ذلك لا يكشف عن خلافهم في اعتبار الوقتية فقط.

و أما ما قد يظهر من الشرائع من أن المدار علي كون المرأة ذات عادة عددية و إن لم تكن وقتية. فهو لا يناسب النصوص الظاهرة في خصوصية العادة في الحكم المذكور، لأن موضوعها رؤية الدم في أيام الحيض، المستلزم لتعيين وقته لا عدده.

و ما في الجواهر من الاستئناس له بعد الإجماع المدعي في الشرائع بالنصوص الآتية المتضمنة التحيض برؤية الدم و الصفرة قبل الحيض، لأنه لو كان مدار التحيض بالرؤية علي الوقت لما حكم به مع عدم الرؤية فيه. كما تري، لعدم صلوح الإجماع المذكور للحجية مع ظهور بقية معاقد الإجماعات المتقدمة- و منها ما ادعاه المحقق نفسه في المعتبر- كبقية كلمات الأصحاب و النصوص في أن المعيار علي العادة الوقتية.

و أما النصوص المذكورة فهي مختصة بما إذا كان الفاصل مع التقدم قليلا- كما سيأتي- فلا مجال للتعدي منها لما إذا لم يتعين الوقت أصلا. و لو فرض التعدي عن موردها لزم عدم اعتبار العادة العددية أيضا، لعدم الدليل عليها، و عدم مناسبتها للحكم ارتكازا. كما هو الحال لو بني علي العمل بمطلقات التحيض برؤية الدم.

و من هنا لا يبعد أن يكون ذلك من الشرائع قرينة علي أن مراده بالعادة العددية خصوص الوقتية منها، كما سبق التنبيه عليه عند الكلام في أقسام العادة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 157

أو قبلها (1).

______________________________

(1) كما في المستند مدعيا أنه الأشهر، بل قيل إنه إجماع. انتهي. و يقتضيه ما في صحيح الصحاف الوارد في الحامل من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت تري فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها» «1»، و موثق سماعة: «سألته عن المرأة تري الدم قبل وقت حيضها. فقال: إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت» «2»، و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المرأة تري الصفرة.

فقال: إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض» «3»، و موثق معاوية ابن حكيم قال: «قال: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و بعد أيام الحيض فليس من الحيض، و هي في أيام الحيض حيض» «4»، و خبر علي بن أبي حمزة: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن المرأة تري الصفرة.

فقال: ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، و ما كان بعد الحيض فليس منه» «5».

فإن هذه النصوص و إن كانت واردة لبيان حيضية الدم المذكور واقعا أو ظاهرا، لدفع توهم عدم حيضيته لكونه من الحامل أو متقدما أو صفرة، لا لاحتمال عدم استمراره ثلاثة أيام، و لذا يتحقق موضوعها مع العلم باستمراره، إلا أن إناطة التحيض فيها بالرؤية و عدم التنبيه فيها إلي لزوم الانتظار و الاحتياط ظاهر في المفروغية عن عدم الاعتناء باحتمال عدم استمرار الدم.

و بها يخرج عن إطلاق ذيل صحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تري الصفرة في أيامها فقال: لا تصلي حتي تنقضي أيامها. و إن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت» «6».

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 158

أو بعدها (1)

______________________________

و مثله في ذلك مرسلة يونس الطويلة الدالة علي اقتصار ذات العادة علي عادتها «1». علي أنه لا يبعد اختصاصها بمستمرة الدم، فلا تنافي تحيض غيرها قبل العادة لو تقدم دمها.

و منه يظهر ضعف ما في المسالك من أن رؤيته متقدما علي العادة كرؤية المبتدأة و المضطربة له، و ما في جامع المقاصد من لزوم الاحتياط لها إلي الثلاثة، و ما في المدارك من تحيضها به مع كونه بصفات الحيض عملا بنصوص الصفات، الراجع إلي إلغاء خصوصية العادة. فإنه لا يناسب النصوص الأخيرة، و لا سيما مع استدلاله في المدارك بصحيح أبي بصير.

نعم، لا مجال لردهم بالاتفاق المدعي في المنتهي علي حيضية الدم الخارج قبل العادة بيومين، لأنه أعم من التحيض به بمجرد خروجه مع الشك في استمراره ثلاثة أيام.

(1) كما قواه في جامع المقاصد و شيخنا الأعظم. و خصه في المدارك بما إذا كان بصفة الحيض، عملا بأخبار الصفات. و مرجعه إلي عدم خصوصية ذات العادة، و الكلام الآن في خصوصيتها، و أن التأخر كالتقدم يقتضي البناء علي الحيضية في ذات العادة مع قطع النظر عن الأدلة العامة، أو لا، بل هي كالمبتدأة و المضطربة فيلحقها ما يأتي في المسألة الآتية. كما أن كلام بعضهم- كجامع المقاصد- منصب إلي التحيض بمجرد الرؤية مع المفروغية عن حيضية الدم لو استمر، و كلام آخرين منصب إلي أصل حيضية الدم حتي لو استمر.

و كيف كان، فقد يستدل علي التحيض ظاهرا بمجرد الرؤية مع المفروغية عن حيضية الدم لو استمر …

تارة: بما في جامع المقاصد و غيره من أن تأخر الدم يزيده انبعاثا.

______________________________

(1) تقدمت في أول الفصل.

ص: 159

______________________________

و اخري: بما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن المستفاد من تعليل التحيض مع التقدم في موثق سماعة بالتعجيل أن المدار علي مطلق التخلف.

و ثالثة: بأن كل من قال بالتحيض مع التقدم قال به مع التأخر، و لا عكس، حيث توقف فيه في جامع المقاصد مع التقدم و قواه مع التأخر، بل ادعي في المستند الإجماع علي التحيض مع واجديته للصفات، و حكي عن بعض الأجلة دعوي الإجماع عليه.

و يندفع الأول بأنه- مع عدم نهوضه بإثبات حكم شرعي- لا يناسب التحيض مع عدم شدة انبعاث الدم، فضلا عما إذا كان صفرة مترشحا، حيث يكون مقتضي التعليل عدم حيضيته.

و الثاني تعدّ عن مفاد النص بلا قرينة، بل احتمال خصوصية التقدم معتد به، و لا سيما بملاحظة نصوص الصفرة المتقدمة الصريحة في الفرق بين التقدم و التأخر.

و الثالث لا يبلغ مرتبة الحجية، و لا سيما مع عدم وضوح تحرير ذلك إلّا في كلمات المتأخرين مع تصريحهم بالاستدلال ببعض الوجوه المتقدمة التي عرفت ضعفها.

فالبناء علي إلحاق رؤيته متأخرا عن العادة برؤية المضطربة و المبتدأة له لا يخلو عن قوة.

هذا في غير الصفرة، أما الصفرة فمقتضي بعض النصوص المتقدمة و غيرها البناء علي عدم حيضيتها إذا كانت بعد أيام العادة بيومين فلا تتحيض بها و إن استمرت ثلاثة أيام.

و حملها علي ما إذا كانت الصفرة استمرارا للحيض المرئي في العادة لا دما غير مسبوق بحيض قد تأخر عنها الذي هو محل الكلام، بإرادة التأخر عن الحيض الفعلي.

لا يناسب إطلاق غير واحد منها، و لا سيما صحيح محمد بن مسلم الذي لم يخص عدم الحيضية فيه بالتأخر، بل بالرؤية في غير أيامها، و لم يخرج عنه إلا صورة التقدم.

و خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام و فيه: «ما دامت تري الصفرة فلتتوضأ من

ص: 160

______________________________

الصفرة و تصلي، و لا غسل عليها من صفرة تراها، إلا في أيام طمثها، فإن رأت صفرة في أيام طمثها تركت الصلاة كتركها للدم» «1».

نعم، لا يبعد اختصاص موثق معاوية بن حكيم به، لأن التفصيل فيه بين ما يري في أيام الحيض و ما يري في غيرها، بالتعبير عن الأول بأنه حيض، و عن الثاني بأنه منه إن كان قبلها و ليس منه إن كان بعدها كالصريح في عدم صلوحه لأن يحكم عليه بأنه حيض مستقل، بل هو متصل بالحيض التام الحاصل في العادة محكوم بأنه منه مع التقدم و ليس منه مع التأخر.

لكن قد يشكل في الأخير بمنافاته لنصوص الاستظهار المتضمنة للتحيض بعد إكمال العادة لمستمرة الدم بيوم أو يومين أو ثلاثة أو إلي العشرة «2»، لعدم التفصيل فيها بين الصفرة و غيرها، بل في موثق سعيد بن يسار أو صحيحه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تحيض ثم تطهر، و ربما رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها. فقال: تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي» «3».

بل قد يظهر من بعض نصوص الاستبراء المفروغية عن كون الصفرة في آخر الحيض من الحيض، ففي صحيح ثعلبة عنه عليه السّلام: «أنه كان ينهي النساء أن ينظرن إلي أنفسهن في المحيض بالليل، و يقول: إنها قد تكون الصفرة و الكدرة» «4».

إلا أنه يندفع بأن غاية ما يقتضيه عدم التفصيل في نصوص الاستظهار العموم القابل للتخصيص بالنصوص السابقة. و لا سيما مع قرب انصراف الدم أو قصوره- حتي الرقيق منه الذي تضمنه حديث سعيد- عن الصفرة.

و مثلها في قبول التقييد و في الانصراف نصوص الاستبراء، لأنها تضمنت عنوان الدم، و في بعضها: «دم عبيط» «5». بل في موثق سماعة عنه عليه السّلام: «قلت له: المرأة

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 8.

(2) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 19 من أبواب الحيض حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 161

______________________________

تري الطهر و تري الصفرة أو الشي ء فلا تدري أ طهرت أم لا؟ قال: … فلتقم … ثم تستدخل الكرسف … فإن خرج دم فلم تطهر … » «1»، فإن فرض الشك في الطهر مع رؤية الصفرة ظاهر في المفروغية عن عدم حيضيتها، و أن الاستبراء إنما هو لاحتمال عدم كون النازل من الرحم صفرة، بل دما، و إنما صار صفرة لاختلاطه بماء الفرج بعد ذلك.

فلم يبق إلا صحيح ثعلبة الذي هو كالصريح في عدم النقاء مع الصفرة و الكدرة، إلّا أن تقييده بما إذا لم يتأخر عن العادة يومين غير عزيز.

بل قد يدعي أن عدم النقاء مع الصفرة و الكدرة أعم من كونهما حيضا، لإمكان كونهما استحاضة، و إنما نهي عن النظر ليلا لئلا يضيعان عليها فتعتقد بالطهر و تغتسل من الحيض من دون ترتيب أحكام الاستحاضة. فتأمل.

نعم، قد يشكل مفاد النصوص علي عمومه بظهور إعراض الأصحاب و عدم عملهم بمضمونها و بنائهم علي حيضية الصفرة الخارجة في الزمان القابل للحيض، سواء كانت حيضا مستقلا أم استمرارا للحيض.

كما يشهد به- مضافا إلي ما سبق في الوجه الثالث- ظهور جملة من كلماتهم و تفريعاتهم في المفروغية عن عدم اعتبار الصفات في جريان قاعدة الإمكان، بل صرح جملة منهم بعمومها للصفرة، علي ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

و من هنا كان ظاهر غير واحد تنزيل النصوص المذكورة و نحوها علي أن المراد بأيام الحيض أيام إمكانه لا أيام العادة، فقد ادعي في الروض أنه مقتضي إطلاق النصوص.

و قال في الخلاف: «الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض، و في أيام الطهر طهر. سواء كانت العادة أو الأيام التي يمكن أن تكون حائضا فيها … دليلنا … إجماع الفرقة»، و قريب منه في المبسوط من دون دعوي الإجماع مع تعقيبه بالفروع المناسبة له ثم قوله: «و إنما قلنا بجميع ذلك لما روي عنهم عليهم السّلام من أن الصفرة في أيام الحيض حيض، و في أيام الطهر طهر».

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 162

______________________________

و يناسبه ما في السرائر، حيث حمل أيام الحيض في قولهم عليهم السّلام: «الكدرة و الصفرة في أيام الحيض حيض و في أيام الطهر طهر» علي العشرة التي هي حد لأكثر الحيض لا علي أيام العادة. كما قد يظهر من المراسم أيضا، لتعليله الاكتفاء بالاستبراء الذي أوجبه علي الحائض مطلقا بالصفرة و الكدرة بأنهما في أيام الحيض حيض.

و عليه حمل في الروض قول العلامة في الإرشاد: «و الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض، كما أن الأسود الحار في أيام الطهر فساد»، و يناسبه ما في ذيله، و إلّا فلا إشكال ظاهرا في إمكان تعجيل الحيض كثيرا لذات العادة، كما تضمنته بعض النصوص، كصحيح عبد الرحمن «1» المتقدم عند الكلام في اعتبار التوالي.

لكن حمل أيام الحيض علي أيام إمكانه بعيد في نفسه لا قرينة عليه، بل لا مجال له في النصوص المتقدمة المعبر في بعضها بأيام المرأة، لا أيام حيضها، و الظاهر من بعضها خصوصية الصفرة في الحكم، و لا سيما مع التفصيل فيها بين ما قبل الحيض أو أيامه و ما بعدها مع تحديد القبلية و البعدية، لوضوح عدم حيضية ما في غير أيام الإمكان مطلقا، بل صريح مرسلة يونس الطويلة «2» أن أيام الحيض التي جرت السنة بأن الكدرة و الصفرة فيها حيض هي أيام العادة، كما أن ذلك كالصريح من معتبرة اسماعيل الآتية.

و فهم من عرفت أيام الإمكان من أيام الحيض غير واضح المأخذ. و مثله حملها علي عدم التحيض بالصفرة بمجرد الرؤية و إن وجب التحيض بها بعد الاستمرار ثلاثة أيام، علي ما يأتي في المسألة الخامسة.

و لذا لا مجال لتحصيل الإعراض الموهن للنصوص، لعدم ظهور كلام من سبق في الإعراض عنها، بل في الاعتماد عليها، و الاستدلال بها بعد فهم خلاف ظاهرها.

و لا سيما مع ظهور العمل بها من الكليني، حيث أودع جملة منها في باب المرأة

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب العدد من كتاب الطلاق حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 163

______________________________

تري الصفرة قبل الحيض أو بعده، و من الصدوق في الفقيه، حيث أرسل بعضها في الفقيه، كما قد يظهر من التذكرة حيث عبر بنظير عبارة الإرشاد، ثم قال: «و روي عن الصادق عليه السّلام أن الصفرة حيض إن كان قبل الحيض بيومين و إن كان بعده بيومين فليس منه»، و مع التعبير بأن الصفرة في أيام الحيض حيض و في أيام الطهر طهر- من دون إشعار بحملها علي أيام الإمكان- في المقنع و الهداية و الفقيه و الناصريات و النهاية، و قد يظهر من الفقيه حكايته عن رسالة والده، كما يظهر من الناصريات أنه إجماعي. كما قد يقوي احتماله فيما تقدم من عبارة الإرشاد علي ما أوضحه شيخنا الأعظم قدّس سرّه، بل قال في المنتهي بعد أن ذكر صفات الحيض: «و قال أبو حنيفة: ما عدا البياض الخالص حيض. و هو حق إن كان في زمن العادة».

و قد يظهر من الوسيلة التردد، حيث قال: «و الصفرة و الكدرة في أيام الحيض أو فيما يمكن أن يكون حيضا حيض، و في أيام الطهر طهر». فتأمل.

و مع كل ذلك لا مجال لطعن النصوص المتقدمة بالإعراض، بل يتعين العمل عليها. و يأتي في آخر الكلام في عموم حجية الصفات ما ينفع في المقام.

ثم إنا قد أشرنا آنفا إلي أن نصوص التفصيل بين المتقدم و المتأخر عن العادة مخصصة لعموم عدم حيضية الصفرة في غير أيام العادة المستفاد من صحيح محمد بن مسلم، و من المرسل الذي أشير إليه في كلام من تقدم و لا يبعد كون المراد به مفاد الصحيح.

و حينئذ لا وجه لإطلاق عدم حيضيتها في أيام الطهر في كلام من عرفت، عدا الصدوق في الفقيه، حيث عقب الإطلاق المذكور ببعض نصوص التفصيل، و كذا ما سبق من التذكرة.

بقي في المقام أمور..
الأول: حكم الصفرة في غير أيام العادة

أن حديثي أبي بصير و معاوية حيث تضمنا تقييد التقدم و التأخر باليومين فظاهرهما بيان أول زمان يحكم فيه بالحيضية و عدمها، فما يري قبل أيام الحيض بأكثر من يومين فليس حيضا- و هو مقتضي صحيح محمد بن مسلم أيضا-

ص: 164

______________________________

و ما يري بعد أيام الحيض بأقل من يومين فهو حيض، و إلا كان القيد لاغيا عرفا، بل لزم عدم استيفاء التفصيل لأقسام الصفرة، و هو مما يأباه الحديثان، و لا سيما مع وقوع التفصيل المذكور بعد السؤال عن حكم الصفرة في حديث أبي بصير و التعرض لما يري في أيام الحيض في موثق معاوية بن حكيم.

و بذلك يخرج عن إطلاق ما تضمن عدم حيضية الصفرة في غير أيام الحيض، كصحيح محمد بن مسلم المتقدم، أو بعد الحيض، كخبر علي بن أبي حمزة المتقدم أيضا، أو بعد أيامه، كمعتبرة اسماعيل الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عادتها لم تصل، و إن كانت الصفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت» «1» و غيرها.

نعم، البناء علي حيضية الصفرة بعد أيام العادة بأقل من يومين مشروط بإمكان ذلك، إما بأن تكون استمرارا للدم المرئي في أيام العادة، أو دما جديدا بعد انقطاعه قبل تمام العشرة من حين رؤية الدم. أما لو حدثت بعد إكمال العشرة، كما لو كانت عادتها تسعة أيام أو عشرة ثم رأته صفرة في اليوم الحادي عشر أو استمر له صفرة فلا مجال لحيضيته، لعدم تخلل أقل الطهر في الأول، و لعدم تجاوز الحيض عن العشرة في الثاني.

و هو لا ينافي عموم حيضية الصفرة قبل مضي يومين بعد العادة، لأن المراد بالعموم المذكور بيان عدم مانعية كونها صفرة من حيضيتها، لا حيضيتها مطلقا و لو في مورد امتناع حيضية الدم فيه.

و مثلها في ذلك ما لو حدثت من دون سبق الحيض في أيام العادة، أما مع انقطاعها بمضي اليومين بعد العادة فلعدم بلوغها أقل الحيض، و أما مع استمرارها فلتوقف حيضيتها علي حيضية ما بعد اليومين، و مقتضي النصوص المتقدمة عدم حيضيته، فيمتنع حيضية ما قبل اليومين، لعدم بلوغه أقل الحيض، لا لكونه صفرة، لينافي عموم حيضية الصفرة قبل مضي يومين من انقضاء العادة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 165

______________________________

نعم، لو انقلبت بعد اليومين إلي دم و استمر المجموع ثلاثة أيام لم يبعد البناء علي حيضية المجموع، بناء علي ثبوت عموم يقضي بحيضية الدم في غير أيام العادة، حيث تكون حيضية المجموع مقتضي العمومين معا.

اللهم إلا أن يقال: بعد أن سبق اختصاص موثق معاوية بن حكيم بالصفرة المتصلة بما في العادة فالظاهر أن حديثي أبي بصير و علي بن أبي حمزة مختصان بما يتصل بالحيض لا بأيامه، و حينئذ لا مجال للبناء علي حيضية الصفرة في الفرض المذكور إلا إذا كان الدم المتصل بها محكوما بالحيضية، لبلوغه ثلاثة أيام.

و عليه يكون المتحصل من مجموع النصوص: أن الصفرة إن كانت متصلة بالدم المحكوم بالحيضية سواء كان في أيام العادة أم في غيرها إنما يحكم عليها بالحيضية إذا كانت قبل الحيض بيومين فما دون أو بعده بأقل من يومين، من دون فرق بين ذات العادة و غيرها.

نعم، لو رأتها قبل الحيض بثلاثة أيام فهل يحكم بعدم حيضية خصوص اليوم الأول، أو بعدم حيضيتها بتمامها؟ الأول أنسب بالإطلاق، و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

و إن كانت مستقلة بنفسها فهي في أيام العادة حيض، و كذا ما يتصل بها من طرفيها إلي يومين، كما يقتضيه موثق معاوية بن حكيم، و كذا صحيح محمد بن مسلم في الجملة. و إن كانت متقدمة عليها أو متأخرة عنها بأكثر فهي ليست حيضا.

و إن كانت من غير ذات العادة لم يبعد البناء علي عدم حيضيتها، لأن مقتضي اشتراط كونها حيضا في النصوص بكونها قبل الحيض بيومين عدم حيضيتها بدون ذلك، سواء كان هناك حيض قد تقدمت عليه بأكثر من يومين أم لم يكن حيض أصلا.

و لا بد من التأمل التام. و منه سبحانه نستمد العون، و به الاعتصام.

الثاني: لا يخفي أن النصوص المتقدمة لا تنهض ببيان اعتبار الصفات في حيضية الدم في موردها،

لأن الصفرة أخص من الدم الفاقد للصفات، فنفي حيضيتها أعم من نفي حيضيته، فلو كان مقتضي بعض الأدلة حيضية الدم مطلقا فلا مجال للخروج عنه بالنصوص المذكورة. و إلغاء خصوصية الصفرة فيها، و فهم أن المدار علي فقد

ص: 166

بيوم أو يومين أو نحوه مما يصدق معه التقدم أو التأخر عرفا (1)، و إن كان

______________________________

الصفات مطلقا بلا شاهد.

الثالث: في مرسلة يونس القصيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«و كل ما رأته المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «1». و لا بد من تنزيله في الحمرة علي ما يناسب نصوص الاستظهار، و ما تضمن أن ما يري في ضمن العشرة فهو من الحيضة الأولي. و لعل الأقرب تنزيله علي مستمرة الدم. فتأمل. و أما في الصفرة فيظهر الحال مما تقدم.

(1) أما مع التقدم فكأنه للتعبير بالتعجيل في موثق سماعة، بدعوي ظهوره في كون الدم المتقدم من شئون العادة لقربه منها، و التقييد بالقلة في صحيح الصحاف و باليومين في حديثي أبي بصير و معاوية بن حكيم.

فيخرج بذلك عن إطلاق القبلية في خبر علي بن أبي حمزة. مع أنه- مضافا إلي الإشكال في سنده- يشكل الإطلاق فيه، للمقابلة فيه بين التقدم و التأخر. قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «إذ لو لم يكن المراد التقدم قليلا لم يكن وجه للمقابلة بينهما، إذ كل ما قبل الحيض السابق يصدق عليه أنه بعد الحيض اللاحق و بالعكس، بخلاف ما لو حمل علي التقدم قليلا».

لكن التقييد باليومين مختص بالصفرة فالتعدي للدم موقوف علي فهم عدم الخصوصية لها، و هو ممنوع. و منه يظهر لزوم الجمود في الصفرة علي اليومين و عدم التعدي لغيرهما مما يصدق معه التعجيل أو قلة التقدم، لورودهما في الدم.

و صحيح الصحاف مختص بالحامل التي ثبت فيها التفصيل بوجه خاص لا يجري في غيرها.

و أما التعجيل في الموثق فالظاهر أنه مطلق شامل للتقدم و لو كثيرا، كإطلاقات التحيض برؤية الدم. بل هو كالصريح من صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه:

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 167

______________________________

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا طلقها زوجها متي تكون [هي] أملك بنفسها.

قال: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها. قلت: فإن عجل عليها الدم قبل أيام قرئها؟ قال: إذا كان الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة التي طهرت منها، و إن كان الدم بعد العشرة أيام فهو من الحيضة الثالثة، و هي أملك بنفسها» «1»، حيث طبق الإمام عليه السّلام التعجيل علي ما إذا كان الدم قبل العشرة من الحيض الأول، فضلا عما بعدها مما قد يكون قبل العادة بسبعة عشر يوما.

و ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من الفرق بينه و بين الموثق بنسبة التعجيل فيه للدم و في الموثق للوقت الذي يراد به العادة، فهو لا يصدق إلا إذا ظن من قرب الزمان منها أن المرئي دمها تقدم علي وقتها. كما تري، لأن تعجيل الدم إنما يكون مع تقدمه علي وقته، فإذا صدق مع كثرة زمان التقدم صدق تعجيل الوقت أو العادة مع ذلك أيضا.

علي أنه لا مجال لتنزيل تقدم الوقت علي تقدم العادة، إذ لا يراد تقدمها بنفسها، و لذا لا يكون التقدم مرة موجبا لتقدم العادة الوقتية، بل لا بد من حمله علي تقدم وقت الدم الخاص علي العادة، فيكون نظيرا للصحيح.

مضافا إلي أن ما سبق في الموثق لو تم إنما يقتضي قصوره عن صورة زيادة التقدم، لا ظهوره في عدم التحيض معها، فلا ينافي الصحيح الذي هو كالصريح في التحيض معها. و من هنا يتعين البناء علي التحيض مع التقدم مطلقا، كما هو المحكي عن المشهور، بل عن ظاهر الروض أن الفرق في التقدم بين اليومين و الزائد إحداث قول ثالث، و إن قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «لكنه غير ثابت».

نعم، قد يدعي لزوم تقييد الإطلاق المذكور بما إذا كان الدم واجدا للصفات، دون ما إذا كان فاقدا لها، لعموم أدلة الصفات. و هو مبني علي تمامية العموم المذكور.،

و يأتي إن شاء اللّه تعالي الكلام في ذلك في ذيل المسألة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب العدد من كتاب النكاح حديث: 1.

ص: 168

أصفر رقيقا (1)، فتترك العبادة و تعمل عمل الحائض في جميع الأحكام (2)،

______________________________

هذا كله في التقدم، و أما التأخر فقد سبق أن خصوصية ذات العادة فيه مبنية علي استفادته من دليل التقدم بالأولوية، لأن تأخر الدم يزيده انبعاثا، أو من موثق سماعة بإلغاء خصوصية التقدم فيه، أو من عدم القول بالفصل بينه و بين التقدم.

و علي الأخيرين يتجه مشاركته للتقدم في التقييد بقصر الأمد لو تم فيه، أما علي الأول فاللازم الإطلاق، بل أولوية التأخر الكثير، لأنه يوجب زيادة انبعاث الدم، كما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

لكن سبق عدم تمامية الوجوه الثلاثة، و أنه لا خصوصية لذات العادة في التأخر، بل هي معه كالمضطربة، فيبتني تحيضها علي عموم حيضية الدم في غير العادة إذا كان واجدا للصفات أو مطلقا. و يأتي الكلام فيه عند الكلام في قاعدة الإمكان إن شاء اللّه تعالي، كما سيأتي الكلام في حكم الصفرة.

و أما ما في المبسوط من تحديد التقدم و التأخر بعشرة أيام، و أنه لو زاد علي ذلك حكم بأنه ليس بحيض. فلم يتضح وجهه، و لا سيما مع ظهور كلامه في عدم حيضيته حتي لو استمر. إذ لم يعرف من أحد القول بأن التقدم علي العادة من موانع الحيض.

(1) مما تقدم يظهر لزوم البناء علي حيضية الصفرة في أيام العادة، أو قبلها بيومين لا أكثر، لاختصاص النصوص بذلك، و أنه لا مجال لتنزيلها علي ما يصدق معه التعجيل أو قلة التقدم. كما سبق أن مقتضي النصوص المتقدمة عدم حيضية الصفرة الابتدائية المتأخرة عن العادة، إلا أن يتعقبها دم محكوم بالحيضية، بحيث تكون قبله بيومين فما دون، فلا مجال للتحيض ظاهرا بها إلا مع إحراز ذلك.

(2) كما هو مقتضي التعبد بحيضية الدم أو الصفرة الذي هو صريح غير واحد من النصوص المتقدمة و غيرها، و المستفاد عرفا مما تضمن منها ترتب بعض أحكامه كترك الصلاة، لظهور مساقها في المفروغية عن أن ترتبه متفرع علي تحقق موضوعه

ص: 169

و لكن إذا انكشف أنه ليس بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة مثلا (1) وجب عليها قضاء الصلاة (2).

______________________________

المعهود، و هو الحيض، لا علي موضوع آخر في قباله.

(1) بناء علي اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض، أما بناء علي عدمه فلا بد في لزوم التدارك من عدم عوده بنحو يتم به ثلاثة أيام في ضمن العشرة، فلو عاد انكشف كونه حيضا.

نعم، قد يشكل البناء علي ذلك في الصفرة لو رأتها قبل العادة بيومين و تخلل النقاء بينها و بين الدم، إما لانصراف نصوص إلحاقها بالحيض إلي خصوص المتصل منها بالدم، أو لانصراف الدم في دليل تفرق ثلاثة الحيض إلي ما يقابل الصفرة مما يتضح صدق الدم عليه عرفا، لعدم وضوح صدقه علي الصفرة بعد كون الدم فيها مختلطا بما لا يستهلك فيه، و لذا تضمن بعض النصوص المقابلة بينها و بين الدم.

إلا أن يكون دليل التفرق إطلاق دليل تحديد الحيض بثلاثة أيام، فيكفي إطلاق دليل إلحاق الصفرة بالحيض- لو تم بنحو يشمل المنفصلة عن الدم- في دخولها تحت إطلاق دليل تحديد الحيض. فتأمل جيدا.

(2) كما ينكشف عدم خروجها عن العدة، و عدم وجوب الكفارة بوطئها لو قيل بوجوبها بوطء الحائض، إلي غير ذلك من أحكام الحيض التي يترتب الأثر العملي بانكشاف عدم ترتبه واقعا من أول الأمر، لعدم تحقق موضوعه.

تتميم: قاعدة الإمكان
اشارة

حيث عرفت أن الحكم بحيضية الدم في بعض الفروع السابقة يبتني علي عموم حيضية الدم الذي تراه المرأة، كما يبتني عليه كثير من الفروع الآتية لزم التعرض للعموم المذكور و لدليله، و حيث كان الكلام فيه من شئون الكلام في قاعدة الإمكان كان المناسب الكلام فيها، فنقول بعد التوكل علي اللّه سبحانه و تعالي و طلب العون و التوفيق و التسديد منه:

ص: 170

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 171

______________________________

قد تكرر في كلماتهم أن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض كقاعدة يرجع إليها في مقام العمل، و قد يستفاد ذلك من جملة من كلماتهم تبعا من دون أن يكون مقصودا بالأصل، فقد سبق من الخلاف الحكم بحيضية الصفرة و الكدرة في أيام إمكان الحيض مدعيا عليه الإجماع، و سبق من غير واحد موافقته، مع وضوح أن حيضية الصفرة و الكدرة فيها تستلزم حيضية الدم بالأولوية العرفية، و في الوسيلة أن دم الحيض إن اشتبه بدم الاستحاضة فهو حيض. و في الخلاف أن من عادتها خمسة أيام إذا رأت الدم عشرة أيام كان كله حيضا، قال: «لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا».

و في المعتبر: «و ما تراه المرأة بين الثلاثة إلي العشرة حيض إذا انقطع، و لا عبرة بلونه ما لم يعلم أنه لقرح أو عذرة، و هو إجماع، و لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا، فيجب أن يكون الدم فيه حيضا» و نحوه في المنتهي، كما استدل فيه بقاعدة الإمكان علي تحيض المضطربة و المبتدأة برؤية الدم، و علي حيضية الدم إذا تقدم علي العادة، فإن استدلالهم بالقاعدة ظاهر في التسالم عليها.

و في الشرائع: «و ما تراه من الثلاثة إلي العشرة مما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض تجانس أو اختلف»، و قريب منه في النافع و التذكرة، و في الإرشاد: «و كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض»، و نحوه في القواعد و اللمعة و محكي البيان، و زاد عليه في القواعد: «و إن كان أصفر أو غيره» و نحوه عن نهاية الأحكام مدعيا عليه الإجماع، و في جامع المقاصد: «هذا الحكم ذكره الأصحاب كذلك و تكرر في كلامهم، و يظهر أنه مما أجمعوا عليه» و اعترف في المدارك بأن الأصحاب قد ذكروه كذلك، و عن محكي شرح الروضة: «ذكره الأصحاب قاطعين به علي وجه يظهر منهم اتفاقهم عليه»، و عن الذخيرة: «لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب» و عن شرح المفاتيح أنه المعروف من مذهب الأصحاب، و عن حاشية المدارك: «أنهم لم يعولوا علي الإمكان، و إنما عولوا علي الإجماع، و المجمعون اطلعوا علي المستند»، و في الجواهر:

«كما أنها عند المعاصرين و من قاربهم من القطعيات التي لا تقبل الشك و التشكيك».

ص: 171

______________________________

و لا يخفي أن حكم الأصحاب بذلك مع ظهور التسالم عليه من جماعة من أعيانهم، و دعوي الإجماع عليه أو علي بعض صغرياته من جملة من أكابرهم، كاشف عن ثبوته في الجملة، لامتناع خطئهم عادة في مثل هذا الحكم مما يكثر الابتلاء به.

و لا يمنع من ذلك القطع باستنادهم لبعض الوجوه الآتية، فضلا عن احتمال ذلك، لأن العلم بمستند الإجماع إنما يمنع من العلم بمضمونه إذا أمكن خطأ المجمعين علي تقدير خطأ استدلالهم، و هو لا يمكن في المسائل التي يكثر الابتلاء بها، حيث يمتنع خفاء الحكم فيها علي الأصحاب و خطؤهم في تشخيصه، بل يكشف إجماعهم فيها إما عن تمامية مستندهم، لاطلاعهم علي ما يتمم دليليته و إن خفي علينا، أو عن وجود سيرة و نحوها موافقة لهم و إن غفلوا عن الاعتماد عليها أو التنبيه إليها و اعتمدوا علي ما تخيلوا دليليته، أو عن خطأ اعتقاد أو احتمال اعتمادهم علي المستند المذكور و أنهم قد اعتمدوا علي غيره مما يصلح للاستدلال و إن لم يظهر لنا.

نعم، لمّا لم تتفق دعاوي الإجماع السابقة في معقد واحد، بل اختلفت، و استفيد من بعضهم المفروغية عن الدعوي من دون تصد لبيانها بوجه دقيق، و احتمل تسامح بعضهم في إطلاق معقد الإجماع، و كان المراد بالإمكان في كلامهم محتملا لمعان متعددة، لم ينهض الإجماع المذكور بتحديد القاعدة بالوجه الكافي، فلا بد من النظر في وجوه الاستدلال الأخر و تحديد مفاد ما ينهض بالاستدلال منها في نفسه و بعد النظر فيما يعارضه، و بعد تحديد ما يستحصل منها ينظر فإن لم يكن المتيقن من الإجماع المذكور منافيا له و لا أوسع منه لزم العمل به و لم يكن الإجماع حجة في غيره، و إن نافاه أو كان أوسع منه لم يعتد به و لزم النظر في المتيقن من الإجماع فيعمل به مع تحديده تفصيلا، و يحتاط في محتملاته مع تحديده إجمالا.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنهم استدلوا علي القاعدة بوجوه..
الأول: الأصل.

ذكره غير واحد.

و قد يقرب تارة: بأنه مقتضي الظاهر، لأن غالب دم النساء هو الحيض، كما قرر

ص: 172

______________________________

في الجواهر.

و فيه- مع عدم الدليل علي حجية الغلبة- أن الغلبة النوعية في النساء قد تعارض بالغلبة الشخصية كما في المرأة التي يكثر منها غير الحيض. كما تعارض فيما لو كان الدم فاقدا للصفات بغلبة واجدية دم الحيض لها، التي هي نوعية مثلها.

و اخري: باستصحاب عدم كون الدم من قرح أو عرق العاذل أو نحوهما مما تضمنت النصوص أو يعلم بخروج دم غير الحيض منه، كما قرر في المستند. و فيه:

أنه لا يحرز كونه حيضا إلا بناء علي الأصل المثبت، بل الجاري هو استصحاب عدم الحيض، علي ما تقدم نظيره عند الكلام في اعتبار التوالي في أقل الحيض.

و ثالثة: بأصالة الصحة، لأن الحيض مقتضي طبيعة المزاج و غيره من آفة، كما قد يظهر من الرياض، و ربما يكون هو مرجع الوجهين السابقين في كلماتهم. و فيه: أن المتيقن من بناء العقلاء علي العمل بأصالة الصحة ترتيبهم أثر الصحة، كدفع ما يشك في صحته بدلا عن المبيع الكلي، دون أثار لوازمها الخارجية، ككون الدم حيضا. مع أنه لو جري لاختص بمن يحتمل صحتها، دون من يعلم بعروض الآفة عليها إذا تردد دمها بين أن يكون حيضا أو من الآفة.

الثاني: بناء العرف علي ذلك،

كما عن محكي شرح المفاتيح. و قد يوجه لزوم متابعتهم في إحراز الحيض بأنه مقتضي الإطلاقات المقامية لأدلة أحكامه، إذ لما كان المخاطب بها العرف و كان القطع بالحيض متعذرا أو نادرا لهم، بل المعهود لهم الرجوع لطرق خاصة، كان ظاهر الخطاب بها إيكالهم في العمل بها لما هو المعهود لهم. و لم يرد من الشارع الأقدس الردع عن متابعتهم في التشخيص و لا بيان الضابط العام فيه ليستغني به عما عندهم و يخرج عن مقتضي الإطلاقات المشار إليها.

و أما ما ورد في بيان شروط الحيض و موانعه أو عدم مانعية بعض الأمور- كالحمل- منه. فهو لا يقتضي حيضية واجد الشرط و فاقد المانع بنحو القضية الكلية، بل المهملة التي لا تصلح لتشخيص الدم الذي هو من الحيض خارجا. و ورود بعض

ص: 173

______________________________

تلك الأدلة للردع عما عليه العرف- بناء علي مخالفتها لما عندهم- لا يقتضي الردع عن متابعتهم في غير مواردها بعد أن كان مقتضي الإطلاقات المذكورة متابعتهم.

كما أنه لو وفت بعض الأدلة الشرعية بتشخيص الحيض بمقدار معتد به لا يعلم بوجود ما زاد عليه- كإطلاق التحيض برؤية الدم في العادة، أو الواجد للصفات لو تم- فهي لا تمنع من الرجوع للعرف في التشخيص فيما زاد علي ذلك، لعدم كونها بلسان الحصر و نفي ما عدا تلك الموارد لتنافي الإطلاقات المشار إليها.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في الاكتفاء بتشخيص العرف للحيض ما لم يثبت الردع عنه في مورد.

و أما ما يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن العرف يبني علي حيضية كل دم يخرج من الرحم واقعا- لا ظاهرا، كما هو محل الكلام- و يناسبه اشتقاق الاستحاضة، لأنها استفعال من الحيض، فيكون ما دل علي مباينة الاستحاضة للحيض رادعا عما عليه العرف و كاشفا عن خطئهم.

فهو لا يخلو عن إشكال، لأن الظاهر مفروغية العرف عن كون الحيض طبيعيا للمرأة و أنه دوري في الشهر بقدر خاص، مع ما هو المعلوم من ابتلاء بعض النساء بدماء مستمرة لعوارض خاصة بهن، كما يناسبه ظهور بعض النصوص «1» في المفروغية عن كون الاستحاضة من سنخ المرض.

و ليس إطلاق الاستحاضة علي دمها لأنها من أفراد الحيض عندهم، بل لمشابهتها له في الخروج من الرحم أو اشتباهها به أو نحو ذلك، و لذا أطلقت علي دمها في لسان الشارع الأقدس في مقام بيان عدم كونها بحكمه.

و من هنا لا يبعد كون تشخيص العرف للحيض حدسيا بالنظر لأماراته أو لأنه مقتضي الأصل.

نعم، لم يتضح بناؤهم علي الحيض في موارد قاعدة الإمكان علي عمومها

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4، 7.

ص: 174

______________________________

المتقدم في كلماتهم، بل لا يبعد عدم بنائهم علي حيضية الدم الخارج في غير أيام العادة أو ما يقرب منها إذا كان فاقدا للصفات. كما لا يبعد أن يكون بناؤهم علي حيضية الخارج في العادة أو في غيرها إذا كان بالصفات للعلم أو الاطمئنان بحيضيته، لا لحجية الصفات بنظرهم بحيث يعمل عليها مع وجود مثير لاحتمال عدم الحيض بنحو معتد به.

الثالث: ما في كشف اللثام من أنه لو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض،

إذ لا طريق لليقين به، و الصفات إنما تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقا، للنص و الإجماع علي انتفائها. انتهي.

و هو يبتني علي ما سبق من عدم صلوح أدلة الشروط و الموانع لبيان حيضية واجد الشرط و فاقد المانع بنحو القضية الكلية، بل المهملة. و عدم تمامية عموم حجية الصفات الذي يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي، و الذي لا ينافيه جواز انتفائها عن الحيض، لأنه يستلزم عدم كشف انتفائها عن عدم الحيضية، و لا ينافي الملازمة بينها و بين الحيضية التي تكفي في اليقين بالحيضية معها. بل لو فرض عدم ملازمتها للحيضية أمكن حجيتها عليها، للاكتفاء في الحجيه بالاحتمال و لا يعتبر اليقين.

و كيف كان، فالوجه المذكور لا يقتضي البناء علي الحيضية في جميع موارد قاعدة الإمكان، بل وجود ما يصلح لإحرازه في الجملة، و يكفي في ذلك السيرة، لما هو المعلوم من عدم البناء علي الاقتصار في مورد الشك في حيضية الدم علي الاحتياط في مورد العلم الإجمالي، و استصحاب الحيض أو عدمه في غيره. لكن يلزم الاقتصار علي المتيقن من طرق الإحراز، و لعله مقتضي بعض الإطلاقات الآتية. و منه يظهر حال الاستدلال بالسيرة علي القاعدة.

الرابع: النصوص الكثيرة الظاهرة في الاكتفاء في التحيض بإمكان حيضية الدم،

و إن لم يحرز بأمارة أو يقين.

منها: قوله عليه السّلام في موثق سماعة المتقدم معللا التحيض بالدم المتقدم علي

ص: 175

______________________________

العادة: «فإنه ربما تعجل بها الوقت» «1» لظهوره بمقتضي ارتكازية التعليل في الاكتفاء باحتمال حيضية الدم من دون خصوصية للتعجيل المختص بذات العادة، لعدم دخلها ارتكازا، بل الحكم معها أخفي، لأن وجود العادة صالح للأمارية علي عدم حيضية ما يخرج في غيرها.

نعم، لو اختص بما يقرب من العادة أمكن رجوعه إلي أمارية العادة علي حيضية الدم فيما يقرب منها، فيختص بذات العادة. لكن سبق المنع منه عند الكلام في مقدار التقدم علي العادة، مع أن لسانه لم يتضمن أمارية العادة علي حيضية ما يقرب منها، بل احتمال تقدم الحيض عليها، فلو لا المفروغية عن الاكتفاء في التحيض باحتمال كون الدم حيضا لم يحسن الاكتفاء بذلك في التعليل في ذات العادة، كما نبه له في الجملة سيدنا المصنف قدّس سرّه.

و منها: ما ورد في الحامل من تعليل تحيضها بالدم بأنها قد تحيض، ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الحبلي تري الدم أ تترك الصلاة؟

فقال: نعم، إن الحبلي ربما قذفت بالدم» «2»، و في مرسل حريز عن أحدهما عليهما السّلام: «تدع الصلاة فإنه ربما بقي في الرحم الدم و لم يخرج و تلك الهراقة» «3»، لظهور التعليل فيهما في المفروغية عن الاكتفاء بالاحتمال. و خصوصية الحمل ملغية عرفا، لعدم دخلها ارتكازا. بل الحكم معها أخفي، لبعد حيض الحامل، فيلزم البناء علي العموم محافظة علي ارتكازية التعليل.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من المناقشة فيهما و في موثق سماعة بأن (ربما) للتكثير جي ء به لرفع الاستبعاد و لم يقصد تعليل الحكم بالاحتمال.

فهو كما تري، لقوة ظهور (ربما) في التقليل، و ظهور الكلام في التعليل. مع أن الحكم ليس باحتمال الحيض، ليكتفي برفع الاستبعاد، بل بترك الصلاة الموقوف علي إحراز الحيض، و لا يكفي في إحرازه رفع الاستبعاد، إلا أن يرجع إلي الاكتفاء فيه بالاحتمال.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 9.

ص: 176

______________________________

و ربما يكون مثلهما في ذلك صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الحبلي تري الدم؟ قال: نعم، إنه ربما قذفت المرأة الدم و هي حبلي» «1»، و صحيح سليمان بن خالد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك الحبلي ربما طمثت؟ قال:

نعم، و ذلك أن الولد في بطن أمه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة» «2».

اللهم إلا أن يقال: التعليل فيهما مسوق لبيان إمكان حيض الحامل، لا لتحيضها بالدم المجهول الحال، ليدل علي الاكتفاء في التحيض باحتمال حيضية الدم، و لا ينافي ذلك ذيل الصحيح الثاني، إذ لعل الأمر فيه بالتحيض ابتداء من الإمام عليه السّلام لا لكونه مسئولا عنه، و هو إنما يدل علي حرمة الصلاة مع حيضية الدم واقعا، لا مع احتمالها.

فالأولي التمسك بما تضمن تحيض الحامل برؤية الدم من دون تعليل، كصحيح صفوان: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الحبلي تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام تصلي؟ قال: تمسك عن الصلاة» «3» لشمول إطلاقه لما إذا لم يكن في العادة و لا بالصفات، مع ما هو المعلوم- و لو بقرينة النصوص السابقة- من عدم العلم بحيضية دم الحامل، و من القريب جدا إلغاء خصوصية الحمل فيه، لما أشرنا إليه في الحديثين الأولين، و إن افترقا عنه بأن لسان التعليل ملزم بالتعدي عن مورده محافظة علي ارتكازيته.

و دعوي: ورود الإطلاقات المذكورة لبيان عدم مانعية الحمل من الحيض من دون نظر إلي كيفية إحرازه، بل ظاهرها الإيكال فيه إلي ما يحرز به حيض غيرها.

مدفوعة بأن وروده لبيان ذلك لا ينافي ثبوت الإطلاق له بلحاظ الإحراز أيضا بمقتضي الحكم فيه بترتيب أثر الحيض بمجرد رؤية الدم فيه، و لا سيما مع تنبيه السائل علي استمراره ثلاثة أيام أو أربعة الذي هو دخيل في حيضيته، فعدم التعرض في الجواب لاعتبار ما زاد علي ذلك في التحيض ظاهر في عدمه و الاكتفاء بما ذكره السائل.

نعم، سبق احتمال تقييده في الحامل بغير الدم الأصفر، فلا مجال للتمسك

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 177

______________________________

بإطلاقه في غير الحامل لو تم إلغاء خصوصيتها، لأنه فرع إرادة إطلاقه في مورده، بخلاف التعليل، فإنه راجع إلي كبري مستدل بها علي حكم المورد، فلا يلزم من تقييد الحكم في مورد الاستدلال بها تقييدها. فلاحظ.

و منها: موثق عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأول عليه السّلام: «في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوما، ثم طهرت، ثم رأت الدم بعد ذلك. قال: تدع الصلاة، لأن أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس» «1»، لظهوره في الاكتفاء في البناء علي حيضية الدم بعدم مانعية ما يتوهم مانعيته، و هو عدم تخلل الطهر، لمضي أيامه مع أيام النفاس.

و مقتضي ارتكازية التعليل إلغاء خصوصية النفاس في ذلك، خصوصا مع كون الحيض أبعد مع مسبوقيته باستمرار الدم، فيكون مرجع التعليل إلي الاكتفاء في البناء علي الحيضية بعدم المانع منها.

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه في مقام بيان عدم مانعية الدم الأول عن حيضية الثاني التي توهمها السائل، و إن كان مسلما، إلا أن الحكم فيه بترك الصلاة ظاهر في إرادة فعلية التحيض لأجل عدم المانع، لا مجرد إمكانه و إن لم يكن فعليا لعدم إحراز حيضية الدم.

و مثله دعوي: أن ظهوره في كون تمام الثلاثين يوما نفاسا مانع من التمسك به.

لاندفاعها بأن ذلك لم يتضمنه كلام الإمام عليه السّلام و إنما فرض السائل عمل المرأة عليه، و لا مجال لاستفادة إمضاء الإمام عليه السّلام لذلك بعد عدم سوق السؤال له، بل لمعرفة حكم الدم الثاني، و بعد حكمه عليه السّلام بجواز أيام الطهر مع أيام النفاس، إذ كما يمكن حمله علي جواز أيام الطهر التي تعودتها فيما سبق- و إن لم يكن لها طهر فعلا- مع أيام النفاس الحقيقية، فيدل علي إمضاء كون تمام الثلاثين نفاسا و إلي عدم اعتبار فصل أقل الطهر في مورده، كذلك يمكن حمله علي جواز أيام طهرها الحقيقية الفعلية

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 1.

ص: 178

______________________________

مع أيام النفاس التي تخيلتها، فيدل علي الردع عن كون تمام الثلاثين نفاسا و أن بعضها طهر حقيقة و تحقق الفصل بأقل الطهر، و الثاني أنسب بعدم اشتمال الحديث علي فرض كون المرأة ذات عادة و أن ولادتها في أيام عادتها، و بظهوره في المفروغية عن اعتبار فصل أقل الطهر علي أن عدم العمل به في ذلك لا يستلزم عدم العمل بالكبري المستفادة من التعليل فيه، فإنها أجنبية عنه.

و منها: جملة من النصوص الحاكمة بالتحيض بالدم من دون تنبيه إلي لزوم إحراز حيضيته مثل ما ورد في الاشتباه بدم العذرة «1» من الحكم بالتحيض بمجرد انغماس القطنة، مع وضوح أنها علامة علي عدم كون الدم من العذرة، لا علي كونه حيضا.

و ما ذكره غير واحد من أن موردها ما إذا علم من الخارج انتفاء الثالث، غير ظاهر المأخذ، بل قد يأباه ما في بعضها من فرض عدم طمث المرأة قبل ذلك. و مجرد ما تضمنه بعضها من اختلاف القوابل في أنه من الحيض و العذرة لا يقتضي الانحصار بهما.

و أما ما في الجواهر من أنه لو كان البناء علي قاعدة الإمكان لم يحتج للاختبار.

فيدفعه أن ذلك إنما يدل علي عدم الرجوع للقاعدة من دون اختبار، أو علي اختصاصها بالدم الذي يعلم أنه من الرحم، و لا يمنع من دلالتها علي الرجوع إليها بعد الاختبار و انكشاف كون الدم من الرحم.

نعم، قد تتم دعوي الاختصاص بما إذا علم بعدم الدم الثالث فيما ورد في الاشتباه بالقرحة، لقول السائل: «و الدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة» «2»، و إن كان الظاهر أنه لا منشأ للتردد بينهما إلا سيلان الدم القابل لهما و لغيرهما، فيدل بالتقرير علي المفروغية عن أن الدم السائل يبني علي حيضيته مع العلم بكونه من الرحم.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 179

______________________________

و كذا حديثا محمد بن مسلم «1» المتقدمان في اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض و صحيح عبد الرحمن «2» المتقدم هناك- و هنا عند الكلام في مقدار التقدم عن العادة- المتضمنة أن ما يري قبل العشرة من الحيضة الأولي، و ما يري بعدها من الحيضة المستقبلة.

و ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أنها مسوقة لبيان إلحاق الدم المفروغ عن حيضيته بإحدي الحيضتين. ممنوع لعدم الإشعار فيها بالمفروغية عن حيضية الدم الذي أخذ في موضوعها، بل قد يأباه فرض السائل في الأخير تعجيل الدم قبل أيام القرء المناسب للتشكيك في حيضيته.

و مثلها صحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ذهب طمثها سنين [سنة] ثم عاد إليها شي ء. قال: تترك الصلاة حتي تطهر» «3».

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن التعبير فيه بالعود يصلح قرينة علي اختصاصه بصورة إحراز الحيض بالعلم أو العلمي، و كأن الوجه في السؤال احتمال كون انقطاعه مدة طويلة مانعا عنه شرعا.

فهو كما تري، لا يناسب العدول في فاعل (عاد) من ضمير: (طمثها) إلي (شي ء) الظاهر في الابهام، و لا سيما مع مناسبة الانقطاع للجهل بحال الدم. كما أنه يبعد جدا كون منشأ السؤال احتمال مانعية الانقطاع من ترتب أحكام الحيض عليه.

ثم إنه لا يخفي أن كلا من هذه النصوص و إن اختص ببعض الموارد، فالأول مختصة بالاشتباه بالعذرة أو القرحة، و نصوص التفصيل بين ما قبل العشرة و ما بعدها مختصة بمن تقدم منها الحيض دون المبتدأة، و صحيح العيص مختص بقسم منها و هي التي انقطع حيضها ثم عاد، إلا أن إلغاء خصوصية مواردها قريب جدا. و لا أقل من الاستدلال بمجموعها علي العموم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 11، و باب: 11 من الأبواب المذكورة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب العدد من كتاب الطلاق حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 32 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 180

______________________________

نعم، الجمود علي لسانها يقتضي البناء علي حيضية الدم في مواردها واقعا- لا ظاهرا، كما هو مفاد قاعدة الإمكان- إلا أن من القريب تنزيلها علي القضية الظاهرية بلحاظ المفروغية عن أصالة كون الدم حيضا، فتطابق مفاد التعليلات السابقة، كما تقدم تنزيل إطلاق تحيض الحامل بالدم علي القضية الظاهرية بلحاظ التعليلات الواردة فيها. و لا سيما مع بعد انحصار الدم في الحيض و ارتكاز عدم المانع من خروج غيره.

هذا و قد يستدل علي القاعدة بنصوص أخر، كصحيح يونس بن يعقوب:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة. قال: تدع الصلاة. قلت:

فإنها تري الطهر ثلاثة أيام أو أربعة. قال: تصلي. قلت فإنها تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة [أيام] قال: تدع الصلاة … تصنع ما بينها و بين شهر فإن انقطع الدم و إلا فهي بمنزلة المستحاضة» «1».

و صحيح أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تري الدم خمسة أيام و الطهر خمسة أيام و تري الدم أربعة أيام و تري الطهر ستة أيام. فقال: إن رأت الدم لم تصل، و إن رأت الطهر صلت ما بينها و بين ثلاثين يوما، فإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت و استثفرت … » «2» حيث لا طريق لإحراز حيضية الدم خصوصا مع هذا الاضطراب لو لا قاعدة الإمكان.

و موثق سماعة في الجارية أول ما تحيض فتقعد في شهر يومين و في آخر ثلاثة حيث قال عليه السّلام: «فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت تري الدم ما لم يجز العشرة … » «3»،

حيث حكي عن بعض مشايخنا الاستدلال به علي جريان القاعدة في المبتدأة، لظهوره في أن المدار في ترك الصلاة علي رؤية الدم.

و كذا نصوص الاستظهار الحاكمة بالتحيض بالدم المستمر بعد العادة قبل العشرة «4»، و نصوص الاستبراء الحاكمة ببقاء الحيض بخروج شي ء من الدم علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

(4) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض.

ص: 181

______________________________

القطنة «1»، و ما تضمن أن الصفرة في أيام الحيض حيض «2»، بناء علي أن المراد بها أيام إمكانه، كما سبق من جماعة، و نصوص إفطار الصائمة برؤية الدم في النهار «3»، إذ لا يقين بحيضية الدماء المذكورة في هذه النصوص.

لكن ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه لزوم حمل الصحيحين علي المتحيرة، فتتحيض بكل دم لاحتمال كونه هو الحيض، دون غيره، حتي يتضح لها الحال، لا أنها تبني علي حيضية كل منها، إذ البناء علي أن الجميع حيض واحد مستلزم لتجاوز الحيض العشرة، و علي أن كلا منها حيض مستقل لكون الطهر بين الحيضتين دون العشرة.

و ما ذكره و إن كان متينا- كما ذكره غير واحد و سبق عند الكلام في حكم النقاء المتخلل بين الدميين- إلا أنه لا ينافي الاستدلال بهما علي المطلوب، لوضوح أنه لو لا لزوم التحيض بكل دم يمكن حيضيته لم يبن علي حيضية شي ء من الدماء المذكورة، بل البناء علي حيضية كل منها عند الابتلاء به يقتضي البناء علي حيضية الدم المنفرد بالأولوية.

نعم، استشكل سيدنا المصنف قدّس سرّه في الاستدلال بهما علي القاعدة، قال:

«لامتناع الحيض في تمام الشهر، فتكون متعارضة التطبيق بالإضافة إلي كل واحد من الدماء. و خروج الدم السابق عن محل الابتلاء بالإضافة إلي بعض الأحكام لا يقدح في التعارض، و لو بالإضافة إلي بعض الأحكام الأخر، مثل قضاء الصلاة».

و ما ذكره لا يخلو عن وجه، حيث لا إشكال ظاهرا في وجوب القضاء بانكشاف عدم الحيض لعموماته، و لخصوص مرسلة يونس القصيرة فيمن رأت الدم يومين و لم يتم لها ثلاثة في ضمن العشرة «4».

و من هنا لا مجال لحمل الأمر بترك الصلاة علي إحراز حيضية الدم بالقاعدة،

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض.

(2) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

(3) راجع الوسائل باب: 50 من أبواب الحيض.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 182

______________________________

بل لعل الأقرب حمله علي الاحتياط تقديما لاحتمال الحيض علي احتمال الطهر في الصلاة لأهميته، أو للتسهيل تجنبا للحرج باعمال أحكام المستحاضة، فإن أمكن ذلك و رفعت اليد عن لزوم الاحتياط بالصلاة برجاء المطلوبية، و إلا تعين طرحها. و علي كل حال لا مجال للاستدلال بهما علي قاعدة الإمكان.

و أما ما عن بعض مشايخنا من أن لزوم التأويل و التصرف في الفقرات المتأخرة من صحيح يونس لا يمنع من الاستدلال بالفقرة الأولي منه، لأنها مستقلة سؤالا و جوابا، بخلاف صحيح أبي بصير، لاشتماله علي سؤال واحد عن مجموع الدماء.

فهو لا يخلو عن إشكال، لأن إجمال الفقرات المتأخرة من صحيح يونس إنما هو لامتناع حيضية جميع الدماء المذكورة فيه، و هو يقتضي إجمال الفقرة الأولي أيضا، لعدم المرجح لها، و لا سيما مع الحكم في ذيله بأنها تصنع ذلك إلي شهر، لظهوره في كون تمام الفقرات متضمنة وظيفة واحدة في تمام الشهر، و المفروض عدم البناء علي ذلك.

و أما موثق سماعة فظاهر قول السائل فيه: «أول ما تحيض» المفروغية عن حيضية الدم، فيكون أجنبيا عما نحن فيه.

كما أن نصوص الاستظهار- مع اختلافها في قدره و حكمه- مختصة بموردها، و محتملة للجري علي الاستصحاب دون قاعدة الإمكان، كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه.

و مثلها نصوص الاستبراء. كما تقدم أن حمل النصوص المتضمنة أن الصفرة في أيام الحيض حيض علي أيام الإمكان مخالف لظاهرها، بل للمقطوع به من بعضها.

و أما نصوص إفطار الصائمة برؤية الدم فهي واردة لبيان مفطرية الدم في أي جزء وقع من النهار، لدفع احتمال عدم مفطرية الحيض الواقع في أثنائه، كما تضمنته بعض النصوص، فلا إطلاق لها في حيضية الدم، لتنفع فيما نحن فيه، كما نبه له غير واحد.

و من هنا يتعين الاقتصار في الاستدلال علي ما تقدم مما هو تام دلالة و سندا، و كفي به دليلا يخرج به عن استصحاب عدم الحيض. و منه يظهر ضعف ما في جامع المقاصد من أنه لو لا الإجماع لكان الحكم بذلك مشكلا، لابتنائه علي ترك المعلوم ثبوته

ص: 183

______________________________

في الذمة تعويلا علي مجرد الإمكان، و ما عن الأردبيلي من اختصاص الحكم بالحيضية بما إذا امتنع غيرها، الذي هو في الحقيقة إنكار للقاعدة.

و مثله ما في المدارك من اختصاص ذلك بما إذا كان الدم بصفة الحيض أو في العادة، لعموم ما دل علي حجية الصفات علي حيضية الدم، و علي أن الصفرة في أيام الحيض حيض. لظهور كلامه في عدم نهوض الأدلة بعموم التحيض بالدم، و قد عرفت نهوض ما تقدم من النصوص بذلك.

نعم، قد يدعي لزوم رفع اليد عن العموم المذكور بما تضمن عدم حيضية فاقد الصفات، و هو موقوف علي ثبوت عموم حجية الصفات نفيا و إثباتا.

و لا بد في إثباته أو نفيه من النظر في النصوص الدالة عليه، و هي صحيح معاوية بن عمار: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد، إن دم الاستحاضة بارد، و إن دم الحيض حار» «1»، و صحيح حفص بن البختري: «دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم، فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ قال: فقال لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة … » «2»، و ما في موثق إسحاق بن جرير الوارد في مستمرة الدم أيضا: «قالت له: إن أيام حيضها تختلف عليها … فما علمها به؟ قال: دم الحيض ليس به خفاء، هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد» «3»، و ما في مرسلة يونس الطويلة في المستحاضة التي اختلطت أيامها من قوله عليه السّلام: «فقال لها النبي صلّي اللّه عليه و آله: ليس ذلك بحيض، إنما هو عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلي … فهذا يبين أن هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها … فلهذا احتاجت أن تعرف إقبال الدم من إدباره و تغير لونه من السواد إلي غيره، و ذلك أن دم الحيض أسود يعرف … » «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 184

______________________________

و قد صرح في الروض و المدارك بأن الصفات المذكورة في النصوص بمجموعها خاصة مركبة للحيض. و كأن مرادهما أن الخاصة المركبة هي غلبة عروضها، لا فعليتها، ليناسب ما ذكراه هما و غيرهما من الأصحاب و يستفاد من النصوص من أنها صفات غالبية لا دائمية، فلا يكون وجودها أو عدمها دليلا قطعيا علي الحيض أو عدمه.

لكن صرح في المدارك بأن مقتضي نصوص الصفات أنها متي وجدت حكم بحيضية الدم، و متي انتفت حكم بعدمها إلا بدليل من خارج، و حكاه شيخنا الأعظم قدّس سرّه عن بعض من تأخر عنه، و هو راجع إلي الأمارية المستلزمة للحكم بأحد الأمرين ظاهرا لا واقعا.

الكلام في عموم حجية الصفات

و لا يخفي أن الحكم بحيضية الدم الواجد للصفات لا يحتاج فيه لهذه النصوص، حيث يكفي فيه عموم النصوص التي تقدم الاستدلال بها لقاعدة الإمكان، و إنما المهم الحكم بعدم حيضية الفاقد لها، لكونه مخالفا لعموم نصوص القاعدة.

فكأن الوجه فيه استفادة عموم حجيتها وجودا و عدما من النصوص السابقة، و عدم الاقتصار فيها علي مستمرة الدم و نحوها- ممن لا مجال فيها لقاعدة الإمكان، للتعارض في تطبيقها- إما لإطلاق صحيح معاوية، أو لأن ورود باقي النصوص المتقدمة في مستمرة الدم لا يوجب اختصاصها بها، لما في كلام بعضهم من أن خصوصية المورد لا تخصص الوارد.

لكن قد يستشكل في الاستدلال بصحيح معاوية بما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن المنساق من ذكر صفات الحيض لزوم الحكم به معها، لا بانتفائه بدونها.

و فيه: أنه إنما يتم فيما إذا كان بيان الصفات بلسان بيان علامات الحيض، دون ما إذا كان بلسان القضية الحملية الظاهرة في الكلية و لزوم المحمول للموضوع- دون المهملة- كما في المقام، حيث يلزمها انتفاء الموضوع بانتفاء المحمول.

غايته أن ثبوت تخلف الصفة في بعض الموارد ملزم بحملها علي القضية الغالبية سيقت للتعبد بمقتضي الغلبة ظاهرا، و هو عدم حيضية فاقد الصفة. علي أن فقد صفة

ص: 185

______________________________

الحيض لما كان مستلزما لتحقق صفة الاستحاضة، كان مقتضي الصحيح المذكور الحكم بها في الدم الفاقد للصفة. و سيأتي إن شاء اللّه تعالي تمام الكلام في ذلك.

فالعمدة في الإشكال في الصحيح أنه لا قرينة علي سوق ذكر الصفات فيه لبيان حجيتها، بل قد يكون الغرض منه التنبيه لما قد يوجب العلم بالحيضية و لو بضميمة بعض القرائن غير المنضبطة.

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن حمل الكلام علي غير مقام التشريع مع الحاجة إليه خلاف الأصل في الكلام الصادر من الشارع، إنما يتم مع إحراز صدور الكلام بداعي الحث علي العمل لو تردد بين كونه بداعي التشريع و كونه بداع آخر من إرشاد أو بيان مراد المتكلم الشخصي أو نحوهما، لا في مثل المقام مما لا قرينة فيه علي ذلك، بل احتمل كون الغرض التنبيه لما يوجب العلم.

و لو فرض الظن أو الاطمئنان و لو بالنظر لبقية النصوص بسوق الصحيح لبيان الحجية فلا طريق لإثبات عمومها به، بل قد تختص بمستمرة الدم.

و دعوي: أنه مخالف للإطلاق. مدفوعة بأن ذلك إنما يتم لو كانت الحجية مفاد نفس الكلام، لا في مثل المقام، حيث كان مفاد الكلام قضية واقعية سيقت لبيان الحجية، لأن ذلك راجع إلي احتفاف الكلام بقرينة توجب صرفه لذلك من سؤال أو نحوه، فمع تردد القرينة بين ما يقتضي العموم و ما يقتضي الخصوص لا طريق لإحراز العموم، لأن أصالة الإطلاق إنما يعول عليها عند الشك في قرينة التقييد، لا مع تردد مفاد القرينة بين التقييد و الإطلاق.

هذا و قد عمم المحقق الخراساني قدّس سرّه الإشكال المذكور لصحيح حفص و موثق إسحاق، لأن لسانهما في ذكر الصفات لا يتضمن الإرجاع إليها تعبدا، بل بيان اتصاف الحيض بها بنحو القضية الواقعية، و أما مرسلة يونس فهي و إن تضمنت الإرجاع، إلا أنها لم تتضمن الإرجاع لصفات الحيض، بل لإقبال الدم و إدباره و إن كان الدم بتمامه بصفات الحيض أو بصفات الاستحاضة.

ص: 186

______________________________

لكنه يشكل بأن اشتمال الصحيح و الموثق علي السؤال عن حكم اشتباه الدم موجب لظهور الجواب فيهما في سوق القضية الواقعية الغالبية ليعمل عليها عند الاشتباه، بل هو صريح قوله عليه السّلام في الصحيح: «فإذا كان للدم حرارة و دفع فلتدع الصلاة».

كما أنه لو تم ما ذكره في مرسلة يونس أمكن جريانه في غير مستمرة الدم لو اختلف دمها، فيحكم بحيضية الأشد منه، لا بحيضية تمامه، عملا بعموم قاعدة الإمكان.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في أن مفاد النصوص الأخيرة الثلاثة في حجية الصفات بنحو يمكن أن يرجع إليها في غير مستمرة الدم.

و إنما الإشكال في عمومها لها، كما عرفته ممن سبق، أو اختصاصها بمستمرة الدم، كما أصر عليه شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره و نسب للمشهور، و يناسبه ما تقدم من الأصحاب في قاعدة الإمكان.

الظاهر الثاني لأن المورد إنما لا يخصص الوارد فيما لو كان لسان الوارد عاما، و لا مجال لذلك في هذه النصوص، لأن ما تضمنته من اتصاف الحيض بالصفات المذكورة، و إن كان يعم كل حيض و لا يختص بحيض مستمرة الدم، لإطلاق لفظ (الحيض) في هذه النصوص، و لمناسبته لظهور كون الصفات طبيعية له، و الاستمرار من العوارض التي لا دخل لها بطبيعة الدم ارتكازا، إلا أن الاتصاف المذكور لما كان غالبيا لا دائميا لم يمكن الرجوع إليه في معرفة حيضية الدم و عدمها إلا بإرجاع الشارع إليه، و المتيقن من إرجاعه إليه حال استمرار الدم الذي هو مورد النصوص.

و لا مجال لإلغاء خصوصية الاستمرار مع قوة احتمال دخلها، بلحاظ عدم جريان قاعدة الإمكان فيه، لامتناع كونه حيضا بتمامه، فكما أمكن عدم رجوع ذات العادة إليها للاستغناء عنها بحجية العادة كذلك يمكن عدم رجوع غير مستمرة الدم إليها للاستغناء عنها بقاعدة الإمكان.

و دعوي: أن سوق قوله عليه السّلام في صحيح حفص: «ان دم الحيض حار … »

و قوله عليه السّلام في مرسلة يونس: «و ذلك أن دم الحيض أسود يعرف … » تمهيدا للحكم

ص: 187

______________________________

بالتحيض بواجد الصفات و تعليلا له ملزم بالتعدي عن مورده تبعا لعموم العلة.

مدفوعة بأن التعدي عن مورد التعليل مختص بما إذا كانت ارتكازية التعليل مناسبة لإلغاء خصوصية مورده، و هو إنما يتم لو كانت القضية في التعليل كلية، دون ما إذا كانت غالبية، لعدم وضوح عموم أمارية الغلبة ارتكازا، بل لا يبعد عن الارتكاز اختصاصها بما إذا احتيج إليها و لم يكن هناك مرجع آخر من أصل أو أمارة، و لعله لهذا تضمنت مرسلة يونس تعليل رجوع من اختلطت عليها أيامها للصفات بالحاجة إليها بسبب تعذر الرجوع للعادة.

نعم، قد يتعدي من المستمر لما يشبهه في عدم جريان قاعدة الإمكان، كالدم المتقطع الذي لا يمكن كونه بتمامه حيضا، كما تضمنته بعض النصوص «1». فلاحظ.

و دعوي: أن ظاهر قول المرأة في صحيح حفص: «و اللّه أن لو كان امرأة ما زاد علي هذا» و قول الأخري في موثق إسحاق: «أ تراه كان امرأة مرة» كون الرجوع للصفات المذكورة ارتكازيا عرفيا، لأجل كونها من صفاته الطبيعية، لا تعبديا مغفولا عنه عرفا.

مدفوعة بأن ارتكازية الرجوع للصفات المذكورة لا تناسب ظهور الحديثين في تحير المرأتين في تمييز الحيض، و كلامهما إنما يدل علي تعجبهما من إحاطة الإمام عليه السّلام بصفات الدم و دقة وصفه له بما لا يدركه عادة إلا النساء، لا علي ارتكازية الإرجاع للصفات. علي أن ارتكازية الارجاع لها في مورد الحديثين، و هو استمرار الدم لا يستلزم عموم ارتكازيته لغيره.

و من جميع ما سبق يظهر عدم إمكان الاستدلال بما تضمنته هذه النصوص من ذكر صفات دم الاستحاضة. بدعوي: أن الصفات المذكورة لما كانت مضادة لصفات الحيض و كان فقد صفات الحيض مستلزما لها، فيلزم لأجلها البناء علي كون الدم استحاضة لا حيضا.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض.

ص: 188

______________________________

لاندفاعه بأن ذكر صفات الاستحاضة لما كان غالبيا كذكر صفات الحيض، جري فيه ما سبق من عدم الرجوع إليه إلا بإرجاع الشارع، و المتيقن من إرجاعه صورة استمرار الدم.

نعم، لو تم سوق صحيح معاوية بن عمار لبيان حجية الصفات مطلقا اتجه الاستدلال المذكور فيه، كما تقدم.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن الظاهر من الاستحاضة في تلك الأخبار- علي ما يساعد عليه تتبع الأخبار و تصريح أهل اللغة- هو الدم المتصل بدم الحيض، بل خصوص الكثير من أقسامها.

فهو و إن كان قريبا في الجملة، إلا أن خصوصية الاتصال ملغية عرفا- بل قطعا- في اتصاف الدم بصفاته، بل هو تابع لخصوصيته الذاتية، فإذا كانت الصفات المذكورة من شئون الدم المتصل بالحيض الخارج عنه كانت من شئون ذاته و إن خرج وحده و لم يتصل بالحيض، فلو كان دليل علاميته مطلقا شمل حال خروجه وحده، و احتمال كون المتصل بالحيض مخالفا للخارج وحده في الصفات الطبيعية بعيد جدا.

هذا و قد يدعي أن قول المرأة في صحيح حفص: «فلا تدري [حيض] أحيض هو أو غيره» ظاهر في احتمال كون الدم كله حيضا، و هو يناسب ما كان دون العشرة، فليحمل الاستمرار فيه علي الزيادة علي العادة.

لكنه يندفع بأن عدم احتمال كون الدم بتمامه حيضا مع الزيادة علي العشرة إنما هو بالنظر لعموم الأدلة الشرعية، و هو كعدم احتمال كونه بتمامه غير حيض مع النقيصة عنها و التجاوز عن العادة، أما مع قطع النظر عنها فالاحتمال المذكور ممكن كالاحتمال الآخر الذي يتضمنه السؤال أيضا.

و من هنا كان من القريب جدا الحمل علي الاستمرار مع الزيادة علي العشرة أو ما زاد علي ذلك علي ما يأتي في محله، لأن التجاوز عن العادة من دون تجاوز للعشرة بسبب تعارفه كثيرا لا يعتد به في احتمال عدم الحيض، بل هو لا يناسب السؤال، لعدم

ص: 189

______________________________

الإشارة فيه لكون المرأة ذات عادة، و لا الجواب للبناء منهم تبعا للنصوص علي حيضية ما في العادة، بل ما زاد عليها في الجملة من دون نظر للصفات. فيتعين حمل الجواب علي تمييز الحيض عن غيره في مستمرة الدم، لا بيان أن الدم كله حيض أو كله استحاضة.

قصور قاعدة الإمكان عن الصفرة

و من هنا يتعين الاقتصار في حجية الصفات علي مستمرة الدم و نحوها ممن لا تجري في حقها قاعدة الإمكان، كما يؤيده عدم الإشارة إليها في نصوص قاعدة الإمكان المتقدمة، مع أن فيها ما ورد في مورد قوة احتمال عدم الحيض الذي يناسب فيه التنبيه إلي أمارات عدمه، مثل نصوص الحامل و موثق عبد اللّه بن المغيرة في النفساء و صحيح عبد الرحمن فيمن تعجل بها الدم- المصرح بعموم فرضه لما إذا كان بعد الحيض السابق بأقل من عشرة أيام أو أكثر- و صحيح العيص فيمن انقطع عنها الحيض مدة طويلة.

بل قد يظهر في تأخر مرتبة الصفات ما تقدم في صحيح يونس فيمن يتكرر منها كل من الدم و الطهر ثلاثة أيام أو أربعة من جعلها بعد الشهر بمنزلة المستحاضة التي ترجع للصفات في مرتبة متأخرة عن العادة، إذ لو كانت الصفات محكمة علي قاعدة الإمكان كان المناسب الإرجاع إليها من أول الأمر.

كما يناسبه تأخر أمارية الصفات في مستمرة الدم عن أمارية العادة المتأخرة عن قاعدة الإمكان رتبة، حيث لا يرجع للعادة في نفي حيضية الدم إلا مع تعذر جريان قاعدة الإمكان فيه.

مضافا إلي ظهور تسالم من سبق من الأصحاب علي عموم قاعدة الإمكان، فإنه لو فرض عدم حجية دعاوي الإجماع المتقدمة منهم، إلا أن خفاء مثل هذا الحكم الذي يكثر الابتلاء به عليهم في غاية البعد، فتسالمهم علي اختصاص الرجوع للصفات بمستمرة الدم مع كون نصوصها نصب أعينهم قد اعتمدوا عليها فيها من أقوي المؤيدات لقصور النصوص المذكورة عن غيرها، و أنه يتعين الرجوع فيها إلي عموم نصوص قاعدة الإمكان المتقدمة.

نعم، لا مجال لعمومها للصفرة، لما تقدم من النصوص علي أنها في غير أيام

ص: 190

______________________________

الحيض ليست بحيض، علي التفصيل المتقدم فيها، و قد سبق لزوم العمل بها بعد عدم ظهور الإعراض الموهن لها، لتصريح غير واحد بمضمونها.

و لا يمنع منه ما تضمن وجوب التحيض بالدم إذا استمر ثلاثة أيام- كبعض ما تقدم في الاستدلال لقاعدة الإمكان- إما لقصوره عن الصفرة، لانصراف الدم لغيرها، أو للزوم تخصيصها له و إن كان بينهما عموم من وجه، لأن تنزيله علي غير الصفرة أهون عرفا من تنزيل الصفرة علي ما لا يبلغ ثلاثة أيام، لأن الثاني مستلزم لإلغاء خصوصية الصفرة، و هو خلاف ظاهر نصوصها جدا.

كما أنها لا تنافي الإجماعات المتقدمة المصرح في معقدها بعموم قاعدة الإمكان لفاقد الصفات، لأن موضوعها الدم، و هو منصرف عن الصفرة، و لا أقل من خروجها عن المتيقن منه.

نعم، سبق من الشيخ و غيره أن الصفرة و الكدرة في أيام إمكان الحيض حيض.

لكن سبق أن ظاهر هم العمل بهذه النصوص بعد فهم ذلك منها، لا الإعراض عنها.

كما سبق من القواعد تعميم القاعدة للدم الأصفر و عن نهاية الأحكام دعوي الإجماع علي ذلك. فإن أمكن تنزيلهما علي الدم الخفيف دون الصفرة التي يشكل صدق الدم عليها عرفا فهو، و إلا فلا مجال للتعويل علي دعوي الإجماع بعد ما سبق من جملة من الأصحاب من عدم حيضية الصفرة في غير أيام الحيض، و أن ظاهر الناصريات الإجماع عليه. كما أنا ذكرنا آنفا أن عدم حيضية الصفرة لا تستلزم عدم حيضية فاقد الصفات مطلقا، لأنها أخص منه أو هو منصرف عنها.

و من هنا يتعين البناء علي عموم قاعدة الإمكان في غير الصفرة.

بقي الكلام في مورد القاعدة،
اشارة

فإن المتيقن منها ما لو شك في حيضية الدم الواجد لتمام الشروط المعتبرة و المحتملة في الحيض، لما سبق من أن واجدية الدم لشروط الحيض لا تستلزم حيضيته، لعدم الدليل علي حيضية كل واجد لها، بل لسان أدلتها حيضية الواجد لها في الجملة، فيتحقق فيه موضوع القاعدة.

ص: 191

و الذي ينبغي الكلام فيه هو جريانها في موارد أخر..
الأول: ما إذا شك في اعتبار بعض الشروط المفقودة بنحو الشبهة الحكمية.

______________________________

كالتوالي في ثلاثة الحيض، و في اعتبار عدم تجاوزها الخمسين.

و قد قرب صاحب الجواهر و شيخنا الأعظم (قدس سرهما) قصورها عنه، لأن الظاهر من الإمكان ليس هو مجرد الاحتمال و إن أوهمته بعض عباراتهم، بل الإمكان الواقعي بالنظر للشرائط الواقعية، فمع الشك في اعتبار شي ء يشك في الإمكان الذي هو موضوع القاعدة.

لكن لا ينبغي الإطالة في معني الإمكان الذي هو موضوع القاعدة، و أنه بمعني الاحتمال، أو الإمكان الظاهري للاقتصار علي ما علم اعتباره، أو الواقعي بالنظر لما احتمل اعتباره أيضا، لعدم أخذه في شي ء من نصوص القاعدة، و إنما وقع في عبارات الفقهاء علي اختلاف بينها فيما هو الظاهر منه، فاللازم النظر في النصوص المتقدمة و أنها تشمل مورد الشك أو لا.

و المناسب للكلام في قاعدة الإمكان التي هي ظاهرية و إن كان هو الكلام في دلالة النصوص علي نفي اعتبار ما يشك في اعتباره ظاهرا، إلا أن اللازم التعرض قبل ذلك لدلالة هذه النصوص أو غيرها علي نفيه واقعا لتمامية إطلاقها من هذه الجهة أو عدم دلالتها عليه، لأن ذلك مقدم رتبة علي النفي الظاهري، و لعدم تعرضهم له في مقام آخر.

فنقول: لا مجال للبناء علي ظهور النصوص المتقدمة في نفي ما قد يشك في اعتباره في الحيض واقعا، لأنها و إن أطلق فيها التحيض بالدم، إلا أنها ليست بصدد بيان حيضية الدم المرئي، ليتمسك بإطلاقها، بل في مقام البيان من جهات أخر، كإمكان التعجيل عن العادة أو الحيض من الحامل، و عدم مانعية الانقطاع مدة طويلة أو تخلل دم النفاس من حيضية الدم، و إلحاق الدم بإحدي الحيضتين.

فلا بد من حمل الدم فيها علي الواجد لشروط الحيض، و لذا لا تكون أدلة

ص: 192

______________________________

الشروط منافية لها مقيدة لإطلاقها، و إلا لزم كثرة التقييد فيها بالنحو المستهجن، لعدم التعرض في كثير منها لشي ء من الحدود و الاقتصار علي عنوان الدم.

نعم، لا يبعد الإطلاق في صحيح صفوان في الحبلي تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة، لأن الاقتصار في بيان حدّ الدم علي الثلاثة أو الأربعة ظاهر في عدم اعتبار ما عداه، فيكتفي بذلك في غير الحامل بعدم الفصل.

و دعوي: أنه ليس واردا لبيان تحيضها واقعا، بل ظاهرا بقرينة النصوص المتضمنة الاكتفاء في تحيض الحامل باحتماله، كما تقدم، فلا مجال لإحراز عدم اعتبار ما عدا ذلك واقعا من الإطلاق.

مدفوعة بأنه حيث كانت وظيفة الإمام عليه السّلام رفع الشبهة الحكمية دون الموضوعية، فحكمه بالتحيض ظاهرا في الصحيح لا بد أن يكون من جهة الشبهة الموضوعية دون الحكمية، بل لو كان هناك ما يعتبر في حيضية الدم واقعا لكان المناسب منه عليه السّلام بيانه، ليعلم بعدم الحيض مع فقده، و لا يكتفي بإطلاق التحيض الظاهري إبقاء للشبهة الحكمية، فعدم بيانه و الاكتفاء ببيان الحكم الظاهري ظاهر في عدمه، و أن الحكم إنما كان ظاهريا للشبهة الموضوعية لا غير.

و دعوي: أن كثيرا من الأصول تجري في الشبهات الحكمية لإطلاق أدلتها.

مدفوعة بأن ذلك إنما يتم فيما إذا ورد الكلام لبيان حكم الشك- كنصوص الاستصحاب و قاعدتي الحل و الطهارة- لا ما إذا ورد لبيان عنوان واقعي- كالدم و الحيض و الماء و نحوها، كما في المقام- حيث يناسب بيان حكمه الواقعي الوارد عليه بنفسه، لا بسبب الجهل بحكمه الذي يتسني للإمام رفعه.

كما لا يبعد الإطلاق في نصوص اشتباه دم الحيض بدم العذرة للتصدي فيها لبيان حيضية الدم الذي يغمس القطنة. و لزوم تنزيلها علي حيضيته ظاهرا- لعدم انحصار الدم المذكور بالحيض- لا ينافي ذلك، لما ذكرنا من أن وظيفة الإمام رفع الشبهة من حيثية الحكم دون الموضوع.

ص: 193

______________________________

إلا أن يشكل بأن عدم ذكر الحد له قد يستلزم كثرة التخصيص فيه لو كان مطلقا من هذه الجهة. إلّا أن يكون فرض الكثرة في بعض هذه النصوص مستلزما لبلوغ الثلاثة أيام. فلاحظ.

و يمكن الاستدلال أيضا بمرسلة يونس القصيرة المتضمنة تحيض المرأة بالدم الذي تراه في عادتها ثلاثة أيام متوالية أو متفرقة في ضمن العشرة «1»، لأن خصوصية العادة لو كانت معتبرة فهي معتبرة في التحيض ظاهرا للشبهة الموضوعية، لا لدخلها في الحيض واقعا، فيكون مقتضي إطلاقها عدم اعتبار أكثر من بلوغ الدم ثلاثة أيام في حيضيته.

و لا مجال للاستدلال بإطلاق موثق سماعة في الجارية تحيض فتقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة أيام المتضمن تحيضها كلما رأت الدم ما لم يتجاوز العشرة «2»، لظهوره في المفروغية عن حيضها بتحقق تمام ما يعتبر فيه، و عدم إمكان الالتزام بما تضمنه من إمكان تحيض المرأة يومين.

و كذا الاستدلال بإطلاق صحيحي يونس و أبي بصير «3» المتقدمين في ذيل نصوص قاعدة الإمكان، لما تقدم من عدم إمكان الالتزام بظاهرهما من التحيض بالدم المتفرق بتمامه، بل يطرحان أو يحملان علي الاحتياط.

اللهم إلا أن يقال: الاحتياط فرع الاحتمال، و حيث كان من وظيفة الإمام رفعه من حيثية الشبهة الحكمية كان عدم تعرضه لبعض ما يعتبر في حيضية الدم ليكون فقده موجبا للقطع بعدم حيضية الدم ظاهرا في عدم اعتباره و صلوح الدم المذكور فيهما للحيضية. فتأمل.

و كيف كان، فيكفي صحيح صفوان و مرسلة يونس في إثبات عدم اعتبار أمر غير بلوغ الدم ثلاثة أيام في حيضيته، لكنهما مختصان بما إذا بلغت المرأة سن الحيض،

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3، 2.

ص: 194

______________________________

فكانت حاملا، كما في الصحيح، أو ذات عادة، كما في المرسلة، و لا إطلاق لهما من حيثية مبدأ سنه. كما لا ينهضان بإثبات حيضية ما زاد علي الثلاثة أو الأربعة إلي العشرة إلا بضميمة عدم الفصل، أو ما تضمن أن ما يري في ضمن العشرة فهو من الحيضة الأولي مما تقدم التعرض له في نصوص قاعدة الإمكان أو غير ذلك. كما أنهما مخصصان بما تضمن أن أقل الطهر عشرة أيام و ما تضمن بيان سن اليأس. و ليعمل علي إطلاقهما في غير ذلك.

نعم، الظاهر أنه لا خلاف فيما تضمنه الإطلاق المذكور إلّا في اعتبار التوالي في الثلاثة و إلحاق الليالي بالأيام اللذين تقدم الكلام فيهما مفصلا. و لا يحتمل تقييد هذا الإطلاق في غير ذلك، كي ينفع تنقيحه.

و دعوي: أن مجرد عدم الخلاف في ذلك لا يكفي في رفع الاحتمال، كما تري لا مجال لها في مثل المقام مما يعم به الابتلاء، لامتناع ضياع الشرط عادة لو بينه الشارع.

إذا عرفت هذا، يقع الكلام في نهوض نصوص قاعدة الإمكان المتقدمة بإثبات أصالة حيضية الدم عند الشك في اعتبار شي ء في الحيض بنحو الشبهة الحكمية، إما لدعوي عدم تمامية الإطلاق المتقدم أو في مورد إجماله، كما لو فرض إجمال الثلاثة أيام من حيثية دخول الليالي.

و لا ينبغي التأمل في قصور النصوص الأخيرة عن ذلك، لأن استفادة قاعدة الإمكان من نصوص التحيض في مواردها إنما هو بضميمة عدم انحصار الدم المفروض فيها بالحيض، و من الظاهر أن عدم الانحصار إنما هو لإمكان مشابهة غير الحيض له، و هو إنما يقتضي الاشتباه من حيثية الشبهة الموضوعية لا غير.

مضافا إلي ما أشرنا إليه آنفا من أن وظيفة الشارع رفع الشبهة الحكمية فلو كانت موارد تلك النصوص عامة لها كان المناسب رفعها بذكر ما يعتبر في الحيض و يكون فقده موجبا للعلم بعدمه.

كما أن النصوص الأول المتضمنة للتعليل بما لا يرفع احتمال عدم الحيض

ص: 195

______________________________

ترجع للتعليل إما بعدم مانعية الموجود كنصوص الحامل و التعجيل عن العادة أو بوجود الشرط كصحيح ابن المغيرة الوارد في النفساء المعلل بمضي أيام الطهر مع أيام النفاس، و هي إنما تقتضي عدم الاعتناء باحتمال عدم الحيض في فرض عدم المانع منه، و لا تعم ما إذا احتمل عدمه لاحتمال مانعية الموجود بنحو الشبهة الحكمية.

و تعميمها له موقوف علي فهم عدم الخصوصية للاحتمال الخاص في موردها، ليتعين حمل التعليل علي مطلق الاحتمال محافظة علي ارتكازيته، و لا مجال لذلك بعد قرب خصوصيته، لعدم تيسر رفعه للشارع الأقدس، بخلاف الشبهة الحكمية التي يتيسر له رفع الاحتمال من حيثيتها، و إن كان بيانه قد لا يصل للمكلف.

الثاني: ما لو شك في وجود شرط الحيض أو المانع منه بنحو الشبهة الموضوعية

كما لو شك في بلوغ المرأة سن الحيض أو اليأس منه أو مضي أقل الطهر أو نحوها.

و الظاهر قصور القاعدة عنه فلا تجري في نفسها، فضلا عن أن تنهض برفع اليد عن الأصل الذي قد يحرز عدم الشرط أو وجود المانع، لقصور نصوصها عنه.

أما النصوص الأخيرة فلما تقدم من أن استفادة القاعدة منها ليس لأخذ الشك في موضوعها، ليشمل المقام، بل لعدم انحصار الدم المفروض فيها بالحيض، لإمكان مشابهة غيره له، و المتيقن منها الاحتمال مع إحراز حدود الحيض الذي لا طريق لرفعه، حيث يكون عدم التنبيه للزوم إحراز الحيض ظاهرا في المفروغية عن كونه مقتضي الأصل حينئذ، أما مع عدم إحراز حدوده فلعل عدم التنبيه للزوم إحرازها للاتكال علي ما هو المرتكز من لزوم إحرازها، كسائر الأمور الدخيلة في إحراز الموضوع في سائر الأحكام.

و أما النصوص المتضمنة للتعليل فلما عرفت من اختصاصها بصورة عدم المانع من البناء علي الحيض، و لا مجال للتعدي لصورة الشك في المانع الذي يغلب تيسر إحراز وجوده أو عدمه للمكلف، نظير ما سبق في الشبهة الحكمية.

نعم، لو أحرز بالأصل وجود الشرط أو فقد المانع فلا إشكال في الرجوع للقاعدة، لإحراز موضوعها، و هو الاحتمال في فرض عدم المانع الشرعي.

ص: 196

______________________________

و منه يظهر عدم جريان القاعدة لإثبات التحيض برؤية الدم لو احتمل عدم استمراره ثلاثة أيام، خلافا للمنتهي، إلا أن يجري استصحاب بقائه الذي يأتي الكلام فيه في المسألة الآتية إن شاء اللّه تعالي، أو يتم ما يأتي في الفصل الخامس من كون موضوع القاعدة هو الإمكان بلحاظ الموانع السابقة علي الدم. فراجع.

و أظهر من ذلك ما لو كان الاشتباه مع الشك في موضوع الحيض، و هو كون من يخرج منه الدم امرأة، كما في الخنثي و الممسوح، حيث يزيد علي ما سبق بأخذ عنوان المرأة في جميع نصوص القاعدة، فلا بد في جريانها من إحراز ذلك.

الثالث: ما لو تردد الدم بين أن يكون من الرحم و أن يكون من جرح أو قرح في الفرج.

و ظاهر ما تقدم من المعتبر و المنتهي شمول قاعدة الإمكان له، لاستثنائهما صورة العلم بكون الدم لقرح أو عذرة.

لكنه في غاية الإشكال، لقرب انصراف الدم المسئول عنه في النصوص المشتملة علي التعليل للدم المعهود الذي يخرج من الرحم المفروغ عن قابليته لأن يكون حيضا لو لا احتمال المانع أو عدم الشرط المشار إليه فيها، و الاشتباه بغيره يبتني علي عناية تحتاج للتنبيه في السؤال و الجواب، كما تضمنته نصوص الاشتباه بالعذرة، فلا يحرز موضوعها لو احتمل عدم خروج الدم من الرحم.

و مثلها النصوص الأخيرة، لأن استفادة قاعدة الإمكان منها إنما هي بضميمة عدم انحصار الدم الذي أخذ في موضوعها بالحيض، لمشابهة غير الحيض له، و المعهود من الاشتباه هو الاشتباه في الدم الخارج من الرحم، كما هو المناسب للتعبير بالعود في صحيح العيص فيمن انقطع عنها الدم مدة و بالتعجيل في صحيح عبد الرحمن، فإنهما و إن لم يحملا علي عود الطمث و تعجيله لظهورهما في الشك في حيضية الدم، إلا أنه يقرب كون مصححهما مشابهة الدم الخارج للحيض في الخروج من الرحم.

بل هو كالمقطوع به في نصوص اشتباه دم الحيض بدم العذرة التي أنيط الحكم فيها بالحيضية بغمس القطنة، فإن الظاهر ابتناؤه علي المفروغية عن ملازمة الغمس

ص: 197

______________________________

لعدم كون الدم من الفرج لقرح أو جرح غير البكارة الموجبة للتطويق، لأن التنبيه علي البكارة ليس بأولي ارتكازا من التنبيه علي احتمال ذلك، فالاقتصار في التنبيه عليها ظاهر في المفروغية عن عدم غيرها في الفرج.

علي أنه لو بني علي التعميم لذلك أخذا بإطلاق الدم تعين التعميم لاحتمال كون الدم من الرعاف أو من جرح ظاهر أو دما واقعا عليها من الغير أو نحو ذلك مما لا يمكن الالتزام به، حيث يكشف ذلك عن الإشارة بالنصوص لمعهود خاص، فيقتصر فيه علي المتيقن، و هو الخارج من الرحم الذي يخرج من المرأة بما أنها امرأة، لا بما أنها انسان أو حيوان.

و عليه يتعين في الفرض الرجوع لمقتضي الحالة السابقة، من حيض أو عدمه، مع عدم تيسر الفحص عن الحيض، و أما مع تيسره فيجب علي ما تقدم في مسألة اشتباه دم الحيض بدم العذرة عند الكلام في وجوب الفحص. فراجع.

و منه يظهر قصور نصوص القاعدة عما لو كان طرف الترديد المقابل للحيض خروج الدم من قرح أو جرح في الجوف غير الرحم، فلا مجال للبناء علي حيضية الدم بعد عدم العلم بكونه من الرحم.

بل مع تعذر الفحص يرجع للحالة السابقة و مع تيسره لا يبعد وجوبه لنظير ما تقدم. فتأمل.

نعم، قد ينافي ذلك ما في مرسلة يونس القصيرة: «فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت و انتظرت … و إن مر بها من يوم رأت الدم عشرة أيام و لم تر الدم فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض، إنما كان من علة، إما قرحة في جوفها، و إما من الجوف فعليها أن تعيد الصلاة … » «1» لظهورها في لزوم البناء علي حيضية الدم من أول رؤيته و إن احتمل خروجه من الجوف.

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 198

______________________________

لكن- مع اختصاصها بما يري في العادة- لا يبعد حمل الجوف فيها علي الرحم، كما يناسبه الحكم فيها بالاستحاضة بعد ذلك، فهي تبتني علي المفروغية عن كون الدم من الرحم، و إلا لم يتضح وجه الجزم بكونه من غير الرحم بمجرد تعذر البناء علي حيضيته مع ما هو المعلوم من أن دم الاستحاضة من الرحم.

و قد تحصل مما تقدم أمور..
الأول: أن الدليل علي قاعدة الإمكان الإجماع و النصوص،

و أن النصوص صالحة لتحديدها، و الإجماع قابل للتنزيل علي مفادها.

الثاني: أنه لا دليل علي حجية الصفات بنحو تصلح لرفع اليد عن عموم نصوص القاعدة،

بل المتيقن من حجيتها حالة استمرار الدم أو نحوها مما لا يمكن الرجوع فيه للقاعدة بالإضافة إلي تمام الدم.

نعم، لا مجال للبناء علي حيضية الصفرة إلا إذا كانت في العادة أو قبلها بيومين، علي ما تقدم فيه عند الكلام فيما يتأخر عن العادة.

الثالث: لزوم الاقتصار في القاعدة علي ما إذا أحرز موضوع الحيض

- و هو كون من خرج منه الدم امرأة- و كون الدم من الرحم و شروط الحيض و ارتفاع موانعه و لم يشك في ذلك بنحو الشبهة الموضوعية أو الحكمية، لعدم مساعدة النصوص علي أكثر من ذلك، لا لدلالتها علي كون المراد بالإمكان هو الإمكان بالقياس للموانع المعلومة و المحتملة بنحو لا تجري واقعا مع احتمال وجود المانع- كما يظهر من بعض كلماتهم- بل لظهورها في إرادة الإمكان الواقعي بالإضافة إلي الموانع الواقعية، فما لم يحرز ذلك لا يحرز موضوعها.

نعم، لو أحرز بالأصل عدم ما هو مانع بعنوانه المأخوذ في الأدلة- كبلوغ الستين- اتجه جريان القاعدة لإحراز موضوعها.

و أما الإجماع فالمتيقن منه ذلك، لأن الإمكان إن لم يكن ظاهرا في خصوص ذلك فلا أقل في احتماله له و عدم ظهوره في مطلق الاحتمال.

ص: 199

(مسألة 5): غير ذات العادة الوقتية- سواء أ كانت ذات عادة عددية فقط (1) أم لم تكن ذات عادة أصلا، كالمبتدأة- إن كان الدم جامعا للصفات (2)

______________________________

و ما قد يظهر من بعض عباراتهم في بيان القاعدة و استدلالاتهم المتقدمة بها من الاكتفاء بمطلق الاحتمال ليس من الكثرة و الوضوح بنحو يصلح للحجية و ينهض بالمنع من الرجوع للأصل. كما أن ما يظهر من بعضهم كشيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن موضوع القاعدة هو الإمكان المستقر المتيقن، لأنه المستفاد من الإجماع عليها الذي هو عمدة الدليل عليها عنده، فلا يكفي إحراز عدم المانع بالأصل، في غير محله بعد ما عرفت من مفاد النصوص. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم. و له الحمد.

مسألة 5: غير ذات العادة الوقتية تحيض برؤية الدم

(1) التعميم لها يبتني علي ما تقدم في أول المسألة الرابعة من أن المعيار في العادة التي يرجع إليها في التحيض برؤية الدم هي الوقتية عددية كانت أو لا، و لا أثر للعددية في ذلك.

(2) ظاهره اعتبار اجتماع الصفات في الأمارية علي الحيض و عدم الاكتفاء بإحداها، كما هو مقتضي ما تقدم من المدارك من أنها خاصة مركبة متي وجدت حكم بالحيضية و متي انتفت حكم بعدمها.

و أما بقية عبارات الأصحاب فهي و إن اشتملت علي الصفات المذكورة بنحو يظهر منها اجتماعها إلا أنها في مقام بيان صفاته الغالبية لا الأمارة عليه الذي هو محل الكلام.

و إنما خصوا الأمارية بمستمرة الدم، و يظهر من جملة منهم هناك الاكتفاء بالإقبال و الإدبار و لو بلحاظ بعض الصفات، علي ما يأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه تعالي.

و كيف كان، فاعتبار اجتماع الصفات مقتضي الجمع بين نصوصها المتقدمة، فإنه و إن اقتصر في بعضها علي بعض الصفات، كالحرارة في صحيح معاوية «1»، و موثق إسحاق «2»، و السواد في مرسلة يونس «3»، إلا أنه يلزم تنزيلها علي كون إهمال الباقي

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 200

______________________________

لغلبة ملازمته للمذكور، جمعا مع قوله عليه السّلام في صحيح حفص: «إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة» «1» الذي هو كالصريح في اعتبار الاجتماع.

فما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه في مستمسكه من ظهور الأدلة في طريقية كل صفة في نفسها بلا اعتبار الاجتماع بشهادة اختلاف النصوص فيها، في غير محله.

علي انه يشكل بما أشار إليه قدّس سرّه من أن ذلك كما يجري في الحيض يجري في الاستحاضة لتشابه ألسنة الأدلة فيهما، و حينئذ كما تكون واجدية الدم لبعض صفات الحيض أمارة علي حيضيته تكون فاقديته لبعضها المستلزم لتحقق بعض صفات الاستحاضة أمارة علي كونه استحاضة فيتعارضان.

و دعوي: أن حجية صفات الاستحاضة في طول حجية صفات الحيض عليه، فلا يرجع لأمارة الاستحاضة إلا مع فقد أمارة الحيض. ممنوعة جدا، لسوق الأدلة صفات كل من الحيض و الاستحاضة في مساق واحد، و لا قرينة علي تقدم إحداهما رتبة.

و مثله في الضعف ما في الجواهر من أن لا يبعد الرجوع للظن مع تحقق بعض الصفات دون بعض، فيدور الحكم مداره وجودا و عدما، و لا ضابط له. إذ فيه: أنه لا دليل علي حجية الظن.

و دعوي: أن المستفاد من دليل الإرجاع للصفات إمضاء طريقة العرف في العمل عليها، و مبني عملهم بها علي إفادتها الظن، و إن لم يتضح بناؤهم علي العمل بالظن المجرد عنها. غير ظاهرة بنحو تنهض بالخروج عن استصحاب عدم الحيض في المقام.

ثم إن مقتضي ما سبق كون فقد بعض الصفات أمارة علي عدم الحيض، لأنه إذا كان الاجتماع هو الغالب في الحيض يكون عدمه أمارة علي عدمه، و مقتضي إطلاق سوق القضية الغالبية ليعمل عليها في معرفة حال الدم حجيتها في ذلك. لكن ظاهر صحيح حفص لزوم اجتماع الصفرة- التي يراد بها خفة الحمرة- و البرودة في دم

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 201

مثل الحرارة (1) و الحمرة أو السواد (2)

______________________________

الاستحاضة، فعدم اجتماعهما يكون أمارة علي عدمها بعين البيان المتقدم، و حيث كان ظاهر النصوص المتقدمة انحصار الدم بالحيض و الاستحاضة تعين تعارض الأمارتين و تساقطهما، أو يكون ذلك كاشفا عن سوق اجتماع صفات دم كل من الحيض و الاستحاضة أمارة عليه، من دون أن يكون عدمه أمارة علي العدم، فالدم الواجد لبعض صفات الحيض و الاستحاضة كما لا أمارة علي حيضيته أو كونه استحاضة كذلك لا أمارة علي عدم كونه من أحدهما.

و كيف كان، فالمرجع فيه استصحاب عدم الحيض المقتضي لترتب أحكام الاستحاضة عليه بالبيان المتقدم في أول الكلام في مسألة اعتبار التوالي في الثلاثة أيام التي هي أقل الحيض.

(1) كما في النهاية و الغنية و الشرائع و النافع و المعتبر و التذكرة و المنتهي و الإرشاد و الدروس و اللمعة و محكي الكافي و البيان و التبصرة. و قد تضمنها صحيحا معاوية بن عمار و حفص بن البختري و موثق إسحاق بن جرير المتقدمة «1». و حيث كان كل دم، بل كل ما يخرج من الباطن حارا تبعا للباطن فالظاهر أن المراد بها نحو من الحرارة في الدم تقتضي الإحساس بلذعه و حرقته حين خروجه، فتدرك الحرارة بذلك.

(2) كما في المعتبر و النافع و التذكرة و اللمعة و محكي البيان. و كأنه للجمع بين ما اقتصر فيه علي السواد- كصحيح حفص و مرسلة يونس المتقدمين- و ما اقتصر فيه علي الحمرة، كمرسلة التذكرة: «إن دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار أحمر محتدم له حرقة، و دم الاستحاضة فاسد بارد» «2».

و ما تضمن التعبير عن الحيض بالحمرة، كمرسلة ابن أبي عمير: «إذا بلغت

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3، 2، 1.

(2) التذكرة ج 1: ص 31.

ص: 202

______________________________

المرأة خمسين سنة و لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش» «1» و ما تضمن التفصيل في التحيض بين الحمرة و الصفرة، كالنصوص الآتية في دليل التحيض بواجد الصفات.

لكن مرسلة التذكرة ليست بحجة، و لا سيما مع قرب كونها تصحيفا لموثق إسحاق بن جرير و روايتها في مستدرك الوسائل خالية عن لفظ «أحمر» علي أن تقييده بالاحتدام الذي قيل إنه شدة الحمرة في الدم حتي يسود مانع من الأخذ بإطلاق الأحمر فيه.

و التعبير عن الحيض بالحمرة إنما يقتضي اتصافه بها، و هو أعم من أماريتها عليه عند اشتباهه، و إنما استفيدت الأمارية من نصوص الصفات المتقدمة لظهورها في الإرجاع إليها لغلبة اختصاصه بها، لا لمجرد اتصافه بها.

و أما نصوص التفصيل فهي ظاهرة في حيضية الأحمر- و لو لقاعدة الإمكان- في قبال نفي حيضية الأصفر، لا في أمارية الحمرة علي الحيض عند الشك في حال الدم.

علي أن النصوص المقتصر فيها علي السواد تأبي الجمع المذكور جدا، لظهورها في خصوصية السواد.

بل يبعد جدا جعل الحمرة أمارة علي الحيض مع وضوح عدم غلبة اختصاصه بها، و أنها تكثر في دم الاستحاضة، بل هي لازمة لكل ما يتضح إطلاق الدم عليه عرفا، و إطلاق الدم علي غير الأحمر خفي.

و ما في صحيح حفص من أن دم الاستحاضة أصفر لا بد من حمله إما علي خفة الحمرة و إلا لم يكن مقابلا للسواد و كان صدق الدم عليه خفيا، كما ذكرنا، أو علي أمارية الصفرة علي الاستحاضة لاختصاصها بها غالبا، دون أمارية عدمها علي عدم الاستحاضة.

و مثله في الإشكال ما في المقنعة من الاقتصار علي الحمرة. بل يتعين الاقتصار علي السواد، كما في المبسوط و النهاية و الوسيلة و السرائر و الشرائع و المنتهي و القواعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 203

و الخروج بحرقة (1) تتحيض أيضا بمجرد الرؤية.

______________________________

و الإرشاد و الدروس و محكي المصباح و التحرير و التبصرة و التلخيص.

نعم، لا إشكال في عدم إرادة السواد الحقيقي لعدم اتصاف الدم به، بل شدة الحمرة بنحو يضرب إلي السواد، كما في الغنية و المراسم و محكي الكافي.

و يناسبه ما في مرسلة يونس الطويلة من رجوع الأمر بالتحيض بالدم البحراني إلي التمييز بالسواد، مع أن البحراني ليس هو الأسود، بل شديد الحمرة ففي السرائر:

«و هو الشديد الحمرة و السواد، كما يقال: أبيض يقق و أسود حالك و حانك و أحمر بحراني و باحري. هكذا أورده ابن الأعرابي»، و قريب منه ما في لسان العرب حاكيا له عن الصحاح و ابن سيدة.

و لعل ذلك مراد الكل، و إن كان تنزيل كلام من سبق منه الترديد بين الوصفين عليه بعيدا و من ثم كان ما ذكروه مشكلا.

(1) كما في المراسم و الوسيلة و الشرائع و الارشاد و محكي التحرير. ففي موثق إسحاق بن جرير: «هو دم حار تجد له حرقة» «1». و لعله إليه يرجع ما في المقنعة و المبسوط و السرائر و المنتهي من التعبير بالخروج بحرارة، لظهوره في كون الحرارة من حالات الخروج، لا من صفات الدم الخارج، ليرجع للحرارة المذكورة في المتن أولا و ذكرها من سبق.

و من هنا لا يبعد كون عطف الحرارة علي الحرقة في الوسيلة و القواعد و محكي التحرير تفسيريا. و لعل ذلك هو الوجه في تكرار الحرارة في صحيح حفص، فالمراد بها أولا صفة الدم و ثانيا حالة الخروج. نعم، تقدم تقريب التلازم بينهما.

هذا و بقيت بعض الصفات لم يتعرض لها في المتن:

منها: الخروج بدفع، و قد ذكره في النهاية و الغنية و المعتبر و النافع و التذكرة

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 204

______________________________

و المنتهي و اللمعة و محكي الكافي و البيان و التبصرة، و يقتضيه ما تقدم من صحيح حفص.

و منها: أن يكون عبيطا، كما في المنتهي و الدروس. و يقتضيه ما تقدم من صحيح حفص. و قد فسره في التذكرة و المنتهي و لسان العرب و القاموس بالطري، و في مختار الصحاح بالخالص الطري. و لعله لمناسبة الخروج بدفع لعدم مكث الدم في الرحم فيخرج طريا قبل أن يفسد أو يختلط بغيره.

و منها: الغلظ، كما في المقنعة و الوسيلة و المراسم و الغنية و المعتبر و النافع و التذكرة و جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة و المدارك و محكي نهاية الأحكام و البيان و غيرهما.

و لم أعثر علي نص به سوي ما عن الدعائم: «و روينا عنهم عليهم السّلام: أن دم الحيض كدر غليظ منتن، و دم الاستحاضة دم رقيق» «1»، و الرضوي: «و دم الحيض إلي السواد، و له غلظة» «2».

و منها: النتن، كما في جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة و المدارك و محكي نهاية الأحكام. و لم أعثر علي نص به سوي ما تقدم عن الدعائم.

هذا و لا يبعد كون منشأ اضطراب الأصحاب فيها البناء علي التلازم بينها حتي ذكر ما هو غير معتبر أو أهمل ما هو معتبر استغناء عنه بما ذكر، أو عدم سوقهم لها للأمارية شرعا علي الحيض، بل لبيان صفاته الغالبية بالنظر لواقعه الخارجي فلا يهتم بالتدقيق فيها. و إنما اختص الرجوع إليها عندهم بمستمرة الدم التي يظهر من جملة منهم كون المعيار في التمييز لها إقبال الدم و إدباره الذي هو أمر عرفي لا يختص بالصفة المنصوصة.

كما لا يبعد أن يكون اختلاف النصوص فيها ناشئا عن التلازم الغالبي كما ذكرنا في كلمات الأصحاب، و قد يناسبه اشتمال صحيح حفص علي ذكر (حار)، و (عبيط) في مقام وصف الحيض و عدم ذكرهما بعد ذلك في الشرطية معيارا في التحيض.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 205

و إن كان فاقدا للصفات تتحيض بعد ثلاثة أيام (1). و لا يترك الاحتياط في الثلاثة بالجمع بين عمل الحائض و المستحاضة.

______________________________

و كيف كان، فلا بد من الجمود علي الشرطية المذكورة فيه و تنزيل جميع ما ورد عليها.

(1) كما في الجواهر و سبقه إليه في المبتدأة في المدارك و محكي الكفاية و الذخيرة و المفاتيح، و في الجواهر أنه قد يظهر من بعض عبارات المقنعة و المختلف و المنتهي.

و كيف كان، فقد استدل أو يستدل عليه بأمور..

الأول: نصوص الصفات المتقدمة عند الكلام في قاعدة الإمكان.

لكن سبق اختصاصها بمستمرة الدم و لو عمت كان مقتضاها البناء علي عدم حيضية فاقد الصفة حتي لو استمر ثلاثة أيام، و هو خلاف الفرض.

مع أنه قد يدعي ورودها في مقام تمييز دم الحيض عن دم الاستحاضة ظاهرا بعد الفراغ عن قابلية الدم للحيضية واقعا لواجديته لتمام ما يعتبر في الحيض، و لا تقتضي عموم التعبد بالحيضية أو عدمها لما لو شك في قابلية الدم له، لاحتمال فقد شرط الحيض، كما في المقام.

و كما لو شك في البلوغ أو في سن اليأس أو في مضي أقل الطهر، بل مقتضي استصحاب عدم البلوغ أو عدم مضي أقل الطهر البناء علي عدم حيضية الدم و إن كان واجدا لصفته، و لا يكون محكوما لأمارية الصفة.

و إن كان ما تقدم من غير واحد في مبحث اعتبار البلوغ في الحيض من دعوي أمارية الحيض علي البلوغ عند الشك فيه قد يناسب بناءهم علي عموم حجية الصفات لحال الشك في البلوغ و نحوه، حيث يبعد تنزيله علي خصوص صورة العلم الوجداني بالحيض مع عدم الاجتزاء في إحرازه بواجدية الدم للصفات. فلاحظ.

الثاني: ما تضمن التفصيل بين الحمرة و الصفرة مما ورد في الحامل و النفساء

ص: 206

______________________________

كما في مرسل محمد بن مسلم في الحبلي: «إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء» «1»، و صحيح إسحاق بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحبلي تري الدم اليوم و اليومين. قال: إن كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين. و إن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» «2»، و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن امرأة نفست فمكثت [و بقيت.

يب صا] ثلاثين يوما [ليلة. يب صا] أو أكثر ثم طهرت و صلّت ثم رأت دما أو صفرة.

قال: إن كان صفرة فلتغتسل و لتصل و لا تمسك عن الصلاة»، و زاد الشيخ: «و إن كان دما ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيام أقرائها، ثم لتغتسل و لتصل» «3»، بعد إلغاء خصوصية موردها.

و كذا ما تضمن عدم التحيض بالصفرة في غير أيام العادة «4» مما تقدم بعضه في المسألة السابقة، بناء علي ظهوره في خصوصية الصفرة، أو للرجوع في غيرها إلي ما دل علي التحيض برؤية الدم مما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

لكن يشكل الاعتماد علي نصوص الحامل و النفساء بعد ضعف المرسل، و صراحة صحيح إسحاق في التحيض بالدم في اليوم و اليومين، و ظهور صحيح عبد الرحمن في عدم التحيض بالصفرة في أيام القرء، حيث يتجه طرحهما أو الجمود فيهما علي موردهما.

مضافا إلي أنها و بقية نصوص الصفرة ظاهرة في التفصيل بين الحمرة و الصفرة في حيضية ما يخرج بتمامه و عدمها، لا في التحيض به بمجرد خروجه و عدمه لو شك في استمراره، فإنه بعيد عن مفاد النصوص جدا، لعدم الإشارة فيها للشك في الاستمرار، بل في حكم الصفرة من حيث هي صفرة و إن استمرت.

و لا سيما بلحاظ صحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن المرأة

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 2، 3.

(4) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

ص: 207

______________________________

تري الصفرة في أيامها، فقال: لا تصلي حتي تنقضي أيامها، و إن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت» «1»، لصراحة قوله عليه السّلام: «حتي تنقضي أيامها» في النظر لحكم الاستمرار و عدم الاقتصار علي حكم الحدوث.

و أما ما سبق من شيخنا الأعظم قدّس سرّه في حيض الحامل من الاستشهاد لذلك بما في صحيح إسحاق من التحيض بالدم اليوم و اليومين، لأن وضوح عدم نقص الحيض عن ثلاثة ملزم بحمله علي كون النظر فيه لأول أزمنة رؤية الدم لا لتمام أزمنته فهو راجع لبيان حكم الدم في اليوم و اليومين الأولين، لا إلي فرض كون الدم بتمامه يوما أو يومين.

فقد سبق منعه، لقوة ظهوره في بيان مقدار الدم، لا السؤال عن حكم أول أزمنته، و إلا فلا خصوصية لليوم و اليومين في ذلك، فلا بد من طرحه، أو الاقتصار فيه علي مورده، و هو الحامل. فراجع.

و مثله ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن حمل نصوص المقام علي إرادة عدم التحيض بالصفرة مع الشك في الاستمرار إنما هو بعد تعذر العمل بظاهرها و هو عدم الحيضية في تمام الدم و لو مع استمراره، لعدم الإشكال في البناء علي حيضية الثلاثة المتوالية و دعاوي القطع به و الإجماع عليه في كلماتهم في موارد متفرقة متظافرة كالنصوص.

لاندفاعه بعدم وضوح عموم الإجماع للصفرة، بل الظاهر قصوره عنها، كما يظهر مما تقدم منا عند الكلام في حكم الصفرة عند الكلام في تقدم الدم علي العادة، فلا مانع من العمل بظاهر نصوص المقام و رفع اليد بها عن إطلاق ما تضمن حيضية الدم البالغ ثلاثة أيام، و لا سيما مع كون الصفرة من أفراده الخفية.

و لو تعذر العمل بظاهرها فلا مجال لحملها علي نفي التحيض ظاهرا عند الشك في الاستمرار ليستدل بها علي التفصيل المدعي، لبعدها عن ذلك جدا، فلا يكون عرفيا، بل يتعين طرحها.

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 208

______________________________

علي أن عدم التحيض بالصفرة لا يستلزم عدم التحيض بكل دم فاقد لصفات الحيض، فضلا عما لم تجتمع فيه صفاته المتقدمة. و فهم عدم الخصوصية للصفرة و أن المدار علي فقد الصفات في غاية المنع، و لا سيما بعد عدم وضوح بناء العرف علي حيضية الصفرة و أن الحيض هو الدم الذي يكون تطبيقه عليها خفيا، كما يناسبه جعلها في قباله في صحيح عبد الرحمن المتقدم.

نعم، قد يظهر من الجواهر الاقتصار علي الصفرة لرده لاطلاقات التحيض بانصراف الدم عن الصفرة.

لكنه لو تم خروج عن المدعي من الاقتصار في التحيض علي الواجد للصفات، كما لا يناسب الاستدلال بنصوصها المتقدمة.

الثالث: أنه لا إشكال في بناء العرف في الجملة علي التحيض برؤية الدم و عدم انتظار حاله، فيتابعون فيه بالتقريب المتقدم في الوجه الثاني للاستدلال علي قاعدة الإمكان، إلا أن المتيقن من ذلك ما لو كان واجدا للصفات.

و فيه: أنه لو تم توقفهم في الفاقد فهو إنما يكون لعدم بنائهم علي حيضيته مطلقا و لو استمر ثلاثة أيام، لا للشك في استمراره، لينفع فيما نحن فيه، فمع فرض البناء علي حيضيته مطلقا لا مجال للاعتماد علي سيرة العرف في التفصيل المذكور.

و منه يظهر أن اختصاص التحيض بمجرد الرؤية بواجد الصفة عند صاحب المدارك و نحوه ممن لا يري حيضية الفاقد و إن استمر إنما هو لاختصاص الحيض به لا لخصوصيته في عدم وجوب الانتظار مع وجوبه في الفاقد كما هو محل الكلام، فلا ينبغي عدّه من القائلين بالتفصيل المذكور و إن كان هو ظاهر كلامه.

و المتحصل: أنه لم يتضح الوجه في التفصيل المذكور. و لعله لذا لم يذكر في كلام متقدمي الأصحاب، و إنما الكلام بينهم في اختصاص التحيض بمجرد الرؤية بما يري في العادة أو عمومه لغيره.

و كأن نسبته فيما سبق من الجواهر للمقنعة لتوصيفه دم الحيض بالصفات من دون تنبيه علي كونها غالبية مع حكمه بالتحيض برؤيته، و للمختلف و المنتهي

ص: 209

______________________________

للاستدلال فيهما بنصوص الصفات المتقدمة.

لكن ما في المقنعة لو أريد ظاهره خلاف في حدود الحيض راجع إلي عدم حيضية فاقد الصفة واقعا مطلقا، و هو أجنبي عن المقام.

و الاستدلال بنصوص الصفات في المختلف و المنتهي، لعله ليس للبناء علي التفصيل لعدم الإشارة إليه في تحرير النزاع، بل إما أن يكون مع التعدي عن موردها لفهم عدم خصوصيته أو لعدم الفصل أو غيرهما، أو يكون لبيان عدم اختصاص الحكم المذكور بما في العادة، لما في المنتهي من أن الإرجاع فيها للتمييز دليل علي كونها غير ذات العادة، لعدم رجوع ذات العادة له. كيف و قد استدل عليه فيهما أيضا بقاعدة الإمكان المصرح في كلماتهم بعمومها لفاقد الصفة.

نعم، ذكر في المختلف أن الدم المذكور بصفة الحيض في زمان يمكن أن يكون حيضا فيلزم أن يكون حيضا. و صدر كلامه و إن أوهم الاختصاص بواجد الصفة، إلا أن استدلاله بكبري قاعدة الإمكان ملزم برفع اليد عن ذلك.

كما أنه لا وجه لما في المدارك من اختصاص النزاع بواجد الصفة مدعيا التصريح بذلك في المختلف و غيره، لأن الاختصاص به لا يناسب إطلاق الأصحاب، و ما في المختلف قد عرفت حاله.

و مثله ما في الجواهر من احتمال ذهابهم للتفصيل المذكور لأن موضوع كلامهم الدم المنصرف عن الصفرة، لما سبق من أن فاقد الصفات أعم من الصفرة.

و بالجملة: الظاهر أن التفصيل المذكور مستحدث لا وجه له إلا ما لو تم اقتضي اختصاص الحيض بواجد الصفة فغيره ليس بحيض لا أنه حيض إذا استمر كما هو محل الكلام.

و من هنا يتعين النظر في القولين المعروفين بين الأصحاب المشار إليهما آنفا.

فقد ذهب في السرائر إلي أن غير ذات العادة لا تتحيض إلا بمضي ثلاثة أيام، و وافقه في المعتبر و التذكرة و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و محكي البيان، كما حكي

ص: 210

______________________________

في المبتدأة عن أبي الجنيد و السيد المرتضي في المصباح و الحلبي في الكافي، و جعله أحوط في القواعد، كما ألزمها بالاحتياط للعبادة في الشرائع، و تردد فيها و في المضطربة في النافع.

و كيف كان، فقد استدل عليه في المعتبر بأن مقتضي الدليل لزوم العبادة حتي تتيقن المسقط- و هو الحيض- و لا يقين به إلا بعد الثلاثة أيام. لكن لما كان دليل لزوم العبادة هو عمومها المعلوم تخصيصه بأدلة الحيض، كان التمسك به مع الشك فيه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص، الذي هو خلاف التحقيق.

و أما استصحاب وجوب العبادة عليها و نحوه من أحكام الطهر بلحاظ حال ما قبل خروج الدم، فلا مجال له، لاحتمال تبدل الموضوع، علي ما ذكرناه في أكثر موارد الشك في الأحكام التكليفية.

نعم، الظاهر جريان استصحاب الطهر و عدم الحيض، و كما يقتضي عدم ترك العبادة يقتضي ترتب جميع أحكام الطهر، فيجوز لها دخول المساجد و قراءة العزائم و مس الكتاب و نحوه، و يجب عليها تمكين الزوج من الوطء، كما يجوز لها المطالبة به.

و أما لو لم يجر الاستصحاب المذكور فمقتضي العلم الإجمالي الاحتياط لها في تكاليف الحائض و المستحاضة، بالإتيان بالعبادة و عدم دخول المساجد و نحو ذلك من تكاليف الحائض.

نعم، لا يجب عليها منع الزوج من الوطء مع مطالبته به التي هي جائزة له، علي ما تقدم في المسألة الثانية من الفصل الأول. و من البعيد بناء من سبق علي التفصيل المذكور.

ثم إن كلام بعض من تقدم و إن اختص بالمبتدئة، إلّا أنه لا يبعد عدم خصوصيتها و أن المدار عندهم علي عدم العادة، و قد صرح بعدم الفرق بينها و بين المضطربة في جامع المقاصد و محكي الذكري.

إلّا أنه صرح في الدروس و محكي البيان بأن المضطربة لو ظنت الحيض جاز لها ترك العبادة. و يشكل بعدم وضوح وجه خصوصيتها في ذلك. و لعله لذا عممه في المسالك للمبتدئة. لكن لا بد من الدليل علي حجية الظن فيهما معا.

ص: 211

______________________________

اللهم إلا أن يدعي أن الاحتياط للمضطربة مستلزم للعسر بنحو يكشف عن رضا الشارع بالرجوع للأصل، لكثرة أفرادها و ابتلائها بالدم في كل شهر، فلا بد من الاكتفاء بالظن، بخلاف المبتدأة. فتأمل.

هذا و ربما يدعي أنه بناء علي ما هو الظاهر من جريان الاستصحاب في التدريجيات و بلحاظ الأزمنة المستقبلة يتجه الرجوع لاستصحاب خروج الدم إلي ثلاثة أيام، فيرفع به اليد عن مقتضي العلم الإجمالي المذكور، و يكون حاكما علي استصحاب عدم الحيض لو كان جاريا في نفسه، لكونه محرزا لحد الحيض و شرطه، و بضميمة قاعدة الإمكان في واجد الحد و الشرط يحرز الحيض، كما سبق في ذيل الكلام علي القاعدة.

و دعوي: أن الاستصحاب كما يقتضي استمرار الدم ثلاثة أيام، يقتضي تجاوزه عن العشرة، فيخرج عن موضوع قاعدة الإمكان.

مدفوعة بأن لازم ذلك عدم التحيض ظاهرا بالدم حتي بعد الثلاثة، مع أنه لا إشكال في وجوب التحيض به حينئذ، و ذلك إنما يكشف عن عدم التعويل علي الاستصحاب الاستقبالي في إحراز التجاوز عن العشرة، لا مطلقا، لإمكان الفرق بينهما و لو بسبب الإجماع المذكور.

مع أن المستفاد من بعض نصوص المقام أن التجاوز عن العشرة إنما يمنع من البناء علي حيضية خصوص المتجاوز مع البناء علي حيضية ما قبله، كموثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين يوما … » «1» و غيره.

نعم، لو كان الثاني بصفات الحيض و الأول فاقدا لها فقد يتعين الثاني للحيضية، إلا أنه غير محرز في المقام، بل مقتضي الاستصحاب عدمه.

فالعمدة في الإشكال في الاستصحاب المذكور أن وجود الدم في الزمان اللاحق

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6. و في الباب أحاديث أخر ظاهرة في المدعي.

ص: 212

______________________________

الذي هو مفاد الاستصحاب ليس موضوعا للأثر بنفسه، بل من حيثية ملازمته لكون مجموع الدم المعلوم و المستصحب ثلاثة أيام، التي هي حدّ الحيض. و لم يتضح لحاظ الشارع آنات الثلاثة أيام في حدّيتها للحيض بنحو الانحلال، بحيث يكون الحد مركبا من الآنات المذكورة، و يكون كل آن ملحوظا جزءا من الموضوع و دخيلا في ترتب الأثر، ليكون المقام من باب إحراز أحد جزئي الموضوع بالأصل و الآخر بالوجدان.

بل لعل الحد هو الثلاثة بمجموعها. و لا سيما بعد ظهور الأدلة في كون التحديد الشرعي بما هو الحد الواقعي، لا الاعتباري، و الحد الواقعي لا يبتني علي الانحلال، بل علي أنه كم الحيض الواحد. و من هنا يشكل الاعتماد علي الاستصحاب المذكور في الخروج عن مقتضي العلم الإجمالي أو استصحاب عدم الحيض. و الأمر محتاج لمزيد من التأمل.

هذا و قد أطلق في المبسوط و النهاية التحيض برؤية الدم، و وافقه علي ذلك في المنتهي و المختلف و التحرير و الروضة و محكي الإصباح و الجامع و نهاية الأحكام و الذكري، و هو ظاهر الوسيلة، بل قد يظهر من الفقيه و الهداية للحكم فيهما بعدم حيضية الدم إذا كان يوما أو يومين بل يجب معه القضاء.

بل هو المنساق من كل من ذكر أحكام الحيض و لم ينبه لطريق إحراز حيضية الدم أول ظهوره و لا لوجوب الانتظار في ترتيب الأحكام، و لعله لذا جعله الأشهر في محكي كشف الالتباس و المشهور في الرياض و محكي شرح المفاتيح.

و قد استدل عليه غير واحد بقاعدة الإمكان. لكن سبق المنع من عمومها لمثل ما نحن فيه مما لم يحرز فيه شرط الحيض. نعم، لو تم استصحاب بقاء الحيض إلي ثلاثة أيام تحقق موضوعها، و كذا بناء علي أن موضوعها الإمكان بلحاظ الموانع السابقة علي الحيض، كما سبق.

فالعمدة فيه: النصوص الكثيرة الظاهرة في المفروغية عن التحيض برؤية الدم.

و قد تقدمت الإشارة لجملة منها في أول المسألة الرابعة.

ص: 213

______________________________

و كذا ما ورد في تقدم الدم علي العادة مما تقدم التعرض له هناك أيضا «1»، بناء علي ما سبق من عدم اختصاصه بالتقدم القليل، حيث يتعين إلغاء خصوصية كونها ذات عادة فيه، لأن مخالفة الدم للعادة أدعي للتشكيك في حيضيته، بل حتي بناء علي اختصاصه بالتقدم القليل لا يبعد إلغاء خصوصية العادة بسبب التعليل فيه بالاحتمال، نظير ما تقدم في الاستدلال به لقاعدة الإمكان.

و مثلها ما ورد في المبتدأة التي يستمر بها الدم من أنها تترك الصلاة سبعة أيام أو عشرة و ثلاثة «2»، كموثق ابن بكير المتقدم و غيره، لظهوره في فعلية الترك بالمقدار المذكور، لا أنه حكمها الواقعي مع عدم جوازه في الثلاثة الأول ظاهرا لعدم إحراز الاستمرار. و خصوصية المبتدأة ملغية عرفا، بل لعلها أولي بالتشكيك في حيضية الدم من المضطربة التي تعودت الحيض و إن لم تتعود وقته.

إلي غير ذلك من النصوص التي يظهر من سبرها المفروغية عن عدم الاعتناء باحتمال عدم الاستمرار.

و دعوي: أنها واردة لبيان أحكام أخر، كإمكان حيض الحامل و تمييز دم الحيض عن دم العذرة، و عدم مانعية انقطاع الحيض مدة من البناء علي حيضية الدم المرئي، و حكم تقطع الدم في دفعات لا يفصل بينها أقل الطهر، و حكم الصلاة التي تحيض المرأة في أثنائها أو في أثناء وقتها و الصوم الذي تحيض المرأة في أثنائه، و إمكان تقدم الدم عن العادة، و مدة الحيض لمستمرة الدم، إلي غير ذلك مما يمنع عن إطلاق هذه النصوص و يلزم بحملها علي المفروغية عن حيضية الدم، و لذا لا يشمل إطلاقها الدم الفاقد لشروط الحيض الأخر. كما أنه لا نظر فيها لاحتمال عدم الاستمرار، لتنهض ببيان عدم الاعتناء به.

مدفوعة: بأن ذلك لا يمنع من استفادة ذلك منها تبعا، لأن عدم التنبيه فيها للاحتمال المذكور ظاهر في المفروغية عن عدم الاعتناء به و لزوم التحيض بمجرد

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1 و باب: 17 من أبواب العدد حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض.

ص: 214

(مسألة 6): إذا تقدم الدم علي العادة الوقتية أو تأخر عنها بمقدار كثير لا يتعارف وقوعه (1)- كعشرة أيام- فإن كان الدم جامعا للصفات

______________________________

الرؤية. و لا سيما ما كان منها موضوعه الدم لا الحيض.

و لذا استدل شيخنا الأعظم و سيدنا المصنف «قدس سرهما» علي التحيض بمجرد رؤية الدم في العادة أو قبلها أو بعدها بقليل بما تضمن تعجيل الدم عن العادة الذي هو من نصوص المقام و بنصوص الصفرة التي هي- نظير نصوص المقام- واردة لبيان حيضية الصفرة بعد الفراغ عن عدم المانع من البناء علي ذلك لتحقق شروط الحيض، و لا نظر فيها للشك في الاستمرار.

و الحاصل: أنه لا ينبغي التأمل بعد سبر النصوص في المفروغية عن عدم الاعتناء باحتمال عدم الاستمرار.

و يشهد به عدم ورود السؤال عن حكم الشك في استمرار الدم مع عدم وضوح الطريق لإحرازه و كثرة الابتلاء بالمسألة، و ابتناء الاحتياط علي مزيد عناية و كلفة شديدة، و عدم احتمال المفروغية سابقا عن عدم التحيض معه، أو التحيض بالظن دون الشك، ليستغني عن السؤال و البيان.

بل لا إشكال في بناء العرف علي التحيض بالرؤية، كما سبق، و سبق أنه لو تم اختصاصه بالواجد للصفة فهو لاختصاص الحيضية به، لا لخصوصيته في التحيض بالرؤية، و لا يبعد ارتكازية التحيض بالرؤية في كل ما لو استمر لحكم بحيضيته، و عليه تبتني المفروغية عن ذلك المستفادة من النصوص، لا لتعبد خاص، و إلا لظهر و بان، و بما ذكرنا يخرج عن مقتضي استصحاب عدم الحيض لو تم في نفسه و لم يكن محكوما لاستصحاب بقاء الدم إلي ثلاثة أيام علي ما تقدم الكلام فيه. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

مسألة 6: إذا تقدم الدم علي العادة الوقتية أو تأخر عنها بمقدار كثير

(1) الظاهر أن المراد بتعارف الوقوع ليس هو الشخصي، بل النوعي الراجع إلي ما يصدق معه تقدم العادة أو تأخرها عرفا لقلة الفاصل، ليطابق ما تقدم منه قدّس سرّه

ص: 215

تحيضت به أيضا، و إلا جمعت بين أعمال الحائض و المستحاضة إلي ثلاثة أيام (1)، ثم تتحيض به.

(مسألة 7): الأقوي ثبوت العادة بالتمييز (2)،

______________________________

في المسألة الرابعة.

(1) إذ بناء علي ما سبق منه في المسألة الرابعة في تحديد التقدم و التأخر الملحق بالعادة يكون هذا الفرض خارجا عمّا يقتضي خصوصية العادة في التحيض بالرؤية، بل يكون كالدم الخارج من غير ذات العادة، الذي تقدم منه قدّس سرّه في المسألة الخامسة التفصيل فيه بالوجه المذكور.

لكن سبق منا أن مقتضي إطلاق دليل التقدم التحيض معه بالرؤية مطلقا. كما أن التأخر غير ملحق بالعادة مطلقا، فيلحقه ما تقدم في المسألة الخامسة.

مسألة 7: الأقوي ثبوت العادة بالتمييز

(2) كما في التذكرة و المنتهي و القواعد و الدروس و محكي نهاية الأحكام و التحرير و الذكري و البيان و كشف الالتباس و شرح الجعفرية، و يظهر ممن تعرض للخلاف في ترجيح العادة المذكورة علي التمييز المفروغية عن انعقادها في الجملة، بل في المنتهي: «لا نعرف فيه خلافا».

و كيف كان، فالوجه فيه ظهور أدلة التمييز في أماريته علي الحيض، فتنعقد العادة به، كما تنعقد بالعلم بالحيض، لعدم الإشكال في قيام الأمارة مقام العلم الطريقي. و بذلك يخرج عن عموم ما تضمن الرجوع للتمييز أو غيره مما هو متأخر رتبة عن العادة، حيث يحرز به عنوان المخصص له.

و منه يظهر الفرق بينه و بين تحيض المتحيرة بالعدد المذكور في الروايات، كما نبه له شيخنا الأعظم قدّس سرّه، لظهور روايات المتحيرة في كون تحيضها بالعدد للتعبد ظاهرا بحيضيته من دون أن يكون محرزا له، فضلا عن أن يكون أمارة عليه، ليقوم مقام العلم به.

ص: 216

______________________________

اللهم إلا أن يقال: كما تقوم الأمارة مقام القطع الطريقي يقوم مقامه الأصل التعبدي غير المبتني علي الإحراز، و إنما لا يقوم الأصل المذكور مقام العلم الموضوعي و إن كان مأخوذا علي نحو الطريقية، و هو أجنبي عن المقام بناء علي الاستدلال بالوجه المذكور.

و أما ما يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن موضوع العادة هو الحيض الواقعي الذي يكون التمييز طريقا له دون التحيض بالعدد، فلم يتضح مأخذه، لعدم الإشارة في أدلة العادة لتقييد الحيض بكونه واقعيا. علي أن مقتضي ذلك عدم انعقاد العادة بقاعدة الإمكان، لما يأتي من أن مفادها مفاد الأصل لا الأمارة.

كما أن مقتضاه انعقادها بالتحيض بأقراء نسائها، لظهور دليله في كونه أمارة علي الحيض الواقعي، كأيام عادتها، مع أن الظاهر عدم انعقاد العادة به عندهم، بل يظهر من الجواهر المفروغية عنه.

و ما في الجواهر من أن التحيض بأقراء نسائها من التحيض الشرعي، لا الحيض الحقيقي، و أخبار العادة في الثاني لا الأول، كما تري لأن المراد من التحيض الشرعي إن كان هو التعبد بالحيض ظاهرا بلا توسط محرز له أو أمارة عليه، فلا مجال له في التحيض بأقراء نسائها، لارتكاز كون تخصيصهن لغلبة مشابهة مزاجها لأمزجتهن التي هي من سنخ الأمارة. و إن كان هو التحيض تبعا للطريق الشرعي دون العلم الوجداني فهو جار في التمييز، لعدم كونه موجبا للعلم بالحيض.

فالعمدة في الفرق ظهور أدلة العادة في كون اتفاق المرتين في الوقت أو العدد أمرا غير لازم، بل تابعا لخصوصية مزاج المرأة و كاشفا عن طبيعتها، و إن كان التعبد بحيضية الدم مستندا للأصل، و لا يشمل ما لو لم يستند لمزاج المرأة، بل كان لازما بسبب خصوصية المرجع في تشخيص الحيض، كما في التحيض بالعدد و بأقراء نسائها و إن كان من سنخ الأمارة.

نعم، قد يمنع الوجه المتقدم لانعقاد العادة بالتمييز لوجهين..

أولهما: أن دليل انعقاد العادة لم يتضمن أخذ الحيض الواقعي في موضوعه،

ص: 217

______________________________

ليكتفي في إحرازه بالأمارة كما يحرز بالعلم، بل انقطاع الدم علي عدد معين أو وقت معين، كما تضمنه موثق سماعة و مرسلة يونس اللذين هما دليل انعقاد العادة بالمرتين و المتقدمان في أول الفصل، إما لكون الموضوع هو العلم الوجداني بالحدّ، دون مطلق الطريق عليه أو لكونه كاشفا عن اعتدال مزاج المرأة و استقامة طبيعتها.

و لا مجال لدعوي فهم عدم خصوصية الانقطاع، و أن ذكره لمحض طريقيته لحدّ الحيض، فيقوم مقامه سائر الطرق. لأن دخله في قوة كاشفية العادة مانع من إلغاء خصوصيته في حجيتها.

و مثلها الاستشهاد علي ذلك بما تضمنته المرسلة بعد بيان ما تنعقد به العادة من الاستدلال بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «دعي الصلاة أيام أقرائك». بدعوي ظهوره في أن المدار علي القرء- و هو الحيض- بنفسه.

لاندفاعه بأن المراد بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله قضية خارجية شخصية موضوعه المرأة الخاصة التي أيام قرئها معروفة لها قبل استمرار الدم بسبب انقطاعه في كل شهر، و إنما استدل به الإمام عليه السّلام لبيان اعتبار المرتين، و ليس قضية حقيقية أخذ في موضوعها مطلق القرء، ليمكن إحراز موضوعها بالتمييز.

ثانيهما: أن ذلك موقوف علي إطلاق حجية التمييز علي الحيض بنحو يشمل البناء علي حصول العادة التي هي من لوازمه الواقعية- و إن كانت حجيتها شرعية- و عدم اختصاصه بالحجية عليه من حيثية ترتيب أحكامه الشرعية عليه من ترك الصلاة و نحوه.

و هو لا يخلو عن إشكال، لأن مدلول الأدلة المطابقي خصوص ترك الصلاة و التعدي منه لسائر أحكام الحيض بفهم عدم الخصوصية أو للتسالم علي عدم الفرق بينه و بينها لا يستلزم التعدي لمثل العادة. و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه مقتضي إطلاق أدلته غير ظاهر الوجه.

نعم، في مرسلة يونس عند الكلام في سنة المبتدأة التي استمر بها الدم قال عليه السّلام:

ص: 218

______________________________

«و هذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه، أقصي وقتها سبع و أقصي طهرها ثلاث و عشرون حتي يصير لها أيام معلومة فتنتقل إليها» «1». و هو ظاهر في إمكان انعقاد العادة لها مع استمرار الدم، و لا يكون ذلك إلا بالتمييز.

و أما حمله علي انعقاد العادة بعد انقطاع الدم، و الرجوع إليها لو استمر بها الدم مرة أخري بعد ذلك، حيث تخرج من كونها مبتدئة إلي كونها ذات عادة. فهو لا يناسب التركيب اللفظي للجملة المتقدمة.

لكنه- مع عدم خلوه عن الإجمال، و اختصاصه بالمبتدئة التي وظيفتها التحيض بالعدد تعبدا- ظاهر في عدم انتقالها عن العدد المذكور إلي التمييز الذي تنعقد به العادة، بل تبقي عليه حتي تنعقد به العادة فتنتقل إليها منه رأسا، فلا يكون التمييز حجة إلا من حيثية انعقاد العادة به.

و هو- مع غرابته- مخالف للإجماع، فلا مجال لحمله علي ذلك و التعويل عليه فيه، بل يتعين البناء علي عدم انعقاد العادة بالتمييز، كما هو ظاهر من اقتصر في بيان العادة علي تساوي الدم في المرتين وقتا أو عددا، كما هو حال من عثرنا علي كلامه ممن سبق العلامة قدّس سرّه. و لعل ما سبق من المنتهي من نفي معرفة الخلاف فيه ليس لعثوره علي من ذكره، بل لدعوي استفادته من فحوي كلامهم أو إطلاقه.

ثم إنه بناء علي انعقادها بالتمييز فالظاهر عدم الفرق بين اتفاق المرتين في التمييز و اختلافهما فيه، كما لو كان في المرة الأولي أسود و في الثانية أحمر- بناء علي أن المعيار في التمييز علي إقبال الدم و إدباره، لا خصوص لون- لإطلاق دليل حجيته، و إن تردد فيه في كشف اللثام و طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه و محكي الذكري، بل عن ظاهر التحرير العدم.

كما أن الظاهر انعقادها بالملفق من التمييز و غيره، كما يأتي من شيخنا الأعظم قدّس سرّه فلو رأت الدم في أول الشهر الأول سبعة أيام، ثم انقطع ثم رأته في

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 219

______________________________

أول الشهر الثاني واجدا للصفات سبعة أيام ثم استمر، انعقدت عادتها علي السبعة في أول الشهر، و تعمل عليها لو استمر بعد ذلك، لإطلاق دليل انعقاد العادة باتفاق الحيض في مرتين بضميمة إطلاق دليل التمييز الذي لو شمل حيثية انعقاد العادة شمل تتميمها.

هذا و قد قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «ثم إنه لا فرق في المرتين المثبتتين للعادة بين ثبوت حيضيتهما بالوجدان أو بقاعدة الإمكان أو بالصفات مع استمرار الدم، أو بالملفق من الثلاثة أو اثنين منها.

أما ثبوتها بالوجدان فظاهر. و أما الصفات … فقد جعلها الشارع بمنزلة الوجدان في إثبات الحيض الواقعي، كسائر الطرق الشرعية للموضوعات الواقعية.

و منه يظهر … وجه ثبوتها بقاعدة الإمكان، لأن المستفاد من دليل تلك القاعدة- علي تقدير تماميتها- جعل اجتماع الشروط و فقد الموانع المقررة في الشريعة طريقا للحيض الواقعي، كما لا يخفي علي من تأمل في أدلتها. بل ظاهر الروايتين المتقدمتين فيما يثبت به العادة كون الدم في المرتين حيضا بمقتضي الإمكان لا الوجدان».

و ما ذكره مبني علي ما سبق في تقريب انعقاد العادة بالتمييز من أن موضوع العادة الحيض الواقعي، و الرجوع للعلم و الأمارة لطريقيتهما له.

لكنه لا يتم في قاعدة الإمكان، لأن وجود الشرط و فقد المانع لا يصلح للأمارية ارتكازا، بل هو بموضوع الأصل أشبه، و من ثم كان هو المتيقن من دليلها، غاية الأمر احتمال كون الحكمة في جعل هذا الأصل الغلبة أو أصالة السلامة اللذين هما من سنخ الأمارة و إن لم ينهض لسان دليلهما ببيان ذلك، ليكشف عن الأمارية.

فالعمدة في انعقاد العادة بقاعدة الإمكان ما أشار إليه أخيرا من ظهور الموثق و المرسلة المتضمنين كيفية انعقاد العادة في ذلك، لغلبة استناد حيض المبتدأة لها دون العلم الوجداني.

هذا و أما بناء علي ما ذكرناه من أن موضوع العادة هو انقطاع الدم علي عدد

ص: 220

فإن استمر بها الدم أشهرا فالدم الذي يقتضي التمييز حيضيته هو الحيض شرعا، فإن تكرر ذلك العدد في الوقت المعين- كما إذا رأت الحمرة في سبعة أيام في أول الشهرين أو آخرهما- كانت ذات عادة وقتية و عددية، و إن رأت تمام العدد المذكور حمرة في أول الشهر الأول و مثله في آخر الشهر الثاني فهي ذات عادة عددية خاصة، و إن رأت الحمرة في أول الشهر الأول عددا معينا و رأتها أيضا في أول الثاني عددا آخر فهي ذات عادة وقتية فقط (1)، فتستغني بعد ذلك عن الأخذ بالتمييز فيما استقرت عادتها فيه (2) علي الأقوي.

______________________________

معين أو وقت معين مرتين فاللازم إحراز ذلك بالوجدان أو بالأمارة و إن كانت حيضية الدم بقاعدة الإمكان، و لا تنعقد بدونه و إن أحرزت حيضية الدم بالعدد المعين أو في الوقت المعين في المرتين بالأمارة، فضلا عما لو أحرزت بقاعدة الإمكان لو فرض نهوضها بإحراز حيضية بعض الدم دون بعض.

و أما لو أحرزت الحيضية بالعلم الوجداني فهو يبتني علي أن دخل خصوصية الانقطاع لكونه مستلزما للعلم الوجداني بقدر الدم، أو لكونه كاشفا عن اعتدال المزاج، فتنعقد علي الأول دون الثاني. فلاحظ.

(1) انعقاد العادة العددية فقط، أو الوقتية كذلك و الاستغناء بها في مستمرة الدم عن التمييز لا يناسب ما يأتي منه في المسألة العاشرة من عدم رجوع مستمرة الدم للعادتين المذكورتين، بل العادة التي ترجع إليها هي خصوص العددية الوقتية.

(2) بناء علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي من ترجيح العادة علي التمييز. و علي ذلك جري في التذكرة، و به جزم في المدارك و الحدائق و الجواهر، لإطلاق ما تضمن ترجيح العادة علي التمييز بعد فرض انعقادها في المقام.

لكن في مفتاح الكرامة عند التعرض لترجيح العادة علي التمييز: «و ليس المراد

ص: 221

______________________________

من العادة المستفادة من التمييز، كما نبه علي ذلك جماعة»، و في جامع المقاصد: «و الحق ترجيح العادة المستفادة من الأخذ و الانقطاع، و هي المرادة في كلام المصنف قدّس سرّه. أما المستفادة من التمييز فلا، لأن الفرع لا يزيد علي أصله. مع احتمال الترجيح، لصدق الأقراء عليها، و فيه بعد، لأنه خلاف المتعارف» و ظاهر الروض و كشف اللثام التردد.

و عليه تختص حجية العادة المذكورة بما إذا فقد التمييز، كما قد يومئ إليه ما في القواعد من الاقتصار في بيان فائدتها علي ذلك.

لكن عدم زيادة الفرع علي أصله و إن كان قريبا في نفسه، فكما لا تتقدم العادة الحاصلة من الأخذ و الانقطاع علي الأخذ و الانقطاع في غير مستمرة الدم لا تتقدم العادة في المقام علي التمييز، إلا أنه لا يزيد علي الظن و لا يرجع إلي وجه صالح للاستدلال و الخروج عن مقتضي الإطلاق المتقدم.

إلّا أن يرجع إلي امتناع مانعية العادة المتفرعة علي حجية التمييز من حجية التمييز، لاستحالة مانعية الشي ء عن سببه. لكنه يندفع بأن العادة المذكورة متفرعة علي حجية التمييز في الشهرين اللذين يتفقان فيه، و ليس المدعي مانعيتها منها، بل من حجيته في الأشهر المتأخرة عنهما، فهي إنما تمنع من غير ما تفرعت عليه.

و أما ما ذكره من انصراف إطلاق الأقراء عن العادة المذكورة فلا وجه له بعد فرض انعقادها. و خروجها عن المتعارف- مع عدم صلوحه لرفع اليد عن الإطلاق- غير ظاهر، بل اتفاق التمييز مرتين كاتفاق الدميين أخذا و انقطاعا.

مع أنه لو كان عدم التعارف موجبا لانصراف الإطلاق المذكور اتجه في سائر إطلاقات أحكام العادة، و مرجعه إلي عدم انعقاد العادة بالتمييز، إذ لا مصحح له إلا ترتب أحكامها. بل يتجه الانصراف حتي في دليل انعقاد العادة بالمرتين.

نعم، لو كان وجه الانصراف ما ذكره أولا من عدم زيادة الفرع علي أصله اختص بإطلاق ترجيح العادة علي التمييز. لكن في صلوحه وجها للانصراف إشكال.

و مثل ذلك دعوي: ظهور أدلة رجوع مستمرة الدم للتمييز في كونه مرجعا

ص: 222

الفصل الخامس في الدم المتقطع
إذا رأت الدم ثلاثة أيام و انقطع، ثم رأت ثلاثة أخري أو أزيد
اشارة

الفصل الخامس إذا رأت الدم ثلاثة أيام و انقطع (1)، ثم رأت ثلاثة أخري أو أزيد، فإن كان مجموع النقاء و الدمين لا يزيد علي عشرة أيام كان الكل حيضا واحدا (2).

______________________________

لكل من لم تكن لها عادة أيام استقامة دمها قبل استمرار الدم.

لاندفاعها بأن ذلك و إن كان مورد بعض نصوص التمييز إلا أن الظاهر منها كون موضوعه عدم معرفة أيامها، كما هو مقتضي تفريع الإرجاع إليه في موثق إسحاق «1» علي اختلاف أيام الحيض و قوله عليه السّلام في مرسلة يونس: «و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلي معرفة لون الدم» «2»، فإذا فرض انعقاد العادة بالتمييز و صلوحها لتعيين أيام الحيض ارتفع بها موضوع حجية التمييز.

و بالجملة: بعد فرض انعقاد العادة المذكورة تدخل تحت إطلاقات أحكام العادة و منها إطلاق ترجيحها علي التمييز لو لا احتمال انصرافه عنها لما سبق من عدم زيادة الفرع علي أصله، كما ذكرناه. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) أما لو انقطع قبل الثلاثة فهو ليس بحيض مطلقا بناء علي اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض، و أما بناء علي عدم اعتباره فحيضيته مشروطة بتتميم الثلاثة في ضمن العشرة علي ما تقدم في أوائل الفصل الثالث.

(2) بلا خلاف أجده بين الاصحاب، بل يظهر من بعضهم دعوي الإجماع عليه، كما هو صريح آخر، من غير فرق بين الجامع و غيره، و لا بين ذات العادة و غيرها، كذا في الجواهر. و قد أطلق الإجماع علي حيضية تمام الدم لو عاد قبل العشرة

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 223

______________________________

و لم يتجاوزها في الخلاف و التذكرة، و في المنتهي: «و لو رأت ثلاثة أيام دما و ستة طهرا ثم يوما دما فالجميع عندنا حيض. و هو قول أبي يوسف».

و قد استدل عليه غير واحد بموثق محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

أقل ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولي، و إذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخري مستقبلة» «1»، و قريب منه صحيحه عن أبي جعفر عليه السّلام «2» خاليا عن قوله: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة»، و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا طلقها زوجها متي تكون [هي] أملك بنفسها؟ قال: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها.

قلت: فإن عجل الدم عليها قبل أيام قرئها؟ فقال: إذا كان الدم قبل عشرة أيام فهو أملك بها، و هو من الحيضة التي طهرت منها، و إن كان الدم بعد العشرة أيام فهو من الحيضة الثالثة، و هي أملك بنفسها» «3».

و قد سبق في قاعدة الامكان من شيخنا الأعظم قدّس سرّه أنها واردة لبيان إلحاق الدم المفروغ عن حيضيته بإحدي الحيضتين، و أن إطلاقها لا يتكفل ببيان حيضية الدم، لينفع فيما نحن فيه. لكن تقدم المنع من ذلك، لعدم الإشعار فيها بالمفروغية المذكورة.

نعم، حمل العشرة فيها علي العشرة من حين رؤية الدم الأول لا يناسب حكم الفقرة الثانية منها، لتوقفه علي مضي أقل الطهر بين الدميين، و علي العشرة من حين انقطاعه لا يناسب حكم الفقرة الأولي منها، بناء علي ما سبق في ذيل الكلام في اعتبار التوالي من لزوم كون الحيضة الواحدة في ضمن العشرة أيام، و التفكيك في العشرة بين الفقرتين لا يناسب سياقهما جدا.

و قد سبق عند الكلام في مقدار الفصل بين الدميين من فروع الكلام في اعتبار التوالي في الثلاثة أن ذلك قد يكون قرينة علي حملهما علي إرادة إمكان الإلحاق بإحدي

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض، حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض، حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب العدد من كتاب الطلاق، حديث: 1.

ص: 224

______________________________

الحيضتين لا فعليته، ليمكن الاستدلال بإطلاقه لما نحن فيه.

اللهم إلا أن يقال: الإجمال المذكور في العشرة لا يخل بالاستدلال، لأن إلحاق الدم بالحيضة السابقة إذا كان في ضمن العشرة من حين رؤية الدم متيقن منه. بل الموثق بقرينة صدره ظاهر في إرادة العشرة المتممة للثلاثة التي هي من حين رؤية الدم، فيصلح لتفسير الصحيح لأنه بعض منه علي الظاهر.

و يكفي في رفع الإشكال المتقدم حمل الفقرة الثانية علي إمكان الإلحاق بالحيضة المستقبلة و عدم الإلحاق بالحيضة الأولي في مقابل الفقرة الأولي، و لا يتوقف علي حمل الفقرة الأولي عليه، بل يتعين ابقاؤها علي ظاهرها في إرادة فعلية الإلحاق بالحيضة الأولي، فيتم الاستدلال بها.

هذا كله في حديثي محمد بن مسلم، و أما صحيح عبد الرحمن فقد سبق هناك الإشكال في حمله علي الإلحاق بالحيضة الأولي بنحو تجري عليه أحكامها بما لا مجال لإعادته هنا لطوله. فراجع، و تأمل.

و قد يستدل علي ذلك أيضا بما يأتي في مرسلة يونس في صورة التجاوز عن العشرة، لأن إلحاق ما كان في ضمن العشرة من المتجاوز عنها مستلزم لإلحاق ما لم يتجاوزها بالأولوية أو بعدم الفصل.

كما يدل عليه في الجملة ما يأتي في مرسل داود و موثق سعيد بن يسار، و كذا خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن المرأة تري الدم في غير أيام طمثها فتراها [فتراه. ظ] اليوم و اليومين و الساعة و الساعتين و يذهب مثل ذلك كيف تصنع، قال: تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم و تغتسل كلما انقطع عنها» «1».

و دعوي: أن مقتضاه نقصان الحيض عن ثلاثة. مدفوعة بأنه مختص بما إذا كان تقطع الدم حالا للمرأة، و هو مستلزم لكون مجموع الدم أكثر من ثلاثة، غاية الأمر أنه يدل علي عدم اعتبار التوالي في الثلاثة، و هو لا بأس به بناء علي ما سبق منا. كما يلزم

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 8.

ص: 225

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 226

______________________________

تقييده بما إذا كان في ضمن العشرة.

هذا و قد استدل عليه غير واحد بقاعدة الإمكان.

و هو موقوف.. أولا: علي شمول إطلاق أدلتها لأبعاض الحيض و عدم اختصاصها بالحيض التام، و لا يشهد بذلك من نصوصها إلا حديثا محمد بن مسلم و صحيح عبد الرحمن التي سبق الكلام فيها.

و ثانيا: علي إحراز عموم إمكان تقطع الحيض الواحد، لما سبق من أن موضوعها الإمكان الواقعي لا المحتمل، و لا طريق لإحرازه إلّا الإجماع في المقام الذي لو تم استغني به عن القاعدة.

و أما إطلاق ما دل علي عدم المانع من الحيض واقعا الذي تقدم التعرض له عند الكلام في جريان القاعدة في الشبهة الحكمية و الذي ينقح به موضوعها، فقد سبق أن عمدة دليله صحيح صفوان في الحبلي تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة، و الظاهر منه الحيض التام المستقل، و مرسلة يونس، و هي مختصة بالثلاثة أيام المتوالية و المتقطعة، و لا تعم غيرها من صور التقطع.

اللهم إلا أن يستفاد منها و من غيرها مما تضمن تقطع الحيض في بعض الموارد و لو بضميمة فهم عدم الخصوصية أو التسالم علي عدم الفرق عموم الإمكان في المقام، غاية الأمر أن يتوقف في فعلية الإلحاق في بعض الموارد كما لو كان علي خلاف العادة أو فاقدا للصفات، لاحتمال طريقيتها علي نفي حيضية ما خالفها، فلو فرض عموم قاعدة الإمكان لأبعاض الحيض كانت مرجعا مع عدم الدليل علي الاحتمال المذكور.

هذا مضافا إلي ظهور التسالم علي الحكم بين الأصحاب، كما يظهر بملاحظة كلماتهم فيما يناسب المقام، حيث يمتنع عادة خفاء الحكم في ذلك مع شيوع الابتلاء به.

نعم، قد يشكل عموم الحكم لما لو كان أحد الدميين بعد العادة، لما في مرسلة يونس القصيرة من قوله عليه السّلام: «و كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من

ص: 226

______________________________

الحيض، و كلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «1» لظهور ذيله فيما يعم الحمرة.

و ما في مرسلة داود عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: فالمرأة يكون حيضها سبعة أيام أو ثمانية أيام حيضها دائم مستقيم ثم تحيض ثلاثة أيام ثم ينقطع عنها الدم و تري البياض لا صفرة و لا دما. قال: تغتسل و تصلي. قلت: تغتسل و تصلي و تصوم ثم يعود الدم. قال: إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة و الصيام. قلت: فإنها تري الدم يوما و تطهر يوما. قال: إذا رأت الدم أمسكت و إذا رأت الطهر صلت، فإذا مضت أيام حيضها و استمر بها الطهر صلت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة، قد انتظمت لك أمرها كله» «2».

بل في صحيح يونس الوارد فيمن تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة و الطهر كذلك مكررا، حيث حكم عليه السّلام بأنها تدع الصلاة كلما رأت الدم و تصلي كلما رأت الطهر، ثم قال:

«تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع الدم، و إلا فهي بمنزلة المستحاضة» «3» فإن مقتضاه جريان أحكام المستحاضة عليها من الرجوع للعادة ثم للتمييز ثم لنسائها أو العدد التعبدي علي الكلام الآتي، و لا تتحيض بكل ما يكون في ضمن العشرة و إن خرج عن ذلك.

و مخالفة صدره لما تضمن امتناع زيادة الحيضة الواحدة علي العشرة أو امتناع الفصل بين الحيضتين بما دونها لو كانت مانعة من العمل به فيما قبل الشهر لا تمنع من العمل بذيله فيما بعد الشهر.

لكن مرسلة يونس مخالفة لنصوص الاستظهار الصريحة في أن المرأة قد تتحيض زيادة علي عادتها.

و لا مجال للجمع بحمل المرسلة علي ما إذا كانت رؤية الدم الثاني بعد مضي وقت العادة و نصوص الاستظهار علي استمرار الدم الواحد، لصراحة بعض نصوص الاستظهار في انقطاع الدم و عوده قبل العشرة، ففي موثق سعيد بن يسار: «سألت

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض، حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض، حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض، حديث: 2.

ص: 227

______________________________

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تحيض ثم تطهر و ربما رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها. فقال: تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي» «1» إذ المتيقن من الاستظهار أن يكون احتياطا لاحتمال انقطاع الدم و عدم تجاوزه للعشرة الذي هو محل الكلام.

و من هنا كان الموثق من أدلة المقام. بل وروده في ذات العادة مع أماريتها علي عدم حيضية ما بعدها في الجملة يقتضي حيضية الدم من غيرها بالأولوية العرفية.

و أما الجمع بينهما بحمل المرسلة علي رؤية الدم الجديد بعد العادة و الموثق علي رؤيته قبل انقضائها و استمراره بعدها، فهو تبرعي بلا شاهد، بل هو بعيد في نفسه، لأن الطهر قبل العادة لما كان خارجا عن مقتضي طبيعة المرأة كان حمل إطلاق السؤال في الموثق علي خصوصه بعيدا.

فالتعارض بينهما مستحكم. و الترجيح للموثق، لموافقته للإطلاقات المتقدمة.

بل لا مجال للتعويل علي المرسلة في نفسها مع ظهور إعراض الأصحاب عنها، لما عرفت من ظهور تسالمهم علي الحكم. و لعل الأولي حملها علي خصوص الصفرة، لأنها المقصودة بالأصل في الصدر، لأن التحيض بالحمرة في العادة ظاهر لا يحتاج إلي بيان، و ليس ذكرها إلا تبعا، لبيان مساواة الصفرة لها، فلا يبعد عدم إرادتها من الذيل.

و منه يظهر الحال في مرسل داود، فإنه- مع ضعفه في نفسه، و إعراض الأصحاب عنه- معارض للموثق، فليحمل علي تجاوز الدم الجديد للعشرة، أو رؤيته بعدها، بل الثاني غير بعيد في نفسه، لفرض استمرار الطهر فيه بعد أيام العادة.

و أما صحيح يونس فهو مختص بمن تستمر علي الحال المذكورة مدة، و البناء فيها علي ما تضمنه ليس بعيدا. و لعلها خارجة عن مفروض كلام الأصحاب، لندرتها، فلا مجال لتحصيل الإعراض الموهن له. و لا سيما مع ظهور كلام الشيخ في الاستبصار و المحقق في المعتبر في إمكان العمل بصدره بعد حمله علي صورة اختلاط أيام المرأة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض، حديث: 8.

ص: 228

______________________________

نعم، ظاهر الاستبصار احتمال حمله علي مستمرة الدم بحمل الدم فيه علي الواجد للصفات و الطهر علي الفاقد لها، بقرينة الحكم في ذيله بأنها تعمل ما تعمله المستحاضة، و ذلك لا يكون إلّا مع استمرار الدم. لكنه- كما تري- مخالف لظاهره جدا، و الحكم بأنها تعمل ما تعمله المستحاضة لما كان بلسان تنزيلها منزلتها فهو كالصريح في عدم كونها مستحاضة.

ثم إن موثق سعيد بن يسار و إن اقتصر فيه علي اليومين أو الثلاثة و لم يحكم فيه بالاستظهار في تمام العشرة لاحتمال انقطاع الدم عليها، إلا أنه لا ينافي الحكم بحيضية تمام العشرة لو لم يتجاوزها الدم المتقطع لأن الاستظهار حكم ظاهري عند الشك في استمرار الدم، فعدم ثبوته في أكثر من يومين أو ثلاثة لا ينافي حيضية تمام الدم واقعا لو انقطع علي العشرة، كما هو الحال في أكثر نصوص الاستظهار في مستمرة الدم التي اقتصر فيها علي أيام معدودة دون تمام العشرة.

هذا و من جميع ما تقدم يظهر حال ما عن مجمع البرهان من أن الحكم بحيضية الدم اللاحق، خصوصا مع كونه بغير صفة الحيض و كونه زائدا علي العادة، غير ظاهر الوجه، إلا أن يكون إجماعا. انتهي.

إذ فيه: أن ما سبق من النصوص صالح لإثبات المدعي علي إطلاقه، مع عدم نهوض ما سبق بالخروج عنه فيما زاد علي العادة. و أما فيما كان فاقدا للصفات فالأمر يبتني علي عموم حجية الصفات، و قد سبق المنع منه في ذيل أدلة قاعدة الإمكان، و أن الظاهر اختصاصها بمستمرة الدم و ما ألحق بها.

نعم، تقدم أن الصفرة بعد أيام العادة ليست بحيض، و ذلك جار في المقام، لأن مقتضي إطلاق بعض أدلتها و صريح آخر عدم الفرق بين ما لا تكون مسبوقة بالحيض و ما تكون مسبوقة به متصلة به أو منفصلة عنه بنقاء، لكن سبق أنها أخص من فاقد الصفات.

ص: 229

و النقاء المتخلل بحكم الدمين علي الأقوي (1)، و إن تجاوز المجموع عن العشرة و لكن لم يفصل بينهما أقل الطهر فإن كان أحدهما في العادة دون الآخر كان ما في العادة حيضا و الآخر استحاضة (2).

______________________________

(1) تقدم الكلام في ذلك في ذيل مسألة اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض، و أن الأظهر جريان حكم الطهر عليه.

(2) كما في المنتهي و كشف اللثام و نسب لغيرهما. و يقتضيه ما يظهر من الغنية من عموم الرجوع للعادة حتي مع تخلل أقل الطهر، بل في المستند: «و لو رأت في العادة و انقطع عليها ثم رأت قبل مضي أقل الطهر لم تتحيض به إجماعا. و كذا بعده علي الأصح، لعدم كون ذلك حيضا … إلا إذا كان ذلك أيضا عادة لها».

و قد يستدل عليه..

تارة: بعموم ما دل علي طريقية العادة، مثل ما تضمن أن الصفرة في أيام الحيض حيض «1». قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و لا يعارضه في الدم الآخر إلا قاعدة الإمكان، و هي كالأصل لا تصلح لمعارضة الأمارة».

و اخري: بما دل علي ذلك في مستمرة الدم مع إلغاء خصوصية الاستمرار أو الفترة، كما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه، أو بضميمة حديث يونس المتقدم المتضمن أن متقطعة الدم بعد الشهر بمنزلة المستحاضة.

لكن الإجماع المدعي في المستند غير ثابت علي إطلاقه. مع أنه لو تم مختص بما يري بعد العادة، و لا ينفع فيما يري قبلها الذي هو المهم في المقام، حيث قد يدعي أنه هو الحيض، دون ما في العادة، أما حيضية ما في العادة مع تقدمه فلعله في الجملة ليس موردا للإشكال.

و أما عموم أمارية العادة فلم يثبت بنحو معتد به. و حيضية الصفرة فيها لا

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

ص: 230

______________________________

تستلزمها، لإمكان أن تكون بملاك عدم امتناع حيضية الصفرة أو عدم استبعادها مع خروجها في العادة، و تكون حيضيتها كحيضية الدم في غيرها لأجل قاعدة الإمكان لا لأمارية العادة.

مع أن أمارية العادة علي حيضية ما فيها لا يكفي في رفع اليد عن عموم قاعدة الإمكان في الدم الآخر التي هي من سنخ الأصل إلا أن تكون حجة في لازم مؤداها، لتنهض بنفي حيضيته، و قد تحقق في محله أن الأمارية لا تستلزم ذلك، بل هو محتاج لدليل خاص مفقود في المقام.

هذا و قد يدعي أن قاعدة الإمكان لما كانت شاملة لكل من الدميين فامتناع حيضيتهما معا مستلزم لسقوط عمومها في كل منهما، و يكون المرجع عموم حجية العادة لو تم بلا حاجة إلي حجيتها في لازم مؤداها، حيث يكفي في عدم التحيض بالآخر استصحاب عدم الحيض.

أو يدعي أنه بعد معارضة قاعدة الإمكان في الدم الذي في غير العادة لأمارية العادة علي حيضية ما يري فيها و تساقطهما يكون المرجع فيما يري في العادة قاعدة الإمكان بلا معارض.

لكن الأول موقوف علي سقوط قاعدة الإمكان بالمعارضة في رتبة سابقة علي إعمال أمارية العادة، إذ لو كانت أماريتها في رتبة جريان قاعدة الإمكان في الفردين سقطا معا بناء علي ما هو الظاهر من عدم مرجعية كثرة الأدلة في مقام التعارض.

و الثاني موقوف علي كون جريان قاعدة الإمكان فيما يري في العادة في رتبة متأخرة عن إعمال أمارية العادة فيه. و كلاهما محل إشكال. فتأمل.

هذا كله بناء علي تعارض تطبيق قاعدة الإمكان في كل من الدميين، و أما بناء علي ما يأتي من عدم جريانها إلا في الأول فيختلف الحال، كما لا يخفي.

نعم، لو كانت العادة بنفسها أمارة علي عدم حيضية الدم في غيرها، لا من حيثية كونه لازما لحيضية ما فيها، بحيث تصلح لنفي حيضيته لو لم تر الدم في العادة،

ص: 231

______________________________

أو فصل أقل الطهر بينهما، اتجه حكومتها علي القاعدة.

و عليه قد يبتني ما تقدم من الغنية و المستند، لكن لا دليل علي ذلك، لوضوح أن حيضية الصفرة في العادة أعم منه، و نصوص مستمرة الدم مختصة بها، فتعميمها لكل ذات دم بلا وجه.

بل نصوص الاستظهار «1» و تقدم الدم علي العادة «2» و غيرها شاهدة بخلافه، كإطلاق نصوص قاعدة الإمكان. بل لا يبعد تحصيل الإجماع في جملة من الموارد علي خلافه.

و أما نصوص مستمرة الدم فقد سبق أن تعميمها لكل ذات دم راجع إلي انحصار الحيض بما في العادة، و لا مجال للبناء عليه، و أما تعميمها لكل ما إذا تعذر البناء علي حيضية تمام الدم فيشمل المقام، فهو و إن كان ممكنا إلا أنه يحتاج إلي دليل.

بل يأتي إن شاء اللّه في مستمرة الدم أن حيضها في الدور الأول من حين رؤية الدم و إن كان قبل العادة، و إنما ترجع للعادة في الدور الثاني و ما بعده لو استمر، فمع قصور الإرجاع للعادة في نصوص مستمرة الدم عن بعض أحوالها كيف يمكن التعدي بها لغيرها.

و أما حديث يونس فقد سبق اختصاصه بمن تستمر علي الحال المذكورة فيه أكثر من شهر، فالتعدي منها لكل من يتقطع منها الدم بالنحو الذي لا يمكن فيه حيضيته بتمامه بلا وجه. و لا سيما مع أن لازمه اختصاص الحيض بما في العادة و لو مع إمكان حيضية تمام الدم، و قد سبق أنه لا مجال للبناء عليه.

و قد تحصل من جميع ما تقدم أنه لا خصوصية للعادة في تعيين الحيض في المقام.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض.

(2) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الحيض.

ص: 232

مطلقا (1)، أما إذا لم يصادف شي ء منها العادة- و لو لعدم كونها ذات عادة- فإن كان أحدهما واجدا للصفات دون الآخر جعلت الواجد حيضا و الفاقد استحاضة (2)، و إن تساويا تحيضت بالأول علي الأقوي.

______________________________

(1) يعني: و إن كان ما في العادة فاقدا للصفات، و الآخر واجدا لها. لأنه لو تم الترجيح بالصفات و قيل بعموم حجيتها و عدم اختصاصها بمستمرة الدم فهي متأخرة عن العادة، لاختصاص أدلتها بنصوص مستمرة الدم المنزلة علي ذلك كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

(2) كما يظهر من كشف اللثام، و كأن الوجه فيه عموم حجية الصفات الذي لا إشكال في تقديمه علي قاعدة الإمكان في الفاقد، لصلوحها لنفي حيضيته.

و خصوص ما ورد في مستمرة الدم مع إلغاء خصوصية الاستمرار و تعميمه لكل ما إذا تعذر البناء علي حيضية تمام الدم، و لو بضميمة حديث يونس بن يعقوب.

لكن سبق عند الكلام في قاعدة الإمكان إنكار عموم حجية الصفات و أنها مختصة بمستمرة الدم. كما سبق عند الكلام في الرجوع للعادة المنع من إلغاء خصوصية الاستمرار في نصوصه، و اختصاص حديث يونس بمن تستمر علي الحال المذكورة فيه. و من هنا كانت الصفات كالعادة غير صالحة لتعيين الحيض في المقام.

و لعله لذا أطلق في القواعد و محكي نهاية الأحكام حيضية الأول خاصة، و جعله في الجواهر الظاهر من إطلاق الأصحاب، بل إجماعهم المدعي. قال: «و لا يتنقض ما حكمنا بحيضيته من الدم الأول و إن كانت الامرأة مبتدئة أو مضطربة و الدم الأول غير جامع للصفات و الثاني جامعا».

و عن بعض مشايخنا الاستدلال علي ذلك فيما لو كان كل منهما واجدا للصفات- بعد البناء منه علي اختصاص الحيض في غير العادة بواجدها مطلقا لإطلاق أدلتها- بأن مقتضي إطلاق أخبارها هو الحكم بحيضية الدم الأول، لعدم المانع من حيضيته،

ص: 233

______________________________

و مع الحكم بحيضيته لا يبقي موضوع لحيضية الثاني- للزوم فصل أقل الطهر بين الحيضتين- ليمكن إحرازها بالصفات كي تعارض تطبيق دليل الصفات علي الأول، نظير تقديم الأصل السببي علي المسببي، لارتفاع موضوعه به دون العكس، بل تطبيق دليل الصفات علي الأول يقتضي بالالتزام كون الثاني استحاضة.

و فيه: أولا: أن عدم المانع من حيضية الدم غير مأخوذ شرعا في موضوع حجية الصفات، و إنما لا تكون الصفات حجة مع امتناع حيضية الدم لاستحالة جعل الحجة مع العلم.

و مجرد إحراز حيضية الأول بالصفات لا توجب العلم بحيضيته و عدم حيضية الثاني، ليمتنع شمول دليل حجية الصفات للثاني، بل مقتضي إطلاق دليلها حجيتها علي حيضيته الموجب لتعارض الحجتين و تساقطهما.

إن قلت: عدم المانع من حيضية الدم و إن لم يؤخذ في موضوع حجية الصفات إلا أنه مأخوذ في حيضية الدم التي تحرز بها، فمع كون مقتضي حجية الصفات في الأول حيضيته و امتناع حيضية الثاني لا مجال لحجية الصفات في الثاني، لارتفاع موضوع مؤداها- و هو حيضية الثاني- بالأول تعبدا، و إن لم يرتفع به موضوع حجيتها، كما هو الحال في الأصل السببي المحرز لارتفاع موضوع الحكم المحرز بالمسببي، لا ارتفاع موضوع نفس الأصل المسببي.

و بعبارة أخري: كما يكون الترتب بين التعبدين موجبا لتقديم السابق رتبة منهما، كذلك يكون الترتب بين مؤدييهما موجبا لتقديم ما يحرز السابق رتبة من المؤديين.

قلت: الترتب بين المؤديين إنما يكفي في التقديم في الأصول لفهمه عرفا من إطلاق أدلتها في مقام الجمع بينها بسبب ابتلائها غالبا بالأصول المسببية، فلو بني علي التعارض بين السببي و المسببي لزم غلبة عدم فعلية العمل بها، و لأن نسبة السببي للمسببي نسبة الحكم الثانوي للحكم الأولي، إلي غير ذلك من القرائن المذكورة في محلها، و لا مجال لذلك في الأمارات التي لا يغلب فيها التعارض و تبتني حجيتها علي

ص: 234

______________________________

كاشفيتها النوعية التي لا دخل للترتب بين المؤديات فيها، بل هي في عرض واحد مع فرض إطلاق موضوع حجيتها.

و ثانيا: أنه لو أخذ في موضوع حجية الصفات إمكان حيضية الدم أو اكتفي في تقديم إحدي الأمارتين تقدم مؤداها رتبة فكل من الدميين ممكن الحيضية لو لم يكن الآخر حيضا، ممتنع الحيضية لو كان الآخر حيضا، فتطبيق عموم حجية الصفات في كل منهما موجب لإحراز ارتفاع موضوع حجيتها في الآخر. و ليس السبق الزماني معينا لتطبيق العموم علي السابق، بل يتعين سقوط التطبيقين معا.

و مجرد عدم اليقين حين خروج الأول بخروج الثاني إنما يصحح الرجوع للصفات في الأول قبل العلم بخروج الثاني أما بعد العلم بخروجه فينكشف تمانع التطبيقين من أول الأمر.

نعم، يتجه الترجيح بالسبق الزماني بناء علي توقف حيضية الدم الواجد للصفات و دخوله تحت الأدلة علي فعلية خروجه، بحيث لو علم يوم الجمعة مثلا بخروج دم واجد للصفات يوم السبت لم يحرز يوم الجمعة حيض يوم السبت، بل يجري فيه استصحاب عدم الحيض المذكور بنحو الاستصحاب الاستقبالي، و إنما يحرز الحيض المذكور بعد خروج الدم يوم السبت، فلا يمتنع استصحاب عدمه إلا حينئذ، نظير ما لو علم الشاك بأنه سوف يقطع و لو خطأ بانتقاض الحالة السابقة، حيث لا يمنع ذلك من استصحابها قبل حصول القطع.

فإنه بناء علي ذلك يقطع بتحقق موضوع حجية الصفات حين خروج الدم الأول، فيحرز بها حيضيته، لعدم دخول الدم الثاني تحت دليل الحجية كي يعارض الأول، و حينئذ يحرز امتناع حيضية الدم الثاني في مرتبة خروجه، فلا يتم موضوع حجية الصفات فيه حين خروجه ليحرز بها حيضيته المستلزمة لامتناع حيضية الدم الأول، كي يتعارض التطبيقان، فيكون المورد من صغريات مرجحية السبق الزماني لأحد الحكمين المتواردين علي الآخر.

ص: 235

______________________________

لكن لا مجال للبناء علي ذلك في أمارية الصفات، لارتكاز تبعيتها لكاشفيتها الذاتية التي لا تتوقف علي فعلية خروج الدم، فيدخل الدم الثاني تحت عموم دليل الحجية من أول الأمر كالدم الأول و يتعارض التطبيقان.

و لذا كان المرتكز تنجز أحكام الحيض اللاحق حين العلم بخروج الدم الواجد للصفات في المستقبل فلا يجوز حينئذ التعجيز عن الخروج من المسجد حين خروج الدم، مع أنه لو لم تحرز الحيضية إلا بعد خروجه لجاز ذلك، كما لو كانت المرأة حين شكها بأنها سوف تحيض بعد يومين عالمة بأنها سوف تقطع بالحيض و لو خطأ، حيث يجوز لها حين الشك تعجيز نفسها عن الخروج من المسجد حين القطع، لعدم المنجز للحيض حينئذ، و إنما يحصل المنجز بعد التعجيز. فلاحظ.

هذا كله بناء علي حجية الصفات، و أما بناء علي عدم حجيتها و أن المرجع عموم قاعدة الإمكان فقد استدل في الجواهر و غيره علي حيضية الأول بصحيح صفوان عن أبي الحسن عليه السّلام: «إذا مكثت المرأة عشرة أيام تري الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة؟ قال: لا هذه مستحاضة» «1».

و قد استشكل فيه سيدنا المصنف قدّس سرّه باحتمال كون السؤال فيه عن جواز التحيض بالثاني في ظرف المفروغية عن حيضية الأول، لا في مقام السؤال عن تعيين ما هو الحيض من الدميين.

و يندفع بأن ظاهر السؤال أن البناء علي حيضية الدم الأول ليس إلا لكونه دما من شأنه أن يبني علي حيضيته، و لو لقاعدة الإمكان التي لا إشكال في الرجوع إليها قبل رؤية الدم الثاني، لعدم الإشعار فيه بما يحرز حيضيته زائدا علي ذلك من عادة أو تمييز أو غيرهما، و إلا كان المناسب تعرض السائل له لدخله ارتكازا في الجهة المسئول عنها، فإطلاق الجواب بأن الثاني استحاضة من دون تفصيل ظاهر في إقرار البناء علي حيضية الأول و عدم انتقاضه بخروج الثاني مطلقا، كما هو المدعي.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة، حديث: 3.

ص: 236

______________________________

و يعضده في ذلك ما في مرسلة يونس القصيرة من قوله عليه السّلام: «و لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام. فإذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت و صلت، فإن رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت «1» عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة، فإن رأت الدم من أول ما رأته [رأت. في] الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام و دام عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة» «2»، فإنه صريح في عدم رفع اليد عن حيضية الدم الأول باستمرار الدم الثاني بالنحو المانع من حيضية مجموع الدميين بل يتعين كون ما زاد علي العشرة من الدم الثاني استحاضة.

نعم، قوله عليه السّلام: «فإذا حاضت المرأة» ظاهر في المفروغية عن كون الأول حيضا. لكن الظاهر أن منشأها قاعدة الإمكان، لعدم الإشعار فيه بكونها ذات عادة أو تمييز، بل هو لا يناسب الحكم بتحيضها بالعشرة، لأن ذات العادة أو التمييز تقتصر عليهما مع استمرار الدم عندهم.

هذا و قد استشكل غير واحد في نهوض قاعدة الإمكان بإثبات حيضية الأول بأن كلا الدميين بالإضافة إليها سواء، و إعمالها في كل منهما مانع من إعمالها في الآخر، لارتفاع موضوعها- و هو الإمكان- معه، فلا بد من قصورها عن كلا الدميين، نظير ما تقدم منا في الصفات.

و لا مجال لتوهم الترجيح بالسبق الزماني، لنظير ما سبق في الصفات من أن شمولها للدم المتأخر و إحرازها حيضيته لا يتوقف علي فعلية خروجه، لينفرد الأول حين خروجه في الدخول تحت العموم و يمنع من دخول الثاني فيه حين خروجه.

و حينئذ لا مجال لجريانها في أحد الدميين، لا معينا، لعدم المرجح، و لا مرددا أو تخييرا، إما لما تحقق في محله من أن الأصل في المتعارضين التساقط، أو لأن المقام من صغريات التوارد الذي يمتنع فيه شمول الدليل لكلا الفردين رأسا لعدم تمامية

______________________________

(1) تقدم في مسألة اعتبار التوالي في أقل الحيض عند الكلام في مقدار الفصل بن الدميين ما يتعلق بهذه الفقرة.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 237

______________________________

موضوعه في كل منهما، لا من صغريات التعارض، الذي يشمل فيه الدليل كلا الفردين ذاتا و إن امتنع فيه فعلية حكمه فيهما معا لاستلزامه محذور التعبد بالنقيضين، و الذي قيل فيه بالتخيير اقتصارا في التخصيص علي ما يندفع معه المذكور، أو بأن الحجة أحدهما من باب اشتباه الحجة باللاحجة، علي ما فصل في محله.

و من هنا قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «فالعمدة ظهور الإجماع علي وجوب التحيض بأحد الدميين … و إنما خلافهم في التعيين و التخيير، و إذ أن الأصل في مثله يقتضي حيضية الأول يتعين البناء علي حيضيته».

لكن هذا مختص بما إذا لم يكن الثاني في العادة أو واجدا للصفات مع فقد الأول لها، و إلا كان المورد من موارد الدوران بين المتباينين، لأن ما سبق من عدم حجية العادة و لا الصفات راجع إلي عدم ثبوت مرجحيتهما، لا ثبوت عدمها، فلا يكون جواز التحيض بالأول متيقنا، بل يلزم الاحتياط في كلا الدميين، للعلم إجمالا بوجوب التحيض بأحدهما.

و كذا لو علم إجمالا بحيضية أحد الدميين واقعا، لخروجه عن المتيقن من الإجماع علي جواز التحيض بالأول، لاحتمال اختصاصه بما إذا كان التحيض مقتضي الوظيفة الظاهرية، حيث وقع الخلاف في كونها تعيينية أو تخييرية، دون ما إذا كان التحيض مقتضي الوظيفة الواقعية تبعا للحيض الواقعي المردد بين الدميين. فتأمل.

اللهم إلا أن يدعي الإجماع علي عدم وجوب الاحتياط علي الحائض بين الدماء، و جواز الاقتصار في التحيض علي أحدها في خصوص المقام أو مطلقا، فيكشف عن تشريع الوظيفة الظاهرية الواصلة لتعيين مورد التحيض، و لازم ذلك التحيض بالأول إذا لم يكن مقتضي العادة أو التمييز الثاني، و إلا فالتخيير بينهما.

لكن لا مجال لتحصيل الإجماع علي ذلك. بل يشكل تحصيله علي وجوب التحيض بأحد الدميين إذا لم يعلم إجمالا بحيضية أحدهما، لقلة التعرض لذلك في كلماتهم.

ص: 238

______________________________

و يقرب ابتناء فتاوي من تعرض له علي فهم مضمونها من النصوص أو قاعدة الإمكان، فمع ظهور عدم نهوضها بذلك يكون المرجع الأصل، و مقتضاه عدم حيضية كلا الدميين مع الشك في حيضيتهما معا، لاستصحاب عدم الحيض، و الاحتياط بينهما مع العلم الإجمالي بحيضية أحدهما.

هذا كله بناء علي أن موضوع القاعدة هو الإمكان المطلق و لو من حيثية الدم اللاحق، حيث يكون نسبة كلا الدميين إليه سواء و يتعارض التطبيقان، أما لو كان موضوعها الإمكان من غير حيثية الدم اللاحق، فتشمل الدم الأول لا غير، لا لمرجحية السبق الزماني في إعمال القاعدة، بل لعدم مانعية الدم الثاني من تحقق موضوعها فيه، و مع الحكم بحيضيته تمتنع حيضية الثاني، و يخرج عن موضوع القاعدة.

و يشهد به موثق سماعة المتضمن التحيض بالدم المتقدم علي العادة، معللا بأنه ربما تعجل بها الوقت، حيث تقدم أنه من أدلة القاعدة، مع قوله عليه السّلام في ذيله: «فإن كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها، فإذا تربصت ثلاثة أيام و لم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة» «1»، فإنه صريح في تعين ما بعد الاستظهار لأن يكون استحاضة و إن صادف أيام العادة، فضلا عما إذا لم يصادفها.

حيث يكشف ذلك عن عدم كون المراد بالتعليل المانع و لو من حيثية الدم اللاحق، بل من غير حيثيته، و إلا لأوجب الاستمرار التوقف عن إعمال القاعدة في أول الدم.

و هو و إن اختص بمستمرة الدم، دون من تقطع عليها الدم، إلا أن خصوصية الاستمرار ملغية عرفا بعد لزوم كون التعليل ارتكازيا، لعدم الفرق بينهما ارتكازا.

بل لعل تعيين أول الدميين غير المتصلين للحيضية أولي من تعيين أولي قسمي الدم المستمر لها عرفا.

و لذا كان من القريب جدا فهم حكمه من جميع نصوص مستمرة الدم الحاكمة

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 239

______________________________

بكون ما بعد العشرة أو مقدار العادة استحاضة و منها نصوص الاستظهار، فيستفاد منها كون الحيض هو الأول مع انقطاع الدم أيضا.

و لعله لذا له يشر في النصوص لمانعية التقطع من البناء علي حيضية الدم الأول الظاهر في المفروغية عن عدمها.

كما قد يشهد بذلك أيضا ما تقدم في مرسلة يونس القصيرة من تفريع حيضية الأول بتمامه، دون تمام الثاني علي الحكم بأن أقل الطهر عشرة أيام، لظهوره في أن تحديد أقل الطهر بالعشرة لا يقتضي التوقف عن تعيين الحيض من الدميين، بل عن حيضية تمام الثاني، و لزوم الحكم بحيضية خصوص ما لا ينافي حيضية الأول منه.

بل الإنصاف أن ملاحظة ذلك مع صحيح صفوان و نصوص مستمرة الدم- و منها موثق سماعة- و نصوص التحيض بمجرد الرؤية مع القرائن التي سبقت في المسألة الخامسة تقرب استظهار أن موضوع قاعدة الإمكان هو الإمكان بلحاظ الموانع السابقة علي الدم، دون اللاحقة له، كعدم استمراره ثلاثة أيام أو حيضية الدم اللاحق الذي لا ينفصل عنه بأقل الطهر، فيكون مقتضي قاعدة الإمكان الارتكازية المفروغ عنها نصا و فتوي التحيض بالدم و عدم التعويل علي الاحتمالات المذكورة، كما هو المناسب للارتكازيات العرفية و المتشرعية في الجملة، خلافا لما سبق من قصور قاعدة الإمكان عما لو احتمل عدم استمرار الدم ثلاثة أيام كما أشرنا إليه هناك.

و لعله لذا سبق من الجواهر دعوي ظهور كلمات الأصحاب فلي إطلاق التحيض بالأول هنا، كما سبق منا ظهورها في إطلاق التحيض بمجرد الرؤية. و حينئذ لا تجري القاعدة في الدم الثاني لارتفاع موضوعها فيه مع جريانها في الأول.

و لو لم ينهض ذلك بمجموعه بالاستدلال في المقام فلا أقل من كونه مؤيدا لإطلاق صحيح صفوان و مرسلة يونس المتقدمين. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

ص: 240

بقي في المقام أمران:
الأول: بعد ما سبق من كون الأول حيضا فلا إشكال في عدم حيضية الثاني لو كان بعد مضي عشرة أيام من رؤية الأول.

______________________________

و أما لو كان قبل ذلك فهل يحكم بعدم حيضيته بتمامه- كما هو مقتضي إطلاق القواعد و محكي نهاية الأحكام حيضية الأول خاصة- أو بحيضية ما صادف منه العادة- كما في جامع المقاصد و الروض- أو ما كان قبل مضي عشرة أيام؟

ففي مرسل داود المتقدم: «فإذا مضت أيام حيضها و استمر بها الطهر صلت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة» «1»، و في موثق سعيد بن يسار المتقدم فيمن تري بعد طهرها الشي ء من الدم الرقيق: «تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي» «2»، و تقدم في مرسلة يونس القصيرة أنها تتحيض إلي تمام العشرة «3».

و لعل مقتضي الجمع بينها بضميمة نصوص الاستظهار، التحيض في غير ذات العادة إلي العشرة، و في ذات العادة إلي مقدارها جزما و بما زاد عليها بيومين أو ثلاثة أو إلي تمام العشرة مع استمرار الدم من باب الاستظهار الذي يأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: قد تضمن صحيح يونس بن يعقوب فيمن تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة و الطهر كذلك مكررا التحيض بكل دم إلي شهر «4»،

و كذا صحيح أبي بصير فيمن ترهما خمسة أيام أو تري الدم أربعة و الطهر ستة كذلك «5».

و قد أفتي بمضمون الثاني في المقنع و الفقيه. و ربما نسب للمبسوط و النهاية.

لكنه قال في المبسوط بعد أن ذكر شروط الحيض و العادة و أنها قد تتقدم: «فإن اختلط عليها أيامها، فلا يستقر لها علي وجه واحد تركت الصوم و الصلاة كلما رأت

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض، حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض، حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض، حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض، حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض، حديث: 3.

ص: 241

______________________________

الدم، و كلما رأت الطهر صلت إلي أن تستقر عادتها».

و قال في النهاية: «فإن كانت امرأة لها عادة إلا أنها اختلطت عليها العادة و اضطربت و تغيرت عن أوقاتها و أزمانها فكلما رأت الدم تركت الصوم و الصلاة، و كلما رأت الطهر صلت و صامت إلي أن ترجع إلي حال الصحة. و قد روي أنها تفعل ذلك ما بينها و بين شهر ثم تفعل ما تفعله المستحاضة».

ثم ذكر بعد ذلك شروط الحيض و ظاهرهما لزوم الخروج عن العادة بالدم المخالف لها، لا حيضية الدم المخالف لشروطه المقررة.

نعم، ذيل كلام النهاية مشعر بنظره للصحيحين. لكنه قد يكون لحملهما علي ما يناسب ما سبق منه، و ليس بنحو يخرج به عن إطلاق ما ذكره من حدود الحيض. فلاحظ.

و كيف كان، فإن حمل الصحيحان علي أن جميع الدماء حيض واقعا و جميع النقاءات طهر واقعا- كما يظهر من الحدائق- كانا مخالفين لما تضمن أن الحيضة الواحدة لا تكون في أكثر من عشرة أيام أو لما تضمن أن أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، كما ذكرناه عند الكلام في حكم النقاء المتخلل بين الدميين.

مضافا إلي عدم خصوصية الشهر في ذلك ارتكازا، لتبعية الحيض الواقعي لمزاج المرأة من دون خصوصية للشهر.

و إن حملا علي أن كلا من الدماء حيض ظاهرا و ليس الحيض الواقعي إلا ما لا ينافي ما سبق- كما يظهر من الشيخ في الاستبصار و استحسنه في المعتبر، و قد يناسبه ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من حملهما علي المتحيرة- فإن كان مع عدم وجوب القضاء مع انكشاف عدم الحيض فهما و إن كانا غير منافيين للعلم الإجمالي بعدم حيضية بعض الدماء، لعدم الابتلاء بأحكام كل منها عند الابتلاء بالآخر.

إلا أنه- مع منافاته لعموم وجوب القضاء، و لا سيما مع التصريح بوجوبه في مرسلة يونس القصيرة فيمن تحيضت يومين و لم يتم لها ثلاثة أيام في ضمن العشرة «1» - يبعد بناء الأصحاب عليه جدا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 242

______________________________

و إن كان مع وجوب القضاء كانا منافيين للعلم الإجمالي المنجز بسبب الابتلاء بأحكام الدم السابق عند خروج اللاحق، فلا بد من حملهما علي عدم التعبد بحيضية الدم، بل خصوص ترك الصلاة حاله احتياطا لاحتمال الحيض، لأنه أهم من الاحتياط بفعلها لاحتمال عدمه، بناء علي أن حرمة الصلاة علي الحائض ذاتية و أنها تعم فعلها برجاء المطلوبية، أو لتعذر الاحتياط بفعلها لاعتبار الجزم بالنية.

و هو- مع ما فيه من التكلف- لا يناسب إهمال التنبيه علي وجوب القضاء جدا. و من هنا كان مضمونهما غريبا في نفسه غير مناسب للعمومات و القواعد المعول عليها عند الأصحاب.

و لذا يشكل الاعتماد عليهما، و لا سيما مع مخالفتهما لصحيح صفوان و مرسلة يونس و موثق سعيد بن يسار و مرسل داود المتقدمة، فإنها صريحة في التحيض بالدم الأول دون ما بعده مما لا تجتمع حيضيته مع حيضيته.

و لا مجال لحمل الصحيحين علي ما لو علم باستمرار التقطع إلي الشهر فما زاد و حمل غيرهما علي عدم دوامه، لبعد العلم بذلك جدا، و لقوة ظهورهما في توقع الانقطاع قبل الشهر و أن التحيض بالدم إلي تمام الشهر لاحتمال ذلك، فلا يلزم من الاحتياط لاحتمال الحيض التفريط بالصلاة كثيرا.

كما لا مجال لحمل النصوص الأخر علي خصوص ما لو علم بعدم تقطع الدم و عوده أكثر من مرة واحدة، لبعد العلم بذلك أيضا.

علي أن تكرر السؤال في صحيح يونس عن كل مرة و إطلاق الجواب فيها من دون نظر لغيرها و عدم السؤال عن صورة التكرر مرة واحدة يجعله كالصريح في عدم دخل استمرار التقطع في الحكم.

و من هنا كان التعارض بينهما و بين النصوص الأخر مستحكما، و لا ينبغي التأمل في ترجيح تلك النصوص لمطابقة مضمونها للقاعدة و التعويل عليها بين الأصحاب. فلاحظ.

ص: 243

مسألة 8: إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر كان كل منهما حيضا مستقلا

(مسألة 8): إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر كان كل منهما حيضا مستقلا (1)، سواء أ كان كل منهما أو أحدهما في العادة أم لا (2)، و سواء

______________________________

(1) كما في المبسوط و الوسيلة و الشرائع و القواعد و التذكرة و الروض، و ظاهر غير واحد المفروغية عنه.

و يقتضيه عموم قاعدة الإمكان المصرح بها في كلماتهم و معاقد إجماعاتهم. بل لا إشكال فيه في الجملة علي ما يأتي.

و أما ما تضمن أن ما يري بعد العشرة فهو من حيضة مستقبلة الذي تقدم في أول الفصل فيظهر الإشكال في الاستدلال به مما تقدم هناك. فراجع.

(2) أما إذا لم تكن المرأة ذات عادة فلظهور كلماتهم في بيان العادة بلحاظ الشهر الحيضي الذي أقله ثلاثة عشر يوما في المفروغية عنه. و منه يظهر مفروغيتهم عنه لو كان كل منهما في العادة المذكورة، لأنه أولي من ثبوته قبلها.

و يقتضيه فيهما موثق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أن أمير المؤمنين عليه السّلام قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض، فقال: كلفوا نسوة من بطانتها أن حيضها كان فيما مضي علي ما ادعت، فإن شهدن صدقت، و إلا فهي كاذبة» «1».

و أما لو كان كل منهما في العادة بلحاظ الشهر الهلالي المستلزم للفصل بين الدميين بعشرين يوما أو أكثر فهو المقطوع به من النصوص و الفتاوي، إذ لا ريب في انعقاد العادة به المستلزم للتحيض بما يري في كل شهر قبل انعقاد العادة و بعده.

و أما لو كانت ذات عادة فخالف أحد الدميين أو كلاهما عادتها فهو مقتضي ما سبق من المبسوط و النهاية من أن من اختلطت عادتها تتحيض كلما رأت الدم، لتوقف اختلاط العادة علي مخالفتها في أول الأمر، بل صرح في المبسوط بأن من رأت الدم في عادتها ثم طهرت عشرة أيام و رأت بعدها صفرة تحيضت بها، لأنها قد استوفت أيام الطهر.

______________________________

(1) الوسائل باب: 47 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 244

أ كان كل منهما أو أحدهما واجدا للصفات أم لا (1) علي الأقوي.

______________________________

و يقتضيه في غير الصفرة ما عرفت من عموم قاعدة الإمكان. و أما الصفرة فقد سبق المنع من التحيض بها في غير أيام العادة أو قبلها بيومين مطلقا.

لكن في المستند: «لو رأت في العادة و انقطع عليها أو علي غيرها و طهرت أقل الطهر ثم رأت في ذلك الشهر بعدد العادة أيضا، فإن كان ذلك لها عادة تحيضت بهما، و كان كل حيضا، و إن لم يكن عادة لها فالمشهور فيه ذلك أيضا. و الحق التحيض بأيام العادة خاصة و إن كان التمييز لغيرها»، و يناسبه ما يظهر من الغنية من إطلاق الرجوع للعادة بعد انعقادها. و كأنه لإطلاق حجية العادة، و لموثق السكوني المتقدم.

و يشكل بما تقدم فيما لو تردد الدم بين ما في العادة و غيره من إنكار عموم حجية العادة لإثبات حيضية ما فيها، فضلا عن نفي حيضية ما في غيرها.

كما أن موثق السكوني وارد لبيان عدم تصديق المرأة مع عدم إحراز موافقة ما تدعيه لمقتضي العادة، و هو مختص بمورد يرجع فيه إليها كالعدة، و لا ينافي كون الدم حيضا شرعا، فيجب عليها ترتيب أحكامه في حقها.

و لذا لا إشكال في إمكان انعقاد العادة علي ذلك بعد العدم و إن لم تصدق في دعواه إلا بعد انعقادها. ثم إن مفاد عمومات العادة- لو تمت- عدم مخالفة العادة الشرعية المنعقدة باتفاق الشهرين الهلاليين، و مفاد الموثق لزوم سبق العادة العرفية بمدة معتد بها.

(1) كما هو صريح ما تقدم من المبسوط و مقتضي إطلاق غيره. و تقتضيه قاعدة الإمكان المصرح في كلماتهم بعمومها لفاقد الصفة.

لكن سبق قصوره عن خصوص الصفرة في غير أيام العادة أو قبلها بيومين.

كما أن من يري قصوره عن فاقد الصفات مطلقا لا بد له من البناء علي عدم حيضية الفاقد في المقام إذا كان في غير العادة، كما صرح به في المدارك.

ص: 245

ص: 246

الفصل السادس في تشخيص الحيض
إذا انقطع دم الحيض لدون العشرة، فإن احتملت بقاءه في الرحم وجب الاستبراء

الفصل السادس إذا انقطع دم الحيض لدون العشرة، فإن احتملت بقاءه في الرحم (1) استبرأت بإدخال القطنة (2).

______________________________

(1) أما لو علمت بأحد الأمرين فلا استبراء عليها، كما صرح به غير واحد و حكي عن جماعة، لظهور النصوص الآتية في كون وجوبه طريقيا لمعرفة حال الدم لا نفسيا، و لا غيريا لشرطيته في صحة الغسل و الصلاة و نحوهما.

و مقتضي إطلاق النصوص عدم الاكتفاء بالظن بعدم بقائه في الرحم و لو استند لعادة أو نحوها، بل و لا بالاطمئنان بناء علي ما هو الظاهر من عدم حجيته في نفسه. فلاحظ.

(2) كما صرح به الأصحاب بنحو يظهر منهم الوجوب، بل هو صريح جملة منهم، و استظهر في الحدائق عدم الخلاف فيه، و عن الذخيرة نسبته للأصحاب مشعرا بدعوي الإجماع عليه، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه سوي ما عساه يظهر من المنقول عن الاقتصاد للتعبير بلفظ: (ينبغي) المشعر بالاستحباب».

و لعله لذا نسبه في كشف اللثام لظاهر الأكثر. لكن تنزيل ما في الاقتصاد علي الوجوب ليس بعيدا.

و يقتضيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل، و إن لم تر شيئا فلتغتسل. و إن رأت بعد ذلك [صفرة. في، يب] فلتوض [فلتتوضأ. في، يب] و لتصل» «1»، و مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن امرأة انقطع عنها الدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض، حديث: 1.

ص: 247

______________________________

فلا تدري أ طهرت أم لا؟ قال: تقوم قائما و تلزق بطنها بحائط و تستدخل قطنة بيضاء، و ترفع رجلها اليمني، فإن خرج علي رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر، و إن لم يخرج فقد طهرت تغتسل و تصلي» «1»، و قريب منه موثق سماعة «2».

و الظاهر حجية المرسل لعين ما تقدم في مرسلته القصيرة عند الكلام في اعتبار التوالي في أقل الحيض، بل يزيد عليها بأن إبراهيم بن هاشم رواه عن إسماعيل بن مرار و غيره عن يونس و اقتصر علي إسماعيل بن مرار في المرسلة.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم و سيدنا المصنف قدس سرهما من أن ظاهر الأخيرين بيان طريق العلم بانتفاء الحيض من دون دلالة علي وجوبه عليها.

فيشكل بأن ظاهر السؤال عن المرأة المذكورة هو السؤال عن وظيفتها الشرعية، لاعن قضية واقعية متعلقة بها لا يرجع فيها للشارع بما هو شارع.

و لذا لو أجاب عليه السّلام بجواز الاعتماد علي الأصل كان مناسبا للسؤال لا إعراضا عنه.

و من هنا لم يعهد التوقف منهم في دلالة ما ورد عند الاشتباه بالقرحة «3» علي وجوب الفحص مع مشابهته للحديثين في اللسان.

نعم، يتم ما ذكراه في خبر شرحبيل الكندي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: كيف تعرف الطامث طهرها؟ قال: تعمد برجلها اليسري علي الحائط و تستدخل الكرسف بيده [كذا] اليمني، فإن كان ثم مثل رأس الذباب خرج علي الكرسف» «4».

و منه يظهر أن وجوب الاستبراء كما يمنع من الاعتماد علي انقطاع الدم في البناء علي الطهر- الذي يكفي في المنع عنه الاستصحاب- كذلك يمنع من البناء علي الحيض عملا باستصحابه، كما هو مقتضي إطلاق من علق وجوب الاستبراء علي انقطاع الدم، بل ادعي سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه ظاهر الكل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض، حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض، حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض، حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض، حديث: 3.

ص: 248

______________________________

لأن ذلك مقتضي إطلاق الموثق و المرسل، فلا يهم معه عدم ظهور الصحيح إلا في الأول لتعليق الأمر بالاستبراء فيه علي إرادة الاغتسال، لا علي انقطاع الدم، فلا ينافي جواز ترك الاغتسال و البناء علي بقاء الحيض بدونه عملا بالاستصحاب.

لكن سيدنا المصنف قدّس سرّه- مع اعترافه بذلك- قال: «اللهم إلا أن يكون النقاء الظاهري طريقا عرفا بالإضافة إلي إلغاء الاستصحاب، و يكون قوله عليه السّلام: «إذا أرادت أن تغتسل» إمضاء له في الجهة المذكورة، لا بالإضافة إلي ثبوت النقاء الباطني».

و هو كما تري، لأن طريقية النقاء الظاهري عرفا بالإضافة إلي إلغاء الاستصحاب إما لبنائهم علي كونه معيارا في الطهر، أو علي حجيته علي النقاء الباطني، أو لتخيلهم ملازمته له، فمع كون الأمر بالاستبراء ردعا عن الأولين و تنبيها لخطأ الأخير لا وجه لاستفادة إمضاء إلغاء الاستصحاب من قوله عليه السّلام: «إذا أرادت..».

و مثله ما احتمله شيخنا الأعظم قدّس سرّه من عدم جريان الاستصحاب المذكور، لأصالة عدم حدوث دم في الرحم و عدم جريان أصالة البقاء في الأمور التدريجية.

إذ فيه: أن كون خروج الدم من الرحم تدريجيا لتباين أجزاء الدم- المستلزم لمباينة خروج كل منها لخروج الآخر حقيقة و ليست الوحدة بينها إلا عرفية بسبب اتصال الأجزاء- لا يستلزم كون الحيض تدريجيا، بل الظاهر أن الحيض صفة بسيطة عرفا مستمرة تنتزع للمرأة من خروج الدم لا عين خروجه، فلا يكون استصحابه مبنيا علي الاستصحاب في التدريجيات.

كما لا يكون محكوما لاستصحاب عدم حدوث الدم في الرحم، لأن التلازم بينهما خارجي لا شرعي، فرفع اليد عنه به يبتني علي الأصل المثبت.

بل حيث كان موضوع الأحكام هو الحيض جري استصحابه دون استصحاب عدم حدوث الدم في الرحم، لعدم الأثر له.

و كذا حال ما يظهر منه قدّس سرّه من الإشكال في دلالة الصحيح علي الوجوب بأنه مسوق لبيان وجوب الاستبراء عند إرادة الاغتسال لئلا يظهر الدم فيلغو الاغتسال.

ص: 249

______________________________

فإن مرجعه إلي حمل الأمر علي الإرشاد الذي هو خلاف الأصل في أوامر الشارع. مع أنه موقوف علي صحة الغسل مع وجود الدم في الباطن ثم بطلانه بخروجه للظاهر، و هو لا يناسب ظهور النصوص الأخر في إناطة الطهر بالنقاء الباطني.

و مثل ذلك في الإشكال قوله بعد المناقشة في دلالة النصوص: «فالعمدة فهم الأصحاب. و يمكن أن يؤيد بدعوي أن الأصل في امثال المقام من الشبهات الموضوعية التي لا يعلم غالبا إلّا بالفحص هو وجوب الفحص».

لعدم وضوح حجية فهم الأصحاب في المقام، و عدم تمامية المؤيد المذكور بعد إطلاقات أدلة الأصول.

اللهم إلا أن يقال: إطلاقات أدلة الأصول و إن كان مسلما إلا أن البناء علي ذلك في خصوص المقام لا يناسب المرتكزات العرفية و المتشرعية بل النصوص المتضمنة ترتيب أحكام الطهر بانقطاع الدم و رؤية الطهر، إذ لو لم يكن الانقطاع الظاهري دافعا للفحص لزم عدم العمل بتلك الأحكام كثيرا، و هو ما تأباه المرتكزات و النصوص المذكورة، خصوصا قوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة: «فإن انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة تري الطهر و تصلي» «1».

و لعل هذا هو منشأ البناء العرفي علي وجوب الغسل بالنقاء الظاهري الذي يظهر من صحيح محمد بن مسلم ابتناء إرادة الغسل عليه.

و التنبيه في نصوص الاستبراء إلي عدم ملازمته للطهر لا يرجع إلي جواز التسامح في الغسل لاحتمال عدم الطهر، بل إلي لزوم التأكد منه قبله لا غير، فالصحيح المذكور و إن لم يكن ظاهرا في إمضاء ذلك- خلافا لما سبق من سيدنا المصنف قدّس سرّه- إلا أنه لا ينهض بالردع عنه، فيتعين العمل عليه بعد ما عرفت من مطابقته للمرتكزات و النصوص. فتأمل جيدا.

و الذي تحصل من جميع ما ذكرنا: أن وجوب الاستبراء بنحو يمنع من الاكتفاء

______________________________

(1) الوسائل باب: 7 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 250

______________________________

بانقطاع الدم في البناء علي الطهر مقتضي الصحيح و المرسل و الموثق. مضافا إلي استصحاب الحيض. و بنحو يمنع من البناء علي بقاء الحيض لاستصحابه مقتضي المرسل و الموثق المؤيدين بما سبق.

هذا و قد اقتصر في المقنع في الأمر بالاستبراء علي ما إذا رأت الصفرة و الشي ء و لا تدري أ طهرت أم لا، مع ذكر الكيفية الخاصة له التي تضمنتها بعض النصوص السابقة و غيرها.

و لعله للمحافظة علي مضمون النص لا لتقييد وجوبه بذلك، أو لاختصاص الكيفية المذكورة به و إن كان وجوب أصل الاستبراء مطلقا، نظير ما يأتي من الفقيه، و إلا أشكل ما ذكره بمخالفته لإطلاق بقية النصوص.

ثم إن في صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه بلغه أن نساء كانت إحداهن تدعو بالمصباح في جوف الليل تنظر إلي الطهر، فكان يعيب ذلك و يقول: متي كان النساء يصنعن هذا» «1» و صحيح ثعلبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه كان ينهي النساء أن ينظرن إلي أنفسهن في المحيض بالليل و يقول: إنها قد تكون الصفرة و الكدرة» «2».

و مقتضاهما عدم وجوب الاستبراء بالليل، بل ينتظر فيه النهار.

و دعوي: أن مقتضي التعليل في الثاني كون النهي لاحتمال التباس الأمر بسبب ظلمة الليل، فلا ينافي وجوبه مع شدة النور بالنحو الذي لا التباس معه، كما هو الحال في عصورنا بسبب الكهرباء.

مدفوعة: بأن المرأة حيث لا تحتمل الاشتباه حتي مع ضعف النور، بل تقطع بأحد الأمرين، فلا مجال لجعل الاشتباه موضوعا يكون عليه المدار في العمل، بل لا بد من كون توقعه حكمة تدعو الشارع إلي النهي عن الاستبراء بالليل لسد باب الاشتباه، مع كون الموضوع هو الليل بإطلاقه، من دون فرق بين قوة النور و ضعفه.

و الأمر محتاج للتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 19 من أبواب الحيض، حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 19 من أبواب الحيض، حديث: 2.

ص: 251

فإن خرجت ملوثة و لو بصفرة بقيت علي التحيض، كما سيأتي (1) و إن خرجت نقية اغتسلت و عملت عمل الطاهر (2)، و لا استظهار عليها هنا (3) حتي مع ظن العود (4)

______________________________

(1) و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(2) قطعا، كما في الجواهر، و هو إجماعي كما في المدارك و المستند. و تقتضيه النصوص المتقدمة و غيرها مما تضمن الطهر و الأمر بالغسل و الصلاة بانقطاع الدم.

و هي محمولة علي ظاهرها من الطهر الواقعي مطلقا بناء علي أن النقاء المتخلل بين الدميين بحكم سائر أفراد الطهر.

أما بناء علي أنه بحكم الحيض فيتعين حملها علي صورة عدم عود الدم، أو علي الطهر الظاهري، الذي هو المتعين في بعض النصوص الواردة في صورة عود الدم أو احتماله، كمرسل داود المتقدم «1» و خبر علي بن جعفر فيمن تري الدم اليوم و اليومين و الساعة و الساعتين و ينقطع عنها مثل ذلك «2» و مرسلة يونس القصيرة فيمن تراه اليوم و اليومين «3»، علي ما تقدم عند الكلام في حكم النقاء المتخلل بين الدميين.

فراجع. و يأتي تمام الكلام في ذلك.

الكلام في الاستظهار مع النقاء و احتمال العود في ضمن العشرة

(3) الكلام في الاستظهار مبني علي أن النقاء المتخلل بين الدميين بحكم الحيض، و لا موضوع له بناء علي ما تقدم من أنه كسائر أفراد الطهر، كما لا يخفي.

(4) خلافا للدروس فحكم بالاستظهار حينئذ، بل يظهر من السرائر وجود قول به مع النقاء من دون تقييد بالظن، و حكاه في جامع المقاصد و الروض و محكي الذكري عن ظاهر المختلف، و ظاهر السرائر أنه مقتضي بعض أخبار الآحاد.

و لا يخفي أن نصوص الاستبراء السابقة إن حملت علي الحكم الظاهري في

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 252

______________________________

فرض الشك في العود كان مقتضي إطلاقها عدم جواز الاستظهار مع ظن العود، فضلا عما دونه من الاحتمال.

و الأخبار المشار إليها في السرائر لو وجدت غير تامة الحجية في نفسها، فضلا عن أن تنهض بمعارضة تلك النصوص.

و إن حملت علي الحكم الواقعي- كما لعله الظاهر منها، لعدم الإشارة فيها للشك في العود- لزم تقييدها بناء علي أن النقاء المتخلل بين الدميين بحكم الحيض- بغير صورة العود، فيكون التمسك بها مع احتماله تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص الذي لا يجوز علي التحقيق.

فالعمدة في المقام استصحاب عدم عود الدم، حيث يحرز به أن النقاء طهر بناء علي ما هو الظاهر من جريان الاستصحاب بلحاظ الأزمنة المستقبلة.

و دعوي: أن المستصحب هو الحيض، لليقين به سابقا و الشك في ارتفاعه مع النقاء، لاحتمال العود.

مدفوعة بأنه لا معني لاحتمال الحيض مع النقاء، لأن الحيض منوط عرفا بظهور الدم و مقابل للنقاء، غاية الأمر أنه يحتمل كونه بحكم الحيض، علي ما سبق توضيحه عند الكلام في حكم النقاء المذكور، و حيث كان جريان أحكام الحيض عليه مشروطا بعدم عود الدم كان مقتضي استصحاب عدمه عدم جريانها.

علي أنه لو كان الحيض من الأمور الجعلية القابلة لأن تستصحب في المقام فحيث كان موضوعه النقاء المتخلل بين الدميين كان استصحاب عدم عود الدم محرزا لعدم الحكم بالحيضية علي النقاء و حاكما علي استصحاب الحيض.

نعم، لو كان مرجع الحكم بحيضية النقاء إلي التصرف في مفهوم الحيض بإرادة ما يعم النقاء المذكور منه من دون حكم به و لا بأحكامه عليه، كان ملازما لعدم عود الدم و لم ينهض استصحاب عدم العود بإحراز عدمه، بل يجري استصحابه لا غير، إلّا أنه لا يظن منهم البناء علي ذلك.

ص: 253

______________________________

علي أن حمل نصوص الاستبراء علي الحكم الواقعي لا ينافي استفادة الحكم الظاهري من النصوص الواردة في صورة عود الدم أو احتماله التي تقدمت الإشارة إليها آنفا، فيرفع بها اليد عن الاستصحاب المذكور.

هذا و في المدارك: «و لو اعتادت النقاء في أثناء العادة ثم رؤية الدم بعده فالظاهر عدم وجوب الغسل معه، لاطراد العادة، و استلزام وجوبه الحرج و الضرر بتكرر الغسل مع تكرر النقاء. و يحتمل الوجوب للعموم و احتمال عدم العود». و حكي ذلك عن غيره.

لكن اطراد العادة بعد ما لم يكن قطعيا لا يكفي ما لم تثبت حجيتها في ذلك، و لا دليل عليها، لاختصاص دليل انعقادها في الرجوع إليها في مقدار دم الحيض، لا مقدار جلوس المرأة، فضلا عن غير ذلك، كعود الدم بعد انقطاعه. فراجع ما تقدم في الفرع السادس من فروع العادة.

و لزوم الحرج و الضرر بتكرر الغسل غير ظاهر، و لذا لم يذكر مانعا من وجوبه بناء علي كون النقاء المتخلل بين الدميين بحكم الطهر. مع أنه لو تم لا يوجب القطع بحجية العادة في ذلك، لعدم شيوع الابتلاء بذلك بنحو يستلزم وضوح الحال من السيرة التي لا تبتني علي الحرج و الضرر.

و أما عموم أدلة نفيهما فالاستدلال به موقوف..

أولا: علي نهوضه بتشريع الحكم الذي يتدارك به الضرر، كالحجية في المقام، و إلا فمجرد رفع وجوب تكرار الغسل المفروض كونه حرجيا أو ضرريا لا يقتضي عدم وجوبه بالنقاء الأول، بل يكفي فيه عدم وجوبه بالثاني.

و ثانيا: علي أن موضوعه الحرج و الضرر النوعيان، لأنهما المعلومان في المقام دون الشخصيين، لفرض عدم العلم بعود الدم ليعلم بتكرار الغسل الذي قد يستلزم الحرج و الضرر. و كلا الأمرين ممنوع، علي ما حقق في محله.

ثم إنه قال في المستند في حكم من انقطع دمها: «و لا استظهار حينئذ، وفاقا للمعظم لمرسلة داود و غيرها، خلافا لشاذ لا يعبأ به، لبعض إطلاقات الاستظهار،

ص: 254

إلّا مع اعتياد تخلل النقاء علي وجه تطمئن بعوده (1) فعليها الاحتياط بالغسل و الصلاة. و الأولي لها في كيفية إدخال القطنة (2)

______________________________

الواجب تقييده بما مر». فإن كان مراده الاستظهار مع احتمال العود الذي يحكم معه بحيضية النقاء عندهم كان مما نحن فيه. لكنه لا يناسب ما يظهر منه في أحكام الاستبراء من عدم القول بالاستظهار مع النقاء إلا مع اعتياد العود للظن معه به، لا لاطلاقات الاستظهار.

و إن كان مراده الاستظهار مع عدم احتمال العود فلم أعثر عاجلا علي من أشار إلي القول المذكور، و كيف يمكن القول بذلك مع صراحة نصوص الاستبراء و غيرها في ترتيب أحكام الطهر بانقطاع الدم و تحقق النقاء.

كما لم أعثر عاجلا علي إطلاق ينهض بتشريع الاستظهار مع انقطاع الدم، بل لما كان الاستظهار طلب ظهور الحال فموضوعه الشك في الحيض، و هو غير حاصل مع انقطاع الدم و القطع بعدم عوده.

(1) فقد استشكل في وجوب الغسل حينئذ في العروة الوثقي- كما هو ظاهر المتن- و قوي عدمه بعض الأعاظم في حاشيته عليها. قال في الجواهر: «فإن تكليفها بالغسل حينئذ مع ذلك لا يخلو من تأمل بل منع للشك في شمول الأدلة لمثلها». و كأنه راجع إلي دعوي انصراف الإطلاقات عن هذه الصورة.

لكن لا وجه لانصرافها عنها مع كون العود أمرا مغفولا عنه في مقام ورود الاطلاق، مبنيا علي القول بأن النقاء المتخلل بين الدميين حيض، الذي هو محل بحث و كلام. مع أنه لو تم انصرافها كفي استصحاب عدم عود الدم في وجوب الغسل.

نعم، يتجه ذلك بناء علي حجية الاطمئنان في نفسه. لكنه لا يختص بصورة الاعتياد.

كيفية الاستبراء

(2) اقتصر غير واحد في بيان كيفية الاستبراء علي إدخال القطنة، و مقتضي إطلاقه عدم اعتبار كيفية خاصة له، كما هو المصرح به في المدارك و غيرها، و حكاه في

ص: 255

______________________________

الجواهر عن جماعة، و يقتضيه إطلاق صحيح محمد بن مسلم.

لكن في المقنع: «و إذا رأت الصفرة أو الشي ء و لا تدري أ طهرت أم لا فلتلصق بطنها بالحائط و لترفع رجلها اليسري، كما تري الكلب يفعل إذا بال و تستدخل الكرسف … »، و اقتصر في المسالك في كيفيته علي رواية شرحبيل الكندي، و في المدارك و المفاتيح أن الأولي اختيارها.

لكن لا وجه لترجيح الرواية المذكورة مع ضعف سندها و قوة سند غيرها.

هذا و المهم الكلام في أن الجمع بين الصحيح المطلق و النصوص المقيدة هل هو بالتقييد، أو بحمل النصوص المقيدة علي الاستحباب؟

و الأول و إن كان هو مقتضي الجمع العرفي في أمثال المقام، إلا أنه قد يتعين الثاني بلحاظ كثرة القيود المذكورة في النصوص و عدم انصراف الذهن إليها مع احتياجها للعناية في مقام العمل، فلو كانت لازمة لم يناسب إهمالها في صحيح محمد بن مسلم الوارد في مقام التنبيه للاستبراء ليعمل عليه المناسب لاستكمال بيانه.

و لا سيما مع إهمال المشهور التنبيه إليها، حيث يبعد خطؤهم في كيفية الاستبراء مع كثرة الابتلاء به و شيوعه.

اللهم إلا أن يقال: لما لم تكن مطلوبية الاستبراء نفسية بل طريقية لاستكشاف حال الدم فالخصوصيات المذكورة في نصوص التقييد إن لم تكن دخيلة في الاستكشاف لزم عدم مطلوبيتها حتي استحبابا، فيكون ذكرها في النصوص لأنها أحد الأفراد، و هو مما تأباه تلك النصوص جدا، و إن كانت دخيلة في الاستكشاف لزم من الاكتفاء بالخالي عنها كون النقاء مع الاستبراء ظاهريا لا قطعيا و أن ترتيب أحكام الطهر من دون يقين به، و هو مما تأباه المرتكزات، بل قد تأباه مرسلة يونس و موثق سماعة، لأن المنساق منهما لزوم معرفة الطهر. فتأمل.

و من هنا قد يحمل الصحيح علي التنبيه لما قد يغفل عنه من احتمال وجود الدم في باطن الفرج في عنق الرحم، لمناسبة الصورة المذكورة فيه للدم الذي يظهر علي

ص: 256

______________________________

الكرسف بمجرد إدخاله، و تحمل بقية النصوص علي ما لو احتمل لبعض الطوارئ و المشبهات وجود بقاء الحيض في داخل الرحم و عدم اندفاعه حتي لباطن الفرج لقلته أو لضعف الدفع أو نحوهما، لمناسبة الصورة المذكورة فيها للدم الذي يحتاج خروجه لضغط الرحم، و لا دخل لها بإخراج ما في باطن الفرج للظاهر، بل يكفي فيه مجرد إدخال الكرسف.

كما قد يناسب ذلك ظهور السؤال في تلك النصوص في تحير المرأة في معرفة الطهر مع أنه لو كان المشكوك لها وجود الدم في باطن الفرج لم يخف عليها إمكان معرفته بإدخال القطنة و لم يحتج للسؤال.

و لا ينافي ذلك إهمال هذه الكيفية في الصحيح و كلام المشهور، لأن المنظور فيها الوضع الطبيعي للمرأة من اندفاع ما في رحمها و عدم احتباسه، و تحتاج إثارة احتمال احتباسه إلي عناية.

هذا و في الفقيه أطلق وجوب الاستبراء قبل الغسل مع الاقتصار في كيفيته علي إدخال القطنة، ثم قال: «و إذا رأت الصفرة و النتن فعليها أن تلصق بطنها … »

و ذكر الكيفية الأخري. و ظاهره النظر لموثق سماعة الآتي و تخصيص الكيفية المذكورة بصورة رؤية الصفرة و النتن، كما سبق احتماله فيما سبق من المقنع.

فإن كان مراده رؤيتهما المثيرة لاحتمال احتباس الدم في الرحم حملا للموثق عليه رجع إلي ما ذكرنا، و ناسب تعميمه لكل ما يثير الاحتمال المذكور.

و إن كان مراده رؤيتهما في الظاهر مع الشك في وجود الدم في باطن الفرج فقد يستدل له بموثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: المرأة تري الطهر و تري الصفرة أو الشي ء فلا تدري أ طهرت أم لا؟ قال: فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلي حائط و ترفع رجلها علي حائط … » «1».

لكن فيه: أنه لو تم وروده لاستكشاف وجود الدم في باطن الفرج و غض

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 257

أن تكون لاصقة بطنها بحائط (1) أو نحوه (2)، رافعة إحدي رجليها (3)، ثم تدخلها (4). و إذا تركت الاستبراء لعذر من نسيان أو نحوه و اغتسلت

______________________________

النظر عما سبق منا، فالظاهر إلغاء خصوصية مورد السؤال فيه، لعدم دخل رؤية الأمور المذكورة في كيفية استكشاف الدم المذكور. و لا سيما مع إطلاق مرسل يونس و خبر شرحبيل. فلاحظ.

(1) كما تضمنه موثق سماعة و مرسل يونس. و لا يهم خلو خبر شرحبيل عنه، لضعف سنده.

(2) من الأجسام المنتصبة العريضة الثابتة، لفهم العموم لها من ذكر الحائط مع إلغاء خصوصيته عرفا.

(3) كأنه لإطلاق موثق سماعة، و الاقتصار علي اليمني في مرسل يونس معارض بالاقتصار علي اليسري في خبر شرحبيل- بناء علي ما هو الظاهر من أن المراد بقوله فيه: «تعمد برجلها اليسري» أنها ترفعها- فيتساقطان أو يجمع بينهما بالتخيير المطابق لإطلاق الموثق.

لكن خبر شرحبيل لا ينهض بمعارضة المرسل لضعفه، فينهض المرسل لتقييد الموثق، إلّا أن يستبعد تقييده به، لبعد إهمال مثل هذا القيد فيه لو كان دخيلا، لقوة ظهوره في استكمال بيان الكيفية. فتأمل.

و مثله في ذلك التقييد بكون رفع الرجل علي حائط، الظاهر في إرادة الاتكاء عليه بها، حيث تضمنه الموثق و خبر شرحبيل دون المرسل.

(4) و في خبر شرحبيل أنها تدخلها باليد اليمني، إلا أنه لا ينهض بالخروج عن إطلاق الموثق و المرسل، لضعف سنده، فيقوي حمله علي كونه الأسهل بعد ما تضمنه من كون الرجل المرفوعة هي اليسري. هذا و في الروض ذكر الصبر عند إدخال القطنة، و كأنه لانصراف النصوص إليه لمناسبة استكشاف الحال له.

ص: 258

و صادف براءة رحمها (1) صح غسلها (2)، و إن تركته لا لعذر ففي صحة غسلها إذا صادف براءة رحمها وجهان أقواهما ذلك أيضا (3).

______________________________

(1) يعني: فلا بد من إحراز ذلك في البناء علي الصحة ظاهرا. أما لو لم تحرزها فلا مجال للبناء علي الصحة بعد ما سبق من ظهور نصوص الاستبراء في الوجوب الطريقي الراجع إلي عدم صحة العمل ظاهرا بدونه.

و دعوي: أن مقتضي قاعدة الفراغ صحة الغسل، بناء علي ما هو الظاهر من عدم اعتبار الالتفات لجهة الشك حين العمل.

مدفوعة بأن القاعدة إنما تحرز صحة الغسل بمعني تماميته المعتبرة في ترتب الأثر المطلوب منه، و هو ارتفاع الحدث السابق عليه، و لا تحرز ارتفاع الحيض حين الغسل، بل مقتضي استصحاب الحيض حينه بقاء حدثه بعده.

و منه يظهر عدم التعويل علي القاعدة لو شك في الاستبراء قبل الغسل. نعم، لو كان وجوب الاستبراء مقدميا بلحاظ شرطيته في الغسل مع الاكتفاء بالانقطاع الظاهري في ارتفاع الحيض كان مقتضي قاعدة الفراغ صحة الغسل و عدم الاعتناء باحتمال عدم تحقق شرطه. فتأمل.

(2) في الجواهر أنه ينبغي القطع بذلك، و نفي الإشكال فيه شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

و هو متجه بناء علي ما سبق من كون الوجوب طريقيا، حيث يرجع إلي لزوم إحراز صحة الغسل من حيثية براءة الرحم، فمع إحرازه بالوجدان لا وجه لعدم البناء علي صحته.

أما لو كان مقدميا لشرطيته في الغسل، كما مال إليه في الجواهر، فمقتضي إطلاق دليله شرطيته حال النسيان أيضا المستلزم لبطلان الغسل.

و ما ذكره قدّس سرّه من أن احتمال الشرطية التعبدية حتي بالنسبة إلي ذلك بعيد جدا، ناشئ من بعد كون الوجوب مقدميا.

الكلام فيما لو لم تستبرأ

(3) كما هو مقتضي ما سبق من كون الوجوب طريقيا. أما لو كان مقدميا

ص: 259

و إن لم تتمكن من الاستبراء فالأقوي أنها تبقي علي التحيض حتي تعلم النقاء (1). و إن كان الأحوط استحبابا لها الاغتسال (2) في كل وقت تحتمل فيه النقاء (3)

______________________________

فاللازم البناء علي البطلان، كما مال إليه في الجواهر مدعيا أنه قد يظهر من ملاحظة عباراتهم، و إن لم يتضح وجه استظهاره منها.

و كذا الحال بناء كون وجوبه نفسيا، حيث لا يمكن التقرب بالغسل حينئذ، لما فيه من رفع موضوع الاستبراء الواجب، المستلزم لتعذر امتثال التكليف به، فيكون مبعدا. نعم، هو يختص بصورة الالتفات لوجوبه.

الكلام فيمن تعذر عليها الاستبراء

(1) لقصور دليل وجوب الاستبراء عن صورة تعذره، فلا مانع من الرجوع فيها لاستصحاب الحيض الذي سبق جريانه في نفسه. و احتمال عموم مانعية وجوب الاستبراء من الرجوع للاستصحاب المذكور لصورة تعذره في غير محله، علي ما سبق نظيره في تعذر الاختبار عند الاشتباه بدم العذرة و سبق هناك ما ينفع في المقام. فراجع المسألة الثانية.

نعم، لو كان الجاري في المقام استصحاب عدم حدوث الدم في الرحم الذي سبق من شيخنا الأعظم قدّس سرّه التعرض له لزم البناء علي الطهر و الاغتسال.

كما أنه بناء علي عدم جريانهما معا يلزم الاحتياط بالجمع بين تكاليف الحائض و الطاهرة، للعلم الإجمالي. و التخيير في مثل تمكين الزوج من الوطء عند مطالبته به، للدوران فيه بين المحذورين، علي ما سبق نظيره في المسألة الثانية.

(2) مع القيام بتمام تكاليف الطاهر غير المنافية للقيام بتكاليف الحائض، دون مثل تمكين الزوج من الوطء مع مطالبته به لأنه مخالفة لتكليف حال الحيض.

(3) لاحتمال وقوع الغسل السابق حال الحيض، فيبطل و يحتاج لتجديد الغسل بتجدد النقاء المحتمل.

ص: 260

إلي أن تعلم بحصوله، فتعيد الغسل و الصوم (1).

(مسألة 9): إذا استبرأت فخرجت القطنة ملوثة و لو بصفرة فإن كانت مبتدئة أو لم تستقر لها عادة أو عادتها عشرة بقيت علي التحيض (2)،

______________________________

(1) يعني الذي احتاطت بالاتيان به عند انقطاع الدم و تعذر الاستبراء، لو كان مما يقضي.

مسألة 9: إذا استبرأت فخرجت القطنة ملوثة و لو بصفرة
اشارة

(2) أما مع التلوث بالدم فهو المتيقن من النص و الفتوي. و أما مع التلوث بالصفرة فهو صريح المراسم و الروض، و مقتضي إطلاق التلطخ و نحوه في الوسيلة و الشرائع و التذكرة و المنتهي و غيرها، كما هو الظاهر من إناطة الطهر بالنقاء في النافع و القواعد و الإرشاد و الدروس.

بل لعله مراد بعض من عبر بخروج الدم ممن يري عموم حيضية الصفرة في أيام إمكان الحيض، لبعد خصوصية ما يخرج بنفسه من دون استبراء في ذلك. و هو متجه بناء علي العموم المذكور.

كما يتجه عليه الاكتفاء بالكدرة، كما هو ظاهر من سبق و صريح المراسم. لعدم الفرق بينهما في العموم المذكور.

لكن سبق المنع من ذلك، و أن حيضيتها مختصة بما يري في العادة أو قبلها بيومين، فيلزم الاقتصار علي ذلك. و لا سيما مع قرب انصراف الدم في نصوص الاستبراء إلي غير الصفرة، بل هو كالصريح من تقييده بالعبيط في المرسل، و ما في ذيل الصحيح من الحكم بالوضوء مع رؤية الصفرة بعد ذلك، و ما في الموثق من فرض الشك في الطهر مع رؤيتها.

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من حمل ما في ذيل الصحيح علي ما يري بعد مدة الاستظهار أو بعد العشرة، بعيد جدا، لرجوعه إلي إلغاء خصوصية الصفرة. مع أنه لا ينفع في بقية ما ذكرنا.

نعم، لا بد من الخروج عن ذلك لو كان الاستبراء في أيام العادة، فيكتفي

ص: 261

إلي تمام العشرة (1) أو يحصل النقاء قبلها (2).

______________________________

بالصفرة، لحكومة ما دل علي أن الصفرة في أيام الحيض حيض علي هذه النصوص، و لا مجال لتقييده بهذه النصوص و لا سيما مع أن تنزيلها علي غير أيام العادة أقرب عرفا من تنزيله علي ما يخرج بنفسه من دون إدخال قطنة، لابتناء الصفرة علي الخروج بقطنة كثيرا.

و لا سيما مع ما سبق في صحيح ثعلبة «1» من تعليل النهي عن نظر المرأة إلي نفسها في الليل بأنها قد تكون الصفرة و الكدرة، لظهوره في المفروغية عن بقاء الحيض في الجملة مع الصفرة و الكدرة الخارجتين بالاستبراء الذي هو المنصرف الشائع من نظر المرأة إلي نفسها في آخر الحيض. فلاحظ.

(1) يعني: مع الانقطاع عليها. أما مع التجاوز عنها فسيأتي الكلام فيه في المسألة العاشرة إن شاء اللّه تعالي.

(2) كما صرح به في المبتدأة في الشرائع و القواعد و الإرشاد و التذكرة و غيرها، بل في المدارك أنه إجماعي و نسبه في الدروس لظاهر الأصحاب في الدور الأول لها.

و يقتضيه- مضافا إلي عموم قاعدة الإمكان، و إطلاق نصوص الاستبراء، و أولويته من إلحاق الدم المنفصل الذي يري في ضمن العشرة- موثق عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة و عشرين يوما» «2» و قريب منه موثقة الآخر «3».

و موثق سماعة: «سألته عن الجارية أول ما تحيض فتقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة أيام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء. قال: فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت تري الدم ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدة أيام

______________________________

(1) الوسائل باب: 19 من أبواب الحيض، حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 262

______________________________

سواء فتلك أيامها» «1».

و أظهر من ذلك ما لو كان عادتها عشرة أيام. و لا استظهار هنا و إن استمر الدم إجماعا، كما في المستند. و يقتضيه جملة من النصوص «2».

و أما المضطربة فجريان الحكم فيها مقتضي إطلاق المنتهي و ظاهر جامع المقاصد، بل لعل مراد من ذكر ذلك في المبتدأة ما يعمها، لاقتصارهم في مقابلها علي ذات العادة.

و لعله لذا قال في كشف اللثام بعد ذكر حكم المبتدأة: «و لعل منها المضطربة عددا».

و يقتضيه- مضافا إلي ما تقدم من عموم القاعدة، و إطلاق نصوص الاستبراء، و الأولوية- إطلاق موثق سماعة، بل هي متيقنة منه.

نعم، في الدروس أنها تعتبر التمييز و الروايات في جميع أدوارها.

فإن أراد أنها تعتبرهما مع تجاوز الدم العشرة حتي بالإضافة إلي الدور الأول، حيث ينكشف عدم حيضية ما زاد عليهما من العشرة، و إن جاز لها ظاهرا التحيض في الدور الأول بتمام العشرة قبل انكشاف التجاوز، فهو لا ينافي ما سبق بناء علي ما عرفت من أن محل الكلام عدم التجاوز، إلا أنه يكون مطابقا لما ذكره في المبتدأة، مع ظهور كلامه في الفرق بينهما بالإضافة للدور الأول.

و إن أراد أنها تعتبرهما من أول الأمر فلا تبني علي حيضية تمام العشرة واقعا حتي مع عدم التجاوز، كان مخالفا لما سبق هنا، و كفي في رده ما تقدم.

و إن أراد أنها لا تبني علي حيضية تمام العشرة ظاهرا حتي ينكشف عدم التجاوز عن العشرة فتنكشف حيضية مجموعها، فالظاهر مخالفته لمساق كلماتهم و فقده للدليل، بل هو مخالف لموثق سماعة الظاهر في بيان الوظيفة الفعلية، و لنصوص الاستبراء المصرحة بالبناء علي الحيضية مع عدم النقاء، و لقاعدة الإمكان بناء علي ما سبق احتماله في الدم المنقطع من أن موضوعها الإمكان بلحاظ الموانع السابقة علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض.

ص: 263

و إن كانت ذات عادة دون العشرة فإن كان ذلك الاستبراء في أيام العادة فلا إشكال في بقائها علي التحيض (1). و إن كان بعد انقضاء العادة (2) بقيت علي التحيض استظهارا (3).

______________________________

الدم دون اللاحقة. فلاحظ.

الكلام في الاستظهار
في وجوب الاستظهار و عدمه لذات العادة بعد مضيها
اشارة

(1) لاتفاق نصوص الاستظهار و نصوص الاقتصار علي قدر العادة التي يأتي الكلام فيها علي التحيض في أيام العادة. بل لعله المتيقن من إطلاق نصوص الاستبراء و قاعدة الإمكان.

و يكفي فيها العادة العددية و إن لم تكن وقتية، بل يكفي لذات العادة الوقتية و العددية فيما لو تحيضت بالدم في غير أيام عادتها عدم مضي العدد، كل ذلك لإطلاق نصوص الاستبراء و بعض نصوص الاستظهار. و لا ينافي ذلك اختصاص بعضها بذات العادة الوقتية و العددية كنصوص الاقتصار علي العادة، كما لا يخفي.

نعم، بناء علي ما تقدم لا مجال للتحيض بالصفرة إلا في ضمن العادة الوقتية، لظهور نصوصها المتقدمة فيها، فلا تنفع العددية فقط في التحيض بالصفرة قبل انقضاء العدد. كما لا مجال للاستظهار مع الصفرة مطلقا و إن كانت العادة عددية و وقتية.

(2) يعني العددية و إن لم تكن وقتية، كما صرح به غير واحد، و نسب لتصريح جماعة، لظهور أدلة الاستظهار فيها. و يأتي الكلام في ذلك.

(3) أما أصل مشروعية الاستظهار لذات العادة فالظاهر عدم الإشكال فيه بينهم، و قد ادعي الإجماع عليه في المعتبر و التذكرة و الحدائق و المستند و المفاتيح و محكي شرحه، و نفي الخلاف فيه في جامع المقاصد.

و صريح الاستبصار و السرائر أنه واجب، كما حكاه غير واحد عن ظاهر المرتضي، بل هو ظاهر كل من ذكره و لم ينبه لعدم وجوبه. و لعله لذا نسبه في كشف اللثام لظاهر الأكثر.

ص: 264

______________________________

و تقتضيه النصوص الكثيرة الواردة في المستحاضة و فيمن يستمر بها الدم بعد وقتها «1» و النفساء «2» التي لا يبعد تواترها إجمالا و إن اختلفت في قدره علي ما يأتي التعرض لها، و ربما ادعي أنها تزيد علي التواتر. و ظاهرها الوجوب، لورودها في مقام بيان الوظيفة و سوقه فيها مساق التحيض في العادة.

لكن في جملة من النصوص أن مستمرة الدم و المستحاضة تقتصر علي أيام عادتها «3». و من ثم اختلفت أنظارهم في الجمع بينها أو استحكام التعارض الذي ينبغي النظر معه في المرجحات.

و المذكور في كلماتهم وجوه..
الأول: حمل أخبار الاستظهار علي الاستحباب،

كما احتمله في التذكرة و اعتمده في جامع المقاصد و الروض و محكي الذكري و البيان و غيرها، و عن شرح المفاتيح أنه المشهور، و نسبه في الروض و محكي اللوامع للأكثر، و في المدارك لعامة المتأخرين. و قد يرجع إليه ما في المنتهي من أن الاستظهار ليس علي الوجوب.

و يشكل بأن ظاهر كل من نصوص الاستظهار و نصوص الاقتصار علي العادة كون مضمونها الوظيفة اللازمة، فالجمع المذكور تصرف في كل منهما بلا شاهد. و إنما يتجه الجمع بالاستحباب مع الاقتصار في أحد الطرفين علي الترخيص.

مضافا إلي إباء بعض نصوص الاقتصار الحمل المذكور، كقوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة بعد حكاية أمر النبي المبتدأة بالتحيض ستة أيام أو سبعة: «الا تري أن أيامها لو كانت أقل من سبع و كانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما و هي مستحاضة غير حائض» «4» لظهوره في أن الأمر بالزيادة في ترك الصلاة علي العادة التي هي أمارة علي كون ما زاد عليها

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض و باب: 1 من أبواب الاستحاضة.

(2) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس.

(3) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض، و باب: 1، 2، 3 من أبواب الاستحاضة.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 265

______________________________

استحاضة مستنكر لا يصدر من النبي صلّي اللّه عليه و آله.

هذا و ربما استشكل في الوجه المذكور بأنه لا معني لاستحباب ترك العبادة بعد فرض مشروعيتها الموقوفة علي الأمر بها.

لكنه يندفع بأنه قد يتم لو كان الاستحباب واقعيا، لا في مثل المقام، حيث يكون ظاهريا احتياطا لتجنب العبادة حال الحدث المحتمل. مضافا إلي أنه يكفي في استحباب الاستظهار ملاحظة بقية أحكام الحائض.

الثاني: حمل أخبار الاستظهار علي الاباحة،

كما جعله أحد وجهي الجمع في المعتبر، و قد يرجع إليه ما سبق من المنتهي، و عن الذخيرة الجزم به.

و يشكل بأنه إن رجع إلي قصور نصوص الاستظهار عن إفادة الوجوب في نفسها بسبب ورود الأمر فيها مورد توهم الحظر لما فيه من احتمال التفريط بالعبادة حال الطهر، أشكل بأنه كما يحتمل الحظر لذلك يحتمل الوجوب دفعا للتفريط بتكاليف الحيض المحتمل، فالأمر بالاستظه ار في النصوص ظاهر في لزومه ظاهرا مع تردد الواقع بالنحو المذكور.

و إن رجع إلي لزوم الخروج عن ظاهر نصوص الاستظهار و هو الوجوب و حملها علي الجواز جمعا مع نصوص الاقتصار علي العادة- كما هو ظاهر المعتبر و المنتهي- أشكل بأنه مستلزم للتصرف في كلتا الطائفتين بلا شاهد، كما مر في سابقه، سواء أريد بذلك استحباب الاقتصار علي العادة أم إباحته أيضا.

و إن كان الوجه فيه ما سبق من امتناع استحباب الاستظهار فقد تقدم دفعه.

هذا مضافا إلي أن ما تقدم من مرسلة يونس الطويلة كما يأبي استحباب الاستظهار يأبي إباحته.

كما أن بعض نصوص الاستظهار آب عن إباحته، كموثق مالك بن أعين:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم. قال:

نعم، إذا مضي لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس

ص: 266

______________________________

بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثم يغشاها إن أحب» «1» بناء علي عدم الفرق بين الحيض و النفاس في ذلك، لقوة ظهوره في أن الاستظهار مانع للزوج من الوطء، و هو إنما يتجه مع مطلوبيته و لو استحبابا.

نعم، قد يظهر في إباحة الاستظهار صحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النفساء كم تقعد؟ فقال: إن أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن تغتسل لثمان عشرة و لا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين» «2».

لكنه مختص بمورده لو أمكن العمل به، و ليس الاستظهار فيه فيما بين العادة و العشرة الذي هو محل الكلام، فلا يكون شاهد جمع بين نصوص المقام.

الثالث: ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه من رفع اليد عن ظهور كلتا الطائفتين في الوجوب التعييني و حملهما علي الوجوب التخييري،

لأنه مقتضي الجمع العرفي الذي لا يحتاج إلي شاهد، مع البناء علي أفضلية الاستظهار لاختلاف أخباره في مقداره، مع التعبير في بعض نصوصه بالاحتياط «3»، الراجح عقلا و نقلا.

و فيه: أن اختلاف أخبار الاستظهار في مقداره قد يبعّد إرادة الوجوب التعييني منها، من دون أن يكون شاهدا بحملها علي الأفضلية، بل كما تحمل علي كونه واجبا تخييريّا تحمل علي التخيير بين المراتب.

و الاحتياط إنما يكون راجحا عقلا و شرعا إذا لم يكن مزاحما بمثله، كما في المقام، فالتعبير به هنا لا يدل علي أفضلية الاستظهار، بل يحمل الأمر به علي الوجوب التخييري، لو حملت عليه بقية نصوص الاستظهار.

كما أن الجمع بين الطائفتين بحملهما علي الوجوب التخييري ليس عرفيا، و لا سيما مع تنافي الوظيفتين المذكورتين فيهما عرفا.

بل لا معني للتخيير بين الفعل و الترك أو نحوهما مما لا ثالث له، لأن امتناع

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 15.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 7.

ص: 267

______________________________

الخلو عن الطرفين مستلزم للغوية الحكم بالتخيير بينهما شرعا.

و دعوي: أن الممتنع إنما هو التخيير بين مثل الصلاة و عدمها، لا التخيير بين البناء القلبي علي الحيضية المستلزم لحرمة الصلاة و البناء القلبي علي عدمها المستلزم لوجوبها.

مدفوعة بأن الاستظهار إنما يكون بترك العبادة و نحوه من أحكام الحائض، لا بالبناء علي الحيضية، كما أن ظاهر نصوص الاقتصار علي العادة لزوم فعل العبادة، لا بالبناء القلبي علي عدم الحيض، فالتخيير إنما يكون بين الفعل و الترك، لا بين البنائين، و لذا لا إشكال في عدم وجوب أحد البنائين، بل يكفي ترتب أحد الحكمين من دون بناء قلبي علي موضوعه.

هذا كله مضافا إلي إباء مرسلة يونس الطويلة عن هذا الوجه، لنظير ما تقدم في الوجه الأول.

الرابع: ما جعله في المعتبر أحد وجهي الجمع من حمل الاستظهار علي ما يغلب عند المرأة في حيضها.

و لا يخفي أنه بعد فرض كونها ذات عادة يبعد إرادته غلبة زيادة الحيض عليها، لأنه قد يوجب انقلاب العادة أو ارتفاع حكمها عندهم، فلا يبعد كون مراده غلبة عدم تجاوز الدم الزائد علي العادة عن العشرة الموجب لإلحاقه بالحيض، في مقابل ما إذا لم يكن الغالب تجاوزه، و إن لم يكن أصل الزيادة علي العادة غالبيا، فتحمل نصوص الاستظهار علي الأول و نصوص الاقتصار علي العادة علي الثاني.

و كيف كان، فهو كما تري جمع تبرعي بلا شاهد.

الخامس: ما احتمله في المدارك من حمل أخبار الاستظهار علي ما إذا كان الدم بصفة الحيض و أخبار الاقتصار علي العادة علي ما إذا كان فاقدا لها.

و قد يستدل عليه بما تضمن أن الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض، مؤيدا بعموم أخبار الصفات، و بما في مرسلة يونس المتقدمة في الاستبراء من اعتبار خروج الدم العبيط في الحكم بالحيضية، و بما في صحيح محمد بن مسلم المتقدم فيه

ص: 268

______________________________

أيضا من اعتبار خروج الدم و الحكم مع الصفرة بالوضوء.

و لا يخفي أن فقد صفة الحيض أعم من الصفرة، فإن كان المراد حمل نصوص الاقتصار علي العادة علي خصوص الصفرة و نصوص الاستظهار علي ما عداها، فنصوص الصفات لا تطابقه، و نصوص الاقتصار علي العادة آبية عنه جدا، لورودها في الدم المنصرف لغيرها و ظهور بعضها في كثرته، فلا تناسب كونه صفرة. نعم، تقدم أن مقتضي نصوص الصفرة عدم التحيض بها بعد العادة و إن لم تتجاوز العشرة.

و إن كان المراد حمل نصوص الاقتصار علي العادة علي مطلق فاقد الصفة و نصوص الاستظهار علي خصوص واجدها، فلا تطابقه نصوص الصفرة و لا نصوص الاستبراء.

و أما نصوص الصفات فهي- مع اختصاصها بغير ذات العادة- لا تقتضي الاستظهار في واجد الصفة الذي هو عبارة عن الاحتياط لاحتمال الحيض، بل البناء علي حيضيته لأمارية الصفة عليها، و لذا تقصر عما لو تجاوز الواجد للصفة العشرة لتعارض تطبيقها بالإضافة إلي أجزائه، فلا مجال لجعل نصوص الصفات مبينة للمراد من نصوص الاستظهار.

كما أن ظاهر نصوص الاقتصار علي العادة خصوصية العادة في تمييز الحيض عند اشتباه الدم، و لا تناسب دخل فقد الصفة في البناء علي عدم حيضية ما زاد علي العادة، فلا تكون نصوص الصفات مبينة للمراد من نصوص الاقتصار علي العادة، مع أن بعض نصوص الاستظهار يأبي الحمل علي واجد الصفة، كموثق سعيد بن يسار فيمن تري الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها «1»، المتقدم في حكم الدم المتقطع.

السادس: تقييد نصوص الاقتصار علي العادة بنصوص الاستظهار،

كما يظهر من المستند. و كأنه لدعوي: أن ترتيب أحكام الطهر بمجرد انقضاء أيام العادة إنما هو مقتضي إطلاق نصوص الاقتصار عليها لعدم أخذ أمر آخر زائد علي ذلك في موضوعها، فيتعين تقييده بما إذا مضت أيام الاستظهار عملا بنصوصه، لأنها أخص.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 8.

ص: 269

______________________________

و يشكل بإباء نصوص الاقتصار علي العادة عن الحمل علي ذلك، لقوة ظهورها في ترتيب أحكام الطهر بمجرد انقضاء العادة، بل ظهور بعضها في استنكار ترك العبادة بعدها، كما سبق عند الكلام في الوجه الأول.

و أما ما في الجواهر من أن التخصيص المذكور لازم للقائلين بالوجوب و الاستحباب.

فهو كما تري، لأن استحباب الاستظهار لو تم يبتني علي حمل نصوص الاقتصار علي الترخيص في التعجيل، ليلائم الاستحباب المذكور، لا إبقائها علي ظهورها في الوجوب لينافيه، فيحتاج لتخصيصه به كما ادعي تخصيصه بوجوب الاستظهار.

السابع: ما في الحدائق من حمل أخبار الاقتصار علي العادة- لو عمل بها و لم تحمل علي التقية،

علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي- علي مستقيمة الحيض و حمل أخبار الاستظهار علي غيرها، كما هو الغالب في ذات العادة.

و كأن مراده بالاستقامة عدم مخالفة حيضها للعادة بعد انعقادها بالمرتين في مقابل ما إذا كان يختلف عليها بالتقدم و التأخر و الزيادة و النقصان.

و قد استشهد لذلك بموثق عبد الرحمن أو صحيحه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت؟ قال: تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل … » «1» و موثق مالك بن أعين: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال: ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر، و يغشاها فيما سوي ذلك من الأيام … » «2».

و يناسبه- كما قيل- ما في مرسل داود مولي أبي المغراء فيمن حيضها دائم

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

ص: 270

______________________________

مستقيم سبعة أيام أو ثمانية، فتري الدم ثلاثة أيام ثم يتقطع عليها، حيث قال عليه السّلام:

«إذا رأت الدم أمسكت، و إذا رأت الطهر صلت فإذا مضت أيام حيضها و استمر بها الطهر صلت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة» «1»، حيث لم يحكم فيه مع الاستقامة بالاستظهار.

هذا و قد استبعد شيخنا الأعظم قدّس سرّه حمل نصوص الاستظهار علي غير مستقيمة الحيض. و لم يتضح وجه البعد فيه، و لا سيما مع ما يأتي منه من أنه مع الاستقامة تطمئن بتجاوز الدم العشرة، فيرتفع موضوع الاستظهار، و مع ما سبق من الحدائق من كون الغالب عدم الاستقامة.

نعم، قد يبعد حمل مرسلة يونس- التي هي من نصوص الاقتصار علي العادة- علي خصوص المستقيمة، بلحاظ ما تضمنته من تحديد العادة باستواء شهرين، و أنها تأخذ بما اتفقا فيه و تدع ما سواه، لقوة ظهورها في بيان تمام ما يعتبر في العادة التي جعلت مرجعا فيها، و لو اعتبرت الاستقامة مع ذلك كان المرجع فيها العادة الحاصلة من استواء تمام الأشهر السابقة علي الاستحاضة، لا استواء شهرين منها فقط، كما لعله ظاهر.

هذا مضافا إلي قصور النصوص المتقدمة عن أن تشهد بالجمع المذكور، لأن المرسل لما كان واردا في الدم المتقطع فهو أجنبي عما نحن فيه، مخالف لما دل علي أن ما يكون في ضمن العشرة فهو من الحيضة الأولي، و لذا تقدم حمله علي تجاوز الدم الجديد للعشرة أو رؤيته بعدها.

كما أنه لا يبعد ظهور موثق مالك في إرادة مطلق ذات العادة، لأن قوله عليه السّلام:

«و حيضتها مستقيمة» حال من جملة الصلة، لا شرط للاقتصار علي أيام الحيض بعد فرض تعيينها بعادة شرعية، كيف و لو أريد به استقامة الحيض في تمام الشهور لزم الاقتصار في

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 271

______________________________

الجواب علي الفرد غير الغالب، و هو بعيد جدا، و لا سيما مع كون الاقتصار علي العادة مع الاستقامة علي العادة أولي بأن يستغني عن البيان بسبب كونه ارتكازيا من وظيفتها مع عدم الاستقامة عليها، فلتحمل الاستقامة علي ما يقابل الاستحاضة. فلاحظ.

و أما حديث عبد الرحمن فقد استشكل فيه المحقق الخراساني قدّس سرّه و غيره بأن الظاهر من فرض الخلاف في القرء عدم انعقاد العادة للمرأة، فيرجع للتفصيل في الاقتصار و الاستظهار بين ذات العادة و غيرها، لا بين مستقيمة الحيض علي طبق العادة و غيرها، كما هو المدعي.

و أجاب عنه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن ظاهر التردد بين الشرطيتين فيه تقسيم أيام القرء المفروضة لها التي أمرت بالقعود فيها، لا فرضها غير ذات قرء. بل الاحتياط لها إنما يمكن إذا كانت ذات قرء معلوم محدد، ليمكن الزيادة عليه.

و فيه: أن الحديث لم يتضمن نسبة الاستقامة و الاختلاف للحيض بالإضافة للقرء، ليكون شاهدا لما في الحدائق، بل لنفس القرء، و حيث كان المعتبر في انعقاد العادة اتفاق القرء، فلا مجال لاستفادة تحققها في صورتي الاستقامة و الاختلاف.

نعم، فرض القرء مع الاختلاف قد يناسب قلة التفاوت بين الأقراء، بحيث يصح إطلاق القرء عرفا علي القدر المشترك بينها، و بلحاظه يفرض الاحتياط بالزيادة عليه يوما أو يومين.

فإن أمكن العمل به، و إلا تعين طرحه، لا حمله علي خلاف ظاهره من التفصيل المذكور، ليكون شاهدا للجمع به بين النصوص.

مضافا إلي ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من اختصاصه بالمستحاضة الظاهرة في مستمرة الدم مدة طويلة، فلا يكون شاهد جمع بين نصوص الاستظهار و الاقتصار الواردة في غيرها، بل غاية ما ينهض به التفصيل في الاستظهار بالإضافة إليها لو قلنا بثبوته فيها في الجملة، علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

الثامن: ما قرّبه شيخنا الأعظم قدّس سرّه من إبقاء أخبار الاستظهار علي ظهورها في الوجوب

ص: 272

______________________________

و حملها علي راجية انقطاع الدم و عدم تجاوزه عن العشرة، كما هو مقتضي التعبير في بعضها بالاحتياط «1» و التربص «2» و الانتظار «3»، حيث يظهر منها احتمال كون الدم حيضا بسبب انقطاعه علي العشرة.

و كذا ما تضمنته جملة منها من أنها إن طهرت فلتغتسل، و إلّا فهي مستحاضة «4»، حيث يظهر منه توقع الأمرين.

بل لما كان الاستظه ار طلب ظهور الحال كان المراد به في المقام الانتظار ليظهر حال الدم، و أنه ينقطع علي العشرة ليكون بتمامه حيضا، أو يتجاوزها ليكون ما زاد علي العادة منه استحاضة، و لا موضوع لذلك مع اليأس عن الانقطاع.

و أما أخبار الاقتصار علي العادة فتحمل علي اليائسة عن الانقطاع علي العشرة، إما جمعا مع نصوص الاستظهار بعد فرض تنزيلها علي الراجية، كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه بل قال: «بل اليأس بنفسه استظهار لتجاوز الدم، فلا يكون معه استظهار».

أو لما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن موردها الدمية التي يستمر بها الدم شهورا أو سنين، حيث يغلب علي ظنها عدم انقطاعه بالصبر يوما أو يومين، و من هي مثلها، كمستقيمة العادة- كما في النصوص المتقدمة في الوجه السابق- حيث تعلم عادة بسبب استقامة حيضها عدم انقطاع الدم الزائد علي العشرة ليزيد حيضها علي عادتها.

و كذا النفساء، حيث يغلب تجاوز دمها عن العشرة، و لا بد من تنزيل ما تضمن الاستظهار لها علي راجية الانقطاع، كما يقتضيه التعبير فيها بأنها إن طهرت و إلا فهي بمنزلة المستحاضة «5».

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8، 10، 12.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1، 11.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1، 11.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1، 4 و باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5، 10 و باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3، 11.

ص: 273

______________________________

و فيه: أن التعبير بالاحتياط و إن كان ظاهرا في الاحتمال، إلا أن الظاهر منه احتمال الحيض، و لا إشعار فيه بتفرع احتماله علي احتمال الانقطاع قبل العشرة و عدمه.

و أما التعبير بالتربص و الانتظار فإنما يراد به التربص بالصلاة و الانتظار فيها، من دون أن يشعر بأن موضوعه الاحتمال المذكور.

كما أن ما تضمنته من أنها إن طهرت بعد الاستظهار فلتغتسل و إلا فهي مستحاضة فلا ظهور له في أخذ احتمال الانقطاع في موضوع الاستظهار.

بل هو وارد لبيان جريان حكم المستحاضة بعد الاستظهار لدفع توهم بقاء حكم الحيض، كما في مثل قوله عليه السّلام في موثق سماعة: «فإن كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها، فإذا تربصت ثلاثة أيام و لم ينقطع عنها الدم فلتصنع كما تصنع المستحاضة» «1».

أو لبيان وظيفة المستحاضة و شرحها، كما في مثل قوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين، فإن انقطع عنها الدم و إلا اغتسلت و احتشت … فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت … و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد … » «2».

بل حيث كان ظاهره ابتداء حكم الاستحاضة بعد الاستظهار لا انكشاف ثبوته من حين انقضاء العادة كان مقتضاه عدم دخل احتمال الانقطاع في مشروعيته، إذ لو كان دخيلا لانكشف بالاستمرار بعده كون الدم في مدته دم استحاضة.

و أما الاستظهار فليس المراد به طلب ظهور الحال، بل هو لغة الاحتياط و الاستيثاق، كما في نهاية ابن الأثير و لسان العرب و مجمع البحرين، و يناسبه كثير من اشتقاقاته، و قد ذكروا أن منه الحديث: «أنه صلّي اللّه عليه و آله أمر خراص النخل أن يستظهروا» أي:

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 274

______________________________

يحتاطوا لأربابها و يدعوا لهم قدر ما ينوبهم و ينزل بهم من الأضياف و أبناء السبيل. و به فسر الأخيران الاستظهار في المقام.

بل لا ينبغي التأمل في ذلك مع ما هو المقطوع به من أن المراد به في المقام ترتيب أحكام الحائض الذي يكون به الاحتياط لاحتمال الحيض، و لا دخل لها في استكشاف حال الدم من حيثية الانقطاع و عدمه.

و من هنا كان الظاهر عدم القرينة علي تنزيل نصوص الاستظهار علي راجية الانقطاع.

كما أن تنزيل نصوص الاقتصار علي العادة علي اليائسة عن انقطاع الدم علي العشرة إن كان للجمع بينها و بين نصوص الاستظهار فهو متفرع علي حمل نصوص الاستظهار علي الراجية الذي عرفت خلوه عن القرينة.

و إن كان بلحاظ مواردها فهو غير ظاهر، أما في الدمية فلأنها و إن كانت قد تعلم أو تطمئن باستمرار الدم فيما لو كان كثيرا و كانت العادة قريبة من العشرة، إلا أنه قد لا يحصل لها ذلك لو قل الدم خصوصا مع بعد العادة عن العشرة.

و أظهر منها مستقيمة الحيض، لوضوح أن استقامة الحيض ليست أمارة علي عدم انقطاع الدم علي العشرة، بل علي عدم حيضية ما زاد علي العادة و إن انقطع عليها، و الحكم بحيضيته حينئذ- لو تم- إهمال لأماريتها.

كما أن النفاس لا يستلزم أحد الأمرين. و تنزيل كل من الطائفتين الواردتين فيه علي أحدهما بلا شاهد. بل اليأس عن الانقطاع في غير الدمية الكثيرة الدم بعيد جدا، فيبعد تنزيل نصوص الاقتصار عليه.

ثم إن سيدنا المصنف قدّس سرّه بعد أن قرب حمل نصوص الاقتصار علي العادة علي اليائسة عن الانقطاع بما تقدم ذكر أن الأقرب حملها علي الحكم الواقعي للمستحاضة، لأنه الظاهر من غير واحد من النصوص، بل هو المقطوع به في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سمعته يقول: المرأة المستحاضة تغتسل التي لا تطهر

ص: 275

______________________________

عند صلاة الظهر «1» … و لا بأس بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلا أيام حيضها فيعتزلها زوجها» «2» و مرسلة يونس الطويلة المتضمنة رجوع المستحاضة إلي أيام أقرائها قلت أو كثرت «3».

و ليست واردة لبيان الحكم ظاهرا علي الدم بأنه استحاضة مع احتمال انقطاعه علي العشرة كي يكون معارضا لنصوص الاستظهار. و لو فرض ظهور بعض نصوص الاقتصار علي العادة في الحكم الظاهري تعين حمله علي الحكم الواقعي جمعا بين النصوص.

و يشكل ما ذكره بأن نصوص الاقتصار علي العادة لم تتضمن حيضية خصوص ما فيها علي تقدير تجاوزه عن العشرة كي لا تكون متعرضة للوظيفة مع الشك في التجاوز، و لا تنافي نصوص الاستظهار لو تمت دلالتها علي حكم الشك فيه و غض النظر عما سبق، و إنما تضمنت الإرجاع للعادة في تمييز الحيض من الاستحاضة، و مقتضاه أمارية العادة علي نفي حيضية ما زاد عليها و إن انقطع علي العشرة، فضلا عما إذا احتمل انقطاعه عليها، فتنافي نصوص الاستظهار الظاهرة في عدم حجيتها علي نفي حيضيته و أنه لا بد فيه من الاحتياط فيه مدة معينة.

و لم يتضح وجه خصوصية الصحيح و المرسلة الموجبة للقطع بإرادة الحكم الواقعي منهما، غاية الأمر أنهما تضمنا استمرار الدم و عدم الطهر منه، و هو- مع عدم اختصاصه بهما لظهور المستحاضة في ذلك في جميع النصوص- لا يراد به التجاوز عن العادة و الاستمرار لما بعد العشرة، ليكون الكلام مسوقا لبيان حيضية خصوص ما في العادة واقعا علي تقدير الاستمرار من دون نظر للوظيفة مع الشك فيه. بل سبق استمرار الدم إلي حين الرجوع للعادة من دون نظر لتجاوزه عن العشرة بعد ذلك، لكفاية ذلك في صدق المستحاضة و قابليته للإدراك و لا طريق غالبا للعلم بالتجاوز عن العشرة.

______________________________

(1) هكذا في الوسائل الطبعة الحديثة. و في الكافي [ج: 1 ص: 90] و التهذيب [ج: 1 ص: 171]: (قال:

المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر … ) و في موضع آخر من التهذيب [ج: 1 ص: 401] بسند موثق:

(سمعته يقول: المرأة المستحاضة التي لا تطهر قال: تغتسل عند صلاة الظهر … ).

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 276

______________________________

إلا أن يرجع إلي ما سبق من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من يأس الدمية عن الانقطاع، الذي لو تم- و غض النظر عما سبق فيه- لا يوجب ظهور نصوصها في بيان الحكم الواقعي لصورة الانقطاع، بل اختصاص الوظيفة التي تضمنتها بصورة اليأس، فيكون وجها للجمع مع نصوص الاستظهار، علي ما سبق الكلام فيه.

و الذي تحصل من جميع ما تقدم أن حمل نصوص الاستظهار علي صورة رجاء الانقطاع علي العشرة و نصوص الاقتصار علي العادة علي صورة اليأس منه أو علي بيان الحكم الواقعي لصورة عدم الانقطاع لا شاهد له من النصوص المذكورة فلا مجال للبناء عليه في مقام الجمع بين النصوص و رفع التنافي بينها.

نعم، لو ثبت أن الحكم الواقعي هو حيضية خصوص ما في العادة علي تقدير تجاوز الدم عن العشرة، و حيضية تمام ما في العشرة علي تقدير الانقطاع عليها، فحيث كانت نصوص الاستظهار ظاهرة في الوظيفة الظاهرية مع الشك في حال الدم اختص موردها بالشك في الانقطاع، و إن لم يتم ما سبق من القرائن في تقريب كلام شيخنا الأعظم قدّس سرّه. و حينئذ قد يتعين حمل نصوص الاقتصار علي العادة علي صورة العلم بالتجاوز جمعا.

لكن الظاهر ابتناء الحكم الواقعي المذكور علي كيفية الجمع بين الطائفتين من النصوص، علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي، فلا يكون شاهدا علي الجمع بينهما.

علي أن بعض نصوص الاقتصار قد يأبي الحمل علي العلم بعدم الانقطاع، لندرته في موردها، كما سبق. فتحمل علي صورة الشك فيه و تعارض نصوص الاستظهار في الوظيفة الظاهرية. فلاحظ.

التاسع: هو تخصيص أخبار الاقتصار علي العادة بالدامية التي يستمر دمها من الدور الأول إلي الثاني فما زاد

ما عن الوحيد في شرح المفاتيح، و قد يظهر من الحدائق، و مال إليه في الجواهر، بل قد يظهر من جملة من الأصحاب و إن لم يوضح في كلماتهم، و هو تخصيص أخبار الاقتصار علي العادة بالدامية التي يستمر دمها من الدور الأول إلي الثاني فما زاد، و تبقي أخبار الاستظهار في الدور الأول للمستمرة الدم المذكورة و لمن يتجاوز دمها العادة من دون أن يستمر.

ص: 277

______________________________

و يقتضيه موثق إسحاق بن جرير في استئذان امرأة علي أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيه:

«فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها؟ قال: إن كانت أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة. قالت: فإن الدم يستمر بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين..» «1».

فإن ذيله صالح للقرينية علي أن المراد بالصدر تجاوز الدم أيام الحيض في أول رؤيته، لو لم يكن ذلك هو الظاهر منه في نفسه، لانصراف قولها: «تحيض … » إلي الحيض الحاصل من ابتداء رؤية الدم، دون ما يحكم بحيضيته في الأشهر اللاحقة مع استمراره.

كما أن ظاهر الذيل بيان الوظيفة في الدم المستمر شهرا فما زاد من حين بلوغه الشهر، لا من أول الأمر، لظهوره في فعلية الخطاب بالجلوس قدر أيام الحيض، لا أنه مقتضي وظيفتها الواقعية في الكل و إن لم يمكن العمل عليها من أول الأمر، لعدم انكشاف الاستمرار إلا بعد مضي الشهر. و لا سيما مع تضمن الصدر بيان الوظيفة في أول الدم المذكور، حيث يبعد جدا مع ذلك سوق الذيل لبيان لزوم تدارك ما فات في يوم الاستظهار الذي تضمنه الصدر.

كيف و لو كان عليه السّلام بصدد ذلك كان المناسب بيانه في جواب السؤال الأول، لتعلقه به و شدة الاحتياج لبيانه بسبب لزوم انكشاف حال الاستمرار، لا انتظار بيانه للسؤال الثاني الذي لا قرينة علي توقعه حين السؤال الأول، بل يظهر من حال المرأة توجهها له بعد استكمال معرفة الوظيفة في مورد السؤال المذكور.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن ظاهر الذيل بيان الحكم الواقعي لمستمرة الدم، سواء أراد أن ذلك هو الظاهر منه في نفسه أم بمقتضي الجمع بينه و بين الصدر.

و أشكل منه ما لو كان مراده ظهوره في الحكم الواقعي لمستمرة الدم بالنحو

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 278

______________________________

الذي لا ينافي ثبوت الاستظهار حتي في الدور الثاني و ما بعده لو احتمل عدم التجاوز عن العشرة بعد استكمال أيام الحيض، كما هو المناسب لما سبق منه قدّس سرّه من حمل نصوص الاقتصار علي العادة علي ذلك.

لما تقدم من الإشكال في الحمل المذكور، و لا سيما في الموثق، لأن سبق التنبيه علي الاستظهار في صدره موجب لقوة ظهور إهماله في الذيل في عدم مشروعيته، و في ثبوت الفرق بين مورديهما فيه.

ثم إن ظاهر الموثق أن المسؤول عنه- و لو بنحو القضية الحقيقية- في كل من الصدر و الذيل امرأة واحدة سئل أولا عن حكم تجاوز دمها عن عادتها، و ثانيا عن حكم استمراره بعد ذلك إلي شهر أو أكثر، كما يشهد به التعبير عن المسؤول عنه في الذيل بضمير عائد للمرأة المذكورة في الصدر.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 279

فلا مجال لما عن بعض مشايخنا من عدم ورودهما في امرأة واحدة، بل هما سؤالان مستقلان، فلا مجال لتحكيم أحدهما علي الآخر و جعله قرينة علي المراد به.

علي أن كونهما سؤالين مستقلين لا يمنع من قرينية أحدهما علي الآخر بعد ورودهما في مجلس واحد و سياق واحد، و لا سيما مع تفريع أحدهما علي الآخر بالفاء.

و الحاصل: أنه لا إشكال في ظهور الموثق في التفصيل المذكور.

كما أن هذا التفصيل ملائم لجملة من النصوص، لصراحة بعض نصوص الاقتصار علي العادة في أن موردها التجاوز عن العادة في أول رؤية الدم، كموثق سماعة فيمن تعجل بها الدم «1» المتقدم في الوجه السابق، و موثق سعيد بن يسار فيمن تري الدم الرقيق بعد طهرها «2».

و هو الظاهر من كثير من نصوص الاستظهار، للتعبير في بعضها بمثل قوله:

«المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها … » «3» أو: «رأت الدم في حيضها … » «4» و نحوهما مما يظهر منه حدوث الحيض بتجدد الدم، لا باستمراره، و للسؤال في بعضها عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 12.

ص: 279

______________________________

حكم التجاوز مع ظهوره في المفروغية عن جلوسها مدة العادة، كحديث زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال: تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة» «1» و غيره، لوضوح أن ذلك لا يتجه في المستمرة في الدور الثاني، لاحتياج جلوسها مدة العادة للبيان، و لا يحتاج من اطلع عليه للسؤال عما زاد عليها، لأن ما اطلع عليه من البيان إما أن يتكفل بالاقتصار أو الاستظهار، أما في الدور الأول فالجلوس مدة العادة يكون بمقتضي طبع المرأة، و إنما يسأل عما زاد عليها، لخروجه عن مقتضي طبعها. فلاحظ.

كما أن بعض نصوص الاقتصار علي العادة صريح في أن موردها التي لا تطهر بين الحيضتين، كصحيح عبد اللّه بن سنان «2» المتقدم في الوجه السابق، و هو المتيقن من مرسلة يونس الطويلة، لصراحتها في ورود بعض سنن المستحاضة في المستمرة كثيرا، فتكون هي المتيقنة من مورد السنن الأخري و منها سنة ذات العادة، بل حيث كان المفروض فيها سؤال ذات العادة من النبي صلّي اللّه عليه و آله عن حكمها و تحيرها بسبب استمرار الدم، يبعد حملها علي الدور الأول، لأنها تتحيض فيه بعادتها بمقتضي طبعها بلا حاجة للسؤال و إنما تسأل عن حكم الاستمرار بعده، لخروجه عن مقتضي طبعها.

و من هنا كانت هاتان الطائفتان من النصوص بنفسها شاهدة للتفصيل المذكور أو مؤيدة له، حيث قد تكون شاهدة لتنزيل المطلقات علي ما يناسبها.

و إنما الإشكال فيه في منافاة بعض النصوص له بنحو لا يمكن تنزيلها عليه، كما ادعاه غير واحد، حيث ادعي أن بعض أخبار الاقتصار علي العادة ظاهر في الدور الأول، و بعض أخبار الاستظهار ظاهر في الدور الثاني.

أما الأولي فقد عدّ منها شيخنا الأعظم قدّس سرّه مرسل داود مولي أبي المغراء «3» المتقدم في الوجه السابع، و صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: النفساء تكف عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 280

______________________________

الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها، ثم تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة» «1» و نحوه في النفساء حديث عبد الرحمن بن أعين «2»، و ما في مرسلة يونس القصيرة من قوله عليه السّلام: «و كل ما رأته المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «3».

و قوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة بعد حكاية أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله حمنة بنت جحش بالتحيض ستة أيام أو سبعة: «ألا تري أن أيامها لو كانت أقل من سبع و كانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما و هي مستحاضة غير حائض» «4».

و قوله عليه السّلام فيها في بيان العادة: «فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتي يوالي عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم أن ذلك قد صار لها خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما سواه و تكون سنتها فيما تستقبل إن استحاضت قد صارت سنة إلي أن تجلس أقراءها و إنما جعل الوقت أن توالي عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك» «5».

و أما الثانية فلأن بعض أخبار الاستظهار واردة في المستحاضة الظاهرة في الدامية، كحديث عبد الرحمن المتقدم في الوجه السابع «6»، و موثق زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: يجب للمستحاضة أن تنظر إلي نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر علي ذلك بيوم» «7». و خبر زرارة عنه عليه السّلام: «قال: المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين» «8»، و موثق زرارة و فضيل عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: المستحاضة تكف عن الصلاة

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب الحيض حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(7) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 5.

(8) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 14.

ص: 281

______________________________

أيام قرئها و تحتاط بيوم أو اثنين ثم تغتسل … » «1» و نحوه خبر إسماعيل الجعفي «2».

لكن الظاهر عدم نهوض كلتا الطائفتين بالمنع من التفصيل المذكور. أما نصوص الاقتصار علي العادة فلأن مرسل داود- مع ضعفه في نفسه- وارد في الدم المتقطع، و هو أجنبي عما نحن فيه كما سبق في الوجه السابع. و صحيح زرارة و حديث عبد الرحمن واردان في النفساء، و لا ملزم بالالتزام بكونها بحكم الحائض في الحكم المذكور.

و مرسلة يونس القصيرة مخالفة لنصوص الاستظهار علي جميع وجوه الجمع المذكورة و منها الوجه الذي التزم به شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

كما أنها مخالفة في الجملة لما تضمن أن ما يري في ضمن العشرة فهو من الحيضة الأولي، فلا مجال للالتزام بظاهرها بعد تظافر النصوص المذكورة و الاتفاق علي العمل بها في الجملة، بل لا بد من حملها علي الصفرة أو طرحها، كما سبق عند الكلام في الدم المتقطع.

و الفقرة الأولي من مرسلة يونس الطويلة واردة في امرأة خاصة، و لا إطلاق لها يشمل الدور الأول، بل لعل ظاهرها ما بعده، لتحيض المرأة بالدم في الدور الأول بمقتضي طبعها بلا حاجة للسؤال، و إنما تحتاج له بعد الاستمرار و خروجها عن وضعها الطبيعي.

و دعوي: أن اللازم إلغاء خصوصية الدور بعد ظهورها في استنكار ترك الصلاة في غير العادة.

مدفوعة بأن موضوع الاستنكار ترك الصلاة حال عدم الحيض، فهو متفرع علي حجية العادة في نفي حيضية ما خرج عنها، فمع قصور الإطلاق عن حجية العادة علي ذلك في بعض الأدوار لا موضوع لعموم الاستنكار.

كما أن الفقرة الثانية و إن كان ظاهرها بدوا الرجوع للعادة مطلقا، إلا أن ورودها في شرح موضوع السنة الأولي و الاستدل ال فيها علي حجية العادة بالنبوي الوارد في تلك السنة موقوف علي شمول إطلاق النبوي للدور الأول، و هو في حيز

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

ص: 282

______________________________

الإشكال أو المنع، كما سبق.

علي أنه لو تم إطلاق الفقرتين لزم تنزيلهما علي غير الدور الأول لدليل التفصيل المتقدم. و ليسا نصا في الشمول للدور الأول لينافيا الدليل المذكور.

و أما نصوص الاستظهار فحديث عبد الرحمن قد سبق في الوجه السابع ظهوره في ثبوت الاستظهار مع اختلاف القرء قليلا و إن لم تنعقد العادة الشرعية، و هو أجنبي عما نحن فيه.

علي أنه لو فرض ظهوره في اختلافه بعد انعقاد العادة كان شاهدا علي التفصيل في هذا التفصيل، و أن الاقتصار علي العادة مشروط باستقامة الحيض، و هو أمر آخر يأتي الكلام فيه، و لا يشهد ببطلان التفصيل المذكور.

و موثق زرارة و محمد بن مسلم وارد في المبتدأة- كما اعترف به شيخنا الأعظم قدّس سرّه- لأنها هي التي ترجع إلي أقراء نسائها، و ثبوت الاستظهار لها زائدا علي أقرائهن- لو تم- لا يستلزم ثبوته لذات العادة زائدا علي عادتها، لينافي التفصيل المذكور.

كما أن خبر زرارة- مع عدم وضوح حجيته- لم يتضمن كون المستحاضة ذات عادة، بل لعلها مبتدئة ترجع إلي عادة نسائها، فيناسب موثق زرارة و محمد بن مسلم.

و أما خبر الجعفي فضعفه مانع عن رفع اليد به عن هذا التفصيل الذي اقتضته الأدلة. فلم يبق إلا موثق زرارة و فضيل. و عن بعض مشايخنا الإشكال فيه بضعف السند، لضعف طريق الشيخ إلي علي بن الحسن بن فضال. لكن سبق في تحديد سن اليأس الاعتماد علي الطريق المذكور.

و الذي ينبغي أن يقال: مبني منافاته و منافاة غيره مما تضمن الاستظهار للمستحاضة للتفصيل المذكور هو دعوي ظهور المستحاضة في مستمرة الدم بين الحيضتين، كما يناسبه ما في بعض عبارات لسان العرب من أن المستحاضة من لا يرقأ دم حيضها و لا يسيل من المحيض. و هي و إن فسرت فيه أيضا بمن يسيل دمها من غير المحيض، بل اقتصر علي ذلك في القاموس و مجمع البحرين، و هو شامل لمن لا يستمر

ص: 283

______________________________

الدم بين حيضتيها، إلا أنه لا يناسب النصوص الكثيرة المتضمنة أنها تجلس أيام قرئها، لظهورها في صدق المستحاضة عليها أيام القرء.

كما لا يناسب ما في صحيح يونس بن يعقوب فيمن يتقطع عليها الدم من أنها تصلي كلما رأت الطهر و تدع الصلاة كلما رأت الدم، ثم قال عليه السّلام: «تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم و إلا فهي بمنزلة المستحاضة» «1»، لظهوره في عدم كونها مستحاضة حقيقة، بل بحكمها. و لا ينافيه تطبيق المستحاضة عليه في أكثر نصوص الاستظهار و غيرها، لإمكان كونه تنزيليا لا حقيقيا.

و من هنا ينبغي حمل التعريف الثاني علي من اتصل دم حيضها بدم غيره، حتي يشتبه أحدهما بدوا بالآخر، فيرجع التعريفان إلي أمر واحد. و حينئذ لا مجال لحمل الصحيح و نحوه علي خصوص الدور الأول، لأن المرأة لا تعلم غالبا بكونها مستحاضة بالمعني المذكور إلا في الدور الثاني، فلا يكون الاستظهار فعليا صالحا لأن يعمل عليه إلا إذا شمل الدور الثاني فلا مجال لإخراجه عنه، بل يكون متيقنا منه، و ينافي التفصيل المذكور.

لكن تكرر في لسان العرب تفسير المستحاضة أيضا بأنها التي يستمر دمها بعد أيامها، و عليه اقتصر في الصحاح و مختاره و نهاية ابن الأثير. و من هنا لا يبعد أن يكون تعريفها بأنها التي يخرج دمها من غير المحيض بلحاظ ذات الدم و واقعه، كما تضمنته النصوص أيضا «2».

و به تصدق علي من يكون دمها المذكور قليلا غير متصل بدم الحيض، كما ورد في صحيح صفوان فيمن تري الطهر ثلاثة أيام بعد عشرة الحيض ثم تري الدم، و فيه: «هل تمسك عن الصلاة؟ قال: لا، هذه مستحاضة» «3». و في مرسل داود مولي أبي المعزي المتقدم: «فإذا مضت أيام حيضها و استمر بها الطهر صلت، فإذا رأت الدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4، 1، و باب: 5 منها حديث: 1، و باب: 12 منها حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 3.

ص: 284

______________________________

فهي مستحاضة» «1».

و بهذا المعني وقعت موردا للتقسيم إلي الأقسام الثلاثة ذات الأحكام الخاصة.

أما عنوان المستحاضة فلم يطلق عليها بلحاظ ذلك، بل بلحاظ اختلاط دمها بدم الحيض، حتي كأنه بقاء له. و إليه يشير تعريفها بأنها التي يستمر دمها بعد أيامها، لأن غالب اختلاط الدميين إنما يكون بذلك.

و لعله عليه جري إطلاقه علي مستمرة الدم بعد أيام الاستظهار في جملة من النصوص «2». كما قد يكون بلحاظ ذلك التنزيل في صحيح يونس المتقدم، فالدم المذكور فيه و إن كان استحاضة بلحاظ ذاته، إلا أن عنوان الاستحاضة لا يصدق عليه إلا تنزيلا.

نعم، الظاهر أن المعيار في ذلك مطلق استمرار الدم بعد الحيض و لو لم يحرز الحيض بالعادة، بل بقاعدة الإمكان، كما في المضطربة و المبتدأة. و عليه جري ما في موثق ابن بكير: «قال في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة:

انها تنتظر بالصلاة، فلا تصلي حتي يمضي أكثر ما يكون من الحيض … » «3» و غيره.

و أما تعريفها بأنها التي لا يرقأ دمها- الذي تقدم من لسان العرب- فلا يبعد رجوعه للمعني المذكور، بأن يكون المراد به عدم انقطاعه في الوقت الذي ينبغي انقطاعه فيه، و هو وقت انتهاء الحيض. و ربما يكون بلحاظ قسم منه، و هي التي يعبر دمها ما بين الحيضتين، لأنها التي جرت فيها السنن الثلاث المشهورة، حيث قد يكون لها نحو من التميز بسببها أو بسبب آخر.

و كيف كان، فلا مجال لدعوي اختصاص المستحاضة لغة و عرفا بذلك، غاية الأمر أنها قد تستعمل فيه، مع كون المعني بمقتضي أصل الاشتقاق متقوما باستمرار الدم بعد الحيض، و يناسبه جملة من الاستعمالات المتقدمة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 285

______________________________

و من هنا قد يكون ذلك هو المراد في موثق زرارة و فضيل و نحوه مما تضمن الاستظهار، فيمكن تنزيلها علي ما يناسب التفصيل المذكور، بحملها علي خصوص الدور الأول، فتكون واردة لبيان حكم ابتداء الاستحاضة و حدوثها، دون بقائها، و لا يلزم منه كون الحكم بالاستظهار غير فعلي، للاطلاع علي موضوعه حين حدوثه.

و من هنا لا معدل عن هذا التفصيل بعد نهوض الموثق به، و ملائمته لصريح جملة من نصوص الاستظهار و الاقتصار و للمتيقن منها، و إمكان تنزيل بقية النصوص عليه.

و لا سيما مع وهن بقية الوجوه المذكورة للجمع، كما يظهر مما سبق. و مع تأيده بأن حيضية ما زاد علي العادة في أول استمرار الدم مقتضي قاعدة الإمكان و منافية لأمارية العادة علي عدم حيضية ما زاد عليها، حيث يناسب ذلك تشريع الاستظهار في مورد التعارض المبتني علي التحيض لاحتمال الحيض لا لإحرازه.

أما في الدور الثاني فلا مجال لقاعدة الإمكان، لأنها تقتضي حيضية الدم قبل العادة بمضي أقل الطهر من الحيضة السابقة، فإرجاع الشارع للعادة مبني علي رفع اليد عنها، فتنفرد أمارية العادة في نفي حيضية ما زاد عليها، المناسب للتعويل عليها و عدم تشريع الاستظهار. فإن ذلك موجب لارتكازية الجمع المذكور بين النصوص جدا.

و لعله لذا نسب هذا التفصيل لظاهر النص و الفتوي في كلام بعضهم، كما حكاه شيخنا الأعظم قدّس سرّه عنه، و إن لم يتضح لنا عاجلا، بل استظهر قدّس سرّه عدم الخلاف في عدم استظهار الدامية، و إن خصه قدّس سرّه باليائسة عن الانقطاع بالاستظهار جريا علي مبناه المتقدم. فلاحظ.

بقي في المقام أمور..
الأول: أنه ظهر مما تقدم أنه لا مجال من طرح نصوص الاقتصار علي العادة

لما في المستند و احتمله في الحدائق من طرح نصوص الاقتصار علي العادة لأنها موافقة للمشهور بين العامة، حيث لم ينقل الاستظهار إلا عن مالك في التذكرة و المنتهي.

لأن الترجيح بموافقة العامة فرع استحكام التعارض و تعذر الجمع العرفي، لا

ص: 286

______________________________

مع إمكانه كما تقدم. بل لو فرض استحكام التعارض بينها لم يحتج للترجيح بمخالفة العامة بعد استفاضة نصوص الاستظهار و تسالم الأصحاب علي العمل بها الموجب لقطعية مضمونها.

و منه يظهر الإشكال فيما عن بعض مشايخنا من أنه لا يبعد ترجيح نصوص الاقتصار علي العادة، لموافقتها لعموم أحكام الطاهر، لأن الترجيح بموافقة الكتاب مقدم رتبة علي الترجيح بمخالفة العامة.

وجه الإشكال: أن الترجيح فرع إمكان رفع اليد عن أخبار الاستظهار. مع أن موافقة أخبار الاقتصار علي العادة لعموم أحكام الطاهر موقوف علي إحراز كون المرأة طاهرا، و العموم لا ينهض به بعد كون الشبهة مصداقية.

نعم، يشكل الترجيح بمخالفة العامة مع موافقة مثل مالك ممن له ظهور فيهم و لا يعد قوله شاذا عندهم. فلو فرض استحكام التعارض لزم التساقط و الرجوع لما يقتضيه الأصل. و يأتي الكلام فيه في الأمر الرابع إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: أن ظاهر النصوص بمجموعها التفصيل بين الدورين في وجوب الاستظهار و وجوب الاقتصار علي العادة،

فلا مجال للبناء في الدور الأول علي استحباب الاستظهار أو إباحته مع مشروعية الاقتصار علي العادة، و لا في الدور الثاني علي استحباب الاقتصار علي العادة أو جوازه مع مشروعية الاستظهار.

بل الفقرة الأولي المتقدمة من مرسلة يونس الطويلة كالصريحة في وجوب الاقتصار علي العادة و عدم مشروعية الاستظهار، و قد سبق أن الدور الثاني متيقن منها، أو هي محمولة عليه جمعا بين النصوص.

نعم، قد يدعي أن اختلاف نصوص الاستظهار في قدره مناسب لعدم وجوبه.

لكنه لا يكفي في الخروج عن ظهور النصوص في الوجوب.

و دعوي: أن كلا منها ظاهر في الوجوب التعييني، فمع رفع اليد عنه لأجل بقية النصوص لا يكون حملها علي الوجوب التخييري أقرب من حملها علي الاستحباب

ص: 287

______________________________

التعييني أو الإباحة، بل لعل الثاني أقرب.

مدفوعة بأن ذلك- مع توقفه علي عدم الجمع العرفي بينها بوجه آخر علي ما يأتي الكلام فيه- إنما يتم لو لم يكن هناك قدر مشترك تتفق علي وجوبه.

أما حيث كان وجوب اليوم مشتركا بين الكل فلا مانع من إبقاء دليله علي ظهوره في الوجوب التعييني، و يكون ما زاد عليه محمولا علي الاستحباب أو الإباحة.

و أما ما في المستند من ورود نصوص الاستظهار بعبارة الخبر الدال علي الرجحان دون الوجوب، عدا اثنين منها «1»، و هما غير باقيين علي حقيقتهما في الوجوب التعييني لأجل بقية النصوص، و ليس حملهما علي الوجوب التعييني بأولي من حملهما علي الاستحباب.

فهو كما تري.. أولا: لأن الجملة الخبرية ظاهرة في الوجوب.

و ثانيا: لأن الحديثين قد تضمنا التخيير بين اليوم و اليومين، و ظاهرهما لزوم اليوم و جواز الزيادة عليه بيوم آخر، و لا ينافي مضمونهما ما تضمن جواز الزيادة علي ذلك ليرفع به اليد عن ظهورهما في لزوم اليوم.

فالعمدة في الخروج عن ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا ابراهيم عن امرأة نفست فمكثت [و بقيت.

يب، صا] ثلاثين ليلة [يوما] أو أكثر، ثم [و] طهرت وصلت، ثم رأت دما أو صفرة.

قال: إن كانت [كان. صا] صفرة فلتغتسل و لتصل و لا تمسك عن الصلاة فإن [و إن.

صا] كان دما ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيام قرئها ثم لتغتسل و لتصل» «2».

فإن الإرجاع لأيام القرء يناسب استمرار الدم، و حيث هو صريح في رؤية الدم بعد انقطاع دم النفاس يكون واردا في الدور الأول، و مقتضاه جواز الاقتصار فيه علي أيام القرء و عدم وجوب الاستظهار فيه، فيتعين معه حمل نصوص الاستظهار

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8، 14.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 2.

ص: 288

______________________________

علي الاستحباب. فلاحظ.

الثالث: أشرنا آنفا إلي احتمال التفصيل في الدور الثاني،

لأن مقتضي حديث عبد الرحمن المتقدم في الوجه السابع مشروعية الاستظهار للمستحاضة في الدور الثاني مع عدم استقامة الحيض علي العادة، فيخصص به إطلاق ذيل موثق إسحاق بن جرير و نحوه مما ظاهره عدم مشروعية الاستظهار في الدور الثاني.

لكنه موقوف.. أولا: علي كون المراد بعدم استقامة الحيض مخالفة الحيض للعادة بعد انعقادها.

و ثانيا: علي كون المراد بالمستحاضة من يتصل دمها بين الحيضتين، لا مطلق من يستمر دمها. و قد سبق في الوجه السابع المنع من الأول. كما ظهر مما تقدم هنا عدم وضوح الثاني.

مضافا إلي ما أشرنا إليه في الوجه السابع من أن تنزيل مرسلة يونس الطويلة الظاهرة في عدم الاستظهار في الدور الثاني علي خصوص مستقيمة الحيض بالمعني المذكور بعيد جدا. فراجع. و لعله لذا رماه بالشذوذ في المستند حاكيا له عن بعضهم أيضا.

الرابع: المحكي عن بعض مشايخنا أنه بعد رد الوجه المتقدم عن الوحيد حمل أخبار الاستظهار علي غير مستمرة الدم،

و أخبار الاقتصار علي العادة علي مستمرة الدم قبل العادة، مستدلا بإطلاق ما تضمن الاقتصار علي العادة لمستمرة الدم أو للمستحاضة التي هي بمعناها، و بورود أخبار الاستظهار فيمن يستمر دمها بعد العادة لا قبلها.

و مقتضاه أنها لو رأت الدم قبل العادة بأربعة أيام مثلا لم تستظهر و بهذا خالف الوجه المتقدم عن الوحيد المقتضي للاستظهار في الفرض المذكور، لعدم صدق الدور الثاني عليه.

لكنه مخالف لصريح موثق سماعة المتقدم: «سألته عن المرأة تري الدم قبل وقت حيضها. فقال: إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت، فإن كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتربص ثلاثة أيام

ص: 289

______________________________

بعد ما تمضي أيامها، فإذا تربصت ثلاثة أيام و لم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة» «1».

إلا أن يكون مراده ما إذا امتنع التحيض بأول الدم السابق علي العادة المستمر إليها، كما لو رأته قبل مضي أقل الطهر من الحيضة السابقة و استمر للعادة اللاحقة و تجاوزها، حيث يخرج عن مفاد موثق سماعة.

و حينئذ يتجه الاقتصار علي العادة و عدم الاستظهار بناء علي ما تقدم منه من ضعف حديث زرارة و فضيل المتقدم كغيره مما تضمن استظهار المستحاضة، لاختصاص بقية نصوص الاستظهار المعتبرة بمن تحيض فتجوز أيام حيضها الظاهر في كون أول رؤية الدم في العادة، و في المفروغية عن التحيض به، فلا يشمل محل الكلام، بل المرجع فيه إطلاق ما تضمن اقتصار المستحاضة علي عادتها.

أما بناء علي ما سبق من اعتبار الحديث المذكور فهو معارض للإطلاق المذكور في محل الكلام، و من الظاهر خروج محل الكلام عن كلا الفرضين اللذين تضمنهما شاهد الجمع بين الطائفتين، و هو موثق إسحاق بن جرير، لظهور صدره في الدم الذي يتحيض به حين خروجه، و اختصاص ذيله بالدم المستمر شهرا أو أكثر، فلا رافع لتعارض الاطلاقين فيه، بل يتعين تساقطهما و الرجوع لاستصحاب الحيض، المقتضي للتحيض في مدة الاستظهار، دون قاعدة الإمكان، لما أشرنا إليه آنفا- في ذيل الكلام في التفصيل المتقدم- من ابتناء الإرجاع لأيام العادة في مستمرة الدم قبل أيام العادة علي إلغاء القاعدة.

و دعوي: أنه بعد عدم حكم الشارع بحيضية ما قبل العادة مما يتمم العشرة يكون مقتضي قاعدة الإمكان حيضية ما بعدها مما يتممها، لعدم المانع من حيضيته.

مدفوعة بأن حكم الشارع بعدم حيضية ما قبل العادة ليس بملاك امتناعه، ليرتفع المانع من حيضية ما بعدها، بل إلغاء للقاعدة في مقام الإحراز و تعويلا علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 290

______________________________

العادة، و ذلك لا يوجب تبدل مفاد القاعدة.

و مثلها دعوي: أنه لا مجال لاستصحاب الحيض بعد أيام العادة في الفرض، لاتفاق الطائفتين علي إهماله، أما نصوص الاقتصار علي العادة فظاهر، و أما نصوص الاستظهار فلأنها تقتضي التحيض احتياطا لاحتمال الحيض من دون إحراز له، و لو جري استصحاب الحيض كان التحيض متفرعا علي إحرازه، لا استظهارا و احتياطا.

لاندفاعها بأن التعبير بالاستظهار و الاحتياط في النصوص قد يكون بلحاظ عدم الأمارة علي الحيض واقعا و لا علي عدمه، فلا ينافي إحراز الحيض ظاهرا بالاستصحاب، بل قد يبتني الاستظهار عليه و إن لم يصرح به في نصوصه.

هذا و لكن الإنصاف ان تحكيم دليل الاقتصار علي العادة في الفرض أقرب عرفا، إلغاء لخصوصية الشهر في ذيل موثق إسحاق بن جرير، لفهم أن المعيار تحير المرأة فيما ترجع إليه بسبب استمرار الدم، في مقابل ما يظهر من الصدر من المفروغية عن الرجوع للعادة و الشك في الزيادة عليها. و لا سيما بملاحظة ما تقدم من المؤيد للتفصيل المذكور في آخر الكلام في دليله. و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

فالاحتياط لا يترك بحال. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

الخامس: قال في الوسيلة: فإذا طهرت و كان عادتها أقل من عشرة أيام استبرأت بقطنة،

«فإن خرجت نقية فهي طاهرا [كذا] و إن خرجت ملوثة صبرت إلي النقاء، و إن اشتبه عليها استظهرت بيوم أو يومين ثم اغتسلت». و ظاهره أن موضوع الاستظهار اشتباه النقاء لا استمرار الدم، بل تبقي علي التحيض واقعا مع استمراره من دون استظهار. و لا يظهر وجهه مع صراحة النصوص في تشريعه مع استمرار الدم.

ثم إنه قال في كشف اللثام في تعقيب ما ذكره: «فإما أن يريد بالاشتباه أن تري عليها صفرة أو كدرة، أو يريد أن في فرجها قرحا أو جرحا يحتمل تلطخها به».

و لا يخفي أن فرض الاشتباه مع خروج الصفرة أو الكدرة يبتني علي اختصاص الحيض بعد العادة بالدم مع احتمال كون أصل الصفرة و الكدرة دما و قد اختلط حال

ص: 291

______________________________

إخراج القطنة برطوبات الفرج فصار صفرة أو كدرة و تعذر معرفة الحال.

السادس: الظاهر أن المعيار في الاستظهار علي العادة العددية

و إن لم تكن وقتية، كما هو ظاهر إطلاق بعضهم، بل صريح جامع المقاصد و كشف اللثام و الروض و غيرها، بل قد يظهر من بعضهم المفروغية عنه. و لا ينافيه ظهور كلام بعضهم في الوقتية و العددية، لعدم سوقه في مقام الحصر.

و كيف كان، فيقتضيه إطلاق بعض نصوصه، كصحيح محمد بن عمر بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الطامث و حدّ جلوسها. فقال: تنتظر عدة ما كانت تحيض، ثم تستظهر بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة» «1» و نحوه صحيح زرارة «2» و خبره «3» و مرسلا عبد اللّه بن المغيرة «4».

بل مقتضي إطلاقها ثبوته لذات العادة الوقتية و العددية بمضي العدد إذا تحيضت بالدم في غير وقتها لقاعدة الإمكان أو لواجديته للصفات.

بل هو كالصريح من موثق سماعة: «سألته عن المرأة تري الدم قبل وقت حيضها.

فقال: إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت، فإن كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها، فإذا تربصت ثلاثة أيام و لم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة» «5» فإن مقتضاه الاستظهار بمضي العدد دون الوقت.

و أما ما تضمنته جملة من النصوص من أن الاستظهار بعد مضي الوقت، فهو لا ينافي ذلك، لعدم وروده مورد الحصر، فيحمل علي ما إذا رؤي الدم في الوقت، كما صرح به في بعضها، فلا تنافي تشريعه بمضي العدد في غير ذلك.

و لا سيما مع التعبير في بعضها بأنها تنتظر عدتها التي كانت تجلس «6» لإشعاره

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5، 9.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5، 9.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 2، 11.

(5) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1، 12.

(6) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1، 12.

ص: 292

يوما أو يومين أو أكثر (1) إلي أن يظهر لها حال الدم و أنه ينقطع علي العشرة أو يستمر إلي ما بعد العشرة (2)، فإن اتضح لها الاستمرار قبل تمام العشرة اغتسلت و عملت عمل الطاهرة.

______________________________

بأن المعيار علي مضي العدد لا الوقت.

مقدار الاستظهار
اشارة

(1) يعني إلي العشرة، كما يظهر من قوله بعد ذلك: «فإن اتضح لها الاستمرار قبل تمام العشرة اغتسلت» لظهوره في اعتبار ظهور الاستمرار في ترك الاستظهار قبل العشرة.

(2) كأنه لما تقدم منه قدّس سرّه من حمل نصوص الاستظهار علي الحكم الظاهري لرجاء انقطاع الدم علي العشرة.

لكن تشريع الاستظهار لذلك- لو تم- لا يستلزم دوران قدره مداره، لإمكان اقتصار الشارع في التعويل علي احتمال الانقطاع قبل العشرة و في طلب ظهور الحال علي زمن خاص مما تضمنته النصوص، فلا بد من الرجوع إلي نصوصه المختلفة في قدره.

و حملها بتمامها علي اختلاف ظهور الحال باختلاف الموارد مع كون المعيار عليه في جميعها بعيد جدا عن ظاهرها، و إن احتمله شيخنا الأعظم و جزم به سيدنا المصنف (قدس سرهما)، سواء أريد به حمل ذكر كل من المقادير التي تضمنتها النصوص علي ظهور الحال به في مورد النص المشتمل عليه، فيكون الرجوع إليه في مورده فعليا، أم تقييد جميع النصوص المتضمنة لكل منها بما إذا حصل به ظهور الحال، فيكون الرجوع إليه في مورده تعليقيا منوطا به.

علي أنك عرفت ضعف المبني المذكور في نفسه عند الكلام في الوجه الثامن من وجوه الجمع بين النصوص.

هذا و قد خير بين اليوم و اليومين في النهاية و ما تقدم من الوسيلة و الشرائع و النافع و التذكرة و الروض، و حكاه في المعتبر و التذكرة عن الصدوق و المفيد، كما حكي عن غيرهما، و نسبه في المعتبر و محكي الذكري للمشهور، و عن كشف الالتباس

ص: 293

______________________________

أنه المشهور بين المتأخرين.

و يقتضيه موثق زرارة و فضيل «1» و خبر زرارة «2» المتقدمان في الوجه التاسع، و خبر الجعفي «3» المشار إليه هناك، و حديث عبد الرحمن فيمن اختلف قرؤها «4» المتقدم في الوجه السابع، و صحيح محمد بن مسلم «5» و حديث زرارة «6».

و بها يجمع بين ما اقتصر فيه علي اليوم الواحد، كموثق إسحاق بن جرير المتقدم «7» و مرسل داود مولي أبي المغراء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها و هي تري الدم. قال: فقال: تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيام، فإن استمر الدم فهي مستحاضة … » «8».

و ما اقتصر فيه علي اليومين، و هو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له:

النفساء متي تصلي؟ قال: تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين، فإن انقطع الدم، و إلا اغتسلت … قلت: و الحائض. قال: مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم و إلا فهي مستحاضة» «9».

فإن الجمع بذلك و إن كان مخالفا لظاهر كل من الدليلين بلحاظ ما اشتمل عليه من الحكم بالاستحاضة بعد مدة الاستظهار، لأن الاستحاضة من الأمور الواقعية غير التابعة للاختيار، فمع العلم بها بعد اليوم الواحد لا موضوع للاستظهار باليومين، و مع توقف العلم بها علي اليومين لا مجال للجزم بها بعد اليوم الواحد، إلا أن اشتمال النصوص الأول علي التخيير بين اليوم و اليومين مع الحكم بالاستحاضة بعد الاستظهار شاهد بأن الحكم بالاستحاضة ليس للجزم بها بعده، بل للتعبد بها

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(5) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 15.

(6) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 13.

(7) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

(8) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 4.

(9) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 294

______________________________

ظاهرا بعده، فلا مانع من إناطة الشارع التعبد بها بالاختيار، فتصلح لأن تكون شاهد جمع بين النصوص المقتصرة علي أحدهما، كما لا يخفي.

لكن ذلك يجري في الثلاثة أيام أيضا، حيث اقتصر عليها في موثق سماعة المتقدم «1».

و موثقة الآخر في الحبلي «2»، و صحيح محمد بن عمرو بن سعيد المتقدم «3»، كما تقدم في موثق سعيد بن يسار قوله عليه السّلام فيمن تري الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها: «تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي» «4»، و في صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الحائض كم تستظهر؟ فقال: تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة» «5». حيث يسهل الجمع بينها بالتخيير بين اليوم و اليومين و الثلاثة، و لا سيما بملاحظة صحيح البزنطي.

بل يجري ذلك في تمام العشرة، لصحيح يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة رأت الدم في حيضها حتي تجاوز وقتها متي ينبغي لها أن تصلي؟ قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام» «6» بناء علي ما هو الظاهر من حمله علي الاستظهار في بقية العشرة مما زاد علي العادة- كما ذكره الشيخ و غيره- لامتناع الاستظهار في تمامها زائدا عليها.

و لا سيما بملاحظة مرسل عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المرأة التي تري الدم. فقال: إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة، و إن كانت أيامها عشرة لم تستظهر» «7».

فإنه و إن اقتصر فيهما علي العشرة، و لا نص يتضمن التخيير بينها و بين ما دونها، ليكون شاهد جمع بينهما و بين النصوص المتقدمة، إلا أن حملهما علي بيان منتهي مدة الاستظهار جمعا مع النصوص السابقة قريب جدا بعد شهادة النصوص السابقة بابتناء الاستظهار علي التخيير بين الأقل و الأكثر.

و ما في الرياض من قصورهما سندا و عملا و عددا، مع احتمال ورودهما مورد

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 8.

(5) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 9.

(6) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 12.

(7) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 11.

ص: 295

______________________________

الغالب، و هو كون العادة سبعة أو ثمانية. كما تري، لكفاية الأول بعد اعتبار سنده، و وجود العامل به في الجملة بنحو يخرجه عن الهجر، و كون حمله علي التخيير لما سبق أقرب عرفا من حمله علي الغالب، بل ليس حمله علي الغالب عرفيا.

و من هنا كان المتعين التخيير بين اليوم و اليومين و الثلاثة و تمام العشرة، كما في الحدائق و المستند و ظاهر الروض. لكن ليس لتعارض النصوص المقتضي للتخيير مع عدم الترجيح، كما في المستند. لأن التخيير في التعارض- لو تم- إنما يكون مع استحكامه، لا مع الجمع العرفي، كما هو الحال في المقام لما سبق.

بل الانصاف أن الأقرب التخيير بين اليوم و ما زاد عليه إلي العشرة، كما في الدروس، و ربما يرجع إليه ما عن الذكري من جواز الاستظهار بالعشرة، و ما عن البيان من جوازه مع ظن بقاء الحيض.

فلو كانت عادة المرأة خمسة أيام جاز لها الاستظهار بأربعة أيام و إن خرجت عن العناوين المذكورة في النصوص، لأن حمل النصوص علي أن أقل الاستظهار يوم واحد و أكثره تمام العشرة مع التخيير عقلا بين المراتب التي تدخل في الحد المذكور أقرب عرفا من حملها علي التخيير بين خصوصيات الأطراف التي تضمنتها بنحو لا يخرج عنها، و لا سيما مع عدم اشتمال شي ء منها علي تمام أطراف التخيير، و من الظاهر أن الجامع بين خصوصيات الأطراف المذكورة عقلي غير ارتكازي لا يدرك إلا بأطرافه، فيبعد إرادة الشارع له و اكتفاؤه في كل نص ببيان بعض أطرافه، بل الأقرب كون بيان الأطراف المذكورة لدخولها تحت الجامع الارتكازي المذكور.

نعم، لا إشكال في أن الأحوط الاقتصار علي أحد الأطراف الأربعة المذكورة في النصوص. و أحوط منه الاقتصار علي ما عدا العشرة منها، لشبهة التعارض بين نصوصها و حديثي العشرة و فقد الشاهد علي الجمع المتقدم، و رجحان نصوصها بالاستفاضة، أو وهن حديثي العشرة بضعف دلالة الأول و لبعض المناقشات الموهونة في سنده، و ضعف سند الثاني.

و لعله لذا اقتصر في التخيير علي اليوم و اليومين و الثلاثة في السرائر و المدارك،

ص: 296

______________________________

و حكي عن جماعة، و في المفاتيح أنه الأشهر.

و أما ما في المعتبر من أن الأحوط الاقتصار علي اليوم أو اليومين و إن جاز الاستظهار للعشرة، فهو يبتني علي إهمال الثلاثة بلا وجه.

هذا و قد استشكل في المنتهي في التخيير بامتناع التخيير في الواجب، و لذا حمل النصوص علي التفصيل اعتمادا علي اجتهاد المرأة في قوة المزاج و ضعفه الموجبين لزيادة الحيض و قلته.

و كأن مراده أن كثيرا من أحكام كل من الحائض و الطاهر لما كانت علي اللزوم ففرض اللزوم لا يناسب التخيير. و هو نظير ما تقدمت الإشارة إليه في الوجه الأول من وجوه الجمع بين نصوص الاستظهار و نصوص الاقتصار علي العادة من أن تشريع العبادة موقوف علي الأمر بها، فلا يجتمع مع استحباب تركها.

و يظهر الحال فيه مما تقدم هناك، فإنه قد يتم لو كان التخيير واقعيا، لا في مثل المقام مما يكون فيه طريقيا لتجنب العبادة حال الحدث، حيث يكون الواقع هو الإلزام في ضمن أحد الحكمين تبعا لتحقق موضوعه واقعا، مع التخيير ظاهرا في العمل علي طبق كل منهما برجاء ثبوته. كيف و قد التزم قدّس سرّه بأن أصل الاستظهار ليس علي الوجوب فلتكن الزيادة فيه كذلك.

و أما ما ذكره من تنزيل النصوص علي ما يقتضيه اجتهاد المرأة في قلة الحيض و كثرته. فهو مما تأباه النصوص جدا، لرجوعه إلي عدم العمل بجميع العناوين المذكورة فيها، بل تبعا لأمر مباين لها قد يقارنها غير مشار إليه في تلك النصوص و لا في غيرها.

مع أن جعل المعيار علي الاجتهاد الموجب للعلم ببقاء الحيض في المدة التي تضمنها النص- مع منافاته لفرض الاستظهار المبني علي الاستيثاق من جهة الاحتمال- مستلزم لتنزيل النصوص علي فرض غير واقع، و علي الاجتهاد الموجب للعلم بعدم الحيض بعد المدة التي تضمنها النص راجع للاقتصار علي العشرة و إهمال بقية

ص: 297

______________________________

النصوص، لعدم تيسر العلم بعدم الحيض قبلها، و علي الاجتهاد الموجب للظن بأحد الأمرين مستلزم لتنزيل النصوص علي فروض نادرة، و هو مما يأباه إطلاقها جدا.

فلا معدل عن حمل النصوص علي التخيير الراجع لوجوب الأقل و جواز الزيادة عليه حتي يبلغ العشرة.

و منه يظهر الإشكال فيما في الإرشاد من الاقتصار علي اليومين، لابتنائه علي إهمال أكثر النصوص و التزام واحد منها.

و مثله ما في الجواهر و عن المرتضي و الإسكافي من الاقتصار علي العشرة، بل هو مقتضي إطلاق الصبر إلي عشرة أيام في الفقيه و المقنع و الهداية، و إلي النقاء في المقنعة و المبسوط و محكي الجمل، حيث لم يقيدوه بغير ذات العادة. بل يظهر من كلام الصدوق الآتي في أول المسألة العاشرة فرض كونها ذات عادة.

لكن استدل في الجواهر للزوم الاستظهار بالعشرة بصلاحية كل من الأخبار المتقدمة لإثبات ما اشتملت عليه، مؤيدا باطلاق الاستظهار في مرسل عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا كانت أيام المرأة عشرة أيام لم تستظهر، فإذا كانت أقل استظهرت» «1». و صحيح يونس: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: النفساء تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر و تغتسل و تصلي» «2». قال: «فإن المراد به بحسب الظاهر طلب ظهور الحال من الحيض و عدمه و ذلك لا يحصل إلا بالانتظار إلي العشرة».

كما يؤيد أيضا باستصحاب أحكام الحائض، و بقاعدة الإمكان، و بأصالة الحيض في دم النساء، و بما تضمن أن ما تراه المرأة في ضمن العشرة فهو من الحيضة الأولي «3»، و بقوله عليه السّلام في مرسلة يونس القصيرة: «فإذا حاضت المرأة و كان حيضها

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 11 و باب: 11 منها حديث: 3. و باب: 17 من أبواب العدد من كتاب النكاح حديث: 1. و قد تقدمت في أول الفصل الخامس.

ص: 298

______________________________

خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة. فإن رأت من أول ما رأته [رأت. في] الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام و دام عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام، ثم هي مستحاضة … » «1» إلي غير ذلك من المؤيدات الكثيرة، كأخبار الصفات مع التتميم بعدم القول بالفصل، و غيرها.

و هو كما تري، فإن صلاحية كل من أخبار الاستظهار لإثبات ما اشتمل عليه إنما هو بالنظر إليه وحده، أما بالنظر إلي غيره مما خالفه في المقدار فلا مجال لذلك بعد أن كان كل منها كالصريح في جواز الاقتصار علي ما تضمنه، حيث يقع التنافي بينها، و لا بد من الجمع العرفي، و قد سبق أنه يقتضي التخيير.

نعم، لو تم ما سبق منه في الوجه السادس للجمع بين نصوص الاقتصار علي العادة و نصوص الاستظهار من تقييد الأولي بالثانية اتجه نظيره في المقام، حيث يكون المشتمل علي الأقل أعم من المشتمل علي الأكثر، فيقيد به.

لكن سبق إباء تلك النصوص عنه فنصوص المقام تأباه أيضا. و لا سيما مع اشتمال جملة منها علي التخيير بين الأقل و الأكثر، حيث تكون صريحة في عدم تقييد الأكثر للأقل.

و مثله ما احتمله شيخنا الأعظم قدّس سرّه من تنزيل ما تضمن غير العشرة علي ما يطابقها بحسب عادة المرأة، فاليوم علي ما إذا كانت العادة تسعة، و اليومان علي ما إذا كانت ثمانية و هكذا.

فإنه تكلف تأباه النصوص لرجوعه إلي عدم العمل علي العناوين المأخوذة في أكثرها، بل علي عنوان آخر لم يشر إليه إلا في نادر منها. بل تنزيل اليوم و اليومين اللذين اشتملت عليهما أكثر النصوص علي من عادتها تسعة أو ثمانية تنزيل علي الفرد غير الشائع.

و أما إطلاق الاستظهار فلا بد من رفع اليد عنه بالنصوص المتضمنة لمقداره بعد الجمع بينها بما ذكرنا. علي أن مرسل عبد اللّه بن المغيرة- مع ضعفه في نفسه- وارد

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 299

______________________________

لبيان شرط الاستظهار و مورده و لا إطلاق له في بيان مقداره.

و صحيح يونس- مع وروده في النفساء- يقرب جدا كون المراد به الإشارة للمقدار المعهود من الاستظهار من دون أن يراد به بيان مقدار بالإطلاق، إذ لو أريد به الاستظهار للعشرة الذي يرتفع به احتمال الحيض كان الأنسب أن يقول: تجلس عشرة أيام، لأنه أخصر و أفيد.

و أما بقية المؤيدات المذكورة في كلامه فهي- لو تمت في أنفسها- لا تعدو الأصل المحكوم لنصوص الاستظهار بعد الجمع بينها بما سبق، أو العموم و الإطلاق اللذين يخرج عنهما بها، فيحملان علي غير ما تراه ذات العادة بعد مضي قدر عادتها.

و دعوي: أن ظاهر قوله عليه السّلام في مرسلة يونس القصيرة: «و كان حيضها خمسة أيام» كونها ذات عادة. ممنوعة، بل هو ظاهر في إرادة الحيض الخاص المفروض في قوله عليه السّلام: «فإذا حاضت المرأة» لا الحيض النوعي السابق علي ذلك الذي تنعقد به العادة، و لذا كان ظاهره كون الانقطاع علي الخمسة، و لولاه لا مجال لاستفادة ذلك.

هذا مضافا إلي أن مقتضي قاعدة الإمكان، و أصالة الحيض في دم المرأة، و ما تضمن أن ما تراه في ضمن العشرة فهو من الحيضة الأولي، و نصوص الصفات، هو حيضية ما في ضمن العشرة واقعا، لا التحيض به استظهارا، فلا يصلح لتأييد وجوب الاستظهار في تمام العشرة، كما لعله ظاهر.

ثم إن الصدوق في المقنع اقتصر في مقدار استظهار الحبلي علي الثلاثة أيام. فإن ابتني ذلك منه علي كونه المقدار المتعين لاستظهار الحائض مطلقا، أشكل بنظير ما سبق لابتنائه علي إهمال أكثر النصوص و العمل بثلاثة منها.

و إن ابتني علي خصوصية الحبلي في ذلك فقد يوجه بانحصار الدليل فيها بموثق سماعة: «سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل. قال: تقعد أيامها التي كانت تحيض، فإذا زاد الدم علي الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة» «1». و لا

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 6.

ص: 300

______________________________

موجب للخروج عن ظاهره بعد إمكان خصوصية الحامل من بين أفراد الحائض.

و يشكل بأنه كما يمكن الجمع بينه و بين ما ورد في مطلق الحائض مما يخالفه في المقدار بالتخصيص، كذلك يمكن الجمع بحمله علي بيان أحد أطراف التخيير.

و لعل الثاني أقرب، بلحاظ ورود الثلاثة في مطلق الحائض و لزوم تنزيلها علي ذلك جمعا «1»، و بلحاظ بعد خصوصية الحامل في ذلك، بل لعله مغفول عنه عرفا، كما يغفل عن دخل غيرها من الخصوصيات المذكورة في بعض النصوص، كخصوصية من تعجل بها الدم التي تقدم في موثق سماعة استظهارها بثلاثة أيام، و خصوصية من عاد الدم إليها بعد انقطاعه التي تقدم في موثق سعيد بن يسار استظهارها بيومين أو ثلاثة. و لذا لم أعثر علي من أشار لاحتمال دخل خصوصية الموارد المذكورة في قدر الاستظهار.

بل ظاهر غير واحد المفروغية عن عدم الفرق في حكم الاستظهار و قدره بين الحائض و النفساء، فضلا عن أفراد الحائض. و إن كان في بلوغ ذلك حدا يصحح الاستدلال بنصوص الحائض في النفساء و بنصوص النفساء في الحائض إشكال.

و لذا لم نشر لما ورد في النفساء مخالفا للمقادير السابقة، كما سبق عدم نهوض ما تضمن اقتصار النفساء علي عادتها برفع اليد عما دل علي الاستظهار للحائض في الدور الأول. بل يوكل ذلك لمبحث النفاس.

و قد تحصل مما سبق: أن ما وصلنا من أقوال الأصحاب في قدر الاستظهار عشرة: تبعيته للشك في تجاوز الدم علي العشرة، و اختلافه باختلاف اجتهاد المرأة في قدر الحيض، و تعين اليومين، و تعين الثلاثة، و تعين إتمام العشرة، و التخيير بين اليوم

______________________________

(1) قد يؤكد ذلك بلحاظ صحيح الصحاف الوارد في حيض الحبلي، لقوله عليه السّلام: «فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل و لتصل، و إن لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام التي كانت تري الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي و تستذفر … فإنها إذا فعلت ذلك أذهب اللّه بالدم عنها» [الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7] بحمل اليوم و اليومين علي جلوسها لا علي انقطاع الدم عنها، لظهور الذيل المتقدم في عدم تحقق الانقطاع. لكنه لا يخلو عن إشكال. (منه عفي عنه).

ص: 301

______________________________

و اليومين، و التخيير بين اليوم و اليومين و إتمام العشرة، و التخيير بين الأولين و الثلاثة، و التخيير بين الأمور الأربعة، و التخيير بين اليوم و ما زاد إلي أن تتم العشرة. و أن الأقوي الأخير، ثم ما قبله، ثم ما قبله.

كما أن مرجع التخيير إلي وجوب الأقل مع الترخيص في الزيادة عليه، علي أن يكون حكما طريقيا مراعاة لاحتمال الحيض، لا إلي الوجوب التخييري لأطرافه، لما تقدم في الأمر الثاني في ذيل الكلام في حكم الاستظهار، و لا إلي وجوب اختيار أحد الأمرين من الحيض و الاستحاضة في الزائد بنحو يتعين حكم ما يختار منهما بمجرد اختياره، لعدم إشعار النصوص به. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

[تنبيه: فيما لو انقطع الدم علي العشرة أو تجاوزها بعد الاستظهار
اشارة

ذكر في المنتهي أنه لو لم ينقطع الدم بعد أيام الاستظهار، فصامت، و انقطع الدم علي العشرة اغتسلت لانقطاع الدم و قضت الصوم، للقطع بحيضية الدم بتمامه، و لو تجاوز الدم العشرة وجب عليها قضاء الصلاة التي تركتها أيام الاستظهار، للقطع بعدم حيضية ما زاد علي العادة حينئذ، و نحوه في جامع المقاصد و الروض و كشف اللثام و محكي البيان و الموجز و فوائد الشرائع و غيرها.

و قد يرجع إليه ما في الدروس من وجوب قضاء الصوم في الفرض إن لم يطابق الطهر، و وجوب قضاء الصلاة التي تركتها أيام الاستظهار إذا ظهر أنها مستحاضة فيها، و قريب منه في الذكري، لعدم معهودية شي ء مظهر للحال غير ما سبق. و قد نسب التفصيل المذكور للمشهور في كلام غير واحد، و في المستند أنه صرح به الأكثر، بل قيل: إنه المعروف. و في الحدائق أنه صرح به الأصحاب. فإن تم ذلك اتجه ما ذكره في المتن في معيار الاستظهار.

لكن لم يتضح الوجه في التفصيل المذكور، بل الظاهر انحصار الدليل عليه بنحو يتم بكلا شقيه بما سبق في الوجه الثامن من وجوه الجمع بين نصوص الاقتصار علي العادة و نصوص الاستظهار، الذي سبق المنع منه.

ص: 302

______________________________

كما أنه لم يتضح نسبته للمشهور بعد عدم نسبته لأحد قبل العلامة و ظهور الخلاف فيه منه في بعض كتبه و من غيره علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و من هنا ينبغي الكلام في كلا شقي التفصيل في مقامين..

المقام الأول: في انكشاف حيضية ما بعد أيام الاستظهار مع انقطاع الدم علي العشرة.

و قد صرح به- مضافا إلي من عرفت- في الشرائع و النافع و التحرير و القواعد و الإرشاد و الذكري و عن المرتضي، و في مفتاح الكرامة أن الأصحاب ذكروه قاطعين به، و في الجواهر: «بلا خلاف عندهم في ذلك … بل قد يظهر من بعضهم دعوي الإجماع عليه، كما عن صريح آخر».

و العمدة فيه: عموم ما تضمن أن ما تراه المرأة في ضمن العشرة من الحيضة الأولي، و نحوه مما تقدم في أول الفصل الخامس، و إطلاقه شامل لذات العادة، و تقدم هناك أن ما تضمن عدم حيضية ما بعد أيام العادة مطروح أو مؤول. فراجع.

و دعوي: أنه يلزم رفع اليد عنه بما تضمنته نصوص الاستظهار من الحكم بأن ما بعد أيامه استحاضة، و حيث يمتنع تنزيل أيام الاستظهار فيها علي خصوص ما يتمم العشرة، لما تقدم، تعين تنزيل ما تضمن حيضية تمام ما في العشرة علي غير ذات العادة العددية.

مدفوعة بأنه تقدم في وجه الجمع بين نصوص الاستظهار المختلفة في مقداره أن الحكم بالاستحاضة بعد أيامه ليس واقعيا، بل ظاهريا، فلا ينافي حيضية الدم واقعا لو انقطع علي العشرة، عملا بالنصوص المذكورة.

اللهم إلا أن يقال: ما تضمن حيضية تمام ما في العشرة لا يختص بالدم المنقطع عليها، بل يعم المتجاوز عنها، فهو يقتضي حيضية ما فيها واقعا مطلقا، فينافي نصوص الاستظهار الشاملة للقسمين و الصريحة في احتمال عدم حيضية ما في أيامه و في التعبد بكون ما بعدها استحاضة.

ص: 303

______________________________

و الجمع بينهما بحمل نصوص حيضية ما في العشرة علي خصوص المنقطع عليها، و حمل نصوص الاستظهار علي الحكم الظاهري المراعي بعدم الانقطاع علي العشرة، بلا شاهد.

بل يتعين حمل ما تضمن حيضية ما في العشرة علي غير ذات العادة بقرينة نصوص الاستظهار، مع إبقاء ما تضمنته نصوص الاستظهار من التعبد بكون ما بعد أيامه استحاضة علي إطلاقه من حيثية الانقطاع و التجاوز.

و لا سيما مع عدم التنبيه إلي لزوم التدارك في شي ء من نصوص الاستظهار علي كثرتها، مع ظهورها في بيان الوظيفة من حيثية الشك في حيضية الدم مطلقا لا في خصوص حال الشك في الانقطاع علي العشرة و التجاوز عنها، حيث يبعد جدا مع ذلك الاكتفاء في بيان لزوم التدارك بما تضمن حيضية تمام ما في العشرة.

و من ثم كان ظاهرها عدم وجوب التدارك، كما اعترف به في الرياض، و إن قرب حملها علي ما إذا كانت أيام الاستظهار متممة للعشرة، الذي سبق أنه لا مجال له.

و من هنا ذكر في الحبل المتين عدم نهوض شي ء من الأخبار بوجوب التدارك، و توقف في وجوبه في المدارك، مدعيا ظهور الأخبار في عدمه، و وافقه في محكي الكفاية، و استقرب عدمه في المفاتيح و الحدائق لذلك أيضا.

بل هو الظاهر من كل من ذكر الاستظهار و لم ينبه إلي وجوب التدارك كالصدوق. فالبناء علي عدم رفع اليد عن التعبد بالاستحاضة بعد أيام الاستظهار بانقطاع الدم علي العشرة أو قبلها قريب جدا. فتأمل جيدا.

المقام الثاني: في انكشاف عدم حيضية ما في أيام الاستظهار مع تجاوز الدم علي العشرة.

فيجب تدارك الصلاة المتروكة فيها، الذي تقدم التصريح به ممن سبق، بل في الجواهر أنه المشهور نقلا و تحصيلا.

لكن توقف فيه في المدارك، مدعيا ظهور الأخبار في خلافه، كما صرح في

ص: 304

______________________________

الحبل المتين بعدم نهوض شي ء من الأخبار به، بل استقرب عدمه في المفاتيح و الحدائق و الرياض، عملا بظاهر النصوص، و عليه جري في المستند و محكي الكفاية، و هو المحكي عن مصباح السيد، كما هو الظاهر من كل من ذكر الاستظهار و لم ينبه علي وجوب التدارك هنا، خصوصا من نبه علي بيان وجوب التدارك في المقام الأول مقتصرا عليه، كما في الشرائع و النافع و التحرير و القواعد و الإرشاد.

و كيف كان، فقد استدل عليه في الجواهر..

تارة: بما تضمنته نصوص الاستظهار من الحكم بأن المرأة مستحاضة مع استمرار الدم.

و اخري: بما تضمن جلوس المستحاضة أيام حيضها، بضميمة ما دل علي أن من استمر بها الدم بعد أيام الاستظهار مستحاضة.

و ثالثة: بما تضمن الاقتصار علي العادة مع التجاوز، و أن ما عداها استحاضة، كمرسلة يونس الطويلة.

و رابعة: بما تضمن أن ما تراه المرأة بعد أيام حيضها ليس من الحيض كمرسلة يونس القصيرة و غيرها مما تقدم في أول الفصل الخامس، غايته أنه يخرج عنه فيما لو انقطع الدم علي العشرة.

مؤيدا ذلك كله بأنه لما كان الزائد علي العشرة غير حيض قطعا، فيظن بعدم حيضية ما قبله لاتصاله به و كونه دما واحدا، حيث يستبعد حدوث سبب الاستحاضة عند تمام العشرة.

و الجميع كما تري. لاندفاع الأول بأن ظاهر نصوص الاستظهار كونها مستحاضة بعد أيامه إذا لم ينقطع بعدها، لا من حين انقضاء العادة إذا لم ينقطع الدم علي العشرة.

و منه يظهر الحال في الثاني حيث يكون مقتضي الجمع بين الطائفتين ترتيب حكم المستحاضة بعد أيام الاستظهار المقتضي لاقتصارها علي أيام العادة في الدور الثاني، لا انكشاف حيضية خصوص ما في العادة من أول الأمر، لينكشف به أن أيام

ص: 305

______________________________

الاستظهار استحاضة.

و لا سيما مع ظهور نصوص الاقتصار علي العادة في لزومه من أول الأمر بمجرد انقضاء العادة، بنحو ينافي الاستظهار، لا بنحو ينكشف به الحال بعد ذلك مع العمل علي الاستظهار من أول الأمر.

و بذلك يظهر الجواب عن الثالث، لأن نصوص الاقتصار علي العادة لم ترد فيما يتجاوز العشرة، كي لا يراد بها العمل علي ذلك من أول الأمر بمجرد التجاوز علي العادة، لعدم إحراز موضوعها إلا بعد مضي العشرة، فتتعين لبيان الحكم الواقعي المنكشف حينئذ، بل وردت في المستحاضة كبعض نصوص الاستظهار.

و لما كانت ظاهرة في لزوم الاقتصار علي العادة من أول الأمر بمجرد مضي أيامها، لا في مجرد بيان وظيفة واقعية لا يعمل عليها بانقضاء العادة، كانت منافية لنصوص الاستظهار، فبعد فرض العمل بنصوص الاستظهار إما لتخصيصها لتلك النصوص- كما تقدم منه- أو لحملها علي الدور الأول- كما تقدم منا- أو لغير ذلك، لا وجه لتحكيم النصوص المذكورة في مورد نصوص الاستظهار، بحيث تنهض بكشف الواقع بعد مضي أيامه، إلا بناء علي الوجه الثامن من وجوه الجمع الذي تقدم ضعفه.

و أما الرابع فيندفع بمنافاة النصوص المذكورة لنصوص الاستظهار، فلا تكون محكمة في موردها بل هي مطروحة أو مؤولة، كما تقدم.

كما يندفع المؤيد المذكور بأن إلحاق الدم المذكور بما بعد العشرة في كونه استحاضة ليس بأولي من إلحاقه بما في العادة في كونه حيضا مع اتصاله بهما معا و توسطه بينهما، و ليس حدوث سبب الاستحاضة بانقضاء العشرة أو أيام الاستظهار بأبعد من حدوثه حين انقضاء العادة.

و لذا كان الحكم بالاستظهار و بالاستحاضة بعده مبنيا علي مراعاة احتمال الحيض في أيامه دون ما بعدها من دون إعمال أمارة علي الحيض و عدمه.

و من هنا لا مخرج عما سبق من غير واحد من ظهور نصوص الاستظهار في كونه

ص: 306

______________________________

وظيفة مطلقة لا مراعاة بالتجاوز عن العشرة و عدمه. و لا سيما مع عدم التنبيه فيها علي كثرتها للزوم التدارك علي تقدير الاستمرار مع عدم ما يصلح لبيانه من دليل آخر.

و ما في الجواهر من أنه لا دلالة فيه علي عدم وجوب التدارك، بل هو كعدم التعرض لقضاء الصوم المتروك في أيام الاستظهار مع القطع بوجوب قضائه.

كما تري، لأن مبني الاستظهار علي التوثق لاحتمال الحيض باجراء أحكامه التي منها ترك أداء الصوم و الانتقال لقضائه و ترك الصلاة من دون قضاء، فوجوب قضاء الصوم مناسب للاستظهار مستغن عن التنبيه أما وجوب قضاء الصلاة مع التجاوز عن العشرة فهو علي خلاف مقتضي الاستظهار، فلو كان واجبا لزم التنبيه عليه، و إهماله موجب لظهور أدلته في عدمه، و بقاء مقتضي الاستظهار حتي مع التجاوز.

ثم إنه لو تم انكشاف عدم حيضية أيام الاستظهار مع التجاوز عن العشرة، فلا مجال للاستشكال في وجوب قضاء الصلاة الفائتة فيها من جهة عدم وجوب الأداء، بل حرمته بناء علي وجوب الاستظهار، كما عن نهاية الأحكام.

لاندفاعه بأن وجوب الأداء أو حرمته ظاهرا للشك في حال الدم لا ينافي وجوبه واقعا لفرض حيضيته، فيجب القضاء مع انكشاف الحال، لتبعية وجوبه لوجوب الأداء واقعا، لا ظاهرا.

اللهم إلا أن يستند عدم وجوب القضاء لظهور أدلة الاستظهار في عدمه الموجب للبناء علي العفو عنه و إن انكشف عدم الحيض حينه بسبب استمرار الدم.

لكنه لا يخلو عن إشكال.

بقي شي ء: و هو أنه لو انقطع الدم في أيام الاستظهار لم يبعد البناء علي كونه بتمامه حيضا، لقاعدة الإمكان و استصحاب الحيض، من دون أن ينافي نصوص الاستظهار.

و منه يظهر أنه لو بني علي انقلاب العادة باتفاق شهرين لا حقين علي خلافها- علي ما تقدم الكلام فيه منا في فروع العادة- فهي إنما تنقلب فيما إذا كان الدم في الشهرين اللاحقين أقل من العادة أو أكثر في ضمن أيام استظهار المرأة حسب اختيارها، أما لو

ص: 307

(مسألة 10): قد عرفت أنه إذا انقطع الدم علي العشرة كان الجميع حيضا واحدا، من دون فرق بين ذات العادة و غيرها (1)، و إذا تجاوز العشرة فإن كانت ذات عادة عددية و وقتية تجعل ما في العادة حيضا (2)

______________________________

زاد عليها فيشكل انقلابها له بعد الحكم بكون ما بعد الاستظهار استحاضة ظاهرا من دون رافع له. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

مسألة 10: الكلام في جملة من أحكام المستحاضة
رجوع مستمرة الدم للعادة مع تحقيق العادة التي ترجع إليها
اشارة

(1) سبق المنع من ذلك في ذات العادة لو انقطع دمها بعد أيام الاستظهار.

(2) رجوع ذات العادة إليها في الجملة هو المصرح به في كلام الأصحاب بنحو يظهر في التسالم عليه، و ادعي الإجماع عليه في المعتبر و التذكرة و المنتهي و كشف اللثام و غيره.

لكن أشرنا آنفا إلي أنه لم نعثر علي نص يتضمن حيضية خصوص ما في العادة لمن تجاوز دمها العشرة، بل النصوص بين ما ورد فيمن تجاوز دمها العادة، و ما ورد فيمن يستمر بها الدم مدة طويلة كشهر أو أكثر، كموثق إسحاق بن جرير «1» الآتي و المتقدم في نصوص الاستظهار، و مرسلة يونس الطويلة «2»، و ما هو مردد بينهما، كنصوص المستحاضة، لما سبق في مبحث الاستظهار من الكلام في مفهومها.

و حيث كانت الطائفة الأولي متضمنة الاستظهار زائدا علي العادة، و الثانية متضمنة الاقتصار علي العادة، و الثالثة مختلفة في ذلك، تعين تنزيل نصوص الاستظهار علي الدور الأول، و نصوص الاقتصار علي العادة علي ما بعده، علي ما تقدم توضيحه في حكم الاستظهار، كما تقدم أن تجاوز الدم عن العشرة بعد الاستظهار لا يكشف عن كون أيام الاستظهار استحاضة و الحيض مختصا بأيام العادة.

و من ذلك يظهر أن مستمرة الدم في الدور الأول ترجع للعادة العددية فقط،

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 308

______________________________

لأنها هي المعيار في الاستظهار كما تقدم، و المفروض دخولها في أدلته، بل تتحيض بأول رؤية الدم مع إمكان حيضيته، لعموم قاعدة الإمكان، سواء رأته في أول العادة الوقتية، أم في أثنائها، أم قبلها، أم بعدها، فتتحيض بمقدار عادتها ثم تستظهر و تكون مستحاضة بعد أيام الاستظهار و إن صادفت عادتها الوقتية.

لأن ما دل علي الرجوع للعادة الوقتية مختص بمن يستمر دمها كثيرا، و هي غير شاملة للدور الأول، و بالمستحاضة، و هي لا تنطبق علي المرأة في أول رؤية الدم مع إمكان حيضها، لأن مقتضي قاعدة الإمكان كونها حائضا، لا مستحاضة، و إنما تكون مستحاضة بعد أيام الاستظهار بمقتضي نصوصه، فترجع لعادتها حينئذ مع إمكان حيضها في أيام عادتها لفصل أقل الطهر بينها و بين تحيضها بأول الدم، و يكون هو الدور الثاني لها الذي لا استظهار فيه.

أما مع عدم فصل أقل الطهر فالمتعين عدم التحيض بالعادة الأولي و انتظار العادة اللاحقة، و تكون هي الدور الثاني لها.

و دعوي: أن مقتضي إطلاق إرجاع المستحاضة لعادتها الوقتية لما كان هو تحيضها في العادة الأولي، و هو لا يجتمع مع تحيضها في أول الدم الذي هو مقتضي قاعدة الإمكان، لزم رفع اليد عن التحيض بأول الدم، لأن قاعدة الإمكان من سنخ الأصل و العادة من سنخ الأمارة الحاكمة عليه.

مدفوعة بأن موضوع النصوص المذكورة و إن كان هو المستحاضة، إلا أنه لا بد من حمله علي المستحاضة التي يحتمل كونها حائضا حين العادة، لأن أمارية العادة علي الحيض فرع احتماله، و لا طريق لإحراز كون المرأة في الفرض كذلك، بل مقتضي قاعدة الإمكان بضميمة نصوص الاستظهار حيضيتها في أول الدم و عدم كونها مستحاضة إلا بعد أيام الاستظهار، و مثل هذه المستحاضة يقطع بعدم حيضيتها وقت العادة، فقاعدة الإمكان رافعة لموضوع حجية العادة، و الأمارة إنما تحكم علي الأصل إذا بقي موضوع حجيتها معه، لا مع رافعيته لموضوعها، بل يكون واردا عليها حينئذ.

ص: 309

______________________________

نعم، لو كان موضوع نصوص الرجوع للعادة مستمرة الدم لم تنهض قاعدة الإمكان برفع الموضوع المذكور، لأن المرأة بالوجدان مستمرة الدم محتملة للحيض وقت العادة، فتكون قاعدة الإمكان منافية لها، محكومة لها. لكن سبق أنه ليس في النصوص ما يتضمن ذلك.

كما أنه لو بني علي عدم جريان قاعدة الإمكان في الدم الزائد علي العشرة، للتعارض بين تطبيقاتها علي أجزائه، كان المحكم في البين هو إطلاق دليل الرجوع للعادة، لأن مقتضي الإطلاق كون المرأة مستحاضة من أول رؤية الدم.

لكن سبق في الدم المتقطع أن موضوع القاعدة هو الإمكان من غير حيثية الدم اللاحق، فيكون تطبيقها علي أول الدم واردا علي بقية التطبيقات، فينفرد بالاعتبار، و يرد علي عموم دليل الإرجاع للعادة في الفرض، كما ذكرنا.

و يشهد بما ذكرنا في قاعدة الإمكان و في المقام موثق سماعة: «سألته عن المرأة تري الدم قبل وقت حيضها. فقال: إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت، فإن كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها، فإذا تربصت ثلاثة أيام و لم ينقطع عنها الدم فلتصنع كما تصنع المستحاضة» «1».

فإنه مع اشتماله علي التعليل الذي هو من أدلة قاعدة الإمكان قد تضمن حيضية أول الدم لا غير، علي ما سبق في الدم المتقطع توضيحه.

كما أن مقتضاه حيضية الدم حين رؤيته قبل أيام العادة و كون ما بعد الاستظهار استحاضة و إن صادف شيئا من أيام العادة، المستلزم لعدم حجية العادة الوقتية في أول رؤية الدم، و عدم نهوضها برفع اليد عن قاعدة الإمكان في أوله.

و حمله علي خصوص صورة فصل أقل الطهر بين أيام العادة و أيام الاستظهار بعيد جدا، بل هو كالمقطوع بعدمه. و كفي به شاهدا لما ذكرناه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 310

______________________________

نعم، لو لم يمكن التحيض بأول رؤية الدم لعدم فصل أقل الطهر بينه و بين الحيض السابق كانت المرأة مستحاضة من أول رؤيته، كما تضمنه صحيح صفوان «1» المتقدم في الدم المتقطع، فتدخل في إطلاق ما تضمن رجوع المرأة إلي عادتها الوقتية.

و في ثبوت الاستظهار لها بعد أيام العادة ما تقدم في الأمر الرابع من لواحق الكلام في وجوب الاستظهار. فراجع.

ثم إن ما ذكرناه من تحيضها في الدور الأول برؤية الدم و إن كان علي خلاف عادتها الوقتية مخالف لإطلاق الأصحاب رجوع من تجاوز دمها عن العشرة إلي عادتها، بل خلاف صريح بعضهم، ففي المبسوط و الخلاف و السرائر أن من كانت عادتها خمسة أيام في كل شهر، فإن رأت خمسة قبلها و فيها و خمسة بعدها اقتصرت علي عادتها، و في المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الدروس و جامع المقاصد و كشف اللثام و غيرها أنها لو رأت العادة و الطرفين و تجاوز المجموع العشرة اقتصرت علي ما في العادة، و قد يظهر من بعض عباراتهم الإجماع عليه، لاقتصارهم في نسبة الخلاف علي العامة.

لكن لا مجال للخروج بذلك عما سبق، لعدم ثبوت الإجماع التعبدي بذلك بعد ظهور جملة من عباراتهم في ابتنائه علي فهمهم من النصوص إطلاق رجوع من تجاوز دمها العشرة و اختلط حيضها باستحاضتها للعادة، كما يظهر من بعضها ابتناؤه علي عدم المرجح لما قبل العادة عما بعدها، أو أقوائية العادة من قاعدة الإمكان المقتضية لحيضية ما قبلها.

إذ من الظاهر أنه لا مجال للتعويل عليه بعد ما سبق من عدم ثبوت الإطلاق المذكور من النصوص و قصورها عن الدور الأول، مع نهوض قاعدة الإمكان و موثق سماعة بترجيح أول الدم و أنهما رافعان لموضوع حجية العادة.

و لا سيما مع ظهور كلام الصدوق فيما ذكرناه في الجملة. قال في الفقيه: «و إن

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 3.

ص: 311

و إن كان فاقدا للصفات، و الزائد عليها استحاضة و إن كان واجدا لها (1)،

______________________________

زاد الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد عن الصلاة عشرة أيام و تغتسل يوم حادي عشر و تحتشي، فإن لم يثقب الدم الكرسف صلت صلاتها كل صلاة بوضوء … إلي أيام حيضها، فإذا دخلت أيام حيضها تركت الصلاة» و نحوه في المقنع و الهداية، بل قد يظهر من الفقيه أنه مأخوذ من رسالة والده.

فإن ذيل كلامه ظاهر في فرض كون المرأة ذات عادة وقتية، فيكون تحيضها في أول الدم عشرة أيام للاستظهار، و لم يقيده بما إذا كان ظهور الدم في أول أيام العادة الوقتية.

علي أن النظر في كلماتهم في مباحث الحيض يشهد باضطرابها في تحديده و في مفاد نصوصه و تعبيرهم عند تحرير الفتاوي بما يشابه مضامين النصوص و لا يطابقها، إذ لا مجال مع ذلك لإحراز مطابقة فتاواهم لفتاوي من سبقهم ممن كان يقتصر علي إثبات النص أو التعبير بعبارته، كالكليني و الصدوق و غيرهما من قدماء الأصحاب، ليحرز اتصال الإجماع بعصور المعصومين عليهم السّلام و يكشف عن حكمهم.

نعم، لو كانت لهم فتاوي يظهر منهم التسالم عليها تعبدا من غير جهة النص أو الاعتبار تعين انحصار مأخذها بالتسالم المتصل بعصور المعصومين عليهم السّلام الكاشف عن حكمهم، و ليس منه المقام. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

ترجيح العادة علي التمييز

(1) تقديما للعادة علي التمييز، كما ذكره المحقق و العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، و هو ظاهر الاقتصاد و السرائر و المحكي عن ابن الجنيد و المفيد و المرتضي و الشيخ في الجمل و أتباعهم و عن الكافي و الجامع و سائر المتأخرين.

و في التذكرة و الرياض و المستند أنه الأشهر، و نسبه للأكثر في جامع المقاصد، و للمشهور في محكي الذكري، و في الجواهر أن عليه الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا.

و نسب غير واحد للشيخ في النهاية تقديم التمييز. و كأنه لقوله: «فإن اشتبه

ص: 312

______________________________

علي المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة فلتعتبر بالصفات التي ذكرناها، فإن اشتبه عليها و كانت ممن لها عادة بالحيض فلتعمل في أيام حيضها علي ما عرفت من عادتها و تستظهر … » حيث أخر الرجوع عن العادة عن الرجوع للصفات.

لكنه موقوف علي كون المراد بالاشتباه الذي هو موضوع الرجوع للعادة الاشتباه المساوق لعدم التمييز، و هو غير ظاهر، بل مقتضي إطلاقه إرادة مطلق التردد بين الحيض و الاستحاضة، فيكون استدراكا من الارجاع للتمييز و يطابق المشهور.

و لعله لذا توقف في الجواهر في نسبة الخلاف للنهاية.

نعم، صرّح في المبسوط و الخلاف و محكي الإصباح بترجيح التمييز، بل في الخلاف أن عليه إجماع الفرقة. لكن صرّح فيها بعد ذلك بأن تقديم العادة قوي، و خيّر في الوسيلة بين العمل علي العادة و العمل علي التمييز.

و الأقوي تقديم العادة، لما تضمن أن الصفرة في أيام الحيض حيض «1»، و لموثق إسحاق بن جرير: «سألتني امرأة منا أن أدخلها علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت … قالت: فإن الدم يستمر بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أيام حيضها … قالت له: إن أيام حيضها تختلف عليها و كان يتقدم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة و يتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال: دم الحيض ليس به خفاء، هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد … » «2»، حيث تضمن الإرجاع للعادة أولا ثم للتمييز عند اختلاف الحيض.

و مرسلة يونس الطويلة الصريحة في رجوع ذات العادة إليها، و في اختصاص الرجوع للتمييز بفقد العادة قال عليه السّلام: «فهذا يبين أن هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها و لا وقتها … فلهذا احتاجت إلي أن تعرف إقبال الدم من إدباره و تغير لونه من السواد إلي غيره، و ذلك أن دم الحيض أسود يعرف، و لو كانت تعرف أيامها

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 4 من أبواب الحيض.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 313

______________________________

ما احتاجت إلي معرفة لون الدم، لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا إن كان الدم أسود أو غير ذلك، فهذا يبين لك أن قليل الدم و كثيرة أيام الحيض حيض كله إذا كانت الأيام معلومة، فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلي النظر حينئذ إلي إقبال الدم و إدباره و تغير لونه … » «1».

و هذه النصوص شاهدة بتقديم إطلاقات رجوع المستحاضة للعادة «2» علي إطلاق الرجوع للتمييز في صحيح حفص بن البختري: «دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض [حيض. خ ل] هو أو غيره؟

قال: فقال لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة … » «3»، فإنه و إن أمكن تنزيل أحد الإطلاقين علي الآخر إلا أن ما تقدم كاف في القرينية علي تقديم الأول.

بل لا مجال لتقديم الثاني حتي لو غض النظر عما تقدم، لأن الجمع بين الإطلاقين يكون إما بتقييد كل منهما بالآخر في ذات العادة، فلا يكفي أحد الأمرين فيها، أو بحمل نصوص العادة علي موافقة التمييز، أو علي صورة فقده، أو بحمل نصوص التمييز علي غير ذات العادة.

و لا قائل بالأول، و الثاني مستلزم لإلغاء خصوصية العادة و نصوصها آبية عنه جدا، و الثالث ليس بأولي من الرابع لو لم يكن الرابع أولي، لأن تنزيل المرأة في الصحيح علي غير ذات العادة أهون من تنزيل الدم علي الفاقد للتمييز في نصوص العادة الكثيرة.

و أما التخيير فهو يبتني إما علي الجمع بين الإطلاقين بذلك، و هو غير عرفي، أو علي كونه المرجع مع استحكام التعارض، و هو ممنوع صغري و كبري.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

(2) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض و باب: 1 من أبواب الاستحاضة.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 314

من دون فرق بين كون عادتها حاصلة من تكرر التمييز أو من رؤية الدم علي الأقوي (1)، و من دون فرق أيضا بين كون الواجد للصفات الزائد علي ما في العادة مما يمكن جعله حيضا منضما إلي ما في العادة، لكون المجموع منهما و من النقاء المتخلل بينهما لا يزيد علي العشرة (2) أو حيضا مستقلا، لكونه

______________________________

(1) بناء علي انعقاد العادة بالتمييز، كما سبق منه قدّس سرّه في المسألة السابعة، و سبق المنع منه، كما سبق احتمال انصراف أدلة الإرجاع إليها في المقام عن العادة المذكورة لو فرض انعقادها، لأن الفرع لا يزيد علي أصله، و إن لم يخل عن إشكال. فراجع.

(2) كما هو مقتضي إطلاق من أرجع للعادة أو حكم بتقديمها علي التمييز مع التعارض، لأن حجية العادة أو التمييز في مستمرة الدم لما لم تختص بإثبات حيضية ما يطابقهما، بل تشمل نفي حيضية ما يخالفهما، كانا متعارضين في الفرض، و يختص عدم التعارض بينهما الذي لا موضوع فيه للكلام في الترجيح و التخيير بما إذا تطابقا، كما هو مقتضي إطلاق من جعل موضوع البحث ما إذا اختلفا زمانا كالتحرير و القواعد، و صريح من جعل من فروض محل البحث في الترجيح أو التخيير ما إذا اتصل التمييز بالعادة أو تداخلا أو انفصلا و لم يبلغ المجموع العشرة، كما في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و محكي نهاية الأحكام و ظاهر غيرهم ممن ذكر أقوالهم، كما في المعتبر و الشرائع و المنتهي و غيرها.

و كيف كان، فيقتضيه إطلاقات الإرجاع للعادة الظاهرة أو الصريحة في الاقتصار في التحيض علي ما فيها.

خلافا لما يظهر من الروض من عدم التعارض بين العادة و التمييز في ذلك، فيلزم التحيض بما يقتضيه كل منهما فيه، و في الرياض و الجواهر أنه لا يخلو عن قوة، مدعيا في الأول أن عليه الإجماع المنقول، و في الثاني تصريح جماعة به و أن ظاهر التنقيح نفي الخلاف فيه.

ص: 315

______________________________

بل ظاهرهم خروجه عن محل الكلام في ترجيح العادة علي التمييز، لعدم التعارض بينهما بعد إمكان حيضية المجموع. و قد يناسبه ما في المعتبر و المنتهي من تقييد محل الكلام في الترجيح بما إذا لم يتجاوز المجموع العشرة، و ما في الذكري من تفسير التعارض بما إذا لم يمكن الجمع.

لكن سبق تحقق التعارض الذي هو مورد الكلام في الفرض المذكور، و أنه مقتضي إطلاق أو تصريح جملة من الأصحاب.

و ما سبق من المعتبر و المنتهي إما أن يبتني علي اختيار الجمع بين الأمرين في الفرض المذكور خلافا لمن سبق، كالذي سبق من الذكري، أو علي أن المراد من عدم التجاوز عن العشرة عدم تجاوز مجموع الدم، لعدم وجود دم آخر غير ما في العادة و الواجد للصفات، إذ ليس محل كلامهما من تجاوز دمها عن العشرة، بل من اختلف تمييزها مع عادتها، كما يحتمل أن يراد من عدم إمكان الجمع في الذكري تكاذب الأمارتين لاختلاف موردهما، لا عدم إمكان الجمع بين الدميين في الحيضية، ليناسب بقية عباراتهم الظاهرة في عدم خروجهم في تحرير محل النزاع عما سبق من الأصحاب.

و قد أطال شيخنا الأعظم قدّس سرّه في تقريب ذلك و توضيحه.

و كيف كان، فقد يستدل لما ذكروه..

تارة: بأنه عمل بكل من الأمارتين، فيجب لإطلاق دليليهما.

و اخري: بأنه مقتضي قاعدة الإمكان.

و يندفع الأول بما سبق من أن مبني كل من الأمارتين ليس مجرد حيضية ما يطابقها، بل نفي حيضية ما خرج عنها أيضا، فيتعارضان في الفرض، و حيث سبق ترجيح العادة تعين الاقتصار عليها.

و منه يظهر اندفاع الثاني، لصلوح دليل العادة حينئذ للحكومة علي قاعدة الإمكان.

ص: 316

مفصولا عن الدم الذي في العادة بعشرة أيام (1)، أو ليس بأقل من ثلاثة أيام (2)، أو لا يمكن جعله حيضا أصلا لا منضما و لا مستقلا. إن لم تكن ذات عادة وقتية و عددية (3)

______________________________

(1) كما في الحدائق و المستند و عن الذخيرة و شرح المفاتيح، و حكاه شيخنا الأعظم بعد تقويته عن جماعة من متأخري المتأخرين، بل هو مقتضي إطلاق من أرجع للعادة أو صرح بتقديمها علي التمييز مع التعارض بالتقريب المتقدم.

و يظهر الوجه فيه مما تقدم في سابقه. خلافا للمسالك و ظاهر المدارك من التحيض بهما معا، و في الرياض و الجواهر أنه لا يخلو عن قوة، و نسبه في الحدائق لجملة من الأصحاب. و في المستند أنه المحكي عن الأكثر، بل يظهر من المدارك أنه لا خلاف فيه لحكمه بخروجه عن مورد البحث في الترجيح أو التخيير. و يظهر وجهه و الجواب عنه مما تقدم في سابقه.

(2) هكذا في غير واحدة من طبعات الكتاب. و الظاهر أن الصحيح العطف بالواو، لا (أو) و يراد به بيان شرط حيضية الدم المذكور، و المناسب حينئذ ذكر عدم الزيادة علي العشرة أيضا، لما يأتي في شرط الرجوع للتمييز.

(3) سواء كانت ذات عادة عددية فقط أم ذات عادة وقتية فقط أم لم تكن ذات عادة أصلا. و في رجوع الأوليين لما انعقد لهما من العادة كلام يأتي في ضمن الفروع الآتية إن شاء اللّه تعالي. و من ثم كانت الأخيرة أظهر أفراد مورد الكلام الآتي.

و مقتضي ما سبق في بيان انعقاد العادة يكون المراد بالأخيرة من لم يتفق لها شهران متواليان في وقت الحيض و عدده، فيخل الاختلاف بيوم أو أكثر. بل سبق في الفرع الثالث من فروع انعقاد العادة الإشكال في إطلاق عدم اخلال الاختلاف ببعض يوم، و أن اللازم الاقتصار علي ما يتسامح فيه عرفا، كالساعة و الساعتين.

لكن في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

ص: 317

______________________________

المستحاضة أ يطؤها زوجها، و هل تطوف بالبيت؟ قال تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل و لتستدخل كرسفا … » «1».

و قد سبق في الوجه السابع من وجوه الجمع بين نصوص الاستظهار و نصوص الاقتصار علي العادة أن ظاهره فرض اختلاف القرء بنحو لا تنعقد به العادة الشرعية المتقدمة و إن لم يمنع من صدق القرء عرفا لطول المدة و قلة الاختلاف كاليوم و اليومين.

و لا ينافيه دليل انعقاد العادة الصريح في اعتبار عدم الاختلاف بذلك، لأن عدم انعقاد العادة الشرعية بالقرء المذكور إنما يقتضي عدم ترتب حكمها و هو الاقتصار عليها من دون استظهار، و لا ينافي ثبوت الحكم الذي تضمنه الصحيح.

ثم إن المنساق منه كون المراد بالجلوس في القرء الذي تضمنه هو الجلوس في المقدار الذي تتفق فيه الأقراء المختلفة زمانا و عددا المتيقن دخوله في القرء، و أن الاحتياط باليوم و اليومين إنما هو مراعاة لاحتمال الزيادة عليه تبعا لما حصل في بعض الأقراء. و لو تم كان مقيدا لما دل علي رجوع غير ذات العادة الشرعية للتمييز أو غيره، فيحمل علي صورة عدم كون المرأة ذات قرء عرفي بالوجه المذكور.

نعم، يشكل التعويل علي الصحيح المذكور في المورد المذكور و الخروج به عن إطلاق نصوص التمييز مع إهمال الأصحاب له في المضمون المذكور و ظهور مرسلة يونس الطويلة في حصر حكم المستحاضة بما تضمنته من السنن الثلاث.

و لا سيما مع شيوع الابتلاء بمورده، حيث يبعد جدا مع ذلك خطأ الأصحاب في حكمه و إهمال المرسلة له. و مع قرب معارضة موثق إسحاق بن جرير «2» المتقدم له، لتضمنه الإرجاع للتمييز مع تقدم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة و تأخره مثل ذلك، لقرب حمله علي الاكتفاء في الإرجاع له بتحقق الاختلاف بأحد الوجوه المذكورة فيه،

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 318

فإن كانت مبتدئة أو مضطربة (1)

______________________________

كالاختلاف بيوم واحد، لا إلي لزوم تحققها بأجمعها المستلزم للاختلاف بستة أيام.

فإن ذلك كله مما يثير الريب في الصحيح و يقتضي التوقف عن مضمونه و إرجاع علمه لأهله عليه السّلام، و لا يخرج به عن إطلاقات النصوص الواضحة الدلالة المعول عليها بين الأصحاب. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم. و منه نستمد العصمة و التوفيق.

رجوع غير ذات العادة للتمييز

(1) و الأولي هي المرأة في أول رؤيتها للدم، و الثانية هي التي رأت الدم قبل ذلك لكن ليس لها عادة ترجع إليها بسبب اختلاف الدم في الشهور. كذا فسرهما في المعتبر و محكي كشف الرموز و يستفاد من المنتهي و الدروس.

لكن ظاهر السرائر و الشرائع و عن الشهيد أن المبتدأة مطلق من لا عادة لها، و أن المضطربة هي الناسية لعادتها بعد انعقادها، و قد يستفاد من الإرشاد و القواعد، كما هو صريح المسالك و الروض ناسبا له فيهما للمشهور، و جعله في الروضة الأشهر، و في المدارك: «هو الذي صرح به العلامة رحمه اللّه و من تأخر عنه».

و يناسبه في المبتدأة ما في التذكرة من انحصار المستحاضة بها و بذات العادة، و ما في الخلاف من الاقتصار عليهما في بيان صور المستحاضة.

و في المسالك و الروض و الروضة ظهور الفائدة في رجوع من تكرر منها الحيض من دون أن تستقر لها عادة إلي عادة نسائها علي التفسير الثاني للمبتدئة دون الأول.

لكن في المدارك أن الاختلاف لفظي، لأن الحكم المذكور غير منوط في الأدلة بعنوان المبتدأة. و ما ذكره متين جدا.

إلا أن يكون المراد أن المناسب تعميم المبتدأة اصطلاحا تبعا لعموم الحكم، لأنه أنسب بالتقسيم، لا أن عموم الحكم تابع لعمومها الذي هو الظاهر بدوا ممن سبق، كما قد يناسبه ما في الروض أيضا من أن كلام المعتبر أدخل في اسم المضطربة، و إن كان التعميم أولي، لندرة المخالف، و لعموم حكمة الرجوع لعادة نسائها، و غيرهما.

ص: 319

______________________________

و أظهر منه ما في جامع المقاصد، حيث ذكر التفسير المشهور ثم تعرض لتفسير المعتبر السابق، ثم قال: «و هذا التفسير صحيح، إلا أن الأول هو الذي يجري عليه أحكام الباب، فإن من لم تستقر لها عادة أصلا ترجع إلي النساء مع فقد التمييز كالتي ابتدأت الدم، و المضطربة [و مراده بها الناسية تبعا للمشهور] لا ترجع إلي النساء، لسبق عادة لها … ».

لكن لو صحح عموم الحكم خروج الاصطلاح في العنوان عن معناه العرفي فهو إنما يتجه مع كون العموم اتفاقيا، أما مع الاختلاف فيه فاللازم إبقاء العنوان علي معناه العرفي ثم النظر في عموم الحكم تبعا لدليله.

نعم، في الروض أن ظاهر مرسلة يونس الطويلة دخول من لم تستقر لها عادة في المبتدأة لتضمنها حصر أقسام المستحاضة في الناسية لعادتها، و الذاكرة و المبتدأة، و حيث لا تدخل من لم تستقر لها عادة في الأوليين تعين دخولها في الأخيرة، و إلا بطل الحصر.

و دعوي: منافاته لصريح قوله عليه السّلام في بيان المبتدأة: «و إن لم يكن لها أيام قبل ذلك و استحاضت أول ما رأت فوقتها سبع … » «1».

مدفوعة بأن قوله عليه السّلام: «و إن لم يكن لها أيام قبل ذلك» شامل لمن لم تستقر لها عادة، فلا بد من تنزيل قوله: «و استحاضت أول ما رأت» علي ما يناسب عمومه لها، بحمل الأولية علي الإضافية بلحاظ عدم استقرار العادة، محافظة علي الحصر المذكور.

و يشكل بأنه- مع بعد التنزيل المذكور في نفسه- مناف لصريح قوله عليه السّلام قبل ذلك: «و أما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة و لم تري [تر. في. يب] الدم قط، و رأت أول ما أدركت فاستمر بها … ».

و أما الحصر فليس هو لحالات المستحاضة، بل لأحكامها و سننها، فلا ينافي عدم دخول من لم تستقر لها عادة في أحد الأقسام المذكورة إذا كانت مشاركة في الحكم لغير ذات العادة منها، كما نبه له شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 320

و كانت ذات تمييز- بمعني أن الدم بعضه بصفات الحيض (1) و بعضه فاقدا [فاقد. ظ] لها- وجب عليها التحيض بالدم الواجد للصفات (2) بشرط

______________________________

و من ثم كان الأولي تخصيص المبتدأة بمن ابتدأ بها الدم، و المضطربة بمن اضطرب حيضها من دون أن تستقر لها عادة، مع خروج الناسية لعادتها عنها، فضلا عن أن تختص بها، ثم النظر في حكم كل منها. و الأمر سهل بعد ما ظهر من عدم ترتب ثمرة عملية علي النزاع المذكور.

(1) تقدم في المسألة الخامسة التعرض لصفات دميي الحيض و الاستحاضة التي عليها المعيار في الحكم بكل منهما، و يأتي قريبا تمام الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

(2) أما في المضطربة فهو المصرح به في كلام الأصحاب، و في مفتاح الكرامة:

«لا أجد في ذلك خلافا و لا نقله». بل ادعي الإجماع عليه في المعتبر و المنتهي، و يستفاد ممن يأتي منه دعواه في المبتدأة إن كان ممن يعممها لها.

و يقتضيه- مضافا إلي إطلاق صحيح حفص بن البختري «1» المتقدم في ترجيح العادة علي التمييز- موثق إسحاق بن جرير «2» - المتقدم هناك أيضا- الصريح في الإرجاع إليه فيمن تختلف أيام حيضها.

و قوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة: «و أما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت و نقصت حتي أغفلت عددها و موضعها من الشهر، فإن سنتها غير ذلك. و ذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلّي اللّه عليه و آله فقالت:

إني استحاض و لا أطهر. فقال لها النبي صلّي اللّه عليه و آله: ليس ذلك بحيض، إنما هو عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلي … و كان أبي يقول: إنها استحيضت سبع سنين، ففي أقل من هذا تكون الريبة و الاختلاط فلهذا احتاجت أن تعرف إقبال الدم من إدباره و تغير لونه من السواد إلي غيره، و ذلك أن

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 321

______________________________

دم الحيض أسود يعرف، و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلي معرفة لون الدم …

فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلي النظر حينئذ إلي إقبال الدم و إدباره و تغير لونه … » «1».

فإن المراد بالاختلاط إن كان هو سقوط حكم العادة بسبب كثرة مخالفتها في الأشهر اللاحقة كان من أفراد ما نحن فيه من فرض الاضطراب و عدم العادة التي يرجع إليها.

و إن كان هو نسيان وقتها- كما هو الظاهر، للتعبير بالجهالة و الريبة و الإغفال و المعرفة الظاهرة في فرض واقع محفوظ- كانت دالة علي ما نحن فيه بالأولوية العرفية، لأنه إذا كان التمييز حجة في ظرف وجود عادة مجهولة صالحة لأن يرجع إليها في نفسها، كان أولي بالحجية في ظرف عدم انعقاد العادة أصلا. فلاحظ.

هذا و عن أبي الصلاح الحلبي أن المضطربة «2» ترجع إلي عادة نسائها، فإن فقدن فإلي التمييز فإن كان مراده بالمضطربة من لم تنعقد لها عادة كان خلافا فيما نحن فيه، و إن كان مراده بها الناسية خرج عنه.

و كيف كان، فكأن الوجه فيه ما يأتي من نصوص رجوع المستحاضة إلي نسائها.

لكن النصوص المذكورة- كما سيأتي- بين ما يختص بالمبتدئة و هو مورود أو محكوم لاطلاقات التمييز، لظهوره في فرض التحير و عدم الطريق لمعرفة الحيض، فلا مجال لاستفادة حكم المضطربة منه بنحو يعارض إطلاق التمييز، فضلا عن أن يقدم عليه.

و مثله ما هو مختص بالنفساء، بل هو غير معمول به فيها، فضلا عن أن يتعدي منها للمستحاضة، و بين ما هو وارد في مطلق المستحاضة، و لا وجه لتقديمه علي إطلاق التمييز، لعدم المرجح له بعد كون النسبة بينهما العموم من وجه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

(2) هكذا حكاه عنه غير واحد لكن الذي حكاه عنه في المختلف أنه قال: «و أما المختلطة و هي التي لا تعرف زمان حيضها من طهرها ففرضها أن ترجع إلي عادة نسائها … ». و ربما يظهر منه إرادة مطلق المستحاضة التي يستمر بها الدم أو خصوص غير ذات العادة منها. (منه عفي عنه).

ص: 322

______________________________

بل الظاهر لزوم تقديم إطلاق التمييز عليه، فيحمل هو علي صورة فقد التمييز، لأن الرجوع للتمييز أظهر من الرجوع لعادة النساء، لتميزه بارتكازيته في نفسه و بكون أدلته النقلية أظهر و أكثر، فحمل إطلاق الإرجاع لعادة النساء علي صورة فقد التمييز اتكالا علي وضوح الرجوع إليه لو وجد أقرب من حمل إطلاق الإرجاع للتمييز علي صورة تعذر الرجوع لعادة النساء.

و لا سيما مع ما أشرنا إليه من ظهور ما ورد منه في المبتدأة في فرض التحير، حيث يصلح عرفا لأن يكون شاهد جمع بين الإطلاقين المذكورين و قرينة علي تقديم إطلاق دليل التمييز علي إطلاق دليل الرجوع للعادة، لكون صورة التحير هي المتيقنة منه.

علي أن ظهور مفروغية الأصحاب عن تقديم التمييز حتي لم يتعرض كثير منهم لخلاف أبي الصلاح أو لبيان دليله تكفي في دفع احتمال تقديم إطلاق الإرجاع لعادة النساء، لبعد خفاء ذلك عليهم جدا.

هذا كله بناء علي العمل بالإطلاق المذكور في المضطربة، و إلا فالأمر أظهر.

و سيأتي الكلام في تحقيق ذلك تبعا للمتن إن شاء اللّه تعالي.

هذا كله في المضطربة. و أما المبتدأة فرجوعها للتمييز هو المعروف من مذهب الأصحاب، و قد ادعي الإجماع عليه في الخلاف و المعتبر و المنتهي و التذكرة. و يقتضيه إطلاق صحيح حفص المتقدم في ترجيح العادة علي التمييز.

بل لا يبعد فهمه مما ورد في المضطربة أو الناسية، لإلغاء خصوصيتهما عرفا، و فهم أن إرجاعهما إليه لعدم العادة المخرجة عنه. و لا سيما بملاحظة التعليل في الفقرات المتقدمة من مرسلة يونس بقوله عليه السّلام: «فلهذا احتاجت أن تعرف إقبال الدم من إدباره» و غيره مما يظهر بملاحظتها.

لكن استشكل فيه في الحدائق بخلو النصوص الواردة في المبتدأة عنه، فمرسلة يونس الطويلة قد تضمنت حصر سنن الحيض في ثلاث، و أن النبي صلّي اللّه عليه و آله بين فيها كل مشكل حتي لم يدع لأحد فيها مقالا بالرأي، و مع ذلك قال عليه السّلام فيها في بيان سنة

ص: 323

______________________________

المبتدأة: «و أما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة و لم تري [تر. في. يب] الدم قط و رأت أول ما أدركت فاستمر بها، فإن سنة هذه غير سنة الأولي و الثانية، و ذلك أن امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: إني استحضت حيضة شديدة، فقال: احتشي كرسفا. فقالت: إنه أشد من ذلك إني أثجه ثجا، فقال: تلجمي و تحيضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام … و هذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه، أقصي وقتها سبع … فجميع حالات المستحاضة تدور علي هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو من واحدة منهن إن كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي علي أيام «أيامها» … و إن لم يكن لها أيام قبل ذلك و استحاضت أول ما رأت فوقتها سبع … » «1».

و موثق عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين يوما فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام … » «2»، و نحوه موثقة الآخر «3» في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة، و موثق سماعة: «سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيام أقرائها. فقال:

أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام، و أقله ثلاثة أيام» «4».

فإن خلو هذه النصوص عن التعرض للتمييز مع ورودها في مقام البيان موجب لقوة ظهورها في عدم اعتباره في المبتدأة. و ليس تقييدها بنصوص التمييز بأولي من العكس و قصر نصوص التمييز علي غير المبتدأة تحكيما لهذه النصوص عليها.

بل الثاني أولي بلحاظ مرسلة يونس التي قصرت التمييز علي المضطربة و أهملته في المبتدأة، لقوة ظهورها في الفرق بينهما. فلا تصل النوبة للتعارض بين الإطلاقين و التماس المرجح الخارجي لأحدهما أو التساقط. و لعله لذا حكي عن أبي الصلاح الاقتصار في المبتدأة علي الرجوع لعادة نسائها من دون تعرض للتمييز.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 324

______________________________

و يشكل بأن ذيل مرسلة يونس شاهد باختصاص التحيض بالعدد بالفاقدة للتمييز، لقوله عليه السّلام بعد التعرض للسنن الثلاث و لمواردها: «فجميع حالات المستحاضة تدور علي هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو من واحدة منهن، إن كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي علي أيام [أيامها] و خلقها … و إن اختلط عليها أيامها و زادت و نقصت حتي لا تقف منها علي حد، و لا من الدم علي لون عملت باقبال الدم و إدباره … فإن لم يكن الأمر كذلك و لكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة و كان الدم علي لون واحد و حالة واحدة فسنتها السبع و الثلاث و العشرون، لأن قصتها كقصة حمنة حين قالت: إني أثجه ثجا» «1».

لصراحته في أن موضوع السنة الثالثة كموردها فاقدة التمييز، فلا بد من كون تطبيقها في الصدر علي المبتدأة لفرض كون المبتدأة كذلك، لغلبة ذلك فيها- كما قيل- أو لغيرها.

و هو المناسب لإهمال التنبيه في الصدر علي كون حمنة مبتدئة و الاقتصار علي بيان كونها غير ذات عادة، و لعموم تعليل الرجوع للتمييز في الناسية بأن دم الحيض أسود يعرف فيرجع إليه مع عدم العادة المخرجة عنه، مع ظهور الإرجاع للعدد فيها في كونه من قبيل الأصل في مورد فقد الدليل علي تعيين الحيض، حيث يكون مقتضي ذلك رجوع ذات التمييز إليه مطلقا، و أن التحيض بالعدد في المبتدأة و غيرها في ظرف فقده، و أن ذكر الناسية في السنة الثانية و المبتدأة في الثالثة ليس لخصوصيتهما، بل لكون الأولي ذات تمييز، و الثانية فاقدة له، فيشاركهما فيهما كل من كانت مثلهما.

و هو المناسب لما تضمنته المرسلة من انحصار سنن المستحاضة في الثلاث و عدم خروجها عن واحدة منها، إذ لو بني علي الجمود علي خصوصيتهما كانت الناسية الفاقدة للتمييز و المضطربة مطلقا خارجتين عنهما، و لم يكن وجه لتحيض الأولي و الثانية مع فقد التمييز بالعدد، مع ظهور حال صاحب الحدائق- تبعا للأصحاب- في المفروغية عنه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 325

______________________________

و منه يظهر صلوح المرسلة لأن تكون شاهدا علي تقديم إطلاق دليل التمييز علي إطلاق تحيض المبتدأة بالعدد أو اقراء النساء في الموثقات، حيث تكون قرينة علي تعارف إرادة خصوص غير ذات التمييز من المبتدأة فيها، كما قد يشعر به قوله في الثاني: «يدفع عليها الدم … » الذي لا يبعد اتحاده مع الأول و الاختلاف بينهما بسبب النقل بالمعني.

كما أن قوله في موثق سماعة: «و هي لا تعرف أيام أقرائها» لما لم يرد أيام عادتها، لفرض كونها مبتدئة، بل أيام حيضها يكون مورودا أو محكوما لاطلاقات التمييز مع قطع النظر عما تقدم.

بل قد يشعر بإمكان معرفتها لها، المستلزم حجية التمييز في حقها، لعدم المرجع لها غيره بعد فرض عدم كونها ذات عادة، كما نبه له بعض مشايخنا فيما حكي عنه. بل ادعي بلوغه مرتبة الظهور في ذلك و صلوحه لتقييد المطلقات الأخر لو تمت. لكنه لا يخلو عن إشكال أو منع.

و كيف كان، فلا ينبغي التأمل بعد ما ذكرنا في تقديم إطلاق الإرجاع للتمييز علي إطلاق تحيض المبتدأة بأقراء نسائها أو بالعدد. و هو المناسب لكون خصوصية تحقق التمييز في الرجوع إليه أقوي بسبب ارتكازيته من خصوصية المبتدأة في التحيض بأقراء النساء أو بالعدد.

و بالجملة: لا ينبغي التوقف في رجوع المبتدأة للتمييز، و لا سيما مع ما سبق من الأصحاب، حيث يبعد جدا خطؤهم في ذلك مع شيوع الابتلاء به. فلاحظ.

بقي في المقام أمور..
الأول: قال في مفتاح الكرامة: «و ليعلم أن جماعة من الأصحاب لم يتعرضوا للتمييز فيما أجد،

كالصدوقين و المفيد و أبي المكارم و سلار».

لكن الصدوق لم يتعرض في كتبه الثلاثة إلا لما تقدم منه في ذيل الكلام في الرجوع للعادة، و سبق أنه قد يظهر منه حكايته عن رسالة والده، و كلامه المذكور ظاهر

ص: 326

______________________________

في أن موضوعه ذات العادة، فعدم تعرضه للتمييز لا يدل علي خلافه فيه. فلاحظ.

و نحوه المفيد و سلار في المقنعة و المراسم، لأنهما لم يذكرا في مبحث الحيض إلا أن أكثره عشرة أيام فإن زاد الدم عليها كان استحاضة، و أما في مبحث الاستحاضة فقد قال في المقنعة: «و المستحاضة لا تترك الصلاة و الصوم في حال استحاضتها و تتركهما في الأيام التي كانت تعتاد الحيض قبل تغير حالها بالاستحاضة» و في المراسم: «و لا حرج علي زوجها في وطئها بعد فعل ما يجب عليها من الاحتشاء و الغسل إلا في أيام المعتادة للحيض».

و أما أبو المكارم في الغنية فقد قال- بعد أن ذكر أقل الحيض و أكثره، و أنه أصل تعمل عليه من لم تسبق بعادة-: «فإذا رأت المبتدأة الدم و انقطع لأقل من ثلاثة أيام فليس بحيض، و إن استمر ثلاثة كان حيضا، و كذا إلي تمام العشرة. فإن رأت بعد ذلك دما كان استحاضة إلي تمام العشرة الباقي [الثاني]، لأن ذلك هو أقل أيام الطهر، فإن رأت في اليوم الحادي و العشرين دما و استمر بها ثلاثة أيام فهو حيض، لمضي أقل أيام الطهر. و كذا لو انقطع الدم أول ما رأته بعد ثلاثة أيام ثم رأته اليوم الحادي عشر من وقت ما رأت الدم الأول، فإنه دم الاستحاضة، لأنها رأته في أيام الطهر، و كذا إلي تمام الثالث عشر، فإن رأت في اليوم الرابع عشر دما كان من الحيضة المستقبلة، لأنها قد استوفت أقل أيام الطهر، و هي عشرة. و علي هذا تعتبر بين الحيضتين أقل أيام الطهر … ».

و من هنا نسب إليه في محل الكلام عمل المبتدأة و المضطربة علي أصل أقل الطهر و أكثر الحيض.

لكن لا يبعد انصراف صدر كلامه إلي فرض انقطاع الدم و عوده في اليوم الحادي و العشرين، نظير ما في ذيله من فرض انقطاعه علي الثلاثة و عوده في اليوم الرابع عشر أو قبله، فهو خارج عن محل الكلام من فرض الاستمرار، و إلا كان المناسب له الحكم بالتحيض في اليوم الحادي و العشرين ابتداء و لم يحتج لفرض رؤية الدم فيه.

ص: 327

______________________________

نعم، قد يناسب ذلك ما في إشارة السبق، حيث قال: «فتعتبر المرأة بين حيضتيها أقل أيام طهرها إن كان خروج الدم مستمرا بها، و تعمل علي أن ما تراه منه فيها ليس حيضا».

لكنه لا يناسب قوله في تعريف الحيض: «و هو ما يحدث بالنساء من خروج الدم ابتداء إلي حيث يتميز لهن بصفته المخصوصة أو بعادة مألوفة» مع قوله بعد الكلام المتقدم: «و متي تميز لها عملت علي التمييز إلي أن تستمر [تستقر. ظ] عادتها به فتعمل عليها، و متي تعذر عملت علي المروي … » لوضوح أن الرجوع للتمييز ثم للروايات لا يناسب العمل بأصل أقل الطهر.

الثاني: ذكر في المبسوط أن المستحاضة المبتدأة ذات التمييز تتحيض بتمام الدم الواجد للصفة في كل شهر مع اختلاف الشهور في قدره،

ثم قال: «فإن رأت في شهرين متواليين مثلا ثلاثة أيام و رأت في الشهر الثالث خمسة أيام حكم في الشهرين الأولين بأن حيضها ثلاثة أيام، لأن عادتها قد استقرت بالشهرين، غير أنها في الشهر الأول و الثاني لا تصلي و لا تصوم إلا بعد أن يمضي عليها عشرة أيام أقصي مدة الحيض علي أي صفة كان، فإذا ثبت في الشهر الثالث أن ما زاد في الشهر الأول و الثاني علي الأيام التي رأت فيها دم الحيض كان استحاضة قضت الصوم و الصلاة، و أما في الشهر الثالث الذي استقرت فيه عادتها فإنها تغتسل إذا مضت عليها الأيام التي رأت فيها دم الحيض في الشهر الأول و الثاني و تصوم و تصلي».

و قد سبق الكلام فيما ذكره من انعقاد العادة بالتمييز و ترجيحها علي التمييز عند التعارض.

و إنما الإشكال فيما ذكره من عدم اقتصارها في التحيض علي الدم الواجد للصفة قبل انعقاد العادة، بل تنتظر العشرة، و من أنه لو انعقدت العادة انكشفت حيضية خصوص مقدارها في الشهرين اللذين انعقدت بهما و وجب قضاء ما تركته فيما زاد عليه إلي العشرة. لأن الأول مخالف لفرض حجية التمييز، التي لولاها لم تنعقد العادة به.

ص: 328

______________________________

و الالتزام باختصاص حجيته بحيثية انعقاد العادة دون سائر أحكام ارتفاع الحيض. كما تري لا يناسب نصوصه جدا. و قد تقدم نظيره في الاستدلال علي انعقاد العادة بالتمييز بمرسلة يونس. فراجع.

و أما الثاني فيشكل بأن ظاهر أدلة حجية العادة الرجوع إليها في خصوص الأشهر اللاحقة لانعقادها، دون ما قبله من الشهرين اللذين تنعقد بهما أو غيرهما.

فإذا فرض عدم نهوض التمييز في الشهرين المذكورين بالحجية علي انتهاء الحيض بالثلاثة و لزوم التحيض للعشرة لقاعدة الإمكان أو نحوها لم تنهض العادة المنعقدة بهما بالحجية علي ذلك، ليجب قضاء الصلاة المتروكة فيما زاد علي الثلاثة.

الثالث: سبق أن رجوع مستمرة الدم إلي العادة الوقتية و العددية لا يشمل الدور الأول،

بل هي فيه تتحيض بأول الدم و إن لم يصادف العادة ثم تستظهر.

و أما رجوعها للتمييز فمقتضي إطلاقهم رجوع من تجاوز دمها العشرة له عدم الفرق فيه بين الدور الأول و غيره، بل هو صريح جملة منهم، كما يظهر بملاحظة كثير من الفروع المذكورة في المبسوط و المعتبر و التذكرة و المنتهي و غيرها.

و لا يخفي قصور موثق إسحاق بن جرير عنه لاختصاصه بمن يستمر دمها شهرا أو أكثر. و كذا مرسلة يونس الطويلة، لظهور كثير من فقراتها، بل صريح بعضها في أن السنن التي تضمنتها قد سنت للمستحاضة و مقتضي قاعدة الإمكان حيضية الدم في أول ظهوره، و أن المرأة لا تكون مستحاضة إلا بعد مضي العشرة الأولي، كما لا يمكن حيضها إلا بعد مضي العشرة الثانية التي بها يمضي أقل الطهر بين الحيضتين، كما سبق نظيره في الرجوع للعادة.

مضافا إلي صراحتها في أن مورد الإرجاع للتمييز- الذي هو السنة الثانية- من اختلطت عليها أيامها بسبب طول الدم، و أنها استحيضت سبع سنين، فتقصر عن الدور الأول.

و التعدي بها عن المورد المذكور لمن استمر بها الدم دون ذلك، بل لغير من

ص: 329

______________________________

اختلطت أيامها، و هي المضطربة و المبتدأة، للقرائن المتقدمة و غيرها، لا يستلزم إلغاء خصوصية طول المدة مطلقا بنحو يشمل الدور الأول، لقرب خصوصية الدور الأول بارتكازية الرجوع فيه لقاعدة الإمكان، بخلاف ما إذا استمر بعد ذلك، لأن مقتضي قاعدة الإمكان التحيض بمضي أقل الطهر، و لما كان خارجا عن المتعارف أهمل الشارع كالعرف القاعدة المذكورة، و أرجع للتمييز و غيره مما يناسب الوضع الطبيعي.

فلم يبق في المقام إلا إطلاق صحيح حفص «1» فيمن يستمر بها الدم الشاملة للدور الأول. و به ينحصر الوجه فيما سبق من الأصحاب.

اللهم إلا أن يقال: قول الراوي في صحيح حفص: «فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري [أ] حيض هو أو غيره» و إن كان ظاهرا في التحير في معرفة الحيض بسبب الاستمرار، الذي قد يشمل الدور الأول، إلا أن قوله عليه السّلام في الجواب: «فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة» ظاهر في أن تمييز الحيض بالصفات لترتيب أحكامه حين وجوده، و هو لا يشمل الدور الأول الذي يتحيض فيه برؤية الدم أو بعد مضي ثلاثة أيام لقاعدة الإمكان و لو مع فقد الصفات، و لو فرض عموم حجية التمييز له كان كاشفا عن حال العمل حينه من دون أن يستند العمل إليه.

و من هنا لا يبعد صلوح الجواب للقرينية علي انصراف السؤال للاستمرار الموجب للتحير في العمل الذي يكون بعد التحيض بعشرة في أول الدم- بمقتضي قاعدة الإمكان- و بعد مضي أقل الطهر منه، حيث لا يكون الرجوع لقاعدة الإمكان ارتكازيا و يحتاج للسؤال عن طريق معرفة الحيض.

بل لعل ذلك هو المنصرف أو المتيقن من السؤال في نفسه مع قطع النظر عن الجواب، إذ بعد أن لم يكن المراد به مطلق الاستمرار، بل خصوص ما يوجب التحير في حال الدم منه فارتكازية الرجوع لقاعدة الإمكان في الدور الأول تمنع من إحراز عمومه له. فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 330

______________________________

و دعوي: أن قصور الأدلة عن الدور الأول لفظا لا يمنع من فهم عموم حجية التمييز له، لعدم الفرق في كاشفية الصفات عرفا بعد ظهور الأدلة تبعا للمرتكزات في كونها من خواص صفة دم الحيض الطبيعية.

مدفوعة بأن الصفات المذكورة لما لم تكن لازمة للحيض و لا مختصة به، بل كانت غالبية له لم تكن حجيتها عرفية، بل تعبدية، و لذا احتيج للسؤال عن كيفية معرفته، فلا مجال للتعدي عن مورد أدلتها، و قد تقدم توضيح ذلك عند الكلام في عموم حجية الصفات لغير مستمرة الدم في بحث قاعدة الإمكان.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 331

علي أنه لو فرض تحصيل الإطلاق من الأدلة بنحو يشمل الدور الأول كفي في الخروج عنه موثق سماعة: «سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض فتقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة أيام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء.

قال: فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت تري الدم، ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدة أيام سواء فتلك أيامها» «1»، لظهوره في أن تجاوز الدم عن العشرة إنما يمنع من البناء علي حيضية الزائد، لا التوقف في حيضية العشرة و لزوم الرجوع للتمييز الذي قد يقتضي حيضية ما بعدها دونها.

و مثله في ذلك قوله عليه السّلام في مرسلة يونس القصيرة: «فإذا حاضت المرأة، و كان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت «2» عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة، فإن رأت الدم من أول ما رأته [رأت. في] الثاني الذي رأته تمام العشرة و دام عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة» «3».

مؤيدا بما في صحيحي يونس بن يعقوب و أبي بصير «4» فيمن تري الدم ثلاثة

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) تقدم في ذيل الكلام في أقل الحيض الكلام في هذه الفقرة و أنه حكي عن بعض: (من يوم طمثت) فراجع.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2، 3.

ص: 331

______________________________

أيام أو أربعة أو خمسة و الطهر كذلك أو ستة أيام و يتكرر ذلك منها من عدم جريان حكم المستحاضة عليها إلا بعد مضي شهر، فإن عدم الإرجاع في ذلك لوظيفة المستحاضة- من العمل علي العادة أو التمييز أو العدد- إلا بعد الشهر مع التحيض بجميع الدم في الشهر الأول- مع كونه احتياطا مخالفا للقواعد- يناسب عدم إرجاع مستمرة الدم إليها في الدور الأول مع اقتضاء قاعدة الإمكان التحيض فيه بالأولوية العرفية.

و مجرد عدم العمل بهما في التحيض بتمام الدم لما سبق في الدم المتقطع لا يمنع كونهما مؤيدين فيما نحن فيه.

و دعوي: أن بين إطلاق هذه الأدلة و إطلاقات التمييز عموما من وجه لشمول هذا الإطلاق لفاقدة التمييز و شمول إطلاقات التمييز لما عدا الدور الأول.

مدفوعة بأن حمل إطلاقات التمييز علي ما عدا الدور الأول الذي يقرب الاستغناء بقاعدة الإمكان و الاستصحاب عن التمييز فيه أقرب عرفا من تنزيل هذه الإطلاقات علي فاقدة التمييز.

و لا سيما مع أنه يشارك إطلاقات التمييز في النسبة المذكورة إطلاقات المرتبتين الأخيرتين. و هما الرجوع لأقراء الأقارب و التحيض بالعدد. و حيث كانت إطلاقات المراتب الثلاث من سنخ واحد واردة لتمييز الحيض عن الاستحاضة عند اختلاطهما كان الظاهر تقديم إطلاق هذه الأدلة عليها جميعا، لأن تقديمه علي بعضها دون بعض بلا مرجح و تقديمها جميعا عليه مستلزم لعدم بقاء مورد له.

علي أنه لو فرض التوقف في تقديم أحد الإطلاقين علي الآخر لزم البقاء علي مقتضي قاعدة الإمكان و الاستصحاب، و عدم الخروج عنهما بالتجاوز عن العشرة، لسقوط ما يلزم بالخروج عنهما من إطلاق التمييز و غيره بالمعارضة.

هذا و بمراجعة ما تقدم في الرجوع للعادة يتضح أنه لا مجال للخروج عما اقتضته الأدلة المتقدمة بظهور إعراض المشهور عنه. و لا سيما مع ظهور ما ذكرنا ممن ذكر أنه مع زيادة الدم علي العشرة يتعين الزائد لأن يكون استحاضة، كما في المقنعة و الاقتصاد

ص: 332

______________________________

و الغنية- فيما تقدم منه في التنبيه الأول- و المراسم، لظهور كلماتهم بل صريح بعضها تعين اليوم الحادي عشر و ما بعده لأن يكون استحاضة، و هو لا يلائم الرجوع للتمييز مع الزيادة علي العشرة، لأنه قد يقتضي حيضية المتأخر، أو بعض العشرة لإتمامها، كما صرح بذلك أيضا الصدوق فيما تقدم من كلامه في الرجوع للعادة، و هو و إن كان ظاهرا في ذات العادة، إلا أن البناء علي حيضية العشرة فيها يقتضي ذلك في غيرها بالأولوية العرفية.

كما صرح بذلك في الوسيلة أيضا، حيث ذكر أنه مع استمرار الدم ثلاثة عشر يوما تتعين العشرة للحيضية و الثلاثة الأخيرة لأن تكون استحاضة، و أن الاشتباه الذي يرجع معه للتمييز و غيره إنما يكون فيما لو زاد علي ذلك لمضي أقل الحيض و أقل الطهر، و إن عرفت أن مقتضي قاعدة الإمكان لما كان هو حيضية تمام العشرة تعينت العشرة الثانية لأن تكون استحاضة، و يبدأ الاشتباه بالثالثة.

بل تعين ما زاد علي العشرة لأن يكون استحاضة منتشر في كلماتهم، حتي من بعض من سبق منهم الجري علي المشهور فقد تكرر في كلماتهم أن الاستبراء إنما يحتاج إليه إذا كان الانقطاع في أثناء العشرة فلو كان بعد مضيها فلا حاجة له، لمضي الحيض، إلي غير ذلك مما يظهر منه اضطراب كلماتهم. فلا مجال للخروج بها عما اقتضته الأدلة. و يأتي في التنبيه الرابع من تنبيهات مبحث الرجوع لأقراء الأقارب ما ينفع في المقام. فلاحظ.

الرابع: ذكر غير واحد أن المعيار في التمييز علي اختلاف حال الدم من الشديد إلي الضعيف بما لهما من واقع إضافي

من دون أن يختص الحيض أو الاستحاضة بصفة خاصة من لون أو غيره، قال في المعتبر: «إذا رأت الأسود و الأحمر فتجاوز فالأسود حيض و الأحمر طهر و لو رأت الأحمر و الأصفر فالأحمر حيض و الأصفر طهر».

و نحوه في التذكرة و قريب منه في المنتهي.

بل عن نهاية الأحكام: «تعتبر القوة و الضعف بإحدي صفات ثلاث:

اللون، فالأسود قوي بالنسبة إلي الأحمر، و الأحمر قوي بالنسبة إلي الأشقر، و الأشقر

ص: 333

______________________________

قوي بالنسبة إلي الأصفر و الأكدر. و الرائحة، فذو الرائحة الكريهة أقوي مما لا رائحة له. و الثخن، فالثخين أقوي من الرقيق». و عنه أيضا أن المتصف بواحدة أضعف من المتصف باثنتين، كما أنه أضعف من ذي الثلاث.

و قريب منه في جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و المدارك و محكي الموجز و شرحه. و زاد في جامع المقاصد و الروضة و المسالك و الروض أن الأصفر أقوي من الأكدر، و في الأخيرين أن ما تقوي رائحته أقوي مما تضعف رائحته.

و ذلك يجري في مراتب الألوان و الثخن، كما لو كان أحدهما أشد سوادا من الآخر أو أشد ثخنا منه، علي ما نبه له في الجملة غير واحد.

و كأن الوجه في ذلك التعبير بالإقبال و الإدبار في مرسلة يونس الطويلة، و هما من الأمور الإضافية التي لا تختص بصفة خاصة.

و لعله لذا عمموا التمييز للرائحة و الثخانة، مع عدم حجية النص الذي تضمنهما، لعدم ذكر الأولي إلا في مرسلة الدعائم، و الثانية إلا فيها و في الرضوي، كما سبق في المسألة الخامسة.

لكن لازمه التعميم للحرارة و الدفع، و لا سيما مع اشتمال النصوص المعتبرة عليهما علي ما سبق هناك. فراجع.

و كيف كان، فيشكل الاستدلال المذكور بأن المرسلة كما اشتملت علي الإقبال و الإدبار في بعض فقراتها من دون إضافة أضافت في بعض فقراتها إليهما تغير لون الدم من السواد إلي غيره، قال عليه السّلام: «فلهذا احتاجت إلي أن تعرف إقبال الدم من إدباره و تغير لونه من السواد إلي غيره»، فكما يمكن بدوا إبقاء الإقبال و الإدبار علي إطلاقهما، مع تنزيل ذكر السواد علي أنه أحد أفراد الإقبال، كذلك يمكن العكس بالمحافظة علي خصوصية السواد و تنزيل إطلاق الإقبال و الإدبار علي ما يساوقه.

بل لعل الثاني أولي، لقرب كون العطف تفسيريا، بل هو المتعين بلحاظ قوله عليه السّلام بعد ذلك: «و ذلك أن دم الحيض أسود يعرف» المسوق لتعليل ما قبله،

ص: 334

______________________________

و قوله عليه السّلام: «و كذلك أفتي أبي … فقال: إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة …

و قوله: البحراني، شبه معني قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: إن دم الحيض أسود يعرف. و إنما سماه أبي بحرانيا لكثرته و لونه»، فإن عدول الباقر عليه السّلام عن الإقبال و الإدبار إلي التخصيص بالبحراني دليل علي أنه المراد بهما و المعيار في التمييز.

علي أن الدليل علي التمييز لا يختص بالمرسلة، بل منه صحيح حفص و موثق إسحاق الظاهران في خصوصية ما اشتملا عليه من الصفات و الآبيان عن التنزيل علي مطلق الاختلاف بالشدة و الضعف، حيث يتعين لأجلهما تنزيل الإقبال و الإدبار علي ما يساوق الصفات الخاصة.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن ظاهر التعبير في المرسلة بأن دم الحيض أسود يعرف، و في الموثق بأنه ليس به خفاء، هو الإيكال في معرفته لوضوحه، و حيث كان المدار في وضوحه عرفا علي مطلق القوة و الضعف لا خصوص الصفات المنصوصة، كان ظاهر ذلك أن العبرة في التمييز بمطلق الأمارات المختصة بالحيض غالبا الكاشفة عنه عند العرف كشفا ظنيا.

فهو كما تري، لأن الحديثين لم يقتصر فيهما علي الإرجاع للوضوح، ليحمل علي الوضوح العرفي المدعي حصوله بمطلق القوة و الضعف، بل تضمنا الوضوح بالصفات الخاصة، بنحو يظهر منه انحصار طريقه بها. بل ظاهرهما انحصاره بها عرفا أيضا، كما هو غير بعيد، و قد يناسبه قول المرأة في صحيح حفص: «و اللّه أن لو كان امرأة ما زاد علي هذا».

و أضعف من ذلك ما يظهر من الرياض تبعا لمن سبقه من الاكتفاء بالظن في المقام.

لعدم الدليل علي حجيته، بل مقتضي إطلاق الإرجاع لعادة النساء أو العدد عدمها.

و من هنا يتعين الجمود علي ظاهر نصوص التمييز بالاقتصار علي الصفات المنصوصة، كما هو ظاهر من جعل المعيار علي صفة الحيض و صفة الاستحاضة- كما في المبسوط- أو علي مشابهة أحد الدميين- كما في الشرائع- أو أطلق التمييز، لانصراف العناوين المذكورة إلي ما ذكروه من الصفات الغالبية لكلا الدميين، و قد سبق في المسألة

ص: 335

______________________________

الخامسة بيان ما عليه المعول من الصفات، مع الكلام في صورة التعارض بينها.

ثم إنه لو بني علي التعميم لمطلق الاختلاف بالشدة و الضعف، فلو اختلف الدم بأكثر من مرتبتين هل تلحق المرتبة المتوسطة بما فوقها في الحيضية، أو بما دونها في الاستحاضة وجهان. ففي المعتبر و المنتهي و التذكرة أنها لو رأت ثلاثة أسود و ثلاثة أحمر و ثلاثة أصفر تتحيض بالأسود خاصة، معللا في الأولين بأن الحمرة مع السواد طهر.

و فيه: أنها كما تكون مع السواد طهرا فهي مع الصفرة حيض، فمع اجتماعها معهما معا لا وجه لتقديم جانب الطهر.

و مثله ما في التذكرة من الاستدلال بالاحتياط للعبادة و بالقوة و الأولوية.

لوضوح تعارض الاحتياطين، و اختلاف القوة بالإضافة لكل من الطرفين، و أن أولوية الأسود بالحيضية لا تقتضي تخصيصها به، كأولوية الأصفر بكونه استحاضة.

و منه يظهر ضعف ما في الرياض من الاستدلال علي ما عن محكي نهاية الأحكام و موضع من التذكرة من حيضية الأسود و الأحمر معا لأنهما أقوي من الصفرة.

نعم، قد يتجه استدلاله له بقاعدة الإمكان، لتعارض مقتضي التمييز فيه باختلاف جهة الإضافة، فتكون القاعدة مرجعا بعد فرض كون المرأة ذات تمييز، لتماميته في الأشد و الأضعف، فليس لها التحيض بالعدد. و لو غض النظر عن القاعدة كان مقتضي الاستصحاب إلحاقه بالأسبق من الأسود و الأصفر.

هذا و أما بناء علي ما ذكرناه من الاقتصار علي الصفات المخصوصة في التمييز فقد سبق في المسألة الخامسة أن المراد من السواد شدة الحمرة، و يقابلها في الاستحاضة خفة الحمرة بنحو يناسب التعبير بالصفرة، و لكل منهما مراتب، و المرجع في تحديدهما العرف، فلو توسط بين القسمين ما يتوقف العرف عن إلحاقه بكل منهما لزم البناء علي حيضيته، لقاعدة الإمكان، أو الرجوع فيه للاستصحاب. فلاحظ.

الخامس: استظهر في الدروس مشروعية الاستظهار لذات التمييز بما تستظهر به المعتادة،

ص: 336

عدم نقصه عن ثلاثة أيام (1)، و عدم زيادته علي العشرة (2) و إن لم تكن

______________________________

و مقتضاه ترتيب أحكام الحيض ظاهرا عند رجوع الدم إلي صفة الاستحاضة.

و لم أعثر عاجلا علي موافق له في ذلك.

و مقتضي ظهور نصوص التمييز في أمارية صفات الاستحاضة عليها عدمه. بل هو كالصريح من قوله عليه السّلام في مرسلة يونس: «فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلي النظر حينئذ إلي إقبال الدم و إدباره و تغير لونه، ثم تدع الصلاة علي قدر ذلك».

و قوله عليه السّلام فيها في بيان فتوي أبيه عليه السّلام: «فقال: إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة، و إذا رأيت الطهر و لو ساعة من نهار فاغتسلي وصلي» «1»، و بذلك يخرج عن إطلاق دليل الاستظهار لو تم، علي أنه غير تام كما يأتي في مبحث التحيض بالعدد إن شاء اللّه تعالي.

الكلام في شروط التمييز
اشارة

(1) و لا بد من كونها متوالية بناء علي اعتبار التوالي في أقل الحيض، كما نبه له في المعتبر و المنتهي و المدارك. و أما بناء علي عدمه فالكلام فيه يظهر مما يأتي عند الكلام في اعتبار عدم نقص ما هو بصفة الاستحاضة عن أقل الطهر إن شاء اللّه تعالي.

(2) كما في المبسوط و المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الدروس و اللمعة و الروضة و الروض و المدارك و غيرها، و في جامع المقاصد أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب، و ربما استظهر دخوله في معقد إجماع المعتبر و التذكرة، و إن كان ظاهره أو المتيقن منه أصل الرجوع للتمييز.

و كيف كان، فيقتضيه ما تضمن تحديد الحيض بذلك، خلافا لما في الحدائق من عدم اعتبار ذلك، لإطلاق أدلة التمييز، خصوصا مرسلة يونس الطويلة، لقوله عليه السّلام فيها: «فهذه سنة النبي صلّي اللّه عليه و آله في التي اختلط عليها أيامها حتي لا تعرفها، و إنما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام و كثيرة» «2».

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 337

______________________________

و فيه: أنه كما يمكن تنزيل إطلاق أدلة التحديد علي غير مستمرة الدم محافظة علي إطلاق نصوص التمييز يمكن العكس بتنزيل إطلاق نصوص التمييز علي الواجد للحد محافظة علي إطلاق أدلة التحديد.

و التعميم للقليل و الكثير في مرسلة يونس ليس في مقام نفي الحد للحيض، ليكون نصا في خلاف أدلة التحديد، بل في مقام نفي قدر معين له، في مقابل ذات العادة، فهي كسائر مطلقات التمييز التي ذكرنا إمكان تنزيلها علي ما يناسب إطلاق أدلة التحديد.

بل هو المتعين بلحاظ عدم ورود أدلة التمييز في مقام تحديد الحيض بالصفات ثبوتا، لتكون في عرض أدلة تحديده في طرفي القلة و الكثرة، و تنهض بمعارضتها، بل لتمييز الحيض عن غيره في مقام الإثبات في مورد اشتباهه، فتقصر عما لا يمكن حيضيته، لتفرع مقام الإثبات علي مقام الثبوت، فتكون محكومة لأدلة التحديد المتكفلة ببيان ما يمكن حيضيته، و لذا لا يتوهم عمومها لما كان في غير سن الحيض مثلا.

و أما تأييده ذلك بما في حديثي يونس بن يعقوب و أبي بصير فيمن تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة، ثم الطهر كذلك أو ستة أيام، ثم الدم كذلك و هكذا «1».

فهو في غير محله، لعدم فقد الدم فيهما لحد الحيض، و إنما يصلح لتأييد ما يأتي من عدم اعتبار كون دم الاستحاضة بقدر أقل الطهر، كما لا يخفي. و ربما يحمل كلامه عليه و إن كان مخالفا لظاهره.

هذا و لكن الشيخ قدّس سرّه في المبسوط مع أنه ذكر الشرط المذكور قال: «و كذلك إذا رأت أولا دم الاستحاضة خمسة أيام ثم رأت ما هو بصفة دم الحيض باقي الشهر، يحكم في أول يوم تري ما هو بصفة دم الحيض إلي تمام العشرة أيام بأنه حيض، و ما بعد ذلك استحاضة، فإن استمر علي هيئته جعلت بين الحيضة و الحيضة الثانية عشرة أيام طهرا، و ما بعد ذلك من الحيضة الثانية، ثم علي هذا التقدير. فإن رأت أقل من ثلاثة أيام

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3، 2.

ص: 338

______________________________

دم الحيض و رأت فيما بعد دم الاستحاضة إلي آخر الشهر كانت هذه لا تمييز لها»، و هو صريح في حيضية مقدار أكثر الحيض من الواجد للصفة مع زيادته علي العشرة، و في كشف اللثام أنه غير بعيد، و في الرياض لعله الأقرب، مستدلين عليه بعموم أدلة التمييز.

و كأنه بتقريب أنه حيث كان مقتضاها حيضية واجد الصفة فتعذر حيضية تمامه في المقام لعدم زيادة الحيض علي العشرة لا يقتضي إلغاء العموم فيه رأسا، بل رفع اليد عنه في الزائد عليها لا غير.

و من هنا يتجه ما في كشف اللثام و الرياض من إعمال العموم المذكور مع نقص واجد الصفة عن الثلاثة باكماله من الفاقد له- خلافا لما سبق من الشيخ قدّس سرّه في ذيل كلامه- لعدم الفرق بين دليلي أقل الحيض و أكثره، و عدم كون التصرف في عموم التمييز برفع اليد عن ظهوره في اختصاص الحيض بواجد الصفة بأبعد من التصرف فيه برفع اليد عن ظهوره في حيضية تمام الواجد.

و بعبارة أخري: إذا أمكن رفع اليد عن ظهور دليل التمييز في التطابق بين واجد الصفة و الحيض، لأدلة التحديد، مع المحافظة علي عمومه، فكما يتجه رفع اليد عن ظهوره في كون تمام الواجد حيضا يتجه رفعها عن ظهوره في كون الواجد تمام الحيض.

و دعوي: أن وجه البناء علي أن الواجد تمام الحيض لا ينحصر بظهور ما تضمن حيضية الواجد في ذلك، ليتجه التصرف فيه برفع اليد عن ذلك كما ترفع اليد عن ظهوره في كونه بتمامه حيضا، بل هو أيضا مقتضي ما تضمن كون الفاقد استحاضة، فيقع التعارض في الفرض بين عموم حيضية الواجد و عموم عدم حيضية الفاقد، لأن مقتضي الأول حيضية الواجد الناقص المستلزم لحيضية ما يتممه من الفاقد، و مقتضي الثاني عدم حيضية تمام الفاقد المستلزم لعدم حيضية الواجد، و ليس الأول أولي بالتقديم من الثاني.

مدفوعة بأن عموم عدم حيضية الفاقد ليس حجة في المقدار المكمل للواجد علي كل حال، إما لتخصيصه فيه- كما هو المدعي- أو لخروج المورد عن أدلة التمييز

ص: 339

______________________________

و دخوله في أدلة التحيض بالعدد، كما هو مدعي المشهور القائلين باختصاص التمييز بما إذا كان الواجد للصفة واجدا لحدي الحيض.

و بعبارة أخري: لا معني لحجية عموم عدم حيضية الفاقد في المقام مع استلزامه تعذر التمييز في الدم و لزوم الرجوع للعدد المستلزم لعدم حجية فقد الصفة علي الاستحاضة.

و كأن هذا مراد شيخنا الأعظم قدّس سرّه مما ذكره في دفع الدعوي المذكورة، و قد تعرض له سيدنا المصنف قدّس سرّه و دفعه كما تعرض لوجه آخر ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه في دفع هذه الدعوي، و دفعه أيضا، و لا يسع المقام الزيادة علي ما ذكرنا. فراجع و تأمل.

و علي هذا لا يكون بلوغ الواجد لأقل الحيض و عدم تجاوزه لأكثره شرطا في الرجوع للصفات، كما هو المنساق من كلام من سبق و المصرح به ممن يأتي، بل هو شرط لمطابقة الحيض لواجد الصفة بنحو لا يزيد عليه و لا ينقص عنه، و لذا جعله في كشف اللثام معقد الاتفاق علي شرطيته.

و كيف كان، فيشكل الاستدلال المذكور بأن الأدلة حيث تضمنت الإرجاع للصفات في مستمرة الدم التي اختلط حيضها باستحاضتها فهي كالصريحة في دوران تمييز الحيض عن الاستحاضة مدار الصفات و أنه باختلافها يتحقق التمييز بينهما، و التصرف فيها بأحد الوجهين المذكورين مخرج للصفات عن مقام التمييز، و الأدلة آبية عنه جدا، فإخراج صورتي زيادة واجد الصفة علي أكثر الحيض و نقصه عن أقله محافظة علي ظهورها في التمييز أقرب عرفا من إخراجها عن مقام التمييز محافظة علي عمومها للصورتين المذكورتين، بل هو المتعين بأدني تأمل فيها.

و من الغريب ما سبق من الشيخ من البناء مع استمرار واجد الصفة علي تعاقب الحيض و الطهر عشرة عشرة الذي هو وظيفة رابعة غير الوظائف التي تضمنتها النصوص في مستمرة الدم.

ص: 340

______________________________

و كيف يمكن فهم ذلك من أدلة التمييز مع التصريح في المرسلة بأنه مع اتحاد لون الدم يكون التحيض بالعدد الخاص في كل شهر مرة، حيث يبعد جدا قصره علي ما إذا لم يكن شي ء من الدم بصفة الاستحاضة و لو قليلا، إذ أي أثر للدم القليل في التمييز بالصفات؟ بل الظاهر أن المعيار فيه عدم اختلاف صفة الدم اختلافا صالحا للتمييز، كما هو مقتضي إطلاق بقية نصوص التحيض بالعدد.

نعم، لو لم يرد التعبد بأن واجد الصفة حيض و فاقدها استحاضة في مقام تمييز أحدهما عن الآخر عند اختلاطهما، بل في مجرد بيان الوظيفة العملية عند الشك في حال الدم اتجه ما ذكره قدّس سرّه لأن امتناع العمل به في تمام الدم في المقام لتجاوزه لحد الحيض لا يقتضي رفع اليد عنه رأسا، بل الاقتصار في الخروج عنه علي المتيقن، و هو ما زاد علي أكثر الحيض بمقدار أقل الطهر، و يتعين أول الدم للحيضية بقاعدة الإمكان، بناء علي ما سبق في الدم المتقطع.

كما أنه لو كان بلسان أمارية كل من صفتي الحيض و الاستحاضة عليهما كان المورد من تعارض الحجتين، لمعارضة حجية صفة الحيض علي حيضية أول الدم لحجيتها علي حيضية آخره، بناء علي ما سبق في الدم المتقطع من عدم ورود الأولي علي الثانية، خلافا لما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه في المقام و بعض مشايخنا دامت بركاته في ذلك المقام. و بعد تساقطهما يكون المرجع قاعدة الإمكان المقتضية لما ذكره قدّس سرّه أيضا.

كل ذلك مع غض النظر عما أشرنا إليه من أن مقتضي نصوص التحيض بالعدد في مستمرة الدم أن المدار فيه علي عدم صلوح اختلاف صفة الدم لتمييز الحيض من الاستحاضة، المستلزم لإهمال قاعدة الإمكان و عموم حيضية واجد الصفة لو تم.

و منه يظهر الحال في فرض نقص واجد الصفة عن أقل الحيض، فإنه لو فرض تمحض الأدلة في التحيض بواجد الصفة و عدم التحيض بفاقدها، من دون نظر فيها للتمييز بذلك في مقام الاختلاط في مستمرة الدم، تعارض فيه العمومان، حيث يكون مقتضي الأول حيضية الواجد المستلزمة لحيضية ما يتممه، و مقتضي الثاني عدم حيضية

ص: 341

______________________________

الفاقد بتمامه المستلزم لعدم حيضية الواجد أيضا، فيتساقطان.

و دعوي: أن عدم حيضية الفاقد ليس لكون الفقد مقتضيا للبناء علي عدم الحيضية و الاستحاضة، بل لعدم المقتضي للحيضية، و هو صفة الحيض، و حينئذ يتعين في المقام الرجوع لعموم حيضية الواجد، لأنه يرجع إلي تحقق مقتضي البناء علي الحيضية فيه و في الفاقد بتبعه، من دون أن يعارضه عموم عدم حيضية الفاقد، لأن اللامقتضي لا ينهض بمزاحمة المقتضي.

مدفوعة بأن ظاهر الأدلة كون فقد صفة الحيض مقتضيا للبناء علي عدمه و علي الاستحاضة، كما يكون وجودها مقتضيا للبناء علي الحيضية، لسوق صفة كل من الحيض و الاستحاضة بالإضافة إلي ما يناسبهما في مساق واحد في ظاهر الأدلة، فيتعين التزاحم بين المقتضيين و التعارض بين العمومين في الفرض، و حيث لا مرجح يتعين تساقطهما.

نعم، بعد تساقطهما يكون مقتضي قاعدة الإمكان حيضية الواجد مع تكميله من الفاقد، لو لا ما ذكرناه من ظهور نصوص التحيض بالعدد في إهمال قاعدة الإمكان في مستمرة الدم مع تعذر التمييز.

و قد يظهر من جميع ما تقدم أن المتعين في فرض زيادة واجد الصفة علي أكثر الحيض أو نقصه عن أقله عدم كون المرأة ذات تمييز- إما لقصور أدلة الصفات عنه ابتداء، أو لتعارضه فيه بنحو تنتج وظيفة لا تناسب مفاد نصوص مستمرة الدم- كما صرح به في المعتبر و التذكرة و المنتهي و محكي التحرير، و هو المنساق من كل من أطلق اعتبار واجدية الدم الواجد للصفة لحدي دم الحيض، كما سبق.

بقي الكلام فيما صرح به جماعة من أنه يعتبر في التمييز زائدا علي ذلك أن لا ينقص الفاقد لصفة الحيض و المتصف بصفة الاستحاضة عن أقل الطهر.

و الكلام في هذا الشرط..

تارة: في اعتباره في جواز التحيض بكل من الدميين الواجدين لصفة الحيض المكتنفين له، أو عدم اعتباره فيه، فيجوز التحيض بهما معا مع الاقتصار في الطهر علي

ص: 342

______________________________

الفاقد و إن كان دون العشرة.

و اخري: في أنه بعد الفراغ عن اعتباره في المقام السابق فهل يعتبر في حجية التمييز حتي بالإضافة إلي أحد الدميين الواجدين لصفة الحيض، فلا تكون المرأة ذات تمييز مع نقص الفاقد عن العشرة، أو لا يعتبر، بل مع نقصه تتحيض بأحد الدميين الواجدين لصفة الحيض، و تلحق الآخر بالفاقد في عدم كونه حيضا.

أما اعتباره في المقام الأول فهو المتيقن ممن تعرض له، كما في جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة و المدارك و كشف اللثام و محكي نهاية الأحكام و الموجز و شرحه و غيرها، و عليه جري في المبسوط، بل ظاهر المعتبر و التذكرة و المنتهي المفروغية عنه، و في كشف اللثام أنه لا خلاف فيه. و يقتضيه ما تضمن أن أقل الطهر عشرة أيام.

لكن ظاهر المحكي عن الذكري التردد أو الميل لعدم اعتبار ذلك، كما أصر عليه في الحدائق، مستدلا عليه بإطلاق نصوص التمييز، و خصوص صحيحي يونس بن يعقوب و أبي بصير «1» فيمن تري الدم ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة و الطهر كذلك أو ستة أيام، و يتكرر ذلك منها من أنها تتحيض كلما رأت الدم و تصلي كلما رأت الطهر ما بينها و بين شهر، و في الأول: «فإن انقطع عنها الدم و إلا فهي بمنزلة المستحاضة»، و في الثاني: «فإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت و استثفرت … ».

و استظهر من الاستبصار الميل إليه، حيث احتمل حمل الصحيحين علي من استمر بها الدم مع اختلاف بين صفتي الحيض و الاستحاضة علي التعاقب بقدر الأيام المذكورة بأن يراد من الطهر رؤية الدم بصفة الاستحاضة، بل قرّبه بأن قوله عليه السّلام: «ثم تعمل ما تعمله المستحاضة» دليل علي فرض كونها مستمرة الدم.

كما تعرض لكلام من يظهر منه الجري علي مضمون الخبرين ممن تقدم منا التعرض له في لواحق الكلام في الدم المتقطع، مستظهرا موافقتهم له في الجملة، ثم قال: «و إلي ما ذكرنا أيضا يميل كلام الذخيرة».

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2، 3.

ص: 343

______________________________

بل قد يستفاد ما ذكره ممن تعرض للشرطين السابقين دون هذا الشرط، كما في الشرائع و القواعد و الدروس، إذ لو كانوا في مقام الاتكال علي ما يذكر في شروط الحيض لكان المناسب إهمالهم الشرطين أيضا.

و فيه: أنه لا مجال للخروج بإطلاقات التمييز عن إطلاق ما تضمن أن أقل الطهر عشرة أيام، لعين ما تقدم في الشرطين السابقين.

و أما الصحيحان فموردهما تقطع الدم لا استمراره كما هو ظاهر الطهر و لا سيما مع مقابلته بالدم لا بالحيض. و مجرد الحكم علي المرأة بأنها تعمل عمل المستحاضة أعم من كونها مستحاضة، بل قوله عليه السّلام: «و إلا فهي بمنزلة المستحاضة» كالصريح في عدم كونها مستحاضة علي الحقيقة. بل المستحاضة قد تطلق علي ذات الدم الخاص و إن لم يكن مستمرا، علي ما تقدم في أواخر الاستدلال علي وجوب الاستظهار.

كما أنه تقدم في لواحق الكلام في الدم المتقطع عدم إمكان العمل بالصحيحين في موردهما، فكيف يتعدي بهما عنه لصورة استمرار الدم. علي أنهما صريحان في اختصاص الوظيفة المذكورة فيهما بالشهر و الرجوع بعده إلي حكم المستحاضة التي ذكرنا أن مقتضي القاعدة البناء علي الشرط المذكور فيها، و لا ينهضان بإثبات جواز كون الفاقد دون عشرة أيام فيها مطلقا و لو بعد الشهر، كما هو المدعي. و من هنا كان المتعين البناء علي الشرط المذكور.

هذا كله في الفاقد المتخلل بين الدميين الواجدين اللذين يمتنع كونهما من حيضة واحدة، أما المتخلل لما يمكن كونه بتمامه من حيضة واحدة، لكونه في ضمن العشرة، إما لرؤيته بعد مضي ثلاثة أيام للواجد، أو لرؤيته قبل ذلك، بناء علي عدم اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض، فلا ينبغي التأمل في عدم إخلاله بالتمييز، بناء علي أن النقاء المتخلل بين الدميين من حيضة واحدة بحكم الطهر، فيبني علي أن الواجد حيض و الفاقد استحاضة.

و أما بناء علي أنه بحكم الحيض فظاهر الفاضلين في المعتبر و المنتهي و السيد في

ص: 344

______________________________

المدارك الرجوع للتمييز أيضا، لأنهم ذكروا أنه إنما يجب كون الواجد ثلاثة أيام متوالية بناء علي اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض، إذ مقتضاه أنه بناء علي عدم اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض يتحيض بالدم الواجد للصفة في الثلاثة المتفرقة المستلزم عندهم للتحيض فيما بينها حال خروج الفاقد.

و نحوه ما في الروض من أن المعيار في التوالي في المقام هو المعيار في التوالي في أقل الحيض، فإن اكتفي فيه بوجوده في كل يوم من الثلاثة المتوالية لحظة كفي وجود الواجد فيها كذلك، لأن لازمه أيضا التحيض في تمام الثلاثة أيضا حتي حال خروج الفاقد المتخلل.

و هو الذي قواه شيخنا الأعظم قدّس سرّه في آخر كلامه و إن لم يشر إلي وجهه، بل أصر في أوله علي ضعفه، كما أنه استقر به في الجواهر أولا، لإطلاق أدلة التمييز المقتضي لحيضية الدميين الواجدين المستلزمة لحيضية الفاقد المتخلل، لأن الطهر لا يقل عن عشرة.

و لا مجال لدعوي العكس بتقريب أن مقتضي عموم كون الفاقد استحاضة عدم حيضية المتخلل المستلزم لعدم حيضية الطرفين معا.

لاندفاعها بأن احتمال الحيضية مقدم علي غيره، كما يوضحه البناء علي حيضية النقاء المتخلل الذي يكون الدم الفاقد المتخلل في المقام أولي بالحيضية منه.

لكنه استشكل فيه بعد ذلك بإمكان الفرق بين النقاء و الدم الفاقد بالإجماع علي حيضية الأول، و حيث لا إجماع في المقام و كان مقتضي التمييز متصادما في الدم الواجد و الفاقد من دون مرجح تعين قصوره و كون المرأة فاقدة للتمييز. و هو الذي أصر عليه سيدنا المصنف قدّس سرّه.

هذا و لا يخفي أن دليل حيضية النقاء المتخلل ليس هو الإجماع عليه بخصوصه، بل ما يعم المقام من عموم أقل الطهر عشرة أيام أو غيره، و لذا لو قطع بحيضية الدميين الواجدين فلا إشكال عندهم في حيضية الفاقد.

ص: 345

______________________________

و لو لا ذلك لزم البناء علي مقتضي التمييز بتمامه من حيضية الواجدين دون الفاقد المتخلل من دون تصادم بينهما- كما ذكرناه- و هو خلاف مبني الكلام في المقام.

فالعمدة في الفرق بين النقاء و المقام أن حيضية الدميين معا مع تخلل النقاء مفروض الثبوت بأدلته، فيثبت لازمه، و هو حيضية النقاء، أما حيضية الدميين الواجدين معا في المقام فلا طريق لإثباتها إلا نصوص التمييز المقتضية أيضا لكون الدم الفاقد استحاضة، و مع امتناع الجمع بين الأمرين يكون ترجيح الحيضية بلا مرجح.

و كون الفاقد أولي بالحيضية من النقاء- لو تم- إنما ينفع مع ثبوت الدميين المكتنفين معا، و لو ثبت فلا كلام عندهم في حيضية المتخلل من حالة النقاء و حالة خروج الدم الفاقد، و إنما وقع الكلام في حالة خروج الدم الفاقد لعدم ثبوت حيضية الدميين.

هذا و قد يوجه البناء علي الحيضية في المقام بما أشرنا إليه آنفا من دعوي: أن عدم حيضية الفاقد ليس لكون الفقد مقتضيا له، بل لعدم المقتضي للبناء علي حيضيته، فلا يصلح في المقام لمزاحمة مقتضي البناء علي حيضيته، و هو تخلله للواجد الذي ثبت مقتضي حيضيته.

لكن سبق منع الدعوي المذكورة و أن ظاهر أدلة الصفات كون فقد صفة الحيض مقتضيا للبناء علي عدم حيضيته، كما تكون واجديتها مقتضية للبناء علي الحيضية.

فالأولي في تقريب ذلك أن يقال: إن خروج دم الاستحاضة إنما يقتضي عدم حيضية المرأة و عدم جريان أحكام الحيض من حيثيته، لا مطلقا، و لذا لو فرض العلم بخروج دم الحيض معه فلا إشكال في حيضية المرأة و جريان أحكام الحائض عليها، و حينئذ فاقتضاء نصوص التمييز حيضية الدميين الواجدين و عدم حيضية الفاقد و أنه استحاضة، راجع إلي كون المرأة حائضا حال خروج الدميين الواجدين مستحاضة حال خروج الفاقد و ليست حائضا من حيثيته، و لا مانع من البناء علي ذلك من دون أن ينافي البناء علي حيضية النقاء المتخلل، لأنه لا يقتضي حيضية المرأة حال خروج

ص: 346

______________________________

الفاقد من حيثيته، بل من حيثية اكتناف دميي الحيض، كما لو علم بخروج دم الحيض مع الفاقد.

علي أنه سبق عند الكلام في حيضية النقاء المتخلل أنه لا مجال للبناء علي حيضيته حقيقة، لما هو المعلوم من تقوم مفهوم الحيض عرفا بخروج الدم و عدم تصرف الشارع في مفهومه، بل غاية ما يدعي أنه حيض تنزيلا، لأنه بحكم الحيض.

و حينئذ يتجه تحكيم نصوص التمييز في المقام بحملها علي أن كلا من صفة الحيض و الاستحاضة أمارة علي ما يناسبها من نوع الدم، فيحكم بحيضية الواجدين، و كون المتخلل الفاقد دم استحاضة تجري عليه أحكامه لو اختص بأحكام، و هو لا ينافي ترتيب أحكام الحيض حال خروجه، كما تترتب حال النقاء، لفرض اشتراكهما في دليل التنزيل منزلة الحيض، فيحكم لأجله بأن المرأة بحكم الحائض و إن كان دمها دم استحاضة بمقتضي التمييز.

و بالجملة: لو كان مرجع حيضية النقاء المتخلل إلي حيضية الدم الفاقد في الفرض و كون المرأة حائضا من جهته كانت منافية لمفاد التمييز و موجبة لتصادم مقتضيه، و كذا لو كان مفاد التمييز كون المرأة غير حائض حال خروج الدم الفاقد و لا بحكم الحائض مطلقا و لو من غير جهته، حيث تنافي حيضية النقاء المتخلل.

أما حيث كان مقتضي حيضية النقاء المتخلل حيضية المرأة أو كونها بحكم الحائض من غير جهة خروج الدم الفاقد، و مقتضي التمييز عدم حيضيتها و عدم جريان أحكام الحائض عليها من خصوص حيثية خروج الفاقد، فلا تنافي بينهما، بل يتعين العمل بهما معا بالبناء علي حيضية الدميين الواجدين و كون المتخلل الفاقد استحاضة مع كون المرأة حال خروجه حائضا أو بحكم الحائض من حيثية اكتناف دميي الحيض، لا من حيثية نفس الدم. فلاحظ.

و أما اعتبار الشرط المذكور في المقام الثاني، بنحو تكون فاقدة للتمييز مع قصور الضعيف عن أقل الطهر، فيظهر من المبسوط إنكاره و أنها تتحيض بأحد الواجدين

ص: 347

______________________________

و تلحق الآخر بالفاقد، ليتم أقل الطهر، فقد ذكر أن من رأت ثلاثة أيام بصفة الحيض ثم ثلاثة بصفة الاستحاضة ثم عشرة بصفة الحيض كان حيضها الثاني خاصة، و أن من رأت خمسة أيام أو أقل أو أكثر بصفة الحيض ثم أقل من عشرة أيام بصفة الاستحاضة ثم انقلب إلي صفة الحيض لم تتحيض بالثاني الواجد لصفة الحيض إلا بعد مضي عشرة أيام من الأول.

و في المنتهي أنها لو رأت أحمر بين أسودين واجدين لشرائط التمييز، فإن تخلل بين الأسودين عشرة أيام كانا حيضتين، و إلا فالأول حيض و الباقي فساد.

لكن ظاهره كمحكي التحرير في الفرع الأول المتقدم من المبسوط التردد في كونها ذات تمييز، بل جزم بعدمه في المعتبر و التذكرة. و عليه جري في جامع المقاصد و كشف اللثام و المدارك و ظاهر المسالك و الروض و الروضة و محكي نهاية الأحكام و الموجز و شرحه و غيرها بنحو يظهر منهم عدم اختصاصه بالفرع المذكور و أن المعيار عموم الشرط المتقدم.

و هو المتجه بناء علي ما تقدم في الشرط الأول من ظهور أدلة الصفات في دوران التمييز بين الحيض و الاستحاضة مدارها، و أنه مع عدم التمييز بها تتحيض بأقراء النساء و العدد، حيث يتجه قصورها عن المقام.

نعم، لو غض النظر عن الجهة المذكورة و كان مفاد الأدلة مجرد التحيض بواجد الصفة و عدم التحيض بفاقدها اتجه تعارض التطبيقين في واجدي الصفة في الفرض و كان مقتضي قاعدة الإمكان التحيض بالأول، كما تقدم من المبسوط في الفرع الثاني و من المنتهي في الفرع الذي ذكره، و هو الذي ذكره في جامع المقاصد و المدارك و محكي الذكري لو بني علي التحيض بأحد الدميين.

و أما ما في المبسوط من التحيض في الفرع الأول بالثاني، فكأنه للترجيح بالأكثرية، لأنه الأقرب لقاعدة الإمكان، و للتحيض بواجد الصفة. لكنه يشكل بأن القاعدة إنما تقتضي حيضية الأكثر بعد شمولها، و هي غير شاملة له في المقام بعد ما سبق

ص: 348

______________________________

من أنها تقتضي حيضية الأسبق المستلزمة لامتناع حيضية المتأخر الأكثر في الفرض، فيخرج عن القاعدة موضوعا. و مرجحية الأكثرية في التحيض بواجد الصفة غير ثابتة.

بقي في المقام أمران..
الأول: و إذا رأت المبتدأة ما هو بصفة دم الاستحاضة ثلاثة عشر يوما ثم رأت ما هو بصفة الحيض بعد ذلك و استمر

قال في المبسوط: «و إذا رأت المبتدأة ما هو بصفة دم الاستحاضة ثلاثة عشر يوما ثم رأت ما هو بصفة الحيض بعد ذلك و استمر كان ثلاثة أيام من أول الدم حيضا و العشرة طهرا و ما رأته بعد ذلك و استمر كان من الحيضة الثانية».

و استشكل فيه في المعتبر بأنه لم يتحقق لها تمييز، ثم قال: «لكن إن قصد أنه لا تمييز لها و أنه يقتصر علي ثلاثة لأنه اليقين كان وجها» و نحوه في التذكرة.

و كأن مرادهما عدم التمييز لها في ضمن الثلاثة عشر التي هي الاستحاضة و التي حكم في المبسوط بأن الثلاثة الأولي منها حيض، و إلا فالمفروض اختلاف لون الدم بعدها.

و حينئذ يشكل ما ذكره أيضا بأنه لا وجه لليقين بحيضية الثلاثة، بل بناء علي شمول إطلاق نصوص التمييز للدور الأول تكون الثلاثة عشر كلها استحاضة، و بناء علي قصورها عنه تكون العشرة الأولي حيضا و الثانية استحاضة و لا يرجع لنصوص التمييز إلا بعد ذلك.

نعم، يتم ما ذكره الشيخ قدّس سرّه بناء علي عموم نصوص التمييز للدور الأول و أن التحيض بالواجد لأمارية صفة الحيض عليه، فيقدم علي قاعدة الإمكان، و أن عدم التحيض بما يكون بصفة الاستحاضة لعدم المقتضي للحيض لا لأمارية صفة الاستحاضة عليها، فتقدم قاعدة الإمكان عليه، حيث يتعين البناء علي حيضية الواجد في الفرض، و عدم التحيض بتمام العشرة السابقة عليه من دم الاستحاضة لامتناع حيضيتها معه، مع التحيض بالثلاثة الأول منه، لقاعدة الإمكان بعد فرض تقديمها علي عدم التحيض بما هو بصفة الاستحاضة.

لكن سبق ضعف المبني المذكور. مع أنه لا يناسب ما ذكره قدّس سرّه أيضا من

ص: 349

______________________________

أنها لو رأت ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة و ثلاثة أيام بصفة الحيض ثم رأته بصفة الاستحاضة و استمر تحيضت بالثلاثة التي بصفة الحيض فقط، قال: «لأنه ليس بأن يجعل الثلاثة الأولة مضافة إلي الحيض بأولي من التي بعد أيام الحيض، فسقط [فسقطا. خ. ل] و عمل علي اليقين مما هو بصفة دم الحيض». إذ لو تم المبني المذكور اتجه إلحاق الثلاثة الأول بالحيض لقاعدة الإمكان، بل يتجه إلحاق ما يتمم العشرة من الفاقد الثاني أيضا.

و إن كان تعليله عدم الإلحاق بعدم المرجح لأحد الدميين الفاقدين ظاهرا في أن عدم التحيض بأحد الفاقدين لتعارض المقتضيين فيهما، لا لأن فقد الصفة بنفسه مقتض لعدم حيضيتهما معا. فلاحظ.

الثاني: مقتضي بعض الكلمات السابقة و غيرها من تصريحاتهم التحيض بالواجد لصفة الحيض

و إن استلزم التحيض في الشهر الواحد بأكثر من حيضة، بل ظاهر من تعرض للشرط السابق المفروغية عنه. و يقتضيه إطلاق أدلة التمييز.

لكن قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «إلا أنه يشكل هذا في الناسية، فإن ظاهر رواية يونس أنها تعرف أيامها بصفة الدم. و فيها مواضع أخر من الدلالة علي عدم تحيض المستحاضة أكثر من شهر. فتأمل».

و ظاهره أن المستفاد من الرواية كون التمييز طريقا لمعرفة أيام العادة، فلا يمكن حجيته علي خلافها بالتحيض بأكثر من مرة في الشهر، و ليس طريقا لمعرفة أيام الحيض ابتداء و لو كان علي خلاف العادة ليمكن حجيته علي ذلك. و كأن منشأ ما ذكره من دلالة الرواية علي طريقية التمييز لمعرفة أيام العادة قوله عليه السّلام: «فهذه سنة النبي صلّي اللّه عليه و آله في التي اختلط عليها أيامها حتي لا تعرفها، و إنما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام و كثيره» «1».

و فيه: أنه لا بد من حمل الأيام فيه علي أيام الحيض لا أيام العادة، لما هو المعلوم

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 350

______________________________

من الرواية و غيرها من لزوم العمل بالتمييز و إن اختلف مقاديره و مواضعه باختلاف الأشهر، مع وضوح امتناع اختلاف أيام العادة فيها، فلا بد من كون التمييز طريقا لمعرفة أيام الحيض رأسا في قبال العادة، كما يناسبه قوله عليه السّلام: «و ذلك أن دم الحيض أسود يعرف» و لو لا ذلك لامتنع التعدي في الرواية من الناسية للمضطربة و المبتدأة في حجية التمييز، لفرض عدم العادة لهما ليكون التمييز حجة عليها كالناسية.

نعم، الناسية إن قيل بحجية العادة لها فيما تذكره إجمالا منها، كعدم الزيادة علي عدد خاص أو عدم التحيض في زمن خاص لزم الخروج بما تذكره منها عن إطلاقات التمييز في سائر الموارد و منها المقام، بناء علي عدم انعقاد العادة بالتحيض بأكثر من حيضة في الشهر، علي ما سبق الكلام فيه في فروع العادة، و إن قيل بسقوط عادتها عن الحجية رأسا حتي فيما تذكره منها اتجه عملها بإطلاق نصوص التمييز في المقام و غيره.

و أما دلالة مواضع من رواية يونس علي عدم تحيض المستحاضة أكثر من مرة في الشهر فهو مختص بالتحيض بالعدد، دون التحيض بالعادة أو بالتمييز، و لذا كان ظاهرهم المفروغية عن التحيض بالعادة في الشهر أكثر من مرة لو فرض انعقادها كذلك، و إنما الكلام في انعقادها بالوجه المذكور. و من هنا لا مخرج عن إطلاق نصوص التمييز في غير الناسية و فيها علي الكلام المتقدم.

و أما ما قد يظهر من الجواهر من منافاته لما دل علي أن الحيض في الشهر مرة «1».

ففيه: أن الحديث محمول علي القضية الغالبية، أو لبيان أنها إذا لم تحض في كل شهر فهي مسترابة، كما تضمنه صحيح الحلبي «2» و لا يخرج به عن الإطلاقات المذكورة.

كما أن مقتضي إطلاقها عدم لزوم التحيض في الشهر مرة، كما لو كانت تري ما هو بصفة الحيض في كل شهرين أو أكثر مرة واحدة.

نعم، لو طالت المدة بحيث يصدق عرفا اتحاد وصف دمها إما ابتداء أو بعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 351

ذات تمييز- إما لأنه كله واجدا [واجد. ظ] للصفات أو كله فاقدا [فاقد.

ظ] لها، أو لأن الواجد أقل من ثلاثة أيام، أو أكثر من عشرة أيام (1)- فإن كانت مبتدئة رجعت إلي عادة أقاربها (2)

______________________________

اختلافه اتجه رجوعها للوظيفة المتأخرة عن التمييز.

بل لا يبعد الاكتفاء في الرجوع للوظيفة المذكورة باتحاد الوصف في شهر إذا لم يعلم برجوع الاختلاف، لأن ارتكاز تحيض المرأة في كل شهر يوجب انصراف المعيار في الاختلاف و الاتفاق إلي الشهر.

و أما لو علم برجوع الاختلاف بعد أكثر من شهر فلا يبعد كونها ذات تمييز عرفا، و أن حيضها علي خلاف المتعارف. و لا بد من التأمل. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

رجوع المبتدأة لعادة نسائها
اشارة

(1) أو لعدم الفصل بين الواجدين بعشرة أيام، علي ما تقدم. و يأتي في آخر التنبيه الرابع الوجه في عموم الرجوع لأقراء الأقارب لصورة فقد شروط التمييز.

(2) كما صرح به جماعة كثيرة من قدماء الأصحاب و متأخريهم و نسبه في المعتبر للخمسة و أتباعهم، بل في المدارك أنه المعروف من مذهب الأصحاب، و في كشف اللثام و المفاتيح و عن مجمع الفائدة أنه المشهور، و عن كشف الرموز أن به فتوي الأصحاب، و في المعتبر أنه الذي اتفق عليه الأعيان من فضلائنا، بل ادعي الإجماع عليه صريحا أو ظاهرا في الخلاف و التذكرة و محكي شرح المفاتيح، و عن التنقيح نفي الخلاف فيه، كما يظهر من السرائر.

و يقتضيه مرفوع أحمد بن محمد عن زرعة عن سماعة: «سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر، و هي لا تعرف أيام أقرائها. فقال: أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقله ثلاثة أيام» «1»،

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 352

______________________________

و موثق زرارة و محمد بن مسلم- بناء علي ما سبق في تحديد سن اليأس، من الاعتماد علي طريق الشيخ إلي علي بن الحسن بن فضال- عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر علي ذلك بيوم» «1».

و قد يستدل علي ذلك أيضا بموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك و استظهرت بمثل ثلثي أيامها … و إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها و استظهرت بثلثي ذلك» «2». بدعوي إلحاق الحائض بالنفساء، لما دل علي اتفاقهما في الأحكام.

لكنه يشكل بأنه لو تم اتفاقهما في الأحكام بنحو يشمل المقام فظاهر الحديث الرجوع للأقارب في نفاسهن لا في أيام حيضهن، و هو- مع عدم القائل به، كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي- أجنبي عن المدعي.

و دعوي: أن عدم العمل به في ذلك ملزم بحمله علي أيام الحيض. مدفوعة بمخالفة ذلك لظاهره جدا، فلا مجال لحمله عليه بنحو يكون حجة فيه في النفساء، فضلا عن التعدي به للحائض.

و مثله في الضعف الاستدلال بأن الحيض يعمل فيه بالعادة و الأمارة، و مع اتفاقهن يغلب أنها كإحداهن، إذ من النادر أن تشذ واحدة عن جميع الأهل، أو نحو ذلك مما يرجع إلي العمل بالظن، لعدم الدليل علي عموم حجيته في المقام.

فالعمدة الحديثان الأولان، و قد سبق عند الكلام في رجوع المبتدأة للتمييز أنه لا بد من تنزيل إطلاقهما علي صورة فقد التمييز، فيتم الاستدلال بهما للمدعي.

هذا و قد تردد في المعتبر في الحكم المذكور، و تبعه في ظاهر المدارك و مجمع البرهان، للإشكال في الأول بإضماره، و انقطاع سنده، و بأن زرعة و سماعة واقفيان.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 20.

ص: 353

______________________________

و في الثاني بأن في سنده علي بن الحسن بن فضال و هو فطحي، و بتضمنه الاكتفاء ببعض النساء و هو خلاف الفتوي. مضافا إلي الاقتصار في مرسلة يونس الطويلة علي التحيض بالعدد عند فقد التمييز مع التصريح فيها بانحصار حالات المستحاضة بالسنن الثلاث.

لكن يندفع الإشكال في الأول- مضافا إلي حجية خبر الواقفي الثقة، و وضوح عدم رواية سماعة عن غير الإمام، و لذا عده الأصحاب في عداد رواياتهم- بأن ضعف سنده منجبر بظهور اعتماد الأصحاب عليه، حتي كان ظاهر الخلاف الإجماع علي قبوله و صريح المعتبر اتفاق الأعيان من فضلائنا علي الفتوي بمضمونه، و في المنتهي و عن كشف الرموز أن الأصحاب تلقوه بالقبول.

و أما الثاني فلا يقدح في سنده كون بن فضال فطحيا بعد الاتفاق علي وثاقته، و ورود الرواية بقبول روايات بني فضال، و لا في مضمونه الاكتفاء فيه ببعض النساء، لإمكان الجمع بينه و بين المرفوع بجعل عادة البعض أمارة علي عادة البواقي، لعدم تيسر الاطلاع علي عادة الكل، فمع ظهور الاختلاف ينكشف خطأ الأمارة- كما أشار إليه في المعتبر- أو بحمل أمارية الكل علي الانحلال، فمع ظهور الاختلاف يسقط الكل بالتعارض، و مع عدمه يعمل بما وصل لأصالة عدم المعارض. و يأتي تمام الكلام في ذلك في التنبيه الثاني إن شاء اللّه تعالي.

و أما الإشكال بمنافاتهما للمرسلة فقد يدفع..

تارة: بما عن الشهيد من احتمال أن يكون المراد من قوله صلّي اللّه عليه و آله في المرسلة:

«تحيضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام» تحيضي فيما علمك اللّه من عادات النساء، لأنه الغالب عليهن.

و اخري: بما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من احتمال حكومتهما علي المرسلة، لظهور المرسلة في كون الرجوع إلي العدد لفقد الأمارة علي تعيين الحيض، نظير الأصل، فإذا ثبتت طريقية أقراء الأقارب كانت مقدمة عليه، و يكون الحصر في السنن

ص: 354

عددا، بل و وقتا (1)

______________________________

الثلاث إضافيا، إما بلحاظ الغالب، لغلبة اختلاف الأقارب أو لغير ذلك.

لكن الأول بعيد جدا، بل المرسلة كالصريحة في خلافه، كما يظهر بالتأمل في بعض فقراتها. و ما في الجواهر من أنه لا بأس بارتكابه في مقام الجمع بين الأدلة لا يصغي إليه، لعدم كون الجمع بذلك عرفيا.

و كذا الحال في الثاني، لأن المرسلة و إن كانت ظاهرة في أن الإرجاع للعدد بمفاد الأصل لعدم الطريق لمعرفة الحيض، إلا أنها ظاهرة في أنه يكفي في تحقق موضوعه فقد التمييز المستلزم لعدم وجود طريق آخر بعده. فلا ينبغي التأمل في التنافي بين الحديثين و المرسلة.

نعم، لا محيص عما ذكره غير واحد من تقييد المرسلة بالحديثين، الملزم بحمل الحصر فيها علي الإضافي، و لو لغلبة اختلاف الأقارب أو عدم وجودهن أو عدم انعقاد العادة لهن. فلا مجال للتردد في ذلك ممن سبق، فضلا عن الخلاف فيه، كما قد ينسب للغنية، بناء علي عموم كلامه المتقدم في ذيل الكلام في حجية التمييز لمستمرة الدم، و إن كان الظاهر عدمه، كما سبق.

نعم، هو ظاهر إشارة السبق، لانتقاله في مطلق المستحاضة من التمييز للتحيض بالعدد من دون تعرض لعادة نسائها.

(1) كما في الجواهر و جعله ظاهر إطلاق النص و الفتوي، خلافا لظاهر التذكرة و المسالك و الروض من اختصاص الرجوع لهن بالعدد، للحكم في الأخيرين بأنها تتخير في وضع الأيام حيث شاءت، و إن كان الأولي وضعها في أول الدم، و في الأول بتعيين أقرب الدم في مطلق من لا تمييز لها.

و هو المنصرف من إطلاق غيرها، لعدم التعرض فيها في صورة الاختلاف إلا للتحيض بالعدد، إذ لو كان المراد بالإرجاع إليها الإرجاع في الوقت و العدد معا كان

ص: 355

______________________________

المناسب التعرض للوقت أيضا في صورة الاختلاف.

و منه يظهر كون ذلك هو المتيقن من إطلاق الإرجاع إليهن في مضمر سماعة، بل هو الظاهر منه، إذ لو كانت الجهة المسؤول عنها و التي كان الإرجاع بلحاظها تعم الوقت، للتحير فيه كالعدد، لم يكن الواجب في صورة الاختلاف مستوفيا للجهة المسؤول عنها و المتصدي لبيانها.

بل لعل العدد هو المنصرف من موثق زرارة و محمد بن مسلم بسبب ارتكاز التحيض في أول الدم لقاعدة الإمكان و ارتكاز أن الأصل تحيض المرأة في كل شهر مرة، الموجب لارتفاع التحير من حيثية الوقت و كون المتيقن من الارجاع هو العدد لا غير.

كيف و لو كان المراد الارجاع إليهن في الوقت و العدد معا بنحو المجموعية لزم عدم الرجوع إليهن مع اختلافهن في الوقت فقط، و لو كان المراد الإرجاع فيهما بنحو الانحلال لزم الرجوع إليهن في الوقت لو اتفقن فيه و اختلفن في العدد، و كلاهما بعيد، كما اعترف به في الجواهر.

لكن قال: «إلا أنه قد يدفع بأنه لا تلازم بين وجوب الرجوع إلي الوقت و العدد عند الاتفاق قضاء للتشبيه، و عدم صدق الاختلاف إلا بالعدد خاصة و إن اتفقن في الوقت. فتأمل فإنه دقيق».

و هو كما تري، لأن الجهة الملحوظة في الإرجاع و التشبيه إن عمت الوقت صدق الاتفاق و الاختلاف بلحاظه، و لا يختص المعيار في الاختلاف بالعدد إلا مع قصر الإرجاع و التشبيه عليه، لوضوح أن جهة كل من التشبيه و الإرجاع و الاختلاف غير مصرح بها، و لا بد في تعيينها من قرينة عامة أو خاصة، و ما تقتضيه القرينة في أحدهما تقتضيه في الباقي، و حيث كان الظاهر منهم المنصرف من الأدلة أن المعيار في الاختلاف هو العدد تعين كونه هو جهة التشبيه الملحوظة في الإرجاع.

و يناسب ذلك ارتكاز أن العدد هو المستند لطبيعة المرأة و مزاجها التي تشاركها فيه أرحامها، بخلاف الوقت، فإنه يستند لأمور تخصها من وقت ولادتها و نحوه مما

ص: 356

علي الأحوط وجوبا إن اتفقن في الوقت، و إلا تخيرت في تعيين الوقت (1).

______________________________

لا يسري إلي أرحامها إلا بمحض المصادفات التي قد تتم في غير أرحامها، و التي لا يبتني الإرجاع لأقراء نسائها عليها. و بهذا افترق رجوع المبتدأة لأقراء نسائها عن رجوع ذات العادة لعادتها.

و لعله لما ذكرنا نسب شيخنا الأعظم قدّس سرّه الاقتصار في الإرجاع علي العدد لظاهر النص و الفتوي، بل ظاهر سيدنا المصنف قدّس سرّه في مستمسكه في حكم ذات العادة العددية فقط المفروغية عن اختصاص طريقية أقراء الأقارب بالعدد دون الوقت. و هو المتعين.

و أما الوقت فمقتضي ما ذكرنا في وجه الانصراف كونه في أول الدم، بناء علي شمول الإرجاع لأقراء الأقارب للدور الأول، و بناء علي قصوره عنه يكون بمضي شهر منه. و سيأتي الكلام في تحقيق ذلك إن شاء اللّه تعالي.

(1) بناء علي التخيير في الوقت مع عدم المرجع فيه. و يأتي إن شاء اللّه تعالي الكلام في ذلك في مبحث التحيض بالعدد.

بقي في المقام أمور..
الأول: المراد بالنساء هنا الأقارب من الأبوين، لا من خصوص أحدهما-

كما صرح به جماعة- لا لما في جامع المقاصد و عن الذكري من أن المعتبر الطبيعة، و هي جاذبة من الطرفين، لعدم التعويل علي مثل ذلك في الأحكام الشرعية. بل لإطلاق المضمر و الموثق لصحة النسبة في كلتا الطائفتين.

و لا يهم معه اختصاص خبر أبي بصير بالأم و الأخت و الخالة، لقرب إلغاء خصوصيتهن فيه و حمله علي بيان بعض الأفراد، جمعا مع الأولين، لأنه أقرب من تنزيل إطلاق (نسائها) فيهما علي خصوصهن، علي أنه سبق عدم كونه من أدلة المقام.

فلا مخرج عن الإطلاق المذكور.

ص: 357

______________________________

هذا و المتيقن عموم الأقارب للأم و الجدتين و الأخوات و الخالات و العمات القريبات، و لا يبعد شموله لبناتهن، و في شمول الإطلاق لما زاد علي ذلك كخالات الأمهات و جداتهن إشكال.

ثم إن المراد من عمومهن للأقارب من الأبوين بأصنافهن ليس هو لزوم واجديتها لهن، بنحو لو لم يكن لها بعض الأصناف لم تكتف بالباقي، بل لا إشكال ظاهرا في الاكتفاء بمن حصل منهن، لأن ظاهر الإرجاع للنساء في الحديثين كونه بنحو القضية الحقيقية التي تتبع فعليتها فعلية موضوعها، فالمراد به الرجوع لمن هي من أقاربها فعلا.

و لا يبتني ذلك علي ما يأتي من الاكتفاء بالبعض، إذ المراد به البعض من الحاصل، لا البعض مما يمكن فرضه و إن كان تمام الحاصل.

و لعل هذا هو المراد مما في مفتاح الكرامة، حيث نسب لأكثر من عثر علي كلامه أن المراد الأقارب من الأبوين أو من أحدهما.

نعم، الظاهر أن الموت لا يوجب الخروج عن موضوع الإرجاع- كما نبه له في الروض- لشمول الإطلاق للميتة، و لا سيما مع عدم دخل الحياة ارتكازا في كاشفية الأقراء.

و عن الذكري اعتبار اتحاد البلد، لأن للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة، و في كشف اللثام أنه لا بأس به.

لكنه كما تري لا ينهض بالخروج عن عموم النص، و لا سيما مع أن فتح هذا الباب يقتضي اعتبار اتحاد سنخ المزاج بمثل الحرارة و البرودة و الصحة و المرض و السن و نوع الغذاء و غير ذلك مما قد يكون له أثر في تخالف الأمزجة من حيثية الحيض.

و دعوي: انصراف النص إليه ممنوعة جدا. و أضعف منه ما حكاه في الروض عن شيخه السيد حسن من اعتبار البلد، فإن فقدن فأقرب البلدان. لأن وجه اعتبار البلد إن كان بنحو ينهض بتخصيص العموم فلا وجه للاكتفاء مع عدمه بأقرب البلدان، و إلا فلا وجه للخروج عن العموم به.

ص: 358

______________________________

علي أن فتح هذا الباب يقتضي التدرج في الأقارب من الأقرب فالأقرب و في السن كذلك، إلي غير ذلك مما يناسب أخذ الحكم من اعتبارات ظنية لا من نصوص شرعية تعبدية.

الثاني: حيث كان ظاهر المضمر اعتبار أقراء جميع الأقارب و صريح الموثق الاكتفاء بالبعض فقد سبق الجمع بينهما

إما بحمل الموثق علي كون البعض طريقا لمعرفة الكل مع عدم تمامية مقتضي الحجية إلا باتفاق الكل، أو بحمل المضمر علي حجية الجميع بنحو الانحلال، فيتم مقتضي الحجية في كل منها و تسقط مع الاختلاف بالتعارض، و يلزمه الاكتفاء بالبعض مع عدم ثبوت الاختلاف لأصالة عدم المعارض.

و لعل الثاني أقرب، لوضوح أنه كثيرا ما لا تكون قرابة بين جميع أقارب المرأة، بل تكون أقرباؤها من طرف الأب بعيدات عن أقربائها من طرف الأم، حيث لا مجال مع ذلك لطريقية أقراء بعضهن علي أقراء البعض الآخر ارتكازا.

بل طريقية قرء البعض علي قرء الكل- كما هو مبني الوجه الأول- تناسب طريقية قرء البعض علي قرء المبتدأة لعدم الفرق بين المبتدأة و غيرها في ذلك ارتكازا.

و من هنا يتجه الاكتفاء بالواحدة مع انحصار الأمر فيها و لو لعدم انعقاد العادة لغيرها، أما علي الأول فيشكل بعدم صدق نسائها علي الواحدة، بل يشكل صدقها علي الاثنتين.

هذا و في الجواهر أنه لا قائل بالاكتفاء بالواحدة مع الجهل بالاختلاف. و من ثم اعتبر البعض المعتد به حينئذ. بل قد يظهر من الروض دعوي الإجماع علي عدم حجية غير الأغلب. بل سبق من المعتبر أن الاكتفاء بالبعض خلاف الفتوي. بل صرح في الحدائق بعدم القائل به. لكن في بلوغ ذلك حد الحجية بنحو يخرج به عن مقتضي الأدلة إشكال، بل منع.

الثالث: أهمل الأكثر التعرض لحكم الاستظهار مع اشتمال الموثق عليه،

بل يظهر من الفقيه الهمداني قدّس سرّه معروفية عدم مشروعيته، حيث جعل اشتمال الموثق

ص: 359

______________________________

عليه من جملة الموهنات المذكورة فيه، و دفعه بأنه لا مانع من الالتزام به، ثم قال: «إلا أن ينعقد الإجماع علي خلافه».

لكن يظهر من الدروس و جامع المقاصد الاعتداد باحتمال شرعيته تبعا للموثق، بل عن الذكري الفتوي به.

و لعل إهماله في كلام جماعة هنا اتكالا علي ما ذكروه في الجمع بين نصوص الاستظهار و نصوص الاقتصار علي العادة، لدعوي ورود نظيره في المقام. و من هنا لا مجال لدعوي الإجماع علي عدم مشروعيته، ليسقط الموثق عن الحجية فيه.

نعم، قد ينافيه ظهور المضمر في عدم جوازه و أن المرأة لا تجلس إلا بقدر أقراء نسائها. و لا مجال للجمع بينهما بحمل الاستظهار في الموثق علي خصوص الدور الأول، لما يأتي من قصورهما معا عنه، كما لا مجال لأكثر الوجوه المتقدمة للجمع بين الاستظهار و نصوص الاقتصار علي العادة، كما يظهر بالتأمل فيها.

لكن الظاهر إمكان الجمع بينهما برفع اليد عن ظهور المضمر في بيان مقدار جلوس المبتدأة، بحمله علي مجرد بيان طريقية أقراء الأقارب لحيضية ما يساويها من الدم المستمر من دون أن ينافي لزوم الجلوس زيادة علي ذلك يوما واحدا للاستظهار و إن لم يحرز حيضية الدم فيه، كما تضمنه الموثق.

نعم، قد لا يناسب وجوب الاستظهار إهماله في المضمر مع وروده في مقام البيان، حيث قد يكون ذلك ملزما برفع اليد عن ظهور الموثق في وجوبه و حمله علي الاستحباب، و لا سيما مع إهمال الأصحاب التعرض له. و إن لم يخل ذلك عن إشكال، فلا يترك الاحتياط بالاستظهار.

الرابع: مقتضي إطلاق الأصحاب عموم الرجوع لأقراء الأقارب لأول رؤية الدم،

فالمرأة و إن كانت تتحيض في أوله للعشرة للجهل بتجاوز الدم عنها، إلا أنه إذا تجاوزها انكشف كون حيضها خصوص ما يساوي أقراء أقاربها و أن الزائد استحاضة تقضي ما تركته لأجله من الصلاة، ثم تتحيض في الأدوار اللاحقة بقدر أقراء الأقارب

ص: 360

______________________________

لا غير، فلا فرق بين الدور الأول و ما بعده واقعا، بل يمتاز الدور الأول بالتحيض للعشرة ظاهرا بتجاوز الدم عنها. و قد نسب في الدروس ذلك لظاهر الأصحاب.

و كأنه لدعوي عموم تحيض المبتدأة التي يتجاوز دمها العشرة بأقراء الأقارب، الملزم برفع اليد عن مقتضي قاعدة الإمكان و الاستصحاب من حيضية تمام العشرة، لأنهما بلسان الأصل المحكوم للأمارة، و هي أقراء الأقارب، و إن عمل بهما قبل ظهور التجاوز و تحقق موضوع الرجوع للأقارب.

لكنه يشكل بعدم الدليل علي العموم المذكور، لاختصاص المضمر بمن يستمر دمها ثلاثة أشهر، فلا إطلاق لها في الاستمرار شهرا واحدا أو أقل، و لا سيما مع فرضها فيه لا تعرف أيامها، و قاعدة الإمكان تقتضي كون أيامها العشرة.

كما أن الموثق مختص بالمستحاضة، و مقتضي قاعدة الإمكان و الاستصحاب كونها في أول الدم حائضا إلي العشرة، و لا تكون مستحاضة داخلة في موضوع النص إلا بعد ذلك، نظير ما تقدم في وجه قصور عموم رجوع مستمرة الدم للعادة عن الدور الأول.

و عليه لا ترجع إلي الحكم الذي تضمنه الموثق إلا بمضي شهر من رؤية الدم، و هو الدور الثاني لها، لما تقدم من ارتكاز أن الأصل كون الحيض في كل شهر مرة، و لذا كان هو المعيار عندهم في بقية الأدوار.

و لا سيما مع ظهور المضمر و الموثق في كون التحيض بأقراء النساء وظيفة فعلية ترجع إليها حين العمل، لا ما يعم الوظيفة الواقعية التي ينكشف بعد تجاوزها العشرة ثبوتها من أول الأمر، لأن ذلك هو المناسب لما في المضمر من تخييرها مع اختلاف النساء في مقدار الجلوس بين الثلاثة إلي العشرة، و لما في الموثق من الأمر بالاستظهار الظاهر في نفس الجلوس لا في كون الجلوس السابق في محله.

و دعوي: أن قصورهما لفظا عن الدور الأول لا ينافي فهم عموم حكمهما له إلغاء لخصوصيته عرفا، لعدم الفرق ارتكازا في طريقية أقراء الأقارب بين جميع الأدوار.

مدفوعة بأن الرجوع للطريق المذكور ليس ارتكازيا، ليتعدي عن مورد دليله،

ص: 361

______________________________

لضعف طريقيته جدا، بل هو تعبدي محض لرفع التحير، فلا مجال لإلغاء خصوصية مورد دليله.

بل لو فرض عمومه لفظا للدور الأول لم يبعد انصرافه عنه سؤالا و جوابا بسبب ارتفاع التحير فيه بقاعدة الإمكان و الاستصحاب المفروض العمل عليهما في أول الأمر فيه و اختصاص التحير ببقية الأدوار بناء علي ما هو الظاهر من قصور القاعدة عن إحراز الحيض في أثناء الدم المستمر، بل حتي بناء علي جريانها لما كان مقتضاها- و هو الحيض بمضي أقل الطهر- علي خلاف المتعارف كان مثيرا للريب الموجب للسؤال.

و من هنا لا مجال لرفع اليد عن مقتضي قاعدة الإمكان و الاستصحاب في الدور الأول المعتضد بإطلاق موثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة و عشرين يوما» «1»، و نحوه موثقة الآخر «2»، بناء علي ظهور ذيلهما في التحيض بالثلاثة في جميع الأدوار اللاحقة، حيث لا يكون حمله علي من لا ترجع لأقراء أقاربها منافيا لبقاء صدرهما المتضمن التحيض للعشرة في أول الدم شاملا لمن ترجع لأقراء أقاربها، و ظاهرهما عدم وجوب رفع اليد عن التحيض في أول الدم للعشرة باستمرار الدم.

نعم، لو كان المستفاد منهما التحيض بالعشرة و الثلاثة بالتعاقب في تمام الأدوار كان ما تضمنه الصدر و الذيل وظيفة واحدة مختصة بمن لا ترجع إلي أقراء أقاربها، و لا تنفع فيما نحن فيه. لكنه مخالف لظاهر الموثق الأول و صريح الثاني.

علي أنه لو فرض عموم المضمر و الموثق للدور الأول فقد تقدم في التنبيه الثالث من مبحث الرجوع للتمييز ما ينهض بالخروج عنه في الدور الأول، لأن المقامين من باب واحد. فراجع ما تقدم هناك فإن له نفعا في المقام.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 362

______________________________

ثم إنه قد يدعي اختصاص ما ذكرناه من التحيض بأقراء النساء بمضي شهر من رؤية الدم بما إذا كان الدم بصفة واحدة أما إذا اختلفت صفته من دون أن تتم شروط التمييز المتقدمة فيلزم جعل ما يساوي أقراء النساء من الواجد لصفة الحيض مهما أمكن تقدم أو تأخر، عملا بالمقدار الممكن من دليل الصفة.

و يظهر ضعفه مما تقدم عند الكلام في الشروط المذكورة من اختصاص دليل الصفات بما إذا كان الاختلاف في الوصف صالحا للتمييز بين الحيض و الاستحاضة.

و دعوي: أن ارتكازية حجية الصفات علي ما يناسبها ملزمة بتعميمها للمورد.

مدفوعة بما تقدم في أدلة حجية الصفات- عند الكلام في قاعدة الإمكان- من أن الإرجاع إليها بملاك الغلبة التي لا تكون حجيتها ارتكازية، بل تعبدية يقتصر فيها علي مورد أدلتها، نظير ما ذكرناه هنا في الرجوع لأقراء الأقارب.

كما لا مجال لدعوي قصور دليل الرجوع لأقراء الأقارب عن صورة اختلاف صفة الدم و إن لم يمكن التمييز بها. إذ يكفي في دفعها إطلاق دليله، أما الموثق فظاهر، و أما المضمر فلأنه لم يؤخذ فيه إلا فرض الجهل بأيام الأقراء و يكفي فيه تعذر التمييز. فلاحظ.

الخامس: ذكر الشيخ في جملة من كتبه رجوع المبتدأة في المرتبة المتأخرة عن أقراء أقاربها إلي أقراء أقرانها في السن،

و تبعه علي ذلك في السرائر و الوسيلة و أكثر كتب العلامة و الشهيدين و غيرهم. و في المسالك و عن شرح المفاتيح أنه المشهور، و عن فوائد الشرائع أنه مذهب الأكثر، و عن شرح الجعفرية أنه ظاهر المتأخرين، و في الجواهر أنه المشهور نقلا و تحصيلا، بل قد يظهر من السرائر عدم الخلاف فيه.

علي اختلافهم في تعليقه.. تارة: علي فقد أقاربها، كما في الاقتصاد و الوسيلة و السرائر و محكي جمل الشيخ و المهذب و التحرير و المختلف و غيرها.

و اخري: علي اختلافهن، كما في اللمعة.

و ثالثة: عليهما معا، كما في المبسوط و القواعد و الإرشاد و محكي نهاية الأحكام و غاية المرام و غيرهما. و لا يبعد رجوع الكل لأمر واحد، و هو تعذر الرجوع لأقراء الأقارب.

ص: 363

______________________________

كما اختلفوا في إطلاقه، كما في الاقتصاد و القواعد و الإرشاد و محكي نهاية الأحكام و الموجز و غيرهما، و تقييده باتحاد البلد، كما في المبسوط و الوسيلة و أكثر الكتب، بل هو داخل في معقد الشهرة المدعاة في المسالك و في النسبة للأكثر في محكي فوائد الشرائع.

بل عن شرح المفاتيح أنه لولاه لزم المحال. و كأنه لامتناع الإحاطة بجميع الأقران في السن عادة. لكنه مبني علي الاعتبار بالكل أما لو اكتفي بالبعض فلا محذور.

ثم إن ظاهر النافع و محكي التلخيص كون الأقران في عرض الأقارب، لعطفهما لها بالواو أو (أو) و كذا ما حكاه في الشرائع قولا، و جعله في الدروس ظاهر الأصحاب في المقام.

هذا و يظهر التردد في أصل الرجوع للأقران من الشرائع و التذكرة و جامع المقاصد و محكي مجمع البرهان و كشف الرموز و تلخيص التلخيص و المهذب البارع، بل قد يستظهر من بعضهم الميل لعدمه، كما هو ظاهر المدارك، بل جزم به في المعتبر و محكي التنقيح، و هو الظاهر من كل من حكم بالتحيض بالعدد مع فقد الأقارب أو اختلافهن، كما في الفقيه و النهاية و الخلاف و المفاتيح و حكاه جماعة عن المرتضي، بل ادعي الإجماع علي ذلك في الخلاف. و اشتهر عدم التعويل علي أقراء الأقران في العصور المتأخرة.

و كيف كان، فقد استدل للرجوع لأقراء الأقران..

تارة: بإطلاق (نسائها) لأن الإضافة تصدق بأدني ملابسة، كما عن الذكري، قال: «و لما لابسنها في السن و البلد صدق عليهن النساء، و أما المشاكلة فمع السن و اتحاد البلد تحصل غالبا».

و اخري: بالغلبة، كما يشير إليه ذيل كلام الذكري المتقدم. قال في المنتهي:

«و يمكن أن يقال: إن الغالب التحاق المرأة بأقرانها في الطبع، و يدل عليه من حيث المفهوم ما رواه يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أدني الطهر عشرة

ص: 364

______________________________

أيام، و ذلك أن المرأة أول ما تحيض ربما تكون كثيرة الدم فيكون حيضها عشرة أيام فلا يزال كلما كبرت نقصت حتي يرجع إلي ثلاثة أيام، فإذا رجعت إلي ثلاثة أيام ارتفع حيضها و لا يكون أقل من ثلاثة أيام «1»، فقوله عليه السّلام: «كلما كبرت نقصت دال علي توزيع الأيام علي الأعمار غالبا. و ذلك يؤيد ما ذكره الشيخ».

و ثالثة: بما عن شرح المفاتيح من أن في بعض نسخ موثق زرارة و محمد بن مسلم:

«فتقتدي بأقرانها» و عن مجمع الفائدة و البرهان أن في بعض الأخبار: «أقرانها».

و الكل كما تري، لاندفاع الأول بأن المتبادر من إطلاق الإضافة كونها بلحاظ الانتساب و القرابة، بل هو المتيقن، للاتفاق علي إرادته، و لا مجال معه للحمل علي غير ذلك مما يصحح الإضافة، لأن الإضافة معني حرفي لا يكون موضوعا للأحكام و لا موطنا للأغراض إلّا بمصححه، فلا بد من لحاظ المصحح بخصوصيته، فمع عدم الجامع العرفي بين المصححين يكون الجمع بينهما بمنزلة الجمع بين المعنيين في استعمال واحد ممتنعا عرفا.

و ليس هو من سنخ العموم كي يجب العمل به في غير مورد ثبوت التخصيص، و يدعي في المقام أن الإجماع علي عدم الاكتفاء بسائر ما يصحح الإضافة- كالصداقة و الاتفاق في البلد أو العمل أو نحوهما- لا يمنع من العمل بعموم الإضافة في الاتفاق بالسن، لأن العام المخصص حجة في الباقي، كما في الروض و الرياض.

كما يشكل الثاني بعدم وضوح الغلبة، و عدم ثبوت حجيتها. و ما تضمنته مرسلة يونس من توزيع الحيض علي الأعمار لا يناسب رجوع المبتدأة لأقرانها، بل تحيضها بالأكثر.

و يندفع الثالث بأنه لا مجال للتعويل علي النسخة المذكورة بعد عدم إشارة أعيان الأصحاب من أهل الحديث و أهل الاستدلال إليها، و ظهور اضطراب الرواية معها، لأن نظرها إلي نسائها لا يناسب اقتداءها بأقرانها، إلا أن يراد بها أقرانها من

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 365

______________________________

نسائها، و هو- مع عدم خلوه عن الاضطراب أيضا- أجنبي عن المدعي.

مع أن التعويل عليها يقتضي سقوط النسختين معا، لقصور نصوص العلاج عن اختلاف النسخ- كما حقق في محله- و حيث كانت الرواية مذكورة في التهذيب و الاستبصار، فلا تسقط إلا في الكتاب الذي اختلفت نسخة مع بقائها في الآخر حجة في الوجه المشهور.

بل كلام الشيخ في الاستبصار كالصريح في كون الرواية بالوجه المشهور، لجعله لها موافقة لمضمر سماعة في المضمون.

و أما الخبر المشار إليه في مجمع الفائدة و البرهان فإن أريد به هذه النسخة لحقه حكمها، و إن أريد به خبر آخر مستقل فليس بحجة لإرساله و عدم ذكر مضمونه.

ثم إن مقتضي هذا الوجه- كالوجه الأول- كون الأقران في عرض الأقارب، كما تقدم من النافع و غيره، لا في طولها، كما هو المشهور المعروف بينهم.

و ما عن شرح المفاتيح من أن الروايات الأولي معمول عليها عند الجميع فهي أولي بالتقديم مهما أمكن. كما تري.

نعم، قد يتجه الترتيب المذكور علي الوجه الثاني، لدعوي: أن الغلبة حجة حيث لا حجة.

و أما ما في كشف اللثام من توجيهه باتفاق الأعيان علي الأهل دونهن، و تبادر الأهل من نسائها، و التصريح بهن في خبر أبي بصير. فهو كما تري، لأن هذه الأمور لا تنهض بالترتيب مع إطلاق دليل الحجية، و بدونه يتجه التعليل به، إذ مع عدم الإطلاق لدليل حجية عادة الأقران يتعين الاقتصار فيه علي المتيقن و هو صورة فقد الأقارب.

و كيف كان، فلا مجال للتعويل علي شي ء من الوجوه المتقدمة في الرجوع للأقران، بل يلزم الاقتصار علي الأقارب، و مع تعذر الرجوع إليها يتحيض بالعدد، عملا بإطلاقاته، و منها مضمر سماعة.

ص: 366

حكم اختلاف الأقارب في العدد
اشارة

و إن اختلفن في العدد (1) أيضا فلا يبعد التخيير لها في التحيض فيما بين

______________________________

(1) فلا مجال للرجوع إليهن مع الاختلاف، كما صرح به جماعة من الأصحاب.

و لعل اقتصار بعضهم علي فقد الأقارب ليس للخلاف في ذلك، بل لأن المراد به تعذر الرجوع إليهن الشامل لصورة الاختلاف، نظير ما تقدم في الرجوع للأقران.

و كيف كان، فيقتضيه مضمر سماعة الذي يخرج به عن إطلاق الرجوع للبعض في موثق زرارة و محمد بن مسلم، لما سبق في التنبيه الثاني من الجمع بينهما بالبناء علي حجية الجميع بنحو الانحلال و السقوط مع الاختلاف للتعارض.

ثم إنه صرح في جامع المقاصد باعتبار الأغلب مع الاختلاف، و هو المحكي عن الذكري و حواشي القواعد للشهيد و مجمع البرهان، و استجوده في الروضة و الجواهر، كما قد يظهر من كشف اللثام. و كأنه لظهور الحال في موافقة الأغلب، كما أشير إليه فيما يأتي من نهاية الأحكام.

لكن لا دليل علي حجية الظهور المذكور، كعدم الدليل علي مرجحية الغلبة في تعارض الحجج، بل هو خلاف إطلاق الاختلاف في مضمر سماعة.

و حمله علي الاختلاف الرافع للظن- كما احتمله في كشف اللثام- بلا قرينة.

كحمل إطلاقه علي ذلك في كلام جماعة الذي احتمله في مفتاح الكرامة.

و غلبة عدم اتفاق الكل و تعسر الاطلاع علي عادتهن- لو تمت- إنما تكون قرينة علي عدم اعتبار العلم بعادة الجميع، فيكتفي بالبعض، كما سبق، و هو لا ينافي السقوط مع الاختلاف مطلقا، عملا بالإطلاق.

نعم، لو تمت غلبة الاختلاف فقد تكون قرينة علي حمل إطلاق المضمر علي الاختلاف الفاقد للغلبة، لئلا يلزم ندرة العمل بأقراء الأقارب، بنحو يلغو دليله عرفا. فتأمل.

لكنها غير تامة، لإمكان قلتهن أو عدم انعقاد العادة لبعضهن، و اتفاق من

ص: 367

______________________________

انعقدت العادة لهن منهن حينئذ غير عزيز.

و أما دعوي: أن مقتضي إطلاق الموثق الاكتفاء بالبعض و لو مع الاختلاف، خرج منه بالإجماع غير الأغلب، فيبقي حجة في الأغلب، فهي لو تمت إنما تنفع لو انحصر الدليل بالموثق، أما مع المضمر فحيث كان مقتضي إطلاقه مانعية الاختلاف و لو مع الغلبة لزم البناء علي ذلك، كما لعله ظاهر.

هذا و في العروة الوثقي عدم الاعتداد بمخالفة النادر إذا كان كالمعدوم، و أقره بعض محشيها. و كأنه لانصراف الاختلاف عنها، أو اعتبار الجميع العرفي أو التسامحي لا الحقيقي. لكن الانصراف بدوي لا يخرج به عن الإطلاق. و اعتبار الجميع التسامحي لا وجه له بعد ما سبق في مفاد الأدلة.

و من هنا يتعين البناء علي مانعية الاختلاف مطلقا، كما هو مقتضي إطلاق جماعة و صريح آخرين، فعن نهاية الأحكام: «الأقرب أنها مع الاختلاف تنتقل إلي الأقران لا إلي الأكثر من الأقارب، فلو كن عشرا فاتفق تسع رجعت إلي الأقران. و كذا الأقران.

مع احتمال الرجوع للأكثر، عملا بالظاهر».

نعم، عن نهاية الأحكام أيضا: «الأقرب اعتبار الأقارب مع تفاوت الأسنان، فلو اختلفن فالأقرب ردها إلي من هو أقرب إليها» ثم قال: «لو كانت بعض الأقارب تتحيض بست و الآخر بسبع احتمل الرجوع إلي الأقران، لحصول الاختلاف، و الرجوع إلي الست للجمع، و الاحتياط».

لكن إطلاق الاختلاف في مضمر سماعة مانع من الأول، سواء أريد به ترجيح الأقرب في النسب أم في السن. كما أنه ملزم في الثاني بعدم الرجوع للأقارب، كما صرح به في الجواهر. لأن وجود القدر المشترك لا ينافي صدق الاختلاف في قدر الحيض، و إلا لم يصدق الاختلاف أصلا، إذ لا بد من وجود القدر المشترك و إن كان هو أقل الحيض، و لا خصوصية لليوم الواحد في ذلك.

و بذلك يخرج عن الاحتياط لو كان هو مقتضي الأصل. علي أن الاحتياط

ص: 368

الثلاثة و العشرة (1)،

______________________________

معارض بمثله و الدوران في المقام بين محذورين. بل مقتضي استصحاب الحيض عدم الاقتصار علي الستة، و هو المرجع لو فقد الدليل دون الاحتياط. فلاحظ.

(1) كما في الحدائق. و يقتضيه ظاهر قوله عليه السّلام في مضمر سماعة المتقدم في الرجوع للأقارب: «فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام، و أقله ثلاثة أيام» «1»، و موثق الحسن بن علي الخزاز الوشاء- بناء علي ما سبق في تحديد سن اليأس من الاعتماد علي علي بن محمد بن الزبير- عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم و إذا رأت الصفرة، و كم تدع الصلاة؟ فقال:

أقل الحيض ثلاثة و أكثره عشرة، و تجمع بين الصلاتين» «2».

لأن الاقتصار علي بيان الأقل و الأكثر عند السؤال عن مقدار التحيض ظاهر في التخيير بين المراتب كل شهر، كما اعترف به غير واحد، لا مجرد بيان قضية واقعية من شئون ما يجب عليها أو في أصل الحيض من دون أن يصلح لبيان ما يجب عليها و تحديده. و بذلك يخرج عن ظهور بقية النصوص في تعين بعض المراتب.

ففي مرسلة يونس الطويلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و أما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة و لم تر الدم قط و رأت أول ما أدركت فاستمر بها … و ذلك أن امرأة يقال لها: حمنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: إني استحضت حيضة شديدة … فقال: تلجمي و تحيضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلا و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة و عشرين … فأراه قد سن في هذه غير ما سن في الأولي و الثانية … ألا تري أن أيامها لو كانت أقل من سبع و كانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا … و هذه سنة التي استمر به [بها. خ ل] الدم أول ما تراه، أقصي وقتها سبع، و أقصي طهرها ثلاث و عشرون … ».

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 369

______________________________

ثم قال عليه السّلام: «و إن لم يكن لها أيام قبل ذلك و استحاضت أول ما رأت فوقتها سبع و طهرها ثلاث و عشرون» إلي أن قال عليه السّلام: «فإن لم يكن الأمر كذلك و لكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة و كان الدم علي لون واحد و حالة واحدة فسنتها السبع و الثلاث و العشرون، لأن قصتها كقصة حمنة … » «1».

و في موثق ابن بكير عنه عليه السّلام: «قال: المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة و عشرين يوما» «2».

و قريب منه موثقة الآخر، إلا أن في ذيله: «ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة و تجلس أقل ما يكون من الطمث، و هو ثلاث [ثلاثة. خ ل] أيام، فإن دام عليها الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت و جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر و تركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض» «3».

فإن هذه النصوص و إن كانت ظاهرة في تعين ما تضمنته إلا أن المضمر و الموثق صالحان للقرينية علي تنزيلها علي بيان بعض الأفراد أو أفضلها. و بذلك يتم الجمع بين جميع النصوص، كما جري عليه في الحدائق، و حكاه في المستند عن والده.

و أما تنزيل المضمر و الموثق علي مفاد موثقي ابن بكير بحمل الأقل و الأكثر فيهما علي تحيضها بالأكثر في شهر و بالأقل في آخر كما سيأتي من بعضهم. فيشكل- مضافا إلي عدم كون ذلك مفاد الموثقين، كما يأتي- بأنه لا إشعار في المضمر و الموثق بالتفريق بين الأشهر، بل يقوي ظهورها في بيان الوظيفة في كل شهر.

و حملهما علي مجرد بيان حال وظيفتها من حيثية القلة و الكثرة من دون شرح لها.

كالمقطوع بعدمه، لأن العدول عن بيان المسئول عنه مع مسيس الحاجة إليه إلي بيان ما لا ينفع في مقام العمل بعيد عن الطريقة العرفية في البيان، فكيف يقدم علي ما عرفت في وجه الجمع الراجع لصلوح جميع النصوص لأن يترتب عليها العمل و إن لم يكن

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 370

______________________________

بنحو الإلزام.

و مثله دعوي: أن دلالة المضمر و الموثق علي التخيير بين المراتب بالإطلاق فيكون محكوما للمرسلة و موثقي ابن بكير الدالة علي تعيين المقادير التي تضمنتها.

لاندفاعها بأن حمل إطلاق المضمر و الموثق علي خصوص المقادير المذكورة في المرسلة و الموثقين موجب لاستهجانه، و ليس هو كحمل تلك المقادير علي كونها من أطراف التخيير أو أفضلها. و لا سيما مع لزوم حمل كل منها علي التخيير في الجملة و لو للجمع بين المرسلة و الموثقين. فلاحظ.

و لعله لذا قال في الفقيه: «و إن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام» و في كشف اللثام: «و عن السيد أن المبتدأة تتحيض في كل شهر بثلاثة إلي عشرة».

كما يظهر القول بذلك من الكليني، حيث اقتصر في باب أول ما تحيض المرأة من النصوص الواردة في مستمرة الدم علي مضمر سماعة، و إن ذكر مرسلة يونس الطويلة في باب مستقل بعد ذلك، و لم يعرف القول بذلك عن غيرهم علي كثرة أقوال الأصحاب و انتشارها.

و من هنا قد يوهن الحديثان بظهور إعراض المشهور عنهما. لكن لا طريق لإحراز الإعراض الموهن بعد عمل من ذكرنا من الأعيان، و بعد ظهور اضطراب أقوال الأصحاب في هذه المسألة جدا، و ابتناء كثير منها علي إهمال بعض نصوص المقام و فهم غير ما هو الظاهر من بعضها، كما يأتي، حيث يقرب ابتناء إعراضهم عن مفاد الحديثين المتقدم علي فهمهم منهما غير ما سبق منا، كما قد يظهر من الخلاف و الاستبصار، أو تخيل استحكام التعارض بينهما و بين بقية نصوص المقام، أو أقربية الجمع بينهما و بينها بتنزيلهما عليها بالوجه السابق، دون العكس بالوجه الذي ذكرناه، و مثل هذا الإعراض لا يكون موهنا للنصوص.

نعم، لا بد من كون مبدأ التخيير الدور الثاني، أما الدور الأول فيتعين فيه التحيض للعشرة، للاستصحاب، و لما تضمن لزوم التحيض بها في أول الدم مما تقدم

ص: 371

______________________________

في التنبيه الثالث من مبحث الرجوع للتمييز، لأن المقامين من باب واحد، و لموثقي ابن بكير الظاهرين في خصوصية الدور الأول في ذلك، كما يأتي.

و لا سيما مع قصور ما تضمن التخيير بين الثلاثة إلي العشرة عن الدور الأول، لورود مضمر سماعة فيمن يستمر بها الدم ثلاثة أشهر و ورود موثق الخزاز في المستحاضة، و هي لا تصدق علي مستمرة الدم إلا بعد مضي أيام الحيض و مقتضي الاستصحاب و النصوص المتقدمة كونها حائضا إلي العشرة. و كذا الحال في مرسلة يونس المتضمنة للتحيض بالستة أو السبعة.

و من ثم كان اللازم التحيض في الدور الأول إلي العشرة علي جميع الأقوال الآتية.

و منه يظهر أنه لا مجال لما يظهر منهم و صرح به في الدروس من أن وجوب التحيض في أول الدم إلي العشرة ظاهري، لاحتمال انقطاعه عليها، فإذا استمر الدم بعدها وجب الرجوع فيما سبق إلي الوظائف المقررة من العادة أو التمييز أو اقراء النساء أو التحيض بالعدد. لأنه موقوف علي تمامية إطلاق أدلة الوظائف المذكورة بنحو يشمل أول الدم، و قد عرفت المنع عنه هنا، كما سبق في بقية الوظائف.

علي أن ظاهر مضمر سماعة و موثق الخزاز و مرسلة يونس بيان الوظائف الفعلية التي يعمل عليها حين خروج الدم، لا الواقعية التي ينكشف لزوم العمل عليها من أول الأمر، كما سبق نظيره في بعض الوظائف المتقدمة. فراجع ما سبق فيها فإن له نفعا في المقام. فلا مخرج عما ذكرنا.

و حيث ظهر ما ينبغي العمل عليه فالمناسب النظر في بقية الأقوال علي تداخلها و اضطرابها.
الأول: التخيير بين التحيض في كل شهر بستة أيام أو سبعة و التحيض في شهر عشرة أيام و في آخر بثلاثة،

و لعله المعروف بين الأصحاب، و عن شرح المفاتيح أنه المشهور.

و هو يبتني علي العمل بمرسلة يونس و موثقي ابن بكير مع تنزيلهما علي التحيض بالعشرة و الثلاثة علي التعاقب بنحو الاستمرار. بدعوي: أن المرسلة

ص: 372

______________________________

و الموثقين و إن كانت ظاهرة في تعيين ما تضمنته، إلا أنه لا بد من البناء علي التخيير بينهما إما لأنه مقتضي الوظيفة في المتعارضين، كما يظهر من المبسوط، أو للجمع به عرفا بين النصوص في المقام، كما قد يظهر من الخلاف و صرح به في الجواهر.

و فيه: أولا: أنه لم يثبت كون الوظيفة في المتعارضين التخيير، بل العمل علي أصالة التساقط، كما لم يتضح كون الجمع به في المقام عرفيا، مع ظهور كل منهما في التعيين و عدم الجامع الارتكازي بين الطرفين.

و مجرد تقاربهما في قدر التحيض في مجموع الشهرين- بناء علي ما فهموه من الموثقين- لا يوجب تقارب مضمونيهما، لتعلق الغرض بمقدار التحيض في كل شهر شهر. فما في النهاية و التذكرة من أن الروايتين متقاربتان، غير ظاهر. و من هنا كان الظاهر أن الجمع المذكور تبرعي بلا شاهد.

و هو لا ينافي ما سبق منا من تنزيلها علي بيان أحد الأفراد أو أفضلها، لأن ذلك إنما كان بضميمة مضمر سماعة و موثق الخزاز الصالحين عرفا لأن يكونا شاهد جمع في المقام. و مقتضاهما التخيير بين تمام المراتب من الثلاثة إلي العشرة، لا خصوص ما تضمنه الموثقان و المرسلة.

و ثانيا: أنه لا اشعار في موثقي ابن بكير بكون التحيض بالعشرة و الثلاثة علي التعاقب بنحو الاستمرار مع مسيس الحاجة إلي التنبيه إلي ذلك و تأكيده، لمخالفته للمتعارف في مزاج المرأة من تقارب حيضها في الشهور، بل ظاهرهما- كما ذكره غير واحد- اختصاص التحيض بالعشرة بأول الدم مع الاستمرار علي التحيض بالثلاثة بعد ذلك، كما هو مقتضي إطلاق الذيل فيهما، و لا سيما الثاني المصرح فيه بالتحيض بالثلاثة مع دوام الحيض بعد بيان التحيض بها في المرة الثانية.

و لا وجه مع ذلك لما في الجواهر من حمل ذكر العشرة في الدور الأول علي المثال. و مثله ما ذكره من إمكان استفادة ذلك من مضمر سماعة و موثق الخزاز، لما سبق من قوة ظهورهما في خلافه.

ص: 373

______________________________

و كذا ما ذكره هو و غيره من عدم القول بالفرق بين الدور الأول و غيره، فإنه- لو تم في نفسه، و غض النظر عن عدم التعويل عليه ما لم يرجع إلي القول بعدم الفرق- إنما ينفع لو كان الموثقان ساكتين عن حكم بقية الأدوار، أما حيث كانا دالين علي الفرق بينها كان لازمه إهمالهما، لا الاستدلال بهما علي خلاف ظاهرهما.

و ثالثا: أن الدليل في المقام لا ينحصر بالمرسلة و الموثقين، بل سبق الاستدلال بمضمر سماعة و موثق الخزاز، و أن مقتضي الجمع العرفي تنزيل بقية النصوص عليهما دون العكس.

ثم إن جملة منهم خيروا في الشق الأول بين الستة و السبعة، كما في الخلاف و النافع و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة و محكي نهاية الأحكام و البيان و اللمعة و فوائد الشرائع و الجعفرية و شرحها.

و كأنه لما تضمنته مرسلة يونس من اشتمال سنة النبي صلّي اللّه عليه و آله في قصة حمنة علي التخيير المذكور.

لكن قد يستشكل فيه بأنه لا يناسب اقتصار الإمام عليه السّلام في بقية الفقرات علي السبعة، و لا سيما الأخيرة المتضمنة للتشبيه بقصة حمنة.

و أما قوله عليه السّلام: «أقصي وقتها سبع و أقصي طهرها ثلاث و عشرون» فهو لا يدل علي عدم الاختصاص بالسبعة و وجود مرتبة دونها، لأنه لا يناسب كون الثلاث و العشرين أقصي طهرها، فلا بد من كونه مسوقا لبيان مقدار الحيض و الطهر لا بيان أكثرهما.

و من هنا احتمل بعضهم كون ذكر الستة و هما من الراوي. و لعله لذا اقتصر علي السبعة في المبسوط و الاقتصاد و النهاية و الوسيلة و الشرائع و القواعد و الإرشاد و محكي الجمل و العقود و المهذب و الإصباح و التبصرة، و في كشف اللثام نسبته للأكثر.

اللهم إلا أن يقال: احتمال كون ذكر الستة و هما من الراوي بعيد جدا بلحاظ ذكر ما يناسبه من الطهر. و كذا شكه و تردده فيما قاله الإمام عليه السّلام لا يناسب اقتصاره

ص: 374

______________________________

علي السبع في بقية الفقرات.

بل الأقرب كون اقتصار الإمام عليه السّلام علي السبعة لأنها أحد طرفي التخيير أو أفضلهما، و لا سيما مع ظهور اضطراب الفقرة المتقدمة، لأن التعبير بالأقصي لتحديد المقدار غير مألوف.

نعم، الإنصاف عدم خلو الحديث عن الإشكال، و الاحتياط بالاقتصار علي السبعة.

كما أنهم اختلفوا في الشق الثاني بين من صرح بجواز تقديم كل من العشرة و الثلاثة- كما في الروض و الروضة- و من أطلق- كما في الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و محكي نهاية الأحكام و التبصرة و البيان و فوائد الشرائع و الجعفرية و شرحها- و من صرح بتقديم الثلاثة- كما في الخلاف و المبسوط- و من صرح بتقديم العشرة- كما في الاقتصاد و النهاية و الوسيلة و عن الجمل و العقود و المهذب و الإصباح- و هو المناسب للموثقين بناء علي دلالتهما علي استمرار التعاقب، كما لا يخفي.

بل لا إشكال ظاهرا نصا و فتوي في وجوب التحيض في أول الدم بالعشرة إما واقعا- كما ذكرنا- أو ظاهرا لاحتمال انقطاع الدم عليها- كما يظهر منهم- فالتحيض معه في الشهر الثاني بالعشرة أيضا بعيد جدا. و من ثم قد ينزل كلام من أطلق علي لزوم البدء بالعشرة. فلاحظ.

الثاني: وجوب الاقتصار علي الستة و السبعة

و جعله في التذكرة الأشهر.

و كأنه لمرسلة يونس مع طرح بقية النصوص، أما موثقا ابن بكير فلما في المنتهي من أن ابن بكير فطحي، و لم يسند الثاني إلي إمام، أو لما في الرياض من ظهورهما- كما تقدم- في التحيض بالعشرة في الشهر الأول فقط ثم بالثلاثة لا غير و لم يعرف القول بذلك إلا عن الاسكافي مع انه حكي عنه القول بالتحيض بالثلاثة لا غير. فهما شاذان لا تكافئان المرسلة. و علي تقدير التكافؤ فالجمع بالتخيير بلا شاهد.

ص: 375

______________________________

و أما مضمر سماعة و موثق الخزاز فلما في الرياض أيضا. قال: «و في التمسك بهما مع أعمية الثاني في مقابل المرسل المتقدم المعتضد بالشهرة و الإجماع المحكي إشكال.

و إن تأيد باختلاف الأخبار في التحديد».

لكن فطحية ابن بكير لا تقدح في روايته بعد نصهم علي وثاقته، بل هو من أصحاب الإجماع و لا سيما مع ظهور اعتماد الأصحاب عليها، فقد ادعي في الخلاف الاتفاق عليها في المقام.

كما لا يقدح عدم اسناد الثاني للإمام بعد ظهور حاله و حال الأصحاب في كونه رواية عنه. و ظهور الموثقين فيما ذكره و إن تم إلا أن عدم القول به- لو تم- لا يوجب شذوذهما بعد قرب حملهما علي التخيير بالنحو الذي يقتضيه مضمر سماعة و موثق الخزاز اللذان يمكن تنزيل المرسلة عليهما أيضا، و لا يستحكم التعارض بينها و بينهما، لينظر في الترجيح.

نعم، لو بني علي التخيير بين خصوص مفاد الموثقين و المرسلة أشكل بما ذكره من عدم الشاهد، نظير ما تقدم منا.

ثم إنهم اختلفوا بين من اقتصر علي الستة- كما حكاه في السرائر و المنتهي قولا و حكي عن الموجز الحاوي في غير الدور الأول، حيث تتحيض فيه بعشرة- و من اقتصر علي السبعة- كما في الرياض و المستند و قد يحمل عليه ما في النهاية و حكاه في السرائر و المنتهي قولا، و حكي عن التلخيص و مجمع الفائدة و البرهان و شرح المفاتيح و السيد الطباطبائي- و من ردد بين الأمرين- كما في التذكرة و المنتهي و محكي التحرير- علي تفصيل يأتي.

و كأن وجه الأول: أن اضطراب المرسلة، إما لما سبق من التدافع بين صدرها و ذيلها، أو لما يأتي من دعوي امتناع التخيير بين الأقل و الأكثر في المقام ملزم بالاقتصار علي الأقل، لأنه المتيقن.

لكن التدافع بين صدرها و ذيلها ليس بنحو يوجب الشك في السبعة، بل في

ص: 376

______________________________

الستة، كما سبق و التخيير بين الأقل و الأكثر غير ممتنع، كما يأتي.

و لو تم فكون الستة متيقنة لا يقتضي الاقتصار عليها بل الاحتياط في اليوم السابع بعد عدم الرجوع فيه لاستصحاب الحيض، لعدم إحرازه سابقا لا وجدانا و لا تعبدا، لظهور المرسلة في كون التحيض بالعدد محض تعبد بأحكام الحائض من إحراز الحيض، و لا لاستصحاب عدمه، لعدم اليقين به إلا قبل زمان التحيض بالعدد، و حيث يمتنع التعبد به حال التحيض بالعدد، لمنافاته له، يمتنع بعده، لابتناء الاستصحاب علي التعبد باستمرار المتيقن، لا بوجوده في الزمان اللاحق و إن كان منفصلا عن زمان اليقين، و بنحو الطفرة.

اللهم إلا أن يقال: ظهور أدلة التحيض بالعدد في محض التعبد بأحكام الحائض من دون إحراز الحيض لعله بلحاظ عدم قيام الأمارة علي تعيين الحيض الواقعي به، نظير ما تقدم في الاستظهار في التنبيه الرابع من تنبيهات الكلام في وجوبه، فلا ينافي إحراز حيضية الثلاثة أيام لأنها أقل الحيض بضميمة أصالة كون الحيض في كل شهر مرة التي يظهر من هذه النصوص الجري عليها، و حيضية ما زاد عليها بالاستصحاب، ما لم يصل إلي عدد لا يجوز تجاوزه. و لازم ذلك التحيض بالسبعة لو فرض التردد بينها و بين الستة، كما تقدم. إلا أن يتم ظهور المرسلة في الترديد بينهما، فيتعين العمل عليه.

نعم، صرح في المعتبر و غيره من أهل القول الأول بأن الترديد بين الستة و السبعة راجع للتخيير بينهما. عملا بظاهر دليله.

و صرح في المنتهي بامتناع التخيير في اليوم السابع بين وجوب الصلاة و عدمه، إذ لا تخيير في الواجب، فلا بد من تنزيل الدليل علي الرد إلي اجتهاد المرأة فيما يغلب علي ظنها أنه أقرب إلي عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بلونه، و نحوه عن نهاية الأحكام، و ظاهر التذكرة التردد بين الوجهين.

و قد حاول في المعتبر و غيره دفع محذور التخيير في الواجب بثبوت التخيير بين القصر و التمام في بعض الموارد. و بأن التخيير إنما هو البناء علي أحد الأمرين من

ص: 377

______________________________

الحيض و عدمه فيثبت حكمه تبعا لذلك لا التخيير في نفس الحكم ابتداء.

و كلاهما كما تري، لأن التخيير بين القصر و التمام تخيير في أطراف الواجب، للتباين بين القصر و التمام، لا في أصله، كما في المقام. كما أنه لا إشعار في النص بتوقف حكم الحيض و عدمه علي البناء علي أحد الأمرين في مرتبة سابقة.

فالأولي في دفع المحذور المذكور أن يقال: إنه قد يتم لو كان التخيير واقعيا، لا في مثل المقام مما يكون التخيير فيه طريقيا لرجاء تحصيل الواقع الذي لا تخيير فيه، إذ لا محذور في التخيير في مراعاة أحد الاحتمالين، كما تقدم نظيره عند الكلام في مقدار الاستظهار.

علي أن الحمل علي الرد إلي اجتهاد المرأة بعيد جدا عن ظاهر النص، و عن حال المبتدأة التي لم تسبق بشي ء يوجب لها الظن بالحال. و كذا عن حال الدم المفروض في النص كونه بلون واحد.

نعم، قد لا يبعد عن حال أقراء نسائها، إلا أن المناسب له اختيار ما هو الأقرب إليهن و إن كان أقل من الستة أو أكثر من السبعة، فاقتصار النص علي العددين لا يناسب النظر إليهن جدا.

الثالث: الاقتصار علي التحيض بعشرة في شهر و ثلاثة في آخر،

إما مع تقديم العشرة- كما حكاه في السرائر و المنتهي قولا، و يظهر من الاستبصار- أو مع تقديم الثلاثة- كما حكاه فيهما أيضا قولا، و في مفتاح الكرامة أنه المنقول عن القاضي- و يبتني علي العمل بموثقي ابن بكير بعد تنزيلهما علي استمرار التعاقب بين الثلاثة و العشرة، و إهمال مضامين بقية النصوص.

و لعله لما في الاستبصار من تنزيل مضمر سماعة علي التحيض بالأكثر في شهر و بالأقل في آخر- و هو يجري في موثق الخزاز- و تنزيل مرسلة يونس علي ما يصيب كل شهر تقريبا علي تقدير العمل بما تضمنه الموثقان. أو لطرح النصوص المذكورة، لضعف سندها، لما أشرنا إليه آنفا في المضمر و الموثق.

ص: 378

______________________________

و أما المرسلة فللإرسال أو لما ذكره في المعتبر من أن راويها عن يونس محمد بن عيسي، و قد حكي الصدوق عن ابن الوليد أنه لا يعمل بما ينفرد به محمد بن عيسي عن يونس.

لكن سبق أن الموثقين لا يدلان علي استمرار التعاقب بين الثلاثة و العشرة، و أن تنزيل المضمر و الموثق علي ذلك بعيد جدا. و أضعف منه تنزيل المرسلة عليه، حيث لا يناسب ورودها لبيان الوظيفة التي يعمل عليها، بل هو خلاف المقطوع به منها.

كما تقدم حجية المضمر و الموثق و مراسيل يونس، خصوصا هذه المرسلة التي رواها عن غير واحد، و عمل بها الأصحاب، بل ادعي في الخلاف الإجماع عليها.

و استثناء ابن الوليد ما ينفرد به محمد بن عيسي عن يونس قد عقب عليه النجاشي بقوله: «رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول و يقولون:

من مثل أبي جعفر محمد بن عيسي … قال أبو عمرو: قال القتيبي: كان الفضل ابن شاذان رحمه اللّه يحب العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه و يقول:

ليس في أقرانه مثله. و بحسبك هذا الثناء من الفضل».

و ملاحظة مجموع ما ورد في ترجمة الرجل تشهد برفعة مقامه، كما صرح به النجاشي و غيره. و لا مجال لإطالة الكلام في ذلك.

الرابع: التحيض في كل شهر ثلاثة أيام،

كما حكي في التذكرة و المنتهي و محكي السرائر قولا، و حكاه في المدارك عن ابن الجنيد، و في المعتبر أنه الوجه، و قواه في المدارك و محكي المفاتيح.

لكن حكي عنهما استثناء الدور الأول للمبتدئة فتتحيض فيه بعشرة. و لعله مراد الكل، لما سبق من ظهور النصوص و الفتاوي في التحيض بها في أول الدم، و لو لاحتمال عدم تجاوز الدم عنها، و هو الذي حكاه غير واحد عن ابن الجنيد. فيناسب موثقي ابن بكير، بناء علي ما سبق من ظهورهما في ذلك، و يبتني علي مضامين بقية النصوص، لضعفها أو لتنزيلها علي ذلك، علي ما تقدم منشؤه و دفعه.

بل استشكل في المعتبر في الموثقين أيضا بأن ابن بكير فطحي، و إنما يقتصر

ص: 379

______________________________

علي الثلاثة لأنها المتيقن. لكن سبق في مناقشة القول الثاني أن اليقين بجواز التحيض بمقدار خاص لا يقتضي الاقتصار عليه، بل مقتضي الأصل الاحتياط في الزائد ما لم يكن محكوما للأدلة، و قد عرفت مفادها.

الخامس: التخيير بين السبعة و الثلاثة،

كما عن الجامع، عملا بالرواية و اليقين.

و كان الأولي له إبدال اليقين بموثقي ابن بكير بعد استثناء الدور الأول، كما يظهر مما سبق.

و أضعف منه ما قد يظهر من المعتبر من توجيه السبعة- بعد تضعيف المرسلة- بأنها الغالب في حيض النساء. لوضوح عدم حجية الغلبة. و كيف كان، فيظهر ضعف هذا القول مما تقدم.

السادس: أنها تعد عشرة حيضا و عشرة طهرا حتي تنعقد لها عادة،

كما عد قولا لبعض أصحابنا في السرائر و المنتهي، و نسب في كلام غير واحد للغنية. و قد تقدم التشكيك في قوله بذلك في التنبيه الأول من مبحث الرجوع للتمييز.

و لو تم فظاهر كلامه إهمال جميع وظائف المستحاضة غير العادة و انحصر دليله بقاعدة الإمكان، لكن سبق قصورها عن الدم المستمر، مع أنها محكومة لنصوص المقام و غيرها من نصوص وظائف المستحاضة.

السابع: التحيض بعشرة في كل شهر،

كما حكي قولا في المعتبر و التذكرة و المنتهي، مستدلا عليه في الأول بقاعدة الإمكان. لكن مقتضاها القول السابق، مع ما سبق من قصورها عن الدم المستمر.

كما لا مجال للاستدلال عليه بالاستصح اب بعد العلم بوجوب التحيض في الجملة بالنظر للنصوص المختلفة و كلمات الأصحاب. لما سبق في القول الثاني من المنع من جريانه بلحاظ التحيض التعبدي، لعدم سبق اليقين بالحيض معه. إلا أن يكون المراد به أن أكثر ما يجوز التحيض به العشرة، و إن جاز التحيض بما دونها، كما قد يناسبه نسبته للصدوق و السيد (قدس سرهما) في كلام بعضهم، فيرجع إلي المختار الذي سبق الاستدلال عليه.

هذا و قد عدّ في مفتاح الكرامة من أقوال المقام أنها تدع الصوم و الصلاة كلما

ص: 380

______________________________

رأت الدم و تفعلهما كلما رأت الطهر. لكنه خارج عن محل الكلام الذي هو فرض استمرار الدم، و إنما يتجه مع تقطعه الذي يأتي الكلام فيه بعد ذلك إن شاء اللّه تعالي.

بقي شي ء: و هو أنه قال في التذكرة: «إذا رددناها إلي الأقل فالثلاثة حيض بيقين، و ما زاد علي العشرة طهر بيقين، و ما بينهما هل هو طهر بيقين أو مشكوك فيه يستعمل فيه الاحتياط؟ للشافعية قولان … و إن رددناه [رددناها. ظ] إلي الست و السبع فالأقل حيض بيقين، و الزائد علي الأكثر طهر بيقين، و ما زاد علي الأقل إلي الست و السبع هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه؟ للشافعي قولان … و فيما زاد علي الست و السبع إلي العاشر قولان. و كلا القولين في التقادير عندي محتمل».

بل قال في المنتهي في حكم الناسية: «لو اتفق لها ذلك في رمضان قضت صوم عشرة احتياطا. و كذا المبتدأة و المضطربة، قاله علماؤنا. و الأقرب عندي أنها تقضي أحد عشر يوما».

و كأن ما ذكره أخيرا يبتني علي احتمال ابتداء الحيض في أثناء النهار، فلا تتم العشرة إلا في اليوم الحادي عشر.

لكن لا يخفي أن التحيض بمقدار خاص حيث كان من جهة النص الذي تضمنه- كما جري عليه هو «قدس سره» - فالمتعين إجراء أحكام الحيض لا غير في تمام المقدار الذي تضمنه و أحكام الطهر لا غير فيما زاد عليه، لظهورها في تحديد التحيض و الاقتصار فيه علي القدر الخاص تعبدا، بل هو صريح أكثرها، فإيجاب الاحتياط مع ذلك إلغاء للعمل بالنصوص في الحقيقة.

و ما يظهر منه من الإجماع علي ذلك في الصوم لم أعثر علي مصرح به و لا يناسب كلماتهم في المقام. فلا مجال للخروج به عن ظاهر الأدلة. إلا أن يريد بيان كيفية الاحتياط و إن لم يكن لازما، فلا إشكال عليه. لكنه خلاف ظاهر كلامه.

نعم، لو كان أصل التحيض معلوما من جهة النصوص دون مقداره لاختلافها فيه اتجه وجوب الاحتياط فيما زاد علي المتيقن، لما سبق في القول الثاني من عدم جريان

ص: 381

و إن كانت السبعة أحوط و أفضل (1)،

______________________________

استصحاب الحيض و لا عدمه حينئذ. و قد تقدم في المسألة الثانية الكلام في وجه وجوب الاحتياط في مثل ذلك و في كيفيته. هذا و يأتي من المنتهي في الفرع الثالث عشر من فروع كفارة وطء الحائض ما يناسب ذلك.

(1) أما كونها أفضل فلعله للتعبير في المرسلة بالسنة الذي هو أظهر في خصوصيتها في الرجحان من مجرد الأمر بالثلاثة في موثقي ابن بكير. بل قد يحمل الأمر فيهما علي محض الترخيص لبيان أدني المراتب السائغة، حيث لا يبعد كونه أقرب عرفا من الحمل علي الاستحباب التخييري، فلا تكون الثلاثة مستحبة أصلا.

كما أنه لو تم اشتمال المرسلة في بيان السنة علي التخيير بين الستة و السبعة فلا يبعد ظهور اقتصار الإمام عليه السّلام في بقية الفقرات علي السبعة في أفضليتها من الستة.

و أما كونها أحوط من بقية المراتب فلاحتمال عدم حجية مضمر سماعة و موثق الخزاز، لضعفهما أو الإعراض عنهما، أو إجمالهما أو تنزيلهما علي ما يناسب غيرهما علي ما سبق. فلا يبقي إلا المرسلة و موثقا ابن بكير. و مما سبق في المرسلة يتضح وجه كون السبعة أحوط من الستة.

نعم، لم يتضح وجه كونها أحوط من الثلاثة، لأنه إن فرض استحكام التعارض بين المرسلة و الموثقين لزم التساقط فيفتقر كل منهما للدليل، أو التخيير من دون وجه لأولوية السبعة، و كذا لو جمع بينها و بينهما بالتخيير.

اللهم إلا أن يدعي رجحان المرسلة بالشهرة، لرواية يونس لها عن غير واحد.

و إن كان لا يخلو عن إشكال. فتأمل.

و مما سبق يظهر كون السبعة أفضل علي جميع الأقوال المتضمنة كونها طرفا للتخيير. لكن في المسالك و الروضة أن الأفضل لها اختيار ما يوافق مزاجها، فتأخذ ذات المزاج الحار السبعة و البارد الستة و المتوسط الثلاثة و العشرة. و لا يخفي عدم نهوض

ص: 382

______________________________

ذلك بإثبات الأفضلية شرعا، لا علي القول المذكور و لا علي بقية الأقوال المتضمنة للتخيير في الجملة، فضلا عن أن يخرج به عما ذكرناه من الوجه في أفضلية السبعة.

إلا أن يريد الأولوية بلحاظ الأقربية لإصابة الواقع، التي هي مرتبة من مراتب الاحتياط الحسن عقلا. علي أنه لا يتم في الثلاثة و العشرة، لما أشرنا إليه آنفا من مخالفته للمتعارف في مزاج المرأة من تقارب حيضها في الشهور.

بقي في المقام أمور..
الأول: صرح في جامع المقاصد و الروض و الروضة و المدارك و محكي الموجز بأن الأولي لها جعل العدد الذي تختاره في أول أيام الدم،

و إن لم يكن لازما، و نسبه في الحدائق لتصريح الأصحاب، كما صرح بعدم لزومه و أنها مخيرة في وضعه حيث شاءت من أيام الدم في المنتهي و المسالك و محكي المعتبر و الإصباح و التحرير و الجعفرية و شرحها، و هو ظاهر القواعد.

بل قد يظهر من المبسوط، حيث ذكر في الناسية لعدد عادتها و وقتها أنها تحتاط في تمام الدم. ثم قال: «و لا يمكن أن تطلق هذه علي مذهبنا، إلا علي ما روي أنها تترك الصوم و الصلاة في كل شهر سبعة أيام و تصوم و تصلي فيما بعد. و تكون مخيرة علي هذه الرواية في السبعة الأيام من أول الشهر و أوسطه و آخره».

لظهوره في أن مقتضي إطلاق الرواية التخيير، فيجري في المبتدأة و المضطربة و لا يختص بالناسية.

و لعله إليه يرجع ما في المنتهي من الاستدلال بعدم الرجيح في حقها، لأن عدم الترجيح إنما ينفع في التخيير مع الإطلاق.

و يشكل بأنه لا ريب في ظهور جملة من نصوص المقام و غيرها في لزوم التحيض بعشرة من أول الدم و لو ظاهرا لاحتمال انقطاع الدم عليها، كموثقي ابن بكير من نصوص المقام، و قوله عليه السّلام في موثق سماعة فيمن تري الدم أول حيضها فيختلف عليها في الأشهر: «فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت تري الدم ما لم يجز

ص: 383

______________________________

العشرة» «1»، و قوله عليه السّلام في مرسلة يونس القصيرة: «عدت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة … » «2». كما أنه مقتضي قاعدة الإمكان بضميمة الاستصحاب. بل الظاهر عدم الإشكال في ذلك بينهم. و قد سبق منا بقاؤها علي ذلك و عدم عدولها عنه بظهور استمرار الدم، و أن وظائف المستحاضة تبدأ من الدور الثاني.

و أما لو فرض البناء علي ما هو ظاهرهم و صريح بعضهم من العدول عن ذلك بظهور استمرار الدم، لعموم دليل وظائف المستحاضة، و منها التحيض بالعدد، للدور الأول، المقدم علي عموم التحيض بالعشرة في أول الدم، و الملزم بحمله علي التحيض بها ظاهرا لاحتمال الانقطاع عليها، فحيث كان التنافي بين أدلة التحيض بالعدد و أدلة التحيض بالعشرة في أول الدم مختصا بمقدار التحيض، لزم الاقتصار عليه في الخروج عن أدلة التحيض بالعشرة في أول الدم، و إعمالها في الوقت، فليس لها أن تجعل العدد في غير العشرة الأولي.

كما يلزم جعله من أولها- لا من أثنائها بنحو ينتهي بها- لأنه أظهر عرفا في الجمع بين الدليلين. و لا أقل من كون حيضية الأول مقتضي قاعدة الإمكان، من دون أن تنافيها في ذلك أدلة التحيض بالعدد.

هذا في الدور الأول، و أما بقية الأدوار فإن قلنا بقصور نصوص التحيض بالعدد عن الدور الأول، و أن مبدأ إعمالها الدور الثاني فالمنصرف منها بقرينة ارتكاز أن الحيض في كل شهر مرة- كما تضمنته بعض النصوص «3» - أن مبدأ إعمالها بمضي شهر من رؤية الدم، بل هو صريح قوله عليه السّلام في موثق ابن بكير: «ثم تصلي عشرين يوما فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام» «4» و في موثقة الآخر: «فمكثت تصلي بقية شهرها، ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة» «5».

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الحيض.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 384

______________________________

و إن قلنا بشمولها للدور الأول فالأمر أظهر، للتصريح في مرسلة يونس و الموثقين بأنها تصلي تمام الشهر ثم تتحيض.

و ما قد يظهر من المنتهي من حمله علي ما يعم الصلاة في طرفي الشهر أو في أوله.

بعيد جدا بل لا يناسب العطف بالفاء و «ثم» في بعض الفقرات.

و منه يظهر الحال في بقية الأدوار، و أن مبدأ التحيض في كل مرة بمضي شهر من مبدأ التحيض في سابقتها.

و لبعض ما ذكرنا قرّب لزوم جعل العدد في أول الشهر في التذكرة و كشف اللثام، بل قد يكون هو المنصرف ممن أطلق، لما ذكرناه في وجه انصراف النصوص.

هذا و في العروة الوثقي: «الأحوط أن تختار العدد في أول رؤية الدم، إلا إذا كان مرجح لغيره» و لم يتضح مراده بالمرجح لغير الأول. بل مقتضي ما ذكرنا عدمه، كما أنه مقتضي إطلاق التخيير لو تم. إلا أن يريد تجدد التمييز، حيث لا إشكال في الرجوع إليه، لما دل علي تقدمه علي التحيض بالعدد. لكنه خارج عن محل الكلام من التحيض بالعدد. و كذا تجدد عادة الأقارب، بناء علي الرجوع إليها في الوقت.

و أظهر منه الاطلاع عليها مع سبق انعقادها و الجهل بها، حيث قد يدعي لزوم تدارك التحيض السابق لو كان علي خلافها، عملا بإطلاق دليلها، و إن كان لا يخلو عن إشكال. فتأمل.

ثم إنه بناء علي التخيير فقد صرح في جامع المقاصد و الروض باختصاصه بالشهر الأول، فتجري في بقية الشهور علي ما يناسبه، مع اعترافه في الأول بإطلاق كلام الأصحاب. و قد علل فيهما ببعد اختلاف زمان الحيض، و لأن ذلك بمنزلة العادة.

لكن في الروض: «مع احتمال بقاء التخيير للعموم، لأن العادة تتقدم و تتأخر».

و فيه: أن احتمال تقدم العادة و تأخرها لا يعتد به في مستمرة الدم. فالأولي الجواب بعدم الدليل علي كون التحيض بالعدد بمنزلة العادة، و عدم كفاية استبعاد التقدم و التأخر- لو تم- في الخروج عن عموم التخيير.

ص: 385

______________________________

نعم، الظاهر عدم تمامية عموم التخيير، لأن النصوص لو كانت قاصرة عن تعيين أول الدم فهي صريحة في لزوم التطابق بين الشهور، للتنصيص فيها علي مقدار الصلاة في كل شهر بعد التحيض، كما سبق.

كما أنه صرح غير واحد ممن ذهب للتخيير بأنه لا اعتراض للزوج في ذلك.

و الوجه فيه: ظهور الأدلة في كون الاختيار لها، و قصور أدلة وجوب تمكين الزوج من الوطء عن إلزامها باختيار ما يوافقه، لاختصاصها بغير حال الحيض، فيكون اختيارها رافعا لموضوع الوجوب المذكور تعبدا، كما لعله ظاهر.

فما ذكره في العروة الوثقي من وجوب إطاعة الزوج، في غير محله كاستدلال سيدنا المصنف قدّس سرّه له بعموم وجوب إطاعته. و منه يظهر أنه لا اعتراض له علي اختيارها في مقدار التحيض.

الثاني: بناء علي التخيير لها في مقدار التحيض

بالنحو الذي ذكرناه أو غيره فقد صرح في جامع المقاصد و الروض و المسالك بأن التخيير ابتدائي، فإذا اختارت عددا جرت عليه في بقية الشهور. مستدلا عليه في الأول بنظير ما تقدم منه في وجه كون التخيير في الوقت ابتدائيا، من بعد اختلاف مرات الحيض عددا، و أن ذلك قائم مقام العادة للمعتادة.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 386

و يظهر الإشكال فيه مما سبق. فلا مخرج عن إطلاق أدلة التخيير الظاهر في الاستمرار عليه. و هو مقتضي إطلاق كلام الأصحاب، كما اعترف به قدّس سرّه.

نعم، بناء علي التخيير بين الستة أو السبعة و الثلاثة في شهر و عشرة في آخر لو اختارت الشق الثاني لزمها الجري عليه في شهرين، و لا يجوز لها أخذ الثلاثة أو العشرة في شهر و الستة أو السبعة في الثاني، لخروجه عن أطراف التخيير المنصوصة، كما لعله ظاهر.

الثالث: لا يبعد كون الشهر الحيضي لمستمرة الدم هو الشهر الهلالي،

كما صرح به في الروض، و هو ينقص تارة و يتم أخري، لا الثلاثين يوما، لأن مقتضي الجمود علي

ص: 386

______________________________

عبارة النصوص المتضمنة لبيان مقدار التحيض و الصلاة و إن كان هو الثاني، إلا أن الأول هو الأنسب بوضع الحيض، حيث يقرب معه تنزيل النصوص المتضمنة للثلاثين علي الجري علي مقتضي الأصل في الشهر. و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

و لذا احتمل المحقق جمال الدين الخوانساري في حاشيته علي الروضة اعتبار الثلاثين. فتأمل جيدا.

الرابع: قال في الدروس بعد الحكم برجوع المبتدأة و المضطربة إلي التمييز ثم الروايات:

«و هل تستظهران إذا رجعتا إلي ذلك بما استظهرت به المعتادة؟ الظاهر:

نعم،» و في جامع المقاصد: «إذا لم ينقطع الدم علي العدد الذي تحيضتا به هل تستظهران كذات العادة بيوم أو يومين؟ الظاهر: نعم».

و لم أعثر عاجلا علي من وافقهما في ذلك. كما لم يتضح الوجه فيه عدا إطلاق بعض نصوص الاستظهار، ففي صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الحائض كم تستظهر؟ فقال: تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة» «1» و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين» «2».

و يشكل الأول- مضافا إلي أن ظاهر الحائض فيه من يحرز حيضها دون من تتحيض تعبدا، كما في المقام- بأنه وارد لبيان قدر الاستظهار مع المفروغية عن مشروعيته، فلا إطلاق له في أصل مشروعيته، لينفع فيما نحن فيه.

كما يشكل الثاني- مضافا إلي ضعف سنده- بأن تشريع الاستظهار لما لم يكن لبيان مقدار جلوس المستحاضة، بل لبيان مقدار احتياطها زائدا علي الجلوس اللازم عليها طبعا، فلا بد من أخذ أصل الجلوس اللازم عليها في موضوعه مفروغا عنه، و كما يمكن أن يكون الملحوظ مطلق الوظائف المشروعة لها في تمام المراتب يمكن أن يكون الملحوظ الجلوس في العادة المفروغ عن مشروعيته فيه.

و من هنا لا يبعد كونه واردا لبيان مقدار الاستظهار بعد المفروغية عن تشريعه،

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 14.

ص: 387

و أما إذا كانت مضطربة غير مستقرة العادة فالأحوط وجوبا لها الجمع بين الوظيفتين أعني الرجوع إلي عدد الأقارب (1)

______________________________

كالصحيح، لا لبيان تشريعه و مقداره معا. و لعله لذلك أهمل الأصحاب الكلام فيه لغير ذات العادة، بنحو قد يظهر في اختصاصه بها، و إن سبق تشريعه مع الجلوس بأقراء النساء للموثق. فلاحظ.

علي أنه لا يبعد انصراف إطلاق الاستظهار لو تم عما نحن فيه، لأنه لما كان عبارة عن الاستيثاق و الاحتياط في احتمال الحيض كان تشريعه مسانخا لتشريع التحيض بالعدد الذي سبق أنه لا يبتني علي إحرازه، و ليس كتشريع حجية العادة أو التمييز، فلا يحسن تشريعه معه، بل يكتفي عنه بتكثير أيام التحيض بالعدد.

و من ثم كان تحديد التحيض بالعدد ظاهرا جدا في عدم التحيض بما زاد عليه استظهارا، و ليس هو كتشريع الرجوع للعادة أو التمييز.

و لو فرض تمامية إطلاقه و شموله له لزم الخروج عنه بمرسلة يونس و موثقي ابن بكير المصرح فيها بأنها تصوم و تصلي بعد التحيض بالعدد المذكور فيها.

حكم المضطربة

(1) حيث كان تعينه ظاهر جماعة و صريح آخرين ممن يظهر منه أو صرح بعموم المبتدأة لمن اضطرب حيضها، الذي ادعي أنه المشهور، علي ما تقدم التعرض له عند الكلام في معني المبتدأة و المضطربة، خلافا لظاهر المعتبر و المنتهي و صريح المختلف و غيره من تحيضها مع عدم التمييز بالعدد.

و الوجه في الأول: إطلاق قوله عليه السّلام في موثق زرارة و محمد بن مسلم: «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثم تستظهر علي ذلك بيوم» «1»، الذي لا ينافي الاقتصار علي المبتدأة في مضمر سماعة، لعدم وروده بلسان الحصر.

بل قد يدعي أن قوله فيه: «و هي لا تعرف أيام أقرائها» مشعر بعلة الحكم، فيتعدي

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 388

و العدد الذي تختاره مما ذكر (1). و أما الناسية لعادتها وقتا و عددا فترجع

______________________________

منه للمضطربة. و إن كان الظاهر عدم صلوحه لذلك بعد وقوعه في كلام السائل.

و أما الاستدلال بإطلاق موثق أبي بصير الوارد في النفساء «1». فيظهر مما سبق في رجوع المبتدأة لعادة نسائها أنه لا مجال له. كما لا مجال للاستدلال ببعض الوجوه الاعتبارية المتقدمة هناك.

فالعمدة فيه إطلاق الموثق المتقدم، الذي تقدم هناك دفع بعض المناقشات في الاستدلال به.

نعم، قد يقرّب حمله علي المبتدأة بأن المضطربة حيث ثبت مخالفتها قبل أن تستحاض لنسائها، فلا مجال لرجوعها لهن عند استحاضتها و اشتباه الحال عليها.

لكن استشكل فيه في الجواهر بأنه مجرد اعتبار لا يصلح مدركا للأحكام الشرعية. مع أنه لا يتم فيما إذا وافقت نساءها في المرة الأولي و استمر بها الدم في الثانية، و أنه وارد في المبتدأة المستمرة الدم لو خالف مقتضي تمييزها عادة نسائها في الأدوار الأولي ثم فقدت التمييز. و ما ذكره متين جدا.

و ليس رجوع مستمرة الدم لأقراء نسائها مع مخالفتها لهن قبل استمراره إلا كرجوعها لعادتها مع سبق مخالفتها لها في بعض الشهور بنحو لا ينتقض حكم العادة.

و لا يتضح الوجه في توقف سيدنا المصنف قدّس سرّه مع ظهور كلامه في مستمسكه في اعتماده علي الموثق و استضعافه للمناقشات التي وجهت إليه.

ثم إن ما سبق من الفروع المتعلقة برجوع المبتدأة لعادة نسائها- و منها الاستظهار- جار في المضطربة، لأن بعض أدلتها و إن كان يخص المبتدأة إلا أن بعضها يعم المضطربة، كما يظهر بالتأمل فيها. فراجع.

(1) لأن بعض نصوص التحيض بالعدد و إن اختص بالمبتدئة و هو

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 10.

ص: 389

إلي التمييز (1)،

______________________________

مضمر سماعة و موثقا ابن بكير، إلا أن الباقي يعم غيرها من أقسام المستحاضة، و هو موثق الخزاز و مرسلة يونس، و الجمع بينهما بالتخيير المذكور، كما يظهر مما سبق.

و يأتي في الناسية تمام الكلام في ذلك لاشتراكهما في الأدلة، مع التعرض لكلمات الأصحاب، لتردد المضطربة في كلماتهم بين من لم تنعقد لها عادة و الناسية لعادتها.

فلاحظ.

هذا و لما كان العدد المذكور أعم من عادة الأقارب كان الأنسب التعبير عن كيفية الاحتياط بالترتيب بين عادة الأقارب و الرجوع للعدد، لا بالجمع بينهما.

نعم، لو لم نقل في التحيض بالعدد بالتخيير بين تمام المراتب من الثلاثة إلي العشرة، بل بوجه آخر كان بين الأمرين عموما من وجه و اتجه التعبير بالجمع.

حكم الناسية الرجوع للتمييز

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب رضي اللّه عنهم، بل يظهر من جملة من كلماتهم المفروغية عنه، و ظاهر المنتهي و صريح المستند دعوي الإجماع عليه، بل في الثاني أن نقل الإجماع عليه متكرر، و نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر سوي ما يأتي من أبي الصلاح و الغنية و إن كان مقتضي إطلاق الدروس رجوع الناسية للعدد الخلاف في رجوعها للتمييز، لكنه في غير محله بعد وضوح دليل التمييز.

و من هنا لا يهم الكلام في دليله، بل في كيفية استفادته من الأدلة التي لا إشكال في دلالتها عليه في الجملة، لما يترتب علي ذلك من الثمرات في جملة من الفروع.

فاعلم أنه سبق أن عمومات الرجوع للتمييز مخصصة بغير ذات العادة، و منها الناسية فلا بد في رجوع الناسية للتمييز من دليل خاص.

و دعوي: أن دليل التخصيص لما كان هو عمومات الرجوع للعادة و هي تقصر عن الناسية، لتعذر رجوعها لعادتها لزم بقاؤها تحت عمومات التمييز.

مدفوعة بأن تعذر رجوع الناسية لعادتها لا يوجب خروجها عن عموماته رأسا و بقاءها تحت عمومات التمييز، بل هو تعذر طارئ لا ينافي حجية العادة ذاتا

ص: 390

______________________________

علي حيضية ما فيها واقعا و إن لم يمكن تعيينه عملا بعموم حجيتها، و لذا قد يلتزم بحجية العادة مع العلم بمقتضاها إجمالا و مع تذكرها بعد مضي وقتها علي خلاف مقتضي التمييز، مع وضوح أن حجيتها إجمالا أو بعد تذكرها فرع حجيتها علي مؤداها بما له من حدود واقعية من أول الأمر بلحاظ عموم حجيتها، لا لدليل خاص يقتضي أحد الأمرين أو كليهما.

و من هنا كان رجوع الناسية للتمييز بالنظر لعموم الأدلة غير خال عن الإشكال.

نعم، لو كان التمييز حجة علي تعيين العادة اتجه الرجوع إليه حينئذ مع نسيانها.

لكن من الظاهر أنه حجة علي تعيين الحيض ابتداء في مقابل العادة في حق من لا ترجع إليها.

و كذا الحال في التحيض بالعدد، فإن مفاده التعبد بحكم الحيض فيه، لا بأنه مقدار العادة، و يأتي في التحيض بالعدد ما ينفع في المقام.

فالعمدة في ذلك مرسلة يونس الطويلة، لظهور جملة من فقراتها في ذلك.

منها: ما يدل علي اختصاص الرجوع للعادة بما إذا كانت معلومة عددا و وقتا، كقوله عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سن في الحيض ثلاث سنن بيّن فيها كل مشكل لمن سمعها و فهمها حتي لا [لم] يدع لأحد مقالا فيه بالرأي.

أما إحدي السنن فالحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ثم استحاضت و استمر بها الدم و هي في ذلك تعرف أيامها و مبلغ عددها، فإن امرأة … [استحاضت … ] فأتت أم سلمة … فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك فقال:

تدع الصلاة قدر أقرائها … هذه سنة النبي صلّي اللّه عليه و آله في التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها ألا تري أنه لم يسألها كم يوم هي … و إنما سن لها أياما معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها … فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها … » إلي أن قال عليه السّلام:

«فجميع حالات المستحاضة تدور علي هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو من

ص: 391

______________________________

واحدة منهن، إن كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي علي أيامها … » «1».

فإن التقييد بالعلم بالأيام و عدم اختلاطها و إن أمكن أن يكون طريقيا لاختصاص التمكن من العادة به مع كون الموضوع الواقعي مطلق العادة، كما هو الحال في كثير من موارد التقييد بالعلم، إلا أنه لا يناسب كثرة التأكيد عليه في الفقرات المتقدمة، و لا سيما مع ما تضمنه الحديث صدرا و ذيلا من انحصار السنن التي تعمل عليها المستحاضة و التي يرتفع بها كل مشكل بالثلاث حيث يوجب ذلك ظهور التقييد في كونه واقعيا، و أن العلم مأخوذ في موضوع حجية العادة شرعا، و إلا لزم كون السنة في الناسية التي أشير إليها في المرسلة بالتعرض للذاكرة غير عملية بالإضافة إليها، من دون أن تبين وظيفتها الثانوية التي تعمل عليها، و هو مما تأباه المرسلة جدا.

و حينئذ تصلح هذه الفقرات لتقييد إطلاقات الإرجاع للعادة بغير الناسية، و تبقي الناسية داخلة تحت عمومات الرجوع للتمييز.

و منها: الفقرات المتضمنة سنة الرجوع للتمييز، فإنها صريحة في جريانها في الناسية، علي ما تقدم التعرض له في الاستدلال بالمرسلة علي رجوع المضطربة للتمييز، حيث تصلح لتقييد عمومات الرجوع للعادة بالذاكرة.

هذا و مما تقدم في المباحث السابقة يظهر الوجه في تقدم التمييز علي الرجوع لأقراء النساء و العدد. و لا مجال معه لما عن أبي الصلاح من رجوع المضطربة لأقراء نسائها ثم التمييز ثم العدد، أما إذا كان مراده بالمضطربة من لم تستقر لها عادة فلما تقدم في حكم المرأة المذكورة، و أما إذا كان مراده بها الناسية فالأمر أظهر، لما يأتي من الإشكال في رجوعها لأقراء نسائها حتي مع فقد التمييز.

و مثله في الضعف ما عن الغنية من إطلاق أن غير ذات العادة تعد عشرة حيضا و عشرة طهرا، لمخالفته لأدلة جميع وظائف المستحاضة، و إن تقدم في التنبيه الأول من مبحث رجوع المبتدأة و المضطربة للتمييز التشكيك في النسبة المذكور. فراجع.

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 392

______________________________

ثم إنه بما ذكرنا يظهر أنه لا مجال للبناء علي حجية العادة إجمالا لو علم ببعض خصوصياتها من الوقت أو العدد، ككونها في النصف الأول من الشهر أو أكثر من خمسة، بنحو تمنع من الرجوع للتمييز إلا فيما لا ينافيها، لأن الفقرات المتقدمة من المرسلة كالصريحة في أن المراد بالعلم بوقت العادة و عددها العلم التفصيلي الذي يكتفي معه بها في مقام العمل و يستغني عن التمييز، لا ما يعم الإجمالي المقابل للجهل المطلق.

و دعوي: أن المرسلة و إن كانت قاصرة عن صورة العلم الإجمالي، إلا أنه يلزم التعدي لها، لإلغاء خصوصية العلم التفصيلي عرفا، بسبب عدم دخله في كاشفية العادة و طريقيتها التي هي المعيار في حجيتها ارتكازا.

مدفوعة بعدم وضوح كون المعيار في حجية العادة محض كاشفيتها. كيف و لم يتضح بناء العرف علي كاشفيتها في حق مستمرة الدم التي تخرج عن مقتضي الوضع الطبعي للنساء، بل إرجاع الشارع إليها بلحاظ كاشفيتها و صلوحها لرفع الإشكال و الحيرة الذي لا يتأتي مع العلم بها إجمالا، كما قد يناسبه التأكيد علي اعتبار العلم بالعادة. و لا سيما مع قوة ظهور المرسلة في تباين موارد السنن الثلاث و عدم تداخلها.

و الالتزام بعدم الرجوع لبقية السنن في تعين الحيض من بين أطراف العلم الإجمالي، بل يجب الاحتياط في تمامها لا يناسب قوة ظهور المرسلة في انحصار وظيفة المستحاضة بالسنن الثلاث و ارتفاع الإشكال عليها بها.

خصوصا مع ندرة النسيان المطلق للعادة و غلبة العلم ببعض خصوصياتها إجمالا، حيث يبعد معه حمل النسيان الذي حكم معه بالرجوع للتمييز علي خصوص النسيان المطلق. بل التأمل في الفقرات المتقدمة شاهد باختصاص حجية العادة بصورة العلم التفصيلي بنحو لا مجال لتنزيلها علي ما يعم الإجمالي.

و بالجملة: لا مانع من البناء علي ما هو ظاهر المرسلة من إلغاء الشارع حجية العادة مع العلم بها إجمالا في القدر المشترك بعد كون حجيتها تعبدية، كما لم يعتد بالقدر المشترك في أصل انعقاد العادة لو اختلف الشهران بالزيادة و النقيصة، و في التمييز لو

ص: 393

______________________________

اقتضي حيضية ما زاد علي العشرة، حيث سبق عدم حجيته في حصر الحيض في الواجد للصفة إجمالا، بل تكون المرأة فاقدة للتمييز و تنتقل للمرتبة اللاحقة و إن كانت مخالفة له، إلي غير ذلك مما يناسب المقام.

علي أن لازم البناء علي حجية العادة بنحو تمنع من الرجوع للتمييز المخالف لها في حق الناسية امتناع رجوعها للتمييز مع اختلاف مقتضاه باختلاف الشهور للعلم بمخالفته للعادة إجمالا، مع أنه خلاف صريح المرسلة. و يأتي في التحيض بالعدد ما ينفع في المقام.

كما ظهر أيضا مما تقدم أن الناسية لعادتها إن عملت بالتمييز ثم ذكرت عادتها بعد مضي عملها وجب عليها العمل بها فيما يأتي، لإطلاق دليلها، و لم يجب عليها تدارك ما مضي من عملها لو خالفها، لظهور دليل التمييز في أن موضوعه النسيان حين العمل، فيكون مقتضي إطلاقه إجزاءه ظاهرا و لو بعد ارتفاع النسيان ما لم يعلم بالخطإ، و ظهور دليل حجية العادة مع العلم بها في وجوب الرجوع إليها في الوقائع المتجددة حين العلم، لا ما يعم تدارك الوقائع السابقة علي ذلك فهو نظير ما لو تجددت لها العادة، حيث لا يجب عليها تدارك عملها سابقا علي التمييز لو لم يطابق العادة المتجددة. و يأتي إن شاء اللّه تعالي في تحيض الناسية بالعدد ما ينفع في المقام.

نعم، لو علم إجمالا ببطلان أحد الأمرين من مفاد التمييز الذي كان عليها العمل به حين النسيان و مفاد العادة بعد تذكرها كما لو لم يفصل بينهما أقل الطهر لزم التوقف عنهما معا.

و دعوي: لزوم ترجيح العادة، لأنها مقدمة عليه شرعا. مدفوعة بأن تقديمها عليه يبتني علي أخذ عدمها في موضوع الإرجاع عليه، فلا موضوع لحجيته معها، و هو لا يلازم تقديمها عليه مع التعارض بينهما و تحقق موضوع كل منهما في مورده.

اللهم إلا أن يستفاد عرفا من أخذ عدمها في موضوع الإرجاع إليه أقوائيتها منه شرعا، فترجح عليه عند التعارض. لكنه لا يخلو عن إشكال. بل يأتي في الأمر الأول

ص: 394

فإن فقدته تخيرت في التحيض (1)

______________________________

من تتميم هذه المسألة تقريب ترجيح العمل علي الأسبق الذي هو التمييز في المقام.

فتأمل جيدا.

(1) و لا ترجع إلي عادة أقاربها، كما صرح به غير واحد، و هو مقتضي اقتصار من عثرنا علي كلامه في الرجوع إلي النساء علي تخصيصه بالمبتدئة، سواء أراد منها من يبتدئ بها الدم- كما في المعتبر و المنتهي- أم ما يعم من لم تسبق لها عادة، كما سبق أنه المشهور، كما لم يذكروا في وظائف الناسية- التي عبر عنها جملة منهم بالمضطربة و بعضهم بالمتحيرة- الرجوع لأقراء الأقارب. و لعله لذا نفي سيدنا المصنف قدّس سرّه ظهور الخلاف فيه.

لكن لا يخفي مخالفة ذلك لإطلاق موثق زرارة و محمد بن مسلم المتضمن رجوع المستحاضة لأقراء نسائها، حيث لم يخرج منه إلا ذات العادة و ذات التمييز، و الناسية و إن كانت ذات عادة إلا أن دليل خروج ذات العادة عن الإطلاق المذكور هو دليل الإرجاع إلي العادة، و قد سبق لزوم حمله علي الذاكرة لعادتها للمرسلة، و يقصر عن الناسية، فتبقي تحت الإطلاق المتقدم. نظير ما سبق في وجه رجوعها للتمييز.

فلا بد في الخروج عن الإطلاق المذكور من دليل آخر، و المذكور في كلماتهم وجهان:

الأول: ما في جامع المقاصد من أنه سبق لها عادة فلم يناسب الرجوع لعادة غيرها. و هو نظير ما سبق في وجه المنع من رجوع من لم تستقر لها عادة إلي عادة نساءها، بل يظهر من كشف اللثام رجوعهما لجامع واحد، حيث قال: «لأن المضطربة رأت دما أو دماء قبل ذلك فربما خالفت نسائها، و ربما كانت معتادة فنسيتها أو اختلطت عليها».

و قد سبق ضعفه. بل هو هنا أولي بالضعف، إذ قد يحتمل مطابقة عادتها المنسية لعادة نسائها، بخلاف من لم تستقر لها عادة حيث يقطع بمخالفتها لهن بسبب اختلاف دمها عليها.

ص: 395

بين الثلاثة إلي العشرة (1).

______________________________

و لو فرض العلم بمخالفة عادتها لهن فلا مانع من حجية عادتهن لها بعد ما سبق من سقوط عادتها عن الحجية رأسا بالنسيان.

نعم، لو علم بمطابقة حيضها لعادتها واقعا امتنع رجوعها لعادتهن مع العلم بمخالفتها لعادتها، إذ يمتنع جعل الحجية لما يعلم بخطئه. لكن الظاهر خروجه عن مفروض الكلام.

الثاني: ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه لا مجال للعمل بالإطلاق المذكور بعد ظهور الإجماع علي خلافه. لكن لم يتضح الإجماع التعبدي في المقام، لعدم مصرح به، غاية الأمر عدم ظهور الخلاف.

و لعله يبتني علي إعمال أنظارهم و اجتهاداتهم في مفاد النص أو في الوجه الاعتباري المتقدم و غيره، لا لإجماعهم علي ذلك تعبدا و أخذهم له يدا بيد متصلا بعصور المعصومين عليهم السّلام.

و لا سيما مع عدم وضوح شيوع الابتلاء بنسيان العادة، كي يبعد خطؤهم في حكمه، خصوصا مع ما ذكرناه مرارا من ظهور اضطرابهم في كثير من أحكام الحيض و أدلتها.

فلا مجال مع ذلك للوثوق فضلا عن اليقين بعدم رجوع الناسية لأقراء نسائها من مجرد عدم ظهور الخلاف فيه، ليرفع اليد عن إطلاق النص. و إن كان الركون للإطلاق مع ذلك لا يخلو عن إشكال. فالمتعين الاحتياط الذي سبق أنه يكون بالرجوع لأقراء الأقارب، بناء علي ابتناء التحيض بالعدد علي التخيير بين تمام المراتب من الثلاثة إلي العشرة، كما سيأتي. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) لما كان مضمر سماعة و موثقا ابن بكير مختصة بالمبتدئة ينحصر الدليل في المضطربة و الناسية بموثق الخزاز الذي سبق في حكم المبتدأة أنه ظاهر في التخيير بين تمام المراتب من الثلاثة إلي العشرة، و مرسلة يونس الظاهرة في تعين السبعة أو التخيير

ص: 396

______________________________

بينها و بين الستة، علي ما سبق الكلام فيه، و موردها في كلام الإمام عليه السّلام و إن كان هو المبتدأة، إلا أن الظاهر من ذيلها و بقية فقراتها أن الموضوع فيها مطلق الفاقدة للتمييز التي ليست لها عادة ترجع إليها مبتدئة كانت أو مضطربة أو ناسية، علي ما يتضح بالتأمل فيما تقدم في وجه رجوع المبتدأة للتمييز.

و قد سبق في تحيض المبتدأة بالعدد أن الأقرب في الجمع بين المرسلة و الموثق تنزيل المرسلة علي بيان أفضل أطراف التخيير، فيتجه ما في المتن، كما أشرنا إلي نظيره في حكم المضطربة.

و هو و إن كان في المبتدأة أظهر من حيثية اعتضاد الموثق بمضمر سماعة الذي لا يبعد كونه أظهر منه في التخيير، إلا أنه في المضطربة و الناسية أظهر من حيثية عدم تأتي الجمع بتنزيل الموثق علي بيان التحيض بالأكثر في شهر و بالأقل في آخر- الذي تقدم من بعضهم في المبتدأة- إلا بتنزيله علي خصوص المبتدأة أو تعميم موثقي ابن بكير لمطلق المستحاضة إلغاء لخصوصية المبتدأة في موردهما، و كلاهما تصرف زائد علي مفاد النص.

و كيف كان، فلا معدل في المضطربة و الناسية عما يقتضيه الجمع المتقدم. و مجرد عدم ظهور عامل عليه هنا، لاختصاص كلام من سبق ظهور كلامه في البناء علي التخيير المذكور بالمبتدئة، لا يمنع من ذلك بعد عدم رجوع ذلك منهم للخلاف هنا، بل إلي مجرد عدم تعرضهم لحكم غير المبتدأة، و لا سيما بعد ما سبق من اضطراب كلمات الأصحاب رضي اللّه عنهم في المقام.

ثم إن أقوال الأصحاب المذكورة في المضطربة و الناسية تبتني علي إهمال مفاد موثق الخزاز، كإهمالهم له و لمفاد مضمر سماعة في المبتدأة، الذي تقدم التعرض لوجهه و ضعفه.

كما أن جملة منها تناسب الرجوع في المضطربة و الناسية لموثقي ابن بكير بعد تنزيلهما علي الاستمرار علي الثلاثة، أو التعاقب بينها و بين العشرة في كل شهرين، و مع الاقتصار عليهما أو التخيير بين مفادهما و مفاد المرسلة.

ص: 397

______________________________

و هو موقوف علي فهم عدم الخصوصية للمبتدئة فيهما، الذي هو لا يخلو عن إشكال زائد علي إشكال موثق الخزاز، و علي الإشكال في فهم الموثقين، و في الجمع بينهما و بين المرسلة مما تقدم التعرض له في المبتدأة.

و أشكل من ذلك ما يظهر من بعضهم من التفريق بين المضطربة- التي هي داخلة عندهم في المبتدأة- و الناسية- المعبر عنها في كلماتهم بالمضطربة- لوضوح اتحاد الأدلة فيهما.

و لا مجال لإطالة الكلام في تفصيل أقوال الأصحاب رضي اللّه عنهم في الناسية و المضطربة بعد ظهور حال أدلتها مما ذكرناه هنا و في نظائرها في المبتدأة. فلاحظ.

هذا و في المبسوط: «و إن كانت ناسية للعدد و الوقت فعلت ثلاثة أيام من أول الشهر ما تفعله المستحاضة، و تغتسل فيما بعد لكل صلاة، و صلت و صامت شهر رمضان، و لا يطؤها زوجها، لأن ذلك يقتضيه الاحتياط. و لا يمكن أن تطلق هذه علي مذهبنا إلا علي ما روي أنها تترك الصوم و الصلاة في كل شهر سبعة أيام، و تصوم و تصلي فيما بعد. و تكون مخيّرة علي هذه الرواية في السبعة الأيام في أول الشهر و أوسطه و آخره … ».

و ربما يظهر من المعتبر متابعته له في ذلك. و ظاهره لزوم الاحتياط و عدم التعويل علي الرواية المذكورة، و هو لا يناسب ما في الخلاف من دعوي الإجماع علي تحيض الناسية بسبعة و الاستدلال عليه بمرسلة يونس.

و من الغريب ما في المنتهي من الجمع بين الأمرين، حيث ذكر التحيض بالستة أو السبعة في حكم مستمرة الدم، و الاحتياط المذكور في مبحث أحكام الحائض. و لا ينبغي التأمل في بطلانه بعد النظر في كلمات الأصحاب. و لعله لذا حكي عن الشهيد في البيان أن ذلك ليس مذهبا لنا.

و أضعف منه ما في السرائر عن بعض أصحابنا من أنها تعد عشرة حيضا و عشرة طهرا. و تقدم وجه ضعفه في حكم المبتدأة.

ص: 398

______________________________

ثم إن ما في المبسوط في بيان الاحتياط من الاجتزاء في الثلاثة الأيام الأول بأعمال المستحاضة- التي ليس فيها الغسل لكل صلاة- كأنه للعلم بعدم وجوب ما زاد عليها فيها بعد عدم احتمال انقطاع الحيض قبلها، فلا يجب الغسل له، بل هي فيها إما حائض لا صلاة عليها أو مستحاضة تجتزئ بأعمالها، بخلافه بعدها، حيث يزيد علي ذلك احتمال انقطاع الحيض بعد كل صلاة الملزم بالغسل بعده للصلاة اللاحقة و إن لم تقتضه وظيفة المستحاضة.

نعم، لا يتم الاحتياط بذلك، بل يلزم لأجله إعادة الصلاة السابقة لو بقي وقتها، بل لا دافع لاحتمال انقطاع الحيض في أثناء الصلاة، إلا أن يدفع بتعذر الاحتياط من هذه الحيثية لعدم انحصار الاحتمالات.

يشكل ما ذكره من تعذر طلاقها، لإحراز صحة طلاقها لو طلقت مرتين بينهما عشرة أيام فما زاد من دون أن يبلغ قدر طهرها بمقتضي عادتها، للعلم بأن أحدهما حال الطهر، كما نبه له غير واحد في الجملة. فلاحظ.

ثم إن ما تقدم من الفروع لتحيض المبتدأة بالعدد جار في الناسية، كما يجري في المضطربة، علي ما يظهر بملاحظتها و التأمل في ادلتها.

نعم، تختص الناسية بالكلام في أمرين تقدم الكلام نظيرهما في رجوعها للتمييز، و أمر ثالث تقدم نظيره في غير الناسية.

الأول: حيث عرفت هنا التخيير في العدد بين تمام المراتب من الثلاثة إلي العشرة، و سبق في الفرع الأول من الفروع المذكورة أنه يلزم وضعه بمضي شهر من رؤية الدم، ثم تجري علي ذلك في كل دور فربما يدعي هنا لزوم الخروج عن ذلك لو علمت العادة إجمالا، فيقتصر في العدد و الوقت علي ما لا ينافي العادة، فإن علمت عادتها في النصف الثاني من الشهر مثلا وجب جعل العدد فيه و إن لم يصادف مضي شهر من أول الدم، و إن علمت أنها تزيد علي خمسة أيام لم يجز لها اختيار عدد ينقص عن ذلك.

ص: 399

______________________________

و كأنه لدعوي: أن تعذر العمل بالعادة بسبب نسيانها و عدم العلم التفصيلي بها لا يوجب إهمالها رأسا، بل تلزم موافقتها مهما أمكن، و ذلك بعدم الخروج عما هي مترددة فيه إجمالا.

و يشكل بأن ترك العمل بالعادة مع النسيان ليس للتعذر، لما سبق في رجوع الناسية للتمييز من أن النسيان لا يقتضي الخروج عن موضوع الحجية، فيلزم الاحتياط، كما يأتي في الفرع الثاني توضيحه، بل لأخذ العلم بها قيدا في موضوع حجيتها، فلا تكون حجة في مورد النسيان، و مع عدم حجيتها لا وجه لمراعاتها فيما يعلم منها إجمالا، بل خلاف إطلاق دليلي التخيير و التوقيت المتقدمين.

و دعوي: أن ذلك لا يناسب قوله عليه السّلام في المرسلة في بيان حال من أمرها النبي صلّي اللّه عليه و آله بالتحيض بالعدد: «ألا تري أن أيامها لو كانت أقل من سبع و كانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها: تحيضي سبعا، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما و هي مستحاضة غير حائض، و كذلك لو كان حيضها أكثر من سبع و كانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة و هي حائض» «1» لظهوره في استنكار التحيض بأقل من أيام العادة أو أكثر منها.

مدفوعة بأن الجمود علي إطلاق الأيام في هذه الفقرة يقتضي مانعية العادة الواقعية من اختيار العدد المخالف لها، و لازمه انسداد باب التحيض بالعدد علي الناسية، لاحتمال مخالفته لها، فلا بد من تنزيله علي خصوص الأيام المعلومة، كما تناسبه بقية فقرات الرواية، فإن ملاحظتها تشهد بأن المراد من أيام الحيض في هذه الفقرة هي الأيام التي سبق الإرجاع إليها في تلك الفقرات، و هي التي اعتبر في الرجوع إليها معرفة الوقت و العدد تفصيلا.

كما يناسبه أنه لم يكن موضوع الاستنكار ترك الصلاة بعد أيام العادة و فعلها فيها، بل تركها أيام الطهر و فعلها أيام الحيض، و هو لا يتم إلا بضميمة المفروغية عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 400

______________________________

حجية أيام العادة علي تعيين الحيض بملاحظة الإرجاع إليها في الفقرات السابقة.

و لو لا ذلك لم تكن السنن الثلاث حاصرة لسنن المستحاضة و لا رافعة لكل مشكل فيها، خلافا لما تضمنته المرسلة.

و دعوي: أن ارتفاع الإشكال يكون باختيار العدد الذي لا يعلم بمخالفته للأيام المعلومة إجمالا.

مدفوعة.. أولا: بأن ذلك لا يتم بناء علي اختصاص التحيض بالعدد بالسبع الذي ذهب إليه جماعة، و هو المتعين لو أهمل موثق الخزاز، كما هو ظاهر جميع من ذكر له قول في المقام.

و ثانيا: أن ظاهر المرسلة وفاء السنن التي تضمنتها بحل مشكل المستحاضة، و منها التحيض بالسبع- و إن حمل علي الاستحباب- لا مطلق التحيض بالعدد و إن كان مستفادا من غير المرسلة، كموثق الخزاز الدال علي التخيير المذكور.

و أما احتمال حمل السبعة في كلام النبي صلّي اللّه عليه و آله علي بيان أحد أفراد التخيير من دون خصوصية لها، بحيث يكون المبين منه صلّي اللّه عليه و آله التحيض بما بين الثلاثة إلي العشرة.

فهو بعيد جدا.

و ثالثا: أن لازم ذلك تداخل السنن الثلاث موردا، حيث يعمل في المورد المذكور علي ما يقتضيه الجمع بين العادة و التحيض بالعدد، و هو بعيد عن ظاهر المرسلة جدا.

و من هنا كان المتعين ما ذكرنا، و لا سيما بعد ما سبق في رجوع الناسية للتمييز من تقريب كون حجية العادة في حق مستمرة الدم تعبدية، فلا يستبعد رفع الشارع الأقدس اليد عنها في بعض الموارد، لعدم وفائها بحل الإشكال.

نعم، لا إشكال في أولوية اختيار العدد الذي لا يخالف العادة المعلومة إجمالا، لأنه أحوط بعد كون الدوران بين التعيين و التخيير. و هذا بخلاف الوقت فإنه مخالف لما استفيد منه تحديده بالنحو المتقدم.

الثاني: ذكرنا في تحيض الناسية بالتمييز أنها لو ذكرت عادتها بعد العمل علي

ص: 401

______________________________

التمييز مدة لزمها العمل علي العادة فيما يأتي، و لا يجب عليها تدارك عملها حال النسيان لو انكشف مخالفته للعادة، لظهور دليل حجية التمييز في إجزاء العمل عليه ظاهرا، و ظهور دليل حجة العادة المعلومة في لزوم العمل بها في الوقائع المتجددة بعد العلم، لا ما يعم تدارك العمل في الوقائع السابقة عليه.

و ذلك يجري في التحيض بالعدد، خلافا لما في التذكرة و القواعد و كشف اللثام و عن نهاية الأحكام من لزوم التدارك، و ذكره في المنتهي في ناسية الوقت، و ظاهر جامع المقاصد المفروغية عنه.

قال في كشف اللثام: «لأنها إنما رجعت إلي غيرها لنسيانها، فإذا ذكرتها اعتبرتها، لعموم الأدلة».

و يشكل بأنه إن أراد أن عموم وجوب الرجوع للعادة يقتضي حجيتها حتي حال النسيان، و يكون النسيان عذرا في الرجوع للعدد- كما لم يستبعد سيدنا المصنف قدّس سرّه استفادته من النصوص- ففيه: أن ذلك إنما يتجه لو كان عدم الرجوع للعادة لمجرد تعذر العمل بها مع النسيان كما سبق منا في وجه رجوع الناسية للتمييز. أما حيث كان الوجه فيه المرسلة المتضمنة أخذ العلم بالعادة قيدا في حجيتها فمقتضاه خروج الناسية عن موضوع الحجية واقعا. مع أن لازم حجيتها واقعا، صلوحها لتنجيز مفادها علي إجماله، و هو يقتضي حجيتها مع العلم بها إجمالا، و قد سبق أنه لا مجال لحمل المرسلة عليه.

كما لا مجال معه للإرجاع لأمر غير العادة في معرفة الحيض- كالتمييز- أو في التعبد بأحكامه ظاهرا- كالتحيض بالعدد- مما قد ينافي مقتضاها، لامتناع التعبد بالمتنافيين.

و دعوي: أنه لا ينافي التعبد بحجية العادة مع عدم العلم بمخالفته لها، كما هو المفروض. مدفوعة بأن مرجع التعبد بمفاد العادة علي إجماله عدم العذر في مخالفته واقعا، فينافي التعبد بمفاد المرجع الآخر الذي قد ينافيه.

نعم، يصح التعبد بتعيين مفاد العادة، لحكومته علي دليل الإرجاع إليها، لكونه في طولها و رافعا للاشتباه فيها. إلا أن من الظاهر عدم تشريع بقية وظائف

ص: 402

______________________________

الحائض لذلك، بل لتعيين الحيض رأسا، كتشريع الرجوع للعادة، و إن سبق من شيخنا الأعظم قدّس سرّه ظهور المرسلة في أن رجوع الناسية للتمييز لمعرفة أيام عادتها، لا لمعرفة أيام حيضها ابتداء، و سبق ضعفه. فراجع الفرع الثاني من ملحق الكلام في شروط التمييز.

و دعوي: أن لازم ذلك عدم الرجوع عند نسيان مؤدي الحجة إلي حجة أخري، أو أصل متأخر عنها رتبة، لوضوح شمول إطلاق الحجة المنسية لحال النسيان، و عدم كون الحجة أو الأصل الآخر شارحا لمفاد الحجة المنسية، بل متضمن للتعبد بالواقع في قبالها، مع وضوح جواز الرجوع لهما بملاحظة السيرة و المرتكزات.

مدفوعة بابتناء الرجوع لهما علي عدم ارتفاع موضوعهما ظاهرا بوجود الحجة المنسية و لو لأصالة عدم معارضتها لهما، فيصلحان لتنجيز مؤداهما، و ينحل بهما العلم الإجمالي بثبوت مؤدي الحجة المنسية، لأن العلم بمؤدي الحجة إجمالا لا يزيد علي العلم الإجمالي بالواقع الذي لا إشكال في انحلاله بالتعبد بالتكليف في بعض أطرافه.

أما في الواقع فلا يعقل اجتماع التعبدين المتنافيين، بل لا بد مع منافاة الحجة المنسية لهما إما من سقوطهما بالمعارضة، أو انحصار الحجية الواقعية بها، كما لو كانت مقدمة رتبة.

و أظهر من ذلك الخطأ في تشخيص مؤدي الحجة، فإنه لا يوجب ارتفاع حجيتها شرعا في مؤداها الواقعي، لعدم حجية الخطأ شرعا و إن كان المكلف معذورا في العمل عليه عقلا.

و لا مجال لذلك في المقام، لما هو المعلوم من حجية التمييز و التحيض بالعدد شرعا واقعا حال نسيان العادة لدلالة الدليل عليهما بالخصوص، و ليسا حجة ظاهرا لإحراز موضوع حجيتهما بأصل أو نحوه من دون أن يكونا حجة في الواقع، فضلا عن أن يكونا عذرا عقليا في مخالفة العادة الحجة من دون أن يكونا حجة حتي ظاهرا، كالخطإ، فلا بد من ارتفاع حجية العادة حال النسيان لئلا يلزم التعبد بالمتنافيين. غاية

ص: 403

______________________________

ما يدعي أنها حجة اقتضائية. لكن لا دليل علي لزوم التدارك علي طبقها بعد صدوره علي طبق الحجة الفعلية التي لم يثبت خطؤها.

و إن أراد أن عموم وجوب الرجوع للعادة و إن اختص بصورة العلم بها إلا أنه يقتضي حجيتها في تعيين الحيض حتي بالإضافة إلي الوقائع السابقة علي العلم، كما جعله سيدنا المصنف قدّس سرّه وجها آخر في المقام.

ففيه: أن حجية الطريق في تمام مداليله فرع عموم حجيته لها، و لا مجال له في المقام، لظهور المرسلة في الإرجاع للعادة المعلومة في خصوص الوقائع المتجددة بعد العلم بها، دون السابقة عليه، بل هي كالوقائع السابقة علي انعقاد العادة يكون مقتضي إطلاق أدلة تشريع وظائفها إجزاء العمل عليها ظاهرا حتي بعد تبدل حال المرأة و دخولها في موضوع وظيفة أخري، كما تقدم.

و دعوي: إلغاء خصوصية الوقائع المتجددة في حجية العادة المعلومة، لعدم الفرق ارتكازا في كاشفيتها بينها و بين ما سبقها. مدفوعة بمنع مجرد كون الكاشفية معيارا في حجية العادة، بل لعل حجيتها تعبدية، لرفع الإشكال بها، فتقصر عن الوقائع السابقة التي رفع الإشكال فيها بطريق مشروع. و قد تقدم في رجوع الناسية للتمييز ما يناسب ذلك. فلاحظ.

الثالث: الظاهر أن الناسية لا تتحيض بالتمييز و العدد إلا في الدور الثاني، أما في أول رؤية الدم فتتحيض للعشرة، لإطلاق ما تضمن ذلك، و قصور أدلة الوظيفتين المذكورتين عنه بعد اشتمالها علي عنوان المستحاضة و عنوان مستمرة الدم التي لا تصدق في أول رؤية الدم مع الحكم بحيضيته.

و كذا الحال في المضطربة، كما يتضح بملاحظة ما ذكرناه في وظائف المستحاضة. فراجع.

ص: 404

تتميم: ينبغي إلحاق الكلام في وظائف المستحاضة بأمور..
الأول: لا بد في الانتقال من وظيفة لأخري من ارتفاع موضوع الأولي و تحقق موضوع الثانية،

______________________________

كما لو كانت ذاكرة لعادتها فنسيتها أو بالعكس، أو لم تنعقد لأقاربها عادة ثم انعقدت، أو لم تكن ذات تمييز ثم صار لها، و هكذا. و لا بد مع ذلك من فصل أقل الطهر بين الحيضين، و إلا كان دليل التحيض بكل من الوظيفتين معارضا لدليل التحيض بالأخري، كما سبق فيما لو ذكرت الناسية لعادتها بعد عملها بالتمييز.

نعم، لا يبعد مضي العمل علي الوظيفة السابقة، و لزوم الانتظار في إعمال الوظيفة اللاحقة إلي الدور اللاحق، لانصراف دليل الإرجاع للاحق إلي صورة التحير الذي لا يتحقق مع الرجوع للوظيفة السابقة في موردها عملا بدليلها إلا بعد مضي أقل الطهر، للزوم البناء قبله علي عدم الحيض. و إن كان الأمر محتاجا للتأمل، حيث قد يختلف الحال وضوحا و خفاء باختلاف الصور التي لا يسع المقام استقصاءها.

الثاني: لا إشكال في جريان الوظائف السابقة في مستمرة الدم أكثر من شهر،

لأنها مورد أكثر أدلتها و المتيقن من جمله منها، مثل ما تضمن عنوان المستحاضة الذي قد يصدق مع تقطعه.

نعم، سبق منا أنها لا تجري إلا في الدور الثاني، مع لزوم تحيض ذات العادة العددية في أول الدم بقدرها مع الاستظهار و تحيض غيرها للعشرة.

و منه يظهر عدم جريان الوظائف فيمن يتجاوز دمها العشرة و ينقطع بعد قليل و إن تكرر ذلك منها، بل تتحيض به مع عدم المانع كتحيض مستمرة الدم في الدور الأول و تجعل الباقي استحاضة، و لا ترجع للتحيض به بمضي أقل الطهر، لأنه و إن أمكن أن يكون حيضا حينئذ، إلا أنه سبق أنه لا عموم في أدلة قاعدة الإمكان للدم المستمر.

و لو فرض عمومها له لزم الخروج عنه بأدلة الوظائف المذكورة، لظهورها في

ص: 405

______________________________

لزوم تحيض المستمرة بها لا بالقاعدة، فترجع إليها علي التفصيل المتقدم.

و أما إذا امتنع التحيض بالدم في أول رؤيته لعدم مضي أقل الطهر بينه و بين الحيض السابق فلا بد من البناء علي كونه استحاضة، و لا تتحيض به بمضي أقل الطهر أيضا، لما سبق من قصور القاعدة عن الدم المستمر، بل ترجع لمقتضي وظائف مستمرة الدم.

و حينئذ لو كانت وظيفتها التحيض بأقراء الأقارب أو العدد فهل تتحيض بهما بمضي أقل الطهر، أو بمضي شهر من أول الحيض أو التحيض السابق، أو بمضي شهر من رؤية الدم الأخير؟

قد يستدل علي الأول بإطلاق ما تضمن رجوع المستحاضة لأقراء الأقارب و العدد- و هو موثقا زرارة و محمد بن مسلم و الخزاز، و مرسلة يونس- لصدق المستحاضة عليها برؤية الدم بعد فرض عدم تحيضها به، فيجري حكمها بمجرد إمكانه، لمضي أقل الطهر.

و أما موثقا ابن بكير المتضمنان تحيضها بالعدد بعد شهر من رؤية الدم، فهما مختصان بالتي تتحيض برؤية الدم و يستمر بها إلي الشهر، و الدم الأول في المقام و إن تحيضت به إلا أنه لم يستمر، و الثاني و إن أمكن استمراره إلي الشهر إلا أنها لم تتحيض به.

لكنه يشكل بعدم وضوح الإطلاق في الأدلة المذكورة بنحو يقتضي التعجيل بالتحيض، و إلا كان مقتضاه الاكتفاء بالإمكان في كل دور، فتبقي علي التحيض بأقراء النساء و العدد كلما مرّ أقل الطهر، و لا يحتاج الدور إلي الشهر، و هو بعيد عن منصرف الإطلاق المذكور.

و من هنا يقرب ورود هذه الأدلة لبيان مقدار الحيض، مع الإيكال في وقته إلي ما هو المرتكز من تحيض المرأة في كل شهر مرة الراجع للوجه الثاني.

و لا سيما بلحاظ أنه لا بد من حملها علي صورة فقد التمييز فلا بد من إحرازه بالنحو الموجب للتحير و الاحتياج للوظيفة، و هو لا يكون قبل ذلك عرفا. و من ثم كان هو الأقرب بعد عدم وضوح وجه الثالث.

ص: 406

______________________________

هذا و لو استمرت علي حالة تقطع الدم بنحو لا يكون مجموع الدماء حيضا واحدا لتجاوزها العشرة، و لا كل دم حيضا مستقلا، لعدم تخلل أقل الطهر بينها، فمقتضي قاعدة الإمكان التحيض بأولها، ثم إكماله من الآخر بما تتم به من حين أول الدم العشرة أو العادة العددية مع الاستظهار، عملا بما تضمن الحكمين، ثم تبني علي كون الباقي استحاضة، و لا تتحيض إلا بمقتضي الوظائف المتقدمة، أو بدم جديد تراه بعد مضي أقل الطهر.

لكن صحيحي يونس بن يعقوب و أبي بصير «1» قد تضمنا أن من ينقطع عليها الدم من دون أن يتخلله أقل الطهر- كما لو رأته أربعة أيام و انقطع أربعة أو خمسة و خمسة، أو أربعة و ستة- تتحيض كلما رأت الدم و تصلي كلما رأت الطهر إلي شهر.

ثم قال في الأول: «فإن انقطع عنها الدم و إلا فهي بمنزلة المستحاضة».

و في الثاني: «فإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت و استثفرت و احتشت بالكرسف في وقت كل صلاة، فإذا رأت صفرة توضأت».

و مقتضي إطلاق التنزيل في الأول أنها بعد الشهر ترجع إلي وظائف المستحاضة المتقدمة، كمستمرة الدم. و عليه يحمل الثاني، و إن كان مقتضي إطلاقه استمرارها علي الطهر و عدم تحيضها أصلا، الذي هو في نفسه بعيد جدا، لا قائل به ظاهرا.

و من هنا لا يبعد البناء علي ذلك بعد الشهر، عملا بصحيح يونس، كما تقدم التعرض لذلك في أوائل الفصل الخامس في الدم المتقطع. و أما ما تضمناه من حكم الشهر الأول فقد سبق في التنبيه الثاني في أواخر الفصل المذكور أنه لا مجال للتعويل عليه. فراجع و تأمل جيدا.

الثالث: لا يخفي أن تشريع الوظائف المذكورة لا يرجع إلي تحديد الحيض واقعا بها،

كتحديده بالسن و المقدار في طرفي القلة و الكثرة، لما هو المعلوم من عدم ملازمة الحيض لها، و عدم مناسبته للتعبير بالسنن، لظهوره في كونها مجعولات شرعية لا قضايا واقعية، و لا للتخيير في مقدار التحيض بالعدد لامتناع التخيير في الحد

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2، 3.

ص: 407

______________________________

الواقعي، بل صريح مرسلة يونس أن التحيض بالعدد من سنخ الأصل الظاهري مع الجهل بالحيض، كما هو المناسب لتشريع الاستظهار الراجع للاستيثاق لاحتمال الحيض ظاهرا.

و منهما يظهر أنه لا يرجع أيضا إلي تحديد أحكام الحيض واقعا بها، تخصيصا لعمومات أحكام الحيض و الطهر، بأن يكون ما يطابقها بحكم الحيض واقعا و إن لم يكن حيضا، و ما يخرج عنها بحكم الطهر واقعا و إن كان حيضا.

مضافا إلي ظهور جملة منها في أن إجراء أحكام الحيض و أحكام الطهر تبعا لها تطبيقا لكبرياتها لا خروجا عنها، مثل ما تضمن سؤالا أو جوابا معرفة الحيض بالطرق المذكورة، و ما تضمن تطبيق عنواني الحيض و الاستحاضة علي ما يطابق السنن و ما يخالفها، و ما تضمن أن أقراءها مثل أقراء نسائها، و ما تضمنته مرسلة يونس في وجه عدم تحيض ذات العادة بالعدد من استنكار الأمر بالصلاة أيام الحيض و بتركها أيام الطهر.

و من هنا كان المتعين حملها علي أنها وظائف ظاهرية للتعبد بالحيض عند الشك فيه، إما بلسان الأمارة- كما في العادة و التمييز- أو بمفاد الأصل التعبدي، كما في التحيض بالعدد و الاستظهار.

و مثلهما في ذلك قاعدة الإمكان التي تجري في غير مستمرة الدم، لظهور جملة من أدلتها في أن موضوعها الاحتمال و الإمكان، الذي هو لا يلازم الفعلية، مع تطبيق عنوان الحيض.

و لازم ذلك عدم التعويل عليها لو علم بمخالفة الحيض الواقعي لها، لامتناع التعبد الظاهري مع العلم بالواقع. و هذا بخلافه علي الأول لمصادمتها للعلم المذكور فقد يمنع الالتفات إليها من حصوله. و كذا علي الثاني، حيث لا وجه لإهمالها بانكشاف عدم مطابقة الحيض لها بعد ابتناء تشريعها علي تخصيص عمومات أحكام الحيض و الطهر، بنحو قد تثبت أحكام الحيض حالة الطهر و بالعكس.

نعم، لا بد في ذلك من العلم الوجداني، و لا تكفي الحجج الظاهرية لو تم

ص: 408

(مسألة 11): الأقوي عدم ثبوت عادة شرعية مركبة (1)، كما إذا رأت في الشهر الأول ثلاثة و في الثاني أربعة و في الثالث ثلاثة و في الرابع أربعة، فإنها لا تكون ذات عادة في شهر الفرد ثلاثة و في شهر الزوج أربعة، و كذا إذا رأت في شهرين متواليين ثلاثة ثم شهرين متواليين أربعة، فإنها لا تكون ذات عادة في شهرين ثلاثة و شهرين أربعة (2)، و إن تكررت الكيفية المذكورة مرارا عديدة.

(مسألة 12): الفاقدة للتمييز إذا ذكرت عدد عادتها تاما و نسيت وقتها، أو كانت ذات عادة عددية لا وقتية، تحيضت من الشهر بمقدار العدد المعلوم لها (3).

______________________________

عموم حجيتها للمقام، حيث قد يستفاد تخصيص عمومها و الردع عنها في المقام مما تضمنته مرسلة يونس من انحصار سنن المستحاضة في الثلاث، و أن النبي صلّي اللّه عليه و آله بين فيها كل مشكل حتي لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي. علي أن عموم حجية البينة يقصر عن أمثال المقام مما كان الإخبار فيه عن حدس.

و قول أهل الخبرة يشكل التعويل عليه في مقابل التعبد الشرعي، لأن المتيقن من بناء العقلاء علي الرجوع إليه صورة انسداد باب العلم و العلمي علي الجاهل، و لا يتضح رجوعهم إليه في مقابل الطرق الظاهرية الواصلة. فلاحظ و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم. و من نستمد العون و التوفيق.

(مسألة 11): الأقوي عدم ثبوت عادة شرعية مركبة

(1) كما تقدم في الفرع الخامس من فروع العادة و تقدم وجهه.

مسألة 12: الكلام في ذات العادة العددية

(2) بل لا يبعد البناء علي انعقاد العادة علي الوجه الأخير، بناء علي ما تقدم في الفرع السابع من فروع العادة من انقلاب العادة بمرتين متفقتين.

(3) و لا ترجع للتحيض بالعدد، لتأخره رتبة عن التحيض بالعادة المفروض

ص: 409

______________________________

انعقادها في العدد و عدم نسيانها، و لا يقدح في ذلك عدم انعقادها في الوقت أو نسيانه، لأنه يقتضي التوقف فيه فقط أو الرجوع لوظيفة أخري. لكنه لو يتجه تخصيصه بالفاقدة للتمييز، لما سبق من أن الأظهر الأشهر تأخر التمييز أيضا عن العادة.

و لعله لذا أطلق جماعة في ناسية الوقت علي الخلاف بينهم في المرجع فيها من حيثيته، علي ما يأتي.

نعم، أطلق في الشرائع رجوع المضطربة- و مراده بها الناسية- إلي التمييز، ثم تعرض لحكم أقسامها الثلاثة- من ناسية الوقت و العدد أو أحدهما- بعد فرض فقدها له، كما جري عليه في الرياض في ناسية الوقت أو العدد، بل نسبه في الروض لإطلاق الأصحاب، حيث أطلقوا رجوع المضطربة- التي يراد منها الناسية بأقسامها- للتمييز.

و استشكل فيه في جامع المقاصد و غيره بما ذكرناه من تأخر التمييز عن العادة، و حاولوا توجيهه بما لا ينافي ذلك. و إن لم يبعد عدم توجه الإشكال علي إطلاق الأصحاب هذا، إذ قد يستفاد من إطلاقهم المتقدم في ناسية الوقت و الآتي في ناسية العدد أن حكمهم برجوع المضطربة للتمييز مختص بناسية الوقت و العدد معا.

نعم، يتوجه ذلك علي مثل الشرائع مما قيّد فيه أحكام أقسام الناسية بما إذا فقدت التمييز.

و أما العادة العددية فقط فيستفاد تقدمها علي التمييز مما في الجواهر من أنه لا إشكال عندهم في عموم حكم العادة لها، و في الرياض: «و أما مع تجاوزه عن العشرة ترجع ذات العادة إليها مطلقا وقتية و عددية كانت، أو الأول خاصة، أو بالعكس.

لكنها في الأخيرتين ترجع إلي أحكام المضطربة في الذي لم يتحقق لها عادة فيه، فيجعل ما يوافقها خاصة حيضا مع عدم التميز المخالف اتفاقا نصا و فتوي، و مطلقا علي الأشهر الأظهر، كما سيأتي».

و بالجملة: اللازم بناء علي عموم حجية العادة- كما هو المفروض في الاستدلال- و تقديمها علي التمييز- كما تقدم أنه المعروف الذي عليه المعول- مراعاة العادة

ص: 410

______________________________

العددية غير المنسية- مع عدم انعقاد الوقتية أو نسيانها- حتي في ذات التمييز، فتقدم عليه. إلا أن يمنع عموم مرجحية العادة علي التمييز و يخص بالعادة الوقتية العددية، كما يأتي.

و كيف كان، فيشكل أصل الاستدلال بعدم وضوح إطلاق يقتضي الرجوع للعادة العددية فقط إما لعدم انعقادها في الوقت أو مع نسيانها، لأن نصوص الرجوع للعادة بين ما تضمن جلوس المرأة قدر حيضها، و ما تضمن جلوسها أيام حيضها أو أقرائها أو أنها تعمل عمل المستحاضة بعد مضي أيام حيضها، و نحو ذلك.

و الأولي بين ما هو صريح في الدور الأول- مثل ما ورد فيمن تعجل بها الدم «1»، و في الحامل تري الدم «2» - و ما هو ظاهر فيه للتعبير فيه بمثل «تري الدم» الظاهر في تجدد الرؤية أو محمول عليه بسبب تعرضه للاستظهار الذي تقدم حمل نصوصه علي الدور الأول، و لا سيما مع عدم التعبير فيه بالمستحاضة أو نحوها مما هو ظاهر في مستمرة الدم، بل بمثل الطامث و الحائض و الظاهر في المفروغية عن تحيضها بقدر العادة، و إنما النظر للاستظهار زائدا عليها. فلتلحظ النصوص المذكورة في باب الاستظهار من الوسائل.

و أما الثانية فهي ظاهرة في تعيين الأيام و الاكتفاء بالرجوع إليها في أداء الوظيفة، و هو إنما يكون بمعرفة العدد و الوقت معا، و لا يشمل صورة الجهل بأحدهما فضلا عن عدم انعقاد العادة فيه.

و لو فرض ثبوت الإطلاق لبعضها أمكن رفع اليد عنه بما في صدر مرسلة يونس الذي هو كالصريح في اختصاص رجوع مستمرة الدم للعادة بما إذا عرفتها وقتا و عددا، للتأكيد علي ذلك في جملة من فقراتها التي تقدم التعرض لها في الاستدلال لرجوع الناسية للتمييز.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 411

______________________________

نعم، قد ينافيه ما في بعض فقراتها الواردة في الرجوع للتمييز الظاهرة في أن موضوعه الجهل بالوقت و العدد معا، كقوله عليه السّلام: «و أما سنة التي كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها … حتي أغفلت عددها و موضعها من الشهر»، و قوله عليه السّلام: «فهذا يبين أن هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها و لا وقتها»، و قوله عليه السّلام:

«فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلي النظر حينئذ إلي إقبال الدم و إدباره» «1». فإن مقتضي مفهومها عدم الرجوع للتمييز مع العلم بأحد الأمرين.

لكن الظاهر لزوم رفع اليد عن المفهوم المذكور بالاكتفاء بالجهل بأحد الأمرين في الرجوع للتمييز، لأن ظهور الصدر في اعتبار العلم بكلا الأمرين في الرجوع للعادة أقوي من ظهور هذه الفقرات في اعتبار الجهل بكليهما في الرجوع للتمييز.

و لو فرض التكافؤ بين الظهورين في نفسيهما تعين تحكيم ظهور الصدر، لقرب اتكال المتكلم عليه في بيان موضوع التمييز. و أنه عبارة عن تعذر الرجوع للعادة التي تضمنها الصدر، و هي المعلومة وقتا و عددا.

و لا مجال للعكس باتكاله في بيان الرجوع للعادة علي ما يذكر بعد في الرجوع للتمييز بعد ظهور حاله في عدم بيان السنة الثانية إلا بعد استكمال بيان السنة الأولي.

و لا سيما مع قوة ظهور الصدر في الاكتفاء بالرجوع للعادة في مقام العمل الذي لا يتم إلا مع العلم بوقتها و عددها معا، و قوة ظهور المرسلة في تباين السنن الثلاث موردا و عدم تداخلها، كما ذكرناه غير مرة.

و أما دعوي: إبقاء كل من سنة العادة و سنة التمييز علي ظهورهما في المفهوم بحملهما علي بيان من تستقل بالرجوع للعادة و من تستقل بالرجوع للتمييز، و تبقي ذات العادة الذاكرة لوقتها فقط أو لعددها فقط خارجة عن السنتين المذكورتين في المرسلة و يتعين الرجوع فيهما لاطلاقات أدلة العادة الأخر لو تم شمولها لها.

فهي مدفوعة بأن ذلك لا يناسب ما تضمنته المرسلة من استيعاب السنن

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 412

______________________________

الثلاث لأقسام المستحاضة.

بل هو ملزم برفع اليد عن خصوصية الناسية في سنة التمييز و تعميمها للمضطربة و المبتدأة بحملها علي كل من لم تكن لها عادة ترجع إليها، و مقتضي ذلك رفع اليد عن ظهور تلك الفقرات في المفهوم، ليعارض ظهور الصدر في اختصاص الرجوع للعادة بالذاكرة للعدد و الوقت معا.

مع أنه لو تم فليس الرجوع في ناسية أحد الأمرين لاطلاقات العادة لو تمت بأولي من الرجوع فيها لإطلاق التمييز الذي قد يعارض العادة العددية للاختلاف بينهما في المقدار، لاختصاص أدلة ترجيح العادة علي التمييز بموثق إسحاق بن جرير المتقدم و الآتي و مرسلة يونس، و هما مختصان بالوقتية العددية التي يكتفي بها في مقام العمل، و لا بعد في تقديم التمييز علي غيرها من أقسام العادة، لكفايته في مقام العمل دونها، و لازم ذلك التساقط لا الرجوع للعادة، كما هو المدعي.

و أما ما في الروض من عدم التعارض بينهما، لإمكان البناء علي حيضية الأكثر منهما بعد فرض عدم تجاوزهما العشرة. فيندفع بأن ذلك لا يرفع التعارض بينهما بعد ابتناء كل منهما علي حصر الحيض في مقتضاه، كما تقدم في ترجيح العادة علي التمييز.

هذا علي تقدير التنزل و فرض استحكام التعارض بين هذه الفقرات و ظهور الصدر، و إلا فقد عرفت لزوم تحكيم الصدر، فيكون مقيدا لإطلاق حجية العادة لو تم.

هذا كله في الناسية للوقت، و أما من لم تنعقد لها عادة فيه فالأمر فيها أظهر، لأن الفقرات المتقدمة لا تقتضي اختصاص الرجوع للتمييز بمن لم تنعقد لها عادة أصلا لتدل علي قصوره عن ذات العادة العددية فقط، و ينافي الصدر الظاهر في عدم رجوعها للعادة، بل بمن نسيتهما معا الذي هو فرع انعقادهما، فلا مخرج فيها عن ظهور الصدر في عدم حجية العادة لها، و إنما ترجع للتمييز لعموماته، و لما يستفاد من المرسلة من انحصار صور المستحاضة بالسنن الثلاث، الملزم بحمل سنة التمييز فيها علي مطلق من لم تنعقد لها عادة حجة، و منها ذات العادة العددية فقط بمقتضي ما

ص: 413

______________________________

استفيد من صدرها.

مضافا إلي ما في موثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: « … قالت:

فإن الدم يستمر بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين. قالت له: إن أيام حيضها تختلف عليها، و كان يتقدم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة و يتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال: دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد … » «1» فإن قولها في بيان وجه اختلاف أيام الحيض: «و كان يتقدم الحيض اليوم … » إن لم يكن ظاهرا في اختصاص اختلاف أيام الحيض بالوقت مع اتفاقها في العدد فلا أقل من قوة ظهوره في الشمول لذلك، فالاكتفاء في الجواب بالتمييز من دون تنبيه إلي لزوم أخذ العدد مع انعقاد العادة به ظاهر جدا في إهمال العادة العددية فقط و تقديم التمييز عليها.

و مما ذكرناه يظهر لزوم التحيض بأقراء الأقارب مع فقد التمييز، عملا بإطلاق بعض أدلته- كموثق زرارة و محمد بن مسلم- الذي لا مخرج عنه إلا دليل الإرجاع للتمييز المفروض فقده، و دليل الإرجاع للعادة، الذي عرفت قصوره عن المقام بدوا أو لمرسلة يونس الظاهرة في اختصاص حجية العادة بالذاكرة لوقتها و عددها.

نعم، لو قيل بعدم رجوع الناسية لأقراء النساء اتجه عدم رجوع ناسية الوقت لهن و اختص الرجوع لهن بمن لم تنعقد لها عادة فيه. إلا أن يستبعد حجية عادة نسائها في العدد دون عادتها فيه. فتأمل.

كما يظهر أيضا لزوم تحيضها بالعدد مع فقد التمييز مطلقا و مع تعذر الرجوع لأقراء الأقارب أيضا، عملا بإطلاق بعض أدلته- كموثق الخزاز- لنظير الوجه المتقدم.

و ليس في ذيل مرسلة يونس المتضمن لسنة التحيض بالعدد ما ينافي عدم حجية العادة العددية فقط- كما كان هو الحال في سنة التمييز علي ما سبق- لاختصاص موردها بالمبتدئة، و التعدي لغيرها إنما هو بضميمة ظهور المرسلة في استيفاء السنن

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 414

______________________________

لأقسام المستحاضة الملزم بالتعدي منها لكل من ليس لها عادة ترجع إليها بمقتضي السنة الأولي أو تمييز ترجع إليه بمقتضي السنة الثانية، و هو يقتضي التحيض بالعدد بعد ما ذكرنا من اختصاص السنة الأولي بالذاكرة لعادتها وقتا و عددا، كما لا يخفي.

نعم، استدل سيدنا المصنف قدّس سرّه علي لزوم التحيض بعدد عادتها بقوله عليه السّلام في المرسلة في بيان مورد سنة التحيض بالعدد: «ألا تري أن أيامها لو كانت أقل من سبع و كانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما و هي مستحاضة غير حائض، و كذلك لو كان حيضها أكثر من سبع و كانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة و هي حائض» «1».

فإن مقتضي إطلاقه عدم الفرق في عدم التحيض بالعدد علي خلاف العادة العددية بين انعقادها في الوقت و ذكرها و عدمهما.

بل قد ادعي قدّس سرّه أن مقتضي عموم التعليل باستنكار الأمر بالصلاة حال العادة و بتركها خارجها عدم التحيض بالتمييز أيضا علي خلاف العادة العددية. و إن كان قد يشكل بأنه لا مجال للتعدي عن مورد التعليل و هو التحيض بالعدد الذي هو من سنخ الأصل المحكوم للأمارة للتحيض بالتمييز الذي هو من سنخ الأمارة الصالحة لمعارضة الأمارة. إلا أن يتم عموم ترجيح العادة علي التمييز الذي عرفت المنع منه، و أن المتيقن منه العادة الوقتية العددية المعلومة. و من هنا قد يتجه ما في المتن من فرض الكلام في الفاقدة للتمييز. فلاحظ.

و كيف كان، فيندفع هذا الاستدلال بأن هذه الفقرة غير واردة لبيان حجية العادة، و لا للتعليل بها، بل لتعليل عدم كون المرأة ذات عادة بامتناع الإرجاع للعدد مع قيام الحجة علي تعيين الحيض و الطهر. للمفروغية عن حجية العادة في ذلك.

و لذا لم يكن موضوع الاستنكار الأمر بالصلاة في العادة و بتركها خارجها، بل الأمر بها حال الحيض و بتركها حال الطهر، الذي لا يتم إلا بضميمة المفروغية عن حجية

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 415

______________________________

العادة عليهما، و من الظاهر أن منشأ المفروغية المذكورة هو الإرجاع للعادة في السنة الأولي، و حيث قيد موضوع الإرجاع فيها بالذاكرة لوقتها و عددها فلا مجال لاستفادة عموم الحجية للناسية لأحدهما، فضلا عمن لم تنعقد لها عادة فيه من هذه الفقرة.

علي أن الاستدلال بهذه الفقرة إن ابتني علي كشفها عن عموم العادة في موضوع السنة الأولي، فهو لا يجتمع مع التأكيد في بيان تلك السنة علي اعتبار العلم بالوقت و العدد، و لا يناسب ظهورها في الاكتفاء بها في مقام العمل.

و إن ابتني علي استفادة عموم حجية العادة العددية منها مع قصور السنة الأولي عنه، لورودها في خصوص صورة الاكتفاء بالعادة، لا لبيان مورد حجيتها مطلقا لزم عدم استيعاب سنن النبي صلّي اللّه عليه و آله الثلاث لأقسام المستحاضة، و المرسلة تأبي ذلك جدا.

فلا بد من حمل الأيام في هذه الفقرة علي مورد السنة الأولي، و هو الأيام المعلومة وقتا و عددا. و قد تقدم ما يناسب ذلك عند الكلام في تحيض الناسية بالعدد. فراجع.

و منه يظهر أنه لو بني علي حجية العادة العددية مع نسيان الوقت أو عدم انعقاد العادة فيه فلا مجال لاستفادتها من المرسلة، فضلا عن استفادتها من خصوص السنة الأولي، بدعوي انحصار صور المستحاضة في السنن الثلاث، فمع عدم دخولها في الأخيرتين يتعين دخولها في الأولي، كما يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه.

لأن بيان السنة الأولي صريح في اختصاصها بالمعلومة وقتا و عددا فمع فرض انحصار صور المستحاضة بالثلاث لا بد من دخول غيرها من أقسام العادة في مورد السنتين الأخيرتين المستلزم لعدم حجيتها، و ليس في بقية الفقرات ما ينهض برفع اليد عن ذلك و يدل علي عموم حجية العادة. بل لا بد من استفادته من أمر آخر، كإطلاق حجية العادة لو تم و لم تنهض المرسلة لتقييده، أو دعوي القطع بابتناء حجية العادة الوقتية العددية علي حجيتها في كل من الأمرين بنحو الانحلال، أو نحو ذلك. و إن كان الحق عدم ثبوت شي ء من ذلك، بل ثبوت خلافه، كما يظهر مما ذكرنا.

و من هنا كان المتعين عدم حجية العادة العددية في المقام، و الرجوع للتمييز، ثم

ص: 416

______________________________

التحيض بأقراء النساء احتياطا، ثم بالعدد علي الوجه المتقدم.

و قد جري علي ذلك في الخلاف. قال: «الناسية لأيام حيضها أو لوقتها و لا تمييز لها تترك الصوم و الصلاة في كل شهر سبعة أيام و تغتسل و تصلي [و تصوم] فيما بعد و لا قضاء عليها في صوم و لا صلاة … دليلنا إجماع الفرقة. و أيضا فإن خبر يونس …

يتضمن تفصيل ذلك و ينبغي أن يكون محمولا عليه … و أما قضاء الصوم فإنه يحتاج إلي شرع، لأنه فرض ثان … ».

و ما في الجواهر من استغراب ذلك في غير محله بعد ما عرفت. و مثله ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من استغراب دعوي الإجماع علي التحيض بالسبعة مع أنه لم يحك القول به عن غيره.

لأن الأقوال الأخر قد نسبت لمن تأخر عنه، فلا يبعد ابتناء دعواه الإجماع علي ظهور حال الأصحاب أو تصريحهم بالعمل بالرواية، بل ادعي الإجماع عليها في مورد آخر، مع استفادته منها ما ذكر، كما يناسبه إطلاق الحكم برجوع المضطربة للتمييز و التحيض بالعدد في الاقتصاد و النافع و اللمعة و محكي الجمل و العقود و المهذب و الإصباح من دون استدراك لحكم انعقاد العادة أو ذكرها من إحدي الجهتين فقط، سواء أريد من المضطربة من لم تنعقد لها عادة أم من نسيتها.

و ما يأتي من المبسوط من الاحتياط لعله يبتني علي إهمال الرواية، كما أهملها في الناسية للوقت و العدد معا، كما سبق.

و أما حكمه بعدم وجوب قضاء الصوم و الصلاة فالظاهر أنه لا يريد به قضاء ما تركته في السبعة التي تحيضت بها، ليتجه من سيدنا المصنف قدّس سرّه استغراب دعوي الإجماع علي عدم قضاء الصوم، بل قضاء ما فعلته بعد السبعة لاحتمال كونها حائضا حينئذ، كما يظهر من سوقه لأقوال العامة. فراجع.

هذا كله في غير الدور الأول، و أما فيه فيتعين العمل بالعادة العددية مع الاستظهار، عملا بما دل علي ذلك فيمن يتجاوز حيضها قدر عادتها، مع ما

ص: 417

و الأقوي أن تضعه في أول الشهر (1).

______________________________

تقدم من قصور أدلة وظائف المستحاضة عن الدور الأول و ابتداء الرجوع إليها في الدور الثاني.

كما أن الأولي لها مع التحيض بالعدد اختيار ما يوافق عادتها، لأنه الأحوط من حيثية الشبهة الحكمية و الأقرب في الجملة من حيثية الشبهة الموضوعية، كما تقدم نظيره.

(1) كما في كشف اللثام و المستند و الجواهر و عن الذخيرة. و قد استدل عليه في كشف اللثام بما تقدم منه في التحيض بالعدد. لكن الذي ذكره في التحيض بالعدد هو النصوص المتضمنة التحيض في أول الدم و تمامية كل دور بشهر، و قاعدة الإمكان المقتضية للتحيض بأول الدم من دون موجب للعدول عنه، بضميمة أن الظاهر موافقة كل شهر لمتلوه.

لكن لا مجال للاستدلال بنصوص التحيض بالعدد بعد فرض التحيض بالعادة.

و التحيض بأول الدم و إن كان مسلما لقاعدة الإمكان أو غيرها، إلا أن ظهور موافقة كل شهر لمتلوه- لو تم- لا مجال له في مضطربة الوقت، لخروجها عن مقتضاه.

كما لا ينفع في ناسية الوقت التي يحتمل كون رؤية الدم فيها قبل وقت العادة أو بعدها إلا إذا كانت حيضية أول الدم محرزة بأمارة، حيث يكون مقتضي الجمع بينها و بين الظهور المذكور ظهور حيضية الدم بمرور كل شهر شهر، أما حيث كان محرزا بقاعدة الإمكان أو نحوها من الأدلة التعبدية- لوجوب التحيض في أول الدم و لو مع سبقه علي العادة الوقتية، كما تقدم- فلا طريق لإحراز ذلك بعد أن لم تكن قاعدة الإمكان حجة في لازم مؤداها، و لا نظر في غيرها من الأدلة التعبدية لبقية الأدوار.

علي أن حجية ظهور موافقة كل شهر لمتلوه تحتاج إلي دليل. و هو لا ينافي ما تقدم من ارتكاز أن الحيض في كل شهر مرة، لأن ذلك لا يستلزم حجيته استقلالا و إن أمكن أن يكون قرينة متممة لدلالة الإطلاق، كما تقدم و يأتي.

ص: 418

______________________________

و مثله ما في الجواهر من أنه المنساق من التدبر في الأخبار بعد فرض شمولها للمورد. إذ لم يتضح وجه انسياقه منها بعد تمحضها في بيان حجية العادة التي قد تنهض بتعيين الوقت و العدد معا، و قد تقصر عن تعيين أحدهما، لإمكان كون المرجع أمرا آخر فيما هي قاصرة فيه كالتمييز أو غيره.

و لا مجال لقياسه علي ما تقدم منا في وجه استفادة التحيض في أول الشهر من رؤية الدم من إطلاق الإرجاع لأقراء الأقارب.

للفرق بينهما بأن الإرجاع لأقراء الأقارب حيث كان موضوعه فقد العادة و التمييز الصالحين لتعيين الوقت، كان ظاهره الاتكال في تعيين علي قاعدة الإمكان الارتكازية بضميمة ارتكاز أن الحيض في كل شهر مرة، و إلا لم يكن الإطلاق المذكور صالحا لأن يترتب عليه العمل، بل يكون لاغيا عرفا.

أما في المقام فحيث كانت العادة العددية قد تجتمع مع الوقتية و مع التمييز الصالحين لتعيين الوقت، فلا قرينة علي الاتكال في تعيين الوقت علي الارتكاز المذكور في صورة فقدهما، لكفاية ترتب العمل عليه في الصورتين المذكورتين في عدم لغويته.

كما يمكن ترتبه في صورة فقدهما لو كانت العادة الوقتية معلومة إجمالا، حيث قد يستفاد من الإطلاق المدعي العمل بها في الجملة. و لا سيما إذا كان استفادة حجية العادة العددية مما دل علي حجية العددية الوقتية معا، لفهم أن حجيتها علي كل من الأمرين انحلالية. لأن الدليل المذكور وارد لبيان العمل في حال العادة المذكورة، و لا نظر له لكيفية العمل في حال انفراد العادة بأحد الأمرين، و إن استفيد منه حجيتها.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه حيث لا إطلاق يقتضي التخيير المذكور فيدور الأمر مع الشك بين تعيين الأول و التخيير، و الأصل يقتضي الأول، لأنه القدر المتيقن في الخروج عن قاعدة الاحتياط من جهة العلم الإجمالي بالحيض.

فهو موقوف علي عدم وجوب الاحتياط الذي هو مقتضي العلم الإجمالي المذكور.

و قد استدل قدّس سرّه عليه بأن وجوبه خروج عن السنن الثلاث المنحصر بها أمر

ص: 419

______________________________

الاستحاضة. و بوفاء النصوص برجوع ذات العادة العددية إليها.

و يشكل بما سبق آنفا من قصور السنة الأولي عن محل الكلام فانحصار صور المستحاضة في السنن الثلاث يستلزم دخوله في السنتين الأخيرتين، المستلزم لعدم حجية العادة العددية فقط.

علي أن استفادة حجية العادة العددية من المرسلة أو غيرها من النصوص لا ينافي وجوب الاحتياط، للفراغ عن حكم الحيض الواقعي الذي كان مقتضي العادة أنه بالقدر الخاص بعد فرض عدم نهوض العادة و لا غيرها بتعيينه، فهو وظيفة ظاهرية في طولها، نظير ما لو علمت فاقدة العادة بقدر التمييز و ترددت في موضعه من الدم. و ليس وجوب الاحتياط وظيفة في قبال حجية العادة ليكون منافيا و ينهض دليل حجيتها بمنعه.

و يظهر أثر حجيتها معه في مثل مقدار الصوم الذي يجب قضاؤه احتياطا، و الصلاة التي تقضيها في تمام الشهر، و في كيفية طلاقها بوجه تحرز صحته، و في مقدار الكفارة لو تكرر وطء الزوج لها.

نعم، لو كان ما دل علي حجية العادة العددية مختصا بمورد فقد ما يعين الوقت كان ظاهرا في عدم وجوب الاحتياط للغويته معه عرفا و أمكن استفادة وجوب جعل العدد في أول الشهر لنظير ما تقدم في التحيض بأقراء النساء، لكنه ليس كذلك، كما ذكرنا، و من هنا كان الاحتياط هو مقتضي القاعدة في المقام.

لكنه مختص بما إذا علم بحيضية بعض الدم المستمر أو كانت المرأة ذات عادة وقتية قد نسيتها، بناء علي عدم سقوط حجية العادة بالنسيان عن الحجية فيما هو المعلوم منها بالإجمال، و منه التحيض في كل شهر، أو في خصوص قسم منه، و إلا كان المرجع استصحاب عدم الحيض في غير الدور الأول، بناء علي قصور قاعدة الإمكان عن إحراز الحيضية في أثناء الدم المستمر، كما تقدم.

اللهم إلا أن يستفاد من مجموع نصوص مستمرة الدم المفروغية عن لزوم تحيض

ص: 420

______________________________

مستمرة الدم مطلقا في كل شهر مرة، و إن اختلفت في كيفيته باختلاف الوظائف، كما هو غير بعيد، فيكون لها في كل شهر علم إجمالي منجز يقتضي وجوب الاحتياط.

نعم، لا ملزم به في أول الدم خصوصا فيمن لم تنعقد لها عادة في الوقت أصلا، لنهوض قاعدة الإمكان و غيرها بحيضيته بمقدار العادة مع الاستظهار، و بكون ما بعده طهرا، فإذا تم الشهر الأول وجب الاحتياط، كما أنه لو كان لها تمييز مطابق للعادة قدرا تعين الرجوع له في معرفة الوقت- كما ذكره غير واحد، منهم سيدنا المصنف قدّس سرّه- عملا بدليله بعد فرض عدم منافاته للعادة، و لا تصل النوبة للاحتياط.

لكن مورد ما تقدم من سيدنا المصنف قدّس سرّه في تعيين الأول صورة فقد التمييز، كما هو مفروض المتن. و اللازم فيها الاحتياط، كما تقدم.

و أما دعوي: أن الاحتياط المذكور مستلزم للعسر و الحرج، فلا بد من الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي، فيكون المورد من صغريات لزوم الاقتصار علي المتيقن عند الدوران بين التعيين و التخيير.

فإن كان المراد بها لزوم الحرج النوعي بالنحو الذي يعلم معه بعدم إيكال الشارع الحائض للاحتياط و تشريع طريق لتعيين الحيض. فهو غير واضح بالنحو الصالح للحجية، بل لا يظن منهم المنع كلية من لزوم الاحتياط في موارد تردد الحيض.

و إن كان المراد بها لزوم الحرج الشخصي، فيدخل في عموم قاعدة رفع الحرج.

فلا مجال لدعواه كلية، بل هو يختلف باختلاف النساء، و أحكام الحيض و الطهر، و مدة استمرار الدم، و مقدار المواضع التي يحتمل فيها انقطاع الحيض و تبدله بالاستحاضة، و المدة التي ينحصر فيها احتمال الحيض حقيقة أو تعبدا، بناء علي لزوم جعل الحيض في الوقت الذي يعلم إجمالا بكون العادة الوقتية فيه، أو في الوقت الذي يقتضيه التمييز إذا كان أكثر من مقدار العادة، أو في أحد الوقتين اللذين يقتضي التمييز حيضية الدم فيهما إذا كان بينهما أقل الطهر.

ص: 421

______________________________

علي أنه قد يحتمل التعيين في غير الأول، كما هو الحال بناء علي عدم ثبوت حجية العادة الوقتية المعلومة إجمالا، حيث لا طريق للقطع بعدم حجيتها، و كذا لو اختلفت صفات الدم و لم تجتمع شرائط التمييز المتقدمة، حيث يحتمل حجية التمييز في الجملة لإثبات كون الحيض بعض واجد الصفة أو كون الواجد للصفة بعض الحيض.

و من هنا لا معدل عما تقتضيه القاعدة من الاحتياط بالمقدار الذي لا يلزم منه الحرج الشخصي. و إن كان ما يظهر من مرسلة يونس من اهتمام الشارع الأقدس بحل مشكل المستحاضة لا يناسب إيكالها في المقام إلي ذلك مع عدم تيسر تشخيص صغرياته في كثير من الموارد. بل يناسب ما ذكرنا من إهمال العادة و الرجوع للتمييز، ثم للتحيض بالعدد، الوافيين بضبط العدد و الوقت معا. إلا أن مبني الكلام علي غض النظر عن ذلك.

و منه يظهر ضعف القول بالتخيير لها في وضع قدر العادة حيث شاءت من الشهر مطلقا، كما هو مقتضي إطلاق القواعد و الدروس و المسالك و الروض و الروضة و محكي نهاية الأحكام و المختلف و البيان و الموجز و الجعفرية و شرحيهما و فوائد الشرائع و مجمع البرهان، و في المدارك أنه مذهب الأكثر، و في الحدائق أنه المشهور، أو في ضمن الدم الواجد للصفة، كما يظهر من الوسيلة، أو مع فقد الأمارة المفيدة للظن بموضع خاص، كما عن الذكري و البيان. لما قيل من استواء الأيام بالنسبة إليها بعد فرض عدم العادة الوقتية لها أو نسيانها.

إذ فيه: أن ذلك إنما ينفع لو كان هناك إطلاق يقتضي التخيير، أما بدونه فحيث كانت الأحكام تابعة للحيض الذي هو متعين ثبوتا مردد بين الأيام إثباتا كان مقتضي القاعدة الاحتياط بالوجه المتقدم. و لا سيما في أول الدم، لوفاء قاعدة الإمكان و غيرها بحيضيته، كما سبق.

و من ذلك كان ما في الروضة من اختصاص التخيير بالشهر الأول، ثم يلزم مطابقة بقية الشهور له، أشكل، لمخالفته لقاعدة الإمكان و غيرها، و لعدم الدليل علي لزوم

ص: 422

و ليس للسيد أو الزوج منعها عنه (1). و إن كان الأحوط استحبابا لها الجمع

______________________________

التطابق بين الشهور، كما سبق عند الكلام فيما ذكره في كشف اللثام وجها لتعين الأول.

و لعله لذا خص في جامع المقاصد الخلاف في التعيين و التخيير ببقية الشهور، و أما في الشهر الأول فيتعين جعل العدد في أول الدم، إلا أن تجهل أوله لجنون و نحوه، فتتخير.

و إن كان ما ذكره أخيرا مشكلا، لعدم كفاية الجهل في التخيير. بل اللازم إما الرجوع للاستصحاب بالبناء علي تأخر الدم، أو الاحتياط لإحراز التحيض في أول الدم إلي أن تتيقن مضي الشهر الأول.

(1) لما كان تعيين الأول عنده قدّس سرّه ليس لقيام الدليل عليه، ليكون واردا علي وجوب إطاعة الزوج و السيد القاصرة عن التمكين من الوطء حال الحيض، بل لأن المتيقن براءة الذمة به بسبب الدوران بين التعيين و التخيير، فإن قيل بأنه مع ثبوت التخيير لها ليس لهما منعها من تعيين الأول لم يخرج الأول بسبب منعهما عن كونه المتيقن، فيجب اختياره عقلا.

و إن قيل بأنه مع التخيير لها يكون لهما منعها من ذلك فلا مجال لليقين ببراءة الذمة به، لاحتمال وجوب إطاعتهما بسبب احتمال التخيير. لكن من الظاهر أن وجوب إطاعتهما لما لم يكن معلوما لم يجب إحراز الفراغ عنه عقلا بعدم اختيار الأول.

أما سائر أحكام الحيض و الطهر فهي لما كانت معلومة وجب إحراز الفراغ عنها باختيار الأول الذي يقطع معه بالتعبد بحيضيته دون ما بعده، فيقطع معه بالفراغ عن تلك الأحكام.

هذا كله بناء علي لزوم اختيار الأول، أما بناء علي التخيير فقد صرح في القواعد و الروضة و محكي البيان و الموجز بأن لها اختيار مالا يرضي به الزوج، و في جامع المقاصد: «لأن ثبوت الحيض لها بأصل الشرع لا باختيارها، و التخيير لم يثبت أصالة، بل لأن جهلها بالحال اقتضي استواء جميع أيام الشهر بالنسبة إليها، فامتنع تكليفها

ص: 423

______________________________

بشي ء مخصوص، فكما لم يكن ذلك منوطا باختيارها أصالة لم يكن للزوج في ذلك اعتراض. و يحتمل أن يكون كالواجبات الموسعة».

و يشكل التعليل الذي ذكره بأن تخييرها بسبب استواء أيام الشهر بدوا لا ينافي وجوب اختيارها خصوص بعض الأيام من حيثية وجوب إطاعة الزوج الذي هو من سنخ الحكم الثانوي الصالح للترجيح، كما لو حلفت علي تعيين بعض الأيام، و كما هو الحال لو كان التخيير ثابتا لها شرعا، الذي يظهر منه قدّس سرّه التسليم بأنه عليه يجب عليها إطاعة الزوج.

بل الظاهر رجوع الأول للثاني، لأن مجرد استواء أيام الشهر بالنسبة إليها لجهلها بالحيض لا يكفي في تخييرها ما لم يستكشف معه حكم الشارع لها بالتخيير، لتكون باختيارها محرزة للحيض تعبدا و يرتفع مقتضي العلم الإجمالي و هو الاحتياط في حقها.

نعم، سبق منا في ذيل الفرع الأول من فروع التحيض بالعدد أنه بناء علي التخيير لها لا يجب عليها إطاعة الزوج، بل تكون باختيارها محرزة للحيض الذي لا يجب معه التمكين.

و لعله إليه يرجع ما في كشف اللثام من الاستدلال لعدم وجوب إطاعة الزوج بالأصل. و منه يظهر ضعف ما ذكره جمال الدين الخوانساري في حاشيته علي الروضة من قوة احتمال كون المقام نظير الواجبات الموسعة في وجوب إطاعة الزوج. علي أن وجوب إطاعته في الواجبات الموسعة محل كلام، و لا مجال للبحث فيه هنا.

هذا كله في الزوجة و أما الأمة فقد يدعي وجوب إطاعتها لسيدها في الاختيار، لا من حيثية وجوب التمكين الذي يقصر عن حال الحيض، بل من حيثية ملكيته لها، فلا يرتفع موضوعه باختيارها الذي يحرز معه الحيض. نعم، لو اختارت ما يكرهه ترتب عليه الأثر و إن كانت عاصية في اختيارها.

اللهم إلا أن يدعي قصور وجوب الإطاعة من حيثية الملكية عن مثل الاختيار الذي هو أمر نفسي و لا يكون تصرفا عرفا في الملك. و لذا لا إشكال ظاهرا في عدم

ص: 424

بين أعمال الحائض و المستحاضة (1)، و تغتسل في كل وقت تحتمل النقاء (2) إلي أن تطهر، و تقضي صوم عادتها (3).

(مسألة 13): إذا حصرت وقت عادتها في عدد من أيام الشهر يزيد علي أيام عادتها- كأن تذكرت أن عادتها خمسة أيام مثلا كانت في العشرة الأولي- فالأحوط إن لم يكن أقوي أن تضع العدد فيه (4)، و أحوط منه

______________________________

وجوب استئذان المولي فيه.

و دعوي: أن مقتضي ما تضمن قصور سلطنة العبد في الاعتباريات من بيع أو نكاح أو طلاق أو غيرها يقتضي عدم نفوذ الاختيار بغير إذن مولاها، فضلا عن صورة منعه.

مدفوعة بأن ترتب التعبد بالحيض علي اختيارها له في الوقت الخاص ليس من باب نفوذ التصرف الاعتباري، لعدم كون التعبد بالحيض مجعولا اعتباريا تابعا لجعل المرأة له، كالبيع، بل هو حكم شرعي مجعول للشارع تبعا لتحقق موضوعه و هو الاختيار، نظير اختيار أحد الخبرين المتعارضين الموجب لحجيته علي بعض المباني. فلاحظ.

مسألة 13: إذا حصرت وقت عادتها في عدد من أيام الشهر يزيد علي أيام عادتها

(1) سبق منا أنه اللازم بناء علي حجية العادة العددية. و عليه جري في المبسوط و الإرشاد و الحدائق و ظاهر المعتبر، كما قد يظهر من المنتهي حيث اقتصر في بيان الحكم علي نسبة ذلك للشيخ، و يظهر من الإيضاح التوقف للاقتصار فيه علي بيان القولين، كما قد يظهر من الشرائع للاقتصار فيه علي نسبة الاحتياط للقيل.

(2) و إن لم تقتضه وظيفة المستحاضة. و لازمه إعادة الغسل و الصلاة لو احتمل الانقطاع بعد فعلهما قبل خروج الوقت. و في إجزاء الغسل الواحد للاستحاضة و الحيض معا كلام قد يأتي في أحكام المستحاضة.

(3) بل مقتضي الاحتياط زيادة يوم، لاحتمال حصول الحيض في أثناء اليوم.

(4) يظهر ممن سبق منه حجية العادة العددية فقط المفروغية عن ذلك، و أن

ص: 425

أن يكون العدد في أوله (1).

(مسألة 14): إذا ذكرت وقت عادتها و نسيت عددها، أو كانت ذات عادة وقتية لا عددية، لا يبعد الرجوع في العدد إلي الروايات (2)،

______________________________

الخلاف إنما هو في وجوب وضع الحيض في أول الأيام التي تتردد العادة الوقتية المعلومة إجمالا بينها أو التخيير في وضعها في أيها شاءت أو الاحتياط في جميعها، من دون احتمال جواز وضع الحيض في غيرها أو وجوب الاحتياط فيه.

و عليه بنوا تحقق متيقن الحيضية لو كان العدد أكثر من نصف الزمان المردد فيه الوقت، كما لو علمت أن عادتها سبعة في العشرة الأولي من الشهر، حيث تحرز حيضية الأربعة المتوسطة بمقتضي حجية العادة الإجمالية، و فرعوا الفروع الكثيرة المتفرعة علي فرضي وجود المتيقن و عدمه، و خصوصا في المبسوط.

و يبتني أصل المسألة علي حجية العادة الوقتية الإجمالية التي سبق الكلام فيها في تحيض الناسية بالتمييز و العدد، و قربنا هناك عدم حجيتها.

نعم، قد يدعي حجيتها في المتيقن منها لو كان العدد أكثر من نصف الزمان المردد فيه الوقت، لما يأتي في المسألة الرابعة عشرة، و يأتي الكلام فيه.

و لم يتضح الوجه فيما يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه من نحو من التردد فيه مع عدم مناسبته لمبانيه التي تظهر بالنظر في كلماته في مستمسكه، و منها ما ذكره في وجه تدارك الناسية لو ذكرت عادتها بعد عملها علي خلافها من حجية العادة ذاتا و إن كان النسيان عذرا في العمل علي خلافها، لوضوح أن ذلك يقتضي لزوم العمل فيما يعلم منها إجمالا.

مسألة 14: إذا ذكرت وقت عادتها و نسيت عددها،
اشارة

(1) المناسب لما سبق منه كون ذلك هو الأقوي، و سبق أن ظاهرهم المفروغية عن أن محل الخلاف في تعيين الوقت أو الاحتياط هو الأيام التي تتردد فيها العادة قلت أو كثرت.

(2) ظاهره المفروغية عن حجية العادة الوقتية، كما هو ظاهر جملة منهم،

ص: 426

______________________________

حيث لم يتعرضوا إلا للخلاف في تعيين العدد بما يناسبها. و قد استدل عليه سيدنا المصنف قدّس سرّه بإطلاق ما تضمن الرجوع إلي أيام الأقراء.

و منه قوله عليه السّلام في مرسلة يونس: «و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلي معرفة لون الدم، لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا كله إن كان الدم أسود أو غير ذلك» «1».

لكن ما تضمن الرجوع إلي أيام الأقراء و إن كان جملة كثيرة من النصوص، إلا أنها ظاهرة في تعيين الأيام و معرفتها معرفة تامة، لظهور الإضافة في العهد و الاستغراق، و هو لا يكون إلا بمعرفة عددها و موضعها من الشهر.

و لا سيما مع ظهورها في استغنائها بالرجوع للأيام في معرفة الوظيفة، بل هي كالصريحة في ذلك، كما يظهر بأدني ملاحظة لها.

و أما الفقرة المتقدمة من المرسلة فالاستدلال بها إن كان بلحاظ قوله عليه السّلام:

«و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت … »، فهو ظاهر في المعرفة التامة التي يستغني بها في مقام العمل، إذ مع المعرفة الناقصة تحتاج عندهم للتمييز.

و إن كان بلحاظ التعليل بأن الكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيض. بدعوي: أن المعرفة لو كانت ظاهرة بدوا في المعرفة التامة فمناسبة كون التعليل ارتكازيا تقتضي إلغاء خصوصية ذلك و الاكتفاء بالمعرفة في الجملة، لأن كاشفية العادة عن حيضية ما يخرج فيها لا يختص بمعرفتها من حيثية العدد.

ففيه: أن ملاحظة مجموع فقرات المرسلة تشهد بأن المراد به الإشارة للعادة التي سبق في السنّة الأولي الإرجاع إليها ببيان صريح في اعتبار معرفة وقتها و عددها معا.

و يناسبه قوله عليه السّلام بعد التعليل المتقدم بلا فصل: «فهذا يبين أن قليل الدم و كثيرة أيام الحيض حيض كله إذا كانت الأيام معلومة». فليس المراد بالتعليل حجية العادة مطلقا لينفع فيما نحن فيه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 427

______________________________

علي أنه إن أريد بذلك كون التعليل قرينة علي عموم حجية العادة في السنة الأولي، فهو لا يناسب التأكيد في بيان تلك السنة علي اعتبار العلم بالوقت و العدد معا، كما لا يناسب الاكتفاء بها في مقام العمل، و لا ظهور المرسلة بمجموعها في تباين السنن الثلاث موردا و عدم تداخلها.

و إن أريد به كونه دالا علي عموم حجية العادة و إن قصرت السنة الأولي عنه، لورودها لبيان ما يكتفي به في مقام العمل، فهو لا يناسب ما تضمنته المرسلة من انحصار صور المستحاضة في السنن الثلاث و عدم خروجها عنها.

و قد تقدم نظيره في حكم العادة العددية فقط. كما تقدم هناك أنه لا بد من رفع اليد عن ظهور بعض فقرات المرسلة في اختصاص حجية التمييز بالجهل بالوقت و العدد معا. فراجع.

و بذلك ظهر أنه لو تم إطلاق دليل يقتضي حجية العادة الوقتية فقط- كما لعله في مثل ما تضمن: أن الصفرة في أيام الحيض حيض «1» - كانت المرسلة صالحة لرفع اليد عنه و تقييده بصورة انعقادها و العلم بها في العدد أيضا، كما تقدم نظيره عند الكلام في حجية العادة العددية فقط.

و كأن ظهور المفروغية من جماعة عن حجية العادة بجميع أقسامها، و الاكتفاء بالعلم بها بالإجمالي منه ناش عن تخيل قوة أماريتها بنحو يصلح لتتميم دلالة الأدلة، أو الغض، أو الغفلة عن بعض ما يظهر منها في خلافه، مع قضاء التدبر بعدم قوتها بالنحو المذكور، و أن أماريتها تعبدية لحل مشكلة المستحاضة، فيسهل رفع اليد عنها في مورد قصورها عن ذلك، كما يظهر من الاكتفاء في انعقادها بمرتين، و من رفع الشارع اليد عنها في الجملة بتشريع الاستظهار، و بالحكم بحيضية الدم مع تقدمه أو تأخره عنها، و غير ذلك.

بل عدم التعرض في نصوص المستحاضة علي كثرتها لفرض انعقاد العادة أو

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

ص: 428

______________________________

العلم بها من إحدي الجهتين فقط يشرف بنا علي القطع بإهمال الشارع لها حينئذ.

و لا سيما مع ما تستلزمه حجيتها من كثرة ارتباك الوظيفة علي مستمرة الدم مع الرجوع إليها- كما يظهر مما تقدم و يأتي- مع ظهور المرسلة و غيرها في تنظيم الشارع وظيفتها و تسهيلها.

و من جميع ما تقدم يظهر أن اللازم رجوع ذات العادة الوقتية للمراتب المتأخرة عن العادة من التمييز أو غيره، كما هو مقتضي إطلاق جملة منهم في الناسية و المضطربة ممن تقدم التعرض له عند الكلام في حجية العادة العددية فقط. فراجع.

هذا و لو بني علي حجية العادة في خصوص الوقت في المقام فما في المتن من الرجوع للعدد الذي تضمنته الروايات هو المذكور في المسالك و الروض و الروضة و المستند، و في بعض كلمات صاحب الجواهر أنه الأقوي، و في المنتهي أنه لو قيل به كان وجها، و احتمله في جامع المقاصد و محكي الذكري و فوائد الشرائع، و عن شرح المفاتيح أنه يحتمل احتمالا ظاهرا، كما قد يظهر من حاشية المدارك، و في المستند أنه حكي عن الأكثر.

و يستدل عليه بإطلاق موثق الخزاز الظاهر في التخيير بين تمام المراتب من الثلاثة إلي العشرة، و مرسلة يونس المتضمنة للتحيض بالستة أو السبعة، التي سبق أن مقتضي الجمع العرفي حملها علي الأفضلية.

و هي و إن كانت واردة في المبتدأة، إلا أنه تقدم لزوم تعميمها لكل فاقدة للعادة و التمييز الحجة، و المفروض في محل الكلام عدم التمييز- لما يأتي- و العادة الوقتية حيث لا تنفع في العدد تعين شمولها لموردها.

و من هنا لا يهم اختصاص بقية نصوص التحيض بالعدد- و هي موثقا ابن بكير و مضمر سماعة- بالمبتدئة.

لكن سبق أن ظاهرهم إهمال مضمون موثق الخزاز، و معه يتعين العمل علي الستة أو السبعة، لمرسلة يونس.

و لا وجه لما يظهر من بعضهم من العمل بمفاد موثقي ابن بكير، لابتنائه علي إلغاء

ص: 429

______________________________

خصوصية المبتدأة، الذي لا يخلو عن إشكال، كما تقدم في حكم الناسية للوقت و العدد معا.

و أشكل منه ما صرح به بعضهم من أنها تختار من العدد ما لا تعلم بمخالفته لعادتها إجمالا.

إذ فيه: أنه- مع ابتنائه علي حجية العادة المعلومة إجمالا- قد يتجه بناء علي الرجوع لما تضمن التخيير بين تمام المراتب الثلاثة إلي العشرة، بتقييده بعدم المنافاة للعادة المعلومة إجمالا، أما بناء علي إهماله و العمل بغيره مما تضمن عددا أو أعدادا خاصة- كما هو ظاهرهم- فمع الخروج عنه لا معني للاستدلال به علي أصل التحيض بالعدد ثم التخيير في العدد.

بل هو لا يجتمع مع ما صرح به بعضهم من جواز التحيض في شهر عشرة و في آخر ثلاثة، فإنه لو تم الدليل عليه في غير الناسية لا مجل له فيها بناء علي عدم جواز الخروج عن العادة المعلومة إجمالا، للعلم معه بمخالفة أحد الشهرين لها.

و منه يظهر أن البناء علي حجية العادة المعلومة إجمالا يوجب قصور مرسلة يونس عن بعض صور المستحاضة حتي لو حملت حجية العادة فيها علي الانحلال و التفكيك بين الوقت و العدد، و قد سبق أنه خلاف ما صرح به فيها.

و لبعض ما ذكرنا احتمل في الجواهر التحيض بالعشرة ما لم تعلم انتفاء بعضها، و إلا فبالممكن منها، لاستصحاب الحيض، و قاعدة الإمكان، و غيرها. بل قال في بعض كلماته: «و هو لا يخلو عن قوة».

و إن كان قد يشكل بأن تعذر العمل بالروايات في بعض الموارد لا يقتضي إهمالها مطلقا، بل الاقتصار علي مورد التعذر. علي أن الاستدلال حينئذ بقاعدة الإمكان لا يخلو عن إشكال، لما تكرر من قصور أدلتها عن الدم المستمر، و غيرها مما تضمن التحيض للعشرة «1» مختص بالدور الأول.

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2، و باب 14 منها حديث: 1.

ص: 430

______________________________

فالعمدة الاستصحاب بعد فرض حجية العادة علي حيضية ما فيها، لما هو التحقيق من جريان استصحاب مؤدي الأمارة.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من عدم جريانه في التدريجيات، فهو ممنوع، علي ما تقرر في محله، و أوضحه هو قدّس سرّه في أصوله.

نعم، الاستصحاب إنما يقتضي التحيض للعشرة إذا ذكرت أول الدم أو حيضية يوم يحتمل أنه الأول، أما إذا ذكرت آخره فالعادة حجة علي حيضيته و حيضية اليومين اللذين قبله، و لا مجال للبناء علي حيضية ما زاد علي ذلك إذا لم يعلم بأن حيضها أكثر من ثلاثة، لأن عادتها الوقتية حجة علي نفي حيضية ما بعد اليوم الذي ذكرته، و الاستصحاب لا ينهض بإثبات حيضية ما قبل الثلاثة، بل بنفيها.

كما أنها لو ذكرت وسطه فالعادة حجة علي حيضيته و حيضية اليومين المكتنفين له، و مقتضي الاستصحاب استمرار الحيض إلي ما بعد اليوم الذي ذكرته بمقدار نصف أكثر الحيض، دون حيضية ما قبله بالمقدار المذكور، و إن كان ملازما لكون ذلك اليوم وسط الحيض مع استمرار الحيض المدة المذكورة، لعدم حجية الاستصحاب في لازم مؤداه.

و علي هذا القياس بقية الفروض المتصورة، حيث لا تكون العادة حجة علي الحيضية إلا في المقدار المتيقن، و لا ينهض الاستصحاب إلا بإثبات استمراره من اليوم الذي تذكره بمقدار نسبته إلي أكثر الحيض. هذا ما تقتضيه الأدلة و الاستصحاب في المقام.

و بقي في المقام أقوال أخر ذكرت في أغلب كلماتهم في الناسية لعددها،
اشارة

التي هي مورد تحريرهم للمسألة، و منها يستفاد حكم من لم تنعقد لها عادة فيه..

الأول: الاقتصار علي الثلاثة،

كما في الوسيلة و المعتبر، و استحسنه في المدارك، و احتمله في جامع المقاصد و محكي الذكري و فوائد الشرائع. و كأنه للاقتصار علي المتيقن في الخروج عن عموم أحكام الطاهر.

ص: 431

______________________________

و يشكل بأن الشك في الحيض حيث كان بنحو الشبهة الموضوعية فلا مجال للرجوع للعموم المذكور بناء علي ما هو التحقيق من عدم حجية العام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص.

بل المرجع استصحاب الحيض الذي عرفت مقتضاه لو لم يكن محكوما لدليل التحيض بالعدد علي الوجه المتقدم.

و ما قد يظهر من المعتبر من أنه مقتضي الاحتياط، كما تري، إذ هو يخالف الاحتياط من بعض الجهات، إلا أن يريد أن إجراء أحكام الاستحاضة بعد الثلاثة يختص بما يطابق الاحتياط منها، فيرجع للقول الثالث. لكنه خلاف ظاهر كلامه.

ثم إن متيقن الحيضية تفصيلا قد يزيد علي ثلاثة، كما لو علمت أن يومين معينين وسط الحيض أو ثلاثة معينة أوله أو آخره. كما قد يكون أقل، كما لو علمت بحيضية يوم في الجملة إما أول الحيض أو وسطه أو آخره. و إنما اقتصروا علي الثلاثة لأن المفروض في أكثر كلماتهم العلم بأن يوما معينا أول الحيض أو وسطه أو آخره.

الثاني: جواز كل من الاقتصار علي الثلاثة و التحيض بالروايات،

كما في محكي البيان. و قد يحمل عليه قوله في الدروس: «و لو ذكرت أوله فقط أكملته ثلاثا، و لها العود إلي السبعة أو الستة. و لو ذكرت آخره فكذلك».

و هو كما تري، لظهور الروايات في تعين مضامينها، فلو كانت حجة منعت من الاقتصار علي الثلاثة، و لزم الخروج بها عن مقتضي الأصول الأخر، و إلا لم يجز العمل علي مضامينها في قبال الأصول.

الثالث: الاحتياط فيما زاد علي الثلاثة إلي تمام العشرة،

كما في المبسوط و الشرائع و التذكرة و القواعد و الإرشاد و محكي التحرير و نهاية الأحكام و الجامع، و عن الذكري أنه المشهور.

و هو مقتضي العلم الإجمالي، لو لا ما سبق من مقتضي الأدلة و الاستصحاب

ص: 432

فتختار عددا من الثلاثة إلي العشرة تتحيض فيه إذا لم تكن عادة لأقربائها، و إلا فالأحوط وجوبا اختيارها (1).

______________________________

التي يخرج بها عنه.

هذا و قد اقتصر في المبسوط في كيفية الاحتياط علي الجمع بين أعمال المستحاضة و قضاء الصوم. و زاد غيره الاغتسال لاحتمال انقطاع الحيض. و هو في محله، كإضافة تمام أحكام الحائض من حرمة الوطء و غيرها، كما صرح بها بعضهم.

كما اقتصر في المبسوط و غيره علي قضاء صوم عشرة أيام، و ذكر آخرون أنه أحد عشر يوما، معللا بما تقدم من احتمال كون مبدأ الحيض في أثناء النهار.

و قد استثني جملة منهم ما إذا علمت أن عادتها دون العشرة. و هو يبتني علي حجية العادة المعلومة إجمالا.

كما تقدم في المسألة الثانية أن احتياطها لا يقتضي منع الزوج من الوطء لو طالب به. فتأمل جيدا.

(1) لإطلاق موثق زرارة و محمد بن مسلم «1» المتقدم في رجوع المبتدأة لأقراء نسائها الشامل لفاقدة العادة و ناسيتها، و إنما خرج عنه قدّس سرّه في ناسية الوقت و العدد معا، لظهور الإجماع، و قد ذكر قدّس سرّه أنه لا مجال للتعويل عليه مع نسيان العدد فقط، لخروجه عن المتيقن منه.

لكن سبق أنه لم يصرح بالإجماع في كلماتهم، غاية الأمر أنه لم يظهر القول من أحد برجوع الناسية لهن، حيث اقتصروا علي المبتدأة في الرجوع للأقارب، و لم يذكروا أقراء الأقارب في وظائف الناسية، و كلاهما لا يختص بالناسية للوقت و العدد معا، فدعوي أنها المتيقن من الإجماع غير ظاهرة المنشأ.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 433

و حينئذ فإن ذكرت أول الوقت تحيضت في أوله و أكملته بالعدد الذي تختاره (1). و كذا إن ذكرت آخره أكملته بما قبله، و إن ذكرت وسطه أكملته من طرفيه (2).

______________________________

نعم، سبق عدم ثبوت الإجماع بنحو معتد به، ليرفع به اليد عن إطلاق الموثق.

و من هنا يتعين العمل به في الناسية للوقت فقط أو مع العدد. غايته أنه بناء علي حجية عادتها في الوقت تتحيض بقدر أقرائهن فيه، و بناء علي ما ذكرناه من عدم حجيتها تتحيض بمرور شهر من رؤية الدم، لنظير ما سبق في المبتدأة.

(1) و ليس لها اختيار ما تعلم بمخالفته لعادتها العددية لو علمت به إجمالا، كما صرح به هو قدّس سرّه و غيره، بناء علي حجية العادة المعلومة إجمالا. و قد سبق الكلام في ذلك.

(2) بالتساوي لو كان الذي ذكرته وسطا حقيقيا، و إلا فعلي نحو ذكرها له، فإن ذكرت أنه آخر ثلثه الأول مثلا جعلت ما بعده ضعف المجموع منه و مما قبله. أما لو ذكرت أنه في الأثناء من دون تعيين موقعه، ففي وجوب الاحتياط، أو التخيير، أو إكمال المتيقن مما قبله، أو مما بعده، وجوه أقربها الأخير، لاستصحاب عدم الحيض إلي حين المتيقن، المانع من التحيض قبله، و الرافع لوجوب الاحتياط، من دون أن يتضح إطلاق يقتضي التخيير، ينهض بالخروج عنه.

و به يفترق المقام عما لو كانت ذات عادة عددية فقط، أو ذكرت عدد عادتها فقط، حيث سبق فيه وجوب الاحتياط، فإن الاستصحاب لا يجري هناك بعد عدم وجود زمان معين متيقن الحيضية، بل مقتضي الاستصحاب عدم الحيض في تمام الشهر، فينافي العلم الإجمالي بوجوب التحيض فيه، و مقتضي العلم المذكور وجوب الاحتياط. أما هنا فحيث يعلم بالحيض في وقت العادة لا مانع من استصحاب عدمه قبله، و تتحيض بما يتمم العدد بعده. فلاحظ.

و هكذا الحال لو علمت بحيضية يوم معين في الجملة من دون أن تعلم أنه أول

ص: 434

هذا إذا لم تكن ذات تمييز، و إلا رجعت إليه في تعيين العدد (1).

______________________________

حيضها، أو آخره، أو في أثنائه.

(1) كلماتهم في المقام لا تخلو عن اضطراب، فإن جملة منهم أطلقوا رجوع المضطربة و الناسية للتمييز، كما أن الأكثر لم يتعرضوا لرجوع ناسية العدد أو الوقت إليه في التعيين من الجهة المنسية، فقد يكون ذلك للمفروغية عن حجيته في تلك الجهة، كما قد يظهر من بعضهم، و قد يكون للبناء علي تقدم التمييز حتي علي العادة المذكورة من أحد الطرفين، كما هو ظاهر الشرائع، و يشعر به ما تقدم في المتن في المسألة الثانية عشرة، كما قد يكون لاستثناء ذات العادة مطلقا من الرجوع إليه، فلا يرجع إليه معها حتي في الجهة المنسية، كما قد يظهر من بعض كلماتهم. و قد أشرنا إلي بعض ذلك في أول المسألة الثانية عشرة.

و كيف كان، فمقتضي عموم حجية التمييز- المستفاد من مثل موثق حفص بن البختري «1» - و ظهور مرسلة يونس في تقدمه علي التحيض بالعدد هو الرجوع إليه في المقام في معرفة وقت الحيض و قدره، بناء علي عدم حجية العادة الوقتية فقط، و في معرفة قدره فقط، بناء علي حجيتها.

نعم، لا بد من تحققه في الوقت المذكور لها بالنحو المناسب للذكر من حيثية الأول و الآخر و الوسط، فلو خالف ذلك كانا متعارضين و لزم سقوطه بناء علي عموم تقديم العادة علي التمييز.

لكن تقدم منا في المسألة الثانية عشرة الإشكال في عموم تقديمها عليه، لاختصاص دليل تقديمها بالعادة الوقتية العددية. و لعله عليه يبتني ما تقدم من الشرائع. فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 435

و الأحوط لها الجمع بين أعمال الحائض و المستحاضة (1)، إلي العشرة أيام (2)، أولها أوله في الصورة الأولي، و آخرها آخره في الصورة الثانية، و وسطها وسطه في الصورة الثالثة، فتحتاط في خمسة قبله و خمسة بعده (3).

______________________________

(1) كأنه لاحتمال قصور نصوص التحيض بالعدد عن المقام، لما سبق من الجواهر أو غيره.

(2) ما لم تعلم بقصور عادتها عنها، بناء علي حجية العادة المعلومة إجمالا التي تقدم الكلام فيها.

(3) ظاهر ما ذكره في هذه الفروض عدم تأدي الاحتياط إلا بالجمع بين الوظيفتين في تمام العشرة.

و يشكل بأنه بناء علي حجية العادة الوقتية فقط يلزم الاكتفاء بأعمال الحائض في المتيقن المتعين، و هو الثلاثة أو الأكثر أو الأقل، علي ما سبق، و بناء علي عدم حجيتها يكتفي بالرجوع للوظائف المتأخرة عن العادة من التمييز أو غيره. فتأمل جيدا.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم، و الحمد للّه رب العالمين.

انتهي الكلام في الفصل السادس من مباحث الحيض في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف علي مشرفه و آله أفضل الصلاة و السلام، بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) عفي عنه نجل العلامة الجليل حجة الإسلام السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم دامت بركاته، في شهر ذي القعدة الحرام سنة ألف و أربعمائة للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلاة و أزكي التحية.

و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

كما انتهي تبييضه بقلم مؤلفه الفقير في الشهر المذكور حامدا مصليا مسلما.

ص: 436

الفهرست

المقصد الثاني: في غسل الحيض 5

تعريف الحيض 5

الفصل الأول: في سببه 9

تترتب أحكام الحيض بخروجه من الموضع غير المعتاد 10

هل تترتب أحكام الحيض بنزوله الي فضاء الفرج من دون أن يخرج 10

اشتباه دم الحيض بدم البكارة 14

كيفية الفحص عند الاشتباه 14

لو نفذ الدم في بعض جوانب القطنة من دون تطويق و لا استنقاع 17

لا يختص وجوب الفحص بما يخرج في العادة 19

الكلام فيما يظهر من المعتبر من عدم الحكم بالحيضية مع استنقاع القطنة 19

لو احتمل استناد الدم للبكارة و الحيض معا 21

الكلام فيما لو سبق الحيض و احتمل استناد استمرار الدم للبكارة 21

الكلام فيما لو عملت من دون فحص و اختبار لحالها 23

إذا تعذر الاختبار علي المرأة 25

اذا لم تعلم الحالة السابقة من الحيض و الطهر 27

(تنبيه): الاحتياط في حق المرأة لا يقتضي منع الزوج عن الوطء 30

(تتميم): في اشتباه دم الحيض بدم القرحة 31

الفصل الثاني: في تحديد وقت الحيض 37

كل دم تراه المرأة الصبية قبل التسع سنين ليس بحيض 37

المراد بالسنين الهلالية 38

ص: 437

الكلام في سببية الحيض للبلوغ 40

الكلام فيما لو علم بالحيض قبل البلوغ أو بعد سن اليأس 41

الكلام في سن اليأس من الحيض 45

تصحيح طريق الشيخ لابن فضال 47

تحديد قبيلة قريش 49

لا بد في كون المرأة قرشية من انتسابها لقريش من طريق الأب 54

الشك في أن المرأة قرشية 55

تحقيق مفاد استصحاب عدم بلوغ المرأة أو عدم دخولها في سن اليأس 56

الكلام فيمن انتسبت لقريش من الزنا. مع الكلام في أن قاعدة الفراش واقعية مع العلم بانعقاد الولد من ماء الزاني أو ظاهرية عند الشك في ذلك 58

الكلام في حيض الحامل 63

الفصل الثالث: في تحديد مدة دم الحيض 81

أقل الحيض ثلاثة أيام 81

أقل الحيض للحامل 82

هل يعتبر التوالي في الأيام الثلاثة التي هي أقل الحيض 84

مفاد الأصل العملي عند تردد الدم بين الحيض و الاستحاضة 85

الكلام في معيار وحدة الحيض 89

مقدار الفصل بين الدميين من حيضة واحدة 95

حكم النقاء المتخلل بين الدميين 103

حكم الغسل بانقطاع الدم لدون الثلاثة 107

يكفي في استمرار الحيض بقاء الدم في باطن الفرج 114

الكلام في الليالي 114

الكلام في مقدار خروج الدم المعتبر في اليوم 118

يكفي التلفيق في الأيام 122

أكثر الحيض عشرة أيام 123

أقل الطهر عشرة أيام 126

ص: 438

لا حدّ لأكثر الطهر 128

الدم الفاقد للحد 128

إذا انقطع الدم بدعاء الحيض 130

الفصل الرابع: في معيار العادة و أحكامها 131

لا بد في انعقاد العادة من تكرار الحيض مرتين متواليتين علي نحو واحد 132

العادة الوقتية و العددية 133

العادة الوقتية دون العددية 135

إذا اختلف الحيض في العدد لم تنعقد العادة في الأقل 138

لا يعتبر في انعقاد العادة العددية استقرار عادة الطهر 140

لا يضر في انعقاد العادة الاختلاف اليسير 140

هل المدار في انعقاد العادة علي الشهر الهلالي أو الشهر الحيضي؟ 141

الكلام في العادة المركبة 147

الكلام في كيفية انعقاد العادة مع تخلل النقاء بين الدميين 150

الكلام في انقلاب العادة، و زوال حكمها 152

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 4، ص: 439

تحيض ذات العادة برؤية الدم في العادة و إن لم تعلم استمراره ثلاثة أيام 155

إذا رأت الدم قبل العادة أو بعدها 158

الصفرة في غير أيام العادة. مع الكلام في المراد مما تضمن أنها قبل الحيض بيومين حيض و بعده بيومين ليست بحيض 160

الحكم بعد حيضية الصفرة لا يستلزم عدم حيضية فاقد الصفات 166

الكلام فيما لو تقدم الدم علي العادة كثيرا أو تأخر كذلك 167

الكلام في قاعدة الإمكان 171

أدلة قاعدة الإمكان. وجوه تقريب مقتضي الأصل 172

نصوص قاعدة الإمكان 175

الكلام في عموم حجية الصفات 185

قصور قاعدة الإمكان عن الصفرة 190

الكلام في موارد قاعدة الإمكان 191

ص: 439

الكلام في جريان قاعدة الإمكان مع الشك في حيضية الدم للشبهة الحكمية 192

الكلام في ثبوت إطلاق يرجع إليه عند الشك في اعتبار شي ء في حيضية الدم للشبهة الحكمية 195

الكلام في جريان قاعدة الإمكان مع الشك في وجود الشرط و المانع بنحو الشبهة الموضوعية 196

لو تردد الدم بين أن يكون من الرحم و أن يكون من جرح أو قرح في الفرج 197

ملخص الكلام في قاعدة الإمكان 199

الكلام في تحيض غير ذات العادة برؤية الدم إذا لم تعلم استمراره ثلاثة أيام، و كان واجدا للصفات 200

هل يعتبر في أمارية الصفات اجتماعها؟ 200

تحقيق صفات الحيض المعتبرة في الحكم به 202

الكلام في تحيض غير ذات العادة برؤية الدم الفاقد للصفات إذا لم تعلم استمراره ثلاثة أيام 206

الكلام في استصحاب بقاء الدم ثلاثة أيام بلحاظ الزمان المستقبل 212

إذا تقدم الدم علي العادة الوقتية أو تأخر عنها بمقدار كثير 215

الكلام في انعقاد العادة بالتمييز 216

الفصل الخامس: في الدم المتقطع 223

الدم المتقطع إذا لم يزد علي عشرة أيام مع النقاء فهو حيض واحد 223

إذا تجاوز الدم المتقطع العشرة و لم يفصل أقل الطهر فهل تنهض العادة بتعيين حيضية ما فيها دون غيره؟ 230

إذا تجاوز الدم المتقطع عشرة و لم يفصل أقل الطهر فهل تنهض الصفات بتعيين حيضية الواجد لها دون الفاقد؟ 233

الكلام في ترجيح الدم الأول و الحكم بحيضيته دون الثاني 235

الكلام في أن موضوع قاعدة الإمكان هو الإمكان المطلق أو الإمكان من حيثية الموانع السابقة دون اللاحقة 236

ص: 440

الكلام فيما تضمنته بعض النصوص من فرض تقطع الدم و استمراره متقطعا في فترات قصيرة مدة طويلة 241

إذا تخلل أقل الطهر بين الدميين كان كل منهما حيضا مستقلا 244

الفصل السادس: في تشخيص الحيض مع انقطاع الدم و استمراره 247

إذا انقطع الدم لدون العشرة و احتملت بقاءه في الرحم وجب الاستبراء 247

عدم وجوب الاستبراء لو انقطع الدم ليلا، بل تنتظر به النهار 251

الكلام في الاستظهار مع النقاء و احتمال العود في ضمن العشرة 252

كيفية الاستبراء 255

الكلام فيما لو لم تستبرئ 259

الكلام فيمن تعذر عليها الاستبراء 260

إذا لم يتحقق النقاء بقيت غير ذات العادة علي التحيض الي العشرة 261

الكلام في وجوب الاستظهار لذات العادة بعد مضيها 264

تحقيق معني الاستظهار و أنه الاستيثاق لا طلب ظهور الحال 273

التفصيل في المختار من مشروعية الاستظهار في الدور الأول دون الأدوار اللاحقة مع استمرار الدم 277

تحقيق معني الاستحاضة 281

الكلام في وجوب الاستظهار في الدور الأول أو استحبابه 287

المعيار في الاستظهار علي العادة الوقتية دون العددية 292

الكلام في مقدار الاستظهار 293

الكلام في مقدار استظهار الحبلي 299

(تنبيه): فيما لو انقطع الدم علي العشرة أو تجاوزها بعد الاستظهار. و فيه مقامان: 302

(الأول): لو انقطع الدم علي العشرة فهل ينكشف حيضية مجموعه حتي ما زاد منه علي أيام الاستظهار؟ 303

(المقام الثاني): لو تجاوز الدم العشرة فهل ينكشف أن جميع ما زاد علي العادة استحاضة حتي أيام الاستظهار؟ 304

رجوع مستمرة الدم للعادة، مع تحقيق العادة التي ترجع اليها 308

ص: 441

ترجيح العادة علي التمييز 312

الكلام في ذات العادة العرفية دون الشرعية 317

رجوع المبتدأة و المضطربة للتمييز 319

معني المبتدأة و المضطربة 319

التعرض لكلام من نسب له عدم التعرض للتمييز 326

عدم حجية العادة الحاصلة بالتمييز علي تعيين قدر الحيض في الأشهر السابقة علي انعقادها 328

الكلام في عموم دليل التمييز للدول الأول 329

المعيار في التمييز، و أنه أمر إضافي أو حقيقي 333

الكلام في استظهار ذات التمييز 337

شروط التمييز 337

لا بد من كون الفاقد للصفة بقدر أقل الطهر 342

لا يقدح في الرجوع للتمييز لزوم التحيض في الشهر أكثر من مرة 350

رجوع المبتدأة مع فقد العادة و التمييز لعادة نسائها 352

الكلام في حجية أقراء الأقارب في الوقت 355

المراد من الأقارب من يتصل من أحد الأبوين 357

يكفي بعض الأقارب 359

الكلام في الاستظهار مع الرجوع للأقارب 359

الكلام في الرجوع لأقراء الأقارب في الدور الأول 360

الكلام في رجوع المبتدأة لأقراء أقرانها في السن 363

حكم اختلاف الأقارب 367

الكلام في التحيض بالعدد تعبدا عند فقد الطريق المعين لمقدار الحيض، مع الكلام في مقدار العدد الذي تتحيض به 369

الكلام في التحيض بالعدد في الدول الأول 371

التعرض لبقية الأقوال في مقدار العدد و أدلتها 372

الكلام في وجوب الاحتياط مع التحيض بالعدد 381

ص: 442

الكلام في موضع العدد من أيام الدم 382

تحديد الشهر الحيضي في التحيض بالعدد 386

الاستظهار مع التحيض بالعدد 387

حكم المضطربة مع فقد التمييز 388

حكم الناسية لعادتها 390

رجوع الناسية للتمييز 391

الكلام في حجية العادة المعلومة إجمالا 393

لو ذكرت الناسية عادتها بعد العمل علي التمييز 394

لا ترجع الناسية لعادتها 395

رجوع الناسية للتحيض بالعدد 396

هل يجوز مخالفة التحيض بالعدد للعادة المعلومة إجمالا؟ 399

هل يجب التدارك لو ذكرت العادة 401

حكم الناسية في الدور الأول 404

متي يصح الانتقال من وظيفة لأخري 405

مورد وظائف المستحاضة، و أنها تشمل الدم المتقطع أو لا؟ 405

الوظائف من سنخ الطرق الظاهرية لتعيين الحيض 407

لا تنعقد العادة المركبة 409

ذات العادة العددية دون الوقتية أو ناسية الوقت 409

هل يجب إطاعة السيد أو الزوج في تعيين وقت الحيض 423

إذا حصرت وقت عادتها في عدد من أيام الشهر إجمالا 425

ذات العادة الوقتية دون العددية أو ناسية العدد 426

الكلام في رجوع ذات العادة الوقتية لأقراء نسائها. و كذا ناسية العدد 433

الكلام في رجوع ذات العادة الوقتية للتمييز. و كذا ناسية العدد 435

الفهرست 437

ص: 443

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.