مصباح المنهاج - كتاب الطهارة المجلد 2

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : مصباح المنهاج/ تاليف محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.

مشخصات نشر : نجف : دار الهلال، 1427 ق.= 2006 م.= 1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره:964-8276-54-4 ؛ ج.1:964-8276-54-4 ؛ ج. 4 964-8276-42-0 : ؛ ج.5: 964-8276-43-9 ؛ ج.7: 964-8276-83-1 ؛ ج. 8:964-8276-84-8 ؛ ج.5: 964-8276-85-5

وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري.

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 4 و 5 (چاپ اول: 1426ق. = 2005م. = 1384).

يادداشت : ج. 3 و 7 و 8 ( چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388)

يادداشت : ج.9(چاپ؟: ؟؟13).

يادداشت : چاپ قبلي: محمدسعيد طباطبايي حكيم، 1415 ق. = 1994م.= 1373.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج.1. كتاب التجارة.- ج. 4 و 5 و 7 و 8 . كتاب الطهاره

موضوع : اصول فقه شيعه

رده بندي كنگره : BP159/8/ ط2م6 1385

رده بندي ديويي : 297/312

شماره كتابشناسي ملي : 1041894

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

تتمة كتاب الطهارة

المبحث الثاني: في أحكام الخلوة

اشارة

المبحث الثاني في أحكام الخلوة و فيه فصول:

الفصل الأول: في واجبات حال التخلي و محرماته

اشارة

الفصل الأول يجب حال التخلي، بل في سائر الأحوال ستر (1)

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين

(1) الكلام في مقامين.

الأول: في وجوب ستر العورة، و هو المدعي عليه الإجماع في كشف اللثام و الرياض، و عليه علماء الإسلام كما في المعتبر، و بإجماع علماء الإسلام كما عن المنتهي و التحرير و روض الجنان [1]، و بإجماع العلماء كما في جامع المقاصد، بل في الرياض: «بإجماع العلماء كافة، كما حكاه جماعة حد الاستفاضة»، و في الجواهر: «الإجماع محصلا و منقولا، بل ضرورة الدين في الجملة».

______________________________

[1] الموجود في المنتهي الإجماع علي وجوب ستر العورة في الصلاة، و لعل نسبة الإطلاق إليه لما هو المعلوم من عدم خصوصية الصلاة في الوجوب التكليفي، أما في الروض فقد قال: «يجب ستر العورة في الصلاة بإجماع علماء الإسلام كما نقله في المعتبر»، و الموجود في المعتبر الإطلاق.

ص: 7

______________________________

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك، و إلي مرتكزات المتشرعة القطعية، بل الضرورية- النصوص الكثيرة الآمرة بالمئزر لدخول الحمام، كصحيح محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن الحمام؟ فقال: ادخله بإزار.»، و صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر» «1» و غيرهما، لما هو المعلوم من أن الأمر بالمئزر لأجل ستر العورة، كما يومئ إليه صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد؟ قال: لا بأس» «2».

و مثلها حديث أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يغتسل الرجل بارزا.

فقال: إذا لم يره أحد فلا بأس» «3»، فإنّه بقرينة ظهور بعض النصوص «4» في كراهة الاغتسال تحت السماء بغير مئزر يتعين حمل البأس فيه علي الحرمة. و في موثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحتبي بثوب واحد؟ فقال: إن كان يغطي عورته فلا بأس» «5». فتأمل.

و في حديث المناهي: «إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض، فليحاذر علي عورته. و قال: لا يدخل أحدكم الحمام إلا بمئزر» «6»، إلي غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا يضر ضعف سند بعضها بعد كثرتها، و اعتبار سند غير واحد منها، و تسالم الأصحاب علي العمل بها.

و ربما يستدل عليه بما دل علي حرمة النظر، بضميمة حرمة الإعانة علي الإثم.

و يشكل: بعدم ثبوت عموم حرمة الإعانة عليه، و إنما الثابت حرمة التعاون عليه، الذي هو بمعني حرمة الاشتراك فيه، و هو غير متحقق بمجرد التكشف،

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب آداب الحمام حديث: 1، 2.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب آداب الحمام حديث: 1، 2.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب آداب الحمام حديث: 3، 4.

(5) الوسائل باب: 79 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 8

______________________________

الذي لا يحقق إلا تمكين الغير من النظر.

هذا، و قد أشار شيخنا الأعظم قدّس سرّه إلي الاستدلال بقوله تعالي:

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ. وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ «1»، بدعوي: أن أحد أنحاء حفظه حفظه من أن يطلع عليه.

و فيه: أنه لا مجال للأخذ بإطلاق الحفظ، لما هو المعلوم من عدم وجوب الحفظ عن كثير من الأمور، فلا بد من كونه كناية عن جهة خاصة، و المنصرف عرفا منه خصوص النكاح.

و مثله ما ذكره بعض مشايخنا من حمل ذلك و نحوه علي وجوب حفظ الفرج، عن كل ما يترقب منه من الاستلذاذات، كاللمس و النظر و النكاح، علي ما تقتضيه القوة الشهوية و الطبع البشري، لعدم تقييد الحفظ بجهة دون جهة.

لاندفاعه. أولا: بأن التقييد بما يترقب منه الاستلذاذ ليس بأولي من الحمل علي خصوص النكاح، بل الثاني أولي، كما ذكرنا.

و ثانيا: بأن ترقب الاستلذاذ غير دخيل في الحرمة، لا في النظر و لا في النكاح و لا في غيرهما، لما هو المعلوم من عموم الحرمة لما لو علم بعدم ترتبه.

و حمله علي ما يترقب منه نوعا نظير الحكمة التي لا يضر تخلفها في بعض الموارد. لا شاهد عليه، بل قد لا يلتزم هو به، حيث صرح بجواز النظر إلي الحجم مع أنه قد يثير الشهوة، بل لا ريب في عدم وجوب حفظ الفرج عن أن يوصف، أو يذكر- مثلا- مع ترقب إثارة الشهوة في مثل ذلك، فظهر أنه لا مجال للاستدلال بالآية الكريمة بنفسها.

نعم، في خبر أبي عمرو الزبيري، عن الصادق عليه السّلام في بيان فروض الجوارح:

«و فرض علي البصر أن لا ينظر إلي ما حرم اللّه عليه. فقال قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، أن ينظروا إلي عوراتهم و أن ينظر الرجل إلي

______________________________

(1) سورة النور: 30، 31.

ص: 9

______________________________

فرج أخيه، و يحفظ فرجه أن ينظر إليه. و قال: كل شي ء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر» «1»، و في مرسل الصدوق عنه عليه السّلام: «كل ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا في هذا الموضع، فإنه للحفظ من أن ينظر إليه» «2»، و في مجمع البيان و عن دعائم الإسلام «3» أرسل نحوه عنه عليه السّلام، و عن تفسير النعماني بإسناده عن علي عليه السّلام: «معناه: لا ينظر أحدكم إلي فرج أخيه المؤمن، أو يمكّنه من النظر إلي فرجه» «4».

و قد يؤيده ذكر الغض في الآية المناسب لإرادة التستر من الحفظ، و إن كان لا يخلو عن إشكال، لكن روي علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كل آية في القرآن في ذكر الفرج فهي من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر، فلا يحل لرجل مؤمن أن ينظر إلي فرج أخته، و لا يحل للمرأة أن تنظر إلي فرج أخيها» «5»، فإن ذيله قد يشعر باختصاص التحريم بغير المماثل، إلا أنه لا بد من حمله علي محض التطبيق، فيتم الاستدلال بصدره.

هذا، و في صحيح ابن أبي يعفور: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: أ يتجرد الرجل عند صب الماء تري عورته، أو يصب عليه الماء، أو يري هو عورة الناس؟

قال: كان أبي يكره ذلك من كل أحد» «6»، و في حديث وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام في ذكر جملة مما كرهه اللّه تعالي لهذه الأمة: «و كره دخول الحمام إلا بمئزر» «7».

و لا بد من حمل الكراهة فيهما علي ما يعم التحريم جمعا بين النصوص،

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(3) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(5) تفسير القمي ج 2 ص: 101.

(6) الوسائل باب: 3 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

(7) الوسائل باب: 9 من أبواب آداب الحمام حديث: 8

ص: 10

______________________________

و لا سيما بعد عدم ثبوت اختصاص لفظ الكراهة في لسان الشارع بالمعني المصطلح، فلا مجال للخروج بهما عن ظاهر النصوص المتقدمة، و لا سيما بعد إطباق الأصحاب علي فهم الحرمة منها.

الثاني: في حرمة النظر إلي العورة.

و التأمل في كلماتهم شاهد بإطباقهم علي ذلك- و إن لم تكن تصريحاتهم به كالأول- بل ادعي عليه في الجواهر الإجماع، بل الضرورة، كوجوب الستر.

بل ذكر شيخنا الأستاذ قدّس سرّه أن بينهما ملازمة عرفية، فيكفي في الدليل علي أحدهما إطلاقا و تقييدا الدليل علي الآخر.

و إن كان لا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح منشأ الملازمة المذكورة، و لا سيما مع افتراقهما في نظير المقام، حيث يجب علي المرأة ستر بدنها، و لا يحرم علي الرجل النظر إليه إذا كانت ممن إذا نهين لا ينتهين، كما يحرم علي المرأة النظر إلي بدن الرجل في الجملة، و لا يجب عليه التستر منها.

نعم، قد يستفاد في بعض الموارد اختصاص موضوع الحرمة في أحدهما بموضوع الحرمة في الآخر، فيصح الاستدلال بالتقييد في أحدهما علي التقييد في الآخر، إلا أنه لقرينة خارجية لا للملازمة العرفية بوجه مطلق.

و كيف كان، فيكفي فيه غير واحد من النصوص، كصحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا ينظر الرجل إلي عورة أخيه» «1»، و في حديث المناهي عنه صلّي اللّه عليه و آله: «و نهي أن ينظر الرجل إلي عورة أخيه المسلم، و قال: من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك. و نهي المرأة أن تنظر إلي عورة المرأة، و قال: من نظر إلي عورة أخيه المسلم، أو عورة غير أهله متعمدا أدخله اللّه مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس، و لم يخرج من الدنيا حتي يفضحه اللّه إلا أن يتوب» «2». و نحوه ما تضمن الأمر بغض النظر في الحمام «3»، إلي غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب آداب الحمام حديث: 2. و باب: 9 من الأبواب المذكورة حديث: 7.

ص: 11

______________________________

و أما الاستدلال بقوله تعالي قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ. «1»،

فهو موقوف علي عموم من يجب الغض عنه للمماثل، بحيث يكون جواز النظر لما عدا العورة منه لتخصيص العموم المذكور، لا لقصوره عنه بسبب اختصاصه بالمخالف، و هو لا يخلو عن إشكال.

نعم، ما تقدم في خبر الزبيري، و عن تفسير النعماني ظاهر في اختصاصه بالنظر للعورة و عمومه لغير المماثل، و مثلهما في ذلك ما في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام لولده محمد: «و فرض علي البصر أن لا ينظر إلي ما حرم اللّه عليه، فقال قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، فحرم أن ينظر أحد إلي فرج غيره» «2».

لكن، يشكل الخروج بها- مع ضعف سندها- عن ظاهر الآية في إطلاق حرمة النظر لما عدا الفرج المستلزم لاختصاصه بغير المماثل، بل هو مخالف لمورد نزول الآية الذي تضمنه موثق سعد الإسكاف «3»، حيث تضمن نزولها في شاب نظر امرأة فأعجبته، بل هو المناسب لذكر حرمة إبداء الزينة علي النساء في السياق. فتأمل.

هذا، و في صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن عورة المؤمن علي المؤمن حرام؟ فقال: نعم. قلت: أعني: سفليه [سفلته. خ. ل]؟ فقال:

ليس حيث تذهب، إنما هو إذاعة سره» «4»، و هو ظاهر في عدم حرمة النظر إلي العورة، لظهوره في السؤال عن حرمة العورة، فالردع عن تفسير السائل ظاهر في عدم حرمة المعني الذي عناه.

لكن، لا بد من الخروج عن ظاهره بعد ما تقدم، و حمله علي السؤال عن ورود الحديث بالمضمون المذكور، فلا يدل إلا علي عدم كون المراد بذلك

______________________________

(1) سورة النور: 30، 31.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب جهاد النفس حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 104 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

ص: 12

______________________________

الحديث حرمة النظر للعورة، و لا ينافي حرمته بدليل آخر، كما قد يناسبه ما في الكافي من قوله: «تعني: سفليه» بصيغة الخطاب.

بل هو صريح صحيح زيد أو موثقه، عنه عليه السّلام: «فيما جاء في الحديث: عورة المؤمن علي المؤمن حرام. قال: ما هو أن ينكشف فتري منه شيئا، إنما هو أن تروي عليه أو تعيبه» «1»، و مثله في ذلك صحيح حذيفة بن منصور «2».

بل في موثق سدير: «دخلت أنا و أبي و جدي و عمي حماما بالمدينة، فإذا رجل في البيت المسلخ، فقال لنا: من القوم؟. (إلي أن قال) ما يمنعكم من الأزر، فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: عورة المؤمن علي المؤمن حرام. (إلي أن قال)، فسألنا عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين» «3»، و مقتضاه أن الحديث المذكور شامل لما نحن فيه، فلا بد أن يكون الردع في النصوص المتقدمة بلحاظ كون المعني المذكور فيها هو أهم الإفراد الأولي بالمراعاة، لا للاختصاص به، كما أشار إليه غير واحد.

اللهم إلا أن يحمل علي الاستدلال علي الشي ء بنظيره، لتحقق الملاك فيه بنظره عليه السّلام، أو لمحض الإقناع بسبب كون المعني المذكور هو الذي يفهمه المخاطب، و إن لم يكن هو المراد الواقعي. فتأمل.

هذا، و قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «و عن بعض متأخري المتأخرين، أنه لو لم يكن مخافة خلاف الإجماع لأمكن القول بكراهة النظر، دون التحريم جمعا، كما يشير إليه ما رواه في الفقيه، عن الصادق عليه السّلام انه قال: (أنا أكره النظر إلي عورة المسلم، فأما النظر إلي عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلي عورة الحمار) «4».

فيسهل الجمع بين الروايات. انتهي. و لا يخفي أن الجمع بحمل الكراهة في هذا الخبر علي التحريم أولي من وجوه».

و قد أشرنا آخر الكلام في وجوب التستر إلي وجه الجمع الذي ذكره قدّس سرّه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 157 من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

ص: 13

بشرة العورة (1)،

______________________________

(1) الساتر. تارة: يستر اللون دون البشرة، كالزجاج الملون.

و اخري: يستر البشرة ببعض مراتب الستر لرقته، نظير الظلمة الخفيفة.

و ثالثة: يستر البشرة بتمامها، بحيث لا يتميز منها شي ء، إلا أنه يتميز منه حجمها، بسبب عدم اختراق البصر لها و نفوذه فيما حولها من فضاء إلي النور، و لو لم يكن وراءها نور لما تميز الحجم.

و رابعة: يستر الحجم أيضا، إلا أنه يأخذ مثل ذلك الحجم بسبب التصاقه علي البشرة، نظير القفاز الذي تجعل فيه اليد، و منه الطين الذي تطلي به العورة.

أما الأول فلا يظن من أحد الاكتفاء به، لصدق النظر إلي العورة و عدم صدق سترها معه، بل لا يصدق إلا ستر اللون الذي لم تتضمنه الأدلة. و قد يوهم ما يأتي من العلامة الاكتفاء به، و إن كان بعيدا.

و مثله الثاني، كما صرح به في الجواهر.

لكن، قد يظهر من العلامة قدّس سرّه الاكتفاء به إذا كان ساترا للون، لذكره اللون في غير واحد من كتبه، قال في القواعد في مبحث لباس المصلي: «و يكفيه ثوب واحد يحول بين الناظر و لون البشرة».

و في جامع المقاصد: «و ظاهر إطلاق العبارة يتناول ما إذا كان الثوب يستر اللون و يصف الخلقة و الحجم، فيجوز الصلاة فيه، و به صرح في التذكرة. و اختار شيخنا في الذكري و غيرها عدم جواز الصلاة به، لمرفوع أحمد بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: لا تصل فيما شف و وصف «1». قال في الذكري: معني «شف» لاحت منه البشرة، و «وصف» حكي الحجم. و فيما اختاره قوة، للحديث، و لأن وصف الحجم موجب للهتك أيضا».

إلا أن يحمل علي إرادة الاكتفاء بستر نفس البشرة، في مقابل لزوم ستر

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب لباس المصلي حديث: 4. و في معني الحديث كلام بينهم أشار إليه في مفتاح الكرامة و الوسائل و كشف اللثام.

ص: 14

______________________________

الحجم، كما يظهر من كشف اللثام.

و كيف كان، فالوجه في عدم الاكتفاء به ظهور الأدلة في لزوم ستر العورة بنحو يمنع من النظر إليها- غير الحاصل في الفرض و إن لم يصدق معه الكشف- لا مسمي الستر المانع من بعض مراتب النظر.

لكن، قال الفقيه الهمداني قدّس سرّه: «و الواجب من الستر ما يحصل به مسماه بحيث لا يعد في العرف مكشوف العورة، فلا بأس. بالساتر الرقيق الذي يحكي شكل العورة من ورائه، لو لم يكن من الرقة و سعة منافذه علي وجه لا يعد في العرف حاجبا لما وراءه، و لا اعتبار بالدقة العقلية، كما في غيره من الأحكام الشرعية.». و لا يخلو كلامه عن إجمال.

و أما الثالث فالظاهر الاكتفاء به، لصدق الستر معه، و مجرد تميز الحجم لا دليل علي حرمته بعد فرض عدم النظر إلي ذي الحجم.

و أولي منه الرابع، إذ لا يظهر معه حتي الحجم، بل الظاهر حجم الساتر، المماثل لحجم المستور، كما نبه له غير واحد. و يقتضيه ما دل علي أن النورة سترة «1»، و إن كان ضعيفا سندا.

و من الغريب ما أصر عليه شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من عدم صدق ستر العورة مع ذلك، إذ ليس سترها إلا كستر البدن، لا يراد به إلا وجود الحائل بينه و بين الناظر.

إلا أن يدعي أن قبح العورة قائم بهيئتها، كقيامه ببشرتها، فملاك ستر البشرة موجود ارتكازا في ستر الحجم، كما قد يشير إليه ما تقدم من جامع المقاصد. و لذا كان ستر الحجم مقتضي المرتكزات. لكنه بالقياس و الاستحسان أشبه، و المرتكزات لا تبلغ مرتبة القطع.

هذا، و كلماتهم لا تخلو عن تشويش و اضطراب، فمن قال بوجوب ستر الحجم، كما يمكن حمل كلامه علي الوجه الرابع يمكن حمله علي الوجه الثالث، بل الثاني، في قبال الاكتفاء بستر اللون، بل صريح الوحيد و الجواهر عدم إرادة

______________________________

(1) الوسائل باب: 18 من أبواب آداب الحمام حديث: 1، 2.

ص: 15

و هي القبل و الدبر (1)

______________________________

الوجه الرابع من الحجم.

كما أن من قال بعدم وجوب ستره مقتضي استدلالهم بما دل علي أن النورة سترة إرادة خصوص الوجه الرابع، و مقتضي سوقهم ذلك مساق الاكتفاء بستر اللون إرادة ما يعم الوجوه الثلاثة الأخيرة. بل قد يوهم إرادة ما يعم الوجه الأول، و إن كان بعيدا جدا.

(1) كما نص عليه جماهير الأصحاب. كذا في مفتاح الكرامة، و عليه إجماع الفرقة، كما في الخلاف، و إجماع أهل البيت، كما عن السرائر.

لأنه المتيقن من لفظ العورة و الفرج، إن لم يكن هو المتبادر منهما، فيرجع في غيره للأصل.

مضافا إلي مرسل الواسطي، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام: «العورة عورتان:

القبل و الدبر. و الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» «1»، و قريب منه مرسل الكليني «2»، و قد يشير إليه صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن الكركي في حاشية الإرشاد من إلحاق العجان بذلك في وجوب الستر.

و عن القاضي و الحلبي: أن العورة من السرة إلي الركبة، و عن ثانيهما: أن ذلك لا يتم إلا بستر نصف الساق، و قد يستدل عليه بالنصوص الآمرة بالإزار.

و فيه- مع عدم ملازمة الإزار لستر جميع ذلك- أن ظهور بعضها في أن وجوبه لأجل ستر العورة موجب لصرف الوجوب إليها، و هو يقتضي الاقتصار علي المتيقن منها.

نعم، في خبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «قال: إذا زوج

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.

ص: 16

______________________________

الرجل أمته فلا ينظرن إلي عورتها. و العورة ما بين السرة و الركبة» «1»، و خبر بشير النبال قد تضمن اتزار الإمام عليه السّلام حين أمر صاحب الحمام فطلي ما كان خارج الإزار، ثمَّ أخرجه و طلي هو عليه السّلام ما تحت الإزار، ثمَّ قال: «هكذا فافعل» «2»، و في حديث الأربعمائة، عن علي عليه السّلام: «ليس للرجل أن يكشف فخذيه و يجلس بين قوم» «3».

لكنها- مع ضعف سند الأولين، و هجر الكل عند الأصحاب، و موافقة لسان الأول لبعض العامة، و عدم ظهور الثاني في الوجوب، للعلم بعدم وجوب كثير من الخصوصيات التي تضمنها، و عدم ملازمة الإزار لستر جميع ذلك. و ظهور الثالث في بيان آداب الجلوس مع القوم لا وجوب الستر عن كل أحد- معارضة بما سبق، و بخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «و سألته عن الرجل يكون ببطن فخذه أو أليته الجرح، هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه و تداويه؟ قال: إذا لم يكن عورة فلا بأس» «4».

و رواية الميثمي عن محمد بن حكيم قال: «لا أعلمه إلا قال: رأيت أبا عبد اللّه، أو من رآه متجردا، و علي عورته ثوب، فقال: إن الفخذ ليس من العورة» «5»، و ما في حديث المرافقي في الحمام: «إن أبا جعفر عليه السّلام كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها، ثمَّ يلف إزاره علي أطراف إحليله، و يدعوني فاطلي سائر بدنه» «6».

فلا بد من حمل هذه النصوص علي الاستحباب و لو لأنه مقتضي الحشمة.

و لعل ذلك هو المصحح لإطلاق العورة التي قيل في تعريفها: أنه ما يستحي منه، و كأنه إلي ذلك نظر في محكي الغنية و الوسيلة من أن ما بين السرة و الركبة عورة يستحب ستره.

______________________________

(1) الوسائل باب: 44 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 30 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 18 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

ص: 17

و البيضتان (1) عن كل ناظر مميز (2)

______________________________

(1) الظاهر دخولهما في القبل عرفا، بل عن جماعة أنه المشهور، و عن آخرين أنه الأشهر. و يشهد به مرسل الواسطي المتقدم.

و عن ظاهر التحرير التوقف، و هو في غير محله، بل لا ينبغي الإشكال في كونهما من العورة، و هو المدعي عليه الإجماع في المدارك.

(2) كما هو ظاهر جامع المقاصد و المدارك و الجواهر و شيخنا الأعظم قدّس سرّه، بل في الجواهر أنه الظاهر من إطلاق النص و الفتوي.

و قد يستدل له بعموم حديث أبي بصير المتقدم، و الإطلاق المستفاد من حذف المتعلق فيما تقدم من موثق سماعة، و حديث المناهي، و صحيح ابن أبي يعفور، بناء علي حمل الكراهة فيه علي الحرمة، و الآية بناء علي حملها علي الحفظ من النظر.

لكن، الأول لما كان واردا لبيان جواز اغتسال الرجل بارزا في نفسه، و أن حرمته لأجل اطلاع غيره عليه لم يبعد قصوره عن العموم، و انصراف قوله: «إذا لم يره أحد» إلي خصوص من هو مفروغ عن حرمة اطلاعه.

نعم، لو كان واردا لبيان حرمة الاطلاع كان عمومه مستحكما. فتأمل جيدا.

و الثاني وارد لبيان جواز الاحتباء بالثوب الواحد إذا كان ساترا، لا لبيان وجوب التستر لينعقد له ظهور في الإطلاق بالإضافة إلي من يجب التستر عنه.

و مثله الثالث، إذ هو- مع ضعف سنده- وارد لبيان وجوب الاحتياط عند احتمال وجود الناظر بعد الفراغ عن وجوب التستر منه، لا لبيان وجوب التستر.

و الرابع إنما يحمل علي ما يعم الحرمة لا علي خصوصها، مع قرب وروده لبيان عدم استثناء حال صب الماء من إطلاق حرمة التكشف لعدم كونه عذرا مسوغا له، لا لبيان الحرمة ليكون له إطلاق من حيثية الناظر.

و حمل الآية علي ما نحن فيه إنما يتم بالنصوص المفسرة لها، و هي ضعيفة السند.

ص: 18

______________________________

و الانجبار بعمل الأصحاب غير ظاهر بعد قرب استنادهم لوجوه أخري في أصل الحكم، بل في عمومه أيضا- لو تمَّ بناؤهم عليه.

و أما ما في بعض النصوص من قولهم عليهم السّلام: «لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر إلي عورته» «1»، فهو- مع ضعف سنده- ظاهر في لزوم التجنب عن النظر لعورة الولد، لا في حرمة تمكين الولد من النظر لعورة والده ليقتضي وجوب التستر عنه.

مع قرب وروده لدفع توهم كون البنوة مسوغة للنظر المفروغ عن كونه محرما بدونها، لا لتشريع حرمة النظر ليكون له إطلاق من جهة الناظر أو المنظور إليه، و يشمل غير المميز.

و أما النصوص الآمرة بالمئزر، فحيث كانت واردة في الحمام الذي يجتمع فيه كثير من الأصناف يشكل استفادة الإطلاق منها.

بل مقتضي تعليل الأمر بالإزار في موثق سدير المتقدم بقوله صلّي اللّه عليه و آله: «عورة المؤمن علي المؤمن حرام» وجوب التستر من المؤمن الذي يحرم عليه النظر، و لا يكفي فيه التمييز.

و مثله النبوي: «إياك و دخول الحمام بغير مئزر، ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه» «2»، إذ لا يبعد ورود اللعن لبيان اشتراك الناظر و المنظور إليه في الحرمة، فيقصر عما لو لم يحرم النظر علي الناظر.

نعم، في النبوي الآخر: «لعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الناظر و المنظور إليه في الحمام بلا مئزر» «3»، و حيث لم يرد مورد التعليل قد يتم إطلاقه، إلا أن ضعف سنده- كما سبقه- مانع من الاستدلال به.

مع قرب أن يكون ورود نصوص الحمام للحث علي المئزر كاشفا عن عدم كونه في مقام بيان من يحرم عليه النظر و يجب التستر عنه، بل لبيان عدم كون

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب آداب الحمام حديث: 1، 2.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

ص: 19

______________________________

الحمام مسوغا للتكشف أمام من يجب التستر عنه في نفسه. فتأمل.

و لعله لذا كان ظاهر إطلاق الحدائق عدم وجوب التستر من الطفل المميز.

قال: «و المراد بالناظر المحترم من يحرم نظره، فلا يجب التستر عن الزوجة و الطفل و الجارية التي يباح وطؤها».

و بالجملة: لا مجال لإثبات العموم المذكور من الأدلة المتقدمة.

لكن قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لا يبعد أن يكون الظاهر من الأصحاب التسالم علي هذا الإطلاق، و لعل مثله كاف في الحكم بذلك، و لا سيما مع موافقته لارتكاز المتشرعة. فتأمل».

و لعل أمره بالتأمل إشارة للخدش في ذلك بأنه لا مجال لاستفادة التسالم الكاشف عن رأي المعصوم بتصريح من عرفت.

و عدم وضوح كون الارتكازيات المذكورة متشرعية راجعة إلي ارتكازهم بما هم أهل شرع و دين، بل لعلها عقلائية أدبية بلحاظ منافاة التكشف أمام المميز للحشمة و الوقار.

نعم، قد يقال: المناسبات الارتكازية تقتضي كون وجوب التستر و حرمة النظر من جهة احترام المؤمن و حفظ كرامته من أن ينظر إلي عورته، كما يناسبه التعبير بالعورة في بعض النصوص، و يشير إليه ما في موثق سدير المتقدم، فإن الاستدلال علي وجوب التستر عن الغير بالنبوي الدال علي حرمة نظره لا يتجه إلا لكونه واردا بلحاظ الجهة المذكورة المقتضية للأمرين معا، بل هو المناسب لإرادة المعني الآخر من النبوي الذي أشير إليه في أحاديث عبد اللّه بن سنان، و حذيفة بن منصور و زيد الشحام، لأن الجهة الجامعة بين المعنيين تناسب الجهة المذكورة جدا، بل هو المناسب للنص الآتي المفصل بين عورة المسلم و الكافر.

و حينئذ فالأمر بالتستر من دون تعيين لمن يتستر منه موجب لانصرافه بحكم الإطلاقات المقامية إلي كل من يقبح اطلاعه علي العورة و يستحي منه عرفا، و هو كل مميز و إن لم يحرم عليه النظر.

و لذا لا إشكال في وجوب التستر عن الكافر، مع أنه كالطفل المميز في

ص: 20

______________________________

قصور الإطلاقات اللفظية عنه، فلو لا الجهة المذكورة التي تقتضي التستر عن الكافر بالأولوية العرفية من المؤمن لم يكن وجه للبناء علي وجوب التستر عنه.

نعم، أشار في الجواهر إلي ما قد يدعي من أن الإناث الكفار بمنزلة الإماء المملوكة.

لكنه- مع رجوعه إلي استثنائها لا قصور العموم عنها- غير تام، لأن النص «1» إنما تضمن أن أهل الكتاب مماليك للإمام، فيلزمه عدم جواز التكشف أمامهن إلا بتحليل منه.

و مما ذكرنا يظهر الوجه فيما صرح به من تقدم من عدم وجوب التستر عن غير المميز، و هو الذي لا يستقبح عرفا اطلاعه علي العورة، بحيث لا ينافي احترام المطلع عليه و كرامته، و هو المتيقن من سيرة المتشرعة القطعية التي أشار إليها في الجواهر، خلافا لما قد يظهر من المستند من العموم له، حيث أطلق وجوب التستر عمن يحرم وطؤه. فتأمل جيدا.

هذا كله في وجوب التستر، و أما حرمة النظر ففي الجواهر: «فالظاهر أن كل من يجب التستر عنه يحرم النظر إلي عورته، من غير فرق بين كونه مكلفا بالتستر أو لا، كالمجنون و شبهه، و لا بين كونه مسلما أو كافرا، ذكرا أو أنثي، فيحرم النظر إلي عورات المميزين، و إن كان إقامة الدليل عليه من السنة في غاية الإشكال»، ثمَّ ذكر بعض النصوص التي قد يستفاد منها الإطلاق، و قال: «إلا أن الكل لا يخلو من نظر، فالمسألة لا تخلو من إشكال، إن لم يقم إجماع يقطع به الأصل، و لم أعثر علي دعواه في المقام. فتأمل».

و ما أشار إليه من الملازمة لا إشعار به في النصوص.

و اللازم ملاحظة أدلة حرمة النظر، لمعرفة عمومها للمميز غير البالغ، و لغير المسلم، إذ لا إشكال في العموم لما عداهما.

أما الأول فلا ينبغي الإشكال في العموم له، لصدق المسلم و المؤمن و الأخ

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه من كتاب النكاح حديث: 1.

ص: 21

______________________________

و غيرها من العناوين التي تضمنتها النصوص، و هو المناسب للجهة الارتكازية التي أشرنا إليه في وجوب التستر، و مجرد عدم تكليفه لا يصلح للخروج به عن ذلك.

نعم، لا ينبغي الإشكال في جواز النظر إلي عورة غير المميز، لا لعدم صدق العناوين المذكورة عليه، لجريان أحكام المسلم عليه تبعا، خصوصا فيما كان مبنيا علي احترامه، بل لقرب انصراف الأدلة عنه، لعدم منافاة النظر إلي عورته لحرمته و كرامته عرفا. مضافا إلي السيرة القطعية الموجبة لكونه من الواضحات، بل الضروريات.

و منه يظهر أن المعيار في عدم التمييز ذلك، لا وصفه الإسلام و الإيمان و اعتقاده بمقتضاهما.

و أما الثاني فما يمكن أن يستفاد منه حرمة النظر إلي عورته إطلاق الأمر بالغض في الآية الكريمة، و بعض نصوص الحمام المتقدمة إليها الإشارة، و ما في صحيح ابن أبي يعفور المتقدم عند الكلام في وجوب التستر، بناء علي حمل الكراهة فيه علي الحرمة، و ما في حديث المناهي المتقدم من قوله عليه السّلام: «و نهي المرأة أن تنظر إلي عورة المرأة. من نظر إلي عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمدا أدخله اللّه مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس.»،

و النبويان الآخران المتقدمان المتضمنان لعن الناظر و المنظور إليه. و ما في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام لولده محمد المتقدم.

لكن تقدم الإشكال في الاستدلال بالآية الكريمة لما نحن فيه.

نعم، لو تمَّ الاستدلال بها فلا مجال لما ذكره بعض مشايخنا من أنها متكفلة لبيان حال المسلمين بعضهم مع بعض، و لا إطلاق لها بالإضافة إلي غيرهم، لعدم القرينة علي ذلك، بل لا إشكال في عموم بعض الأحكام بالإضافة إلي الكافر، كوجوب تستر المرأة.

و أما نصوص الحمام فهي- مع ضعف سندها في المقام- ربما يشكل الاستدلال بها مع كون أكثر أهل الحمام في بلاد الإسلام مسلمين، حيث قد ينصرف الإطلاق لهم.

ص: 22

______________________________

بل لا يبعد عدم ثبوت الإطلاق في نفسه، لما هو المعلوم من عدم إطلاق وجوب الغض في الحمام، فمن القريب سوقه لبيان أن تكشف من لا ينبغي النظر إليه لا يسوّغ النظر إليه لتخيل تحمله الوزر بتمكينه منه، فهو وارد لبيان عدم كون التكشف عذرا بعد الفراغ عن حرمة النظر ذاتا، لا لبيان حرمة النظر ليكون له إطلاق بالإضافة إلي من يحرم النظر إليه. فلاحظ.

و أما صحيح ابن أبي يعفور فلا يبعد اختصاصه بمقتضي السياق في النظر إلي عورات الناس حين صب الماء، فيجري فيه ما تقدم في عموم وجوب التستر من عدم الإطلاق له، مع ما تقدم من حمله علي ما يعم الحرمة، لا علي خصوصها.

و أما النبويات فهي ضعيفة السند. مضافا إلي قرب انصراف المرأة في الأول إلي خصوص المسلمة بمقتضي وروده في سياق نهي الرجل المسلم عن النظر إلي عورة أخيه المسلم.

و أما نهي الرجل فيه عن النظر إلي عورة غير أهله، فمن القريب انصرافه إلي خصوص المرأة التي قد يلتزم بإطلاق حرمة النظر إلي عورتها و إن كانت كافرة من قبل الرجل، و إن جاز له النظر إلي عورة الكافر. علي أن ما تضمنه من العقوبة يناسب فرض الحرمة للمنظور إليه لكونه مسلما، إذ لا إشكال في عدم حرمة البحث عن عورات الكفار، فهو ظاهر في تنزيل العورة البدنية منزلة العورة المعنوية، بعد الفراغ عن حرمة ذي العورة و لا يعم من لا حرمة له.

و لعن الناظر في الثاني، لما كان بعد الأمر بلبس الإزار المخاطب به المسلم يشكل إطلاقه لما لو كان المنظور إليه كافرا.

كما تقدم الإشكال في إطلاق الثالث.

و لا يخفي أن هذه المناقشات إن لم تنهض بمنع الإطلاق فلا أقل من كونها موجبة لضعفه بنحو يسهل رفع اليد عنه بظهور كثير من النصوص في اختصاص الحرمة بعورة المسلم، للتعبير فيها بالأخ و المسلم و المؤمن، فإن الوصف و إن لم يكن له مفهوم في نفسه، إلا أن من القريب جدا ثبوت المفهوم له

ص: 23

______________________________

في المقام، للمناسبة الارتكازية بينه و بين الحكم، فالاقتصار عليه في بيانه لا يناسب عمومه، لما فيه من إيهام خلاف المراد، و لا سيما مع ما أشرنا إليه آنفا من أن المناسبات الارتكازية و غيرها من القرائن تقتضي كون منشأ الحكم هو احترام المنظور إليه و اهتمام الشارع بحفظ كرامته، و هو لا يناسب العموم للكافر جدا.

و لو غض النظر عن جميع ذلك كفي في جواز النظر إلي عورة الكافر صحيح ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: النظر إلي عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلي عورة الحمار» «1»، الذي لا يبعد كونه بعضا من مرسل الصدوق «2» المتقدم في آخر الكلام في حرمة النظر.

و لا مجال للإشكال فيه بالإرسال بعد ما تقدم في أول الكلام في تحديد الكر من حجية مراسيل ابن أبي عمير، و لا سيما في مثل هذا الحديث الذي رواه عن غير واحد، حيث يظهر شيوع الرواية و استفاضتها.

و مثله الإشكال فيه بإعراض الأصحاب، لعدم وضوح بلوغه مرتبة يسقط بها الخبر عن الحجية، بعد ظهور حال الكليني و الصدوق قدّس سرّهما في العمل به، لذكرهما له في كتابيهما من غير معارض، بل من القريب عمل من سبقهما من الرواة به.

و قرب كون عدم تنبيه كثير لمضمونه لأجل عدم تصديهم لبيان حرمة النظر و تحديد موضوعه، و إنما يستفاد منهم عرضا في مقام بيان وجوب التستر. كما لا يبعد كون إعراض كثير عنه لتخيل قوة الإطلاقات و لزوم تقديمها عليه، لا لوضوح بطلان مضمونه عندهم.

و ما في الجواهر من أن مقتضاه عدم وجوب التستر عن الكافر و لم يقل به أحد، مبني علي الملازمة المشار إليها في كلامه المتقدم، و هي غير مسلمة، بل لا تلائم ما تقدم منه من عدم استيضاح دليل حرمة النظر إلي عورة الطفل المميز مع

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

ص: 24

______________________________

جزمه بوجوب التستر منه.

فالمتعين البناء علي جواز النظر إلي عورة الكافر، كما هو ظاهر الحر العاملي في الوسائل و عن غيرها- و صاحب الحدائق.

بل ربما يدعي جواز النظر إلي عورة المخالف، لعدم الدليل علي حرمته و اهتمام الشارع بكرامته، و إشعار النصوص المتضمنة للأخ و المؤمن بعدم حرمة النظر لعورته.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لظهور الحديث المتقدم في حرمة عورة المسلم، حيث يقرب معه تنزيل الأخوة علي اخوة الإسلام الظاهرية، و الإيمان علي ما يعم الإسلام بلحاظ دخول المسلم في حوزة المؤمنين و انتسابه لهم، نظير ما تضمن أن خطاب المؤمنين يلزم المنافقين، لإقرارهم بالدعوة «1»، فيستكشف من ذلك اهتمام الشارع بحرمتهم لحرمة الإسلام. خصوصا مع بعد تنزيل نصوص حرمة النظر علي خصوص المؤمنين مع قلتهم في عصر صدورها، و عدم تميزهم في موطن من الأرض. علي أنه لا يبعد تسالم الأصحاب علي الحرمة. فتأمل.

بقي شي ء: و هو أنه لا بد من التقيد بعدم الريبة، لحرمة النظر بريبة عندهم حتي لغير العورة، علي ما يذكر في كتاب النكاح.

كما أن الظاهر حرمة النظر إلي عورة الكافر غير المماثل، لظهور الأدلة في خروج عورة الكافر من حيث كونها عورة يكون النظر إليها منافيا لحرمة صاحبها، فلا ينافي وجوب الغض عنها من جهة كونها جزء بدن غير المماثل، الذي دلت الآية الكريمة و غيرها علي وجوب الغض عنه.

و ما دل علي جواز النظر إلي نساء أهل الذمة تخصيصا للآية- كموثق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلي شعورهن و أيديهن» «2» - مختص بالشعور و الأيدي، و التعدي منه لما يتعارف كشفه- لو تمَّ- لا يقتضي التعدي للعورة.

______________________________

(1) تفسير العياشي ج: 1 ص: 33 حديث: 15 من تفسير سورة البقرة.

(2) الوسائل باب: 112 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1.

ص: 25

عدا الزوج و الزوجة و شبههما (1)، كالمالك و مملوكته، و الأمة المحللة بالنسبة إلي المحلل له (2)،

______________________________

نعم، التعليل في بعض النصوص بأنهن إذا نهين لا ينتهين «1»، قد يقتضي التعدي لو فرض تعمد الكشف منهن.

لكنه- مع عدم اختصاصه بالكافرة- يصعب الالتزام به، لمنافاته للارتكازيات. فتأمل جيدا.

(1) بلا ريب، و يكفي فيه ملازمته عادة و عرفا للوطء الذي يجوز في الموارد المذكورة، بل أولويته بالجواز منه، كما يشير إليه ما في موثق يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: أ يغتسل الرجل بين يدي أهله؟ فقال: نعم، ما يفضي به أعظم» «2». و لذا كان مفروغا عنه في النصوص و الفتاوي.

نعم، عن ابن حمزة حرمة النظر إلي فرج المرأة، حال الجماع. و قد يستدل له بخبر أبي سعيد الخدري في وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «قال: و لا ينظر أحد إلي فرج امرأته، و ليغض بصره عند الجماع، فإن النظر إلي الفرج يورث العمي في الولد» «3».

لكن، في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة و هو يجامعها؟ قال: لا بأس به، إلا أنه يورث العمي (في الولد. يب)» «4».

(2) و إن حلل له خصوص النظر لها و التكشف أمامها دون الوطء، ففي صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يقول لامرأته: أحلي لي جاريتك، فإني أكره أن تراني منكشفا، فأحلتها له (فتحلها له. يب في)، له أن يأتيها؟

قال: لا يحل له إلا الذي قالت» «5»، و في صحيح رفاعة و الفضيل، عنه عليه السّلام: «و لو

______________________________

(1) الوسائل باب: 113 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 59 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 59 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 35 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 4.

ص: 26

فإنه يجوز لكل من هؤلاء أن ينظر إلي عورة الآخر.

نعم، إذا كانت الأمة مشتركة (1)، أو مزوجة (2)، أو معتدة،

______________________________

أحل له قبلة منها لم يحل له ما سوي ذلك» «1».

(1) لخروجها عن ملك اليمين التي يحل نكاحها، لأن الظاهر منها التي تكون بتمامها مملوكة، كما هو الحال في سائر ما يضاف للملك، فتدخل تحت عموم حرمة نكاح غير الزوجة و المملوكة. مضافا إلي غير واحد من النصوص «2».

نعم، لو أحلها أحد الشريكين للآخر حل له وطؤها، كما عن الحلي و جماعة، لصحيح محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن جارية بين رجلين دبّراها جميعا، ثمَّ أحل أحدهما فرجها لشريكه؟ قال: هو له حلال» «3».

(2) كما تظافرت به النصوص، و قد عقد لها في الوسائل الباب الرابع و الأربعين من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.

هذا و الظاهر منهم التلازم بين حرمة نكاح الأمة و حرمة النظر إلي عورتها و التكشف أمامها.

و يقتضيه العموم المتقدم بعد قصور المخرج عنه، لأن الدليل علي جواز النظر لعورة المملوكة و التكشف أمامها هو الدليل علي جواز نكاحها و معاملتها معاملة الزوجة، فمع فرض عدم جوازه يتعين الرجوع للعموم المتقدم. و تمام الكلام في ذلك في كتاب النكاح، لعدم الابتلاء بذلك، كي يحسن صرف الوقت في تفصيل دليله هنا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 1، 2.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب بيع الحيوان حديث: 5. و باب: 3 من أبواب كتاب الشركة حديث: 1.

و باب: 1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح حديث: 1. و باب: 68 من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح حديث: 1. و ربما في غير ذلك.

(3) الوسائل باب: 41 من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح حديث: 1.

ص: 27

______________________________

تنبيه لو احتمل وجود الناظر فهل يجب التستر مطلقا- كما قد يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه و أصر عليه بعض مشايخنا- أو في غير الوهم- كما في المستند- أو مع الظن- كما حكاه في المستند عن والده، و حكي عنه التوقف مع الشك و نحوه في الجواهر- أو لا يجب مطلقا، كما قواه الفقيه الهمداني و شيخنا الأستاذ قدّس سرّهما و غيرهما؟ و توقف السيد في العروة الوثقي و جماعة من محشيها.

و لا يبعد الأول، للتعبير بالحفظ في الآية الشريفة، بناء علي الاستدلال بها في المقام، كما تقتضيه النصوص المتقدمة، و بالمحاذرة في النبوي المتقدم، و بالتوقي في مرسل الاحتجاج عن الكاظم عليه السّلام في حديثه مع أبي حنيفة، حيث قال:

«يتواري خلف الجدار و يتوقي أعين الجار»، فتأمل.

لظهور ذلك في لزوم الاحتياط، كما نبه له غير واحد، أولهم- فيما أعلم- صاحب المستند.

و ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من أن المراد بها مجرد عدم الإبداء للغير، المشكوك في الفرض.

ممنوع، بل هي ظاهرة في المحافظة و المحاذرة المقابلة للتفريط و التعريض.

و من القريب جدا اعتضاد بعضها ببعض بنحو لا يجوز الخروج عنها لضعف سندها، و إن كان لا يخلو عن إشكال.

و لو تمَّ الاستدلال بها فلا مجال لاستثناء الوهم، كما في المستند.

و ما استدل به من الأصل و الإجماع و رواية أبي بصير المتقدمة، غير تام، للزوم الخروج عن الأصل بإطلاق الدليل المتقدم. و الإجماع غير ثابت بعد عدم تحرير المسألة إلا في كلام بعض متأخري المتأخرين. و رواية أبي بصير إنما تدل علي جواز التكشف مع عدم الرؤية، فلا تنافي وجوب الاحتياط فيه مع الشك فيها.

ص: 28

لم يجز لمولاها النظر إلي عورتها، و كذا لا يجوز لها النظر إلي عورته.

و يحرم علي المتخلي استقبال القبلة و استدبارها (1)

______________________________

نعم، لو كان الوهم ضعيفا جدا لا يعتد به العقلاء في مقام العمل كانت الأدلة المتقدمة قاصرة عنه، لعدم منافاة التكشف معه للحفظ و المحاذرة و التوقي.

و لعل دعواه الإجماع بلحاظ ذلك، حيث لا يبعد استكشافه بلحاظ السيرة.

كما أنه لو لم تتم الأدلة المذكورة لم يكن وجه لإيجاب الاحتياط مع الظن إلا ما أشار إليه الفقيه الهمداني قدّس سرّه من أن الرجوع للبراءة موجب للوقوع غالبا في مفسدة خلاف الواقع.

و هو كما تري ليس محذورا، علي أنه غير تام لغلبة العلم بالحال.

نعم، لا يبعد البناء حينئذ علي الاكتفاء بالاطمئنان بوجود الناظر، لقرب موافقته لارتكاز المتشرعة. فلاحظ.

ثمَّ إنه لا يبعد كون الشك في احترام الناظر كالشك في وجوده، كما يظهر من السيد في العروة الوثقي و جماعة من شراحها و محشيها، لعدم الفرق بينهما بملاحظة الأدلة المتقدمة.

إلا أن يكون في المورد أصل موضوعي يحرز احترامه أو عدمه، فيحكم علي أصل البراءة، أو تلك الأدلة كاستصحاب الزوجية أو عدمها.

نعم، قد يشكل الرجوع لاستصحاب عدم التمييز بعدم وضوح أخذ عنوانه بما هو أمر وجودي شرطا في حرمة التكشف، ليكون نفيه بالأصل محرزا للجواز، بل لعله ملحوظ بواقعة، لأنه المتيقن من السيرة. فتأمل.

هذا، و الظاهر اختصاص ما تقدم بالتستر، دون النظر، فيجوز النظر في مقام يحتمل فيه الاطلاع علي عورة الغير، لقصور الأدلة المتقدمة عنه و الأصل البراءة.

(1) كما نسب إلي المشهور في كلام جماعة، بل ادعي عليه الإجماع في الخلاف و الغنية.

بل ذكر بعض مشايخنا أن ذلك هو المتسالم عليه بين الأصحاب، و لم ينقل

ص: 29

______________________________

الخلاف فيه إلا عن جماعة من متأخري المتأخرين، بل قال مقرر درسه: «فإن اعتمدنا علي التسالم القطعي و إجماعهم، بأن كان اتفاق المتقدمين و المتأخرين مدركا لإثبات حكم شرعي- كما هو غير بعيد- فلا كلام».

و لعل ذلك هو الذي دعا شيخنا الأعظم قدّس سرّه إلي العمل علي المشهور مع اعترافه بأنه مقتضي ظواهر أخبار غير نقية السند أو الدلالة.

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك- النصوص الكثيرة الناهية عن الاستقبال و الاستدبار، كمرسلتي علي بن إبراهيم و الاحتجاج «1» الواردتين في سؤال أبي حنيفة للإمام الكاظم عليه السّلام، و مرفوع محمد بن يحيي: «سئل أبو الحسن عليه السّلام: ما حدّ الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها» «2».

و نحوه المرفوع عن الحسن بن علي عليه السّلام «3»، و في حديث المناهي: «إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة» «4»، و خبر عيسي بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السّلام: «قال: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا» «5»، و غيرها مما ذكر غير واحد أن ضعف أسانيدها منجبر بعمل الأصحاب.

لكن لا طريق لإثبات الإجماع و التسالم علي الوجوب بعد ذكر بعضهم استقبال القبلة و استدبارها في سياق المكروهات.

فقد اقتصر الكليني قدّس سرّه علي ذكر مرفوع محمد بن يحيي المتقدم في باب الموضع الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال، الذي اقتصر فيه علي الأخبار الواردة في المستحبات و المكروهات.

و نحوه الصدوق قدّس سرّه في الفقيه، حيث ذكر المرفوع الآخر المشار إليه آنفا في ضمن أخبار الآداب في باب: ارتياد المكان للحدث و السنة في دخوله و الآداب فيه إلي الخروج منه، و ذكر بعده مضمون صحيح ابن بزيع الذي يأتي أنه ظاهر في الاستحباب، كما أنه في المقنع ذكر آداب الخلوة و لم يذكر فيها ترك الاستقبال

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2، 7.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

ص: 30

______________________________

و الاستدبار، ثمَّ بعد كلام طويل قال: «و متي تكشفت لبول أو غير ذلك فقل: بسم اللّه، فإن الشيطان يغض بصره عنك، و سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام:.» إلي آخر ما تقدم في مرفوع محمد بن يحيي.

و قال الشيخ في النهاية: «إذا أردنا أن نبين كيفية الطهارة فالواجب أن نبين آداب ما يتقدمها من الاحداث، ثمَّ نتبعها بذكر كيفيتها و ترتيبها و أحكامها. فإذا أراد الإنسان الحدث فليستتر عن الناس بحيث لا يراه أحد.»، ثمَّ ذكر تقديم الرجل اليسري و التسمية و تغطية الرأس، ثمَّ قال: «و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها إلا أن يكون الموضع مبنيا علي وجه لا يتمكن فيه من الانحراف عن القبلة، و لا يستقبل الشمس و القمر.» إلي آخر ما ذكر من مكروهات الجلوس لقضاء الحاجة و مكانه.

فإن اعتمادهم في بيان حرمة الاستقبال و الاستدبار علي الظهور الأولي للنهي و إغفالهم السياق بعيد جدا.

و لا سيما بعد تصريحهم في عنوان مهم بذكر المكروهات و السنة و الآداب، التي لا إشكال في عدم اختصاصها بالمحرمات و الواجبات، حيث يسقط معه ظهور الأمر و النهي في الوجوب أو الحرمة.

نعم، عبر الصدوق في الهداية بعدم الجواز، إلا أن سياق كلامه يأبي حمله علي التحريم، قال: «و لا يجوز البول في حجور الهوام و لا في الماء الراكد. و لا يجوز أن يطمح الرجل ببوله في الهواء، و لا يجوز أن يجلس للبول و الغائط مستقبل القبلة و لا مستدبرها، و لا مستقبل الهلال و لا مستدبره».

بل استثناء الشيخ قدّس سرّه صورة تعذر الانحراف عن المكان المبني علي القبلة من دون تقييد له بالاضطرار إلي قضاء الحاجة فيه كالصريح في أن الحكم ندبي أدبي يقبل التسامح، كما أنه صرح بالاستثناء المذكور في محكي المبسوط أيضا.

و حمله علي صورة الاضطرار لقضاء الحاجة فيه- كما قد يظهر من المعتبر- بلا شاهد، و حكمه فيه بوجوب الانحراف مع التمكن لا يصلح شاهدا له، مع ملاحظة اضطرابه في المسألة.

بل يبعد ذلك فيما ذكره في الاستبصار من أن من اشتري دارا بني كنيفها

ص: 31

______________________________

علي القبلة جاز له الجلوس عليه، و هو ظاهر التهذيب أيضا من دون أن يصرح فيهما بحرمة الاستقبال.

و مجرد ذكره لبعض الأخبار المتقدمة لا يصلح شاهدا لإمكان حملها عنده علي الكراهة، و لا سيما مع ذكر ذلك في التهذيب شرحا لكلام المفيد قدّس سرّه في المقنعة، الذي هو لو لم يكن ظاهرا في الكراهة فلا أقل من إجماله، حيث قال في محكيها: «و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها، و لكن يجلس علي استقبال المشرق إن شاء أو المغرب. فإن دخل الإنسان دارا قد بني فيها مقعد الغائط علي استقبال القبلة، أو استدبارها لم يضره الجلوس، و إنما يكره ذلك في الصحاري و المواضع التي يتمكن فيها من الانحراف عن القبلة»، و من ثمَّ نسب بعضهم للمفيد الكراهة مطلقا أو في الجملة.

علي أنه قال في التهذيب في الباب المذكور، بعد ذكر جملة أمور منها عدم الاستنجاء بيد فيها خاتم فيه اسم اللّه تعالي: «علي ان ما قدمناه من آداب الطهارة و ليس من واجباتها».

هذا و قد صرح بعض الأصحاب بالاستحباب، فعن ابن الجنيد: «و يستحب للإنسان إذا أراد التغوط في الصحراء أن يجتنب استقبال القبلة، أو الشمس أو القمر أو الريح، بغائط أو بول»، و قال سلار في المراسم: «و هذا الاحداث لها أحكام، و هي علي ضربين: واجب و ندب، فالواجب الاستنجاء للغائط و غسل رأس الإحليل من البول، و الندب علي ضربين: أدب و ذكر، و رتبة الأدب متقدمة، فمن أراد الغائط يطلب ساترا يتخلي فيه، و لا يكون شط نهر. و ليجلس غير مستقبل القبلة و لا مستدبرها، فإن كان في موضع قد بني علي استقبالها أو استدبارها فلينحرف في قعوده. هذا إذا كان في الصحاري و الفلوات، و قد رخص ذلك في الدور، و تجنبه أفضل».

و مع هذا، فلا طريق لمعرفة مذهب قدماء الأصحاب ممن كان يقتصر في بيان الحكم علي ذكر النصوص، حيث لا يبعد فهمهم منها- بقرينة السياق أو غيرها- الكراهة، و قد أودعوها في كتبهم لبيان ذلك، خصوصا مع ظهور ضعف

ص: 32

______________________________

أسانيد كثير منها، كما هو شأن كثير من نصوص المندوبات و المكروهات، لما هو المعلوم من تسامحهم في ذلك جدا.

نعم، لو كان هناك تسالم قطعي علي الوجوب بين المتأخرين عنهم كشف عن وضوح الحكم عندهم بنحو لا مجال معه لمثل هذه الاحتمالات.

و مع هذا كله، كيف يمكن دعوي تسالم قدماء الأصحاب و متأخريهم بنحو ينهض بإثبات الحكم الشرعي، و يستغني به عن النظر في النصوص، بل التأمل في كلمات الأصحاب يمنع من استيضاح تسالمهم في كثير من العصور، و لا يختص الخلاف بمتأخري المتأخرين، كي يرمي بعضهم بالشذوذ أو سوء الطريقة، بل قد يظهر من بعضهم الاضطراب في نقل الأقوال و نسبتها إلي أصحابها.

و لأجل ذلك أطلنا الكلام في نقل الأقوال و العبارات حسب ما تيسر لنا.

و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق.

و أما النصوص فيشكل الاستدلال بها مع ضعف سندها، و عدم وضوح انجبارها بعمل الأصحاب بعد ذهاب كثير منهم للكراهة، لبنائهم علي التسامح في أدلة السنن و الآداب بما لا يتسامحون به في أدلة الوجوب و الحرمة.

و دعوي: استفاضتها بنحو يوثق بصدور بعضها إجمالا.

مدفوعة: بأن ذلك لو تمَّ لا ينفع، لاختلاف مفادها، و ليست كلها ظاهرة في الحرمة.

فمثلا حديث الإمام الكاظم عليه السّلام مع أبي حنيفة لما كان مسبوقا بسؤال أبي حنيفة منه عليه السّلام، عن الموضع الذي يضع فيه الغريب، فمن البعيد جدا أن يكون السؤال عن الموضع الذي يجب اختياره، و يكون الجواب مشتملا علي قيود خمسة لا يجب إلا واحد منها أو اثنان، بل يقطع بملاحظة بعض الأمور المنهي عنها- كشطوط الأنهار- بأن السائل لم يعن الحرمة و لم يفهمها، و لا سيما مع عدم كون السؤال واردا مورد الاستفتاء للعمل، بل للامتحان، فلا بد إما من اختصاص المسؤول عنه بالآداب غير الإلزامية، أو يعم مطلق الآداب إلزامية أو غيرها، و هو يوجب إجمال الجواب و الاقتصار علي المتيقن منه، و هو مطلق المرجوحية.

ص: 33

______________________________

و ما في كلام غير واحد من جواز التفكيك بين الأوامر أو النواهي الواردة في سياق واحد، و أن قيام القرينة الملزمة بحمل بعضها علي الاستحباب أو الكراهة لا يمنع من العمل بظهور الباقي في الإلزام.

إنما يتجه مع احتمال انعقاد ظهور الكلام في الإلزام حين الخطاب به حتي يحتاج الخروج عنه إلي القرينة، لا في مثل المقام مما يعلم أو يطمأن بعدم ظهور الكلام حين صدوره في ذلك، لما ذكرنا أو نحوه.

و منه يظهر الحال في المرفوعين المتقدمين- الذين يظهر من غير واحد من قدماء الأصحاب ممن تقدم نقل كلامه و غيره الاهتمام بهما- حيث تضمنا السؤال عن حدّ الغائط، و من الظاهر أن اشتمالهما علي النهي عن الاستقبال و الاستدبار بالإضافة إلي القبلة و الريح معا يوجب الوثوق بأن الحد المسؤول عنه لا يختص بالحد الإلزامي، بل يعم أو يختص بالحد الراجح المراعاة، نظير قولهم عليهم السّلام: «ما من شي ء إلا و له حد ينتهي إليه» «1».

بل النظر فيما اشتمل عليه حديث المناهي من المكروهات و المستحبات الكثيرة الواضحة الحال خصوصا في أوله، يوجب و هن ظهور النهي فيه في التحريم جدا، خصوصا بعد الالتفات إلي أنه حديث واحد.

فلم يبق إلا حديث الهاشمي و نحوه مما لا يبلغ حدّ الاستفاضة المصححة للاستدلال.

هذا كله، مضافا إلي ظهور الاستحباب من صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع: «دخلت علي أبي الحسن الرضا عليه السّلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة، و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثمَّ ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتي يغفر له» «2»، فإن قوله عليه السّلام: «فانحرف عنها إجلالا

______________________________

(1) الوسائل باب: 57 من أبواب آداب المائدة حديث: 3. و باب: 66 منها حديث: 3. و راجع البحار باب: ان لكل شي ء حدا، و إنه ليس شي ء إلا ورد فيه كتاب أو سنة، و علم ذلك كله عند الامام عليه السّلام مجلد: 1 ص: 114 طبع حجري.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

ص: 34

______________________________

للقبلة و تعظيما لها» ظاهر في كون الداعي للانحراف هو الإجلال و التعظيم، لا تحريم الاستقبال الذي أهم منها و أحق بالداعوية.

و الإنصاف أن سبر نصوص المسألة و كلمات متقدمي الأصحاب (رضي اللّه عنهم) يوجب الوثوق بأن الحكم أدبي، كسائر آداب الخلوة المذكورة في سياقه في النصوص و الفتاوي، كما هو الحال في سائر الآداب المذكورة لدخول المسجد و المائدة و النكاح و السفر و غيرها مما هو كثير جدا في أبواب الفقه، و لا يخطر ببال أحد حمله علي الإلزام، أو دعوي ظهور الخطاب فيه ثمَّ طلب المخرج عنه.

و من القريب جدا كون ظهور البناء علي الحرمة بعد ذلك بين الأصحاب لاستحكام ارتكاز أهمية القبلة الشريفة، المنبه للتشبث بظهور الأمر و النهي في الإلزام بدوا مع الغفلة عن القرائن التي أشرنا إليها.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه: من أن المنع عن الاستدبار لا يناسب كون الحكم أدبيا، لأن الاستدبار لا ينافي الأدب، فهو غير ظاهر.

علي أن مقتضي ما عن كتاب العلل «1» لمحمد بن علي بن إبراهيم القمي أن النهي عن الاستدبار بلحاظ استقبال القبلة بالدبر. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم. و منه نستمد العون و التوفيق.

ثمَّ إن ما تقدم في كلمات بعضهم من التفصيل بين الصحاري و الأبنية، بالحرمة أو الكراهة في الأول دون الثاني، غير ظاهر الوجه بعد إطلاق كثير من نصوص المسألة، و ظهور بعضها في خصوص البناء، و لو لأنه الفرد الظاهر، كالنبويين، لأن التعبير فيهما بالدخول ظاهر في إرادة المكان المعدّ لذلك، و هو يكون في الغالب مبنيا.

نعم، في النبوي المروي عن نوادر الراوندي: «نهي أن يبول الرجل و فرجه باد للقبلة» «2»، حيث قد يدعي اختصاصه بالمكان المنكشف، و تقدم في صحيح ابن بزيع أنه رأي في منزل الرضا عليه السّلام كنيفا مستقبل القبلة.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(2) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

ص: 35

______________________________

لكن، الأول لو أريد به الظهور المقابل للستر- لا الكناية عن أصل الاستقبال- فالاستدلال به مبني علي مفهوم اللقب، فلا يرفع اليد به عما تقدم، و الثاني تضمن قضية في واقعة مجهولة الحال.

و أضعف من ذلك ما تقدم من الشيخين قدّس سرّهما من جواز الجلوس في الكنيف المبني علي القبلة إذا لم يبنه المكلف نفسه، حيث لم يتضح وجهه.

إلا أن يكون أصل الحكم هو الكراهة فيدعي أن مناسبة كونه أدبيا تقتضي القصور عن ذلك أو خفة الكراهة فيه، و لا يخلو عن تسامح.

كما أن اقتصار بعضهم علي الاستقبال، و اقتصار آخرين علي الغائط، لا وجه له بعد ورود النصوص في الجميع. و اقتصار بعضها علي أحدهما- كالمرفوعين و مرسلتي علي بن إبراهيم و الاحتجاج- لا يقتضي الاقتصار عليه بعد استفادة الجميع من كثير منها، و عمل المشهور به فيها. فلاحظ.

بقي في المقام أمور.

الأول: ظاهر إطلاق جمع المنهي عن الاستقبال و الاستدبار إرادة الاستقبال و الاستدبار بالبدن، و هو المصرح به في جامع المقاصد، و محكي مجمع الفوائد، و هو المراد مما في الروضة و كشف اللثام من أنه بمقاديم البدن، و ما في المسالك و عن الروض من أنه علي نحو الاستقبال و الاستدبار في الصلاة.

لكن، عن الموجز و التنقيح الاستقبال و الاستدبار بالفرج، و عن ألفية الشهيد أنه بالعورة.

و لا يبعد ظهوره في الاكتفاء باستقبال العورة- لا اعتبار الاستقبال بالبدن معها- بناء علي أن مفاد باء التعدية مفاد همزتها.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و لعله مراد المشهور، إذ من البعيد التزامهم بعدم الحرمة لو مال بكتفيه عن القبلة إذا كان قد وجه فرجه إليها، و لا يبعد أن يكون هو ظاهر النصوص المتقدمة».

لكن ما ذكره في كلام المشهور و النصوص الناهية عن الاستقبال علي الإطلاق غير ظاهر، لأن إطلاق الاستقبال و الاستدبار للإنسان ينصرف إلي

ص: 36

______________________________

الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن، كما في الصلاة، لا مع الفرج، و لا بالفرج.

و مجرد مناسبة الفرج للمقام لا يقتضي الخروج عن الإطلاق المذكور بعد كون مقتضاه مناسبا أيضا، و لا سيما مع تعذر الاستقبال بالدبر في الوضع المتعارف للتخلي، لكونه معه غالبا إلي الخلف أو الأسفل.

و الاستبعاد المذكور في كلامه ليس بأقوي من استبعاد حمل النصوص و كلام المشهور علي جواز الاستقبال بمقاديم البدن مع حرف الفرج، بل تقدم في صحيح محمد بن إسماعيل حث المستقبل علي الانحراف الظاهر في انحراف بدنه، لا حرفه لفرجه.

و أما النصوص المتضمنة للنهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط، فبعد تعذر الاستقبال بالغائط للجالس الذي- هو الغالب- يتعين حمله علي الاستقبال بالبدن حال التبول أو التغوط، كما هو مفاد الإطلاق.

نعم، ظاهر النبوي المتقدم عن نوادر الراوندي أن المدار علي الاستقبال بالفرج، لكن لا مجال للخروج به عن ظاهر النصوص الأخري مع كثرتها، لضعف سنده و عدم انجباره.

و أما احتمال حرمة الأمرين معا عملا بالكل، فهو موقوف علي حجية النبوي، و علي إبقائه علي ظاهره، فيكون متعرضا لما لم تتعرض له النصوص الأخري، و كلاهما بعيد.

هذا، و قد يدعي إلحاق الاستقبال بالفرج بالاستقبال بالبدن، لمشاركته له في المنافاة لتعظيم القبلة.

لكن في بلوغ ذلك حدا يصلح لإثبات حرمته- لو قيل بها هناك- إشكال.

نعم، يحسن تجنبه لذلك و للنبوي المذكور، و لو لقاعدة التسامح.

ثمَّ ان الظاهر عدم دخل الوجه في الاستقبال و الاستدبار في المقام- كما استظهره في الجواهر و صرح به غيره- لا لعدم توقف صدقهما عليه، لعدم وضوح ذلك، بل لبعد تنزيل النصوص علي خصوص صورة استقامة الوجه مع كثرة انحرافه، و لا سيما مع عدم دخله في الاستهوان بالقبلة، بل المدار فيه ارتكازا علي

ص: 37

______________________________

البدن وحده.

و بهذا يفترق الحال في المقام عن الصلاة التي لا يغلب فيها الانحراف، و يقصد فيها بالاستقبال تعظيم الكعبة، و التوجه له تعالي عن طريقها، حيث لا إشكال في دخل الوجه في ذلك أتم الدخل.

كما أن ظاهر صحيح ابن بزيع الحث في المقام علي الانحراف الظاهر في انحراف تمام البدن، لا خصوص الوجه.

و منه يظهر ضعف ما حكاه في كشف اللثام عن المفيد قدّس سرّه من التصريح بالوجه.

كما لا ينبغي الإشكال في دخل الصدر و البطن و الحقو في الاستقبال و الاستدبار، و لا وجه للاقتصار علي الأولين، كما قد يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره.

و أما الرجلان، فالظاهر إنهما كاليدين غير دخيلين في المقام، لصدق الاستقبال عرفا مع عدم وضعهما علي سمت اتجاه البدن.

و أما ما ذكره السيد الطباطبائي في العروة الوثقي من أن الركبتين من المقاديم الدخيلة في الاستقبال، فمقتضي الجمود عليه لزوم ثني الرجلين و الجلوس علي القدمين، و توجيه الركبتين إلي الامام، لكن لا ينبغي التأمل في عدم إرادته لذلك، لعدم كونه متعارفا حال التخلي، فلا يبعد كون مراده ما ذكرناه من جعل سمت الرجلين حال ثنيهما و بروز الركبتين- مرفوعتين أو موضوعتين أو مختلفين، مستقيمتين أو منحرفتين- باتجاه واحد علي سمت اتجاه البدن.

و كيف كان مراده فهو غير تام، لما ذكرنا من عدم دخل الرجلين في الاستقبال.

الثاني: قال في جامع المقاصد: «و اعلم أن الاستقبال و الاستدبار بالنسبة إلي القائم و الجالس معلوم، أما بالنسبة إلي المضطجع و المستلقي، فإن بلغ بهما العجز إلي هذا الحد فلا بحث في أن الاستقبال و الاستدبار بالنسبة إليهما في التخلي يحال علي استقبالهما في الصلاة، و إلا ففيه تردد»، ثمَّ مال إلي العدم، لاختصاص

ص: 38

______________________________

اعتبارها بحال العجز، و لهذا لو حلف ليستقبلن لم يبرأ بأحد هذه الوجوه.

هذا، و لا يخفي أن الوجوه الأخري المذكورة إن كانت استقبالا عرفيا مشمولا للإطلاق، فلا وجه لتقييد حرمتها بحال العجز عن غيرها، و إلا لم يصلح العجز عن غيرها لتحريمها، لاختصاص دليل بدليتها بالصلاة.

و الظاهر الأول في المضطجع علي أحد الجانبين، كما استظهره في المدارك و مال إليه في الجواهر. و قد تومئ إليه بعض نصوص تشريعه في الصلاة، لعدم ظهورها في بدليته عن الاستقبال، بل بدليته عن القيام و الجلوس مع المفروغية عن صدق الاستقبال فيه.

و دعوي: اختصاص نصوص الاستقبال في المقام بالوضع المتعارف، و هو الجلوس أو القيام. غير ظاهرة بعد إطلاق أكثرها و مناسبة الجهة الارتكازية- و هي التعظيم- للعموم.

و منه يظهر الحال في النذر، حيث يتوقف قصوره عن شمول ذلك علي القرينة الصارفة.

و أما المستلقي فصدق الاستقبال عليه مع توجيه الرجلين إلي القبلة لا يخلو عن إشكال، لما تقدم من أن الاستقبال بالصدر و البطن و الحقو، و الاستقبال بالرجلين لا يحقق استقبال الإنسان عرفا، و لذا لا يعد الواقف مستقبلا للأرض بلحاظ رجليه.

نعم، لو فرض ورود الدليل الخاص في تشريع الاستقبال له تعين حمله علي ذلك دفعا للغوية، لا لصدقه عرفا، و ثبوت ذلك في الصلاة لا ينفع فيما نحن فيه.

و أشكل منه صدق الاستدبار عليه، لأن الظاهر منه الاستقبال بالظهر، و هو غير حاصل.

و منه يظهر ضعف ما في المدارك من صدق الاستقبال و الاستدبار فيه بالمواجهة و مقابلها، و ما في الجواهر من صدقهما عليه، و علي المكبوب بالتعاكس.

ص: 39

______________________________

الثالث: أن الكلام في تحديد القبلة و التوسع فيها ثبوتا هو الكلام في الصلاة، لعدم الفرق بينهما ظاهرا بالنظر إلي إطلاقات الأدلة، و قد يظهر منهم المفروغية عن ذلك، لأن اقتصارهم علي بيان الحكم هنا من دون تعرض للموضوع مع تعرضهم له في الصلاة قد يظهر في تحويلهم فيه إليها، بل هو ظاهر الجواهر و صريح جامع المقاصد.

و كذا الحال في الطرق المنصوبة للقبلة، فإن الظاهر عدم الفرق بين المقام و الصلاة في دليل ذلك.

نعم، يظهر من الجواهر نحو توقف في قيام الاجتهاد و التحري عند عدم غيره مقام اليقين، لتأمله في دليله.

و فيه: أنه يكفي فيه إطلاق صحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» «1» و تخصيصه بالصلاة بلا وجه.

و مثله ما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه من احتمال انصرافه إلي صورة التكليف بالاستقبال.

لاندفاعه: بأن ظاهر الإجزاء فيه ليس إجزاء العمل الواقع مع الظن بالقبلة، بل أجزاء التحري عن معرفة القبلة، و مقتضي إطلاقه أجزاؤه في كل مورد يحتاج إلي معرفتها، و لو لتجنب استقبالها أو استدبارها. فلاحظ.

الرابع: المصرح به في كلام غير واحد كفاية الانحراف اليسير عن القبلة، بحيث لا يصدق معه الاستقبال أو الاستدبار، و لا يعتبر التشريق أو التغريب بجعل القبلة علي اليمين أو اليسار.

و يقتضيه إطلاق صحيح محمد بن إسماعيل المتقدم.

نعم، تقدم في خبر الهاشمي الأمر بالتشريق و التغريب.

لكنه- مع ضعف سنده- لا بد من رفع اليد عنه بعد ظهور سيرة المتشرعة و اتفاق الأصحاب علي عدم وجوب ذلك، عدا ما في المدارك من نسبته إلي بعض

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب القبلة من كتاب الصلاة حديث: 1.

ص: 40

______________________________

المحققين، و في محكي الذخيرة من نسبته إلي بعض المدققين، إذ لا يمكن خفاء مثل ذلك مما يكثر الابتلاء به.

فلا بد إما من حمل الخبر علي الميل إلي المشرق أو المغرب، لترك الاستقبال و الاستدبار، فيكون الأمر عرضيا لا حقيقيا، أو علي الاستحباب.

و أضعف من ذلك الاستدلال للوجوب بما دل علي أن ما بين المشرق و المغرب قبلة «1».

لأن المقطوع به عدم إرادة ظاهره، بل لا بد من تنزيله علي كون ذلك قبلة المتحير، كما قيل، أو لبيان صحة الصلاة إلي ما بين المشرق و المغرب عند انحرافها عن القبلة خطأ، كما تضمنه بعض نصوصه، علي ما يذكر في كتاب الصلاة.

الخامس: لو خرج البول أو الغائط من دون اختيار- كما في المسلوس و المبطون و نحوهما- فلا يبعد عدم حرمة الاستقبال، كما استظهره في الجواهر.

لخروجه عن المتيقن من الأدلة المتقدمة، لظهور أكثرها في إرادة النهي حال التخلي و التبول، لا حال خروج البول و الغائط، كما يناسبه ما في النبويين من النهي حال دخول المخرج أو الغائط، و السؤال في المرفوعين عن حد الغائط، و في المرسل عن كيفية وضع الغريب.

لكن، ذلك مختص بما إذا لم يكن المكلف في مقام أن يلقي ما يخرج منه في مكانه الذي يريده له و يتهيأ لخروجه، و إلا دخل في الأدلة المتقدمة.

اللهم إلا أن يدعي أن المتيقن من أكثرها الكناية عن التخلي و التبول اللذين هما من وظائف الجسم الطبيعية و المتقومان بالدفع الإرادي العضلي، لا مطلق خروج البول و الغائط ليشمل المقام.

نعم، مقتضي بعض النصوص العموم حتي لصورة عدم التهيؤ أيضا، مثل ما تضمن النهي عن الاستقبال ببول أو غائط.

إلا أن يستشكل في عمومه بعد حمله- كما تقدم في الأمر الأول- علي إرادة

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة من كتاب الصلاة.

ص: 41

______________________________

النهي عن الاستقبال حال خروجهما، حيث لا يبعد قصوره عن الخروج بالنحو المذكور.

مضافا إلي ضعف سنده و عدم وضوح انجباره، فلا مجال للخروج به عن مقتضي الأصل، و إن حسن الاحتياط بالترك لأجله.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا في توجيه الجواز في المقام من أنه لما كان مفاد النصوص تحريم التغوط و التبول حال الاستقبال و الاستدبار، لا تحريم الاستقبال و الاستدبار حالهما، فمع فرض سلب الاختيار بالإضافة إلي نفس التغوط و التبول يتعين سقوط حرمتهما، و لا مجال حينئذ لحرمة نفس الاستقبال و الاستدبار، و إن كانا مقدورين لعدم حرمتهما ذاتا.

ففيه- مع ظهور الأدلة في حرمة الاستقبال و الاستدبار حال التخلي و التبول، لا العكس- أن خروج أصل التغوط و التبول عن الاختيار لا ينافي كون الحرام منهما و هو المقيد بالاستقبال و الاستدبار اختياريا باختيارية قيده.

و لذا لا يظن منه التوقف في حرمة الاستقبال و الاستدبار لو اكره علي أصل التخلي أو التبول.

السادس: دخل المكلف باستقبال الغير.

تارة: يكون بوضعه له علي القبلة من دون اختيار من المتخلي و اخري: بإعانته عليه مع اختيار المتخلي.

و ثالثة: بإيهامه فيه حكما أو موضوعا.

و رابعة: يكون بعدم منعه منه.

أما في الأولي فلا ينبغي الإشكال في الحرمة مع تكليف المتخلي و التفاته، لاستفادته مما دل علي وجوب الردع عن المنكر و حرمة حبه و الرضا به بالأولوية، لأن الإجبار علي المنكر أولي بالحرمة من التشجيع عليه، فضلا عن ترك الردع عنه.

و خروجه عن المنكر في حق المباشر بالإجبار لا يسوغ الإجبار ارتكازا.

و أما مع تكليف المتخلي و غفلته فهو لا يخلو عن إشكال، لعدم الدليل علي

ص: 42

______________________________

عموم حرمة التسبيب للحرام الواقعي مع عدم تنجزه.

و أولي منه بالإشكال ما إذا لم يكن المتخلي مكلفا، كالطفل، لعدم التسبيب للحرام الفعلي حينئذ.

اللهم إلا أن يدعي أن ارتكاز كون منشأ الحكم تعظيم القبلة التي هي من شعائر الدين يقتضي اهتمام الشارع به، بنحو لا يرضي بالتسبيب إليه بالوجه المذكور، و لو مع عدم تكليف المتخلي نفسه، فضلا عما لو كان مكلفا غافلا.

لكن، هذا إنما يتم في توهين القبلة و نحوها بالوجه العرفي الظاهر، لا في مثل المقام، مما كان الملحوظ نحوا من التوهين لا يدركه العرف، بل الشارع، فان اللازم متابعة دليله، و لا مجال لحصول العلم بالحرمة بدونه.

و أشكل من ذلك احتمال عموم أدلة المقام له.

نعم، قد يتوهم ذلك في مثل قولهم عليهم السّلام: «لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول» «1».

و يظهر ضعفه مما تقدم في الأمر الأول من أن المراد به الاستقبال حال البول و الغائط، و هو ظاهر في حرمة الاستقبال علي نفس المتغوط و المتبول، لا حرمة الاستقبال بهما علي غيرهما. فلاحظ.

و منه يظهر الحال في الثانية، فإن الإعانة أخف من التسبيب بالوجه المذكور، و لا دليل علي عموم حرمة الإعانة علي الحرام، بل الثابت حرمة التعاون لا غير، إلا أن يكون في الإعانة تشجيع علي الحرام، فتحرم لأن وجوب الردع عن المنكر يقتضي حرمة التشجيع عليه بالأولوية.

و أما الثالثة فلا إشكال في حرمته مع الكذب مطلقا، و بدونه في الشبهة الحكمية، لما دل علي وجوب بيان الأحكام الشرعية، فضلا عن حرمة التضليل فيها.

و أما في الشبهة الموضوعية فلا مجال للبناء علي الحرمة، لعدم الدليل علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 43

حال التخلي، و يجوز حال الاستبراء و الاستنجاء (1)،

______________________________

وجوب بيان الموضوعات.

و إشكال التسبيب هنا أخف منه في الصورة الأولي.

و أما في الرابعة فلا إشكال في حرمته مع تكليف المتخلي و تعمده، لوجوب النهي عن المنكر، و كذا مع جهله بالحكم، لوجوب بيان الأحكام.

و أما في غير ذلك فلا موجب للردع إلا ما أشرنا إليه من مناسبة تعظيم القبلة لاهتمام الشارع بمنع وقوعه من كل أحد، و إن لم يكن مكلفا، فضلا عما لو كان مكلفا غافلا.

و يظهر ضعفه مما تقدم.

ثمَّ إن الكلام في الصور المذكورة مختص بما إذا لم يكن الأمر مبنيا علي الاستئمان.

أما لو استأمن المكلف شخصا علي نفسه لتوجيهه أو إرشاده، فالظاهر حرمة تفريطه في حقه حينئذ في جميع الصور المتقدمة، عملا بمقتضي الأمانة.

السابع: يشكل عموم الحكم لما إذا خرج البول أو الغائط من غير المخرج الطبيعي، و إن صار معتادا، لعدم ثبوت إطلاق يقتضي حرمة الاستقبال و الاستدبار، أو كراهتهما حال خروج البول و الغائط، بل المتيقن- كما تقدم في الأمر الخامس- حرمتهما حال التبول و التغوط، اللذين هما من وظائف الجسم الطبيعية، و هما غير صادقين في الفرض.

نعم، لو فرض صدقهما بأن كان الخروج مستندا إلي دفع إرادي لم يبعد عموم الحكم. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) كما استظهره في الجواهر، و في المدارك أنه المستفاد من كلام الأصحاب، لقصور النصوص عنهما.

و في المدارك و ظاهر كشف اللثام، و عن الذخيرة و الدلائل احتمال إلحاق

ص: 44

______________________________

حال الاستنجاء بحال التخلي، و عن الذكري التردد فيه.

لموثق عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط، قال: و إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه، و ليس عليه أن يغسل باطنه» «1».

و فيه: أن ظاهره أو المتيقن منه إرادة الكيفية من حيثية بدن المتخلي نفسه، و من المعلوم عدم إرادة الوجوب منه، بل الاستحباب، أو الترخيص في قبال ما حكي عن العامة من القول باستحباب أو وجوب تفريج الرجلين أو الاسترخاء، كما قد يشير إليه ذيله. و به صرح في محكي كاشف الغطاء قدّس سرّه.

و لا مجال لحمله علي خصوص هيئته من حيثية أمر خارج عن بدن المتخلي، كالقبلة، ليمكن حمله علي الوجوب، لاحتياجه إلي عناية زائدة لا إشعار بها في الكلام.

و أما الاستدلال لحرمة الاستقبال و الاستدبار في حال الاستنجاء، بل الاستبراء بإطلاق ما تضمن حرمتهما في حال دخول الغائط أو المخرج مما تقدم، لشموله للحالين المذكورين.

فيندفع: - مع ضعف السند و عدم ظهور الانجبار- بأنه لا مجال للجمود علي عنوان الدخول، ليتجه التمسك بإطلاقه، للعلم بعدم دخله في الحرمة، بل لا بد من حمله علي الكناية عن بعض ما يقع حينه، و المتيقن منه التخلي و التبول، و ليس هو من تقييد الإطلاق، بل اقتصار علي المتيقن من المدلول.

نعم، لو فرض العلم بخروج شي ء من البول حين الاستبراء فقد يدعي دخوله في إطلاق الأدلة، كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره.

و إن كان لا يخلو عن إشكال، لما تقدم في الأمر الخامس و السابع من أن المتيقن منه حرمة الاستقبال و الاستدبار حال التبول و التغوط، لا حال خروج البول و الغائط، و الصادق في محل الكلام الثاني، لا الأول.

______________________________

(1) الوسائل باب: 37 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1

ص: 45

و إن كان الأحوط استحبابا الترك (1). و لو اضطر إلي أحدهما فالأقوي اجتناب الاستقبال (2).

______________________________

و أما ما قد يظهر من بعض مشايخنا من أن عدم الصدق لقلة الخارج. فهو غير ظاهر.

و من جميع ما تقدم يظهر الوجه فيما ذكره في الجواهر من عدم حرمة الاستقبال و الاستدبار حال خروج أمر غير البول و الغائط، كماء الاحتقان و الديدان مع الخلوص عنهما.

(1) خصوصا حال الاستبراء مع العلم بخروج شي ء من المجري، و من بعده حال الاستنجاء، كما يظهر مما سبق.

بل الأحوط الاجتناب أيضا حال خروج مثل ماء الاحتقان، إذا كان بدفع إرادي علي نحو خروج الغائط.

(2) كما في المدارك و الجواهر، و في المسالك أنه الأولي.

و علله في الجواهر بأنه أعظم قبحا، لكنه موقوف علي كون الملاك هو القبح العرفي، و هو غير ظاهر.

نعم، لا إشكال في كون ذلك- مع كثرة نصوص الاستقبال- موجبا لاحتمال أهميته الملزم عقلا بمراعاته، كما في سائر موارد التزاحم بين التكليفين في مقام الامتثال.

و منه يظهر ضعف ما في المستند و العروة الوثقي من التخيير في المقام.

لكن، ذكر بعض مشايخنا أن ذلك يتم لو كان دليل حرمة الاستقبال و الاستدبار الأخبار، أما لو كان دليلها الإجماع، فالدوران في المقام بين التعيين و التخيير في مقام الجعل الذي يكون المرجع فيه البراءة علي مختاره، بل لعله الظاهر.

إذ ليس للإجماع إطلاق يشمل حال الاضطرار إلي أحد الأمرين، فيدور الأمر فيه بين حرمة خصوص الاستقبال تعيينا، و حرمة أحدهما تخييرا.

ص: 46

مسألة 1 لو اشتبهت القبلة لم يجز له التخلي

(مسألة 1): لو اشتبهت القبلة (1) لم يجز له التخلي (2)، إلا بعد اليأس (3) عن معرفتها (4)، و عدم إمكان الانتظار (5).

______________________________

و لا يخفي أنه لو تمَّ ما ذكره كان الدوران في المقام بين تحريم الاستقبال تعيينا و عدمه لا غير، الذي لا إشكال معه في الرجوع للبراءة، إذ يلغو تحريم الاستقبال و الاستدبار تخييرا مع تعذر الجمع بينهما.

نعم، الظاهر عدم تمامية ما ذكره، إذ لو تمَّ الإجماع فالمعلوم من حال المجمعين ذهابهم إلي تمامية ملاك الحرمة تعيينا في كل من الأمرين، حتي في حال تعذر اجتنابهما معا، فليس الشك في الجعل، بل في صلوح متابعة كل من الجعلين للعذر عن امتثال الآخر، و حيث يعلم بكون متابعة محتمل الأهمية عذرا عن الآخر، و لا يعلم العكس، تعيين التحفظ علي محتمل الأهمية عقلا للشك في وجود العذر المسوغ لمخالفته، كما لو احتمل العجز عنه. فلاحظ و تمام الكلام في مباحث التزاحم.

و قد ظهر مما تقدم الوجه فيما في المدارك و الجواهر من تقديم ستر العورة عن الناظر، عند الدوران بين كشفها و بين الاستقبال أو الاستدبار، و في المسالك أنه الأولي، فإن الرجوع لنصوص الستر و مرتكزات المتشرعة إن لم يوجب القطع بأهميته فلا أقل من احتمالها.

(1) يعني: بنحو يتعذر معه الاحتياط، بأن تردد بين تمام نقاط الدائرة أو بين نقاط نصفها.

(2) بناء علي حرمة الاستقبال و الاستدبار حاله، أما بناء علي الكراهة فيرجح ترك التخلي لا غير.

(3) تجنبا عن احتمال مخالفة التكليف بالإجمال من دون مسوغ.

(4) و لو بالرجوع للأمارات الخاصة، و منها التحري، كما سبق في الفرع الثالث.

(5) و إلا وجب حذرا من مخالفة العلم الإجمالي المذكور. و المراد بعدم

ص: 47

______________________________

الإمكان ما يعم الحرج.

هذا، و قد استقرب في المدارك سقوط الحكم عند اشتباه القبلة، للشك في المقتضي، فلا مجال لفرض العلم الإجمالي.

لكنه خروج عن الإطلاق بلا وجه.

و دعوي: أن مناسبة كون الحكم مبنيا علي إجلال الكعبة تقتضي اختصاصه بصورة العلم بها، إذ استقبالها مع الجهل لا ينافي أجلالها.

مدفوعة: بأنه لإيراد بالإجلال ما يتقوم بالقصد، بل ما ينشأ من منافاة العمل لكرامتها بنظر الشارع، و لا يعلم اختصاص ذلك بصورة العلم بها.

و علي هذا، فلو تعذرت معرفتها، و تعذر الاحتياط- لسعة جهة التردد و عدم إمكان الاحتياط- كان المقام من موارد تعذر الموافقة القطعية الموجب للتنزل للموافقة الاحتمالية.

بل يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز، لعدم الأثر له بعد تعذر المخالفة القطعية أيضا، لأن خروج كل جزء من البول و الغائط لا بد أن يكون إلي جهة واحدة، و لكل منها تكليف مستقل، فيتعين التخيير نظير موارد الدوران بين محذورين، بل هو منها.

و أما دعوي: ظهور الأثر للعلم الإجمالي في كون التخيير ابتدائيا مع تعدد المرات، بل في المرة الواحدة بلحاظ أجزائها، فلا يجوز الدور بالبول في تمام الجهات، فرارا من المخالفة القطعية.

فهي مدفوعة: بأنه لا محذور في المخالفة الإجمالية القطعية في مثل ذلك، لتحقق الموافقة القطعية معها بنسبتها.

و دعوي: أهمية المخالفة القطعية من الموافقة القطعية، و لذا يمتنع ترخيص الشارع فيها، بخلاف الموافقة القطعية، حيث يمكن ترخيصه في تركها.

ممنوعة، لعدم الفرق بينهما ارتكازا في تفويت الغرض.

و امتناع الترخيص الشرعي في المخالفة القطعية في ظرف القدرة علي تجنبها ليس لأهميتها، بل للغوية التكليف معه، فلا ينافي الترخيص العقلي في

ص: 48

______________________________

المقام بلحاظ التزاحم بينها و بين الموافقة القطعية بعد فرض عدم بيان الشارع.

و من ثمَّ ذكرنا في مبحث الدوران بين المحذورين أن التخيير استمراري.

هذا، و أما ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من عدم حصول الموافقة القطعية في المقام، إذ ليس في البول لغير القبلة موافقة لتكليف شرعي.

فيدفعه: أن الموافقة ليست في البول لغير القبلة، بل في ترك البول للقبلة الحاصل في المقام بالإضافة إلي بعض المرات أو بعض أجزاء المرة الواحدة.

علي أنه يكفي في التخيير دوران الأمر بين المخالفات الاحتمالية الكثيرة و المخالفات القطعية القليلة، لعدم الفرق بينه و بين ما ذكرنا في ملاك الحكم.

ثمَّ إن السيد في العروة الوثقي مع حكمه بالتخيير الاستمراري مع تعدد المرات منع من الدور بالبول في المرة الواحدة.

و فرق بعض مشايخنا بينهما بتعدد الواقعة في الأول، فيبتني علي منجزية العلم الإجمالي التدريجي، و وحدة الواقعة في الثاني، حيث لا إشكال معها في منجزية العلم الإجمالي.

و فيه: أن العلم الإجمالي بالإضافة إلي أجزاء المرة الواحدة تدريجي أيضا.

فلا فرق بين المقامين.

نعم، لو لم يعلم من أول الأمر بابتلائه بالمرات المتعاقبة كانت كل مرة واقعة مستقلة لا أثر للعلم الإجمالي بالمخالفة فيها أو فيما سبقها، لخروج المرات السابقة عن الابتلاء.

بقي شي ء: و هو ان امتناع الاحتياط مبني علي تحقق الاستقبال و الاستدبار بجميع الهيآت، أما بناء علي ما سبق في الأمر الثاني من عدم تحققه من المستلقي و المكبوب، فاللازم اختيارهما تجنبا عن المخالفة الاحتمالية، لو لا ما هو الغالب من لزوم الحرج منهما الملحق لهما بالتعذر.

بل من القريب جدا عدم وجوبهما حتي مع عدم الحرج، لبعد تكليف الشارع بهما جدا.

و إن كان الخروج عن الإطلاق بمثل ذلك مشكل.

ص: 49

مسألة 2 لا يجوز النظر إلي عورة غيره من وراء الزجاجة و نحوها و لا في المرآة

(مسألة 2): لا يجوز النظر إلي عورة غيره من وراء الزجاجة و نحوها (1)، و لا في المرآة (2)،

______________________________

(1) كما صرح به في العروة الوثقي و وافقه جملة من شراحها و محشيها.

و يقتضيه إطلاق أدلة حرمة النظر إلي العورة و وجوب سترها. لصدق النظر و عدم صدق الستر مع ذلك.

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من قصور لفظ الأدلة عن شموله، غير ظاهر.

(2) كما صرح به في العروة الوثقي و وافقه جملة من شراحها و محشيها.

و استدل له شيخنا الأستاذ قدّس سرّه بصدق النظر إلي العورة عرفا.

و فيه: أن الصادق عرفا هو النظر إلي عكسها و صورتها المنطبعة، لا إلي عينها الذي هو مورد الأدلة.

و إطلاق النظر إلي العورة مبني علي نحو من المجاز و التسامح لا مجال لحمل الأدلة عليه.

و مثله ما ذكره بعض مشايخنا من ابتنائه علي كون الرؤية فيها بخروج الشعاع و انكساره إلي المرئي، و أن المشاهد في المرآة نفس العين لا صورتها.

فإن ذلك لو ثبت فهم أمر حقيقي دقي، لا عرفي، كي تنزل عليه الأدلة و يدخل في إطلاقها.

فلا بد في إثبات الحرمة في المقام إما من دعوي أن المفهوم عرفا من الأدلة ما يعمه- كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- لصعوبة التفكيك عرفا بين النظرين بملاحظة المناسبات الارتكازية للحكم، فلا بد من حمل الأدلة علي ما يعمهما.

أو دعوي: وحدة المناط الملزم بالإلحاق و إن قصرت الأدلة.

و الانصاف أن البناء علي الحرمة قريب جدا. و إن كان الدليل عليها مشكلا.

ص: 50

و لا في الماء الصافي (1).

مسألة 3 لا يجوز التخلي في ملك غيره إلا بإذنه

(مسألة 3): لا يجوز التخلي في ملك غيره (2) إلا بإذنه (3)، و لو بالفحوي (4).

______________________________

ثمَّ إن هذا مختص بما يعكس الحجم، دون مثل الظل و الصور الفتوغرافية المعروفة في زماننا، و إن أمكن النظر إليها بالعينات الموهمة للحجم. للقطع بقصور الأدلة عن ذلك، و لا طريق لإحراز المناط فيه. بل الأمر كذلك في الصور ذات الحجم لو فرض ثبوتها و عدم تحركها كتحرك صورة المرآة. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(1) الظاهر أن المراد به الصورة المنعكسة في الماء الصافي، الذي هو نظير المرآة، فيلحقه ما تقدم فيها إذا كان الانعكاس فيه بنحو يوجب ظهور البشرة، لا خصوص الحجم.

و لا يريد به النظر إلي العورة حال كونها في الماء الصافي، الذي هو نظير النظر من وراء الزجاجة، و يلحقه ما تقدم فيه.

(2) لعموم حرمة مال المسلم المستفادة من كثير من النصوص، و منها ما يأتي.

(3) لمثل التوقيع الشريف: «فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه» «1».

(4) قال في المدارك: «المعهود من اصطلاحهم أن دلالة الفحوي هي مفهوم الموافقة، و هو التنبيه بالأدني علي الأعلي، أي كون الحكم في غير المذكور أولي منه في المذكور باعتبار المعني المناسب المقصود من الحكم».

و في الجواهر: «الفحوي عند متشرعة العصر ليست إلا حصول القطع بالرضا بسبب صدور فعل من المالك أو قول لم يكن المقصود منه بيان الرضا في المراد،

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 6.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 52

ص: 51

______________________________

أو غيرهما، بلا مراعاة أولوية و مساواة و نحوهما من أسباب القطع».

و الظاهر أن الثاني هو مراد سيدنا المصنف قدّس سرّه، لظهور كلامه في إرادة بيان أخفي أفراده الاذن، و ليست الفحوي بالمعني الأول كذلك. بل الظاهر أن المراد به ما يعم الرضا التقديري، الراجع إلي كون المالك بحيث لو التفت لرضي، و لا يضر عدم رضاه لغفلته عن الموضوع.

و يكفي في جواز التصرف بذلك ظهور التسالم عليه بين الأصحاب. و ما هو المعلوم من سيرة المتشرعة.

بل يرون التوقف عن التصرف مع ذلك لأجل عدم الاذن الصريح من سنخ الوسواس أو الجمود، لا أنه مقتضي التحرج في الدين الذي هو من أجل الأمور خطرا و أحسنها أثرا.

بل لعل سيرتهم علي ذلك تبلغ حدا يستوجب مخالفته الهرج و المرج أو اختلال النظام.

و يقتضيه مع ذلك الجمع بين الأدلة، فإن النصوص بين ما هو ظاهر في اعتبار الاذن، كالتوقيع المتقدم، و ما هو ظاهر في اعتبار طيب النفس، مثل ما رواه زيد الشحام في الصحيح، و سماعة في الموثق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها إلي من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه» «1».

و حيث كان الاذن كاشفا عن طيب النفس كان مقتضي الجمع بين الدليلين رفع اليد عن ظهور دليل الاذن في موضوعيته و حمله علي كون ذكره لطريقيته للموضوع، و هو طيب النفس.

كما أنه لا بد من حمل طيب النفس في دليله علي ما يعم الرضا التقديري، لوضوح أن ذلك هو القابل للبقاء و المستكشف بالإذن، لأن الرضا الفعلي و إن كان قابلا للحدوث و عنه يصدر الإذن، إلا أنه يعلم بارتفاعه بطروء الغفلة أو النوم،

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1. و باب: 1 من أبواب القصاص حديث: 3.

ص: 52

______________________________

و ليس الباقي إلا الرضا الشأني، و إليه يستند التصرف بعد ذلك، لا إلي الرضا الفعلي السابق، لعدم الأثر له ارتكازا، و لظهور دليل طيب النفس في لزوم مقارنته للتصرف، و لذا يسقط أثر الاذن و الرضا بالعدول، و بسقوط المالك عن قابلية الرضا بجنون و نحوه.

نعم، لو توقف طيب النفس علي أمر زائد علي التفات المالك للموضوع، كما لو اعتقد خطأ بعداوة المتصرف، و كان بحيث لو انكشف له الحال لرضي بتصرفه أشكل جواز التصرف، لخروجه عن المتيقن من الأدلة المتقدمة.

و أظهر من ذلك ما لو التفت إلي الموضوع فلم يرض لخطئه في اعتقاد ما يمنع منه كعداوة المتصرف. بل لا ريب في التصرف حينئذ لصدق عدم طيب النفس فعلا.

هذا، و قد ورد في بعض كلماتهم في نظير المقام الاكتفاء بشاهد الحال.

و حمله علي خصوص صورة حصول العلم بالرضا منه بعيد عن ظاهرها.

قال في الشرائع في مبحث مكان المصلي: «و الاذن قد يكون بعوض. أو بالفحوي. أو بشاهد الحال، كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره».

و حكي عن بعضهم حمله علي الاطمئنان.

و الوجه فيه غير ظاهر بناء علي عدم حجية الاطمئنان في نفسه، كما هو غير بعيد. بل لا إشكال في بطلانه لو حمل علي مطلق الظن.

نعم، لا يبعد البناء علي الاكتفاء بظهور فعل المالك إذا كان لفعله ظهور عرفي في الاذن، نظير فتح المضيف و تمكين الناس من قضاء و طرهم فيه و فيما يتعلق به، لحجية ذلك عرفا نظير حجية القول.

و لعل ذلك هو مراد الشرائع، لجعله ذلك من أفراد الاذن، بخلاف الأمارات التي لا تستند إلي المالك و إن أوجبت الاطمئنان، فضلا عن مطلق الظن. و قد أطال في الجواهر في ذلك في أوائل مبحث لباس المصلي. فراجع.

هذا، و لا يبعد الجواز في الأراضي المتسعة، كالصحاري و البساتين غير المحجبة و إن لم يحرز رضا المالك، بل و إن لم يكن المالك أهلا للإذن للحجر عليه

ص: 53

مسألة 4 لا يجوز التخلي في المدارس و نحوها ما لم يعلم بعموم الوقف

(مسألة 4): لا يجوز التخلي في المدارس و نحوها (1) ما لم يعلم بعموم الوقف (2).

______________________________

إذ لم يكن التخلي مضرا بها، بأربابها لسيرة المتشرعة عليه، كما يذكر في مباحث الوضوء و الصلاة.

نعم، المتيقن من ذلك ما إذا لم يحرز عدم رضا المالك أو وليه. و يأتي في المسألة السابعة و الستين في فصل شرائط الوضوء تمام الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

(1) يعني: من الأوقاف.

(2) كما صرح به في العروة الوثقي، و تبعه جملة من شراحها و محشيها.

و العمدة فيه أن المستفاد من الأدلة إناطة جواز التصرف في الوقف بدخوله في الجهة الموقوف عليها و لو إجمالا أو تبعا، لما هو المعلوم من أن المال المملوك محترم يناط أمره بمالكه، فجواز التصرف بعد الوقف ناشئ من نفوذ الوقف المترتب علي سلطان المالك و المستند إليه. لا أن حرمة التصرف مشروطة بخروجه عن الجهة الموقوف عليها.

و حينئذ يكون استصحاب عدم دخول التصرف في الجهة الموقوف عليها منقحا لموضوع حرمة التصرف. و لا يعارضه استصحاب عدم خروجه عنها، لعدم الأثر له.

و أما أصالة الحرمة في الأموال فقد تقدم في مبحث اشتباه المباح بالمغصوب عدم الدليل عليها.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال فيما ذكره السيد الأصفهاني قدّس سرّه و غيره من تقريب الجواز مع عدم المزاحمة لجهة الوقف و عدم إحراز منع الواقف من التصرف. قال:

«لا يبعد الجواز إذا لم يزاحم الطلبة و لم يحرز أن الواقف شرط أن لا يتخلي فيها غيرهم، و كذا الحال في التصرفات الأخر».

فإن الالتزام بجواز التصرف لمن لم يدخل في الوقف مع عدم مزاحمته

ص: 54

و لو أخبر المتولي (1)

______________________________

لجهة الوقف بعيد جدا مناف لما أشرنا إليه من ارتكاز كون الوقف هو المسوغ للتصرف لا مانع منه، فما لم يشمل التصرف لا يسوغه.

(1) لكونه صاحب يد، فيقبل قوله فيما تحت يده. قال سيدنا المصنف قدّس سرّه:

«لكن عرفت تقييده بالائتمان».

و كأنه أشار بذلك إلي ما ذكره في مباحث المياه عند الكلام في ثبوت نجاسة الماء بقول صاحب اليد من ظهور بعض النصوص في اعتبار عدم الاتهام في قول صاحب اليد، كصحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ علي الثلث و أنا أعرف أنه يشربه علي النصف، أ فأشربه بقوله و هو يشربه علي النصف؟ فقال: لا تشربه. قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه علي الثلث و لا يستحله علي النصف يخبرنا أن عنده بختجا علي الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال:

نعم» «1». و نحوه صحيح عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يهدي إليه البختج من غير أصحابنا. فقال: إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه، و إن كان ممن لا يستحل فاشربه» «2».

لكن لا يخفي أنهما مختصان بالبختج، و قد ورد في صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال إذا شرب الرجل النبيذ المخمور فلا تجوز شهادته في شي ء من الأشربة و إن كان يصف ما تصفون» «3». و ظاهره خصوصية الأشربة في الحكم.

علي أن عدم قبول قول صاحب اليد في مثل الطهارة و النجاسة و الحرمة- مما لا دخل له بالسلطنة و الاستحقاق- لا يوجب رفع اليد عن ارتكاز حجيته فيما تكون اليد حجة فيه من شؤون الاستحقاق و السلطنة، كما في المقام، و كما لو أخبر

______________________________

(1) الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.

ص: 55

أو بعض أهل المدرسة بذلك كفي (1). و كذا الحال في سائر التصرفات فيها.

______________________________

الوكيل بإذن المالك في التصرف، أو باستحقاق شخص للمنفعة بإجارة أو شرط، إلي غير ذلك.

فالبناء علي عموم قبول خبره هو الأنسب بمقتضي السيرة الارتكازية علي قبول قول صاحب اليد فيما هو من شئون الاستحقاق و السلطنة عما ما تحت يده.

و مثله قبول إذنه إذا احتمل سلطنته علي ذلك، لإناطة الواقف التصرف به، و كان مبنيا علي إعمال سلطنته. لحجية اليد علي السلطنة.

و تقييده بالائتمان- كما قد يظهر منه قدّس سرّه- أشكل، بعد اختصاص النص المتقدم بالإخبار.

و أشكل منه ما في بعض حواشي العروة الوثقي من تقييده بما إذا حصل الوثوق و الاطمئنان بأن له ذلك.

هذا، و أما الاكتفاء منه بالرضا الباطني الفعلي أو الشأني من دون إذن فهو موقوف علي عموم الوقف لذلك، إذ لو اشترط الواقف إذن المتولي لم يكف ذلك، لعدم صدق الاذن معه.

نعم، لا يبعد الاكتفاء بشاهد الحال المستند إلي ظهور فعل منه، مثل فتحه الباب و تمكينه الناس مع قدرته علي المنع و نحو ذلك، لقرب صدق الاذن معه عرفا، نظير ما تقدم من الاكتفاء بشاهد الحال من المالك.

(1) لم يتضح الوجه في حجيته إذا لم يكن صاحب يد، و ليس هو إلا كسائر المخبرين. و مجرد جواز التصرف له، لكونه داخلا في الوقف لا يجعله صاحب يد.

ثمَّ إنه استظهر في العروة الوثقي الاكتفاء بجريان العادة علي التصرف، و تبعه جملة من محشيها.

و هو في محله لو استلزمت العادة الشياع القطعي بأن يبتني تصرف الناس علي دعوي عموم الوقف، أو كشفت عن حجة علي الجواز و إن احتمل خطؤها،

ص: 56

______________________________

كما لو علم من حال الوقف أن تلك العادة لا تجري فيه لو لم يأذن المتولي. أو رجعت إلي ثبوت يد نوعية لهم عليه، بأن يتصرفوا في الوقف علي أنهم أهله و مستحقوه المسيطرون عليه، نظير تصرف بعض القبائل في بعض الدور آخذين له يدا عن يد و إن لم يختص واحد منهم به بشخصه، لعدم الفرق في حجية اليد بين الشخصية و النوعية.

بل الثانية ترجع إلي الأولي، لوضوح رجوعها إلي بناء الأشخاص أصحاب اليد علي استحقاق النوع لما تحت أيديهم، فإن صاحب اليد الشخصية يقبل قوله في تعيين المستحق، و لا يختص قبول قوله بما إذا ادعي اختصاصه بالاستحقاق.

و أما مجرد العادة التي يحتمل ابتناؤها علي التسامح، لعدم المباشر لشؤون الوقف و حفظه، أو عجزه عن المنع فلا طريق لإثبات حجيتها.

و الحمل علي الصحة لا يقتضي ذلك بنحو يثبت الاستحقاق. و قد صرح بذلك سيدنا المصنف قدّس سرّه في حاشيته علي العروة الوثقي و شرحه لها، و غيره.

ص: 57

ص: 58

الفصل الثاني: في الاستنجاء

اشارة

الفصل الثاني يجب غسل موضع البول (1)

______________________________

(1) المراد بالوجوب في المقام إما التكليفي أو الوضعي، لبيان توقف طهارة المحل علي الغسل.

أما الأول فلا يراد منه الوجوب النفسي، لعدم بنائهم ظاهرا عليه، بل ظاهر الجواهر المفروغية عن عدمه، بل الغيري مقدمة لما يعتبر فيه الطهارة، و منه الصلاة علي ما يذكر في محله.

و في الخلاف و عن التذكرة و إحقاق الحق دعوي الإجماع علي وجوب الاستنجاء، و في الجواهر: «إجماعا منقولا و محصلا، بل هو من ضروريات مذهبنا» خلافا لما عن أبي حنيفة من استحبابه.

قال في مفتاح الكرامة: «و من قال من أصحابنا بالعفو عما دون الدرهم من النجاسات لعله يستثني هذا لمكان الإجماع».

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك و إلي عموم مانعية النجاسة من الصلاة و نحوها- صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لا صلاة إلا بطهور. و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و أما البول فإنه لا بد من غسله» «1» و صحيح ابن أذينة: «ذكر أبو مريم الأنصاري أن الحكم بن عيينة بال يوما و لم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 59

______________________________

بئس ما صنع، عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته، و لا يعيد وضوءه» «1» و نحوهما غيرهما.

نعم، النصوص في صحة الصلاة مع نسيان الاستنجاء مختلفة. و يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالي عند الكلام في الصلاة في النجس في المسألة الخامسة و الثلاثين من مبحث الطهارة من الخبث.

هذا، و المشهور عدم بطلان الوضوء بترك الاستنجاء، لغير واحد من النصوص، و منها ما تقدم، خلافا للصدوق في الفقيه و المقنع، و يشهد له موثق سماعة: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم ترق [تهرق. خ. ل] الماء و نسيت أن تستنجي فذكرت بعد صليت فعليك الإعادة، و إن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتي صليت فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك، لأن البول مثل البراز» «2» و قريب منه في ذلك صحيح سليمان بن خالد «3» و موثق أبي بصير «4».

لكن يتعين حملها علي الاستحباب جمعا، بل احتمل في الوسائل حملها علي التقية، و لعله الأنسب بإعراض الأصحاب.

و أما الثاني فهو المدعي عليه الإجماع في كتب كثيرة، كالانتصار و الخلاف و الغنية، و محكي التذكرة و النهاية و شرح الموجز و الروض و المجمع و الدلائل و الذخيرة و المفاتيح، و في المعتبر و عن المنتهي نسبته إلي علمائنا.

و كأنه لأجل هذا الإجماع خرج السيد المرتضي قدّس سرّه عما هو المعروف عنه من الاكتفاء في التطهير بكل ما يزيل عين النجاسة، علي ما تقدم في الماء المضاف.

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك، و إلي ما تقدم في الماء المضاف و يأتي إن شاء اللّه تعالي في مبحث التطهير من النجاسات من عدم التطهير بإزالة عين النجاسة-

______________________________

(1) الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 8.

ص: 60

______________________________

جملة من النصوص المصرحة بتعين الغسل أو الماء أو الظاهرة في ذلك، كصحيح زرارة المتقدم، و قريب منه صحيح بريد «1»، و صحيح ابن أذينة المتقدم و صحيح يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الوضوء الذي افترضه اللّه علي العباد لمن جاء من الغائط أو بال. قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط، ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين» «2». و مثلها ما هو صريح في عدم الاكتفاء فيه بالتمسح بالأحجار، كصحيح العيص بن القاسم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء، فمسح ذكره بحجر، و قد عرق ذكره و فخذاه. قال: يغسل ذكره و فخذيه» «3».

لكن في موثق سماعة: «قلت لأبي الحسن موسي عليه السّلام: إني أبول ثمَّ أتمسح بالأحجار، فيجي ء مني البلل ما يفسد سراويلي». قال: ليس به بأس» «4»، و في موثق حنان: «سمعت رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: إني ربما بلت فلا أقدر علي الماء و يشتد ذلك علي. فقال: إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك، فان وجدت شيئا فقل. هذا من ذاك» «5» و في حديث ابن بكير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط. قال: كل شي ء يابس زكي» [ذكي يب] «6»، حيث قد يستدل بها علي حصول الطهارة بالتمسح، كما في الغائط.

و فيه: أن الأخير ظاهر في أن المعيار في الطهارة الجفاف لا زوال عين النجاسة، فضلا عن التمسح بالأحجار، فلا بد من حمله علي نحو من الكفاية لبيان عدم تنجيس الجاف للملاقي.

و الثاني: مع عدم التعرض فيه للمسح بالأحجار- ظاهر في نجاسة الموضع و تنجيسه للملاقي، و هو البلل الخارج بعد التمسح، الملزم بحمل جعل الريق

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.

(6) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

ص: 61

______________________________

علي الذكر علي جعله علي غير موضع البول منه، لأجل إحداث الشبهة و إثارة احتمال كون ما يراه من الريق الطاهر لا البلل المتنجس بالملاقاة، إذ لو جعل علي موضع النجاسة لم يصلح لإثارة الاحتمال، كما أنه لو طهر الموضع لم يحتج لاثارته.

فلم يبق إلا الأول، و هو- مع معارضته بصحيح العيص المتقدم، بل و موثق حنان، علي ما ذكرنا- ظاهر في مفروغية السائل عن نجاسة المحل، و تنجس البلل الخارج به، و تنجيس البلل للسراويل، و لا ظهور في للجواب في الردع عن خصوص الأول.

ثمَّ إن ظاهر التهذيب و محكي المقنعة وجوب مسح البول و إزالته عند تعذر الغسل بالماء، و هو صريح المعتبر و محكي التذكرة و المنتهي و نهاية الأحكام و الذكري، بل في الجواهر عن بعضهم أنه مشهور.

و قد ينزل عليه تقييد وجوب الغسل بالماء بالقدرة في نهاية الشيخ و المراسم و الشرائع.

بل قد يستظهر منها حصول الطهارة عند عدم الماء بذلك، كما هو ظاهر الوسيلة في جميع النجاسات، لو لا ما في الجواهر من الإجماع علي عدم الفرق بين القدرة و العجز في كيفية التطهير. و يقتضيه إطلاق بعض النصوص المتقدمة، بل هو المتيقن من صحيح العيص.

و كيف كان، فقد استدل علي وجوب إزالة عين النجاسة عند تعذر غسلها.

تارة: بما في المعتبر من أن الواجب إزالة العين و الأثر، و تعذر الثاني لا يسقط الأول.

و اخري: بقاعدة الميسور، كما في الجواهر.

و ثالثة: بما دل علي وجوب تبديل خرقة المستحاضة.

و رابعة: بحديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن طهور المرأة في النفاس إذا طهرت و كانت لا تستطيع أن تستنجي بالماء، إنها إن استنجت اعتقرت، هل لها رخصة أن تتوضأ من خارج و تنشفه بقطن أو خرقة؟ قال: نعم،

ص: 62

مرتين (1) علي الأحوط وجوبا، و لا يجزي غير الماء.

______________________________

لتنقي من داخل بقطن أو خرقة» «1» و خبر ابن بكير المتقدم.

لكن الأول إنما يتم في التكليفين النفسيين، دون مثل المقام، حيث لم يثبت وجوب إزالة العين إلا مقدمة للتطهير، فان سقوط وجوب ذي المقدمة يستلزم سقوط وجوبها.

و به يظهر ضعف الثاني، إذ لا قائل بجريان قاعدة الميسور في الوجوب المقدمي، بل هي غير تامة في نفسها علي التحقيق حتي في الوجوب الضمني.

و الثالث بظاهره قياس- لو تمَّ وجوب التبديل- و لا مجال لدعوي فهم عدم الخصوصية، و أن المانع حمل عين النجاسة في الصلاة مطلقا، لقرب خصوصية دم الاستحاضة في المقام، كخصوصيته في عدم العفو عن قليله، كيف و لا إشكال ظاهرا في جواز حمل ما لا تتم به الصلاة و إن كان ملوثا بالنجاسة.

و حديث ابن مسلم وارد لبيان الترخيص في ترك التطهير، لا لوجوب التنقية.

و حديث ابن بكير محمول- كما تقدم- علي بيان عدم تنجيس الجاف لغيره، فلا يدل علي وجوب التجفيف، فضلا عن إزالة العين.

نعم، لا ينبغي الإشكال في لزوم التجفيف لو كانت النجاسة تسري إلي الموضع الطاهر بدونه، لوجوب تقليل النجاسة.

بل قوّي في الجواهر وجوب التخفيف الحكمي بمثل الغسل مرة واحدة عند تعذر الغسل مرتين.

و إن كان لا يخلو عن إشكال، و تمام الكلام في مبحث مانعية النجاسة من الصلاة.

(1) كما في الفقيه و الهداية و عن الذكري و الجعفرية و محتمل الدروس، و قواه في المسالك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

ص: 63

______________________________

و كأن الوجه فيه إطلاق النصوص الدالة علي وجوب المرتين في البول، كصحيح الحسين بن أبي العلاء: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البول يصيب الجسد.

قال: صب عليه الماء مرتين» «1» و غيره.

و أما صحيح نشيط بن صالح عنه عليه السّلام: «سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول، فقال: مثلا ما علي الحشفة من البلل» «2».

فهو وارد لتحديد مقدار الماء، لا عدد الصب، غايته أن العمل به و بالمطلقات يقتضي الاكتفاء بالمقدار المذكور مع قسمته بصبتين، كما هو ظاهر من تقدم، قال في الفقيه: «و يصب علي إحليله من الماء مثلي ما عليه من البول يصبه مرتين»، و نحوه في الهداية، و قريب منه كلام من اعتبر الفصل بين المثلين.

هذا، و صرّح جماعة بالاكتفاء بالمرة، بل هو ظاهر بعض من أطلق وجوب الغسل أو الاكتفاء بالمثلين من دون تقييد بالتعدد، و إن كان ظاهر بعضهم سوقه في قبال الاكتفاء في الغائط بالأحجار.

و يستدل له بقصور الإطلاقات المذكورة، لانصراف الإصابة عن محل الكلام مما كانت الملاقاة بسبب الخروج الطبيعي للبول.

فالمرجع إطلاقات النصوص الآمرة بالصب و الغسل، كصحيح زرارة المتقدم في أول الفصل و غيره.

و خصوصا صحيح يونس بن يعقوب المتقدم الوارد في بيان الوضوء المفترض، لقوله عليه السّلام: «يغسل ذكره و يذهب الغائط ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين» «3»، فإن إطلاق غسل الذكر فيه في مقام بيان الفرض و تحديده موجب لقوة ظهوره في الاكتفاء بالمرة. و لا سيما مع التنصيص فيه علي المرتين في الوضوء مع عدم وجوبهما.

و كذا صحيح ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السّلام: «قلت له: للاستنجاء حدّ؟

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

ص: 64

______________________________

قال: لا، ينقي ما ثمة. قلت: ينقي ما ثمة و يبقي الريح قال: الريح لا ينظر إليها» «1».

بل صحيح نشيط ظاهر في المرة، لتوقف استيلاء الماء علي النجاسة بنحو يتحقق الغسل علي غلبته عليها و أكثريته منها، فلا يتحقق بالمثلين إلا غسلة واحدة.

و لذا فهم ذلك منه جماعة، كابن إدريس و التقي و العلامة و غيرهم، علي ما حكي عنهم.

بل عن العلامة أن الاكتفاء في الغائط بزوال العين يقتضي الاكتفاء به في البول بالأولوية.

و من جميع ما تقدم يظهر لزوم رفع اليد عن إطلاقات التعدد لو فرض شمولها للمقام.

لكن انصراف الإطلاقات بدوي، و لا سيما بعد فهم عدم الخصوصية للإصابة عرفا، لظهوره في كون التعدد من شؤون نجاسة البول، و لذا لا إشكال في لزوم التعدد في تطهير المثانة التي يخلق فيها البول و ما يخرج معه من الحصي و نحوه مما لا ينجس إلا بعد خروجه عن الباطن مصاحبا للبول و غيره مما لا يصدق معه الإصابة.

بل لا يظن منهم التوقف في لزوم التعدد لو فرض عدم وجود الأدلة الخاصة بالاستنجاء.

و أما النصوص الآمرة بالغسل و الصب في الاستنجاء فهي بين ما لا إطلاق له، لوروده في مقام البيان من جهات اخري- كصحيح زرارة المتقدم و نحوه مما ورد لبيان انحصار المطهر من البول بالماء، و صحيح جميل الوارد لبيان وقت الاستنجاء، لقوله عليه السّلام فيه: «إذا انقطعت درة البول فصب الماء» «2» - و ما هو مطلق صالح للتقييد بما دل علي التعدد في البول.

فإنه و إن كان بين الدليلين عموم من وجه، إلا أن الظاهر تقديم دليل التعدد، لأن ظهوره في خصوصية البول أقوي من ظهور نصوص المقام في خصوصية

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 65

______________________________

الاستنجاء، بل هو كسائر خصوصيات الموارد التي ورد فيها إطلاق الغسل، كإطلاق الغسل في الفراش المتنجس بالبول، و الغسل من أبوال ما لا يؤكل لحمه و ثوب المربية و نحو ذلك مما يتعين تقديم إطلاق التعدد عليه.

و أما صحيح يونس فهو وارد في مقام تحديد المفروض من الوضوء لمن جاء من البول أو الغائط و هو وضوء الصلاة، لا لمن بال أو تغوط ليمكن شموله للاستنجاء، و إنما ذكر فيه الاستنجاء تبعا، و لعله لدفع توهم عدم شرطيته للصلاة، و لذا أهمل فيه تثليث الأحجار في الاستنجاء من الغائط، فليس هو إلا كسائر المطلقات التي يلزم رفع اليد عنها بدليل التعدد.

و أما صحيح ابن المغيرة فهو ظاهر في الاستنجاء من الغائط، بقرينة اشتماله علي الإنقاء الظاهر في احتياج رفع القذر إلي عناية، و فرض بقاء الريح الذي هو من شئون الغائط، خصوصا مع الاستنجاء منه بالتمسح.

مع قرب اختصاص الاستنجاء في الأصل به، لأنه من النجو- كما يظهر من الصحاح و النهاية و الأساس و ما حكاه في لسان العرب عن غير واحد- و هو الغائط، كما في مجمع البحرين و عن غيره، أو ما يخرج من البطن، كما في الصحاح، أو ما يخرج منها من ريح أو غائط، كما في لسان العرب و القاموس.

نعم، احتمل كون أصله القطع، نظير استنجاء الغصن من الشجرة، أو من النجوة، و هي ما ارتفع من الأرض، كأن الإنسان يطلبها ليجلس تحتها، فيمكن شموله للبول، إلا أنهما نادران في كلماتهم و بعيدان.

علي أنه يظهر من غير واحد من النصوص اختصاص الاستنجاء بإزالة الغائط، كصحيح زرارة و موثق سماعة المتقدمين في أول الفصل. و لأجل ذلك يتعين حمل النصوص المعممة علي التغليب.

و أما صحيح نشيط فلا وجه لظهوره في المرة، فإن الظاهر حصول الغلبة بما يقارب القطرة، لأن ما علي الحشفة إن كان قطرة كان مزيلا لها و موجبا لسقوطها عن الموضع، و إن كان بللا كان مستوليا عليه عرفا، علي ما يأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالي.

ص: 66

______________________________

علي أنه لو فرض عدم غلبته له مع المماثلة فليكن الصحيح دليلا علي الاكتفاء بحصول الغلبة في مجموع المرتين و عدم اعتبار حصولها في كل منهما، فان ذلك أولي من جعله دليلا علي كفاية المرة و الخروج به عن إطلاقات التعدد.

و أما الأولوية التي تقدمت عن العلامة قدّس سرّه فهي ممنوعة بعد وجود القول بكفاية المرة في أكثر النجاسات- و منها الغائط- مع وجوب التعدد في البول في غير المقام.

بل مقتضي الاكتفاء بغير الماء في الغائط دون البول أشدية نجاسته من نجاسة الغائط.

هذا، و المصرح به في كلام جمع تحديد الماء بمثلي ما علي الحشفة، عملا بحديث نشيط بن صالح المتقدم.

و قد يستشكل فيه.

تارة: بضعف سنده، فقد وقع الكلام منهم في غير واحد من رجاله، بل لم أعثر علي من وصفه بالصحة.

و اخري: بعدم إمكان الالتزام بظاهره، إذ كثيرا ما يكون بلل الحشفة خفيفا، و مثلاه من الماء لا يبلغ ربع قطرة، فلا يصلح للصب مرة، فضلا عن مرتين، و لا يتحقق به الغسل الذي تضمنته النصوص.

و ثالثة: بمعارضته بحديثه الآخر عنه عليه السّلام: «يجزي من البول أن يغسله بمثله» «1» المعتضد بمرسل الكليني: «و روي أنه يجزي أن يغسله بمثله إذا كان علي رأس الحشفة و غيره» «2».

و لعله لذا أهمل جماعة التحديد بذلك، بل أطلقوا اعتبار الغسل، كما في الوسيلة و اللمعتين و الانتصار و عن جمل السيد و الشيخ و الكافي و السرائر و الموجز و غيرها.

و إن لم يبعد كون مراد غير واحد بيان الفرق بين الغائط و البول بلزوم الماء

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 67

______________________________

في الثاني من دون نظر لمقداره، بل هو الظاهر من بعضهم.

نعم، ظاهر محكي الدروس الاعراض عن مفاد الحديث، لأنه عبر بالغسل بالماء المزيل للعين الوارد بعد الزوال من دون إشارة لمضمونه.

لكن يندفع الأول بأن الشيخ روي الحديث عن المفيد عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن الهيثم بن أبي مسروق عن مروك بن عبيد عن نشيط، و أحمد بن محمد مردد بين أحمد بن محمد بن يحيي العطار، و أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.

و الأول تقدم منا تقريب وثاقته بقرائن كثيرة عند الكلام في منافاة ارتكاب الصغائر للعدالة.

و مثله الثاني- الذي لا يبعد إرادته في المقام، كما صرح به بعضهم- لأنه من مشايخ الإجازة، و أستاذ المفيد و جماعة من طبقته، و قد أكثر الشيخ قدّس سرّه في كتابيه من الرواية عنه بطريقهم، بل قيل: انه كثيرا ما يؤثر الطريق الذي هو فيه علي غيره، و قرائن المقام تشهد بكونه كأبيه من علماء هذه الطائفة المتحملين لأحاديثها المشهورين عندها، فلو ظهر منه- و العياذ باللّه- ما ينافي الوثوق لما خفي علي هؤلاء الأجلاء، و لو ظهر لهم لرفضه إذ لا تغتفر من مثله أدني زلة.

و لذا يظهر من جماعة من المتأخرين المفروغية عن وثاقته فقد صحح العلامة جملة طرق هو فيها، و وثقه الشهيد الثاني و ولده و غيرهما- علي ما حكي عنهم. بل عن تلخيص المقال: «انه من المشايخ المعتبرين. و لم أر إلي الآن و لم أسمع من أحد يتأمل في توثيقه».

و لعل عدم تعرض النجاشي و الشيخ و من سبقهما لترجمته لكونه من المتأخرين غير المعاصرين للأئمة عليهم السّلام و لا من أصحاب الكتب.

و أما أبوه فهو من الأعيان الأجلاء، سواء كان ابن يحيي أم ابن الحسن. و كذا سعد بن عبد اللّه.

كما أن الهيثم بن أبي مسروق قد أثني عليه الأصحاب، فقال النجاشي:

«قريب الأمر» و روي الكشي عن حمدويه أنه قال: «لأبي مسروق ابن يقال له الهيثم

ص: 68

______________________________

سمعت أصحابي يذكرونهما بخير، كلاهما فاضلان». و هو من رجال كامل الزيارة.

و أما عروك، فقد روي الكشي عن العياشي عن علي بن الحسن بن فضال أنه قال فيه: «ثقة شيخ صدوق» و كون علي بن الحسن فطحيا لا يمنع من الاعتماد علي توثيقه بعد كونه بمرتبة عالية من الوثاقة عند الأصحاب، و يظهر من الكشي و العياشي الاعتماد عليه في التوثيق، لما قيل من إكثار الكشي نقل توثيقه للرجال عن العياشي.

و لا سيما مع تأيد توثيقه لمروك بقول النجاشي في حقه: «قال أصحابنا القميون نوادره أصل».

و أما نشيط فقد وثقه النجاشي صريحا، و روي الكشي أنه كان يخدم الكاظم عليه السّلام. و ليس في أحد هؤلاء طعن يعارض ما تقدم، فيتعين اعتبار السند المذكور. و من ثمَّ وصفناه بالصحة.

علي أن الأصحاب قد اعتمدوا علي الحديث و أفتوا بمضمونه معبرين بعبارته، و هو كاف في حجيته، كما ذكره غير واحد، و تكرر منا نظيره في نظائر المقام.

و أما الثاني فهو لا يناسب شيوع الفتوي بمضمون الحديث بين الأصحاب، حيث لا إشكال في قصدهم معني قابلا للعمل و فهمهم ذلك من الحديث. و الذي ينسبق منهم إرادة ما يقارب القطرتين.

و كان منشأ فهمهم ذلك منه أن المماثلة فيه لم تفرض بين البول الذي علي الحشفة و الماء، بل بين البلل و الماء، و لما كان البلل فاقدا للحجم عرفا في كثير من الموارد لقلته، بل هو من سنخ العرض، فلا يقدر إلا بالمساحة، و حيث كان ما علي الحشفة منه غالبا مقاربا في المساحة للقطرة، كان مثلاه من الماء قطرتين.

و لا سيما مع وضوح لزوم استيعاب الاستنجاء لتمام موضع النجاسة، و لزوم كونه بالماء القابل للصب و الانفصال، لا بالبلل، فان ذلك قرينة قطعية محيطة بالكلام موجبة لانصرافه في النص و الفتاوي لما ذكرنا.

و أما النصوص المتضمنة للغسل فلا ريب في حملها علي كونه لمجرد غلبة

ص: 69

______________________________

الماء علي البول الحاصل بالصب، إذ لا إشكال في كفاية الصب، و هو يتحقق بالقطرة، و لو لأجل هذا الحديث، لحكومته علي نصوص الصب، لوروده في تحديد موضوعها، و هو الماء المصبوب.

و يندفع الثالث بأن الخبر الآخر لما كان ضعيفا بالإرسال، معرضا عنه عند الأصحاب لم ينهض بمعارضة الصحيح المذكور.

و مثله مرسل الكليني، بل لا يبعد اتحاده معه.

و احتمال اتحاد حديثي صالح الراجع إلي اضطرابه متنا و سندا. لا قرينة عليه، بل هو بعيد بلحاظ شدة اختلاف المتنين.

فلا يبعد الجمع بينهما بحمل المرسل علي تحديد الماء الذي يتحقق به الغسل، لا الذي يتوقف عليه التطهير، فلا ينافي وجوب المثلين لتعدد الغسل المطهر، كما هو مقتضي الصحيح و نصوص التعدد. و هو أولي من غير واحد من وجوه الجمع المذكورة في كلماتهم. فراجع.

و بالجملة: لا مجال للاعراض عن الحديث المذكور بعد اعتبار سنده، و اعتماد الأصحاب عليه، و ظهور المراد منه و لو بضميمة فهمهم.

و الظاهر أن ما ذكر فيه من الحد هو أقل ما يمكن معه تحقق الصب مرتين.

و لو فرض إمكان تحققه بدونه لم يجز الاقتصار عليه، لقوة ظهوره في تحديد أقل ما يجزي من الماء. كما أنه لو فرض انصراف الصب في نصوصه إلي ما زاد علي ذلك لزم رفع اليد عنه بالحديث المذكور، لحكومته عليه.

بقي في المقام أمور.

الأول: حيث كان دليل الاكتفاء بالمثلين هو صحيح نشيط المختص بما علي الحشفة فقد يدعي لزوم الاقتصار علي مورده و عدم التعدي منه إلي مثل استنجاء المرأة.

لكن الظاهر إلغاء الخصوصية المذكورة لو أمكن وصول المثل حين صبه إلي تمام السطح المتنجس حين المتبول، لعدم دخلها ارتكازا.

و لا سيما بعد عموم السؤال، فكأن ذكر الحشفة لأن الذي يستلزمه البول

ص: 70

______________________________

من بللها أقل من بلل غيرها، و المقصود في الجواب بيان أقل ما يجزي من الماء.

بل قد يقال بتعميم الحكم لمطلق التطهير من البول بالاكتفاء بمثلي ما علي الموضع النجس، لا لإلغاء خصوصية الاستنجاء في الصحيح، لإمكان اختصاصه بنحو من التخفيف، لكثرة الابتلاء به، بل لصدق الصب بذلك، فيدخل في الإطلاقات المتقدمة، و يؤيد بإطلاق المرسلة الاولي، و التعميم في الثانية لغير ما علي الحشفة.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لقرب انصراف الصب في الإطلاقات إلي ما يزيد علي ذلك و له نحو غلبة علي النجاسة، و ضعف المرسلتين.

و منه يظهر الإشكال في الاكتفاء بذلك في تطهير مخرج البول غير الطبيعي، لتصور الصحيح عنه، لعدم وضوح صدق الاستنجاء عليه، خصوصا بناء علي ما تقدم من قرب كون إطلاق الاستنجاء علي التطهير من البول للتغليب، لأن الظاهر اختصاص التغليب بالمخرج الطبيعي.

و مثله في ذلك ما إذا تعدي عن المخرج الطبيعي، نظير ما يأتي في الغائط.

الثاني: أن ظاهر أدلة اعتبار التعدد هو التعدد الحقيقي الموقوف علي الفصل، لا ما يعم التقديري الحاصل باستمرار الصب، بل يبعد الحمل عليه بلحاظ غلبة استمرار الصب في المرة الواحدة و ندرة الاقتصار علي ما يحقق المسمي المستلزم لغلبة الاكتفاء بالصبة الواحدة، و هو مما تأباه النصوص جدا.

و لو فرض الاكتفاء به اتجه الاكتفاء به في المقام حتي في صب المثلين لو فرض تحقق الاستمرار في صبهما بنحو لا يعد صبهما دفعيا عرفا.

و لعل ما عن الذكري من اعتباره الفصل بين المثلين في المقام مع اكتفائه بالتعدد التقديري مبني علي ما هو الغالب من كون صبهما دفعيا لا استمرار له عرفا، نظير إلقاء القطرة الكبيرة.

و كأنه إلي ذلك نظر في جامع المقاصد، حيث قال: «و ما اعتبره في الذكري

ص: 71

______________________________

من اشتراط تخلل الفصل بين المثلين ليتحقق تعدد الغسل حق، لا لأن التعدد لا يتحقق إلا بذلك، بل لأن التعدد المطلوب بالمثلين لا يوجد بدون ذلك، لأن ورود المثلين دفعة واحدة غسلة واحدة. و لو غسل بأكثر من المثلين بحيث تتراخي أجزاء الغسل بعضها عن بعض في الزمان لم يشترط الفصل قطعا».

الثالث: حيث كان التعدد مستفادا من الإطلاقات لزم الاكتفاء بالمرة في الرضيع الذي لم يتغذ بالطعام، بناء علي تقييد الإطلاقات المذكورة فيه علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي. و الظاهر لزوم المثلين فيها، عملا بإطلاق صحيح نشيط.

و دعوي: الاكتفاء بالمثل لأنه إذا كان مقتضي الجمع بينه و بين الإطلاقات لزوم كون كل غسل بمثل، فمع فرض الاكتفاء فيه بالغسلة الواحدة يتعين الاكتفاء فيها بالمثل.

مدفوعة: بأن تقسيم المثلين و الاكتفاء في كل غسلة بمثل إنما استفيد بضميمة دليل التعدد، فمع فرض عدم وجوب التعدد و سقوط دليله في مورد لا طريق لاستفادة الاكتفاء بالغسلة الواحدة بالمثل الواحد، بل يلزم العمل بإطلاق الصحيح الملزم بالمثلين.

نعم، لو كان الاكتفاء بالمثل في المرة مقتضي المرسلتين أو إطلاق دليل الصب لدعوي صدقه به، لم يبعد عرفا حمل الصحيح علي خصوص صورة وجوب التعدد و الرجوع في غيرها إلي إطلاق الدليل المذكور.

لكن المرسلتين غير حجة، و الإطلاق قد عرفت الاشكال فيه.

الرابع: الظاهر أن الأغلف يكتفي بغسل الظاهر، و لا يجب عليه كشف الحشفة و إن أمكنه ذلك- كما هو المحكي عن العلامة و الشهيدين- لأنها من الباطن، و مجرد إمكان كشفها لا يجعلها من الظاهر، كإخراج اللسان من الفم، خلافا ما في المعتبر و عن الدلائل و مجمع الفوائد. بل لازمهم البناء علي وجوب غسل باطن الغلفة.

نعم، لو لم تكن الغلفة مرتتقة، بل متفرجة تظهر الحشفة بنفسها من تحتها

ص: 72

و أما موضع الغائط (1) فإن تعدي المخرج تعين غسله بالماء (2)،

______________________________

كانت من الظاهر و وجب إيصال الماء إليها.

الخامس: صرح بعضهم باستحباب تثليث الغسل في الاستنجاء من البول.

لصحيح زرارة: «كان يستنجي من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق» «1» فان ظهوره في الاستمرار دليل علي الاستحباب، من دون فرق بين كون الحاكي هو زرارة و الضمير راجع إلي أبي جعفر عليه السّلام، و كونه هو الامام عليه السّلام و الضمير راجع إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله. فلاحظ.

(1) الكلام في وجوب الاستنجاء من الغائط مقدمة للصلاة أو الوضوء كالكلام المتقدم في الاستنجاء من البول، لاشتراكهما في الأدلة و الأقوال إلا أن الصدوق في الفقيه لم يتعرض لذلك هنا، و انما صرح بخلاف المشهور في المقنع فقط. و تقدم بعض النصوص الشاملة له. فراجع.

هذا و لا ينبغي الإشكال في اختصاص وجوب الاستنجاء منه الوضعي و التكليفي بما إذا تنجس به الظاهر، لملاقاته له برطوبة.

لقصور الأدلة عن غيره. و لا سيما بملاحظة ما في صحيح زرارة المتقدم في أول الفصل من تفريعه علي قوله عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور»، و ما تقدم قريبا في صحيح ابن المغيرة من أن حده الإنقاء.

و احتمال وجوبه تعبدا، و لو مع عدم التنجس، أو حصول التنجس بخروجه و لو مع عدم الملاقاة برطوبة، بعيد مخالف للأدلة و الأصول.

(2) و هو مذهب أهل العلم، كما في المعتبر، و بالإجماع، كما في الغنية و كشف اللثام و عن التذكرة و الذكري و الروض و المفاتيح، و في الانتصار أنه لا خلاف فيه.

و ظاهره كالمعتبر عدم الخلاف فيه بين المسلمين.

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

ص: 73

______________________________

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك- ما أرسله في المعتبر عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

«يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة» «1» و نحوه ما عن عوالي اللئالي عن فخر المحققين عن أبي جعفر عليه السّلام «2».

لكن ضعف السند مانع من الاستدلال بهما.

و انجبارهما بالعمل غير ظاهر، بعد عدم ذكرها في الكتب المشهورة في الفقه و الحديث، و قرب اعتمادهم علي ما يأتي من خروجه عن إطلاقات الاستنجاء.

و مثلهما ما في المعتبر من رواية الجمهور عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «كنتم تبعرون بعرا و أنتم اليوم تثلطون ثلطا فاتبعوا الماء الأحجار» «3» و أرسله أيضا في محكي عوالي اللئالي عن فخر المحققين عنه عليه السّلام «4». مع أن ظاهره كون المنشأ لين البطن و رطوبة الغائط لا تعدّيه، فيحمل علي الاستحباب.

و لا سيما بعد تضمنه اتباع الأحجار بالماء، لا تعين الماء، فهو مساوق لما ورد في قصة تشريع استحباب الاستنجاء من الغائط بالماء «5» من أن رجلا فعله، فبعث إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فسأله، فقال: «ما حملني علي الاستنجاء بالماء إلا أني أكلت طعاما فلان بطني فلم تغن عني الحجارة شيئا فاستنجيت بالماء.»

فبشره صلّي اللّه عليه و آله بنزول قوله تعالي إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «6».

و كذا الاستدلال بصحيح مسعدة بن زياد عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام عنه صلّي اللّه عليه و آله أنه قال لبعض نسائه: «مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن، فإنه مطهرة للحواشي و مذهبة للبواسير» «7».

______________________________

(1) المعتبر، ص: 33.

(2) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

(3) المعتبر، ص: 33.

(4) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(6) البقرة: 222.

(7) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

ص: 74

______________________________

فإنه ظاهر في الاستحباب، بقرينة الأمر بالمبالغة و التعليل بذهاب البواسير، و لا سيما مع اختصاصه بالمرأة التي هي أحري بالتنظيف- لأنها ريحانة الرجل و لعبته- و عدم التقييد فيه بصورة التعدي.

و مجرد التعليل فيه بأنه مطهرة للحواشي لا يكون قرينة علي التقييد المذكور، إذ لا يجب الماء بمجرد إصابة الحواشي، بل بالتعدي عنها مطلقا أو بالخروج عن المعتاد، علي ما يأتي. فلاحظ.

هذا، و قد عبر في الغنية و المراسم و الشرائع و المعتبر بتعدي الغائط عن المخرج، و في مفتاح الكرامة أنه قد صرح به الجم الغفير، بل هو معقد إجماع المعتبر و محكي التذكرة و الذكري، الذي نفي عنه الخلاف في الاستبصار.

و في المدارك: «ينبغي أن يراد بالتعدي وصول النجاسة إلي محل لا يعتاد وصولها إليه، و لا يصدق علي إزالتها اسم الاستنجاء» و نحوه عن الدلائل.

و عن مجمع البرهان: أنه يمكن القول باعتبار التعدي عن الموضع المعتاد لو لا دعوي الإجماع من التذكرة علي أن المتعدي هو ما يتعدي عن المخرج في الجملة و لو لم يصل إلي الحد المذكور.

لكن ادعي في الجواهر أن مراد الجميع عدم التعدي عن الموضع المعتاد، و أقام علي ذلك جملة قرائن، كعدم تحديد رؤساء الأصحاب للتعدي الملزم بحمله علي ذلك، و ذكرهم له في قبال ما نقلوه عن الشافعي من الاجتزاء بالأحجار إذا وصل الي باطن الأليتين، و استدلال المحقق في المعتبر بالحديث المتقدم المتضمن لاشتراط عدم تجاور محل العادة، و استدلال العلامة في المنتهي علي تعين الماء مع التعدي بأنه إنما شرع الاستجمار لأجل المشقة الحاصلة من تكرر الغسل مع تكرر النجاسة، أما ما لا يتكثر فيه حصول النجاسة- كالساق و الفخذ- فلا يجزي فيه إلا الغسل.

قال في الجواهر: «بل كيف يسوغ لأحد أن يحمل كلامهم علي ارادة مطلق التعدي مع أنه لازم لخروج الغائط في الغالب، مع أن الاستجمار بالأحجار كان هو المتعارف في ذلك الزمان، بل يظهر من الروايات أنه لم يعرف غيره حتي نزل قوله

ص: 75

______________________________

تعالي إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ في الرجل الذي أكل طعاما فلان بطنه، فاستنجي بالماء».

و ما ذكره قدّس سرّه متين جدا و لا سيما مع تعبير بعضهم بانتشار الغائط عن المخرج الظاهر في كثرته، و تعبير آخرين بالتعدي عن حواشي المخرج أو الدبر، كما في المسالك و الروضة و كشف اللثام و عن الروض، مع ما تقدم من الأخيرين من دعوي الإجماع علي الحكم، إذ لا يبعد اختصاص المعتاد بذلك، لأنه هو الذي يستلزمه التخلي في حال لين البطن مع الجلوس له بالوضع المتعارف.

نعم، ظاهر بعض كلماتهم خلاف ذلك، كقوله في الانتصار في الفرق بين البول و الغائط: «الغائط قد لا يتعدي المخرج إذا كان يابسا، و يتعداه إذا كان بخلاف هذه الصفة، و لا خلاف في أن الغائط متي تعدي المخرج فلا بد من غسله بالماء، و البول- لأنه مائع جار- لا بد من تعديه المخرج».

و ما عن التذكرة: «و يشترط في الاستنجاء بالأحجار أمور. منها: عدم التعدي، فلو تعدي المخرج وجب الماء، و هو أحد قولي الشافعي. و في الآخر: لا يشترط، لأن الخروج لا ينفك منه غالبا، و اشترط عدم الزيادة عن القدر المعتاد، و هو أن يتلوث المخرج و ما حواليه. و إن زاد عليه و لم يتجاوز الغائط صفحتي الأليتين فقولان».

لكن الإنصاف أن ذلك لا ينهض بالخروج عن مقتضي القرائن المتقدمة.

و لا سيما مع ظهور ما في الانتصار في تعين الماء بمجرد تعدي الغائط اللازم من عدم يبوسته، و اضطراب ما في التذكرة في نقل قول الشافعي، لمخالفته لما نقله في موضع آخر منها و في غيرها.

و لا أقل من اضطراب كلماتهم و عدم تحصيل تسالم منهم صالح للاستدلال في المقام، فيلزم النظر في أدلة المسألة.

و قد عرفت ضعف الاستدلال بالنصوص المتقدمة. مع أن عمدتها الأول الظاهر في لزوم التجاوز عن المحل المعتاد.

فلم يبق إلا إطلاقات الاستنجاء بالأحجار التي يصعب تنزيلها علي صورة

ص: 76

______________________________

عدم التعدي أصلا، مع غلبة تحقيقه، خصوصا ما ورد منها عن الأئمة عليهم السّلام الذين شهدوا عصر الرخاء و لين المأكل، المستلزم للين البطن.

فاللازم الاقتصار في تعيين الماء علي صورة خروج التلوث عما يقتضيه عادة بنحو لا يصدق معه الاستنجاء بالإضافة إلي الزائد، فتقصر عنه الإطلاقات، كما تقدم في كلام من عرفت. و هذا هو عمدة الدليل في المسألة.

و أما ما يظهر من الجواهر من أن الخروج عن المحل المعتاد لا ينافي صدق الاستنجاء، و لذا احتاج إلي الاستدلال بانصراف الإطلاقات و إن كانت شاملة لفظا، و بالإجماع المنقول علي وجوب الغسل بالماء حينئذ.

فهو غير ظاهر، لأن المتيقن من الاستنجاء هو إزالة الغائط الذي يستلزمه التخلي عادة، لا ما يتعدي الموضع لطارئ خارج.

نعم، لا يبعد ظهور بعض كلماتهم التي أشار إليها قدّس سرّه في صدق الاستنجاء في بعض موارد التعدي التي يجب فيها الماء عندهم.

لكن من القريب ابتناؤه علي صدق الاستنجاء بالإضافة إلي خصوص ما يكون علي الموضع العادي مع الغفلة عن عدم صدقه بالإضافة إلي الزائد إلا تغليبا.

و أما الانصراف علي تقدير صدق الاستنجاء فغير ظاهر الوجه بعد ما تكرر من أن الانصراف للغالب بدوي.

كما أن المتيقن من الإجماع صورة عدم صدقه.

ثمَّ إن التعدي عن الموضع المعتاد.

تارة: يكون مع انفصال المتعدي علي المخرج.

و اخري: يكون مع اتصاله به.

أما في الأول فلا إشكال في الاجتزاء بالأحجار في تطهير المخرج، لظهور صدق الاستنجاء عليه.

و كذا في الثاني، كما استقربه في الجواهر، لأن عدم صدق الاستنجاء بالإضافة إلي المتعدي لا ينافي صدقه بالإضافة إلي غيره. و يظهر الأثر في لزوم

ص: 77

كغيره من المتنجسات. و إذا لم يتعد المخرج تخير بين غسله بالماء (1) حتي ينقي (2)

______________________________

التمسح بالأحجار عند تعذر الماء، تقليلا للنجاسة. لكن في الجواهر أن ظاهر عباراتهم تعين الماء في الكل. و كأنه لإطلاقهم عدم الاجتزاء بالأحجار مع التعدي.

و إن لم يبعد كون منشئه الغفلة عن فرض التفكيك في العمل كي ينظر في حكمه.

ثمَّ إنه كما يتعين الماء مع التعدي عن المخرج يتعين مع مصاحبة الغائط لنجاسة خارجية من دم أو قيح أو نحوهما، و كذا مع اصابة الموضع بنجاسة من الخارج، لخروجهما عن الاستنجاء، كما يأتي نظيره في ماء الاستنجاء. و لعل إهمالهم له لوضوحه. و يأتي منهم ما يناسبه عند الكلام في اعتبار طهارة الأحجار.

(1) حيث لا إشكال في إجزائه، بل لم ينقل في المعتبر الخلاف فيه إلا عن سعد بن أبي وقاص و ابن الزبير. و النصوص به متظافرة، مثل ما دل علي استحبابه «1»، و علي كفاية غسل ظاهر المقعدة «2»، و علي الاكتفاء بغسل المخرج الذي يخرج منه الحدث دون الآخر «3»، و غير ذلك مما هو كثير.

بل هو مقتضي عموم مطهرية الماء الذي يأتي في مبحث المطهرات.

و إطلاق صحيح يونس بن يعقوب الآتي، من دون أن يكون هناك ما يوهم عدم إجزائه، لظهور أدلة التمسح في إجزائه لا تعينه. و لو فرض لها ظهور بدوي في تعينه لزم رفع اليد عنه بما ذكرنا.

(2) من دون تقيد بعدد.

و يقتضيه- بعد عموم الاكتفاء بذلك في التطهير، علي ما يأتي الكلام فيه في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة.

(2) راجع الوسائل باب: 29، 37 من أبواب أحكام الخلوة.

(3) راجع الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام الخلوة.

ص: 78

و مسحه (1)

______________________________

مبحث المطهرات- صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن عليه السّلام: «قلت له:

للاستنجاء حد؟ قال: لا، ينقي ما ثمة.» «1» و إطلاق صحيح يونس بن يعقوب:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الوضوء الذي افترضه اللّه علي العباد لمن جاء من الغائط أو بال. قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط.» «2». و يأتي في المسألة الثامنة إن شاء اللّه تعالي الكلام في حد النقاء.

(1) فإنه يجزي و لا يجب الماء بلا إشكال ظاهر، بل هو المنقول عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و المعتبر و المدارك و ظاهر الانتصار و عن غيرها، و عن المنتهي نسبته إلي أهل العلم إلا من شذ كعطاء. و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا، بل كاد يكون متواترا، و سنة كذلك».

و يقتضيه- مضافا إلي صحيح يونس المتقدم، فان العدول فيه عن الغسل إلي إذهاب الغائط كالصريح في عدم وجوب الغسل- كثير من النصوص، كصحيح زرارة المتقدم، في أول الفصل و صحيح بريد عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه قال: يجزي من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزي من البول إلا الماء» «3». و ما يأتي في عدد الأحجار و في جواز التمسح بغير الحجر، بل يظهر مما ورد فيما يحرم الاستنجاء به «4» المفروغية عنه.

نعم، في موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل ينسي أن يغسل دبره بالماء حتي صلي، إلا أنه قد تمسح بثلاثة أحجار. قال: إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة و ليعد الوضوء، و إن كان قد مضي وقت تلك الصلاة التي صلي فقد جازت صلاته، و ليتوضأ لما يستقبل من الصلاة» «5». و قد ذكر مضمونه في المقنع.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(4) راجع الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 79

بالأحجار (1) أو الخرق أو نحوهما من الأجسام القالعة للنجاسة (2).

______________________________

لكن لا مجال للخروج به عما تقدم.

و دعوي: حمله علي صورة التمكن من الماء و حمل ما تقدم علي صورة تعذره جمعا بينهما بقرينة النبوي: «إذا استنجي أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء» «1».

مدفوعة: بتعذر حمل ما تقدم علي صورة تعذر الماء بعد كثرة تلك النصوص و قلة الابتلاء بتعذره.

و لا سيما مع المقابلة في بعضها بين الغائط و البول و الإلزام بالماء في البول، و تضمن بعضها سيرة بعض المعصومين عليهم السّلام «2» حيث يبعد ابتلاؤهم بتعذر الماء، فضلا عن شيوعه في حقهم.

و النبوي- مع ضعف سنده- ظاهر في أن المعلق علي عدم الماء هو الأمر بالوتر، لا استعمال الحجر، فكأن المراد به أن الأمر بالوتر يختص بالأحجار.

فالمتعين طرح الموثق، لهجره عند الأصحاب، أو حمله علي الاستحباب- كما في التهذيب- و هو الأنسب بذكر مضمونه في المقنع، و إن كان بعيدا في نفسه، لظهور الموثق في أهمية الحكم بالنحو الذي يستوجب إعادة الصلاة، و هو لا يناسب نصوص التمسح، و لا سيما ما تضمن منها سيرة بعض المعصومين عليهم السّلام عليه. و ليس مفاد الموثق مجرد الأمر باستعمال الماء، كي لا ينافي ذلك. فلاحظ.

(1) و هو المتيقن من التمسح نصا و فتوي، لتظافر النصوص به و تطابقهم عليه.

(2) كما صرح به جماعة، و عن غير واحد دعوي الشهرة عليه، و عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1. و باب: 35 منها حديث: 2، 3.

ص: 80

______________________________

المنتهي انه قول أكثر أهل العلم، و في مفتاح الكرامة: «صرح بذلك جمهور الأصحاب».

بل في الخلاف و الغنية دعوي الإجماع عليه. و لعل اقتصار بعضهم علي ذكر الأحجار لأنها أظهر أفراد الماسح لا للمنع عن غيرها.

بل هو المتعين من مثل المحقق في الشرائع، حيث منع من استعمال العظم و الروث و نحوهما مع عدم دخولها في الأحجار، فإن ذلك منه كاشف عن مفروغيته عن العموم، بل دعواهم الإجماع علي المنع عن ذلك ظاهر في مفروغيته الأصحاب عن العموم المذكور.

و قد استدل عليه في المستند و الجواهر بإطلاق صحيحي ابن المغيرة و يونس المتقدمين.

لكن لا يبعد ورود إطلاق صحيح ابن المغيرة لبيان عدم الحد في نفس الاستنجاء بما هو معني مصدري و فعل للمكلف، فيكفي منه ما أوجب النقاء دون ما زاد علي ذلك من العدد و نحوه، لا بالإضافة إلي آلة الاستنجاء أو زمانه أو مكانه مما هو خارج عن فعل المكلف، و إن كان متعلقا له، كما يناسبه السؤال عن وجوب إزالة الريح. و لذا لم نستدل به علي كفاية التمسح.

نعم، الظاهر تمامية إطلاق صحيح يونس المعتضد بصحيح زرارة: «قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات، و من الغائط بالمدر و الخرق» «1» و صحيحه الآخر:

«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كان الحسين عليه السّلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغتسل» «2» لظهور عدم الفصل عندهم بين الكرسف و غيره كالخشب و الجلد و غيرهما مما يزيل النجاسة و ليس بحجر.

بل في خبر ليث- المنجبر بعمل الأصحاب- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود. قال: أما العظم و الروث فطعام الجن، و ذلك مما اشترطوا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: لا يصلح بشي ء من ذلك» «3».

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 81

______________________________

فان ظاهره المفروغية عن صلوح الأمور المذكورة للاستنجاء في نفسها لو لا اشتراط الجن في العظم و الروث المقتضي للحرمة التكليفية فيهما لا غير، و من الظاهر فهم عدم الخصوصية للأمور المذكورة عرفا، و أن المعيار علي كل ما يذهب الغائط.

و من ذلك يظهر ضعف ما في المراسم من أنه لا يجزي إلا ما كان أصله الأرض، سواء أريد به ما كان منها ثمَّ تغير بالحرق و نحوه كالخزف، أم يعم ما كان نابتا فيها، كما فسره به الشهيد في محكي البيان و النفلية.

و مثله ما عن الإسكافي، حيث قال: «فإن لم يحضر الأحجار تمسح بالكرسف أو ما قام مقامه، و لا أختار الاستطابة بالآجر أو الخزف إلا إذا ألبسا طينا أو ترابا يابسا» و عن صاحب المعالم في اثني عشريته موافقته، بناء علي إرادتهما المفهوم من الشرطية، فإن ذلك مخالف للإطلاقات المتقدمة الشاملة للخرق و الكرسف من الصوف، و لصورة تيسر الأحجار بلا إشكال.

ثمَّ إنه صرح في العروة الوثقي بالاكتفاء بكل قالع حتي أصابع المتخلي نفسه، و في الجواهر أنه مقتضي الأخذ بظاهر عباراتهم. و إن تنظّر فيه هو و غير واحد ممن تأخر عنه، منهم سيدنا المصنف قدّس سرّه.

لكن لا ينبغي الإشكال في انصراف كلماتهم عنه و إن كان مقتضي إطلاقها.

كما أنه لا مجال للتعدي إليه بعدم الفصل أو بفهم عدم الخصوصية من النصوص المتقدمة في الكرسف و نحوه.

نعم، هو مقتضي إطلاق صحيح يونس. و ما ذكره بعض مشايخنا من أنه بصدد بيان ما يعتبر في الوضوء و مقدماته، و طهارة الأصابع أولي بالاشتراط، فكيف يراد به ما يعم الاستنجاء بالأصابع و لا ينبه فيه إلي تطهيرها.

مندفع: بأن اشتراط طهارة أعضاء الوضوء لا ينافي جواز الاستنجاء بها ثمَّ تطهيرها، كما لو تنجست بسبب الاستنجاء بالخرق و نحوها.

و عدم التنبيه علي تطهيرها حينئذ لعله لوضوح وجوبه أو لعدم فرض الاستنجاء بها الموجب لتنجسها و إن كان جائزا بمقتضي الإطلاق، بخلاف أصل

ص: 82

و الماء أفضل (1)، و الجمع أكمل (2).

______________________________

تطهير موضع الغائط و البول، فان المفروض نجاستهما، و ربما توهم عدم وجوبه و صحة الصلاة بدونه، كما ينسب لبعض العامة.

فالظاهر تمامية إطلاق الصحيح المذكور. و إن كان في العمل به في ذلك، بل في مطلق جسد الإنسان- و إن كان غير المتخلي- إشكال.

(1) إجماعا، كما في الغنية و كشف اللثام. و عن المنتهي نسبته إلي أهل العلم.

و تقتضيه النصوص الكثيرة منها صحيح مسعدة بن زياد المتقدم في وجوب الاستنجاء بالماء مع التعدي. و صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في قول اللّه عز و جل إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ قال: كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار، ثمَّ أحدث الوضوء، و هو خلق كريم، فأمر به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و صنعه، فأنزل اللّه في كتابه إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» «1».

و مثله كثير مما ورد في بيان نزول الآية و غيره.

و لا ينافي ذلك ما تضمن سيرة بعض المعصومين عليهم السّلام علي الاستنجاء بالأحجار، فإنه لا يدل علي التزامهم عليهم السّلام بترك الماء، بل تكرر الاكتفاء منهم بالتمسح، و هو لا ينافي استحباب الماء، إذ لا مانع من تكرر تركهم لبعض المستحبات، و لو لعدم سهولتها.

نعم، مداومتهم علي ترك المستحب مع تيسره بعيد عن شأنهم عليهم السّلام.

(2) كما في الشرائع. و لعله إليه يرجع ما في كلام غير واحد من أن الجمع أفضل. بل ادعي عليه الإجماع في الغنية و ظاهر الخلاف و المعتبر، و عن المنتهي نسبته إلي أكثر أهل العلم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

ص: 83

______________________________

و يقتضيه مرفوع أحمد بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، و يتبع بالماء» «1». و المرسل عن أمير المؤمنين عليه السّلام المتقدم في المتعدي عن الموضع المعتاد.

مضافا إلي ما قيل من الاستظهار باستعمال المطهرين. و حفظ اليد عن الاستقذار و بقاء الرائحة.

لكنه- كما تري- لا يصلح للتأييد، فضلا عن الاستدلال.

و أما المرسل فهو لا يقتضي إلا استحباب إتباع الماء في ظرف استعمال الأحجار، و هو لا يقتضي استحباب الأحجار التي يتوقف عليها الاتباع- الراجع إلي الجمع- لأن المشروط لا يقتضي حفظ شرطه، فهو لا يدل إلا علي عدم سقوط استحباب الماء باستعمال الأحجار، نظير عدم سقوط استحباب الجماعة بالانفراد.

فالعمدة المرفوع الذي يظهر من غير واحد الاستدلال به، و منه يظهر أن المستحب هو تقديم التمسح، كما نبه له غير واحد، و لعله منصرف إطلاق الآخرين، بقرينة أكثر استدلالاتهم.

كما ظهر لزوم كون التمسح بالنحو الذي يترتب عليه التطهير شرعا، لأنه المنصرف من إطلاق الأحجار في المرفوع و كلماتهم.

و ما في الروضة من الاكتفاء بالحجر الذي يزيل العين لتحقق الغرض، موقوف علي كون منشأ استحباب الجمع حفظ اليد عن الاستقذار و بقاء الرائحة.

و قد عرفت ضعفه.

ثمَّ إنه قال في الوسيلة في تعداد المستحبات: «و الجمع بين الحجارة و الماء في الاستنجاء، و تقديم الحجر علي الماء، أو الاقتصار علي الماء».

و قد يظهر منه عدم أفضلية الجمع من الاقتصار علي الماء، نظير ما تقدم في مفاد المرسل.

و هو خلاف ظاهر المرفوع. إلا أن يحمل علي كون صدره لبيان السنة في

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

ص: 84

مسألة 5 الأحوط وجوبا اعتبار المسح بثلاثة أحجار

(مسألة 5): الأحوط وجوبا اعتبار المسح بثلاثة أحجار (1) أو نحوها إذا حصل النقاء بالأقل.

______________________________

الاستنجاء بالأحجار و كون إتباع الماء الذي تضمنه الذيل أمرا مستقلا خارجا عن السنة التي تضمنها الصدر، فيجري فيه ما تقدم في المرسل.

لكنه لا يخلو عن إشكال، و لعل الأظهر كون الذيل تتمة لبيان السنة، كما فهمه الأصحاب. فلاحظ.

هذا، و قد اقتصر في القواعد علي ذكر الجمع في المتعدي عن المخرج.

و عممه إليه في الروضة، و نسبه في المدارك و الجواهر إلي المعتبر، و إن لم أعثر فيه علي ذلك إلا في غير المتعدي.

و كيف كان، فقد يستدل عليه بالمرسل، الشامل أو المختص بالتعدي.

و بإطلاق المرفوع. و حفظ اليد عن الاستقذار و بقاء الرائحة.

لكن تقدم الإشكال في ظهور المرسل في استحباب الجمع.

و إطلاق المرفوع موقوف علي شمول الاستنجاء للمتعدي، و قد تقدم المنع عنه.

كما تقدم عدم نهوض الوجه الأخير بالاستدلال.

نعم، لو أريد استحباب الجمع بالإضافة إلي خصوص الموضع المعتاد اتجه دخوله في إطلاق المرفوع، لصدق الاستنجاء بالإضافة إليه، كما تقدم.

(1) كما في الشرائع و النافع و المعتبر، و القواعد و جامع المقاصد، و ظاهر المراسم و إشارة السبق و اللمعتين. و عن المنتهي و التحرير و الإرشاد و الذكري و الدروس و البيان و الموجز و الاثني عشرية و شرحيهما و الدلائل و غيرها و ظاهر المقنعة و الكافي.

و في المدارك و عن الذخيرة و الكفاية و غيرها أنه المشهور.

بل قد يستظهر من المعتبر الإجماع عليه، حيث لم ينقل الخلاف إلا عن مالك و داود.

ص: 85

______________________________

هذا، و قد عبر غير واحد من القدماء عن التثليث بالسنة أو المسنون، كالشيخ في النهاية و الخلاف و ابني حمزة و زهرة في الوسيلة و الغنية، و عن السيد و الشيخ في جميلهما و ابني البراج و إدريس في المهذب و السرائر، بل في الغنية دعوي الإجماع علي ذلك. و في محكي المبسوط: انه إن نقي بدون الثلاثة استعمل الثلاثة عبادة.

لكن صرح في محكي السرائر بوجوب إكمال الثلاثة لو نقي المحل بدونه، و هو ظاهر الخلاف، لاستدلاله عليه بالأمر به في بعض النصوص، ثمَّ قال: «و ظاهره الوجوب، إلا أن يقوم دليل».

إلا أن يحمل الوجوب في كلامه علي ما يعم الاستحباب- في قبال احتمال كون الأمر بالثلاثة لغلبة حصول النقاء بها- كما يناسبه ما ذكره في صدر كلامه من أن حد الاستنجاء النقاء، سواء كان بالأحجار أم بالماء، فان الوجوب تعبدا لا من جهة الاستنجاء بعيد جدا.

كما أنه لا إشكال في ظهور كلام غيره ممن تقدم في الاستحباب، بل هو كالصريح من الوسيلة، حيث قال: «فان زالت النجاسة بواحد استعمل تمام الثلاثة سنة، و إن لم تزل بثلاثة استعمل حتي تزول فرضا». و إلي ذلك ذهب في المدارك، و قال في مفتاح الكرامة: «و قد حكم بعدم لزوم الإكمال أيضا في الاقتصار، و نقل ذلك عن الجامع و مصباح الشيخ و. نسبه في السرائر إلي المفيد، و كذا في المفاتيح نسبه إلي الشيخين، و لم أجد له في المقنعة نصا، و لعله ذكره في غيرها.

و مال إليه في. المجمع و الكفاية و المفاتيح، و ربما لاح من التذكرة الميل إليه».

و نسبه في الجواهر إلي محكي المختلف.

و قد يستفاد من إطلاق الصدوق في الفقيه إجزاء الاستنجاء بالحجارة و نحوها من دون تنصيص علي العدد، و نحوه عن النزهة.

هذا كله في أقوال الأصحاب في المقام.

و أما مقتضي الأدلة فتوضيحه: أن مقتضي الاستصحاب هو لزوم التثليث، بناء علي ما هو الظاهر من جريان استصحاب النجاسة في الشبهات الحكمية، كما

ص: 86

______________________________

أشرنا إليه غير مرة، و أطلنا الكلام فيه في مبحث تتميم الماء المتنجس كرا.

و عليه يقع الكلام.

أولا: في وجود إطلاق صالح للخروج عن الأصل المذكور يقتضي الاكتفاء بزوال العين.

و ثانيا: في وجود مقيد للإطلاق المذكور- لو فرض تماميته- ملزم بالتثليث.

أما الأول فقد استدل عليه ببعض النصوص.

الأول: صحيح عبد اللّه بن المغيرة «1» المتقدم في الاستنجاء بالماء، المتضمن أنه لأحد للاستنجاء الا النقاء، لظهور عموم الاستنجاء للاستجمار.

لكن استظهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه اختصاصه بالاستنجاء بالماء، و ما يتحصل منه في وجه ذلك: أن المراد بالنقاء إن كان هو زوال العين اختص بالاستنجاء بالأحجار، و إن كان هو زوالها مع الأثر اختص بالاستنجاء بالماء، و حيث لا جامع بينهما فالحديث إما مجمل، أو محمول علي الثاني، لأنه مقتضي إطلاق النقاء، لأن الأثر من أجزاء الغائط حقيقة.

و لأن إرادة الاستنجاء بالماء من الحديث متفق عليه. بل إرادة خصوص الاستجمار من لفظ الاستنجاء في غاية الندرة، و لا سيما مع غلبة وجود الماء، بل استعماله بعد زمن التابعين.

و لأن بقاء الريح بعد الاستجمار لا يعلم الا من جهة العلم ببقاء الأثر، و هو أولي بالسؤال من الريح، فتخصيص السؤال بالريح ظاهر في إرادة الاستنجاء بالماء الذي يمكن معه استكشاف بقاء الريح بشم اليد الملاقية لموضع الغائط ببلتها الناقلة له، بخلاف الاستجمار.

و يندفع: بأنه لا مانع من إرادة الجامع بين الأمرين، لعدم التفات العرف إلا إلي العين التي يجب إزالتها في الموردين. و ليس الأثر- في فرض الالتفات إليه- إلا كاللون من سنخ العرض المتخلف عنها عرفا، و إن كان جزءا منها دقة حقيقة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 87

______________________________

و وجوب إزالته في الماء، لأجل الإطلاقات المقامية بقرينة ورود الغسل ارتكازا مورد التنظيف الرافع للاستقذار المتوقف علي ارتفاع الأثر، الذي لا إشكال في عدم ارادته مع التمسح.

و لا سيما مع كون وصول الماء إليه موجبا لظهوره باللمس- لذوبانه و سعة حجمه- و شدة استقذاره.

و بالجملة: وجوب إزالته مع أحد المطهرين دون الآخر إنما هو لخصوصية في كل منهما من دون أن يقتضي اختلاف مفهوم الإنقاء فيهما، ليتعذر الإطلاق.

نعم، لو أضيف النقاء إلي نفس محل القذر كالثوب و البدن، كان ظاهرا في زوال الأثر، لأن المنصرف منه النظافة الرافعة للاستقذار التي أشرنا إلي توقفها علي زواله.

لكن لا مجال للحمل علي ذلك في المقام، لظهور الموصول في إرادة ما علي المحل من النجاسة الملزم بحمل الإنقاء علي إزالته، كما قد يناسبه مقابلة النقاء ببقاء الريح، و قد عرفت أن المنصرف من الإزالة إزالة العين.

علي أنه لو فرض ظهور الإنقاء في إزالة الأثر تعين رفع اليد عنه بقرينة إطلاق الاستنجاء في السؤال، و لا مجال لرفع اليد به عن الإطلاق المذكور، لإمكان اعتماد المجيب علي القرينة التي يتضمنها السؤال، و تعذر اعتماد السائل علي القرينة التي يتضمنها الجواب.

غاية الأمر أن يعتمد علي قرينة أخري تناسب الجواب. لكن الأصل عدمها.

نعم، لو كان ظهور الجواب مستحكما بنحو لا يقبل التنزيل علي ظهور السؤال كشف عن احتفاف السؤال بالقرينة المذكورة، أو عدم مطابقة الجواب له، و لا مجال لدعوي ذلك في المقام، فان تنزيل الإنقاء علي ازالة العين قريب في نفسه.

و بما ذكرنا يظهر سقوط كثير من الوجوه التي ذكرها لترجيح الحمل علي خصوص الاستنجاء بالماء، لأنها مبنية علي فرض تعذر الإطلاق، و لا تصلح لرفع اليد عنه لو فرض تماميته، لما أشير إليه غير مرة من عدم تقييد الإطلاق بالغلبة.

ص: 88

______________________________

علي أن غلبة استعمال الماء بعد زمن التابعين غير ظاهرة.

و أما عدم السؤال عن الأثر فلعل الوجه فيه ما أشرنا إليه من الغفلة عنه في قبال العين بخلاف الريح. بل من القريب جدا وضوح حكمه مع كلا المطهرين، فان تعذر إزالته بالتمسح المتعارف، و ارتكاز توقف تنظيف الماء علي ازالته مستلزم لوضوح وجوب إزالته في الثاني دون الأول، فيستغني معه عن السؤال عنه.

كما أنه لا تتوقف صحة السؤال عن الريح علي فرض العلم ببقائه ليشكل فرضه في الاستجمار، بل يكفي الشك فيه، لوجوب الاستظهار منه لو فرض وجوب إزالته و لو لاستصحاب النجاسة.

و بالجملة: ما ذكره قدّس سرّه لا يرجع إلي محصل ظاهر يمكن الخروج به عن ظهور الحديث في الإطلاق. بل لعل السؤال عن الريح موجب لقوة ظهوره في العموم للاستنجاء بالأحجار، لأن الغالب استناد بقاء الريح إلي بقاء الأثر اللازم معها، و إلا فبقاؤها مع الغسل الرافع له إنما يكون مع شدة نفوذها، و هو نادر، كما أشار إليه في الجواهر.

الثاني: صحيح يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الوضوء الذي افترضه اللّه علي العباد لمن جاء من الغائط أو بال. قال: يغسل ذكره، و يذهب الغائط، ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين» «1».

لكن استظهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه اختصاصه بالاستنجاء بالماء أيضا.

بدعوي: ظهور الوضوء المسؤول عنه في الغسل بالماء- كما أشار إليه في الجواهر أيضا- نظير ما في صحيح جميل المتقدم في وجه أفضليته من الاستجمار.

و العدول عن التعبير بغسل الدبر إلي التعبير بإذهاب الغائط إما للتوسع في العبارة، أو لاستهجان ذكر الدبر، أو للتنبيه علي عدم الاكتفاء بمسمي الغسل الذي يبقي معه الأثر، بل لا بد من إزالته عملا بإطلاق الإذهاب.

و يندفع بأن ظاهر الوضوء في السؤال هو الوضوء الرافع للحدث، لأنه

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

ص: 89

______________________________

المنصرف منه، و هو المفترض بعد المجي ء من الغائط، كما أشارت إليه آية التيمم، و الذي أجيب عنه بقوله: «ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين». و إلا فالاستنجاء واجب بخروجهما لا بالمجي ء منهما.

و لعل التفضل منه عليه السّلام بذكر الاستنجاء للتنبيه علي كونه من مقدمات الصلاة التي افترض لأجلها الوضوء، ردعا عما عليه بعض العامة.

أو لكونه من المقدمات العادية التي يسأل عنها معه أو تذكر تبعا له، كما في بعض النصوص مثل خبر الهاشمي الوارد في وضوء أمير المؤمنين عليه السّلام «1» و صحيح الحذاء الوارد في توضئته للباقر عليه السّلام «2» و غيرهما مما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه.

كما أنه لا مجال لما ذكره في توجيه العدول عن التعبير بالغسل إلي التعبير بالاذهاب.

إذ لا نكتة في التوسع في العبارة مع كون العطف أفيد و أخصر.

و ليس الدبر أشد استهجانا من الذكر. مع أماكن الفرار عنه بالكناية، أو بإضافة الغسل للغائط، و ليس المبني في النصوص علي الاهتمام بهذه الجهة.

كما أن التعبير بالغسل أظهر في لزوم إزالة الأثر من التعبير بالاذهاب، لما تقدم في الصحيح السابق.

نعم، استشكل قدّس سرّه في حمل السؤال و الجواب علي ما ذكرنا.

تارة: بأنه لا يناسب الجواب بالمرتين، للإجماع علي عدم وجوبهما، و إنما الخلاف في جوازهما.

و اخري: بأن ذكر الاستنجاء مع عدم السؤال عنه تفضلا موجب لسقوط الإطلاق عن الاستدلال، لعدم سوق الكلام لبيان تفاصيله، بل للإشارة إليه إجمالا، نظير قولنا: إذا فرغت من الاستنجاء فافعل كذا.

و لعل ما في الرياض من إجمال الحديث بلحاظ بعض ما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل باب 16 من أبواب الوضوء، حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 8.

ص: 90

______________________________

لكن يندفع الأول: بأن الظاهر أن ذكر المرتين ليس للأمر بهما، بل لبيان الحد الأعلي الوضوء المفروض، في قبال ما عليه العامة من التثليث، لكون ذلك هو المسؤول عنه، دون وجوب الوضوء، أو كيفيته، لفرض الأول في السؤال و إهمال الثاني في الجواب.

و يندفع الثاني: بأن التفضل إنما يمنع من الظهور في الإطلاق لو أشير فيه لماهية الفعل و عنوانه من دون شرح لحاله، كما في المثال الذي ذكره، حيث أطلق فيه عنوان الاستنجاء، دون مثل الصحيح المتضمن لذكر ما يتحقق به الاستنجاء من غسل الذكر و إذهاب الغائط، خصوصا مع التفرق بينهما في التعبير الظاهر في التصدي لشرح الماهية.

و مثله ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من انصراف إطلاق إذهاب الغائط بقرينة الارتكاز العرفي في التطهير إلي نقاء العين و الأثر، فالاكتفاء بزوال العين في الاستجمار يتوقف علي الاعتماد علي أخباره و النظر فيها.

لاندفاعه: بأنه لا مجال للخروج عن الإطلاق بالقرينة المذكورة بعد فرض العموم للاستجمار الذي لا يزول معه الأثر غالبا أو دائما، و لذا لا يتوهم لزوم ذلك في الثلاثة باختيار الأحجار الكبيرة التي يكون استيعابها بالمسح مستلزما لذلك في الجملة.

الثالث: صحيح بريد عن أبي جعفر عليه السّلام: أنه قال: «يجزي من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزي من البول إلا الماء» «1».

بدعوي: ظهوره في الجنس بعد تعذر الاستغراق و عدم القرينة علي العهد، فيجزي ما يمسح الغائط و يزيله و إن كان حجرا واحدا.

و دعوي: ظهوره في جنس الجمع لا جنس المفرد.

مدفوعة: بأن ذلك يتم في المنكر لا في المعرّف، و إلا فهو ظاهر في مطلق الجنس، سواء كان باللام أم بالإضافة، كما في قوله تعالي:

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

ص: 91

______________________________

وَ إِذٰا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ «1» و قوله تعالي وَ إِذٰا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينُ. «2» و قوله تعالي فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ «3» إلي غير ذلك.

فالعمدة في خدش الاستدلال به أنه وارد لبيان مشروعية الأحجار في الجملة كما يناسبه ما في ذيله من مقابلته بالبول الذي لا يجزي فيه إلا الماء.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر المسح فيه هو مسح الغائط المزيل له، لا مسح موضعه، فيكون ظاهرا في الاكتفاء بالنقاء، و وجوب ما زاد عليه ليس تقييدا، كي يدعي عدم الإطلاق الدافع له، بل هو راجع إلي عدم إجزائه، كما لو وجب أمر آخر غير المسح، و هو خلاف ظاهره. فتأمل جيدا.

الرابع: صحيح زرارة: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كان الحسين بن علي عليه السّلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغتسل». «4»

لكن عدم تقييد الكرسف لا يوجب الإطلاق بعد وروده في نقل قضية خارجية لعلها كانت مبنية علي التعدد، كما هو المصرح به في موثقة الآخر عنه عليه السّلام: «سألته عن التمسح بالأحجار فقال: كان الحسين بن علي عليه السّلام يمسح بثلاثة أحجار» «5»، فهو لا يدل الا علي مشروعية التمسح و الاجتزاء به عن الغسل، و هو مقتضي التنبيه في ذيله علي عدم الغسل.

و مثله في ذلك صحيحة الآخر: «كان يستنجي من البول ثلاث مرات، و من الغائط بالمدر و الخرق» «6».

و ما يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه من التفريق بينهما بعدم ظهور الثاني في

______________________________

(1) الأنعام: 68.

(2) النساء: 8.

(3) النحل: 43، الأنبياء: 7.

(4) الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 92

______________________________

كون الحاكي هو الامام عليه السّلام فلا يكون إطلاقه حجة، بخلاف الأول.

غير ظاهر، فإن حكاية الإمام عليه السّلام لا توجب الإطلاق في القضية الخارجية.

نعم، قد يستفاد الإطلاق من عدم التنبيه علي القيد لخصوصية في المورد، كما لو ورد جوابا عن سؤال مطلق، مثلا لو سئل الإمام عليه السّلام عن الصلاة في الصوف، فأجاب بأن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يصلي في الصوف، اتجه التمسك بالإطلاق، لظهوره حينئذ في صلوح الجواب لبيان الحكم في مورد السؤال بنحو يترتب عليه العمل فيه علي إطلاقه المستلزم لعدم أخذ القيود فيه، بخلاف المقام مما لم يعلم فيه وجه ورود النقل، إذ لعله لبيان أصل مشروعية التمسح، أو لمحض نقل القضية الخارجية.

الخامس: إطلاق الاستنجاء في كثير من النصوص، حيث استدل بذلك في الجواهر بتقريب أن الاستنجاء لغة هو غسل محل النجو أو مسحه.

لكن لم أعثر في النصوص علي ما تضمن الإطلاق المذكور، فان النصوص المتضمنة لعنوان الاستنجاء قد وردت لبيان أحكامه بنحو يظهر منها المفروغية عما هو المشروع منه، مثل ما ورد في نسيان الاستنجاء «1»، و استحباب الوتر فيه «2»، و كراهته باليمين «3»، و باليد التي فيها خاتم فيه اسم اللّه تعالي «4»، و كيفية الجلوس له «5»، و ليست واردة لبيان وجوب الاستنجاء، ليتجه التمسك بإطلاقها. فالعمدة في إثبات الإطلاق المذكور هو الصحيحان الأولان.

نعم، لا يبعد التمسك بالإطلاقات المقامية للنصوص المتضمنة لمشروعية الاستجمار، فإنه حيث كان الاستجمار شائعا عند الناس، و لا يدركون من فائدته إلا إزالة العين، فظاهر حال الشارع في إقراره و ترتيب الآثار عليه إرادة ما عليه الناس،

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 9، 10 من أبواب أحكام الخلوة.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(3) راجع الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة.

(4) راجع الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة.

(5) راجع الوسائل باب: 37 من أبواب أحكام الخلوة.

ص: 93

______________________________

و اعتبار ما زاد علي ذلك محتاج إلي دليل خاص، من دون فرق بين التثليث و غيره.

و المتحصل: أنه لا ينبغي التأمل بعد ملاحظة ما تقدم في أنه لا مسرح للاستصحاب في المقام، و أنه لو فرض قصور ما استدل به علي التثليث كان المتعين الاكتفاء بالبقاء، عملا بالإطلاقات اللفظية و المقامية المذكورة.

و لذا لا ريب عندهم في الاكتفاء بزوال العين لو لم يحصل النقاء بالثلاثة، مع وضوح قصور نصوص التثليث عن الفرض المذكور، و ليست هي شاملة له بنحو تقيد فيه بالزيادة، ليدعي أن اللازم الاقتصار علي المتيقن في تقييده، و هو ما أوجب النقاء، لأن مدعي المستدل بها ظهورها في التحديد غير القابل للتقييد، أو بيان أقل المجزي، من دون تحديد للأكثر.

كما أن احتمال اعتمادهم فيه علي إجماع تعبدي بعيد جدا، لظهور مفروغيتهم عنه بسلائقهم، المناسب لارتكاز إطلاق الاجتزاء بالنقاء عندهم بنحو يرجع إليه عند قصور نصوص التثليث.

بل يكاد يقطع الناظر في كلماتهم و فيما تقدم بأنه لو لا النصوص الآتية لما توقفوا في الاكتفاء بالنقاء، و لم يتجشموا إقامة الدليل الخاص عليه الذي يخرج به عن مقتضي الاستصحاب. هذا كله في الأمر الأول، و هو تنقيح الإطلاق المقتضي للاجتزاء بالنقاء.

و أما الثاني- و هو تقييد الإطلاق المذكور بالتثليث- فقد استدل عليه في كلامهم بالنصوص الكثيرة.

منها: صحيح بريد المتقدم، بدعوي: أن أقل الجمع ثلاثة.

و منها: موثق زرارة المتقدم، لأن نقل الامام عليه السّلام لسيرة الحسين عليه السّلام علي التثليث في مقام الجواب عن التمسح ظاهر في التحديد به و وجوبه.

و يؤيده ما في صحيح أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار. فأكل رجل من الأنصار الدبا فلان بطنه، فاستنجي

ص: 94

______________________________

بالماء.» «1».

و منها: صحيح زرارة المتقدم في أول الفصل المتضمن لقول الباقر عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور. و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله» «2» و صحيحة الآخر عنه عليه السّلام: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله.» «3» و مرفوع أحمد بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» «4».

و منها: النبوي: «و ليستنج بثلاثة أحجار أبكار» «5» و نحوه نبويات أخري، و في بعضها أنه صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يستنجي بدون الثلاثة.

لكن الجميع لا يخلو عن إشكال لما تقدم من ظهور صحيح بريد في الجنس. و دلالة الموثق موقوفة عن كون السؤال فيه عن شروط التمسح، و لا قرينة عليه، لاحتمال كون المراد به السؤال عن أصل مشروعيته، فيكون الجواب مسوقا لبيان ذلك.

بل لعله الأنسب بالاستشهار بسيرة الحسين عليه السّلام، لوضوح أن الاستشهاد علي التثليث بسنة النبي صلّي اللّه عليه و آله أولي، بخلاف أصل المشروعية، فان الاستشهاد عليه بسيرة الحسين عليه السّلام أولي من الاستشهاد بسنة النبي صلّي اللّه عليه و آله، لعدم دفع سنته صلّي اللّه عليه و آله لاحتمال النسخ الذي يقرب كونه منشأ السؤال. لأن المشروعية في صدر التشريع يبعد اختفاؤها و احتياجها للسؤال.

كما أن بيان أصل المشروعية هو الظاهر من صحيح أبي خديجة بقرينة ذيله.

و أما ما تضمنه الموثق و الصحيح من سيرة الحسين عليه السّلام و الناس فهو لا يدل علي الوجوب.

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(5) مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

ص: 95

______________________________

و أما صحيح زرارة الأول فدلالته موقوفة علي مفهوم العدد، و هو غير ظاهر.

و دعوي لغويته في المقام لو لم يكن له مفهوم.

ممنوعة، لإمكان كون الغرض منه التنبيه علي الفضل. و لا سيما بعد تعقيبه بيان السنة التي يحتمل أن يكون المراد بها الاستحباب، لا ما شرعه النبي صلّي اللّه عليه و آله علي نحو الإلزام.

بل لا إشكال في عدم وجوب خصوصية الحجر، لما تقدم من الاجتزاء بكل قالع. و التفكيك بين العدد و المعدود خلاف الظاهر.

و منه يظهر حال صحيحة الآخر، و المرفوع.

و النبويات ضعيفة السند، و لا يتضح انجبارها بعمل الأصحاب بعد عدم روايتهم لها في كتب الحديث المشهورة، و المظنون أخذها من العامة.

فالخروج بذلك عن الإطلاق المتقدم في غاية الاشكال، و أشكل منه ما في المستند من التفصيل بين الحجر و غيره، فيختص التثليث بالحجر، لاختصاص أدلته به.

لاندفاعه: بأن الأدلة لو تمت تقتضي الاقتصار علي الأحجار الثلاثة، و عدم الاجتزاء بما دونها و لا بغير الحجر. و إلغاء خصوصية الحجر للأدلة المتقدمة لا يقتضي إلغاء التثليث في غيره. و ليس مفادها اشتراط اعتبار التثليث باستعمال الأحجار، ليرجع في غيرها للإطلاق. و اللّه سبحانه و تعالي العالم بالحال، و منه نستمد العصمة و التوفيق.

بقي في المقام فروع تبتني علي القول بالتثليث.

الأول: صرح في المعتبر و الشرائع و الروضة و المدارك و كشف اللثام و غيرها بعدم إجزاء المسحات الثلاث بالحجر الواحد ذي الشعب، و هو المحكي عن جمل السيد و ظاهر المقنعة و المصباح و غيرها، بل هو ظاهر كل من عبّر بثلاثة أحجار، كالخلاف و المراسم و إشارة السبق و اللمعة و محكي السرائر و الكافي و غيرها. و عن شرح المفاتيح أنه المشهور. و عن المبسوط: «و الحجر إذا كان له ثلاثة قرون فإنه يجزي عن ثلاثة أحجار عند بعض أصحابنا. و الأحوط اعتبار العدد

ص: 96

______________________________

لظاهر الأخبار». و ما ذكره من ظهور الأخبار قد تبعه علي الاستدلال به غير واحد، بل هو عمدة الدليل في المقام.

و أما الأصل فهو موقوف علي عدم تمامية إطلاق يقتضي الاكتفاء بالنقاء، كما تقدم.

هذا، و قد صرح في القواعد بالاجتزاء بالمسحات الثلاث بالحجر الواحد، و وافقه في جامع المقاصد، و هو المحكي عن المقنعة و ابن البراج و جملة من كتب العلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم، بل عن الروض و شرح الألفية دعوي الشهرة عليه.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 97

و قد استدل عليه.

تارة: بأن المراد بثلاثة أحجار في النصوص ثلاث مسحات، نظير قولنا:

ضربته عشرة أسواط كما عن المختلف.

و اخري: بالنبوي: «و ليستنج بثلاث مسحات» «1».

و ثالثة: بحصول المقصود و هو إزالة النجاسة و بأنه يجزي المسح بالحجر الواحد بعد تكسيره و انفصال أجزائه، فكذا مع اتصالها، للقطع بعدم الفرق.

قال في محكي المختلف: «و أي عاقل يفرق بين الحجر متصلا بغيره و منفصلا».

كما أنه يجزي استنجاء ثلاثة بالحجر الواحد كل بجهة منه، فيجزي للواحد.

و لأنه إذا غسل الحجر أجزأ و إن استنجي بالجهة التي مسح بها أولا، فكذا بالجهتين الطاهرتين قبل الغسل.

و يندفع الأول: بأنه خلاف الظاهر، و التنظير في غير محله، إذ مع عدم الباء ينصب العدد علي أنه مفعول مطلق لبيان عدد المصدر، و قد أقيمت الآلة مقامه و أعطيت ما له من إعراب و إفراد أو تثنية أو جمع، و التقدير ضربته عشر ضربات سوط، كما نص عليه الرضي في شرح الكافية و غيره من النحويين، أما مع الباء فيكون المعدود بنفسه آلة للفعل، فلا بد من تعدد الآلة.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.

ص: 97

______________________________

و الثاني بعدم حجية النبوي، لعدم إسناده من طرقنا. و لا مجال لدعوي انجباره بعمل الأصحاب بعد عدم روايتهم له في كتب الحديث المشهورة و عدم وضوح اعتمادهم عليه، و لعله راجع إلي ما حكي عن بعضه العامة من روايتهم عنه صلّي اللّه عليه و آله: «إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات» «1».

علي أنه أعم من نصوص تثليث الأحجار، فيخصص بها، كما ذكره في الحدائق و المستند.

اللهم إلا أن يكون حملها عليه بجعله قرينة علي كون تعدد الأحجار فيها لأجل تعدد المسح أقرب عرفا من حمله عليها بتخصيصه بها، و لو لخصوصية المورد لبعد خصوصية تعدد الحجر. و لا أقل من تساوي الوجهين الملزم بالرجوع لإطلاقات النقاء المقتضية لعدم وجوب تعدد الحجر. فتأمل جيدا.

و أما الثالث فما اشتمل عليه من التنظيرات لا يخلو بعضها عن إشكال، لاحتمال منافاة الثاني لما عن بعضهم من اعتبار البكارة، بل الثالث مناف له قطعا، بل هو لا يتم بناء علي اعتبار تثليث الأحجار، و إنما يمكن تسليم الخصم به في استنجاء آخر.

علي أنه يشبه القياس و الاستحسان الذي لا مجال للاعتماد عليه إلا أن يوجب القطع، الذي تختص حجيته بمن حصل له، و لا يصلح للاحتجاج عند الخصام.

و لا طريق لتحصيله مع كون أصل التثليث تعبديا محضا يخفي وجهه علي العرف، إذ ليس هو بأولي من دعوي القطع بعدم خصوصية تعدد المسح و أن الغرض كميته، فيكفي المسح الواحد بالحجر الكبير إذا كان بقدر ثلاث مسحات بالأحجار المتعارفة.

هذا، و قد ذكر في الجواهر أن المستفاد من نصوص تثليث الأحجار اعتبار تعدد المسح، و تعدد الممسوح به- بمعني تعدد السطح الذي يقع به المسح-

______________________________

(1) حكي عن مجمع الزوائد للهيثمي ج: 1 ص: 211 و كنز العمال ج: 5 ص: 85.

ص: 98

______________________________

و كون الماسح حجرا، و انفصال بعضه عن بعض. و انجبارها في الأولين بالشهرة لا ينافي الخروج عنها في الثالث بالإجماع المتقدم، و في الرابع بالشهرة المتقدم دعواها عن الروض، و بغيرها مما يظن معه ببقائه تحت الإطلاق المتقدم.

و يشكل: - مع عدم وضوح الشهرة علي الثاني، بل الظاهر ابتناؤه عندهم علي الرابع- بأن العامل بنصوص تثليث الأحجار لا يحتاج لدعوي انجبارها، لقوة أسانيدها، و عدم صلوح الشهرة لجبر الدلالة، فلا بد من فرض تمامية دلالتها.

و حينئذ فرفع اليد عن خصوصية الحجر للإجماع أو النصوص المتقدمة لا يقتضي رفع اليد عن خصوصية التعدد في الممسوح به الذي هو بمعني تعدد الجسم الذي يكون به المسح، لا تعدد السطح الماسح، لعدم الدليل عليه.

و مجرد دعوي الشهرة علي إلغاء الخصوصية المذكورة- مع معارضتها بدعوي الشهرة علي الخلاف- لا تنهض بالخروج عن ظهور النصوص المذكورة.

و الظن ببقائه علي الإطلاق لا ينفع بعد فرض وجود المخصص التام الدلالة و السند.

نعم، لو فرض فهم عدم الخصوصية عرفا لتعدد الجسم الماسح و أن المفهوم من الكلام إرادة تعدد المسح بحيث يكون هو ظاهر الخطاب و إن لم يكن هو المعني الحقيقي- كما قد يظهر من الجواهر الجزم به- كفي في التعدي و إن لم يقطع بعدم الفرق و لم يقم عليه دليل خاص.

و ذلك و إن كان قريبا في الجملة، لقرب غفلة العرف عن دخل الخصوصية المذكورة، إلا أنه لا مجال للجزم به في مثل التثليث من الأمور التعبدية التي يخفي وجهها.

فالخروج عن مفاد الأدلة لا يخلو عن إشكال.

بل لا ينبغي الريب في عدم الإجزاء بناء علي اعتبار البكارة، علي ما سيتضح عند الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

هذا، و في المدارك: «فالمتجه تفريعا علي المشهور من وجوب الإكمال مع النقاء بالأقل عدم الاجزاء، و مع ذلك فينبغي القطع بإجزاء الخرقة الطويلة إذا

ص: 99

______________________________

استعملت من جهاتها الثلاث، تمسكا بالعموم». بل قد يظهر من محكي المنتهي عدم النزاع في الأجزاء في مثل الثوب و الحائط.

لكن ظهور دليل التثليث في لزوم تعدد الماسح ملزم بالخروج عن العموم في غير الأحجار بعد رفع اليد عن خصوصيتها بدليل التعميم لكل قالع، لما أشرنا إليه من عدم التلازم بين الأمرين، و لا ظهور لأدلة التثليث في كون وجوبه مشروطا باستعمال الأحجار، و إلا لزم الاكتفاء بالنقاء في غيرها، كما تقدم من المستند و تقدم الاشكال فيه.

و لعله لذا ذكر في المعتبر لزوم قطعها.

و أما ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه و يظهر من الجواهر من الاكتفاء بالخرقة الطويلة و الصخرة العظيمة التي يعد أطرافها عرفا بمنزلة الأشياء المستقلة.

فهو مبني علي الاكتفاء بالتعدد التسامحي، المحتاج إلي الإثبات.

و ما في الجواهر من نسبة عدم الاجتزاء بذلك إلي الجمود، لا يجدي بعد عدم رجوعه للقطع و لا الظهور.

نعم، لا يبعد الاكتفاء بالمسح بالأحجار المتعددة المثبتة في الحائط الواحد، لأن وصل الجص و نحوه بينها لا يوجب وحدتها عرفا، ليقصر عنها إطلاق أدلة التثليث.

و لا أقل من الشك في قصوره الراجع إلي إجماله الذي يلزم معه الرجوع لإطلاق النقاء.

ثمَّ إنه قد يظهر من المعتبر الاجتزاء باستعمال الموضع الطاهر من الحجر المستعمل بعد كسره و فصله عنه، بل هو كالصريح منه في الثوب.

و يشكل: بأن التعدد فيه بلحاظ الحدود لا بلحاظ الذات، الذي هو المنساق من الأدلة.

و أشكل منه ما قد يظهر منه من الاجتزاء باستعمال الحجر المستعمل بعد غسله، لعدم الإشكال في عدم التعدد معه، فلا يناسب مذهبه من لزوم تثليث نفس الأحجار.

ص: 100

______________________________

بل قوي في الجواهر عدم الاجتزاء به حتي بناء علي جواز الاكتفاء بالمسح بشعب الحجر الواحد.

و كأن وجهه ما سبق منه من فرض الشهرة علي ذلك بنحو يجبره للنصوص فيه، و سبق الاشكال فيه.

هذا، و ربما يكون مراد المعتبر استعمال المستعمل بعد كسره أو غسله في استنجاء آخر و لو لنفس الشخص المستنجي به أولا، فيرجع إلي عدم اعتبار البكارة، الذي لو تمَّ لم يحتج استعمال الوجه الطاهر إلي الكسر.

الثاني: صرح في الشرائع بوجوب إمرار كل حجر علي موضع النجاسة، و كأنه يريد استيعاب كل حجر للموضع، كما يظهر من شراح كلامه، و عن شرح الألفية أنه الأصلح مع نسبته للشهيد في جميع كتبه، بل عن محكي المفاتيح و شرحها نسبته إلي الشهرة.

لكن في الجواهر أنه لم يعثر علي موافق صريح للشرائع، سوي بعض متأخري المتأخرين، و أن المشهور هو الاجتزاء بالتوزيع.

و قد صرح بإجزائه في المعتبر و القواعد و المدارك، و هو المحكي عن المبسوط و المنتهي و التحرير و التذكرة و محكي الجامع و نهاية الأحكام و الذكري و الدروس و البيان، و غيرها. بل في مفتاح الكرامة أنه قد نص عليه أجلاء الأصحاب.

و العمدة في وجه الاجزاء دعوي صدق المسح بثلاثة أحجار معه. و لو فرض الشك في ذلك الراجع إلي إجمال دليل التثليث كان المرجع إطلاقات النقاء، حيث يقتصر في تقييدها علي المتيقن، و هو لزوم التثليث في الجملة و لو بالنحو المذكور.

لكن الانصاف ظهور أدلة التثليث في استيعاب كل حجر لتمام الموضع، بمقتضي ظهور كون كل منها جزءا من المطهر الذي يلزم استيعابه لتمام موضع النجاسة، لا أن المطهر للمجموع مجموعها و لو بنحو التوزيع، نظير ما ورد من صب الماء مرتين علي البول الذي يصيب الجسد.

ص: 101

______________________________

و أما الاستدلال علي وجوب الاستيعاب بصحيح زرارة المتقدم: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله» «1» بدعوي: ظهوره في مسح تمام الأثر و العجان الذي يراد به الدبر.

فهو لا ينفع إلا بالقرينة التي ذكرناها، و التي تجري في غيره من النصوص، لصدق مسح العجان بالثلاثة مع التوزيع، نظير إنارة الدار بعشرة مصابيح.

ثمَّ إنه علي القول باجزاء التوزيع يتعين الاكتفاء بالمسح بثلاثة أحجار دفعة واحدة بجمعها و إمرارها علي الموضع معترضة، و إن كان بعيدا عن مساق كلامهم، لعدم الدليل علي وجوب الترتيب في المسح بين الأحجار. أما علي المختار فهو متعذر.

هذا، و قد تعرضوا لكيفية الاستجمار بالثلاثة و كيفية التوزيع بما لا مجال لإثبات وجوبه بعد سكوت النصوص عنه، فيلزم البناء علي الاكتفاء بأي وجه يتحقق به استيعاب مسح تمام المحل بكل حجر أو بمجموع الأحجار عملا بالإطلاقات اللفظية أو المقامية.

نعم، لا بد من عدم تلويث بعض المواضع الطاهرة بالوجه غير المتعارف، لعدم الدليل علي كفاية الأحجار حينئذ، كما لا يخفي.

الثالث: لو لم ينق الموضع بالثلاث وجب الإنقاء بلا إشكال، بل بالإجماع المنقول و المحصل، كما في الجواهر، و قد ادعي عليه الإجماع في المعتبر و كشف اللثام و المدارك، و عن غيرها.

و يقتضيه إطلاقات الإنقاء المتقدمة، كما أشرنا إليه آنفا.

و يلزم لأجلها رفع اليد عن نصوص التثليث، و حملها علي الغالب- كما قيل- بل هي منصرفة عن صورة عدم الإنقاء، بسبب وضوح عدم ارتفاع نجاسة الغائط و وجوب التطهير منه.

بل لا يبعد كون مقتضي الجمع بين الطائفتين تقييد إحداهما بالأخري،

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

ص: 102

مسألة 6 يجب أن تكون الأحجار أو نحوها طاهرة

(مسألة 6): يجب أن تكون الأحجار أو نحوها طاهرة (1).

______________________________

بحمل الثلاث التي جرت بها السنة علي الثلاث المنقية، فالثلاث غير المنقية كما لا تكون مطهرة لا تؤدي بها السنة، بل تؤدي بما يتحقق به النقاء بعد ذلك.

لوضوح أن السنة للتطهير من الغائط لا في استعمال الأحجار تعبدا. و عليه يعتبر فيما يتحقق به النقاء ما يعتبر في الثلاث، كالبكارة- لو قيل باعتبارها فيها- أما علي الوجهين الأولين فلا يعتبر فيه شي ء، عملا بالإطلاق. فتأمل جيدا.

ثمَّ إنه صرح في المعتبر و القواعد و المدارك و عن جمع غيرهم باستحباب الوتر مع الزيادة علي الثلاث.

و يقتضيه خبر الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إذا استنجي أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء» «1».

(1) كما صرح به غير واحد، بل في الغنية و عن المنتهي و التحرير الإجماع عليه، و ظاهر غير واحد المفروغية عنه، لعدم تعرضهم لدليله.

و لا ينبغي الإشكال فيه مع مماسته للموضع برطوبة مسرية، لأنه ينجسه.

بل لا بد حينئذ من تطهيره بالماء و عدم إجزاء الأحجار. كما في القواعد و جامع المقاصد و عن المنتهي و التحرير و الذكري. لاختصاص نصوص الأحجار بالتطهير من الغائط الخارج حين التخلي، لأنه هو الاستنجاء و لا إطلاق لها يشمل النجاسة العرضية.

و دعوي: أن المتنجس لا يتنجس ثانيا.

غير ظاهرة، بل لا مانع من ترتب أثره الملاقاة الطارئة و تأكد النجاسة بها. من دون فرق في ذلك بين تنجسه بغائط و غيره، كما في جامع المقاصد و كشف اللثام و محكي التحرير و الذكري.

خلافا لظاهر القواعد فاكتفي بالأحجار في المتنجس بالغائط، و تردد فيه في

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

ص: 103

______________________________

محكي المنتهي. و علله في جامع المقاصد و كشف اللثام بامتناع اجتماع المثلين.

و فيه: أنه لا مانع من التأكد، فيترتب أثر الطارئ.

و أما مع عدم مماسة الحجر المتنجس للموضع برطوبة مسرية فالعمدة فيه- بعد إطلاق معاقد الإجماع- قاعدة أن فاقد الشي ء لا يعطيه التي هي في المقام ارتكازية و إن لم تكن عقلية، و التي لا يبعد كونها في المقام و نظائره إجماعية. قال الفقيه الهمداني قدّس سرّه: «إجماعا منقولا مستفيضا بل متواترا، كما لا يخفي علي من تتبع كلماتهم في المقام و نظائره، فإنه لا يكاد يرتاب في أن من القواعد المسلمة عندهم التي صرحوا بالإجماع عليها في كل مقام هي أن النجس لا يكون مطهرا».

و يشهد بذلك تسالمهم علي اعتبار الطهارة في الأرض المطهرة لباطن القدم، و التراب الذي يعفر به الإناء في الولوغ، بل طهارة تراب التيمم و ماء الوضوء و الغسل و أعضائهما، و إن أمكن الاستدلال لبعض ذلك بالخصوص بوجوه أخري فتأمل.

و دعوي: أن الماسح في المقام ليس مطهرا، بل المطهر زوال عين النجاسة المسبب عن المسح، كما قد يستفاد من إطلاق إذهاب الغائط في صحيح يونس بن يعقوب المتقدم.

مدفوعة: بأن مقتضي تفريع الأحجار في صحيح زرارة المتقدم علي قوله عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور» أنها طهور تستند طهارة الموضع إليه لا إلي زوال العين.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا من الاستدلال بالصحيح المذكور علي اعتبار طهارة الماسح، لأن الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره.

فيدفعه ما صرح به في مبحث مطهرية الماء و وافقناه فيه من أن الطهور لغة هو المطهر، و اعتبار طهارته إنما هو بضميمة ملازمة المطهرية للطهارة الراجعة إلي الإجماع أو القاعدة الارتكازية التي أشرنا إليها، فلا وجه للاستدلال بذلك في مقابلهما. فلاحظ.

هذا، و قد صرح في المقنعة و النهاية و الوسيلة و القواعد و النافع و الشرائع

ص: 104

______________________________

بعدم استعمال الحجر المستعمل، و هو المحكي عن السرائر و المهذب و الجامع و الإصباح و غيرها.

و يقتضيه مرفوع أحمد بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، و يتبع بالماء» «1».

لكنه- مع ضعفه- محتمل للاستحباب، لأن السنة تعمه. بل ذكر غير واحد أن اشتماله علي الاتباع ملزم بحمله عليه. إلا أنه يندفع باحتماله الاستئناف و عدم بيان السنة، فلا ينافي إرادة الوجوب منها.

نعم، يتعين كونه لبيان السنة علي تقدير عدم الواو، كما رواه سيدنا المصنف قدس سره.

لكنها مثبتة في التهذيب و الوسائل المطبوعين حديثا، و أصر عليها شيخنا الأستاذ قدّس سرّه.

فالعمدة ما ذكرنا. و لعله لذا صرح بعدم اعتبار البكارة في المبسوط و جامع المقاصد و الروضة و المدارك، و هو المحكي عن التذكرة و الموجز و الروض، و هو ظاهر اللمعة و محكي الدلائل، بل الغنية، حيث صرح فيها باجزاء الطاهر.

بل قد يستظهر أيضا ممن اقتصر علي ذكر الأحجار، لأن البكارة ليست كالطهارة من الشروط الارتكازية التي قد تستغني عن التنصيص عليها.

بل لا يبعد كون مراد بعض من صرح باعتبار عدم الاستعمال الكناية عن اعتبار الطهارة، كما قد يناسبه الاقتصار عليه، و عدم ذكر الطهارة في النهاية و النافع، و عطف نجس العين عليه في الشرائع، و لا سيما مع ما في المعتبر، حيث صرح باشتراط عدم الاستعمال، ثمَّ قال: «و أما الحجر المستعمل فمرادنا بالمنع الاستنجاء بموضع النجاسة منه». و قال في المقنعة: «استبرأ بثلاثة أحجار طاهرة لم تستعمل في إزالة النجاسة قبل ذلك»، لقرب إرادته تأكيد اعتبار الطهارة، كما يناسبه تعميمه لمطلق النجاسة، لا لخصوص الاستنجاء. و قريب منه ما في محكي

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

ص: 105

______________________________

السرائر، حيث قال: «و تكون الأحجار أبكارا غير مستعملة في إزالة النجاسة».

بل في الجواهر: «صرح جملة من الأصحاب بجواز الاستنجاء بالمتنجس بالاستنجاء بعد غسله و تطهيره، بل في المصابيح: و لو طهر المتنجس بالاستنجاء أو غيره جاز استعماله إجماعا».

فنسبة عدم اعتبار البكارة إلي المعظم قريبة جدا. فلا مجال لدعوي انجبار المرفوع بالعمل. بل قد يظهر من بعضهم حمل كلام جميع من ذكره علي الكناية عن اعتبار الطهارة، حتي مثل العلامة في القواعد الذي عطف عليه النجس، بحمل النجس علي نجس العين فقط.

لكن الإنصاف أنه مخالف للظاهر.

و مثله ما يظهر من المدارك من حمل المرفوع علي ذلك، حيث استدل به عليه. فإنه و إن كان قريبا في نفسه، إلا أنه مخالف لأصالة الحقيقة بلا قرينة.

و أشكل منه ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه من انصراف الحديث إلي ما عليه أثر الاستعمال بالفعل، بدعوي: أنه لا يظن بأهل العرف أن يفهموا من هذا الرواية عدم جواز استعمال الحجر المستعمل في الأزمنة السابقة بعد كسر موضع انفعاله أو غسله.

فان ما ذكره قدّس سرّه إنما يفهم في بعض الموارد بالقرينة، حيث قد يستفاد منها كون مانعية الاستعمال من جهة الاستقذار الخارجي، و لا مجال له بدونها.

بقي في المقام شي ء، و هو أن المراد بالاستعمال في المقام هو الاستعمال في الاستنجاء لا في مطلق التطهير بنحو يشمل استعمال الأرض لتطهير باطن القدم- كما استظهره في الجواهر- فضلا عن غيره، و لا خصوص الاستعمال في الاستنجاء بالنحو الذي يتنجس به الحجر، كما قد يظهر من الفقيه الهمداني.

لانحصار الدليل في المقام بالمرفوع المتضمن لعنوان البكارة التي لا يراد منها إلا عدم استعمال الحجر، كما يناسبه تفسير البكر بالعذراء لغة و عرفا، و حيث لا يراد منه مطلق الاستعمال، لعدم مانعية مثل الضرب بالحجر و التيمم به، و غير ذلك مما لا يتعلق بالتطهير من الخبث، فالأقرب حمله علي الاستنجاء، لأنه

ص: 106

مسألة 7 يحرم الاستجمار بالأجسام المحترمة

(مسألة 7): يحرم الاستجمار بالأجسام المحترمة (1).

______________________________

الاستعمال الخاص الذي أخذ العنوان شرطا فيه، حيث يتعارف الاعتماد علي القرينة المذكورة في بيان المراد من البكارة، بل هي مانعة من الحمل علي الإطلاق- لو أمكن. و لا سيما مع كون الاستنجاء هو الاستعمال المعهود في الحجر بعنوانه حسبما تعرضت له النصوص.

نعم، لا يبعد شموله للاستعمال في الاستنجاء بالوجه المستحب، كإكمال العدد بعد النقاء، بناء علي عدم وجوبه، و كالوتر فيما زاد عليه. لقرب دخوله في الإطلاق.

كما لا ينبغي الإشكال في عدم الفرق فيه بين الاستعمال في نفس الاستنجاء الواحد و الاستعمال في استنجاء آخر، لنفس الشخص أو لشخص آخر، كما لا يفرق فيه بين غسل الحجر أو كسره و عدمهما، لأن الغسل انما يوجب الطهارة لا البكارة، و الكسر إنما يوجب اختلاف الحدود مع وحدة الذات المفروض عدم البكارة فيها.

(1) الظاهر أن المعيار في الاحترام كون الشي ء مما يحرم توهينه، لا بمعني فعل ما يقصد به توهينه، بل فعل ما يكون موهنا له عرفا، و إن كان بداع آخر، كسهولة تحصيل الغرض و نحوها، لعدم أخذهم قصد التوهين في المقام. بل قد يكون قصد التوهين مساوقا للكفر أو موجبا له- كما في الجواهر- و هو خارج عن محل الكلام.

و منه يظهر الوجه في تحريم الاستنجاء، لوضوح أنه أشد أفراد التوهين بالوجه المذكور.

هذا، و الذي يظهر من الأصحاب أن الأمور المحترمة صنفان.

الأول: المطعوم، كما في الشرائع و القواعد، و نسب في كلام غير واحد إلي جماعة من أصحابنا، بل عن المنتهي نسبته إلي علمائنا، و في الغنية و عن ظاهر الروض دعوي الإجماع عليه.

ص: 107

______________________________

و العمدة فيه ارتكازيات المتشرعة بلحاظ أن في الاستنجاء من التوهين ما لا يناسب وضع النعمة، بل هو بنظرهم- بل نظر العرف- كفر بها لا يناسب شكر المنعم بها.

و أما الاستدلال بفحوي ما ورد في العظم و الروث من التعليل بأنه طعام الجن.

فيشكل بعدم وضوح كون الملاك في ذلك الاحترام، بل لعله التخوف من ضررهم، بل في تلك الأدلة ما يظهر منه أن الملاك هو القيام بشرطهم علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.»

و مثله الاستدلال عليه بما عن الدعائم: «نهوا عليهم السّلام عن الاستنجاء بالعظام و البعر و كل طعام» «1»، لضعفه في نفسه، و قرب كونه رواية بالمعني مستندة إلي اجتهاد الراوي، علي أن عموم الطعام لكل مطعوم لا يخلو عن إشكال.

و أما الاستدلال بما تضمن الأمر باحترام الطعام و النهي عن توهينه، مثل ما تضمن الأمر بلطع القصعة «2»، و مص الأصابع «3»، و أكل ما يسقط من الخوان «4»، و أكل التمرة و الكسرة المطروحة بعد غسلها إن كانت قذرة «5»، و النهي عن أن يوضع الخبز تحت القصعة «6»، و أن ينتظر به غيره «7»، و شمه «8»، و التخوف من وطء المائدة «9».

فلا مجال له بعد ظهور كثير منها في الاستحباب و الكراهة، بل لا يبعد لزوم

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 67، 112 من أبواب آداب المائدة.

(3) راجع الوسائل باب: 67، 78، 112 من أبواب آداب المائدة.

(4) راجع الوسائل باب: 76 من أبواب آداب المائدة.

(5) راجع الوسائل باب: 77 من أبواب آداب المائدة.

(6) راجع الوسائل باب: 81 من أبواب آداب المائدة.

(7) راجع الوسائل باب: 83 من أبواب آداب المائدة.

(8) راجع الوسائل باب: 85 من أبواب آداب المائدة.

(9) راجع الوسائل باب: 79 من أبواب آداب المائدة.

ص: 108

______________________________

حمل جميعها علي ذلك، و لو لضعف سنده.

نعم، ورد في خصوص العجين ما ظاهره تحريم الاستنجاء به، و هي قصة أهل الثرثار الذين استنجوا به، التي وردت بطرق متعددة، و قد تضمن أكثرها أن فيها نزول قوله تعالي قَرْيَةً كٰانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهٰا رِزْقُهٰا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكٰانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّٰهِ فَأَذٰاقَهَا اللّٰهُ لِبٰاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمٰا كٰانُوا يَصْنَعُونَ «1».

لكن لا مجال للتعدي من العجين لكل مطعوم.

نعم، لا ريب في التعدي للخبز بالأولوية العرفية، بل لا ينبغي التأمل في التعدي منه للطحين، بل للحنطة و الشعير، بل لا يبعد التعدي للارز و نحوه.

بل قد يستدل في الحنطة و الشعير بصحيح هشام بن سالم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صاحب لنا يكون علي سطحه الحنطة و الشعير، فيطؤونه يصلون عليه. قال: فغضب ثمَّ قال: لو لا أني أري أنه من أصحابنا للعنته» «2»، و نحوه ما في خبر أبي عيينة «3»، فإن حرمة الوطء تقتضي حرمة الاستنجاء بالأولوية.

لكن لا يبعد حمله علي الكراهة، لأن الوطء في مثل ذلك قد لا يعد توهينا عرفا. فتأمل.

و كيف كان، فنحن في غني عن ذلك بعد عموم الارتكاز في حرمة الاستنجاء لجميع أنواع الطعام مما ينتفع به في الأكل و يعدّ له.

و إن استشكل في بعض ذلك في الجواهر. قال: «لا يبعد عدم ثبوت الاحترام بالنسبة إلي بعض المطعومات الغير المعتادة، كبعض البقول. بل الإنصاف أن بعضا من المعتاد كاللحم و نحوه ليس مبنيا علي الاحترام».

لكنه مشكل.

ثمَّ إن المرتكزات تقضي بحرمة الاستنجاء في مثل الخبز و التمر و الحنطة

______________________________

(1) النحل: 112.

(2) الوسائل باب: 79 من أبواب آداب المائدة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 79 من أبواب آداب المائدة حديث: 4.

ص: 109

______________________________

مطلقا و إن لم يصلح للأكل لتعفن و نحوه. أما في غيره فالمتيقن منها ما إذا كان صالحا للأكل فعلا، دون ما سقط عن ذلك بتعفن و نحوه، أو لم يصلح له رأسا، لعدم نضجه، كما لا يجزي ذلك في مطعوم الحيوانات.

هذا، و يناسب هنا الكلام فيما تعارف بين المتديّنين من الاهتمام بتنحية الخبز و ما يشبهه عن الطريق و نحوه مما يتعرض فيه للوطء و التقذر، فان عملهم ربما كان متفرعا علي بنائهم علي وجوبه، بل كان ظاهر سيدنا المصنف قدّس سرّه الفتوي به فيما إذا كان الخبز بمقدار معتد به بحيث يتحقق به التوهين.

لكن الدليل عليه غير ظاهر، فان المتيقن من المرتكزات في حرمة التوهين لمثل الخبز هو حرمة فعل ما يوجبه، كالاستنجاء به و وطئه، أما وجوب دفع تحققه من الغير بتنحية الخبز عن الطريق الذي يتعرض فيه لذلك فوضوحه من المرتكزات ممنوع، بل ليس المتيقن منها إلا حسن ذلك، لما فيه من تكريم النعمة و كونه من مظاهر شكرها، نظير أكل الخبز حينئذ.

بل حيث كان الابتلاء بذلك في جميع العصور كثيرا فعدم وقوع السؤال عنه في النصوص مع كثرة فروعه قد يوجب الوثوق بعدم وجوبه.

بل قد تضمن غير واحد من النصوص أن ما يسقط من الخوان و المائدة خارج المنزل لا يلقط، بل يترك، ففي صحيح معمر بن خلاد: «سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول: من أكل في منزله طعاما فسقط منه شي ء فليتناوله، و من أكل في الصحراء أو خارجا فليتركه للطير و السبع» «1» و نحوه غيره، و من أن ذلك معرض له لمثل الوطء، و هو لا يناسب وجوب دفع ذلك عنه بتنحيته عن الطريق.

نعم، قد يبلغ التوهين مرتبة يقطع معها بوجوب دفعه عنه، لكثرة الطعام و بشاعة ما يتعرض له من موجباته.

إلا أنه فرض لا ضابط له، و الرجوع مع الشك للبراءة متعين. فلاحظ و اللّه

______________________________

(1) الوسائل باب: 72 من أبواب آداب المائدة حديث: 1.

ص: 110

______________________________

سبحانه و تعالي العالم.

الثاني: ما يكون من شعائر الدين، لانتسابه إليه تعالي أو إلي أوليائه، ككتابه المجيد و كتب الحديث و الأدعية و ما كتب عليه اسمه تعالي أو اسم أحد المعصومين عليهم السّلام و التربة و السبحة الحسينيتين و نحوها، فقد نص في القواعد علي التربة الحسينية، و عمم في كشف اللثام و محكي التذكرة و النهاية لتربة النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام، و زاد في الأخيرين ما كتب عليه القرآن أو العلوم أو أسماء الأنبياء أو الأئمة عليهم السّلام، و في المعتبر ذكر ورق المصحف و كتب الفقه و حديث النبي صلّي اللّه عليه و آله، و عن التحرير ذكر حجر زمزم، و في كشف اللثام: «و بالجملة: ما علم من الدين أو المذهب وجوب احترامه».

و العمدة فيه: أن توهينها بالاستنجاء توهين لمن تنسب إليه، و إليه يرجع ما في المعتبر من أن فيه هتكا للشرع.

و عليه لا بد في ذلك من نسبتها للجهة الشريفة عرفا، لوضعها علي ذلك و تعنونها به في مقام تشريفها، لا محض انتسابها واقعا من دون تعنون، أو مع انسلاخ العنوان المذكور عرفا بعد تحققه، كما لا يبعد في مثل غلاف المصحف إذا فصل عنه و ذهبت معالمه و التربة الشريفة و حجر زمزم إذا لم تؤخذ بالعنوان الخاص المبني علي التبرك.

هذا، و في جامع المقاصد: «يوجد في عبارة بعض الأصحاب ما كتب عليه القرآن. و فيه شي ء، فان هذا يقتضي كفر فاعله، و في التربة المقدسة إن دل استعمالها علي الاستخفاف بالحسين عليه السّلام كذلك».

لكن التفريق بين القرآن و التربة بالإطلاق في الأول و التقييد في الثانية غير ظاهر، و مثله ما يأتي عن شرح الألفية الظاهر في الإطلاق فيهما.

بل الظاهر عدم الكفر في الأمرين و لا في غيرهما مع عدم وقوع الاستنجاء لأجل الاستخفاف و التوهين، و إن استلزم التوهين خارجا، و مع ابتنائه علي ذلك قد يلحق بالكفر في إسقاطه حرمة القائم به، لمنافاته عرفا للاعتراف بالدين و الإقرار به و بشعائره، نظير سب أحد المعصومين عليهم السّلام فتأمل.

ص: 111

و كذا بالعظم و الروث (1)، علي الأحوط وجوبا.

______________________________

نعم، لا بد في ذلك من رجوع الاستخفاف إلي الاستخفاف بمن تنسب إليه هذه الأمور، إما الاستخفاف بنفس الأمر المنتسب، لتجاهل نسبته فهو لا يوجبه، و إن كان محرما بعد فرض حصول التوهين به، كمن يقصد توهين التربة الشريفة، لعدم قناعته بأن توهينها توهين لمن تنسب إليه.

إلا أن يكون تشريف الأمر المنتسب بالنسبة مقوما للدين أو من ضرورياته كتشريف الكتاب المجيد.

(1) باتفاق الأصحاب، كما في المعتبر، و بالإجماع، كما في الغنية و عن الروض و الدلائل و المفاتيح، و عن المنتهي نسبته إلي علمائنا.

و لم يعرف الخلاف فيه قبل الوسائل، حيث حكم بالكراهة، إلا من ظهور إطلاق ابن حمزة في الوسيلة جواز الاستجمار بما يزيل العين سوي ما يؤكل، و احتمال العلامة في محكي التذكرة الكراهة الذي قد لا يكون خلافا.

و أما سكوت المراسم عن التنبيه علي ذلك فليس لخلافه فيه، بل لاعتباره فيما يمسح به أن يكون أصله من الأرض، كما سبق.

و كيف كان، فيدل علي التحريم جملة من النصوص، ففي خبر ليث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود. قال: أما العظم و الروث فطعام الجن، و ذلك مما اشترطوا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: لا يصلح بشي ء من ذلك» «1» و قال في الفقيه: «و لا يجوز الاستنجاء بالروث و العظم، لأن وفد الجان جاؤا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، فقالوا: يا رسول اللّه متعنا فأعطاهم الروث و العظم، فلذلك لا ينبغي أن يستنجي بهما» «2» و في حديث المناهي: «و نهي أن يستنجي

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الفقيه طبع النجف الأشرف ج: 1 ص: 20 و ذكر الحديث في الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

ص: 112

______________________________

الرجل بالروث و الرمة» «1»، و في الخلاف: «و روي سلمان قال: أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن نستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع و لا عظم» «2» و رواية الدعائم المتقدمة في المطعوم، و غيرها.

و لا مجال للإشكال فيها بضعف السند بعد انجبارها بعمل الأصحاب بالوجه المذكور، خصوصا رواية ليث التي وقع في سندها غير واحد من الأجلاء و يظهر من الأصحاب الاستدلال بها، حتي ذكر في المعتبر أنه رواها الأصحاب عن ليث.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من عدم ظهور روايتي ليث و الفقيه في الحرمة، بل التعليل في الأولي صارف لبقية النصوص إلي الكراهة.

فهو كما تري! بل التعليل فيهما ظاهر في الحرمة جدا، لوضوح وجوب القيام بشرط النبي صلّي اللّه عليه و آله و بمقتضي عطيته علي أمته، بترك الاستنجاء الذي يظهر من الروايتين منافاته لهما، و ذلك قرينة علي حمل: «لا يصلح» و «لا ينبغي» فيهما علي الحرمة.

ثمَّ إن المعتمد هو إطلاق العظم في رواية ليث و نحوها، و لا مجال للتخصيص بالرمة- التي هي العظم البالي- لحديث المناهي بعد إعراض الأصحاب عنه و اعتمادهم علي غيره في إطلاق المنع.

كما أن الإطلاق المذكور شامل لعظم ما لا يؤكل لحمه.

و تقييده بما يؤكل، لدعوي: اتفاقهم مع الإنس في الحكم. كما تري! و كذا الحال في الروث الذي تضمنته رواية ليث و غيرها، فإنه ظاهر في رجيع ذات الحافر من الخيل و الحمير و نحوها، دون ذات الظلف، و قد يشعر به العدول في الجواب عن البعر إلي الروث في رواية ليث، كما في الجواهر.

و لا مجال للاستدلال علي العموم بإطلاق الرجيع في رواية الخلاف و ذكر البعر في رواية الدعائم، بعد ضعف سندهما و عدم انجبارهما، بل ظهور

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(2) الخلاف طبع إيران الحجري ص: 8.

ص: 113

بل الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بالاستجمار في الجميع (1).

______________________________

إعراض الأصحاب عنهما. و لا سيما مع ما في القاموس من تفسير الرجيع بالروث.

هذا، و أما ما نقله في مفتاح الكرامة عن النهاية و المبسوط من الاقتصار علي العظم فلا وجه له بعد اشتراك الروث معه في الدليل. علي أن المطبوع من النهاية قد اشتمل علي ذكر الروث، و في المبسوط مثّل لما لا يزيل عين النجاسة بالعظم من دون ظهور في الحصر [1].

بقي شي ء، و هو أنه لا بد من الاقتصار علي مورد النصوص المتقدمة، و هو الاستنجاء بالعظم و الروث، و لا مجال للتعدي عنه لتنجيسهما بالغائط بغير الاستنجاء، فضلا عن مطلق التنجيس. بدعوي: أنه مقتضي التعليل بكونهما طعام الجن.

و ذلك لأن ترتب حرمة الاستنجاء علي كونهما طعاما للجن ليس عرفيا، ليمكن التعدي منه لكل ما يشاركه في الجهة المقتضية له، بل هو تعبدي مستفاد من النصوص المختصة بالاستنجاء، فالمرجع في غيره الأصل.

بل لا ينبغي احتمال الحرمة فيه بعد ملاحظة مرتكزات المتشرعة و سيرتهم القطعية علي إهمال العظم و الروث و عدم التحفظ من تنجسهما.

(1) كما هو صريح المبسوط و المعتبر و الشرائع و ظاهر النهاية و الغنية و النافع، و حكي عن السرائر، بل ظاهر الغنية دعوي الإجماع عليه، و عن الذخيرة دعوي الشهرة عليه.

و صرح بالاجزاء في القواعد و جامع المقاصد و المسالك و المدارك، و حكي عن الشهيد و الصيمري و الجامع و الدلال و غيرها، بل عن المفاتيح دعوي الشهرة عليه.

______________________________

[1] قال: «و لا يجوز الاستجمار الا بما يزيل العين، مثل الحجر و المدر و الخرق غيرها، فاما ما يزيل عين النجاسة مثل الحديد الصيقل و الزجاج و العظم فلا يستنجي به».

ص: 114

______________________________

و هو الأوفق بالأدلة، بناء علي ما تقدم من عموم الاجتزاء بكل قالع، عملا بإطلاق صحيح يونس المتضمن للاجتزاء بإذهاب الغائط، و الوجوه المتقدمة للمنع إنما تقتضي النهي التكليفي، الذي لا يقتضي الفساد في المقام و نحوه مما لا يكون عبادة، كما ذكره غير واحد.

لكن ادعي بعض مشايخنا أن نصوص الاستنجاء بالعظم و الروث ظاهرة في الإرشاد إلي البطلان، كما هو الحال في سائر موارد النهي في المعاملة بالمعني الأعم، و هي ما يقصد أثره.

و لعله لذا احتمل في كشف اللثام التفصيل بين ما ورد النهي عنه، كالعظم و الروث، لخروجه عن مورد الرخصة صريحا، بخلاف غيره، و جزم بذلك في الجواهر.

و يندفع: بأن التعليل في بعضها بشرط النبي صلّي اللّه عليه و آله للجن و عطيته لهم ظاهر في صلوحها للاستنجاء ذاتا، و أن منشأ المنع منافاة الاستنجاء لحق الجن، الذي هو كمنافاته لحق الإنس في المغصوب لا يقتضي إلا النهي التكليفي.

نعم، عن الدارقطني: «أن النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يستنجي بروث أو عظم، و قال:

أنهما لا يطهران» «1». و نحوه المرسل في المعتبر، لكن ضعفهما مانع من التعويل عليهما.

و مثله ما ذكره من أن دليل المنع في العظم و الروث إن كان هو الإجماع لا النصوص كان مقتضي العلم الإجمالي الاحتياط بترتيب أثر الحرمة الوضعية و التكليفية معا، و لا مجال للرجوع للإطلاق، لظهوره في نفي كلتا الحرمتين، فيعلم إجمالا تقييده في إحداهما بالإضافة إلي الأمرين المذكورين، فيسقط فيهما معا.

لاندفاعه. أولا: بانحلال العلم الإجمالي بظهور كلماتهم في الحرمة التكليفية، بقرينة استدلالهم بالنصوص المتقدمة الظاهرة فيها، و إنما الكلام عندهم في الجهة الوضعية معها. فتأمل.

______________________________

(1) عن المنتقي لابن تيمية علي هامش نيل الأوطار للشوكاني مجلد: 1 ص: 84.

ص: 115

مسألة 8 يجب في الغسل بالماء إزالة العين و الأثر

(مسألة 8): يجب في الغسل بالماء إزالة العين و الأثر (1)،

______________________________

و ثانيا: بأن الإطلاق ظاهر في الجهة الوضعية، لوروده في مقام بيان الاستنجاء المطهر، فهو يقتضي مطهرية الأمرين المذكورين، فيكون حجة علي الحرمة التكليفية بعد فرض العلم الإجمالي المذكور.

نعم، لو قيل بعدم نهوض الإطلاقات بإثبات التعدي عن الأحجار لكل قالع، و أن مستنده الإجماع فالمتيقن منه غير ما يحرم الاستنجاء به، كما صرح به غير واحد.

هذا، و أما ما عن شرح الألفية من أن أوراق المصحف و تربة الحسين عليه السّلام لا تطهر، بل يكفر مستعملها مع علمه، فلا يتصور الطهارة، بخلاف الجاهل.

فهو- مع عدم تماميته في نفسه، لما تقدم من أنه لا كفر بالاستنجاء لا بداعي الاستخفاف و التوهين- راجع إلي مطهريتها ذاتا، و النجاسة لأمر خارج، و هو الكفر.

(1) كما في المبسوط و الوسيلة و الشرائع و القواعد، و عن المقنعة و السرائر و غيرها.

و الظاهر أن المراد بالأثر- بقرينة مقابلتهم الماء بالأحجار- ما لا يزول بالمسح عادة من الأجزاء الدقيقة العالقة بالمحل غير المحسوسة بالمس إلا مع الرطوبة الموجبة لانحلالها و لزوجة المحل بسببها، لا اللون أو الرائحة- لما يأتي، و لا الرطوبة المتخلفة، لأنها من العين- كما في جامع المقاصد و عن الدلائل- و لأن بقاءها مع الماء غير ممكن. و لا النجاسة الحكمية، ليكون إشارة إلي تعدد الغسل، لأنه- مع بعده عن ظاهر كلامهم- لا دليل علي وجوبه، بل إطلاق النقاء ينفيه.

هذا، و ربما استشكل في وجوب إزالة الأثر بمنافاته لإطلاق النقاء و إذهاب الغائط في صحيحي ابن المغيرة و يونس، الظاهرين في زوال العين، و لا سيما مع شموله للاستجمار، الذي لا يزول به الأثر عادة.

و ربما يستفاد ذلك من كل من عبّر بالنقاء، كالخلاف و النهاية و المعتبر

ص: 116

و لا يجب إزالة اللون (1)

______________________________

و غيرها. قال في المدارك: «المستفاد من الأخبار المعتبرة أن الواجب في الاستنجاء من الغائط هو الإنقاء خاصة، و هو الذي عبر به المصنف رحمه اللّه في النافع و المعتبر.

و أما ما ذكره المصنف قدّس سرّه هنا و جمع من الأصحاب من وجوب إزالة الأثر مع العين، فلم نقف فيه علي أثر».

و يندفع: بأن ورود الغسل مورد التنظيف الرافع للاستقذار قرينة عرفية علي لزوم إزالة الأثر بالمعني المذكور. فراجع ما تقدم في حكم التثليث عند الكلام في صحيح ابن المغيرة.

و بذلك يتجه تنزيل إطلاق النقاء في كلام غير واحد عليه، و لا سيما مع تصريح المعتبر في توجيه الاكتفاء بالنقاء في الماء و عدم اعتبار العدد بأن الغرض منه إزالة النجاسة عينا و أثرا. و أضعف من ذلك الاستدلال لعدم وجوب إزالته بما ورد في بقاء أثر دم الحيض «1». لأن المراد من الأثر فيه اللون، بقرينة الأمر بصبغه بمشق حتي يختلط، لا المعني المراد هنا. فتأمل. مع أنه مختص بمورده.

و عن المراسم اعتبار أن يصرّ الموضع، فإن أراد وجوب ذلك زائدا علي رفع الأثر و النقاء فلا دليل عليه، بل إطلاق الأدلة ينفيه.

و إن أراد توقف ارتفاع الأثر عليه أو توقف العلم به عليه، فهو ممنوع، إذ قد يكون في الموضع دسومة لا يصرّ معها الموضع، و يتحقق النقاء.

(1) كما صرح به غير واحد، خلافا لما عن التنقيح من تفسير الأثر به، لأنه عرض لا يقوم به بنفسه، و لا ينتقل عن محله، فوجوده دليل علي وجود العين، فيجب إزالته.

و يشكل. أولا: بعدم وضوح توقف انتقال العرض علي انتقال المحل القائم به، بل قد يكون بتفاعل الجسمين، و لذا قد يحدث لون آخر مباين للون الجسمين،

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات.

ص: 117

و الرائحة (1)، و يجزي في المسح إزالة العين (2)،

______________________________

كالخضاب بعد بلوغه. و إن لم يكن لنا اطلاع علي حقيقة ذلك.

و ثانيا: بأن الأجزاء الدقيقة التي يتوقف عليها انتقال اللون لا تعد من العين غرفا، و لا تنافي الغسل و الإنقاء و الإذهاب التي تضمنتها الأدلة، و لذا صرحوا في مباحث التطهير بعدم وجوب إزالة اللون، تبعا للنصوص الواردة في دم الحيض «1».

و أما ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من أن ذلك إنما يتم في مثل الثوب مما له مسام دقيقة، دون مثل الجسد مما لا مسام فيه مع مثل العذرة مما لا ثبات في لونه، فحمله للونها لا يكون إلا لبقاء عينها عرفا.

فهو دعوي تحتاج إلي إثبات، و خارجة عن محل الكلام، إذ الكلام في صورة زوال العين عرفا.

(1) كما صرح به في الشرائع و القواعد و غيرهما، بل في المدارك: «هذا مذهب للأصحاب لا أعلم فيه مخالفا» و في كشف اللثام: «حكي عليه الإجماع».

و يقتضيه- مضافا إلي إطلاق إذهاب الغائط في صحيح يونس المتقدم، و إطلاق الغسل المنصرف في المقام و غيره من موارد التطهير للإنقاء غير المتوقف علي زوال الرائحة- صحيح ابن المغيرة المصرح بعدم الاعتداد بالرائحة.

و أما ما عن الأردبيلي من تنزيل الأثر في كلامهم علي الرائحة و حمله علي للندب.

فهو لا يناسب ظهور كلامهم في وجوب إزالة الأثر، و لا تعرضهم للرائحة في مقابله.

(2) كما هو مقتضي الأمر بالإنقاء و إذهاب الغائط في صحيحي عبد اللّه بن المغيرة و يونس المتقدمين، بل هو المنصرف من إطلاقات المسح في نصوص المقام، لارتكاز أن الغرض منه ذلك.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب النجاسات.

ص: 118

و لا تجب إزالة الأثر (1) الذي لا يزول بالمسح بالأحجار عادة (2).

______________________________

(1) كما في المبسوط و ظاهر السرائر، بل هو ظاهر كل من اقتصر في المسح علي زوال العين، و لا سيما بعد مقابلته بزوال الأثر معها في الماء، بل في المعتبر دعوي الإجماع علي العفو عن أثر النجاسة بعد زوال العين، و إنما الكلام في طهر المحل و عدمه معها.

و العمدة فيه: أن التمسح بنفسه لا يوجب زوال الأثر غالبا أو دائما، فتشريعه ظاهر في عدم وجوب إزالته، و به يخرج عن القرينة المتقدمة. و بذلك يتعيّن حمل كلام من اقتصر علي ذكر النقاء- كالنهاية و غيرها- عليه.

هذا، و ظاهر الأصحاب الطهارة مع بقاء الأثر، لا مجرد العفو عنه، بل هو المصرح به في المعتبر و جامع المقاصد، و عن النزهة و المنتهي و التذكرة و الذكري و غيرها، و ظاهر المعتبر و محكي المنتهي عدم الخلاف فيه من أصحابنا، لأنهما حكيا الخلاف عن الشافعي و أبي حنيفة.

و يكفي فيه تفريع الأحجار في صحيح زرارة المتقدم في أول الفصل علي قوله عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور».

(2) لأن ذلك هو المناسب للوجه المتقدم للعفو عنه.

و لعله عليه يحمل ما في المبسوط و الشرائع و غيرهما من عدم جواز المسح بصيقل لا يزيل النجاسة، و ما في القواعد و عن غيرها من عدم جوازه بما يزلق عنها.

لوضوح أن الصيقل قد يزيل النجاسة بالمسح، إلا أنه يبقي معه مرتبة من الأثر أكثر من مرتبة ما يبقي منه مع التمسح بالأحجار و نحوها، لا يشملهما إطلاق التمسح عرفا، لانصرافه- بقرينة ارتكاز نجاسة الغائط بتمام أجزائه و كون الغرض التطهير منه- إلي زواله ما يمكن زواله من أجزاء العين مع المسح المتعارف، و حيث كان ذلك خارجا عنه، فلا طريق لإثبات العفو عما يبقي معه.

هذا، و أما الاجتزاء بالماسح المذكور بعد حصول النقاء لا كمال العدد- كما

ص: 119

مسألة 9 إذا خرج مع الغائط نجاسة أخري لا يجزي في التطهير إلا الماء

(مسألة 9): إذا خرج مع الغائط أو قبله أو بعده نجاسة أخري- مثل الدم- و لاقت المحل لا يجزي في التطهير إلا الماء (1).

______________________________

استوضحه في الجواهر- فهو لا يخلو عن إشكال، لأن نصوص التثليث مختصة بالأحجار، و المتيقن في التعدي عنها غير ذلك.

و لا مجال للرجوع لإطلاق إذهاب الغائط و النقاد- و لو فرض صدقهما في المقام- لأن نصوص التثليث أخص. نعم، قد يتجه الاجتزاء به لتحقيق الوتر المستحب بعد النقاء، لعدم منافاته للإطلاق المذكور. إلا أن يدعي انصرافه إلي ما هو نظير المسح الذي يحصل به النقاء. فلاحظ.

(1) ففي مفتاح الكرامة: «و نص الشهيد و المحقق الثاني و أبو العباس و الصيمري علي عدم إجزاء الأحجار مع خروج الغائط ممتزجا بغيره من النجاسات. و هو ظاهر الأكثر».

و العمدة فيه: خروج ذلك عن الاستنجاء الذي هو موضوع مطهرية الأحجار، نظير ما تقدم فيما لو مسح بالحجر النجس.

و منه يظهر امتناع الاستجمار أيضا بالحجر المرطوب رطوبة مسرية، لانفعاله بالنجاسة و انفعال الموضع به.

و لو شك في طروء النجاسة الخارجية أجزأت الأحجار، للعلم بارتفاع نجاسة الغائط بها و استصحاب عدم غيرها.

و لا مجال للرجوع لاستصحاب النجاسة، لأنه من القسم الثالث من استصحاب الكلي، بناء علي تعدد النجاستين، بحيث يمكن زوال أحدهما دون الأخري، أما بناء علي اتحادهما و لحوق حكم الأشد لهما، فيكون من القسم الثاني.

ص: 120

الفصل الثالث: في آداب التخلي

اشارة

الفصل الثالث يستحب للمتخلي- علي ما ذكره العلماء رحمهم اللّه- أن يكون بحيث لا يراه الناظر (1)،

______________________________

(1) لما في خبر حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال لقمان لابنه:. و إذا أردت قضاء حاجتك فابعد الذهب في الأرض» «1»، و في مرسل الطبرسي عنه عليه السّلام في وصف لقمان: «و لم يره أحد من الناس علي بول قط و لا اغتسال، لشدة تستره و تحفظه في أمره. فبذلك أوتي الحكمة و منح القضية» «2» و مرسل الشهيد في النفلية عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «أنه لم ير علي بول أو غائط» «3» و مرسله الآخر: «و قال عليه السّلام:

من أتي الغائط فليستتر» «4»، و في مرسل الاحتجاج في جواب الكاظم عليه السّلام لأبي حنيفة: «يتواري خلف الجدار.» «5» و غيرها.

و ظاهر هذه النصوص إرادة الاستتار عن الناظر سواء كان بالبعد في مثل الصحاري من الأمكنة المنكشفة، أم بالجلوس خلف حاجب من بناء أو ربوة، بل و الاستتار بمثل الستر المضروب، و ما في الجواهر من عدم كفاية الاستتار بعباءة و نحوها لم يتضح وجهه.

إلا أن يريد به مثل لبس العبادة الساترة للبدن، لصدق النظر للشخص معها عرفا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1، 2، 3، 4.

(5) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

ص: 121

______________________________

نعم، يظهر من بعض النصوص استحباب بناء الكنيف في أستر موضع من الدار، فعن الدعائم: «و روينا عن بعضهم عليهم السّلام أنه أمر بابتناء مخرج في الدار، فأشاروا إلي موضع غير مستتر من الدار، فقال عليه السّلام: يا هؤلاء ان اللّه عز و جل لما خلق الإنسان خلق مخرجه في أستر موضع منه، و كذلك ينبغي أن يكون المخرج في أستر موضع في الدار» «1» و عن توحيد المفضل: «أ ليس من حسن التقدير في بناء الدار أن يكون الخلاء في أستر موضع فيها، فهكذا جعل اللّه سبحانه المنفذ المهيأ للخلاء من الإنسان في أستر موضع منه» «2».

لكن هذا- لو تمَّ- مستحب آخر زائد علي استحباب التستر حين قضاء الحاجة.

ثمَّ إنه عبر في الشرائع و القواعد باستحباب ستر البدن، و ظاهره- و لا سيما مع إلحاقه في الأول بوجوب ستر العورة- إرادة ستر البدن بثوب و نحوه، و لا مجال لحمل النصوص المتقدمة عليه، و لا دليل عليه من غيرها، كما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

و لعله لذا حمله في المدارك و غيرها علي ما في المتن من تستر المتخلي نفسه بالبعد أو الجلوس من خلف حائل.

نعم، لا يبعد كراهة التعري تحت السماء و لو في غير حال التخلي، لما تضمن النهي عن الغسل تحت السماء بغير مئزر «3».

و أما دعوي: كراهة التعري مطلقا لخبر أبي بصير الذي لا يخلو عن اعتبار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «قال: إذا تعري أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا» «4» و لنصوص المئزر، الشاملة لصورة عدم وجود الناظر.

فهي لا تخلو عن إشكال، لظهور الخبر في الأمر بالاستتار لا باستعمال

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(2) مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب آداب الحمام حديث: 2، 3، 4.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

ص: 122

و لو بالابتعاد عنه (1)، كما يستحب له تغطية الرأس (2)،

______________________________

الساتر، فيلزم حمل التعري المنهي عنه فيه علي التعري مع عدم الاستتار.

و نصوص المئزر حيث كانت ظاهرة في الحرمة و خصصت بوجود الناظر فلا مجال لاستفادة الكراهة منها مع عدمه.

ثمَّ إنه لا وجه لتخصيص ذلك بالغائط بعد ورود بعض النصوص المتقدمة في البول و قرب فهم عدم الخصوصية للغائط من غيرها.

(1) كما هو المتيقن من بعض النصوص المتقدمة و غيرها.

(2) كما صرح به غير واحد. بل في المعتبر و عن الذكري و المفاتيح أن عليه اتفاق الأصحاب.

و يقتضيه ما عن المقنعة: «ان تغطية الرأس إن كان مكشوفا سنة من سنن النبي صلّي اللّه عليه و آله «1» و ما عن الجعفريات بسنده عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله. كان إذا أراد الكنيف غطي رأسه» «2».

و علله في الفقيه بالإقرار بأنه غير مبرئ نفسه من العيوب، و في محكي المقنعة بأنه يأمن بذلك من عبث الشيطان، و من وصول الرائحة الخبيثة إلي دماغه، و بأن فيه إظهار الحياء من اللّه تعالي لكثرة نعمه علي العبد و قلة الشكر منه.

و هذه التعليلات كما تري، إذ لم نعثر علي ما تضمنها من النصوص، لتكون شرعية تعبدية. كما أنها ليست عرفية، كيف و لا إشكال في عدم كون تغطية الرأس بمثل العمامة و القلنسوة من مظاهر الحياء أو الإقرار بالعيب.

كما أن طريق وصول الرائحة الأنف لا الرأس. إلا أن يريدوا بالرأس ما يقابل الجسد، لا ما يقابل الوجه الذي يحده قصاص الشعر، حيث قد يتجه فيه بعض هذه التعاليل. إلا أنه يتوقف علي قصد ذلك منه.

مع أن المعني المذكور لا يناسب مرسل المقنعة، لأن الرأس بالمعني

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 123

و التقنع (1)، و هو يجزي عنها (2)،

______________________________

المذكور منكشف غالبا بسبب كشف الوجه، فلا وجه للتقييد بكونه مكشوفا، بل لا مجال للبناء علي استحباب ستر جميعه، لعدم الإشكال في سيرتهم عليهم السّلام علي كشف بعض الوجه. إلا أن يريدوا بستره ما يساوق التقنع الذي يأتي الكلام فيه، كما قد يناسبه عدم ذكر كثير منهم للتقنع مع ورود غير واحد من النصوص به.

(1) ففي المرسل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه [كان يعمله] إذا دخل الكنيف يقنع رأسه، و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه.» «1».

و في وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله لأبي ذر: «يا أبا ذر استحي من اللّه، فإني و الذي نفسي بيده لا ظل حين أذهب إلي الغائط متقنعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي» «2»، و عن الدعائم عنهم عليهم السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان إذا دخل الخلاء تقنع و غطي رأسه و لم يره أحد» «3».

(2) لأنه أخص منها، لتحقق التغطية بمثل العمامة و القلنسوة مما لا يصدق معه التقنع. فيلزم لأجل ذلك حمل الجمع بينهما في خبر الدعائم المتقدم علي التفسير الراجع إلي عدم استحباب التقنع إلا لأجل التغطية، أو التأكيد بلحاظ استلزام التقنع للتغطية.

و الأول هو الظاهر من الحديث، و الثاني هو المناسب لظاهر بقية النصوص.

هذا كله بناء علي أن المراد بالرأس الذي يستحب ستره هو المقابل للوجه، الذي يحده قصاص الشعر، أما بناء علي أن المراد به ما يقابل الجسد فالنسبة بينه و بين التقنع لا تخلو عن إشكال، لما أشرنا إليه آنفا من عدم إمكان البناء علي استحباب ستر جميعه، و أنه لا بد من كشف بعض الوجه.

كما أنه لم يتسير لنا تحديد التقنع بعد الرجوع لما تيسر الاطلاع عليه من

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(3) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 124

و التسمية عن التكشف (1).

______________________________

كلمات اللغويين و غيرها.

فمقتضي إطلاق التقنع علي لبس بيضة الحرب كونه ستر الرأس، كما أن قناع المرأة عرفا ما يستر رأسها و رقبتها عدا قرص الوجه.

و لعله المناسب لما أرسله في مكارم الأخلاق عن عبد اللّه بن وضاح: «رأيت أبا الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام و هو جالس في مؤخر الكعبة و تقنع و أخرج أذنيه من قناعه»، و في جمهرة ابن دريد: «و كل مغط رأسه فهو مقنع، و من ذلك قولهم:

تقنع القوم في الحديد إذا تكفروا و لبسوا المغافر و البيض». و ربما يستفاد ذلك من غيره من اللغويين، لاضافتهم القناع للرأس.

ثمَّ إن المحكي عن الشيخين و المفاتيح استحباب التقنع فوق العمامة. فإن أرادوا به استحباب التقنع في فرض وجود العمامة، فهو في محله، إلا أنه لا يتعين كونه فوقها. و إن أرادوا به استحباب الجمع بين الأمرين، فلا دليل عليه.

(1) ففي صحيح محمد بن الحسين عن العسكري عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن جعفر عليه السّلام: «قال: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله إذا انكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل:

بسم اللّه، فان الشيطان يغض بصره» «1» و نحوه موثق السكوني «2».

هذا و قد أطلق غير واحد من الأصحاب التسمية في مستحبات الخلوة، و ظاهره استحبابها عند دخول الخلاء، بل هو المصرح به في المعتبر، المدعي عليه فيه اتفاق الأصحاب.

و يقتضيه غير واحد من النصوص، كالمرسل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المتقدم في التقنع، و نحوه مرسل الصدوق عنه عليه السّلام «3» و صحيح معاوية بن عمار: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه، اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم. فإذا خرجت فقل: بسم اللّه

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

ص: 125

و الدعاء بالمأثور (1)، و تقديم الرجل اليسري عند الدخول و اليمني عند الخروج (2)،

______________________________

الحمد للّه الذي عافاني من الخبيث المخبث و أماط عني الأذي» «1» و مرفوع سعد بن عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام: «انه قال: من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء: بسم اللّه و باللّه أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» «2».

و لو أريد من التسمية مطلق ذكر اللّه تعالي- و لو بمثل الدعاء- ففيه نصوص أخري يأتي بعضها.

(1) عند الدخول و الخروج بمثل ما تقدم في صحيح معاوية بن عمار و مرفوع سعد بن عبد اللّه و غيره مما تضمنه غير واحد من النصوص.

و ظاهر بعضها استحباب الدعاء عند الفراغ من التخلي، ففي خبر أبي بصير عن أحدهما عليهم السّلام بعد ذكر الاستعاذة بالوجه المتقدم في مرفوع سعد: «و إذا فرغت فقل: الحمد للّه الذي عافاني من البلاء و أماط عني الأذي» «3» و في خبر أبي أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في بيان السنة في دخول الخلاء: «قال: تذكر اللّه و تتعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، فإذا فرغت قلت: الحمد للّه علي ما أخرج مني من الأذي في يسر و عافية» «4».

و هناك أدعية أخري في هذه الحالات و غيرها يضيق المقام عن استقصائها.

كما أن المنساق من الأدلة عدم خصوصية المكان المعد للخلاء في الأدعية المذكورة، بل تشرع عند التهيؤ للتخلي في مكانه و بعد مفارقة مكانه و إن لم يكن معدا لذلك.

(2) كما هو صرح به غير واحد، بل في المدارك أنه مشهور بين الأصحاب،

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 126

و الاستبراء (1)،

______________________________

و في الغنية الإجماع عليه.

و عللوه بالفرق بينه و بين السجدة الذي يستحب فيه العكس، و استحسنه في المعتبر مع اعترافه بعدم الحجة عليه.

و قال في الحدائق: «لكن الصدوق ذكره في الفقيه. و الظاهر أن مثله من أرباب النصوص لا يذكر ذلك إلا عن نص بلغه فيه».

و فيه: أنه لا مجال لاستظهار ذلك منه بعد تعليله له بما تقدم. ثمَّ إنه لو تمَّ ذلك فهل يختص بالبنيان مما يصدق فيه الدخول و الخروج أو يجري في غيره بالإضافة إلي موضع الجلوس؟ وجهان.

(1) كما صرح به غير واحد، و نسب إلي المشهور في المدارك و كشف اللثام و عن غيرهما.

و عقد في الاستبصار بابا في وجوبه، و به صرح في الغنية و الوسيلة، بل في الغنية دعوي الإجماع عليه.

و قد ذكر في الاستبصار في الباب المذكور صحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر أصل ذكره إلي طرفه [رأس ذكره. نسخة من التهذيب] ثلاث عصرات، و ينتر طرفه، فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول، و لكنه من الحبائل» «1» و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يبول. قال: ينتره ثلاثا، ثمَّ إن سال حتي يبلغ السوق فلا يبالي» «2».

لكن تفريع فائدة الاستبراء بعد ذكره في الصحيحين موجب لظهورهما في الإرشاد.

علي أنه قد يستفاد عدم الوجوب من صحيح جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 127

______________________________

«قال: إذا انقطعت درة البول فصب الماء» «1» و خبر روح بن عبد الرحيم قال:

«بال أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا قائم علي رأسه و معي أداوة، أو قال: كوز، فلما انقطع شخب البول قال بيده هكذا إلي، فناولته الماء، فتوضأ مكانه» «2».

بل من القريب حمل كلام من عرفت علي الإرشاد، لبيان توقف جواز البناء علي طهارة البلل المشتبه علي الاستبراء، لا وجوبه تعبدا نفسيا، إذ هو لا يلائم ما تقدم من عدم وجوب أصل الاستنجاء، و لا مقدميا بلحاظ توقف صحة الاستنجاء و ترتب أثره عليه، لبعده جدا، بل بعض نصوص الاستبراء ظاهر في عدم الحكم بنجاسة المحل مع عدم الاستبراء إلا بخروج البلل المشتبه.

و كيف كان فالصحيحان المذكوران لا ينهضان بإثبات الاستحباب فضلا عن الوجوب، كما صرح به غير واحد.

نعم، عن الجعفريات بإسناده عن علي عليه السّلام: «قال: قال لنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

من بال فليضع إصبعه الوسطي في أصل العجان، ثمَّ يسلها ثلاثا» «3»، و نحوه عن نوادر الراوندي «4»، و عن عوالي اللئالي عن داود: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: إذا بال أحدكم فلينتر ذكره» «5».

هذا، و ظاهر الأصحاب تبعا للنصوص اختصاص استحباب الاستبراء بالرجل.

لكن قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و ما في المنتهي من أن الرجل و المرأة سواء، و البكر و الثيب سواء، غير ظاهر المراد و لا ظاهر المستند».

و يأتي في آخر الكلام في كيفية الاستبراء التعرض لاستبراء المرأة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(3) مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(5) مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

ص: 128

و أن يتكئ حال الجلوس علي رجله اليسري و يفرج اليمني (1).

و يكره الجلوس في الشوارع (2)،

______________________________

(1) قال في الحدائق: «و منها الاعتماد علي اليسري ذكره جملة من الأصحاب (رضوان اللّه عليهم). و لم أقف فيه علي نص، و أسنده في الذكري إلي رواية عن النبي صلّي اللّه عليه و آله. و قال العلامة في النهاية: لأنه عليه السّلام علم أصحابه الاتكاء علي اليسار. و هما أعلم بما قالا.»

و عن مجمع الزوائد علي الطبراني الكبير عن رجل من بني مدلج عن أبيه قال: «جاء سراقة بن مالك بن جشعم من عند النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: علمنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كذا و كذا، فقال رجل كالمستهزئ: أما علمكم كيف تخرؤون. فقال:

بلي و الذي بعثه بالحق، لقد أمرنا أن نتوكأ علي اليسري، و أن ننصب اليمني» «1».

(2) جمع شارع، و هو الطريق الأعظم، كما في الصحاح و لسان العرب و مجمع البحرين.

لكن في كشف اللثام: أنه الطريق النافذ. و يناسبه ما في الصحاح: «و شرع المنزل إذا كان بابه علي طريق نافذ»، و في لسان العرب: «و شرع المنزل إذا كان علي طريق نافذ،. يقال: شرعت الباب إلي الطريق أنفذته إليه» و في نهاية ابن الأثير:

«كانت الأبواب شارعة إلي المسجد، أي: مفتوحة إليه. يقال: شرعت الباب إلي الطريق أي: أنفذته إليه» و نحوه في القاموس.

بل يتعين الحمل علي ذلك بلحاظ النصوص، ففي صحيح عاصم بن عبد الحميد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليه السّلام: أين يتوضأ الغرباء؟ قال: تتقي شطوط الأنهار و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة

______________________________

(1) هامش الحدائق 2: 68 عن مجمع الزوائد للهيثمي 1: 206.

ص: 129

______________________________

و مواضع اللعن. فقيل له: و أين مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور» «1»، و في حديث المناهي: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة أو علي قارعة الطريق» «2»، و في حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «قال: لا تبل علي المحجة، و لا تتغوط عليها» «3»، و المحجة جادة الطريق، كما في الصحاح و مجمع البحرين، و في لسان العرب «المحجة الطريق، و قيل: جادة الطريق. و قيل: محجة الطريق سننه» و الجادة معظم الطريق، كما في الصحاح، أو مسلكه و ما وضح منه، كما في لسان العرب.

فان المتحصل بعد النظر في النصوص و كلمات اللغويين أن موضوع الحكم هو مطلق الطريق النافذ.

ثمَّ إنه صرح بالكراهة جمع من الأصحاب، بل هو المشهورة شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك، كما في الجواهر، و في الغنية دعوي الإجماع عليه.

و لم يعرف الخلاف فيه إلا ما في المقنعة و الهداية، قال في الهداية: «و لا يجوز التغوط علي شطوط الأنهار و الطرق النافذة و أبواب الدور و في ء النزال و تحت الأشجار المثمرة. و لا يجوز البول في حجور الهوام و لا في الماء الراكد. و لا يجوز أن يطمح الرجل ببوله في الهواء.» و قال في المقنعة: «و لا يجوز التغوط علي شطوط الأنهار، لأنها موارد الناس للشرب و الطهارة، و لا يجوز أن يفعل فيها ما يتأذون به. و لا يجوز التغوط علي جواد الطرق، و لا في أفنية الدور، لا يجوز تحت الأشجار المثمرة و لا في المواضع التي ينزلها المسافرون و لا في أفنية البيوت، و لا يجوز في مجاري المياه و لا في الماء الراكد».

لكن سياق كلامهما يأبي الحمل علي الحرمة، لبعد ذهابهما إلي حرمة جميع الأمور المذكورة في كلامهما.

و كيف كان فلا مجال له بعد الشهرة المذكورة علي الكراهة، و قيام السيرة

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 12.

ص: 130

و المشارع (1)،

______________________________

عليه، إذ لا يحتمل اختفاء مثل ذلك علي الأصحاب بعد كثرة الابتلاء به، خصوصا في العصور السابقة.

نعم، لو كان مانعا للناس من المرور لم يبعد حرمته، لما فيه من الإضرار بالمسلمين، و قرب حمل الكلام الأصحاب و المتيقن من السيرة علي غيره. و عن ابن أبي عمير- في الصحيح- و غيره عن إبراهيم بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ثلاث من فعلهن ملعون: المتغوط في ظل النزال و المانع الماء المنتاب و ساد الطريق المسلوك» «1» و في مرسل الصدوق: «من سد طريقا بتر اللّه عمره» «2». فلاحظ.

كما أنه لو كان الطريق غير نافذ، بل كان خاصا، فبناء علي كونه ملكا لأربابه لا يجوز التخلي فيه بغير إذنهم، كما صرح به بعضهم. و إن كان قد تنافيه السيرة.

فتأمل.

(1) جمع مشرعة، و هي مورد الشاربة، كما في القاموس، أو طريق الماء للواردة، كما في مجمع البحرين. و هي كالشوارع في الأقوال المتقدمة.

نعم، المذكور في النصوص شطوط الأنهار، كما في صحيح عاصم المتقدم و غيره من النصوص الكثيرة. و بها عبر في الهداية و المقنعة فيما تقدم. و شفير نهر أو شفير بئر أو بئر يستعذب ماؤها، كما في موثق السكوني عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «قال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يتغوط علي شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها» «3» و نحوه خبر الحصين بن مخارق «4».

و مقتضي إطلاقها عموم الكراهة لغير المشرعة إلا أن يقيد بها بمناسبة ظهور كون الحكم للإرفاق بالناس الواردين من الماء. لكنه لا يناسب ما عن كتاب

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

ص: 131

و مساقط الثمار (1)

______________________________

العلل لمحمد بن علي القمي: «و العلة في ذلك أن في الأنهار سكانا من الملائكة» «1».

هذا، و لو فرض منع الناس من الورود، لضيق الطريق أو نحوه، لم يبعد الحرمة، كما تقدم في الشوارع. فتأمل.

(1) كما في مرسلتي علي بن إبراهيم و الاحتجاج في جواب الكاظم عليه السّلام لأبي حنيفة «2». و نحوها مرسلة المسعودي. «3»

و في الشرائع ذكر التخلي تحت الأشجار المثمرة، و به عبر أكثر الأصحاب، كما في الجواهر. و يقتضيه النصوص الكثيرة، منها ما تقدم من صحيح عاصم و موثق السكوني و حديث المناهي و خبر الحصين.

و هو أعم، لشموله لما إذا كانت ثمرة الشجرة مما يقطف و لا يسقط تحتها، و هو المناسب للتعليل في خبر حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إنما نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يضرب أحد من المسلمين خلا [خلاه. خ. ل] تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها. قال: و لذلك يكون الشجر و النخل آنسا إذا كان فيه حمله، لأن الملائكة تحضره» «4».

ثمَّ إن هذه النصوص ظاهرة في اعتبار فعلية الأثمار، و به أفتي جماعة من المتأخرين، كما في الجواهر.

لكن في جامع المقاصد: «و الظاهر أنه لا يراد بها ذات الثمرة بالفعل، بل ما من شأنها ذلك، كما في شاة لبون، علي ما صرحوا به و لأن المشتق لا يشترط في صدقه بقاء أصله و لأن ذلك موجب لبقاء النفرة في ثمرتها».

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2، 7.

(3) مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8.

ص: 132

______________________________

و الكل كما تري! فان اللبون صفة مشبهة دالة علي الثبوت يراد بها تعيين الصنف، فلا وجه للقياس عليها، و المشتق ليس حقيقة إلا في المتلبس بالمبدإ علي التحقيق، بل غاية ما قيل انه يعم ما انقضي عنه المبدأ لا مطلق ما من شأنه الاتصاف به.

علي أنه قد تضمن موثق السكوني المتقدم و غيره التقييد بأن فيها ثمرتها، و في بعض النصوص: «تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت» «1» و في آخر: «تحت شجرة مثمرة قد أينعت أو نخلة قد أينعت، يعني: أثمرت» «2»، و هي كالصريحة في اعتبار فعلية الأثمار، و هو المناسب للتعليل المتقدم في خبر السجستاني.

و بقاء النفرة- لو تمَّ- استحسان لا ينهض بإثبات الحكم الشرعي.

نعم قد يستدل علي العموم بما ورد في جواب الكاظم عليه السّلام لأبي حنيفة، إذ لا يراد بمساقط الثمار إلا محل سقوطها، الذي لا يراد به فعلية السقوط، بل شأنيته، فيشمل ما إذا لم تكن الثمرة موجودة بالفعل.

اللهم إلا أن يحمل علي صورة وجودها بقرينة النصوص الأخري، لأن ظهور تلك النصوص الكثيرة في الاختصاص- و إن كان بمفهوم الوصف- أقوي من ظهوره في الإطلاق بالنحو المذكور. فلاحظ.

ثمَّ إن ما تقدم في الشوارع من نسبة القول بالحرمة للهداية و المقنعة جار هنا.

و قد عبر بعدم الجواز هنا في الفقيه أيضا و ظهر حاله مما تقدم فان تسالم الأصحاب علي الكراهة في مثل ذلك مع كونه موردا للابتلاء مما يمنع من البناء علي الحرمة، بل قد يلزم بحمل كلامهم علي الكراهة كما هو المناسب لقرينة السياق في كلامي الهداية و المقنعة.

كما أنه لو فرض كون الشجرة مملوكة و كان التخلي تحتها مزاحما لمالكها فقد يتجه البناء علي الحرمة مع عدم رضاه. بل لا ينبغي الإشكال فيه لو كان مالكا للأرض، كما صرح به في جامع المقاصد.

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 11.

ص: 133

و مواضع اللعن (1)، كأبواب الدور و نحوها من المواضع التي يكون المتخلي فيها عرضة للعن الناس (2)، و المواضع المعدة لنزول القوافل (3).

______________________________

(1) كما في المقنع و النهاية و اشارة السبق و الوسيلة و الشرائع و القواعد، و في الجواهر أنه المشهور. و يقتضيه صحيح عاصم المتقدم في الشوارع.

(2) كما هو مقتضي إطلاق مواضع اللعن في مثل النهاية و اشارة السبق و الوسيلة و الشرائع و القواعد. لكن فسرها في المقنع بأبواب الدور، كما هو الحال في صحيح عاصم الذي هو الدليل في المقام.

و لعله لذا اقتصر فيما تقدم من الهداية علي ذكر أبواب الدور، و في المقنعة علي ذكر أفنيتها، من دون ذكر لمواضع اللعن.

و احتمل في الجواهر حمل الصحيح علي التمثيل، و لا يناسبه التركيب، إلا أن يستفاد من ذكر اللعن، لإشعاره بأن منشأ الكراهة تجنب اللعن المقتضي لعدم خصوصية أبواب الدور، و إلا كان الأنسب ذكرها رأسا.

و أما ما في جامع المقاصد من قوله بعد تعرضه لمفاد الصحيح: «و قيل:

مجمع المنادي لتعرضه للعنهم».

فهو خروج عن الإطلاق أيضا. إلا أن يراد به التمثيل.

و كيف كان، فظاهر الأصحاب التسالم علي الكراهة، كما يشهد به عدم تعرض بعضهم لذلك أصلا.

و ما تقدم في الشوارع من الهداية و المقنعة قد عرفت استبعاد حمله علي الحرمة. بل لعل الصحيح مشعر بعدم الحرمة، لإشعاره بأن منشأ الترك تجنب اللعن و إن لم يكن بحق، لا منافاة حق صاحب الدار.

نعم، لا يبعد اختصاصه بما إذا لم يكن مزاحما لصاحب الدار بنحو يمنعه من الخروج أو يحصل له الأذي بسببه. فلاحظ.

(3) كما تقدم من المقنعة، و ذكره في الشرائع.

ص: 134

______________________________

و يدل عليه مرسلتا علي بن إبراهيم و المسعودي الواردتان في جواب الكاظم عليه السّلام لأبي حنيفة المتقدم إليهما الإشارة في مساقط الثمار.

و عبر جماعة كثيرة بفي ء النزال، كما في الهداية و النهاية و إشارة السبق و المراسم و الوسيلة و القواعد. و يدل عليه خبر الكرخي المتقدم في الشوارع، و ما في علل القمي «1».

و عبر بعدم الجواز في الفقيه و فيما تقدم من الهداية و المقنعة.

و يقرب حمل ما في الأخيرين علي الكراهة، لنظير ما تقدم في الشوارع، بل هي المتعينة بلحاظ تسالم الأصحاب، كما تقدم نظيره.

هذا و قد ذكرت في النصوص و كلماتهم مواضع اخري يكره التخلي فيها.

الأول: مواضع التأذي، كما في النهاية و الغنية و الوسيلة و القواعد، و عن غيرها.

و لم أعثر علي نص به. إلا أن يستفاد من كثير من المكروهات المذكورة في النصوص، كمنازل النزال و شطوط الأنهار و جواد الطرق و غيرها. بدعوي: فهم عدم الخصوصية لها. و لعله لذا جعله في الغنية موضوع الكراهة، و جعل الأمور المذكورة أمثلة له.

و لا بأس به بلحاظ قاعدة التسامح، و إلا فهو خلاف ظاهر ما ورد في جواب الكاظم عليه السّلام لأبي حنيفة، للتصريح فيه بعد بيان المواضع الخاصة بأن له أن يضع حيث شاء، بل هو خلاف ظاهر مثل صحيح عاصم، لظهوره في التحديد بقرينة السؤال.

الثاني و الثالث: قبلة المساجد و أفنيتها، و لم أعثر علي من ذكرهما، و إنما هما مذكوران في مرسل المسعودي المتضمن لجواب الكاظم عليه السّلام لأبي حنيفة المتقدمة إليه الإشارة في مساقط الثمار.

كما ذكر الثالث في مرسل علي بن إبراهيم «2» المتضمن لذلك، و فيما عن

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 135

و استقبال قرص (1) الشمس أو القمر (2)

______________________________

كتاب العلل للقمي مع تحديد الفناء فيه بأربعين ذراعا في أربعين «1».

الرابع: أفنية الدور، المذكورة في كلام المقنعة المتقدم، و في النهاية و الغنية و الوسيلة.

و لم أعثر علي نص به، و إنما جعله في الغنية من أمثلة مواضع التأذي، فيبتني علي ما تقدم فيها. إلا أن يستفاد مما ورد في أبواب الدور.

لكنه لا يخلو عن إشكال: لأنه أوسع ظاهرا، لأن الفناء ما اتسع أمام الدار.

و منه يظهر الحال في فناء البيوت الذي تقدم من المقنعة أيضا.

الخامس: الأفنية من غير تقييد، و هو مذكور في القواعد. و يشمل فناء السوق و غيره.

و لا دليل عليه، إلا أن يدخل في مواضع التأذي فيبتني علي ما تقدم فيها.

السادس: الحمّام. فعن جامع الأخبار عن النبي صلّي اللّه عليه و آله عدّه مما يورث الفقر «2».

السابع: التخلي علي القبر، أو بين القبور. ففي صحيح محمد بن مسلم الآتي في البول قائما أن الأول معرض لاصابة الشيطان، و في خبري إبراهيم و محمد أن الثاني يتخوف منه الجنون «3». و إطلاقها يشمل قبر غير المؤمن، فلا وجه لما في العروة الوثقي من التخصيص بالمؤمن.

نعم، لو كان منشأ الحكم احترام صاحب القبر فقد يتجه استحباب تركه. كما قد يتجه ما ذكره فيها من التحريم لو استوجب هتكه.

(1) كما هو صريح الروضة و المدارك و ظاهر اللمعة و عن المقنعة و الذكري و الروض و غيرها. لأنه الظاهر من عنوان الشمس و القمر.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(2) مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 136

______________________________

و لا مجال للتعدي للجهة، لأنه إن رجع إلي دعوي أنها هي المراد منهما فلا قرينة عليه بعد مخالفته الظاهر.

و إن رجع إلي دعوي سعة مفهوم الاستقبال، فهي ممنوعة، و تمام الكلام في مبحث القبلة من الصلاة.

كما لا مجال للحمل علي الشعاع، لعدم الريب في مجازيته و مخالفته للظاهر، بل هو مما يقطع بعدم كراهته، لغلبة الابتلاء به.

(2) كما صرح به غير واحد، بل في الجواهر: «هو المشهور بين الأصحاب، بل لا أعلم فيه خلافا بين المتأخرين».

و كأنه يشير إلي ما في الهداية و عن المقنعة من التعبير بعدم الجواز الذي لا يبعد حمله علي الكراهة، لعين ما تقدم في التخلي في الشوارع. و كيف كان فيدل علي الكراهة النصوص الكثيرة، ففي موثق السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «قال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول» «1»، و في حديث المناهي: «و نهي أن يبول الرجل و فرجه باد للشمس و القمر» «2»، و في صحيح الكاهلي: «لا يبولن أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به» «3» و نحوه ما عن الجعفريات «4»، و في مرسل الكليني: «لا تستقبل الشمس و لا القمر» «5»، و في مرسل الصدوق: «لا تستقبل الهلال و لا تستدبره. يعني: في التخلي» «6»، و غيرها.

و ظاهر إطلاق غير واحد عموم الكراهة للبول و الغائط معا. بل هو صريح الوسيلة و محكي المقنعة و المبسوط و الدروس.

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

ص: 137

______________________________

و عن الاقتصاد و الجمل و المصباح و مختصره التخصيص بالبول. و هو مقتضي الجمود علي صحيح الكاهلي، و موثق السكوني، و حديث المناهي، و خبر الجعفريات، و حيث كان باقي النصوص ضعيف السند كان التعميم للغائط مبنيا علي قاعدة التسامح.

كما أنه اقتصر في الهداية علي ذكر الهلال، دون الشمس [1] و القمر. و كأنه اقتصار منه علي المرسل المتقدم. و لا وجه له.

هذا، و قد صرح فيها بإلحاق الاستدبار بالاستقبال. و لعله ظاهر الفقيه لذكره المرسل المتقدم الذي هو العمدة فيه، و عن الذكري و الروض احتماله، للمساواة في الاحترام.

لكنه- كما تري- غير ظاهر لا من حيث الصغري و لا الكبري. فالعمدة المرسل. و قد يستفاد مما عن علل القمي [2]، حيث يستفاد منه النهي عن الاستقبال بالدبر.

و كأن ندرة المرسل مع ظهور سكوت النصوص الأخري الكثيرة عنه في عدم كراهته هو الذي أوجب إعراض الأصحاب عن مضمونه، مع ما عرف منهم من التسامح في أدلة السنن.

بل صرّح في المدارك و كشف اللثام و محكي نهاية الأحكام و الذخيرة بعدم كراهته، بل عن الفخر في شرح الإرشاد الإجماع علي ذلك. و إلا فمن البعيد عدم اطلاعهم علي المرسل، و إن كان قد يناسبه التعليل في المدارك بعدم المقتضي.

و أما ما في كشف اللثام من احتمال حمله كعبارة الهداية علي الاستقبال حين البول و الاستدبار حين الغائط.

فلا يناسب لسان المرسل جدا، كما لا يناسب عبارة الهداية، حيث قال:

______________________________

[1] هذا هو الموجود في المطبوعتين من الهداية. و حكي عنه في مفتاح الكرامة ذكر الشمس علي اضطراب في نقله.

[2] قال: «و لا يستقبل الشمس و القمر، لأنهما آيتان من آيات اللّه. و علة اخري: ان فيها نورا مركبا فلا يجوز ان يستقبل بقبل و لا دبر.» مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

ص: 138

بفرجه (1)،

______________________________

«و لا يجوز أن يجلس للبول و الغائط مستقبل القبلة و لا مستدبرها، و لا مستقبل الهلال و لا مستدبره».

و كيف كان فلا بأس بالعمل بالمرسل، لقاعدة التسامح. و سكوت النصوص عن مضمونه قد يكون لخفة الكراهة.

نعم، هو مختص بالهلال و التعدي للشمس و القمر إما أن يكون لاحتمال الإلحاق، أو لاستفادته مما تقدم عن علل القمي.

ثمَّ إن مورد النصوص الاستقبال حال التغوط و التبول. و هو ظاهر الأصحاب، و ربما ينزل عليه ما تقدم من الهداية من إطلاق النهي حال الجلوس لهما، و إن كان شاملا لفظا لحال التهيؤ لهما.

إلا أن يستفاد العموم من التعليل بما يناسب التكريم فيما تقدم عن علل القمي. و لعله منصرف بقية النصوص.

(1) كما في الشرائع و القواعد و الروضة و جملة من كتب العلامة.

و يقتضيه التنصيص عليه في أكثر نصوص المقام، و منها الصحيح و الموثق اللذان هما عمدتها، و به يخرج عن إطلاق الاستقبال في مرسلي الكليني و الصدوق، الظاهر في الاستقبال بمقاديم البدن، كما تقدم في استقبال القبلة.

و أما ما في مرسل عوالي اللئالي عن فخر المحققين: «لا تستقبلوا الشمس و القمر ببول أو غائط» «1»، فيتعين تنزيله علي الاستقبال حالهما- نظير ما تقدم في استقبال القبلة- أو علي الاستقبال بالفرج لملازمته لذلك في الجملة.

و ربما يحمل علي ما ذكرنا إطلاق الاستقبال في كلام جماعة، كالنهاية و الغنية و عن السرائر، و إن كان لا يناسبه ذكره في سياق استقبال القبلة. كما قد يحمل ما في كلام بعضهم- كابن حمزة- من إطلاق الاستقبال بالبول و الغائط علي

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 139

و استقبال الريح بالبول (1)،

______________________________

ما تقدم في مرسل العوالي.

ثمَّ إن ظاهر الاستقبال بالفرج في النصوص و كلمات الأصحاب الاختصاص بالقبل، لانصراف الفرج إليه و لإمكان الاستقبال به في الجلوس المتعارف، دون الدبر.

و حمله علي الفرجين معا بتنزيل الاستقبال بالدبر علي الوضع غير المتعارف، أو علي الاستقبال بالدبر في الوضع المتعارف بعيد.

نعم، عبر بالفرجين في محكي التذكرة. و قد يناسبه ما تقدم عن علل القمي.

و ربما يحمل الاستقبال بالدبر فيهما علي ما يلازم الجلوس مستقبلا. فلاحظ.

ثمَّ إنه صرح في المسالك و كشف اللثام و المدارك و محكي المنتهي و نهاية الأحكام و غيرها بارتفاع الكراهة بوجود الحائل من بناء أو غيم أو كف أو غيرها.

و عن العلامة تعليله: بأنه لو استتر عن القبلة بالانحراف جاز فهنا أولي.

و هو كما تري! و عمدة الوجه فيه: اختصاص غير واحد من النصوص المتقدمة بالنهي عن بدو الفرج للشمس و القمر، الظاهر في عدم الحائل. و حمله علي الكناية عن أصل الاستقبال خلاف ظاهره. كما أن ذلك هو المتيقن من الاستقبال في بقية النصوص إن لم يكن هو الظاهر منه.

و حمله في القبلة علي التوجه إلي سمت الكعبة الشريفة و لو مع الحائل إنما هو لتعذر الحمل علي خصوص صورة عدم الحائل، لندرة الابتلاء بها، فلا بد أن يراد منه ما أريد من الاستقبال في الصلاة، بخلاف المقام.

نعم، يحسن تجنب ذلك احتياطا لاحتمال العموم.

(1) كما مر في المقنعة و النهاية و الوسيلة و المراسم و الشرائع و القواعد و عن غيرها، بل في الغنية دعوي الإجماع علي استحباب توقي ذلك.

و يقتضيه ما عن الخصال في حديث الأربعمائة الذي لا يخلو سنده عن اعتبار: «لا يبولن أحدكم في سطح في الهواء، و لا يبولن في ماء جار، فان فعل ذلك

ص: 140

______________________________

فأصابه شي ء فلا يلومن إلا نفسه، و إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله، و لا يستقبل ببوله الريح» «1» و في مرفوع محمد بن يحيي: «سئل أبو الحسن عليه السّلام ما حد الغائط؟

قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها» «2» و نحوه مرفوع عبد الحميد بن أبي العلاء و غيره «3».

و مقتضي الأخيرين عموم الحكم لحال التغوط، إما لاختصاصهما به، أو لأن المراد السؤال عن الخلوة الشامل للأمرين.

و هو ظاهر اللمعة و محكي الدروس و الذكري و البيان.

و نزله في مفتاح الكرامة علي إرادة الاستقبال حال البتول و الاستدبار حال التغوط، و هو غير ظاهر. بل ظاهر اللمعة استقبال المتخلي في الحالين.

كما أن مقتضي المرفوعين إلحاق الاستدبار بالاستقبال في كلا الحدثين، كما ذكره في المدارك. و من ثمَّ صرح بعموم الكراهة في الروضة، و هو ظاهر محكي الذخيرة، بل هو ظاهر الكافي و المقنع و الفقيه و المعتبر، لذكر مرفوع محمد بن يحيي فيها في بيان الآداب، بل قد يستظهر لأجل ذلك من التهذيب، حيث ذكر مرفوع عبد الحميد، و إن كان في مقام الاستدلال علي كراهة الاستقبال بالبول.

و منه يظهر أنه لا مجال لما في الجواهر من استظهار إعراض الأصحاب عن المرفوعين.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 141

و لعل ترك غير من ذكرنا لمضمونهما لعدم كونهم في مقام استيفاء المكروهات، و لو لبنائهم علي خفة الكراهة فيه، أو لدعوي لزوم رفع اليد عنهما، لاختصاص علة الحكم المذكورة في كلام بعضهم كالمفيد في المقنعة.

و في بعض النصوص بالاستقبال بالبول، فعن علل القمي: «و لا يستقبل الريح لعلتين أحدهما: أن الريح ترد البول، فيصيب الثوب و ربما لم يعلم ذلك أو لم

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

ص: 141

______________________________

يجد ما يغسله. و العلة الثانية: أن مع الريح ملكا فلا يستقبل بالعورة» «1»، حيث اقتصروا علي العلة الاولي و أغفلوا العلة الثانية المناسبة للتعميم، لعدم الفرق بين الحدثين في تحقق استقبال الملك بالقبل عند الاستقبال و بالدبر عند الاستدبار، كما لا يخفي.

و بالجملة: ينبغي متابعة المرفوعين في التعميم، بضميمة قاعدة التسامح، لضعفهما.

هذا، و قد نسب في مفتاح الكرامة للهداية التعميم مع الظهور في التحريم، و لم أعثر علي ما يقتضي ذلك. و إنما تعرض لعدم جواز التطميح بالبول، الذي حكم غير واحد بكراهة، و هو عبارة عن البول من مرتفع و إن لم يكن مستقبلا لمهب الهواء أو مستدبرا له، لأن التطميح بالشي ء رميه و رفعه في الهواء. و قد تضمنه أيضا غير واحد من النصوص، كرواية الخصال المتقدمة كصحيح مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: يكره للرجل، أو ينهي الرجل أن يطمح ببوله من السطح في الهواء» «2» و موثق السكوني عنه عليه السّلام: «نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله أن يطمح الرجل ببوله من السطح و من الشي ء المرتفع» «3».

و يلزم حملها علي الكراهة لنظير ما تقدم في كراهة البول في الشوارع.

نعم، لا يبعد اختصاصه بالمكان المنكشف، دون مثل البول في بالوعة الكنيف، و إن تحقق فيه ارتفاع محل البول عن محل سقوطه، لانصراف النصوص عنه، بل لا يبعد عدم صدق التطميح معه، كما قد يناسبه تعريفه بأنه رمي الشي ء في الهواء.

ثمَّ إنه قد تضمنت رواية الخصال بصدرها النهي عن البول في السطح في

______________________________

(1) البحار مجلد: 18 ص: 46 أبواب آداب الخلاء طبعة كمپاني.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 142

و البول في الأرض الصلبة (1)،

______________________________

الهواء، و هو غير التطميح، لظهوره في كون السطح مبالا حين هبوب الهواء. و كأنه مبني علي رجحان الاحتياط و الحذر من إصابة البول للجسد أو غيره، الذي يتسبب عن وجود الهواء.

و لعل ذكر السطح فيه بلحاظ كونه معرضا له، لا لخصوصية فيه، فيكون مساوقا لما تضمن رجحان الحذر من البول باختيار المكان المرتفع أو الرخو الذي يغوص فيه البول، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

(1) كما في النهاية و المراسم و إشارة السبق و الغنية و الوسيلة و الشرائع و القواعد و غيرها.

و يقتضيه صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أشد الناس توقيا للبول كان إذا أراد البول يعمد إلي مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول» «1» و مرسل سليمان الجعفري: «بت مع الرضا عليه السّلام في سفح جبل فلما كان آخر الليل قام فتنحي و صار علي موضع مرتفع فبال و توضأ. و قال: «من فقه الرجل أن يرتاد لموضع بوله.» و بسط سراويله و قام و صلي صلاة الليل» «2». و المستفاد منهما مرجوحية التعرض لاصابة البول و رجحان الحذر من ذلك من دون خصوصية للأرض الصلبة.

هذا، و قد عبر من عرفت بالكراهة أو النهي، و لعله إليه يرجع ما في موثق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله» «3».

و ما عن بعضهم من استحباب ارتياد موضع للبول، و إلا فظاهر الصحيح كراهة التعرض للبول.

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 143

و في ثقوب الحيوان (1)، و في الماء (2)،

______________________________

نعم، مقتضي ارتكاز كون منشأ الحذر من البول الابتلاء بالأمور المذكورة- كما في الحائض- أو للعلم بتحقق التطهير قبلها.

(1) كما في النهاية و الغنية و المراسم و إشارة السبق و الوسيلة و الشرائع و القواعد و غيرها، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، إلا ما ينقل عن ظاهر الهداية، لقوله: لا يجوز. مع احتماله ما عرفته غير مرة».

و كأنه لمرسل الديلمي: «قال الباقر لبعض أصحابه و قد أراد سفرا فقال له:

أوصني، فقال له: لا تسيرن سيرا و أنت حاف، و لا تنزلن عن دابتك ليلا الا و رجلاك في خف، و لا تبولن في نفق.» «1» و ما رواه العامة من نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن البول في الجحر «2».

(2) كما في النهاية و الغنية و المراسم و الوسيلة و الشرائع و القواعد و غيرها، بل في كشف اللثام و عن الذخيرة أنه الأشهر.

و يقتضيه النصوص الكثيرة علي اختلاف ألسنتها.

فبعضها تضمن إطلاق الكراهة في الماء، كمرسل حكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: أ يبول الرجل في الماء؟ قال: نعم، و لكن يتخوف عليه الشيطان» «3» و عن جامع البزنطي عن الباقر عليه السّلام: «لا تبل في الماء» «4».

و بعضها مختص ببعض أقسامه، ففي مرسل مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أنه نهي أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة. و قال: إن للماء أهلا» «5» و قريب منه ما في حديث الأربعمائة المتقدم في

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 10.

(2) عن سنن البيهقي 1: 99 و كنز العمال 5: 87.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

ص: 144

______________________________

استقبال الريح بالبول. و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام: «قال: لا تشرب و أنت قائم، و لا تطف بقبر، و لا تبل في ماء نقيع، فإنه من فعل ذلك فأصابه شي ء فلا يلومن إلا نفسه. و من فعل شيئا من ذلك لم يكد يفارقه إلا ما شاء اللّه» «1» و نحوه غيره و في حديث المناهي: «و نهي أن يبول أحد في الماء الراكد، فإنه يكون منه ذهاب العقل» «2»، و نحوه غيره.

نعم، في صحيح الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره أن يبول في الماء الراكد» «3» و في موثق ابن بكير عنه عليه السّلام قال:

«لا بأس بالبول في الماء الجاري» «4» و نحوه غيره. و لعله لذا اقتصر علي ذكر الراكد في الهداية و غيرها، بل يظهر مما تقدم أنه قول معروف للأصحاب.

لكن يتعين عرفا الجمع بين هذه النصوص و النصوص الواردة في الجاري بخفة الكراهة.

و ما في الجواهر من عدم الشاهد علي ذلك و لا ينتقل إليه من اللفظ. غير ظاهر، لكونه نحوا من الجمع العرفي.

هذا، و في الجواهر: «ان ظواهر الأخبار اختصاص الحكم بالبول. و عن الأكثر إلحاق الغائط. و لعله للتعليل قيل: و لأنه أولي».

لكن التعليل تعبدي، فلا مجال لاستفادة مساواة الغائط للبول، فضلا عن أولويته منه.

و في جامع المقاصد: «و لا يبعد أن يقال: إن الماء المعد في بيوت الخلاء لأخذ النجاسة و اكتنافها- كما يوجد في الشام و ما جري مجراها من البلاد الكثيرة الماء- لا يكره قضاء الحاجة فيه.»

و استشكله غير واحد بإطلاق النهي. و مجرد اعداد الناس أمرهم علي ما هو المكروه لا يرفع كراهته.

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.

ص: 145

خصوصا الراكد (1)، و الأكل و الشرب حال الجلوس للتخلي (2)،

______________________________

(1) لما تقدم، و ما في الهداية من التعبير بعدم الجواز يظهر حاله مما تقدم في نظيره، خصوصا بعد كون النصوص الناهية بين ما هو ضعيف السند، و ظاهر في الكراهة، بقرينة التعليل أو السياق. فلاحظ.

(2) كما في إشارة السبق و الوسيلة و الشرائع و المعتبر و القواعد. قال في المعتبر: «لما يتضمن من الاستقذار الدال علي مهانة النفس».

و هو كما تري لا يطرد في تمام أفراد الأكل و الشرب. علي أن في بلوغ ذلك حدا يوجب الكراهة الشرعية للأكل و الشرب بخصوصيتهما إشكالا أو منعا.

و قد استدل عليه أيضا بمرسل الصدوق: «دخل أبو جعفر الباقر عليه السّلام: الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر، فأخذها و غسلها و دفعها إلي مملوك معه، فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج عليه السلام قال للملوك: أين اللقمة؟ فقال: أكلتها يا بن رسول اللّه، فقال عليه السّلام: أنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، فاذهب فأنت حر، فإني أكره أن استخدم رجلا من أهل الجنة» «1»، و قريب منه ما عن عيون الأخبار، و صحيفة الرضا عليه السّلام بأسانيدهما عن الحسين عليه السّلام «2».

بتقريب: أن تركهما عليهما السّلام للمبادرة بأكل اللقمة في الخلإ مع اهتمامهما باستحبابه لا يكون إلا لكراهة الأكل فيه. و من ثمَّ قد يتجه الاستدلال بالفحوي كما في الجواهر، لأن الكراهة مع وجود جهة تقتضي الاستحباب تقتضي الكراهة بدونها بالأولوية.

و فيه- مع اختصاصهما بالأكل- أن مضمونهما قضية خارجية لا تصلح للاستدلال، لإمكان أن يكون تجنبهما لذلك لأجل أن نفسهما تعاف الأكل، أو لاعجال قضاء الحاجة لهما عنه، أو لطفا بالمملوك ليتوفق للثواب. و إلا فظاهر الخبرين أن وجدانهما عليهما السّلام للقمة بمجرد دخولهما قبل الاشتغال بقضاء الحاجة،

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 146

و الكلام (1) بغير ذكر اللّه (2)،

______________________________

فلو كان الاستحباب مقتضيا لهذا النحو من التعجيل لكان المناسب المبادرة له خارج الخلاء قبل قضاء الحاجة.

ثمَّ إن المحكي عن المصباح و مختصره و المهذب و نهاية الأحكام و المنتهي تخصيص الكراهة بحال التخلي.

و وجهه غير ظاهر، فان الوجهين المتقدمين مناسبان للتعميم، كما هو ظاهر إطلاق من تقدم، بل قد يناسبان التعميم لحال الكون في الخلإ و إن لم يجلس.

فلاحظ.

(1) كما صرح به جماعة و حكي عن آخرين، بل في الجواهر: «لعله لا خلاف في الحكم بين الأصحاب، لتصريح كثير من القدماء و المتأخرين به سوي ما يظهر من الفقيه، حيث قال: لا يجوز. و لعل مراده الكراهة.»

و يقتضيه صحيح صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «أنه قال: نهي رسول اللّه أن يجيب الرجل آخر و هو علي الغائط أو يكلمه حتي يفرغ» «1» و خبر أبي بصير:

«قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تتكلم علي الخلاء، فان من تكلم علي الخلاء لم تقض له حاجة» «2» و ما عن المحاسن و جامع الأخبار من قولهم عليهم السّلام: «ترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق» «3». و ظاهرها- خصوصا الأخيرين- أن موضوع الكراهة هو الخلاء، لا خصوص حال خروج البول و الغائط.

(2) كما ذكره غير واحد. بل ظاهر غير واحد استحبابه. للنصوص الكثيرة المتضمنة حسن الذكر علي كل حال، و منها صحيح محمد بن مسلم الآتي في حكاية الأذان، و معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بذكر اللّه و أنت تبول، فان ذكر اللّه حسن علي كل حال، فلا تسأم من ذكر اللّه» «4».

و أما ما في صحيح عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التسبيح في

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(3) مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

ص: 147

______________________________

المخرج و قراءة القرآن. قال: لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي و يحمد اللّه و آية الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ». «1» و رواه الشيخ بطريق آخر هكذا: «و يحمد اللّه و آية».

فلا بد من حمل التحديد فيه علي التحديد بالإضافة إلي القرآن، لا بالإضافة إلي الذكر، و إن وقع في السؤال أيضا، فعدم التعرض له لعدم الحد له، لا لعدم الترخيص فيه.

هذا و في النهاية و الوسيلة و عن المبسوط و غيره أنه يذكر اللّه فيما بينه و بين نفسه، و في إشارة السبق الذكر سرا. و كأنه لموثق سعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام:

«قال: كان أبي يقول: إذا عطس أحدكم و هو علي خلاء فليحمد اللّه في نفسه» «2».

و المرسل عنه عليه السّلام: «انه [كان يعمله] إذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه.» «3» بعد إلغاء خصوصية موردهما. بل ثبوت ذلك في مطلق الذكر الذي لا خصوصية له مقتضي الأولوية العرفية.

و الذي ينبغي أن يقال: إن أريد بذلك الكلام النفسي من دون نطق الذي لا يصدق عليه القول إلا مجازا فهو و إن كان محتملا من الخبرين بدوا، إلا أنه لا مجال له بلحاظ النصوص الكثيرة الواردة في الأدعية و الأذكار الخاصة بالخلاء «4» التي تقدم التعرض لبعضها و النصوص الآتية في حكاية الأذان، لأن حملها علي المجاز مع خلوها- علي كثرتها- عن القرينة عليه بعيد جدا. بل يتعين حمل الخبرين علي الاسرار المقابل للاجهار، كما لعله ظاهر إشارة السبق.

نعم، لا ظهور للخبرين في كراهة الجهر، كما لا مجال للجمع بينهما و بين إطلاق أدلة استحباب الذكر بالتقييد، بل يتعين حملها علي استحباب الإخفات بنحو تعدد المطلوب، علي ما هو المتبع في الجمع بين المطلق و المقيد في الأحكام غير الإلزامية.

______________________________

(1) الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) راجع الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة.

ص: 148

______________________________

ثمَّ إنه قد استثني من الكلام أيضا أمور.

الأول: قراءة آية الكرسي. فقد استثناها من عموم كراهة الكلام في الشرائع و القواعد، و في الجواهر: «صرح به كثير من المتأخرين». و استدل عليه فيها و غيرها بصحيح عمر بن يزيد المتقدم. لكنه إنما يقتضي استثناءه من كراهة قراءة القرآن التي هي مقتضي الجمع بين الصحيح المذكور و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته أ تقرأ النفساء و الحائض و الجنب و الرجل يتغوط القرآن؟ قال:

يقرؤون ما شاءوا» «1» كما جري عليه في النهاية و الوسيلة. و لا ينافي كراهة من حيثية كونه كلاما.

اللهم إلا أن يقال: صحيح صفوان مختص بالكلام مع الغير، و لا يشمل القرآن، و إطلاق الكلام في غيره منصرف عنه. فتأمل.

هذا، و في الوسيلة استثني قراءة آية الكرسي فيما بينه و بين نفسه، و قال:

«لئلا يفوته شرف فضلها». و لا وجه له إلا دعوي استفادته من موثق مسعدة و المرسل المتقدم بالإلحاق أو إلغاء الخصوصية، و كلاهما غير ظاهر.

الثاني: حكاية الأذان، كما صرح به غير واحد، و في الجواهر أنه المشهور، بل في النهاية أنه مستحب. لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

«يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر اللّه علي كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت علي الخلاء فاذكر اللّه عز و جل و قل كما يقول المؤذن» «2»، و نحوه خبر أبي بصير «3»، و في خبر سليمان بن مقبل: «قلت لأبي الحسن موسي بن جعفر عليهم السّلام: لأي علة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن و إن كان علي البول و الغائط؟ فقال: لأن ذلك يزيد في الرزق» «4». و قريب منه غيره. و في النهاية و الوسيلة و عن المهذب أنه يحكيه في نفسه.

و الكلام فيه كما في سابقة.

هذا، و عن الروض تخصيصه بالفصول المتضمنة للذكر، دون الحيعلات، إلا أن تبدل بالحولقة، و كأن وجهه ظهور نصوص حكاية الأذان في المقام و غيره بأنه

______________________________

(1) الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

ص: 149

______________________________

من صغريات حسن الذكر علي كل حال.

و يشكل- مع قرب حمل ذلك علي الحكمة، لعدم التنبيه في نصوص الحكاية علي الاختصاص- بأن بعض النصوص خال عن ذلك ظاهر في الإطلاق، كخبر سليمان المتقدم، و صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

«قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كل شي ء» «1».

نعم، وردت في كتبنا «2» و كتب العامة «3» بعض الأخبار الضعيفة المشتملة علي ابدال الحيعلات بالحولقة، كما وردت نصوص أخري في متابعة المؤذن بوجه آخر، فلا بأس بالعمل بأي منها، و إن كانت حكاية الحيعلات أولي من إبدالها بالحولقة، لأقوائية نصوصها.

الثالث: أن تدعوه إلي الكلام الضرورة، كما في النهاية و الوسيلة. و استدل عليه في الجواهر برفع الحرج.

و هو كما تري. إذ لو كان المراد بالضرورة العرفية المساوقة للحرج فعموم رفع الحرج لا ينهض برفع الأحكام غير الإلزامية، لعدم لزوم الحرج منها.

و إن أريد بها الضرورة العقلية كان الاولي الاستدلال باستحالة طلب ما لا يطاق.

و أما ما في القواعد من الاكتفاء بالحاجة المضر فوتها فهو إنما يتم لو أريد منه الضرر الذي يحرم الوقوع فيه أو يكره كراهة مساوية لكراهة الكلام أو أهم منها.

و أشكل من ذلك ما في المراسم من إطلاق استثناء الحاجة، بل قد تأباه نصوص كراهة الكلام.

الرابع: التحميد بعد العطاس، كما في الجواهر، بل هو مستحب، لموثق مسعدة المتقدم، و إطلاقات الذكر المتقدمة الكاشفة عن عدم كراهته من جهة الكلام، فلا مانع من الرجوع إلي إطلاقات استحبابه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 45 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

(2) راجع مستدرك الوسائل باب: 34 من أبواب الأذان و الإقامة.

(3) حكي عن صحيح مسلم 4: 85، و سنن النسائي 2: 25.

ص: 150

إلي غير ذلك مما ذكره العلماء (رضوان اللّه عليهم) (1).

______________________________

و مثله في ذلك تسميت العاطس. إلا أن يستشكل في عموم الذكر لمثل الدعاء. المخاطب به الغير، مثل قول: يرحمك اللّه، بل مطلق الدعاء غير المخاطب به اللّه تعالي، مثل: رحم اللّه زيدا. فتأمل.

الخامس: الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله عند سماع ذكره، كما في المقنعة. و العمدة فيه دخولها في الذكر، فيجري فيها ما تقدم في سابقها.

(1) و هي أمور لا بأس بالإشارة إليها و إلي دليلها باختصار.

الأول: البول قائما، كما ذكره غير واحد، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: من تخلي علي قبر أو بال قائما، أو بال في ماء قائما أو مشي في حذاء واحد، أو شرب قائما، أو خلا في بيت وحده، أو بات علي غمر، فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء اللّه، و أسرع ما يكون الشيطان إلي الإنسان، و هو علي بعض هذه الحالات» «1».

و مما تقدم من كراهة البول في الماء يظهر تأكد الكراهة في البول قائما في الماء، الذي ذكر في الصحيح أيضا.

و ما في الهداية من عدم جواز البول قائما من غير علة محمول علي الكراهة، لما سبق في نظائره، و لا سيما مع تعليله فيها بأنه من الجفاء.

و عن نهاية الأحكام زوال الكراهة في الحمام. و كأنه يريد حال الاطلاء الذي حكاه في مفتاح الكرامة عن بعض الناس. لصحيح ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يطلي فيبول و هو قائم قال: لا بأس به» «2».

بل ظاهر الوسائل كراهة الجلوس حينه، لما عن الصدوق: «روي أن من جلس و هو متنور خيف عليه الفتق» «3».

بل قد يستفاد من موثق السكوني الآتي ارتفاع الكراهة بمطلق العلة. فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

ص: 151

______________________________

الثاني: السواك، كما ذكره غير واحد. لما في مرسل الصدوق عن الكاظم عليه السّلام: «أكل الأشنان يذيب البدن، و التدلك بالخزف يبلي الجسد، و السواك في الخلإ يورث البخر» «1».

الثالث: الاستنجاء باليمين- كما ذكره غير واحد، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه سوي ما في المقنعة و المهذب و عن النهاية من أنه لا يجوز» - ففي موثق السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السّلام عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «قال: البول قائما من غير علة من الجفاء، و الاستنجاء باليمين من الجفاء» «2»، و في مرسل يونس عنه عليه السّلام: «قال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يستنجي الرجل بيمينه» «3».

و يلزم حمله علي الكراهة، لا لضعف سنده، لما تقدم في تحديد الكر من حجية مراسيل يونس، بل لظهور مفروغية الأصحاب عن الجواز، بنحو لا يبعد لأجله حمل عدم الجواز في الهداية و النهاية و عن المقنعة و عن المهذب علي الكراهة. مضافا إلي ما تقدم في نظائره.

و في مرسلتي الكليني و الصدوق «4» ارتفاع الكراهة إذا كانت باليسار علة.

و ينبغي أن يلحق بالاستنجاء الاستبراء، لما يأتي من كراهة مس الذكر باليمين. و لما ورد في روايات العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله من أن يده اليمني كانت لطعامه و طهوره و يده اليسري للاستنجاء.

الرابع: أن يمس ذكره بيمينه. لمرسل الصدوق: «قال أبو جعفر عليه السّلام: إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه» «5».

و لا يبعد إلغاء خصوصية البول، و أن ذكره لأنه مظنة المس، فيكره المس و لو في غير حال الخلوة.

الخامس: أن يكون في يده التي يستنجي بها خاتم عليه اسم اللّه تعالي، كما صرح به جماعة كثيرة. لجملة من النصوص، كخبر الحسين عن أبي الحسين الثاني عليه السّلام: «قلت له: إنا روينا في الحديث أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يستنجي و خاتمة

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5، 6.

ص: 152

______________________________

في إصبعه، و كذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه السّلام و كان نقش خاتم رسول اللّه «محمد رسول اللّه». قال: صدقوا. قلت: فينبغي لنا أن نفعل؟ قال: إن أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمني، و إنكم أنتم تتختمون في اليسري» «1» و غيره مما هو كثير، بل لا يبعد استفاضتها بنحو يجبر ضعفها لو تمَّ في الكل.

نعم، لا ينبغي الإشكال في حملها علي الكراهة بعد ظهور التسالم الأصحاب عليه.

و أما ما في خبر أبي البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان نقش خاتم أبي: «العزة للّه جميعا»، و كان في يساره يستنجي بها، و كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السّلام: «الملك للّه»، و كان في يده اليسري يستنجي بها» «2».

فلا مجال للتعويل عليه بعد ضعف أبي البختري جدا، و معارضة الخبر للنصوص المتقدمة و نصوص استحباب التختم باليمين. و لعل الأقرب حمله علي التقية لو فرض صدقه، لأن أبا البختري عامي.

بقي في المقام أمور.

أولها: ألحق في المقنعة باسم اللّه تعالي خاص أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام معللا بتعظيمهم عليهم السّلام.

و حمله الشيخ علي الاسم المقصود به النبي و الامام، في مقابل المشترك الذي يقصد به غيرهما. و هو ظاهر إطلاق جمع إلحاق أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام.

و زاد في جامع المقاصد اسم فاطمة عليها السّلام، و هو ظاهر ما في الوسيلة من إطلاق الاسم المعظم. و لا وجه له الا التعظيم، الذي هو مستحب لا مكروه الترك.

نعم، لو بلغ مرتبة الهتك حرم. و لا مجال لدعواه في المقام. و لعله لذا فرق في المقنع بين ما كان عليه اسم اللّه تعالي و ما كان عليه اسم محمد صلّي اللّه عليه و آله، و حكم بعدم البأس بعدم تحويل الثاني. و ربما يكون مستنده في ذلك معتبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8.

ص: 153

______________________________

تعالي. فقال: ما أحب ذلك. قال: فيكون اسم محمد صلّي اللّه عليه و آله قال: لا بأس» «1». و حمله علي ما إذا قصد به شخص آخر مخالف للظاهر جدا.

نعم، هو ظاهر في الفرق بينهما في كراهة اللبس حين الدخول للخلاء، لا حين الاستنجاء الذي هو محل الكلام. إلا أن يحمل عليه، علي ما يأتي الكلام فيه.

ثانيها: قال في الجواهر: «صرح جمع من الأصحاب بتقييد الكراهة بما إذا لم يستلزم تلويثا في النجاسة، و إلا فيحرم- بل قد يصل إلي حد الكفر مع قصد الإهانة و الاستحقار- و إن تأمل في الحرمة بعض المتأخرين. لكنه في غير محله بالنسبة إلي لفظ الجلالة».

و العمدة فيه المرتكزات المتشرعية في لزوم تجنيبه الهتك الحاصل من التنجيس في مثل المقام. بل لا يبعد العموم لأسماء المعصومين إذا كتبت و حملت للتبرك.

و أما مطلق التنجيس فالأمر فيه لا يخلو عن إشكال.

ثالثها: ألحق في الفقيه و النهاية بالخاتم الذي كتب عليه اسم اللّه الخاتم الذي فصه من حجر زمزم، و عن الدلائل انه المشهور. و عمم في الوسيلة لكل حجر له حرمة.

و كأن الوجه فيه مضمر علي بن الحسين بن عبد ربه: «قلت له: ما تقول في الفص يتخذ من أحجار [حجارة. خ ل] زمزم؟ قال: لا بأس به، و لكن إذا أراد الاستنجاء نزعه» «2». لكن روي في بعض نسخ الكافي و التهذيب بإبدال زمزم بزمرد. إلا أن ترجح الاولي بمناسبة الحكم للموضوع ارتكازا، و بفتوي الصدوق- الذي هو من أركان الحديث- و الشيخ- الذي روي المضمرة نفسها- علي طبقها.

رابعها: المحكي عن بعضهم كراهة استصحاب الخاتم الذي عليه اسم اللّه تعالي في الخلاء مطلقا و لو في اليد التي لا يستنجي بها، و هو ظاهر الهداية معبرا بعدم الجواز.

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 36 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 154

______________________________

و يقتضيه خبر معاوية المتقدم، و موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه تعالي، و لا يستنجي و عليه خاتم فيه اسم اللّه، و لا يجامع و هو عليه، و لا يدخل المخرج و هو عليه» «1» المتمم بعدم القول بالفصل بين الجنب و غيره. و خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر اللّه، أو الشي ء من القرآن، أ يصلح ذلك؟ قال: لا» «2» و غيرها.

لكن ذكر غير واحد لزوم حملها علي ما إذا استنجي باليد التي فيها الخاتم، ليناسب ما في خبر الحسين المتقدم و غيره من سيرة النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام علي الدخول للمخرج مع كون الخاتم في اليمين. إلا أن الحمل المذكور بعيد جدا، خصوصا في موثق عمار المتضمن للأمرين.

فلعل الأولي الحمل علي خفة الكراهة التي لا تنافي صدور ذلك منهم كثيرا لبعض الطوارئ الثانوية، التي قد يكثر الابتلاء بها. و يناسبه ما يأتي في الدراهم الأبيض. بناء علي أن منشأ الكراهة كتابة الاسم الشريف عليه. و من هنا يتجه الفرق بين اسم اللّه تعالي و اسم غيره و إن كان معصوما، لحديث معاوية المتقدم.

نعم، يتجه التعميم لما كتب عليه القرآن الشريف لخبر علي بن جعفر بضميمة قاعدة التسامح في السنن.

السادس: استصحاب الدرهم الأبيض، كما في الجواهر و عن غيرها.

و يقتضيه موثق غياث أو صحيحة عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «أنه كره أن يدخل الخلاء و معه درهم أبيض، إلا أن يكون مصرورا» «3».

و عن بعضهم تخصيصه بما يكون عليه اسم اللّه تعالي. و كأنه لأن عدم مناسبة البياض للكراهة ارتكازا تكشف عن كون ذكره عرضا بلحاظ كتابة الاسم الشريف عليه، بناء علي معروفية اختصاصه بذلك في عصر الصدور. و هو و إن كان

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 17.

ص: 155

مسألة 10 ماء الاستنجاء طاهر علي الأقوي

(مسألة 10): ماء الاستنجاء طاهر علي الأقوي (1)

______________________________

قريبا، إلا أنه لا طريق لنا فعلا لإثباته.

و لو تمَّ اتجه التعدي لكل ما يكتب عليه اسم اللّه تعالي. بل قد يتجه التعدي لمثل كتابة القرآن المجيد، حيث لا يبعد كونه هو المنشأ في الكراهة، لتعارف كتابته سابقا علي الدراهم و الدنانير. فتأمل.

هذا، و قد اكتفي في العروة الوثقي في ارتفاع الكراهة بكونه مستورا. و هو مخالف لظاهر الموثق، لأن الضر أخص من الستر، بل يبعد حمل الخبر علي خصوص صورة ظهوره مع غلبة ستره و لو بقبض اليد عليه.

السابع: طول المكث في بيت الخلاء، لغير واحد من النصوص المتضمنة أنه يورث الباسور، منها موثق محمد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال لقمان لابنه: طول الجلوس علي الخلاء يورث الباسور. قال: فكتب هذا علي باب الحش» «1».

و ربما بقيت بعض المندوبات و المكروهات تظهر بتصفح كتب الأخبار.

(1) الظاهر عدم الخلاف بينهم في عدم تنجيس ماء الاستنجاء لما يصيبه من الثوب و غيره، بل في الجواهر: «لا ينجس ما يلاقيه إجماعا، تحصيلا و منقولا، نصا و ظاهرا علي لسان جملة من علمائنا» و إنما الكلام في أن ذلك لطهارته، أو هو عفو خاص مع نجاسته.

و قد صرح بالأول في الشرائع و القواعد و جامع المقاصد و المسالك و المدارك، و هو ظاهر المعتبر، و قد نسبه للشيخين، و حكاه في مفتاح الكرامة عن موضعين من الخلاف و جملة من المتأخرين. بل في جامع المقاصد و عن كشف الالتباس دعوي اتفاق الأصحاب عليه.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لاقتصار قدماء الأصحاب من أهل الحديث علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 156

______________________________

ذكر النصوص الآتية من دون توجه لهذه الخصوصية، و عن بعضهم التعبير بالعفو، و نفي البأس عن إصابته للثوب أو البدن، و ليس ذلك نصا و لا ظاهرا في الطهارة، و لا سيما مع عدم ظهور أثر للفرق في كلمات القدماء، لقرب ذهابهم لعدم مطهريته.

و ما في المدارك من أن مرادهم بالعفو هنا عدم الطهورية. لا قرينة عليه، و لا سيما مع ما عن حاشيتي الشرائع و الإرشاد للكركي من أنه عند القائل بالعفو نجس معفو عنه.

و كيف كان فاللازم ذكر النصوص ثمَّ النظر في مفادها. ففي صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه علي الماء الذي استنجي به، أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا» «1» و صحيح الأحول: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخرج من الخلاء، فاستنجي بالماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به فقال: لا بأس به [ليس عليك شي ء. خ فقيه]» «2» و قريب منه موثقة «3». و في صحيح يونس عن رجل عن الغير أو عن الأحول [من أهل المشرق عن العنزا عن الأحول. علل] عنه عليه السّلام انه قال له: «الرجل يستنجي، فيقع ثوبه في الماء الذي استنجي به. فقال: لا بأس. فسكت. فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟

قلت: لا و اللّه، فقال: إن الماء أكثر من القذر» «4».

و هذه النصوص- كما تري- ليست مسوقة إلا لبيان عدم تنجس الثوب، كما هو صريح الأول و ظاهر ما بعده، لأن ظاهرها نفي البأس عن الثوب أو عن وقوعه في ماء الاستنجاء لبيان عدم تنجسه، لا عن نفس ماء الاستنجاء لتدل علي طهارته.

نعم، التعليل في الأخير يناسب طهارة الماء. إلا أن يستشكل فيه بأن عدم إمكان التعدي عن مورده- للبناء علي نجاسة الغسالة، بل مطلق الماء القليل بملاقاة النجاسة، كما تقدم- موجب لإجمال جهة التعليل فيه، فيكون تعبديا، لا ارتكازيا، و حينئذ فكما يمكن سوقه لبيان طهارة الثوب لأجل طهارة الماء يمكن

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 2.

ص: 157

______________________________

سوقه لبيان طهارة الثوب رأسا من دون نظر للماء.

علي أن سنده لا يخلو عن إشكال، لأن مراسيل يونس و إن كانت حجة بمقتضي ما تقدم في أوائل مسألة تحديد الكر، إلا أن ما في العلل من روايته عن رجل من أهل المشرق كالمشعر بعدم توثيق يونس له. فتأمل.

هذا، و قد ذكر غير واحد أن الحكم بطهارة الثوب ظاهر في طهارة الماء للملازمة العرفية بين طهارة الملاقي و طهارة الملاقي، كالملازمة بين نجاسة الملاقي و نجاسته. و من ثمَّ استفيدت طهارة كثير من الأمور و نجاستها من الحكم بطهارة ملاقيها و نجاسته.

لكنه لا يخلو عن إشكال، فإن ملازمة نجاسة الملاقي لنجاسة الملاقي التي هي من سنخ المقتضي لها ارتكازا تكاد تلحق بالملازمة العقلية، بخلاف ملازمة طهارة الملاقي لطهارة الملاقي، لوضوح امتناع تحقق المعلول بدون المقتضي، و إمكان عدم تأثير المقتضي في ظرف تحققه لمانع من تأثيره، و لو كان هو التسهيل و الامتنان- كما يحتمل في المقام- فليست الملازمة المدعاة إلا عرفية، بلحاظ شيوع سراية النجاسة للملاقي و ارتكازيتها، فيستفاد عرفا من دليل طهارة الملاقي طهارة الملاقي.

و لا سيما مع كون الأثر الظاهر لنجاسة الملاقي هو نجاسة ملاقية، حيث يوجب ذلك التلازم بينهما ذهنا، كما لعله مورد ما أشير إليه من استدلال الأصحاب بدليل طهارة الملاقي علي طهارة الملاقي.

إلا أنه لا مجال للاعتماد عليها في المقام، لابتناء الحكم بطهارة الثوب علي رفع اليد عنها في الجملة، إما التفكيك في الطهارة بين الثوب و ماء الاستنجاء، أو بين ماء الاستنجاء و الغائط.

بل يبعد جدا دعوي: أن المستفاد عرفا من الجواب بطهارة الثوب هو طهارة ماء الاستنجاء علي حد سائر المياه الطاهرة، بحيث يرفع به الخبث و الحدث، مع أن رفعهما بالماء من أظهر لوازم طهارته عرفا.

بل لما كان من الواضح عند السائل نجاسة الغائط، مع ارتكاز سراية النجاسة

ص: 158

______________________________

للملاقي، كان مقتضي الارتكاز الأولي في ذهنه هو نجاسة كل من ماء الاستنجاء و الثوب، بل أولوية ماء الاستنجاء بالنجاسة من الثوب، فمن القريب أن يكون إهماله السؤال عن الماء و سؤاله عن الثوب مبنيا علي المفروغية عن نجاسة الماء بمقتضي الارتكاز المذكور. و إلا لكان هو الأولي بالسؤال بعد ما أشرنا إليه من عدم وفاء الجواب بطهارة الثوب بمعرفة حاله، لابتنائه علي إهمال الملازمة المذكورة في الجملة. فتأمل.

و بالجملة: الاقتصار في السؤال و الجواب علي الثوب و إهمال ماء الاستنجاء إن لم يكن ظاهرا في المفروغية عن نجاسته بمقتضي ارتكاز السراية من النجس، الذي هو أقوي من ارتكاز سرايتها من المتنجس، فلا أقل من عدم ظهوره في طهارته. بل المرجع فيه عموم الانفعال.

و دعوي: أن إعمال العموم المذكور في ماء الاستنجاء مستلزم لتخصيص عموم تنجيس المتنجس فيه، إذ مقتضي العموم المذكور بضميمة النصوص المتقدمة الدالة علي عدم تنجيسه هو طهارته.

مدفوعة: بعدم حجية عموم تنجيس المتنجس في ماء الاستنجاء، لخروجه عنه تخصصا أو تخصيصا، و ليس العام حجة في نفي التخصيص و تعيين التخصص عند الدوران بينهما، و لا سيما في مثل المقام، حيث يستلزم إعمال العموم المذكور تخصيص عموم انفعال الماء بعين النجاسة، الذي هو أقوي دليلا و ارتكازا من عموم تنجيس النجس.

و أضعف منه ما ذكره الفقيه الهمداني قدس سره الشريف من أن الالتزام بنجاسة الماء يستلزم التصرف في جميع الأدلة الدالة علي عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول و المشروب و الوضوء و الصلاة و غيرها مما يشترط بالطهارة، لثبوت نفي البأس عن الكل و لو بالإجماع.

لاندفاعه. أولا: بأنه يعلم بسقوط العمومات المذكورة عن الحجية في الماء المذكور، لخروجه عنها تخصصا أو تخصيصا.

و ثانيا: بعدم الوجه في عدم البأس في الأمور المذكورة بالإضافة إلي الماء

ص: 159

و إن كان من البول (1)،

______________________________

المذكور، بناء علي نجاسته، لعدم المخصص للعمومات المذكورة فيه من إجماع و غيره، بل لا ثمرة للنجاسة إلا عدم ترتب هذه الأمور عليه.

بل حتي بناء علي طهارته، يقوي احتمال عدم مطهريته من الحدث، حيث ادعي الإجماع فيه.

و لو تمَّ لزم من القول بالطهارة تخصيص عموم مطهرية الماء الطاهر، الذي هو كتخصيص عموم عدم جواز شرب النجس.

نعم، لو كان عدم البأس في أخبار الأحول راجعا إلي الماء اتجه عمومه لجميع هذه الأمور، بل يتعين حينئذ البناء علي الطهارة، لعدم الأثر للنجاسة حينئذ، الموجب للغويتها عرفا و ظهور نفي البأس في الطهارة.

إلا أن ملاحظة النصوص تشهد برجوعه إلي الثوب، فلا تدل إلا علي طهارته و عدم منجسية الماء المذكور له. و التعدي لغير الثوب من سائر أفراد الملاقي إنما هو بفهم عدم الخصوصية. و إن كان المتيقن منه البدن، دون مثل الطشت و نحوه مما يتعارف تجنبه من دون أن يستلزم الحرج نوعا، فإن التعدي إليه لا يخلو عن إشكال، لو لا ظهور مفروغيتهم عن ذلك. فتأمل.

(1) كما في المعتبر و جامع المقاصد و المسالك و عن غيرها. و في المدارك و عن الذخيرة أنه مقتضي إطلاق النص و كلام الأصحاب.

و إليه يرجع ما في المعتبر من صدق الاستنجاء عليه. و قد تقدم الإشكال في ذلك عند الكلام في وجوب التعدد في البول. إلا أن يرجع إلي استفادته من إطلاق النص تبعا، لعدم انفكاك ماء الاستنجاء من الغائط عن ماء الاستنجاء من البول غالبا.

و لا سيما بملاحظة ما في صحيح الأحول من فرض الاستنجاء بعد الخروج من الخلاء، لاستبعاد الاستنجاء بعد الخروج منها من خصوص الغائط كاستبعاد تميز أحد المائين عن الآخر، فعدم التنبيه علي التفصيل فيه ظاهر في العموم لما

ص: 160

فلا يجب الاجتناب عنه (1)، و لا عن ملاقيه (2)، إذا لم يتغير بالنجاسة (3)،

______________________________

إذا استنجي من البول مع الغائط، و يتعدي منه لما إذا استنجي من البول وحده، لعدم الفصل، بل لفهم عدم الخصوصية.

(1) أما في الشرب فلأصالة البراءة بعد عدم وضوح عموم يقتضي جواز شرب الماء الطاهر.

و أما في رفع الخبث فلعموم مطهرية الماء الطاهر الذي تقدم تنقيحه في أوائل أحكام المياه. و لم يظهر لي عاجلا من يمنع من رفع الخبث به علي القول بطهارته، و إنما يأتي الكلام في رفع الحدث.

هذا، و أما بناء علي نجاسة ماء الاستنجاء فالمنع في الكل ظاهر الوجه، كما أشرنا إليه آنفا.

(2) فان مقتضي الحكم بطهارته ترتب جميع أحكام الطاهر عليه.

(3) كما صرح به غير واحد، بل في مفتاح الكرامة أنه صرح به جميع الفقهاء إلا من شذ، و في كشف اللثام كأنه لا خلاف فيه، بل ظاهر شيخنا الأعظم قدس سره دعوي الإجماع عليه.

و العمدة فيه عموم نجاسة المتغير المستفاد من مجموع النصوص الواردة فيه، المقدم علي عموم طهارة ماء الاستنجاء، و إن كان بينهما عموم من وجه، لأن التغير حيثية زائدة في ماء الاستنجاء، لصدق ماء الاستنجاء بمجرد غسل موضع النجو الملازم لملاقاة النجاسة، و التغير أمر زائد علي ذلك، فحال العمومين حال عموم حكم العنوان الأولي مع عموم حكم العنوان الثانوي.

و يؤيده التعليل في مرسل الأحول الظاهر في اختصاص الحكم بالطهارة بصورة كون الماء أكثر من القذر، حيث يلزم حمله علي إرادة غلبته له الملازمة لعدم التغير- و لو بقرينة نصوص التغير. و هو لا ينافي ما تقدم من إجمال التعليل، إذ المراد به إجمال جهة التعليل فيه بعد فرض اختصاصه بمورده، و هو لا ينافي

ص: 161

______________________________

ظهوره في فرض كون الماء أكثر.

و منه يظهر ضعف ما عن الأردبيلي من أن هذا الشرط غير ظاهر.

و أما ما في الجواهر من أقوائية عموم التغير، لأن ماء الاستنجاء ليس أعظم من الكر و الجاري، بل ليس لنا ماء لا يفسد بالتغير.

فيشكل: بأن طهارة ماء الاستنجاء أو ملاقيه ليس لاعتصامه في نفسه، ليكون نظيرا للكر و الجاري، ليمكن نفي أقوائيته منهما، بل هي حكم تعبدي و لو من جهة الامتنان و التخفيف، فيمكن ثبوتها مع التغير.

و كما لم يثبت لنا ماء لا يفسد بالتغير لم يثبت لنا ماء استنجاء نجس هو و ملاقيه، و المستثنيات الأخري المذكورة في كلماتهم خارجة عنه موضوعا.

و مثله ما ذكره بعض مشايخنا من أن عموم نصوص الاستنجاء بالإطلاق، و عموم نصوص التغير بالوضع المستفاد من صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: كلما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فإذا تغير الماء و تغير الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب» «1».

للإشكال فيه- مضافا إلي أن الصحيح محمول علي الماء الكثير، بقرينة تضمنه الطهارة مع عدم التغير، و وارد في الميتة، لأنها الظاهرة عرفا من الجيفة، فلا يعم ماء الاستنجاء، و إنما استفيد عموم الانفعال الشامل لماء الاستنجاء من النصوص الأخري، و لو بضميمة فهم عدم الخصوصية- بأن العموم الوضعي الذي تضمنته الفقرة الأولي وارد في الطهارة مع عدم التغير، و أما النجاسة مع التغير فهي مستفادة من الفقرة الثانية بالإطلاق.

علي أن سنده لا يخلو عن إشكال، لقوة احتمال الإرسال فيه، لروايته بطريق آخر صحيح عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و من البعيد تعدد الرواية، بل هو من تعارض الروايتين المسقط لهما عن الحجية. فلاحظ.

ثمَّ إن شيخنا الأعظم قدس سره استثني من التغير التغير الذي يحصل لأول الماء

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

ص: 162

و لم تتجاوز نجاسة الموضع عن المحل المعتاد (1)، و لم تصحبه أجزاء النجاسة متميزة (2)،

______________________________

عند الغسل تدريجا، لأن الاستنجاء لا ينفك غالبا عن هذا التغير.

و هو في محله. لكن استشكل قدس سره في الطهارة مع انفصال انفصال الجزء المتغير بالنحو المذكور.

فإن أراد نجاسته مع تميزه عن غيره فهو في محله. و إن أراد نجاسته و تنجيسه لما يقع عليه و يختلط به من بقية ماء الاستنجاء فلا يخلو عن إشكال، بل منع، لصعوبة حمل النصوص علي ذلك جدا.

هذا، و قد تقدم في المسألة الثالثة من مباحث المياه أن المعيار في التغير الصفات الثلاث اللون و الريح و الطعم.

فلا وجه لما عن الذكري من ذكر زيادة الوزن في المقام، و ما عن العلامة في نهاية الأحكام من ذكره في مطلق الغسالة.

(1) كما في المسالك و المدارك و كشف اللثام و غيرها. و قد ذكروا أن المراد به التعدي الفاحش الذي لا يصدق معه الاستنجاء. و لعله خارج عن إطلاق عدم قادحية التعدي فيما عن الشهيد و الميسي و أبي العباس. و كيف كان فوجه اشتراط ذلك ظاهر.

نعم، اللازم فيه التفصيل بين ما يغسل به الموضع المعتاد و ما يغسل به موضع التعدي لو أمكن الفصل بينهما، كما ذكره في الجواهر، و تقدم نظيره في الاستجمار.

هذا، و المستفاد من صحيح الأحول بمقتضي فرض الخروج فيه عدم قدح التعدي الذي يحصل من الخروج بسبب تقارب الأليتين و حركتهما حينه.

(2) كما في جامع المقاصد و المسالك و كشف اللثام و عن الروض و الميسي و عن الأردبيلي انه غير ظاهر. و توقف فيه في المدارك، لإطلاق النص.

لكن إطلاق النص ناظر إلي طهارته بلحاظ غسل النجاسة به المستلزم

ص: 163

و لم تصبه نجاسة من الخارج (1)

______________________________

لملاقاته لها، فان ذلك هو المقوم لصدق ماء الاستنجاء، و لا نظر فيه إلي ملاقاته للنجاسة بعد ذلك، لبقائها فيه و عدم استهلاكها.

و من ثمَّ لا يعد إهمال بعض الأصحاب التنبيه علي ذلك خلافا في المسألة.

اللهم إلا أن يريد استفادته من الإطلاق تبعا، لكثرة مصاحبة ماء الاستنجاء لذلك مع الغفلة عنه، فعدم التنبيه عليه ظاهر في عدم قدحه.

و ما ذكره بعض مشايخنا من غلبة قلة الغائط في المحل، فلا يتميز منه شي ء في ماء الاستنجاء.

غير ظاهر، إذ كثيرا ما يكون غسل النجاسة بقلعها، المستلزم لتميزها، لا بتذويبها بالماء المستلزم لاستهلاكها فيه. فالبناء علي عدم قدح ذلك قريب جدا.

و أظهر من ذلك ما لو كان في الماء ما يخرج مع النجاسة و يتنجس بها مما لا يقبل الذوبان، كقشور بعض المطعومات التي لا تنهضم، كما نبه له السيد الطباطبائي في العروة الوثقي و تبعه جملة من شراحها و محشيها، و إن قرّب في الجواهر قادحيته أيضا، بل جزم بها شيخنا الأعظم قدس سره.

(1) كما صرح به جمع من الأصحاب، كالمحقق و العلامة، و عن الشيخ و غيرهم. بل في كشف اللثام كأنه لا خلاف فيه.

و يقتضيه ما تقدم من اختصاص النصوص بنفي النجاسة من حيثية الاستنجاء، و لا تنهض بنفي تنجسه بنجاسة خارجية. كما لا طريق لاستفادته تبعا، لعدم كثرة الابتلاء بذلك بنحو يغفل عنه.

لكن قد يدل علي العفو تبعا موثق الأحول أو صحيحه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: استنجي ثمَّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب. فقال: لا بأس به» «1». لقرب حمله علي إرادة غسل المني مع الاستنجاء، بقرينة ذكر الجنابة لبعد احتمال دخل

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب المضاف و المستعمل حديث: 4.

ص: 164

أو من الداخل (1)

______________________________

حدثها في حكم ماء الاستنجاء، كي يحتاج لذكرها في السؤال.

إلا أن في بلوغ ذلك مرتبة الظهور الحجة إشكالا، فلا يخرج به عما عرفت.

ثمَّ إن ذلك كما يجري في غسل النجاسة الخارجية بالماء يجري في وقوعه علي الموضع النجس و نجاسة اليد التي يستنجي بها من غير جهة الاستنجاء، و لو لوضعها علي النجاسة لا بقصده، كما صرح به بعضهم.

نعم، لا تقدح نجاسة اليد بسبب الاستنجاء بها- كما صرح به غير واحد- لملازمة الاستنجاء لذلك. من دون فرق بين سبق اليد علي الماء في ملاقاة النجاسة و غيره، كما في جامع المقاصد و غيره، لتعارف الوجهين في الجملة، بنحو يغفل عن التقييد بالصورة الثانية، الموجب لظهور الإطلاق في إفادته تبعا.

خلافا لما في كشف اللثام من عدّ الصورة الأولي من صور ملاقاة النجاسة الخارجية القادحة.

(1) كما في جامع المقاصد و المسالك و كشف اللثام و غيرها. لما تقدم في سابقة، لاختصاص الاستنجاء بغسل النجو، و هو الغائط، كما تقدم.

و دلالة الإطلاق علي الطهارة مع الاختلاط تبعا غير ظاهر، لعدم وضوح غلبة ذلك بالنحو الذي يغفل عن استثنائه، لأنه علي خلاف المتعارف في الأمزجة الصحيحة. فما في المدارك من التوقف في ذلك لإطلاق النص، في غير محله.

ثمَّ إنه قد عمم صاحب الجواهر و شيخنا الأعظم قدّس سرّه ذلك للمتنجس الخارج مع الغائط أو بعده، كالحصي و الوذي، حيث يتنجس به الموضع أيضا، و ليس التطهير منه استنجاء.

لكنه في غاية الإشكال، لكثرة خروجه و غفلة العرف عنه، و لو لتفرع نجاسته علي نجاسة الغائط المفروض عدم قدحها، فاستفادة عدم قدحه من الإطلاق تبعا قريبة جدا.

هذا، و عن المدارك و الذخيرة عدم الفرق بين ما يخرج من المخرج الطبيعي

ص: 165

فإذا اجتمعت هذه الشروط كان طاهرا، و لكن لا يجوز الوضوء به (1).

______________________________

و غيره، و في جامع المقاصد و غيره و عن الدلائل اعتبار كون غير الطبيعي معتادا، و ظاهر سيدنا المصنف قدّس سرّه لزوم كون الموضع معدا لخروج النجاسة و لو مع عدم التكرار و الاعتياد.

و الكل يبتني علي عدم اختصاص الاستنجاء بغسل المخرج الطبيعي، بل يعم غيره مطلقا أو بأحد الشرطين المذكورين.

و هو غير ظاهر، بل المتيقن منه غسل المخرج الطبيعي، فيرجع في غيره الي عموم حكم الماء الملاقي للنجاسة.

و منه يظهر عدم الاجتزاء بالاستجمار فيه، كما لا يجتزأ بها مع تنجس الموضع بنجاسة أخري غير الغائط، كما تقدم ما يناسبه عند الكلام في اعتبار طهارة الأحجار. فراجع.

(1) كما هو ظاهر الذخيرة و قواه شيخنا الأعظم قدّس سرّه و بعض من تأخر عنه.

لخبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يتوضأ الرجل بالماء المستعمل. فقال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه.» «1» بناء علي ما تقدم في الماء المستعمل من تقريب قوة سنده، و علي التعدي عن مورده إلي مطلق ما يغسل به النجاسة و إن كان طاهرا.

و لما في المعتبر و المنتهي من دعوي الإجماع علي عدم جواز رفع الحدث بما يزال به النجاسة. و في مفتاح الكرامة: «و قد اعترف بهذا الإجماع جماعة، كصاحب المدارك و المعالم و الذخيرة و غيرهم.» و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه:

«الإجماع الذي يحكيه الفاضلان و يتلقاه الأعاظم بعدهما بالقبول ليس من الإجماع المنقول».

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 13.

ص: 166

______________________________

و فيه: أنه لا مجال للتعدي عن مورد الخبر إلي الغسالة الطاهرة بعد ارتكازية مانعية نجاسة الماء عن التطهير به.

و أما دعوي الإجماع فلا مجال للتعويل عليها بعد عدم ظهور التسالم علي مضمونها، فان ما في مفتاح الكرامة- من اعتراف جماعة به- لا يريد به إلا نقلهم لحكايته من الفاضلين، كما يظهر من كلام له آخر، و هو الموجود في المدارك و الذخيرة، بل في المدارك أن الأصح مطهريته من الحدث، و هو صريح كشف اللثام، و محكي مجمع البرهان، و عن الذكري و المهذب البارع أن ثمرة الخلاف في ماء الاستنجاء تظهر في رفعه الحدث و الخبث. و في مفتاح الكرامة بعد نقل ذلك عنهما: «فيكون معقد الإجماع عندهما غير ماء الاستنجاء».

و لعل منشأه عدم صراحة كلام ناقلي الإجماع في العموم، ففي المعتبر في حكم الماء المستعمل: «و فيما يزال به الخبث و لم يتغير بالنجاسة قولان، أشبههما التنجيس، عدا ماء الاستنجاء. أما نجاسته مع التغير فبإجماع الناس. و أما إذا لم يتغير فقد اختلف قول الشيخ. أما رفع الحدث به أو بغيره مما يزال النجاسة فلا إجماعا، و لما رواه عبد اللّه ابن سنان. و أما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين.».

و في المنتهي بعد حكمه بنجاسة الغسلة المطهرة: «رفع الحدث بمثل هذا الماء أو بغيره مما يزيل النجاسة لا يجوز إجماعا، أما علي قولنا فظاهر. و أما علي قول الشيخ فلما رواه عبد اللّه بن سنان.».

و قد يشهد باختصاص معقد الإجماع في كلامهما عدم ظهور العمل منهما به في ماء الاستنجاء، حيث أطلق في الشرائع و النافع طهارته مع وضوح احتياج عدم رفع الحدث به مع طهارته للتنبيه، خصوصا مع التنبيه له فيما يرفع به الحدث الأكبر المذكور في سياقه، بل أطلق في القواعد مطهريته، و لم ينبه علي استثناء الحدث في غير واحد من شروح الكتب المذكورة، كجامع المقاصد و المسالك و الرياض، حيث يظهر منهم البناء علي عموم مطهريته، خصوصا الأول.

و لعله لذا قال في الجواهر: «سمعت الإجماع سابقا في ماء الغسالة من

ص: 167

______________________________

المصنف و العلامة أنه لا يجوز رفع الحدث بما يزال به النجاسة. و يدخل فيه ذلك [يعني: ماء الاستنجاء] علي اشكال».

علي أن من القريب ابتناء مذهب بعض المانعين من رفع الخبث بما يزال به النجاسة علي نجاسته، و بعضهم علي دخوله في خبر عبد اللّه بن سنان، و لا يحرز خصوصيته في المانعية عندهم مع قطع النظر عن ذلك.

ثمَّ إن الأمر لا يختص بالوضوء، بل لو تمَّ المنع، فان كان دليله الإجماع تعين التعدي لكل ما يرفع الحدث من الوضوء و الغسل، و أشكل شموله لما لا يرفعه من الوضوءات و الأغسال المستحبة.

و إن كان دليله خبر ابن سنان كان الوجه في التعدي للغسل ارتكاز أولوية الطهارة الكبري في ذلك من الطهارة الصغري. كما يتعين التعميم لما لا يكون رافعا للحدث من الوضوء و الغسل المندوبين، عملا بإطلاق الوضوء في الخبر بعد فرض التعدي منه للغسل، كما تقدم نظيره في الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

بقي في المقام فروع لا بأس بالتعرض لها.

الأول: لما كان منشأ القول بنجاسة ماء الاستنجاء هو عموم الانفعال بملاقاة النجاسة تعين قصوره عن الماء المعتصم، من دون فرق بين تمامية الشروط المتقدمة و عدمه، عدا التغير. و هو ظاهر.

كما أن منشأ امتناع رفع الحدث به علي تقدير طهارته إن كان هو الإجماع فمن المعلوم قصوره عن ذلك أيضا. و إن كان هو خبر ابن سنان تعين الخروج عنه بما دل علي جواز الغسل بالماء الكثير الذي يغتسل به الجنب و يستنجي به «1»، علي ما تقدم في الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر. بل المقام أظهر منه.

نعم، قد يستدل علي كراهة استعمال الماء الكثير الذي يستنجي به بصحيح ابن بزيع: «كتبت إلي من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقي فيه من بئر، فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب، ما حده الذي لا يجوز؟

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق.

ص: 168

______________________________

فكتب: لا توضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه» «1».

لكنه ظاهر في الماء المعرض لكل طارئ، كما تقدم هناك أيضا.

الثاني: إذا تردد الماء بين كونه غسالة نجاسة و ماء استنجاء لم يبعد البناء علي نجاسته و منجسيته، لاستصحاب عدم كونه ماء استنجاء، بناء علي ما هو الظاهر من أن إحراز عدم الخاص في موارد كاف في إحراز ثبوت حكم العام له، و هو في المقام عموم انفعال الماء القليل.

الثالث: إذا شك في تحقق الشروط المتقدمة لثبوت حكم ماء الاستنجاء لم يقدح ذلك في إجراء حكمه، لصدق الاستنجاء في جميع ذلك المقتضي لترتب حكمه، و إنما يحتمل وجوب الاجتناب عنه أو عن ملاقيه لاحتمال أمر خارج عنه من تغير أو ملاقاة نجاسة غير ما يستنجي منه، فاستصحاب عدم ذلك يقتضي عدم وجوب الاجتناب.

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 15.

ص: 169

ص: 170

الفصل الرابع: كيفية الاستبراء من البول

اشارة

الفصل الرابع كيفية الاستبراء من البول (1)

______________________________

(1) تقدم في مستحبات التخلي أن ظاهر بعض النصوص استحباب الاستبراء في نفسه. كما يأتي أن فائدته طهارة البلل المشتبه.

فان فرض عدم الاجمال فيه- و لو للجمع بين النصوص- فهو، و إلا كان مقتضي قاعدة التسامح استحباب جميع الكيفيات التي تضمنتها النصوص بنحو تعدد المطلوب.

و أما بالإضافة إلي الفائدة المذكورة فمقتضي القاعدة في مورد الشك و الاجمال البناء علي الطهارة الحديثة و الخبيثة، لاستصحابهما بعد فرض إجمال المخرج عنهما، و هو نصوص الاستبراء.

لكن احتمل في الجواهر، بل جزم شيخنا الأستاذ قدّس سرّه بأن اللازم البناء علي النجاسة و الحدث، للزوم الاقتصار علي المتيقن في الخروج عن إطلاق ما تضمن وجوب الوضوء و الاستنجاء بخروج البلل بعد البول، كصحيح محمد بن مسلم:

«قال أبو جعفر عليه السّلام: من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثمَّ يجد بللا فقد انتقض غسله، و إن كان بال ثمَّ وجد بللا فليس ينقض غسله، و لكن عليه الوضوء، لأن البول لم يدع شيئا» «1» و موثق سماعة: «سألته عن الرجل يجنب ثمَّ يغتسل قبل أن يبول، فيجد بللا بعد ما يغتسل. قال: يعيد الغسل، فان كان بال قبل

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 5.

ص: 171

أن يمسح من المقعدة إلي أصل القضيب ثلاثا، ثمَّ منه إلي رأس الحشفة ثلاثا، ثمَّ ينترها ثلاثا (1).

______________________________

أن يغتسل فلا يعيد غسله، و لكن يتوضأ و يستنجي» «1» و غيرهما.

و فيه: أن الإطلاق المذكور معارض بإطلاق ما تضمن طهارة البلل الخارج بعد البول و عدم ناقضيته ففي صحيح ابن أبي يعفور: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال ثمَّ توضأ، ثمَّ قام إلي الصلاة، ثمَّ وجد بللا قال: [لا شي ء عليه و. فقيه] لا يتوضأ [إنما ذلك في الحبائل. كافي]» «2». و نصوص الاستبراء تصلح لأن تكون شاهد جمع بين الإطلاقين، ففي مورد إجمالها كما تسقط عن الحجية يسقط الإطلاقان بالمعارضة، و يكون المرجع استصحاب الطهارة الحديثة و الخبثية، كما ذكرنا.

و أما ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من أن صحيح ابن أبي يعفور لما كان مطابقا لعموم الاستصحاب كان ملحقا به، و لم يصلح لمعارضة الإطلاقات الأول المقدمة في نفسها علي عموم الاستصحاب.

ففيه. أولا: أن تقدم الإطلاقات الأول علي عموم الاستصحاب لما كان الوجه فيه أنها أخص منه أو حاكمة عليه فلا مجال لتقديمها علي إطلاق صحيح ابن أبي يعفور الذي هو مباين لها، بل يتعين استحكام التعارض بينه و بينها، بل قد يترجح بموافقته لعموم الاستصحاب.

و ثانيا: أن ظاهر الصحيح المذكور كون البناء علي الطهارة لأجل أن البلل من الحبائل، لا للاستصحاب، فمضمونه حاكم علي مفاد عموم الاستصحاب، و ليس مسانخا له، كي يدعي إلحاقه به.

(1) كما في الشرائع و القواعد و عن المنتهي و التحرير و التذكرة. و عن البيان

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.

ص: 172

______________________________

و الدروس إبدال نتر الحشفة بعصرها، و وافقهما في الروضة و زاد إبدال مسح القضيب بنتره.

هذا مع محافظة الجميع علي التسع، و نسبها في المدارك إلي المبسوط، و في الجواهر إلي صريح الصدوق. بل عن الذكري: «و ليكن بالتسع المشهورة»، و وصفها بالشهرة أيضا في المدارك و محكي الذخيرة.

و قد استدل عليها غير واحد بأنها مقتضي الجمع بين النصوص بعد تقييد بعضها ببعض و توضيح ذلك: أن التسع بتمامها لم يتضمنها نص خاص، و إنما تضمن كل نص قسما منها. ففي صحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

رجل بال و لم يكن معه ماء. قال: يعصر أصل ذكره إلي طرفه [رأس ذكره. خ يب] ثلاث عصرات، و ينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل» «1» و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يبول.

قال: ينتره ثلاثا، ثمَّ إن سال حتي يبلغ السوق فلا يبالي» «2» و خبر عبد الملك- الذي لا يبعد حسنه- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يبول ثمَّ يستنجي ثمَّ يجد بعد ذلك بللا. قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما، ثمَّ استنجي، فان سال حتي يبلغ السوق فلا يبالي» «3» و تقدم في مسألة استحباب الاستبراء ما في بعض النصوص من سلّ الإصبع من أصل العجان ثلاثا، و في آخر من نتر الذكر ثلاثا.

إلا أن ضعف سندها مانع من الاستدلال بها، بل لا تصلح إلا للتأييد، و العمدة ما ذكرناه هنا.

و قد يدعي أن إطلاق كل منها و إن كان يقتضي الاكتفاء بما تضمنه من الكيفية في طهارة البلل المشتبه، إلا أن الجمع بينها يقتضي تقييد كل منها بالآخر، فيعتبر جميع ما تضمنته من خرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاثا الذي تضمنه خبر

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقص الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.

ص: 173

______________________________

عبد الملك- و عليه ينزل السل في خبر الجعفريات المتقدم في استحباب الاستبراء- و عصر الذكر ثلاثا الذي تضمنه صحيح محمد بن مسلم- و الذي قد ينزل عليه النتر في صحيح حفص و غيره مما تقدم في استحباب الاستبراء- و نتر الحشفة الذي تضمنه صحيح محمد بن مسلم.

فلم يبق إلا الترتيب بين العصرات، الذي قد يتعين الحمل عليه بمناسبة كون الغرض التنقية.

و يشكل. أولا: بأن صحيح محمد بن مسلم لم يتضمن التثليث في نتر الحشفة، بل تركه فيه مع التعرض له في عصر الذكر قد يوجب قوة ظهوره في عدم لزومه. و أما دعوي حذفه اعتمادا علي ذكره سابقا فهي خالية عن الشاهد.

و ثانيا: بأن خبر عبد الملك قد تضمن الغمز الظاهر في غمز ما بين المقعدة و الأنثيين، الذي لم يعتبره أحد زائدا علي الخرط، كما في الجواهر.

و حمله علي غمز ما بين الأنثيين لأنهما الأقرب- كما في الجواهر- مخالف للظاهر، لأنهما مذكوران ضمنا في تحديد الخرط، فيبعد إرادتهما من الضمير. علي أنه لم يقل به أحد أيضا، لأن أكثر ما ذكروه هو التسع.

و أضعف منه ما أشار إليه في الرياض و استظهره الفقيه الهمداني، من حمله علي غمز الذكر، لأنه واقع بين الأنثيين، و عدم التصريح به لاستهجانه.

للإشكال فيه- مضافا إلي ما سبق- بأن الذكر فوق الأنثيين، لا بينهما، و لو أريد لكان التصريح به أخصر و أفيد، و ليس البناء في النصوص علي ملاحظة الاستهجان بمثل ذلك.

فالإنصاف: أن توجيه الغمز المذكور علي مبني المشهور مشكل.

اللهم إلا أن يقال: عدم ذكره لا يختص بالقائلين بالخرطات التسع، فلا يكون موهنا للقول المذكور، بل إعراضهم عنه إما أن يوجب سقوط ما تضمنه عن الحجية، أو يكشف عن كون عطفه علي الخرطات للتأكيد و التوضيح، لا لكونه أمرا آخر في قبالها.

و ثالثا: بأن ظهور كل منها في جواز البناء علي الطهارة مع فعل الكيفية

ص: 174

______________________________

المذكورة فيها أقوي من ظهوره في عدم جواز البناء عليها مع تركها، فالمقام نظير ما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء، الذي كان المعروف فيه البناء علي الاكتفاء بأحد الشروط في ترتب الجزاء و عدم لزوم اجتماعها، تقديما لظهور المنطوق علي ظهور المفهوم، بل المقام أولي بذلك، لأن دلالة الصحيحين علي عدم جواز البناء علي الطهارة مع عدم الاستبراء بالكيفيتين فيهما ليس لاشتمالهما علي أداة الشرط الظاهرة في الإناطة المقتضية للمفهوم، بل لظهور الأمر في كل منهما بالكيفية المذكورة فيه في التعيين، المستلزم لعدم ترتب الأثر بدونه، و هو أضعف من ظهور الشرط في المفهوم.

و منه يظهر أن قول المشهور ليس مبنيا علي تحكيم المنطوق علي المفهوم، كما في الجواهر، بل علي العكس الذي هو خلاف الظاهر.

و دعوي: أن مناسبة كون الغرض الإنقاء تعيّنه و إن كان في نفسه خلاف الظاهر.

مدفوعة بأن المناسبة المذكورة ليست من القرائن المحيطة بالكلام الصارفة عن الظهور المذكور.

و مما ذكرنا يظهر حال ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من أن التردد في المقام بين الجمع بتقييد كل منطوق منها بمفهوم الآخر و الجمع بتقييد مفهوم كل منها بمنطوق الآخر موجب لإجمال الاستبراء، الملزم بالاقتصار علي المتيقن منه- و هو التسع- و الرجوع في غيره لعموم نجاسة البلل الخارج بعد البول و ناقضيته، علي ما تقدم منه في تقريب مقتضي الأصل في فرض الاجمال.

لاندفاعه بما ذكرنا من أن تقييد المفهوم بالمنطوق هو الأظهر، و بما تقدم من أن المرجع في فرض الاجمال هو استصحاب الطهارة، لا العموم المذكور.

و رابعا: بأن التقييد بالوجه المذكور و التنقية لا يقتضيان الترتيب بالوجه المذكور، فإن التنقية و ان توقفت علي تقديم عصر ما بين المقعدة و الأنثيين علي عصر الذكر، و تقديم عصر الذكر علي عصر الحشفة، إلا أنها لا تقتضي تقديم تمام عصرات كل موضع علي تمام عصرات ما بعده، بل يكفي عصر ما بين المقعدة

ص: 175

______________________________

و الأنثيين ثمَّ الذكر، مع تكرار ذلك ثلاثا.

بل لو أمكن استيعاب ما بين المقعدة و طرف الذكر بعصرة واحدة كفت ثلاث عصرات مستوعبة. إلا أن الظاهر تعذر ذلك، لأن عصر ما بين المقعدة و الأنثيين بضغط الإصبع علي الموضع، و عصر الذكر بضغطه بين الإصبعين، بنحو يحتاج للفصل الموجب للتعدد.

كما أنه لا بد من نتر الحشفة زائدا علي ذلك، بناء علي الجمع بين مفاد النصوص، لظهور صحيح محمد بن مسلم في ذلك.

و لعله لذا قال في النافع: «يعصر ذكره من المقعدة إلي طرفه ثلاثا، و ينتره ثلاثا» إذ لا يبعد أن يكون مراده من نتره ما يساوق نتر الحشفة، كما هو الظاهر من جملة ممن ذكره في ضمن التسع كالشرائع و القواعد و غيرهما، و إلا فحمله علي نتر تمام الذكر موجب لتكرر عصره بلا وجه. و ما في الرياض من حمل «طرفه» علي الأنثيين غريب. فتأمل.

بقي في المقام أقوال أخري.

الأول: ما في الغنية، حيث قال: «أما البول فيجب الاستبراء منه أولا بنتر القضيب و المسح من مخرج النجو إلي رأسه ثلاث مرات».

و ظاهره الاكتفاء بالمسح المستوعب للمجري ثلاث مرات، كما تقدم من النافع، مع إسقاط نتر الحشفة.

و فيه: أنه إن بني علي التخيير بين الكيفيات المذكورة في النصوص فلا مجال للإلزام بالاستيعاب المذكور، و إن بني علي الجمع بينها لزم ذكر نتر الحشفة، كما تقدم.

نعم، المستفاد من كلام غير واحد توجيه دلالة النصوص بمجموعها علي ذلك، بحمل أصل الذكر في صحيح محمد بن مسلم علي أصله المخفي في العجان الذي يبدأ من المقعدة، و حمل نتر طرفه فيه علي تأكيد استيعاب الذكر بالعصر، لدفع توهم الاكتفاء بعصر ما عد الحشفة، لا لبيان أمر آخر زائد علي ذلك، و حمل الغمز في خبر عبد الملك علي غمز الذكر، و حمل النتر في صحيح حفص

ص: 176

______________________________

علي نتر البول الذي يكون في المجري المدلول عليه بقوله: «يبول» و إخراجه بعصر تمام المجري.

و يشكل بأن ظاهر أصل الذكر في صحيح ابن مسلم مبدؤه المقابل لطرفه، لا ما يخرج عنه عرفا، و لا سيما مع التصريح بتثليث العصرات، لما ذكرناه آنفا من تعذر عصر ما بين المقعدة و طرف الذكر بعصرة واحدة.

و حمل نتر طرفه علي تأكيد استيعابه بالعصر مخالف للظاهر جدا، و لا سيما مع العدول عن التعبير بالعصر إلي التعبير بالنتر.

و مثله حمل الغمز في خبر عبد الملك علي غمز الذكر، كما تقدم في الوجه الثاني للإشكال في الاستدلال علي التسع المشهورة.

كما أنه لا مجال لحمل النتر في صحيح حفص علي إخراج البول بعصر مجراه، لأن النتر جذب الشي ء بشدة، و منه نتر الحبل، و إخراج البول مما بين المقعدة و الاثنين لا يكون بالوجه المذكور، بل بالسل و الخرط.

علي أن البول المستفاد من قوله: «يبول» هو الخارج الذي لا يكون موردا للنتر، و المتبقي في المجري غير مفروض في السؤال، كي يحمل عليه الجواب.

مع أنه لا معني لتثليث النتر بالإضافة إلي البول، بل لامتناع تعدد خروجه، و إنما يتوجه في مثل نتر الذكر المستلزم لخروج البول تدريجا.

و من ثمَّ كان هو الظاهر، و لا سيما بعد كونه المناسب المعهود للنتر، و ورد في غير واحد من النصوص المتقدم بعضها في استحباب الاستبراء، و إن كانت ضعيفة السند.

الثاني: ما في الفقيه و النهاية و المراسم و الوسيلة و عن السرائر من أنه عبارة عن مسح ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاثا و نتر الذكر ثلاثا، و لعله ظاهر المبسط، حيث قال في محكيه: «مسح من عند المقعدة إلي تحت الأنثيين ثلاثا، و مسح القضيب و نتره ثلاثا».

و يأتي فيه ما تقدم في سابقة من أنه لا وجه لإسقاط نتر الحشفة بعد ذكره في صحيح محمد بن مسلم.

ص: 177

______________________________

مع ما تقدم من أنه لا ملزم بالترتيب بين تمام المسحات و تمام النترات الذي هو صريح الفقيه و النهاية و المنصرف من غيرهما.

علي أن الإلزام بالنتر لا وجه له بعد ظهور صحيح محمد بن مسلم في الاكتفاء بالعصر.

الثالث: ما عن المقنعة، حيث قال: «مسح بإصبعه الوسطي تحت أنثييه إلي أصل القضيب مرتين أو ثلاثا، ثمَّ يضع مسبحته تحت القضيب و إبهامه فوقه و يمرها عليه باعتماد قوي من أصله إلي رأس الحشفة [مرة أو] مرتين أو ثلاثا».

و يشكل- مضافا إلي ما تقدم في سابقة- بأنه لا وجه للتسامح في التثليث بعد تصريح جميع النصوص به، و لا للإلزام بعصر الذكر بعد ظهور صحيح حفص في كفاية النتر. فلاحظ.

الرابع: ما عن والد الصدوق من الاقتصار علي مسح ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاثا.

الخامس: ما عن المرتضي و ابن الجنيد من الاقتصار علي نتر الذكر من أصله ثلاثا.

السادس: ما عن المهذب من الاقتصار علي عصر الذكر مرتين أو ثلاثا مع عصر الحشفة.

و هذه الثلاثة مبنية علي العمل ببعض النصوص و إهمال بعضها. و يزيد الأخير بالتسامح في التثليث، و إبدال نتر الحشفة بعصرها.

و الذي يتحصل بعد النظر فيما تقدم: أن مقتضي الجمع بين النصوص الاكتفاء بإحدي الكيفيات الثلاث المذكورة في النصوص المتقدمة، و هي مسح ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاثا، و نتر الذكر ثلاثا، و عصره من أصله ثلاثا مع نتر الحشفة.

و مقتضي ملاحظة التنقية و الاحتياط بالجمع بين مفاد النصوص هو مسح تمام ما بين المقعدة و رأس الذكر ثلاثا ثمَّ نتر الحشفة.

ثمَّ إنه لو بني علي الجمع بين مفاد النصوص فالظاهر أن اختلاف صحيحي محمد بن مسلم و حفص في الذكر، حيث تضمن الأول عصره، و الثاني نتره

ص: 178

و فائدته طهارة البلل الخارج بعده إذا احتمل أنه بول، و لا يجب الوضوء منه (1).

______________________________

محمول علي التخيير، أو الاختلاف في الفضل، لأن العصر آكد من النتر في التنقية.

و ربما حمل النتر علي العصر، بأن يحمل علي جذب الذكر من أصله إلي طرفه بنحو الخرط، الذي هو المراد بالعصر، كما قد يظهر من بعضهم.

كما أن تعبير سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره بالمسح فيه و في الخرطات الاولي لا بد أن يحمل علي المسح بشدة المساوق للخرط، بقرينة نصوص المقام و مناسبة التنقية. و أما إبدال نتر الحشفة بعصرها- كما تقدم من الشهيدين- فهو خروج عن النص بلا وجه، إلا أن يكون لمجرد الاستظهار، لا للوجوب.

بقي شي ء، و هو أن بعضهم قد تعرض لبعض الكيفيات الخاصة للخرطات، مثل ما تقدم عن المقنعة من المسح بالإصبع الوسطي و وضع الإبهام و المسبحة.

و لا ملزم به بعد إطلاق الأدلة. نعم، قد تضمن خبر الجعفريات- المتقدم في استحباب الاستبراء- سل الإصبع الوسطي من أصل العجان. و لا بأس بالعمل به برجاء المطلوبية، و إن كان من القريب إلغاء خصوصيته. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(1) كما صرح به جمع، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه، و في كشف اللثام دعوي الاتفاق عليه، و في الحدائق عن غير واحد من المتأخرين التصريح بعدم معرفة الخلاف فيه، و هو مقتضي صحيحي محمد بن مسلم و حفص، و خبر عبد الملك، المتقدمة في كيفية الاستبراء، التي تقدم في أول الفصل أنها شاهد جمع بين إطلاق ما دل علي طهارة البلل، و ما دل علي نجاسته و ناقضيته. فراجع.

و أما ما عن محمد بن عيسي: «كتب إليه رجل: هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب: نعم» «1».

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.

ص: 179

و لو خرج البلل المشتبه بالبول قبل الاستبراء بني علي كونه بولا (1)،

______________________________

فلا مجال للتعويل عليه بعد ما عرفت.

و قد ذكر الشيخ قدّس سرّه في الاستبصار أن الوجه حمله علي الندب أو التقية، لموافقته لمذهب أكثر العامة، لما حكي عنهم من ناقضية كل ما يخرج من السبيلين، و ليس فائدة الاستبراء إلا تنقية المجري. و لا سيما مع عدم ظهوره في فرض اشتباه البلل، بل يعم ما إذا علم بعدم كونه بولا.

(1) كما صرح به جمع، و عن السرائر نفي الخلاف فيه، و في الحدائق عن غير واحد من المتأخرين التصريح بنفي معرفة الخلاف فيه.

و استدل عليه في كلام غير واحد بمفهوم النصوص المذكورة.

و يشكل بعدم كون المفهوم في الصحيحين مفهوم الشرط، بل مفهوم اللقب الذي ليس بحجة.

مع أن صحيح محمد بن مسلم مسوق لبيان ملازمة الاستبراء لعدم كون الخارج بولا، بحيث يكون سببا للحكم ظاهرا بعدم بوليته، فلا يقتضي إلا عدم الامارة علي ذلك مع عدم الاستبراء، لا الحكم ببوليته، لترتب أحكامه، و ليس واردا لبيان إناطة عدم البولية واقعا بالاستبراء، للقطع بعدم ذلك، و إمكان نقاء المحل بدونه.

و أما خبر عبد الملك فالشرطية فيه مسوقة لتحقيق الموضوع، لأن الشرط فيها هو البول، لا الاستبراء، و تنزيلها علي كون البول موضوع الشرطية لا نفس الشرط، لا قرينة عليه.

و دعوي: أنه لو كان المرجع بدون الاستبراء هو الأصل المقتضي للطهارة كان ذكر الاستبراء في النصوص لغوا، لعدم الأثر له.

مدفوعة: بأنه يكفي في الأثر له عدم حسن الاحتياط أو ضعفه معه، لأنه أمارة قطعية أو شرعية علي عدم كون الخارج بولا.

فالعمدة في المقام هو إطلاقات النصوص المتضمنة لوجوب الوضوء

ص: 180

فيجب التطهير منه (1)

______________________________

و الاستنجاء من البلل الخارج بعد البول المتقدمة في أول الفصل، بعد تقييدها بنصوص الاستبراء المتقدمة، حيث تقدم أنها تكون شاهد جمع بينها و بين إطلاق طهارة البلل. فلاحظ.

(1) كما استظهر في الحدائق عدم الخلاف فيه. و إن استشكل فيه بأنه لا يناسب ما ذكروه في ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة من عدم الحكم بنجاسته، لاشتراك طرف الشبهة مع البلل المشتبه في أن كلّا منهما قد اعطي بعض أحكام النجاسة، فإذا لم يكن وجوب الاجتناب عن طرف الشبهة مستلزما لتنجس ملاقيه، لم تكن ناقضية البلل المشتبه مستلزمة لنجاسته.

لكنه يندفع بالفرق بين المقامين بأن الحكم بوجوب الاجتناب عن طرف الشبهة عقلي بملاك لزوم إحراز الفراغ عن التكليف المعلوم بالإجمال من دون أن يتضمن الحكم بنجاسته، ليتفرع عليه تنجس ملاقيه.

أما الحكم بناقضية البلل المشتبه- لو تمَّ- فهو شرعي متفرع علي كونه بولا، للمفروغية عن عدم ناقضية غير البول مما يخرج من مخرجه، فيلزم نجاسته.

اللهم إلا أن يقال: الحكم بناقضيته إنما يستلزم بوليته و نجاسته إذا كان حكما واقعيا، أما إذا كان ظاهريا- كما هو الحال في المقام- فلا ينهض بإثبات لازمه، إذ لا مانع من التفكيك في مقام الظاهر بين التلازمات. علي أن نصوص المقام لم تتضمن الحكم بناقضية البلل المشتبه، بل الأمر بالوضوء منه، و هو أعم من ناقضيته، لإمكان كونه أمرا احتياطيا، لاحتمال الناقضية.

و الذي ينبغي أن يقال: انّه إن كان الإشكال في وجوب الاستنجاء من البلل المشتبه، لإنكار الملازمة بينه و بين وجوب الوضوء منه. فيدفعه عدم الحاجة للملازمة المذكورة بعد ما تقدم في موثق سماعة من الأمر بالاستنجاء منه.

و إن كان الإشكال في ترتب سائر آثار البول عليه. فهو لا يخلو عن وجه، لأن الأمر ظاهرا بالوضوء و الاستنجاء منه لا يستلزم الحكم ظاهرا ببوليته، ليترتب عليه

ص: 181

______________________________

سائر آثارها، لإمكان ابتنائه علي الاحتياط في الأمرين المذكورين، الملزم بالاقتصار عليهما و عدم التعدي لسائر الآثار، فان الاحتياط الشرعي كالعقلي لا يبتني علي التعبد بمنشإ الاحتمال الملزم به و إحرازه، لتترتب آثاره.

و دعوي: أن المستفاد من نصوص المقام كون الأمر بالوضوء و الاستنجاء من باب تقديم الظاهر علي الأصل- كما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره- فهو راجع إلي كون عدم الاستبراء أمارة علي كون الخارج بولا، لظهور الحال في بقاء شي ء من البول في المجري.

مدفوعة: بأن الاستبراء و إن كان أمارة علي عدم كون البلل بولا، إلا أن عدمه ليس أمارة علي بولية البلل، لإمكان نقاء المحل بدونه، كما تقدم.

فالحكم ببوليته- لو تمَّ- لا يستند إلي الظاهر، بل هو تعبد شرعي بمجرد الاحتمال، و لا يصلح الأمر بالوضوء و الاستنجاء للدلالة عليه، كما تقدم.

نعم، لو تمَّ المفهوم في صحيح محمد بن مسلم كان مقتضاه التعبد ببولية البلل، لأن تعليق عدم البولية علي الاستبراء مستلزم للبولية بدونه، إلا أنه تقدم عدم تماميته.

لكن الإنصاف أن إطلاق الاستنجاء ظاهر في المفروغية عن تحقق موضوعه، و هو البول، لأن الغسل بدون البول ليس استنجاء. و محض الاحتياط بالغسل لاحتمال كونه استنجاء، لا يصح إطلاق الاستنجاء حقيقة، فظاهر الأمر بالاستنجاء هو التعبد يكون البلل بولا.

مع أنه بعد كون وجوب الوضوء و الاستنجاء متيقنا من الأدلة فلا أثر للتعبد بالبولية إلا وجوب غسل الملاقي في غير مورد الاستنجاء و وجوب غسل ملاقي الملاقي مهما تسلسل.

و يكفي في ذلك صعوبة التفكيك عرفا بينهما و بين الاستنجاء، فالمفهوم من الأمر بالاستنجاء وجوب ترتيب آثار الانفعال بالبلل و إن لم يحكم عليه بالبولية.

فلاحظ.

ص: 182

و الوضوء (1)، و إن كان ترك الاستبراء لعدم التمكن منه (2)،

______________________________

(1) لا إشكال فيه بعد كثرة نصوصه من المطلقات المشار إليها «1».

(2) لإطلاق الأدلة المتقدمة.

و دعوي: أن مقتضي حديث الرفع «2» المتضمن رفع الاضطرار و ما لا يطيقون رفع أثر عدم الاستبراء، و هو وجوب البناء علي البولية.

مدفوعة: بما ذكرناه في الأصول عند الكلام في مفاد الحديث من أن مصحح اسناد الرفع للأمور المذكورة فيه رفع تبعة الفعل أو التكليف و ما يكون من شؤون المسؤولية المترتبة عليهما، فيختص بالآثار الثابتة بعناية كونها تبعة و جزاء علي الفعل، كالمؤاخذة في الأحكام التكليفية، و كوجوب الكفارة و الحد، و نفوذ العقد و اليمين و الإقرار، دون بقية الآثار التابعة لأسبابها الشرعية و إن كانت موجبة للضيق، كالنجاسة بالملاقاة، و تحريم الحيوان مع الخطأ في التذكية، و منها ما نحن فيه، فان وجوب البناء علي البولية ليس من سنخ التبعة و الجزاء لترك الاستبراء، بل هو من أحكامه الشرعية بلا ملاحظة ذلك.

نعم، لو كان مفاد الحديث تنزيل الأمور المذكورة فيه منزلة العدم شرعا فقد يتجه شموله لما نحن فيه و غيره.

لكنه خلاف ظاهره.

و ذكر بعض مشايخنا في وجه عدم شمول الحديث لما نحن فيه أمرين.

الأول: أنه مختص بالتكاليف الإلزامية المتوجهة إلي المكلف بسبب الفعل الاختياري كالإفطار في نهار شهر رمضان الذي هو موضوع لمثل الحرمة و الكفارة، دون ما يتوجه علي المكلف بسبب أمر لم يؤخذ فيه الاختيار، كالنجاسة و الغسل المترتبين علي إصابة النجس و لو بلا اختيار، و منه ما نحن فيه، فان وجوب البناء

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة.

(2) راجع الوسائل باب: 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، و باب: 56 من أبواب جهاد النفس، و باب: 16 من كتاب الإيمان.

ص: 183

أو كان المشتبه مرددا بين البول و المني (1).

______________________________

علي البول من آثار خروج البلل مع عدم الاستبراء و إن لم يكن باختيار المكلف.

الثاني: أن مقتضي الحديث رفع حكم المضطر إليه لا ترتيب آثار نقيضه عليه. فمن وجب عليه البيع لو اضطر إلي تركه لم يحرم عليه الترك، لكن لا يترتب عليه آثار البيع من الملكية و نحوها.

و يندفع الأول: بأن أخذ الاختيار في موضوع التكليف الإلزامي إن كان لاختصاص دليله به، لفرض عدم الإطلاق له بنحو يشمل الفعل غير الاختياري، لم يحتج لحديث الرفع، بل لا موضوع له حينئذ، فلا بد أن يفرض شمول إطلاق الدليل للفعل غير الاختياري كي يكون الحديث حاكما عليه و مخصصا للحكم بحال العمد و الاختيار.

كما يندفع الثاني: بأن رفع حكم عدم الاستبراء في المقام كاف في البناء علي الطهارة، لاستصحابها، بلا حاجة إلي إثبات حكم الاستبراء، و هو الأمارية علي عدم البولية.

هذا، و لو كان الاضطرار بترك بعض المسحات لعدم الموضوع لها لقطع الحشفة أو تمام الذكر فالظاهر ترتب الفائدة المذكورة، لأن المستفاد من نصوص الاستبراء ان الغرض منه تنقية المجري لرفع احتمال تخلف البول فيه و نزوله بعد ذلك منه، فمع القطع بعدم التخلف فيه تترتب الفائدة بالأولوية العرفية. بل بناء علي ما تقدم من أن مقتضي الجمع العرفي الاكتفاء بإحدي الكيفيات المذكورة في النصوص يكون ذلك مقتضي النصوص، و به يخرج عن الإطلاق المتقدم. و لا مجال لما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من عدم ترتب الفائدة حينئذ.

(1) كما صرح به في العروة الوثقي و تبعه جماعة من محشيها.

و قد استشكل فيه سيدنا المصنف قدّس سرّه.

تارة بقصور نصوص الاستبراء عن شمول الفرض، لظهورها في أن ما يحكم عليه بأنه بول لو لا الاستبراء محكوم عليه بأنه من الحبائل بعده.

ص: 184

______________________________

و اخري بأن لازمه الحكم عليه بأنه مني بعد الاستبراء، لأن نصوص الاستبراء كما يظهر منها الحكم ببولية الخارج قبل الاستبراء يظهر منها الحكم بعدم بوليته بعده، فيلزمه كونه منيا.

و لعله لذا استشكل السيد الأصفهاني قدّس سرّه في حاشيته علي العروة الوثقي في الاجتزاء بالوضوء في ذلك، بل قوّي في محكي وسيلته وجوب الجمع بينه و بين الغسل.

و يندفع بما ذكرناه آنفا من أن دليل البناء علي البولية مع عدم الاستبراء ليس هو مفهوم نصوصه، ليقدح قصورها عن محل الكلام، بل إطلاق ما دل علي وجوب الوضوء و الاستنجاء و عدم وجوب الغسل بخروج البلل بعد غسل الجنابة مع البول قبله، و من الظاهر شمول الإطلاق المذكور لمحل الكلام، إن لم يكن من أظهر أفراده.

بل يكفي في ذلك ما تضمن عدم وجوب الغسل و لم يتضمن وجوب الوضوء، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الرجل يغتسل، ثمَّ يجد بعد ذلك بللا و قد كان بال قبل أن يغتسل. قال: ان كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد الغسل» «1» لأن الترخيص الظاهري في بعض أطراف العلم الإجمالي إنما لا يجوز و لا يصلح لحله إذا كان بلسان الأصل، دون ما إذا كان بمفاد الامارة، كما في المقام، لأن المستفاد من مجموع النصوص أن عدم وجوب الغسل مع البول إنما هو لأمارية البول علي عدم كون البلل منيا، فإنه مستلزم لبوليته في محل الكلام، فيرتفع به الاجمال تعبدا. فتأمل.

علي أنه لو فرض نهوض نصوص الاستبراء بإثبات بولية البلل مع عدمه، فهي و إن اختصت بصورة احتمال كون البلل من الحبائل، لتضمنها الحكم به مع الاستبراء- كما ذكره قدّس سرّه- إلا أن الظاهر إلغاء الخصوصية المذكورة عرفا، لأن عدم الاستبراء إذا كان موجبا للتعبد ببولية البلل و إلغاء احتمال كونه من الحبائل مع عدم الامارة علي نفي الحبائل، فهو يقتضي التعبد ببولية البلل و إلغاء احتمال كونه منيا

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الجنابة حديث: 5.

ص: 185

______________________________

مع كون البول أمارة علي عدم المني بالأولوية العرفية التي لها الدخل في فهم الأدلة.

و أما ما ذكره أخيرا من أن لازم ذلك الحكم علي البلل مع الاستبراء بأنه مني. فهو كما ذكره لو لا ما دل علي أمارية البول علي كونه غير مني، الموجب لتعارض الأمارتين فيسقطان عن الحجية، و يلزم مراعاة العلم الإجمالي بخروج أحد الأمرين، كما صرح به جمع، منهم سيدنا المصنف قدّس سرّه نفسه، بل جري قدّس سرّه في مبحث غسل الجنابة علي ما ذكرناه و أغفل ما تقدم منه مما ذكره في مبحث الاستبراء من قصور نصوص الاستبراء عن الفرض المذكور.

مع أنه بناء علي قصورها عنه يشكل ذلك بما نبه له شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من أن اللازم في فرض الاستبراء أيضا الرجوع إلي إطلاق ما تضمن عدم وجوب الغسل و وجوب الوضوء و الاستنجاء بخروج البلل بعد غسل الجنابة مع البول قبله، لشموله لحال الاستبراء بالخرطات، فينحل به العلم الإجمالي المذكور.

و لا يندفع ذلك إلا بدعوي إلغاء خصوصية مورد نصوص الاستبراء، لفهم عدم دخل احتمال كون البلل من الحبائل في أمارية الاستبراء علي عدم البولية، لأن منشأها ارتكازا نقاء المجري من البول الذي لا يفرق فيه بين صورة احتمال كون البلل من الحبائل- التي هي مورد النصوص- و صورة عدمه و التردد بين البول و المني، و الحكم في النصوص بطهارة البلل إنما هو لندرة الصورة الثانية، لا لاختصاص الأمارية بالأولي.

و عليه يتعين تعارض الأمارتين في الصورة الثانية- التي هي محل الكلام- و مراعاة العلم الإجمالي.

نعم، نبه شيخنا الأستاذ قدّس سرّه إلي أن المستفاد من نصوص الاستبراء من الجنابة بالبول و من البول بالخرطات اختصاص أمارية الأمرين المذكورين بنفي بقاء المني و البول في المجري، لوضوح أن البول و الخرطات إنما ينقيان المجري، كما يناسبه التعليل في صحيح محمد بن مسلم المتقدم في أول الفصل بأن البول لم يدع شيئا، و لا دافع لاحتمال خروجهما من الداخل بسبب جديد إلا الأصل.

ص: 186

______________________________

و علي هذا يختلف الحال في محل الكلام، فان لتردد البلل بين البول و المني صورا أربعا.

الأولي: أن يعلم بخروج أحدهما من المجري.

و يجري فيها ما تقدم من البناء علي بوليته مع عدم الاستبراء، و علي مقتضي العلم الإجمالي معه.

و يلحق بها ما إذا احتمل خروج أحدهما من المجري و إن لم يعلم به، إذ مع الاستبراء تتعارض الأمارتان بالإضافة إلي الخروج من المجري، و أصالة عدم كل من الأمرين بالإضافة إلي الخروج من الداخل. و مع عدمه فالمرجع عموم البناء علي بولية البلل الخارج بعد البول، إذ يكفي فيه احتمال الخروج من المجري لا القطع به، فينحل به العلم الإجمالي.

الثانية: أن يعلم بخروج أحدهما من الداخل. و لا فرق فيها بين الاستبراء و عدمه في لزوم البناء علي مقتضي العلم الإجمالي.

الثالثة: أن يعلم بخروج البول من المجري أو المني من الداخل. فمع الاستبراء قد يتجه البناء علي المني، لأن الاستبراء لما كان أمارة علي عدم خروج البول من المجري فهو أمارة علي كون الخارج منيا، فيكون حاكما علي استصحاب عدم خروج المني، و ينحل به العلم الإجمالي.

اللهم إلا أن يقال: حجية الاستبراء في نفي البول لا تستلزم حجيته في إثبات خروج المني من الداخل، و إن كان لازما اتفاقيا لذلك. و لا أصل لما اشتهر من حجية الإمارة في لازم مؤداها، بل هو مختص ببعض الأمارات، كالبينة و نحوها مما ثبت ببناء العقلاء حجيته في اللازم، دون مثل الاستبراء، فان المتيقن حجيته في مؤداة، فيعارض بأصالة عدم خروج المني، و بعد تساقطهما يتعين البناء علي مقتضي العلم الإجمالي.

و أما مع عدم الاستبراء فمقتضي إطلاق الأدلة المتقدمة لزوم البناء علي بولية الخارج، فينحل العلم الإجمالي بذلك، و يبني علي أصالة عدم خروج المني.

و دعوي: أن ظاهر النصوص المتقدمة التعبد ببولية البلل في مقابل خروج

ص: 187

______________________________

المني من المجري، لا مطلقا و لو في مقابل خروج المني من الداخل.

مدفوعة: بأن التقييد المذكور لا يناسب إهمال النصوص لاحتمال كون البلل من الحبائل، لوضوح أن الحبائل ليست مما يبقي في المجري، بل يحتمل نزولها من الداخل، فالتعبد بالبولية مع ذلك ظاهر في الإطلاق، و إهمال احتمال خروج ما عدا البول من الداخل أو المجري مع عدم الاستبراء بالخرطات.

فلاحظ.

الرابعة: أن يعلم بخروج المني من المجري أو البول من الداخل. و الظاهر فيها لزوم مراعاة العلم الإجمالي.

و دعوي: أن مقتضي أمارية البول علي عدم خروج المني هو خروج البول حتي مع الاستبراء، لأن الاستبراء لا يدفع احتمال خروجه من الداخل.

مدفوعة: بما ذكرناه في الصورة السابقة من عدم حجية مثل هذه الامارة علي مثل هذا اللازم، بل تقتصر حجيتها علي مؤداها، فتعارضها أصالة عدم خروج البول، و بعد سقوطهما يتعين مراعاة العلم الإجمالي.

و قد تحصل من جميع ذلك: أنه يجب مراعاة العلم الإجمالي إلا مع عدم الاستبراء و احتمال خروج البول من المجري، حيث تقتضي الإطلاقات المتقدمة البناء علي بولية الخارج، فينحل العلم الإجمالي بذلك. فلاحظ.

بقي الكلام في مقتضي العلم الإجمالي بخروج أحد الأمرين من البول و المني.

و من الظاهر عدم الأثر له مع سبق الجنابة، للعلم بوجوب غسلها، دون الوضوء، علي كل حال.

كما لا ينبغي الإشكال في لزوم الجمع بين الوضوء و الغسل مع سبق الطهارة من الحدث الأكبر و الأصغر، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما تبعا لذلك.

و كذا مع سبق الحدث الأكبر غير الجنابة، بناء علي عدم إجزاء ما عدا غسل الجنابة من الأغسال عن الوضوء، لأصالة عدم خروج المني و عدم حدوث الجنابة، غير المعارضة بأصالة عدم خروج البول، لعدم الأثر للبول بعد العلم بسبق وجوب الوضوء. و إنما الإشكال فيما لو سبق الحدث الأصغر، فقد صرح جماعة

ص: 188

______________________________

بالاكتفاء بالوضوء.

و ربما يستشكل في ذلك باستصحاب كلي الحدث المعلوم وجوده بعد البلل و قبل الوضوء، لاحتمال عدم ارتفاعه بالوضوء، فيجب الغسل عقلا لإحراز ارتفاعه، لا شرعا، لعدم كونه من أحكام كلي الحدث، بل من أحكام خصوص الحدث الأكبر الذي مقتضي الأصل عدمه.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من معارضة استصحاب عدم الحدث الأكبر المقتضي لعدم وجوب الغسل لاستصحاب الكلي في المقام.

ففيه: أن إحراز عدم وجوب الغسل شرعا لاستصحاب عدم الحدث الأكبر، المقتضي لعدم ترتيب جميع الآثار المختصة به لا ينافي وجوبه عقلا، لإحراز ارتفاع كلي الحدث و ارتفاع آثاره تبعا له. نظير من اغتسل بمائع مردد بين البول و الماء، فان مقتضي استصحاب طهارة بدنه و إن كان هو عدم وجوب غسله و تطهيره، إلا أنه يجب غسله عقلا، لإحراز صحة الغسل بعد فرض استصحاب الحدث، للقطع بعدم مشروعية الغسل بدونه، إما لصحة الغسل الأول، أو لنجاسة البدن. فلاحظ.

نعم، يشكل التمسك باستصحاب كلي الحدث في المقام لوجوه.

الأول: أنه لا مجال له مع الاستصحاب الجاري في فرديه.

و توضيح ذلك: أن الحدث الأكبر إما أن يكون مانعا من الحدث الأصغر إن سبقه و رافعا له إن لحقه، فليس الغسل رافعا إلا للأكبر. أو لا، بل يجتمعان معا مع تبيانهما سنخا أو تأكد أحدهما بالآخر، و يكون الغسل رافعا لهما معا.

أما علي الأول فاستصحاب كلي الحدث و إن كان بدوا من القسم الثاني لاستصحاب الكلي، لتردد الحدث الواحد المعلوم الحصول قبل الوضوء بين الأكبر المقطوع البقاء مع الوضوء و الأصغر المقطوع الارتفاع به، إلا أن مقتضي استصحاب الأصغر و عدم الأكبر بعد خروج البلل هو ارتفاع الأصغر و الكلي تبعا له بالوضوء و عدم الاحتياج في رفع الكلي للغسل.

و دعوي: أن الاستصحاب المذكور إنما يحرز عدم الأكبر و عدم ترتب آثاره

ص: 189

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 190

______________________________

الخاصة به، كحرمة قراءة العزائم و المكث في المساجد، لا ارتفاع كلي الحدث المستتبع لارتفاع آثاره، كعدم جواز الدخول في الصلاة، إلا بناء علي الأصل المثبت، بل مقتضي الاستصحاب بقاء الكلي.

مدفوعة: بأن استصحاب بقاء الأصغر يحرز رافعية الوضوء له و للكلي الموجود في ضمنه لأن ذلك هو المستفاد من دليل رافعية الوضوء للحدث الأصغر ثبوتا. و لذا لا إشكال في جريان استصحاب طهارة الماء لإحراز صحة الوضوء به، لترتيب آثار ارتفاع كلي الحدث، مع وضوح أن الوضوء سبب لارتفاع خصوص الأصغر منه.

و حينئذ يرجع احتمال بقاء كلي الحدث إلي احتمال وجوده في ضمن الأكبر المشكوك الحدوث، فيكون استصحابه من القسم الثالث لاستصحاب الكلي، الذي لا يجري، خصوصا في مثل المقام مما احتمل فيه تعاقب الفردين، لا اجتماعهما في الوجود.

و أما علي الثاني فربما يدعي أن الأصغر الموجود مع الأكبر كما يرتفع بالغسل يرتفع بالوضوء، فليس الشك إلا في حدوث الأكبر، و الأصل عدمه، و يكون استصحاب كلي الحدث معه من القسم الثالث الذي لا يجري حتي في مثل المقام مما احتمل فيه اجتماع الفردين في الوجود لا تعاقبهما.

و قد يستدل عليه بإطلاق ما دل علي سببية أسباب الحدث الأصغر للوضوء و رافعيته له، لشمولها لحال وجود الحدث الأكبر. بل ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه لا يبعد استفادة ذلك من أدلة مشروعية الوضوء لنوم الجنب «1».

لكن الظاهر عدم ارتفاعه بالوضوء، و الا لزم وجوب الجمع بين الوضوء و التيمم مع تعذر الغسل، تحصيلا للطهارة الاختيارية من الحدث الأصغر، و مشروعية الوضوء قبل غسل الجنابة و إن لم يكن واجبا، مع عدم الاشكال ظاهرا في بطلان الأمرين، بل هو صريح النصوص في الأول «2»، و الذي قد يظهر منها «3».

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة.

(2) راجع الوسائل باب: 24 من أبواب التيمم.

(3) راجع الوسائل باب: 34، 35 من أبواب الجنابة.

ص: 190

______________________________

في الثاني.

بل الظاهر أن مشروعية الوضوء مع غير غسل الجنابة من الأغسال ليس لرفع الحدث الأصغر الموجود معه، بل لتتميم أثر الغسل، و لذا لا يتوقف علي تحقق سبب الحدث الأصغر من البول و نحوه.

كما أن مشروعية الوضوء لنوم الجنب ليست لرفعه الحدث الأصغر، بل هي من أحكام الجنب و لو مع عدم سبب الحدث الأصغر، كاستحباب الوضوء و المضمضة و غسل الوجه و اليدين للأكل و الشرب التي دلت عليها النصوص أيضا «1».

فالعمدة في المقام: أن رافعية الوضوء للحدث الأصغر تكون- بناء علي ذلك- مشروطة بعدم الحدث الأكبر، و حيث كان الحدث الأصغر محرزا بالوجدان، فبضميمة استصحاب عدم الحدث الأكبر يحرز ارتفاع الأصغر بالوضوء، و كذا ارتفاع الكلي الموجود في ضمنه، كما تقدم.

فإن أريد باستصحاب كلي الحدث استصحابه بلحاظ احتمال بقائه في ضمن الأصغر المتيقن الحدوث- ليكون من القسم الأول من استصحاب الكلي- فهو محكوم لاستصحاب عدم الحدث الأكبر المحرز لرافعية الوضوء للحدث الوضوء.

و إن أريد استصحابه بلحاظ احتمال بقائه في ضمن الأكبر المحتمل الحدوث فهو من القسم الثالث من استصحاب الكلي، الذي عرفت عدم جريانه.

الثاني: أن الظاهر كون الأثر مترتبا علي فردي الحدث بخصوصيتيهما و عنوانيهما، لعدم أخذ كلي الحدث بعنوانه موضوعا للمانعية، بل أخذت الطهارة موضوعا للشرطية، و من الظاهر أن الطهارة أمر إضافي يختلف بالإضافة إلي كل حدث بنفسه، فيكون كل حدث بنفسه موضوعا للمانعية. و هو الظاهر من مثل قوله

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة.

ص: 191

______________________________

تعالي إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ. وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «1» بناء علي أن المراد القيام من النوم، كما في موثق بن بكير «2»، و ظاهر نصوص الأحداث، مثل قوله عليه السّلام في صحيح يونس في بيان الوضوء المفترض لمن جاء من الغائط أو بال: «يغسل ذكره و يذهب الغائط و يتوضأ مرتين» «3» و غيره.

فإن المستفاد من ذلك كون كل منهما بنفسه موضوعا للمانعية، و اتفاق الافراد في المانعية لا يستلزم كون المانع شرعا هو الجامع بما هو أمر بسيط قد ألغيت فيه الخصوصيات، بل يكون موضوع المانعية مركبا من العناوين المتعددة الخاصة، فإذا أحرز عدم بعضها بالوجدان و عدم الآخر بالأصل أحرز فقد المانع و حصول الشرط، و إن لم يحرز عدم الكلي بما هو أمر بسيط، لا بالأصل و لا بالوجدان. فتأمل جيدا.

الثالث: أن ذلك لو تمَّ لزم البناء علي الاحتياط بالغسل في كل مورد يكون المكلف محدثا بالأصغر إذا احتمل طروء الحدث الأكبر، سواء طرأ الحدث الأصغر قبل الاحتمال أم بعده، و من الظاهر عدم إمكان الالتزام بذلك بعد ملاحظة سيرة المتشرعة.

بل قد يشهد به بعض النصوص، كالنصوص المتضمنة لعدم وجوب الغسل بخروج البلل بعد الغسل إذا كان قد بال «4»، لوضوح أن البول إنما يكون أمارة علي نقاء المجري و عدم خروج المني منه، و لا يدفع احتمال نزوله من الداخل، و ما عن مستطرفات السرائر عن محمد بن مسلم: «سألته عن رجل لم ير في منامه شيئا، فاستيقظ فإذا هو بلل. قال: ليس عليه غسل» «5» و خبر أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب بثوبه منيا و لم يعلم أنه احتلم. قال: ليغسل ما وجد

______________________________

(1) سورة المائدة: 6.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(4) راجع الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة و قد تقدم بعض هذه النصوص في أول هذا الفصل.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 4.

ص: 192

______________________________

بثوبه و ليتوضأ» «1» بناء علي حمله علي الثوب المشترك- كما ذكره الشيخ قدّس سرّه- أو علي احتمال كونه من جنابة سابقة- كما احتمله في الوسائل- فلاحظ.

هذا كله بالإضافة إلي الحدث، و أما بالإضافة إلي الخبث فلا أثر للعلم الإجمالي مع عدم تنجس البدن بالبلل، لخروجه في مثل الكر، و لا مع سبق النجاسة بالبول، لوجوب الغسلتين علي كل حال.

و أما مع سبق الطهارة أو النجاسة بغير البول مما يكتفي فيه بالمرة فقد يدعي أن مقتضي استصحاب النجاسة وجوب الغسل مرتين.

لكن الظاهر أنه محكوم لاستصحاب عدم ملاقاة البول للبدن المقتضي لعدم وجوب التعدد بمقتضي عموم الاكتفاء بالمرة في تطهير المتنجس، بناء علي ما أشرنا إليه في أول فروع ماء الاستنجاء من أن إحراز عدم عنوان الخاص بالأصل كاف في جريان حكم العام.

و لا يعارض باستصحاب عدم ملاقاة البدن للمني، لعدم كون الاكتفاء بالمرة من أحكام التنجس بالمني، بل من أحكام مطلق التنجس المعلوم في المقام.

اللهم إلا أن يقال: الاكتفاء بالمرة ليس من أحكام مطلق التنجس و قد استثني منه التنجس بالبول، بل من أحكام التنجس بكل نجاسة غير البول، علي نحو يكون من أحكام أفراد ملاقاة النجاسات المختلفة غير البول، لتشابه تلك النجاسات في الحكم المذكور، فلا ينفع في الاكتفاء بالمرة إحراز التنجس بالوجدان و نفي التنجس بالبول بالأصل، بل لا بد من إحراز التنجس بغير البول من النجاسات، و لا أصل يحرز ذلك، بل يتعين الرجوع لاستصحاب النجاسة، لكنه مشكل جدا.

ثمَّ إنه لو بني علي الاكتفاء بالمرة لأصالة عدم ملاقاة البول فإنما يتجه العمل به في المقام مع لزومه الغسل إما لسبق الحدث الأكبر، أو للعلم الإجمالي في فرض سبق الطهارة من الحدثين.

أما مع سبق الحدث الأصغر الذي تقدم أن مقتضي الاستصحاب الاكتفاء

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الجنابة حديث: 3.

ص: 193

و يلحق بالاستبراء في الفائدة المذكورة طول المدة علي وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجري (1). و لا استبراء للنساء (2)،

______________________________

معه بالوضوء، فمع الغسل مرة واحدة يعلم إجمالا بالنجاسة الخبثية أو الحدث الأكبر، فيجب الاحتياط بالجمع بين غسلة اخري و الغسل. إلا أن يتجنب حدوث العلم الإجمالي المذكور بالغسل بالكر الذي لا يحتاج للتعدد فيه حتي في البول، لعدم فعلية الأثر للعلم الإجمالي المذكور قبل الغسل، لعدم الفرق بين النجاستين في الآثار، و إنما يكره أثره فعليا بعد الغسل مرة بالقليل، فمع تجنب ذلك بالغسل بالكثير لا مانع من العمل بالأصل في نفي الغسل. فلاحظ.

(1) قال في الجواهر: «و ربما ألحق بعض مشايخنا بالاستبراء طول المدة و كثرة الحركة، بحيث لا يخاف بقاء شي ء في المجري. و هو لا يخلو من وجه بعد حصول القطع بذلك. و إلا فإطلاق الأدلة ينافيه. بل يمكن المناقشة حتي في صورة القطع، لاحتمال مدخلية الكيفية الخاصة في قطع دريرة البول. لكنها ضعيفة».

لكن تقدم أن فائدة الاستبراء البناء علي عدم خروج البول من المجري، و لا نظر في أدلته لاحتمال نزوله من الداخل بدفع جديد.

و عليه لا موضوع للفائدة المذكورة، في فرض القطع بنقاء المجري، إذ احتمال بولية البلل إن كان مع احتمال خروجه من المجري كان منافيا للقطع المذكور، و مستلزما لتبدله بالشك، و إن كان مع احتمال نزوله من الداخل لم يصلح القطع المذكور لدفعه، كما لا يدفعه الاستبراء، بل ليس الدافع له إلا الأصل، كما تقدم.

(2) كما هو ظاهر تقييد استحباب الاستبراء بالرجل و ظاهر بيان كيفيته في كلام جماعة.

و عن المنتهي و محكي النهاية التعميم لها، بل عن الروض و الذخيرة أنه أثبته جماعة للأنثي، فتستبرئ عرضا.

و هو غير ظاهر المستند بعد اختصاص نصوص الاستبراء و كيفيته بالرجل.

ص: 194

و البلل المشتبه الخارج منهن طاهر لا يجب له الوضوء (1).

نعم، الاولي أن تصبر قليلا (2) و تتنحنح (3) و تعصر فرجها عرضا (4).

______________________________

(1) كما صرح به غير واحد، و في الجواهر: أنه ينبغي القطع به و إن قيل باستحباب الاستبراء لها. و يقتضيه الأصل.

لكن ذكر شيخنا الأستاذ قدّس سرّه أن اللازم البناء علي البولية، لإطلاق النصوص المتضمنة لذلك في البلل الخارج بعد البول، حيث يجب الاقتصار في الخروج عنه علي الرجل المستبرئ، و تعذر الاستبراء منها لا يوجب خروجها عن الإطلاق المذكور. و ورود الإطلاق المذكور في الرجل لا ينافي شموله لها، كما هو شأن أكثر الأحكام التي تضمنتها الأخبار.

و لازمه البناء علي البولية و لو مع الاستبراء بالكيفية الآتية، لخروجها عن الكيفية المذكورة في النصوص.

و يشكل ما ذكره: بأنه بعد فرض اختصاص الإطلاق في النصوص بالرجل لا مجال للتعدي للمرأة لا في هذا الحكم و لا في غيره، إلا بقرينة خارجية من إجماع و نحوه أو بفهم عدم الخصوصية، و لا مجال لهما في المقام بعد اقتصارهم علي الرجل، و كون المفهوم من النصوص تقديم احتمال بقاء شي ء في المجري، الذي يحتمل خصوصية المجري الذي للرجل فيه، لكثرة تخلف البول فيه، فلا مخرج في المرأة عن مقتضي الأصل.

بل لا ينبغي الإشكال في قصور الإطلاق لو احتمل خروج البلل من مجري الحيض، لا مجري البول.

(2) كما عن نجاة العباد، و لعله للاستظهار بخروج تمام البول.

(3) كما عن ابن الجنيد، و لعله لما تقدم أيضا.

(4) تقدم عن الروض و الذخيرة نسبته إلي جماعة، و لعله لما تقدم أيضا.

لكن يكفي فيه عصر مخرج البول لا تمام الفرج، و لعل مرادهم ذلك.

ص: 195

مسألة 11 فائدة الاستبراء

(مسألة 11): فائدة الاستبراء تترتب عليه و لو كان بفعل غيره (1).

إذا شك في الاستبراء أو الاستنجاء بني علي عدمه

(مسألة 12): إذا شك في الاستبراء أو الاستنجاء بني علي عدمه (2)، و إن كان من عادته فعله (3).

______________________________

(1) و ان كان متبرعا غير مأمور، كما استظهره في الجواهر. لأن الجمود علي لسان النصوص و إن كان يقتضي اعتبار المباشرة، إلا أن الظاهر إلغاء خصوصيتها عرفا، بقرينة كون المقصود التنقية الحاصلة بفعل الغير و إن كان متبرعا.

(2) للأصل.

(3) لعدم حجية العادة، و عدم الاعتبار بالمحل العادي في صدق التجاوز المعتبر في قاعدة التجاوز، لانصراف نصوصه إلي المحل الشرعي لا غير علي ما يذكر في محله.

و منه يظهر عدم صدق التجاوز عن الاستبراء بالاستنجاء، و لا عن الاستنجاء بالقيام عن محل قضاء الحاجة، لأن تقديم الاستبراء علي الاستنجاء و الاستنجاء علي القيام عن محل قضاء الحاجة إنما هو لمحض التعارف و العادة، لا للترتيب الشرعي.

فما في العروة الوثقي من أنه لا يبعد جريان قاعدة التجاوز عن الاستنجاء في صورة الاعتياد.

ضعيف، بل هو لا يناسب جزمه بعدم التعويل علي العادة في الاستبراء.

نعم، لو فرغ من الصلاة و شك في الاستنجاء قبلها بني علي صحتها، لقاعدة التجاوز أو الفراغ بالإضافة إليها، لا إلي الاستنجاء نفسه، لعدم الترتيب بينه و بينها إلا باعتبار شرطية الطهارة فيها الملزم بتقديم الاستنجاء عليها عادة و عقلا.

و من هنا لا بد من الإتيان به للصلوات الآتية، لأصالة عدمه. كما أنه لو التفت في أثناء الصلاة لم ينفع التجاوز إلا بالإضافة إلي ما وقع من الأجزاء، و لا مجال لإحرازه بنحو يصحح المضي فيها.

ص: 196

و إذا شك من لم يستبرئ في خروج رطوبة بني علي عدمها (1) و إن كان ظانا بالخروج (2).

______________________________

نعم، لو أمكن التطهير بمجرد الالتفات من دون فعل المنافي كان له المضي في صلاته بعده، بناء علي عدم قادحية النجاسة في حال عدم الانشغال بأجزاء الصلاة. بل لا إشكال لو فرض حصول التطهير له قبل الالتفات، لصحة الأجزاء السابقة ظاهرا بقاعدة الفراغ أو التجاوز و اللاحقة بمقتضي فرض التطهير.

و أما دعوي: أن مفاد القاعدة تحقق المشكوك الذي مضي محله، و الاستنجاء قد مضي محله بالإضافة إلي ما وقع من أجزاء الصلاة، لأنه شرط فيها، و مضي الشرط بمضي المشروط، و بعد فرض التعبد بتحققه يتعين جواز الدخول في صلاة أخري، فضلا عن إكمال الصلاة التي بيده.

فهي مدفوعة: بأنه لو سلم صدق المضي بالإضافة إلي الشرط تبعا- لمضي المشروط- لا بالإضافة إلي المشروط وحده بنحو يقتضي صحته لا غير- و سلم كون مفاد القاعدة وجود المشكوك الذي مضي محله- لا محض إهمال الشك- إلا أن المتيقن منه هو التعبد بوجوده من حيثية كونه قد مضي محله، فلا تترتب إلا الآثار الخاصة به من حيثية ارتباطه بالمحل الخاص، و هو في المقام صحة ما مضي من الصلاة و تماميتها لا غير، و لا إطلاق للتعبد بوجوده بحيث يقتضي التعبد حتي بآثار مطلق وجوده، ليتجه الاستمرار في الصلاة التي شك في أثنائها و الدخول في غيرها. و تمام الكلام في ذلك في محله.

(1) للأصل بعد اختصاص أدلة البناء علي الحدث و النجاسة مع عدم الاستبراء بصورة الشك في حال البلل الخارج، و لا تعم الشك في أصل الخروج، فإنه و إن أطلق في بعضها وجدان البلل الشامل لصورة الشك في خروجه، إلا أن المنصرف منها الكناية عن خروجه، و لذا لا إشكال في شمولها لما إذا علم بخروج البلل و لم يوجد لسقوطه في مثل الكنيف. فلاحظ.

(2) لعدم الدليل علي حجية الظن المذكور.

ص: 197

إذا علم أنه استبرأ أو استنجي و شك في كونه علي الوجه الصحيح بني علي الصحة

(مسألة 13): إذا علم أنه استبرأ أو استنجي و شك في كونه علي الوجه الصحيح بني علي الصحة (1).

مسألة 14 لو علم بخروج المذي و لم يعلم استصحابه لجزء من البول بني علي طهارته

(مسألة 14): لو علم بخروج المذي و لم يعلم استصحابه لجزء من البول بني علي طهارته و إن كان لم يستبرئ (2).

______________________________

(1) لقاعدة الصحة المعول عليها عند العقلاء في جميع أمورهم، بل لا يبعد كون قاعدة الفراغ و التجاوز من صغرياتها.

و قد يقتضيه موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: كلما شككت فيه مما قد مضي فامضه كما هو» «1» بناء علي حمل الشك في الشي ء علي الشك في صحته بعد الفراغ عن وجوده.

بل لو كان المراد به الشك في أصل الوجود كان دالا علي حكم الشك في الصحة مع إحراز أصل الوجود بالأولوية العرفية. فتأمل.

بل لا يبعد دخول الشك في الاستنجاء في إطلاق موثقة الآخر: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كلما مضي من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو و لا إعادة عليك فيه» «2» لصدق الطهور علي الاستنجاء، و لا سيما بملاحظة ما في الصحيح: «قال: لا صلاة إلا بطهور، و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار.» «3».

(2) كأنه لاختصاص النصوص بالبلل المشتبه المردد بين البول و غيره، فلا يشمل الفرض مما علم فيه بكون الخارج مذيا، و احتمال استصحابه لشي ء من أجزاء البول لا ينافي صدق الذي عليه، لقلته.

نعم، لو كان البول المحتمل اختلاطه به من الكثرة بحيث يمنع من صدق

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

ص: 198

______________________________

المذي عليه، بل يكون بولا و مذيا اتجه البناء علي النجاسة و الناقضية، لصدق البلل المشتبه عليه حينئذ، كما صرح به في العروة الوثقي.

لكن من الظاهر أن النصوص لم تتضمن أخذ الاشتباه قيدا في البلل، بل أطلق فيها البلل. غايته أن فرض طهارة ما عدا البول و عدم ناقضيته ملزم بحمل الحكم فيها علي كونه ظاهريا مختصا بحال احتمال الانتقاض بخروج البلل و لو لاحتمال استصحابه لشي ء من البول، و لا يخرج من إطلاقها إلا ما يعلم معه بالطهارة و عدم الناقضية واقعا، كالمذي الخالص.

و منه يظهر أن اللازم البناء علي الانتقاض و النجاسة حتي مع العلم باستهلاك البول في المذي لقلته، لدخوله في إطلاق نصوص المقام.

اللهم إلا أن يقال: الظاهر ورود نصوص المقام لبيان الحكم الظاهري في الشبهة الموضوعية بعد الفراغ عن الحكم الكلي الكبروي، و الشك في المقام في ناقضية البول المستهلك و نجاسته كبرويا، فلا تنهض ببيانهما، بل يلزم البناء علي عدمهما لأصالة الطهارة من الخبث في الخارج و استصحاب الطهارة من الحدث، بل لنصوص حصر النواقض، لظهورها في أن الناقض هو ما يصدق عليه البول عرفا، دون المستهلك منه.

كما قد يمنع ذلك من شمول النصوص للمذي المحتمل استصحابه للبول.

لأن ورودها لبيان الحكم الظاهري من سنخ القرائن المتصلة المانعة من انعقاد إطلاق عنوان البلل و الشي ء، بنحو يشمل البول الخالص و المستصحب لشي ء من المذي يقينا أو احتمالا و المذي الخالص و المستصحب لشي ء من البول يقينا، لعدم الشك معها، بل ينصرف إلي ما لا يعلم عنوانه الخاص و يتردد بينهما، بحيث لا يعلم إلا بأنه شي ء أو بلل، و حينئذ لا يشمل المذي المحتمل اختلاطه بالبول، كما لم يشمل البول الذي يحتمل اختلاطه بالمذي، و لا أقل من كونه خلاف المتيقن من الإطلاق. و إنما يتجه البناء علي العموم له لو كان خروج بعض الأفراد القليلة لقرينة منفصلة غير مانعة من انعقاد الإطلاق.

و أظهر من ذلك ما لو علم بكون الخارج مذيا خالصا مثلا، و احتمل خروج

ص: 199

______________________________

بعض الأجزاء البولية قبله أو بعده بحيث لا يتصل به، حيث لا أثر للاحتمال المذكور، لخروجه عن النصوص بل يدخل فيما تقدم في آخر المسألة الثانية عشرة. فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم، و له الحمد وحده، و الصلاة و السلام علي من لا نبي بعده سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين.

انتهي الكلام في مبحث أحكام الخلوة عصر الثلاثاء الثاني و العشرين من شهر ربيع الأول سنة ألف و ثلاثمائة و ستّ و تسعين للهجرة.

و انتهي تبييضه ضحي الخميس الرابع و العشرين من الشهر المذكور.

ص: 200

المبحث الثالث في الوضوء

اشارة

المبحث الثالث في الوضوء و فيه فصول:

الفصل الأول: في أجزائه

اشارة

الفصل الأول في أجزائه و هي غسل الوجه و اليدين (1) و مسح الرأس و الرجلين (2).

فهنا أمور.

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين. و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطاهرين.

و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين.

(1) اعلم أن الكتاب المجيد و السنة المتواترة و عبارات الفقهاء و إن اشتملت علي عنوان الغسل بالإضافة إلي الوجه و اليدين.

(2) الظاهر أن عدم وجوب ما زاد علي ذلك من ضروريات المذهب الحق. و يكفي فيه شرح الوضوء المستفاد من قوله تعالي إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ «1»، و النصوص الكثيرة المتضمنة لحده و كيفية التي لا يبعد تواترها

______________________________

(1) سورة المائدة: 6.

ص: 201

الأول: غسل الوجه
اشارة

الأول يجب غسل الوجه (1) ما بين قصاص الشعر إلي طرف الذقن طولا، و ما اشتملت عليه الإصبع الوسطي و الإبهام عرضا (2).

______________________________

معني «1»، و غيرهما مما ورد في بيان عدم وجوب ما زاد علي ذلك، كغسل الأذنين «2» و المضمضة و الاستنشاق «3»، و به ترفع اليد عما يظهر في خلاف ذلك، حيث لا بد من حمله علي الاستحباب أو التقية أو غيرهما.

و لعله يأتي التعرض لبعض ذلك في مطاوي ما يأتي.

(1) بإجماع علماء الإسلام كافة، كما عن المنتهي و التذكرة و نهاية الأحكام و الذكري، و به نطق الكتاب العزيز و السنة المتواترة.

(2) و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام كما في المعتبر و عن المنتهي، و ادعي الإجماع عليه في الناصريات و الخلاف و الغنية و المدارك.

نعم، ذكر في الناصريات و النهاية و الخلاف و الغنية و المراسم و الوسيلة و القواعد و محكي المقنعة في بيان الحد الأسفل: «محادر شعر الذقن»، بل نسبه في الجواهر إلي الأصحاب.

و ذكر في الناصريات و محكي المبسوط في بيان الحد العرضي: «ما دارت السبابة و الإبهام و الوسطي».

لكن لم يجعل أحد ذلك خلافا في المقام. و كأنه لأن محادر شعر الذقن هي أطرافه حيث ينحدر عنها الشعر نازلا، بنحو لا يسامت شيئا من الذقن، لا مبدأ انحدار الشعر الذي هو منابته، و إلا كان الأولي التعبير بها، لأنها أصرح و أنسب بالمقابلة لقصاص الشعر في الحد الأعلي. هذا بناء علي ما عن الجوهري من أن الذقن من الإنسان مجتمع لحييه، و أما بناء علي ما عن ابن سيدة من أنه مجتمع اللحيين من أسفلهما فالأمر أظهر.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء و غيرها.

(2) راجع الوسائل باب: 18 من أبواب الوضوء.

(3) راجع الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء.

ص: 202

______________________________

كما أن الوسطي لما كانت أطول من السبابة لم يوجب ذكر السبابة معها اختلافا في التحديد. و كأن ذكرها لمحض متابعة بعض طرق رواية الصحيح الآتي.

و كيف كان، فالعمدة فيه صحيح زرارة المروي في الكافي و التهذيب مضمرا، و في الفقيه عن الباقر عليه السّلام: أنه قال له: «أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ الذي قال اللّه عز و جل. فقال: الوجه الذي قال اللّه و أمر اللّه عز و جل الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقض منه، إن زاد عليه لم يؤجر، و إن نقص منه أثم، ما دارت عليه الوسطي و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلي الذقن و ما جرت [حوت. خ. تهذيب] عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه، و ما سوي ذلك فليس من الوجه. قلت: الصدغ من الوجه؟ فقال: لا» «1».

لكن في الكافي و التهذيب روايته هكذا: «و ما دارت عليه السبابة و الوسطي و الإبهام».

و ينافيه قوله عليه السّلام: «و ما جرت عليه الإصبعان» مع أنه لا أثر له في التحديد، كما تقدم إلا أن تحمل الواو علي معني: «أو»، و هو خلاف الظاهر جدا، بل ممتنع، لتنافي التحديدين، كما ذكره سيدنا المصنف قدس سره الشريف.

و تقريب دلالة الصحيح علي ما عليه الأصحاب- كما يستفاد مما عن بعضهم- أن قوله عليه السلام: «ما دارت عليه الوسطي و الإبهام» لبيان الحد العرضي للوجه، و قوله عليه السّلام: «من قصاص شعر الرأس إلي الذقن» لبيان الحد الطولي له، بدخول الغاية في المحدود- و لو بضميمة القطع بكون الذقن من الوجه- بل بناء علي ما تقدم عن ابن سيدة من كون الذقن أسفل مجمع اللحيين لا ينبغي الإشكال في ذلك، لأن الغاية إذا كانت طرفا لا امتداد له يتعين دخولها في المحدود. و يكون قوله عليه السّلام: «و ما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه» تأكيدا لما تقدم مشيرا لكلا الحدين.

و ما يظهر من الجواهر من احتمال بعضهم كونه بيانا للحد العرضي، و أن ما

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 203

______________________________

قبله مختص بالحد الطولي.

مخالف للظاهر جدا، بل لا معني لتحديد الطول بما بين الإصبعين، و بما بين القصاص و الذقن، إلا أن يكون أحدهما تأكيدا للآخر، و لا مجال له بعد اختلافهما في المقدار دائما أو كثيرا. بل الظاهر ما ذكرنا. و ما في الحدائق من ظهور التكلف فيه و عدم الارتباط مردود عليه.

و كأن وجه التعبير بالدوران في الفقرتين هو تقوس الوجه عرضا تبعا لتدوير الرأس من الامام إلي الخلف، الموجب لاستدارة الإصبعين حين وضعهما عليه و استدارة القوس، لبيان أن ما يجب غسله من الوجه هو ما يطابق ما بين الإصبعين حال دورانهما، لا ما يساوي ما بينهما حين فتحهما الذي هو أكثر.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من التفكيك بين الفقرتين، بجعل ذلك وجها لفرض الدوران في الفقرة الأولي، و جعل وجه فرضه في الثانية هو استدارة الوجه عرفا باستدارة قصاص الشعر من الناصية منحرفا إلي مواضع التحذيف إلي منابت الشعر حول العذار إلي أقصي اللحيين إلي الذقن، فهو كالدائرة المواجهة.

فهو- مع عدم مناسبته لما ذكره و تقدم من سوق الفقرة الثانية لتأكيد ما قبلها- بعيد جدا، لأن اختلاف الفقرتين في المراد من التدوير محتاج إلي عناية، فتبعد إرادته بلا قرينة.

و مجرد نسبة الدوران للإصبعين في الفقرة الأولي، دون الثانية، و إلا لقال:

«مستديرين» فيلزم حمله علي استدارة نفس الوجه.

لا يصلح قرينة علي الفرق، لأن دوران الإصبعين مستلزم لاستدارة ما يجريان عليه من دون حاجة إلي فرض استدارة أخري. و لا سيما مع عدم تدوير الوجه عرفا، بل تقويسه من الأعلي بانفراج أكثر من الدائرة و من تقويسه الأسفل حاد يقرب من الزاوية، فهو أقرب إلي نصف الشكل البيضوي، ففرض الاستدارة فيه محتاج إلي عناية يصعب الحمل عليها بلا قرينة، و لا سيما مع فرض الاستدارة في الفقرة الأولي بوجه آخر. فلاحظ.

و أشكل من ذلك ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه حيث قال: «فيكون المقصود

ص: 204

______________________________

من دوران الإصبعين من قصاص الشعر إلي الذقن و ضعهما علي القصاص و فتحهما بحيث يمتلئ الفرجة بينهما، ثمَّ إدارتها بحيث تنتهي الدورة إلي الذقن، فيحدث من ذلك شكل يشبه الوجه حقيقة و الدائرة عرفا».

فإن أراد حصول الاستدارة بمرور الإصبعين باتجاههما في صفحتي الوجه فيمران باتجاه الإبهام في أحد الجانبين، ثمَّ باتجاه الوسطي في الجانب الآخر، فيدوران علي محيط الدائرة، كدوران القوس عليها ذاهبا و راجعا.

فهو بعيد جدا، أولا: لتوقفه علي تعدد حركتهما، حيث ينزلان باتجاه أحدهما للذقن، ثمَّ يرجعان للقصاص و ينزلان باتجاه الآخر له.

و ثانيا: لأن المناسب أن يقول حينئذ: «و ما جرت حوله الإصبعان مستديرا».

و ثالثا: لأنه لا يصل للتحديد، لأن سعة الدائرة و ضيقها حينئذ لا يتبعان مقدار الإصبعين، بل كيفية حركتهما و اتجاهها انبساطا تارة و انقباضا اخري، بل يمكن تحقق الدائرة بإصبع واحدة.

و إن أراد حصول الاستدارة بمرور الإصبعين نازلتين علي تمام الوجه من القصاص إلي الذقن لتحدب الوجه و بروز طرف الأنف منه، الموجب لتقوسه طولا كتقوسه عرضا.

ففيه: أن التحدب المذكور ليس له من الوضوح ما يحسن التعبير عنه بالتدوير.

مضافا إلي ما يرد علي الوجهين من أنه لا ظهور للكلام في كون التحديد من القصاص إلي الذقن لبيان مبدأ لدوران و منتهاه، بل هو ظاهر في محض بيان الحد الطولي للوجه مع حصول التدوير بمجرد وضع الإصبعين، كما ذكرنا. و يأتي إن شاء اللّه مزيد توضيح لذلك.

و إن أراد ما احتمله في الجواهر من كون إطلاق التدوير علي جري الإصبعين من القصاص إلي الذقن بلحاظ حصول شبه الدائرة منه و إن لم يكن جريهما دائريا.

فهو تكلف مخالف للظاهر، مضافا إلي ما عرفت من عدم تدوير الوجه عرفا،

ص: 205

______________________________

بل هو أشبه بنصف الشكل البيضوي.

علي أنه لو سلم تدويره فهو خلقي لا دخل لجري الإصبعين به، و ما يتبع جريهما هو تدوير نفس الجري و المسح الحاصل به، و ليس الحديث بصدد تحديده، بل تحديد نفس الوجه.

و بالجملة: ما ذكره قدّس سرّه لا يرجع إلي محصل ظاهر، و الأظهر في وجه فرض الاستدارة ما ذكرنا. فلاحظ.

هذا، و قد استشكل شيخنا البهائي قدّس سرّه في استفادة التحديد المذكور من الصحيح بأن لازمه دخول النزعتين- بالفتح- و هما البياضان المكتنفان للناصية- اللذين ينحسر عنهما شعر الرأس من جانبيه، لأنهما تحت الشعر النابت من جانبهما، مع خروجهما إجماعا. و كذا الصدغان، لدخولهما فيما حوته الإبهام و الوسطي عرضا، مع خروجهما بنص الحديث. و خروج مواضع التحذيف- و هي ما بين النزعتين و الصدغين مما ينبت عليه الشعر الخفيف الذي قد تزيله النساء و بعض المترفين- و العارضين- و هما الشعر المنحط عن الاذن من مبدإ صفحتي اللحية- و العذارين- و هما بين العارض و الصدغ- مع قطع بعضهم بدخولها.

و يندفع: بأن انحسار الشعر عن النزعتين طارئ، و المعيار في التحديد بقصاص الشعر علي الشعر الطبيعي، و لذا لا يجب غسل الناصية لو انحسر الشعر عنها.

هذا، بناء علي أن المراد بقصاص الشعر أطرافه في تمام دور الرأس، فيشمل في المقام جانب النزعتين.

و أما بناء علي أنه لا يشمل أطرافه من الجانبين- كما قد يظهر مما صرح به بعض اللغويين من أن قصاص الشعر حيث ينتهي نبته من مقدمه و مؤخره- فخروج النزعتين ظاهر.

بل يكفي في خروجهما- بعد وضوح كونهما من الرأس- ظهور كون المراد بما دار عليه الإصبعان القوس المتصل بعضه ببعض، لا المنفصل بالشعر، و هو يبدأ من قصاص الناصية، و أما النزعتان فهما لا يشكلان قوسا، لعدم اتصالهما، بل

ص: 206

______________________________

تفصل بينهما الناصية.

إلا أن يراد غسل ما سامتهما من الناصية، و هو معلوم البطلان، لخروجه عن الوجه قطعا.

كما أن دخول بعض الصدغين في الحد المشهور إنما يلزم لو كان المراد بهما ما بين لحظ العين إلي أصل الاذن- كما في النهاية و الأساس- أما بناء علي أن المراد بهما الشعر المتدلي من الرأس إلي جهة الاذن- كما في الصحاح و القاموس و مجمع البحرين أنه أحد معنييه، أو ما ينزل من الرأس علي مركب اللحيين- كما في لسان العرب- و يناسبهما قولهم: «شاب صدغاه» قولهم: «صدغ معقرب» و قوله:

صدغ الحبيب و حالي كلاهما كالليالي

فهما خارجان عن الحد. و لا بد من تنزيل الصحيح و كلمات الأصحاب علي إرادة أحد الأخيرين، كما يناسبه ما عن بعضهم من أنه الشعر المحاذي للعذار فوقه.

و لا سيما مع ظهور الصحيح في عدم منافاة خروج الصدغ للتحديد المذكور، و إلا كان المناسب استثناءه منه قبل السؤال عنه.

و أما مواضع التحذيف و العذاران و العارضان فخروج ما خرج منها عن الحد المذكور و دخول ما دخل فيه ليس محذورا. و التزام بعضهم بدخول شي ء منها أو خروجه بالمقدار المنافي للتحديد المذكور- لو تمَّ- لا مجال له.

ثمَّ إن البهائي قدّس سرّه بعد أن أورد بما سبق استظهر من الصحيح معني خالف فيه تحديد الأصحاب، فذكر أن ما يجب غسله عبارة عن دائرة هندسية قطرها ما بين الإصبعين، المساوي لما بين القصاص و الذقن غالبا، و أن المراد من دوران الإصبعين في الحديث دورانهما في محيط الدائرة المذكورة، نظير دور الرحي، حيث يكون مركز الدائرة ما بينهما، و يكون دور أحدهما من القصاص للذقن ملازما لدور الآخر من الذقن للقصاص، و تتم الدائرة بذلك، فيخرج الصدغ و النزعتان و مواضع التحذيف و العذاران و بعض العارضين.

و تبعه في ذلك الكاشاني، و في الحدائق: «و هو بمحل من القبول و قد تلقاه بالتسليم جملة ممن تأخر عنه من الفحول».

ص: 207

______________________________

لكنه يشكل. أولا: بأنه يبتني علي دوران أحد الإصبعين من القصاص إلي الذقن، مع ظهور الحديث في دورانهما و جريهما معا.

مع أنه لا معني لتحديد سعة الدائرة بقطرين، و هما ما بين الإصبعين، و ما بين القصاص و الذقن، و حمل أحدهما علي الآخر لا مجال له بعد كثرة اختلافهما، لاختلاف الوجوه بالطول و القصر، و حمل ما بين القصاص و الذقن علي مجرد بيان مبدأ الدوران و منتهاه لا مجال له، إذ لا خصوصية لمبدإ معين في تحقيق الدائرة، بل يمكن بدؤها من جميع نقاط محيطها.

و لذلك و نحوه كان هذا المعني غامضا جدا لا يلتفت إليه عند النظر في الحديث. و كفي في وهنه عدم ظهوره لمن سبقه من الأصحاب علي كثرتهم، خصوصا القدماء منهم الذين هم أعرف بالمراد من الأخبار، لقربهم من ظرف صدورها، فلا يمكن حمل الصحيح عليه بعد كون مضمونه موردا للابتلاء و العمل.

و كأن الذي أوقعه فيه ما ذكره من أن قوله عليه السّلام: «من قصاص.» إما أن يكون متعلقا بقوله: «دارت» أو صفة لمصدر محذوف مستفاد من الفعل، يعني: دورانا من القصاص.، أو حالا من الموصول الواقع خبرا، فهي لبيان مبدأ الدوران و منتهاه.

لكنه علي الأخير لا دخل له بالدوران، بل يكون متمحضا في تحديد الموصول الذي هو كناية عن الوجه.

و من ثمَّ يتعين- بناء علي المشهور المنصور- الحمل عليه، أو علي كونه متمما للخبر، لأن الخبر هو تمام الحد المركب من بعدي الطول و العرض، نظير قولهم: العنب حلو حامض. و لعل الثاني أقرب.

و ثانيا: بأنه لا يصلح لما اهتم به من إخراج ما دخل بالحد المتقدم، فان النزعتين و الصدغ بمعني الشعر أو موضعه تخرج بكلا الحدين، و الصدغ بمعني ما بين لحظ العين و الاذن يدخل بعضه كذلك. كما يشترك الحدان في العذارين تقريبا.

و دخول بعض مواضع التحذيف و العذارين ليس محذورا، كما سبق.

بل يخرج بهذا الحد بعض الجبهة و الجبينين مما ينحرف عنه محيط الدائرة من جانبي الوجه، مع أنه لا إشكال ظاهرا في دخولها بتمامها في الوجه و وجوب

ص: 208

______________________________

غسلها، بل دخول الجبينين صريح خبر إسماعيل بن مهران، بل صحيحه- بناء علي ما تقدم في استعمال الماء المضاف من وثاقة سهل بن زياد-: «كتبت إلي الرضا عليه السّلام أسأله عن حد الوجه، فكتب: من أول الشعر إلي آخر الوجه، و كذلك الجبينين» «1».

هذا و في المدارك أن التحديد بما بين الإصبعين إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة، لا في أسفله، و إلا لوجب غسل ما ناله الإصبعان و إن تجاوز العارض، و هو باطل إجماعا.

فإن أراد بذلك فرض الدائرة التي ذكرها البهائي قدّس سرّه فقد عرفت ضعفه.

و إن أراد تخصيص الحد العرضي بنصف الوجه، فلا وجه له بعد ظهور الصحيح في عموم التحديد العرضي لتمام نقاط التحديد الطولي، بل لا إشكال في اعتبار الحد المذكور من أعلي الوجه، لا من خصوص وسطه.

و ما استشهد به لا يرجع إلي محصل، إذ لو أراد به تجاوز الإصبعين عن العارضين عرضا إلي أسفل الاذن أو تحتها مما يسامت الكفين، فهو فرض لا واقع له إلا مع شذوذ الإصبعين في الطول الذي لا عبرة به في التحديد. مع أن بعض العارضين واقع في وسط الوجه، فيرد فيه الاشكال.

و إن أراد تجاوزهما إلي ما تحت العارضين من الرقبة في سمت الذقن، لنزول الذقن عن أقصي اللحيين و انحداره مسامتا لبعض الرقبة في كثير من الناس، فمن المعلوم خروج ذلك عن الوجه و أن المراد من التحديد بالإصبعين في طرف الذقن ما يسامت اللحيين، اللذين هما أسفل الوجه. فلاحظ.

بقي شي ء، و هو أن مقتضي صحيح إسماعيل بن مهران المتقدم دخول الجبينين بتمامهما، و هما داخلان في الحد المشهور بناء علي ما في مجمع البحرين من أنهما في جانبي الجبهة من طرف الحاجبين إلي قصاص الشعر، و جعله في القاموس أحد المعنيين.

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 209

______________________________

لكن، ذكر في القاموس معني آخر، و هو أنهما من حروف الجبهة ما بين الصدغين متصلا بحذاء الناصية، و ظاهره إرادة ما بين شعر الصدغ و الناصية، و هو أوسع كثيرا، و قد لا تستوعبه الإصبعان. فلا بد إما من تنزيلهما في الصحيح علي المعني الأول، أو تنزيل الإصبعين في صحيح زرارة علي الطويلين المحتويين له بتمامه، لتعارفهما.

و لعل الثاني أقرب. بل يشكل الأول بظهور الصحيح في كون الجبينين منتهي حد الوجه عرضا، مع أنهما بالمعني الأول أقل مما بين الإصبعين كثيرا. و لا أقل من الاجمال، فيلزم مراعاة أكثر الحدين، إما لدخوله في الوجه عرفا، أو لكون الشك في المحصل الذي يجب معه الاحتياط.

و دعوي: و هن صحيح إسماعيل بإعراض الأصحاب عنه، لعدم إشارتهم لمضمونه، و اقتصارهم في مقام الفتوي علي مضمون صحيح زرارة.

مدفوعة: بقرب كون منشأ عدم تعرضهم لمضمونه بناءهم علي تطابق مضمون الصحيحين، لغلبة شمول الإصبعين لتمام الجبينين، و لا طريق لإحراز الاعراض الموهن. و لا سيما مع ظهور حال الكليني و الشيخ قدّس سرّه في الاعتماد علي الصحيح، لذكرهما له في بيان حد الوجه، بل جعله الشيخ قدّس سرّه دليلا علي التحديد المشهور.

هذا، و حيث ظهر الحد الذي ينبغي العمل عليه فالمناسب التعرض لما وقع منهم الكلام فيه من المواضع، و هي أمور.

الأول: مواضع التحذيف، فعن العلامة في المنتهي و التذكرة القطع بخروجها، و في الروضة و المسالك و المدارك و عن غيرها دخولها بل عن شرح المفاتيح، انه المعروف من الفقهاء و المخالف نادر. و عن الذكري و المقاصد العلية أن غسلها أحوط. قال في الجواهر: «و ليس ذلك من جهة شمول الإصبعين و عدمه، بل لكونها منابت من القصاص أو لا. و لعل الأظهر دخولها، لأنها كما عرفت منابت الشعر الخفيف. و الظاهر عدم دخولها في مسمي شعر الرأس، كما يشعر به سبب تسميتها بذلك من كثرة حذف الشعر فيها من النساء و المترفين. مع تأيده

ص: 210

______________________________

بالاحتياط».

و ما ذكره متين جدا، بل مما تقدم تعرف لزوم الاحتياط، و كونه دليلا لا مؤيدا فقط.

الثاني: الصدغ، و قد صرح غير واحد بخروجه، لكن عن الراوندي إدخاله في الوجه. و ربما يحمل علي البعض الذي لا شعر فيه، بناء علي عموم الصدغ لتمام ما بين لحظ العين و الاذن، فيطابق المعني الاوسع للجبين الذي عرفت وجوب غسله. و إلا فما يكون منبتا للشعر هو المتيقن مما في صحيح زرارة من خروج الصدغ عن الوجه، كما تقدم.

الثالث: العذار، فعن المشهور خروجه. و في جامع المقاصد أن غسله أحوط، مع اعترافه بخروجه عن الحد المروي عنهم عليهم السّلام بل ظاهر المرتضي وجوبه، و ظاهر الشرائع و صريح الروضة دخوله في الحد.

و الذي ينبغي أن يقال: إن كان المراد به الشعر النابت علي العظم الذي علي سمت الصماخ الواقع بين الصدغ و العارض،- كما لعله ظاهر المرتضي- فلا إشكال في خروجه عن الحد، و لا معني معه للاحتياط بغسله، فضلا عن وجوبه.

و إن أريد به ما هو أوسع من ذلك مما يسامته عرضا إلي العين اتجه وجوب غسل ما دخل منه في الحد. و إلي هذا يرجع ما في المعتبر و عن غيره من أنه لا يجب غسل ما خرج عما دارت عليه الإصبعان من العذار.

الرابع: العارض، ففي الروضة و عن الذكري القطع بدخوله، بل في المسالك نفي الخلاف فيه. و عن المنتهي القطع بخروجه.

لكن الظاهر دخول بعضه فيجب غسله، كما عن العلامة في النهاية، و في جامع المقاصد دخول الأسفل منه فيجب غسله.

و ما في المدارك من عدم صحة الاحتجاج لدخوله ببلوغ الإصبعين، لأن ذلك إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة. قد تقدم الاشكال فيه.

ص: 211

و الخارج عن ذلك ليس من الوجه (1)،

______________________________

(1) لا إشكال في خروج ذلك عما يجب غسله، و إنما الإشكال في خروجه عن الوجه شرعا أو عرفا، أو لا.

و توضيح ذلك: أن التحديد المذكور إما أن يكون واردا لبيان حدّ ما يجب غسله من دون نظر لمفهوم الوجه.

أو لبيان حد الوجه شرعا، بأن يكون للوجه حقيقة شرعية قد أريدت من إطلاق أحكامه، لاختصاص غرض الشارع بها دون المعني العرفي.

أو لبيان الحدود الخارجية للوجه بما له من المفهوم العرفي، لأنه هو الموضوع للأحكام، و ان اشتبهت تلك الحدود علي السائل لبعض الطوارئ، كخلاف العامة.

و قد يقرب الأول بالنظر إلي التعرض في السؤال و الجواب للذي يجب توضئته و غسله، مما يكشف عن كون المهم تحديد موضوعه لا تحديد مفهوم الوجه شرعا أو عرفا من حيث هو.

لكنه يشكل: بظهور السؤال و الجواب في تحديد الوجه الذي يوضأ، لا تحديد ما يوضأ من الوجه، فقوله في السؤال: «الذي ينبغي أن يوضأ» و في الجواب:

«الذي قال اللّه و أمر.» وصف موضح لا قيد، لما هو المعلوم من عدم سوقه لتقييد الوجه المسؤول عنه بما يجب غسله في مقابل الوجه الذي لا يجب غسله، بل لأجل أن الوجه المسؤول عنه قد وجب غسله، و ظاهر التوصيف المفروغية عن وجوب غسل تمام الوجه- و إن اشتبهت حدوده- و عدم وجوب غسل غيره معه.

و أما احتمال كون المصحح للتوصيف وجوب غسل الوجه في الجملة- و لو ببعضه أو مع غيره- و أن التحديد منصرف إلي خصوص موضوع الوصف- و هو الذي يجب غسله- دون الوجه.

فهو بعيد جدا، مخالف للظاهر.

هذا، مضافا إلي قوله عليه السّلام: «و ما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من

ص: 212

______________________________

الوجه، و ما سوي ذلك فليس من الوجه. فقال له: الصدغ من الوجه؟ فقال: لا» فإنه ظاهر في التصدي لتحديد الوجه، لا لما يجب غسله و إن لم يطابقه.

و هو مقتضي صحيح إسماعيل بن مهران أيضا. بل لا أقل من كونه مقتضي الجمع بين صحيح زرارة المذكور و صحيحة الآخر الوارد في تفسير الآية، لقوله عليه السّلام: «لأن اللّه عز و جل قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل» «1» و مثله صحيح زرارة و بكير، و فيه: «ثمَّ قال: إن اللّه تعالي يقول:

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله» «2». و كذا الإطلاقات و غيرها مما يستفاد منه وجوب غسل الوجه كله، و هو كثير جدا.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في ظهور الحديث بنفسه و بضميمة القرائن الخارجية في تحديد نفس الوجه، لا تحديد ما يجب غسله و إن لم يطابقه.

و من هنا فقد يقرب الثاني بأن المنصرف من التحديد الواقع في لسان الشارع هو التحديد الشرعي، لا بيان الحدود العرفية، لأنه خارج عن وظيفته.

لكنه يندفع: بأن بيان الحدود الخارجية للمعني العرفي الذي يكون موضوعا للأحكام الشرعية ليس خارجا عن وظيفة الشارع، لرجوعه إلي تحديد موضوع حكمه الذي هو من شؤون بيان الحكم.

بل لما كان مقتضي الإطلاق المقامي للأوامر الكثيرة الواردة في الكتاب و السنة المتواترة بغسل الوجه إرادة الوجه بما له من المعني العرفي من دون تنبيه علي خروج الشارع الأقدس عنه، أوجب ذلك وضوح إرادته بنحو يقتضي صرف السؤال و الجواب في نصوص التحديد إليه، لاشتباه حدوده بسبب خلاف العامة، كما يشهد به موثق زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام قلت: إن أناسا يقولون: إن بطن الأذنين من الوجه و ظهرهما من الرأس. فقال: ليس عليهما غسل و لا مسح» «3»،

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 213

و إن وجب إدخال شي ء من الأطراف إذا لم يحصل الواجب إلا بذلك (1).

______________________________

و صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الأذنان ليسا من الوجه و لا من الرأس» «1».

و إلا فالسؤال عن حدود المفهوم الشرعي فرع فرض خروج الشارع عن المفهوم العرفي، و هو أولي بالسؤال، لابتنائه علي مزيد عناية. فلاحظ.

(1) مقتضي الجمود علي لفظ العبارة فرض توقف حصول الواجب ثبوتا علي غسل الخارج، فيكون الوجوب مقدميا.

لكنه فرض بعيد التحقق في نفسه، بل منعه قدّس سرّه في مستمسكه.

فالظاهر أن مراده ما تعرض له غير واحد من فرض توقف العلم بحصول الواجب علي غسل الخارج، لعدم تيسر ضبط الحد دقة، فيكون الواجب المذكور طريقيا، لوجوب العلم بالفراغ عقلا.

و دعوي: أن مرجعه إلي إجمال الحد المستلزم للشك في التكليف بغسل المشكوك، و المرجع فيه البراءة.

مدفوعة: بأنه لا إجمال في الحد، بل في حصوله لعدم تيسر ضبطه، فيرجع إلي الشك في الامتثال.

مع أن المرجع عند الشك في التكليف بغسل شي ء في المقام هو الاحتياط، للشك في المحصل، بعد كون المستفاد من الآية و النصوص هو وجوب الطهارة المسببة عن الغسل، لا نفس الغسل.

نعم، قد ينافي ذلك ما في صحيح زرارة: «ثمَّ غرف ملأها ماء فوضعها علي جبهته ثمَّ قال: بسم اللّه و سدله علي أطراف لحيته، ثمَّ أمر يده علي وجهه و ظاهر جبهته مرة واحدة «2»»، فإن العلم باستيعاب الحد عرضا موقوف علي إمرار اليد من

______________________________

(1) الوسائل باب: 18 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 214

و يجب الابتداء بأعلي الوجه (1)

______________________________

جانبي الوجه كما تضمنه غير واحد من النصوص، و لا يحصل بالإمرار مرة واحدة.

فتأمل جيدا.

(1) قال في المبسوط: «و ينبغي أن يبتدئ بغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلي المحادر، فان خالف و غسل منكوسا خالف السنة.

و الظاهر أنه لا يجزيه، لأنه خالف المأمور به. و في أصحابنا من قال: يجزيه، لأنه يكون غاسلا»، و جعل وجوب البدء بالأعلي هو الأشبه في المعتبر، و الأصح في جامع المقاصد، و جزم به في الوسيلة و الشرائع و القواعد، و هو المحكي عن الصدوقين و الشهيدين و غيرهم.

و في المدارك و عن شرح المفاتيح و غيرهما أنه المشهور بين الأصحاب، و عن التذكرة و شرح الاثني عشرية و كشف الرموز نسبته للأكثر، بل عن محكي التبيان و بعض حواشي الألفية دعوي الإجماع عليه.

لكن الموجود في التبيان ما قد يظهر منه الإجماع علي ذلك في غسل اليدين، من دون إشارة للشرط المذكور في غسل الوجه.

كما لا يبعد أن يكون منشأ نسبة ذلك لبعضهم تعبيرهم بوجوب غسل الوجه من القصاص إلي الذقن، مع أن مرادهم قد يكون محض تحديد الوجه، لا بيان مبدأ للغسل.

هذا، و عن المرتضي و ابني إدريس و سعيد جواز النكس، و في المدارك و عن المنتهي و الذخيرة الميل إليه، و نسبه في الحدائق إلي جمع من المتأخرين و متأخريهم. و قد يستفاد ممن أطلق وجوب غسل الوجه.

كما أنه قد يستظهر ممن نبه منهم علي عدم جواز النكس في غسل اليدين من دون تنبيه عليه في غسل الوجه، كما في الفقيه و المقنعة و النهاية و الخلاف و التبيان و إشارة السبق و الغنية و المراسم و المختصر النافع و اللمعة.

و دعوي: عدم الفصل بين اليدين و الوجه في ذلك غير ظاهرة مع ذلك.

ص: 215

______________________________

و قد ظهر بذلك أنه لا مجال لما يظهر من بعض مشايخنا من الاستدلال علي عدم جواز النكس بتسالم الفقهاء ممن عدا المرتضي علي ذلك، و سيرة الشيعة علي الالتزام به علي نحو الوجوب و أخذهم له خلفا عن سلف من غير نكير، مع أن مثل ذلك مما يكثر الابتلاء به لا يخفي عادة.

لاندفاعه: بظهور عدم التسالم من الفقهاء بعد ما تقدم، و عدم وضوح التزام الشيعة به من الصدر الأول بانين علي وجوبه، بل غاية الأمر التزامهم به في الجملة للوجوب أو للاحتياط أو الاستحباب. فلا بد من النظر في بقية أدلة المسألة.

و قد يستدل علي وجوب البدء بالأعلي.

تارة: بالنصوص الكثيرة الحاكية لوضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله الظاهرة في غسل الوجه من أعلاه، ففي صحيح زرارة: «ثمَّ غرف ملأها ماء فوضعها علي جبهته» «1» و في صحيحه الآخر: «فأخذ كفا من ماء فأسدلها علي وجهه من أعلي الوجه، ثمَّ مسح بيده الجانبين جميعا» «2»، و في الثالث: «فأخذ كفا من ماء فأسدله علي وجهه [من أعلي الوجه] ثمَّ مسح وجهه من الجانبين جميعا» «3»، و في صحيح محمد بن مسلم: «فأخذ كفا من ماء فصبه علي وجهه ثمَّ مسح جانبيه حتي مسحه كله» «4».

و في مرسل العياشي عن زرارة و بكير: «فغمس كفه اليمني فغرف بها غرفة فصبها علي جبهته فغسل وجهه بها» «5».

و اخري: بما في الفقيه قال: «و توضأ النبي صلّي اللّه عليه و آله مرة مرة، فقال: هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به» «6»، و نحوه في الناصريات، و نسبه في الانتصار و الغنية إلي رواية العامة، و في المعتبر و المنتهي و عن الذكري أنه صلّي اللّه عليه و آله قال ذلك بعد ما أكمل وضوءه، و في الخلاف أنه قاله بعد ما علّم الأعرابي الوضوء. فإنه بضميمة عدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 7.

(5) تفسير العياشي حديث: 51 من تفسير سورة المائدة ج: 1 ص: 298. مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3. لكن رواه في الكافي و التهذيب هكذا: «فصبها علي وجهه» الوسائل باب:

15 من أبواب حديث: 3. فلا تصلح شاهدا.

(6) الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 11.

ص: 216

______________________________

النكس منه صلّي اللّه عليه و آله- كما في المعتبر، و تقتضيه النصوص البيانية- يكون ظاهرا في مبطلية النكس.

و ثالثة: بخبر أبي جرير الرقاشي [1] المروي في قرب الاسناد: «قلت لأبي الحسن موسي عليه السّلام: كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلي وجهك إلي أسفله بالماء مسحا، و كذلك فامسح الماء علي ذراعيك و رأسك و قدميك» «2».

و يشكل الأول: بأن حكايات الامام عليه السّلام قد اشتمل كل منها علي خصوصيات كثيرة يعلم بعدم سوقها لبيان جميع خصوصيات وضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله التي كان يحافظ عليها، لاختلافها في بعض الخصوصيات، لأن من القريب وضوءه صلّي اللّه عليه و آله مرتين «3»، و لم يشر في هذه النصوص لذلك، و قد غسل يديه و تمضمض و استنشق. مع أنه لم يتعرض إلا لغسل اليدين في بعض هذه النصوص، و أنه كان يتوضأ بمد. و هو لا يناسب الغرفات الثلاث. إلي غير ذلك مما يعلم معه بعدم سوق هذه النصوص إلا لبيان وضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله المشروع في الجملة و لو لم يكن ملتزما به، لدفع توهم وجوب ما زاد عليه أو خالفه في الكيفية، كما يناسبه تعقيب حكاية الوضوء في الصحيح الأول بقوله عليه السّلام: «إن اللّه وتر يجب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات» و التمهيد لها في صحيح ابن مسلم بقوله عليه السّلام:

«يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده، و الماء أوسع، ألا أحكي.» فلا يكشف عدم النكس منه عليه السّلام عن التزام النبي صلّي اللّه عليه و آله بعدمه.

علي أنه لو سلم التزامه صلّي اللّه عليه و آله بذلك فقد استشكل في المدارك باحتمال كون البدء بالأعلي لأنه أحد أفراد الواجب، لا لوجوبه بخصوصه.

و أجاب عن ذلك في الجواهر بظهور حكاية الإمام عليه السّلام له في وجوبه،

______________________________

[1] هكذا في قرب الاسناد مع كون الراوي عنه ابن محبوب و الموجود في التهذيب رواية ابن محبوب عن أبي جرير الرواسي عن أبي الحسن في موضع و عن أبي الحسن موسي في آخر. فراجع.

______________________________

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 22.

(3) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء.

ص: 217

______________________________

و ظهور تنبيه الراوي عليه بالخصوص- كما في الصحيح الثاني و الثالث علي نسخة- في أنه فهمه منه. بل ظاهر اهتمام الامام عليه السّلام بحكاية وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله التعريض بالعامة في وضوئهم منكوسا، كما قد يرشد إلي ذلك خبر علي بن يقطين المشهور «1» للتنبيه فيه علي عدم النكس حين أمره بالوضوء المشروع بعد ذهاب الخوف عنه.

لكن فيه: أنه يكفي في غرض الامام عليه السّلام من الحكاية التنبيه علي تخفيف الوضوء بالاكتفاء بالمرة و الغرفة الواحدة و مسح الرجلين، و الاقتصار علي الأعضاء الخمسة، و هي الأمور التي يظهر من هذه النصوص علي كثرتها الاهتمام بها. و لا ينحصر غرضه بالتعريض بالعامة في خصوص النكس، بل لا معني له بناء علي ما حكي عنهم من استحباب البدء بالأعلي في الوجه.

و تنبيه الراوي علي ذلك لا يشهد بفهمه الوجوب، بل قد يكون لفهمه الاستحباب، أو لبيان الاكتفاء بغسل مقدم الوجه بإسدال الماء و كفاية استيعاب الماء له به من دون حاجة إلي مسح آخر.

و خبر علي بن يقطين لا يدل علي أن الغرض من النصوص البيانية التعريض بالعامة في النكس، و إنما يدل علي اختلافنا معهم فيه.

بل حيث كان مختصا بالنكس في اليدين فقد يظهر منه عدم المنع من النكس في الوجه- كما تقدم منا نظيره في كلمات بعض الأصحاب- أو اتفاقنا معهم فيه و لو لذهابهم إلي استحباب البدإ بالأعلي، كما تقدمت حكايته عنهم.

و يشكل الثاني: - بعد تسليم التزامه صلّي اللّه عليه و آله بعدم النكس- بأنه لا مجال لحمل الكلام المذكور علي لزوم المحافظة علي جميع الخصوصيات التي اشتمل عليها وضوؤه صلّي اللّه عليه و آله للعلم بعدم وجوب أكثرها، و ليس هو من سنخ العام المخصص، و إلا لزم تخصيص الأكثر المستهجن، فلا بد أن يكون المراد به الحكاية عن أركان الوضوء، أو عن الاكتفاء بالمرة، كما يناسبه صدره علي رواية الفقيه أو غير ذلك مما

______________________________

(1) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 218

______________________________

يمنع من الاستدلال به في المقام.

مضافا إلي ضعف سند الخبر بالإرسال و عدم وضوح انجباره بعمل الأصحاب بعد خفاء دلالته و ابتنائها علي المقدمة المذكورة التي لم يشر إليها أحد قبل المحقق قدّس سرّه و إنما ذكره من قبله عاضدا للاكتفاء بالمرة أو في قبال العامة.

و إما الثالث فيشكل.

أولا: بضعف سند الخبر، لإهمال أبي جرير في كتب الرجال.

و دعوي: أن كتاب قرب الاسناد من الكتب المعتمدة.

غير ظاهرة المأخذ إن أريد بها الاستغناء عن النظر في سند أحاديثه، إذ لم أعثر في كلمات مشايخ الأصحاب علي أكثر من توثيق عبد اللّه بن جعفر الحميري و تبجيله و نسبة الكتاب له.

و مثلها دعوي: انجبار الخبر بعمل الأصحاب.

لاندفاعها: بعدم وضوح اعتماد قدماء الأصحاب علي الخبر المذكور بعد عدم إيراد المشايخ الثلاثة له، كيف و لم يذكره حتي المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهي مع استدلالهما بما تقدم مما لا يبعد كونه أضعف منه.

و مجرد موافقة فتوي بعض الأصحاب له لا تكفي في انجباره، كاستدلال بعض متأخري المتأخرين به.

و ثانيا: بضعف دلالته، لأن تقديم النهي عن التعميق و اللطم المعلوم عدم إرادة الإلزام منه يوجب ظهور الجواب في بيان الكيفية المستحبة، و صرف السؤال إليها لا إلي الكيفية الواجبة، فيمنع من ظهور الأمر بالغسل في الوجوب، و لا سيما مع تقييده بالمسح الذي لا إشكال في استحبابه.

بل لما كان التعميق و اللطم من أفراد الغسل لزم حمل الأمر بالغسل بعد النهي عنهما علي الغسل المباين لهما، و هو الغسل بالمسح المسترسل الذي أوضحه عليه السّلام بقوله: «مسحا»، و لا إشكال في ان الأمر به للاستحباب، أو لبيان إجزائه و عدم الحاجة للتعميق، و لا طريق مع ذلك لإحراز وجوب قيده، و هو كونه من أعلي الوجه إلي أسفله.

ص: 219

______________________________

و منه يظهر ضعف دعوي: أن استحباب المسح في الغسل لا يلزم بحمل التقييد بكونه من الأعلي علي الاستحباب، لإمكان التفكيك بين القيود في ذلك.

لاندفاعها: بأن المسح ليس قيدا زائدا علي الغسل، بل موضح للمراد منه، و لا بد من كون الأمر بالغسل المذكور للاستحباب، و معه لا مجال لاستفادة وجوب قيده المذكور.

و أما ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه من أنه لا ملزم بحمل النهي عن اللطم علي الكراهة، بل يبقي علي ظاهره في التحريم، بحمله علي اللطم الذي لا يحصل به غسل مجموع الوجه، لأن قوله عليه السّلام: «لطما» ظاهر في إرادة لطم ما، و هو اللطم بالنحو المذكور.

ففيه: أن ظاهر المفعول المطلق في مثل المقام التأكيد لبيان النهي عن الفرد الشديد من اللطم، كما هو الظاهر منه أيضا في موثق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا تضربوا وجوهكم بالماء ضربا إذا توضأتم، و لكن شنوا الماء شنا» «1»، و لا أقل من كونه مقتضي الأمر بالصفق في بعض النصوص «2»، و لا ظهور للمصدر في الفرد الذي ذكره.

مع أن الأمر لا يختص بالنهي عن اللطم، بل يأتي في النهي عن التعميق.

و توهم حمله علي الإلزام دفعا للوسواس. تحكم، لعدم الملازمة بينهما، غاية الأمر حمله علي الإرشاد أو الاستحباب لذلك، أو علي دفع توهم وجوبه، و بيان كفاية الغسل بنحو المسح. و لا سيما مع تعقيبه بقوله عليه السّلام: «و كذلك فامسح علي ذراعيك و رأسك و قدميك»، لوضوح عدم اعتبار البدء بالأعلي في مسح الرأس و الرجلين، بل ليس المقصود إلا بيان عدم وجوب التعميق أو كراهته، و الاكتفاء بالمسح الخفيف المسترسل أو استحبابه.

و بالجملة: ليس للحديث ظهور معتد به في وجوب الابتداء بالأعلي.

و من هنا فقد يقوي القول بجواز النكس، عملا بالإطلاقات المؤيدة بما في

______________________________

(1) الكافي 3: 28 باب: حد الوجه الذي يغسل، حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 220

______________________________

حديث ابن يقطين «1»، من الأمر بالبدء من المرفقين في غسل اليدين مع إطلاق غسل الوجه الظاهر في اتفاقنا معهم فيه، كما سبق. و كذا تنبيه الراوي في غير واحد من النصوص البيانية عليه في اليدين دون الوجه.

و بها يخرج عن مقتضي أصالة الاشتغال التي أشرنا إلي جريانها في أمثال المقام مما كان الشك فيه في المحصل.

و لا مجال للإشكال في الاستدلال بالإطلاقات.

تارة: بما عن شيخنا البهائي قدّس سرّه من انصرافها إلي البدء بالأعلي، لأنه المتعارف من الغسل.

و اخري: بما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من ورودها في مقام التشريع و بيان أصل وجوب العبادة لا كيفيتها.

لاندفاع الأول: بأن الانصراف للمتعارف بدوي لا يرفع به اليد عن الإطلاق.

و منع تعارف البدء من الأعلي في الغسل، بل هو محتاج لعناية، و إنما تعارف عند المتشرعة لشبهة الوجوب.

و اندفاع الثاني: بأن ورود الإطلاق لبيان وجوب الشي ء من دون تعرض لكيفيته ظاهر في عدم اعتبار كيفية خاصة فيه.

بل كيف يمكن إنكار إطلاق الآية الكريمة من هذه الجهة مع ورودها في مقام بيان الواجب و خصوصياته، و مثلها ما ورد في بيان حد الوضوء و تعليمه، كصحيح ابن فرقد: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن أبي كان يقول: ان للوضوء حدا من تعداه لم يؤجر، و كان أبي يقول: إنما يتلدد «2». فقال له رجل: و ما حده؟

قال: تغسل وجهك و يديك و تمسح رأسك و رجليك» «3» و نحوه غيره.

نعم، يتجه ذلك في بعض النصوص، مثل ما تضمن تعليل تخصيص الأعضاء الستة بالوضوء و بيان ثواب غسلها فيه و نحوها مما ظاهره المفروغية عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) يتلفت و يتحير.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 221

إلي الأسفل فالأسفل عرفا (1)،

______________________________

وجوب غسلها، لا بيان وجوبه.

(1) اعلم أن بعض الأصحاب- كابن حمزة- صرح بعدم جواز استقبال الشعر الذي هو عبارة عن النكس، و من الظاهر أنه لا يستلزم البدء بالأعلي الذي هو مقتضي الأدلة المتقدمة- لو تمت- و إن كان لا يبعد حمل عليه بقرينتها.

و كيف كان فالمحتمل بعد البناء علي وجوب الابتداء بالأعلي وجوه.

الأول: الاكتفاء بمسمي الابتداء بالأعلي و إن لم يحصل الترتيب فيما تحته.

الثاني: وجوب غسل الأعلي فالأعلي في جميع النقاط العرضية، فلا يجوز غسل شي ء من الأسفل قبل ما فوقه و إن لم يكن في سمته.

الثالث: وجوب غسل الأعلي فالأعلي بحسب الخطوط الطولية لا غير.

الرابع: أن يكون اتجاه المسح من الأعلي للأسفل و إن كان منحرفا عن سمت خط الطول، كما لو مسح من الجبين الأيمن إلي اللحي الأيسر.

أما الأول ففي الجواهر أنه مقتضي كلام كثير من المتأخرين، و نسبه في مفتاح الكرامة إلي إطلاقات الأصحاب، و ظاهره الميل إليه بالنحو الذي لا يستلزم النكس.

و يدفعه ظهور أدلة البدء بالأعلي في وجوب الترتيب في تمام الوجه، لوضح أن غسل مقدم الوجه بإسدال الماء علي الجبهة- الذي تضمنته بعض النصوص البيانية- إنما يكون بنحو الترتيب، تبعا لنزول الماء من الأعلي إلي الأسفل، بل هو صريح خبر أبي جرير المتقدم.

و أما الثاني فقد نسبه في المدارك إلي بعض القاصرين، و ذكر أنه من الخرافات الباردة و الأوهام الفاسدة.

لكن اختاره في الحدائق و نسبه إلي الشهيد الثاني في شرح الرسالة و ظاهر العلامة، و إن لم تخل النسبة عن إشكال، لتصريح الشهيد فيما نقله عنه بأن في الاكتفاء بالثالث وجها وجيها، و قرّب حمل كلام العلامة عليه.

ص: 222

______________________________

و قد اختار الوجه الثاني أيضا شيخنا الأستاذ قدّس سرّه بعد حمله علي الترتيب العرفي بتكرار المسح، لا الدقي.

و قد استدل عليه في الحدائق ببعض النصوص البيانية، ففي صحيح زرارة:

«ثمَّ غرف ملأها ماء فوضعها علي جبهته، ثمَّ قال: بسم اللّه، و سدله علي أطراف لحيته، ثمَّ أمر يده علي وجهه و ظاهر جبهته مرة واحدة» «1».

و استدل عليه شيخنا الأستاذ قدّس سرّه بظاهر رواية أبي جرير المتقدمة.

لكن الصحيح قد تضمن إمرار اليد مرة واحدة، و هو لا يستوعب جانبي الوجه إلا بمد الإصبعين الموجب لعدم استيلائهما علي جانبي الأنف في مقدم الوجه لانخفاضهما، فلا بد أن يكون انغسالهما قبل ذلك بإسدال الماء الراجع إلي غسل مقدم الوجه قبل جانبيه.

و منه يظهر أن الاستدلال برواية أبي جرير يتوقف علي حملها علي مسح الوجه بكلتا اليدين أو علي تقطع المسح باليد الواحدة بالمسح في سمت الطول قليلا قليلا مستوعبا للعرض ثمَّ التدرج للأسفل بنحو يصدق عرفا مسح تمام الوجه عرضا من أعلاه إلي أسفله، فلو استمرت المسحة الواحدة باليد الواحدة من الأعلي للأسفل كان استمرارها لاغيا و لم يكن مسحا وضوئيا.

و هذا و إن كان مقتضي الجمود علي اسناد الغسل للوجه الظاهر في إرادة غسل تمامه، إلا أن خروجه عن المتعارف و احتياجه للعناية مانع من ظهورها فيه، بل ليس المنصرف منها إلا إرادة كون اتجاه المسح من الأعلي للأسفل و إن لم يستوعب الوجه عرضا.

هذا، مضافا إلي ظهور غير واحد من النصوص البيانية المتقدمة في عدم وجوب الاستيعاب العرضي بالوجه المذكور، لما تضمنته من مسح جانبي الوجه بعد إسدال الماء علي أعلي الوجه.

و أما ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من حملها علي مسح الجانبين بمسحة

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 223

______________________________

واحدة مستوعبة لهما.

فهو- مع عدم مناسبته لإضافة المسحة للجانبين، لا للوجه- يجري فيه ما تقدم في الصحيح الذي استدل به في الحدائق. فلاحظ.

فالوجه المذكور في غاية الضعف. بل لو أريد منه الترتيب الدقي كان متعذرا، إلا أن يكون غسل الوجه بكلتا اليدين أو بالارتماس، و لا ريب في عدم وجوبهما.

ثمَّ ان مقتضي رواية أبي جرير بعد حملها علي عدم استيعاب الخط العرضي الاكتفاء بالابتداء بنقطة من الأعلي إلي نقطة من الأسفل الذي هو مفاد الوجه الرابع، إلا أن تحمل علي الثالث، لدعوي كونه هو المتعارف من الترتيب المنصرف إليه الخطاب بالغسل من الأعلي إلي الأسفل، و إن لم يكن متعارفا في أصل الغسل. أو لبعض النصوص البيانية المتقدمة بناء علي تمامية دلالتها علي الوجوب، لظهورها في غسل تمام مقدم الوجه بإسدال الماء قبل غسل جانبيه بالمسح عليهما، فتكون أخص من رواية أبي جرير.

لكنه لو تمَّ يتعين الاكتفاء فيه بالوجه العرفي، و لا يعتبر التدقيق، لابتنائه علي عناية يبعد إرادتها من مجرد العمل. و لا سيما مع ظهور النصوص البيانية في قلة إمرار اليد في غسل الوجه، حيث يظهر منها الاهتمام باستيعاب الوجه بالغسل، و يغفل معه عن مثل هذه التدقيقات.

بقي أمران.

الأول: أن النصوص البيانية و إن تضمنت إسدال الماء علي الجبهة أو أعلي الوجه، إلا أن ذلك لا يقتضي انغسال الجزء الأول من الوجه دقة قبل غيره، لوضوح أن الكف من الماء له مساحة معتد بها تباشر مقدارها من الوجه فتغسله دفعة.

و تحقيق الابتداء بالأعلي دقة يتوقف حينئذ إما علي صب الماء علي الرأس فوق الوجه، كي ينزل إلي أعلي الوجه منه تدريجا، أو علي كون انغسال ما يقارن الأعلي بصب الأعلي لغوا، و لا يتحقق الغسل الوضوئي إلا بإمرار اليد من الأعلي إلي الأسفل بعد صب الماء، و كلاهما مما تأباه النصوص البيانية و سيرة المتشرعة في تحقيق الغسل من الأعلي، الملزم بالاكتفاء بذلك و حمل إطلاق خبر أبي جرير عليه. فلاحظ.

ص: 224

و لا يجوز النكس (1).

نعم، لو ردّ الماء منكوسا و نوي الوضوء بإرجاعه إلي الأسفل صح وضوؤه (2).

______________________________

الثاني: ورد في بعض النصوص «1» أن من بقي في وجهه موضع لم يصبه الماء يجزيه أن يبله من بعض جسده. و هو بظاهر مناف للترتيب، لبعد حمله علي خصوص ما إذا كان الموضع آخر الوجه.

كما قد ينافيه أيضا ما في صحيح ابن جعفر «2» من الاجتزاء بإصابة المطر حتي تبتل جميع أعضاء الوضوء، لبعد حمله علي الترتيب بالوجه المذكور، غايته أن يحمل علي عدم النكس.

لكنهما كما ينافيان الترتيب في نفس العضو ينافيان الترتيب بين الأعضاء، بل الثاني لا يناسب عدم الاجتزاء في الرأس و الرجلين بالغسل. فلا بد من توجيههما أو تخصيصهما بموردهما أو طرحهما، علي ما قد يتضح عند الكلام في المسألة الثامنة عشرة في الوضوء بماء المطر، و في مبحث اعتبار الترتيب، و اللّه سبحانه و تعالي المعين الموفق.

(1) مما تقدم يظهر أن ذلك أعم من وجوب الغسل من الأعلي للأسفل.

و من هنا كان متيقنا بالإضافة إليه بالنظر للأدلة المتقدمة و كلام الأصحاب و السيرة.

(2) لعدم الدليل علي قادحية النكس مقدمة للوضوء.

و دعوي: منافاته للوضوءات البيانية المحكية بالنصوص المتقدمة.

مدفوعة: بأن مفاد النصوص المذكورة كون المقصود بالوضوءات البيانية حكاية وضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله بنفسه لا بمقدماته، فما اشتملت عليه من المقدمات غير

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 43 من أبواب الوضوء.

(2) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 225

______________________________

وارد للحكاية كي يتوهم وجوبه.

إلا أن المعروف المشهور بينهم المصرح به في كلام جماعة كثيرة- كما في الناصريات و الاستبصار و القواعد و المنتهي و اللمعة و محكي المبسوط و غيرها من كتب القدماء و المتأخرين- أنه لا بد من جريان الماء، بل عن الشهيد الثاني في بعض تحقيقاته أنه المعروف بين الفقهاء- و لا سيما المتأخرين- و المصرح به في عباراتهم، و عن محكي حاشية التهذيب للمجلسي أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه.

و الظاهر أن مرادهم به انتقال الماء من بعض أجزاء البدن لغيره و لو بإعانة اليد و نحوها، كما يناسبه الوضوءات البيانية و سيرة المتشرعة، و ما ذكره غير واحد من الاجتزاء بمثل الدهن- كما في الاستبصار و القواعد و غيرهما- بل هو المصرح به في جامع المقاصد و كشف اللثام و عن التذكرة و غيرها. بل في الروض: «و أقله أن يجري جزء من الماء علي جزئين من البشرة و لو بمعاون» و نحوه في المسالك و عن غيرها.

و كأن ذلك من الأصحاب لبنائهم علي تقوم الغسل بالجريان، كما يناسبه الجمع بينه و بين مفروغيتهم عن وجوب الغسل، بل هو المصرح به في الاستبصار و المنتهي و جامع المقاصد و الروض و المسالك و عن غيرها، بل في مبحث الغسل من المدارك: أنه الذي قطع به الأصحاب، و في كشف اللثام: أنه الذي يشهد به العرف و اللغة، و في الروض و عن الأنوار أن الغسل في اللغة إمرار الماء علي الشي ء علي وجه التنظيف و التحسين و إزالة الوسخ و نحوها، و في مجمع البحرين: «غسل الشي ء إزالة الوسخ و نحوه عنه بإجراء الماء عليه» و في مفردات الراغب: «غسلت الشي ء غسلا: أسلت عليه الماء فأزلت درنه».

لكن صاحب المدارك و إن استحسن في مبحث الغسل ما نسبه للأصحاب من اعتبار الجريان و لو بمعاون، إلا أنه تنظّر في مبحث الوضوء في صدقه عرفا بما تقدم من الروض و المسالك من أن أقله أن يجري جزء من الماء علي جزئين من البشرة.

ص: 226

______________________________

و ظاهره اعتبار ما زاد علي ذلك. و هو في محله، فأن مرجعه إلي تحقق الغسل بمسح العضو المبتل علي العضو الجاف إذا صارت مساحة المبتل من الممسوح ضعف المبتل من الماسح، و العرف يأبي ذلك جدا.

و ما تقدم من المجمع و مفردات الراغب لا يشمل مثل هذا قطعا، بل المنصرف منه أن يكون للماء وجود استقلالي حين الجريان.

بل الظاهر عدم صدق الجريان و الاسالة بدون ذلك، بل يشكل صدقهما مع كون انتقال الماء بمعونة اليد و إن فرض استيلاء الماء بذلك و تحقق الغسل، و ليست الاستعانة في انتقال الماء باليد هي المصححة لنسبة الاجراء و الاسالة للفاعل، بل المصحح لها صبه للماء بقدر معتد به يقتضي جريانه بنفسه.

و من ثمَّ لا يبعد عدم تقوم الغسل بأصل الجريان و السيلان، كما يناسبه ما حكاه في الحدائق عن الشهيد الثاني في بعض تحقيقاته من أن ذلك غير مفهوم من كلام أهل اللغة. قال: «لعدم تصريحهم باشتراط جريان الماء في تحققه و أن العرف دال علي ما هو أعم منه».

بل ما ذكره من كون الغسل أعم من الجريان غير ظاهر، بل الظاهر تباينهما مفهوما، و إن كان بينهما عموم من وجه موردا، فيتوقف صدق الغسل علي كثرة الماء و استيلائه بالنحو الذي من شأنه أن يزيل الوسخ و القذر بذلك، و عصر و نحوهما، و بنحو يكون له غسالة، كما يناسبه ما في غير واحد من النصوص من الأمر بصب الماء علي الجسد و غسل الثوب عند إصابة البول، و لا سيما مع تعليل الاكتفاء بالصب في بعضها بأنه ماء «1»، و مثلها في ذلك صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الصبي. قال: تصب عليه الماء، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا» «2»، و خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟ قال: يغسل الظاهر ثمَّ يصب عليه الماء في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات حديث: 2.

ص: 227

______________________________

المكان الذي أصابه البول حتي يخرج من جانب الفراش الآخر» «1» و ما في موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر. قال: تغسله ثلاث مرات. و سئل: أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتي يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات» «2». لظهورها في عدم تحقق الغسل بمجرد الصب المستلزم لانتقال أجزاء الماء من بعض أجزاء الجسم لبعض.

و لعله لذا كان ظاهر المدارك و عن خاله صاحب المعالم و تلميذه الشيخ نجيب الدين الإرجاع في صدق الغسل إلي العرف من غير تحديد بشي ء مما تقدم، كما هو ظاهر جماعة من اللغويين، لعدم تعرضهم لشرحه.

و كأن من اعتبر في الغسل الجريان نظر إلي النصوص الآتية المتضمنة له، و من اكتفي بالجريان بإعانة اليد و لو بالوجه المتقدم عن الروض نظر إلي نصوص الوضوءات البيانية و نصوص المسح و الدهن التي سيأتي الكلام فيها أيضا، كما قد يشهد به تعبير جماعة بما تضمنته النصوص المذكورة من الاجتزاء بالدهن مع اعتبارهم صدق الغسل، كما في الاستبصار و الشرائع و المعتبر و المنتهي و القواعد و غيرها.

لكن النصوص المذكورة لو تمَّ الاستدلال بها في الأمرين المذكورين لا تستلزم كون مضمونها مطابقا لمفهوم الغسل عرفا، بحيث تكون واردة لبيان تحققه بالوجه الذي تضمنته. بل قد يكون مرجع بعضها إلي تقييد أدلة الغسل بحال الاختيار.

بل لا يبعد كون المراد بها بأجمعها بيان عدم وجوب الغسل بخصوصيته، بل لأجل إيصال الماء المتحقق بما تضمنته، فان الجمع بينها و بين أدلة وجوب الغسل بذلك أقرب من تنزيلها علي بيان أدني ما يحقق الغسل عرفا بعد ما ذكرنا من مفهوم الغسل.

بل من البعيد جدا خفاء الغسل بالنحو المحتاج للشرح، و لذا لم يشر فيها

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 1.

ص: 228

______________________________

إلي مفهوم الغسل و تنقيح مصداقه، و إنما اقتصر فيها علي بيان الأجزاء و التأكيد عليه.

و من ثمَّ لم يتعرضوا للاجتزاء بذلك في الغسل من النجاسة، مع أنه لو كان من أفراد الغسل العرفية أو الشرعية لكان الاجتزاء به متعينا.

و مما ذكرنا يظهر الإشكال فيما في المعتبر في مبحث التيمم، حيث قال: «ظن قوم منا أن دهن الأعضاء في الطهارة يقصر عن الغسل و منعوا الاجتزاء به إلا في حال الضرورة، و هو خطأ، فإنه لو لم يسمّ غسلا لما جاز الاجتزاء به، لأنه لا يكون متمثلا.

و إن كان غسلا لم يشترط فيه الضرورة. و يدل علي أنه مجز روايات.» ثمَّ ذكر رواية زرارة و محمد بن مسلم الآتية.

لاندفاعه: بإمكان خروجه عن الغسل و إجزائه في حال الضرورة. بل مطلقا، لكونه محققا لغرض الشارع من الغسل في المقام، كما ذكرنا.

و دعوي: منافاته للكتاب و السنة المتواترة، بل الضرورة علي وجوب الغسل و تتوقف الطهارة عليه.

مدفوعة: بأن المتيقن إنما هو وجوب الغسل في الجملة و لو حال الاختيار، أو لأجل تحقيق إيصال الماء بالوجه المذكور في هذه النصوص، و أما توقف الطهارة عليه بعنوانه و خصوصيته مطلقا فليس هو إلا ظاهر الأوامر المذكورة، الذي يمكن رفع اليد عنه بتنزيلها علي ما ذكرنا جمعا.

نعم، لا ريب في مباينة الغسل للمسح، فلا بد من المحافظة علي ذلك في مقام العمل بهذه النصوص علي ما يتضح إن شاء اللّه تعالي.

إذا عرفت هذا، فلا ريب في عدم اعتبار الغسل بالمعني المتقدم في الوضوء و الغسل و كفاية الجريان و الصب، كما يشهد به نصوص الوضوءات البيانية المتضمنة لغسل مقدم الوجه و ظاهر الذراع بصب الماء و إسداله «1»، و ما تضمن الاجتزاء بإصابة المطر للأعضاء «2». و ما تضمن تحقق الغسل بإفاضة الماء و صبه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.

(2) راجع الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1. و باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 10، 11، 14.

ص: 229

______________________________

علي الجسد في غسل الجنابة «1» و غير ذلك، بل في كثير منها التعبير عنه بالغسل الكاشف عن إلغاء الخصوصية المذكورة في المقام، بلحاظ تحقق الغرض من الغسل به- و لو لتحقق الطهارة به- بنحو يصحح إطلاقه عليه.

كما لا ينبغي الإشكال في عدم لزوم أن يستقل الماء بالجريان، بل يكفي أن يكون بمعونة اليد و نحوها و إن لم يتحقق به الغسل العرفي، لخفة المسح، لوفاء النصوص البيانية و نصوص تعليم غسل الجنابة «2» و غيرها به.

و إنما الإشكال في أمرين.

الأول: في لزوم الجريان و لو بالنحو المذكور مع غض النظر عما تقدم منهم من أخذه في مفهوم الغسل.

فقد استدل عليه بغير واحد من النصوص الواردة في الوضوء و الغسل، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء» «3» و في صحيحه الآخر عنه عليه السّلام: «قال:

الجنب ما جري عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه» «4» و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «ثمَّ تصب علي سائر جسدك مرتين، فما جري عليه الماء فقد طهر» «5».

و يندفع بعدم ظهور هذه النصوص في لزوم الجريان، بل هي واردة لبيان الاكتفاء بالماء القليل و عدم وجوب الإكثار منه، و لا وجوب التعميق و غسل ما تحت الشعر.

بل قد يستفاد عدم وجوب الجريان من صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.

(2) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.

(3) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1.

ص: 230

______________________________

الوضوء: «قال: إذا مس جلدك الماء فحسبك» «1»، و صحيحة الآخر في الغسل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلي قدميك. و كل شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته. و لو أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده» «2».

لوضوح أن الإمساس لا يتوقف علي الجريان بالمعني المذكور.

نعم، بناء علي وجوب الترتيب في الوضوء في نفس الأعضاء يتجه عدم الاكتفاء فيه بمجرد الإمساس، بل لا بد من نقل الماء بإجراء أو مسح أو نحوهما، كما تضمنه غير واحد من نصوص الوضوءات البيانية و غيرها.

و أما الغسل فيشكل الأمر فيه جدا بعد الصحيح المتقدم.

و دعوي: أن ما تضمنه صدره من الغسل الذي لا يتحقق بمجرد الإمساس ملزم بتقييد الإمساس بذلك.

مدفوعة: بظهور ذكر الإمساس بعد الغسل في التنبيه علي أن المعيار عليه، لدفع توهم وجوب ما زاد عليه مما قد يوهمه ذكر الغسل، و أن ذكر الغسل لأنه يحققه، لا لوجوب المحافظة علي خصوصية، و إلا لم يكن لذكره بعد ذكر الغسل من القرن إلي القدم فائدة. و يقرب ذلك التنبيه علي عدم وجوب الدلك مع الارتماس الذي هو من لوازم الغسل. فلاحظ.

و قد يؤيد أو يعتضد بصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له:

أغتسل من الجنابة و غير ذلك في الكنيف الذي يبال فيه و علي نعل سندية، فاغتسل و علي النعل كما هي. فقال: إن كان الماء الذي يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا تغسلهما» «3» لوضوح أن وصول الماء إلي أسفل القدم مع لبس النعل لا يستلزم جريانه في تمام القدم، بل قد يكون بتفشي الماء في النعل بسبب حركة القدم. و مثله ما تضمن الاكتفاء بوصول الماء إلي بشرة الرأس بشرب الشعر

______________________________

(1) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 27 من أبواب الجنابة حديث: 2.

ص: 231

______________________________

له، مع عدم استلزامه جريانه علي البشرة ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها» «1» و في صحيح الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في غسل الجنابة للمرأة من دون أن تنقض شعرها:

«مرها أن تروي رأسها من الماء و تعصره حتي يروي، فإذا روي فلا بأس عليها» «2».

بل قد يؤيد باغفال نصوص المئزر حله أو تحريكه عند الغسل «3»، مع قرب الغفلة عن ذلك و الاكتفاء بوصول الماء للبشرة بتخلله للمئزر من دون أن يستلزم مسح البدن بالماء.

و لا سيما مع مطابقة ذلك للارتكازات العرفية في التطهير بالماء، إذ المهم بحسبها هو وصول الماء للبشرة و استيلاؤه عليها، و لذا يكتفي بذلك في التطهير من الخبث، فيما يكتفي فيه بالصب و نحوه، و لا خصوصية للإجراء ارتكازا، و إنما تعارف لتسهيل تبليغ الجسد أو للاقتصاد في الماء.

نعم، قد ينافي ما ذكرنا خبر بكر بن كرب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل من الجنابة، أ يغسل رجليه بعد الغسل؟ فقال: إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء علي رجليه فلا عليه أن لا يغسلهما، و إن كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما» «4».

إلا أن من القريب حمله علي لزوم سيلان الماء علي ظاهر القدم، و إلا فباطن القدم المماس للأرض لا يسيل عليه الماء إلا برفع القدم، و لا يراد بغسله إلا رفعه و إسالة الماء عليه، فعدم إيجاب غسله ظاهر في عدم وجوب رفعه و الاكتفاء بإصابة الماء له بسبب مماسته للأرض التي يسيل عليها الماء، نظير ما تقدم في صحيح هشام. فلا بد أن يكون اعتبار سيلان الماء علي ظاهر القدم في مقابل انغماره، إما بالماء الموجود قبل الغسل الذي لم ينو بالدخول فيه الغسل، أو

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 5.

(3) راجع الوسائل باب: 9، 10، 11 من أبواب آداب الحمام.

(4) الوسائل باب: 27 من أبواب الجنابة حديث: 3.

ص: 232

______________________________

بغسالة الجنابة التي لا يصح الاغتسال بها إما لعدم رفع الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر للحدث، أو لعدم نية الغسل بتجمع الماء بالوجه المذكور، و إنما ينوي بصبه أو لنحو ذلك.

هذا، و لو فرض قصور جميع ما ذكرنا عن إفادة المطلوب لزم المحافظة علي الاجراء بالوجه المذكور، لأنه المتيقن من نصوص تعليم غسل الجنابة و سيرة المتشرعة و مطابقته لقاعدة الاشتغال المحكمة في المقام و نحوه من موارد الشك في المحصل. فتأمل جيدا.

الثاني: في مقدار الماء الذي يكتفي بإجرائه و لو بواسطة اليد.

و لا إشكال عندهم في الاكتفاء بما تضمنته نصوص الوضوءات البيانية و غيرها «1» من الاكتفاء بغرفة لكل عضو، و ما تضمنته نصوص تعليم غسل الجنابة من الاكتفاء بالكف و الكفين و غيرهما في الأعضاء، بل ظاهرهم المفروغية عن صدق الغسل به، و إن كان لا يخلو عن نظر، كما يظهر مما تقدم.

و إنما الإشكال عندهم فيما هو الأقل من ذلك الذي هو ظاهر بعض النصوص. ففي صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إنما الوضوء حد من حدود اللّه، ليعلم اللّه من يعطيه و من يعصيه، و إن المؤمن لا ينجسه شي ء، إنما يكفيه مثل الدهن» «2» و صحيح محمد بن مسلم عنه عليه السّلام: «يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده، و الماء أوسع من ذلك، إلا أحكي لكم وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.» «3». و موثق إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: «ان عليا عليه السّلام كان يقول: الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي منه ما أجري من الدهن الذي يبل الجسد» «4» و موثق زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن غسل الجنابة، قال:

أفض علي رأسك ثلاث أكف و عن يمينك و عن يسارك إنما يكفيك مثل

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.

(2) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 233

______________________________

الدهن» «1». و صحيح هارون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلت [ملأت خ ل] يمينك» «2».

هذا، و حيث كان المعيار في الغسل عند المشهور حصول مسمي الجريان، فالأصحاب بين من حملها علي ذلك و أوجب الغسل و إن كان بمثل الدهن، كما تقدم، و من حملها علي المجاز و المبالغة في تقليل الماء، كما في الروض و المسالك و غيرهما، و من قرّب حملها علي الحقيقة و إن لم يحصل الغسل، كما يظهر من المدارك، و من حملها علي الضرورة، كما تقدم من المعتبر نسبته إلي قوم من أصحابنا، و مال إليه في الحدائق و نسبه لبعض مشايخه المحققين من متأخري المتأخرين، بل ربما ينسب للشيخين، لاكتفائهما في النهاية و المقنعة لمن كان في أرض ثلج و لا ماء عنده و لا تراب بوضع يديه باعتماد علي الثلج حتي تندي ثمَّ يمسح بها أعضاء الوضوء أو سائر البدن في الغسل.

لكن عرفت الإشكال في الأول، و أن ذلك لا يحقق الغسل العرفي.

كما أن الثاني مخالف لظاهر هذه النصوص جدا. و لا سيما بعد التنبيه في الصحيح الأول إلي عدم النجاسة التي هي المنشأ ارتكازا لاعتبار الإكثار من الماء الذي يتوقف عليه الغسل العرفي، و ما في الثاني من تحديد الدهن بالراحة، و ما في الموثق الأول من جعل المعيار بلّ الجسد.

و بالجملة: ظهور النصوص في التحديد العملي ببيان أقل المجزي مما لا مجال لرفع اليد عنه بالحمل علي المجاز و المبالغة.

و من ثمَّ كان الظاهر هو الثالث، و مجرد عدم حصول الغسل به ليس محذورا، كما تقدم.

نعم، استشكل فيه غير واحد بأنه لا يناسب المقابلة بين المسح و الغسل في أعضاء الوضوء، إذ مع عدم تحقق الغسل لا يتحقق الا المسح، و الاكتفاء به في جميع الأعضاء المغسولة مخالف للكتاب و السنة و الإجماع، بل الضرورة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 5.

ص: 234

______________________________

و الذي ينبغي أن يقال: قوام المسح نقل البلة من أحد الجسمين للآخر بامراره عليه، و إن لم يصدق الماء علي ما ينتقل إليه و يحمله منه، و إن لم تصدق الرطوبة المعتد بها، و غاية ما يدعي في المقام هو لزوم التأثير في الممسوح بوجه ما.

و علي هذا فإنما يلزم الاشكال المذكور لو كان ظاهر النصوص المذكورة هو الاكتفاء بهذا المقدار بدلا عن الغسل.

لكنه ليس كذلك، بل هي ظاهرة في لزوم صدق الماء و البلل علي ما ينتقل إلي الأعضاء، كما ينتقل الدهن بالتمسح، بل هو كالصريح من موثق إسحاق بن عمار. و لا أقل من كونه مقتضي الجمع بين هذه النصوص و صحيحي زرارة المتقدمين الظاهرين في لزوم مس الماء للجسد، و من الظاهر أن ذلك أمر زائد علي المسح، فيمكن حمل الغسل عليه.

نعم، ما في إحدي نسختي صحيح هارون من قوله: «ما بلت يمينك» لا يناسب ذلك.

لكنه- مع عدم ثبوت النسخة في نفسها- لا مجال للبناء علي ظاهرها، لعدم الريب في عدم كفاية ذلك في الاستنجاء، فلا بد من حملها علي ضرب من المجاز و المبالغة، أو طرحها.

و أما الرابع- و هو التخصيص بحال الضرورة- فهو مما تأباه هذه النصوص جدا.

و أما ما في الحدائق حاكيا له عن شيخه المذكور من لزوم حملها علي الضرورة بقرينة بعض النصوص المختصة بها، لدعوي كونها شاهد جمع بين هذه النصوص و أدلة الغسل- بعد فرض استحكام التعارض بينها.

فيندفع: بأن اختصاص بعض النصوص ببعض الأفراد إنما يكون شاهد جمع بين المتعارضين إذا أمكن عرفا تنزيلهما معا عليها، لا في مثل المقام.

مضافا إلي ما تقدم من عدم استحكام التعارض بين نصوص المقام و أدلة الغسل، بل تنزل أدلة الغسل علي نصوص المقام.

ص: 235

______________________________

ثمَّ إن النصوص المختصة بحال الضرورة المدعي دلالتها علي الاكتفاء بما لا يحقق أدني الواجب حال الاختيار هي صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام:

«سألته عن الرجل الجنب أو علي غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا أو صعيدا أيهما أفضل أ يتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: الثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل، فان لم يقدر علي أن يغتسل به فليتيمم» «1» و قريب منه خبره عنه عليه السّلام «2» و صحيحه الآخر عنه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع، أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره، و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء. فقال: إن كانت يده نظيفة. فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثمَّ مسح جلده بيده، فان ذلك يجزيه، و إن كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده علي ذراعيه و رأسه و رجليه.» «3» و خبر معاوية بن شريح أو حسنه: «سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده، فقال: يصيبنا الدمق «4» و الثلج و نريد أن نتوضأ و لا نجد إلا ماء جامدا، فكيف أتوضأ، أدلك به جلدي؟ قال: نعم» «5» و مرسل الكليني: «و روي في رجل كان معه من الماء مقدار كف و حضرت الصلاة قال: فقال: يقسمه أثلاثا: ثلث للوجه، و ثلث لليد اليمني، و ثلث لليسري، و يمسح بالبلة رأسه و رجليه» «6».

مضافا إلي قاعدة الميسور، لأن المسح بالوجه المذكور ميسور بالإضافة إلي الغسل.

و من ثمَّ حكي القول بالاكتفاء بالمسح بنداوة الثلج- و إن لم يحقق أدني الواجب في حال الاختيار- عن جماعة، بل قد يحمل عليه ما تقدم من المقنعة و النهاية و الوسيلة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب التيمم حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب التيمم حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 1.

(4) الدمق محركة ريح و ثلج معربة دمه قاموس.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب التيمم حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 9.

ص: 236

______________________________

لكن صحيح ابن جعفر و خبره ظاهران فيما يتحقق به الواجب الاختياري، و هو بلّ الجسد، و لا بد من حمل الأفضلية فيهما علي الإلزام أو الترخيص من جهة الحرج، بناء علي أنه لا يرفع مشروعية الوضوء.

و خبر معاوية ظاهر في الاكتفاء بذلك الجلد بالثلج في مقابل لزوم إجراء الماء المذاب، و لا إطلاق له من جهة مقدار البلل الحاصل من الدلك، و لا سيما مع غلبة حصول مقدار الواجب- و هو حمل البلل الذي يصدق عليه الماء- به.

كما أن ما تضمنه مرسل الكليني محقق للواجب الاختياري بالتجربة.

و صحيح علي بن جعفر الآخر لا يخلو عن اضطراب في نفسه مانع من الاستدلال به، و قد فصلنا الكلام فيه في مبحث الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

و قاعدة الميسور غير ثابتة في نفسها. مع قصورها عن مثل المقام من موارد التبعيض في سبب الواجب البسيط، لما أشرنا إليه من أن الواجب ليس هو الوضوء و الغسل، بل الطهارة المسببة عنهما.

هذا كله مضافا إلي ما تضمنه غير واحد من الصحاح و غيرها من وجوب التيمم لمن أجنب و معه من الماء ما يكفيه للوضوء «1»، مع وضوح كفاية المقدار المذكور من الماء في تحقيق الغسل الاضطراري بالوجه المذكور.

ثمَّ إنه ربما يدعي وجوب الوضوء أو الغسل الاضطراريين بالوجه المذكور بعد تعذر التيمم، كما هو ظاهر ما تقدم من المقنعة و النهاية و الوسيلة، بل هو صريح المحكي عن العلامة قدّس سرّه في النهاية.

و لا يظهر وجهه، و تمام الكلام في ذلك في مبحث التيمم. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 24 من أبواب التيمم.

ص: 237

مسألة 1 غير مستوي الخلقة يرجع إلي متناسب الخلقة المتعارف

(مسألة 1): غير مستوي الخلقة- لكبر الوجه أو لصغره، أو لطول الأصابع أو لقصرها- يرجع إلي متناسب الخلقة المتعارف (1).

______________________________

(1) كما صرح به في الشرائع و القواعد و غيرهما.

و الظاهر أن مراد الكل هو وجوب غسل تمام ما يغسله متناسب الخلقة من أعضاء الوجه، فلا ينقص منها كبير الوجه أو قصير الإصبعين، و لا يزيد عليها صغير الوجه أو طويل الإصبعين.

و إليه يرجع ما عن بعضهم من أن العبرة بمستوي الخلقة في الحد دون المحدود، و إن كانت بعض عباراتهم توهم رجوعه لهما معا، فمن خرج وجهه عن المتعارف يغسل بقدر ما يغسله متعارف الوجه من المساحة، كما أن من خرجت اصبعاه عن المتعارف يرجع في التحديد إلي الإصبعين المتعارفتين. لكن من البعيد إرادتهم له، لو لم يقطع بعدمها.

و كيف كان فالحكم المذكور مبني علي ما تقدم من أن التحديد بالإصبعين في الصحيح لبيان الحدود الخارجية للوجه العرفي، الذي هو موضوع الحكم و يجب غسل تمامه، و من الظاهر أن الخروج عن المتعارف في الوجه و الإصبعين لا يوجب تبدلا في حدّ الوجه المذكور، فيجب الرجوع معه إلي ما يطابق الحدود المذكورة مع التعارف.

و ما تكرر منا- تبعا لمشايخنا- من عدم صلوح التعارف لتقييد الإطلاق، إنما يتجه مع احتمال إرادة الإطلاق، لا في مثل المقام مما يعلم بعدم إرادته، لاستحالة تحديد الوجه العرفي مع اختلاف مساحته باختلاف الأشخاص بمثل هذا الحد علي الإطلاق، فلا بد من الرجوع للتعارف بالوجه المذكور، لتعينه عرفا بعد تعذر الإطلاق.

نعم، بناء علي أن التحديد وارد لبيان ما يجب غسله و إن لم يطابق الوجه، أو لبيان الوجه الشرعي، لا العرفي، يتجه البناء علي عموم التحديد بما بين الإصبعين بعد ظهوره في أن المدار لكل شخص علي أصابعه، و لا ملزم بالحمل علي

ص: 238

و كذا لو كان أغم قد نبت الشعر علي جبهته أو كان أصلع قد انحسر الشعر عن مقدم رأسه، فإنه يرجع إلي المتعارف (1).

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 239

______________________________

المتعارف، لعدم صلوح التعارف لتقييد الإطلاق بعد إمكان إرادته.

اللهم إلا أن يحمل عليه في خصوص المقام، بقرينة ما تضمنه الصحيح من عدم كون الصدغ من الوجه، الكاشف عن المفروغية عن عدم تجاوز الإصبعين للصدغين، و لا يتم إلا بملاحظة المتعارف. و كذا ما تضمنه صحيح إسماعيل بن مهران «1» من دخول الجبينين في الوجه و انهما منتهي حد عرضه، و ما في بعض النصوص «2» من خروج الأذنين عن الوجه، لأن الجمع بذلك بينها و بين التحديد بما بين الإصبعين أولي عرفا من الجمع بتخصيص مضمون هذه النصوص بما إذا لم ينطبق عليه التحديد بالإصبعين و لو للخروج عن المتعارف.

و لو فرض عدم المرجح لأحد الوجهين كان المرجع في مورد عدم التطابق عموم وجوب غسل الوجه الظاهر في وجوب غسل تمام الوجه بما له من المعني العرفي.

ثمَّ إنه حيث كان المتعارف مختلفا أيضا فلا بد من كون المعيار هو الأقل، و يكون الإطلاق لاشتمال الأكثر عليه، كما تقدم نظيره في اختلاف الشبر المتعارف المعتبر في تحديد الكر.

نعم، سبق أنه يلزم الاحتياط بجعل الحد أكثر الأمرين مما بين الإصبعين و ما بين الجبينين، فلا مجال للاكتفاء بالمتعارف الذي لا يصل إلي الجبينين.

(1) أما في الأنزع فلنظير ما سبق، لعدم الإشكال في بقاء موضع الانحسار في الرأس و عدم دخوله في الوجه عرفا.

بل لا يبعد عدم صدق القصاص علي منتهي انحسار الشعر من الرأس في

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الوضوء حديث: 2 قد تقدم عند الكلام في حد الوجه ص: 150.

(2) راجع الوسائل باب: 18 من أبواب الوضوء. و قد تقدمت هذه النصوص في شرح قول الماتن قدّس سرّه:

«و الخارج عن ذلك ليس من الوجه» فراجع ص 212.

ص: 239

مسألة 2) الشعر النابت فيما دخل في حد الوجه يجب غسل ظاهره

(مسألة 2): الشعر النابت فيما دخل في حد الوجه يجب غسل ظاهره (1)،

______________________________

الأصلع، فيخرج عن موضوع التحديد بالقصاص- لو غض النظر عن حمله علي المتعارف- و يتعين الرجوع لما دل علي الاقتصار علي غسل الوجه، المحمول بمقتضي الإطلاق المقامي علي غسل الوجه العرفي.

و أما في الأغم فقد استشكل في الجواهر في صدق الوجه علي موضع الشعر، و من ثمَّ تمسك بانصراف التحديد المتعارف.

لكن الانصراف للمتعارف بدوي لا يعتد به، و إنما كان هو المعيار فيما سبق بقرينة ظهور التحديد في كونه لبيان الوجه العرفي الذي لا يختلف باختلاف الحد، كما سبق، فإذا فرض اختلافه في المقام تبعا لاختلاف الحد تعين العمل بإطلاق الحد، كيف و لا إشكال في عدم وجوب غسل أمر زائد علي الوجه.

فالعمدة في المقام: أن الظاهر صدق الوجه علي موضع الشعر النازل، لعدم الإشكال في عدم صدق الرأس عليه، و لا واسطة بينهما. و لا أقل من الشك الموجب للاحتياط، لما سبق من أن الشك في المحصل.

(1) كما صرح به غير واحد، بل استظهر في الجواهر أن يكون وجوب غسل ما دخل في الحد من اللحية إجماعيا، و نسبه للدروس، و هو ظاهر الناصريات و الخلاف. و يقتضيه ما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام بعد تحديد الوجه بما تقدم: «قلت له: أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد [علي العباد. الفقيه] أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء» «1»، إذ بعد التصريح فيه بعدم وجوب غسل ما يستره الشعر لا بد من إرجاع الضمير في قوله عليه السّلام: «يجري عليه» إلي الشعر، أو إلي المستور به بإرادة إجراء الماء عليه من وراء الشعر.

______________________________

(1) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 240

و لا يجب البحث عن الشعر المستور، فضلا عن البشرة المستورة (1).

______________________________

و قد يستدل عليه أيضا بالوضوءات البيانية. و لا يخلو عن إشكال، لإمكان كون غسله تبعيا لا لوجوبه.

كما قد يستدل عليه بدخوله في الوجه عرفا و لو تبعا. و هو قد يتم في مثل شعر الحاجبين، أما اللحية فدخولها عرفا لا يخلو عن إشكال، لأنها طارئة، و من شأنها الاسترسال و الخروج عن حد الوجه، حيث يصعب الجزم ببناء العرف علي التفكيك في صدق الوجه عليهما بين ما حاذي الذقن و ما نزل عنه، مع عدم الإشكال في خروج المسترسل، النازل عن الذقن منها.

(1) كما هو المصرح به في كلامهم، بل في الناصريات و الخلاف دعوي الإجماع عليه. و يستفاد مما ذكروه من عدم وجوب تخليل اللحية، الذي صرح في جامع المقاصد و عن غيره بعدم الخلاف فيه، و عن التذكرة أنه مذهب علمائنا.

و يقتضيه صحيح زرارة المتقدم، و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن الرجل يتوضأ أ يبطن لحيته؟ قال: لا» «1».

مضافا إلي بعض نصوص الوضوءات البيانية «2» المشتملة علي مسح الوجه حين غسله من دون تكرار المستلزم لعدم غسل ما تحت الشعر، و إن كان الماء قد يصل إلي بعضه. و ما في قصة علي بن يقطين «3»، حيث أمره الإمام عليه السّلام أولا بتخليل اللحية تقية، و أهمله بعد ارتفاع الخوف عنه.

و أما ما في المنتهي من الاستدلال بخبر زرارة أو حسنه عن أبي جعفر عليه السّلام:

«قال: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، إنما عليك أن تغسل ما ظهر» «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.

(3) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 6.

ص: 241

______________________________

فلا يخلو عن إشكال، لقرب كون المراد بما ظهر البشرة الظاهرة و إن كانت مستورة بالشعر في مقابل باطن الجسد، كباطن الأنف و الفم و الإحليل، و لذا يجب غسل المستور بالشعر في الغسل و التطهير من النجاسة، و لا يجري حكم الباطن عليه في ذلك.

هذا، و مقتضي إطلاق جماعة كثيرة و تصريح آخرين- كالفاضلين في المعتبر و المنتهي و الكركي و عن الشهيد في الذكري- عدم الفرق بين الخفيف و الكثيف، و هو المنسوب للمشهور في كلام جماعة، بل مقتضي إطلاق معقد إجماع الخلاف.

و صرح غير واحد بوجوب تخليل الخفيف و غسل ما تحته كالعلامة في القواعد و التذكرة و الشهيد في اللمعة، و هو المحكي عن ابني أبي عقيل و الجنيد و المقداد و غيرهم، و يقتضيه ما في الناصريات من التقييد بالكثيف.

و قد وقع الكلام تبعا لذلك في تحديد الخفيف و الكثيف. لكن حيث لم يكن في الأدلة أثر للعنوانين المذكورين فلا وجه لاطالة الكلام فيهما، بل ليس المناط إلا ما تضمنته الأدلة من إحاطة الشعر و تخليل اللحية، و يستكشف المعيار العملي لذلك من الوضوءات البيانية التي تضمنتها النصوص، فان المستفاد منها الاكتفاء بمسح اليد علي تمام الوجه من دون تكرار بعد إسدال الماء عليه من دون تعميق و تخليل، فان كان يستلزم غسل الشعر و ما تحته فهو، و إلا فلا يجب ما زاد عليه مما يستلزم ذلك.

نعم، لو كان وضع الشعر بنحو غير متعارف، كما لو طال الشارب في جانبي الوجه و فتل حتي ستر قسما من الخد أشكل سقوط غسل البشرة المستورة، لخروجه عن المتيقن من جميع الأدلة المتقدمة.

و كذا لو كان عدم وصول الماء بالمسح مع خفة الشعر لقلة الماء، إما لعدم الصب و الاكتفاء بالمسح باليد الحاملة للماء، أو لقلة المصبوب جدا.

كما لا إشكال في وجوب غسل البشرة الظاهرة التي لا ينبت عليها الشعر كاللمعة، و إن كان المسح المسترسل لا يكفي في وصول الماء إليها، لكثافة الشعر

ص: 242

نعم، ما لا يحتاج غسله إلي بحث و طلب (1) يجب غسله (2).

______________________________

النابت حولها و إن لم يسترها، عملا بعموم دليل وجوب غسل الوجه بعد قصور الأدلة المتقدمة عنه.

(1) تقدم أن المعيار العملي في ذلك علي ما يستفاد من الوضوءات البيانية.

(2) أما وجوب غسل البشرة فلعموم وجوب غسل الوجه.

و دعوي: عدم صدق الوجه علي المستور بالشعر، لأن الوجه مأخوذ من المواجهة.

مدفوعة: بأن أخذ الوجه من المواجهة إنما هو بمعني كونها منشأ للتسمية، من دون أن يدور الاسم مدار فعليتها، فإنه جامد لا مشتق.

و أما الشعر فوجوب غسله يبتني علي دخوله في الوجه حقيقة، أو تبعا، أو علي الإجماع المدعي في جامع المقاصد في الفرع السابع من فروع مبحث الغسل، و لا أقل من قاعدة الاشتغال التي عرفت جريانها في أمثال المقام، و التي يكفي فيها الشك.

لكن الظاهر خروجه عن حقيقة الوجه، بل هو من سنخ النابت فيه، و لا يراد بالوجه عرفا إلا البشرة، كما يناسبه السؤال في الصحيح عما أحاط به الشعر من دون سؤال عن نفس الشعر.

و أما الدخول في الوجه تبعا فهو غير ظاهر أيضا. و مجرد التبعية خارجا لا يكفي في التبعية حكما.

و أما الإجماع فهو غير ثابت بنحو معتد به.

و قاعدة الاشتغال مورودة للإطلاقات الحاكمة بكفاية غسل الأعضاء التي عرفت خروج الشعر عن حقيقتها.

ثمَّ إنه لو تمَّ شي ء مما تقدم فغاية ما يلزم مسح الشعر تبعا للوجه، و إلا فالوضوءات البيانية تقتضي عدم وجوب تخليله بنحو يحصل العلم باستيعاب الماء له. فتأمل.

ص: 243

و كذا الشعر الرقيق النابت في البشرة يغسل مع البشرة (1). و مثله الشعرات الغليظة التي لا تستر البشرة (2) علي الأحوط وجوبا.

مسألة 3 لا يجب غسل باطن العين

(مسألة 3): لا يجب غسل باطن العين. (3)

______________________________

(1) الكلام فيه كما في سابقة.

و إلحاقه بالوجه عرفا غير ظاهر إلا بمعني غفلتهم عن وجوده، لعدم تميزه و استقلاله بالوجود، لا بمعني حكمهم بجزئيته بنحو لا يتحقق غسل تمام الوجه إلا بغسلة.

(2) يجري فيها الكلام السابق أيضا.

(3) العمدة فيه صدق غسل الوجه بدونه، فيكون مقتضي الإطلاق عدم الحاجة له، و لا سيما مع تعارف تغميض العين عند الغسل، بنحو يحتاج إرادة غسله إلي تنبيه و عناية، و لو نبّه عليه لم يخف، لعموم الابتلاء، بل لا ينبغي التأمل فيه بعد النظر في الوضوءات البيانية المتضمنة لغسل مقدم الوجه بإسدال الماء و إمرار اليد من دون تعميق و عناية.

و أما الاستدلال عليه بما تضمن عدم غسل الجوف و ما ليس بظاهر فلا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح خروجه عن الظاهر بعد تعارف ظهوره بسبب تعارف فتح العين، كما أن الظاهر عدم صدق الجوف عليه.

نعم، في النبوي: «افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا تري نار جهنم» «1».

لكنه- مع ضعف سنده- ظاهر في الاستحباب.

علي أنه صرح في الخلاف بعدم الاستحباب محتجا بعدم الدليل و بإجماع الفرقة، خلافا لما عن ابن عمر و أصحاب الشافعي، و من هنا يمكن الاستدلال عليه بسيرة المتشرعة، لما هو المعلوم من حالهم من عدم بنائهم علي العناية المذكورة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 53 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 244

و الفم و الأنف (1)

______________________________

(1) بل كل باطن لا يحسب من البشرة الظاهرة.

و الظاهر الاتفاق عليه و إن لم يصرحوا به علي الوجه المذكور، كما يظهر مما ذكره في استحباب المضمضة و الاستنشاق.

و يقتضيه خبر زرارة المتقدم، و صحيح أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس عليك مضمضة و استنشاق، لأنهما من الجوف» «1» و نحوه المرسل عن أبي بصير «2»، و في خبره: «ليس هما من الوضوء، هما من الجوف» «3».

مضافا إلي ما يظهر من بعض نصوص الوضوءات البيانية من الاكتفاء بإمرار اليد من دون تعميق يقتضي مسح هذه البواطن، لاحتياجه إلي عناية تستلزم التنبيه.

نعم، أخبار الوضوءات البيانية لا تنهض بإثبات عدم وجوب غسل البواطن الحادثة بجرح و نحوه، لعدم تعارفها. و كذا روايات الحضرمي و أبي بصير، لعدم صدق الجوف عليها.

فالعمدة في إطلاق عدم وجوب غسل الباطن بالمعني المقابل للظاهر من هذه النصوص خبر زرارة، الذي لا يخلو سنده عن اعتبار، إذ ليس فيه إلا القاسم بن عروة، حيث لم ينص أحد علي توثيقه، إلا أن رواية غير واحد من الأجلاء عنه- كابن أبي عمير، و الحسين بن سعيد و العباس بن معروف و ابن فضال و البزنطي و حماد و ابن شاذان- مع كثرة رواياته و اشتهارها موجب للوثوق به. و من ثمَّ حكي عن العلامة و البهائي تصحيح بعض الروايات التي هو في طريقها.

علي أنه يكفي في الإطلاقات المذكور صدق غسل الأعضاء التي يجب غسلها- كالوجه في المقام- بغسل الظاهر وحده، حيث يكون مقتضي إطلاق دليل شرح الطهارة عدم وجوب غسله، و به يخرج عن قاعدة الاشتغال.

______________________________

(1) الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 9.

ص: 245

و مطبق الشفتين و العينين (1).

مسألة 4 الشعر النابت في الخارج عن الحد إذا تدلي علي ما دخل في الحد لا يجب غسله

(مسألة 4): الشعر النابت في الخارج عن الحد إذا تدلي علي ما دخل في الحد لا يجب غسله (2)، و كذا المقدار الخارج عن الحد، و إن كان نابتا في داخل الحد، كمسترسل اللحية (3).

______________________________

(1) لأن غسلهما محتاج إلي عناية لا يناسبها ما في غير واحد من نصوص الوضوءات البيانية من غسل مقدم الوجه بإسدال الماء علي الجبهة، كما لا يناسبها النظر في حال السيرة.

مضافا إلي صدق غسل الوجه عرفا بدون غسلهما. بل لا يبعد وفاء خبر زرارة بمطبق الشفتين، لعدم كونه من الظاهر.

هذا، و قد حكم في العروة الوثقي بوجوب غسل شي ء من الباطن من باب المقدمة.

و الظاهر أنه يكفي المسح بالنحو المتعارف المستفاد من نصوص الوضوءات البيانية.

(2) لأن تدليه لا يوجب دخوله في الوجه عرفا، و لا يوجب صدق كون ما تحته مما أحاط به الشعر حتي يجب إجراء الماء عليه بدلا عنه.

(3) و هو ما خرج عن محاذاة الذقن منها، حيث صرحوا بعدم وجوب غسله، بل ظاهر جامع المقاصد و صريح كشف اللثام و المدارك الإجماع عليه منا.

بل في الخلاف أن عدم وجوب الغسل إجماعي من المسلمين، و أن الخلاف إنما هو في إفاضة الماء عليها، مع الإجماع منا علي عدم وجوبه أيضا.

و يقتضيه- مضافا إلي خروجه عن الوجه عرفا- التنصيص في صحيح زرارة علي أن حد الوجه من الأسفل الذقن.

نعم، في صحيح زرارة الحاكي لوضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله: «و سدله علي أطراف لحيته». «1».

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 246

مسألة 5 إذا بقي مما في الحد شي ء لم يغسل و لو بمقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء

(مسألة 5): إذا بقي مما في الحد شي ء لم يغسل و لو بمقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء (1)، فيجب أن يلاحظ آماق (2) و أطراف عينيه لا يكون عليها شي ء من القيح أو الكحل المانع (3).

______________________________

لكنه قد يكون ناشئا عن طبع الماء، لا لوجوبه، بل و لا استحبابه. و منه يظهر الاشكال فيما عن الذكري و الدروس من الاستدلال به علي الاستحباب، بعد حكايته عن ابن الجنيد.

(1) سواء كان عن عمد أم سهو، كما هو مقتضي القاعدة في المركبات الارتباطية. و يشهد به في خصوص المقام ما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام الوارد في الشك في الوضوء بعد الفراغ: «و إن تيقنت أنك لم تتم وضوءك فأعد علي ما تركت يقينا حتي تأتي علي الوضوء» «1» و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ان ذكرت و أنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فأتم الذي نسيته من ضوئك و أعد صلاتك.» «2» و خبر سهل: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يبقي من وجهه موضع لم يصبه الماء، فقال:

يجزيه أن يبله من بعض جسده» «3».

(2) جمع: مأق، و هو طرف العين من جانب الأنف، الذي هو مجري الدمع منها، أو مقدمها أو مؤخرها. كذا في القاموس. و ذكر أن مفرده يأتي بصيغ كثيرة لا يهم ذكرها.

(3) أما مجرد الكحل الموجب للّون فلا يمنع من استيلاء الماء، و إن أمكنت إزالته بمسح و نحوه. كما قد يشهد به ما دل علي جواز إبقاء أثر الطيب و نحوه في البدن بعد الغسل «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 43 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(4) راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة.

ص: 247

و كذا يلاحظ حاجبه (1) لا يكون عليه شي ء من الوسخ، و أن لا يكون علي حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع.

مسألة 6 إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله

(مسألة 6): إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله أو وصول (2) الماء إلي البشرة (3).

______________________________

(1) سواء كان علي البشرة أم علي الشعر، بناء علي وجوب غسل الشعر مطلقا أو خصوص شعر الحاجب.

نعم، لو كان الشعر محيطا بالبشرة، بحيث لا يصل الماء إليها بإجرائه لم يضر وجود الحاجب عليها، بل لا بد من وصول الماء للشعر لا غير.

(2) كذا عبر في العروة الوثقي أيضا. إلا أن من الظاهر أن المهم هو اليقين بوصول الماء إلي البشرة، و لا أهمية لليقين بزوال مشكوك الحاجبية إلا لملازمته له، فهو في طوله، لا في عرضه بنحو يكونان طرفي التخيير.

(3) كما هو مقتضي ما عن الذكري من وجوب تحريك الخاتم و السوار و الدملج أو نزعها إذا لم يعلم جري الماء تحتها. لقاعدة الاشتغال الجارية في موارد الشك في الامتثال.

و أصالة عدم مانعية الشي ء، أو عدم وجود المانع لا تنفع إلا بناء علي الأصل المثبت، لأن الأثر ليس إلا لوصول الماء للبشرة اللازم للعدمين المذكورين.

و أما ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من أن استصحاب عدم مانعية الموجود مبني علي جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية، و لو جري لم يبعد الاجتزاء به و خروجه عن الأصل المثبت، إذ لا يبعد أن يكون عدم مانعيته عين وصول الماء إلي البشرة، لا أمرا آخر ملازما له.

فهو كما تري! إذ مانعية الشي ء من وصول الماء ليست من لوازم وجوده، بل من الطوارئ اللاحقة له بعد إصابته للبشرة، فلا يبتني استصحابها علي استصحاب العدم الأزلي كما أن التباين بين عدم المانعية و وصول الماء للبشرة أظهر من أن يخفي علي مثله قدّس سرّه.

ص: 248

______________________________

بل كيف يجتمع ما ذكره مع ما هو المعلوم من عدم ابتناء استصحاب عدم وصول الماء إلي البشرة علي استصحاب العدم الأزلي.

و مثله في الاشكال تفريقه بين الأصل المذكور و أصالة عدم وجود المانع بعدم حجية الثاني أولا: لأنه لا يحرز وصول الماء للبشرة إلا بالملازمة، و ثانيا: لأنه لا يحرز عدم مانعية الموجود إلا كذلك.

إذ لا وجه للجمع بين الوجهين بعد فرض اتحاد الملزومين.

مع الإشكال في الأول بعدم وضوح الفرق فيه بين الأصلين، و في الثاني بعدم كون موضوع الأثر حاجبية الموجود حتي يهم عدم إحرازه.

و قد يستدل علي ما ذكرنا بصحيح الحسين بن أبي العلاء: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخاتم إذا اغتسلت، قال: حوله عن مكانه، و قال في الوضوء: تدره، فان نسيت حتي تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» «1»، فإن من القريب كون الأمر بالتحويل و الإدارة طريقي لإحراز وصول الماء، لا مقدمي لفرض توقف وصول الماء عليه، فانّ فرض العلم بعدم وصول الماء معه بعيد في نفسه، فإرادته محتاجة إلي عناية، فيبعد حمل الكلام عليها، و الغالب هو حصول الاحتمال.

و أبعد منه احتمال كون ذلك شرطا في الوضوء زائدا علي وصول الماء، أو مطلوبا نفسيا حينه، كما يناسبه استدلال بعضهم بالصحيح علي استحباب تحريك الخاتم مع سعته.

هذا، و في صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا، كيف تصنع؟

قال: تحركه حتي يدخل الماء تحته أو تنزعه. و عن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف تصنع؟ قال: إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ» «2». و ظاهر ذيله عدم وجوب الاحتياط، علي خلاف ما في المصدر المطابق لما عرفت من القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 249

______________________________

و قد ذكر في الجواهر أن الصدر مقدم علي الذيل، لأن دلالته بالمنطوق، و لأنه أخص، لاختصاصه بصورة الشك، و شمول المفهوم في الذيل له و لصورة العلم بعدم المانعية من جريان الماء.

و فيه: أن اختصاص السؤال في الذيل بالشك موجب لقوة ظهوره في المفهوم و صعوبة تقييده بصورة العلم بعدم المانعية، لاستلزامه لغوية التقييد بالشرط، و إخراج المورد، فلا يكون الجمع المذكور عرفيا.

و مثله ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من الجمع بينهما بحمل الذيل علي إرادة العلم بعدم كون الخاتم بحيث يدخل الماء تحته دائما، فالنفي و إن سلط لفظا علي الدخول، إلا أنه راجع إلي استمرار الدخول المستفاد من الكلام.

و كأنه أراد بدخوله دائما سهولة دخوله و اطراده، فالعلم بعدمه لا ينافي احتمال الدخول الذي هو مورد السؤال و محل الكلام.

بل قرّب قدّس سرّه ظهور الكلام في ذلك بنفسه مع قطع النظر عن مقام الجمع، لئلا يلزم إيكال بيان حكم مورد السؤال إلي المفهوم المفاد تبعا و عدم التصدي لبيانه في المنطوق، الذي هو خلاف الظاهر.

و بالجملة: المعني المذكور هو الظاهر في نفسه من الكلام، فيغني عن الجمع بحمل الصدر علي الاستحباب.

وجه الاشكال فيه: أن ارادة الشك الذي هو مورد السؤال بمثل هذه العبارة بعيد جدا، بل مستهجن لا ينبغي حمل كلام الامام عليه السّلام عليه. مع أن مقتضاه عدم وجوب الاحتياط لو شك في حال الخاتم، و أنه مما يدخل الماء تحته دائما أو لا، و هو لا يناسب الصدر أيضا.

و التصدي لبيان حكم مورد السؤال بالمفهوم دون المنطوق و إن لم يخل عن شي ء، إلا أنه أهون بكثير من الحمل المذكور.

نعم، الجمع بحمل الصدر علي الاستحباب بعيد أيضا، لصعوبة التفكيك في الكلام الواحد بحمل بعضه علي الوجوب و بعضه علي الاستحباب مع وحدة السياق.

ص: 250

______________________________

و لعله لذا ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن الجمع العرفي بينهما بعيد، فيلحقه حكم المجمل، و يرجع إلي القاعدة المتقدمة.

لكنه مبني علي أن يكون المجموع كلاما واحدا، حيث يكون تنافي مضامينه موجبا لإجماله.

و هو غير ظاهر، لما أشرنا إليه في بعض المواضع المتقدمة من أن الفصل بين الكلامين بمثل: «و عن» ظاهر في تعدد السؤال و الكلام، كما قد يؤيده رواية الشيخ قدّس سرّه للذيل وحده بطريق مستقل، و روايته في قرب الاسناد بتقديم الذيل علي الصدر مع الفصل بينهما بقوله: «و سألته» مضافا إلي بعد اختصاص الخاتم باحتمال يقتضي تخصيصه بالسؤال بعد السؤال عن السوار و الدملج.

و عليه يلحقه حكم الروايتين المتعارضتين، حيث قد يتجه الجمع بينهما بحمل الصدر علي الاستحباب.

و ربما يبتني عليه ما في المعتبر و القواعد و المنتهي و المدارك و محكي المبسوط و غيرها من وجوب التحريك و النزع مع المنع من وصول الماء و الاستحباب بدونه، مع تعليل الاستحباب في غير واحد منها بالاستظهار، فان الاستظهار فرع الاحتمال، فيحمل حكمهم بالوجوب مع المنع علي العلم بالمنع، بل في الشرائع: «و من كان في يده خاتم أو سير فعليه إيصال الماء إلي ما تحته، و إن كان واسعا استحب له تحريكه»، مع وضوح أن سعته لا تستلزم العلم باستيلاء الماء علي تمام ما تحته من دون تحريك، فما ذكروه لا يلائم القاعدة المتقدمة. قال الوحيد في حاشية المدارك: «إن لم يحصل العلم بالوصول فلا بد من التحريك أو النزع، تحصيلا للعلم بالامتثال و البراءة اليقينية. و إن حصل العلم فكيف يتأتي الاستظهار.».

لكن الإنصاف أن احتمال تعدد الكلام و إن كان قريبا، إلا أن في بلوغه حد الحجية بنحو يرفع الاجمال إشكالا. كالإشكال في كون الجمع المذكور عرفيا، لأن سبب التنافي بينهما صعوبة التفكيك عرفا بين موضوعي الحكمين، لا تنافي الحكمين نفسهما، مع وحدة موضوعهما كي يتجه الجمع المذكور.

ص: 251

و أطراف عينيه لا يكون عليها شي ء من القيح أو الكحل المانع (1).

______________________________

و كذا الإشكال في استفادة ذلك من الأصحاب، فإن إرادتهم لمثل هذا الأمر المخالف للقواعد بمثل هذا البيان بعيد جدا، و الالتزام بإجمال تعليلهم للاستحباب أو تأويله بما أشار إليه الفقيه الهمداني قدّس سرّه من أن الاستظهار حكمة لا علة أهون.

و عليه إن أمكن العمل بالذيل في مورده- و هو الخاتم- فهو المتعين، و إلا تعين التوقف عن الحديث المذكور، و العمل بما تقدم من القاعدة في الجميع.

و هو الأظهر، لصعوبة التفكيك عرفا بين الخاتم و غيره. و لا سيما مع ما أشار إليه شيخنا الأعظم قدّس سرّه من استبعاد إيكال بيان مورد السؤال إلي المفهوم و إهماله في المنطوق، فان هذا مما يثير احتمال التصحيف في الذيل و أن النفي في الواقع مسلط علي العلم لا علي الدخول.

و من جميع ما تقدم يظهر الاشكال فيما عن الذكري من الاستدلال علي ما تقدم منه من وجوب الاحتياط في الخاتم و السوار و الدملج بقوله: «لصحيح علي بن جعفر عن أخيه الكاظم قدّس سرّه في الثلاثة، و حكم غيرها حكمها».

(1) عملا بالقاعدة المتقدمة.

لكن حكي شيخنا الأعظم قدّس سرّه عن بعضهم دعوي الإجماع علي عدم وجوب الفحص، و عن آخر دعوي استقرار السيرة عليه، و أنكر الأمرين. قال قدّس سرّه:

و أما الإجماع فالحدس القطعي بتحققه غير حاصل، لعدم تعرض جل الأصحاب لهذا الفرع بالخصوص. و أشكل منه دعوي استقرار السيرة. إذا الغالب عدم التفات الناس إلي احتمال وجود الحاجب أو اطمئنانهم بعدمه علي وجه لا يعبأون بمجرد إمكان وجوده.

مع أن دعوي الإجماع و السيرة في بعض أفراد هذا الشك- مثل الشك في وجود قلنسوة علي الرأس أو جورب في الرجل أو وجود لباس آخر علي البدن أغلط من ذلك- مجازفة. و الفرق بين كون الحاجب المشكوك في وجوده رقيقا أو غليظا اقتراح. و الحوالة علي موارد السيرة فرار عن المطلب».

ص: 252

______________________________

و ما ذكره قدّس سرّه متين جدا.

و ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه من أن غفلتهم مسببة عن عدم اعتنائهم بالاحتمال، تحكم.

و كذا ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن عدم السيرة في مثل الشك في وجود القلنسوة لعدم الشك أو ندرته، لا للاعتناء بالشك، كي يشكل الفرق بينه و بين غيره.

إذ فيه: أنه بعد فرض عدم الشك أو ندرته كيف تحرز السيرة الارتكازية من المتشرعة بما هم متشرعة علي عدم الاعتناء بالاحتمال لو فرض تحققه. بل الاعتناء منهم هو الظاهر لو لم يكن مقطوعا به. و لا سيما مع وجود منشأ مهم معتد به للاحتمال.

و منه يظهر حال ما في الجواهر من الإصرار علي السيرة بلحاظ ما تعارف من عدم اختبار البدن عند الوضوء و الغسل، مع قيام الاحتمال غالبا، لمكان قذي البراغيث و القمل و نحوهما.

لاندفاعه: بالغفلة عن ذلك، لقلة الابتلاء بلصوق مثل ذلك، بل هو ينفصل غالبا بحركة البدن و نزع الثياب و نحوهما، و لا سيما مع غلبة كون الغسل بإمرار الماء بالمسح باليد الموجب لزوال مثل هذه الموانع لو فرض لصوقها، و لا يتهيأ لنا الجزم بالسيرة من غير أهل التسامح علي عدم الاختبار لو فرض الالتفات و احتمال لصوق مثل ذلك بنحو لا يكفي في زواله ما ذكرنا، مع كون الاحتمال عقلائيا، لا من سنخ الوسواس.

و أما الاستدلال بأصالة عدم المانع، إما لدعوي كونه أصلا عقلائيا ثبت إمضاؤه شرعا، كأصالة عدم القرينة، أو لكونه من صغريات الاستصحاب الشرعي لما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من خفاء الواسطة في بعض الموارد.

فهو غير ظاهر، لعدم وضوح بناء العقلاء علي الأصل المذكور في مقام التعذير و التنجيز، و لا محرز للإمضاء إلا السيرة التي عرفت حالها. فتأمل. و لعدم تمامية خفاء الواسطة صغرويا و لا كبرويا.

مع أنه لو تمَّ اقتضي عدم وجوب الاحتياط مع الشك في حاجبية الموجود،

ص: 253

علي الأحوط وجوبا، إلا مع الظن بعدمه (1).

مسألة 7 الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها

(مسألة 7): الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها (2)،

______________________________

بل تمامية قاعدة المقتضي و المانع، و لم يلتزم بذلك.

علي أنه لا ضابط للموارد التي قصدها، بل لا يتضح الوجه في الفرق بين الموارد.

و مثله الاستدلال بقاعدة المقتضي، لما أشرنا إليه غير مرة من عدم ثبوتها، فلا مجال للخروج عما عرفت من القاعدة.

(1) لما ذكره قدّس سرّه من أنه المتيقن من السيرة التي تقدم الإشكال في أصل ثبوتها.

و منه يظهر الإشكال في الاكتفاء بالاطمئنان، كما صرح به في العروة الوثقي و غيرها. إلا أن يرجع إلي حجية الاطمئنان بنفسه. و هو لا يخلو عن إشكال، كما أشرنا إليه في أواخر الكلام في طرق ثبوت العدالة.

هذا، و قد حكم السيد الأصفهاني قدّس سرّه في حاشيته علي العروة الوثقي بعدم وجوب الفحص إذا لم يكن للاحتمال منشأ عقلائي.

فإن أراد ما إذا كان الاحتمال من سنخ الوسواس و الاقتراح الخارج عن المتعارف، و الذي يصح عرفا أن ينسب للشيطان، فهو في محله، لعدم الاعتداد بذلك في كل شي ء، و لا يتحقق معه موضوع قاعدة الاشتغال. و لعله هو الذي أشار إليه شيخنا الأعظم قدّس سرّه في كلامه السابق عند ذكر الاطمئنان.

و إن أراد أمرا آخر فالدليل عليه غير ظاهر.

(2) لما تقدم من عدم وجوب غسل الباطن. و مثلها في ذلك ثقبة القرط في الأذنين.

لكن صدق الباطن في الموردين موقوف علي كونها بحيث لو خليت

ص: 254

بل يكفي غسل ظاهرها، سواء أ كانت فيها الحلقة أم لا (1).

الثاني: غسل اليدين
اشارة

الثاني: يجب غسل اليدين (2) من المرفقين إلي أطراف

______________________________

و نفسها لانضمت أطرافها و لم تظهر للناظر. بل لا يبعد توقفه مع ذلك علي قوة تماسكها بحيث يحتاج انفراجها و إيصال الماء إليها إلي عناية، و إلا كانت كعنكة البطن محسوبة من الظاهر.

و لا أقل من الشك الملزم بالاحتياط، حيث أنه المرجع في جميع موارد الشك في كون الشي ء من الظاهر بنحو الشبهة المفهومية، بل المصداقية إذا لم يكن مسبوقا بكونه من الباطن. فتأمل جيدا.

(1) لأن انفراجها بالحلقة لا يدخلها في الظاهر، كانفراج اللحم بغرز إبرة أو نحوها فيه.

فرع:

الظاهر أنه لا يتعين غسل الوجه باليمني، بل يجوز باليسري وحدها أو معها كما في المستند و عن النفلية و الفوائد الملية، بل في مفتاح الكرامة أنه ظاهر الأصحاب لإطلاق الكتاب و كثير من النصوص.

و ما في بعض نصوص الوضوءات البيانية لا يصلح للاستحباب، فضلا عن الوجوب، لينهض بالتقييد، و لا سيما أنّ في صحيح بكير و زرارة أو موثقهما: «ثمَّ غمس كفه اليمني في التور، فغسل وجهه بها، و استعان بيده اليسري بكفه علي غسل وجهه.» «1». و لذا يأتي في المسألة الثالثة عشرة جواز الوضوء بالارتماس.

و منه يظهر ضعف ما في المراسم من أن غسل الوجه بيد واحدة و هي اليمني.

(2) بالإجماع، كما في المنتهي، و بإجماع المسلمين، كما في المعتبر، بل

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 11.

ص: 255

الأصابع (1). و يجب الابتداء بالمرفقين (2)

______________________________

لعله من ضروريات الدين. و يقتضيه الكتاب المجيد و السنة المتواترة.

(1) كما هو مقتضي التحديد بالمرفقين في الكتاب المجيد و بعض النصوص البيانية و غيرها. و يأتي منه قدّس سرّه دخول المرفق في المغسول.

(2) مما تقدم في الوجه يظهر أن وجوب الابتداء من المرفق هنا أشهر قائلا من وجوب الابتداء بالأعلي هناك، فقد صرح غير واحد بعدم رد الشعر هنا و لم يتعرض له هناك، بل حكي عن ابن سعيد و المرتضي في أحد قوليه وجوب البدء بالمرفقين مع تصريحهما بعدم وجوب البدء بالأعلي في الوجه، بل يظهر من التبيان دعوي الإجماع علي وجوب الغسل من المرفقين، و هو المحكي عن بعض حواشي الألفية، و ان حكي عنهما دعواه هناك أيضا كما تقدم.

لكن تقدم أنه لا مجال لدعواه هناك. كما لا مجال لدعواه هنا أيضا بعد ظهور المخالف فيه، فقد قال في المبسوط: «و يكون الابتداء من المرافق إلي رؤوس الأصابع، و لا يستقبل الشعر، فان خالف و غسل إليها فالظاهر أنه لا يجزيه، و في أصحابنا من قال: يجزيه، لأنه غاسل»، و جعل في المعتبر المسألة ذات قولين، و هو صريح المرتضي في الناصريات و الانتصار و حكاه في الثاني عن كتاب مسائل الخلاف و الموصليات له، كما حكي عن المصباح له أيضا، و عن السرائر و هو ظاهر اشارة السبق، لأنه جعل ترك كسر الشعر في غسل الذراعين من السنن، و في الحدائق أنه مال إليه جمع من المتأخرين و متأخريهم.

و كيف كان، فقد يستدل عليه هنا.

تارة: بنصوص الوضوءات البيانية التي بعضها هنا أظهر، ففي صحيح زرارة و بكير: «فأفرغ علي ذراعه اليمني، فغسل بها ذراعه من المرفق إلي الكف لا يردها إلي المرفق» «1» و قد روي بطريق آخر «2» بألفاظ أخري تقرب من ذلك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 11.

ص: 256

______________________________

و اخري: ببعض النصوص الآمرة به، ففي مرسل العياشي عن صفوان عن الرضا عليه السّلام: «قلت: فإنه قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ فكيف الغسل؟ قال:

هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمني فيصبه في اليسري ثمَّ يفيضه علي المرفق ثمَّ يمسح إلي الكف. قلت: يرد الشعر؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل، و إلا فلا» «1».

و بملاحظة صدره يظهر أنه لا مجال لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من المناقشة في ذيله باحتماله رفع الوجوب الثابت حال التقية.

و في خبر الإرشاد في قضية علي بن يقطين بعد أمر الكاظم عليه السّلام له بالغسل إلي المرفقين ثلاثا للتقية كان فيما كتب عليه السّلام له بعد ذهاب الخوف عنه: «و اغسل يديك من المرفقين» «2» و فيما عن كشف الغمة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «فعلمه جبرئيل الوضوء علي الوجه و اليدين من المرفق» «3».

و ثالثة: بخبر الهيثم بن عروة التميمي- الذي هو معتبر سندا، بناء علي ما تقدم في مطهرية المضاف من الحدث من اعتبار سهل بن زياد-: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ فقلت:

هكذا؟ و مسحت من ظهر كفي إلي المرفق، فقال: ليس هكذا تنزيلها، إنما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من [إلي. خ. ئل] الْمَرٰافِقِ، ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلي أصابعه» «4» و نحوه في بيان تنزيل الآية عن الباقر عليه السّلام ما حكي عن كتاب الاستغاثة «5».

و يشكل الأول بعدم ظهور الوضوءات البيانية في الوجوب، علي ما تقدم في غسل الوجه.

و الثاني بضعف النصوص المذكورة.

______________________________

(1) تفسير العياشي ج: 1 ص: 3 تفسير سورة المائدة حديث: 54.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 24.

(4) الوسائل باب: 19 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(5) مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 257

______________________________

مضافا إلي ما في الأول من الأمر بأخذ الماء باليمني و صبه في اليسري الذي لا إشكال في عدم وجوبه، حيث قد يكشف عن كون المسؤول عنه الكيفية المستحبة لا الواجبة.

و مثله الثاني، لبعد خفاء كيفية الوضوء الواجبة علي علي بن يقطين حتي يسأل عنها، و لا سيما مع اشتمال الجواب في بيان وضوئنا و وضوء العامة علي بعض المستحبات عندنا و عندهم.

و ما في الثالث من احتمال كون: «من» لتحديد المغسول، لا لمبدإ الغسل.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر الأول السؤال عن كيفية نفس الغسل، و أخذ الماء باليمني ليس من الغسل، بل من مقدماته، فالتفضل ببيانه لا يكشف عن كون السؤال عن الكيفية المستحبة.

كما أن المقابلة في الثاني بين الفريضة و الإسباغ ظاهر في وجوب القيد، لقوله عليه السّلام: «توضأ كما أمرك اللّه تعالي اغسل وجهك مرة فريضة، و اخري إسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك».

كما أن «من» في الثالث ظاهرة في بيان مبدأ الفعل، كما هو الحال في سائر موارد وقوعها بعد الافعال التدريجية.

بل العدول عما تضمنته الآية الكريمة من التعبير ب «إلي» إلي التعبير ب «من» موجب لقوة ظهورها في ذلك جدا.

و أما الثالث فقد يستشكل فيه بمخالفته للقراءة المتواترة.

و حمله علي بيان المراد من التنزيل، لا حقيقته- كما استظهره سيدنا المصنف قدّس سرّه- خلاف ظاهره، و لذا فهم منه الشيخ قدّس سرّه اختلاف القراءة.

فالعمدة في الجواب عن ذلك: أن ما تضمنه الحديث من اختلاف التنزيل عما عليه الناس و إن كان غامضا ينبغي رده إلي قائله عليه السّلام إلا أنه لا يمنع من العمل بظاهره من وجوب البدء بالمرفق و الردع عن النكس، لوضوح أن السؤال و الجواب منصب إليه، و التعرض للتنزيل كان تبعا له.

ص: 258

______________________________

و لا سيما بعد تأيده باشتهار الحكم بين الطائفة، و بالنصوص السابقة، و بمفهوم النصوص المتضمنة أن مسح الرجلين يجوز فيه النكس و أنه من الأمر الموسع «1»، فإنه مشعر بخصوصية المسح في ذلك في الجملة.

و الظاهر الاكتفاء بذلك في البناء علي الوجوب، و الخروج عن إطلاق الآية الشريفة و بعض النصوص.

و توهم ظهور الآية في مشروعية النكس و الانتهاء بالمرفقين، لظهور «إلي» في ذلك، فعدم حملها علي الوجوب، للإجماع منا و من جميع المسلمين- كما قيل- عدا الناصر و بعض نصوص الوضوءات البيانية و غيرها، لا يمنع من دلالتها علي المشروعية، فلا مجال لتقييدها بوجوب البدء بالمرفقين.

مدفوع: بعدم ظهور «إلي» في ذلك، لأن الاكتفاء بتحديد الفعل بالغاية غير مألوف في الاستعمال، و إنما يكتفي بتحديده بالمبدإ، كما تقدم في خبر كشف الغمة.

مضافا إلي أنه لما كان ظاهر التقييد الوجوب فالظاهر بعد تعذر الحمل عليه- لما تقدم- ليس هو الحمل علي الجواز، بل حمل «إلي» علي تحديد المغسول، أو علي ما قيل من كونها بمعني «مع» فتكون مطلقة قابلة للتقييد بما عرفت.

ثمَّ إنه قد استدل سيدنا المصنف قدّس سرّه علي عدم جواز النكس بما في صحيح زرارة المروي في الفقيه من قول أبي جعفر عليه السّلام: «و لا تردّ الشعر في غسل اليدين» «2».

و فيه: أن ظاهر الفقيه كون ذلك فتوي من الصدوق بعد انتهاء الصحيح ببيان حكم ما أحاط به الشعر، لا تتمة له. و لذا لم يشر إليه في الوسائل، و لا في كتب الاستدلال. فلاحظه.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الوضوء.

(2) الفقيه باب: حد الوضوء و ترتيبه و ثوابه في ذيل الحديث الأول 1: 28 طبع النجف الأشرف.

ص: 259

ثمَّ الأسفل منهما فالأسفل عرفا إلي أطراف الأصابع (1)، و المقطوع بعض يده يغسل ما بقي (2).

______________________________

(1) تقدم أن جماعة من الأصحاب عبروا بعدم استقبال الشعر، الذي هو بمعني عدم النكس، كما عبر آخرون بالبدء بالمرفقين، و لا يبعد رجوعهما لما ذكر في المتن، لأنه الذي تساعد عليه الأدلة المتقدمة بعد تنزيل بعضها علي بعض، بل خبر الهيثم الذي هو العمدة في المقام ظاهر فيه بنفسه.

هذا و قد تقدم في غسل الوجه ما له نفع في المقام. فراجع.

(2) إجماعا، كما في المدارك، و اتفاقا، كما في كشف اللثام، و هو قول أهل العلم، كما في المنتهي، و ظاهر غير واحد المفروغية عنه.

و يستدل عليه.

تارة: بالاستصحاب مطلقا، أو فيما لو كان القطع بعد الوقت.

و اخري: بقاعدة الميسور.

و ثالثة: بغير واحد من النصوص، كصحيح رفاعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأقطع، فقال: يغسل ما قطع منه» «1» و صحيحه الآخر عنه عليه السّلام [2]: «سألته عن الأقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه» «3» و صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الأقطع اليد و الرجل. قال:

يغسلهما» «4» و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده» «5».

لكن الاستصحاب المذكور لا يخلو عن إشكال، لأن غسل الأعضاء ليس

______________________________

[2] ربما يكون هذا الصحيح عين الأول و الاختلاف بينهما ناشئ عن النقل بالمعني. منه عفي عنه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 49 حديث: 47.

(4) الوسائل باب: 49 حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 49 حديث: 2.

ص: 260

______________________________

واجبا لنفسه، بل لسببيته للطهارة الواجبة، فإن أريد استصحاب وجوب الطهارة فالشك ليس فيه، بل في القدرة عليها، و إن أريد استصحاب القدرة عليها فهو لا يقتضي تحققها بفعل الناقص إلا بالملازمة.

و قاعدة الميسور غير ثابتة، لضعف نصوصها دلالة و سندا.

علي أنها قاصرة عن المقام، لاختصاصها بالواجب المركب، و لا تركب هنا في نفس الواجب- و هو الطهارة- بل في سببه.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن شمول القاعدة لمثل ذلك كاشف عن تحقق الغرض بفعل الميسور.

فيندفع بأن المدعي قصورها عن المقام تخصصا.

اللهم إلا أن يدعي غفلة العرف في مثل ذلك عن كون الواجب هو الأمر البسيط المسبب عن المركب و تخيلهم وجوب نفس المركب، و حيث كان مقتضي الإطلاق المقامي للخطاب إيكال تطبيقه للعرف و عدم اعتماد الدقة فيه، كان مقتضي الإطلاق شموله. و لا يخلو عن إشكال.

و أما النصوص فلا تخلو عن إجمال، لأن التعبير في الأولين لا يناسب المدعي، بل المناسب التعبير بغسل ما بقي، فلا بد في توجيه دلالتهما علي المدعي من أحد وجهين.

الأول: ما قد يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه من حمل الأقطع علي القطع من دون المرفق، و يراد بهما وجوب الغسل إلي المكان الذي قطع منه، إما لظهور الأقطع في ذلك، أو للإجماع علي عدم وجوب غسل موضع القطع إذا كان فوق المرفق.

الثاني: ما يظهر من الفقيه الهمداني قدّس سرّه من حملهما علي بيان وجوب غسل الموضع الذي ظهر بالقطع بدلا عما قطع، مع المفروغية عن عدم وجوب غسل غير ما وجب غسله قبل القطع و عدم سقوط غسل ما بقي مما كان يجب غسله قبل القطع، للإجماع علي الأول و عدم تشكيك العرف في الثاني

ص: 261

______________________________

بعد اطلاعهم علي عدم سقوط الوضوء بسبب القطع، إذ كما يجب غسل بقية الأعضاء يجب غسل ما بقي من المقطوع، لعدم الفرق بينها في الارتباطية المفروضة.

لكن الأول مخالف للظاهر.

و ظهور الأقطع في خصوص من قطعت يده دون المرفق ممنوع. بل لا يبعد كون المنصرف منه في المقام من قطع منه تمام العضو الذي يجب غسله، كناية عن ارتفاع موضوع أحد أركان الوضوء، بل لا ينبغي الإشكال في كون ذلك هو الأظهر في الرجل، لعدم وضوح صدق الأقطع علي من قطع منه ما دون الكعب، فيكونان ظاهرين في الأمر بغسل موضع القطع.

و الإجماع علي عدم وجوبه مع القطع من فوق المرفق لا يصحح عرفا حملهما علي خصوص القطع من دون المرفق، بل غاية الأمر عروض الاجمال لهما أو حملهما علي الاستحباب، كما يأتي من بعضهم.

و الثاني- مع ابتنائه علي حمل الحديثين علي خصوص القطع مما دون المرفق- راجع إلي الاستدلال علي وجوب غسل تمام الباقي بالإجماع لا بالنصوص، غايته أنه يتضمن تنزيل النصوص علي ما لا ينافي الإجماع.

و منه يظهر الحال في الثالث، فإن استفادة المدعي منه موقوفة علي حمله علي القطع مما تحت المرفق و الكعب و حمل غسلهما علي غسل ما بقي في الحد، لا غسل تمام العضو، فيجري فيه ما تقدم في الثاني.

مضافا إلي ما فيهما من غسل الرجل. إلا أن يحمل علي بيان أن القطع لا يسقط الغسل، و يكون تعميمه للرجل تقية، أو يكون التعبير بالغسل للتغليب، و المراد ما يعم المسح.

بل ربما يدفع الإشكال من أصله في الثالث بحمله علي غسل الرجلين في الغسل، لا في الوضوء.

ص: 262

______________________________

و إن كان قد يبعده ظهوره في خصوصية العضوين في العمل.

كما أن استفادة المدعي من الرابع موقوفة علي ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- و سبقه إليه في الحدائق- من حمله علي بقاء المرفق و حمل غسل ما بقي من العضد علي غسل ما بقي مما يجب غسله- و هو المرفق- الذي هو بعض العضد، بجعل «من» للتبعيض متعلقة بكون عام أو ب «يغسل» لا بيانا للموصول، و لا متعلقة ب «بقي».

قال قدّس سرّه: «إذ الأول خلاف الظاهر، و لو كان هو المراد لقال: فليغسل عضده، و الثاني خلاف فرض القطع من المرفق، و إنما يصح لو كان القطع لبعض العضد، مع أن في الإجماع المتقدم كفاية في وجوب الحمل علي ما عرفت».

لكن المعني الذي ذكره بعيد جدا عن ظاهر التركيب اللفظي، و لو أريد لكان الأنسب التعبير بغسل المرفق.

و الظاهر هو الثاني بحمل القطع من المرفق علي قطع المرفق مع الذراع- كما لعله الظاهر في نفسه في المقام- فيكون الباقي بعض العضد.

و مخالفته للإجماع المدعي لا يصحح الحمل علي ما ذكره عرفا، بل يوجب إجمال الحديث أو حمله علي الاستحباب.

و قد تحصل: أنه لا مجال لاستفادة المدعي من النصوص المذكورة، و أنها بين أن تكون ظاهرة في القطع مما فوق المرفق و محتملة له.

فالعمدة: الإجماع المشار إليه الكاشف عن ثبوت الحكم المذكور، لامتناع خفاء الحكم في مثل ذلك مما يكثر الابتلاء به. و لا سيما مع أن البناء علي مقتضي الارتباطية كما يقتضي سقوط غسل العضو المقطوع منه يقتضي سقوط تمام الوضوء، بل تعذر الطهارة الترابية أيضا، لمشاركة التيمم للوضوء في الارتباطية، فتسقط الصلاة تبعا لذلك، و هو ضروري البطلان.

و التفكيك في الارتباطية بين بقية العضو المقطوع و سائر أعضاء الوضوء مما

ص: 263

و لو قطعت من فوق المرفق سقط وجوب غسلها (1)،

______________________________

تأباه المرتكزات العرفية جدا، كما تقدم من الفقيه الهمداني قدّس سرّه، فان ذلك ملزم عرفا بحمل وجوب غسل أو مسح كل شي ء علي كونه معلقا علي فرض وجوده، لا مطلقا، ليلزم سقوط غسل العضو أو تمام الوضوء بقطع البعض.

و ذلك ملزم بتنزيل صحيحي رفاعة علي ما لا ينافيه، كالقطع فوق المرفق، أو ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه.

هذا، مضافا إلي أنه مقتضي قاعدة الاشتغال بالطهارة بعد فرض عدم سقوطها الموجب لسقوط دليل الارتباطية عن الحجية للعلم بعدم شموله للمقام.

و أما صحيح رفاعة الثاني الظاهر في وجوب غسل موضع القطع فمن القريب تنزيله علي القطع مما فوق المرفق أو علي ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه، كما تقدم. و لا أقل من إجماله أو سقوطه عن الحجية بإعراض الأصحاب، فإن الإجماع المتقدم إن لم يكن دليلا بنفسه، فلا أقل من كشفه عن الاعراض المسقط للصحيح عن الحجية. فتأمل.

نعم، لو فرض التشكيك في وجوب الطهارة تعين الرجوع للبراءة منها بعد سقوط دليلها بالعلم الإجمالي، إما بسقوط تقييد الصلاة بها، أو بسقوط الارتباطية في أجزاء الوضوء.

لكن لا مجال لذلك بعد الإجماع و النصوص المتقدمة الظاهرة في المفروغية عن وجوب الطهارة في حق الأقطع. فلاحظ.

(1) و لا يجب غسل العضد بدلا عنها، كما صرح به جماعة، بل في المنتهي و كشف اللثام دعوي الإجماع عليه. و في مفتاح الكرامة: «و لا أجد فيه خلافا إلا ما نقله في البيان عن المفيد، و هو الظاهر من عبارة الكاتب علي ما نقل».

لكن في محكي المختلف استظهر إرادة ابن الجنيد في الكاتب استحباب غسل العضد، و اختاره أيضا، كما اختاره في المنتهي و محكي نهاية الإحكام

ص: 264

______________________________

و الذكري و الدروس، و عن المبسوط استحباب مسح الباقي من العضد بالماء. و حمل عليه صحيح علي بن جعفر المتقدم، لمخالفة ظاهره للإجماع المذكور.

نعم، لم يستبعد في الجواهر إرادة ابن الجنيد الوجوب، عملا بظاهر الصحيح و غيره، و عن الوحيد في حاشية المدارك الميل إليه.

و كيف كان، فقد عرفت ظهور صحيح علي بن جعفر في وجوب غسل العضد، بل هو ظاهر صحيح محمد بن مسلم و محتمل صحيح رفاعة الأول، إلا أنه لا بد من رفع اليد عن ذلك بالإجماع المذكور، الظاهر تلقيهم له بالقبول، و المؤيد بسكوت كثير منهم عن التنبيه عليه مع كونه خلاف الأصل، و من البعيد خفاء الحكم في مثل ذلك مما يكثر الابتلاء به، فلا بد من حمل النصوص المذكورة علي الاستحباب، و إن كان الوجوب موافقا لقاعدة الاشتغال التي عرفت غير مرة أنها المرجع في أمثال المقام لو فرض الشك. فتأمل.

هذا و في المعتبر و عن التذكرة استحباب مسح موضوع القطع من العضد بالماء. و كأن المراد المسح المحقق للغسل، ليكون الوجه فيه صحيحي رفاعة، خصوصا الثاني منهما، بعد الإجماع المتقدم علي سقوط غسل العضو باستيعاب القطع له. و مقتضي الجمع بينهما و بين صحيح علي بن جعفر الحمل علي اختلاف مراتب الفضل.

تنبيه:

لو فرض نقص بعض اليد أو تمامها في أصل الخلقة فالأمر أظهر، لخروجه عن النصوص المتقدمة، و مقتضي إطلاق الآية الاجتزاء بغسل الباقي، لشموله لليد الناقصة و اليد الواحدة. و خروجه عن المتعارف لا يخرجه عن الإطلاق المذكور، لما تكرر من عدم تقييد التعارف للإطلاق.

و دعوي: أن مقتضي الجمع بين الآية و النصوص الأخري الشارحة للوضوء

ص: 265

و لو كان له ذراعان دون المرفق وجب غسلهما (1)،

______________________________

بالوجه المتعارف هو تقييد الآية بالمتعارف.

مدفوعة: بأن تنزيل النصوص علي المتعارف أولي من تقييدها لإطلاق الآية، و لا سيما مع العلم بعدم خروج الشخص عن عموم وجوب الوضوء. فلاحظ.

(1) كما صرح به جماعة كثيرة، بل في مفتاح الكرامة و الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه، و في الحدائق و طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه أن الظاهر عدم الخلاف فيه، و في المستند و عن شرح الدروس أن الظاهر الإجماع عليه، و في المدارك: «لا ريب في وجوب غسل ما دون المرفق كله».

و قد يتجه الاستدلال عليه بعموم وجوب غسل الأيدي لو كان كل منهما يدا أصلية عرفا، لعدم تميز إحداهما علي الأخري.

و كون المتعارف في الناس غسل يد واحدة في كل جانب لا يدين، و ورود النصوص علي طبقه، لا يوجب قصور العموم عن مثل ذلك، كما سبق نظيره في آخر الفرع السابق.

علي أنه لو فرض قصور العموم المذكور كفي في وجوب غسل الجميع قاعدة الاشتغال بعد العلم بعدم سقوط الوضوء بسبب ذلك.

نعم، قد يتجه عليه الاحتياط بالمسح بكل منهما و عدم الاكتفاء بالمسح بإحداهما لفرض عدم الإطلاق المقتضي لذلك.

أما لو كانت إحداهما زائدة عرفا، لضعفها و خروجها عن المتعارف أشكل شمول العموم لها، لقرب انصرافه للأيدي الأصلية المعهودة للإنسان، لأن الإضافة تقتضي نحوا من العهد.

نعم، قد يستدل علي وجوب غسلها حينئذ.

تارة: بكونه جزءا من اليد الأصلية أو تابعة لها كالجزء عرفا.

و اخري: بدخولها في الحد، و هو ما تحت المرفق.

ص: 266

و كذا اللحم الزائد و الإصبع الزائدة (1).

______________________________

و ثالثة: بأنها بدل عن المحل النابتة فيه.

و رابعة: بأن ما عليها من الجلد جزء مما يجب غسله، و هو اليد الأصلية.

و الكل كما تري! لاندفاع الأول بخروجها عرفا عن اليد الأصلية، بل هي من سنخ النابت فيها. و تبعيتها لها ممنوعة، و إنما تتم التبعية في مثل الثالول مما لا يعتد به عرفا، و لا وجود له استقلالا، بل قد يكون جزءا عرفا.

و الثاني بأن التحديد بالمرفق لبيان منتهي ما يغسل من اليد، لا لوجوب غسل كل ما تحته.

و الثالث بأن المحل المذكور باطن لا يجب غسله.

و أما الرابع فهو ممنوع جدا، بل ليس الجزء أو محتمل الجزئية إلا ما قارب المنبت.

فلعل الأولي أن يقال: انصراف العموم المذكور عن مثل هذه اليد ليس بالنحو الموجب لظهور الإطلاق في عدم وجوب غسلها، بل غايته الاجمال، فيلزم غسلها بمقتضي قاعدة الاشتغال، لعدم اليقين بحصول الطهارة بدونها. و لا سيما مع شبهة الإجماع المذكور. و إن كان الاعتماد علي الإجماع في غاية الإشكال بعد عدم تعرض النصوص و لا أكثر القدماء للحكم المذكور، و أول من أشار إليه الشيخ قدّس سرّه في المبسوط، كما أن الحكم ليس مما يكثر الابتلاء به بالنحو الموجب لوضوح حكمه.

ثمَّ إنه بناء علي الوجه المذكور يتعين المسح باليد الأصلية، لدخولها في المتيقن من الإطلاق، دون الزائدة.

هذا كله إذا صدق علي الزائدة أنها يد، و أما إذا لم يصدق و إن كانت مشابهة لليد أو قسما منها- كالكف- فلا إشكال في ظهور الإطلاق في عدم وجوب غسلها بالأصالة، بل يجري فيها ما يأتي في الإصبع و اللحم الزائدين.

(1) كما صرح به غير واحد، و هو داخل في معاقد الإجماعات و نفي

ص: 267

______________________________

الخلاف في كلام من تقدم، بل بعضها يعم غير اللحم و الإصبع كالعظم و السلعة و نحوها مما كان تحت المرفق، كما هو ظاهر ما تقدم من المدارك و صريح المستند.

و العمدة فيه دخوله في اليد عرفا و لو تبعا.

لكنه مختص بمثل الإصبع و القليل من اللحم و نحوه مما لا يعتد به، و كذا ما كان من سنخ الورم في اليد، لأن ظاهره جلد اليد- كما تقدم في الرابع من وجوه الاستدلال علي غسل اليد الزائدة- دون مثل السلعة الكبيرة المتحيزة عن اليد مما يعد عرفا من سنخ النابت فيها، كما تقدم نظيره في اليد الزائدة.

كما أنه يشترك معها في بقية الوجوه المتقدمة و اندفاعها. فالأمر في مثل ذلك لا يخلو عن إشكال بعد كون مقتضي الإطلاق عدم وجوب غسله.

ثمَّ إنه لو فرض وجوب غسل شي ء من ذلك لم يفرق بين خروجه بامتداده عن محاذاة الأصابع و عدمه، فيجب غسله بتمامه في الأول مطلقا.

و قد يظهر من تردد بعضهم في وجوب غسل الأظافر مع طولها و خروجها عن حد الأصابع التردد فيه، بل يظهر من بعضهم تقريب عدمه، نظير عدم غسل مسترسل اللحية.

و لا وجه له، لأن انتهاء اليد بالأصابع غالبا لا ينافي وجوب غسل ما طال عليها، تبعا لليد أو لكونه جزءا منها عرفا.

و إنما لم يجب غسل ما استرسل من اللحية لعدم وجوب غسل الشعر إلا بدلا عما تحته، و ليس كالمقام مما فرض وجوب غسله بنفسه و لو تبعا.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من إمكان الاستدلال علي التحديد بأطراف الأصابع بقول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح المروي في الفقيه: «و حد اليد من المرفق إلي أطراف الأصابع» «1».

فيندفع بأن الظاهر كون الفقرة المذكورة فتوي من الصدوق، لا تتمة للصحيح، كما تقدم نظيره في حكم النكس.

مع قرب تنزيل التحديد به علي الغالب. بل ظاهره كونه بنفسه حدا لليد، لا

______________________________

(1) الفقيه باب: حد الوضوء و ترتيبه و ثوابه في ذيل الحديث الأول ص: 1: 28 طبع النجف الأشرف.

ص: 268

و لو كان له يد زائدة فوق المرفق فالأحوط وجوبا غسلها أيضا (1).

______________________________

لبيان قدر امتداد ما يجب غسله، فلا ينافي وجوب غسل ما طال عليه تبعا. فلاحظ.

(1) فعن المختلف و التلخيص و الإرشاد و محتمل التذكرة وجوب غسل اليد الزائدة مطلقا فوق المرفق أو تحته و إن تميزت الأصلية، و هو مقتضي إطلاق ما في الشرائع من وجوب غسل اليد الزائدة.

خلافا لما في القواعد و المنتهي من عدم وجوب غسل الزائدة إذا تميزت و كانت فوق المرفق، و عليه يحمل ما في المعتبر و جواهر القاضي و عن المبسوط و المهذب من عدم وجوب غسل الزائدة إذا كانت فوق المرفق.

و العمدة في وجوب غسلها عموم وجوب غسل الأيدي في الآية، الذي عرفت الإشكال في شموله لليد الزائدة، و أن الوجه في وجوب غسلها بعد فرض إجمال العموم منحصر بقاعدة الاشتغال، المقتضية لعدم الاجتزاء بالمسح بها، بل الأصلية، لأنه المتيقن من إطلاق المسح.

لكن في المدارك: «و لو لم يكن لليد الزائدة مرفق لم يجب غسلها قطعا».

و كأنه لأن جعل المرفق غاية للمغسول يوجب تقييد اليد التي يجب غسلها بما يكون لها مرفق.

ألا أنه لو تمَّ اقتضي عدم وجوب غسل الأصلية لو فرض عدم المرفق لها، و لا يظن منه و لا من غيره الالتزام به.

و الفرق بينهما بالإجماع غير ظاهر، بل التحديد بالمرفق غير ظاهر في التقييد به، فاحتمال شمول الإطلاق لليد المذكورة لا دافع له، فيتحقق موضوع قاعدة الاشتغال.

نعم، لو فرض عدم صدق اليد عليها و إن كانت مشابهة لليد أو قسما منها- كالكف- فلا إشكال في خروجها عن الإطلاق و ظهوره في عدم وجوب غسلها، فيلحقها حكم اللحم الزائد فوق المرفق الذي لا إشكال في عدم وجوب غسله،

ص: 269

و لو أشبهت الزائدة بالأصلية (1) غسلهما جميعا (2)، و مسح بهما علي الأحوط وجوبا (3).

______________________________

كما في المدارك و صرح به غير واحد.

و حينئذ لا يفرق في عدم وجوب الغسل بين محاذاة الزائد بامتداده لما تحت المرفق و عدمه.

و احتمال وجوب غسل موضع المحاذاة في الأول- كما عن الشافعي- لا وجه له، كما نبه له غير واحد.

(1) المراد بالاشتباه.

تارة: خفاء جهة التمييز مع تحققه واقعا و هو الأنسب بعنوان الاشتباه.

و اخري: انعدام جهة التمييز، و هو الأنسب بالمقام.

و الاحتياط بالوجه المذكور في كلامه قدّس سرّه في الأول هو مقتضي القاعدة في جميع موارد العلم الإجمالي، بناء علي ما عرفت من أن الأدلة منصرفة إلي اليد الأصلية، دون الزائدة- و لو لأنها المتيقن من الإطلاقات.

و أما في الثاني فلا مجال لفرض العلم الإجمالي، لأنه فرع الاشتباه المفروض عدمه.

بل مقتضي العموم غسلهما معا، و الاجتزاء بالمسح بإحداهما. و لو فرض قصور الإطلاقات لزم الجمع بينهما في الغسل و المسح معا بمقتضي قاعدة الاشتغال، كما تقدم فيما لو كانت اليديان تحت المرفق.

(2) للعلم الإجمالي علي الوجه الأول، و للإطلاقات أو لقاعدة الاشتغال علي الوجه الثاني.

(3) لما كان الاحتياط الوجوبي هو الاحتياط عن الفتوي، لغموض حال الأدلة عند المفتي، و لذا جاز الرجوع في مورده للغير، فلا مجال له في المقام لو أريد من الاشتباه الوجه الأول، لأن الاحتياط بالوجه المذكور هو مقتضي قاعدة العلم الإجمالي. و إنما يتجه علي الوجه الثاني، لإمكان خفاء

ص: 270

مسألة 8 المرفق مجمع عظمي الذراع و العضد

(مسألة 8): المرفق مجمع عظمي الذراع و العضد (1). و يجب غسله مع اليد (2).

______________________________

حال الإطلاقات عنده قدّس سرّه.

اللهم إلا أن يحتمل عنده قدّس سرّه شمول الإطلاقات لليد الزائدة بنحو يقتضي الاجتزاء بالمسح بها، فيتجه الاجتزاء بالمسح بإحدي اليدين، حتي علي الوجه الأول، كما يتجه منه الاحتياط الوجوبي عليه لغموض حال الإطلاقات عنده و احتمال الرجوع لقاعدة الاشتغال المقتضية للمسح بخصوص الأصلية الملزم بالاحتياط بالجمع.

و مما ذكرنا ظهر أن الاحتياط المذكور راجع للمسح.

و أما الجمع في الغسل بينهما فاللازم الفتوي به للزومه علي كل حال، كما ذكرنا.

(1) ففي جمهرة اللغة و الصحاح و مجمع البحرين و عن المطرز أنه موصل الذراع في العضد، و عن المغرب أنه موصل الذراع بالعضد، و عن ابن سيدة أنه أعلي الذراع و أسفل العضد.

و يمكن أن يراد بهذه الكلمات الخط الموهوم بين العظمين، أو طرفاهما، أو مجموع محل الاتصال بينهما، كما هو ظاهر المتن و محكي التذكرة.

لكن في مجمع البيان و ظاهر التبيان: أنه المكان الذي يرتفق به أي يتكأ عليه من اليد، و ظاهره أنه طرف العضد، لأنه الذي يتكأ عليه.

كما أن ظاهر المنتهي أنه طرف الذراع، لأنه صرح بعدم وجوب غسل طرف العضد علي من قطعت يده من المرفق، لأنه إنما وجب غسله توصلا إلي غسل المرفق، و مع سقوط الأصل ينتفي الوجوب.

و الأمر غير مهم، و إنما المهم تحديد ما يجب غسله الذي يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(2) كما صرح به جماعة كثيرة، بل في جامع المقاصد أنه لا كلام فيه، و في

ص: 271

______________________________

المدارك أن الأصحاب قطعوا به، و في الخلاف و المعتبر و كشف اللثام و عن التذكرة و عن غيرها دعوي الإجماع عليه ممن عدا زفر و داود و بعض المالكية ممن لا عبرة بخلافهم، و عن الطبرسي نسبته إلي مذهب أهل البيت عليهم السّلام.

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك- الآية الكريمة بناء علي أن «إلي» فيها بمعني «مع» كما هو صريح التبيان و ظاهر التهذيب، بل في الخلاف أنه الذي ثبت عن الأئمة عليهم السّلام، و عن الواحدي نسبته إلي كثير من النحويين، و قد استشهدوا لورودها بالمعني المذكور بقوله تعالي مَنْ أَنْصٰارِي إِلَي اللّٰهِ «1» و قوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَهُمْ إِليٰ أَمْوٰالِكُمْ «2» و قولهم: فلان ولي الكوفة إلي البصرة و نحو ذلك من الاستعمالات الكثيرة.

لكن «إلي» في المقام و غيره بعيدة عن المعني المذكور و إن نسب لجماعة من النحويين، و الظاهر تنزيلها في الاستعمالات المذكورة علي الغاية بتضمين الفعل معني الصيرورة أو الضم أو نحوهما مما يناسبها، فيراد بالآية الأولي: من أنصاري سائرين إلي اللّه تعالي و منسوبين إليه، كما يناسب صدر الآية و ذيلها، قال تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصٰارَ اللّٰهِ كَمٰا قٰالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوٰارِيِّينَ مَنْ أَنْصٰارِي إِلَي اللّٰهِ قٰالَ الْحَوٰارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصٰارُ اللّٰهِ و بالآية الثانية: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَهُمْ بضمها لأموالكم، و نحوهما بقية الاستعمالات.

و نسبة المعني المذكور في الخلاف للأئمة عليهم السّلام غير ظاهرة المأخذ.

و كأن المراد بها ما ثبت عنهم عليهم السّلام من عدم وجوب الانتهاء بالمرافق، بتخيل توقف ذلك علي كونها بمعني: «مع».

لكنه كما تري! إذ يكفي فيه كونها لتحديد المغسول مع المحافظة فيها علي معني الغاية، بجعلها غاية اعتبارية للتحديد. كما هو الظاهر مما في صحيح زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام: «و أمر بغسل اليدين إلي المرفقين، فليس له أن يدع من.

______________________________

(1) سورة الصف: 14.

(2) سورة النساء: 2.

ص: 272

______________________________

يديه إلي المرفقين شيئا إلا غسله، لأن اللّه تعالي يقول فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ «1»، و ما في صحيح زرارة عنه عليه السّلام: «ثمَّ قال وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ فوصل اليدين إلي المرفقين بالوجه، فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلي المرفقين» «2».

بل لو كانت بمعني «مع» لم تكن الآية صريحة في كون المرفق منتهي المغسول، بل يكون نظير عطف البعض علي الكل، كما نبه لذلك الزجاج.

ففي التبيان: «و طعن الزجاج علي ذلك فقال: لو كان المراد ب «إلي» «مع» لوجب غسل اليد إلي الكتف، لتناول الاسم له، و إنما المراد ب «إلي» الغاية و الانتهاء، لكن المرافق يجب غسلها مع اليدين. و هذا الذي ذكره ليس بصحيح، لأنا لو خلينا و ذلك لقلنا بما قاله، لكن خرجنا بدليل، و دليلنا علي صحة ما قلناه إجماع الأمة علي أنه متي بدأ من المرافق كان وضوؤه صحيحا»، و قريب منه مجمع البيان.

و مما تقدم يظهر أن الإجماع المذكور إنما يمنع من كونها غاية للغسل، لا من كونها غاية للمغسول، ليلزم الخروج به عن مقتضي الظاهر بحملها علي معني «مع».

و من هنا ظهر أنه لا مجال للاستدلال بالآية و نحوها مما تضمن وجوب غسل اليد إلي المرفق علي وجوب غسل المرفق، لعدم ظهورها فيه- كما اعترف به الشيخ الطبرسي في محكي جامع الجوامع- إذ لا يلزم دخول الغاية في حكم المغيي لو لم يكن الظاهر الخروج.

و من هنا يتعين النظر في النصوص. و ظاهر جملة منها وجوب غسل تمام الذراع المستلزم لغسل مجمع العظمين، و لا ظهور لها في وجوب الغسل إلي منتهي مجمع العظمين بنفسه مع قطع النظر عن ذلك، بحيث لو فرض قطع عظم الذراع من المفصل لوجب غسل طرف العضد.

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 273

______________________________

ففي صحيح ابن أذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث المعراج و وحي اللّه تعالي للنبي صلّي اللّه عليه و آله كيفية الوضوء: «ثمَّ اغسل ذراعيك اليمني و اليسري، فإنك تلقي بيدك كلامي» «1» و في صحيح الحسين بن أبي العلاء عنه عليه السّلام في جواب النبي صلّي اللّه عليه و آله لمسائل نفر من اليهود: «و إذا غسل ساعديه حرم اللّه عليه أغلال النار» «2» و في صحيح محمد ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام في خطاب النبي صلّي اللّه عليه و آله للثقفي:

«فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك و شمالك» «3»، و قريب منها روايات الرقاشي و عيسي بن المستفاد عن الكاظم عليه السّلام «4». و يناسبه التعليل في خبر محمد بن سنان عن الرضا عليه السّلام بقوله عليه السّلام: «و يغسل اليدين ليقلبهما و يرغب بهما و يرهب و يتبتل» «5».

و حيث كانت هذه النصوص تامة الدلالة علي ما ذكرنا تعين العمل عليها، و حمل ما تضمن الغسل من المرفقين- من النصوص المتقدمة- أو إلي المرفقين- من الآية و النصوص الكثيرة- علي مفادها، إما بحمل المرفق علي خصوص طرف الذراع- كما تقدم من العلامة- مع دخول الغاية في حكم المغي و إما بجعل الغاية لبيان المراد من اليد، فإنها و إن كانت ظاهرة في نفسها في تمام العضو المنتهي بالكتف، إلا أنه يراد بها أيضا ما ينتهي بالزند تارة، و ما ينتهي بالمرفق اخري، فتكون الغاية قرينة لبيان المراد من اليد، لا لتقييدها مع استعمالها في تمام العضو، و من الظاهر أن ما ينتهي بالمرفق هو الذراع، و لا يدخل فيه طرف العضد، كما أن ما ينتهي بالكتف هو العضد و لا يدخل فيه شي ء من عظم الكتف. و إما بجعل التقييد بالمرفق لاشتماله علي ما يجب غسله و هو الذراع، لعدم الحد الظاهر له سواه بسبب دخوله فيه.

فان ذلك أولي عرفا من حمل النصوص المتقدمة علي كون ذكر الذراع لملازمته لما يجب غسله، و هو ما ينتهي بمجمع العظمين من دون أن يكون هو الموضوع بخصوصيته، و لا سيما بملاحظة ما اشتمل عليه صحيحا ابن أذينة

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 12.

(4) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 22، 25.

(5) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 26، 15.

ص: 274

______________________________

و الحسين بن أبي العلاء و خبر محمد بن سنان من التعليل المناسب لخصوصية الذراع، و إجمال المرفق بنحو يسهل تنزيله علي ما لا ينافي النصوص المتقدمة.

و كأن هذا هو المراد مما عن جماعة من المتأخرين من القول بوجوب غسل المرفق مقدمه، لا أصالة، بل هو صريح ما تقدم من العلامة قدّس سرّه فإنه و إن كان مبني كلامه علي كون المرفق طرف الذراع و وجوب غسله أصالة، و الواجب تبعا هو غسل طرف العضد، إلا أنه موافق لما ذكرنا عملا.

و إلا فلو أريد بالمقدمية المقدمية الخارجية أو العلمية فمن الواضح أن المرفق لو كان خارجا عما يجب غسله لم يتوقف الغسل الواجب عليه، كما لا يتوقف العلم بغسل ما دونه علي غسل تمامه، بل يكفي غسل بعضه.

بل لا ينبغي الريب في عدم إرادتهم من الوجوب المتقدمي أحد المعنيين المذكورين، لوضوح عدم اختصاصه بالمرفق، بل يجزي في جميع الأعضاء، و عدم إنكاره من زفر و نحوه ممن نسب له الخلاف في المقام.

فلا بد من إرادتهم ما ذكرنا من كون غسل ما يسامت مجمع العظمين لأجل استيعاب الذراع بالغسل المستلزم لغسل بعض العضد، لا لكونه بنفسه بعض المغسول، و لا تظهر الثمرة بينهما إلا في الأقطع، كما ذكره العلامة قدّس سرّه.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا مجال لما في الجواهر من دعوي كون معقد الإجماع المتقدم هو الوجوب الأصلي، لا المقدمي، لظهور كلمات الأصحاب في ذلك.

فإن كلمات الأصحاب و إن كانت ظاهرة في عدم إرادة الوجوب للمقدمية الخارجية أو العلمية، إلا أنها لا تنافي الوجوب التبعي بالمعني الذي ذكرنا، و لا سيما مع عدم ظهور الثمرة له إلا في الأقطع، و إجمال المرفق بنحو يسهل تنزيل جعله غاية في الأدلة و كلماتهم علي ما ذكرنا، كما تقدم، فدعوي أن المتيقن من

ص: 275

مسألة 9 يجب غسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة

(مسألة 9): يجب غسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة (1)، حتي الغليظ منه، علي الأحوط وجوبا.

______________________________

الإجماع ما ذكرناه، غير بعيدة.

و ربما يرجع إليها ما في المدارك من أن المتيقن هو الوجوب المقدمي.

و كيف كان، فلا مجال للخروج عن ظاهر النصوص المتقدمة بعد إمكان تنزيل غيرها عليها، و عدم وضوح قيام إجماع مخالف لها صالح لأن يرفع به اليد عنها. فلاحظ.

(1) قال في الحدائق: «ظاهر المشهور وجوب غسل الشعر هنا، لدخوله في محل الفرض- كما علله البعض- أو أنه من توابع اليد- كما علله آخر- و قد عرفت ما فيه».

و يظهر من التعليلين أن مرادهم الجمع بين الشعر و البشرة، و هو الذي استظهره شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره.

و كأن الوجه فيه ما تقدم في المسألة الثانية في توجيه وجوب غسل الشعر الذي لا يصدق فيه الإحاطة، أو ما تقدم في وجه وجوب غسل ما تحت المرفق من الزوائد، بناء علي شموله للشعر، كما يظهر من بعضهم.

و يظهر ضعف ذلك مما تقدم من ظهور إطلاقات الأدلة في كفاية غسل اليد الظاهر في عدم شمول ذلك مما هو من سنخ النابت فيها.

نعم، قد يدعي كفاية غسله إذا تكاثف، كما في الوجه، و في مفتاح الكرامة أنه الذي يستفاد من مطاوي بعض الكلمات، بل هو المنقول عن محكي كاشف الغطاء، و مال إليه في المستند، خلافا لما عن المحقق الثاني و جماعة من لزوم غسل البشرة.

و قد يوجه الأول.

تارة: بما تضمن لزوم غسل الظهر. و يظهر ضعفه مما تقدم في غسل الوجه.

ص: 276

______________________________

و اخري: بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له: أ رأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء» «1». قال في المستند: «و تخصيصها بالوجه لا وجه له».

لكن ذكر غير واحد أن الوجه فيه روايتها في الفقيه ذيلا للصحيحة المتقدمة في تحديد الوجه بما بين الإبهام و الوسطي.

و أما ما استظهره في الحدائق من كونها رواية مستقلة كما ذكره الشيخ في التهذيب و أن ذكرها في الفقيه في ذيل الصحيحة المذكورة لأن عادته سبك الأخبار.

فلا مجال له، لظهور عبارة الفقيه في اتحاد الكلام، و لا سيما مع التعرض منه لحد اليد و الرجلين بعدها الظاهر في كون مضمونها من توابع حد الوجه. بل لا ينبغي التأمل في ذلك بعد ظهور السؤال فيها في كونه تابعا لكلام سابق، لا ابتداء كلام، و إلا لم يكن له معني.

و منه يظهر أن أفرادها في التهذيب من سنخ المجمل المبين بما في الفقيه، فلا يعارضه.

و دعوي: أن المورد لا يخصص الوارد.

مدفوعة: بأن المورد في المقام مانع من ظهور الوارد في العموم.

اللهم إلا أن يقال: لا ريب في ظهور الحديث بعد النظر في رواية الفقيه له في كون موضوع السؤال هو ما أحاط به الشعر من الوجه، إلا أن عدم الاكتفاء في الجواب ببيان حكمه، بل التأكيد فيه علي العموم قد يظهر في وروده لضرب القاعدة العامة لغير الوجه، لعدم ظهور النكتة فيه لو لا ذلك.

لكن في بلوغ ذلك حد الظهور الحجة إشكال. و من ثمَّ قد يتعين الاحتياط بالجمع بين غسل ظاهر الشعر و البشرة.

إلا أن يكون المرجع بعد فرض إجماله الإطلاقات المقتضية للاكتفاء

______________________________

(1) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 277

مسألة 10 إذا دخلت شوكة في اليد لا يجب إخراجها

(مسألة 10): إذا دخلت شوكة في اليد لا يجب إخراجها، إلا إذا كان ما تحتها محسوبا من الظاهر (1)، فيجب غسله حينئذ (2) و لو بإخراجها.

مسألة 11 الوسخ الذي يكون علي الأعضاء إذا كان معدودا جزء من البشرة لا تجب إزالته

(مسألة 11): الوسخ الذي يكون علي الأعضاء إذا كان معدودا جزء من البشرة لا تجب (3) إزالته، و إن كان معدودا أجنبيا عن

______________________________

بغسل البشرة. فتأمل.

علي أنه مختص بما إذا توقف غسل البشرة علي البحث و الطلب، لكون الشعر محيطا بها، الذي هو مورد الصحيحة، و هو نادر في اليدين، و أما في غيره فمقتضي ما تقدم الاكتفاء بغسل البشرة، كما ذكرناه في الوجه أيضا. فراجع.

(1) بأن لا يكون له تماسك يوجب انطباقه مع رفع الشوكة، كما تقدم نظيره في المسألة السابعة.

(2) يعني: بإيصال الماء إليه و لو من تحت الشوكة و إن لم يتحقق الإجراء، أما بناء علي ما تقدم من عدم توقف الغسل علي الجريان فظاهر بعد عدم منافاته للترتيب العرفي.

و أما بناء علي لزومه فيمكن رفع اليد عنه في خصوص المقام، لتعذره فيه حتي مع رفع الشوكة بسبب نزوله في العمق، بل للغفلة عنه عرفا الكاشف عن التسامح فيه شرعا. فلاحظ.

(3) لا ينبغي الإشكال في ذلك لو تحقق الفرض المذكور. إلا أنه غير ظاهر التحقق.

و يظهر منه قدّس سرّه في مستمسكه أن المراد بذلك ما يفرزه البدن الذي قد يكون من سنخ الجلد و يزول بالدلك.

و من ثمَّ استثني منه ما إذا طالت المدة كثيرا، فتجب إزالته، لأنه لا يعد جزءا من البدن عرفا.

ص: 278

البشرة تجب إزالته (1).

مسألة 12 إذا شك في حاجبية شي ء وجبت إزالته

(مسألة 12): إذا شك في حاجبية شي ء وجبت إزالته (2)، و إذا شك في وجود الحاجب بحث عنه علي الأحوط وجوبا، إلا مع الظن بعدمه.

مسألة 13 يجوز الوضوء برمس العضو في الماء

(مسألة 13): يجوز الوضوء برمس العضو في الماء (3)،

______________________________

و يشكل: بأنه ليس من الوسخ، بل هو جزء من البدن حقيقة و عرفا فلا تجب إزالته مطلقا إذ لا يزيد علي القشر المنجمد علي الجرح بعد برئه الذي يأتي في المسألة السابعة عشرة عدم وجوب إزالته. و ليس الوسخ إلا ما هو خارج عن البدن طارئ عليه، و فرض صيرورته جزءا منه عرفا غير ظاهر، كما ذكرنا.

نعم، قد يكون الوسخ من سنخ اللون غير المانع من وصول الماء للبشرة، فلا تجب إزالته، كما تقدم نظيره في المسألة الخامسة.

كما أنه لو فرض تعارفه بنحو يغفل عنه نوعا يتجه عدم وجوب إزالته، كما يأتي نظيره في المسألة الرابعة عشرة.

(1) كما هو ظاهر و تقدم نظيره في المسألة الخامسة، و يأتي في المسألة الرابعة عشرة الكلام في خصوص وسخ الأظفار.

(2) تقدم الكلام في نظير هذه المسألة في المسألة السادسة في فروع غسل الوجه. بل ما تقدم من النصوص مختص بالمقام لوروده في الخاتم و السوار و الدملج، و التعدي منه للوجه مبني علي إلغاء خصوصية المورد.

(3) و هو مذهب الأصحاب، كما في المدارك، اتفاقا، كما عن البرهان و ظاهر الجواهر.

و كأنه مبني علي ظهور حال الأصحاب من تعريفهم للغسل و عدم تنبيههم علي المنع من الرمس، و إلا فلم أعثر علي تصريح معتد به منهم.

و تعرضهم له في الجبائر لا يقتضي جوازه في غيرها.

ص: 279

مع مراعاة غسل الأعلي فالأعلي (1)،

______________________________

و كيف كان، فيقتضيه إطلاق أدلة الغسل، حتي بناء علي اعتبار الجريان في مفهوم الغسل، لتحققه بتحريك العضو في الماء، إذ لا يراد به إلا انتقال الماء علي أجزاء الأعضاء. و أما ما عن ظاهر ابن الجنيد من وجوب إمرار اليد لحكاية وضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله و لأنه المعهود في الغسل.

فيندفع بما تقدم غير مرة من عدم ظهور النصوص البيانية في الاستحباب، فضلا عن الوجوب، فلا مجال للخروج بها عن الإطلاقات، و لا سيما مع ما تضمن جواز الوضوء بإصابة المطر «1». فتأمل. كما أن الغلبة لا تصلح لتقييد الإطلاقات.

(1) لما تقدم من اعتبار ذلك في اليدين، و في الوجه علي كلام.

و ربما يدعي سقوط الترتيب مع الارتماس، لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحله لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟ قال: إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء، و يضع موضع الجبر في الماء حتي يصل الماء إلي جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحله» «2».

بدعوي: ظهور ذيله في إجزاء ذلك و إن تمكن من حله، مع وضوح عدم حصول الترتيب به، و لذا صرحوا بكفاية وضع موضع الجبر في الماء حتي يصل إلي البشرة و لو مع إمكان النزع.

و يشكل: بأنه لا ظهور في الذيل في إجزاء الرمس و لو مع التمكن من الحل بعد كون المفروض في السؤال تعذر الحل.

و تصريحهم بكفاية ذلك لم يبلغ مرتبة الإجماع ليمكن الاحتجاج به. علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 7.

ص: 280

فيحرك العضو المرموس حركة تدريجية حتي يحصل الغسل تدريجيا (1)،

______________________________

أنه مختص بالجبيرة، و التعدي منها للمقام في غير محله بعد مخالفة الحكم للقاعدة.

(1) يعني: ينوي الغسل لأجزاء العضو الواحد تدريجا باستمرار الحركة، فلا بد من كون الحركة بقدر العضو.

و لا يكفي نية الغسل التدريجي مع استقرار العضو في الماء، أما بناء علي اعتبار الجريان فظاهر.

و أما بناء علي عدمه فلأن المتيقن من الأدلة المتقدمة هو اعتبار إيصال الماء بما هو معني مصدري، و هو موقوف علي الحركة حتي يصل إلي كل جزء من العضو شي ء من الماء تدريجا، و لا تكفي نتيجة المصدر، و هي التماس بين الماء و البشرة الحاصل مع سكون العضو في الماء، لعدم تحقق الغسل به، بناء علي ما تقدم من معناه، و عدم الدليل علي الاكتفاء به.

بل لا يبعد ظهور دليل الترتيب- خصوصا خبر الهيثم المتقدم في غسل اليدين- في لزوم اتجاه الماء من الأعلي إلي الأسفل، لا مجرد تحقق الغسل بالترتيب من دون حركة في الماء لو فرض عدم توقف الغسل عليها.

نعم، لو فرض جريان الماء حال كون العضو فيه لم يبعد عدم الاحتياج للتحريك، بل يكفي مرور الماء الجاري من أول العضو إلي آخره، لاستناد وصول الماء و إمساسه بالمعني المصدري للمكلف، نظير وقوفه تحت المطر الموجب لاصابة مائه له.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه في وجه وجوب التحريك مع ركود الماء- بعد الاعتراف بصدق الغسل عليه، لأنه عبارة عن استيلاء الماء علي البشرة- من أن الواجب في الوضوء حدوث الغسل، لا ما يعم البقاء، و لذا لا يكفي أن يغسل

ص: 281

و لا يكفي مجرد الحركة آنا ما، فإنه لا يحصل الغسل التدريجي بذلك.

كما أنه لا يجوز أن ينوي الغسل لليسري بإدخالها في الماء (1)، لأنه يلزم تعذر المسح بماء الوضوء (2)،

______________________________

وجهه للتبريد ثمَّ ينوي بإبقاء البلل و عدم تجفيفه الغسل الوضوئي.

ففيه: أن التحريك ليس إحداثا للغسل- بمعني استيلاء الماء علي البشرة- بل إبقاء له، فلو لم يكف استمرار الغسل و إبقاؤه لم يكف التحريك أيضا، بل لم يكف تجديد الرمس إلا بعد تجفيف اليد.

و لعله لذا استشكل بعض مشايخنا في الاكتفاء بقصد الغسل بإخراج العضو من الماء، بل اقتصر علي رمس العضو من الأعلي فالأعلي.

لكن الظاهر الاكتفاء بالإبقاء عملا بإطلاق الأدلة، كما في سائر الأمور الاستمرارية و لا سيما مع مناسبته لارتكاز مطهرية الماء، و لذا لا يظن من أحد الالتزام بعدم الاكتفاء بالصب أو إمرار اليد إذا أحدثهما لا بنية الوضوء و نواه باستمرارهما، بحيث يلزم التوقف ثمَّ إحداثهما حين نية الغسل بهما.

كيف! و لازمه عدم تحقق غسل عقدة الإصبع مثلا بوضع الكف علي تمامها، ثمَّ جره و إمراره باتجاه آخرها، لعدم صحة غسل آخرها باحداث الجر عليها، لفرض وجوب الترتيب بينه و بين أولها، و لا باستمراره بعد غسل الأول، لأن الاستمرار لا يكفي في الامتثال. فلاحظ.

(1) يعني من المرفق، و إلا فنية الغسل بإدخالها من الكف لا يحصل معه الترتيب.

(2) و في المدارك أنه المنقول عن السيد جمال الدين بن طاوس في البشري، و قواه في الذكري لما يأتي من عدم جواز المسح بماء جديد غير ماء الوضوء.

لكن في جامع المقاصد: «و يشكل بأن الغمس لا يصدق معه الاستيناف عرفا» و قريب منه عن المشكاة، و نحوه في المدارك لكن بشرط عدم استقرار

ص: 282

بل ينوي غسلها بالإخراج (1). و يحافظ علي عدم نزول الماء الذي علي الذراع إلي الكف لئلا يختلط بماء الكف، فيشكل المسح به (2).

و كذا الحال في اليمني إذا لم يغسل بها اليسري (3).

______________________________

العضو في الماء عرفا.

و فيه: أن الأدلة لم تتضمن النهي عن الاستئناف، بل الأمر بالمسح بالبلة الباقية في اليد من ماء الوضوء بعد غسلها، و هو غير حاصل في الفرض.

(1) قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و لو بأن يقصد الغسل الثاني المستحب حال الإخراج، و حال الإدخال من الأعلي يقصد الغسل الأول الواجب».

لكن يأتي منه في المسألة الثانية بعد المائة الاحتياط الاستحبابي بترك الغسلة الثانية فيما يمسح به.

(2) كأنه لاحتمال أن يكون المراد من بلة اليسري التي ورد في بعض النصوص وجوب المسح بها بلة الكف التي يتحقق بها غسله، لا مطلق بلة اليد بنحو تشمل البلة النازلة من الذراع إلي الكف بعد تمام غسل الكف.

لكن ظهور النصوص في ذلك ممنوع، و لو فرض الاجمال كان المرجع إطلاق المسح.

علي أن الظاهر كون المصحح للإضافة وجود البلة في اليد بعد إتمام الغسل، لا غسلها بها، و لذا صح إضافة البلة لليمني أيضا مع عدم غسلها بها، بل ليس المغسول بها إلا اليسري، بل كثيرا ما يكون ماء الوضوء في غير الارتماس كثيرا، بحيث يسيل من الذراع إلي الكف أو من ظاهر الكف إلي باطنها، فلو وجب التحرز من ذلك لزم التنبيه عليه في النصوص، للغفلة عنه.

(3) كلها أو بعضها، لوضوح أنه مع غسلها بها يكون ماء اليمني ماء الوضوء.

ص: 283

مسألة 14 الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائدا علي المتعارف لا تجب إزالته

(مسألة 14): الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائدا علي المتعارف لا تجب إزالته إلا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر (1)،

______________________________

(1) لما كان وجوب الغسل مختصا بالظاهر فلا فائدة في ذكر المتعارف، لعدم وجوب إزالة الوسخ عن الباطن و إن زاد علي المتعارف.

و كيف كان فقد جزم في المعتبر و القواعد و جامع المقاصد و محكي التذكرة و المقاصد العلية بوجوب إزالة الوسخ، و جعله في المنتهي الأقرب.

لكن قال: «و يمكن أن يقال: إنه ساتر عادة، فكان يجب علي النبي صلّي اللّه عليه و آله بيانه، و لما لم يبين دل علي عدم الوجوب. و لأنه يستر عادة، فأشبه ما يستره الشعر من الوجه»، و الثاني بظاهره قياس مع الفارق، لأن الشعر ساتر طبيعي، و الوسخ أجنبي.

و أما الأول فقد دفعه في جامع المقاصد بأنه يكفي في البيان الحكم بوجوب غسل جميع اليد.

و لا يخفي أن صلوح العموم المذكور للبيان موقوف علي عدم كون العادة بالنحو الموجب للغفلة عن وجوب إزالته، بنحو تكون السيرة علي عدمها، و إلا لم ينفع العموم و احتاج إلي البيان الخاص و كشف عدمه عن تخصيص العموم المذكور.

و منه يظهر حال ما عن الأسترابادي من تأييد عدم وجوب الإزالة بما دل علي استحباب إطالة الأظفار للمرأة «1»، لأنها مظنة اجتماع الوسخ.

هذا، و قد استبعد سيدنا المصنف قدّس سرّه ثبوت العادة، لأن الجزء الذي يعد من الظاهر يبعد عن موضع التقليم و يكون طرف الإصبع، و ثبوت العادة علي وجود الوسخ فيه ممنوع.

و يشكل: بأن تخصيص الظاهر بطرف الإصبع ممنوع، بل الظاهر شموله لما

______________________________

(1) الوسائل باب: 81 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

ص: 284

و إذا قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله (1) بعد إزالة الوسخ.

______________________________

يكون في موضع التقليم إذا لم يكن ما طال من الظفر لاصقا بطرف الإصبع، بحيث يصل الماء إلي ما تحت الظفر مع عدم الوسخ بلا كلفة، و من الظاهر تعارف وجود الوسخ فيه، و الظاهر أنه محل كلامهم.

و من هنا يقوي عدم وجوب إزالة ذلك.

ثمَّ إنه علي القول بوجوب الإزالة فقد قيده في محكي التذكرة و المقاصد العلية و في ظاهر المعتبر بصورة عدم المشقة في الإزالة. و لعله إليه يرجع تقييده بالمكنة في القواعد.

و هو في محله، عملا بعموم رفع الحرج. و إن كان في شموله لما إذا لم يكن تجنب الابتلاء بالوسخ حرجيا إشكال. فتأمل.

هذا، و قد حكي في الحدائق عن الأصحاب الحكم باستحباب رفع الوسخ مع عدم منعه من وصول الماء، و جعله منافيا لما ذكروه من توقف الغسل علي الجريان الذي لا يتحقق مع بقاء الوسخ.

لكن الظاهر أن الجريان لا يتأتي فيما تحت الظفر حتي مع عدم الوسخ، و ليس الإخلال به مستندا للوسخ، فهو غير واجب في مثل ذلك، نظير ما تقدم فيما تحت الشوكة.

(1) بلا إشكال ظاهر، إذ لا طريق لإحراز السيرة علي إبقاء الوسخ حينئذ.

تنبيه:

إذا طالت الأظفار حتي خرجت عن أطراف الأصابع فقد ذكر في القواعد و كشف اللثام و محكي الذكري و الدروس و البيان و الجعفرية و غيرها وجوب غسلها. و تردد في المنتهي و جامع المقاصد و محكي التذكرة و نهاية الإحكام، و عن

ص: 285

مسألة 15 إذا انقطع لحم من اليدين غسل ما ظهر بعد القطع

(مسألة 15): إذا انقطع لحم من اليدين غسل ما ظهر بعد القطع (1)، و يجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل (2)،

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 286

______________________________

المشكاة: لا يجب غسلها علي إشكال.

و مقتضي تخصيصهم الكلام بما إذا خرجت عن أطراف الأصابع مفروغيتهم عن إلحاق ما طال منها باليد حقيقة أو عرفا- و هو الظاهر- و أن الاشكال فيما إذا تجاوزت أطراف الأصابع لأجل كون حد اليد هو أطراف الأصابع، نظير مسترسل اللحية.

و إلا فلو كان منشؤه أيضا، احتمال خروج الأظافر عن اليد لزم الاشكال حتي مع عدم تجاوزها عن أطراف الأصابع.

و من هنا فرق في محكي الذكري بينها و بين مسترسل اللحية باتصالها بمتصل دائما. و هو غير ظاهر، كما في جامع المقاصد.

فالعمدة ما أشار إليه في كشف اللثام من عدم تحديد اليد شرعا بأطراف الأصابع، كما تقدم نظيره في الزوائد النابتة فيما تحت المرفق.

(1) بلا إشكال ظاهر، لما دل علي وجوب غسل الظاهر.

(2) بل لا يبعد كون مراده ما إذا كان موضع اتصال اللحم باليد تحت المرفق، فيلحقه ما تقدم في الزوائد النابتة تحت المرفق، سواء كان انكشاطها من تحت المرفق أم من فوقه.

و أما ما احتمله في كشف اللثام من الاقتصار علي غسل ما كان أصله تحت المرفق منها، دون الزائد، إبقاء لكل منهما علي حكمه.

فهو لا يناسب حكمهم هناك بغسل تمام ما نبت تحت المرفق، لعدم الفرق بينهما ارتكازا.

نعم، لو بقي المكشوط علي سمت اليد و لم يتدلّ تحت المرفق بأن كان طرفه فوق المرفق و أصله تحته لم يبعد الاكتفاء بغسل ما حاذي المرفق منه، دون

ص: 286

و إن كان اتصاله بجلدة رقيقة. و لا يجب قطعه ليغسل ما تحت الجلدة (1)، و إن كان هو الأحوط وجوبا لو عد ذلك اللحم شيئا خارجيا و لم يحسب جزءا من اليد (2).

مسألة 16 الشقوق التي تحدث علي ظهر الكف من جهة البرد

(مسألة 16): الشقوق التي تحدث علي ظهر الكف من جهة البرد إن كانت وسيعة يري جوفها (3) وجب إيصال الماء إليها، و إلا فلا، و مع الشك فالأحوط وجوبا الإيصال (4).

______________________________

الزائد، لخروجه عن حد ما يجب غسله، كما احتمله في كشف اللثام، و إن احتمل أيضا وجوب غسل الكل نظير ما لو طال الظفر.

لكنه كما تري! للفرق بينهما بثبوت التحديد شرعا من جانب المرفق دون طرف اليد.

و إما لو كان موضع اتصال اللحم فوق المرفق فالظاهر عدم وجوب غسله، كما في القواعد و غيرها، بل في المنتهي نفي الخلاف فيه، من دون فرق بين كون تمام المكشوط مما فوق المرفق و كون بعضه مما تحته.

و احتمال وجوب غسل ما حاذي المرفق في الأول، بعيد، لخروج المقطوع بتمامه عن المحدود عرفا.

(1) لأن ما تحت الجلدة من الباطن الذي لا يجب غسله.

(2) لكن الفرض المذكور غير ظاهر التحقق، لأن الجلد المذكور لا يزيد علي ما ينجمد علي الجرح عند البرء الذي يأتي في المسألة السابعة عشرة أنه لا يجب رفعه.

(3) يشكل كون ذلك معيارا في صدق الظاهر. و المعيار فيه وصول الماء بإجرائه من دون كلفة و تعميق، لصدق غسل تمام العضو به. فلاحظ المسألة الثالثة.

(4) لقاعدة الاشتغال، و أما استصحاب عدم كونه من الظاهر فهو لا يجري

ص: 287

مسألة 17 ما ينجمد علي الجرح عند البرء و يصير كالجلد لا يجب رفعه

(مسألة 17): ما ينجمد علي الجرح عند البرء و يصير كالجلد لا يجب رفعه، و يجزي غسل ظاهره (1).

______________________________

مع كون الشبهة مفهومية، لعدم جريان الاستصحاب في المفهوم المردد.

و أما مع كونها مصداقية فجريانه موقوف علي كون الظاهر بعنوانه موضوعا للحكم بسببية غسله للطهارة.

و هو لا يخلو عن إشكال، لقرب أن يكون وجوب غسله لتوقف صدق غسل العضو عليه عرفا، فليس الواجب إلا ما يصدق معه غسل العضو. و تحديده بغسل الظاهر لبيان حده الخارجي لا لأخذ المفهوم المذكور في موضوع الحكم الشرعي نظير تحديد الوجه بأنه ما دارت عليه الإبهام و الوسطي، و إلا فالبناء علي كونه قيدا شرعا في وجوب غسل العضو موقوف علي كونه أخص منه، و هو بعيد جدا، بل الظاهر تطابقهما خارجا و هو مستلزم للغوية الجمع بينهما، فيتعين ما ذكرنا.

و أما ما يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه من توجيه المنع من الاستصحاب بأن الواجب ليس هو الغسل و الوضوء، بل الطهارة المسببة عنه، و ليس عنوان الباطن موضوعا للحكم الشرعي، و لا قيدا له.

ففيه: أن كون الواجب هو الطهارة لا يمنع من التمسك باستصحاب كون المحل من الباطن لو كان عنوانه مأخوذا في سببها شرعا، كما يتمسك باستصحاب طهارة الماء أو الأعضاء لذلك.

و كيف كان، فالظاهر أن المقام من موارد لزوم الاحتياط، لا من موارد الاحتياط في الفتوي، كما يظهر من المتن.

(1) لأنه عرفا هو الجزء الذي يناط صدق غسل العضو بغسله.

نعم، لو انخرق الجلد الموصل له بالبدن من تمام أطرافه أو من أكثرها، بحيث يعد عرفا لاصقا بالبدن لا متصلا به خرج عن كونه جزءا و وجب غسل ما تحته مع التمكن.

ص: 288

و إن كان رفعه سهلا (1).

مسألة 18 يجوز الوضوء بماء المطر

(مسألة 18): يجوز الوضوء بماء المطر (2)،

______________________________

(1) لعدم دخل سهولة الرفع في جزئيته. نعم، لو كان الوجه في الاجتزاء به بدليته عما تحته بملاك رفع الحرج كالجبيرة اتجه وجوب رفعه مع سهولته.

(2) ظاهر الجواهر المفروغية عنه بينهم، و إن لم أعثر في كلماتهم علي تصريح معتد به منهم.

و يقتضيه صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الرجل لا يكون علي وضوء، فيصيبه المطر حتي يبتل رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه هل يجزيه ذلك من الوضوء؟ قال: إن غسله فان ذلك يجزيه» «1».

لكنه بظاهره مخالف لما دل علي وجوب الترتيب في نفس الأعضاء، و بينها، و عدم إجزاء الغسل عن المسح في الرأس و الرجلين.

بل لما هو المعلوم من كون الوضوء تعبديا لا توصليا يجزي فيه إصابة الماء، لظهوره في كون المسؤول عنه هو الاجزاء بعد إصابة المطر، لا إجزاء فعل ما يوجبها، كالقيام تحته و التعرض له.

و من الظاهر امتناع الخروج به عن جميع ذلك، بعد كون عموم اعتبارها من الواضحات، المتسالم عليها بين الأصحاب، حتي في مورده، لعدم استثنائهم له من عمومها، بل صرح الشيخ قدّس سرّه في التهذيب و الاستبصار بتنزيله علي الترتيب بين الأعضاء.

و من هنا لا بد من تنزيله علي ما لا ينافي جميع ذلك، بحمله علي بيان أن إصابة المطر تحقق الغسل الواجب، لا إطلاق الاكتفاء بها، و لو مع مخالفة شروط الغسل. مع تقييده أيضا بغير مواضع المسح.

لكن الإنصاف أن حمله علي ذلك بعيد عن ظاهره جدا، فيتعين رفع اليد

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 289

كما إذا قام تحت السماء حين نزوله (1)، فقصد بجريانه علي وجهه غسل الوجه، مع مراعاة الأعلي فالأعلي، و كذلك بالنسبة إلي يديه.

و كذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه (2). و لو لم ينو من الأول لكن بعد جريانه علي جميع محال الوضوء مسح بيده علي وجهه بقصد غسله، و كذا علي يديه إذا حصل الجريان أيضا (3).

مسألة 19 إذا شك في شي ء أنه من الظاهر حتي يجب غسله

(مسألة 19): إذا شك في شي ء أنه من الظاهر حتي يجب غسله، أو الباطن، فالأحوط وجوبا غسله (4).

______________________________

عنه، لظهور إعراض الأصحاب عن مضمونه المسقط له عن الحجية، و الموجب لكونه من المشكل الذي يردّ إليهم عليهم السّلام.

و يكون الدليل في المقام هو إطلاقات أدلة الغسل- بعد ما سبق من أن المراد به إيصال الماء للبشرة- المعتضدة بما دل علي إجزاء إصابة المطر في الغسل «1» - الخالي عن أكثر الإشكالات المتقدمة- لإلغاء خصوصية مورده و التعدي منه للوضوء.

(1) بحيث يكون وصول الماء للبشرة مستندا للمكلف و باختياره، لفعله ما يوجبه، كتعريض نفسه له، فلو فرض سلب اختياره في ذلك لم تكفه النية بالجريان، لما يأتي من اعتبار المباشرة في الوضوء.

(2) للإطلاقات المشار إليها، أو لنصوص المطر بعد إلغاء خصوصية موردها عرفا.

(3) مما تقدم في الارتماس يظهر أنه لا بد من كون المسح موجبا لوصول ماء لكل جزء من البشرة غير ما وصل إليه سابقا بنزول المطر، و لو لكونه سببا لتنقل الأجزاء المائية في أجزاء العضو.

(4) أما مع سبق كونه من الظاهر مع تعاقب الحالتين فظاهر، إذ لا أقل من

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 10، 11، 14.

ص: 290

الثالث: مسح مقدم الرأس
اشارة

الثالث: يجب مسح مقدم الرأس (1)،

______________________________

كونه مقتضي قاعدة الاشتغال، التي تقدم أنها المرجع في المقام، لكون الشك في المحصل.

و أما مع سبق كونه من الباطن فلما تقدم في المسألة السادسة عشرة من الإشكال في استصحاب عدم كون الموضع من الظاهر، سواء كانت الشبهة مفهومية أم مصداقية.

و عليه يكون المورد من موارد لزوم الاحتياط لا من موارد الاحتياط في الفتوي، كما تقدم نظيره.

و منه يظهر الحال فيما لو جهلت حالته السابقة، لتوقف عدم وجوب غسله علي استصحاب عدم كونه من الظاهر، فإنه و إن كان يجري في نفسه بلحاظ العدم الأزلي، و غير معارض باستصحاب عدم كونه من الباطن- لعدم الأثر له، لاختصاص الأثر بالمغسول، دون غيره- إلا أن الاشكال المتقدم في الاستصحاب جار فيه.

(1) أما وجوب مسح الرأس فهو الذي نطق به الكتاب المجيد و السنة المستفيضة أو المتواترة و ادعي عليه إجماع المسلمين، و ان حكي عن الشافعي و أحمد في أحد قوليه إجزاء الغسل عنه.

و أما عدم وجوب استيعاب الرأس بالمسح فهو- مع كونه مجمعا عليه بين الأصحاب، كما يظهر مما يأتي- مقتضي النصوص الكثيرة الآتي بعضها. بل هو مقتضي الآية الكريمة بناء علي أن الباء للتبعيض، أو مقتضي إطلاقها، بناء علي أنها للإلصاق أو الاستعانة، فإن كون الرأس ممسوحا به لا يقتضي استيعابه، كما أن كون المنديل ممسوحا به لا يقتضيه، بخلاف ما لو كان ممسوحا.

و الثاني هو المتيقن مما في صحيح زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام: «ثمَّ قال:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ فإذا مسح بشي ء من رأسه أو

ص: 291

______________________________

بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلي أطراف الأصابع فقد أجزأه» «1».

و أما الأول فهو الظاهر من صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ألا تخبرني من أين علمت و قلت ان المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و نزل به الكتاب من اللّه عز و جل، لأن اللّه عز و جل قال:

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ. ثمَّ فصل بين الكلام فقال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فعرفنا حين قال بِرُؤُسِكُمْ أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء.» «2».

لكن المعني المذكور غير متبادر من الباء بنفسها. و من هنا قد ينزل الصحيح علي أن الباء لما كانت للإلصاق أو الاستعانة يكون مقتضي الإطلاق الاجتزاء بالبعض، و هو مستلزم لعدم مشروعية المسح بالكل، لتعذره دفعة واحدة، و مع التدريج يحصل الامتثال بالبعض، و يكون الكل زائدا علي الواجب، لأن التخيير بين الأقل و الأكثر التدريجي مخالف للإطلاق. فيكون التبعيض مستفادا من الباء بضميمة حكم العقل بامتثال الطبيعة بصرف الوجود، و تعذر المسح بالكل دفعة.

و أما كون المسح علي مقدم الرأس فهو المدعي عليه الإجماع في الناصريات و الخلاف و المعتبر و كشف اللثام و المدارك و عن التذكرة و الذكري، و هو ظاهر المنتهي و عن التنقيح، و في الانتصار أنه من متفردات الإمامية الذي لا شبهة في أنه الفرض عندهم.

و يقتضيه غير واحد من النصوص، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: مسح الرأس علي مقدمه» «3»، و في صحيحة الآخر عنه عليه السّلام في حديث: «و ذكر المسح فقال: امسح علي مقدم رأسك» «4»، و ما عن العلل في بيان حال آدم عليه السّلام: «و أمره بمسح الرأس لما وضع يده علي أم رأسه» «5»، و ما ورد في

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 1، 2.

(4) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 16.

ص: 292

______________________________

قصة علي بن يقطين من أمره أولا بمسح تمام الرأس، و بعد ارتفاع موجب التقية عنه كان في جملة ما كتب عليه السّلام إليه به: «و امسح بمقدم رأسك» «1».

و أما ما في صحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: ان اللّه وتر يحب الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلة يمناك ناصيتك» «2».

فقد يستشكل في دلالته باحتمال كون قوله عليه السّلام: «و تمسح.» لبيان الإجزاء تتمة لإجزاء الغرفات الثلاث، لا الوجوب، بل الاحتمال المذكور هو المتعين بالإضافة إلي البلة الممسوح بها. فتأمل.

كما لا مجال للاستدلال ببعض نصوص الوضوءات البيانية الظاهرة في مسح المقدم، لما تكرر من عدم دلالتها علي الاستحباب، فضلا عن الوجوب.

و كذا مرسل حماد عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل يتوضأ و عليه العمامة.

قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح مقدم رأسه» «3». لوروده لبيان عدم وجوب وضع العمامة عن الرأس. و لعل مسح المقدم لأنه أحد أفراد التخيير أو أسهلها في فرض عدم وضع العمامة.

و مثله خبر الحسين بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها تضع الخمار عنها، و إذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها» «4».

لقرب وروده لبيان الاجتزاء بمسح الناصية في الأوقات الأربعة، في مقابل وضع الخمار عند الصبح الذي لا يبعد كونه كناية عن مسح ما هو أكثر من ذلك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 293

______________________________

فالعمدة ما تقدم الذي عمدته صحيحا محمد بن مسلم، و قد عرفت تسالم الأصحاب علي ذلك.

و لأجله يلزم رفع اليد عن غير واحد من النصوص التي قد يظهر منها خلاف ذلك، كصحيح الحسين بن أبي العلاء: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: امسح علي الرأس مقدمه و مؤخره» «1» و صحيحة الآخر عنه عليه السّلام: «و سألته عن الوضوء بمسح الرأس مقدمه و مؤخره. فقال: كأني أنظر إلي عكنة في رقبة أبي يمسح عليها» «2» و خبر الحسين بن عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة بإصبعه أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم» «3».

فان الجمع بين هذه النصوص و النصوص السابقة لو أمكن عرفا بحمل تلك علي الاستحباب، إلا أنه لا مجال له بعد ما عرفت من تسالم الأصحاب علي وجوب المسح علي المقدم و إهمال هذه النصوص المسقط لها عن الحجية، و المقرّب لاحتمال التقية فيها.

مع أن من القريب ظهور الأول في وجوب الجمع بين المقدم و المؤخر- لا التخيير بينهما- كما تضمنه المرفوع إلي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في مسح القدمين و مسح الرأس. فقال: مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره، و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما» «4»، فينافي صريح النصوص المتقدمة و غيرها مما يدل علي الاجتزاء بمسح المقدم، و يلزم بحمله علي التقية.

كما أن ظاهر الثاني جواز الجمع بينهما فلا ينافي وجوب مسح المقدم.

و أما الثالث فحمل النصوص المتقدمة لأجله علي الاستحباب ليس بأولي من حمله لأجلها علي مسح المقدم من جهة الخلف. علي أنه ضعيف السند، لإهمال الحسين بن عبد اللّه أو جهالته.

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 7.

ص: 294

و هو ما يقارب ربعه مما يلي الجبهة (1)،

______________________________

(1) حيث ينقسم الرأس بطبعه أربعة أقسام، المقدم و المؤخر و الجانبين، فالمقدم ما يسامت الجبهة إلي قنة الرأس و وسطه، و قد لا تبلغ مساحته ربع الرأس.

و حمله علي الناصية لما عن القاموس من جعلها من معانيه لا مجال له لتبادر ما ذكرناه منه، كما يقتضيه مقابلته بالمؤخر عند العرف و في كلمات الفقهاء، و لا ينهض كلام القاموس حجة علي خلافه، و لا سيما مع ظهوره- كصريح لسان العرب- في كون الناصية من معاني مقدمة الرأس لا مقدمه، و لا سيما مع تفسيره الناصية- كما عن ابن سيدة- بقصاص الشعر الذي هو أول الرأس مع القطع بعدم اختصاص المقدم به و عدم إرادته في المقام.

و مثله تنزيله عليها بقرينة صحيح زرارة و خبر الحسين المتقدمين، إما بجعلهما مفسرين له أو مقيدين لإطلاقه.

لضعف دلالتهما علي وجوب مسح الناصية- لما تقدم- و ضعف سند الثاني منهما. بل لو فرض ظهورهما في الوجوب فهو لا يقاوم ظهور صحيح محمد بن مسلم في التحديد، فحملهما لأجله علي الاستحباب أقرب من تقييده بهما.

علي أن الناصية لا تخلو عن إجمال بعد اختلافهم في معناها فقد فسرت بالمقدم- كما عن الأزهري و المصباح المنير و تفسير البيضاوي- أو بشعر المقدم- كما في مجمع البيان- و بما بين النزعتين- كما عن التذكرة و غيرها- و بالقصاص- كما في القاموس و مجمع البحرين و عن ابن سيدة- و لعل الأول أقرب للمعني العرفي.

بل لا إشكال في عدم إرادة الثالث في المقام، كما تقدم، و الثاني و إن أمكن إرادته إلا أن صغر مساحته و قربه من الوجه المغسول المستلزم لتعرضه للبلل، يستلزم احتياج مسحه إلي عناية، فلو وجب لظهر و لم يخف علي الأصحاب، و هو لا يناسب إهمالهم التنبيه عليه و إطلاقهم المسح علي المقدم، لاحتياج مثله إلي التنبيه.

ص: 295

و يكفي فيه المسمي طولا و عرضا (1)،

______________________________

و مما تقدم يظهر أنه لا طريق لإثبات استحباب المسح علي الناصية، بمعني ما بين النزعتين، و إن حسن برجاء المطلوبية.

(1) كما صرح به جماعة كثيرة، و نسب إلي المشهور في كلام غير واحد، بل نسبه في التبيان إلي مذهبنا، و في مجمع البيان إلي أصحابنا، في مقابل العامة، و عن أحكام القرآن للراوندي و ظاهر آيات الأحكام للأردبيلي دعوي الإجماع عليه.

و ربما يرجع إليه ما صرح به جماعة من الاجتزاء بالإصبع، بل في الخلاف و الغنية أن عليه الإجماع، و إن كان صريح بعضهم عدم تأدي الواجب إلا به.

و كيف كان، فهو مقتضي إطلاق الآية الكريمة بالتقريب المتقدم. و كذا النصوص المتضمنة للاجتزاء بالبعض، كصحيح زرارة و صحيح زرارة و بكير المتقدمين، و صحيحهما الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه قال في المسح: تمسح علي النعلين، و لا تدخل يدك تحت الشراك، و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلي أطراف الأصابع فقد أجزأك» «1» و ما تضمن الأمر بالمسح علي الرأس أو به، فإنه يصدق مع مسح بعضه، و ليس هو كالتعبير بمسح الرأس في ظهوره في الاستيعاب.

و من الغريب ما يظهر من الحدائق من الميل إلي إجمال هذه الأدلة و عدم ظهورها في الإطلاق بدعوي القطع بعدم إرادة بعض ما من الأبعاض و لا شي ء ما من الأشياء، بل بعض معين، فلا بد من تعيينه بأدلة أخري، كما تعين موضع المسح بنصوص المقدم.

لوضوح اندفاعه بأن ظاهر هذه الأدلة عدم تعين مقدار الممسوح و لا محله،

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 296

______________________________

و تقييد نصوص المقدّم لها بالإضافة إلي المحل لا يستلزم إجمالها بالإضافة إلي المقدار.

هذا، و في الفقيه و عن مسائل الخلاف للمرتضي و كتاب عمل يوم و ليلة للشيخ وجوب المسح بثلاث أصابع. و كأن الوجه فيه خبر معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: يجزي من المسح علي الرأس موضع ثلاث أصابع. و كذلك الرجل» «1» و صحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع، و لا تلقي عنها خمارها» «2» بناء علي عدم الفصل بين الرجل و المرأة.

لكن لا ظهور للخبرين في أن الثلاث أقل المجزي، غايته إشعارهما بذلك، و هو لا ينهض بتقييد الإطلاق، خصوصا في صحيحي زرارة و بكير اللذين هما كالنص فيه.

مع أن الأول ضعيف السند، و لم يتضح انجباره بالعمل، لأن حكم جماعة باستحباب المسح بثلاث أصابع لعله مبني علي قاعدة التسامح، لا لاعتبار الخبر عندهم.

كما أن ذهاب من عرفت للوجوب- مع قلتهم- إنما هو بمقتضي ظاهر كلامهم الذي يمكن تنزيله علي الاستحباب، لكثرة تسامحهم في التعبير بذلك، و لا سيما مع تصريح بعضهم بالاستحباب في بعض كتبهم، و ظهور ما عرفت من كلماتهم في كون الاجتزاء بالمسمي هو مذهب الإمامية، و لا مجال مع ذلك لإثبات حجية الخبر.

و أما الثاني فهو مشعر بخصوصية المرأة كاشعاره بالمدعي، فلعله وارد لبيان استحباب زيادتها علي الرجل في المسح، كما تضمنه خبر الحسين بن زيد المتقدم، فهو لبيان إجزاء عدم وضع الخمار مع زيادة المسح، لدفع توهم

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 297

______________________________

خصوصية وضع الخمار في ذلك الذي قد يستفاد من خبر الحسين.

مضافا إلي معارضتهما بخبر الحسين بن عبد اللّه و مرسل حماد المتقدمين، و نحوهما حسن حماد عن الحسين: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل توضأ و هو معتم، فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد. فقال: ليدخل إصبعه» «1».

و لا يخفي أن ثقل نزع العمامة عليه لا يستلزم الحرج، فضلا عن خوف الضرر. علي أن عدم نزع العمامة للضرورة لا يستلزم الاقتصار علي إصبع واحدة، كي لا يكشف عن إجزائه اختيارا.

و منه يظهر الاشكال فيما في النهاية من عدم جواز الاقتصار علي ما دون ثلاث أصابع مع الاختيار، فلو خاف البرد من نزع العمامة أجزأه مقدار إصبع واحدة.

إذ لا وجه له إلا حمل الخبر علي الضرورة.

و كذا ما عن ابن الجنيد من أنه يجزي الرجل في المقدم إصبع و المرأة ثلاث أصابع- لو أراد أنه أقل المجزي.

فإنه لا وجه له إلا جعل صحيح زرارة شاهد جمع بين خبر معمر و نصوص الإصبع. و قد عرفت عدم ظهور الجميع في بيان أقل المجزي.

مضافا إلي أن الفرق المذكور لو كان ثابتا بنحو الوجوب لم يخف مع كثرة الابتلاء بالحكم، فلا يمكن خفاؤه علي الأصحاب و إهمالهم التنبيه عليه.

و أما ما ذكره بعض الأصحاب و حكي عن جماعة من وجوب المسح بإصبع واحدة، إما لعدم تأدي المسمي إلا به- كما عن الدروس- أو لتقييد إطلاق الأدلة بنصوص الإصبع المتقدمة، بحملها علي بيان أقل المجزي- كما يظهر من الشيخ قدّس سرّه في التهذيب.

فلا مجال له، لمنع الأول. و الثاني لا قرينة عليه في النصوص المتقدمة، بل غاية ما تضمنته جواز إدخال الإصبع تحت العمامة في مقابل وجوب نزعها، فإنه

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 298

و الأحوط استحبابا أن يكون العرض قدر ثلاث أصابع و الطول قدر إصبع (1).

______________________________

الذي يسهل إدخاله حين لبسها، و لا إشعار فيها بالتقدير به، بنحو لا يجوز المسح ببعضه، أو مع جفاف الماء عن بعضه.

فيتعين الاكتفاء بالمسمي من دون تحديد، عملا بالإطلاق الذي عرفت قوة ظهور صحيحي زرارة و بكير فيه، حتي كادا يكونان صريحين فيه.

(1) عرفت من بعض الأصحاب وجوب كون الممسوح بقدر ثلاث أصابع، و قد أفتي جماعة منهم باستحباب ذلك. و كأنه للعمل بخبر معمر، و يتجه لو تمت قاعدة التسامح.

هذا و قد أطلق جمع منهم من دون تقييد بالطول و العرض، كما قيده بعضهم بالعرض.

و قد وقع الكلام منهم في تعيين المراد من النصوص و كلمات الأصحاب.

و اختلفوا في ذلك علي أقوال.

الأول: أن المراد التحديد بذلك في جانب عرض الرأس، مع الإطلاق و الاكتفاء بمسمي المسح في جانب طوله، كما في جامع المقاصد و عن محكي شرح الدروس و اللوامع، بل ظاهر الأول و صريح الأخيرين كون ذلك مراد جميع الأصحاب.

الثاني: مرور الماسح علي الرأس بهذا المقدار، كما هو صريح المسالك و ظاهر الجواهر. نعم، أطلق في المسالك اتجاه المسح في الطول و العرض، و في طول الممسوح و عرضه. و احتمل في الجواهر كون اتجاه المسح في طول الرأس.

الثالث: أن يكون الممسوح من عرض الرأس بقدر طول إصبع، بقدر عرض ثلاث أصابع مضمومة، و هو الذي استظهره في الحدائق من الأخبار، تبعا للاسترابادي.

ص: 299

______________________________

الرابع: عكس الوجه المذكور. و لا يبعد إرادة سيدنا المصنف قدّس سرّه من المتن، لأنه فهم هذا الوجه من عبارة العروة الوثقي المقاربة لعبارته هنا، و إن لم يرتضه و قرّب الوجه الأول.

الخامس: التخيير بين الوجهين المذكورين، و هو الذي صرح به في المستند، و يحتمله ما في العروة الوثقي.

و الذي ينبغي أن يقال: لا بد في تحديد كل شي ء من ذكر حدوده المقومة له، فيحدد الخط ببعد واحد، و السطح ببعدين، و الجسم بأبعاد ثلاثة. و حيث لا يصدق المسح بالخط عرفا، بل يتوقف علي كون الممسوح سطحا ذا بعدين، تعين الاتكال في الحديثين المتقدمين المتضمنين للتحديد بثلاث أصابع في بيان البعد الثاني علي البعد المذكور فيهما، فيكون المراد مسح مساحة من الرأس بقدر ثلاث أصابع مربعة، نظير ما تقدم في تحديد الكر من الاتكال في بيان البعد الثالث علي البعدين المذكورين في النصوص لمشابهته لهما.

و بهذا يفترق التحديد في الرأس عن التحديد في الرجلين الذي تضمنه أيضا خبر معمر، لأن وضوح وجوب الاستيعاب فيهما في جانب الطول يوجب انصراف التحديد إلي خصوص العرض، بخلاف الرأس.

و لا مجال للاتكال فيه في بيان أحد البعدين علي الإطلاق- كما هو مبني الوجه الأول و الثاني- لأن مبني التحديد في كلا البعدين علي مخالفته و تقييده، فهو مما يغفل عنه في مقام التحديد و لا يلتفت إليه كي يتكل عليه. بل صدق قدر ثلاث أصابع علي خصوص قدرها في أحد البعدين و أدني المسمي في الثاني بعيد عن العرف جدا.

نعم، لو لم يكن تحديد أحد البعدين منافيا للإطلاق، أو أشير في التحديد إلي تحديد أحدهما المعين أو المردد اتجه الرجوع للإطلاق في الثاني.

كما لا مجال للحمل علي تحديد البعد الثاني بطول الإصبع، لأن منصرف التحديد بالأصابع الثلاثة إلي قدر عرضها الحاصل من ضم بعضها لبعض، و لذا كان

ص: 300

______________________________

هو المفهوم في تحديد ما له بعد واحد بها، و لا ينصرف إلي الطول الحاصل لكل منها و لو مع عدم الانضمام.

و منه يظهر ضعف جميع الوجوه المتقدمة. مضافا إلي الإشكال في الوجه الأول و الثالث و الرابع بأن صرف التحديد بعرض ثلاث أصابع إلي خصوص طول الرأس، أو عرضه، بلا مرجح.

و في الثاني بأن ظاهر الخبرين تحديد مساحة الممسوح لا حركة الماسح.

و من ثمَّ كان الوجه الخامس أقوي تلك الوجوه، و إن كان ما ذكرنا أظهر منه.

و أما الاستدلال علي الثالث- كما عن الأسترابادي- بصحيح زرارة المتقدم المتضمن مسح الناصية، بدعوي ظهوره في مسح تمامها.

فكأنه مبني علي تفسير الناصية بما بين النزعتين، و تخيل كونها حينئذ ذات شكل مربع علي الوجه المذكور.

و قد عرفت الإشكال في الأول آنفا، كما يشكل الثاني بأن الناصية بهذا المعني مثلثة لا مربعة و ضلعها الأعلي أطول من إصبع، و قطر مثلثها دون ثلاث أصابع.

و أشكل من ذلك الاستدلال له بأنه مقتضي الجمع بين نصوص الإصبع و نصوص الثلاث.

لوضوح أن نصوص الإصبع لم تتضمن التقدير به، بل المسح به بإدخاله تحت العمامة، و من الظاهر أن المسح به حينئذ يكون طولا لا عرضا، فيكون عرض الممسوح بقدر إصبع أو دونه، لا بقدر ثلاث أصابع.

هذا، و المذكور في الفقيه و إشارة السبق هو المسح بثلاث أصابع.

و لا شاهد له، لأن الخبرين المتقدمين قد تضمنا تقدير الممسوح بقدر ثلاث أصابع- و إن لم يسمح بها- و هو المعروف في كلمات الأصحاب، و ربما ينزل ما في الكتابين المذكورين عليه.

بقي في المقام أمور.

ص: 301

______________________________

الأول: صرح باستحباب مسح قدر ثلاث أصابع مضمومة في المقنعة و الخلاف و الغنية و الوسيلة و المعتبر و الشرائع و القواعد و المنتهي و غيرها، و هو المحكي عن مصباح السيد و جمله و المبسوط و المهذب و الإصباح و السرائر و غيرها.

و ربما يرجع إليه ما في المراسم من أن أقل المسح مقدار إصبع واحدة و أكثره مقدار ثلاث أصابع. و الوجه فيه خبر معمر المتقدم، لأن العدول في ذكر المجزي عن الإصبع إلي الثلاث ظاهر في الاهتمام بها و رجحانها.

نعم، ضعف الخبر و عدم وضوح انجباره بعملهم به في المستحبات- كما أشرنا إليه آنفا- يمنع من الفتوي به إلا بناء علي قاعدة التسامح في أدلة السنن.

الثاني: أطلق جماعة استحباب مسح مقدار ثلاث أصابع من دون إشارة للفرق بين الرجل و المرأة.

لكن في المقنع و الهداية أنها تلقي عنها قناعها في صلاة الغداة و المغرب، و يجزيها في بقية الصلوات أن تدخل إصبعها تحته من دون أن تلقيه، و نحوه في المقنعة و زاد أنها تمسح بثلاث أصابع بعد إلقاء قناعها في الوقتين المذكورين، و في المعتبر و المنتهي أنه يستحب لها أن تلقي خمارها و يتأكد في الصبح و المغرب.

و قد تقدم عن ابن الجنيد التفريق بينهما بإجزاء الإصبع للرجل و الثلاث للمرأة.

و قد تقدم في رواية الحسين بن زيد أنها تضع الخمار في خصوص الصبح، و في رواية جابر الجعفي عن الباقر عليه السّلام: «و لا تمسح كما يمسح الرجال، بل عليها أن تلقي الخمار من موضع مسح رأسها في صلاة الغداة و المغرب و تمسح عليه، و في سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح علي رأسها من غير أن تلقي عنها خمارها» «1» و يتعين الجمع بينهما بتأكد الفضل في الصبح.

كما تقدم قرب أن يكون إلقاء الخمار كناية عن زيادة المسح بمسح. مقدار

______________________________

(1) الوسائل كتاب النكاح باب: 123 من أبواب مقدماته و آدابه حديث: 1. كتاب الخصال ص: 553 طبع النجف الأشرف.

ص: 302

______________________________

ثلاث أصابع بقرينة صحيح زرارة المتقدم.

و لا بد من حمل الجميع علي الاستحباب، و إن كان ظاهر المقنع و الهداية و المقنعة الوجوب، لبعد خفاء مثل هذا الحكم، أو إهمال الأصحاب له لو كان إلزاميا، لكثرة الابتلاء به. و لا سيما مع ضعف خبري الحسين و جابر سندا، و عدم ظهور صحيح زرارة في بيان أقل المجزي، كما سبق.

و يكون المحصل من جميع ما تقدم: استحباب المسح بثلاث أصابع مطلقا، و يتأكد في المرأة في صلاتي الصبح و المغرب، و هو في صلاة الصبح لها آكد.

هذا مع الغض عن ضعف أخبار معمر و الحسين و جابر، أو بناء علي قاعدة التسامح، و إلا فالمتعين البناء علي استحباب مسح مقدار الثلاث للمرأة مطلقا، عملا بصحيح زرارة.

الثالث: تقدم في أول المسألة عدم مشروعية مسح تمام الرأس، إما لاختصاص التشريع بالبعض، أو لأن مقتضي الاكتفاء بالمسمي عدم مشروعية ما زاد عليه بعد فرض كون المسح تدريجيا.

كما أن مقتضي نصوص المقدم و لا سيما صحيح محمد بن مسلم الأول عدم مشروعية مسح غير المقدم حتي معه. فيكون الإتيان به بقصد مشروعيته بدعة و حراما.

و يبطل الوضوء إن كان التشريع فيه قيدا في امتثال أمر الوضوء، أو راجعا إلي التشريع في نفس أمر الوضوء، بأن يشرّع أمرا وضوئيا آخر مشتملا علي الزيادة المذكورة. و إن كان التشريع في نفس الزيادة، بأن يشرّع في كيفية الأمر الوضوئي المشروع المعهود، مع قصد امتثاله علي إطلاقه، لم يبطل الوضوء، إلا أن يتحقق مسحه مع المسح الواجب بحركة واحدة دفعية، فإن حرمة الحركة المذكورة و امتناع التقريب بها لاشتمالها علي التشريع يبطل المسح بالمقدار الواجب الحاصل بها.

و ربما يأتي في مباحث النية ما له دخل في المقام.

ص: 303

و الأحوط وجوبا أن يكون بنداوة الكف اليمني (1)،

______________________________

و إن لم يكن مسح الزائد بقصد مشروعيته فلا مجال لحرمته، فضلا عن إبطاله.

و في الروضة و عن الدروس و الذكري و المقاصد العلية كراهة الاستيعاب حينئذ.

و لم يتضح وجهه، و في الجواهر: «و لعله من جهة التشبه بالعامة. و الأمر سهل».

و أما المقدم فقد عرفت إجزاء مسمي المسح منه، و استحباب كونه بقدر ثلاث أصابع- و لو بناء علي قاعدة التسامح- فان وقع دفعة كان أفضل فردي الواجب، و إن وقع تدريجا تحقق الواجب بالمسمي، و كان الزائد مستحبا محضا، علي ما هو مقتضي قاعدة إجزاء المسمي و سقوط الأمر به. و التخيير بين الأقل و الأكثر التدريجين مخالف للإطلاق، كما يذكر في محله.

و أما ما زاد علي ذلك من المقدم، فان وقع بعد مسح مقدار الثلاث لكون المسح تدريجيا فلا دليل علي مشروعيته، و يلحقه ما تقدم في مسح غير المقدم تدريجا، و إن وقع معها لكون المسح دفعيا تعين وقوع الامتثال به بتمامه حتي لو فرض استيعاب تمام المقدم، لدخوله في إطلاق المسح و عدم منافاته للتبعيض في الرأس.

و لا وجه لما تقدم من المراسم من أن أكثر المسح قدر ثلاث أصابع إن أراد به تحديد المشروع لا المستحب، و كذا ما عن الكركي من عدم مشروعية ما زاد علي الثلاث.

فإن دليل الثلاث إنما يقتضي مشروعيتها، بل استحبابها، لا عدم مشروعية ما زاد عليها، ليصلح لتقييد الإطلاق. فلاحظ.

(1) هذا يرجع إلي اعتبار أمور.

ص: 304

______________________________

الأول: أن يكون المسح ببقية ماء الغسل الوضوئي، لا بماء آخر بعد إكماله.

و هو المنسوب لأكثر أصحابنا في الخلاف، و إن ادعي عليه إجماع الفرقة بعد ذلك، كما ادعي عليه الإجماع في الانتصار و الغنية و محكي التذكرة و نهاية الإحكام و ظاهر التنقيح، و جعله من متفردات الإمامية، و ظاهر جامع المقاصد و الروض و المدارك و محكي الذكري أنه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد، حيث صرح في محكي كلامه بجواز استئناف ماء جديد مع جفاف الأعضاء [1].

و كيف كان، فقد استدل عليه في كلام غير واحد بنصوص الوضوءات البيانية فقد اشتمل جملة منها علي التصريح بذلك و بأنه مسح بفضل الندا، و أنه لم يعد يده في الإناء، و نحو ذلك مما يظهر منه تنبه الراوي لذلك.

نعم، في المعتبر: «و ذكر البزنطي في جامعه عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: حكي لنا وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قال: ثمَّ مسح بما بقي في يده رأسه و رجليه، ثمَّ قال أحمد البزنطي: و حدثني المثني عن زرارة و أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام مثل حديث جميل في الوضوء، إلا أنه في حديث المثني: ثمَّ وضع يده في الإناء فمسح رأسه و رجليه» «2». و احتمال تعدد الواقعة مانع من التعارض بين روايتي جميل و المثني، و حيث كانت رواية المثني حسنة أو صحيحة كانت دليلا للجواز.

اللهم أن يستشكل فيها بأن إطباق نصوص الوضوءات البيانية علي حكاية وضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله- الظاهر في إرادة الوضوء الشائع منه- علي خلاف ما تضمنته و التأكيد فيها علي عدم أخذ الماء الجديد مانع من الوثوق بها و مقرب لاحتمال الخطأ فيها و مسقط لها عن الحجية، و لا سيما بعد إهمال الأصحاب لها فلم يرووها

______________________________

[1] قال فيما حكاه عنه في محكي المختلف: «إذا كان بيد المتطهر نداوة يستبقيها من غسل يديه مسح بيمينه رأسه و رجله اليمني و بنداوة اليسري رجله اليسري، و ان لم يستبق ذلك أخذ ماء جديدا لرأسه و رجليه» و منه يظهر أنه لا ينبغي نسبة الخلاف له في أصل الحكم و أنه يري جواز الاستئناف مطلقا و لو مع عدم جفاف بلة الوضوء، كما يظهر من بعضهم. منه عفي عنه.

______________________________

(2) تراجع النصوص المذكورة في الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء، و غيرها من الأبواب المتفرقة.

ص: 305

______________________________

في كتبهم المشهورة، و لم يهتموا بمناقشتها، فكأنها عندهم شاذة لا يعول عليها.

فالعمدة: ما تكرر غير مرة من عدم دلالة الوضوءات البيانية علي الوجوب، و لا سيما في المقام، حيث كان مذهب جمهور العامة وجوب الاستئناف، و القول بجواز المسح ببلة الوضوء غير شائع بينهم.

و مثله الاستدلال بما في صحيح زرارة بعد حكاية وضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله من قوله: «قال أبو جعفر عليه السّلام: إن اللّه وتر يحب الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمني، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسري» «1».

لقرب أن يكون قوله: «و تمسح.» جملة خبرية مسوقة مساق الأمر الوارد في مقام دفع توهم الحظر، لبيان إجزاء المسح بالبلة، و عدم وجوب الاستئناف، جريا علي ما تضمنه الصدر من إجزاء الغرفات الثلاث، فان احتفاف الأمر بذلك صالح لصرفه عن ظاهره، بلا حاجة إلي دعوي: كونه معطوفا علي فاعل: «يجزيك».

ليستشكل فيه بتوقفه علي تقديره بالمصدر، أو علي إضمار «أن»، و كلاهما خلاف الأصل. بل قد يدعي المنع من الثاني، لتوقفه- كما عن ابن الأنباري- علي كون المعطوف عليه مصدرا. فتأمل جيدا.

فالأولي الاستدلال علي ذلك بطائفتين من النصوص.

الأولي: ما تضمن الأمر به ابتداء، مثل ما في صحيح ابن أذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث المعراج و وحي اللّه تعالي لنبيه صلّي اللّه عليه و آله في الوضوء من قوله:

«ثمَّ أوحي اللّه إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر إلي عظمتي، ثمَّ اغسل ذراعيك اليمني و اليسري، فإنك تلقي بيدك كلامي، ثمَّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء و رجليك إلي كعبيك فإني أبارك عليك.» «2» المؤيد بما ورد في قصة علي بن يقطين من قوله عليه السّلام: «و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 306

______________________________

وضوئك.» «1».

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من إجمال الصحيح، لأنه وارد في بيان قصة خارجية.

فلا مجال له، لظهور الأمر في الوجوب.

و احتمال كون القيد ليس للأمر الوضوئي بعيد عرفا، كاحتمال خصوصيته صلّي اللّه عليه و آله في القضية الخاصة أو في مطلق وضوئه. و لا سيما مع اشتماله علي بعض الخصوصيات، كتحديد الرجلين بالكعبين الظاهر في شرح الوضوء المشروع.

و حينئذ ينهض هذا الصحيح بشرح صحيح زرارة المتقدم الحاكي لوضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله و حمل قوله عليه السّلام فيه: «فقد يجزيك من الوضوء.» علي اجزاء الغرفات الثلاث لخصوص الغسل الوضوئي في مقابل إمكان الزيادة عليها له، لا علي ما يعم المسح. و لا يكون قوله عليه السّلام: «و تمسح ببلة.» متفرعا علي قوله: «فقد يجزيك.»

ليمنع من ظهوره في الوجوب كما تقدم احتماله، بل هو جملة مستأنفة، فتحمل علي الوجوب كما هو ظاهرها بدوا، و تنفع في إثبات وجوب القيود المذكورة فيها، كما يأتي في بعض الفروع الآتية.

الثانية: ما تضمن وجوب المسح من بلل اللحية أو أشفار العينين، كحسن مالك بن أعين أو صحيحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من نسي مسح رأسه ثمَّ ذكر أنه لم يمسح رأسه، فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه، و إن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء» «2» و نحوه مرسل الفقيه «3».

فإن الأمر بالمسح من بلل اللحية ظاهر في وجوبه و عدم جواز المسح بماء جديد، و لا سيما مع ما في المسح من بلل اللحية من العناية، لقلته. مضافا إلي

______________________________

(1) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 72.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8.

ص: 307

______________________________

التصريح فيهما باستئناف الوضوء مع جفاف بلل اللحية.

و دعوي: أنه قد يكون ناشئا عن الخلل بالموالاة، لأن المعيار فيها علي عدم الجفاف.

مدفوعة: بأن الجفاف المخل بالموالاة هو الجفاف الناشئ عن طول المدة، لا عن مثل التمندل الذي يشمله إطلاق الخبرين. بل عدم البلل في اللحية لا ينافي بقاء رطوبة بقية الأعضاء قليلا بنحو يحفظ الموالاة، و إن لم يمكن نقل البلة منها و المسح بها.

نعم، لا مجال للاستدلال بمرسل خلف بن حماد عنه عليه السّلام: «قلت له: الرجل ينسي مسح رأسه و هو في الصلاة. قال: ان كان في لحيته بلل فليمسح به. قلت: فان لم يكن له لحية؟ قال: يمسح من حاجبيه أو أشفار عينيه» «1». و قريب منه خبرا زرارة و أبي بصير «2».

للإشكال: فيها.

تارة: بظهورها في صحة الدخول في الصلاة مع نقض الوضوء نسيانا، و هو مما يصعب الالتزام به، و لا سيما مع مخالفته لبعض النصوص المعتبرة «3». و ربما يلزم لأجل ذلك حملها علي صورة الشك، كما تضمنته بعض النصوص «4»، و منها خبر أبي بصير الآتي.

و اخري: بإمكان أن يكون الأمر بالمسح من ماء الوضوء فيها لغرض الدخول في الصلاة، لأنه الأقرب للمحافظة علي هيئتها، و لا سيما مع ما في خبر أبي بصير عنه عليه السّلام: «في رجل نسي أن يمسح علي رأسه فذكر و هو في الصلاة. فقال: إن كان استيقن ذلك انصرف فمسح علي رأسه و علي رجليه و استقبل الصلاة، و إن شك

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 3، 9.

(3) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء.

(4) راجع الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء.

ص: 308

______________________________

فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة و ليمسح علي رأسه، و إن كان أمامه ماء فليتناوله منه فليمسح به علي رأسه» «1». فإنه و إن كان خارجا عما نحن فيه، لوروده في الشك الذي هو مورد قاعدة الفراغ، إلا أنه يقوي الاحتمال الذي ذكرنا في النصوص المذكورة.

اللهم إلا أن يجمع بين هذه النصوص و ما تضمن وجوب استئناف الصلاة مع نقص شي ء من الوضوء بحملها علي وجوب الاستئناف و رفع اليد عما ينسبق منها بدوا من صحة الدخول في الصلاة مع نقص الوضوء نسيانا، فإنه أقرب من حملها علي صورة الشك. فيتجه الاستدلال بها. فتأمل.

فالعمدة ما تقدم، لوفائه بالمطلوب، و لا سيما بعد ظهور تسالم الأصحاب علي الحكم و ظهوره عندهم حتي عدّ من متفرداتهم.

و خلاف ابن الجنيد لا يرجع إلي إنكاره، بل إلي تقييده بصورة عدم جفاف ما علي اليد، و هو ظاهر في مفروغية عن أصل الحكم.

بل ربما حاول بعضهم حمل كلامه علي أن المراد بالماء الجديد ماء غير اليد من ماء الوضوء، كبلل اللحية و الأشفار، فيوافق الأصحاب، أو علي أن المراد بالجفاف ليس خصوص جفاف ما علي اليد، بل جفاف ماء الوضوء بتمامه مع اختصاصه بالجفاف القهري لحرارة الهواء بنحو يتعذر إبقاء البلل، حيث ذهب بعضهم إلي جواز الاستئناف حينئذ، كما يأتي في المسألة السادسة و العشرين. إن شاء اللّه تعالي.

لكن الإنصاف أن الوجهين معا مخالفان لظاهر كلامه المتقدم، و إن كان الثاني منهما هو المناسب لما عن شرح الموجز حيث حكي عن ابن الجنيد أنه صرح في موضع آخر بأنه لو تعذر بقاء البلل للمسح جاز الاستئناف للضرورة و نفي الحرج.

و كيف كان، فليس هو مخالفا للأصحاب في أصل الحكم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 8.

ص: 309

______________________________

و مثل هذا التسالم كاشف عن وضوح الحكم عندهم و اطلاعهم علي دليل واف به، و لو كان هو احتفاف بعض النصوص البيانية أو غيرها لبيان الوجوب، لا أصل الجواز، فلا ينبغي التوقف في الحكم بعد جميع ما تقدم، و الخروج به عن الإطلاقات.

و منه يظهر حال ما ظاهره وجوب الاستئناف، و هو خبر أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسح الرأس، قلت: أمسح بما علي يدي من الندا رأسي؟ قال:

لا، بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح» «1» و في صحيح معمر بن خلاد: «سألت أبا الحسن عليه السّلام: أ يجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا. فقلت:

أ بماء جديد؟ فقال برأسه: نعم» «2» و خبر جعفر بن عمارة: «سألت جعفر بن محمد عليه السّلام: أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال: خذ لرأسك ماء جديدا» «3».

فإن مخالفتها للإجماع و للنصوص المتقدمة و غيرها من النصوص المستفيضة أو المتواترة الصريحة في جواز المسح ببقية البلل تلزم برفع اليد عنها أو حملها علي التقية لموافقتها لمشهور العامة.

هذا، و أما ما عن ابن الجنيد فإن أراد به صورة تعذر إبقاء البلة فالكلام فيه موكول للمسألة السادسة و العشرين.

و إن أراد به مطلق الجفاف و لو اختيارا فهو مخالف لإطلاق خبر مالك بن أعين و مرسل الصدوق و ما ورد في قضية علي بن يقطين. دون صحيح ابن اذنية، لأنه وارد في قضية خاصة لا إطلاق لها.

و أما الاستدلال عليه بما في ذيل خبر أبي بصير المتقدم، بتقريب: أن مورده و إن كان صورة الشك بعد الفراغ التي لا يعتني فيها بالشك، فالأمر فيها بالمسح لا بد أن يكون للاحتياط غير اللازم، إلا أن الاحتياط لا يتأتي بفعل غير المجزي واقعا، فيكشف جواز المسح بالماء الجديد فيه عن إجزائه واقعا.

ففيه: أن لازم ذلك صحة الدخول في الصلاة مع نقص الوضوء نسيانا، و هو

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 6.

ص: 310

______________________________

مخالف لصدره و لكثير من النصوص الواردة في الوضوء و غسل الجنابة «1»، فلا بد من حمله و حمل غيره مما ورد في الشك في بعض أجزاء الوضوء أو الغسل حال الصلاة «2» علي كونه مستحبا تعبديا حال الشك، و إن لم يحصل به الاحتياط للواقع، فالتسامح فيه بالاجتزاء باستئناف ماء للمسح لا يكشف عن إجزائه واقعا.

اللهم إلا أن يدعي أن الغرض منه الاحتياط لتصحيح الوضوء و الغسل واقعا، لا لتصحيح الصلاة، بل يجتزي بصحتها ظاهرا لقاعدة الفراغ، فيدل علي صحة الوضوء مع الاستئناف.

لكنه بعيد، و لا سيما في الوضوء الذي يغلب تكراره مع كل صلاة، فلا يهتم بالاحتياط فيه إلا للاحتياط فيها، إذ لا أقل مع ذلك من إجمال جهة الأمر، بنحو يمنع من استفادة إجزاء المسح بالماء الجديد واقعا في مورد النص و هو الشك، فضلا عن صورة اليقين بنقص الوضوء، و خصوصا ما كان منه قبل الدخول في الصلاة و مع عدم تعذر المسح بالبلة، ليمكن الخروج به عما تقدم. فلاحظ.

الثاني: أن يكون ببلة اليد الباقية بعد الغسل، فلا يجوز الأخذ من بلل بقية الأعضاء مع وجود البلة في اليد. و هو المنسوب لظاهر عبارات الأصحاب.

و كأنه لترتيبهم بين الأخذ من اللحية أو الأشفار و جفاف اليد. كما أنه المصرح به في كشف اللثام و الظاهر من الوحيد في حاشية المدارك و محكي شرح المفاتيح.

لكن في المدارك أن التعليق في عبارات الأصحاب مخرج الأغلب، و عن السيد الطباطبائي أنه لبيان شرط وجوب الأخذ، لا جوازه. و لعل الأقرب حمل تعليقهم له علي الجفاف علي أنه ناشئ من كون الجفاف مورد الحاجة للأخذ، لا لاشتراطه فيه، كما يناسبه اقتصارهم علي اشتراط كون المسح ببلة الوضوء و عدم استئناف الماء من دون تقييد ببلة اليد.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء.

(2) راجع الوسائل باب: 41 من أبواب الجنابة من أبواب الجنابة حديث: 2.

ص: 311

______________________________

بل هو ظاهر المنتهي، حيث استدل علي جواز الأخذ من اللحية و الأشفار لو جف ما علي اليد بأنه ماء الوضوء، فأشبه ما لو كان علي اليد، إذ الاعتبار بالبقية، لا بمحلها، و هو الذي صرح به في المسالك و الروض و المدارك، و حكي عن المقاصد العلمية و السيد الطباطبائي و كاشف الغطاء و مال إليه في الجواهر.

و مما سبق يظهر أنه لا مجال للاستدلال علي التقييد ببلة اليد بنصوص الوضوءات البيانية. كما لا مجال للاستدلال بما تضمن المسح باليد أو بالأصابع أو بالكف، لأنه أعم.

نعم، قد يستدل عليه- كما يظهر من الوحيد- بنصوص الأخذ من اللحية أو الأشفار، لظهور التقييد فيها بالجفاف في عدم مشروعيته بدونه.

لكن أكثر هذه النصوص لم تتضمن التقييد المذكور، كما يظهر بملاحظة ما تقدم منها.

بل لا مجال لدعوي اختصاص موردها به، لأنه و إن كان المنصرف من نسيان المسح هو مرور مدة يغلب فيها الجفاف، إلا أن شموله لما إذا بقي قليل من البلل في بعض المواضع التي لا يتعارف المسح بها من اليدين قريب.

و اقتصار النصوص حينئذ علي الأخذ من اللحية و الأشفار لعله لغلبة كثرة الماء فيها بنحو يسهل نقله و لا يحتاج إلي عناية، بخلاف بقية المواضع، لا لفرض الجفاف فيها.

نعم، لو أريد جفاف خصوص باطن الكفين فاختصاص النصوص به قريب، لعدم الحاجة إلي الأخذ بدونه.

و أما مرسل الصدوق: «قال الصادق عليه السّلام: إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و علي رجليك من بلة وضوئك، فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك. و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك.» «1».

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8.

ص: 312

______________________________

فهو و إن اشتمل علي الترتيب بين جفاف اليد و الأخذ من اللحية و الأشفار، إلا أنه- مع ضعفه- ظاهر في سوق ذلك للتنبيه علي مجال بلل الوضوء الذي أوجب المسح به أولا، لبيان عمومه لمثل بلل اللحية، لا للترتيب بينهما شرعا تقييدا لإطلاق المسح بالبلل، فالترتيب بينهما خارجي عرفي بلحاظ عدم الحاجة للأخذ مع عدم الجفاف، كالترتيب بين اللحية و الأشفار بلحاظ كثرة بلل اللحية الموجب للتوجه إليه أولا، و إن لم يكن بينهما ترتيب شرعي، و لذا لم يعثر- كما في الجواهر- علي من أفتي به، و لا علي من أفتي باشتراط الأخذ من الأشفار بعدم اللحية، كما تضمنه هذا المرسل و غيره.

فالأولي الاستدلال علي التقييد ببلة اليد بصحيح ابن أذينة المتقدم المتضمن الأمر بالمسح بفضل ما بقي في اليد، المؤيد بصحيح زرارة المتقدم أيضا المتضمن المسح ببلة اليد اليمني و اليسري، فإنه و إن كان ظاهرا بقرينة صدره في الاجزاء لا الوجوب، إلا أن القرينة المذكورة إنما تقتضي ذلك بالإضافة إلي أصل البلة في مقابل الاستئناف لا إلي خصوصية اليدين، كما تقدم نظيره في وجوب مسح المقدم، فهو إن لم يكن ظاهرا في وجوب الخصوصية المذكورة فلا أقل من كونه مشعرا به، و يكون مؤيدا لصحيح ابن أذينة.

بل سبق عند الكلام في وجوب المسح ببلة الوضوء حمل صحيح زرارة علي وجوب المسح بالبلة، فيكون عاضدا لصحيح ابن أذينة في المقام، لقوة ظهورهما في خصوصية الماء الباقي في اليد. و حملهما. علي الماء الموجود عليها و لو بسبب أخذه من غيرها لبيان وجوب كون المسح باليد. مخالف لظاهرهما، جدا.

و به ترفع اليد عن إطلاقات المسح، و إطلاق ما ورد في قصة علي بن يقطين من الأمر بالمسح بنداوة الوضوء، فتنزل علي مقتضي الغالب المطابق له.

نعم، قد يشكل ذلك بلحاظ السيرة علي عدم التحرز من استمرار الغسل زائدا علي المقدار الواجب- كما أشار إليه السيد الطباطبائي في محكي كلامه- بناء

ص: 313

______________________________

علي لزوم التقيد باليمين و اليسار، بل و عدم تحرزهم عن مطلق اختلاط ماء اليد بغيره بعد إكمال الغسل- كما في الجواهر- فلا يلتفت إلي اجتناب مثل حكّ ما يحتاج إلي الحك من الوجه و غيره.

اللهم إلا أن يقتصر علي المتقين من السيرة و هو ما لا يصدق عليه عرفا المسح ببلل غير اليد، لعدم تميزه و الاعتداد به، بل يغفل عنه، دون غيره مما يصدق معه الأخذ من غير اليد و المسح بغير مائها، و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال. و اللّه سبحانه و تعالي العالم بحقائق الأحكام.

الثالث: أن يكون المسح باليد، ففي الحدائق: «قد ذكر جملة من أصحابنا أنه لا يجوز المسح بغير اليد اتفاقا»، و نفي شيخنا الأعظم قدّس سرّه فيه الخلاف نصا و فتوي.

و من الظاهر تعذر مسح الرأس بغير اليد من أعضاء الوضوء، و هو الوجه، و إنما يمكن ذلك في مسح الرجلين.

و حينئذ إن أريد مسحهما ببلة الوجه، كان مدفوعا بصحيح ابن أذينة المتقدم، و إن أريد مسحهما ببلة اليد بعد نقلها للوجه فهو خلاف المنصرف من الصحيح المذكور، و المنصرف منه المسح بالبلة الباقية في اليد حال بقائها فيها، كما قد يشير إليه ما تضمنته بعض نصوص الوضوءات البيانية من مسحه عليه السّلام ببلة اليد من دون أن يدخلها في الإناء. و إلا جاز المسح بغير أعضاء الوضوء من خشبة أو نحوها بعد انتقال بلة اليد إليها و لو بالتقاطر عليها، و لا يظن من أحد الالتزام بجوازه.

هذا، و لو لم يبلغ الانصراف المذكور مرتبة الظهور كان مقتضي الإطلاق الجواز.

و أما ما تضمّن المسح باليد أو بالأصابع مما تقدم بعضه، فهو ظاهر في الاجزاء لا الوجوب.

نعم، في صحيح البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن المسح علي القدمين كيف هو؟ فوضع كفه علي الأصابع فمسحها إلي الكعبين إلي ظاهر القدم. فقلت:

ص: 314

______________________________

جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا؟ فقال: لا إلا بكفه [بكفيه.

خ ل] كلها» «1».

لكن لزوم حمله علي استحباب المسح بتمام الكف- كما يأتي إن شاء اللّه تعالي- مانع من الاستدلال به علي وجوب كونه بالكف أو باليد، لأن استفادة المسح باليد منه بتبع دلالته علي استيعاب الكف، لا في قباله، ليمكن التفكيك بينهما في الوجوب و الاستحباب.

الرابع: أن يكون بالكف، كما في الجواهر و منظومة السيد الطباطبائي قدّس سرّه و ظاهر محكي الذكري، بل ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه المحكي عن جماعة.

و في الجواهر أن المتبادر من إطلاق النص و الفتوي المسح باليد، و هو المتعارف في المسح، و الذي يرشد إليه ما تضمن من نصوص الوضوءات البيانية المسح بالكف.

لكن التبادر ناشئ من التعارف الذي تكرر عدم نهوضه بتقييد الإطلاق.

و لا سيما مع كون استفادة وجوب المسح باليد تبعا لدلالة الصحيح علي وجوب المسح ببلتها، لا للأمر به بنفسه.

كما تقدم غير مرة عدم نهوض الوضوءات البيانية لإفادة الوجوب، فلا مخرج عن الإطلاق.

اللهم إلا أن يقال: المسح من سنخ الأعمال فالمنصرف من إطلاقه إرادة الإتيان به بالكف، خصوصا بناء علي وجوب الإتيان به باليد، لأن الكف هي آلة العمل في اليد.

نعم، لا مجال لتخصيصه بالأصابع- و إن نسبه في الحدائق إلي جملة من الأصحاب- لعدم الدليل علي ذلك عدا ما تضمنته النصوص المتقدمة في المسح تحت العمامة، مما لا ظهور له إلا في الإجزاء، كما تقدم. بل في الجواهر: «لم أقف

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 315

______________________________

علي مصرح به، و لا دليل يقتضيه».

هذا، و لو تعذر المسح بالكف أو بالأصابع علي القول بوجوبه، لم يبعد وجوب المسح بغيرها، لأن سقوط الوضوء مما يكاد يقطع بعدمه، إذا المستفاد مما تقدم في الأقطع و ما ورد في الجبائر و غيرها ابتناء الوضوء علي الميسور- و إن لم تثبت قاعدة الميسور كلية، كما تقدم غير مرة- فيجب المسح بالميسور لقاعدة الاشتغال، التي تقدم غير مرة أنها المرجع في المقام.

و أما إطلاق الأمر بالمسح فلا مجال للاستدلال به بعد فرض تقييده و ظهوره في الارتباطية.

كما أنه لو جف ما علي الكف أو الأصابع مع بقاء بلة الذراع فمقتضي الاحتياط الجمع بين المسح ببلة الذراع و المسح بالكف أو الأصابع بعد نقل البلة إليه، إما بأخذ البلة من ذراع اليد الأخري- بناء علي عدم التقييد باليمين و اليسار، أو لجفاف بلة تلك اليد أيضا- و إما بتكرار المسح مرة بالذراع و مرة بالكف أو الأصابع بعد نقل البلة إليها من بقية الأعضاء.

الخامس: أن يكون باليد اليمني، كما عن ظاهر المفيد و محكي المهذب، و هو ظاهر عبارة ابن الجنيد المتقدمة في وجوب المسح ببلل الوضوء.

و قد يستدل عليه بما في صحيح زرارة في حكاية وضوء النبي صلّي اللّه عليه و آله:

«و مسح مقدم رأسه و ظهر قدميه ببلة يساره و بقية بلة يمناه. قال: و قال أبو جعفر عليه السّلام: إن اللّه وتر يحب الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمني، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسري» «1».

لظهور التعبير في حكاية الوضوء ببلة اليسري و بقية بلة اليمني في إرادة مسح الرجلين مع المفروغية عن مسح الرأس باليمني، و ظهور قول أبي

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 316

بل الأحوط وجوبا باطنها (1).

______________________________

جعفر عليه السّلام في الوجوب، و لو بضميمة صحيح ابن أذينة، علي ما تقدم عند الكلام في وجوب المسح ببلة الوضوء. و لعل عدم تنبيه جماعة من الأصحاب له للمفروغية عنه و اتكالا علي التعارف.

لكن استظهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه أن المشهور الاستحباب، بل في الحدائق ان ظاهرهم الاتفاق عليه، و هو المصرح به في محكي النفلية و شرحها للشهيدين و عن البيان و الفوائد الملية التصريح باستحباب مسح اليمني باليمني و اليسري باليسري مع أن ظاهر الصحيح وجوبه. و في مفتاح الكرامة أن المفهوم من نهاية الاحكام و التذكرة عدم وجوب مسح الرأس و اليمني باليمني و عن مجمع البرهان أنه لعله لم يقل أحد بوجوب ذلك.

لكنه في غاية الإشكال بعد ما تقدم. بل لو غض النظر عما تقدم في صحيح زرارة أشكل استفادة الاستحباب منه أيضا، و إن كان هو ظاهر المدارك.

نعم، قد يستدل له بما في صحيح ابن أذينة: «فتلقي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الماء بيده اليمني، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين» «1» و ما في بعض روايات العامة المتقدمة في الاستنجاء عن النبي صلّي اللّه عليه و آله من أن يده اليمني كانت لطعامه و طهوره.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر الصحيح استحباب تناول ماء الوضوء باليمين، لا استحباب كل عمل فيه بها. و لعله محمل رواية العامة. مع أن الاستدلال بها إنما يتم بضميمة قاعدة التسامح.

(1) كما ذكره في جامع المقاصد و المدارك و الجواهر. للتأسي، و لأنه المتبادر من المسح بالكف. لكن التأسي لا ينهض بتقييد الإطلاق، و مثل هذا التبادر الناشئ من التعارف لا ينهض بالخروج عنه الا أن يبتني علي ما أشرنا إليه عند الكلام في وجوب المسح بالكف من أن المسح من سنخ الأعمال، فإن ذلك كما

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 317

و يجزي فيه أن يكون منكوسا من الأسفل إلي الأعلي (1)،

______________________________

يقتضي تعين الكف يقتضي تعين باطنها، و لذا جروا علي ذلك في التيمم، بل قد يظهر المفروغية عنه من صحيح الحلبي المتقدم عند الكلام في وجوب المسح باليد. و لعله لذا أهمل أكثر الأصحاب التعرض له، لا لخلافهم فيه، و إن كان ظاهر محكي الذكري الاستحباب، لأنه جعله الأولي.

هذا، و في كيفية الاحتياط لو جف ما في الباطن ما تقدم في جفاف ما علي الكف- عند الكلام في وجوب المسح بها.

(1) كما هو مقتضي إطلاق جماعة و صريح آخرين، كالشيخ و ابن إدريس في محكي المبسوط و السرائر، و المحققين و العلامة في جملة من كتبهم، و الشهيدين في الروضة و الروض و ظاهر اللمعة و محكي الألفية و البيان، و عن جماعة غيرهم، بل في الحدائق: أنه المشهور، و عن شرح المفاتيح أنه المشهور بين المتأخرين. لإطلاق أدلة المسح، و لا سيما بملاحظة ما تضمن المسح بإدخال الإصبع تحت العمامة، فإنه و إن كان واردا لبيان إجزاء المسح مع عدم وضعها، و لا إطلاق له في بيان كيفية المسح، إلا أن حمله علي خصوص المسح بإخراج الإصبع و سلّه مع التقيد بعدم المسح بإدخاله بعيد جدا.

مضافا إلي صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «1».

و أما الاستدلال بما تضمن جواز النكس في الرجلين بضميمة عدم الفصل بينهما و بين الرأس.

فلا مجال له بعد ثبوت الفصل بينهما من جماعة من الأعيان، حيث منع من النكس في الرأس و أجازه فيهما الشيخ في النهاية و التهذيب و الاستبصار و ابن حمزة في ظاهر الوسيلة و الشهيد في محكي الدروس، و عكس الشهيد في محكي

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 318

______________________________

الألفية و البيان.

هذا، و ذهب الصدوق في الفقيه و المرتضي في ظاهر الانتصار و محكي الإصباح و الشيخ في النهاية و التهذيبين و الخلاف و ابن حمزة في الوسيلة و المفيد و الشهيد في محكي المقنعة و الدروس إلي عدم جواز النكس، و نسبه في الانتصار و محكي الذكري و المقاصد العلية إلي الأكثر، و في محكي الدروس أنه المشهور، و ادعي في الخلاف الإجماع عليه.

و استدل لهم- مضافا إلي دعوي الإجماع المؤيدة بدعوي الشهرة ممن عرفت- بطريقة الاحتياط بدعوي: قصور إطلاق المسح، لانصرافه إلي المتعارف.

و يؤيد بما في صحيح يونس عمن أخبره عن أبي الحسن عليه السّلام: «الأمر في مسح الرجلين موسع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا» «1» فان التقييد بالرجلين مشعر باختصاص التوسعة، و إلا كان تركه أفيد.

مضافا إلي الوضوءات البيانية التي يتعين حملها علي عدم النكس، و إن لم يصرح به فيها، للإجماع علي الاجزاء معه، و لو كان وضوؤه صلّي اللّه عليه و آله بالنكس فلا إجزاء بدونه، لما ورد عنه من قوله صلّي اللّه عليه و آله بعد تعليم الوضوء: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به».

و أما صحيح حماد فقد رواه في موضع آخر من التهذيب بسند يشترك مع السند الأول في أكثر رجاله هكذا: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» «2».

و احتمال تعدد الرواية بعيد، فيكون مشتبه المتن، و يسقط عن الحجية. بل ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه أن التعبير بالإقبال و الادبار يرجع المتن الثاني، لأن الإقبال هو تحريك الماسح بيده مقبلا إلي نفسه و بدنه، و الادبار هو تحريكها مدبرة عنه إلي الخارج، و هما مختصان بالقدمين، و لا يناسبان الرأس، بل المناسب له الصعود و الهبوط.

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 319

______________________________

و بهذا يمكن تقييد المتن الأول- لو تمَّ في نفسه- بالرجلين.

لكن لا مجال للتعويل علي دعوي الإجماع، و لا سيما بعد مخالفة حاكية له في مبسوطه و ظهور الخلاف ممن تقدم كما تكرر عدم صلوح التعارف لرفع اليد عن الإطلاق.

علي أنه لم يتضح اختصاص التعارف بالمسح من الأعلي، و لا سيما في مثل المسح بإدخال الإصبع تحت العمامة الذي دلت عليه النصوص، بل لعل الغالب فيه خلاف ذلك، كما تقدم.

و أما التقييد في صحيح يونس فلعل النكتة فيه التنبيه علي عدم سوق «إلي» في الآية الشريفة للغاية، بل لتحديد الممسوح، أو كون مورده مسح الرجلين.

و أما الوضوءات البيانية فقد تقدم في غسل الوجه عدم نهوضها بإثبات الوجوب حتي بضميمة النبوي المذكور. فراجع.

و أما صحيح حماد فالبناء علي اشتباه متنه مخالف لأصالة عدم الخطأ، و الالتزام بتعدد الرواية هو الأنسب بها. و لا سيما مع إمكان كون المتن الثاني مبنيا علي النقل بالمعني. فتأمل. بل احتمال الخطأ في المتن الثاني هو الأقرب بعد اقتصاره في الاستبصار علي المتن الأول، بنحو يظهر منه الالتفات إلي عمومه لغير الرجلين، لأنه استدل علي تخصيصه بهما بحديث يونس المشار إليه، و لو كان مرويا بالمتنين لكان الأنسب منه التنبيه علي ذلك.

و مع هذا لا مجال للتعويل علي ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه لترجيح المتن الثاني، فإنه أشبه بالاجتهاد في مقابل النص.

و أما جعله قرينة علي تقييد المتن الأول، فهو لا يناسب إضافة المسح للوضوء جدا، بل يتعين بلحاظه جعل الإقبال و الادبار كناية عن التوسع في المسح مطلقا، تغليبا لحال الرجلين.

هذا، و المصرح به في الشرائع و القواعد و محكي المبسوط و السرائر و غيرها كراهة النكس، و الظاهر انحصار الدليل عليه بالخروج عن شبهة الخلاف المتقدم،

ص: 320

كما يجوز فيه أن يكون منحرفا و عرضا (1).

مسألة 20 يكفي المسح علي الشعر المختص بالمقدم

(مسألة 20): يكفي المسح علي الشعر المختص بالمقدم (2)،

______________________________

كما هو المصرح به في كلام غير واحد. و الأمر سهل.

(1) كما هو مقتضي إطلاق جماعة. بل لا يبعد كونه مراد من اقتصر علي جواز النكس، بأن يكون المراد عدم تقييد المسح بنحو خاص، و أنه باق علي الإطلاق.

و منه يظهر قرب استفادته من صحيح حماد. و لا أقل من كونه مقتضي الإطلاق، الذي يخرج به عن مقتضي الأصل.

(2) فيخير بينه و بين المسح علي البشرة، بلا خلاف أجده بين الإمامية، بل في ظاهر المعتبر و صريح المدارك و الحدائق و غيرهما- كما عن ظاهر التذكرة- دعوي الإجماع عليه. كذا في الجواهر.

و يظهر من المنتهي المفروغية عن جواز مسح الشعر، و أن الخلاف مع بعض العامة في وجوبه، و لذا قال في الجواهر بعد أن أطال في وجه ذلك: «الاجتزاء بالمسح علي الشعر مجمع عليه بين العامة و الخاصة، بل يقرب إلي حد الضرورة من الدين».

و هو كذلك بعد النظر في السيرة القطعية، لغلبة الابتلاء به.

بل الغلبة المذكورة قرينة قطعية علي كون المراد من إطلاق مسح الرأس و المقدم ما يعمه، بلحاظ صعوبة مس البشرة المقوم لصدق المسح عليها، بخلاف الغسل الذي يراد به مجرد استيلاء الماء علي البشرة و لو بنفوذه في الشعر.

و منه يظهر جوازه اختيارا لا من جهة تعسر إزالته، ليكون بدلا اضطراريا، كالجبيرة.

هذا، و أما مرفوع محمد بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الذي يخضب رأسه بالحناء، ثمَّ يبدو له في الوضوء. قال: لا يجوز حتي يصيب بشرة رأسه

ص: 321

______________________________

بالماء» «1».

فلا بد من حمل البشرة فيه علي ما يعم الشعر، في مقابل المسح علي الحناء، لما تقدم.

و منه يتضح أن الأمر أظهر من أن يستدل عليه بما تضمن المسح علي الناصية كصحيح زرارة و خبر الحسين بن زيد المتقدمين في وجوب مسح المقدم، لأن الناصية هي شعر المقدم، كما في مجمع البيان.

علي أن تفسير الناصية بذلك غير ثابت، فقد تقدم عند الكلام في وجوب مسح المقدم تفسيرها بالمقدم من غير واحد من اللغويين، بل عن الأزهري:

«الناصية، عند العرب منبت الشعر في مقدم الرأس، لا الشعر الذي تسميه العامة الناصية، و سمي الشعر ناصية، لنباته في ذلك الموضع». فتأمل.

كما ظهر أيضا أنه لا مجال لتوهم عدم إجزاء المسح علي البشرة و انتقال الفرض إلي الشعر. لمنافاته للإطلاق المشار إليه.

كما لا مجال للاستدلال عليه بما في صحيح زرارة من قوله عليه السّلام: «كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجزي عليه الماء» «2».

لظهور ذيله في الغسل، لأنه الذي يشتمل علي إجراء الماء.

و حمله علي الاستخدام بإرجاع الضمير إلي بعض العام مخالف للظاهر. بل تقدم في المسألة التاسعة الإشكال في شموله لليدين.

علي أن مسح البشرة مستلزم لمسح الشعر النابت فيها، فلا أثر للكلام في الاجتزاء بها عنه.

هذا، و قد يستشكل في اجزاء المسح علي الشعر.

تارة: فيما لو مدّ علي بشرة محلوقة، كما في الجواهر.

و اخري: فيما لو كان بينه و بين ما تحته من الشعر أو البشرة حاجب أجنبي،

______________________________

(1) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 322

بشرط أن لا يخرج بمده عن حده (1)،

______________________________

كما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

و ثالثة: فيما لو رفع عن المقدم بعقص أو باليد و نحوها، كما أشار إليه غير واحد، بل صرح في المعتبر و المنتهي و محكي الذكري بعدم جواز المسح علي الجمة، و ظاهر الأخير أن المراد بها ما لا يخرج بمده عن حده.

و كأن الوجه في الجميع خروجه عن المتيقن من السيرة و الإطلاق المشار إليهما، لعدم وضوح إلحاقه بالرأس و تبعيته له عرفا بنحو يفهم من الإطلاق المشار إليه. بل لا ينبغي الإشكال في عدم الاجزاء لو رفع باليد، لعدم صدق المسح علي الرأس و المقدم حينئذ. نعم، قد يضعف الإشكال في المعقوص، لأن قلة امتداده، و تماسكه مع شعر الرأس موجب لإلحاقه به عرفا. فتأمل.

(1) أما ما خرج عن الحد فعلا باسترساله فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز المسح علي الموضع الخارج منه- كما صرح به جماعة، و يظهر من غير واحد المفروغية عنه، و في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه- لعدم صدق المسح علي المقدم بمسحه.

و دعوي: أن جواز المسح عليه مقتضي إطلاق ما تضمن المسح علي الناصية، بناء علي تفسيرها بالشعر النابت في المقدم.

مدفوعة: - مضافا إلي ما تقدم من الإشكال في تفسيرها بذلك- بعدم وضوح الإطلاق المذكور، لورود صحيح زرارة لبيان الاجتزاء ببلة الوضوء، و ورود خبر الحسين بن زيد لبيان عدم وجوب وضع الخمار، و ليسا في مقام البيان من تمام الجهات، ليكون لهما إطلاق بالإضافة إلي المحل الممسوح.

علي أنه لو فرض تمامية الإطلاق وجب رفع اليد عنه بدليل مسح المقدم، لأنه أخص.

نعم، يجوز المسح علي أصوله، لصدق المسح علي المقدم معه، و دخوله

ص: 323

فلو كان كذلك فجمع و جعل علي الناصية لم يجز المسح عليه (1).

______________________________

في السيرة. و لعله مفروغ عنه بينهم، كما قد يظهر من بعضهم، و إن أوهمت بعض عباراتهم خلافه.

و أما ما لم يخرج عن المقدم فعلا، لجمعه عليه و إن كان يخرج عنه لو مدّ فقد يدعي قصور استثنائهم عنه و اختصاصه بالأول، لأن الظاهر من الخروج عن الحد هو الخروج الفعلي لا التقديري.

لكن صريح القواعد و ظاهر محكي الذكري عدم جواز المسح عليه، و يقتضيه ما تقدم من المعتبر و المنتهي من عدم جواز المسح علي الجمة، بل عن شرح الدروس: «إن المشهور بين القوم بحيث لم نعرف فيه خلافا عدم جواز المسح إلّا علي أصول ذلك المجتمع. و إن في إثباته بالدليل اشكالا».

و العمدة في وجه المنع خروجه عن المتيقن من السيرة و الإطلاق المشار إليهما، فإن المتيقن ما يلحق بالمقدم عرفا و يكون من توابعه لقلة امتداده، دون ما طال، و إن جمع عليه، بل هو من سنخ الحائل عرفا، إذ لا أقل مع ذلك من الاجمال الملزم بالاحتياط.

نعم، يصعب الالتزام بذلك فيما لو لم يخرج الشعر عن المقدم بامتداده الطبيعي، و إنما يخرج بمده علي خلاف طبعه كالنابت في أعلي المقدم المسترسل عليه من دون أن يخرج عنه، و إن خرج عنه لو ارجع إلي الخلف أو إلي أحد الجانبين.

فيقرب جواز المسح عليه، لتعارفه، فيدخل في الإطلاق و السيرة المتقدمين. و لعله خارج عن المستثني في كلامهم، لاختصاص كلامهم بالمجموع علي المقدم، غير الصادق عليه.

(1) و أولي بالمنع ما لو جمع الشعر النابت في غير المقدم علي المقدم، فإنه من سنخ الحائل، كما صرح به جماعة، بنحو يظهر من غير واحد المفروغية

ص: 324

مسألة 21 لا تضر كثرة بلل الماسح و إن حصل معه الغسل

(مسألة 21): لا تضر كثرة بلل الماسح و إن حصل معه الغسل (1).

______________________________

عنه، و في الجواهر نفي الخلاف فيه، و في كشف اللثام دعوي الاتفاق عليه.

لكن قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «و يشكل بالنابت فوق المقدم المتدلي عليه، بحيث يتعذر تخليله و مسح ما تحته من البشرة أو الشعر النابت عليها، فان ما ذكر من ظهور الإطلاق في الأعم جار هنا».

و هو كما تري! فان المقدم ينتهي بأعلي الرأس، و الشعر النابت خلفه متجه إلي الخلف، و لو فرض اتجاهه إلي المقدم فندرته مانعة من استفادته من الإطلاق تبعا، و من دعوي السيرة علي المسح عليه.

(1) بناء علي ما اشتهر بين الأصحاب من تقوم الغسل بجريان الماء و لو بإمرار اليد، حيث يجتمع الغسل و المسح حينئذ بحركة واحدة، و يكون الغسل مسببا توليديا للمسح مع كونهما متباينين في أنفسهما لتقوم الغسل بالجريان و المسح بإمرار اليد، و هما متباينان.

و حينئذ فمقتضي إطلاق ما دل علي وجوب المسح الاجتزاء بالمسح المذكور، و إن حصل معه الغسل.

و هو المصرح به من غير واحد، ففي محكي الذكري: «لو مسح بماء جار علي العضو و إن أفرط في الجريان لا يقدح، لصدق الامتثال، و لأن الغسل غير مقصود». و قريب منه في المدارك و محكي حاشية الشرائع للكركي و مجمع البرهان، و غيرها.

مضافا إلي أنه لو اعتبر عدم الجريان لاحتاج إلي التنبيه و البيان للغفلة عنه مع غلبة كثرة البلة، و لم يرد ما يتضمّن ذلك من قول أو عمل، بل النظر في نصوص الوضوءات البيانية يوجب القطع بعدم اعتباره، لظهورها في قلة إمرار اليد حين الغسل المستلزم لكثرة البلل الباقي للمسح.

ص: 325

______________________________

كما أن سيرة المتشرعة علي عدم التقيد بذلك، بل الغالب منهم المسح مع كثرة الماء.

بل يلزم من ذلك العسر و الحرج، حيث قد يتعذر تحصيل القطع ببقاء البلل بالنحو الصالح للمسح دون أن يتحقق الاجراء و لو بأدني مراتبه. كما ذكر بعض ذلك في الجواهر.

لكن في كشف اللثام بعد أن تعرض لذلك قال: «و هو متجه لو لا ظهور اتفاق الأصحاب و أكثر من عداهم علي تباين حقيقتي الغسل و المسح» و عن الشهيد الثاني في المقاصد العلية أنه بعد أن تعرض لاحتمال العموم من وجه بين الغسل و المسح قال: «و الحق اشتراط عدم الجريان في المسح مطلقا، و أن بين المفهومين تباينا كليا، لدلالة الآية و الأخبار و الإجماع علي اختصاص أعضاء الغسل به، و أعضاء المسح به، و التفصيل قاطع للشركة، و لو أمكن اجتماعهما في مادة أمكن غسل الممسوح، فيتحقق الاشتراك.

و الاحتجاج علي الاجزاء بتحقق الامتثال بذلك و كون الغسل غير مقصود مع وجوده. ضعيف، لأن الامتثال يتحقق بالمسح، لا بالغسل، كيف و هو أول المسألة. و عدم كون الغسل مقصودا مع وجوده لا يخرجه عن كونه غسلا، لأن الاسم تابع للحقيقة لا للنية».

و يندفع: بأن التباين بين الغسل و المسح لتباين منشإ انتزاعهما لا ينافي اجتماعهما موردا. و الأدلة المتقدمة إنما تقتضي عدم إجزاء الغسل عن المسح، لا عدم إجزاء المسح الحاصل به الغسل، فلا مانع من إجزائه لو قصد الامتثال به، لا بالغسل الحاصل به، كما يجزي الغسل المصاحب للمسح في الأعضاء التي يجب غسلها لو قصد الامتثال به.

و كأنه هو الوجه في جعل المدار علي النية- كما تقدم عن الذكري- لا عدم تحقق الغسل مع نية المسح.

و أما ما يظهر منه من أخذ عدم إجراء الماء في المسح. فإن أراد به أخذه في

ص: 326

مسألة 22 لو تعذر المسح بباطن الكف مسح بغيره

(مسألة 22): لو تعذر المسح بباطن الكف مسح بغيره (1).

______________________________

مفهوم المسح لغة أو عرفا- كما هو ظاهر السيد في الانتصار- فهو غريب، كيف و قد اشتملت النصوص علي إطلاق المسح عند بيان غسل الوضوء! و إن أراد به أخذه في المسح الواجب في المقام، لأجل الأدلة التي ساقها المانعة من الشركة بينه و بين الغسل، فقد عرفت عدم نهوض الأدلة المذكورة بذلك، كما لا تنهض بتقييد الغسل بما لا يكون بالمسح.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في إجزاء مطلق المسح و ان استلزام إجراء الماء بمعني نقله في أجزاء العضو بإمرار اليد.

نعم، تقدم في أوائل هذا الفصل عدم صدق الغسل بمجرد إجراء الماء بالنحو المذكور، و أن الاجتزاء به في الوجه و اليدين للدليل الخاص الكاشف عن أن الغرض من الغسل إيصال الماء للبشرة، كما ذكرنا الفرق بينه و بين المسح الواجب في المقام بما يجري فيه ما ذكرناه هنا من الاجزاء. فراجع.

(1) كما قطع به في المدارك و مال إليه في الجواهر، مع ذهابهما إلي تعين الباطن اختيارا، للقطع بعدم سقوط الوضوء، إذ المستفاد مما تقدم في الأقطع و ما ورد في الجبائر و غيرها ابتناء الوضوء علي الميسور- و إن لم تثبت قاعدة الميسور كلية، كما تقدم غير مرة- فيجب المسح بالميسور لقاعدة الاشتغال، التي تقدم أنها المرجع في المقام.

و لا مجال لما في الجواهر من الاستدلال بإطلاق الأمر بالمسح حينئذ.

لفرض اختصاصه بباطن الكف مع ظهوره في الارتباطية. نعم، لو كان التخصيص بظاهر الكف لدليل خارج أمكن دعوي اختصاصه بصورة الاختيار.

اللهم إلا أن يقال: لا منشأ لاختصاص الإطلاق بباطن الكف إلا التعارف، و هو إنما يقتضي الاقتصار عليه مع إمكانه، لا مطلقا ليقتضي سقوطه بتعذره. و منه يظهر أنه يكفي الإطلاق في إثبات وجوب الوضوء في المقام، و لا

ص: 327

و الأحوط وجوبا المسح بظاهر الكف (1)، فان تعذر فالأحوط وجوبا أن يكون بباطن الذراع (2).

مسألة 23 يعتبر أن لا يكون علي الممسوح بلل ظاهر

(مسألة 23): يعتبر أن لا يكون علي الممسوح بلل ظاهر (3)،

______________________________

حاجة لما تقدم من القطع بابتناء الوضوء علي الميسور.

هذا، و أما بناء علي عدم تعين الباطن حتي عند الاختيار فالأمر أظهر.

(1) لأنه الأقرب عرفا، فيجب بمقتضي الإطلاق أو قاعدة الاشتغال. و لا يحتمل تقدم باطن الذراع عليه، إذ لا منشأ للتقييد إلا الغلبة و التعارف، و ظاهر الكف أقرب إليهما.

(2) فعن الذكري: «و لو تعذر المسح بالكف فالأقوي جوازه بالذراع».

و الوجه فيه ما تقدم في ظاهر الكف، و هو الوجه في تعين باطنه، و إن كان احتماله ضعيفا، بل لا مجال لدعوي استفادته من الإطلاق، لعدم وضوح تعارف تعيينه عند تعذر المسح بالكف. فلاحظ.

و مما تقدم يظهر لزوم الانتقال لظاهر الذراع عند تعذر باطنه.

(3) كما اختاره الوحيد في حاشية المدارك، و حكي عن المقداد و العلامة في النهاية و المختلف، و حكاه في المنتهي عن والده. خلافا للمحققين في المعتبر و جامع المقاصد و السيد في المدارك، فأجازوا ذلك، و اختاره العلامة في المنتهي أيضا، و إن تنظر في دليله أخيرا، و هو المحكي عن السرائر و هداية السيد الطباطبائي.

قال في المعتبر: «لو كان في ماء و غسل وجهه و يديه و مسح برأسه و برجله جاز، لأن يديه لا ينفك من ماء الوضوء، و لم يضره ما كان علي القدمين من ماء»، و قريب منه ما عن السرائر. و استشكل في محكي الذكري في الاجزاء بدون التنشيف. و عن الذكري و الدروس الاجزاء مع غلبة ماء الوضوء.

و عمدة الدليل علي الأول: أن مسح العضو الذي عليه البلل موجب

ص: 328

______________________________

لاختلاط بلله ببلة الوضوء، و ظاهر الأمر بالمسح ببلة الوضوء لزوم خلوصها و عدم امتزاجها بغيرها، و إلا جاز استئناف ماء للمسح، كما هو دأب العامة، إذ لا يراد به أخذه بعد تنشيف اليدين من ماء الوضوء، ليكون المسح بالماء الأجنبي خالصا، بل أخذه و لو بنحو يمتزج بماء الوضوء، مع أنه لا يحصل به الامتثال بلا تأمل، كما ذكره الوحيد في حاشية المدارك.

نعم، في المعتبر: «هل تبطل الطهارة لو غسل يديه ثلاثا؟ قيل: نعم، لأنه مسح لا بماء الوضوء. و الوجه الجواز، لأنه لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي».

و مقتضاه جواز المزج حتي بماء مستأنف غير بلل الممسوح. و هو غريب، و لا سيما في فرض كلامه، حيث يكون ماء الوضوء زائلا عرفا بالغسل الثالث.

و كيف كان، فلا ريب في ظهور دليل المسح ببلة الوضوء في لزوم خلوصها.

و أما ما في جامع المقاصد من أن المرجع في معني الاستئناف إلي العرف، و هو غير صادق علي هذا الفرد.

ففيه: أن النصوص لم تتضمن النهي عن الاستئناف، لينفع عدم صدقه، بل المسح ببلة الوضوء الظاهر في لزوم خلوصها، كما تقدم نظيره في الوضوء بالارتماس.

و مثله ما أشار إليه من أن ذلك لو كان مانعا لمنع بلل الأعضاء المغسولة قبل الوضوء، للقطع ببقاء شي ء منه بعد الغسل المستلزم للمسح به مع ماء الوضوء.

لاندفاعه: بأن الماء يكون بالغسل من ماء الوضوء، لما تقدم في الوضوء بالارتماس من أن المراد بالغسل الواجب هو إيصال أجزاء الماء لأجزاء البشرة تدريجا، و هو حاصل في الماء المذكور بسبب إمرار اليد علي الأعضاء المغسولة.

علي أن ثبوت عدم قادحية ذلك بالسيرة أو غيرها لا يقتضي التعدي لغيره من أنحاء المزج.

و أشكل من ذلك ما عن السيد الطباطبائي في هدايته من أن البلل الحاصل علي الرأس إذا مسح عليه صار ماء وضوء، فيجوز المسح به علي الرجل، كالماء

ص: 329

______________________________

الكائن علي الوجه قبل غسله.

لوضوح اندفاعه: بأن المراد بماء الوضوء هو ماء غسله لا ماء مسحه، و بهذا يفترق محل الكلام عن الماء الكائن علي الوجه قبل غسله.

مع أن الاشكال لا يختص بما بعد العضو الذي عليه الماء، بل يجري في مسح نفس العضو المذكور، و من الظاهر أن اختلاط مائه بماء الوضوء قبل مسحه به، فلا يكون مسحه بماء الوضوء خالصا.

و كذا حال ما في جامع المقاصد من أن ذلك لو كان مانعا لامتنع الوضوء في المحل الذي لا ينفك عن العرق، كالحمام.

لاندفاعه: بأن العرق لو كان معتدا به يخرج الماء عن الإطلاق بالاختلاط به، و لذا منع منه السيد الطباطبائي قدّس سرّه في محكي هدايته إذا كان غالبا، مع ما تقدم منه من تجويزه في غيره، فلا بد من تقييده بما لا يوجب ذلك، و كما يمكن تقييده بغيره يمكن تقييده بما إذا كان مستهلكا في ماء الوضوء لقلته، لئلا يلزم امتزاج بلة الوضوء.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في ظهور دليل المسح ببلة الوضوء في لزوم خلوصها، و هو يقتضي اعتبار جفاف العضو الممسوح، و به يخرج عن إطلاق دليل المسح، الذي استدل به للاجزاء.

اللهم إلا أن يقال: لعل المراد بالمسح ببلة الوضوء نقل البلة بالمسح من اليد إلي العضو، و من الظاهر أن ذلك لا يتحقق بالإضافة إلي البلة الموجودة علي العضو حين المسح عليه و إن امتزجت ببلة الوضوء، بل ليس المنتقل مع ذلك إلا بلة الوضوء، و هذا بخلاف امتزاج بلة الوضوء قبل المسح بها ببلة خارجية، حيث لا تنتقل معه بلة الوضوء خالصة، بل ممتزجة.

نعم، لو كان المراد بالمسح بالبلة مجرد وجودها حين مرور الماسح كان امتزاج بلة الوضوء ببلة العضو الممسوح مانعا من صدق المسح ببلة الوضوء وحدها.

ص: 330

بحيث يختلط ببلل الماسح بمجرد المماسة (1).

______________________________

لكن لا طريق لإثبات إرادة ذلك من دليل المسح بالبلة، بل الظاهر الأول. و لا أقل من الشك الموجب لإجمال الدليل المذكور، و الرجوع لإطلاق دليل المسح المقتضي لعدم مانعية بلل الممسوح.

و ربما يؤيد ذلك بما ورد في الوضوء بالمطر «1». فتأمل. و بما في صحيح زرارة: «قال: ابدأ بالمسح علي الرجلين، فان بدا لك غسل فغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك المفروض» «2» لبعد أن يكون المراد المسح بعد التنشيف من الغسل.

نعم، لا بد من عدم كون بلل الممسوح غالبا علي بلة الوضوء، بحيث لا يتعدي شي ء منها له عرفا.

أما علي القول الأول فلا بد من خلوص بلة الوضوء عرفا و لو لاستهلاك بلل الممسوح. بل ربما منع من تحقق الاستهلاك مع اتحاد الجنس.

لكن تقدم في الماء المستعمل تقريب تحققه. و هو المناسب للسيرة في المقام، لما هو المعلوم من كثرة الابتلاء بنضح الماء علي الرجلين عند الغسل، مع عموم الغفلة عنه و عدم التحرز منه.

و لعل هذا هو المراد مما تقدم عن الذكري و الدروس من الاجزاء مع غلبة ماء الوضوء، و إلا فلو أريد به مجرد كونه أكثر لم يكن له وجه، إذ لو كان الخلوص معتبر لم ينفع فيه ذلك- كما أشار إليه في جامع المقاصد- و إلا لم يحتج له، كما هو ظاهر.

(1) فرض وجود البلل ملازم لذلك، إلا أن يراد به ما يقابل الرطوبة غير المسرية التي لا يصدق معها البلل، أو ما يقابل صورة الاستهلاك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 12.

ص: 331

مسألة 24 لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء لم يجز المسح به علي الأحوط

(مسألة 24): لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء لم يجز المسح به علي الأحوط وجوبا (1).

نعم، لا بأس باختلاط بلل اليد اليمني ببلل اليد اليسري الناشئ من الاستمرار في غسل اليسري بعد الانتهاء من غسلها، إما احتياطا أو للعادة الجارية (2).

______________________________

(1) بل الأظهر، بناء علي ما تقدم من وجوب المسح ببلة اليد، و ما تقدم في المسألة السابقة من ظهور دليله في لزوم خلوص البلة و عدم امتزاجها بغيرها، إلا مع استهلاك غيرها فيها.

(2) لما سبق في وجوب المسح ببلة اليد من السيرة علي عدم التقيد بذلك، بل في فرض كون التكرار للاحتياط يلزم الحرج الشديد الذي يقطع معه بعدم التقييد بالوجه المذكور، بل يستلزم سدّ باب الاحتياط، للدوران فيه بين المحذورين من نقص الغسل عن الواجب و امتزاج البلة، إذ من المعلوم تعسر العلم بحصول الغسل الواجب من دون زيادة تعسرا ملحقا بالتعذر، و لا سيما مع غلبة بلل الكفين قبل غسل اليدين.

و أما استصحاب عدم غسلها مع الشك فهو و إن كان ملزما بغسلها، إلا أنه لا يحرز عدم امتزاج البلة، إلا بناء علي الأصل المثبت.

نعم، يمكن الفرار عن الحرج المذكور بعدم نية غسل جزء صغير من اليسري إلا بعد الاحتياط في غسل ما عداه، حيث يسهل غسله بعد ذلك من دون زيادة عن المقدار الواجب، لكن من المقطوع به عدم لزوم التقييد بذلك، لعدم التنبيه عليه مع الغفلة عنه.

هذا، و الاحتياج إلي استثناء ما ذكره قدّس سرّه مبني علي لزوم مسح الرأس و الرجل اليمني ببلة اليد اليمني و مسح الرجل اليسري ببلة اليسري و عدم الاجتزاء بمطلق بلة اليد، كما أشرنا إليه هناك.

ص: 332

مسألة 25 لو جف ما علي اليد من البلل لعذر أخذ من بلل حاجبيه

(مسألة 25): لو جف ما علي اليد من البلل لعذر أخذ من بلل حاجبيه و أشفار عينيه و من شعر لحيته (1)

______________________________

كما أنه تقدم أيضا أن مقتضي السيرة الارتكازية عدم التقيد و الامتناع عن وضع اليد قبل المسح علي بعض الأعضاء لحك و نحوه. فراجع.

(1) كما صرح به غير واحد، و يظهر من بعضهم المفروغية عنه، و نسبه في جامع المقاصد إلي إطباق الأصحاب، و في كشف اللثام إلي قطعهم، و في مفتاح الكرامة أنه لا كلام فيه، و ادعي في المعتبر اتفاقهم عليه في ناسي المسح.

و به يخرج عن إطلاق بعضهم وجوب المسح ببلة اليد، فيحمل علي إرادة عدم الاستئناف الذي تقدم جوازه عن ابن الجنيد.

لكن في الحدائق: «و المشهور أنه مع جفاف اليد يأخذ من شعر لحيته أو حاجبيه، و مع جفاف الجميع، فان كان لضرورة إفراط الحر أو قلة الماء جاز الاستئناف، و إلا أعاد الوضوء».

إلا أن من القريب كون الشهرة بلحاظ مجموع ما تضمنه كلامه، لا لوجود المخالف في الأخذ من شعر اللحية و الحاجبين مع الجفاف، و إلا فلم يعرف مخالف في ذلك. قال في الجواهر: «لم أجد أحدا من المتأخرين نقل خلافا فيه ممن عادته التعرض لمثله».

و يقتضيه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا ذكرت و أنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف فأتم الذي نسيته من وضوئك و أعد صلاتك. و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك، فتمسح به مقدم رأسك» «1»، و كذا صحيح مالك

______________________________

(1) راجع صدر الحديث في الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء حديث: 6 و ذيله في باب: 21 منها حديث: 2.

ص: 333

______________________________

ابن أعين «1» المتقدم في عدم جواز استئناف ماء للمسح، و مرسل الصدوق «2» المتقدم إليه الإشارة في وجوب المسح ببلة خصوص اليد. بل و كذا مرسل خلف ابن جماد المتقدم في عدم جواز الاستئناف و خبرا زرارة و أبي بصير «3»، الواردة فيمن ذكر أنه لم يمسح رأسه و هو في الصلاة، بناء علي ما تقدم هناك من لزوم حملها علي استئناف الصلاة، جمعا من النصوص الأخري الملزمة بذلك، و أنه أقرب من الجمع بحملها علي صورة الشك مع جواز الاستمرار في الصلاة، ليكون مستحبا تعبديا خارجا عما نحن فيه. فراجع.

و بذلك كله يلزم الخروج عن إطلاق صحيح ابن أذينة المتقدم المتضمن الأمر بالمسح ببقية بلة اليد، و حمله علي صورة عدم الجفاف، لأن صورة الجفاف هي الفرد المتعارف في مورد هذه النصوص، و هو النسيان بل هي مورد مرسل الصدوق.

نعم، لا يبعد البناء علي الاكتفاء بجفاف الكف الذي يتعارف المسح به لأنه هو الغالب في مورد هذه النصوص، دون جفاف الذراع، خصوصا مع قلة البلة فيه، حيث يشمل إطلاقها عدم الجفاف فيه، و إن كان مرسل الصدوق ظاهرا في جفاف تمام ما علي اليد. فتأمل.

بقي في المقام أمور.

الأول: أن نصوص المقام مختصة بنسيان المسح، و هو معقد إجماع المعتبر المتقدم، بل في الجواهر أن بعضهم احتمل الاختصاص به، إلا أن ظاهر كلماتهم المفروغية عن عدم الاختصاص حتي أنه في المعتبر استدل بالإجماع الذي ادعاه علي كفاية بقاء شي ء من البلل في الموالاة، بل في الحدائق أنه لا قائل بالفرق بين النسيان و غيره.

نعم، استشكل سيد المدارك في الاستدلال المتقدم من المعتبر باحتمال اختصاص ذلك بالناسي.

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 1، 3، 9.

ص: 334

______________________________

لكن ذلك لا يناسب إطلاقه جواز أخذ البلل من دون تقييد بالنسيان مع اختصاص النصوص المذكورة به، فلو لا المفروغية عن العموم لم يكن وجه للإطلاق المذكور. إلا أن يكون وجهه عنده و عند غيره ممن صرح بجواز الأخذ و لو مع عدم الجفاف إطلاق أدلة المسح، لا عموم الإجماع لغير حال النسيان. فبعد البناء علي تقييد الإطلاق المذكور- بدليل المسح ببلة اليد- كما تقدم منا تبعا لبعضهم- يحتاج التعميم إلي دليل، و هو مفقود بعد اختصاص النصوص و المتيقن من الإجماع- لو تمَّ- بالنسيان.

اللهم إلا أن يقال: لا إطلاق لدليل المسح ببلة اليد يشمل حال جفافها، لاختصاصه بصحيح ابن أذينة الوارد في قضية خارجية لا إطلاق لها.

بل مقتضي إطلاق الأمر بالمسح و ما ورد في قصة علي بن يقطين «1» جواز المسح بالبلة المأخوذة من المواضع المذكورة.

مضافا إلي أنه يبعد الجمود علي مورد النصوص جدا، لقرب فهم عدم الخصوصية له عرفا، و لا سيما بعد ما تقدم من ظهور تسالم الأصحاب علي العموم مع ظهور حالهم في كون الدليل هو النصوص المذكورة.

نعم، المتيقن من ذلك صورة العذر العرفي، كقلة الماء أو حرارة الهواء، دون صورة تعمد التجفيف أو التسامح في تأخير المسح، كما ذكر في المتن و قواه في الجواهر.

و إن كان مقتضي ما أشرنا إليه من إطلاق الأمر بالمسح المؤيد بإطلاق ما ورد في قصة علي بن يقطين جواز الأخذ مع الجفاف مطلقا و لو بدون عذر، كما هو ظاهر جامع المقاصد، حيث ذكر أنه لو مسح بماء مستأنف، ثمَّ جفف ما علي محل الاستئناف و أخذ من ماء الوضوء و مسح به صح وضوؤه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 336

ص: 335

الداخل في حد الوجه (1) و مسح به.

______________________________

الثاني: النصوص و إن اختصت بنسيان مسح الرأس، إلا أن الظاهر التعدي لمسح الرجلين. بل حيث كان اللازم تدارك الترتيب- كما تظافرت به النصوص- كان لازم مفاد هذه النصوص مسح الرجلين بعد مسح الرأس، فيتعين التعدي لصورة مسح الرأس بماء اليد دون الرجلين. يفهم عدم الخصوصية.

علي أنه مقتضي إطلاق الأمر بالمسح بعد قصور صحيح ابن أذينة عن صورة الجفاف، كما سبق. و الظاهر تسالم الأصحاب علي ذلك.

الثالث: النصوص المتقدمة مختصة ببلل اللحية و الحاجبين الأشفار، بل المعتبر سندا منها- و هو صحيحا الحلبي و مالك- مختص بالأول، إلا أن الخصوصية المذكورة بالأول ملغية عرفا، و المنساق منها التنبيه علي محال البلل في ظرف النسيان من دون خصوصية لموضع دون آخر، كما يشير إليه ذيل مرسل الصدوق لقوله: «فان لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء».

و لذا لم يرتب الأصحاب بين بلل اللحية و غيره، كما لم يعتبروا في الأخذ من غير اللحية عدم اللحية، و إن تضمنه مرسل الصدوق و حماد، كما تقدم التنبيه علي ذلك عند الكلام في وجوب المسح ببلة اليد. و لا أقل من كونه مقتضي إطلاق الأمر بالمسح بعد قصور صحيح ابن أذينة عن صورة الجفاف، كما تقدم.

(1) دون المسترسل طولا و عرضا، فعن نهاية الإحكام المنع من الأخذ منه، و مال إليه في الجواهر.

بدعوي: أن الظاهر من الأخبار إرادة نداوة الوضوء، و هو لا يدخل تحتها بناء علي عدم استحباب غسله، لأنه و إن كان ماء غسل الوجه، إلا أن المراد من ماء الوضوء الباقي في محاله، لا مطلق مائه و إن انفصل عنها و اجتمع في إناء أو نحوه.

نعم، لو قيل باستحباب غسله اتجه جواز الأخذ منه، لأن المراد بماء الوضوء ما

ص: 336

______________________________

يعم الغسل المستحب، كالغسلة الثانية. لكن تقدم الإشكال في استحباب غسله [1].

و يشكل بأنه مخالف لإطلاق النصوص المتقدمة، بل يصعب حمل إطلاقها علي خصوص ما دخل في حدّ الوجه، و لا سيما مع غلبة وجود الماء في المسترسل الخارج، للغفلة عن التقييد المذكور جدا.

و منه يظهر أنه لا مجال لتقييد الإطلاق المذكور بما دل علي عدم جواز استئناف الماء للمسح، فان حمل ذلك علي صورة عدم الجفاف أو غير ما يكون في المسترسل أقرب عرفا من تقييد هذا الإطلاق و حمله علي خصوص ما دخل في الحد.

علي أنه تقدم أن عمدة الدليل علي عدم جواز الاستئناف هو هذه النصوص، و صحيح ابن أذينة و ما ورد في قصة علي بن يقطين من الأمر بالمسح بنداوة الوضوء. و قد عرفت أن هذه النصوص لا تمنع من الأخذ من المسترسل، كما أن الصحيح لا إطلاق له يشمل صورة جفاف بلة الوضوء، لأنه وارد في قضية خاصة.

و أما ما ورد في قضية علي بن يقطين فهو- مع ضعف سنده- يشكل ظهوره في المنع من الأخذ من المسترسل، لاحتمال صدق نداوة الوضوء عليه، لإلحاقه بأعضاء الوضوء عرفا.

مع أنه لو فرض تمامية الإطلاق لذلك فبينه و بين إطلاق هذه النصوص عموم من وجه، و المتجه بعد تساقطهما الرجوع لإطلاقات الأمر بالمسح الشامل للمسح ببلة المسترسل. فالبناء علي إطلاق جواز الأخذ من اللحية هو الأقوي، كما هو مقتضي إطلاق أكثر الأصحاب، و صريح محكي شرح المفاتيح و الهداية للسيد الطباطبائي قدّس سرّه.

نعم، لا بد من الاقتصار علي البلل الحاصل من الغسل الوضوئي، دون ما

______________________________

[1] هذا ما ذكره في هذه المسألة لكن ذكر في مبحث الموالاة انه يكتفي ببقاء البلل المستحب، كالذي يكون علي مسترسل اللحية.

ص: 337

مسألة 26 لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح فالأحوط الجمع بين المسح بالماء الجديد و التيمم

(مسألة 26): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحر أو غيره فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح (1) بالماء الجديد و التيمم.

______________________________

يكون مسببا عن غسله برجاء المطلوبية بعد إكمال غسل الوجه، لانصراف النصوص عنه بعد عدم ثبوت مشروعيته.

(1) الاجتزاء بالمسح بالماء الجديد هو المصرح به في المعتبر و جامع المقاصد، و المنتهي في إحدي نسختيه، و في المدارك بعد أن حكم بجواز استئناف ماء للمسح قال: «و يحتمل الانتقال للتيمم لتعذر الوضوء» و حكي جواز الاستئناف أيضا عن الذكري و البيان و المقاصد العلية، كما تقدمت حكايته عن ابن الجنيد، بل تقدم من الحدائق نسبته للمشهور.

و في محكي التحرير المسح مع الجفاف من دون استئناف، و هو ظاهر نسخة المنتهي الأخري [1].

و أما التيمم فقد ذكر في الجواهر أنه لم يعثر علي مفت به، و إنما تقدم من المدارك احتماله، و استحسن في جامع المقاصد الاحتياط بضمه للوضوء. نعم، قرّب بعض مشايخنا الاجتزاء به، و نقل شيخنا الأعظم قدّس سرّه عن بعض حواشي التحرير نسبته للعلامة.

و الذي ينبغي أن يقال: لما كان دليل عدم الاستئناف منحصرا بالإجماع، و صحيح ابن أذينة، و نصوص الأخذ من اللحية و نحوها عند الجفاف، و ما ورد في قصة علي بن يقطين.

______________________________

[1] ربما يحمل مراد العلامة قدّس سرّه في هذه من الكتابين علي ان مثل هذا الجفاف لا يخل بالموالاة، و انما لا يسوغ استئناف الماء للمسح، لمفروغيته عن إمكان تحصيل المسح ببلة الوضوء بإكثار الماء أو الإسراع أو نحوهما نظير ما في محكي التذكرة حيث قال: «لو جف ماء الوضوء للحر أو الهواء المفرطين استأنف الوضوء و لو تعذر أبقي جزءا من يده اليسري ثمَّ أخذ كفا غسله به و عجل المسح علي الرأس و الرجلين» (منه عفي عنه).

ص: 338

______________________________

فمن الظاهر عدم شمول الإجماع للمقام بعد ذهاب من عرفت لوجوب الاستئناف، كما تقدم عدم الإطلاق في صحيح ابن أذينة، و نصوص الأخذ من اللحية و نحوها تقصر عن المقام، لاختصاصها بصورة إمكان المسح ببلل الوضوء لعدم جفافه أو لإمكان استئنافه بالوجه المذكور.

فلم يبق إلا ما ورد في قصة علي بن يقطين، و إطلاقه و إن كان يقتضي عدم مشروعية الوضوء مع الاستئناف حتي في محل الكلام، لظهوره في الإرشاد إلي كيفية الوضوء، مع ظهوره في الارتباطية. إلا أن ضعف سنده مانع من الاعتماد عليه في الخروج عن إطلاق الأمر بالمسح، المقتضي لجواز الاستئناف.

و يؤيد ذلك ابتناء الوضوء في الجملة علي الميسور، و هو في المقام أقرب عرفا منه في الجبائر- و إن لم تثبت قاعدة الميسور كلية.

و منه يظهر أنه لا مجال للاكتفاء بالوضوء من دون مسح- كما قد يظهر احتماله من بعض في المقام- أو بالمسح من دون استئناف- كما قواه في الجواهر- فضلا عن وجوبه- كما لعله ظاهر ما تقدم من التحرير-، لأن دليل مشروعية الوضوء في المقام إن كان هو الإطلاق فالظاهر منه وجوب المسح بالماء.

و إن كان هو ابتناء الوضوء علي الميسور فالمسح بالماء هو الأقرب للميسور عرفا، و لا أقل من كونه حينئذ مقتضي قاعدة الاشتغال، لاحتمال توقف الطهارة المفروض وجوبها عليه، و لا يحتمل مانعيته منها. فلاحظ.

هذا، و لو غض النظر عما تقدم و فرض إطلاق المنع عن الاستئناف بنحو يشمل المقام تعين الانتقال للتيمم لإطلاق دليل مشروعيته بتعذر الوضوء.

و مجرد عدم تعرض الأصحاب لذلك في مسوغات التيمم لا يكشف عن إجماعهم علي عدم مشروعيته و مشروعية الوضوء الناقص، مع ما هو المعلوم منهم من مشروعية التيمم بمجرد تعذر الوضوء، فإذا كان مقتضي الارتباطية تعذره في المقام لزم مشروعية التيمم بلا حاجة إلي التنصيص عليه منهم بالخصوص.

و منه يظهر حال دعوي: أن احتمال الاكتفاء بالميسور ملزم بالاحتياط

ص: 339

______________________________

بالجمع بينه و بين التيمم، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما.

لاندفاعها: بأن إطلاق مشروعية التيمم بتعذر الوضوء بضميمة ظهور دليل الوضوء في خصوص التام كاشف عن الاكتفاء بالتيمم و رافع للإجمال تعبدا.

كما ظهر مما تقدم أن الأقوي الاكتفاء بالوضوء مع الاستئناف، و الأحوط استحبابا ضم التيمم إليه، و لا حاجة للاحتياط بالوضوء بالمسح من دون استئناف.

فرع:

المحكي عن نهاية الإحكام وجوب تأثر الممسوح بالماسح مع الإمكان، و هو الذي استظهره في المستند، و به صرح في العروة الوثقي، و وافقه سيدنا المصنف قدّس سرّه ناسبا التصريح به لجماعة كثيرة، قال: «لأن المسح بالبلل كالمسح بالدهن ظاهر في ذلك، لا مجرد المسح بالعضو متلبسا بالبلل».

أقول: إن كان المراد بالتأثير مجرد انتقال البلة من الماسح للممسوح، فهو ملازم لفرض وجود البلة في الماسح حين المسح.

و إن كان المراد به حمل الممسوح لرطوبة يصدق عليها الماء و البلل فدعوي ظهور إطلاق المسح فيه ممنوعة.

و المسح بالدهن إنما يفهم منه ذلك إذا كان كناية عن تدهين الممسوح، و إلا فمسح الدهن بالمنديل لا يفهم منه ذلك. بل قد ينافي ذلك مقابلة المسح بالغسل الذي تقدم أنه يجزي فيه مثل الدهن.

و كذا رواية الأخذ من الأشفار و الحاجبين، لقلة الماء فيها بنحو يندر حمل الرأس و الرجلين للبلل بمسحها به. فتأمل.

و كذا الحال لو أريد بالتأثر حمل الممسوح لمسمي الرطوبة و لو لم تكن مسرية. فإنه مخالف للإطلاق أيضا، و انصرافه منه ممنوع، و إن كان ما سبقه أشد منعا.

ص: 340

مسألة 27 لا يجوز المسح علي العمامة و القناع أو غيرهما من الحائل

(مسألة 27): لا يجوز المسح علي العمامة و القناع أو غيرهما من الحائل (1)،

______________________________

هذا، و لو فرض وجوب تأثر الممسوح و تعذرت المحافظة علي البلة بالمقدار المستلزم له، ففي وجوب المسح بالبلة من دون تأثير- كما عن نهاية الإحكام- أو وجوب الاستئناف وجهان.

مقتضي إطلاق الأمر بالمسح الثاني بعد فرض انصرافه لصورة التأثير و فرض قصور دليل المنع عن الاستئناف عن المقام، كما تقدم نظيره.

و إن فرض إطلاق دليل المنع عن الاستئناف و شموله للمقام و أن الدليل علي مشروعية الوضوء فيه قاعدة الميسور كان مقتضي قاعدة الاشتغال الجمع بالمسح أولا ببلة الوضوء ثمَّ المسح بالماء الجديد.

و إن فرض المنع من جريان قاعدة الميسور كان اللازم التيمم، كما يظهر بملاحظة ما تقدم.

(1) إجماعا محصلا و منقولا علي لسان جملة من الأساطين. كذا في الجواهر. و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «ينبغي عده من ضروريات المذهب». و قد تكرر في كلماتهم دعوي الإجماع علي عدم المسح علي العمامة و الشعر الخارج عن الحد و غيرهما.

و يقتضيه- مضافا إلي ظاهر الإطلاقات المستفيضة بالمسح علي الرأس و القدم- صريح ما تضمن إدخال الإصبع تحت العمامة و الخمار «1»، و قد تقدم كثير منه عند الكلام في إجزاء مسمي المسح، و مرفوع محمد بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الذي يخضب رأسه بالحناء ثمَّ يبدو له في الوضوء. قال: لا يجوز

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 5، و باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 5، و باب:

123 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1. و راجع باب: 24 من أبواب الوضوء.

ص: 341

______________________________

حتي يصيب بشرة رأسه بالماء» «1». و ما قد يستفاد من بعض نصوص المسح علي الخف من عدم الخصوصية له.

لكن في صحيح عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثمَّ يبدو له في الوضوء. قال: يمسح فوق الحناء» «2» و في صحيح محمد بن مسلم عنه عليه السّلام: «في الرجل يحلق رأسه ثمَّ يطليه بالحناء ثمَّ يتوضأ للصلاة. فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه» «3».

إلا أن ظاهر الأصحاب الإعراض عنهما، لعدم تنبيههم علي استثناء الحناء، مع أنها أولي بالتنبيه من شعر المقدم. بل عن غير واحد التنبيه علي المنع فيها، و ذلك مانع من الاعتماد عليهما في موردهما، فضلا عن التعدي لغيره من افراد الحائل مع ما عرفت من الإجماع و النص. فليحملا علي بعض المحامل من تقية أو ضرر أو حرج أو نحوهما.

نعم، مقتضي ما عن الذكري من نقل الإجماع علي عدم إجزاء المسح علي العمامة و الشهرة في الحناء وجود القول به. و لعله لما في الاستبصار حيث عقد للمسح علي الحناء بابا ثمَّ ذكر الصحيحين.

لكنه بعد أن عارضهما بمرفوع محمد بن يحيي المتقدم، و رجحهما عليه بانقطاع سنده، قال: «و لو سلم لأمكن حمله علي أنه إذا أمكن إيصال الماء إلي البشرة فلا بد من إيصاله، و إذا لم يمكن ذلك أو لحقه مشقة في إيصاله لم يجب عليه. و يؤكد ذلك ما رواه. الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الدواء إذا كان علي يدي الرجل، أ يجزيه أن يمسح علي طلاء الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه». أو هو ظاهر في عدم عمله بظاهر الصحيحين.

______________________________

(1) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 342

و إن كان شيئا رقيقا لا يمنع من وصول الرطوبة إلي البشرة (1).

الرابع: مسح القدمين
اشارة

الرابع: يجب مسح القدمين (2)

______________________________

(1) كما صرح به في المنتهي، و نسب الخلاف فيه لأبي حنيفة. و ظاهره الإجماع منا، و هو الظاهر من الأصحاب، لعدم استثنائهم ذلك من الحائل.

و يقتضيه ما تقدم، لظهور المسح في مماسة الماسح للممسوح. و لا قرينة علي أن الغرض مجرد وصول الماء للممسوح، بل هو لا يناسب مقابلة المسح بالغسل الذي يراد منه ذلك، بل الأمر أظهر من أن يحتاج للاستدلال.

(2) قال في الجواهر: «إجماعا عند الإمامية محصلا و منقولا، بل هو من ضروريات مذهبهم، و أخبارهم به متواترة، بل في الانتصار أنها أكثر من عدد الرمل و الحصي، بل رواه مخالفوهم أيضا. بل هو المنقول عن جماعة من الصحابة و التابعين و الفقهاء، كابن عباس و عكرمة و أنس و أبي العالية و الشعبي.

و عن أبي الحسن البصري و ابن جرير الطبري و أبي علي الجبائي التخيير بينه و بين الغسل.

و عن داود يجب الغسل و المسح معا، و نحوه عن الناصر الزيدي. و باقي الفقهاء علي إيجاب الغسل فقط».

و يكفينا دليلا الثقلان اللذان تركهما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في أمته كتاب اللّه و عترته. أما العترة عليهم السّلام فقولهم به معلوم بإجماع شيعتهم و أصحابهم الآخذين منهم، و بالنصوص المروية عنهم الصريحة في مشروعية المسح، بل وجوبه، و أنه الذي نزل به الكتاب.

و أما الكتاب فيدل عليه بمقتضي عطف الأرجل علي الرؤوس التي فرضها المسح، فتشاركها فيه. من دون فرق بين قراءة الجر التي قال الشيخ في التهذيب انها مجمع عليها، و في رواية غالب عن الباقر عليه السّلام «1» تعيينها- اتباعا للفظ الرؤوس،

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 10.

ص: 343

______________________________

و قراءة النصب اتباعا لمحلها، أو بنزع الخافض أو عطفا علي الجار و المجرور معا، لتجريد الرجلين عن معني الباء الدالة علي التبعيض أو الإلصاق المستتبع للاكتفاء بالمسمي- كما سبق- لعدم الاكتفاء فيهما بالمسمي طولا.

و حملها علي العطف علي الوجوه المغسولة مستلزم للفصل بين المتعاطفين بالأجنبي المستبشع جدا، و لا سيما علي قراءة الجر التي يتعين في وجهها علي ذلك الاتباع للمجاورة، الذي هو من شواذ الاستعمال، فلا يحمل عليه الكلام، خصوصا كلام اللّه تعالي الوارد مورد الاعجاز، و لا سيما ممن لم يؤت علم الكتاب و لم يطلع علي تأويله، بل ليس له إلا التعبد بظواهره، حيث لا ينبغي الريب في مخالفة الحمل المذكور للظاهر، و ليس الظاهر إلا وجوب المسح.

و كذا دعوي: أن المراد بالمسح الغسل، لأن الغسل الخفيف يسمي مسحا، فإنه حمل للكلام علي المجاز بلا قرينة، بل يأباه سياقه، لعطف الأرجل علي الرؤوس.

و منه يظهر أنه لا بد من طرح النصوص «1» التي قد يظهر منها وجوب الغسل، أو حملها علي التقية، لأنها من الشاذ النادر المخالف للكتاب و الموافق للعامة.

و معه لا وجه لوجوب الجمع بين المسح و الغسل إلا الاحتياط بالجمع بين احتمالين، قد عينت الأدلة أولهما و أبطلت ثانيهما.

كما لا وجه للتخيير ظاهرا إلا دعوي: أولوية الغسل من المسح، لأنه أبلغ في التطهير. و هي ظنية لا يخرج بها عما سبق. أو دعوي: بدليته عن المسح جمعا بين ما تقدم و النصوص المتضمنة للغسل المروية من طرقهم و طرقنا، ففي صحيح أيوب بن نوح: «كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام: أسأله عن المسح علي القدمين. فقال:

الوضوء بالمسح، و لا يجب فيه إلا ذاك، و من غسل فلا بأس» «2» و في موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلا رجليه، ثمَّ يخوض بهما

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 13.

ص: 344

______________________________

الماء خوضا. قال: أجزأه ذلك» «1».

لكن نصوصهم ليست حجة علينا، و نصوصنا متعينة للحمل علي التقية بعد ما سبقت الإشارة إليه من الإجماع و النصوص الصريحة في عدم الاجزاء، كصحيح زرارة «2» المتقدم في المسألة الثالثة و العشرين، و حسن محمد بن مروان أو صحيحه: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يأتي علي الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة. قلت: كيف ذاك؟ قال: لأنه يغسل ما أمر اللّه بمسحه» «3» و ما ورد في قصة علي بن يقطين «4».

ثمَّ إن ظاهر الأصحاب اختصاص ظاهر القدمين بالمسح- فلا يجب مسح باطنهما فقط أو مع الظاهر- لأنه موقع الكعبين، بناء علي ما يأتي منهم من أنهما قبتا القدمين. و هو المصرح به في الغنية و إشارة السبق و المراسم و عن المقنعة و السرائر و غيرهما، و ظاهر الغنية الإجماع عليه، كما هو المصرح به في كشف اللثام و محكي غيره.

و أما ما في المقنعة من قوله: «و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما» فلا بد من تأويله بعد ما عرفت منه و من غيره. قال في التهذيب في شرحه: «يريد مقبلا و مدبرا من الأصابع إلي الكعبين، و من الكعبين إلي الأصابع». و هو أعرف بمراد شيخه.

و كيف كان، فيقتضيه- مضافا إلي ما عرفت من الإجماع، و إلي ظاهر الآية و النصوص المتضمنة للمسح إلي الكعبين، بناء علي أنهما قبتا القدمين بالوجه المتقدم- ظاهر النصوص المتضمنة لتعدية المسح ب «علي»، و النصوص المتضمنة للمسح علي الظاهر، و منها ما تضمن المسح علي النعلين «5»، و إن لم يكن بعضها ظاهرا في الوجوب، بل في الاجزاء لا غير، لوروده في بيان العمل أو غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 14.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(5) راجع في النصوص المذكورة باب: 15، 20، 23، 24، 25، 32 و غيرها من أبواب الوضوء.

ص: 345

من أطراف الأصابع إلي الكعبين (1)

______________________________

نعم، في خبر سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما، ثمَّ قال: هكذا، فوضع يده علي الكعب و ضرب الأخري علي باطن قدميه، ثمَّ مسهما إلي الأصابع» «1» و في مرفوع أحمد بن محمد بن عيسي عن أبي بصير عنه عليه السّلام: «في مسح القدمين و مسح الرأس. فقال:

مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره، و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما» «2».

لكن لا مجال للخروج بهما عما تقدم. و قد حملهما الشيخ قدّس سرّه في كتابيه علي التقية، قال في الاستبصار: «لأن في الفقهاء من يقول بمسح الرجلين، و يقول مع ذلك باستيعاب العضو ظاهرا و باطنا.

و يحتمل أن يكون أراد ظاهرهما و باطنهما، أعني: مقبلا و مدبرا، علي ما بينا القول فيه». و لو لا شذوذهما و ظهور إعراض الأصحاب عنهما لأمكن الجمع بينهما و بين ما تقدم بالحمل علي الاستحباب. فلاحظ.

(1) يعني: فيجب الاستيعاب الطولي للحد المذكور.

أما أصل التحديد فهو من الواضحات، فتوي و دليلا، بعد اشتمال الكتاب و السنة المستفيضة أو المتواترة عليه.

و أما وجوب الاستيعاب و عدم الاكتفاء بالمسمي طولا- علي خلاف ما تقدم في الرأس- فهو المصرح به في كلام جماعة و ادعي الإجماع عليه في ظاهر الخلاف و الغنية، و صريح المنتهي و محكي التنقيح، و لعله ظاهر التذكرة، لأنه و إن عبر بكفاية المسح من رؤوس إلي الكعبين و لو بإصبع واحدة في مقابل وجوب الاستيعاب حتي في العرض، إلا أن من القريب إرادته بيان المجزي عرضا مع الحفاظ علي المقدار المذكور طولا، و عن الذكري نسبته إلي عمل الأصحاب بعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الوضوء حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الوضوء حديث: 7.

ص: 346

______________________________

أن تردد فيه، كما تردد فيه في المعتبر أولا، ثمَّ جزم بوجوبه، و ظاهر المدارك التردد فيه أيضا، و مال لعدم الوجوب في الحدائق- لو لا الاحتياط- و حكي عن صاحب رياض المسائل و حياض الدلائل نفي البعد عنه.

و ظاهرهم أو صريحهم أن منشأ التردد فيه هو احتمال كون «إلي» لتحديد الممسوح و بيان محل المسح، لا غاية للمسح، بل قد يدعي ظهورها في ذلك بمقتضي وقوعها في سياق التحديد بها في اليدين. بل لا ينبغي الإشكال في ذلك بناء علي جواز النكس.

و ما في الجواهر من أن خروج ذلك بدليل لا ينافي كونها غاية للمسح.

كما تري! إذ لا معني لكونها غاية للمسح إذا جاز الابتداء بالكعبين، و ليس هو من سنخ التقييد له.

مضافا إلي ما قد يدعي من أن عدم وجوب الاستيعاب مقتضي العطف علي الرؤوس التي أريد منها التبعيض في الطول و العرض معا، لمكان الباء، أو الإطلاق.

و فيه: أن كونها لتحديد الممسوح يقتضي استيعابه، كما اقتضاه في الأيدي، علي ما نبه له في الجواهر.

و أما العطف فهو لا يقتضي التبعيض بناء علي قراءة النصب و العطف علي الجار و المجرور معا- كما تقدم- بل لا بد في الاكتفاء بالبعض عرضا من دليل خارج. و أما بناء علي العطف علي محل المجرور أو بنزع الخافض، أو علي قراءة الجر- كما هو الظاهر لصحيح زرارة المتضمن إفادة الباء للتبعيض «1» و صحيحي الأخوين الآتيين، و خبر غالب المعين لقراءة الجر «2» - فلأن ظاهر التحديد ب «إلي» لزوم الاستيعاب الطولي و اختصاص التبعيض بالعرض.

إذ ليس المراد بكون «إلي» لتحديد الممسوح أنها تفسير لمفهوم الأرجل

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1. و قد تقدم في أول الكلام في مسح الرأس.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 10.

ص: 347

______________________________

التي وقع عليها المسح، كما لو فسرت الرجل بالقدم، حيث يكون مقتضي العطف التبعيض فيه مطلقا طولا و عرضا- كما في الرؤوس- إذا لم يعهد إرادة ذلك من مثل هذا التركيب.

بل المراد أنها للمسح لا لبيان غايته، بل لبيان مقداره في اتجاه الطول، و مقتضاه الاستيعاب فيه، و إن لم يجب الاستيعاب عرضا للإطلاق.

نعم، يتجه التبعيض فيه لو كان الجار و المجرور صفة للبعض الذي يجب مسحه المستفاد من تسليط الباء، لبيان محله، فكأنه قيل: و امسحوا بأرجلكم بموضع واقع في الحد الخاص.

لكنه تكلف مخالف لظاهر الكلام جدا، بل لعله لا يصح إرادة ذلك من مثل هذا التركيب، لعدم اشتمال الكلام علي البعض الموصوف، و لظهور «إلي» في التحديد و بيان السعة، لا محض الظرفية و بيان المحل.

و منه يظهر وجه الاستدلال لوجوب الاستيعاب بغير واحد من النصوص المتضمنة لوجوب المسح إلي الكعبين، كصحيح ابن أذينة الوارد في حديث المعراج، و فيه: «ثمَّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء، و رجليك إلي كعبيك» «1».

و أما الاستدلال بصحيح البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن المسح علي القدمين كيف هو؟ فوضع كفه علي الأصابع فمسحها إلي الكعبين إلي ظاهر القدم.

فقلت: جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا. فقال: لا إلا بكفه كلها» «2».

فقد يشكل: بأن اشتماله علي المسح بتمام الكف ملزم بحمله علي الاستحباب، فلا مجال لاستفادة وجوب الاستيعاب الطولي منه.

اللهم إلا أن يقال: إنما يمنع ذلك من استفادة وجوب الاستيعاب الطولي لو

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 348

______________________________

كان قرينة عرفية علي صرف السؤال إلي إرادة بيان الكيفية الكاملة، لا خصوص الواجب، و هو مما يأباه ظاهر الجواب جدا بلحاظ ذيله، غاية الأمر أنه يجب رفع اليد عن ظهور جوابه عليه السّلام في وجوب المسح بتمام الكف، و هو لا يستلزم رفع اليد عن ظهوره في وجوب الاستيعاب الطولي.

و الأمر سهل بعد وفاء ما تقدم بالمطلوب. و به يخرج عما يوهم الإطلاق، كصحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و ذكر المسح فقال: امسح علي مقدم رأسك، و امسح علي القدمين، و ابدأ بالشق الأيمن» «1». إذ لا يبعد شمول المسح علي القدم لصورة عدم الاستيعاب، و ليس هو كمسح القدم.

هذا، و قد استدل في الحدائق لعدم وجوب الاستيعاب بما تضمن المسح علي النعلين من دون استبطان الشراكين «2». و خبر جعفر بن سليمان: «سألت أبا الحسن موسي عليه السّلام: قلت: جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم» «3».

لكن عدم استبطان الشراكين لا يستلزم عدم الاستيعاب بعد كون معقد الشراك هو الكعب- كما في كلام غير واحد- غاية ما يلزم عدم مسح الكعب، و هو أعم من المدعي، لإمكان عدم دخول الغاية في حكم المغيي، علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

بل التنبيه علي عدم استبطان الشراك ظاهر في المفروغية عن عدم إجزاء المسمي طولا، و أن للطول حدا لا بد من استيعابه، بحيث قد يتوهم لأجله وجوب الاستبطان.

كما أن المسح من تحت الخف المخرق قد يحصل معه الاستيعاب، بل لو لا مفروغية السائل عن وجوبه لم يحتج إلي فرض تخرق الخف، لإمكان تحقق

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 20، 23، 24 من أبواب الوضوء.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 349

______________________________

مسمي المسح طولا تحت الخف غير المخرق.

و أما صحيحة الأخوين عن أبي جعفر عليه السّلام: «إن اللّه تعالي يقول يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله. ثمَّ قال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ فإذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلي أطراف الأصابع فقد أجزأه» «1»، و صحيحتهما الأخري عنه عليه السّلام- التي لا يبعد كونها قسما من الأولي، و الاختلاف من جهة النقل بالمعني-: «أنه قال في المسح: تمسح علي النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك، و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلي أطراف الأصابع فقد أجزأك» «2».

فقد يستدل بهما علي عدم وجوب الاستيعاب، إما لكون «ما» بدلا من القدمين، أو بدلا من «شي ء» مع كون الباء الداخلة علي «شي ء» للتبعيض أو الإلصاق المفيد فائدته.

لكن الابدال من القدمين دون «شي ء» بعيد جدا، بعد كون القدمين مذكورين تبعا في وصف «شي ء»، و كونه أحوج للتحديد منهما، لوجود الحد الخارجي العرفي لهما دونه، لصدقه علي الكثير بعين صدقه علي القليل.

هذا، بناء علي ما يظهر منهم من تعين «ما» للاسمية، و أنها اسم موصول أو نكرة موصوفة، أما بناء علي أنها حرف رابط ممهد لما بعدها تعين كون ما بعدها صفة ل «شي ء»، دون القدمين، لكونهما معرفة لا توصف بالظرف، بل لا معني لوصفهما بأنهما بين الكعبين إلي أطراف الأصابع.

و أما كون الباء لإفادة التبعيض فلا مجال له، لظهور أن ذكر «شي ء» لبيان

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 350

و هما قبتا القدمين (1).

______________________________

التبعيض الذي هو مقتضي الباء في الآية، كما يظهر من مقابلة الغسل بالمسح في الصحيح الأول، بل هو صريح صحيح زرارة «1» المتضمن أن استفادة التبعيض لمكان الباء، فلا معني معه لذكر الباء و إرادة ما يقتضي التبعيض منها- كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه- بل لا بد أن تكون لمحض الإلصاق بالنحو الذي لا يقتضي التبعيض في مدخولها، كما يناسبه ورود الصحيح الأول مورد التفسير للآية.

نعم، لو كان قوله عليه السّلام: «ما بين.» لبيان محل الشي ء الممسوح لا حدّه و مقداره، كان مقتضي الإطلاق عدم وجوب الاستيعاب.

لكن تقدم أن ظاهر «إلي» التحديد لا محض الظرفية و بيان المحل.

و من جميع ذلك ظهر أن الحديثين ظاهران في وجوب الاستيعاب الطولي، و أن الممسوح تمام ما بين الحدين، و لا مجال معه لاطالة الكلام فيما ذكره صاحب الحدائق عن صاحب رياض المسائل في تقريب دلالتهما علي عدم وجوب الاستيعاب. فراجع.

(1) كما في الشرائع و النافع و الروضة و عن التنقيح.

و يقتضيه كلام جل الأصحاب من القدماء و المتأخرين علي اختلاف عباراتهم، ففي محكي المقنعة: «و الكعبان هما قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل و المشط، و ليسا الأعظم عن اليمين و الشمال من الساقين الخارجة عنها، كما يظن ذلك العامة، و يسمونها الكعبين، بل هذه عظام الساقين، و العرب تسمي كل واحد منهما ظنبوبا. و الكعب في كل قدم، و هو ما علا منه في وسطه، كما ذكرنا» و في الانتصار و مجمع البيان: «هما العظمان النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك» و قريب منه في الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهي و الذكري و عن الجمل و العقود و السرائر و المهذب، و في المبسوط: «و هما النباتان في وسط القدم»، و في

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1. و قد تقدم في أول الكلام في مسح الرأس.

ص: 351

______________________________

التحرير: «و هما النابتان في وسط القدم»، و في إشارة السبق و المراسم و محكي الكافي: أنهما معقد الشراك، و في محكي الكاتب لابن الجنيد: «الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق، و هو المفصل الذي قدام العرقوب» [1]، و عن ابن أبي عقيل أنهما ظهر القدم [2].

و قد نسب للإمامية في الانتصار و مجمع البيان، و لفقهاء أهل البيت في المعتبر، و لعلمائنا في المنتهي، و لأصحابنا في محكي التنقيح، و لإجماعنا في الذكري، و لإجماع القائلين بوجوب المسح في الانتصار و التهذيب و الخلاف و الغنية و الذكري، و في نهاية ابن الأثير و لسان العرب و عن محكي لباب التأويل. أنه مذهب الشيعة، و في كشف اللثام أنه استفاض نقل الإجماع عليه.

و ذهب العلامة قدّس سرّه إلي أنه المفصل بين الساق و القدم، و تبعه الكاشاني، كما حكي موافقته عن غير واحد، كالشهيد في الألفية، و المقداد في كنز العرفان، و أبي العباس في الموجز، و الحر العاملي.

______________________________

[1] لما كان العرقوب هو العصب الغليظ الذي فوق العقب، كما ذكره غير واحد من اللغويين كان مقتضاه أن الكعب هو مفصل الساق و القدم. لكنه لا يناسب تصريحه بأنه دون عظم الساق.

و من هنا يحتمل.

تارة: أن مرجع الضمير عظم السابق لا الكعب.

و اخري: أن المراد بالعرقوب ما يعم العصب الذي أمام الساق، كما قد يناسبه ما في لسان العرب عن الأصمعي: «و العرقوبان: من الفرس ما ضم ملتقي الوظيفين و الساقين من مئاخرهما من العصب، و هو من الإنسان ما ضم أسفل الساق و القدم».

و ثالثة: أن لا يكون قوله: «و هو الفصل الذي قدام العرقوب» من كلام ابن الجنيد، بل من كلام العلامة قدّس سرّه عقب به كلام ابن الجنيد عند نقله في المختلف، كما أشار إليه في مفتاح الكرامة و يؤيده نقل العلامة له في جملة العبارات الموهمة لتفسير الكعب بغير المفصل، و عدم نقل الشهيد في الذكري الفقرة المذكورة في جملة كلام ابن الجنيد.

و لعل هذا أظهر الاحتمالات في المقام. (منه عفي عنه).

[2] ظاهره إرادة ما برز منه و ارتفع نظير ظهر الجبل، لا ما يقابل بطن القدم، لأنه محل المسح لا غاية الممسوح. (منه عفي عنه).

ص: 352

______________________________

بل يظهر منه قدّس سرّه حمل كلام الأصحاب علي ذلك، ففي التحرير فسره بما ذكره الأصحاب أولا، و في آخر كلامه فسره بالمفصل، و في المنتهي بعد أن فسره بما تقدم ناسبا له إلي علمائنا و تعرض لقول العامة ورده قال: «و قد يشتبه عبارة علمائنا علي بعض من لا مزيد تحصيل له في معني الكعب. و الضابط فيه ما رواه زرارة.» و ذكر صحيح الأخوين الآتي الذي هو دليله المختارة، و في المختلف: أن في عبارات الأصحاب اشتباها علي غير المحصّل، و في التذكرة: «و هما العظمان النابتان في وسط القدم، و هما معقد الشراك، أعني: مجمع الساق و القدم. ذهب إليه علماؤنا أجمع. و به قال محمد بن الحسن الشيباني، لأنه مأخوذ من كعب ثدي المرأة أي ارتفع».

و هو كما تري خروج عن ظاهر كلماتهم أو صريحها، فان التعبير بأنه العظم الواقع في وسط القدم أو ظهره و أنه معقد الشراك لا يناسب كونه المفصل الواقع في آخر القدم، و كذا وصفه بالنتوء و العلو و النبات، و تعليل تسميته بأنه مأخوذ من كعب ثدي المرأة، كما تقدم منه و ذكره غيره. بل كيف يمكن ذلك مع تصريح الشيخ في المبسوط بعدم مشروعية امتداد المسح لعظم الساق.

و مثله ما حمل البهائي و الفاضل الهندي قدّس سرهما عليه كلام العلامة و نسباه إلي علماء التشريح من أنه عظم مائل إلي الاستدارة واقع في ملتقي الساق و القدم له زائدتان في أعلاه يدخلان في حفرتي قصبة الساق و زائدتان في أسفله يدخلان في حفرتي العقب، و هو نأت في وسط ظهر القدم- يعني: وسطه العرضي- و لكن نتوءه غير ظاهر لحس البصر، لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق. و ذكر البهائي قدّس سرّه أنه قد يعبر عنه بالمفصل- كما صنعه العلامة- لمجاورته له، أو من قبيل تسمية الحال باسم المحل. و نسبه في تفسير الرازي و النيشابوري إلي الإمامية و كل من قال بوجوب المسح.

و ذكر أيضا أنه يمكن تنزيل كلمات الأصحاب (رضي اللّه عنهم) عليه، بأن يريدوا بوسط القدم وسطه العرضي، لا الطولي، و بنتوء الكعب نتوءه غير

ص: 353

______________________________

المحسوس. و إن كان لا مجال لذلك في كلام المفيد، لصراحته في إرادته المعني الأول. و كأنه لجعله الكعب أمام الساقين بين المفصل و المشط، لا تحت الساقين عند المفصل.

لاندفاعه- مع عدم مناسبته لما تقدم من المبسوط- بأن الظاهر من وسط القدم هو الوسط الطولي، و لا سيما مع مشاركتهم المفيد في أخذ ذلك في تعريفه بل هو كالصريح ممن جعله في ظهر القدم، و ممن صرح بأنه عند معقد الشراك.

كما أن حمل النتوء و العلو في كلماتهم علي العلو غير المحسوس لا يناسب ذكرهم له علامة للكعب، ليرجع إليه في معرفته.

قال في الحدائق: «و لو كان المراد بالكعب هذا المعني الذي لا يفهمه إلا علماء التشريح، دون سائر العلماء، فضلا عن المتعلمين، لأوضحوه بعبارات جلية و بينوه بكلمات واضحة غير خفية، و لما اقتصروا في وصفه علي مجرد النتوء و الارتفاع، الذي هو من قبيل تعريف المجهول بما هو أخفي».

و بالجملة: النظر في كلام من عرفت يوجب القطع بموافقتهم للمفيد قدّس سرّه الذي اعترف البهائي بصراحة كلامه في إرادة المعني الأول و لا سيما بعد كون بعضهم من تلامذته أو شارحا.

بل من البعيد تنزيل عبارات العلامة قدّس سرّه علي هذا المعني بعد عدم إشارته إليه بوجه، و اقتصاره علي ذكر المفصل. و لا سيما مع ما في المنتهي، حيث ذكر في جملة كلام المخالفين- الذي رده- ما عن أبي عبيدة من أن الكعب هو الذي في أصل القدم ينتهي الساق إليه بمنزلة كعاب القناة.

و منه يظهر أنه لا مأخذ لنسبته للإمامية في تفسير الرازي و عن تفسير النيشابوري.

هذا، و قد تحصل من جميع ما تقدم: أن للمسلمين في الكعب أقوالا أربعة.

الأول: قبة القدم، و هو ظاهر الأصحاب.

الثاني: المفصل، و هو الظاهر من العلامة.

ص: 354

______________________________

الثالث: العظم الذي أثبته علماء التشريح، كما تقدم من البهائي قدّس سرّه.

الرابع: العظمان المكتنفان للساق، ففي كل رجلي كعبان. و هو الذي عليه جمهور فقهاء العامة عدا محمد بن الحسن الشيباني، فقد تكرر النقل عنه بموافقته لنا في معني الكعب علي الخلاف فيه.

و هو المذكور في غير واحد من كتب اللغة في جملة معانيه، بل عن بعضهم تعينه، و هو الذي نقله في لسان العرب عن أبي عمرو بن العلاء و الأصمعي في رواية ثعلب، و إن كان ظاهر بعضهم إنكاره، كما هو ظاهر الصحاح و مفردات الراغب و عن ظاهر العين و المجمل، و المفضل و ابن الأعرابي و حكاه الرازي عن الأصمعي في رواية القفال، مدعيا أن العظمين المذكورين يسميان المنجمين، نظير ما تقدم من المفيد قدّس سرّه.

و حيث يظهر من اللغويين سبق الخلاف في معني الكعب، فلا مجال لاحتمال هذا المعني في المقام بعد إطباق الطائفة علي خلافه حتي صار شعارا لهم يعرفه مخالفوهم عنهم، لامتناع خفاء ذلك عليهم عادة مع كثرة الابتلاء به و تيسر رجوعهم لأئمتهم عليهم السّلام في معرفته. مضافا إلي ما يأتي من ظهور النصوص في خلافه.

و الثالث هو ظاهر ما في الصحاح و مفردات الراغب من أن الكعب العظم عند ملتقي الساق و القدم، و هو المحكي عن ظاهر العين و المجمل، و قد يقتضيه ما تقدم عن أبي عبيدة.

و أما الثاني فهو الذي نقله في لسان العرب عن المفضل و ابن الأعرابي في رواية ثعلب، و قد يناسبه ما فيه و في القاموس في بيان أحد معاني الكعب أنه كل مفصل للعظام.

و أما الأول فقد ذكر في غير واحد من كتب اللغة من معاني الكعب، و استشهدوا له بقول يحيي بن الحارث: رأيت القتلي يوم زيد بن علي فرأيت الكعاب في وسط القدم، بل ظاهر ما في الصحاح و لسان العرب أنه المعروف بين

ص: 355

______________________________

الناس، حيث قالا: «و أنكر الأصمعي قول الناس أنه في ظهر القدم». و نقل في الذكري عن فائت الجمهرة لأبي عمرو الزاهد عن الفراء أنه في مشط الرجل، و حكي عنه أيضا أنه قال: «و أخبرني سلمة عن الفراء عن الكسائي، قال: قعد محمد بن علي بن الحسين عليهم السّلام في مجلس كان له، و قال: هاهنا الكعبان. فقالوا:

هكذا، فقال: ليس هو هكذا، و لكنه هكذا، و أشار إلي مشط رجله، فقالوا له: إن الناس يقولون: هكذا. فقال: لا هذا قول الخاصة و ذلك قول العامة».

كما نقل عن عميد الرؤساء من لغوية الخاصة أنه صنف كتابا في تحقيق معني الكعب أكثر فيه من الشواهد علي أنه في ظهر القدم أمام الساق حيث يقع معقد الشراك من النعل.

و منه يظهر حال ما ذكره العلامة قدّس سرّه في تقريب مدعاه من أنه أقرب إلي ما حدده أهل اللغة، حيث ظهر شدة الخلاف بين اللغويين و عدم اتفاقهم علي معني واحد يكون ما ذكره أقرب إليه مما ذكره الأصحاب، بل لعل ما ذكروه أظهر بملاحظة مجموع كلمات اللغويين، و لا سيما الخاصة منهم، بل ذكر الشهيد في الذكري: أنه إن أراد لغوية العامة فهم مختلفون، و إن أراد لغوية الخاصة فهم متفقون علي خلافه.

هذا كله في كلام الأصحاب و اللغويين.

و أما النصوص فقد استدل العلامة علي مختاره و استدل له بغير واحد منها، ففي صحيح الأخوين عن أبي جعفر عليه السّلام: «فقلنا: أين الكعبان؟ قال: هاهنا. يعني:

المفصل دون عظم الساق. فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق [و الكعب أسفل من ذلك. خ ل]» «1» و في صحيح زرارة عنه عليه السّلام: «و مسح رأسه و ظهر قدميه» «2».

بدعوي: أنه يعطي استيعاب المسح لظهر القدم. و في صحيح البزنطي عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 356

______________________________

الرضا عليه السّلام: «سألته عن المسح علي القدمين كيف هو؟ فوضع كفه علي الأصابع فمسحها إلي الكعبين إلي ظاهر القدم» «1» بدعوي: أن الغاية الثانية مفسرة للأولي، و المراد بها تمام ظاهر القدم.

و يشكل: بأن وصف المفصل في صحيح الأخوين بأنه دون عظم الساق يأبي حمله علي مفصل الساق و القدم، و يقرب حمله علي العظم الواقع بينه و بين المشط، فإنه مفصل أيضا، و كذا قوله: «و الكعب أسفل من ذلك» - و من ثمَّ استدل به الشيخ قدّس سرّه و غيره علي المعني المعروف- و تطبيقه علي مفصل الساق و القدم بلحاظ كونه في منتهي عظم الساق بعيد، و لا أقل من عدم كونه ظاهرا من الكلام.

و صحيح زرارة- مع وروده في حكاية حال لا تصلح لتفسير معني الكعب- ظاهر بدوا في استيعاب الرأس و ظهر القدم طولا و عرضا، فلا بد من كون المراد به المسح علي المواضع المذكورة في الجملة، نظير ما تضمنته جملة من النصوص من مسح الرأس و الرجلين.

و حمل صحيح البزنطي علي إرادة تمام ظاهر القدم ليس بأولي من حمل ظاهر القدم علي ما ارتفع منه و برز- فيطابق المشهور- أو حمله علي بيان أن المسح في جهة الظاهر في مقابل الباطن.

و أضعف من ذلك الاستدلال له بصحيح يونس: «أخبرني من رأي أبا الحسن عليه السّلام بمني يمسح ظهر القدمين من أعلي القدم إلي الكعب، و من الكعب إلي أعلي القدم» «2».

بدعوي: ظهوره في أن أعلي القدم غير الكعب، فلا بد من كون الكعب هو المفصل.

لاندفاعه: - مضافا إلي كونه حكاية حال لا تصلح للتحديد- بأن الظاهر منه بيان طرفي محل المسح، فليس المراد بأعلي القدم قبته، بل أطراف

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 357

______________________________

الأصابع، و لعله بلحاظ وضع الرجل حين المسح. و حمله علي ارادة بيان مجرد اتجاه المسح بعيد جدا.

هذا، و قد يستدل للمشهور بجملة من النصوص.

منها: صحيح ميسر [1] عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: الوضوء واحد. و وصف الكعب في ظهر القدم» «2» إذ ليس في ظهر القدم إلا الذي اعتمده الأصحاب.

و ما ذكره البهائي من أن التعبير بالوصف يعطي أن الإمام عليه السّلام ذكر للكعب أوصافا ليعرف بها، و لو كان الكعب هذا المحسوس المشاهد لم يحتج لذلك.

كما تري، لعدم وضوح كون المراد بالوصف أمرا زائدا علي الإشارة للشي ء و بيانه، مع أن نتوء الكعب في ظهر القدم ليس بحد يغني عن التوضيح الذي يصدق عليه الوصف، علي أن ذلك لا يصلح للخروج عن صريح الحديث في كون الكعب في ظهر القدم.

و منها: موثقة أو صحيحه عنه عليه السّلام و فيه: «ثمَّ وضع يده علي ظهر القدم، ثمَّ قال: هذا هو الكعب. و قال: و أومي بيده إلي أسفل العرقوب، ثمَّ قال: إن هذا هو الظنبوب» «3». و لو كان المراد المفصل لكان المناسب وضع اليد عليه. و كذا لو كان

______________________________

[1] و هو ميسر بن عبد العزيز الذي هو من رجال كامل الزيارة، و روي الكشي عن علي بن الحسن بن فضال توثيقه، كما وردت فيه روايات تتضمن مدحه، بل جلالته. و قد روي عنه هذا الحديث علي بن أبي المغيرة الذي قال النجاشي في ترجمة ولده الحسن: «الحسن بن علي بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي ثقة هو و أبوه، روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام، و هو يروي كتاب أبيه عنه، و له كتاب مفرد» و ظاهره توثيقه لهما معا.

و ما استظهره بعضهم من رجوع التوثيق للابن فقط، و ما بعده مستأنف لبيان من يروي عنه الأب.

مخالف للظاهر جدا، فإن التأكيد بضمير الفصل ظاهر في إرادة العطف. و مجرد التعرض بعد ذلك لرواية الابن كتاب أبيه لا يصلح شاهدا لمدعاهم.

نعم، لو ثبت عدم رواية الحسن عن الصادقين كان شاهدا لما ذكروه. لكنه- مع عدم ثبوته- لا ينهض بالخروج عن الظاهر. فتأمل. (منه عفي عنه).

______________________________

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 9.

ص: 358

______________________________

المراد العظم الذي فيه- كما هو مختار البهائي- بل كان المناسب أن يقول عليه السّلام حينئذ: هاهنا الكعب، لعدم كونه محسوسا بنفسه ليعبر عنه باسم الإشارة.

و منها: ما تضمن عدم استبطان الشراكين، كما في صحيح الأخوين عنه عليه السّلام: «أنه قال في المسح: تمسح علي النعلين، و لا تدخل يدك تحت الشراك» «1»، إذ لا ريب في عدم كون معقد الشراك بعد المفصل، بل الظاهر أنه في وسط القدم، كما ذكره الأصحاب.

و أما احتمال وروده لبيان بدلية المسح علي الشراك عن المسح علي البشرة.

فغريب، و لا سيما بعد النظر في نصوص المسح علي الخفين الظاهرة في شدة النكير منهم عليهم السّلام علي المسح علي غير البشرة، و منها ما تضمن قولهم عليهم السّلام:

«سبق الكتاب الخفين» «2».

علي أن المناسب حينئذ عدم الاكتفاء ببيان عدم وجوب المسح تحت الشراك، بل ينبه إلي المسح علي الشراك، كما نبه له في الجبائر، لعدم كون بدليته بحدّ لا يحتاج معه إلي التنبيه.

و منها: ما تضمن قطع رجل السارق من الكعب، كما في صحيح زرارة عنه عليه السّلام «فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب» «3» بضميمة ما تضمن قطعها من وسط القدم، و هو موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فان عاد قطعت رجله من وسط القدم» «4» المؤيد بالنصوص المتضمنة لترك العقب يمشي عليه. «5».

و دعوي: أن ترك العقب يمشي عليه يجتمع مع كون الكعب هو المفصل، بأن يكون مبدأ القطع محاذيا للمفصل من الأعلي ثمَّ ينزل في سمت الساق.

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4. و بقية أحاديث عدم استبطان الشراكين في باب: 15 حديث: 3. و باب: 23 حديث: 3 و باب: 24 حديث: 6.

(2) راجع الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب حد السرقة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب حد السرقة حديث: 3.

(5) راجع الوسائل باب: 4، 5 من أبواب حد السرقة.

ص: 359

______________________________

مخالفة لظاهر القطع من المفصل جدا. بل هو مخالف لظاهر حسنة عبد اللّه بن هلال، بل صحيحته [1] عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيها: «قلت له: جعلت فداك و كيف يقوم و قد قطعت رجله؟ فقال: إن القطع ليس من حيث رأيت يقطع، إنما يقطع الرجل من الكعب و يترك من قدمه ما يقوم عليه و يصلي و يعبد اللّه» «2» لظهورها في أن القطع من الكعب بطبعه يقتضي بقاء شي ء من القدم، لأنه ليس من المفصل كما يفعله العامة فهو ظاهر في تباينهما.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل بعد ملاحظة نصوص المقام و نصوص قطع رجل السارق في أن الكعب في وسط القدم، كما جري عليه الأصحاب. و كفي بإطباقهم دليلا عليه بعد كثرة الابتلاء به و اهتمامهم بشأنه بسبب سبق الخلاف فيه بينهم و بين العامة و تيسر رجوعهم لأئمتهم عليهم السّلام في معرفته، إذ لا أقل من كشفه عن المراد بهذه النصوص لو فرض طروء الاجمال عليها.

و ليس خلاف العلامة و من تأخر عنه إلا لشبهة حصلت لهم لا تخل بكشف الإجماع عن رأي المعصومين عليهم السّلام أو عن المراد بهذه النصوص. و إن كان الأمر أظهر من أن يحتاج لذلك. و اللّه سبحانه و تعالي ولي العصمة و السداد.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من ظهورها في حصر المتروك بما يمكن أن يقوم عليه، فلا يناسب القطع من وسط القدم، بل يتعين حملها علي القطع من مفصل القدم نازلا بالوجه الذي أشرنا إليه آنفا.

فلم يتضح مأخذه، لأنها في مقام بيان عدم وجوب استيعاب القطع للقدم، لا بيان مقدار ما يبقي منه.

نعم، في خبر معاوية بن عمار: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:. و تقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه» «3».

______________________________

[1] إذ ليس في طريقها من يتوقف فيه إلا محمد بن عبد اللّه بن هلال و أبوه، و هما من رجال كامل الزيارة.

مع تأيد وثاقتهما برواية بعض أجلاء الأصحاب عنهما. (منه عفي عنه).

______________________________

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب حد السرقة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب حد السرقة حديث: 7.

ص: 360

______________________________

لكنه- مع ضعف سنده، بل شذوذه، لعدم روايته إلا في نوادر أحمد بن محمد بن عيسي- قابل للحمل علي التقية. و لا ينافيه اشتماله علي بقاء العقب، لإمكان كون التقية في نفس المحافظة علي العنوان المذكور عند العامة، و لو مع الاستثناء منه علي خلاف مذهبهم. علي أنه ليس نصا في عدم إرادة وسط القدم، لإمكان حمله علي مفصل الكعب الذي في ظهر القدم، نظير ما تقدم في صحيح الأخوين، فإنه و إن كان خلاف الظاهر منه بدوا، إلا أنه المتعين جمعا. و إلا فلا مجال لرفع اليد به عما ذكرنا بعد قوة النصوص المتقدمة سندا و دلالة.

و من الغريب ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن الاستدلال بنصوص قطع السارق لمذهب العلامة أولي من هذا الخبر و ما تقدم منه في سابقة، خلافا لما حكاه عن الوحيد قدّس سرّه من الاستدلال بها لمذهب المشهور.

بقي في المقام شي ء، و هو أنه هل يجب إدخال الكعب في الممسوح أو لا؟

اختار الأول في المنتهي و جامع المقاصد و محكي التحرير.

إما لأن «إلي» في الآية بمعني «مع» أو لأنها للغاية، و هي داخلة في حكم المغيي إذا لم تنفصل عنه حسا، أو لما حكاه في المنتهي عن المبرد من أن الحدّ إذا كان من جنس المحدود دخل فيه، و الكعبان من جنس الرجلين.

و لأنه في حالة الابتداء بهما يجب مسحهما، لرواية يونس المتقدمة المتضمنة لمسح أبي الحسن عليه السّلام قدميه من أعلي القدم إلي الكعب، و من الكعب إلي أعلي القدم «1»، و لا قائل بالفرق.

لكن حمل «إلي» علي معني «مع» مجاز مخالف للظاهر جدا، و جواز النكس لا يقتضيه، بل يقتضي بكونها لتحديد الممسوح. و دخول الغاية في حكم المغيي غير ثابت مع عدم القرينة. و رواية يونس- مع ورودها في حكاية فعل لا تصلح للتحديد- ليست صريحة في دخول الكعب حال المسح منه، لاشتراك مبدأ الغاية و منتهاها في عدم ثبوت دخولهما في حكم المغيي.

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 361

و الأحوط استحبابا المسح إلي مفصل الساق. و يجزي المسمي عرضا (1).

______________________________

و اختار المحقق في المعتبر الثاني، و نفي عنه البأس في المدارك. بل قد يستظهر من كل من نص علي الإدخال في المرفق دون الكعب.

و لعله لذا نسبه في محكي الذكري لظاهر الأصحاب.

بل عن صاحب رياض المسائل نفي الخلاف فيه، و إن كان هو كما تري بعد ثبوت الخلاف ممن تقدم.

و عمدة دليله في كلماتهم ما في صحيح الأخوين من قوله عليه السّلام: «فإذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلي أطراف الأصابع فقد أجزأه» «1» و نحوه صحيحهما الآخر «2».

لوضوح أن ظاهر البينة خروج طرفها، و استعمالها فيما يقتضي دخوله في نحو قولنا: عندي ما بين عشرة إلي خمسة، مجاز، لأن المراد بالبينة هنا تردد الشك و الاحتمال، لا البينة الخارجية الحقيقية، كما في المقام.

و أما ما تضمن عدم استبطان الشراك، فالاستدلال به موقوف علي كون الكعب تحت الشراك- كما هو مقتضي تعبير بعضهم عنه بمعقد الشراك- و هو غير ثابت، لإمكان محاذاته له- كما يحتمله تعبير بعضهم عنه بأنه عند معقد الشراك- و لا سيما مع صغر الكعب و عدم دقة وضع الشراك بنحو لا يتعداه و يخرج عنه.

نعم، قد يصلح مؤيدا لما تضمنه الصحيحان.

و بذلك يخرج عن مقتضي قاعدة الاشتغال، التي عرفت غير مرة أنها المرجع في أمثال المقام.

(1) كما هو المصرح به في كلام غير واحد المدعي عليه الشهرة في

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 362

______________________________

كلامهم، بل يظهر من المعتبر و المنتهي و محكي التذكرة دعوي الإجماع عليه، لأنها و ان تضمنت الاجتزاء بالمسح و لو بإصبع، إلا أن الظاهر أن ذكر الإصبع لتعارف تحقيق المسمي به، لا لأنه أقل المجزي، كما يشهد به الاستدلال عليه في الأولين بما يدل علي التبعيض من غير تحديد، بل لعله المراد من غير واحد ممن ذكر الاجتزاء به، و إن كان ظاهر بعضهم التحديد به.

و عن المقاصد العلية: «إن إجزاء المسمي هنا موضع وفاق، و إنما الخلاف في الرأس. و التعبير بأقل الاسم أجود من التعبير بإصبع، لإيهامه كون أقله مقدار إصبع، و ليس كذلك، بل التعبير بها لعدم إمكان جعل آلة المسح أقل من إصبع، و إن جاز الاقتصار في المسح بها عن أقل من عرضها، فالتمثيل بها من جهة كونها آلة للمسح، لا مقدرة له بقدرها».

و كيف كان، فتقتضيه الآية الكريمة بناء علي قراءة الجر و النصب بالعطف علي المحل أو بنزع الخافض، و وجوب الاستيعاب الطولي إنما استفيد من التحديد ب «إلي» كما تقدم.

نعم، بناء علي النصب للعطف علي الجار و المجرور معا يكون ظاهر الآية وجوب الاستيعاب العرضي حتي بالإضافة إلي الباطن.

لكن لا مجال للبناء عليه بالنظر لصحيح زرارة المتضمن إفادة الباء التبعيض «1»، و صحيح الأخوين الأول «2» المتقدم قريبا، و خبر غالب المعيّن لقراءة الجر «3»، و من ذلك يظهر وجه الاستدلال بالصحيحين المذكورين و صحيح الأخوين الآخر «4»، و كذا مثل ما ورد في قضية علي بن يقطين من قوله عليه السّلام:

«و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك» «5» فإن إدخال الباء

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 363

______________________________

علي مقدم الرأس و عطف ظاهر القدمين عليه ظاهر في الاجتزاء بالتبعيض فيهما بالبيان الوارد في صحيح زرارة المذكور. و قد تقدم في مسح الرأس و في وجوب الاستيعاب الطولي في الرجلين ما ينفع في المقام.

نعم، في صحيح البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن المسح علي القدمين كيف هو؟ فوضع كفه علي الأصابع فمسحها إلي الكعبين إلي ظاهر القدم. فقلت:

جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا. فقال: لا، إلا بكفيه [بكفه خ ل] كلها» «1».

و في موثق عمار: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه علكا؟ قال: لا، و لا يجعل إلا ما يقدر علي أخذه عنه عند الوضوء و لا يجعل عليه إلا ما [لا] يصل إليه الماء» «2»، فإنه لو لا وجوب الاستيعاب لأمكن الاكتفاء بمسح إصبع آخر.

و في خبر عبد الأعلي مولي آل سام الذي لا يبعد اعتباره [3]: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عثرت فانقطع ظفري فجعلت علي إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّه عز و جل، قال اللّه تعالي مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه» «4» فان الاحتياج للمسح علي الجبيرة بمقتضي دليل الحرج يتوقف علي وجوب استيعاب الأصابع بالمسح.

______________________________

[3] لقرب اتحاده مع عبد الأعلي بن أعين- الذي وثقه المفيد في محكي رسالته في الرد علي أصحاب العدد صريحا- كما صرح به الكليني في رواية له في استحباب نكاح الابكار (الوسائل باب: 17 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1)، و لا يعارضه عد الشيخ لهما معا في أصحاب الصادق عليه السّلام، لأن نسبته إليه كنسبة الأصل للدليل، و لا سيما مع ما هو المعروف من أضبطية الكليني. و لو فرض تعددهما لم يبعد حسن عبد الأعلي مولي آل سام بلحاظ بعض النصوص المؤيدة برواية بعض أجلاء الأصحاب عنه. و تمام الكلام في محله. (منه عفي عنه).

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 364

______________________________

و لا مجال لحملهما علي بدلية الجبيرة اختيارا و لو مع الاكتفاء بالمسح علي الإصبع التي ليست عليها، فإنه لا يناسب النهي في الموثق و لا تطبيق دليل الحرج في الخبر.

و أضعف منه حملهما علي استيعاب الجبيرة للأصابع. لأنهما كالصريحين في خلاف ذلك، فطرحهما أهون منه.

و من هنا فقد يدعي أن مقتضي الجمع العرفي هو تنزيل ما تقدم علي هذه النصوص، لأن ما تقدم إنما يقتضي الاجتزاء بالمسمي بإطلاقه الصالح للتقييد بها. و يكفي في التبعيض المصرح به في الصحاح المتقدمة الاكتفاء بظاهر القدم و عدم وجوب مسح الباطن.

لكن الإنصاف أن ذلك لا يناسب التصريح في صحيح زرارة و صحيح الأخوين الأول باستفادة التبعيض من الآية، و ظهورهما في وفائها ببيان أعضاء الوضوء و تحديدها، و ظهور «شي ء» في صحيحي الأخوين في الإطلاق، لا إرادة شي ء معين، و هو تمام الظاهر، مع قوة ظهورهما في تحديد المجزي.

و من هنا قد يتعين حمل الصحيح و الموثق علي الاستحباب و الخبر علي التنبيه إلي عدم كون وجوب الوضوء و غيره بالنحو المستلزم للحرج، أو علي حمل الموثق و الخبر علي إرادة انقطاع ظفر اليد، أو حمل جميع هذه النصوص علي التقية، و لو بلحاظ كون الاستيعاب أقرب إلي فتوي العامة.

و لا سيما مع تأيد عدم الاستيعاب بخبر جعفر بن سليمان «1» المتضمن للاجتزاء بإدخال اليد تحت الخف المخرق، لما هو المعلوم من عدم تيسر الاستيعاب بذلك، و بخبر معمر الآتي المتضمن للاجتزاء بالمسح بثلاث أصابع، و بنصوص أخذ البلل من اللحية و الأشفار عند نسيان المسح «2»، لعدم كثرة بللها

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) راجع الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء.

ص: 365

______________________________

بالنحو القابل للاستيعاب، و بنصوص المسح علي النعل «1»، لوضوح ستر النعل لبعض ظهر القدم.

علي أنه لا مجال للتعويل علي هذه النصوص بعد إعراض الأصحاب عنها، لعدم نقل الفتوي بمضمونها من أحد منهم.

نعم، قال في الفقيه: «و حد مسح الرجلين أن تضع كفيك علي أطراف أصابع رجليك و تمدهما إلي الكعبين».

لكنه لو كان للوجوب عملا منه بهذه النصوص لم يكف في حجيتها، بعد إهمال مشايخ القدماء لذلك، و تصريح جملة منهم- كالمفيد و الشيخ و أتباعهما- بخلافه، بنحو يظهر منهم التسالم عليه، و لا سيما في مثل هذا الحكم الذي يكثر الابتلاء به و يمتنع عادة اختفاؤه.

فما عن مجمع الفائدة و البرهان من الميل لوجوب المسح بتمام الكف ضعيف.

هذا، و عن أحكام الراوندي أن أقله إصبع، و في إشارة السبق أنه إصبعان، و قد يستظهر من الغنية لقوله: «و يجزي بإصبعين منهما»، و عن التذكرة أنه حكي عن بعض علمائنا وجوب المسح بثلاث أصابع.

و لا يتضح وجه الأولين. و قد يستدل للثالث بخبر معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السّلام: «يجزي من المسح علي الرأس موضع ثلاث أصابع، و كذا الرجل» «2».

و فيه- مع ضعف سند الخبر- أن إجزاء الثلاث لا ظهور له في عدم إجزاء ما دونها، غايته الاشعار الذي لا ينهض برفع اليد عما تقدم، و لا سيما مع لزوم حمله في الرأس علي الاستحباب لصعوبة التفكيك بينهما عرفا.

و قد تقدم في مسح الرأس ما له نفع في ذلك. فراجع.

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3. و باب: 23 منها حديث: 3، 4 و باب: 24 منها حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 366

و الأحوط وجوبا مسح اليمني باليمني [1] أولا ثمَّ اليسري [2]

______________________________

(1) تقدم في مسح الرأس الكلام.

تارة: في وجوب كون المسح ببلة الوضوء.

و اخري: في تعين بلة اليد.

و ثالثة: في وجوب كونه باليد.

و رابعة: في تعين الكف، بل الباطن.

و خامسة: في تعين اليد اليمني.

و الكلام المتقدم هناك جار هنا. بل بعض كلماتهم مختص بالمقام، و التعدي منه للرأس لفهم عدم الخصوصية. ففي إشارة السبق هنا وجوب الأخير من دون أن يتعرض له هناك.

(2) مرتبا بينهما، كما ذهب إليه في الفقيه و المراسم و اللمعة و جامع المقاصد و الروض و المسالك و المدارك و ظاهر الروضة، و حكاه في المختلف عن ابني أبي عقيل و الجنيد و الصدوق الأول، كما حكي عن شرح الإرشاد للفخر و البيان و حاشية الشرائع و الجعفرية و شرحها و المقاصد العلية و غيرها.

و يقتضيه ما في الخلاف و عن ابن سعيد من إطلاق وجوب تقديم اليمين علي اليسار مستدلا عليه في الخلاف بإجماع الفرقة.

و ما في كشف اللثام من تنزيله علي خصوص اليدين غير ظاهر الوجه، بل قد يأباه ما في الخلاف من تعقيب ذلك لوجوب الترتيب في أعضاء الوضوء كلها، فان التعميم في الأعضاء لا يناسب التخصيص المذكور جدا.

و يقتضيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:

«و ذكر المسح فقال: امسح علي مقدم رأسك، و امسح علي القدمين و ابدأ بالشق الأيمن» «1» المؤيد بما أسنده النجاشي في كتاب الرجال عن عبد الرحمن بن

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 367

______________________________

محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع، و كان كاتب أمير المؤمنين عليه السّلام: «أنه كان يقول: إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمني [باليمين خ ل] قبل الشمال من جسده» «1».

و أما ما في الجواهر من احتمال إرادة اليد اليمني من الثاني بقرينة ذكر الشمال. فهو لا يناسب التعميم بقوله عليه السّلام: «من جسده» جدا.

نعم، جهالة بعض رجال سنده مانع من الاستدلال به، و إن كان تعدد طرق النجاشي للكتاب المتضمن له و ظهور حاله في وثوقه بصدوره مقربا لصدوره، إذ لا أقل مع ذلك من جعله مؤيدا.

نعم، لا ينهض بذلك مثل مرسل الفخر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ان اللّه يحب التيامن في كل شي ء» «2». و نحوه مرسل المعتبر و المنتهي «3». و في مرسل مكارم الأخلاق عنه صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إذا لبستم و توضأتم فابدؤا بميامنكم» «4».

لعدم ظهور الحب- في الأولين- في الوجوب. كما أن اشتمال الثالث علي اللبس مانع من حمله عليه.

و كذا ما عن مجالس ابن الشيخ الطوسي مسندا عن أبي هريرة: «أن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان إذا توضأ بدأ بميامنه» «5». لأنه حكاية فعل لا يدل علي الوجوب، كما تقدم عند الكلام في وجوب غسل الوجه من الأعلي و غيره.

و مما تقدم هناك يظهر ضعف ما ذكره في الذكري و جامع المقاصد و روض الجنان من الاستدلال بالوضوء البياني بتقريب أنه لو كان علي خلاف الترتيب المذكور لكان واجبا، لما ورد عنه صلّي اللّه عليه و آله من أن هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به، و حيث لا يجب إجماعا تعين كونه علي الترتيب المذكور، و لزم وجوبه.

فالعمدة في المقام هو الصحيح المذكور مؤيدا بالخبر المزبور.

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(2) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) المعتبر ص: 41، و المنتهي 1: 69.

(4) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 368

______________________________

هذا، و مقتضي إطلاق غير واحد عدم وجوب الترتيب بين الرجلين، و لا سيما من نبه منهم علي الترتيب بين اليدين كالشيخ في المبسوط و محكي الجمل و العقود و ابن زهرة في الغنية، بل هو المصرح به في الشرائع و المعتبر و القواعد و المنتهي و الإرشاد و عن التحرير و المختلف و التنقيح، بل عن غير واحد نسبته للمشهور، و عن آخرين نسبته للأكثر، بل عن السرائر: «لا أظن أحدا منا يخالف فيه».

و قد يستظهر دخوله في معقد الإجماع الذي ادعاه في الغنية علي الترتيب بالوجه المتقدم.

و استدلوا عليه بإطلاق الكتاب و السنة. و زاد في الجواهر ظهوره من نصوص الوضوءات البيانية، فإنها علي كثرتها و تعرضها للترتيب في غيرهما كادت تكون صريحة في عدم وجوبه، بل قد يظهر من خبر عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن الصادق عليه السّلام الحاكي لوضوء أمير المؤمنين عليه السّلام المتضمن للدعاء عند كل عضو، و فيه: «ثمَّ مسح رجليه فقال: اللهم ثبتني علي الصراط.» بل هو كالصريح في أنه عليه السّلام مسحهما معا. و أنه لو وجب لكان شائعا، لعموم البلوي به و تكرره في كل يوم.

و يندفع بتقييد الإطلاقات بصحيح محمد بن مسلم. و لا مجال لتوهينه بإعراض الأصحاب عنه بعد فتوي من عرفت من أعيان الأصحاب بمضمونه، و ظهور حال غير واحد ممن لم يفت بمضمونه في عدم اطلاعهم عليه، حيث لم يشر إليه في المعتبر و المنتهي حتي في دليل الاستحباب، و إنما اعتمدا فيه علي المرسل المتقدم مفرقين بين الرجلين و اليدين بوجود الدليل في اليدين، بل صرح في المنتهي بعدم وجدان حديث يدل علي الترتيب في الرجلين، و أن حملهما علي اليدين قياس، بل يظهر ذلك من بعض من أفتي بالترتيب أيضا، حيث لم يشر في جامع المقاصد و روض الجنان له، بل ذكرا الوجه المتقدم، و كذا الشهيد في الذكري.

ص: 369

______________________________

و لو فرض اطلاع بعضهم عليه فلعل عدم فتواه بالوجوب لحمله علي الاستحباب جمعا مع ما يستدل به لعدمه، كما جري عليه في الجواهر.

و مع ذلك كيف يمكن إحراز الاعراض الموهن بعد صحة سند الخبر و ظهوره في الوجوب.

و أما عدم التعرض للترتيب في نصوص الوضوءات البيانية فلعله ناشئ من عدم تصدي الراوي للتفصيل، لعدم اهتمامه به، بخلاف اليدين لاحتياج كل منهما لغرفة مختصة بها، و إلا فمن البعيد جدا عدم الترتيب في جميع تلك الوضوءات بين الرجلين. علي أن عدم ذكر الترتيب كعدم ذكر خلافه لا يكشف عن أحد الأمرين، بل هو موجب لإجمال حال الفعل المحكي.

و كذا حال خبر عبد الرحمن، إذ حيث كان المهم فيه أدعية الوضوء فلعل عدم التنبيه فيه الترتيب بين الرجلين لوحدة الدعاء لهما أو تكراره فيهما، دون أن يختص كل منهما بدعاء، كما في اليدين.

و أما عموم البلوي بالحكم فهو إنما يكشف عن عدم اعتبار الترتيب لو تعارف عدمه، و لا مجال لدعوي ذلك، بل الظاهر تعارف الترتيب في الجملة، فيستغني معه عن التنبيه له أو التأكيد عليه، كما هو الحال في المسح بالكف أو بالباطن.

هذا، و مقتضي الاقتصار في المراسم و الذكري و كشف اللثام و محكي المختلف و غيره في المسألة علي حكاية القولين انحصار الخلاف بهما، بل هو ظاهر جامع المقاصد، حيث عبر عن القول بعدم وجوب الترتيب بأنه أحد القولين.

لكن في الحدائق و عن الذكري و المقاصد العلية و شرح المفاتيح أن في المقام قولا بعدم جواز تقديم اليسري علي اليمني و جواز تقارنهما.

و في الجواهر: «لم نعرف قائله».

لكنه ظاهر الحر العاملي في الوسائل و محكي البداية، و حكاه في الحدائق عن بعض فضلاء المتأخرين، و عن شرح المفاتيح أن تقديم اليسري مشكل، و ربما

ص: 370

باليسري [1]. و حكم العضو المقطوع من الممسوح حكم العضو المقطوع من المغسول [2]،

______________________________

ينزل عليه ما عن المقنعة من قوله: «ثمَّ يضع يديه جميعا علي ظاهر قدميه، فيمسحهما جميعا معا» لوضوح عدم وجوب المعية بنحو يبعد إرادته له.

و كيف كان، فدليله ما في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام:

«و سأل عن المسح علي الرجلين و بأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا؟ فأجاب عليه السّلام: يمسح عليهما معا، فان بدأ بإحداهما قبل الأخري فلا يبتدئ إلا باليمين» «1».

و لو كان حجة في نفسه لزم لأجله حمل صحيح محمد بن مسلم علي الاستحباب جمعا. إلا أنه يشكل البناء علي حجيته بعد عدم اتضاح سند الطبرسي للحميري و عدم معروفية مضمون التوقيع الشريف بين الأصحاب. فالالتزام بالترتيب عملا بظاهر الصحيح هو الأحوط، بل الأوفق بالقواعد. و إن كان المظنون قويا إتقان الطبرسي لسند التوقيع. و اللّه سبحانه العالم.

(1) الكلام فيه هو الكلام في وجوب مسح اليمني باليمني.

(2) كما صرح به في المبسوط و الشرائع و المعتبر و القواعد و المنتهي، بل في الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه، و يظهر من غير واحد المفروغية عنه، و الاكتفاء فيه بما ذكروه في قطع المغسول.

و هو في محله، لعدم خصوصية المغسول بالإضافة إلي ما تقدم من الأدلة، عدا بعض النصوص، و هو لا يهم بعد كون المعول هناك علي غيرها، و عمدته الإجماع، و قاعدة الاشتغال.

و منه يظهر لزوم حمل ما تضمن من النصوص إطلاق الغسل في المغسول و الممسوح علي التغليب أو غيره مما تقدم التعرض له هناك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 5. الاحتجاج ج: 2 ص: 315 طبع النجف الأشرف.

ص: 371

و كذا حكم الزائد من الرجل و الرأس (1). و حكم البلة (2) و حكم جفاف الممسوح (3)

______________________________

هذا، و قد تقدم من المعتبر استحباب مسح موضع القطع بالماء مع استيعابه للحد، و لم يذكره هنا.

و كأنه لعدم النص فيه، فعن الذكري: «لم نقف علي نص في مسح موضع القطع كما في اليدين. غير أن الصدوق لما روي عن الكاظم عليه السّلام غسل الأقطع عضده قال: و كذلك روي في قطع الرجلين».

و لعل الصدوق أشار للنصوص المتقدمة هناك المتضمنة غسل الأقطع أو اقطع اليد أو الرجل موضع القطع بعد حملها في الرجل علي المسح. و لعله لذا أفتي في محكي الدروس بالاستحباب. و الأمر سهل.

(1) كما في مفتاح الكرامة، و في الجواهر: «و لعلهم اكتفوا بذكر البحث في اليد الزائدة عن القدم الزائدة، فإن الظاهر كون الحكم فيهما واحدا». و يظهر وجهه مما تقدم هناك.

نعم، تقدم في الاستدلال علي وجوب غسل اليد الزائدة إذا نبتت في الحد دون المرفق بعض الوجوه المبتنية علي وجوب استيعاب اليد بالغسل، فلا تجري في القدم إذا أمكن الاستيعاب الطولي بدون المسح عليها، لعدم وجوب استيعاب العرض فيه.

و كذا الحال في غير القدم من الزوائد من لحم أو عظم أو غيرهما. لكن تقدم هناك تقريب وجوب غسل كل يد لقاعدة الاشتغال، فيجري ذلك هنا أيضا.

(2) فقد تقدمت قريبا الإشارة إلي الكلام في وجوب المسح ببلة الوضوء، بل خصوص بلة اليد اليمني و اليسري، بل الكف، و التحويل في ذلك علي ما تقدم في مسح الرأس.

(3) حيث تقدم في المسألة الثالثة و العشرين الكلام في وجوب جفاف الممسوح قبل المسح. فراجع.

ص: 372

و الماسح (1) كما سبق.

مسألة 28 يجب المسح علي البشرة

(مسألة 28): يجب المسح علي البشرة (2)،

______________________________

(1) حيث تقدم في المسألة الخامسة و العشرين جواز الأخذ من بلة اللحية و الأشفار عند جفاف بلة اليد، فان النصوص و إن وردت في نسيان مسح الرأس إلا أن وجوب الترتيب مستلزم لجواز مسح الرجل، فيتعدي منه لما إذا جفت البلة بعد مسح الرأس- بحيث لا يحتاج للأخذ إلا في مسح الرجل- بفهم عدم الخصوصية عرفا. و قد تقدم هناك تمام الكلام.

(2) فلا يجزي المسح علي الشعر بدلها، كما لعله مقتضي التعبير بالبشرة في كلماتهم- كما استظهره في مفتاح الكرامة- و خصوصا ممن خيّر في الرأس بين البشرة و الشعر كالشرائع و القواعد و غيرهما، و لذا ذكر في الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق علي ذلك، و قد حكي التصريح بذلك عن الشهيد الثاني في شرح الرسالة.

و العمدة فيه ما تقدم في غسل الوجه و اليدين من خروج الشعر عنها عرفا، بل هو من سنخ النابت فيها.

و الفرق بين الرأس و الرجلين هو غلبة وجود الشعر في الرأس بالنحو الساتر للبشرة، بخلافهما، حيث يندر وجوده فيهما بالنحو المانع من الاستيعاب الطولي، و لا سيما مع غلبة تحرك الشعر الذي عليهما بالمسح بنحو يستلزم مماسة البشرة.

كما أن الفرق بينهما و بين الوجه هو النص الذي كان المتيقن منه المغسول بقرينة ذكر إجراء الماء، بل خصوص الوجه لوروده في ذيل تحديده، كما تقدم.

نعم، تقدم احتمال العموم فيه لكل الأعضاء بالنحو الذي لا يبعد وجوب الاحتياط لأجله بالجمع.

لكنه مختص بالشعر المحيط الذي تحتاج البشرة معه إلي بحث و طلب

ص: 373

و الأحوط وجوبا مسح الشعر النابت فيها معها (1).

______________________________

و هو- مع ندرته أو انعدامه في الرجلين- لا يمكن استيعاب البشرة معه بالمسح، ليتسني الاحتياط المذكور، فلا بد أن يكون الكلام في غيره، و قد ظهر عدم الاجتزاء بالمسح عليه.

نعم، لا بد من المسح بالنحو المتعارف الذي يتخلل معه الشعر بالنحو المتعارف، و لا يجب التدقيق في إيصال الماء لما تحت الشعر، لعدم التنبيه في النصوص علي ذلك مع غلبة الابتلاء بالشعر في جميع الأصابع أو أكثرها، مع العلم بالاكتفاء بالمسح المتعارف بمقتضي الوضوءات البيانية و غيرها.

و لعل ذلك هو المراد مما في الحدائق و الجواهر من الميل للاجتزاء بالمسح علي الشعر، بل لعله ظاهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

(1) كما قد يستفاد مما ذكره بعضهم من وجوب غسل الشعر النابت في اليد، إما لدخوله في محل الفرض، أو لكونه من توابع اليد.

لكن تقدم المنع منه، و هو في المقام أولي لاحتياج استيعاب سطوح الشعر بالمسح لعناية لا مجال للبناء عليها بالنظر لنصوص الوضوءات البيانية و غيرها.

و من ثمَّ لا يبعد عدم إرادتهم لذلك في المقام، و إن ذكروه في الغسل.

اللهم إلا أن يراد مسح خصوص السطح الذي يمسح منه بإمرار اليد علي البشرة بلا عناية، فلا محذور في البناء عليه إلا منافاته للإطلاقات المقتضية للاجتزاء بمسح البشرة، لخروج الشعر عن حقيقة العضو عرفا، كما تقدم في الوجه و اليدين.

علي أن النزاع في ذلك ليس عمليا، إذ مع فرض تحقق مسمي المسح عرضا بدونه لا إشكال في عدم وجوب مسحه عند الكل، و مع توقفه عليه يجب مسحه و لو تبعا، فلا يبقي الفرق إلا بالنية.

ص: 374

مسألة 29 لا يجوز المسح علي الحائل

(مسألة 29): لا يجوز المسح علي الحائل (1)

______________________________

(1) و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام كما في المنتهي، و ادعي الإجماع عليه في المعتبر و المدارك و كشف اللثام، و محكي التذكرة و الذكري و غيرها.

و هو الظاهر من الإجماع المدعي في الخلاف و الغنية علي عدم جواز المسح علي الخف، لظهور كلامهما في عدم خصوصية من بين أفراد الحائل، و أظهر منه ما في الناصريات من الإجماع علي عدم جواز المسح علي الخف و الجورب و الجرموق. قال في الجواهر: «بل الإجماع عليه محصل. و لا ينافيه اشتمال عبارة القدماء علي لفظ الخف و الجرموق و الجورب و الشمشك، لظهور إرادتهم من ذلك التمثيل، كما لا يخفي علي من لاحظ كلامهم فيه، كالأخبار».

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك، و إلي ظاهر الآية الكريمة و النصوص الكثيرة المتضمنة للمسح علي الرجلين- النصوص الكثيرة المتواترة- كما قيل- الناهية عن المسح علي الخفين «1» بنحو يظهر من بعضها عدم الخصوصية لهما، كالنصوص الكثيرة المتضمنة أنه سبق الكتاب الخفين، و أنه مخالف للكتاب، و رواية الكلبي النسابة عن الصادق عليه السّلام في حديث: «قلت له: ما تقول في المسح علي الخفين؟

فتبسم ثمَّ قال: إذا كان يوم القيامة ورد اللّه كل شي ء إلي شيئه ورد الجلد إلي الغنم، فتري أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم» «2»، و غيرها.

هذا، و ظاهر الأدلة المتقدمة اعتبار مباشرة الماسح للمسوح، لا مجرد وصول رطوبته إليه، فلا يجوز المسح علي الحائل و إن كان رقيقا غير مانع منها، كما تقدم في مسح الرأس.

ثمَّ إنه قد يظهر من العلامة في التذكرة استثناء النعل العربية من ذلك، فيجوز المسح عليها و إن كانت ساترة لشي ء من المفروض. و قد يستظهر من كل من خص

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 375

______________________________

الحكم بالنعل العربي، للنصوص التي تضمنت المسح علي النعل من دون استبطان الشراك، المتقدم بعضها في تحديد الكعب.

قال في التذكرة: «يجوز المسح علي النعل العربية و إن لم يدخل يده تحت الشراك. و هل يجزي لو تخلف ما تحته أو بعضه؟ إشكال، أقربه ذلك. و هل ينسحب الحكم إلي ما يشبهه، كالسير في الخشب؟ إشكال. و كذا لو ربط رجله بسير، للحاجة، و في العبث إشكال».

لكن ظاهر المنتهي خصوصية النعل المذكورة من جهة الموضوع لا الحكم، لحكمه بوجوب مسح ما تحت الشراك، و إن لم يدخل يده تحته، كما تضمنته النصوص، و لتعليله جواز المسح عليها بأنها لا تمنع من مسح محل الفرض، و هو الظاهر من كل من علل بذلك، كالشيخ في التهذيب و المحقق في المعتبر.

بل هو صريح ما عن ابن الجنيد، حيث حكي عنه في الذكري أنه قال في النعال: «و ما كان منها غير مانع لوصول الراحة أو بعضها إلي مماسة القدمين فلا بأس بالمسح عليهما» و ما عن ابن إدريس لقوله: «و أما النعال فما كان منها حائلا بين الماء و القدم لم يجز المسح عليه، و ما لم يمنع من ذلك جاز المسح عليه، سواء كان منسوبا إلي العرب أو العجم». و لا يبعد كون ذلك مراد الكل.

و هو المطابق لإطلاق الكتاب و السنة، و عموم معاقد الإجماع المدعي علي عدم جواز المسح علي حائل، و من القريب إباء ذلك عن التخصيص لوروده مورد المقابلة للعامة و التشنيع عليهم بمخالفة الكتاب، فان ذلك قرينة عرفا علي حمل النصوص المتضمنة للمسح علي النعل علي ما ذكرنا، و إلا لم يكن وجه للتخصيص بالنعل العربية بعد عدم التقييد بها في شي ء من النصوص.

و أما التعبير بالمسح علي النعل في بعض النصوص و الفتاوي فلعله كناية عن المسح حين لبسه أو بلحاظ زيادة المسح علي المقدار الواجب المستلزم لمرور اليد حين المسح علي الشراك.

كما أن ستر النعل لبعض ظهر القدم في جانب الإبهام لا ينافي تحقق

ص: 376

- كالخف- إلا لضرورة (1)،

______________________________

المسمي في غير جهته.

و أما التنبيه علي عدم استبطان الشراك فلعله لأجل بيان عدم استيعاب ظهر القدم عرضا و أن المسح لا يستمر للمفصل طولا، كما تقدم.

(1) كما صرح به غير واحد، بل ظاهر الناصريات و صريح المختلف و عن الخلاف [1] الإجماع عليه. بل لا يبعد دخوله في معقد الإجماع المدعي في محكي التذكرة و الذكري علي عدم جواز المسح علي حائل إلا لضرورة أو تقية، و في الحدائق أن ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق علي الجواز.

و يقتضيه الصحيح عن أبي الورد: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ان أبا ظبيان حدثني أنه رأي عليا عليه السّلام أراق الماء ثمَّ مسح علي الخفين. فقال: كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول علي عليه السّلام فيكم: سبق الكتاب الخفين. فقلت: فهل فيهما رخصه؟

فقال: لا، إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخافه علي رجليك» «2». و رواية عبد الأعلي مولي آل سام المتقدمة في مسألة إجزاء مسمي المسح عرضا. فان التحويل فيها علي عموم نفي الحرج قاض بالتعدي عن موردها، و البناء علي عموم سقوط ارتباطية المسح علي البشرة بالحرج.

و دعوي: أن دليل الحرج يقتضي سقوط المسح علي البشرة، لا بدلية المسح علي المرارة عنه، لأنه ناف لا مثبت.

مدفوعة: بأنه يكفي في وجوب المسح علي الحائل قاعدة الاشتغال بعد فرض مشروعية الطهارة المائية.

علي أنه لا يبعد عموم موردها لما إذا لم يكن وضع المرارة علي الظفر للتداوي، بل لتجنب تأثره بالاحتكاك الحاصل بالمشي، فيخرج عن الجبائر و يكون

______________________________

[1] حكاه عنه في مفتاح الكرامة و لم أجده فيه بما تيسر لي من فحص. (منه عفي عنه).

______________________________

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 377

______________________________

مما نحن فيه، و يتعدي عن مورده بفهم عدم الخصوصية له.

و أما الإشكال فيها بظهورها في لزوم استيعاب المسح عرضا، فهو لا يمنع من الاستدلال بما تضمنته من الكبري، و إن أشكل تطبيقها في موردها.

لكن يأتي في المسألة السادسة و الثلاثين في الفصل الآتي الإشكال في استفادة عموم سقوط الارتباطية منها كما يأتي أن مثل التوقي بالمرارة عن الاحتكاك ملحق بالجبائر و التعدي لغيره محتاج إلي دليل. فراجع.

فالعمدة في المقام الصحيح. مضافا إلي تأيد الحكم بما ورد في الجبائر، لقرب فهم عدم الخصوصية لموردها من حيثية سقوط اعتبار المسح علي البشرة، و إن لم يكن لذلك مجال في بدلية مسح الحائل، لأنه تعبدي محض، و هو غير مهم بعد كفاية قاعدة الاشتغال فيه.

و كذا يؤيد الحكم بما تقدم في الرأس من النص المتضمن جواز المسح علي الحناء المحمول علي الضرورة، كما تقدم.

فان ذلك كله يشرف بالفقيه علي القطع بابتناء الوضوء علي الميسور في المسح علي البشرة، و إن لم تكن بدلية المسح علي الحاجب ارتكازية، بل تعبدية محضة. مع أن في تسالم الأصحاب علي الحكم في المقام و نحوه كفاية بعد كون الحكم موردا للابتلاء العام الذي يمتنع معه عادة خفاء الأحكام.

و أما صحيح إسحاق بن عمار أو موثقة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المريض هل له رخصة في المسح؟ فقال: لا» «1».

فلا بد من تنزيله علي ما لا ينافي ما تقدم، بحمله علي ترك المسح رأسا، أو علي لزوم المشقة الخفيفة التي لا تبلغ مرتبة الحرج أو الضرورة العرفية المسوغة للمسح علي الحائل.

و بذلك ظهر أنه لا مجال لما في المدارك من التردد في ذلك، و احتمال

______________________________

(1) الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 378

أو لتقية (1).

______________________________

الانتقال للتيمم لتعذر الوضوء بتعذر جزئه بعد ضعف الخبر المتقدم، لجهالة أبي الورد.

فإن ذلك لا يقدح في مثل هذا الخبر المعتضد و المؤيد بما عرفت، و الذي يظهر من الأصحاب الاعتماد عليه و الفتوي بمضمونه. و لا سيما مع إشعار بعض الروايات بمدح أبي الورد، حتي عده المجلسي في وجيزته من الممدوحين.

فراجع و تأمل.

كما ظهر بذلك الوجه في عدم الاقتصار علي مورد الخبر المذكور- و هو الثلج- و التعدي لجميع موارد الضرورة، كما هو ظاهر الأصحاب، بل صريح جملة منهم مما يظهر منه فهمهم عدم الخصوصية لمورده.

و ما يظهر من الجواهر من التوقف فيه و الاحتياط بضم التيمم في غير محله بعد ما عرفت.

بل يتجه بلحاظ ذلك التعدي لمسح الرأس أيضا، كما صرح به في المعتبر و المنتهي، و ظاهر الشيخ في الاستبصار و غيره المفروغية عنه، حيث حملوا نصوص المسح علي الحناء المتقدمة في مسح الرأس علي المشقة في المسح علي البشرة. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(1) نسبه في المدارك إلي قطع الأصحاب، و قد حكي نفي الخلاف أو دعوي الإجماع عن غير واحد، منهم الشيخ في الخلاف و العلامة في التذكرة و المختلف و الشهيد في الذكري، و إن كان ما عثرت عليه من كلام الخلاف ليس صريحا في دعوي الإجماع، بل هو ظاهر في ذلك.

و كيف كان، فيقتضيه خبر أبي الورد و عبد الأعلي المتقدمان. مضافا إلي عمومات التقية المتضمنة للحث عليها، و أنها من دين اللّه تعالي و دينهم عليهم السّلام و ما عبد اللّه تعالي بشي ء أحب إليه منها، و هي أقر لعيونهم عليهم السّلام، و أحب الأشياء إليهم،

ص: 379

______________________________

و أنها جهاد المؤمن في دولة الباطن، و جنته و ترسه و حرزه، و حصنه، و السد الذي بينه و بين أعدائه، و أنها الحسنة التي تدرأ بها السيئة، و أنه لا دين لمن لا تقية له، و لا إيمان له، و لا خير فيه، و أن اللّه تعالي أبي للشيعة في دينه إلا التقية، و أن أكرم المؤمنين علي اللّه تعالي أعملهم بها، و أنها مشروعة في كل ضرورة، و صاحبها أعلم بها، و نحو ذلك مما تضمنته النصوص الكثيرة التي ذكر قسما كبيرا منها في الوسائل. فراجع الباب الرابع و العشرين إلي الباب التاسع و العشرين من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

اللهم إلا أن يقال: العمومات المذكورة إنما تتضمن الحث علي التقية و مشروعيتها تكليفا مداراة للعامة و دفعا لشرهم، و لا تقتضي أجزاء العمل المطابق لها و صحته، لعدم أخذ ذلك في مفهومها و لا يستفاد من مساق أدلتها.

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن ظاهر كونها دينا الاجزاء.

ممنوع، فإنه لا يدل إلا علي كون الاتقاء مشروعا في مقابل وجوب الجهر بالحق و الدعوة له، و هو أعم من الاجزاء.

و مثله ما ذكره و سبقه شيخنا الأعظم قدّس سرّه إليه من الاستشهاد لذلك بالاستثناء في الصحيح عن أبي عمر الأعجمي: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا عمر: إن تسعة أعشار الدين في التقية، و لا دين لمن لا تقية له، و التقية في كل شي ء إلا في النبيذ، و المسح علي الخفين» «1».

بدعوي [2]: أن المنصرف من نفي التقية في المسح علي الخفين إنما هو بالإضافة إلي الحكم الوضعي، فيدل علي عموم المستثني منه للتكليف و الوضع.

لاندفاعه: بأن بناءهم علي جريان التقية في المسح علي الخفين ملزم

______________________________

[2] هذه الدعوي لم يصرح بها في كلامهما، و إنما ذكرناها لتوجيه ما ذكراه و تتميمه.

______________________________

(1) أورد صدره في الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2. و ذيله في باب: 25 من الأبواب المذكورة حديث: 3.

ص: 380

______________________________

بتأويل الخبر- لو فرض حجيته في نفسه [1]- بما يناسب ذلك، و ربما يحمل علي إرادة عدم الحاجة للتقية فيها، لاختلاف مذاهب المخالفين، فلا خوف من ترك المسح علي الخفين الذي هو موضوع التقية، و مع ذلك لا طريق لدعوي الانصراف إلي الحكم الوضعي.

بل لا مجال لدعوي الانصراف للحكم الوضعي في مثل ذلك و عدم إرادة الحكم التكليفي، لمناسبة الحث المذكور لإرادة التكليف. غاية الأمر أن التكليف بالتقية فيما يتصف بالصحة و الفساد مع عدم التنبيه علي الفساد يوجب استفادة الصحة فيه تبعا، و هذا لا يجري مع نفي التقية في ذلك و استثنائه من عمومها، كي يدل علي عموم المستثني للوضع. فلاحظ.

و مثله في ذلك ما في صحيح أبي الصباح عن الصادق عليه السّلام: «ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة» «2» لظهوره في السعة التكليفية.

و دعوي: أن عدم الاجزاء ضيق.

مدفوعة: بأن الضيق مع عدم الاجزاء في جعل التكليف الأولي، لا في نفس الفعل، بخلاف الضيق التكليفي، فإنه في نفس الفعل، و حيث تضمن الصحيح نسبة السعة لنفس الفعل لزم حمله علي رفع التكليف، كما في اليمين، كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه.

نعم، قد يستدل علي ذلك بموثق سماعة: «سألته عن رجل كان يصلي، فخرج الامام و قد صلي الرجل ركعة من صلاة فريضة. قال: إن كان إماما عدلا فليصل اخري و ينصرف و يجعلها تطوعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو،

______________________________

[1] فقد رواه في أصول الكافي [ج: 2 ص: 217 طبعة حديثه] عن هشام بن سالم عن أبي عمر، و هو مجهول، و رواه في المحاسن [ص: 205 طبع النجف الأشرف] عن هشام بن سالم و عن أبي عمر، و علي الثاني يكون صحيحا، إلا أن معارضته برواية الكافي تمنع من الاعتماد عليه، و لا سيما مع اشتهار ضبط الكافي. و أما احتمال تعدد السند فبعيد جدا. (منه عفي عنه).

______________________________

(2) الوسائل باب: 12 من كتاب الايمان حديث: 2.

ص: 381

______________________________

و إن لم يكن إمام عدل فليبن علي صلاته كما هو و يصلي ركعة أخري، و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، ثمَّ ليتم صلاته معه علي ما استطاع، فإن التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّه» «1». فإنه كالصريح في صحة الصلاة مع موافقتها للتقية، فيكون ظاهر التعليل في الذيل كون المراد بعموم سعة التقية ما يقتضي السعة الوضعية، الراجعة للاجزاء.

علي أنه يبعد حمل العمومات المتقدمة مع كثرتها علي خصوص الحكم التكليفي مع ما هو المعلوم من كثرة موارد التقية في العبادات، لكثرة خلاف العامة لنا فيها، و شدة الاهتمام بصحة العمل و إجزائه حينئذ، حيث لا مجال مع ذلك للجمود علي مفادها اللفظي و هو رفع التكليف الأولي و الحث علي التقية تكليفا، بل يتعين التعميم للاجزاء، و لا سيما مع مناسبته للامتنان و الإرفاق بالشيعة، و لذا كان بناء الشيعة قولا و عملا علي الاجزاء في موارد التقية، و عمدة دليلهم علي ذلك العمومات المذكورة، و لو لم يرد منها ذلك لم يخف مع كثرة الابتلاء بالحكم المذكور و شدة الاهتمام به، و لكثر السؤال عن ذلك، و كفي بذلك قرينة في المقام.

و أما الاستدلال علي العموم المذكور بما في خبر داود الرقي المتضمن للأمر بالتثليث في الوضوء، و فيه قول الصادق عليه السّلام: «هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق» «2».

بدعوي: ظهوره في أن الخوف كما يجيز التقية تكليفا يقتضي إجزاء العمل معها، و لذا لم يؤمر بالإعادة بعد ارتفاع موجب التقية، و كذا صحيح داود بن زربي «3» و ما ورد في قصة علي بن يقطين «4» - و إن كانا خاصين بموردهما و لا ظهور لهما في العموم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 382

______________________________

فلا مجال له، لأن الظاهر خروجها عما نحن فيه، و ورودها في جواز الفتوي بغير الحق تقية علي المستفتي، إذ لا ريب في عدم كون جميع الوقائع التي ابتلي فيها المستفتي بالوضوء المذكور من موارد التقية، لطول المدة، و إنما افتي بذلك ليلتزم به في خلواته، كي تظهر للمتجسس عليه في غفلته من أهل الباطل في واقعة واحدة براءته من تهمة الرفض، فالأمر المذكور غير صادر لبيان الحكم الواقعي، و إن كان حجة موجبة للحكم الظاهري في حق المستفتي بمقتضي أصالة الجهة.

فهذه النصوص دليل علي الاجزاء مع موافقة الحكم الكلي الظاهري مع الخطأ، كما تقدم تقريبه في مباحث الاجتهاد و التقليد، لا علي إجزاء العمل الاضطراري الصادر تقية، الذي هو محل الكلام في المقام. و إن كان ثبوته بالأولوية العرفية قريبا جدا. فتأمل. علي أنه يكفي في إثبات عموم الاجزاء ما تقدم.

هذا و في الهداية: «و لا تقية في ثلاثة أشياء: في شرب المسكر و المسح علي الخفين و متعة الحج»، و قريب منه في بعض نسخ المقنع، و في نسخة اخري نسبته للرواية من دون تصريح بالفتوي بمضمونه، كما في المفاتيح، و كذا في الفقيه، لكن بعد الفتوي بجواز التقية في ذلك.

و كيف كان، فيقتضيه الاستثناء في خبر أبي عمر المتقدم، و في صحيح زرارة: «قلت له: في مسح الخفين تقية؟ فقال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج. قال زرارة: و لم يقل: الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا» «1»، و صحيحة الآخر عن غير واحد: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: في المسح علي الخفين تقية؟ قال: لا يتقي في ثلاث. قلنا: و ما هن؟ قال: شرب الخمر، أو قال: شرب المسكر و المسح علي الخفين و متعة الحج» «2»، و في حديث

______________________________

(1) الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) فروع الكافي ج: 2 ص: 195 كتاب الأطعمة و الأشربة.

ص: 383

كما يجوز العمل عليهما في سائر (1) أفعال الوضوء.

______________________________

الأربعمائة: «ليس في شرب المسكر و المسح علي الخفين تقية» «1».

لكن ظهور تسالم الأصحاب علي جواز التقية في المسح علي الخفين الراجع إلي الإعراض عن النصوص المذكورة، و مخالفتها لما تقدم، بل لما هو المعلوم من مشروعية التقية في ذلك في الجملة و لو مع خوف القتل أو نحوه من الإضرار المهمة، موجب لإجمالها، أو ملزم بتأويلها بما لا ينافيه، كما يظهر من الأصحاب، فتحمل علي عدم الحاجة للتقية، لعدم الخوف فيها بسبب اختلاف العامة في ذلك و تفصيلهم في مشروعيته، أو عدم رجحان التقية فيه أو عدم مشروعيتها لغير الضرورة، و نحو ذلك مما لعله يأتي التعرض له عند الكلام في اعتبار عدم المندوحة.

و أما حملها علي اختصاص عدم التقية به عليه السّلام، فهو إنما يناسب صحيح زرارة الأول، كما فهمه زرارة نفسه، دون غيره، كما لا يخفي.

(1) أما في التقية فللعمومات المتقدمة. مضافا إلي ما ورد في تثليث الوضوء مما تقدمت إليه الإشارة، و تقدم قرب استفادة الاجزاء منه، و إلي مرسل العياشي المتقدم في وجوب الابتداء بالمرفقين المتضمن جواز رد الشعر للمتوضئ إذا كان عنده غيره. و إلي ما في مفتاح الكرامة من استفاضة نقل الإجماع علي اجزاء غسل الرجلين عن مسحهما التقية.

و أما في غيرها من أفراد الضرورة فلم يتضح الوجه فيه، لعدم عموم يقتضي إجزاء الناقص معها، فالمتعين الانتقال للتيمم إلا بدليل خاص يقتضي الاجتزاء بالناقص، و يأتي بعض الفروع المبنية علي ذلك في أحكام الجبائر.

______________________________

(1) الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 18.

ص: 384

مسألة 30 لو دار الأمر بين المسح علي الخف و الغسل

(مسألة 30): لو دار الأمر بين المسح علي الخف و الغسل للرجلين للتقية اختار الثاني (1).

______________________________

(1) كما في الروض و كشف اللثام و ظاهر المدارك، و عن الذخيرة نسبته للأصحاب، و نسبه في الحدائق إلي تصريح جملة منهم، و نسبه شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره إلي المشهور. و علله في الروض بأنه أقرب إلي الواجب الأصلي.

خلافا لما يظهر من الحدائق من الميل إلي التخيير، و قواه السيد الطباطبائي في العروة الوثقي، و لعله إليه يرجع ما عن التذكرة و البيان من أن الغسل حينئذ أولي، و إن كان ظاهر الرياض التردد في الأولوية أيضا.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «كأنه لإطلاق أدلة التقية، لكون كل منهما موافقا للتقية و مخالفا للواجب الأولي. و مجرد أقربية أحدهما لا توجب انصراف الإطلاق إليه».

اللهم إلا أن يدعي أن قوله عليه السّلام في موثق سماعة المتقدم: «ثمَّ ليتم معه صلاته علي ما استطاع»، و نحوه مما دل علي اعتبار عدم المندوحة في أداء التقية ظاهر في أن الفعل الصادر تقية من سنخ البدل الاضطراري حين تحقق موضوع التقية، و ذلك قرينة عرفية علي لزوم اختيار الأقرب للواجب الأصلي، و مع ذلك يشكل التمسك بالإطلاق، إذ لا أقل من إجماله من هذه الجهة، الملزم بالرجوع للأصل المقتضي للاحتياط في المقام. فتأمل.

هذا، و قد ذكر الفقيه الهمداني قدّس سرّه أن ذلك مقتضي الجمع بين خبر أبي الورد و النصوص الناهية عن التقية في مسح الخفين، لأن الخبر نص في مشروعيتها في الجملة، و النصوص ظاهرة في عدم مشروعيتها مطلقا، فيجمع بينهما بحمل الخبر علي مشروعيتها مع انحصار التقية بالمسح تخصيصا للنصوص المذكورة.

و كأنه لدعوي: أن المستثني منه في خبر أبي الورد لما كان هو نفي الرخصة مطلقا كان مقتضي الاستثناء هو ثبوتها في الجملة مع التقية، لأن نقيض السلب

ص: 385

مسألة 31 يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية علي الأقوي

(مسألة 31): يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية علي الأقوي (1)،

______________________________

الكلي هو الإيجاب الجزئي لا الكلي.

لكنه يندفع بأن مفاد الاستثناء ليس هو نقيض عموم المستثني منه في حق المستثني، كما في المفهوم و المنطوق، كيف و المستثني بعض أفراد المستثني منه، بل مفاده إخراج المستثني عن عموم الحكم الثابت للمستثني منه المستلزم لثبوت نقيضه له، و مقتضي الإطلاق في المستثني عموم خروجه عن الحكم المذكور، و ثبوت نقيضه له مطلقا.

علي أنه لو فرض الإهمال فيه بحسب مدلوله اللفظي فوروده في مقام البيان المستتبع للعمل قرينة علي إرادة الإطلاق منه، لأن القضية المهملة و الجزئية لا يترتب عليها العمل.

و لذا لا يظن منه قدّس سرّه الالتزام بذلك في الخوف من الثلج الذي تضمنه الخبر أيضا، بل و لا في التقية لو لم ترد النصوص المانعة.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 386

فالظاهر استحكام التعارض بين الخبر و النصوص المذكورة و ترجيحه عليها، لما تقدم.

(1) كما قواه في العروة الوثقي، و ظاهر الفقيه الهمداني قدّس سرّه المفروغية عنه، حيث ذكر في توجيه النصوص المتقدمة المانعة من التقية في مسح الخفين أن المتوضئ يتمكن من تلبيس الأمر عليهم بإيجاد مسح الرجلين عند اختيار الغسل.

و يكفي فيه قصور أدلة التقية عن ذلك، لظهور إناطة الحكم بها في كونه من سنخ البدل الاضطراري حين الابتلاء بها، فلا مجال له مع المندوحة. مضافا إلي موثق سماعة المتقدم الظاهر في لزوم تحصيل ما هو المستطاع من الواجب الأصلي، و يستفاد من غيره من نصوص الصلاة خلف المخالفين للأمر فيها بالقراءة سرا «1».

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 33، 34، 35 من أبواب صلاة الجماعة.

ص: 386

فلو أمكنه ترك التقية و إراءتهم المسح علي الخفين مثلا لم تشرع التقية، و لا يعتبر عدم المندوحة في الحضور في مكان التقية (1)

______________________________

لكن في صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يؤم القوم و أنت لا ترضي به في صلاة تجهر فيها بالقراءة. فقال: إذا سمعت كتاب اللّه يتلي فأنصت. فقلت: فإنه يشهد علي بالشرك. فقال: إن عصي اللّه فأطع اللّه.

فرددت عليه فأبي أن يرخص لي. فقلت له: أصلي إذن في بيتي ثمَّ أخرج إليه.

فقال: أنت و ذاك.» «1» و نحوه غيره مما هو ظاهر أو صريح في عدم وجوب القراءة و الاجتزاء بقراءة الإمام.

إلا أنها- مع مخالفتها للنصوص الكثيرة الظاهرة في وجوب القراءة حتي في الجهرية- إنما تقتضي عدم القراءة في الجهرية لأجل وجوب الإنصات شرعا، الراجع إلي عدم المندوحة في ترك القراءة، فلا تنافي ما تقدم.

نعم، في خبر زرارة أو حسنه، عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن تصلي خلف الناصب، و لا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه، فان قراءته يجزيك إذا سمعتها» «2»، و ظاهره إجزاء قراءة الإمام بنفسها، لا لوجوب الإنصات.

لكنه مخالف للنصوص الكثيرة الظاهرة أو الصريحة في عدم الاعتداد بقراءتهم، و أنهم كالجدر. فلا بد من تأويله أو حمله علي التقية في الفتوي أو نحوهما، و لا يخرج به عما ذكرنا.

(1) كما في الروض و عن البيان و غيره و صرح به في جامع المقاصد في غسل الرجلين للتقية، خلافا للمدارك و عن غيره، بل هو ظاهر كل من اقتصر في دليل مشروعية التقية علي الضرر و الحرج، لظهوره في كونها من سنخ الابدال الاضطرارية التي يعتبر فيها عدم المندوحة ارتكازا.

و عن المحقق الثاني في بعض فوائده التفصيل، فما كان الأمر فيه بالتقية

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

ص: 387

______________________________

بطريق الخصوص يصح و لو مع المندوحة، مدعيا عدم العثور علي الخلاف فيه، و ما كان الأمر فيه بها بطريق العموم لا يصح مع المندوحة، فيجب فيه الإعادة، و مع تعذرها يتوقف وجوب القضاء علي دليل خاص، لأنه بأمر جديد.

و كأنه لدعوي: قصور عمومات التقية عن صورة وجود المندوحة، لورودها مورد الابدال الاضطرارية المعتبر فيها ارتكازا عدم المندوحة.

لكن هذا كما يجري في العمومات يجري في الأدلة الخاصة. نعم، قد يدعي قصور العمومات عن إفادة الاجزاء، بخلاف الأدلة الخاصة، لورودها في الموارد التي يكون الغرض المهم فيها الاجزاء. و هذا أمر آخر لو تمَّ اقتضي عدم الاجزاء في المورد الذي ينحصر فيه الدليل بعمومات التقية حتي مع عدم المندوحة، فيجب القضاء فيما يقضي، كما لو فرط في الإعادة.

و قد تقدم عدم تمامية ذلك و نهوض العمومات بإثبات الإجزاء.

بل الإنصاف أن ما ذكر من الوجه قد يتم في بعض الأدلة الخاصة، لعدم ورودها مورد الحث و الترغيب، بل في مقام تشريع التقية لا غير، فقد يتجه حملها علي خصوص صورة عدم المندوحة للقرينة المذكورة.

و هذا بخلاف العمومات، لظهورها في كون الاضطرار و دفع شر المخالفين حكمة نوعية لاحظها الشارع في تشريع التقية، لا علة شخصية يدور الحكم مدارها بنحو لا بد من إحراز المكلف لها، كما يناسبه ورود العمومات مورد الحث علي التقية و الترغيب فيها و إحداث الدواعي لها مما لا يناسب اختصاص حكمها بالاضطرار و عدم المندوحة جدا.

بل هو لا يناسب ما تقدم في موثق سماعة، لصعوبة حمله علي صورة عدم المندوحة الطولية بالصلاة في وقت آخر، و العرضية بالصلاة فرادي في نفس الوقت. بل اشتمال صدره علي حكم الامام العدل مانع من الحمل علي خصوص الصورة المذكورة، كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه.

و كذا ما ورد في الحث علي الصلاة مع المخالفين و شدة الترغيب إليها. بل

ص: 388

______________________________

صحيح معاوية بن وهب المتقدم كالصريح في أن الصلاة فرادي في البيت قبل الصلاة معهم تكلف من الراوي غير واجب عليه، و هو من أفراد المندوحة.

علي أن إناطة الحكم بعدم المندوحة يخل بالغرض الذي شرعت لأجله التقية، لغلبة وجود المندوحة، فلو صار بناء أفراد الشيعة علي تحريها لأدي ذلك إلي تركهم الحضور مع العامة و عدم مخالطتهم لهم، لأن الإنسان إنما يدرك غالبا ضروراته الشخصية التي تحفظه، و لا يتسني له تحديد الضرورات النوعية التي تحفظ نوع الشيعة، ليحافظ عليها، فمع اعتقاده بعدم الضرر الشخصي يغفل عن الضرر النوعي و يترك محافظة العامة و يحترز بعمله، ليجزيه، و هذا يؤدي إلي ظهور حال الشيعة و وغر الصدور عليهم، فينتقض غرض الشارع الأقدس من تشريع التقية.

نعم، في صحيح البزنطي عن إبراهيم بن شيبة: «كتبت إلي أبي جعفر الثاني عليه السّلام أسأله عن الصلاة خلف من يتولي أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يري المسح علي الخفين، أو خلف من يحرّم المسح و هو يمسح. فكتب عليه السّلام: إن جامعك و إياهم موضع فلم تجد بدا من الصلاة فأذن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلي القراءة فسبح» «1»، و هو ظاهر في اعتبار عدم المندوحة العرضية.

لكن ظاهر صدره إرادة الشيعي بالمعني الأعم إذا كان يري المسح، و لم يتضح دخوله في عمومات التقية، ليكون منافيا لما تقدم، لأن المتيقن منها المخالفون الذين لهم الدولة و السلطان و الذين لا يتدينون بموالاته عليه السّلام دون بقية الفرق ممن لا دولة لهم و لا سلطان.

نعم، من يحرّم المسح علي الخفين لا يختص بالشيعة، فقد نقل القول بحرمته عن جماعة من الصحابة و التابعين.

لكن اشتهار جوازه عند العامة خصوصا في عصر صدور الحديث المذكور يوجب انصرافه عنهم إلي غيرهم ممن لا دولة له و لا سلطان. و لا أقل من

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

ص: 389

______________________________

اختصاصه بمن يكون عمله علي خلاف مذهبه، حيث قد يدعي انصراف العمومات و قصورها عن مورده أيضا، أو تخصيصها به- لو فرض حجيته في نفسه- و يكون تشريع التقية في مورده مختصا بعدم المندوحة العرضية، و إلا فلا مجال للخروج به عما تقدم من النصوص الكثيرة التي لا مجال لحملها علي صورة عدم المندوحة، كما تقدم.

هذا، و لكن ينبغي التنبيه علي أمر يحتاج توضيحه إلي تقديم مقدمة. و هي أن الظاهر أنه يكفي في مشروعية التقية التحبب للعامة الذي يقتضيه حسن المعاشرة معهم، فضلا عن دفع شرهم عن النفس أو الأهل أو الأخوان المؤمنين، بل يكفي تحبيب نوع الشيعة و تحبيب أئمتهم عليهم السّلام لهم، و إن لم يكن لها دخل في تحبيب شخص العامل بها.

كما يشهد به جملة من النصوص كالصحيح عن هشام الكندي [1]: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إياكم أن تعملوا عملا نعير به، فان ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا و لا تكونوا عليه شينا. صلّوا في عشائرهم، و عودوا مرضاهم. و اللّه ما عبد اللّه بشي ء أحب إليه من الخباء. قلت: و ما الخباء؟

قال: التقية» «2»، و صحيح عبد اللّه بن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أوصيكم بتقوي اللّه، و لا تحملوا الناس علي أكتافكم فتذلوا. إن اللّه عز و جل يقول في كتابه وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً، ثمَّ قال: عودوا مرضاهم، و احضروا جنائزهم و اشهدوا لهم و عليهم، و صلوا معهم في مساجدهم، حتي يكون التمييز و تكون المباينة منكم و منهم» «3» و قريب منها أخبار زيد الشحام «4» و حبيب

______________________________

[1] ليس فيمن يسمي بهشام من الرواة من ينسب لكندة غير هشام بن الحكم، و من هنا كان الظاهر إرادته في المقام و إن لم يتعارف التعبير عنه بذلك في الأسانيد، و هو الذي فهمه في جامع الرواة فتكون الرواية صحيحة، و لا سيما مع كون الراوي عنه هذا الحديث علي بن الحكم، و لم ينقل روايته عمن يسمي بهشام غير هشام بن الحكم و هشام بن سالم الجواليقي، و كلاهما صحيح. (منه عفي عنه).

______________________________

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 75 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

ص: 390

______________________________

الخثعمي «1» و كثير بن علقمة «2» و مرازم «3».

نعم، لو لم يحصل من موافقتهم في العمل شي ء من ذلك، لظهور مذهب الشيعة عندهم و وضوح تشيع الشخص و عدم انتظارهم منه المتابعة- كما هو الحال في كثير من البلاد في زماننا- لم تشرع التقية، لقصور الأدلة المتقدمة عن ذلك. بل قد تحمل المتابعة علي محض التزلف و النفاق و ضعف العقيدة و نحوها مما يوهن الفرقة الحقة زادها اللّه عزا و شرفا و تأييدا و تسديدا.

هذا، و من الظاهر أن حسن المخالطة و المعاشرة لا يتوقف علي حضور مكان التقية و العمل علي طبقها في جميع الأفعال، بل يختص ببعضها مما يتعارف فيه الاجتماع و يكون تركه مثارا للاتهام، كالصلاة و النفر في الحج و تشييع الجنائز، دون مثل الوضوء و الغسل مما يتعارف إتيان الإنسان به في بيته، حيث لا يحتاج للتقية في بإظهاره للعامة، و إن كان قد يحتاج إليها في كيفية أدائه- لو فرض اطلاعهم عليه.

إذا عرفت هذا فإن أريد من عدم المندوحة تعذر الإتيان بالواجب الأولي في وقت آخر و لو مع الإتيان بما يوافق التقية، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره، لما تقدم. و إن أريد منه توقف الغرض الموجب لتشريع التقية- و لو كان هو حسن المخالطة و المعاشرة- علي الفعل الموافق لها، بحيث لولاها لما تأتي الغرض المذكور، فاعتباره متعين، لأنه يرجع في الحقيقة إلي القدرة علي رفع موضوع التقية نظير القدرة علي هداية المخالف لترتفع التقية منه، أو حجزه عن الإيذاء، كي لا يخشي منه، و مقتضي ورود التقية مورد البدل الاضطراري قصورها عن الصورة المذكورة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5.

ص: 391

______________________________

و أما نصوص الحث علي التقية فهي لا تنافي ذلك، لأن الحث قد يكون لبيان الاكتفاء في تشريعها بالتحبب الذي هو مقتضي حسن المخالطة و جميل المعاشرة و عدم توقفها علي الضرورة العرفية الشخصية فإن ذلك لا ينهض لداعوية المكلف للتقية المبنية علي مجاملة العدو، المستلزمة لترك التكليف الأولي لو لا الحث من الشارع بالوجه المذكور. و كذا نصوص الحث علي الصلاة معهم، لورودها مورد الحث علي حسن معاشرتهم، فهي ظاهرة في توقف حسن المعاشرة علي ذلك و عدم المندوحة عنه بالإضافة إلي الغرض المذكور.

و هذا لا يجري في مثل الوضوء مما لا دخل لإيقاعه أمامهم بحسن المعاشرة، فلا وجه للتقية فيه مع المندوحة عنه. إلا أن يتوقف حصول غرض التقية، علي إيقاعه أمامهم، إما لدفع التهمة به، أو لضيق الوقت، أو لتوقف إيقاع الصلاة معهم عليه في ظرف لزوم إيقاعها معهم و لو لحسن المعاشرة أو نحو ذلك مما يرجع إلي لابدية وقوعه بوجه التقية.

و قد تحصل بما ذكرنا: أن المعتبر في المقام عدم المندوحة عن العمل المتقي به، بمعني لزوم إيقاعه، لا بمعني تعذر الإتيان بالواجب الأصلي و لو منضما إليه قبله أو بعده. كما أنه يكفي عدم المندوحة بلحاظ التحبب الذي هو مقتضي حسن المعاشرة، و لا يلزم خوف الضرر و نحوه مما يرجع إلي الاضطرار.

بقي في المقام أمور.

الأول: أن الظاهر أن موضوع التقية هو العدو ذو القوة و السلطنة الذي يضطر لمجاملته و مجاراته، كافرا كان أو مخالفا أو غيرهما، كما هو مقتضي ظاهر إطلاق التقية، و ما دل علي أنها جنة المؤمن و ترسه و حرزه و حصنه و السد الذي بينه و بين أعدائه، و ما ورد في أهل الكهف و أبي طالب عليه السّلام من أنهم أسرّوا الإيمان و أظهروا الشرك، و في قضية عمار «1».

______________________________

(1) تراجع النصوص المذكورة في الوسائل في باب: 34 إلي 29 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ص: 392

______________________________

مضافا إلي موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث في التقية: «و تفسير ما يتقي مثل أن يكون قوم سوء، ظاهر حكمهم و فعلهم علي غير حكم الحق و فعله، فكل شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلي الفساد في الدين فإنه جائز» «1».

و الظاهر أن المراد بالفساد في الدين الفساد العام، كضياع معالمه، لا ترك المكلف للواجب الأصلي، لابتناء التقية علي ذلك، فتشريعها يخرج ذلك عن كونه فسادا في دين الشخص.

نعم، المتيقن من الاجزاء مع مخالفة الحكم الأولي صورة الإتيان بالواجب علي وجه المتابعة لهم بالنحو الذي يرونه عليه، فلو ترك الواجب رأسا تقية منهم، فلا إجزاء، و كذا لو أتي به علي غير ما يرونه و لو لأنهم لا يعترفون بالواجب، كما لو أمكن الصلاة إيماء تقية من منكر وجوبها، أو لأنهم لا يصدقونه في دعوي فقد الشرط، أو يخشي من بيان ذلك لهم، مع اعترافهم باعتبار الشرط، كما لو تخيلوا أن اعتذاره بالحدث تهرب من الصلاة معهم، أو كانوا يمنعون من تأخير الطهارة لذلك الوقت.

نعم، لو فرض قيام الدليل علي كفاية ذلك من جهة الاضطرار- لا من جهة التقية- أجزأت، بشرط عدم المندوحة الطولية و العرضية، كما هو الحال في سائر الابدال الاضطرارية.

و منه يظهر عدم الاجتزاء بما يخالف مذهب المتقي منه و إن تأدت به التقية لعدم كونه في مقام الإنكار علي فاعله، كما عليه سيرتهم في مذاهبهم المعترف بها.

و لا مجال للتمسك فيه بإطلاق التقية، لأن الإطلاق الشامل لذلك هو إطلاق حكمها التكليفي، و هو كما يشمله الإتيان بصورة العمل، و غيره مما تقدم، لأن المعيار فيها محض المجاملة و تجنب المنافرة و لا إشكال في عدم كونه معيارا

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 6.

ص: 393

______________________________

في الاجزاء، بل المتيقن من دليله ما ذكرنا.

نعم، لو كان مخالفته في المذهب فيما هو الحق عندنا أيضا، كترك التكفير، لزم لرجوعه إلي وجود المندوحة في نفس الأداء الذي تقدم اعتباره في إجزاء التقية. فلاحظ.

الثاني: حيث عرفت أنه يعتبر عدم المندوحة بالوجه المتقدم، فيقع الكلام فيما لو رفع المكلف المندوحة، كما لو لم يتوقف غرض التقية علي الحضور مع المخالفين عند الوضوء، و بسبب حضور المكلف عندهم توقف غرضها علي الوضوء أمامهم.

و لا الإشكال في حسن التقية أو لزومها في الجملة- حسب نوع الغرض المصحح لها- لإطلاق أدلة الحث عليها. و إنما الإشكال في الاجزاء، لأن الدليل عليه ينحصر بظهور الإجماع، و العمومات، و موثق سماعة، و نصوص الحث علي الصلاة مع المخالفين.

لكن هذه الصورة غير داخلة في المتيقن من الإجماع- لو تمَّ. و العمومات قد عرفت عدم استفادة الاجزاء منها إلا بضميمة كثرة موارد الاهتمام به فيما هو موضوع التقية، بنحو يبعد عدم إرادته، و لا سيما مع معروفية الاجزاء عند المتشرعة و عمدة الدليل لهم عليه العمومات المذكورة، و هذا لا يقتضي استفادة عموم الاجزاء منها، بل ثبوته في الجملة من جهة الموارد و الأحوال.

إلا أن عدم الخصوصية عرفا للموارد، و لا سيما بقرينة ورود الحكم مورد الإرفاق و الامتنان الذي لا يختص ببعضها، و ثبوت الاجزاء في مثل الصلاة و الطهارة من الأمور المهمة موجب لاستفادة العموم من حيثية الموارد، دون الأحوال، فالتعميم لكل خصوصية حالية محتاج لدليل و إن كان هو القطع بعدم دخلها، و لا طريق لاستفادة الاجزاء منها في محل الكلام، و لا سيما مع قصور قرينة الامتنان عن شموله. فتأمل جيدا.

و أمّا موثق سماعة و نصوص الحث علي الصلاة معهم فهي واردة في مورد

ص: 394

______________________________

عدم المندوحة بلحاظ غرض التحبب بلا توسط اختيار المكلف، لما عرفت من ابتناء الصلاة علي الاجتماع و استنكار الاعتزال فيها عن العامة. فالبناء علي عدم الاجزاء هو الأوفق بإطلاق الاحكام الأولية.

نعم، مقتضي إطلاق خبر أبي الورد عموم الاجزاء مع عدم المندوحة و لو كانت بفعل المكلف. إلا أنه لو تمَّ و لم ينصرف عن هذه الصورة مختص بالمسح علي الخف و بالتقية الناشئة من الخوف، دون ما يكون للتحبب، لظهور قوله عليه السّلام:

«تتقيه» في ذلك.

و تعميم التقية التي حث عليها الشارع الأقدس للتحبب بقرينة النصوص السابقة لا يقتضي التعميم فيه، لعدم ثبوت نقل المادة شرعا عن معناها بذلك بنحو تدل عليه في سائر الهيآت. فتأمل جيدا.

هذا، و لو كان رفع المكلف للمندوحة ناشئا عن غفلته أو جهله بالحال فلا ينبغي التأمل في الاجزاء، لمناسبته للإرفاق و الامتنان، و لابتناء كثير من موارد التقية علي ذلك، بنحو لا مجال لإخراج هذه الصورة عنها.

ثمَّ إنه في مورد عدم الاجزاء إن أمكن التدارك في الوقت فلا مزاحم لحسن التقية أو لزومها تكليفا الذي عرفت أنه مقتضي إطلاق أدلتها.

و إن تعذر كان وجوب الواجب مزاحما للتكليف بالتقية، فيقدم الأهم، كما هو القاعدة في باب التزاحم. و إن كان الظاهر استحقاق العقاب علي التقصير و تفويت المهم بسبب اختيار مورد التزاحم الملزم بتفويته عقلا.

و دعوي: أن عمومات التقية مخصصة لعمومات التكاليف الأولية فلا تنهض بمزاحمتها.

مدفوعة: بأن تخصيصها لها مشروط بعدم المندوحة كما سبق، فلا يجوز رفع المندوحة و تفويت الواجب الأولي بعد فرض قصور دليل البدلية، فلو فوته كان مسؤولا به، و هو مستلزم للتزاحم بينه و بينها.

بل يمكن دعوي ذلك فيما لو لزم من التقية مخالفة تكليف إلزامي، و لو كان

ص: 395

______________________________

هو فوت الواجب الاختياري و الاكتفاء بما يطابق التقية في مورد الاجزاء، لظهور أدلتها في عدم ارتفاع ملاك الحكم الواقعي، و أن تشريعها لوجود المزاحم، فمع فرض استناد المزاحم لاختيار المكلف و إن سقط التكليف به خطابا، إلا أن المكلف محاسب عليه و يستحق العقاب عليه عقلا. فتأمل جيدا.

الثالث: ما تقدم إنما يقتضي إجزاء العمل الموافق للتقية في مورد الخطاب الإلزامي أو الاقتضائي الذي هو موضوع للامتثال، دون الصحة في التسبيبات المحضة التي لا تكون موردا للتكليف كالتذكية و العقود و الإيقاعات، لقصور جميع الأدلة المتقدمة عنها، إذ لا موهم لا فائدة الصحة فيها مما سبق من أدلة الاجزاء الا العمومات التي تقدم عدم دلالتها علي الاجزاء بدوا إلا في الجملة، و أن استفادة عمومه من حيثية الموارد لفهم عدم الخصوصية عرفا، و لا مجال لدعوي ذلك في المقام مما لا يرجع إلي السعة لا في مقام العمل، و لا في جعل التكليف الأولي، لفرض عدم التكليف رأسا و انحصار الأمر في السببية.

و بذلك ظهر عدم الاجزاء في مثل التطهير من الخبث.

و دعوي: أنه موضوع للتكليف الغيري، حيث يتوقف عليه مثل الصلاة مما يعتبر فيه الطهارة.

مدفوعة: بأن ما هو القيد في مثل الصلاة ليس هو السبب بنفسه، بل هو المسبب، و هو الطهارة الخبثية، و ليس الخلاف بيننا و بينهم في اعتبارها ليكون مقتضي أدلة التقية السعة في مقام الجعل بالإضافة إليها و سقوط قيديتها، بل في سببها، و قد عرفت قصور أدلة التقية عن إثبات الصحة في الأسباب.

و من هنا يشكل الاستدلال بالعمومات و نحوها علي إجزاء التقية في الوضوء و الغسل و التيمم حيث يكون موضوع التكليف فيه هو المسبب، و هو الطهارة، لا السبب، كما أشرنا إليه غير مرة.

اللهم إلا أن يقال: نصوص المسح علي الخفين و لا سيما خبر أبي عمر الأعجمي ظاهرة في المفروغية عن جريان التقية في غيره من أفعال

ص: 396

و زمانها كما لا يجب بذل مال لرفع التقية (1)،

______________________________

الوضوء، و حيث كان من المعلوم أن الغرض المهم للآتي بها الاجزاء و تحصل الطهارة، لا محض الإتيان بصورة الوضوء، لعدم الداعي له غالبا بعد عدم توقف حصول غرض التقية علي الوضوء أمامهم، كما سبق، كشف عن الاجزاء فيه.

و هذا لا ينافي ما سبق منا عند الكلام في عمومات التقية من عدم كون الاستثناء في خبر أبي عمر قرينة علي حملها علي الاجزاء، لأن عدم كونه قرينة علي سوق العموم للاجزاء لا ينافي دلالته علي الاجزاء في أفعال الوضوء بالقرينة المذكورة.

هذا، مضافا إلي ظهور تسالم الأصحاب علي عموم إجزاء الوضوء تقية، إذ يمتنع عادة خفاء ذلك عليهم مع ظهور كثرة الابتلاء به في العصور السابقة، كما تشهد به النصوص. و لا سيما مع تأيده بورود الترخيص في المسح علي الخفين، الذي هو أبعد ارتكازا عن الواجب الأصلي من غيره من موارد مخالفتهم لنا. بل يؤيده أيضا ما ثبت في كثير من الموارد من ابتناء الوضوء علي الميسور، فإن ذلك كله كاشف عن وضوح شمول العمومات للوضوء، و لو لإلحاقه بالصلاة لشدة ارتباطه بها و كثرة مخالفتهم لنا فيهما. فتأمل.

(1) هذا ظاهر بناء علي جواز وضوء التقية مع المندوحة. أما بناء علي ما عرفت من عدم جوازه إلا مع عدم المندوحة عنه فاللازم وجوب بذل المال للتخلص منه.

و مجرد عدم وجوب الإعادة لا يوجب كونه في عرض الواقع، بل غاية ما يكشف عنه كون أثره تاما، و هو لا ينافي كونه مترتبا تشريعا علي تعذر الوضوء التام و لو بلحاظ توقف حصول غرض التقية عليه.

ص: 397

و أما في سائر موارد الاضطرار فيعتبر ذلك كله (1).

مسألة 32 إذا زال السبب المسوغ للمسح علي الحائل في أثناء الوضوء

(مسألة 32): إذا زال السبب المسوغ للمسح علي الحائل في أثناء الوضوء أو بعده لم تجب الإعادة في التقية (2)،

______________________________

نعم، لو كان بذل المال ضرريا أو حرجيا تعين سقوطه في التقية و غيرها من الضرورات.

و دعوي: أن بذل المال المعتد به ضرر مطلقا و لو لم يكن مجحفا.

غير ظاهرة، لانصراف الضرر في أدلة نفيه إلي خصوص ما يكون تحمله ضيقا علي المكلف و حرجا عليه.

و لذا كان بناء المتشرعة علي بذل المال لو توقف القيام بالتكاليف عليه.

و تدل عليه النصوص في خصوص شراء الماء للوضوء «1». فتأمل.

(1) لأن الجمع عرفا بين أدلة الابدال الاضطرارية و الأحكام الأولية ليس بتخصيص الثانية بالأولي بنحو يقتضي خروجها عنها موضوعا و ملاكا، بل الاكتفاء بالإبدال الاضطرارية في مقام العمل مع بقاء ملاكات الأحكام الأولية، المقتضي لوجوب تحصيلها مهما أمكن، و اختصاص الاكتفاء بالإبدال الاضطرارية بصورة عدم المندوحة مطلقا و تعذر الواجب الأصلي رأسا.

نعم، لو كان رفع موضوع الاضطرار ببذل عدم المال أو غيره حرجيا أو ضرريا تعين سقوطه و الاكتفاء بالواجب الاضطراري.

(2) أما بعد الإتمام و فوات الموالاة المعتبرة في جواز المسح علي البشرة إتماما للوضوء السابق- الذي هو منصرف بعض كلماتهم و صريح آخر- فهو الذي صرح به في جامع المقاصد و المدارك و ظاهر الروض، و عن الجامع و المختلف و الذكري و الدروس و البيان. إذ بعد حصول الطهارة لا ترتفع

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم.

ص: 398

______________________________

إلا بحدث، و ليس منه زوال السبب.

خلافا لما في المعتبر و المنتهي و كشف اللثام و عن المبسوط و التذكرة و الإيضاح و غيرها من وجوب الاستئناف، لأن الضرورة تقدر بقدرها.

و يندفع بما أشار إليه غير واحد من أن المنوط بالضرورة هو إيقاع الوضوء المذكور- فلا يشرع بعد ارتفاعها- لا أثره، بل هو لا يرتفع إلا بالحدث.

نعم، قد يقال: مجرد بقاء أثر الوضوء المذكور لعدم الحدث، لا يستلزم الاجتزاء به، بل إن كان أثره تاما كأثر الوضوء التام تعين الاكتفاء به في الدخول في الغايات.

و إن كان ناقصا و اكتفي به لمكان الضرورة لزم عدم الاكتفاء به بعد ارتفاعها و التمكن من فعل التام، لإطلاق دليل التام المقتصر في الخروج عنه علي حال الضرورة بمقتضي كون البدلية اضطرارية. فاللازم النظر في مقتضي دليل البدلية.

و حيث تقدم مشروعية التقية مع المندوحة الطولية و لو بالجمع بين العمل الأولي و العمل للتقية لزم البناء علي تمامية الطهارة و الاجتزاء بها في الغايات اللاحقة.

و مجرد اعتبار عدم المندوحة بالمعني المتقدم منا الراجع إلي توقف حصول غرض التقية علي العمل المطابق لها لا ينافي ذلك، لرجوعه إلي قصور المشروعية، و ترتب الأثر عن شمول صورة وجود المندوحة، فلا ينافي تمامية الأثر المذكور بعد فرض المشروعية، لعدم المندوحة بالمعني المذكور.

نعم، بناء علي اعتبار عدم المندوحة مطلقا بقرينة كون البدلية اضطرارية تكون الطهارة الحاصلة من الوضوء المذكور ناقصة، فلا تجزي بعد ارتفاع الضرورة.

إلا أن يدل علي الاجتزاء بها دليل خاص.

كما لا يبعد ظهور خبر أبي الورد- و لو بإطلاقه المقامي- في ذلك، فان عدم التنبيه فيه علي لزوم التدارك بعد ارتفاع العذر مع الغفلة عنه و غلبة سرعة زوال العذر ظاهر في الاجتزاء به حينئذ.

ص: 399

و وجبت في سائر الضرورات (1).

______________________________

بل لا يبعد ظهور جميع أدلة الوضوء العذري في ذلك، علي ما يأتي الكلام فيه في الجبائر في المسألة الواحدة و الأربعين ان شاء اللّه تعالي. و لا سيما مع ما في جامع المقاصد في حكم التقية بالغسل، من قوله: «و لا يجب الإعادة بزوالها قولا واحدا فيما أظنه».

و أما قبل فوات الموالاة فهل يجب التدارك بمثل رفع الحائل و المسح بالبلة، أو لا؟ قولان، ظاهر كشف اللثام ابتناؤهما علي القولين السابقين.

لكن صاحب المدارك مع ذهابه لعدم الإعادة هناك حكي عنه القول هنا- وفاقا لشيخه- بوجوب التدارك، و وافقهما في ذلك السيد الطباطبائي في العروة الوثقي و سيدنا المصنف قدّس سرّه في شرحها.

و هو في محله، لقصور أدلة التقية عن الاجتزاء بالناقص مع التمكن من الإتمام، نظير ما تقدم من اعتبار عدم المندوحة في كيفية العمل. و يستفاد من موثق سماعة المتقدم، لقوله عليه السّلام: «ثمَّ ليتم معه صلاته علي ما استطاع» «1».

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه إذا كان زمان ارتفاع التقية معتدا به، لبعده، لم يبعد شمول أدلة التقية له. فهو غير ظاهر مع ذلك.

و منه يظهر وجوب التدارك إذا كان ارتفاع السبب في الأثناء، لملازمته لبقاء الموالاة.

(1) الظاهر أن الخلاف في ذلك هو الخلاف المتقدم في التقية، بل هو الخلاف المذكور في الجبائر، بل ينبغي أن يجزي في سائر أفراد الوضوء الاضطراري.

و كيف كان، فمقتضي ما تقدم من القاعدة وجوب الإعادة في المقام، و سائر الوضوءات الاضطرارية لظهور أدلتها- بقرينة ورودها مورد الاضطرار- في اعتبار

______________________________

(1) الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

ص: 400

مسألة 33): لو توضأ علي خلاف التقية فالأحوط وجوبا الإعادة

(مسألة 33): لو توضأ علي خلاف التقية (1) فالأحوط وجوبا الإعادة (2).

______________________________

عدم المندوحة مطلقا، و ليست كالتقية في مشروعيتها مع المندوحة في الجملة، لو لا ما أشرنا إليه آنفا من قرب ظهور دليل تشريعها- و لو بإطلاقه المقامي- في عدم وجوب الإعادة. فلاحظ.

(1) الظاهر أن مراده قدّس سرّه صورة وجوبها. أما في مورد استحبابها فلا منشأ لعدم إجزاء الواجب الأصلي إلا تخيل أن إطلاق دليل مشروعيته لما كان ظاهرا في لزومه، فالبناء علي استحباب التقية كاشف عن كذب الظهور المذكور في موردها، فلا طريق لإثبات مشروعية فيه، لسقوط الدلالة الالتزامية تبعا للدلالة المطابقية.

و يندفع- مع الغمض عما يأتي في صورة وجوب التقية- بأن استفادة المشروعية ليس لحجية الدلالة الالتزامية بعد سقوط الدلالة المطابقية، بل لأنه مقتضي الجمع العرفي بين إطلاق الوجوب و دليل استحباب التقية.

(2) فقد استظهر في الجواهر عدم إجزاء الوضوء المذكور، قال: «و لذا صرح بالبطلان في مقام يجب الغسل للتقية، فخالف و مسح، جماعة من الأصحاب، و هما من واد واحد.»

و قد يستدل عليه.

تارة: بأن الواجب فعلا هو العمل المطابق لها، فلا يجزي غيره.

و اخري: بأن وجوب التقية يستلزم حرمة الفعل المخالف لها، لا لأن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، بل لأن مرجع وجوبها إلي وجود الملزم في مجاراتهم و ترك مجاهرتهم بالمخالفة، و هو كما يقتضي وجوب الفعل الذي به المجاراة يقتضي حرمة الفعل الذي تكون به المجاهرة بالمخالفة، فيمتنع التقرب به.

و يندفع الأول: بأن الجمع عرفا بين دليل وجوب التقية الراجع إلي التكليف

ص: 401

______________________________

بها و إطلاق دليل الواجب الأولي الوارد لبيان ماهية المأمور به ليس بالتخصيص، ليقصر الواجب الأولي في ظرف وجود موجب التقية ملاكا، و تكون التقية عدلا له في عرضه، كالقصر و التمام، بل بحمل دليل التقية علي وجود المانع الخارجي عن التكليف بالواقع مع بقاء ملاكه، و لذا يكون المتقي منه مسؤولا و آثما بملاك منعه من امتثال التكليف الشرعي زائدا علي كونه مانعا للمتقي من إعمال سلطنته، لا أنه مانع من تمامية التكليف في حقه، كما لو سلب ماله، فرفع استطاعته للحج.

فالوضوء الأولي في مورد التقية الواجبة يكون نظير مورد اجتماع الأمر و النهي، الذي هو مجزي عن الأمر مع تأتي قصد القربة، علي التحقيق.

و مجرد إجزاء العمل الموافق للتقية لا ينافي ما ذكرنا، بل غاية ما يقتضي بدلية التقية عن الواقع و لو في طوله، مع تمامية ملاكه، نظير إجزاء الناقص عن التام مع الجهل بالحكم الذي لا ينافي إجزاء التام أيضا، لتمامية ملاكه و موضوعه، بل فعلية التكليف به واقعا.

و أما الثاني فهو لا ينافي الاجزاء مع غفلة المكلف عن مخالفته للتقية، أو عن وجوبها.

و كذا لو قصد التقية حين الإتيان بالواجب الأصلي، ثمَّ تعمد تركها بعد إكماله، كما لو توضأ عازما علي التقية بالمسح علي الخفين بعد المسح علي البشرة خفية من المخالفين، و بعد إكمال وضوئه عدل عن ذلك فلم يمسح علي الخفين.

نعم، لو تعمد فعل ما له دخل في مخالفة التقية من أجزاء الوضوء ملتفتا لذلك بطل للوجه المذكور، سواء كان الفعل بنفسه مخالفا لهم، كما لو جاهر بمسح البشرة، أم لا، كما لو شرع بغسل الوجه عازما علي المجاهرة بمسحها، فان الشروع في الوضوء محقق لموضوع التقية، فمع البناء علي تركها يكون فعله مقدمة للحرام، فيمتنع التقرب به، و يبطل حتي لو عدل عن مخالفتها بعد ذلك، فمسح علي الخفين أو غسل رجليه، غايته أن امتناع التقرب به حينئذ للتجري لا للمعصية به.

و كذا لو فرض تخيل المكلف وجوب التقية خطأ فخالفها بالوجه المذكور.

ص: 402

______________________________

تتمة لو وافق المكلف التقية لاعتقاد وجوبها خطأ، فإن كانت مستحبة في الواقع فلا ينبغي الإشكال في صحة عمله.

و إلا فإن كان الخطأ في اعتقاد كون المتقي منه عدوا مخالفا فالظاهر بطلان العمل، لعدم الموضوع للتقية واقعا، و ظهور أدلتها في فرض وجود عدو يتقي منه.

و إن كان الخطأ في تخيل ترتب الضرر منه، فالظاهر الاجزاء، لابتناء التقية علي الحذر الصادق مع الخوف و إن لم يكن ضرر واقعي.

فالخوف محقق لموضوعها و ليس طريقا محضا مع كون الموضوع هو الضرر الواقعي، ليتعين البطلان مع عدمه.

و أما بقية الضرورات فما كان منها من قبيل العجز و التعذر لا مجال للبناء علي الاجزاء مع ظهور الخطأ فيه لقصور الأدلة عن ذلك.

و ما كان قبيل الضرر، كما في الجبائر و المسح علي الحائل عند خوف الثلج فقد قرب سيدنا المصنف قدّس سرّه عدم الاجزاء فيه، لدعوي: أن مقتضي الجمع بين الأدلة المتضمنة لعنوان خوف الضرر أو اعتقاده- كخبر أبي الورد المتقدم- و الأدلة المتضمنة لعنوان الضرر كون الموضوع الحقيقي هو الضرر الواقعي، و أن الخوف و الاعتقاد طريق إليه، فيصح العمل عليها ظاهرا، و إن لم يجزئ واقعا لو فرض عدم الضرر، بناء علي ما هو الظاهر من عدم الإجزاء بموافقة الأمر الظاهري.

و دعوي: أن خوف الضرر لما كان طريقا شرعا له كان منجزا لحكمه و مانعا عقلا من الإتيان بالوضوء التام، فيكون كما لو تعذر خارجا.

مدفوعة- مضافا إلي قصوره عن خوف الضرر الذي لا يجب دفعه- بقصور أدلة تشريع الوضوء الاضطراري عن المانع العقلي بالنحو المذكور، بل هي مختصة بالأعذار الشرعية كالضرر و الحرج و الموانع الخارجية في

ص: 403

______________________________

موارد التعذر.

نعم، إذا كان تحصيل الواقع في فرض خوف الضرر حرجا عرفا تعين الاجزاء واقعا و إن لم يكن هناك ضرر، لو فرض الاكتفاء بالحرج في تشريع الوضوء الاضطراري.

هذا، و لكن الخوف ليس أمارة عرفا علي تحقق الضرر، ليتجه بمقتضي الجمع العرفي حمل ما تضمنه من الأدلة علي كونه طريقا ظاهريا للضرر مع تبعية الحكم الواقعي بدفعه و مشروعية البدل الاضطراري معه للضرر الواقعي. بل الاكتفاء به عرفا لمحض الاحتياط في دفع الضرر للاهتمام به.

و ذلك إنما يقتضي منجزيته للتكليف بحرمة الضرر ظاهرا، المستلزم لكونه عذرا في مخالفة الواقع الاولي الذي يحتمل التكليف به تبعا لاحتمال عدم الضرر، و لا يقتضي الاجتزاء بالبدل الاضطراري ظاهرا، بل مقتضي الاحتياط لو كان الاجزاء منوطا بالضرر الواقعي هو الجمع بين الأداء به و الإعادة أو القضاء بالواجب التام بعد الأمن من الضرر.

و حيث لا إشكال في عدم وجوبه فالأنسب الجمع بين دليلي الاجزاء بحمل ما تضمن عنوان الضرر علي كونه الموضوع الواقعي للتكليف الثانوي و الرافع الواقعي للحكم الاولي، و حمل ما تضمن عنوان الخوف علي الاكتفاء به في مقام العمل، فيكون العمل الاضطراري معه مجزيا، و إن لم يكن مشروعا لعدم الضرر الواقعي.

فالخوف بنفسه موضوع للاجزاء واقعا، و إن كان منجزا ظاهريا للتكليف بدفع الضرر و معذرا ظاهريا عن التكليف الأولي المزاحم له، مع تبعية التكليف بدفع الضرر للضرر الواقعي. و لا ملزم بكونهما علي نهج واحد، و لا سيما مع مناسبة التكليف ارتكازا للضرر الواقعي، و مناسبة الاجزاء لمقام العمل التابع للمؤمّن و المنجّز في مقام الظاهر، لأنه الأنسب بمقام الامتنان بعد فرض عدم سقوط التكليف الأولي ملاكا، و لا دخل للضرر الواقعي فيه أصلا. فالاجزاء في المقام نظير الاجزاء في موارد لا تعاد لا ينافي إناطة التكليف بالواقع.

ص: 404

مسألة 34 لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده علي الأصابع

(مسألة 34): لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده علي الأصابع و يمسح إلي الكعبين بالتدريج، بل يجوز أن يضع تمام كفه علي تمام ظهر القدم من طرف الطول إلي المفصل و يجرها قليلا بمقدار صدق المسح. (1)

______________________________

و منه يظهر الوجه في إجزاء الواجب الأولي لو أتي به المكلف بسبب القطع خطأ بعدم الضرر، كما تقدم في التقية. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) كما صرح به في العروة الوثقي. لإطلاق أدلة المسح، حتي الآية الكريمة، بناء علي ظهور الغاية فيها في كونها لتحديد الممسوح، لما أشرنا إليه عند الكلام في غسل اليدين من عدم تعارف تحديد الفعل بالاقتصار علي بيان الغاية.

و لا سيما مع ورودها في سياق التحديد في اليدين الذي إشكال في عدم إرادة غاية الفعل فيه.

بل حتي بناء علي ظهورها في بيان غاية المسح لا تدل إلا علي وجوب الانتهاء بالكعبين و لو بجر اليد إليهما قليلا، و لا تقتضي البدء بالأصابع.

نعم، في صحيح البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن المسح علي القدمين كيف هو؟ فوضع كفه علي الأصابع فمسحها إلي الكعبين إلي ظاهر القدم. فقلت:

جعلت فداك، لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا. فقال: لا إلا بكفيه [بكفه.

خ ل]» «1» و هو ظاهر في وجوب الكيفية المذكورة.

لكن ما دل علي جواز النكس ملزم بحمله علي الاستحباب، أو علي بيان كمية الماسح أو الممسوح، كما هو الأنسب بالذيل و أن المراد من الكيفية ما يعم ذلك.

و أما حمله علي وجوب الكيفية من حيثية الاستمرار لا من حيثية المبدأ

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 405

كما أنه يجوز النكس (1)، بأن يبتدئ من الكعبين و ينتهي بأطراف الأصابع.

______________________________

و المنتهي، فليس هو عرفيا في مقام الجمع بين الأدلة، بل التفكيك المذكور مما يغفل العرف عنه جدا.

(1) كما في المبسوط و النهاية و التهذيب و الاستبصار و إشارة السبق و المراسم و الشرائع و المعتبر و المنتهي و القواعد و الإرشاد و جامع المقاصد، و عن محكي المهذب و الجامع و الإصباح و غيرها، و في الحدائق و عن الذكري أنه المشهور، بل في المفاتيح نسبة الشذوذ للمخالف هنا.

و يشهد له- مضافا إلي إطلاقات المسح حتي الآية بناء علي ظهورها في تحديد المسح، كما تقدم- صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «1» و روي في سند آخر هكذا: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» «2» و صحيح يونس: «أخبرني من رأي أبا الحسن عليه السّلام بمني يمسح ظهر القدمين من أعلي القدم إلي الكعب، و من الكعب إلي أعلي القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا، فإنه من الأمر الموسع إن شاء اللّه» «3».

و احتمال ارادة الجمع من الأولين لا التخيير مخالف للظاهر، كالإشكال في سند الأخير بالإرسال، لاندفاعه بما تقدم في تحديد الكر بالوزن من الاعتماد علي مراسيل يونس.

هذا، و في الفقيه و عن السرائر و البيان و الألفية عدم جواز النكس، و نسب لظاهر الانتصار و الغنية و الوسيلة، بل لو تمَّ كان ظاهر الأولين دعوي الإجماع عليه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 406

______________________________

لكن لا يبعد كون مرادهم تحديد الممسوح، بل لعله ظاهر الأول.

و كيف كان فقد استدل لهم بأنه المتعارف الذي ينصرف إليه الإطلاق، و بنصوص الوضوءات البيانية بعد حملها عليه، إذ لو وردت بالنكس لوجب، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به»، و بصحيح البزنطي المتقدم.

لكن التعارف لا ينهض بتقييد الإطلاق، و الوضوءات البيانية لا تنهض بإثبات الوجوب- كما تقدم غير مرة- و لا سيما مع ما تقدم من النصوص التي يجب رفع اليد بها عن ظاهر صحيح البزنطي، كما تقدم أيضا.

و من ذلك يظهر جواز المسح عرضا، فإنه و إن خرج عن مفاد النصوص السابقة، إلا أنه مقتضي الإطلاقات. بل لا يبعد إيماء النصوص السابقة إلي بقاء المسح علي إطلاقه من دون خصوصية للنكس.

ثمَّ إنه قد صرح في جامع المقاصد بكراهة النكس. و لعله يرجع لما في المراسم من استحباب المسح من أطراف الأصابع إلي الكعبين.

و كأن وجهه التأسي و صحيح البزنطي بناء علي حمله علي الاستحباب، لا محض تحديد الماسح أو الممسوح. و لا ريب في أنه أولي- كما عن الذكري و الدروس و المختلف و محكي المهذب- إذ لا أقل من الخروج به عن شبهة الخلاف.

بقي أمور.

الأول: صرّح في العروة الوثقي بوجوب إمرار الماسح علي الممسوح بتحريكه فوقه، و لا يكفي جرّ الممسوح تحته و أمضاه غير واحد من محشيها. و كأنه لدعوي انحصار الفرق بين الماسح و الممسوح بذلك.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لكنه غير ظاهر، لصدق قولنا: مسحت يدي بالجدار، و مسحت رجلي بالأرض. و الفارق بين الماسح و الممسوح أن الممسوح هو الذي يقصد إزالة شي ء عنه، و الماسح ما يكون آلة لذلك، فان كان الوسخ باليد تقول: مسحت يدي بالجدار، و إن كان الوسخ بالجدار تقول: مسحت الجدار بيدي

ص: 407

______________________________

و استعمال العكس مجاز».

و كأن مصحح نسبة المسح لليد هنا كونها مزيلة للخبث الخارجي أو الاعتباري.

و قد استشكل في ذلك شيخنا الأستاذ قدّس سرّه بأن باء الاستعانة لما كان مدخولها آلة الفعل فلا بد من حركته تحقيقا لمعني الآلية المبني علي اعمال الآلة. و أما الباء في قولنا مسحت يدي بالجدار فليست للاستعانة، بل للإلصاق أو التبعيض، مثلها في قوله تعالي وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «1»، بخلاف الباء الداخلة علي اليد في الوضوء و التيمم، فإنها للاستعانة بلا إشكال.

و يندفع: بأن توقف الآلية- التي هي مفاد الباء- علي حركة مدخولها غير ظاهر، بل يكفي تأثير مدخول الباء للفعل العامل فيها في معموله، بنحو يصح إطلاق اسم الفاعل عليه، و لذا تدخل علي ما لا حركة فيه، كقولنا: أحرقت الثوب بالنار، و طهرته بالماء، لوضوح أن الباء في الجميع للاستعانة، مثلها في قولنا: مسحت رأسي بيدي، فإذا فرض أن الملحوظ في المسح هو التأثير و الإزالة- كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- فمدخول الباء هو المؤثر فيما يتعدي له المسح بنفسه و إن كان ساكنا لا حركة فيه، كالجدار في قولنا: مسحت يدي بالجدار.

و لا مجال لما ذكره من أن الباء في المثال المذكور ليست للاستعانة، بل للإلصاق أو التبعيض.

لوضوح أن باء الإلصاق أو التبعيض تدخل علي المفعول في المعني، و قد صرح بالمفعول في المثال، و هو اليد، فكانت هي الممسوح، و من الظاهر أن المسح لا يتعدي إلي مفعولين، فلا بد من كون الجدار آلة المسح، فيكون ماسحا بمعني، كالماء المطهّر و النار المحرقة. و لا وجه لقياسه بقوله تعالي وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ لوضوح أن الرؤوس ممسوحة و آلة المسح الأيدي.

______________________________

(1) سورة المائدة: 6.

ص: 408

______________________________

فلعل الأولي أن يقال: إن اعتبار الحركة في الماسح ليس لتوقف الآلية المستفادة من الباء عليه، بل لأخذها في مفهوم المسح، لتقومه بإمرار أحد الجسمين علي الآخر بمماسة و بنحو من الاستيلاء، فالماسح هو المار و الممسوح هو المرور عليه.

و أما الإزالة و التنظيف أو التأثير فهي خارجة عن مفهومه، و لذا قد يخلو عنها فيما لو لم يقصد بالمسح إزالة شي ء عن شي ء و لا التأثير فيه، و منه مسح رأس اليتيم و عند البيعة، و لا مجال لدعوي عدم صدق المسح حينئذ.

نعم، لما كان الغالب كون المقصود بالمسح الإزالة أو التأثير فقد يضمن معناهما و يجرد عن معناه، و يكون الماسح هو المزيل. أو المؤثر و إن لم يكن مارا و لا متحركا، و الممسوح هو المزال أو عنه أو المؤثر فيه و إن كان متحركا، و منه: مسحت يدي بالجدار، و مسحت التراب عنها، و عليه جري قوله عليه السّلام:

«و امسح ببلة يمناك ناصيتك».

لكن لا مجال للحمل عليه بلا قرينة و إن أمكن في المقام، بل يتعين الالتزام بالمعني الأصلي، و قد يشهد لما ذكرنا تعدية المسح للممسوح ب «علي» في غير واحد من النصوص، و منها صحيح محمد بن مسلم: «امسح علي مقدم رأسك، و امسح علي القدمين» «1»، فان ظهوره في لزوم إمرار اليد علي الممسوح مما لا ينبغي أن ينكر.

و لو فرض إجمال المسح من هذه الجهة لزم الاقتصار علي المتيقن منه، و هو صورة مرور الماسح، لقاعدة الاشتغال المعول عليها في مثل المقام.

هذا، و أما الاكتفاء بالمرور من كل منهما، لصدق مرور اليد علي العضو، فيكون ممسوحا بها، و إن كان هو مارا عليها و ماسحا لها، و هما متماسحان.

فلا يخلو عن إشكال، لأن مقتضي ما تقدم اعتبار وقوع المسح من اليد علي العضو، و الحاصل في الفرض المذكور مسح واحد مستند لكل منهما، لا

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 409

______________________________

مسحان، كل منهما واقع من أحدهما علي الآخر، و ليس هو كالتعاطي بين الشخصين المنتزع من إعطائين كل منهما صادر من أحدهما للآخر. فتأمل جيدا.

الثاني: صرح في محكي التنقيح بأنه لا يشترط اتصال الخط من أطراف الأصابع إلي الكعب في المسح، فلو مسح ثمَّ قطع ثمَّ مسح من محاذيه كفي، و حكي في مفتاح الكرامة عن أستاذ السيد الطباطبائي اشتراط الاتصال.

أقول: إن كان المراد بالاتصال اتصال المسح- و هو الذي فهمه في الجواهر من التنقيح- بحيث يكون بمسحة واحدة، فلا وجه لاعتباره بعد إطلاق أدلة المسح، كيف و إيجاب ذلك يستلزم وجوب استمرار الحركة! فلا يجوز التوقف حتي مع إبقاء الماسح علي الممسوح و عدم رفعه عنه، لتوقف وحدة المسح علي ذلك، و من البعيد التزام أحد به، و خصوصية رفع الماسح لا أثر لها في ذلك.

و إن كان المراد اتصال الممسوح فالظاهر اعتباره- كما هو ظاهر محكي المقاصد العلية- لظهور أدلة تحديد الممسوح طولا في لزوم وحدته باتصال أجزائه، بحيث يكون الممسوح شيئا واحدا واقعا بين أطراف الأصابع و الكعب.

بل لا يبعد اعتبار كونه خطا مستقيما عرفا، فلا يكفي مسح خط متعرج و إن كان متصلا، لانصراف أدلة التحديد المذكورة عنه. فلاحظ.

ثمَّ إنه صرح في محكي المقاصد العلية بالاكتفاء بمسح أي إصبع شاء من الرجل، و ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه صرح به جماعة.

و هو المطابق لإطلاق أدلة تحديد الممسوح طولا. بل يبعد حمل الإطلاقات المذكورة علي إصبع معين بعد التصريح في بعضها بأن أحد الحدين هو أطراف الأصابع.

نعم، هو يناسب موثق عمار و رواية عبد الأعلي مولي آل سام الواردين في الإصبع الذي ينقطع ظفره «1».

إلا أن عدم تعيين الإصبع فيهما موجب لظهورهما في وجوب الاستيعاب،

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5، 6.

ص: 410

______________________________

و تنزيلهما علي إصبع خاص بعيد عن ظاهرهما، فليس الحمل عليه عرفيا. فتأمل جيدا.

الثالث: أشار في العروة الوثقي إلي الإشكال في وضوء الوسواسي.

و منشأ الاشكال فيه أحد أمرين.

الأول: أن عمل الوسواسي قد يستوجب الإخلال بشرط الوضوء، كما لو أخل بالموالاة فيما لو فرض الاستمرار بغسل أحد الأعضاء بتكثير الماء و الاستمرار في صبه بالنحو المستلزم لجفاف ماء الوضوء الأصلي، أو احتاط بتكرار غسل اليد اليسري و صب الماء عليها لكون المسح بغير ماء الوضوء، أو زاد في مسحها علي المتعارف، حيث يلزم مسح الرأس بماء اليسري بناء علي عدم جواز ذلك.

و هذا لا يختص بالوسواس، بل يجري في مطلق التكرار الخارج عن المتعارف، سواء كان لاحتياط مشروع أم لتخيل عدم الإتيان بالجزء.

الثاني: أن حرمة الوسواس تمنع من التقرب بالفعل، فيبطل، و هو لا يختص بالوضوء.

و الكلام في ذلك.

تارة: في الدليل علي الحرمة.

و اخري: في لازمها.

أما الأول: فقد تردد في ألسنة المتشرعة حرمة الوسواس. بل استظهر سيدنا المصنف قدّس سرّه عدم الإشكال في حرمته.

و قد يستدل عليه بالنصوص الرادعة عنه، ففي صحيح عبد اللّه بن سنان:

«ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجلا مبتلي بالوضوء و الصلاة، و قلت: هو رجل عاقل.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و أي عقل له و هو يطيع الشيطان؟ فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شي ء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل

ص: 411

______________________________

الشيطان» «1»، و في صحيح زرارة و أبي بصير: «قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتي لا يدري كم صلي و لا ما بقي عليه، قال: يعيد. قلنا: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك. قال: يمضي في شكه. ثمَّ قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. قال زرارة: ثمَّ قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلي أحدكم» «2»، و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إذا كثر عليك السهو فامض علي صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان» «3».

و يشكل: بعدم ظهورها في الحرمة التكليفية، فإن الردع في الأول لما كان بملاك قلة عقل الوسواسي كان ظاهرا في الإرشاد، و مجرد فرض إطاعة الشيطان لا يستلزم الحرمة التكليفية، لعدم حرمة إطاعته إلا إرشادا حيث يأمر بالمعصية، و لا يستلزم كون جميع ما يأمر به معصية، حيث أنه يأمر بترك المستحبات، كما قد يأمر ببعض الأمور بلحاظ آثارها الوضعية من ضيق صدر المؤمن و ضياع وقته و نحوهما مما يرغب فيه بمقتضي عداوته له و إن لم يكن معصية بنفسه.

و لذا قد يكون الوسواس في غير أمور الدين مما يهتم به الإنسان كصحته و كرامته و ماله، فيخرج عن المتعارف عند العقلاء في طرق حفظها، و لا يظن من أحد الالتزام بحرمته. و الردع في الأخيرين وارد مورد الإرشاد لرفع الوسواس من دون أن يتضمن حرمته.

و دعوي: أن الإرشاد إلي رفعه ظاهر في حرمته و مبغوضيته.

ممنوعة، إذ قد يكون بلحاظ الضيق الحاصل منه علي المكلف، لا لمبغوضيته شرعا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

ص: 412

______________________________

و من هنا كان إثبات حرمة الوسواس في غاية الإشكال. بل هو لا يناسب مرتكزات المتشرعة، لنظرهم إلي الوسواسي نظر العطف و الرحمة كنظرهم للمريض المبتلي، لا نظر المقت و الاستنكار كنظرهم للعصاة بجوارحهم أو جوانحهم.

نعم، لا إشكال في رجحان مقاومته إرغاما للشيطان الخبيث و حذرا مما قد يستلزمه من ضيق الصدر و ضياع الوقت الذي قد يستلزم التفريط ببعض المهمات الدينية و الدنيوية، بل قد يؤدي إلي ترك بعض الواجبات. بل لا ريب في كونه نقصا منافيا لكمال الإنسان و قوة نفسه. نسأله سبحانه أن يعيذنا و جميع المؤمنين منه بمنه و كرمه إنه أرحم الراحمين.

و أما الثاني: فالحرمة إنما تقتضي بطلان العمل العبادي مع الالتفات إليها كبري و صغري، بأن يعلم المكلف أن عمله ناشئ عن الوسواس و تتنجز حرمته عليه.

مع أنها إنما تقتضي بطلان الجزء الصادر عن الوسواس، لا تمام العمل إلا إذا أوجب خللا فيه، كزيادة مبطلة بأن زاد سجدة في الصلاة، أو ذكرا جازما بجزئيته، أو نقص الجزء فيما لو فرض الحاجة له واقعا لعدم الإتيان به، إلا أن المكلف أتي به للوسواس، فان بطلانه مستلزم لنقص العمل و بطلانه.

نعم، لا يتنجز ذلك علي المكلف حين العمل، لامتناع فرض الوسواس مع ظهور الحاجة إلي الجزء، و إنما يمكن اطلاع المكلف عليه بعد ذلك.

ثمَّ إن هذا يأتي أيضا في تكرار العمل بتمامه، للوسواس، فان فرض حرمة الوسواس و بطلان العمل لأجله مستلزم لعدم إجزائه حتي لو فرض الحاجة إليه واقعا، و لو لخلل مغفول عنه في العمل المأتي به أولا. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم. و منه نستمد العون و التسديد، و هو حسبنا و نعم الوكيل. و له الحمد وحده و الصلاة و السلام علي من لا نبي بعده محمد و آله الطاهرين من أعلام الحق و سادات الخلق.

ص: 413

______________________________

انتهي الكلام في فصل أفعال الوضوء بعد ظهر الاثنين غرة ذي القعدة الحرام، سنة ألف و ثلاثمائة و ست و تسعين للهجرة. بقلم العبد الفقير (محمد سعيد الطباطبائي الحكيم) عفي عنه.

و انتهي تبيضه بقلم مؤلفه بعد الفراغ من تدريسه، بعد ظهر الأربعاء الثالث من الشهر المذكور، من السنة المذكورة. و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 414

الفصل الثاني: في وضوء الجبيرة

اشارة

الفصل الثاني من كان علي بعض أعضاء وضوئه جبيرة (1)..

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين

(1) في مجمع البحرين و لسان العرب و القاموس و ظاهر الجمهرة و عن شرح الدروس: انها العيدان التي تجبر بها العظام، و في المصباح: أنها العظام التي توضع علي الموضع العليل من البدن. و قال الراغب: «و اشتق من لفظ جبر العظم الجبيرة، الخرقة التي تشد علي المجبور، و الجبارة للخشبة التي تشد عليه، و جمعها جبائر» و في كشف اللثام: «و ذو الجبيرة، أي: الخرقة أو اللوح أو نحوهما الشدود علي عضو من أعضاء الوضوء انكسر فجبر» و نحوه في الحدائق.

و ظاهر الكل بل صريح بعضهم اختصاصها بما يجبر به العظم المكسور، دون ما يشد علي الجروح و القروح و نحوها، و إن ساواها في الحكم، كما هو ظاهر الخلاف و المبسوط و المنتهي و الروض أيضا.

لكن في الحدائق و عن شرح المفاتيح أن ظاهر الفقهاء إطلاقها علي ما يعم ذلك. و قد يشهد به اقتصار بعضهم علي حكم الجبائر و عدم تعرضهم لما يشد به الجرح و القرح، كما في الشرائع و القواعد، مع بعد إهمالهم لحكمه بعد ورود الأدلة

ص: 415

فإن تمكن من غسل ما تحتها بنزعها أو بغمسها في الماء وجب (1)،

______________________________

فيه. بل هو صريح محكي المشكاة، حيث قال: «لا جبيرة إلا في كسر أو جرح أو قرح. و يلحق بالأول الخلع و الرض، و بالثاني الكي و الخراق، و بالثالث البثور و القوابي، و في الأورام نظر». بل قد يستفاد في الجملة من صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «1» الآتي.

و كيف كان، فلا أهمية للتعميم في اصطلاح الفقهاء، كما لا يهم تحقيق مفهوم الجبيرة بعد عدم اختصاص الأدلة بها، و ورود بعضها في الجروح و القروح و الدواء. بل المستفاد العموم لجميع ما تقدم، من مجموع النصوص بعد ضم بعضها إلي بعض، و لو لفهم عدم الخصوصية بملاحظة المناسبات الارتكازية.

و لعله يأتي في بعض الفروع الآتية ما له نفع في ذلك.

(1) لا إشكال في عدم إجزاء المسح علي الجبيرة و لا في ترك موضعها مع إمكان نزعها و غسل ما تحتها.

و يقتضيه- مضافا إلي العمومات- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ. فقال: إن كان يؤذيه الماء فليمسح علي الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها» «2».

و إنما الاشكال و الخلاف بينهم في أنه هل يتخير حينئذ بين أمور ثلاثة، و هي الغسل بعد النزع، تكرار صب الماء حتي يصيب البشرة، و غمس العضو فيه كذلك. أو يتخير بين الأولين. أو يتعين عليه الأول؟ وجوه.

قرّب في كشف اللثام الأول، و اختاره شيخنا الأعظم قدّس سرّه و هو المحكي عن شرح المفاتيح و الدروس و البيان و الكركي و ظاهر التحرير و نهاية الإحكام، بل عن اللوامع دعوي الإجماع عليه، و قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «و لا خلاف في التخيير بين

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 416

______________________________

الوجوه، و إن أوهم بعض العبائر خلاف ذلك.»

و هو في محله لو حصل بالأخيرين الواجب الاختياري، لإطلاق الأدلة. بل لا يحتمل كون حكم ذي الجبيرة أشد من حكم غيره. و من هنا يتعين حمل الأمر بالنزع في صحيح الحلبي المتقدم علي المقدمية الغالبية للغسل الاختياري، لا علي تقييده. إلا أن الشأن في تحققه، فإنه و إن لم يعتبر في الغسل الجريان- كما تقدم في أول الفصل السابق- إلا أنه يعتبر الترتيب في نفس العضو في اليدين- كما تقدم- بل في الوجه علي المشهور، و يشكل حصوله بالوجهين المذكورين، خصوصا الغمس.

و أما موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحله، لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟ قال: إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء و يضع موضع الجبر في الماء حتي يصل الماء إلي جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحله» «1».

فهو مختص بصورة تعذر الحل، و لا وجه للتعدي عنها إلا دعوي أن قوله عليه السّلام: «من غير أن يحله» مشعر بعدم وجوب الحل حتي مع إمكانه، و هي لو تمت لا تصلح للاستدلال.

نعم، لا بأس بالتخيير المذكور في الغسل بناء علي ما سبق هناك من ظهور الأدلة في كفاية إمساس الماء فيه. فراجع.

و أما الثاني: فهو مقتضي الاقتصار في جملة من الكتب علي التخيير بين النزع و تكرار الماء، كالشرائع و القواعد و الإرشاد و جامع المقاصد و الروض و عن غيرها، بل عن الذخيرة دعوي الإجماع علي أن الغمس لا يجوز إلا مع تعذر كل من النزع و التكرار.

و إن كانت النسبة للأصحاب لا تخلو عن إشكال، لقرب أن يكون تخييرهم بين الأولين لإرادة بيان وجوب إيصال الماء مع الإمكان من دون خصوصية لهما،

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 7.

ص: 417

______________________________

و هو يقتضي الاكتفاء بالثالث أيضا.

و كيف كان، فلا وجه له إلا دعوي صدق الجريان المقوم للغسل بتكرار الصب، خصوصا مع غمز الجبيرة و المسح عليها، بخلاف الغمس المجرد.

و هو غير مهم بعد ما تقدم من عدم اعتبار الجريان في الغسل الواجب في الوضوء إلا لأجل الترتيب الذي عرفت الإشكال في حصوله بالوجهين معا.

و من هنا كان الأقوي في الوضوء الثالث. و هو المحكي في المقام عن التذكرة، و يقتضيه الجمود علي عبارة الفقيه و النهاية و التهذيب و الخلاف، للاقتصار فيها علي ذكر النزع و حل الجبيرة مع الإمكان. بل قد يظهر من الشيخ و الفاضلين في المبسوط و المعتبر و المنتهي، لحكمهم بوجوب النزع مع الإمكان، و إلا مسح علي الجبيرة، ثمَّ نبهوا علي أنه لو أمكن الغمس وجب و لم يكف المسح عليها، حيث قد يظهر منهم الترتيب بين النزع و الغمس. و حاله يظهر مما سبق.

ثمَّ لو تعذر النزع فهل يتخير بين التكرار و الغمس، أو يرتب بينهما، أو لا يجب شي ء منهما بل يكتفي بالمسح علي الجبيرة؟ وجوه.

ظاهر ما تقدم من المعتبر و المنتهي الأول، لأن مقتضي تعليلهما وجوب الغمس بتحقق الغسل الاكتفاء بكل ما يحققه من دون ترجيح. و هو مقتضي موثق عمار المتقدم، بل الجمود عليه يقتضي تعيّن الغمس، إلا أن خصوصيته ملغية عرفا و المهم إيصال الماء للجلد.

لكن عن الذخيرة الثاني، بل قال: «لا يجوز هذا الغمس إلا بعد العجز عن النزع و عن التكرير إجماعا». إلا أن الإجماع لم يتضح في المقام. و لا وجه له غيره إلا ما أشرنا إليه من صدق الجريان المقوم عندهم للغسل مع التكرار و غمز الجبيرة دون الغمس المجرد، و قد تقدم ضعفه، و لا سيما مع إطلاق الموثق.

و أشكل منه ما في التهذيب و الاستبصار من اختيار الثالث، و حمل الموثق علي الاستحباب، فإنه خروج عن ظاهره بلا قرينة.

و دعوي: معارضته بنصوص المسح علي الجبيرة.

ص: 418

______________________________

مدفوعة: - مضافا إلي كونه أخص منها لانصرافه إلي ما إذا لم يضره إيصال الماء للبشرة- بالتقييد في بعض نصوص الجبيرة بما إذا كان يؤذيه الماء أو يخاف علي نفسه. و به يقيد إطلاق غيرها- لو تمَّ. هذا كله إذا كانت الجبيرة في الأعضاء المغسولة.

و إن كانت في موضع المسح فإن أمكن نزعها وجب، و لم يكف إيصال الماء للبشرة بالتكرار أو الغمس، كما في جامع المقاصد، بل عن المنتهي و شرح الدروس الإجماع عليه، و إن لم أجده في الأول. و تقتضيه العمومات.

و إن لم يمكن، فان تعذر إيصال الماء للبشرة فلا إشكال ظاهرا في إجزاء المسح علي الجبيرة، لإطلاق بعض نصوصها، كصحيح كليب الأسدي الآتي، بل هو صريح رواية عبد الأعلي المتضمنة للمسح علي المرارة «1»، بل لا يحتمل اختصاص حكم الجبيرة بأعضاء الغسل، و لا سيما مع ورود المسح علي الحائل للضرورة.

و إن أمكن إيصال الماء للبشرة فهل يتعين، أو يجب المسح علي الجبيرة ببلة الوضوء؟ اختار الأول في جامع المقاصد، لقاعدة الميسور، لتضمن المسح مماسحة الماسح للممسوح و وصول الماء منه إليه، فتعذر الأول لا يسقط الثاني.

و إليه مال في الحدائق و حكاه عن صاحب رياض المسائل مستدلا بالقاعدة، و بما تقدم من تقديم غسل الرجلين علي مسح الخف إذا تأدت التقية بكل منهما، لأنه أقرب للواجب الأولي. و لإطلاق موثق عمار المتقدم.

لكن تكرر الإشكال في الاستدلال بقاعدة الميسور. و الاستشهاد بتقديم الغسل علي مسح الخفين أشبه بالقياس إلا أن يرجع إلي تقريب مفاد قاعدة الميسور.

فالعمدة إطلاق الموثق، و حمله علي خصوص موضع الغسل بلا قرينة،

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 419

و إن لم يتمكن لخوف الضرر (1)،

______________________________

فيقيد به إطلاق صحيح كليب و يحمل علي صورة تعذر وصول الماء للبشرة، كما قيّد هو و غيره من نصوص المقام به في الأعضاء المغسولة. و بهذا تسقط منجزية العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين.

كما يظهر ضعف ما في الجواهر من وجوب المسح علي الجبيرة. و إن كان الأولي الاحتياط بمسح الجبيرة أولا ببلة الوضوء، ثمَّ إيصال الماء للبشرة بالغمس أو تكرار الصب.

(1) كما هو المتيقن من النص و الفتوي، بل معقد الإجماع المدعي المستفاد من كلماتهم، حيث ادعي في الخلاف و عن التذكرة الإجماع بالمسح علي الجبيرة، و في المعتبر أنه مذهب الأصحاب، و في المنتهي أنه مذهب علمائنا أجمع، و نفي عنه الخلاف بين الأصحاب في المدارك.

و قد سبق في صحيح الحلبي المسح علي الخرقة التي علي القرحة إذا كان يؤذيه الماء، و في حسن كليب الأسدي بل صحيحة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: إن كان يتخوف علي نفسه فليمسح علي جبائره و ليصل» «1» و قريب منه مرسل العياشي «2» و في صحيح الوشاء: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الدواء إذا كان علي يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح علي طلي الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه» «3» و نحوه صحيحه الآخر «4» - إن لم يكن عينه- فإن صورة الخوف من استعمال الماء متيقنة من هذه النصوص.

و هي بمجموعها صالحة لإثبات الحكم في الجبيرة بالمعني الأعم الذي تقدم نسبته للفقهاء، بل في كل حاجب وضع لأجل التداوي، و خصوصية مواردها ملغية عرفا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 10.

ص: 420

أو لعدم إمكان إزالة النجاسة (1)،

______________________________

نعم، صحيح الحلبي قد تضمن اشتراط الضرر، و صحيح كليب قد تضمن اشتراط الخوف. و قد تقدم في آخر الكلام في أحكام التّقية أن مقتضي الجمع العرفي بين هذين اللسانين في مقام الاجزاء تقدم الثاني.

فراجع.

(1) كما في القواعد و جامع المقاصد و غيرهما، بل في المدارك أنه لا خلاف فيه، لكن في ثبوت الإجماع الحجة بذلك إشكال، بل منع، بعد إناطة جمع منهم الحكم بخوف الضرر أو تعذر النزع.

و أما النصوص فيشكل استفادة ذلك منها. أما ما تضمن عنوان الضرر أو خوفه فظاهر. و أما ما أطلق فيه الجبائر فلانصرافه أو اختصاصه بصورة لزوم الضرر أو الحرج بنزعها أو باستعمال الماء، لأنه المناسب لها دون ما يتعذر معه التطهير فقط، حيث لا دخل فيه لعنوان الجبائر و إن قارنها، كما يشير إليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام: عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟

فقال: يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوي ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته» «1».

و كذا بعض نصوص الجبائر الخاصة لاختصاص مواردها بذلك، كرواية عبد الأعلي المتضمنة للمسح علي المرارة و صحيحي الوشاء المتضمنين للمسح علي الدواء.

و مثلها ما تضمن عدم غسل الجرح، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله» «2»،

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 421

أو لعدم إمكان إيصال الماء تحت الجبيرة (1)،

______________________________

و نحوه ذيل صحيح الحلبي المتقدم «1» فإنه منصرف لصورة الضرر من الغسل، لأنه المناسب لخصوصية الجرح، دون تعذر التطهير، فارادتها منه تحتاج إلي عناية و تنبيه.

و أما قاعدة الميسور فقد تكرر عدم التعويل عليها، خصوصا في الوضوء الذي كان المطلوب فيه الطهارة التي هي بسيطة لا تركيب فيها، و إن كان قد يؤيد جريانها في المقام ابتناء الوضوء في كثير من الموارد عليها، إلا أن في بلوغ ذلك حدّ الاستدلال منعا ظاهرا، و لا سيما مع عدم بنائهم عليها ظاهرا في غير الجرح من موارد تعذر التطهير من الخبث، كما يأتي في المسألة الخامسة و الخمسين.

بل مقتضي الارتباطية هو البناء علي تعذر الوضوء و الانتقال إلي التيمم. و به تسقط منجزية العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين من الوضوء الجبيري و التيمم.

نعم، ذلك مختص بما إذا كان تعذر التطهير لأمر غير الإضرار بالجرح، كعدم الماء، أو ضيق الوقت، أما إذا كان من جهة الإضرار به، لاحتياجه إلي نحو من التعميق و إن لم يضره إجراء الماء بالقدر المعتبر في الوضوء فالظاهر دخوله في إطلاق نصوص الجرح و الجبائر، لأن المفهوم منها عرفا هو إضرار الغسل الذي يقتضيه الوضوء و لو مقدمة من جهة التطهير أو إزالة الحواجب المسببة عن الجرح أو التداوي، لا بخصوص الغسل الوضوئي.

(1) كما هو ظاهر تعذر النزع في الفتاوي و معاقد الإجماعات المدعاة في المقام.

و يقتضيه إطلاق غير واحد من نصوص المقام، خصوصا صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم، لإشعاره بتحقق العبث بالجرح بمجرد نزع الجبائر، و كذا رواية عبد الأعلي المتضمنة للمسح علي المرارة المعللة بالحرج، إذ لا حرج

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 422

اجتزأ بالمسح عليها (1).

______________________________

بالمسح علي ما تحت المرارة غالبا إلا من جهة الحرج بنزعها.

و منه يظهر أن المراد بالتعذر ما يعم الحرج، بل هو مقتضي إطلاق النصوص المذكورة، و حملها علي خصوص صورة التعذر لا وجه له.

نعم، لا بد من كون تعذر النزع لأمر يعود للتداوي، و لو لاحتياجه لإعادة الجبيرة علي تقدير نزعها، بنحو يلزم منه الحرج، فلو تعذر رفعها مع الاستغناء عنها خرج عن منصرف أدلة الجبيرة، و دخل فيما يأتي في ذيل المسألة السادسة و الثلاثين.

(1) لما تقدم من الإجماع و النصوص التي يخرج بها عن مقتضي الارتباطية من تعذر المركب بتعذر جزئه، الموجب للانتقال للتيمم، لعموم مشروعيته عند تعذر الطهارة المائية.

لكن بعض النصوص تضمّن مشروعية التيمم للكسير و ذي الجروح و القروح، كمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «يتيمم المجدور و الكسير بالتراب إذا أصابته جنابة» «1» و صحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب. قال: لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم» «2» و غيرهما.

و قد وقع الاشكال بينهم في الجمع بين هذه النصوص و نصوص الجبائر، كالإشكال في الجمع بين كلمات الأصحاب في المقامين.

قال في المدارك: «و اعلم أن في كلام الأصحاب في هذه المسألة إجمالا، فإنهم صرحوا هنا بإلحاق القرح و الجرح بالجبيرة، سواء كان عليها خرقة أم لا، و نص جماعة منهم علي أنه لا فرق بين أن تكون الجبيرة مختصة بعضو أو شاملة للجميع، و في التيمم جعلوا من أسبابه الخوف من استعمال الماء بسبب الجرح

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 5.

ص: 423

______________________________

و القرح و الشين، و لم يشترط أكثرهم في ذلك تعذر مسح شي ء عليها و المسح عليه.

و أما الأخبار ففي بعضها أن من هذا شأنه يغسل ما حول الجرح- و قد تقدم- و في كثير منها أنه يتيمم. و يمكن الجمع بينها إما بحمل أخبار التيمم علي ما إذا تضرر بغسل ما حولها، أو بالتخيير بين الأمرين.».

و قد يجمع بينها أيضا بحمل نصوص الجبيرة علي صورة وجودها و منعها من وصول الماء للبشرة و نصوص التيمم علي صورة عدمها و كشف الموضع، أو بحمل نصوص الجبيرة علي الوضوء و نصوص التيمم علي الغسل لاختصاص نصوصها به، أو بحمل نصوص الجبيرة علي الجرح الواحد و نصوص التيمم علي الجروح المتعددة.

و الكل كما تري إما بلا شاهد كالأول و الثالث، أو يمتنع تنزيل النصوص عليه كالباقي، لظهور بعض نصوص التيمم في وجوبه، فينافي الثاني، و صراحة صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم و مرسل العياشي «1» في عموم حكم الجبيرة للغسل، فينافي الرابع، و قوة ظهور بعض نصوص التيمم في وحدة الجرح، فينافي الخامس.

فالأولي أن يقال: لما كان اللازم حمل نصوص الجبيرة علي صورة القدرة علي الوضوء أو الغسل الجبيري دون محذور فيه تعين حمل نصوص التيمم علي صورة تعذرهما، لنجاسة أو نحوها أو لزوم محذور منهما من حرج أو ضرر في غسل الصحيح الذي لا جبيرة عليه أو في المسح علي الجبيرة أو نحو ذلك مما يكثر الابتلاء به.

و هذا هو المتعين في الجمع بين كلمات الأصحاب، و هو المستفاد مما في المعتبر و المنتهي من أن ذا الجبائر يمسح عليها، فان تضرر بالمسح عليها تيمم فلا إجمال في كلماتهم، كما نبه لذلك في محكي شرح المفاتيح، قال في جملة كلام له: «ففي التيمم إذا جعلوا من أسبابه الخوف من استعمال الماء بسبب القروح أو

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 11.

ص: 424

______________________________

الجروح فلا شبهة في كون هذا التيمم بعد العجز عن تلك المائية. و كيف يمكن تجويز غير هذا عليهم.» و قريب منه في حاشية المدارك.

ثمَّ إنه روي عمار في الموثق قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه علكا؟ قال: لا، و لا يجعل إلا ما يقدر علي أخذه عنه عند الوضوء، و لا يجعل عليه إلا ما يصل إليه الماء» «1».

و لا بد من رفع اليد عنه بما تقدم، و بعمومات الضرر و الحرج القطعية، و لا سيما بعد ظهور إعراض الأصحاب عنه.

فليحمل علي عدم الانحصار به و إمكان جعل غيره من غير حرج و لا ضرر، لدفع توهم مسوغية التداوي للوضوء الناقص مطلقا. فلا ينافي الأدلة السابقة، لانصرافها عن الصورة المذكورة و ظهورها في البدلية الاضطرارية. و لعل هذا هو مراد الشيخ قدّس سرّه في الاستبصار من حمله علي الاختيار.

فما عن بعضهم من احتمال الرخصة مطلقا و لو مع عدم الاضطرار، عملا بإطلاق النصوص السابقة، و ما عن آخر من الاشكال بسبب الموثق المذكور، في غير محله، كما في الحدائق.

بقي شي ء، و هو أن المعروف من مذهب الأصحاب وجوب المسح علي الجبائر بدلا عن البشرة، بل هو الظاهر من معاقد الإجماعات المتقدمة.

لكن في المدارك: «و لو لا الإجماع المدعي علي وجوب المسح علي الجبيرة لأمكن القول بالاستحباب و الاكتفاء بغسل ما حولها، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. و رواية عبد اللّه بن سنان. و ينبغي القطع بالسقوط في غير الجبيرة، أما فيها فالمسح عليها أحوط» و سبقه إلي ذلك شيخه الأردبيلي- فيما حكي عنه- بل قد يظهر من الصدوق في الفقيه، حيث قال في حكم الجروح و القروح المشدودة: «فليمسح يده علي الجبائر و القروح، و لا يحلها و لا يعبث بجراحته. و قد روي في الجبائر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنه قال: يغسل ما حولها»

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 6.

ص: 425

______________________________

و نحوه في الفقه الرضوي «1»، بل ربما ينسب للكليني، لظهور ذكره للنص المتضمن غسل ما ظهر و ما حول الجرح في عمله به.

أقول: ما تضمنه صحيح عبد الرحمن من تعقيب الأمر بغسل ما ظهر بترك غسل ما تحت الجبيرة ظاهر في أن الحصر إضافي بلحاظ البشرة، فلا ينافي وجوب المسح علي الجبيرة، غاية الأمر أن عدم التعرض له في بيان كيفية طهارة ذي الجبيرة ظاهر في عدم وجوبه.

لكنه لا ينهض بمعارضة ظهور الأمر بالمسح عليها في النصوص الكثيرة في وجوبه، و لا سيما صحيحي الوشاء المتضمنين للتعبير باجزاء المسح لظهوره في بدليته عن غسل البشرة في الوجوب و دخله في الاجزاء مثله، بل هو كالمطلق الذي يجب رفع اليد عنه بالمقيد.

و منه يظهر الحال في صحيحي ابن سنان و الحلبي المتضمنين لغسل ما حول الحرج، فان دلالتهما علي عدم وجوب مسح الجبيرة إنما هي للسكوت عنه في مورد الحاجة لبيانه.

علي أنهما مختصان أو شاملان للجرح المكشوف فلا مجال لرفع اليد بهما عن ظهور نصوص المسح علي الجبيرة في الوجوب، بل هما مباينان لها موردا أو مخصصان بها. و أما مرسل الصدوق المتقدم، فمن القريب كونه نقلا لمضمونهما.

و مما ذكرنا يظهر عموم وجوب المسح للجبيرة و ما الحق بها من عصابة الجرح و الدواء و نحوه، لورود الأدلة به في الكل.

و لعل ما تقدم من المدارك من القطع بعدم وجوب المسح في غير الجبيرة، في مقابل دعوي وجوب مسح الجرح المكشوف- كما فهمه بعضهم- لا لتخصيص الجبيرة- بالمعني اللغوي- من بين الأمور المذكورة.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 426

و لو أمكنه مسح البشرة مسح عليها (1).

______________________________

(1) قد تعرضوا لذلك في الجرح المكشوف، ففي الحدائق: أنه ذكره الأصحاب، و هو المحكي عن التذكرة و نهاية الأحكام و الدروس، و مال إليه في المعتبر.

و قد استدل عليه بأنه أقرب إلي المأمور به، و أولي من مسح الجبيرة.

و الأول راجع لقاعدة الميسور، التي تكرر منا الإشكال في الرجوع إليها في أمثال المقام.

و الثاني إن رجع إلي الأولوية الظنية فليس بحجة، و إن رجع إلي الأولوية القطعية أو مفهوم الموافقة فهو ممنوع.

و من هنا استشكل في الحكم جماعة من متأخري المتأخرين- كما في الجواهر- منهم صاحب الحدائق، و تردد في محكي الذكري و شرحي الدروس و المفاتيح. كل ذلك لإطلاق ما تضمن غسل ما حول الجرح الظاهر في عدم وجوب ما زاد عليه من المسح علي الجرح، أو علي الجبيرة بعد وضعها عليه، كما يأتي في المسألة الخامسة و الثلاثين.

اللهم إلا أن يقال: الإشكال في الرجوع لقاعدة الميسور إنما هو في الخروج عن مقتضي الارتباطية بتشريع العمل الناقص، أما بعد ثبوت مشروعية العمل الناقص و احتمال وجوب المحافظة علي ما هو الأقرب إلي التام فاللازم البناء عليه، لخروج الناقص حينئذ عن المتيقن من إطلاق دليل تشريعه بقرينة وروده مورد الاضطرار، و لا سيما مع ندرة الفرض في مورد النص، لغلبة نجاسة الجرح أو إضرار الماء به، و لو بمقدار المسح، فيكون مقتضي قاعدة الاشتغال المحافظة علي الأقرب بالمسح علي الجرح، خصوصا مع ثبوت نظيره في الجبيرة في موضع المسح، حيث تقدم وجوب إيصال الماء مع إمكانه و لو لم يتحقق المسح.

علي أنه يصعب غض النظر عن أولويته من المسح علي الجبيرة، لأنها قريبة

ص: 427

و الأحوط استحبابا الجمع بين المسح عليها و علي الجبيرة (1). و لا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها علي الأقوي (2).

______________________________

جدا. لكن في بلوغ ذلك حدّ الحجية إشكال، و المتعين الاحتياط.

و مثله الإشكال في البشرة المستورة بالجبيرة لو أمكن المسح عليها، فإن إطلاق نصوص الجبيرة يقتضي المسح عليها، و الوجه المتقدم يقتضي المسح علي البشرة.

و دعوي: قصور الإطلاق عن صورة التمكن من المسح و اختصاصه بصورة تعذر نزع الجبيرة- كما قد يظهر من صحيح عبد الرحمن بن الحجاج- لقرب ظهوره في كون نزع الجبيرة عبثا بالجرح، بل هو الظاهر من رواية عبد الأعلي، كما تقدم، و منصرف صحيحي الوشاء، أو بصورة إضرار الماء و لو بنحو المسح- كما قد يظهر من صحيح الحلبي. كما أن فرض التخوف في صحيح كليب محتمل للأمرين.

ممنوعة، لتمامية الإطلاق في صحيح الحلبي، لظهوره- بقرينة ذكر الغسل في فرض عدم الإيذاء- في إرادة إيذاء الغسل لا غير. فتأمل.

و لو تمت الدعوي المذكورة فقد يدعي لزوم الاحتياط بالجمع بين المسح علي الجبيرة و المسح علي البشرة، للعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين، خلافا لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه.

اللهم إلا أن يقال: هذا إنما يتم بناء علي وجوب وضع الجبيرة علي الجرح المكشوف و المسح عليها، أما بناء علي عدمه فبعد نزع الجبيرة في المقام للمسح علي البشرة احتياطا يكون الجرح مكشوفا، فلا يجب المسح علي الجبيرة. فتأمل جيدا.

(1) مما تقدم يظهر أن الاحتياط بالمسح علي الجبيرة في الفرض يبتني علي الاحتياط في الجرح المكشوف، و لعله لذا جعله استحبابيا.

(2) كما هو ظاهر كلام الأصحاب و معاقد إجماعاتهم، خصوصا ما تضمن

ص: 428

______________________________

التنصيص علي الأمر بالمسح حتي في موضع الغسل، لظهور المقابلة في خصوصية المسح المقابل للغسل، بل هو صريح غير واحد في المقام. و يقتضيه ظاهر الأمر بالمسح علي الجبيرة في النصوص الكثيرة.

لكن عن العلامة في النهاية احتمال وجوب أقل مسمي الغسل. قال في كشف اللثام: «و هو جيد. و لا ينافيه الأخبار، لدخوله في المسح».

و فيه: أنه إن أراد ملازمته للمسح فهو- مع اقتضائه الاكتفاء بذكر المسح عنه- في غاية المنع، إذ لا إشكال في غلبة عدم تحقق الغسل بالمسح علي الجبائر، التي هي غالبا من سنخ الخرق التي تمتص الماء الوارد عليها بالمسح، فلا يتحقق به مسمي الجريان الذي جعلوه المعيار في صدق الغسل، فضلا عن استيلاء الماء بالنحو الخاص الذي تقدم في أول الفصل السابق اعتباره في الغسل عرقا.

نعم، بناء علي ما تقدم من عدم اعتبار ذلك في الوضوء و الغسل و الاكتفاء بمس الماء للجلد فالظاهر ملازمته للمسح علي الجبيرة، لأن الظاهر لزوم كون المسح في المقام بالماء لا بالرطوبة القليلة التي لا يصدق معها عرفا انتقال الماء للجبيرة- كما قربه في الجواهر- لظهور سوقه في مساق غسل البشرة و كونه في محلها في إرادة ذلك.

علي أن ظاهر كلام العلامة لزوم أقل مسمي الغسل و لو بدون مسح، فينافيه إطلاق أدلة وجوب المسح، لظهوره في وجوبه عينا، و إجزائه و إن أوجب الغسل بمرتبة أشد. فتأمل.

و إن أراد إمكان حصوله بالمسح، فيجب المسح المحصل له. فيدفعه عدم الدليل علي وجوبه، بل إطلاق أدلة المسح يقتضي الاكتفاء به.

و مثله الاستدلال بأن المستفاد من الأمر بمسح الجبيرة بدليتها عن البشرة، لأنه المناسب لمقام الضرورة، فيجب غسلها مثلها، و التعبير بالمسح لأنه المقدمة المتعارفة لإيصال الماء للبشرة.

إذ فيه- مع عدم مناسبته للتقييد بأقل مسمي الغسل في كلام العلامة- أنه

ص: 429

______________________________

خروج عن ظاهر النصوص الآمرة بالمسح بلا قرينة.

و ليست بدلية الجبيرة عن البشرة ارتكازية، ليصلح الارتكاز المذكور للقرينية علي ذلك، بل هي تعبدية، و ظاهر أدلتها بدلية مسح الجبيرة عن غسل البشرة في الجزئية، لا بدلية الجبيرة عن البشرة في الغسل.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بقاعدة الميسور لوجوب الغسل في المقام.

فان غسل الجبيرة ليس ميسورا عرفا من غسل البشرة، بل لو تمَّ كان بدلا تعبديّا محتاجا لدليل، و دليل المسح يدفعه.

و من الغريب ما في محكي شرح المفاتيح من تنزيل قوله عليه السّلام في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر.» علي ما يعم البشرة و الجبيرة. قال: «و هو أنسب بعموم كلمة: «ما». و لعل عدوله عن قوله عليه السّلام: «اغسل ما حولها» لهذه النكتة. و لو قلنا: ان الرواية ليست ظاهرة في ذلك لوجب حملها علي هذا المعني، لئلا تحصل المنافاة بينها و بين غيرها من الروايات، لظهورها بدون ذلك في الاكتفاء بغسل ما حول الجبيرة».

فإنه- كما تري- لا يناسب التقييد بقوله عليه السّلام: «مما ليس عليه الجبائر.»

الذي هو صريح في إرادة البشرة الظاهرة في مقابل البشرة المستورة بالجبيرة، بنحو لا مجال لرفع اليد عنه، فرارا عن المنافاة لنصوص المسح علي الجبيرة، بل يتعين في رفعها ما تقدم التعرض له في الفرع السابق.

و مثله ما ذكره من أن الجمود علي ما تضمنته من التعبير بالمسح يوجب منافاتها لما دل علي وجوب الغسل من الكتاب و السنة.

لوضوح اندفاعه بأن الكتاب و السنة إنما دلا علي وجوب غسل البشرة، فمع تعذره يكون المسح بمقتضي النصوص المذكورة بدلا عنه من دون أن تنافيه.

و كذا حمل نصوص المسح علي صورة تعذر غسلها.

إذ لا معني لحمل جميع نصوص المقام علي الواجب الاضطراري من دون أن يشار للواجب الاختياري.

ص: 430

______________________________

و كأن الذي دعاه لذلك تخيل أن وجوب المسح يمنع من جريان الماء بمرور اليد، و لذا حكي عن شرح الجعفرية المنع منه.

لكن تقدم جواز الاجراء في أعضاء المسح التي تضمنت النصوص مقابلة المسح فيها للغسل، فجوازه في المقام أولي.

هذا، و قد نسب شيخنا الأعظم قدّس سرّه لظاهر الشهيدين القول بالتخيير بين المسح و الغسل، لما في الروض و المسالك و عن الذكري من عدم وجوب إجراء الماء علي الجبيرة، لأن الشارع لم يتعبد بغسلها. و هو كما تري إنما يدل علي عدم وجوب تحقيق الغسل بالمسح، لا إجزاء الغسل بدونه.

و كيف كان، فقد يستدل له بورود الأمر بالمسح لدفع توهم وجوب الغسل، فلا يكون ظاهرا في عدم اجزائه.

و فيه: أنه وارد لدفع توهم وجوب غسل البشرة، لا لدفع توهم وجوب غسل الجبيرة، فيحتاج إجزاء غسلها إلي دليل، و ظاهر الأمر بمسحها في مقام بيان الماهية تعينه في فرض عدم غسل البشرة، فلا يجزي غسلها عنه.

أما شيخنا الأعظم قدّس سرّه فقد قرّب كون الأمر بالمسح كناية عن وجوب إيصال الماء للجبيرة، فيجزي و لو بغير الغسل و المسح، لأنه المنسبق للأذهان، و لا سيما مع اشتمال السؤال في صحاح الحلبي و الوشاء علي فرض المسح علي الجبيرة و الدواء. مع أنه لو أريد خصوصيته في مقابل الغسل فلا منشأ لتوهم إجزائه قبل الاطلاع علي تعبد الشارع. و لاستبعاد التعبد بخصوصية الغسل أو المسح و لا سيما مع لزوم الحرج العظيم في التزام كل منهما بخصوصه.

و زاد الفقيه الهمداني في تقريب فهم ذلك من إطلاق المسح في المقام: أنه لولاه لكان اعتبار نداوة الماسح فضلا عن انتقال البلة للممسوح محتاجا للدليل، و كذا سائر الشرائط من الطهارة و الاستيعاب و الترتيب. فلو لا أن المفهوم من الأمر بمسح الجبيرة قيامها مقام البشرة في وجوب إيصال البلة، فتكون بحكمها، من دون خصوصية للمسح تعبدا لكان مقتضي إطلاق الأمر بالمسح عدم اعتبار ذلك.

ص: 431

و لا بد من استيعابها بالمسح (1)،

______________________________

و فيه: أن قيام الجبيرة مقام البشرة لما لم يكن عرفيا ارتكازيا، ليصلح الارتكاز لتحديده، بل هو تعبدي لزم الجمود علي ظاهر أدلته.

و فرضه في السؤال في الصحاح المذكورة لا بد أن يبتني علي الالتفات لاحتمال التعبد المذكور، أو المفروغية عنه في الجملة، لشيوع أدلته و إن لم تعلم حدوده تفصيلا. و إلا فمقتضي الارتكاز- لو تمَّ- لزوم الغسل، الذي اعترف شيخنا الأعظم قدّس سرّه بتعذر حمل الأدلة عليه.

و مجرد استبعاد الجمود علي خصوصية المسح بنحو لا يجزي الارتماس- لو تمَّ- لا ينهض بالقرينية علي تفسير الأدلة، و لا بالحجية علي الخروج عن ظاهرها. و لزوم الحرج منه ممنوع.

و هو لا ينافي انصراف إطلاقه إلي نقل البلة للممسوح، و استيعابه و الترتيب، لما تقدم في الأول، و يأتي في الأخيرين.

و اعتبار الطهارة ليس لخصوصية في إطلاقه، بل يجري في سائر أسباب التطهير، لقرينة عامة أو إجماع أو غيرهما.

فالجمود علي ظاهر النصوص في خصوصية المسح هو المتعين في المقام.

ثمَّ إن الظاهر عدم وجوب كون المسح بالكف، فضلا عن باطنها، لإطلاق أدلته. بل المقام أولي بذلك من الأعضاء الممسوحة التي تقدم عدم وجوب ذلك فيها أيضا، كما يظهر بمراجعة ما سبق هناك.

(1) كما في الخلاف و المعتبر و ظاهر المنتهي، و عن التذكرة و نهاية الإحكام و الدروس و غيرها، و في الحدائق أنه المشهور. و جعله في المبسوط أحوط، و استحسنه في محكي الذكري، و استشكل في الوجوب، بل صرح بعدمه في المستند، لصدق ما تضمنته النصوص من المسح عليها بالمسح علي بعضها، و ليس هو كمسحها في ظهوره في الاستيعاب.

ص: 432

إلا ما يتعسر استيعابه بالمسح عادة (1)، كالخلل التي تكون بين الخيوط و نحوها.

مسألة 35 الجروح و القروح المعصّبة حكمها حكم الجبيرة المتقدم

(مسألة 35): الجروح و القروح المعصّبة حكمها حكم الجبيرة المتقدم (2)،

______________________________

و ما في الجواهر من ظهورهما معا فيه و إن كان الثاني أظهر، و أن صدقه بدون الاستيعاب في مثل المسح علي الظهر للقرينة. غير ظاهر.

نعم، المنصرف عرفا من الأمر بالمسح علي الجبيرة هو بدلية المسح علي كل جزء منها عن غسل ما تحته من البشرة علي نحو الانحلال لا المجموعية، كما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه، و لعله إليه يرجع ما في المعتبر من أن الاستيعاب مقتضي بدلية المسح عن الغسل. بل عن شرح المفاتيح حمل ما في المبسوط علي ما يأتي من عدم وجوب المداقة في الاستيعاب.

و منه يظهر وجوب الترتيب في مسح أجزاء الجبيرة تبعا لوجوبه في غسل ما تحتها، كما نبه له في الجواهر و غيرها.

(1) لما هو المعلوم من ابتناء الجبيرة علي وجود الخلل و الخيوط و ابتناء المسح علي عدم المداقة، فلو كان التدقيق مرادا في المقام لاحتاج للتنبيه بالخصوص. فلاحظ.

(2) كما صرح به غير واحد، بل تقدم من بعضهم أن مراد الأصحاب من الجبائر ما يعمها. و هي داخلة صريحا في معقد الإجماع المدعي في الخلاف و المنتهي علي حكم الجبائر، و ظاهرا في معقد الإجماع المدعي في المعتبر عليه، و تقدم من المدارك- عند الكلام في نصوص التيمم- دعوي تصريح الأصحاب بالإلحاق، و عن شرح المفاتيح و غيره دعوي الإجماع عليه.

و يقتضيه صحيح الحلبي «1» في عصابة القرحة و رواية عبد الأعلي «2» في

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 433

و إن لم تكن معصّبة غسل ما حولها (1) و الأحوط وجوبا المسح عليها إن أمكن (2)، و لا يجب وضع خرقة عليها و مسحها (3)،

______________________________

المرارة التي يتوقي بها و لو مع عدم الجرح، و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «1» في عصابة الجرح، حيث تضمن مشروعية الوضوء الناقص و إن لم يدل علي وجوب مسح الجبيرة، و كذا ما تضمن غسل ما حول الجرح «2».

و يتعدي منها لغيرها مما يتوقي به بفهم عدم الخصوصية، و لا سيما مع ورود المسح علي الدواء في صحيحي الوشاء «3»، و المسح علي الحناء في صحيحي عمر ابن يزيد و محمد بن مسلم «4» المحمول علي الضرورة، كما تقدم في آخر الكلام في مسح الرأس.

(1) بلا إشكال، لصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الجرح، كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله» «5»، و نحوه ذيل صحيح الحلبي «6»، و هما يشملان ما إذا كان الجرح مكشوفا أو يختصان به، كما يأتي. أما لو كان غسله مضرا فسيأتي الكلام فيه في المسألة الخامسة و الأربعين.

(2) تقدم منا الكلام في ذلك عند الكلام في وجوب مسح ما تحت الجبيرة إن أمكن. و ظاهره هناك الجزم بالوجوب، و لم يتضح وجه الفرق بين المقامين.

(3) كما هو ظاهر النهاية و المعتبر و محكي التذكرة، و في المدارك أنه ينبغي القطع به. بل ظاهر جامع المقاصد في آخر مبحث التيمم معروفية القول بذلك بين الأصحاب، بل قد يظهر منه إجماعهم عليه.

لكن نسب في الحدائق للأصحاب وجوب شد الجرح و المسح علي الخرقة مع التمكن، و في الرياض: «بل قيل: لا خلاف فيه ما لم يستر شيئا من الصحيح».

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1، 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 9، 10.

(4) الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 3، 4.

(5) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 434

______________________________

و هو المصرح به في المنتهي و محكي نهاية الإحكام، بل ظاهرهما أنه مع التعذر يسقط الوضوء و ينتقل إلي التيمم، و لا يكتفي بغسل ما حول الجرح، بل هو مقتضي إطلاق جماعة من الأصحاب ممن صرح بعدم تبعيض الطهارة، و أنه لو تعذر غسل بعض الأعضاء لمرض أو جرح انتقل للتيمم، كالشيخ في الخلاف و المبسوط و المحقق في الشرائع و العلامة في القواعد و غيرهم، بل في الجواهر: لا أعرف فيه خلافا.

بل هذا منهم بظاهره ينافي حكمهم بمشروعية الوضوء الجبيري و غسله، لو لا ما تقدم من لزوم حمله علي صورة تعذرهما، جمعا بين كلماتهم، فيبقي ظاهرا في عدم الاكتفاء بغسل ما حول الجرح، و وجوب الوضوء و الغسل المستوعبين، و لو بوضع الجبيرة.

لكن تحصيل الإجماع الحجة بذلك لا مجال له بعد ما تقدم من جامع المقاصد و غيره، بل بعد ظهور اضطرابهم في أحكام الجروح و نحوها، حيث يظهر منه مشروعية التيمم تارة، و لزوم الميسور من الطهارة المائية أخري، فإنه و إن تقدم الجمع بين كلماتهم بإرادة مشروعية الأول عند تعذر الثاني، إلا أن كلماتهم لا تخلو عن اضطراب و قصور في كثير من الموارد، و منها هذا المورد- كما نبه له غير واحد.

فلا بد من النظر في نصوص المقام، و من الظاهر أن مقتضي إطلاق صحيحي الحلبي و ابن سنان الاكتفاء بغسل ما حول الجرح، فان عدم التعرض لوضع شي ء علي الجرح بعد السؤال عن الوظيفة ظاهر في عدم وجوبه و تمامية الوظيفة بدونه.

و مجرد وجوب المسح علي الجبيرة- كما تقدم- لا يقتضي وجوب وضعها، لاختصاص نصوصه بصورة وجودها، و لا عموم لها لصورة عدمها بنحو يقتضي وضعها.

نعم، لو كان ذلك كاشفا عرفا عن عدم ورود الصحيحين لبيان تمام الوظيفة، بل لبيان المقدار الذي يغسل من البشرة، كان مانعا من الاستدلال بإطلاقهما في

ص: 435

______________________________

المقام.

لكن قوة ظهور الصحيحين في بيان تمام الوظيفة ملزمة بالجمع بينهما و بين نصوص مسح الجبيرة بالحمل علي خصوص الجرح المكشوف، أو بتقييدهما في خصوص صورة وجود الجبيرة و العمل بإطلاقهما في المقام.

و ما في الجواهر من ظهور قوله في صحيح الحلبي: «فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح.» في كون التعصيب لأجل الوضوء.

ممنوع جدا، لأنه لا يناسب الجواب، للمقابلة فيه بين المسح علي الخرقة و نزعها، لا بين غسل البشرة و وضع الخرقة، فهو ظاهر في المفروغية عن تحقق التعصيب حين الوضوء، لا عن تحقيقه لأجله.

و مثله احتمال كون المراد بالمسح علي الجبائر في نصوصه المسح علي خرقة الجبيرة، و إن لم تصر جبيرة بالفعل.

فإن مجرد الاحتمال لا يصلح لتقييد إطلاق الصحيحين، و لا سيما مع مخالفته للظاهر، كيف و لازمه الاكتفاء بمسح الخرقة قبل وضعها علي المحل و صيرورتها جبيرة بالفعل! و كذا دعوي: ظهور الأمر بالمسح علي الجبائر في صحيح كليب مع عدم فرضها في كلام السائل في إطلاق وجوب المسح عليها بالنحو المقتضي لوضعها، و عدم اشتراطه بوضعها.

لاندفاعها بظهوره في المفروغية عن وجودها، لظهور الإضافة في التعريف و العهد. و لا سيما مع كون الجبائر- لغة و عرفا في حق الكسير- ما يجبر به كسره، لا مطلق ما يجعل عليه و لو موقتا لأجل الوضوء.

و أما استبعاده الفرق بين أن تكون الجبيرة موضوعة لا يؤذي حلها و ما لم تكن كذلك.

فهو- لو تمَّ- لا يقتضي وجوب وضع الجبيرة عند عدمها، بل جواز ترك المسح علي الجبيرة بعد إزالتها، كما تقدم عند الكلام في وجوب مسح البشرة مع

ص: 436

______________________________

الإمكان، و يأتي توضيحه.

نعم، لا يجوز ترك مسحها حينئذ مع بقائها كالتي لا يسهل إزالتها، لإطلاق نصوص مسح الجبيرة.

و أما عدم الضابط لشد الجروح بالنسبة للأشخاص و الأوقات، و أنه هل المدار علي أول الوقت أو حين الفعل. فليس مهما، لظهور الأدلة في أن المدار علي وقت الفعل.

و دعوي: ظهور نصوص الجبائر في وجوب المسح عليها بمجرد وضعها علي المحل، لصدق الجبيرة عليها حينئذ، فتدخل في إطلاق الخطاب.

مدفوعة: بأن الظاهر من الجبائر هي الموضوعة علي المحل بالفعل، لا ما وضع عليه آنا ما، و لذا لا ريب في وجوب المسح عليها و هي عليه، و لا يجزي المسح عليها بعد رفعها عنه.

و لعله لما ذكرنا اعترف قدّس سرّه بأن في كل واحد من هذه الوجوه مجالا للنظر.

لكنه قال: «مجموعها يفيد الفقيه قوة الظن بذلك».

و هو كما تري ممنوع صغرويا و كبرويا.

هذا، و أما ما في المستند من التخيير بين التيمم و الوضوء أو الغسل و لو مع عدم وضع شي ء علي الجرح، لدعوي: سوق المطلقات الواردة في تيمم الجريح و الكسير لبيان مشروعيته من دون إلزام، و ظهور دليل غسل ما حول الجرح فيمن يريد الغسل، لا مطلقا ليقتضي وجوبه، لقوله في صحيح الحلبي: «كيف اصنع به في غسله» فيتعين التخيير بين الأمرين.

ففيه: - مع أن ظاهر صحيح الحلبي المفروغية عن وجوب الغسل، و إلا لم يحتج لتكلفه، و أن نصوص التيمم مختصة بالغسل- أن صحيح عبد اللّه بن سنان ظاهر في الوجوب، فيتعين حمل مطلقات التيمم علي صورة تعذر ذلك، نظير ما تقدم في أول الكلام في حكم الجبائر.

بقي في المقام أمور.

ص: 437

______________________________

الأول: أن الصحيحين مختصان بالجرح الذي يكون في موضع الغسل، فالتعدي لما يكون في موضع المسح موقوف علي إلغاء خصوصية موردهما عرفا، و هو لا يخلو عن قرب و إن كان لا يخلو أيضا عن الاشكال، بالنظر لخبر أبي الورد المتقدم في المسح علي الخفين، حيث تضمن مشروعية المسح عليهما لخوف البرد، مع وضوح خروجهما عن الجبيرة و نحوها مما تقتضيه الآفة، بل لا ثبوت لهما كطرف الثوب الملقي، فالاحتياط هنا بالمسح علي الحائل متعين.

و أما احتمال الانتقال إلي التيمم فهو بعيد، بالنظر لنصوص الجبائر و المسح علي الخفين و نحوها، لبعد خصوصية وجود الجبيرة و الخف في مشروعية الوضوء، بل قد يستفاد التسامح في ترك المسح من الصحيحين بالأولوية، لأن الغسل أهم عرفا من المسح. فلاحظ.

الثاني: لو فرض وجوب مسح شي ء علي الجرح فمع تعذره هل يقتصر علي غسل ما حوله- كما في الجواهر- أو ينتقل للتيمم- كما تقدم أنه ظاهر المنتهي و محكي نهاية الإحكام، بل ظاهر إطلاق غيرهم-؟ لا يبعد الأول، لإطلاق صحيحي الحلبي و ابن سنان، المقتصر في الخروج عنهما علي صورة إمكان وضع الجبيرة، إذ لا إشكال في قصور نصوصها عن صورة تعذره. و لأجلهما لا تسمع دعوي عدم تبعض الطهارة. فلاحظ.

الثالث: الظاهر أنه يلحق بالجرح المكشوف غيره مما يضر به الماء، كالدماميل و الكسور غير المجبورة و الأورام، لفهم عدم الخصوصية للجرح بعد النظر في مجموع نصوص المقام الواردة في صورتي وجود الجبيرة و عدمها.

و لا يبعد بناء الأصحاب علي ذلك، فعن السيد بحر العلوم أنه قال: «اعلم أن الأصحاب ألحقوا الكسر المجرد عن الجبيرة أيضا بالجرح في الحكم. و كذا كل دواء (داء. ظ) في العضو لا يمكن إيصال الماء إليه، و الإثبات بالدليل مشكل. لكن الأولي متابعتهم». و يأتي في المسألة الأربعين تمام الكلام في ذلك.

ص: 438

و إن كان أحوط استحبابا (1).

مسألة 36 اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي يجري عليها حكم الجبيرة

(مسألة 36): اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي يجري عليها حكم الجبيرة (2)، و كذا العصابة التي يعصّب بها العضو لألم أو ورم أو نحو ذلك. (3).

______________________________

(1) يأتي في المسألة الرابعة و الأربعين أن جواز ذلك مشروط بعدم استلزامه ترك غسل شي ء من الصحيح.

(2) كما في كشف اللثام و عن التذكرة و الشهيد، و عن الذخيرة عن بعضهم دعوي الإجماع عليه، و عن شرح المفاتيح أن المشهور اتحاد حكم الطلاء الحائلة و اللصوق مع الجبيرة.

و يقتضيه صحيح الوشاء: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الدواء إذا كان علي يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح علي طلي الدواء؟ فقال: نعم، يجزيه أن يمسح عليه» «1»، و نحوه صحيحه الثاني «2» الذي لا يبعد اتحاده معه، و أن اختلافهما للنقل بالمعني.

(3) لأن النصوص و إن اختصت بالجبائر و عصابة القرح و الجرح و الدواء، إلا أن المفهوم منها عرفا العموم لكل ما يجعل علي البدن لأمر يعود إليه كالتداوي و نحوه، لإلغاء خصوصية مواردها عرفا.

و لا سيما بملاحظة رواية عبد الأعلي الواردة في المسح علي المرارة «3»، لعمومها- بمقتضي ترك الاستفصال فيها- لما لو كان وضع المرارة لأجل التوقي علي موضع الظفر و إن برئ الجرح.

فما عن المشكاة من التنظر في إلحاق الأورام بالجبيرة في غير محله. و يأتي في المسألة الأربعين ما له نفع في المقام.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 439

و أما الحاجب اللاصق اتفاقا- كالقير و نحوه- فلا يبعد فيه ذلك (1)، و لكن لا يترك الاحتياط الاستحبابي فيه بضم التيمم.

______________________________

(1) فعن الذكري التصريح بإلحاقه بالجبيرة، و قواه في الجواهر، لرواية عبد الأعلي، و فحوي حكم الجبائر بعد إلغاء خصوصية المرض، و للقطع بفساد القول بوجوب التيمم بدلا عن الغسل و الوضوء لمن كان في بدنه قطعة قير مثلا مدي عمره.

لكن الرواية مختصة بما يوضع لأمر يعود للبدن من التداوي و نحوه.

و دعوي: أن تطبيق دليل الحرج فيها ظاهر في عموم سقوط الارتباطية بين أجزاء الوضوء بالحرج، فيتعدي منه للتعذر بالأولوية العرفية.

مدفوعة: بأنها غير مسوقة لبيان سقوط الارتباطية، ليتمسك بإطلاقها في ذلك، بل لبيان مسقطية الحرج بعد الفراغ عن سقوط الارتباطية في الجملة، كما هو مقتضي الاستدلال بالآية، فلا مجال للتعدي عن موردها لجميع موارد تبعيض الوضوء. و كذا إطلاق أدلة الجبائر.

و إلغاء خصوصية المرض إن رجع إلي فهم عدم خصوصيته عرفا من الأدلة فهو ممنوع، و إن رجع إلي تنقيح المناط، لقرب أن يكون هو تعذر وصول الماء للبشرة فلا ينفع ما لم يكن قطعيا.

و ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من تنقيحه في خصوص صورة لصوقه لعذر. إن أراد به مطلق العذر، فخصوصيته غير واضحة الدخل، إذ المدار علي أقربية الوضوء الناقص لغرض الشارع من التيمم، و لا دخل للعذر في ذلك. و إن أراد خصوص ما يعود للبدن بالوجه الذي ذكرنا- كما قد يناسبه مقابلته بما ألصق اتفاقا أو اختيارا- فهو في محله، لكن لا لتنقيح المناط، بل لما سبق.

هذا، و لو كان مراد الجواهر من الفحوي الأولوية فهي ظاهرة المنع. و أما من تعذر عليه إزالة الحاجب طول عمره فاكتفاؤه بالمسح عليه- لو تمَّ-

ص: 440

مسألة 37 لا فرق في الحكم المتقدم بين الجبيرة المستوعبة للعضو و غيرها

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 441

(مسألة 37): لا فرق في الحكم المتقدم بين الجبيرة المستوعبة للعضو و غيرها (1)، و إن كان الأحوط استحبابا في الأولي ضم التيمم،

______________________________

لعله لكون ما تحته ميؤوسا منه بحكم المقطوع، بخلاف ما لو كان الحاجب في معرض الزوال.

و من هنا كان اللازم التيمم لإطلاق دليل مشروعيته بتعذر الطهارة المائية.

و إن كان الاحتياط بضم الوضوء الجبيري لازما، لقرب تنقيح المناط جدا.

(1) كما في المسالك و عن الذكري، و هو مقتضي إطلاق غير واحد من أعيان الأصحاب، بل هو كالصريح من بعضهم قال في المبسوط: «و متي أمكن غسل بعض الأعضاء و تعذر الباقي غسل ما يمكن غسله، و مسح علي حائل ما لا يمكن غسله» و في محكي التذكرة: «إذا كانت الجبائر علي جميع أعضاء الغسل و تعذر نزعها مسح عليها مستوعبا بالماء، و مسح رأسه و رجليه ببقية البلل».

و يقتضيه إطلاق غير واحد من نصوص المقام.

و دعوي: انصرافها عن الفرض، لندرته.

ممنوعة صغرويا و كبرويا، و لا سيما في أعضاء المسح، لصغر مساحتها.

و منه يظهر الاشكال فيما عن البيان من لزوم التيمم في الجرح المستوعب للعضو. نعم، لو كان الجرح مكشوفا أشكل دخوله في إطلاق صحيحي الحلبي و ابن سنان «1»، لأن الأمر بغسل ما حول الجرح ظاهر في فرض عدم استيعابه- كما نبه له في الجواهر.

و دعوي: أن لازم ذلك قصوره عن الجرح الذي يكون في طرف العضو، أو الدائر في الذراع بحيث ينقطع ما قبله عما بعده، و حيث لا إشكال في عموم حكمه لذلك، لفهم عدم خصوصية مورد النص، يتعين البناء علي العموم

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2، 3.

ص: 441

أما إذا كانت مستوعبة لتمام الأعضاء فجريان الحكم المتقدم فيها لا يخلو عن إشكال (1)،

______________________________

للمستوعب للعضو.

مدفوعة: بأن فهم عدم الخصوصية في الجملة لا يستلزم الظهور في الإطلاق بنحو يشمل المستوعب للعضو، و ما لو كان المقدار المتروك كثيرا، بحيث يكون هو المحيط بالمقدار الصحيح.

و تنقيح المناط فيه غير ظاهر، لكون الاجتزاء بالناقص تعبديا لا عرفيا، و دخل قلة المتعذر فيه غير بعيد في نفسه.

كما لا مجال لاستفادته من إطلاق نصوص المسح علي الجبائر، بدعوي:

إلغاء خصوصية موردها عرفا بالإضافة إلي سقوط غسل تمام العضو المؤوف، و إن اختصت بوجوب المسح علي الجبيرة في ظرف وجودها.

لاندفاعها: بإمكان خصوصية موردها بلحاظ فرض وجود البدل، و هو الجبيرة.

نعم، لو أمكن وضع جبيرة عليه دخل في إطلاقها. لكنه موقوف علي كون طبيعة الجرح و نحوه مقتضية لوضع ذلك الشي ء بحيث يصدق عليه الجبيرة و عصابة القرحة و نحوها مما يستفاد من النصوص، أما مجرد وضع شي ء لأجل الوضوء فهو لا يكفي في الدخول تحت الإطلاق. بل مقتضي عموم مشروعية التيمم عند تعذر الطهارة المائية هو الانتقال إليه في ذلك، و فيما لو تعذر وضع شي ء علي الجرح.

لكن لا بد من فرض تمامية التيمم، أما لو تعذر أيضا لتعذر المسح علي بعض أعضائه بسبب الجرح كان المورد من موارد فقد الطهورين، و إن كان الاحتياط فيه لازما، لقرب ابتناء الوضوء علي الميسور. بل لأجل ذلك لا يبعد لزوم الاحتياط بالجمع بين الوضوء و التيمم لو فرض إمكان التيمم التام أيضا.

(1) قال في محكي الذكري: «لو عمت الجبائر أو الدواء الأعضاء مسح

ص: 442

فلا يترك الاحتياط الوجوبي فيها بالجمع بين وضوء الجبيرة و التيمم (1). و كذلك الجبيرة النجسة (2) التي لا تصلح أن يمسح عليها.

______________________________

علي الجميع، و لو تضرر بالمسح تيمم». و قد تقدم من التذكرة فرض استيعاب الجبيرة لجميع أعضاء الغسل، بل لعله مقتضي إطلاق غير واحد، و إن لم يبعد انصراف أو قصور إطلاق غير واحد عنه أيضا.

و أما النصوص فليس فيها ما يشمل إطلاقه ذلك عدا صحيح كليب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: إن كان يتخوف علي نفسه فليمسح علي جبائره، و ليصل» «1». و مرسل العياشي «2».

فما ذكره غير واحد من قصور النصوص عنه غير ظاهر. و كأن منشأه استبعاد شمول الحكم للفرض. لكن لا مجال له في التعبديات.

بل ادعي شيخنا الأعظم قدّس سرّه تنقيح المناط في الفرض لو فرض قصور الإطلاق، و إن لم يكن بذلك الوضوح.

علي أنه لا مجال للخروج بمحض الاستبعاد عن الإطلاق، كيف و الاستبعاد وارد فيما لو كان المؤوف أكثر من الصحيح أو مساويا له، بل لا يكون المسح علي الجبيرة قريبا للذوق إلا إذا كان موضعها صغيرا لا يعتد به عرفا، مع وضوح عدم البناء علي التقيد بذلك لإطلاق النصوص.

(1) هذا موقوف علي إمكان تحصيل التيمم بمباشرة تمام الأعضاء أو بعضها، و إلا فالتيمم الجبيري المستوعب لا يحتمل أولويته من الوضوء الجبيري المستوعب. بل الاحتياط حينئذ بإجراء حكم فاقد الطهورين.

و مما تقدم يظهر أن الاحتياط المذكور استحبابي لا وجوبي.

(2) ظاهره إلحاقها بما سبق في وجوب الجمع بين المسح عليها و التيمم،

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 11.

ص: 443

______________________________

و إن لم يناسب فرض عدم صلوح الجبيرة النجسة لأن يمسح عليها.

و كيف كان، فالكلام.

تارة: فيما لو أمكن المسح علي الجبيرة الطاهرة بتبديلها أو تطهيرها أو وضع طاهر عليها، و المسح عليه.

و اخري: فيما لو تعذر ذلك.

أما الأول: فسيأتي.

و أما الثاني: فالأمر فيه دائر بين المسح عليها، و الاكتفاء بغسل ما حولها، و الانتقال للتيمم.

و يستدل للأول بإطلاق أدلة المسح علي الجبيرة، فإنه و إن لزم تقييده بما إذا كانت طاهرة، للإجماع، إلا أن المتيقن منه صورة القدرة علي ذلك.

و يشكل: بأن الظاهر من حال المجمعين عدم الفرق بين القدرة و التعذر في اعتبار الطهارة الخبثية في صحة الطهارة الحدثية، و لذا لا إشكال عندهم في اعتبارها مع تعذر تطهير البشرة في غير مورد الجبيرة مع إطلاق وجوب غسل البشرة كوجوب مسح الجبيرة، فإن كان إجماعهم حجة- كما هو الظاهر- تعين تقييد إطلاق دليل مسح الجبيرة بنحو يقتضي تعذره في المقام، كما يتعذر غسل البشرة مع نجاستها في غير مورد الجبيرة، و إلا لزم جواز مسح الجبيرة النجسة اختيارا و جواز غسل البشرة النجسة في غير مورد الجبيرة، لإطلاق دليليهما.

و أما الثاني فقد يستدل له بإطلاق غسل ما حول الجرح في صحيحي الحلبي و ابن سنان «1»، المقتصر في تقييده بالمسح علي الجبيرة علي ما إذا كانت طاهرة.

و يشكل: بأن تقييد المسح علي الجبيرة بما إذا كانت طاهرة راجع إلي كون الطهارة شرطا في صحة المسح، لا في وجوبه و جزئيته من الوضوء، و لذا لا إشكال ظاهرا في وجوب تطهير الجبيرة مع القدرة، فمع تعذر المسح علي الجبيرة الطاهرة في المقام يتعذر الجزء، و لا يخرج عن كونه جزءا، ليصح الوضوء بدونه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2، 3.

ص: 444

نعم، لو يضع عليها جبيرة (1) و يمسح عليها أجزأ (2).

______________________________

فالظاهر أن دليل القول المذكور منحصر بقاعدة الميسور بعد فرض مانعية النجاسة من المسح علي الجبيرة في المقام.

و حيث تقدم غير مرة عدم تمامية القاعدة، خصوصا في أمثال المقام، مما كان التعذر في جزء سبب الواجب، لا في جزء الواجب نفسه كان المتعين هو الثالث، عملا بعموم مشروعية التيمم عند تعذر الطهارة المائية الذي يكفي فيه تعذر بعض أجزائها. و مثله ما لو كان المانع من المسح علي الجبيرة أمرا آخر غير النجاسة، كالضرر.

(1) يعني: طاهرة، و مثله ما لو طهرها أو أبدلها بجبيرة طاهرة.

(2) لإطلاق دليل المسح علي الجبيرة. نعم، لو لم يعد الأمر المجعول علي الجبيرة جزءا منها عرفا لم يجز المسح عليه، و كان من صغريات تعذر المسح علي الجبيرة الطاهرة.

كما أنه لو فرض نزع الجبيرة بحيث يصير المورد من صغريات الجرح المكشوف اجتزأ بمسح ما حوله، لإطلاق صحيحي الحلبي و ابن سنان، نظير ما تقدم في المسألة الخامسة و الثلاثين.

و مما ذكرنا يظهر أنه لو تعذر الوضوء مع نزع الجبيرة وجب مع الإمكان تحصيل المسح علي الجبيرة الطاهرة بتطهير الجبيرة في الفرض، أو تبديلها، أو إضافة طاهر إليها يعد جزءا منها، لكونه جزءا من الوضوء الواجب في فرض وجود الجبيرة.

و لعله إليه يرجع ما في جامع المقاصد و الروض و المدارك، و عن التذكرة و الشهيد من وجوب وضع طاهر عليها و المسح عليه، بل في المدارك أنه لا خلاف فيه.

و إن أرادوا الاكتفاء بمسح الطاهر الموضوع عليها و إن لم يعد جزءا منها عرفا

ص: 445

مسألة 38): لا فرق في ثبوت حكم الجبيرة بين الوضوء و الغسل

(مسألة 38): لا فرق في ثبوت حكم الجبيرة بين الوضوء و الغسل (1).

______________________________

كان خاليا عن الدليل، بل مع الانحصار به يكون المقام من صغريات تعذر المسح علي الجبيرة الطاهرة، الذي تقدم فيه الوجوه الثلاثة، من وجوب المسح علي الجبيرة النجسة، و الاكتفاء بغسل ما حولها، و الانتقال للتيمم.

و لعله لذا حكي عن بعضهم الأول، و عن الذكري احتمال الثاني، و قرّبه شيخنا الأعظم قدّس سرّه. و عن شرح المفاتيح احتمال الثالث، و هو الأظهر.

(1) كما هو ظاهر المعتبر و غيره، بل صريح بعضهم، و في المنتهي: «و هو قول عامة العلماء».

و يقتضيه إطلاق صحيح كليب «1»، المتضمن المسح علي الجبائر، و صحيحي الحلبي و ابن سنان «2» المتضمنين مسح ما حول الجرح، و صريح صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «3» المتضمن غسل ما ظهر مما ليس عليه الجبائر، و مرسل العياشي «4» المتضمن المسح علي الجبائر.

و قد تقدم في أول الكلام في الجبائر أنه لا مجال للجمع بين نصوصها و نصوص تيمم الكسير و الجريح و نحوهما بحمل الأولي علي الوضوء، و الثانية علي الغسل.

هذا، و قد ذكر غير واحد جريان حكم الجبيرة في التيمم، و في الجواهر: «بلا خلاف أعرفه فيه»، و عن غيرها دعوي الاتفاق عليه. لكن كلام جماعة كثيرة خال

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 8. و قد تقدم في المسألة السابعة و الثلاثين.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2، 3. و قد تقدم الثاني في أوائل الفصل عند الكلام في تعذر غسل ما تحت الجبيرة لنجاسته.

(3) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1. و قد تقدم في أوائل هذا الفصل.

(4) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 11.

ص: 446

______________________________

عن التعرض له، و لا يبعد ابتناء دعوي الاتفاق علي فهم عدم الخصوصية للوضوء و الغسل في كلماتهم.

كما قد يدعي ذلك في النصوص أيضا، فعن الحدائق أن المستفاد من عموم الأخبار بدلية الجبيرة عن البشرة من دون فرق بين الطهارات الثلاث. إلا أنه- و إن كان قريبا في نفسه- ليس بحد يوجب ظهور النصوص في العموم بنحو ينهض بالاستدلال.

و مثله الاستدلال بقاعدة الميسور، و عموم التعليل بدليل الحرج في رواية عبد الأعلي المتضمنة للمسح علي المرارة «1»، و استصحاب دليل التيمم.

لما تكرر منا من عدم تمامية القاعدة، خصوصا في أمثال المقام حيث يكون الواجب- و هو الطهارة- بسيطا و التركيب في سببه.

كما أنه تقدم في المسألة السادسة و الثلاثين أن رواية عبد الأعلي واردة لبيان مسقطية الحرج بعد الفراغ عن قابلية الارتباطية للإسقاط في الجملة، لا لبيان سقوط الارتباطية بالحرج، ليمكن التعدي عن موردها.

و أما الإشكال فيها و في القاعدة: بأنهما إنما يقتضيان سقوط مسح البشرة لا بدلية مسح الجبيرة عنه، لأنه ليس ميسورا له عرفا، و لأن دليل الحرج رافع لا مثبت.

فهو غير مهم، لأنه يكفي في وجوب مسح الجبيرة قاعدة الاشتغال بالطهارة بعد فرض التكليف بها و القدرة عليها بمقتضي الرواية و القاعدة.

و أما الاستصحاب فهو مبني علي جريان الاستصحاب عند تعذر بعض أجزاء الواجب الارتباطي، و هو ممنوع، كما حرر في الأصول.

علي أنه يشكل في المقام بعدم التركيب في نفس الواجب- و هو الطهارة- بل في سببه، فالشك في حصول الواجب لا في بقاء وجوبه بلحاظ تيسر من أجزائه، و بأن وجود الجبيرة قد يكون قبل وجوب الطهارة و تعذر الطهارة المائية، فلا يقين بوجوب التيمم سابقا، إلا بنحو القضية التعليقية.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

ص: 447

______________________________

هذا، و قد أشار سيدنا المصنف قدّس سرّه إلي الاستدلال بصحيح الوشاء: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الدواء إذا كان علي يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح علي طلي الدواء؟ فقال: نعم، يجزيه أن يمسح عليه» «1» فان إطلاقه شامل للتيمم.

و استشكل فيه بقرب اتحاده مع صحيحه الآخر المتضمن لقوله: «أ يجزيه أن يمسح في الوضوء علي الدواء المطلي عليه» «2».

و هو في محله لتقارب مضمونهما، و اتحادهما في الإمام المروي عنه و الراوي و بعض رجال السند، فيقرب جدا كون منشأ الاختلاف بينهما النقل بالمعني، فلا وثوق بإطلاق الأول.

فالعمدة في المقام إطلاق صحيح كليب، فإنه كما يشمل الغسل يشمل التيمم، حيث أطلق فيه السؤال عن وظيفة الكسير في الصلاة من دون تقييد بالوضوء. و هو كاف في البناء علي مشروعية التيمم الجبيري، و لا سيما مع تأيده بما عرفت.

و منه يظهر أنه لا مجال لتوهم عدم مشروعية الطهارة المائية الجبيرية و مشروعية التيمم الجبيري لو كان الحائل في أعضاء التيمم لا غير.

لأن دليل مشروعية التيمم الجبيري لما كان هو الإطلاق الذي هو دليل علي مشروعية الطهارة المائية الجبيرية أيضا كان موضوع كل منهما مساويا لموضوع الآخر، مع تأخر التيمم الجبيري رتبة عنها تبعا لتأخر مبدله عن مبدلها، فكل مورد يحتمل فيه مشروعية الطهارة الجبيرية لا يكون التيمم الجبيري فيه مشروعا مع القدرة علي الطهارة المائية الجبيرية، فاذا احتمل عدم مشروعيتها يكون مقتضي الاحتياط إجراء حكم فاقد الطهورين، لا التيمم الجبيري.

و الاحتياط بالجمع بين التيمم و الطهارة المائية الجبيرية مختص بما إذا تيسر التيمم التام، أو كانت الطهارة المائية الجبيرية مقارنة لنقص زائد علي نقص التيمم الجبيري. هذا، و يأتي في المسألة الواحدة و الثلاثين في فصل شروط التيمم ما ينفع في المقام.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 10.

ص: 448

مسألة 39 لو كانت الجبيرة علي العضو الماسح مسح ببلتها

(مسألة 39): لو كانت الجبيرة علي العضو الماسح مسح ببلتها (1).

______________________________

(1) كما هو مقتضي ما تقدم في المسألة السابعة و الثلاثين عن التذكرة من فرض استيعاب الجبيرة لجميع أعضاء الغسل، و يظهر من سكوتهم عن التنبيه عليه عند التعرض للجرح المستوعب للعضو المفروغية عنه.

و يقتضيه إطلاق ما تضمن وجوب المسح ببلة الوضوء، لوضوح أن بلة الجبيرة التي علي الماسح من بلة الوضوء.

نعم، قد يشكل بأن الواجب هو المسح بما بقي في اليد من بلة الوضوء، و بلل الجبيرة ليس باقيا في اليد.

بل يشكل في خصوص المسح باليمني بأن المعتبر هو المسح بما يبقي فيها من ماء غسلها أو غسل اليسري، لا ما يبقي في آلة غسل اليسري و لو كانت الآلة خرقة أجنبية، فجواز المسح ببلة الجبيرة موقوف علي ثبوت تنزيل الجبيرة منزلة نفس اليد في ذلك، و لا دليل عليه، لاختصاص أدلة الجبائر ببدلية المسح عليها عن غسل ما تحتها.

و لعله لذا أمر بالتأمل في الجواهر بعد استظهار جواز المسح ببلة الجبيرة.

اللهم إلا أن يقال: لا دليل علي التقييد ببلة اليد إلا صحيح ابن أذينة الوارد في قضية المعراج، المتضمن لقوله: «ثمَّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء.» و حيث كان واردا في قضية خاصة فلا إطلاق له يشمل صورة وجود الجبيرة و حملها لماء الوضوء.

علي أنه لا يبعد استفادة ذلك من نصوص المقام تبعا، للغفلة عن ذلك بعد الاطلاع علي الاجتزاء بمسح الجبيرة عن غسل ما تحتها، لأن الاهتمام بمباشرة المغسول أشد من الاهتمام بمباشرة الماسح ارتكازا، فالتسامح في الأول مع كثرة

ص: 449

مسألة 40 الأرمد إن كان يضره استعمال الماء تيمم

(مسألة 40): الأرمد إن كان يضره استعمال الماء تيمم (1)، و إن أمكن غسل ما حول العين فالأحوط وجوبا له الجمع بين الوضوء و التيمم. (2)

______________________________

استلزامه للثاني موجب لاستفادته منه تبعا، بنحو يحتاج خلافه للتنبيه. و لعل إغفال الأصحاب ذلك و مفروغيتهم عنه ناشئان من ذلك.

نعم، لو فرض عدم استيعاب الجبيرة للكف و إمكان المسح بالبشرة فلا ينبغي ترك الاحتياط به، لخروجه عن المتيقن مما سبق. فلاحظ.

(1) لعموم ما دل علي وجوب التيمم بتعذر الطهارة المائية و ما دل علي مشروعيته للمريض.

(2) صرح في مفتاح الكرامة بوجوب التيمم في المرض غير الكسر و الجرح و القرح، و عدم الاكتفاء بغسل ما حوله.

قال: «لفقد ما يدل علي كونه مثل الجبيرة من النص و الإجماع، بل ظاهر الأصحاب التيمم، كما في شرح المفاتيح.».

و كأن منشأ فهم ذلك من الأصحاب حكمهم بعدم تبعض الطهارة، و هو لا يخلو عن إشكال، إذ قد يكون ذلك منهم لبيان وجوب المسح علي حائل في الموضع الذي يضره الماء، و أن التيمم إنما يشرع مع تعذر ذلك، لا لاختصاص حكم الجبيرة بالكسر و القرح و الجرح.

بل قد يظهر من بعض كلماتهم أن المدار علي مطلق التعذر، بل تقدم في الجرح المكشوف عن الوحيد أن الأصحاب ألحقوا بالجرح الكسر المجرد عن الجبيرة و كلّ داء في العضو لا يمكن إيصال الماء إليه.

و كيف كان فمقتضي الارتباطية هو تعذر الطهارة المائية بتعذر بعض أجزائها، فيجب التيمم. و لا مخرج عن ذلك إلا قاعدة الميسور، و نصوص المقام.

ص: 450

______________________________

و قد تكرر منا الإشكال في تمامية القاعدة و لا سيما في أمثال المقام مما كان الواجب بسيطا و التركب في سببه.

و نصوص المقام مختصة بالكسر و الجرح و القرح، و لا عموم فيها لكل آفة.

اللهم إلا أن يقال: لا مجال للجمود علي العناوين الموجودة في النصوص، فان مقتضي إطلاق صحيحي الوشاء «1» جواز المسح علي الدواء سواء وضع علي كسر أم قرح أم جرح أم ألم أم غيرها حتي العين المؤوفة، كما أن مقتضي رواية عبد الأعلي «2» جواز المسح علي المرارة و إن كانت علي الإصبع بعد برء الجرح، لأجل التوقي عليه من الاحتكاك.

و التفكيك في تشريع الوضوء الناقص بين صورتي وجود الحاجب الذي يمسح عليه و عدمه صعب جدا، بالنظر لصحيحي الحلبي و ابن سنان «3» المتضمنين لغسل ما حول الجرح، الشامل لصورتي كشفه و تعصيبه، لصعوبة الاقتصار في صورة الانكشاف علي الجرح و لا يتعدي حتي للقرح، لإلغاء خصوصيته بعد النظر في نصوص الجبائر و القرحة و الدواء و المرارة.

بل المفهوم من مجموع النصوص عرفا أن تعذر غسل بعض المواضع لآفة فيه لا يسقط الميسور، غايته انه مع وجود الحاجب يمسح عليه بدلا عما تحته، و في صورة عدمه يكتفي بغسل ما حوله، و الخصوصيات المذكورة في النصوص ملغية عرفا، كخصوصية المرارة و سقوط الظفر، و الدواء، و اليد و نحوها. و قد تقدم في الجرح المكشوف بعض الكلام في ذلك.

و من هنا فالاكتفاء بالوضوء الناقص في كل آفة لا يخلو عن قوة، و إن كان الاحتياط بضم التيمم حسنا، و لا سيما مع انكشاف موضع الآفة غير الجرح، بل

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 9، 10. و قد تقدم أحدهما في المسألة السادسة و الثلاثين.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2، 3.

ص: 451

مسألة 41 إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت أجزأ وضوؤه

(مسألة 41): إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت (1) أجزأ وضوؤه (2)، سواء برئ في أثناء الوضوء أم بعده قبل الصلاة أم في أثنائها أم بعدها (3). نعم، عليه إعادته لغير ذات الوقت. (4)

______________________________

ربما يدعي لزومه حينئذ.

نعم، قد يستشكل في خصوص بعض أمراض العين مما كان محله نفس العين التي لا تغسل لا الجفن الذي يغسل، إذ حيث كانا متباينين عرفا- لا كموضع الكسر من البشرة- فالتعدي له محتاج إلي توسع في مفاد الأدلة لا ينهض به ما سبق، بل هو نظير ما لو أضر الماء بأطراف الجرح أكثر من المتعارف، الذي يأتي الكلام فيه في المسألة الخامسة و الأربعين إن شاء اللّه تعالي.

(1) يعني: بنحو لا يسع إعادة الوضوء و الصلاة.

(2) كما هو المتيقن من الإطلاق المقامي لدليل مشروعيته- علي ما يأتي توضيحه. و قرينة الاضطرار لا تصلح لإخراجه عن إطلاق دليل المشروعية بعد فرض تحققه في المقام بسبب ضيق الوقت.

و كأن ما يأتي من بعضهم من إطلاق وجوب إعادة الوضوء بعد زوال الحائل قاصر عن هذه الصورة، و إلا كان مدفوعا بما ذكرنا.

و منه يظهر أنه يجب إيقاع الوضوء الجبيري مع العلم بتحقق البرء في ضيق الوقت بنحو لا يسع الوضوء و الصلاة، و لا يجوز انتظار البرء.

(3) هذا هو المتيقن من معقد الإجماع المدعي في المنتهي و المستند و عن شرح المفاتيح علي عدم إعادة الصلاة التي صلاها بالوضوء المذكور.

(4) فقد أوجب في المبسوط و محكي الإيضاح و شرح المفاتيح إعادة الوضوء بعد زوال العذر، و جعله في المعتبر أشبه، و في كشف اللثام أقوي. و في جامع المقاصد و المدارك و عن المختلف و الذكري و الدروس و البيان أنه لا يستأنف. و تردد في الشرائع و المنتهي و القواعد و محكي التذكرة.

ص: 452

______________________________

مع الإجماع من الكل علي عدم إعادة الصلاة التي صلاها بالوضوء المذكور، كما تقدم من المنتهي و عن غيره.

و العمدة في توجيه وجوب التدارك في الوضوء و الصلاة: أن الجمود علي مدلول النصوص و إن كان يقتضي مشروعية الوضوء الجبيري بمجرد تعذر الوضوء التام حين العمل، إلا أنه لما كان المنساق من دليل تشريع الوضوء المذكور كونه اضطراريا لتعذر الصلاة بالوضوء التام أشكل شمول إطلاقه لصورة وجود المندوحة و القدرة علي الوضوء التام و لو في آخر الوقت، بل يتعين الاقتصار علي المتيقن منه، و هو صورة عدم المندوحة، و الجهة المذكورة ارتكازية يمكن اعتماد المتكلم عليها في مقام البيان.

نعم، لو فرض كثرة الابتلاء بالبرء بعد العمل في الوقت و الغفلة عن تداركه مع الإمكان كان عدم التنبيه عليه في النصوص ظاهرا في صحة العمل.

لكنه ليس كذلك، لغلبة توقع البرء. و عدم المبادرة للوضوء الناقص معه بسبب ارتكاز كونه اضطراريا لا يكتفي به مع التمكن من التام.

و لو فرض الخطأ في ذلك و المبادرة للعمل الناقص فلم يعلم من حال المكلفين الغفلة عن التدارك مع الالتفات للحال، و كذا لو حصل البرء بعد خروج الوقت بالإضافة للصلوات اللاحقة، بل لعل مبناهم علي الاستئناف لأجل الارتكاز المذكور. و لا أقل من كون القرينة المذكورة مانعة من انعقاد الإطلاق و موجبة لإجمال الأدلة من هذه الجهة، فيلزم الاقتصار في دليل المشروعية علي المتيقن، و هو صورة عدم المندوحة.

و مقتضي ذلك انكشاف عدم صحة الصلاة لو حصل البرء في سعة الوقت، لعدم مشروعية الوضوء، فيجب إعادتها لعدم صحتها، لا لعدم أجزائها في ظرف صحتها و مشروعيتها.

و منه يظهر أنه لا مجال لدعوي: أن عدم الاجزاء في الفرض مخالف للإطلاق المقامي لأدلة تشريع الوضوء الجبيري و سائر الأفعال الاضطرارية، فإنه

ص: 453

______________________________

و إن أمكن عقلا عدم إجزاء العمل الاضطراري عن الاختياري، لعدم وفائه بملاكه، مع إمكان استيفائه بالتدارك بعد ارتفاع العذر، إلا أن عدم التنبيه علي التدارك مع الغفلة عنه موجب لظهور دليل المشروعية تبعا في عدم وجوبه، و لا سيما مع ظهور حال السائلين في الاهتمام بتحصيل ما يبرئ الذمة.

لاندفاعها: بأن الإطلاق المقامي إنما يتم في فرض عموم دليل مشروعية العمل الاضطراري للمأتي به، لا مع فرض قصوره عنه، لاختصاصه بقرينة الاضطرار بصورة عدم المندوحة، و المفروض انكشاف وجودها بسبب البرء في سعة الوقت.

إن قلت: هذا إنما يتم إذا أوقع المكلف الوضوء في وقت تلك الصلاة، أما إذا أوقعه في وقت صلاة سابقة لم يحصل البرء في تمام وقتها- كما هو المفروض في المتن- فقد صح الوضوء، فتصح الصلاة اللاحقة به.

قلت: مقتضي الجمع بن دليلي الوضوء الاختياري و الاضطراري هو كون الوضوء الاضطراري محصلا لبعض مراتب الطهارة و الاختياري محصلا لتمامها، فلا وجه للاكتفاء بالصلاة بالطهارة الناقصة مع إمكان تحصيل الصلاة بالطهارة التامة، لإطلاق دليل وجوبها المقتصر في الخروج عنه علي حال الضرورة و تعذر تحصيلها بمقتضي كون البدلية اضطرارية- كما تقدم نظيره عند الكلام في إجزاء العمل الواقع تقية في المسألة الثانية و الثلاثين من الفصل السابق- فلا تكون الصلاة بالوضوء المذكور مشروعة حين إيقاعها كي يكون مقتضي الإطلاق المقامي إجزاءها.

و أما ظهور تسالم الأصحاب علي صحة الصلاة، لعدم تحريرهم النزاع إلا في وجوب إعادة الوضوء مع تصريح غير واحد منهم بصحة الصلاة، كالشيخ و الفاضلين و غيرهم، بل تقدم من المنتهي و غيره دعوي الإجماع عليه.

فهو- لو فرض عمومه لصورة البرء في سعة الوقت، كما صرح به في المستند، و عدم إرادتهم الاجزاء في الجملة في قبال قول بعض العامة بوجوب

ص: 454

______________________________

الإعادة مطلقا- غير ظاهر الحجية، لعدم وضوح كونه إجماعا تعبديا، بل من القريب استناده لما تقدم من ظهور دليل تشريع الفعل الاضطراري في إجزائه، كما يناسبه تعليله في المعتبر بأنها صلاة مأمور بها، فتكون مجزية، فلا يعول عليه مع ما تقدم من خروج الفرض عن المتيقن من دليل المشروعية.

هذا، و لكن لازم ذلك عدم مشروعية إيقاع الغايات الموسعة بالوضوء أو الغسل الجبيري، كمس الكتاب المجيد و دخول المسجد و قراءة العزائم و قضاء الصوم و نحوها، لعدم الاضطرار.

بل يشكل إيقاع الغايات المضيقة إذا كانت المرتبة الفائتة من الطهارة الاختيارية أهم من الوقت، إذ كما تشرع الطهارة الجبيرية بالاضطرار، كذلك يشرع ترك الأداء و انتظار القضاء مع الاضطرار، فيلزم تقديم الأهم جعلا و امتثالا.

بل يكفي في ذلك احتمال الأهمية، لعدم اليقين معه بمشروعية الناقص، ليجزي بمقتضي الإطلاق المقامي المفروض.

و منه يظهر اندفاع توهم أن استحباب الكون في المسجد و قراءة جميع القرآن حتي العزائم موجب لتحقق الاضطرار المشرع للغسل الجبيري، كما يشرعه استحباب قراءة القرآن عن طهارة في كل وقت، و استحباب الصلاة علي كل حال.

وجه الاندفاع: أن الاستحباب لا يصلح لمزاحمة حرمة دخول الجنب للمساجد و قراءته للعزائم، لعدم نهوض الحكم غير الإلزامي بمزاحمة التكليف الإلزامي، و لذا تقدم عدم مشروعية الوضوء الجبيري المتعقب للبرء في سعة الوقت مع استحباب المبادرة للصلاة.

إذا عرفت هذا، فمن الظاهر عدم إمكان البناء علي ذلك، لظهور تسالم الأصحاب علي مشروعية جميع الغايات، كما يستفاد من سكوتهم عن ذلك، مع شدة الحاجة للتنبيه عليه، بل هو المستفاد من الإطلاق المقامي لأدلة تشريع الوضوء و الغسل الجبيري، لظهور حال السائل و المجيب في إرادة الطهارة التي تترتب عليها الأحكام المعهودة، و لا مجال لحملها علي خصوص الاضطرار لإيقاع

ص: 455

______________________________

الغايات بالطهارة الناقصة و تعذر الانتظار بها إلي تيسر الطهارة التامة، لاحتياج ذلك للتنبيه. و التفكيك بين الغايات في ذلك لا وجه له.

علي أن المرتكز أن الوضوء أو الغسل الجبيري لا ينتقض إلا بالنواقض المعهودة، فلو كان التدارك واجبا بارتفاع العذر لاحتاج للتنبيه، كما نبه لانتقاض التيمم بوجدان الماء، مع أنه أبعد عن الغفلة، لأن مطهريته أبعد ارتكازا، و اختصاصه بالاضطرار أظهر من الاختصاص في المقام.

بل لو فرض عدم الغفلة عن وجوب التدارك بالإضافة إلي الوضوء، لغلبة سرعة انتقاضه بالحدث و قلة بقائه بعد تحقق البرء، فلا مجال لدعوي ذلك بالإضافة إلي غسل الجنابة، فعدم التنبيه فيه للتدارك ظاهر في عدم وجوبه فيه و لا في الوضوء، لكشف ذلك عن كون الاضطرار المصحح لإيقاع الطهارة الجبيرية عبارة عن عدم تيسر الطهارة حينه، الحاصل في جميع الفروض، لا الاضطرار لإيقاع ذي الغاية بها.

و منه يظهر أن الطهارة التي هي قيد في الغايات ليست خصوص الطهارة الحاصلة بالعمل التام، بل ما يعم الطهارة الحاصلة مع الجبيرة، إما لعدم اختلاف الطهارة في المرتبة، أو لأن الواجب هو المرتبة الأقل منهما، كما هو المناسب، لارتكاز كون العمل الجبيري من سنخ الميسور، و إنما اكتفي بالأقل تخفيفا و تسهيلا علي المكلفين.

و الحاصل: أن البناء علي عدم انتقاض الطهارة الجبيرية و جواز إيقاع الغايات الآخر بها قريب جدا، و هو الحال في سائر الابدال الاضطرارية التي استفيدت من الأدلة اللفظية التي لها إطلاق خطابي أو مقامي يقتضي الاجزاء و الصحة.

نعم، لو كان الدليل منحصرا بالإجماع و نحوه من الأدلة اللبية كان الاقتصار علي المتيقن منها في محله.

إن قلت: في فرض إمكان تحصيل الواجب التام في الوقت و تعذره عند

ص: 456

______________________________

إرادة الوضوء للحاجة للجبيرة إن كان ملاك التكليف بالتام موجودا امتنع تشريع الناقص، لاستلزامه تفويت الملاك المذكور.

و إن لم يكن موجودا كان العمل الاضطراري في عرض الاختياري لا في طوله، و يكون دليله مخصصا لعموم دليله، لقصور ملاك كل منهما عن حال وجود ملاك الآخر، كالقصر و التمام، و لازم ذلك عدم مشروعية الواجب الاختياري في ظرف مشروعية الاضطراري، فلا يجزي لو أتي به جهلا بتحقق موضوع الاضطراري، و هو خلاف ما تقدم في المسألة الثالثة و الثلاثين من الفصل السابق عند الكلام في مخالفة التقية في موردها. بل هو خلاف ارتكاز نقص العمل الاضطراري.

و لذا قيل بعدم جواز إيقاع النفس في العذر، لاستلزامه تفويت الواجب التام. بل لعله لا إشكال في وجوب تحصيل الواجب الاختياري لو تمكن من رفع العذر في الوقت، مع استلزامه غالبا التأخير، فلو كان موضوع مشروعية الاضطراري المحقق لملاكه و الرافع لملاك الاختياري مجرد عدم تيسر الاختياري حين إرادة العمل لم يكن ذلك واجبا، كما لا يجب الرجوع للوطن في الوقت لتحصيل التمام.

قلت: ملاك التام موجود حين تشريع الناقص، لكن لا بنحو يقتضي فعلية التكليف به و يجب حفظه، بل بنحو يصلح لأن يمتثل و يحصل به تمام الغرض، و إن كان حدوث موضوع الناقص مانعا من وجوب حفظه، نظير وجود ملاك التكليف الأولي في مورد الحرج.

و مجرد عدم وجوب حفظ ملاك التام حين فعلية الناقص لا يستلزم كونه في عرضه، بل إن كان عدم فعلية أحد التكليفين حين حدوث الآخر لعدم تمامية ملاكه حينه كان في عرضه كالقصر مع التمام، و إن كان لوجود المانع الخارجي من الإلزام باستيفائه، كالتعذر أو التقية أو التسهيل و غيرها مما لا يخل بوجوده، كان في طوله، و أمكن استيفاؤه. و تعيين أحد القسمين تابع لنظر الفقيه في الجمع بين دليليهما.

ص: 457

______________________________

و منه يظهر أنه لا مانع من إيقاع النفس في العذر الشرعي، كالحرج و نحوه في فرض عموم دليل معذريته لما يستند لاختيار المكلف.

نعم، لو اختصت معذريته بغيره امتنع الفرض المذكور، كما يمتنع في العذر العقلي- و هو التعذر الحقيقي- لذلك.

و أما وجوب تحصيل الواجب الاختياري لو تمكن من رفع العذر، فهو- لو تمَّ، فيجب التداوي مثلا لرفع إضرار الماء- لا يستلزم كون الموضوع التعذر في تمام الوقت، بل قد يكون لاختصاص دليل، عذرية العذر و مشروعية الناقص معه بما إذا لم يتمكن المكلف من رفعه لتيسر مقدماته، فإذا خرج رفعه عن اختياره كان عذرا شرعا، و إن كان مرتفعا بنفسه في آخر الوقت.

و بعبارة أخري: المتبع في موضوع التكليف الطولي الذي لا يجتمع مع التكليف الأولي في الامتثال سعة و ضيقا هو دليله، و هو.

تارة: يقتضي تشريعه في ظرف فعلية التكليف الأولي، لتمامية ملاكه بنحو يجب حفظه، كالتكليف بالمهم في ظرف فعلية التكليف بضده الأهم بنحو الترتب.

و اخري: يقتضي تشريعه في ظرف سقوط التكليف الأولي عقلا للتعذر في تمام الوقت، فلا يجوز إيقاع النفس في العذر، و يجب رفعه مع القدرة عليه.

و ثالثة: يقتضي تشريعه مع سقوط التكليف و لو شرعا، لعذر شرعي من حرج و نحوه، و إن تمَّ ملاكه و أمكن استيفاؤه.

و المتعين في المقام الثالث، تبعا لظاهر الأدلة، الذي لا تنهض قرينة الاضطرار بالخروج عنه، بلحاظ بعض اللوازم المتقدمة. نعم، لا بد من الرجوع للأدلة في تحديد سعة العذر و ضيقه من حيثية إمكان الرفع و غيره.

هذا، و ربما بني النزاع في المقام علي النزاع في كون الوضوء الجبيري رافعا للحدث، و كونه مبيحا. فعلي الأول يتجه عدم الاستئناف، لاستصحاب الطهارة، بل لعموم ما دل علي عدم نقض الوضوء إلا بالأحداث المعهودة. و علي الثاني يتعين الاستئناف، لخروج الصلاة التي يرتفع العذر في وقتها عما هو المتيقن من

ص: 458

______________________________

الاستباحة بهذا الوضوء.

و يشكل بأن كون الوضوء المذكور رافعا للحدث لا ينفع مع فرض قصور دليل تشريعه عن صورة البرء في سعة الوقت، و قصور دليل إجزاء الصلاة به- في فرض مشروعيته لوقوعه لصلاة سابقة استوعب العذر وقتها- عن صورة إمكان تحصيل الصلاة في الوقت بطهارة تامة، لأن رفعه للحدث إنما يتم و ينفع مع مشروعيته و عدم التكليف بالصلاة بطهارة تامة.

كما أنه لو فرض عموم مشروعيته و عدم التكليف بالصلاة التامة حينئذ أمكن الاستغناء به و إن كان مبيحا، لظهور دليل تشريعه في كونه فردا من الوضوء و الغسل الرافعين- و لو ادعاء- بلحاظ ترتب أحكامهما عليه، و منها قيديته في الغايات و عدم انتقاضه حكما إلا بالحدث.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن الحكم بعدم انتقاض الوضوء إلا بالحدث قرينة علي اختصاص موضوع الحكم بالوضوء الرافع، لأنه القابل للبقاء.

فهو كما تري! لأن اختصاصه بذلك لا ينافي إلحاق غيره به بمقتضي ظهور دليله في تنزيله منزلته و كونه فردا ادعائيا له، كما هو الحال في جميع الأفراد التنزيلية لموضوعات الأحكام.

و لذا كان الدليل المذكور صالحا لدفع الاحتمال انتقاضه بأمر لا ينقض الوضوء الرافع، كالرعاف، و لو لا ما ذكرنا من ظهور دليله في تنزيله منزلة الرافع لم يكن مبيحا للدخول في الغايات مع ظهور أدلتها في كون القيد فيها هو الطهارة.

و ما ذكره قدّس سرّه من أن المراد بالطهارة في تلك الأدلة مطلق رفع الحالة المانعة شأنا من الدخول في الصلاة، فيكون الوضوء المبيح فردا حقيقيا لها لا يبتني علي التنزيل و الادعاء.

لا وجه له، لظهور الطهارة في الحقيقة، بل يمتنع إرادة المعني الذي ذكره من دليل التقييد المذكور، لأن مانعية الشي ء منتزعة من التقييد و في رتبة متأخرة

ص: 459

إذا كانت موسعة، كالصلوات الآتية، اما لو برئ في السعة فالأحوط إن لم يكن أقوي الإعادة في جميع الصور المتقدمة (1).

______________________________

عنه، فلا تؤخذ في موضوعه، و كذا الحال في عنوان المبيح، فليس المراد من دليل التقييد إلّا الطهارة بما لها من مفهوم، و التعدي للوضوء الجبيري- بناء علي عدم كونه منها- بضميمة دليل التنزيل، الذي عرفت أن مقتضي إطلاقه عدم انتقاض الوضوء المذكور إلا بالحدث.

و مما ذكرنا ظهر أن التحقيق كون الوضوء و الغسل الجبيري رافعا لا مبيحا فقط، لظهور دليل تشريعه في كونه فردا حقيقيا للوضوء و الغسل المعهود الذي هو الرافع، و لا ملزم بالخروج عن ظاهر الدليل المذكور.

و غاية ما يدعي كونه رفعه ناقصا، لظهور دليله في كونه فردا اضطراريا شرع للتسهيل، علي ما تقدم و يأتي في المسألة الثانية و الخمسين تمام الكلام في ذلك.

فلاحظ.

(1) يعني: و يعيد به الصلاة التي بقي وقتها.

و قد تقدم أن ظاهر الأصحاب المفروغية عن عدم وجوب إعادة الصلاة و صريح بعضهم دعوي الإجماع عليه. و إطلاق معقده يشمل الصلاة المذكورة بل هو صريح معقد إجماع المستند. و كالصريح من معقد إجماع شرح المفاتيح.

بل احتمل شيخنا الأعظم قدّس سرّه عدم وجوب الإعادة لو تحقق البرء في أثناء الصلاة لدخوله فيها دخولا مشروعا، و إن قوي بعد ذلك وجوب الاستئناف، لعدم إحراز الطهارة لبقية الأجزاء.

إلا أنه تقدم أيضا الإشكال في حجية الإجماع المذكور، و أن العمدة في عدم وجوب الاستئناف في جميع الصور المتقدمة هو القاعدة. نعم، لو كان البرء في أثناء الوضوء أشكل عدم وجوب الاستئناف، لخروجه عن المتيقن من النصوص. فتأمل.

ص: 460

مسألة 42 إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغسل أو المسح في فواصلها

(مسألة 42): إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغسل أو المسح في فواصلها (1).

مسألة 43 إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة

(مسألة 43): إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها (2)، و إن كان أزيد من المقدار المتعارف فإن أمكن رفعها رفعها و غسل المقدار الصحيح (3)

______________________________

(1) بلا إشكال، و يقتضيه صحيح ابن الحجاج المتضمن غسل ما يصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر «1»، و صحيحا الحلبي و ابن سنان المتضمنان غسل ما حول الجرح «2».

بل هو مقتضي العمومات المتضمنة لاستيعاب الغسل و المسح التي كان مقتضي الجمع بينها و بين نصوص الجبائر بدليتها عما تحتها لا غير.

(2) كما صرح به في المنتهي و غيره، لأنه المتيقن من نصوص المقام، لوضوح أن الجبيرة و العصابة و نحوهما لا توضع علي خصوص موضع الآفة، بل تتعدي عنه، خصوصا في الجبائر. قال في المنتهي: «الجبيرة إنما توضع علي طرفي الصحيح ليرجع الكسر.»

نعم، قد يدعي وجوب غسل ما تحت الجبيرة من الصحيح أو مسحه مع إمكانه برفع الجبيرة أو بدونه، لانصراف نصوص المقام بحكم كون البدلية اضطرارية عن هذه الصورة.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر صحيح الحلبي جواز المسح علي الخرقة مع إمكان إزالتها إذا أضر الماء بالقرحة، و هو مستلزم للعفو عن غسل ما يستر بها من الصحيح.

(3) لما أشرنا إليه هناك من قصور إطلاقات الجبائر بقرينة الاضطرار عن صورة إمكان غسل المقدار المستور.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1، 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 461

ثمَّ وضعها و مسح عليها (1)، و إن لم يكن ذلك مسح عليها (2).

مسألة 44 في الجرح المكشوف

(مسألة 44): في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه (3) يجب أولا أن يغسل ما يمكن من أطرافه (4) ثمَّ وضعه.

______________________________

و أما صحيح الحلبي فهو إنما اقتضي العفو في عصابة القرحة التي لها وجود متعارف، و لا تشمل ما خرج عنه.

هذا، و لو أمكن غسل الصحيح أو مسحه بالوجه المعتبر من دون رفع الجبيرة اجتزأ به.

(1) لا يبعد عدم وجوب ذلك و جريان حكم الجرح المكشوف، كما تقدم عند الكلام في وجوب المسح علي البشرة مع التمكن و في حكم الجرح المكشوف.

نعم، لو غسل ما تحتها من الصحيح أو مسحه من دون رفعها وجب المسح عليها، كما تقدم.

(2) كما صرح به في المنتهي. و يقتضيه إطلاق نصوص الجبائر، لأن التعارف لا يصلح لتقييد الإطلاق، خصوصا في مثل المقام مما كان العموم فيه مناسبا للارتكاز، لارتكاز كون منشأ البدلية الاضطرار.

نعم، لا بد من كون ستر المقدار الزائد لأمر يعود للآفة من الكسر و الجرح، لا لأمر آخر، كما لو تعذرت الجبيرة الصغيرة، أو تعذر إزالة الزائد بعد شفاء ما تحته أو نحوهما، و إلا قصرت نصوص المقام عنه، و دخل فيما تقدم في المسألة السادسة و الثلاثين في حكم الحاجب اللاصق اتفاقا.

(3) لأجل الاحتياط المشار إليه في المسألة الخامسة و الثلاثين.

(4) عملا بصحيحي الحلبي و ابن سنان المتضمنين غسل ما حول الجرح «1»، بناء علي ما تقدم من عدم تقييدهما بوضع الحاجب و المسح عليه

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2، 3.

ص: 462

مسألة 45 إذا أضر الماء بأطراف الجرح بمقدار المتعارف يكفي المسح علي الجبيرة

(مسألة 45): إذا أضر الماء بأطراف الجرح (1) بمقدار المتعارف يكفي المسح علي الجبيرة (2). و الأحوط وجوبا ضم التيمم إذا كان الضرر أزيد من المتعارف (3).

______________________________

ليغتفر ستره للأطراف بالمقدار المتعارف.

نعم، ظاهر كل من أوجب وضع الحائل اغتفار ذلك، لاحتياج وضع الأطراف إلي عناية مغفول عنها، لتعارف وضع الحائل قبل الشروع في الوضوء و الغسل. لكن تقدم عدم بلوغ ذلك منهم حد الإجماع الحجة.

(1) المراد تضرر الجرح بوصول الماء للصحيح، لا تضرر الصحيح بوصول الماء إليه في مقابل تضرر الجرح، الذي يأتي الكلام فيه، كما يظهر بملاحظة المستمسك.

(2) يعني: مع وضعها، أما مع عدم وضعها فيكفي غسل ما حوله مما لا يضره الماء، عملا بإطلاق صحيحي الحلبي و ابن سنان «1».

(3) لانصراف النصوص إلي ما إذا كان المضر بالجرح غسله، و المتيقن في التعدي لما جاوره ما إذا كان بالمقدار المتعارف، فيخرج المقام عن مفاد النصوص.

و اغتفار ترك ما حول مكان الآفة مع ستره بالجبيرة التي تقتضيها و إن خرج عن المتعارف- كما تقدم- لا يستلزم اغتفاره مع كشف الموضع أو عدم اقتضاء الآفة لستره. فالاكتفاء بالتيمم أقوي. و إن كان الاحتياط حسنا بلحاظ قاعدة الميسور، أو احتمال شمول الإطلاق، أو تحقق المناط.

و لو تضرر الصحيح بالماء في مقابل تضرر الجرح به لحقه ما تقدم في المسألة الأربعين، لأنه من صغرياتها. فراجع.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2، 3.

ص: 463

مسألة 46 إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء

(مسألة 46): إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء لكن كان بحيث يضر استعمال الماء في مواضعه أيضا فالمتعين التيمم (1).

مسألة 47 لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره

(مسألة 47): لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره علي وجه العصيان (2) أم لا (3).

مسألة 48 إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضره نجاسة باطنها

(مسألة 48): إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضره نجاسة باطنها (4).

______________________________

(1) لاختصاص النصوص بما إذا كانت الآفة في مواضع الوضوء، للأمر فيها بالمسح علي الحائل و غسل ما حول الجرح.

(2) بأن استلزم ضررا يحرم إيقاعه، و لو كان مراده بالعصيان العصيان في تفويت الواجب الاختياري لا في نفس إحداث الجرح فهو مبني علي تمامية ملاك الوضوء أو الغسل التام حتي في ظرف وجود الجبيرة بنحو يقتضي حفظه مع القدرة عليه و يمنع من تفويته. و قد تقدم في المسألة الواحدة و الأربعين المنع من ذلك.

(3) لعدم الاختيار أو معه لوجود المسوغ. و الوجه فيه إطلاق نصوص المقام.

(4) لإطلاق أدلتها، بل يغلب نجاسة الباطن في عصابة القرحة التي هي مورد صحيح الحلبي «1»، لتعرضها للدم.

و الظاهر عدم الإشكال فيه، و إنما تعرض الأصحاب- كالشيخ و الفاضلين و غيرهم- لعدم قدح نجاسة ما تحتها في قبال قول بعض العامة بقدحه، و يعلم منه رأيهم في محل الكلام، لأنهما من باب واحد.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 464

مسألة 49 محل الفصد داخل في الجروح

(مسألة 49): محل الفصد داخل في الجروح (1)، فلو لم يمكن تطهيره، أو كان مضرا، يكفي المسح علي الوصلة التي عليه (2) إن لم يكن أزيد من المتعارف، و إلا حلها و غسل المقدار الزائد (3) ثمَّ شدها.

مسألة 50 إذا كان ما علي الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه

(مسألة 50): إذا كان ما علي الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه (4)، بل يجب رفعه (5)

______________________________

(1) كما في المستند و غيره. و هو ظاهر.

(2) هذا إنما يتم لو كان التطهير مضرا، و لو لاستلزامه حل الجرح، أما لو تعذر من غير جهة الضرر فهو لا يخلو عن إشكال، كما تقدم في أول الفصل.

(3) يظهر الكلام في ذلك مما تقدم في المسألة الخامسة و الأربعين، كما يظهر حكم ما لو تعذر الحل.

(4) لأنه تصرف فيه، فيحرم، و يكون من صغريات مسألة اجتماع الأمر و النهي، التي كان التحقيق فيها عدم الاجزاء في العبادات مع الالتفات، لامتناع التقرب معه، و مع عدمه يتعين الاجزاء فيها، كما يتعين في غيرها حتي مع الالتفات. و تمام الكلام في محله.

(5) لما كان رفعه تصرفا كان محرما في نفسه، فيكون المقام من تزاحم أفراد الحرام الذي يلزم فيه الترجيح بالأهمية، فلا يجب الرفع إلا إذا كان التصرف بالإبقاء أشد من التصرف بالرفع، فلو كان التصرف بالرفع أشد وجب الإبقاء، و لو كانا متساويين تخير، نظير ما يذكر في توسط الأرض المغصوبة.

و حينئذ فلو كان الرفع أشد، أو الإبقاء أشد و تعذر الرفع، فحيث كان المسح تصرفا زائدا علي الإبقاء، كان التكليف بالطهارة الجبيرية مزاحما لحرمة التصرف في المغصوب و لا إشكال في أهمية الثاني، و لا أقل من كونه محتمل الأهمية، فيتعين في مقام الامتثال، فيجب التيمم لو لم تكن الجبيرة في أعضائه، و إلا كان من

ص: 465

و تبديله (1) و إن كان ظاهره مباحا و باطنه مغصوبا فان لم يعد مسح الظاهر تصرفا فيه فلا يضر، و إلا بطل (2).

مسألة 51 لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه

(مسألة 51): لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه، فلو كانت حريرا أو ذهبا (3) أو جزء حيوان غير مأكول لم يضر بوضوئه (4). فالذي يضر هو نجاسة ظاهرها (5) أو غصبيته.

______________________________

موارد فقد الطهورين. فتأمل.

و لا مجال للاكتفاء بغسل ما حوله بعد ظهور الأدلة في جزئية المسح علي الجبيرة حين وجودها من الطهارة، و مقتضي الارتباطية تعذرها بتعذره.

نعم، لو فرض الاضطرار إلي التصرف بالمسح أو نحوه و لو مع عدم الوضوء أو الغسل كان المسح فيهما من أفراد التصرف المضطر إليه، فتسقط حرمته، و يتعين جوازهما، بل وجوبهما.

لكن لو كان الاضطرار بسوء الاختيار كان الفعل مبعدا و إن سقط النهي عنه، فيمتنع التقرب به و تتعذر العبادة الموقوفة عليه. إلا أن تسقط المبعدية المسببة عن سوء الاختيار بالتوبة، فيمكن التقرب حينئذ و يصح العمل و توضيح ذلك في مبحث اجتماع الأمر و النهي عند الكلام في توسط الأرض المغصوبة.

(1) الظاهر عدم وجوب التبديل بعد الرفع، لما تقدم في الجرح المكشوف من أن وجوب المسح علي الجبيرة لا يقتضي وجوب وضعها في ظرف عدمها، بل يختص بما إذا كانت موجودة.

(2) علي التفصيل المتقدم.

(3) يعني: للرجال.

(4) لإطلاق الأدلة، و حرمة اللبس في بعض ما تقدم لا تمنع من التقرب بالمسح، لتباينهما. و إليه يرجع ما في الجواهر من أن الحرمة خارجية.

(5) الظاهر عدم الاشكال فيه، لعين ما يذكر في وجه وجوب طهارة محال الطهارة. و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في أواخر المسألة السابعة و الثلاثين.

ص: 466

مسألة 52 ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة

(مسألة 52): ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة (1).

و إن احتمل البرء، و إذا ظن البرء و زال الخوف وجب رفعها.

مسألة 53 إذا كان رفع الجبيرة و غسل المحل موجبا لفوات الوقت الأظهر العدول إلي التيمم

(مسألة 53): إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل لكن كان موجبا لفوات الوقت الأظهر العدول إلي التيمم (2).

مسألة 54 الدواء الموضوع علي الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم

(مسألة 54): الدواء الموضوع علي الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم و صار كالشي ء الواحد و لم يمكن رفعه بعد البرء بأن كان مستلزما لجرح المحل و خروج الدم، فإن كان مستحيلا (3) بحيث لا يصدق عليه الدم، بل صار كالجلد، فما دام كذلك يجري عليه حكم الجبيرة (4)،

______________________________

(1) إما لأن الخوف هو موضوع الاجزاء ثبوتا، أو لأنه طريق إلي الضرر الذي هو الموضوع. و يأتي الكلام في ذلك في المسألة التاسعة و الخمسين إن شاء اللّه تعالي.

(2) لاختصاص بعض نصوص الجبيرة و انصراف الباقي إلي كون المانع هو لزوم الضرر من نزع الجبيرة أو من إيصال الماء إلي ما تحتها، بل ظاهر صحيحي الحلبي و كليب «1» الاختصاص بذلك، فيتعين الرجوع في الفرض لعموم ما دل علي مشروعية التيمم بتعذر الوضوء، بناء علي شموله للتعذر من جهة ضيق الوقت، و إن كان لا يخلو عن إشكال. و الكلام فيه موكول لمبحث التيمم.

(3) مقتضي صدر الكلام أن المراد استحالة الدواء، إلا أن مقتضي قوله:

«بحيث لا يصدق عليه الدم» كون المراد استحالة الدم.

و هو الذي يقتضيه الحكم، لوضوح أنه مع استحالة الدم يمكن تطهير الظاهر، أما استحالة الدواء فلا أثر لها مع بقاء الدم، لتعذر التطهير.

(4) يعني: بعد تطهيره بسبب اختلاطه بالدم قبل استحالته:

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2، 8.

ص: 467

و إن لم يستحل كان كالجبيرة النجسة (1) يضع عليه خرقة و يمسح عليه. و لا يترك الاحتياط بضم التيمم في الصورتين (2).

مسألة 55 إذا كان العضو نجسا يتعين التيمم

(مسألة 55): إذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره لا يجري عليه حكم الجرح، بل يتعين التيمم (3).

______________________________

هذا، و لو فرض استحالته بوجه يعد جزءا من البدن، لاكتسائه القشر الرقيق المتصل بالجلد جري عليه حكم البشرة، لا حكم الجبيرة. و لعله المناسب لقوله:

«بل صار كالجلد»، و حينئذ لا يحتاج للتطهير.

إلا أن يقال: القشر المفروض لا يتكون رأسا، بل أصله سائل يفرزه البدن، و هو يتنجس بالدم المفروض، فيلزم تطهيره.

(1) لامتناع التطهير في فرض عدم استحالة الدم.

(2) أما في الصورة الثانية فظاهر، لما تقدم في حكم الجبيرة النجسة في المسألة السابعة و الثلاثين.

و أما في الصورة الأولي فقد يضعف الاحتياط المذكور بلحاظ إطلاق صحيحي الوشاء «1» المتضمنين جواز المسح علي الدواء. إلا أن يدعي اختصاصهما بما هو دواء بالفعل، لكونه دخيلا في الشفاء، و لا يعمان ما وضع لأجل التداوي، ثمَّ خرج عن كونه دواء و صار من سنخ الوسخ الحاجب، بل هو كالحاجب اللاصق اتفاقا الذي تقدم في المسألة السادسة و الثلاثين أن الأحوط فيه ضم التيمم.

نعم، تقدم منه قدّس سرّه أن الاحتياط بضم التيمم فيه استحبابي، و هو لا يناسب ما قد يظهر منه في المقام.

هذا، و لو كان معدودا جزءا من البدن فقد عرفت جريان حكم البشرة عليه، فلا يحتاج فيه للتيمم، إلا إذا تعذر تطهيره، لما يأتي في المسألة اللاحقة.

(3) كما هو مقتضي عموم مشروعية التيمم بتعذر الطهارة المائية بعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 9، 10.

ص: 468

مسألة 56 لا يلزم تخفيف ما علي الجرح من الجبيرة إن كانت علي المتعارف

(مسألة 56): لا يلزم تخفيف ما علي الجرح من الجبيرة (1) إن كانت علي المتعارف (2). كما أنه لا يجوز وضع شي ء عليها مع عدم الحاجة (3)، إلا أن يحسب جزءا منها بعد الوضع (4).

مسألة 57 الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث رفعا ناقصا لا مبيح فقط

(مسألة 57): الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث (5) رفعا ناقصا (6)، لا مبيح فقط.

______________________________

خروجه عن نصوص المقام، لاختصاصها بما إذا كان التعذر لأجل الآفة التي يضر معها استعمال الماء.

(1) كما في المستند و غيره، و يقتضيه إطلاق النصوص.

و عن نهاية الإحكام الإشكال في المسح علي الظاهر من الجبائر لو تكثرت، و مال إليه في الرياض، لأنه الأقرب للحقيقة. لكنه لو تمَّ لا ينهض بالخروج عن الإطلاق.

و لعله لذا حكي عن نهاية الإحكام احتمال عدم وجوب التخفيف، لعدم الخروج به عن الحائل.

(2) بل و إن خرجت عنه، لأن التعارف لا ينهض بتقييد الإطلاق.

نعم، لو خرج الزائد عن كونه جبيرة، بل عدّ حائلا عليها تعين نزعه، لظهور الأدلة في وجوب المسح علي الجبيرة.

(3) كما أطلق ذلك في المستند.

(4) فيدخل في إطلاق نصوص المسح علي الجبائر، المقتضي للاجزاء.

(5) كما هو ظاهر تطبيق الوضوء عليه، علي ما تقدم في أواخر المسألة الواحدة و الأربعين.

(6) كأنه لقرينة الاضطرار الموجبة لكونه ارتكازا دون الواجب الاختياري.

أو لمناسبة الرفع و الطهارة ارتكازا للمسح علي البشرة دون المسح علي الحائل.

و يشكل الأول: بإمكان كون الاضطرار موضوعا للرفع و الطهارة التأمين،

ص: 469

مسألة 58 يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أول الوقت برجاء استمرار العذر

(مسألة 58): يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أول الوقت (1) برجاء استمرار العذر (2)،

______________________________

و لا سيما مع ما تقدم من عدم انتقاض الطهارة الجبيرية بارتفاع العذر.

و الثاني: بأنه مختص بالطهارة الخارجية الحقيقية دون الشرعية الاعتبارية، بل هي أمر تعبدي تابع لتمامية موضوعه، و لا سيما مع ما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إنما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه، و إن المؤمن لا ينجسه شي ء، إنما يكفيه مثل الدهن» «1».

و الأمر سهل لعدم الأثر لذلك، و إنما المهم مشروعيته مع المندوحة و عدمها، و قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الواحدة و الأربعين، و يأتي في المسألة الآتية.

(1) لإطلاق نصوص المقام، فإنها و إن وردت لبيان بدلية مسح الجبيرة عن غسل البشرة، إلا أن مقتضي إطلاق البدلية عدم قادحية التعجيل، فالبدل مشروع في كل مورد يكون المبدل منه مشروعا. بل ينبغي عدم الإشكال في ذلك في الجملة، إذ لو كان التعجيل قادحا لاحتاج للتنبيه، للغفلة عنه بدونه.

(2) و لا يعتبر اليأس، لمنافاته للإطلاق المتقدم.

نعم، بناء علي لزوم استيعاب الوقت بالعذر و عدم مشروعية الطهارة الجبيرية مع البرء في أثنائه يكون التعجيل بها برجاء استمرار العذر مستلزما لفقدها، للجزم بالنية، فتبتني صحتها حينئذ علي ما تقدم الكلام فيه في المسألة الثالثة من مباحث التقليد.

و دعوي: أن مقتضي استصحاب العذر في تمام الوقت مشروعية الطهارة الجبيرية، فيتيسر الجزم بالنية.

مدفوعة: بأن موضوع الأثر- بناء علي ذلك- ليس هو استمرار العذر، بل

______________________________

(1) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 470

فإذا انكشف ارتفاعه في الوقت أعاد الوضوء و الصلاة (1).

______________________________

تعذر الصلاة بالطهارة التامة، و هو غير محرز من أول الأمر ليستصحب بنفسه، و استمرار العذر ملازم له، فاستصحاب العذر في تمام الوقت مثبت. فالعمدة ما تقدم هناك من عدم اعتبار الجزم بالنية.

(1) كما تقدم منه قدّس سرّه في المسألة الواحدة و الأربعين.

و قد تقدم أنه مبني علي أن موضوع مشروعية الطهارة الجبيرية هو تعذر الإتيان بالطهارة التامة في تمام الوقت، فمع البرء في أثنائه ينكشف عدم مشروعية الطهارة الجبيرية حين وقوعها، فلا تجزي. و عليه يلزم الإعادة حتي مع اليأس حين العمل من البرء في الوقت و القطع خطأ باستمرار العذر.

لكن تقدم المنع من ذلك و أن الظاهر كون الموضوع هو وجود العذر حين العمل، فيتعين الاجزاء مع رجاء استمرار العذر، فضلا عن صورة القطع به حين العمل.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال فيما عن شرح المفاتيح من أن الأحوط، بل الأقرب عدم جواز الطهارة الجبيرية مع رجاء زوال العذر إلا إذا تضيق الوقت بنظر المكلف، فالحكم بعدم الإعادة مختص بصورة الاعتقاد ببقاء العذر أو بتضيق الوقت.

وجه الاشكال: أن موضوع الطهارة الجبيرية إن كان هو العذر المستوعب للوقت وجبت الإعادة مطلقا، و إن كان هو وجوده حين العمل لم تجب مطلقا، كما ذكرنا، بل مقتضاه الاجزاء حتي مع القطع أو الوثوق بزوال العذر في الوقت.

إلا أن يدعي انصراف الإطلاقات عن ذلك، لأن ارتكاز كون العمل اضطراريا مانع من إقدام المكلف عليه مع العلم بالتمكن من العمل التام في الوقت، فينصرف السؤال عنه. فتأمل.

ص: 471

مسألة 59 إذا اعتقد الضرر لم يصح الوضوء

(مسألة 59): إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل بالجبيرة ثمَّ تبين عدم الضرر في الواقع لم يصح الوضوء و لا الغسل (1). و إذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثمَّ تبين أنه كان مضرا و كان وظيفته الجبيرة صح وضوؤه و غسله (2).

______________________________

(1) بناء علي أن موضوع الطهارة الجبيرية ثبوتا هو الضرر الواقعي، كما هو مقتضي صحيح الحلبي «1»، لا خوف الضرر، و أن ما تضمن أخذ الخوف- كصحيح كليب «2» - محمول علي كونه طريقا لما هو الموضوع يجوز العمل عليه ظاهرا مع الجهل بالحال، فلا يجزي مع انكشاف عدم الضرر، بناء علي ما هو التحقيق من عدم إجزاء الأمر الظاهري مع ظهور الخطأ.

لكن تقدم في المسألة الثالثة و الثلاثين من الفصل السابق الإشكال في ذلك، و أن الأظهر حمل ما تضمن الخوف علي كونه كافيا في الاجزاء، و إن لم يكن العمل مشروعا في ظرف عدم الضرر، لاختصاص مشروعيته بصورة وجود الضرر.

نعم، لو كان عدم الضرر لعدم الكسر أو الجرح أو نحوهما فالظاهر عدم الاجزاء، لقصور جميع أدلة المقام عنه، كما تقدم نظيره في باب التقية. فراجع.

(2) إما لأن موضوع الطهارة الجبيرية الخوف المفروض عدمه في المقام، أو لأن موضوعها الضرر الواقعي، لكن لا بنحو يرتفع به ملاك الطهارة الاختيارية، فيتعين الاجزاء بموافقته. كذا ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه.

لكن لازم الأول عدم إجزاء الطهارة الجبيرية مع الضرر الواقعي بدون خوف لو فرض الإتيان بها لمحض الاحتمال غير البالغ مرتبة الخوف، أو للغفلة عن إزالة الجبيرة، و لا يظن التزام أحد بذلك. فالمتعين الثاني المستلزم لعدم مشروعية الطهارة الجبيرية مع الخوف من دون ضرر، و إن كانت مجزية لما سبق.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 8.

ص: 472

و كذلك يصحان لو اعتقد الضرر و لكن ترك الجبيرة و توضأ و اغتسل ثمَّ تبين عدم الضرر (1) و أن وظيفته غسل البشرة، و لكن الصحة في هذه الصورة تتوقف علي إمكان قصد القربة (2).

مسألة 60 في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الأحوط الجمع

(مسألة 60): في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الأحوط وجوبا الجمع بينهما (3).

______________________________

(1) الوجه فيه ظاهر بناء علي ما تقدم من أن موضوع مشروعية الطهارة الجبيرية الرافع للتكليف بالطهارة الاختيارية هو الضرر الواقعي، فمع فرض عدمه يكون الواجب هو الطهارة الاختيارية و يتعين إجزاؤها.

بل يتجه حتي بناء علي أن موضوعها هو الخوف الحاصل في المقام بناء علي ما أشرنا إليه هنا و تقدم توضيحه في المسألة الثالثة و الثلاثين من الفصل السابق من أن تشريع الابدال الاضطرارية لا يستلزم ارتفاع ملاك التكاليف الأولية، بل يبقي ملاكها فتجزي موافقته.

و منه يظهر إجزاء الطهارة الاختيارية في فرض اعتقاد الضرر حتي مع وجوده واقعا، لو فرض حصول قصد القربة.

(2) بأن غفل المكلف حين العمل فأوصل الماء للبشرة، أو لم يكن الضرر بمرتبة يحرم إيقاع النفس فيه.

(3) ظاهره التوقف عن الفتوي بذلك، و لا موجب له بعد كون ذلك مقتضي الوظيفة العقلية في مورد العلم الإجمالي، من دون فرق بين الشبهة المفهومية أو الحكمية قبل الفحص و الشبهة الموضوعية.

نعم، لا يبعد الرجوع في الأخيرة للاستصحاب لو كانت هناك حالة سابقة، كما لو تعذرت إزالة العصابة التي وضعت علي محل صحيح سابقا يحتمل تقرحه لاحقا، فان استصحاب عدم كون المكلف ذا جبيرة قاض بوجوب التيمم و عدم مشروعية الطهارة الجبيرية.

ص: 473

______________________________

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من كون الاستصحاب تعليقيا، بناء علي أن الطهارة هي الأثر الحاصل من الوضوء و نحوه، إنما يتجه لو أريد التمسك بالاستصحاب الحكمي، كاستصحاب ترتب الطهارة بالتيمم، أما مع الرجوع للاستصحاب الموضوعي- كما ذكرنا- فهو تنجيزي مغن عن الاستصحاب التعليقي.

هذا، و أما الشبهة الحكمية بعد الفحص فلا مجال لفرضها في المقام، لعدم كونها موردا لعمل العامي، بل تختص بالمجتهد، و لا بد من رجوعه لما يؤدي إليه نظره من الأصل أو الدليل العام أو الخاص، و لا يتسني ضرب القاعدة في مثل ذلك. و اللّه سبحانه و تعالي ولي العصمة و السداد، و له الحمد وحده، و الصلاة و السلام علي من لا نبي بعده محمد و آله الطاهرين.

انتهي الكلام في أحكام الجبائر ليلة الاثنين 14 ذي الحجة سنة 1396 للهجرة. و انتهي تبييضه ضحي اليوم المذكور بقلم مؤلفه، عفي عنه.

ص: 474

الفصل الثالث: في شرائط الوضوء

اشارة

الفصل الثالث في شرائط الوضوء

منها طهارة الماء و إطلاقه و إباحته

منها: طهارة الماء (1)

______________________________

(1) لا ينبغي الريب فيه بعد النظر في كلام الأصحاب و النصوص، لظهورها في المفروغية عنه، كما يشهد به استفادتهم انفعال الماء من الحكم بعدم جواز استعماله في الوضوء، بل هو المدعي عليه صريحا الإجماع في كلام غير واحد.

و يستفاد من النصوص الواردة في الماء المتغير و القليل و الإنائين المشتبهين و ماء البئر و غيرها مما يوجب وضوح الحكم، بل عدّه في الضروريات.

هذا، و قد صرح غير واحد بعدم جواز الوضوء بالماء النجس، و قد وقع الكلام بينهم في أن المراد به الحرمة الوضعية- كما عن نهاية الإحكام- أو التكليفية المستتبعة للإثم- كما في جامع المقاصد و استظهره في مفتاح الكرامة- وجهان ردد بينهما في الروض و المدارك، قد يشهد بالأول اقتصارهم علي ذلك و عدم تنبيههم.

علي الحرمة الوضعية مع أهميتها، و بالثاني عطفهم شرب الماء النجس علي الوضوء به.

و كيف كان، فإن أريد بالحرمة التكليفية الحقيقية بلحاظ التشريع، أو العرضية بلحاظ أن الاعتداد بالوضوء بالماء النجس مستلزم للوقوع في الحرام كترك الصلاة المطلوبة. فهو في محله، بل هو لازم للحرمة الوضعية.

و إن أريد بها الحقيقية الذاتية، بحيث يكون الوضوء به لاعتقاد طهارته

ص: 475

و إطلاقه (1) و إباحته (2)

______________________________

محرما في الواقع، بل موجبا للعقاب مع التقصير في البناء علي الطهارة لكون الشبهة حكمية قبل الفحص، كما يعاقب علي شربه حينئذ.

فلا دليل عليها، لانصراف الأدلة الناهية عن الوضوء بالماء النجس إلي الإرشاد للجهة الوضعية، كما في سائر موارد بيان الماهيات ذات الأجزاء و الشرائط. بل لا ينبغي الريب فيه بعد ظهور استدلالهم بها علي ذلك مع وضوح عدم استلزام الحرمة الفساد إذا تحقق قصد القربة للجهل بالحال.

بل لما لم يصح الوضوء بالماء النجس قطعا لزم التصرف في دليل النهي المذكور، لامتناع إيقاع الوضوء بالماء النجس كي يحرم، فلا بد إما من حمل النهي علي الإرشاد، أو حمل الوضوء المنهي عنه علي قصده، و ليس الثاني بأولي من الأول.

(1) كما تقدم الوجه فيه في المسألة الحادية و العشرين من مبحث المياه.

و لا بد من بقائه علي الإطلاق إلي أن يتحقق مسمي الغسل أو المسح المعتبر.

(2) بمعني عدم كونه محقوقا للغير حقا مانعا من التصرف، بأن كان مملوكا للغير أو مرهونا عنده أو نحوهما، لأن مقتضي سلطنته علي حقه حرمة التصرف في موضوعه بغير إذنه في الوضوء و غيره، فيتعذر معه قصد التقرب المعتبر في صحة الوضوء. و منه الوقف و نحوه مما كان مقتضي نفوذه عدم جواز التصرف المنافي له.

نعم، هو موقوف علي الالتفات، كما يأتي في المسألة الرابعة و الستين.

هذا، و عن الدلائل أنه بعد نسبة الحكم للأصحاب نقل عن الكليني (رضوان اللّه عليه) الفرق بين ما ينهي عنه لخصوص العبادة و ما ينهي عنه لنفسه من المكان و اللباس، ثمَّ قال: «و علي قوله يصح الوضوء بالمغصوب، لأنه منهي عنه لنفسه.

ص: 476

و عدم استعماله في التطهير من الخبث (1)، بل و لا في رفع الحدث الأكبر، علي الأحوط استحبابا، علي ما تقدم (2).

و منها طهارة أعضاء الوضوء

و منها: طهارة أعضاء الوضوء (3).

______________________________

و هو قوي» و ضعفه يظهر مما تقدم. إلا أن يريد الصحة في الجملة و لو مع الغفلة، في قبال النواهي الراجعة لخصوص العبادة مما يرد للإرشاد للمانعية، لظهور دليله في كونه من الموانع الواقعية الذي يبطل العمل معه و لو كان عن غفلة. و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في البطلان، و قد ادعي غير واحد الإجماع عليه.

(1) أما بناء علي نجاسة ماء الغسالة فواضح.

و أما بناء علي طهارته فلما تقدم في آخر الكلام في حكم ماء الغسالة.

نعم، تقدم في المسألة العاشرة، من مبحث أحكام الخلوة الإشكال في عدم جواز رفع الحدث بماء الاستنجاء بناء علي طهارته.

(2) في الفصل الثالث من مبحث المياه. و تقدم منا أن الأقوي مانعيته.

(3) و في الحدائق أنه المشهور.

و كأن منشأ النسبة ما ذكروه في غسل الجنابة. قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لم أجد فيما يحضرني تحريرا له في المقام، و إنما حرر في غسل الجنابة».

و لذا أحال في الحدائق الكلام فيه في المقام علي ما ذكره هناك. لكن المحكي عنه نسبته هناك للمشهور بين المتأخرين، و في جامع المقاصد أنه الشائع علي ألسنة الفقهاء. و هو المصرح به في المنتهي و القواعد و جامع المقاصد و محكي الذكري و البيان و الدروس و الجعفرية و شرحها.

بل قد يستظهر من كل من ذكر في بيان كيفية الغسل إزالة النجاسة عن البدن قبله، كما في المقنع و الهداية و النهاية و الوسيلة و المراسم، بل قد يظهر من الأمالي أنه من دين الإمامية، و من الغنية دعوي الإجماع عليه. فتأمل.

و كيف كان، فلا ينبغي التوقف في اعتبار طهارتها لو استلزمت نجاستها

ص: 477

______________________________

انفعال الماء، كما لو كان قليلا بناء علي ما تقدم من انفعال ماء الغسالة بالملاقاة قبل الانفصال.

و احتمال عدم قدح الانفعال الناشئ من الاستعمال فيه، لأن مورد النصوص ما كان نجسا قبله. في غير محله، لإلغاء خصوصية مواردها عرفا.

و لا مجال لقياسه علي التطهير من الخبث. للفرق بين المقامين باختلاف القذر الذي يطرأ علي الماء عن القذر الذي يزال به سنخا في المقام، بخلاف التطهير من الخبث، و حيث كان التطهير من الخبث بغسله ارتكازا لزم العفو عن انفعال الماء به حينه، فما هو النظير للتطهير من الخبث مانعية استعمال الماء في رفع الحدث الأكبر من رفع الحدث به، حيث إنه إنما يمنع من استعمال آخر، لا من الاستعمال الواحد عرفا.

لكن في المبسوط: «و إن كان علي بدنه نجاسة أزالها ثمَّ اغتسل، فان خالف و اغتسل أولا فقد ارتفع حدث الجنابة. و عليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل، و إن زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها».

و مقتضي إطلاقه من عدم مانعية النجاسة الطارئة من التطهير. و تنزيله علي خصوص الكثير و نحوه مما لا ينفعل لأجل ما هو المعلوم مانعية نجاسة الماء بعيد، لأنه حمل علي غير الفرد المشهور مما يغفل عنه من دون تنبيه. إلا أن يرجع كلامه إلي عدم انفعال ماء الغسالة. فتأمل.

و الأمر سهل، إذ لا غرض في تحقيق مراده قدّس سرّه بعد ما عرفت من البناء علي مانعية النجاسة في الفرض.

و أما لو لم تستلزم نجاستها نجاسة الماء- لاعتصام الماء، أو للبناء علي طهارة الغسالة مطلقا أو قبل الانفصال- فقد يستدل علي وجوب طهارة الأعضاء و عدم الاجتزاء بغسل واحد للحدث و الخبث بوجوه.

الأول: أن الأصل عدم التداخل.

و فيه: أن التداخل هو مقتضي الإطلاق، و إنما خرجنا عنه فيما لو تعددت

ص: 478

______________________________

الأسباب، و كان المسبب هو التكليف بماهية واحدة، لأجل ظهور دليل كل سبب في كونه سببا مستقلا لحدوث التكليف المستقل، المستلزم لتعدد التكاليف بتعدد الأسباب المستتبع لتعدد متعلقها، و أنه ليس محض الماهية الحاصلة بصرف الوجود، لامتناع تعدد التكليف مع وحدة المكلف به.

أما في المقام فحيث كان التعدد في المسبب، و هو إزالة الحدث و الخبث و الطهارة من كل منهما، و لم يمتنع صدور المسببين عن سبب واحد، و هو الغسل في المقام، فلا موجب للخروج عن مقتضي الإطلاق في السبب، و هو الغسل، بل يتعين الاكتفاء بغسل واحد، كما يكتفي به في التطهير من النجاسات المتعددة، كالدم و البول. و تمام الكلام في ذلك في الأصول في ذيل مبحث مفهوم الشرط.

فراجع.

هذا، و قد أشار في الجواهر إلي الإشكال في الاستدلال بأصالة عدم التداخل بأن مقتضاها عدم الاكتفاء بغسل واحد للحدث و الخبث، لا شرطية رفع الخبث في صحة الغسل لرفع الحدث.

و يندفع: بأنه بعد العلم بارتفاع الخبث بالغسل الأول يكون احتياج رفع الخبث لغسل آخر مقتضي أصالة عدم التداخل، المفروض الرجوع إليها.

و لا ضير في لزوم تقييد إطلاق أدلة بيان الغسل، لابتناء أصالة عدم التداخل علي تقييد الإطلاق.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن الموجب لعدم التداخل ظهور تعدد الشرط في تعدد الجزاء، فإذا بني علي رفع اليد عن هذا الظهور بالنسبة إلي الخبث، و أنه يتحقق و لو بالغسل لرفع الحدث فلا مانع من الأخذ بإطلاق الإجزاء بالنسبة إلي الحدث، فيكتفي في رفعه بمجرد الغسل و إن ترتب عليه رفع الخبث.

فيندفع: بأن مقتضي الجمع بين أصالة عدم التداخل و فرض ارتفاع الخبث بالغسل الأول هو عدم صلوح الغسل المذكور لرفع الحدث، فلا تشرع نيته به، كي يكون ارتفاع الخبث به منافيا لأصالة عدم التداخل. فلاحظ.

ص: 479

______________________________

الثاني: ما في جامع المقاصد من أنه لو أجزأ الغسل مع نجاسة المحل لأجزأ مع بقاء عين النجاسة.

و هو كما تري لا يرجع إلي محصل ظاهر، فان عين النجاسة إن كانت مانعة من استيلاء الماء علي البشرة بالنحو المعتبر في رفع الحدث خرج عن المقام، و إلا فلا بأس بالتزام الإجزاء معها، و كانت من محل الكلام.

الثالث: النصوص المتضمنة للأمر بغسل النجاسة من البدن قبل الشروع في الغسل في مقام تعليمه، مثل ما تضمن غسل الفرج- بناء علي حمله علي فرض نجاسته، لا علي الاستحباب، كغسل اليدين- و صحيح حكم بن حكيم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة. فقال: أفض علي كفك اليمني من الماء فاغسلها، ثمَّ اغسل ما أصاب جسدك من أذي، ثمَّ اغسل فرجك، و أفض علي رأسك و جسدك فاغتسل» «1». و صحيح البزنطي: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن غسل الجنابة.

فقال: تغسل يدك اليمني من المرفقين [المرفق. خ ل] إلي أصابعك، و تبول إن قدرت علي البول، ثمَّ تدخل يدك في الإناء، ثمَّ اغسل ما أصابك منه، ثمَّ أفض علي رأسك و جسدك» «2» و غيرها.

فإن ظاهر الأمر فيها اللزوم، و مقتضي وروده لبيان الماهية كونه للإرشاد إلي توقفها علي ذلك، لا للوجوب التعبدي، كما قد يظهر مما تقدم من المبسوط.

و فيه: أن السؤال في هذه النصوص لما كان عن نفس الغسل فبيان المقدمات المذكورة خارج عن مقتضي السؤال لمحض التفضل، و هو كما يكون بالإرشاد إلي توقف الغسل علي ذلك يكون بالإرشاد إلي تجنب النجاسة، لما يستلزمه اختلاط ماء غسالة الغسل بغسالة الخبث من محذور ينبغي التوقي منه، و لا قرينة علي إرادة خصوص الأول.

و لا سيما مع ما في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا أصاب

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الجنابة حديث: 3.

ص: 480

______________________________

الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ علي كفيه و ليغسلهما دون المرفق، ثمَّ يدخل يده في إنائه، ثمَّ يغسل فرجه، ثمَّ ليصب علي رأسه ثلاث مرات مل ء كفيه، ثمَّ يضرب بكف من ماء علي صدره و كف بين كتفيه، ثمَّ يفيض الماء علي جسده كله، فما انتضح من مائه في إنائه بعد ما صنع ما وصفت فلا بأس» «1» لظهوره في اهتمامه عليه السّلام بتجنب انفعال غسالة الغسل.

و دعوي: أن الحمل علي ذلك لا يناسب ما في ذيل صحيح حكم: «فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك، و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك.» «2»، إذ لا غرض في تجنب انفعال غسالة غسل الرجلين في المكان القذر، إذ لا بد من تجنب ما ينتضح منها علي المكان، و هي لا تنتضح علي البدن لأنهما في أسفله.

مدفوعة: بقرب عدم كون المراد من غسل الرجلين غسلهما مقدمة للغسل، ليكون شاهدا لما نحن فيه، بل غسلهما بعد إكمال الغسل، لبيان عدم تنجسهما بماء غسل الجنابة مع مراعاة الكيفية المذكورة إلا إذا كان المكان قذرا، فيكون مساوقا للموثق.

علي أن ظاهر النصوص المذكورة بيان كيفية الاغتسال بالماء القليل، و لا إشكال في توقف الغسل به علي التطهير من الخبيث، إما لاعتباره في نفسه، أو للفرار به من محذور انفعال الماء المانع من الاغتسال به- كما تقدم- و لا قرينة في النصوص علي إرادة الأول.

و من هنا يشكل البناء علي وجوب التطهير قبل الغسل مع عدم انفعال الماء.

بل قوي في كشف اللثام العدم، و هو المحكي عن المختلف و نهاية الأحكام و شرح الدروس و الحدائق.

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الجنابة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 27 من أبواب غسل الجنابة حديث: 1.

ص: 481

و منها إباحة الفضاء الذي يقع فيه الغسل
اشارة

و منها: إباحة الفضاء الذي يقع فيه الغسل

______________________________

بقي في المقام أمور.

الأول: أشرنا إلي أنه لو قيل بعدم انفعال ماء الغسالة قبل انفصاله يتجه التوقف في مانعية نجاسة الأعضاء من رفع الحدث بغسلها.

و ربما يتوهم منافاته لما تقدم من عدم جواز الوضوء بالماء القليل المستعمل في رفع الخبث و إن قلنا بطهارته.

لكنه يندفع: بأنه لا يصدق علي الماء أنه مستعمل في رفع الخبث بمجرد ملاقاته، بل لا بد من جريانه علي المحل، بحيث يصدق عليه الغسالة، فيتحقق الوضوء به قبل صدق العنوان المذكور عليه. فتأمل.

الثاني: المحكي عن نهاية الإحكام عدم قدح النجاسة إذا كانت في آخر العضو في الوضوء بالماء القليل. و لا يتضح خصوصية آخر العضو في ذلك، فان المحذور ليس هو تنجس ما يجري عليه الماء، كي لا يبقي له موضوع في الفرض المذكور، بل انفعال نفس الماء بملاقاة الموضع النجس، و هو حاصل في الفرض، فلا بد فيه من استمرار إجراء الماء بعد طهارة المحل، كما في سائر المواضع.

الثالث: مقتضي ما سبق عدم الفرق بين النجاسة التي تزول بالمرة و التي لا تزول بها، فكما يكون الغسل الواحد مع عدم انفعال الماء بملاقاة العضو في الأولي مطهرا من الحدث و الخبث، يكون في الثانية مطهرا من الحدث و مجزيا عن مرة مما يعتبر في رفع الخبث. و ربما يحمل علي ذلك ما تقدم من المبسوط.

و قد أشار في الجواهر إلي القول في المقام باعتبار عدم بقاء المحل نجسا بعد الغسل، و لم يشر إلي القائل به و لا إلي دليله، و إنما قال: «ليس له وجه ظاهر سالم عن التأمل و النظر».

(1) كما لم يستبعده في الجواهر.

و الوجه فيه: أن حركات المكلف حين إيقاع الأفعال الوضوئية تصرف في الفضاء المذكور، و كذا إجراء الماء من مثل الإبريق علي أعضاء الوضوء و لو مع

ص: 482

______________________________

سكون المكلف حينه، لأن حركة الماء في الفضاء تصرف فيه، فيحرم.

و دعوي: انصراف إطلاق حرمة التصرف في مال الغير عن الفضاء.

مردودة علي مدعيها، لأن الفضاء مال مهم، و التعدي بالتصرف فيه لا يقصر عن التعدي بالتصرف في الأعيان الخارجية.

كيف، و لازم ذلك عدم جواز طرد المتصرف فيه و منعه من الاستمرار فيه، لعدم التعدي منه المسقط لحرمته و المسوغ للتعدي عليه بالطرد و نحوه. و لا يظن التزام أحد به.

و مثلها دعوي: انصراف الإطلاق المذكور عن التصرف اللازم من الوضوء. إذ لا يظهر وجه خصوصيته عن سائر التصرفات.

و أما منع انطباق التصرف علي الوضوء، لأنه عبارة عن وصول الماء إلي المحل، و إمرار الغاسل أو الماسح مقدمة له.

ففيه- مع أن الوضوء ليس عبارة عن وصول الماء إلي المحل، بل إيصاله إليه، كما يشهد به تفسيره بالغسل و المسح في الكتاب و السنة، و هما من أفعال المكلف، و وصول الماء نتيجة لهما- أن التقرب المعتبر في الوضوء إنما يكون بالحركات المذكورة، لأنها هي فعل المكلف بالمباشرة، فمع حرمتها يمتنع التقرب، فيبطل.

و كأن توقف سيدنا المصنف قدّس سرّه في الحكم لبعض هذه الوجوه، أو جميعها، لأنه تعرض لها في مقام الاستدلال عليه، و إن سبقه إلي بعضها في الجواهر.

فراجع.

هذا، و أما إباحة الأرض و الفراش و نحوهما مما يعتمد عليه المتوضي، فلا دليل علي اعتبارها، لعدم دخلها بحركات الوضوء و أفعاله. و مجرد مقارنة الأفعال للتصرف فيها بالاشغال و الاعتماد لا يوجب حرمتها، و لا يمنع من التقرب بها بعد أن لم يكن جزءا منها.

و ما عن غير واحد من صدق التصرف في المكان المغصوب علي نفس الوضوء، غير ظاهر.

ص: 483

علي الأحوط وجوبا. و الأظهر عدم اعتبار إباحة الإناء الذي يتوضأ منه مع الانحصار به (1)،

______________________________

فالمتعين البناء علي عدم البطلان، كما في المعتبر و المنتهي و المدارك و عن الحبل المتين. خلافا لما في الروض و عن محكي نهاية الإحكام، و الذكري و الدروس و الموجز الحاوي و كشف الالتباس و المقاصد العلية و مجمع البرهان.

حيث حكموا بالبطلان مع عدم اباحة المكان، بل ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه ظاهر المنسوب للمشهور.

اللهم إلا أن يكون محل كلامهم صورة غصبية الفضاء مع الأرض، لأنه الفرد الشائع، فيتجه البطلان، لما تقدم.

(1) حيث قد يدعي حينئذ عدم مشروعية الوضوء، لمزاحمته بحرمة الغصب، المقتضي لسقوط الأمر به، لأن مقتضي الجمع بين دليله و دليل التيمم، أخذ الوجدان في موضوعه، فمع توقفه علي التصرف بالمغصوب يكون مقتضي إطلاق حرمة الغصب عدم الوجدان و ارتفاع موضوع الوضوء. و منه يظهر أنه لا مجال لإعمال قواعد التزاحم بين التكليفين من ترجيح الأهم و التخيير مع عدمه.

إذ لا تزاحم بين التكليفين مع ورود أحدهما علي الآخر و رفعه لموضوعه، بل يختص بما إذا كانا في عرض واحد.

لكنه يندفع بأن سقوط الأمر بالوضوء لأجل عدم الوجدان لا ينافي بقاء ملاكه المستفاد من إطلاق دليله، فان مثل عدم الوجدان من الروافع الاضطرارية لا يوجب خروج مورده عن موضوع المشروعية عرفا تخصيصا لعموم دليله، بنحو يكون فاقدا لملاكه، بل يكون مسقطا للإلزام لا غير مع بقاء الملاك، فموضوع الحكم الاضطراري من سنخ المانع عن تأثير الملاك للأمر و الإلزام، و لا يمنع من رجحان الفعل بنحو يشرع الإتيان به و يصح التقرب به بلحاظ ملاكه.

و لذا يحسن تحمل الزحمة في رفع موضوع البدل الاضطراري، و يجب

ص: 484

فضلا عن عدمه (1)، فلو توضأ بماء مباح من إناء مغصوب أثم (2) و صح وضوؤه، من دون فرق بين الاغتراف منه (3)

______________________________

قضاء ما فات حال الاضطرار بالوجه الاختياري مع التمكن و نحو ذلك مما يكشف عن بقاء ملاك التكليف الأولي بنحو يكون الفعل مشروعا في نفسه صالحا للتقرب.

و هو لا ينافي ما تقدم من عدم صلوح التكليف بالوضوء لمزاحمة التكليف بترك الغصب، لوروده عليه و رفعه لموضوعه. فان رفعه لموضوع الأمر و الإلزام لا يستلزم رفعه للمشروعية و الملاك. و الملاك بنفسه و إن كان مهما لا يصلح لمزاحمة الملاك الفعلي إذا لم يكن التكليف علي طبقه فعليا.

(1) إذ لا مجال معه لجريان الشبهة المتقدمة، بل لا إشكال في وجوب الوضوء، للقدرة عليه من الماء الآخر الذي ليس في الإناء المغصوب.

(2) يعني: في التصرف بالإناء، لا في الوضوء المترتب عليه، علي ما يأتي توضيحه.

(3) لا يبعد صدق التصرف علي الاغتراف من الإناء فيما إذا أوجب تموج الماء و تحركه علي سطحه، إما لصغر الإناء، أو العنف في الاغتراف، فيحرم.

و أما إذا لم يوجب ذلك، لكبر الإناء و الاغتراف منه برفق، أو لشدة تموج الماء في الإناء قبل الاغتراف منه بنحو يتلاشي التموج الحاصل بسببه فيه، فلا يصدق التصرف عليه عرفا، فلا يكون محرما.

و كيف كان، فلو كان الاغتراف محرما فحيث لم يكن متحدا مع أفعال الوضوء، بل هو مقدمة إعدادية لها، و كان ترتبها عليها باختيار مستقل عنه، و ليست من سنخ المسببات التوليدية عنه، لم تكن حرمته مانعة من التقرب بها، ليبطل الوضوء.

و ما عن بعضهم من أن الوضوء من الإناء المغصوب استعمال له عرفا، فيحرم و يبطل. ممنوع جدا.

ص: 485

دفعة (1) أو تدريجا (2)،

______________________________

غاية ما قد يدعي صدق الاستعمال علي أخذ الماء من الإناء للوضوء، و هو غير ضائر، علي أنه لا أهمية لصدق الاستعمال عليه، بل لا بد من صدق التصرف، لأنه الذي تضمنه التوقيع الشريف «1»، و هو المنصرف من موثق سماعة و غيره مما تضمن عدم حل مال المسلم إلا بطيبة نفسه «2»، لمنافاته لحرمة المال ارتكازا، و هو غير منطبق علي الوضوء قطعا.

(1) يعني: بمقدار يكفي لتمام الوضوء. لكنه لما كان موجبا للقدرة علي الوضوء التام، لما تقدم من عدم صدق التصرف عليه فلا ينبغي الإشكال في وجوب الوضوء معه من دون فرق بين صورتي الانحصار و عدمه، و إنما يظهر الفرق المتقدم بينهما قبل حصوله، كما يظهر في الاغتراف التدريجي.

(2) فإنه بعد ما تقدم من عدم انطباق التصرف في الإناء علي الوضوء لا يمتنع التقرب به، فيصح و إن لم يكن مأمورا به مع الانحصار، لإمكان التقرب بالملاك.

إلا أن يستشكل في حصول قصد القربة حين الشروع في الوضوء، لابتنائه علي قصد المعصية بالاغتراف لبقية الأجزاء، لعدم مشروعية كل جزء منه إلا في ظرف الإتيان بالباقي بمقتضي الارتباطية، فلا بد من قصد كل جزء في ضمن قصد الكل، و حيث كان قصد الكل مبنيا علي قصد الإتيان به من الطريق المحرم كان الشروع مبنيا علي التجرؤ بقصد المعصية بحيث يكون داعيا إليها، و هو مناف للتقرب به ارتكازا.

و هذا بخلاف ما لو كان الاغتراف دفعيا، فان الوضوء بعده لا يبتني علي قصد المعصية و إن كان مسبوقا بها، أو كان الوضوء علي الفراش المغصوب، فإنه

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال من كتاب الخمس حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1. و باب: 1 من أبواب القصاص حديث: 3.

ص: 486

و الصب منه (1).

______________________________

و إن كان مقارنا لقصد المعصية إلا أنه لا يبتني عليه و لا يرتبط به.

و لو تمَّ ذلك لم يفرق فيه بين صورتي الانحصار و عدمه، إذا كان المقصود إكمال الوضوء من الإناء المغصوب.

نعم، لا مانع من التقرب بالجزء لو فرض عدم القصد إلي الإكمال من المغصوب، إما لتخيل القدرة علي ماء آخر، أو لعدم قصد المجموع، بل اتي بالجزء احتياطا برجاء الإكمال من ماء آخر.

و كذا لو فرض القصد إلي المعصية علي كل حال لا من أجل الوضوء، بحيث لا يكون الوضوء داعيا إليها و إن قصد ترتبه عليها. علي اشكال في الأخير.

و ما ذكرناه يجري في كل مقدمة محرمة يبتني الشروع في العمل علي قصد إكماله من طريقها، بحيث يكون العمل داعيا إليها و يكون قصدها متفرعا علي قصده فلاحظ.

(1) أما الصب منه في الكف ثمَّ الغسل به فيلحقه حكم الاغتراف المتقدم.

و أما الصب منه علي العضو لغسله رأسا فقد يشكل، لأن قصد التقرب إنما يكون بالصب، لأنه فعل المكلف بالمباشرة و الغسل مسبب توليدي له ليس موضوعا لاختيار مستقل عنه، فإذا كان الصب محرما امتنع التقرب به، فيبطل الوضوء.

نعم، لو اجري الماء من المغصوب باستمرار بثقب و نحوه لا لأجل الوضوء فوضع المكلف العضو تحته لغسله به، نظير الاسالة المعروفة في زماننا لم يبعد تأتي قصد القربة، لأن التقرب إنما يكون بوضع العضو تحت الماء، و هو مباين للفعل المحرم الذي سبب الجريان فلا تمنع حرمته من التقرب به.

هذا كله إذا لم يجب التفريغ، و أما إذا وجب شرعا أو عقلا بنحو لا يكون مبعدا، كما لو اضطر إليه لا بسوء الاختيار، للفرار به من زيادة التصرف في

ص: 487

نعم، يشكل الوضوء إذا كان بنحو الارتماس فيه (1)، إلا أن يصدق التصرف فيه عرفا علي الوضوء فيه (2). كما أن الأحوط وجوبا إباحة المصب إذا كان وضع الماء علي العضو مقدمة للوصول إليه (3).

______________________________

المغصوب، فلا إشكال في جواز نية الوضوء حينئذ بالاغتراف أو الصب.

أما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار فلا ينافي مبعديته، و يمتنع التقرب به، كما تقدم نظيره في المسألة الخمسين في حكم الجبيرة المغصوبة.

(1) سواء نوي الغسل الوضوئي بنفس الارتماس أم بالإخراج، لأن كلّا منهما موجب لتموج الماء علي السطح الداخلي للإناء، و هو نحو من التصرف فيه عرفا، فيحرم، و يمتنع التقرب به.

نعم، لو فرض معذورية المكلف بالارتماس كان مضطرا للإخراج، من دون أن يحرم أو يكون مبعدا، بل يمكن التقرب بنية الوضوء به.

ثمَّ إن الأمر لا يختص بالإناء، بل يجري في كل محل للماء، كالحوض و البئر و نحوهما. فالمعيار في الحرمة فيه تحقق التصرف بتموج الماء فيه و عدمه، بل هو المعيار لو كان المغصوب طرفا منه، فمثل قعر الحوض لا يضر غصبيته غالبا، لعدم التموج فيه و عدم صدق التصرف.

و أما ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من التحريم فيما لو كان المغصوب مقوما لحوضية الحوض، بحيث لولاه لم يبق الماء فيه، لأن التصرف في كل شي ء بحسبه، و كما يكون الوضوء من الحوض تصرفا فيه يكون تصرفا في أجزائه.

فهو في غير محله، لابتنائه علي الخلط بين الانتفاع و التصرف. و يأتي في مسألة الوضوء تحت الخيمة المغصوبة في ذيل الكلام في اعتبار الإباحة ما له نفع في المقام.

(2) لسعة الإناء و حصول الارتماس برفق، أو لشدة تموج الماء في الإناء قبل الارتماس، نظير ما تقدم في الاغتراف.

(3) يعني: بنحو يكون الوصول مسببا توليديا عن وضع الماء علي العضو

ص: 488

مسألة 61 يكفي طهارة كل عضو قبل غسله

(مسألة 61): يكفي طهارة كل عضو قبل غسله (1)، و لا يلزم أن تكون جميع الأعضاء قبل الشروع طاهرة، فلو كانت نجسة و غسل كل عضو بعد تطهيره كفي (2).

______________________________

لا يحتاج لاختيار مستقل، فيكون الوضع مبعدا بنفسه، و يمتنع التقرب به.

و أما لو كان فعلا مستقلا تابعا لاختيار مستقل فلا مجال للبطلان معه. كما أن البطلان في الصورة الأولي مختص بما إذا نوي الغسل بوضع الماء، و أما لو نواه بإمرار اليد علي العضو بعد وضعه عليه من دون أن يستلزم الجريان حينئذ لحقه ما تقدم في الاغتراف التدريجي.

(1) يعني: بناء علي اعتبار طهارة الأعضاء قبل الغسل، و قد تقدم الكلام في ذلك.

(2) لإطلاق أدلة الوضوء.

نعم، قد يستفاد اعتبار ذلك من النصوص المتقدمة عند الكلام في اعتبار طهارة الأعضاء الواردة في تعليم الغسل، المتضمنة ذكر إزالة النجاسة قبل الشروع فيه.

و بمضمونها عبر غير واحد ممن تقدم التعرض له، بل تقدم ما قد يظهر منه دعوي الإجماع علي المضمون المذكور.

و من هنا فقد ذكر في محكي شرح المفاتيح أن اعتبار إزالة النجاسة قبل الشروع في الغسل هو الظاهر من فتاوي الأصحاب.

لكن في جامع المقاصد بعد التعرض لإيهام عبارة القواعد ذلك: «و ليس كذلك قطعا»، و في كشف اللثام: «و تقديم غسل الفرج من باب الأولي قطعا»، و عن السرائر نفي الخلاف في كون ذلك من السنن و الآداب.

و قد تقدم الإشكال في دلالة النصوص المذكورة علي اعتبار طهارة العضو قبل الشروع فيه، فضلا عن اعتبارها قبل الشروع في الغسل.

ص: 489

و لا يضر تنجس عضو بعد غسله و إن لم يتم الوضوء (1).

مسألة 62 إذا توضأ من إناء الذهب أو الفضة بالاغتراف منه دفعة أو تدريجا

(مسألة 62): إذا توضأ من إناء الذهب أو الفضة بالاغتراف منه دفعة أو تدريجا، أو بالصب منه، فصحة الوضوء لا تخلو من وجه (2)،

______________________________

مضافا إلي ما تقدم في ذيل صحيح حكم من فرض الغسل في المكان القذر، و في موثق سماعة من أن فائدة التطهير عدم الانفعال بانتضاح ماء الغسل في الإناء، المشعر أو الظاهر في المفروغية عن إمكان الاغتسال بنحو يوجب الانفعال، لتنجس البدن.

(1) للإطلاق.

(2) أما بناء علي اختصاص الحرمة بالأكل و الشرب من إناء الذهب و الفضة دون بقية الاستعمالات، فظاهر.

و أما بناء علي عمومها لمطلق الانتفاع- كما قد يدعي- أو لمطلق الاستعمال- كما هو معقد الإجماع المدعي في كلام غير واحد- أو للاستعمال المناسب للإناء المقصود نوعا منه بما هو إناء- كما لعله المتيقن من الإجماع المذكور، و تقتضيه النصوص المتضمنة لكراهة آنية الذهب و الفضة، و أنها متاع الذين لا يوقنون «1»، فإنه بعد تعذر حمل الطائفة الأولي علي كراهة نفس الإناء لامتناع تعلق الحكم التكليفي بالأعيان، فالأقرب حملها علي كراهة الاستعمال المناسب للإناء، دون خصوص الأكل و الشرب، منه أو وجوده، كما أن ذلك هو المتيقن أو المنصرف من الطائفة الثانية. و تمام الكلام في محله من خاتمة كتاب الطهارة، فلأن الانتفاع و الاستعمال إنما يكونان باغتراف الماء من الآنية و الصب منها، لا بما يترتب عليهما من غسل الأعضاء، فلا موجب لحرمة الغسل، كي يمتنع التقرب به و يبطل.

نعم، يجري في الاغتراف التدريجي و الصب ما تقدم في الوضوء من الإناء المغصوب.

______________________________

(1) الوسائل باب: 65 من أبواب النجاسات و الأواني و الجلود.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 491

ص: 490

من دون فرق بين صورة الانحصار و عدمه (1). و لو توضأ بالارتماس فيه فالصحة مشكلة (2).

______________________________

(1) لما تقدم في الوضوء من الإناء المغصوب. و سيأتي تمام الكلام في ذلك.

(2) لقرب صدق الاستعمال علي نفس الارتماس، فيحرم و يمتنع التقرب به.

ثمَّ إنه لو فرض انحصار الماء بالماء الموجود في إناء الذهب و الفضة فقد يقال بوجوب تفريغه في إناء آخر مع التمكن، جمعا بين حرمة استعمال الإناء و وجوب الوضوء، و مع التعذر يسقط الوضوء، لتوقفه علي الاستعمال المحرم الموجب لصدق عدم الوجدان.

و قد يستشكل في الأول بأن إفراغ الماء من الإناء لإناء آخر محرم أيضا، لأنه نحو من الاستعمال له، نظير تفريغه حين الغسل به.

و يندفع بأن التفريغ المذكور و إن كان استعمالا للإناء، إلا أنه ليس استعمالا مقصودا منه بما هو إناء، و ليس هو كالتفريغ حين الغسل به عرفا، بل هو خروج عن مقتضي إنائيته.

نعم، قد يكون من شأن الإناء استعماله لنقل الماء من محل لآخر، لكنه خارج عن محل الكلام مما كان المقصود محض التفريغ للتخلص من الاستعمال.

و أما الثاني، فقد يشكل بقرب انصراف النصوص المستفاد منها حرمة استعمال الإناء عن الاستعمال الذي ينحصر به استعمال ما فيه من طعام و شراب و نحوهما، لسوقها في مساق ترجيح نحو من الاستعمال له علي نحو آخر، بمناسبة ارتكاز كون مبني النهي المذكور علي تجنب نحو من الترف و البطر، و الاستعمال الذي للإناء ينحصر به استعمال ما فيه، أجنبي عن ذلك.

و لذا يصعب جدا البناء علي وجوب ترك الطعام و الشراب الموجود في آنية

ص: 491

و منها عدم المانع من استعمال الماء
اشارة

و منها: عدم المانع من استعمال الماء (1)، لمرض أو عطش يخاف منه علي نفسه أو علي نفس محترمة.

نعم، في فرض العطش لو أراق الماء علي أعلي جبهته، و نوي الوضوء بعد ذلك بتحريك الماء من أعلي الوجه إلي أسفله، كان للصحة وجه (2).

______________________________

الذهب و الفضة إذا تعذر إفراغه منهما في غيرهما، كما يصعب البناء علي سقوط الوضوء في المقام، و إن كان أدني تكليف صالحا لإسقاط الوضوء عند مزاحمته به، كما سبق.

و منه يظهر الجواز و إن لم ينحصر الأمر بالماء الموجود في الإناء المذكور إذا انحصر الانتفاع بذلك الماء باستعماله فيه، فلاحظ.

(1) المراد المانع الشرعي، الذي يحرم معه صرف الماء في الوضوء، حيث يكون الوضوء به مبعدا، فيبطل.

لا المانع الخارجي، لعدم مناسبته للمقام، و لا مطلق ما يشرع معه التيمم، لما هو الظاهر من أن مشروعية التيمم لا تمنع من صحة الوضوء علي ما يأتي في مبحث التيمم إن شاء اللّه تعالي.

و منه يظهر أنه لا بد من فرض كون المرض و العطش بنحو يجب التوقي منه.

كما أنه يلحق بالمرض سائر موارد الضرر الذي يجب دفعه شرعا، و بخوف العطش سائر الموارد التي يجب حفظ الماء فيها و عدم صرفه في الوضوء، كما لو وجب تطهير المسجد أو البدن به مقدمة للصلاة، لامتناع التقرب بغسل الأعضاء بالماء حينئذ، فلا يقع الوضوء به، إلا فيما يأتي استثناؤه.

(2) لتحقق العصيان بصب الماء، لأنه الموجب لتعذر صرفه في ما يجب صرفه فيه، أما تحريكه علي الوجه بعد ذلك فلا موجب لحرمته ليمتنع التقرب به، فيجري فيه ما تقدم في الاغتراف التدريجي.

ص: 492

مسألة 63 إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء فان قصد أمر الصلاة الأدائي بطل

(مسألة 63): إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فان قصد أمر الصلاة الأدائي بطل (1)، و إن قصد أمر غاية أخري، و لو الكون علي الطهارة، صح (2).

مسألة 64 لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل

(مسألة 64): لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل (3)

______________________________

نعم، لو تعذر أداء الواجب ببقية الماء لحقه حكم الاغتراف الدفعي.

و نظير ذلك يجري في الضرر لو فرض حصوله حصوله بصب الماء علي الأعضاء، دون إمراره بعد ذلك عليها باليد.

(1) لعدم تحقق الامتثال بعد فرض عدم الأمر الممتثل.

نعم، لو قصد امتثال الأمر الفعلي بالصلاة و إن كان قضائيا، صح الوضوء.

و دعوي: أن الأمر القضائي ليس فعليا حين الوضوء، لفرض عدم خروج الوقت، و إنما يكون فعليا بعد ذلك فلا يمكن قصده حين الوضوء.

مدفوعة: بأن مقتضي الجمع بين دليلي الأداء و القضاء أخذ خصوصية الوقت بنحو تعدد المطلوب، مع كون أصل المطلوب في الوقت و خارجه بأمر واحد، فيمكن قصد امتثال الأمر المذكور بالوضوء.

نعم، في فرض إمكان الأداء بالتيمم فبناء علي مشروعيته يكون واجبا، فتمتنع معه فعلية الأمر المذكور و يتعين التقرب بالملاك. و يأتي في المسألة الواحدة و السبعين تقريب صحة الوضوء مطلقا، كما يأتي نظير هذه المسألة في المسألة التاسعة عشرة من مباحث غسل الجنابة، مع التعرض لما ينفع في المقام.

(2) بناء علي وجوب التيمم للصلاة التي ضاق وقتها يكون الوضوء للغايات المذكورة مزاحما للواجب المذكور، فيسقط الأمر به، و يتعين حينئذ قصد ملاك الأمر بالغايات المذكورة، لا قصد الأمر الفعلي بها.

(3) حيث تقدم اشتراط عدم الحائل عند التعرض لأفعال الوضوء.

ص: 493

بين صورة العلم و العمد و الجهل و النسيان (1).

و أما في الغصب، فالبطلان مختص بصورة العمد (2)، سواء أ كان المغصوب الماء أو المكان أو المصب، فمع الجهل بكونها مغصوبة أو النسيان لا بطلان.

______________________________

(1) لإطلاق أدلة الشروط المذكورة، و عدم الدليل علي إجزاء الفاقد لها في الأخيرين و إن لم يكن مأمورا به.

(2) لأن المانع من الصحة ليس إلا مبعدية الفعل بسبب النهي، فيمتنع التقرب به، فمع فرض عدم الالتفات إليه يرتفع المانع، فيصح الفعل بعد واجديته لملاك الأمر، بل دخوله فعلا في الماهية المأمور بها، علي ما حرر في محله من مبحث اجتماع الأمر و النهي.

و منه يظهر الحال في سائر الموارد التي يكون المانع فيها من الوضوء استلزامه مخالفة تكليف تقتضي البعد بالعمل و تمنع من التقرب به، فالأمر فيها كالغصبية.

كما يظهر أنه لا يكفي عدم التكليف واقعا لو فرض منجزية احتماله في مقام العمل، لقيام الحجة عليه أو لزوم الاحتياط فيه عقلا- كما في أطراف العلم الإجمالي- أو شرعا- كما في مورد عدم الفحص عن الحكم الكلي- لامتناع التقرب أيضا، لمبعدية الإقدام حينئذ، لأنه نحو من التجري.

نعم، لو فرض عدم المعذورية عن التكليف واقعا و استحقاق العقاب عليه للتقصير، إلا أنه كان مغفولا عنه غير منجز في مقام العمل، لم تبعد الصحة، لإمكان قصد التقرب.

و دعوي: أنه غير صالح للمقربية مع فرض استحقاق العقاب عليه، فلا ينفع قصد التقرب.

مدفوعة: بأنه صالح للمقربية من حيثية الامتثال، و إن كان مبعدا من حيثية

ص: 494

مسألة 65 إذا التفت إلي الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضي من أجزائه

(مسألة 65): إذا التفت إلي الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضي من أجزائه (1)، و يجب تحصيل المباح للباقي. و لكن إذا كان المغصوب الماء و التفت إلي الغصبية بعد الغسلات و قبل المسح فجواز المسح بما بقي من الرطوبة لا يخلو من قوة (2)، و إن كان الأحوط استحبابا إعادة الوضوء.

______________________________

المعصية الواقعية.

و التنافي في العمل الواحد بين المقربية و المبعدية إنما هو بمعني امتناع قصد التقرب بما يعلم بمبعديته و يكون العبد فيه متجرئا علي المولي، لا بمعني امتناع تحقق المقربية الواقعية فيما يكون مبعدا واقعا مع تعدد الجهة.

علي أنه لا دليل علي اعتبار المقربية الواقعية في العبادة، بل هي كأصل العبادية مخالفة للإطلاق و الأصل علي التحقيق، و المتيقن في الخروج عنهما اعتبار قصد التقرب الذي هو مقوم للعبادية المفروض حصوله في المقام. فلاحظ.

(1) لما تقدم في المسألة السابقة.

(2) إما لأن الرطوبة من سنخ العرض، و ليست ماء عرفا كي تكون ملكا لمالكه.

أو لأنها- و إن كانت ملكا له- خارجة عن المالية، و دليل حرمة التصرف- كالتوقيع و غيره- مختص بالمال.

أو لأن مبني الضمان مع بقاء العين للحيلولة أو للسقوط عن المالية ارتكازا ليس علي مجرد الغرامة مع بقاء المضمون علي ملك مالكه، بل علي المعاوضة المقتضية لانتقال المضمون إلي ملك الضامن، فتكون الرطوبة في الفرض ملكا للمتوضئ، فيجوز له المسح بها.

لكن يندفع الأول بأن الرطوبة التي يجوز المسح بها ليست من سنخ العرض، بل هي ماء عرفا قابل لأن يملك.

و الثاني بأن الظاهر أن المراد بالمال في أدلة الاحترام ما يعم الملك، و لذا لا

ص: 495

مسألة 66 مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف

(مسألة 66): مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف (1)،

______________________________

إشكال ظاهرا في عدم جواز مزاحمة المالك فيما يملكه و إن خرج عن المالية.

و أما الثالث الذي يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه الاعتماد عليه في المقام، فهو إنما يتم مع دفع العوض و قبول المالك به، و أما قبله فالظاهر بقاء المال علي ملك مالكه.

و مجرد كونه مضمونا لا يقتضي المعاوضة فيه و تملك الضامن له. و لذا يمكن تعدد الضامنين للمال الواحد- كما في مورد تعاقب الأيدي- مع وضوح عدم تعدد المعاوضات في حق كل منهم بالإضافة إلي المال الواحد.

بل لازم ذلك جواز الغسل الوضوئي بالماء المغصوب، لسقوطه عن المالية بمجرد صبه علي العضو.

بل يلزم جواز أكل المغصوب و شربه بمجرد مضغه و صيرورته في فضاء الفم قبل ابتلاعه، لخروجه بذلك عن المالية، و لا يظن التزام أحد بذلك و نحوه.

فالبناء علي عدم جواز المسح في غير مورد دفع البدل هو الأظهر.

نعم، لو فرض عدم تقصير المتوضي، فحيث كان بعد الالتفات مضطرا للتصرف في الرطوبة المذكورة، بالمسح أو التنشيف أو نحوهما، فلو فرض عدم الفرق بين المسح و غيره من أنحاء التصرفات بنظر المالك، لم يكن المسح مبعدا بسبب الاضطرار المذكور، و أمكن التقرب به، فيصح الوضوء.

بل قد يجري ذلك في الغسل أيضا لو التفت المتوضي للغصبية بعد إراقة الماء علي العضو.

بل قد يتجه ذلك لو فرض تقصير المكلف، إلا أنه تاب عند الالتفات، لقرب ارتفاع المبعدية حينئذ عند الالتفات، نظير ما تقدم في المسألة الخمسين في الجبيرة المغصوبة.

(1) لاستصحاب عدم طيب نفس المالك، الذي هو موضوع جواز التصرف

ص: 496

و يجري عليه حكم الغصب، فلا بد من العلم بإذن المالك، و لو بالفحوي أو شاهد الحال (1).

مسألة 67 يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار

(مسألة 67): يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار (2)،

______________________________

في ملك الغير بمقتضي موثق سماعة و نحوه «1» مما تقدمت إليه الإشارة عند الكلام في اعتبار إباحة الإناء الذي يتوضأ منه.

بل ذكرنا في الأصول في مسألة انقلاب الأصل في الدماء و الفروج و الأموال أنه مع عدم إحراز إذن المالك يتعين الاحتياط بترك التصرف مع قطع النظر عن الاستصحاب المذكور.

نعم، لو سبق من المالك طيب النفس كان مقتضي استصحابه جواز التصرف.

لكن لا بد من سبق طيب النفس بخصوص التصرف الذي هو محل الابتلاء أو ما يعمه، و لا يكفي طيب النفس بخصوص التصرف السابق، كما هو ظاهر.

(1) تقدم في المسألة الثالثة من فصل أحكام الخلوة الكلام فيهما مفهوما و حكما، و ذكرنا أن المراد بالفحوي الرضا التقديري، الذي هو عبارة عن كون المالك بحيث لو التفت لرضي، و إن كان غافلا حين التصرف.

و بشاهد الحال الفعل الصادر من المالك و نحوه الدال عرفا علي الرضا.

(2) كما صرح به غير واحد و حكي عن آخرين. بل يظهر من بعضهم في نظائر المقام الاتفاق علي ذلك في الجملة، و إن اختلفوا في دليله و مقدار عمومه.

و كيف كان، فقد يستدل عليه بما تضمن اشتراك المسلمين في الماء، كصحيح محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن ماء الوادي. فقال: إن المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلاء» «2»، و قيام الضرورة علي انتفاء الاشتراك

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1. و باب: 1 من أبواب القصاص حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب إحياء الموات حديث: 1.

ص: 497

______________________________

في كثير من الموارد لا يمنع من الرجوع للعموم المذكور، للزوم الاقتصار في تخصيصه علي المتيقن، و ليس منه المقام.

و فيه: أن كثرة موارد التخصيص و وضوحها تمنع من البناء علي العموم المذكور، و تكشف عن احتفافه بما يصلح لصرفه عن ظاهره بنحو لا ينهض بالاستدلال في المقام.

و لعل الأقرب حمله علي عدم جواز منع هذه الأمور مع بقائها علي الإباحة الأصلية و عدم تملكها ببعض الأسباب، تعريضا بما يزاوله بعض الظلمة من حمي الحمي و منع الرعية من هذه الأمور مع إباحتها الأصلية، أو يصطلح عليه في بعض الأعراف من ثبوت حق السبق فيها من دون حيازة مملكة.

و لا بد أن يراد بالنار حينئذ مادتها و هي الحطب، و إلا فالنار غالبا مملوكة لموقدها، فله المنع منها بالضرورة.

هذا، مضافا إلي غير واحد من النصوص الظاهرة في كون الماء و الكلأ كسائر الأمور قابلين للتملك بالأسباب المتعارفة، كصحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء، فيستغني بعضهم عن شربه، أ يبيع شربه؟ قال: نعم، إن شاء باعه بورق و إن شاء باعه بكيل حنطة» «1».

و موثق إسماعيل بن المفضل أو صحيحه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بيع الكلاء إذا كان سيحا، فيعمد الرجل إلي مائه، فيسوقه إلي الأرض فيسقيه الحشيش و هو الذي حفر النهر، و له الماء يزرع به ما شاء. فقال: إذا كان الماء له فليرزع به ما شاء و ليبعه بما أحب» «2».

و نحوهما غيرهما «3»، حيث يلزم لأجلها حمل الصحيح المذكور و نحوه

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب إحياء الموات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب إحياء الموات حديث: 2.

(3) راجع الوسائل باب: 22 من أبواب عقد البيع و شروطه. و باب: 6، 9 من أبواب إحياء الموات.

ص: 498

______________________________

علي غير المملوك.

و ربما يحمل علي الاستحباب لأجلها، و الأول أقرب.

و ربما يجعل جواز التصرف في المقام و نظائره من صغريات قيام شاهد الحال علي رضا المالك، لقيام العادة علي عدم المنع في مثله.

و قد أطال غير واحد في تقريب ذلك.

و يشكل: - مضافا إلي عدم اطراد حصول العلم بعدم المنع، و الظن لا يكفي إلا مع استناده لظهور فعل من المالك، الذي تقدم أنه المراد بشاهد الحال- بأن المعتبر ليس هو عدم المنع من التصرف، بل الإذن فيه أو الرضا به و لو شأنا، بحيث لو التفت المالك لرضي به، و هو غير مطرد، لإمكان عدم رضا المالك لو التفت، لا لاهتمامه بالمال، بل لبغضه للمتصرف، لكونه عدوا في الدين أو الدنيا.

بل قد لا يعتد برضا المالك للتحجير عليه، و قد لا يكون لوليه حق الإذن في التصرف، لعدم كونه صالحا له، بل قد يكون عدمه أصلح له و إن لم يكن هو مضرا به عرفا، فلاحظ.

هذا و عن كاشف الغطاء قدّس سرّه الاستدلال علي الجواز باستلزام المنع للحرج العام، فيسري إلي الخصوص.

فإن أراد الاستدلال بقاعدة نفي الحرج، فهي- مع كون موضوعها الحرج الشخصي لا النوعي، و هو غير مطرد- لا تقتضي جواز الوضوء في ملك الغير، لمنافاته للامتنان، بل تقتضي سقوط الوضوء.

و إن أراد أن لزوم الحرج العام من المنع كاشف عن عدمه، لابتناء الشريعة علي السهولة و عدم الحرج النوعي في أحكامها. فهو لا يخلو عن وجه، إلا أن في بلوغه حد الاستدلال إشكالا.

و العمدة في المقام سيرة المتشرعة من غير نكير علي استعمال المياه المذكورة، فلو كان ذلك محرما لظهر و لم يخف عليهم بسبب كثرة الابتلاء به، و لو ظهر لم تقم السيرة علي ذلك أو اختصت بغير المتدينين مع الاستنكار من

ص: 499

سواء أ كانت قنوات (1) أو منشقة من شط و إن لم يعلم رضا المالكين، و إن كان فيهم الصغار و المجانين (2).

______________________________

المتدينين، كما هو الحال في سائر المحرمات الشائعة.

و عليه، يجب الاقتصار في الحكم علي المتيقن من السيرة المذكورة، لمخالفتها لقاعدة احترام مال المسلم.

بقي شي ء، و هو أن الأنهر قد تشق في الأرض للاستقاء منها من دون أن يقصد حيازة مائها، كما هو الحال في الأنهر التي تعبر علي أراضي متعاقبة لملاك متعددين، فإن كلا منهم لا يستولي علي مائها بعد فرض جريانه لأرض غيره، و لا يملك إلا ما يستقي به من الماء، و بقية ماء النهر علي الإباحة الأصلية، فلا مورد للإشكال فيه.

نعم، يتجه الإشكال في الدخول للأرض المملوكة في طريق النهر، فلا بد فيه من التشبث بما يأتي في الأراضي الواسعة.

(1) قال في مجمع البحرين: «و هي الآبار التي تحفر في الأرض متتابعة ليستخرج ماؤها».

(2) كما صرح به غير واحد في الأراضي الواسعة المتحدة الحكم مع المياه المذكورة ظاهرا، لاشتراكها في أكثر الأدلة المتقدمة، و عن الذكري: أنه مقتضي إطلاق الأصحاب، و عن حاشية المدارك: أنه الذي أفتي به الفقهاء.

قال في الروض: «و لا يقدح في الجواز كون الصحراء للمولّي عليه علي الظاهر، لشهادة الحال و لو من الولي، إذ لا بد من وجود وليّ، و لو أنه الإمام عليه السّلام»، و قريب منه كلام غيره.

و قد تقدم الإشكال في جعل المقام من صغريات الرجوع لشاهد الحال.

و مثله ما عن مجمع البرهان من أن الإذن في أمثال ذلك حاصل، لحصول النفع بدون الضرر، فلا يحتاج إلي إذن المالك و نحوه، لابتناء الحكم علي التوسعة، لظهور ضعف التعليل المذكور، لأن حصول النفع الأخروي للمالك من دون ضرر

ص: 500

و كذا الأراضي الوسيعة جدا (1)، أو غير المحجبة (2)،

______________________________

ليس معيارا للإذن في التصرف منه و لا من الشارع، و حصول النفع الدنيوي من غير ضرر و إن كان مستلزما للإذن منه غالبا، بل قد يستحب التصرف شرعا حينئذ حسبة، إلا أنه غير حاصل في المقام قطعا.

فالعمدة في الجواز جريان السيرة فيه، التي عرفت أنها العمدة في المقام، و لذا لم يكن بناء المتشرعة علي الفحص عن حال المالك.

(1) كلام أكثر الأصحاب وارد في الأراضي الواسعة، كالصحاري، و قل من تعرض للماء، و إنما استفيد حكمهم فيه تبعا، كما أشرنا إليه.

و أكثر ما تقدم من وجوه الاستدلال وارد فيها، و منها السيرة التي عرفت أنها العمدة في المقام.

هذا، و المتيقن منها الأراضي المنكشفة، و هي المنساقة من كلام الأصحاب، لتمثيلهم بالصحاري، و كأنه لابتناء التحجيب عرفا علي صيانة الأرض و احترامها.

فيشكل ما قد يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه و السيد الطباطبائي في العروة الوثقي من التعميم للمحجبة إذا كانت وسيعة جدا.

نعم، لو تعارف العبور فيها أو التصرف مع تحجيبها مع جريان العادة باطلاع المالك علي ذلك، لم يبعد عن مقتضي السيرة كونها كغير المحجبة، فلاحظ.

(2) و إن لم تكن وسيعة، لقيام السيرة علي العبور في الخرائب و اتخاذها طرقا، بل الجلوس فيها و عدم التحرز من ذلك.

نعم، المتيقن من ذلك ما إذا استند عدم التحجيب للمالك و لو من جهة إهماله، أما إذا استند لغيره من ظالم أو نحوه أشكل قيام السيرة من المتدينين.

و من هنا يشكل التصرف بالعبور و نحوه في الأراضي التي تستملكها الحكومة و تجعلها طرقا أو ساحات أو حدائق عامة أو نحوها، كما تعارف في عصورنا كثيرا، لعدم اختيار المالك في كشفها و رفع الحاجب عنها.

ص: 501

فيجوز الوضوء و الجلوس و النوم و نحوها (1) فيها،

______________________________

لكن الإنصاف أن الجهات الارتكازية و السيرة الفعلية تناسب التعميم، و لا تساعد علي الفرق، بل من القريب جدا ثبوت السيرة علي ذلك من الصدر الأول، لكثرة الابتلاء به بسبب ما كان يقترفه ولاة الجور من هدم دور المؤمنين و اصطفاء ضياعهم، و التحرز عن العبور فيها لو قاربت الطريق و نحوه محتاج إلي عناية يبعد جدا من حال المؤمنين الالتزام بها.

علي أنه لو كان البناء علي التوقف في ذلك لزم التوقف مع الجهل بالحال، ما لم يحرزه استناد كشف الأرض للمالك بوجدان أو أصل، و هو لا يناسب السيرة جدا.

بل يبعد عن المرتكزات الفرق بين كون عدم التحجيب لعجز المالك أو جهله و كونه لمنع الظالم و اغتصابه، و حيث كان المنع في كلتا الصورتين و تخصيص الجواز بصورة إهمال المالك بعيدا عن السيرة جدا كان الجواز في الكل قريبا جدا.

نعم، لو كان العبور ترويجا للظلم و إمضاء له، بحيث يكون للتوقف دخل في إنكار المنكر و إيقاف الظالم عند حده فلا ينبغي الإشكال في حرمة العبور بمقتضي العمومات و ارتكاز المتشرعة، و هو خارج عن محل الكلام و الابتلاء غالبا.

(1) يعني: من التصرفات العابرة غير المبنية علي الاستحكام و الثبات، و التي لا تزاحم المالك و لا توجب الإضرار بالأرض عرفا، و إلا خرجت عن المتيقن من سيرة المتشرعة.

بل الظاهر كونها اعتداء بمقتضي ارتكازهم.

نعم، ربما يكون ترك الناس التصرفات المذكورة أنفع للمالك، لاستلزام تحققها من المجموع لنحو من الضرر التدريجي، و إن لم يترتب ضرر معتد به عرفا علي تصرف كل شخص وحده، و الظاهر اغتفار ذلك و عدم منعه من التصرف، لابتناء السيرة علي التسامح فيه.

ص: 502

ما لم ينه المالك (1).

______________________________

(1) للشك في ثبوت السيرة حينئذ، فالمرجع عموم حرمة التصرف مع عدم طيب النفس.

اللهم إلا أن يقال: مقتضي العموم اعتبار طيب نفس المالك أو إذنه، فحيث علم بعدم اعتبار أحدهما في المقام فقد علم بتخصيص العموم فيه و سقوطه عن الحجية، و هو لا ينهض بإثبات مانعية النهي عن التصرف، لخروجه عن مفاده، و هذا بخلاف بقية موارد قصور السيرة كالأرض الواسعة المحجبة، إذ حيث يحتمل فيها اعتبار طيب النفس لم يعلم بتخصيص العموم فيها، فيكون حجة.

و دعوي: أن توقف جواز التصرف علي الإذن مستلزم لعدم جوازه مع المنع بالأولوية، فسقوط العام في الأول لا ينافي حجيته في الثاني.

مدفوعة بعدم وضوح الأولوية المذكورة، لأن مقتضي العموم المذكور استناد حرمة التصرف في مورد النهي لعدم طيب النفس الملازم له، لا للنهي نفسه، كي يمكن دعوي بقاء تأثيره في الفرض.

علي أن ذلك مبني علي أن سقوط الدليل في المدلول المطابقي لا يسقطه عن الحجية في المدلول الالتزامي، و هو خلاف التحقيق.

فالبناء علي عدم ترتب الأثر علي نهي المالك و جواز التصرف معه لا يخلو عن وجه.

و إن كان في النفس منه شي ء، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب.

بل ينبغي تركه مع ظهور كراهة المالك بأمارة عرفية، و إن لم يصرح بالنهي و لم يعلم بالكراهة لخروجه عن المتيقن من السيرة.

بقي شي ء، و هو أنه لو غصب الماء أو الأراضي المذكورة غاصب، فالظاهر بقاء جواز التصرف في حق غيره مع عدم نهي المالك، كما كان قبل الغصب، لعموم السيرة المشار إليها، و لذا لا يبتني تصرفهم علي إحراز عدم الغصب

ص: 503

مسألة 68 الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها لا يجوز لغيرهم الوضوء منها

(مسألة 68): الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلي فيها أو الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها، لا يجوز لغيرهم الوضوء منها (1)، إلا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع أحد، فإنه يجوز الوضوء لغيرهم منها إذا كشفت العادة عن عموم الإذن (2).

مسألة 69 إذا علم أن حوض المسجد وقف علي المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر

(مسألة 69): إذا علم أن حوض المسجد وقف علي المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر (3)،

______________________________

وجدانا أو تعبدا.

نعم، لا يجوز التصرف للغاصب نفسه، لخروجه عن المتيقن من سيرة المتشرعة بما هم متشرعة.

و تصرف الغاصب نفسه لا يكشف عن عموم الجواز له، لعدم إحراز دخوله في سيرتهم بعد كونه عاصيا بالغصب، فالرجوع لعموم المنع فيه متعين.

بل و كذا في أتباعه ممن يتصرف بتسليطه و تمكينه مبنيا علي احترامه و الاهتمام بيده.

أما من يسترضيه في التصرف خوفا منه مع كون مبني تصرفه علي الجواز له شرعا و لو بدونه، فلا يبعد الجواز له و إن لم يحرز فيه السيرة بالخصوص، لعدم شيوع الابتلاء به، لعدم الفرق بينه و بين مورد السيرة ارتكازا.

و أما تعميم ذلك للغاصب و أتباعه، فلا يخلو عن إشكال.

(1) تقدم الكلام في ذلك في المسألة الرابعة في فصل أحكام التخلي.

(2) أو كشفت عن حجة علي الجواز، أو رجعت إلي يد نوعية علي الوقف، علي ما تقدم التعرض له في المسألة المذكورة، كما تقدم هناك الكلام في حجية خبر متولي الوقف و بعض الموقوف عليهم. فراجع.

(3) لخروجه حينئذ عن شرط الواقف فيحرم كالوضوء من المغصوب.

ص: 504

و لو توضأ بقصد الصلاة فيه، ثمَّ بدا له أن يصلي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه (1)، و كذلك يصح لو توضأ غفلة، أو باعتقاد عدم الاشتراط (2). و لا يجب عليه أن يصلي فيه (3)، و إن كان أحوط.

______________________________

و منه يظهر عدم صحته بالعدول عن القصد المذكور و الصلاة في المسجد، لأن الوضوء يبطل بمجرد التجري حينه.

كما ظهر امتناع الوضوء مع التردد في إيقاع الصلاة في المسجد، لاستصحاب عدمها، بناء علي ما هو الظاهر من جريان الاستصحاب في الأمر المستقبل.

(1) أما إذا كان الشرط هو قصد الصلاة في المكان الخاص حين الوضوء، فلتحقق شرط الواقف.

و أما إذا كان الشرط هو نفس الصلاة- كما هو مقتضي الجمود علي ظاهر التعبير- فلأن ترك الصلاة يكشف عن خروج الوضوء عن شرط الواقف، فيكون نظير الوضوء بالماء المغصوب جهلا بغصبيته، الذي تقدم عدم بطلانه.

ثمَّ إن محل الكلام ترك الصلاة مطلقا فيها، لا ترك خصوص الصلاة التي توضأ لأجلها، مع الإتيان بغيرها فيه، لتحقق شرط الواقف.

إلا أن يفرض اشتراطه خصوص الصلاة التي توضأ لأجلها، فلا بد في الحكم ببطلان الوضوء- لو قيل به مع تخلف شرط الواقف- من تعذر الإتيان بالصلاة المذكورة فيه، و لا يكفي فيه مجرد الإتيان بها في غيره، للحكم ببطلانها، إذ يلزم من الحكم بصحتها عدمها.

أما الحكم ببطلانها مع صحة الصلاة بعدها في المسجد، فلا يلزم منه إلا تقييد الإطلاق المقتضي لإجزاء الصلاة مع الطهارة، و لا محذور فيه.

(2) لعدم تنجز الحرمة حينئذ، فلا يمتنع التقرب.

(3) لأن مفاد شرط الواقف ليس إلا تقييد الموقوف عليهم بالشرط، فنفوذه

ص: 505

______________________________

لا يقتضي إلا حرمة تصرف فاقد الشرط، و المفروض معذوريته حين التصرف، لقصده تحقيق الشرط أو لجهله بأخذه، و لا دليل علي وجوب إدخال المتصرف نفسه في الموقوف عليهم بعد التصرف.

نعم، لو كان مرجع شرطه إلي إلزام آخر في قبال الوقف، من دون أن يقتضي تقييده- نظير التزام المتبايعين بالشرط في ضمن البيع- كان مقتضي نفوده لزوم القيام به من المتصرف.

و كذا لو كان مرجعه إلي أمر الولي بإيقاع عقد مع المتصرف يقتضي استحقاق المتصرف للتصرف في مقابل تحقيقه للشرط، و التفت المكلف لذلك قبل التصرف، فأقدم علي التصرف بداعي إيقاع العقد المذكور و قبوله الفعلي بالتصرف، إذ مقتضي وجوب الوفاء بالعقد المذكور تحقيق الشرط.

لكن الأول- مع بعده في نفسه- لا دليل علي نفوذه، لظهور عموم نفوذ الشرط في لزوم قيام الإنسان بما يشترطه علي نفسه، لا لزوم قيامه بما يشترط عليه غيره أو استحقاقه لما يشترطه لنفسه، و لذا كان قاصرا عن إثبات نفوذ الشرط في الإيقاع.

و الثاني مبني علي عناية خارجة عن محل الكلام.

و منه يظهر ضعف الاحتياط في المقام.

نعم، لو كان التصرف لغير الموقوف عليهم مضمونا علي التصرف لابتناء الوقف علي ملكية الموقوف عليهم للمنفعة، توقفت البراءة من الضمان علي تحقيق شرط الواقف، سواء وقع التصرف منه بقصد إيقاع الشرط، أم للغفلة عنه، أم لاعتقاد عدمه، أم اضطرارا، أم إكراها، أم بقصد عدم إيقاع الشرط مخالفة للواقف، لعدم الفرق بين الجميع في ذلك.

بل قد يدعي وجوب إيقاع شرط الواقف في الصورة الأخيرة عقلا، تجنبا عن كون التصرف السابق مخالفة للوقف و معصية للشارع، لفرض كونه مسؤولا به حين وقوعه، لقصده المخالفة به، فيكون متجرئا مستحقا للعقاب، و المتيقن من مسقطية التوبة غير صورة إمكان الفرار عن المعصية.

فراجع ما تقدم فيما يجب علي المغتاب للفرار عن العقاب و تأمل.

ص: 506

مسألة 70 إذا دخل المكان الغصبي غفلة، و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته

(مسألة 70): إذا دخل المكان الغصبي غفلة، و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته، فالظاهر صحة وضوئه (1)، و كذا إذا دخل عصيانا ثمَّ تاب و خرج و توضأ في حال الخروج (2).

______________________________

هذا، و لو فرض عدم استحقاق العقاب علي التجري، أو كون عقابه دون عقاب المعصية فالأمر أظهر.

(1) لأن الاضطرار للتصرف في الفضاء المغصوب حال الخروج لما لم يكن بسوء الاختيار كان مسقطا للتكليف من دون أن يقتضي المبعدية، فلا يمنع من التقرب حينه بالوضوء.

نعم، لا بد من عدم استلزامه التصرف بإراقة الماء في الأرض زائدا علي التصرف المضطر إليه، و إلا لحقه حكم غصبية المصب.

(2) بناء علي ما أشرنا إليه في الجبيرة المغصوبة و غيرها من مسقطية التوبة للمبعدية الحاصلة بالعصيان، و حيث كان الاضطرار للخروج مسقطا للتكليف فلا مانع من التقرب بالوضوء حينه.

و هذا بخلاف ما لو لم تحصل التوبة، لأن الاضطرار لما كان بسوء الاختيار فهو و إن كان موجبا لسقوط التكليف، إلا أنه موجب لمبعدية الفعل، فيمتنع التقرب به.

هذا، و الكلام في هذه المسألة مبني علي اعتبار إباحة الفضاء، و إلا اختص الإشكال بما إذا لزم زيادة التصرف في الأرض بإراقة الماء عليها.

ص: 507

______________________________

تتميم:

ذكر في العروة الوثقي فروعا تبتني علي اعتبار الإباحة، بعضها ظاهر الحكم في نفسه أو باعتبار ما تقدم، فلا ينبغي إطالة الكلام بالتعرض له، و ما يهم منها:

الأول: في الوضوء تحت الخيمة المغصوبة.

و الكلام فيه يتفرع علي حرمة استغلالها بالجلوس و نحوه، إذ لو حل ذلك فلا إشكال في صحة الوضوء، فالمناسب التعرض لحكم الجلوس و نحوه.

و يظهر من غير واحد حرمته مطلقا أو في مورد الحاجة إليه.

و قد يوجه.

تارة: بأنه يكون انتفاعا بالخيمة، فيحرم، كما في الجواهر.

و اخري: بأنه تصرف فيها، مطلقا كما هو ظاهر الروض و صريح شيخنا الأستاذ قدّس سرّه، أو في مورد الحاجة، كما يظهر من العروة الوثقي.

و يشكل: الأول بمنع الكبري، بل تختص الحرمة بالتصرف، كما تقدم في الوضوء من الإناء المغصوب، بل لا ينبغي الريب في عدم حرمة كل انتفاع، إذ لا ريب في جواز الاستضاءة بسراج الغير و الاستظلال بظل ناقته و المتابعة له في القراءة. و هو الظاهر من الجواهر في مبحث مكان المصلي، و عليه بني جواز الاستظلال بحائط الغير.

و الثاني بمنع الصغري، لتوقف صدق التصرف علي نحو من التقليب للشي ء و تغييره من حال الآخر، و لا يكفي فيه مجرد الانتفاع به، للحاجة، فضلا عما لم يكن معها. و منه يظهر ضعف ما في جامع المقاصد من صدق التصرف و الانتفاع معا بالجلوس و نحوه، و ظاهره أن المدار في التحريم عليهما.

نعم، ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن الجلوس مع الحاجة حينئذ من المنافع ذات المالية، فيكون مملوكا لصاحب الخيمة، فيحرم استيفاؤه بغير إذنه، لأنه و إن لم يكن تصرفا في العين، إلا أنه تصرف في المنفعة المملوكة، و عموم حرمة التصرف

ص: 508

______________________________

في مال الغير لا يختص بالأعيان، أما مع عدم الحاجة فلا مالية للمنفعة فلا تكون مملوكة، للفرق بين المنفعة و العين بتوقف ملكية الأولي علي ماليتها، بخلاف الثانية.

و كأن منشأ ما ذكره هو ما أشرنا إليه من جواز الانتفاع ببعض منافع بعض الأعيان من دون رضا مالكها.

لكن لو كان منشأ ذلك عدم ملكيتها لزم امتناع الاستئجار عليها، مع وضوح جوازه و نفوذه.

فالتحقيق أن المنفعة كالعين تملك مطلقا، إذ ليس المنشأ لملكيتها إلا كونها نماء للملوك، و لا يتعين في ملكية النماء المالية.

لكنها لا تملك لصاحبها بالفعل، بل هو مسلط علي تمليكها بإجارة و نحوها، نظير الذميات التي لا يملكها الإنسان علي نفسه و إن كان له أن يملّكها لغيره، فكما لا يملك الإنسان دراهم في ذمته لا يملك منفعته أو منفعة شي ء من أعيانه، و إنما يسلط علي تمليك جميع ذلك.

نعم، هي تضمن بالاستيفاء من دون تمليك، و هو إنما يكون باستحصال المنفعة من العين بجعلها صالحة للانتفاع، لا بمجرد الانتفاع بالعين من دون تصرف فيها.

كما أن تملك الغير لها إنما يقتضي تملكه لذلك، ببذلها من صاحبها الذي ملكت عليه، بالقيام بها أو ببذل العين التي تقوم بها.

أما الانتفاع المجرد من دون أن يقتضي تصرفا في العين، بأن تكون العين بنحو صالح للانتفاع من دون تصرف من المالك أو المنتفع، فليس مملوكا و لا مضمونا، و إن كان متنافسا عليه بين العقلاء لترتب الفوائد المهمة عليه.

و بعبارة أخري: المنفعة أمر إضافي قائم بين المنتفع و العين المنتفع بها، و ترتبها بينهما يتوقف علي كون العين المنتفع بها بنحو صالح لإفادة المنفعة، و كون المنتفع بها بنحو يستثمرها و يستفيد منها، فترتب القراءة علي سراج الغير مثلا إنما

ص: 509

______________________________

يكون بإشعال السراج و قراءة القارئ أمامه، و ملكية المنفعة المذكورة لا ترجع إلي ملكيه الأمر الثاني، بل إلي ملكيه تحصيل الأول، المبني علي نحو من التصرف في العين و لو بإبقائها علي حالها الموجب لذلك، و هو المعيار في الضمان بالاستيفاء، و حينئذ يمكن تملكه- بمعني القدرة علي تمليكه- و إن لم يكن له مالية.

فإذا فرض ترتب الأمر المذكور بنفسه و خروجه عن سلطان المالك بحدوثه و ببقائه امتنعت ملكية المنفعة أو تمليكها أو ضمانها. و ترتب الانتفاع من قبل المنتفع من دون أن يكون له دخل في الأول لا يكون محرما و لا مضمونا، و إن كان كان موردا لتنافس العقلاء.

فإذا تعلق الغرض بالقراءة علي سراج شخص، فإن أشعله القارئ أو حمل مالكه علي إشعاله مدة قراءته كان ذلك منفعة مملوكة و مضمونة، و إن لم يكن دخيلا في إشعاله فالقراءة عليه انتفاع محض غير مملوك و لا مضمون.

و يناسب ذلك ما صرحت به النصوص و الفتاوي من الاكتفاء في تسليم المنفعة و استحقاق الأجرة بتسليم العين مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها و إن لم يستوفها المستأجر.

و يترتب علي ما ذكرنا أن من غصب عينا و انتفع بها كان عاصيا في التصرف بالعين بنحو يجعلها صالحة للانتفاع، لا في نفس الانتفاع إذا لم يتحد مع ذلك خارجا، كالقراءة علي السراج و الاستظلال بظل الناقة.

و بذلك ظهر الحال في الجلوس تحت الخيمة المغصوبة، فإنه حيث لم يفرض فيها التصرف بالنصب فلا وجه لحرمته و لا لضمانه. بل لا يحرم و لا يضمن حتي مع التصرف فيها بالنصب، لعدم اتحادهما خارجا.

و دعوي: أن ذلك يستلزم جواز مزاحمة المالك في الجلوس تحت خيمته إذا نصبها في الأرض المباحة و عدم ضمانه، بل عدم صحة الإجارة عليه بعد النصب.

مدفوعة: بأن نصبها يوجب له حق السبق في الأرض المقتضي لأولوية

ص: 510

______________________________

التصرف له عرفا، بل قد يدعي حينئذ ملكيته لمنفعة الأرض، لأنه نحو من الحيازة لها، فيحرم مزاحمته.

كما يكون سلطانه علي التمكين من ذلك أمرا مصححا للإجارة كقدرته علي تقويض الخيمة و إبقائها.

و لذا لا يجوز مزاحمته حتي لو لم يصدق الانتفاع، لعدم الفائدة أو لزوم الضرر بالدخول تحت الخيمة.

نعم، لو فرض نصبه للخيمة لا بداعي السبق للمكان و الاستيلاء علي منفعته لم يبعد جواز مزاحمته، و عدم أولويته حينئذ.

ثمَّ إن هذا التفصيل لو تمَّ لجري في الوضوء، فيحرم و يبطل إذا عد انتفاعا بالخيمة، بأن توقف حصوله بالوجه المرغوب فيه عليها، كما لو فرض تعذر تحصيله خارجا أو صعوبته، لجفاف الماء بالحرّ أو الهواء، أما لو لم يكن كذلك فلا يحرم و لا يبطل و إن عدّ الجلوس تحتها انتفاعا، لعدم اتحاده مع الجلوس.

فما يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره من جريان التفصيل المذكور في الجلوس دون الوضوء و أنه لا يحرم مطلقا لعدم اتحاده مع الجلوس، في غير محله.

الثاني: إذا وقع قليل من الماء المغصوب في كثير من الماء المباح المملوك أو غيره، فإن كان متميزا فيه حرم التصرف فيه بلا إشكال.

و لعله إليه يرجع ما في العروة الوثقي من وجوب إرجاعه إلي مالكه مع إمكانه.

و إن امتزج به، ففي صيرورة مالكه شريكا في مجموع الماء بالنسبة، فلا بد من إذنه في حل التصرف فيه، أو ضمان الماء المذكور لصيرورته بحكم التالف لاستهلاكه فيه بسبب قلته، و يبقي الماء علي إباحته، وجهان. احتمل أولهما في العروة الوثقي، و جزم بثانيهما سيدنا المصنف قدّس سرّه، لما هو مختاره من عدم الاستهلاك مع اتحاد الجنس، أما بناء علي ما هو الظاهر من تحقق الاستهلاك مع اتحاد الجنس فقد يتعين الأول.

ص: 511

______________________________

لكن تقدم في الفرع الثاني من فروع الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أن استهلاك القليل في الكثير إنما هو بمعني انعدامه عرفا بحدّه المميز له عن غيره، كخصوصية الاستعمال في الماء، و خصوصية الخمرية و الدموية، أما بلحاظ ذاته فلا مجال لدعوي انعدامه، إذ لا ريب في زيادة الكثير بالقليل عرفا المستلزم لانحفاظ ذاته فيه.

و من هنا يتعين ترتب الأحكام التابعة للذات، و إن لم تترتب الأحكام التابعة للخصوصية بما لها من حد مميز.

و الظاهر أن حرمة الاستعمال و التصرف و إن كانت تابعة لخصوصية كون الشي ء مملوكا للغير، إلا أن الشركة من الأحكام العرفية التابعة للذات، فإن كل جسمين امتزجا فمالكاهما يشتركان في المجموع بالنسبة من دون دخل لخصوصية أحدهما المميزة له، حيث يأتي ذلك في مختلفي الجنس، بل حتي لو كان الممتزج حقيقة ثالثة عرفا.

و علي هذا ينطبق دليل حرمة التصرف في ملك الغير لا بلحاظ الأجزاء المنبثة من القليل، لفرض استهلاكه بحده، بل بلحاظ الشخص المستحق في المجموع الذي لا يقبل الاستهلاك.

نعم، هذا مبني علي أن الشركة بالامتزاج حقيقة واقعية، أما بناء علي ما هو الظاهر من أنها حكمية ظاهرية راجعة إلي البناء ظاهرا علي أن التلف و النماء منهما بالنسبة، مع بقاء كل منهما بذاته علي ملك صاحبه، فاللازم البناء علي جواز التصرف، لأن مالك القليل لا يملك في الحقيقة الشخص من المجموع، كي لا يقبل الاستهلاك، بل يملك عين مائه المفروض استهلاكه لقلته و عدم صدق التصرف فيه عرفا بسبب ذلك، و إن كان المال موجودا بعينه و باقيا علي ملك صاحبه، لأن الملكية قائمة بالذات من دون دخل للخصوصية، كما سبق، و لذا لا ريب ظاهرا في الحكم بملكيته له لو أمكن عزله بعد امتزاجه، فيفصل بينهما بالمصالحة و نحوها.

و لو تعذر ذلك لم يبعد جريان ضمان الحيلولة في حق من يجعل الماء

ص: 512

و منها: النية
اشارة

و منها: النية

______________________________

القليل في الكثير، فتأمل.

و لعل ما ذكرنا هو الأنسب بمقتضي السيرة، إذ من البعيد جدا توقف مالك الكثير عن التصرف بماله بمجرد إلقاء شي ء قليل عليه.

و لا أقل من كونه مقتضي أصالة البراءة بعد الشك في عموم حرمة التصرف لمثل المقام.

(1) كما ذكره كثير من الأصحاب، و ادعي عليه الإجماع في كلام جماعة- علي اختلاف عباراتهم- فقد صرح به في الخلاف و الغنية و المنتهي و جامع المقاصد و كشف اللثام و المدارك، و محكي التذكرة و المختلف و الإيضاح و التنقيح.

نعم، عن الذكري أنه نسب لابن الجنيد القول بالاستحباب، و أنه لم يذكرها قدماء الأصحاب، كالصدوقين و الجعفي، و في المعتبر: «و لم أعرف لقدمائنا فيه نصا علي التعيين».

لكن خلاف ابن الجنيد لا يقدح في الإجماع، و لا سيما مع ما في المعتبر من نسبة القول بالشرطية إليه. و إهمال قدماء الأصحاب لها قد يكون ناشئا من وضوح اعتبارها من ارتكازيات المتشرعة و سيرتهم، الناشئة من وضوح كونه من العبادات، و لا سيما مع أن طريقتهم الاقتصار علي مضامين الأخبار.

و إلا فيمتنع عادة تسالم من عرفت علي الوجوب، و حكايتهم الإجماع في مثل هذا الأمر الذي يكثر الابتلاء به من دون أن يكون متسالما عليه بين الأصحاب و المتشرعة، و لا سيما مع نقلهم الخلاف عن بعض العامة، لملازمة ذلك غالبا لتنبه الطائفة للمسألة، و لو كانوا مختلفين فيها لم يحصل التسالم المذكور، و لا سيما مع كون عباديته تعبدية لا ارتكازية، و الأدلة النقلية المذكورة في كلماتهم ليست من الوضوح بحد يستوجب التسالم المذكور.

و بهذا يخرج عن مقتضي الإطلاق المقامي، بل اللفظي، لأدلة الوضوء، بناء

ص: 513

______________________________

علي ما هو التحقيق من أنها المرجع في العبادية، بل لو فرض قصور الإطلاقات في نفي العبادية كان المرجع فيه أصل البراءة في غير مثل الوضوء من موارد الشك في المحصل، كما هو الحال في سائر موارد الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و أما ما ذكره غير واحد- منهم الشيخ قدّس سرّه في الخلاف- من قصور إطلاق الآية، بل ظهورها في اعتبار النية، لظهورها في كون الوضوء للصلاة، و لا يكون الإنسان متوضئا للصلاة إلا بالنية.

ففيه- مضافا إلي التسالم علي عدم اعتبار قصد الصلاة في الوضوء، حتي الذي هو شرط في الصلاة-: أن الآية لم تتضمن القيد المذكور صريحا، و غاية ما يستفاد منها بضميمة التسالم علي شرطية الوضوء للصلاة كون الأمر به لأجل الصلاة بلحاظ دخله في ترتب ملاكها، فغائية الصلاة له منتزعة من شرطيته منها كغائيتها للتطهير من الخبث، لا قيدا فيه بحيث يجب قصدها حينه، لتكون سابقة علي الشرطية رتبة، لأخذها في موضوعها، و هو الشرط، كما هو المدعي.

هذا، و قد استدل عليه في كلماتهم أيضا.

تارة: بقوله تعالي وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «1».

و أخري: بما في غير واحد من النصوص من أنه لا عمل إلا بنية، و أن الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوي «2».

و يشكل: الأول بأن الظاهر من الإخلاص للّه تعالي في الدين هو التوحيد في مقابل التدين بالشرك، كما يناسبه عطف الصلاة و الزكاة اللتين هما من الواجبات الزائدة علي التوحيد.

و أما الإخلاص فيما نحن فيه، فهو إخلاص في العمل، و هو واجب في الصلاة و الزكاة أيضا، فلا يناسب عطفهما عليه.

______________________________

(1) سورة البينة: 5.

(2) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات.

ص: 514

______________________________

علي أنه لو فرض إرادته من الآية، فهي لا تنفع فيما نحن فيه، لأن اللام إن كانت للغاية بلحاظ نفس الأمر أو لتقوية العامل- كما لعله يرجع إليه ما في كلام بعضهم من أنها لام الإرادة- فهي لبيان المأمور به، فتدل علي أنهم لم يؤمروا إلا بالعبادة الخالصة له تعالي- إن كان الحصر حقيقيا- أو لم يؤمروا بالعبادة إلا علي وجه الإخلاص له تعالي- إن كان الحصر إضافيا- لا أنه يعتبر في الواجبات أن تكون عبادية، فهي ظاهرة في بيان قضية خارجية خبرية عن حال تشريعاتهم، لا قضية حقيقية تشريعية تتضمن تقييد الواجبات، لينفع فيما نحن فيه.

و إن كانت اللام للغاية بلحاظ المأمور، به فهو ظاهر في أنهم أمروا بأشياء فائدتها التوفيق للعبادة الخالصة، نظير ما تضمن بيان فوائد كثير من الواجبات، و لا دلالة لها علي تعيين ما وجب عليهم، فضلا عن اعتبار العبادية فيه.

علي أنه وارد لبيان حكم أهل الكتاب، فالاستدلال به في حقنا مبني علي جريان أحكامهم في حقنا بالاستصحاب، أو أصالة عدم النسخ- الذي هو خلاف التحقيق- أو جريان خصوص هذا الحكم، لما قيل من أن قوله تعالي وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ دال علي استمرار الحكم المذكور و ثبوته في جميع الأديان.

و أما الثاني، فربما يظهر من بعضهم الاستدلال به بحمله علي النفي الحقيقي بلحاظ دلالته علي ما هو المعلوم من توقف الأفعال الاختيارية علي النية.

لكنه- مع أنه أجنبي عما نحن فيه، لأن مرادهم بالنية قصد الفعل بنحو مقرب، و لا يتوقف الفعل الاختياري علي ذلك- بعيد في نفسه، لأنه أمر تكويني خارجي لا غرض ببيانه، بل ظاهر الحديث الحث علي النية بلسان نفي الموضوع ادعاء.

و حينئذ فنقول: بعد تعذر حمله علي الحقيقية فليس حمله علي إناطة الإجزاء بالنية المستلزم للشرطية بأولي من حمله علي إرادة إناطة الثواب و نحوه بها، لأن كلا منهما مورد لغرض المكلف صالح لأن يبين.

و دعوي: منافاة ذلك لما ذكروه من أن نفي الصحة أقرب إلي نفي الحقيقة

ص: 515

______________________________

من نفي الكمال.

ممنوعة، فإن نفي الكمال مع الصحة راجع إلي ترتب بعض الأثر المطلوب، أما الثواب و الإجزاء فنفي كل منهما يرجع إلي عدم ترتب شي ء من الأثر المطلوب، و التردد بينهما إنما هو للتردد في الأثر المهم المنظور للمتكلم الذي يصح النفي بلحاظه.

و مثلها دعوي: أن مقتضي الإطلاق العموم لكلا الأثرين.

لاندفاعها: بعدم الجامع بينهما عرفا، إذ لو أريد نفي الثواب كانت القضية ارتكازية إرشادية، و لو أريد نفي الإجزاء كانت تعبدية محضة ترجع إلي تقييد إطلاقات التشريع بالنية.

و بهذا يظهر أن الأول أظهر في نفسه، لأن انس الذهن بالقضايا الارتكازية يصلح للقرينية عرفا علي حمل الكلام عليها مع تردده بينها و بين غيرها بدوا، و لا سيما مع استلزام الحمل علي الثاني كثرة التخصيص بنحو ظاهر عند الخطاب بالكلام، لأن عدم العبادية في كثير من الأعمال في الجملة من الواضحات التي لا تخفي بحال، و هو مما يوجب انصراف الذهن عنه.

علي أنه لا مجال للاحتمال المذكور في قولهم عليهم السّلام: «إنما الأعمال بالنيات» و «لكل امرئ ما نوي» بحسب التركيب اللفظي، لظهوره في اختلاف العمل باختلاف النية، لا في نفي العمل عند عدمها، ليجري فيه ما تقدم.

و من الغريب ما في الجواهر، من الاستدلال بالنبوي: «إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوي، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره علي اللّه عز و جل، و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوي عقالا لم يكن له إلا ما نوي» مع وروده في الجهاد الذي هو من التوصليات و صراحته في إرادة الثواب.

نعم، لو فرض المفروغية عن كون الوضوء من العبادات المقربة، فحيث كانت العبادية متقومة بالقصد يتجه الاستشهاد بالأحاديث المذكورة و بالآية بناء علي كونها مما نحن فيه.

ص: 516

______________________________

و ربما يكون ذلك هو مبني كلام غير واحد ممن ذكرها في المقام.

قال في الروض: «فوجوب نية القربة في الوضوء و في كل عبادة لا ريب فيه و لا شبهة تعتريه، و مما استدل به عليه قوله تعالي وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.».

و قال في جامع المقاصد: «لا ريب أن الطهارة عن الحدث فعل مطلوب للقربة، و هو اتفاقي. و وقوعه علي وجوه متعددة بعضها معتبر عند الشارع و بعضها غير معتبر أمر معلوم، و ما هذا شأنه فلا بد فيه من النية، لأن بها يصير واقعا علي الوجه المطلوب شرعا، لأن المؤثر في وجوه الأفعال هو النية، كما دل عليه قوله عليه السّلام: إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوي».

و قد يناسب المفروغية المذكورة سوقه في كثير من النصوص مساق الصلاة حتي كان الشروع فيه شروعا فيها، مثل ما تضمن أنه افتتاحها «1»، و أنها ثلاثة أثلاث ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود «2»، و كذا ما تضمن النهي عن صب الماء علي اليد من الغير حين الوضوء معللا بعدم الإشراك في العبادة، أو في الصلاة التي هي عبادة «3»، بل في موثق السكوني: «خصلتان لا أحب أن يشاركني فيها أحد:

وضوئي، فإنه من صلاتي، و صدقتي.» «4»، و كذا ما تضمن أنه شطر الإيمان «5»، و أن الإمامين الحسن و السجاد عليهما السّلام كانا إذا توضأ اصفر لونهما، و قد عللا ذلك بأنهما يتأهبان للوقوف بين يدي اللّه تعالي «6»، إلي غير ذلك مما يظهر منه تميز الوضوء عن غيره من المقدمات و أنه من سنخ العبادات، فإن هذا يناسب

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 4، 7.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع حديث: 1.

(3) راجع الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء.

(4) الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(6) البحار المجلد: 1 ص: 93. و مناقب ابن شهرآشوب ص: 18، 289 مستدرك الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء.

ص: 517

و هي أن يقصد الفعل (1)،

______________________________

المفروغية المذكورة، و إن لم يصلح بنفسه للاستدلال.

هذا، و قد أطال في المنتهي في ذكر وجوه للاستدلال علي اعتبار النية لا تخلو عن إشكال.

نعم، ذكر أنه روي الجمهور عن علي عليه السّلام أنه قال: «النية شرط في جميع الطهارات»، لكن لم أعثر في كلام غيره من أصحابنا علي من أشار لهذه الرواية، و هي بعبارات الفقهاء أشبه منها بعبارات الروايات، إلا أن تكون منقولة بالمعني.

ثمَّ إن الأصحاب بين من عبر بشرطية النية في الطهارات، و من عبر بجزئيتها منها، و من أجمل من هذه الجهة و عبر بكونها من فروضها و واجباتها.

و حيث لا تظهر ثمرة في تحقيق أحد الأمرين، فلا ينبغي الاهتمام بذلك و إن أطال فيه غير واحد من أعاظم الأصحاب.

كما لا مجال لإطالة الكلام في أن اعتبارها فيها شرعي تابع للأمر بها معها بأمر آخر مع التلازم بين الأمرين في مقام الامتثال، أو لتقييد أمرها بها، أو عقلي محض ناش من دخلها في ملاكها، المستلزم لعدم تحقق قصد الامتثال بدونها، فإن الكلام في ذلك قد استوفي في الأصول. و عليه يبتني المرجع عند الشك في أصل اعتبارها أو في بعض خصوصياتها، فراجع.

(1) فقد فسرت النية بالقصد في المنتهي و عن كثير من الأصحاب و بعض أهل اللغة، كما فسرت في الشرائع و القواعد و عن جماعة بالإرادة، و عن رسالة الفخر: «عرفها المتكلمون بأنها إرادة من الفاعل للفعل مقارنة له. و عرفها الفقهاء بأنها إرادة الفعل المطلوب علي وجهه».

و قد أطالوا الكلام في ذلك بما لا مجال لمتابعتهم فيه بعد عدم أخذ عنوان النية في دليل المسألة، لما عرفت من قصور النصوص عن إثبات وجوبها، بل من القريب كون اختلافهم في تحديد النية و تعريفها لا في واقعها، فيكون النزاع لفظيا.

ص: 518

______________________________

و الذي ينبغي أن يقال: لا إشكال في تقوم عبادية العمل بقصد التقرب له تعالي به- علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي- و هو مستلزم لكون العبادة فعلا اختياريا لا بد من التفات الفاعل إليه في الجملة، و لا يقع مع السهو و الغفلة.

بل لما كان المقصود هو التقرب بالفعل لزم قصده بالوجه الدخيل في مقربيته المحقق لعنوانه المأخوذ في الخطاب به، فلو كان المكلف به هو الفعل بعنوان خاص أو كيفية خاصة لم يكف قصده بوجه آخر، و إن وقع علي الوجه المطلوب، لتخلف ذلك القصد.

فإذا كان الواجب المقرب هو الغسل بالماء المطلق لم يكف قصد الغسل بالماء المضاف و إن وقع الغسل بالماء المطلق.

و بهذا افترقت العبادات عن التوصليات، حيث يكون المعيار فيها علي تحققها بالوجه المطلوب و إن قصد خلافه حين الشروع فيها.

نعم، الظاهر كفاية القصد الإجمالي مع عدم العلم بخصوصية العبادة العنوانية أو الخارجية تفصيلا، فيصح الوضوء ممن لم يعلم بكيفيته و لا بعنوانه تبعا لأمر العارف أو فعله و إن لم يعرفه بتمامه و عنوانه حين الشروع فيه إذا كان من نيته الإتيان بتمام ما هو الواجب بالوجه المحقق للعنوان المطلوب واقعا، إذ لا دليل علي وجوب القصد التفصيلي للعنوان أو الكيفية. بل مقتضي الإطلاق و الأصل عدمه، كما عرفت.

نعم، لو كان مفاد دليل اعتبار النية المتقدم اعتبار قصد الفعل زائدا علي قصد التقرب امتنع حمله علي ما ذكرنا، لما عرفت من أنه لازم لقصد التقرب، فيلغوا اعتباره معه.

لكن لا مجال لذلك، لاختصاص الدليل عليها بالإجماع الذي يقرب كون المراد منها فيه قصد القربة، بل في كشف اللثام أنه حقيقة النية الواجبة، و هو المناسب للآية و النصوص التي استدلوا بها.

و لعل ذكر قصد الفعل في كلماتهم لتوقفه عليه في الجملة، لا لأنه معتبر

ص: 519

______________________________

معه، أو لأنه المراد بالنية، و قصد القربة أمر زائد علي النية.

و أشكل من ذلك ما يظهر من بعضهم- بل ربما نسب للمشهور- من لزوم إخطار صورة العمل أو عنوانه تفصيلا حين الشروع فيه، بنحو يظهر منهم عدم الاكتفاء بالقصد الارتكازي الإجمالي تبعا للعادة و نحوها الذي قد يعبر عنه في كلماتهم باستدامة النيّة، كما يظهر من نزاعهم في وجوب استحضار نية الصلاة قبل التكبير متصلا به، أو عند الشروع فيه، أو في تمام زمانه، و ما ذكره من التفريق بين حالي الشروع في الفعل و الاستمرار فيه من اعتبار النية الفعلية في الأول، و الاكتفاء بالحكمية في الثاني.

و يظهر الإشكال فيه مما ذكرنا، فإن التقرب بالعمل لا يتوقف علي الإخطار المذكور، بل يكفي فيه القصد الإجمالي الارتكازي، و لا دليل علي اعتبار ما زاد عليه.

بل لا ينبغي الشك في عدم اعتباره، لما يستلزمه من كلفة و عناية تخرج بالناس عن مقتضي طبعهم في العبادات، فلو كان معتبرا لظهر في سيرتهم، و لاستوجب كثيرا من الأسئلة و البيانات، فعدم ذلك شاهد بعدم اعتبار غير ما ذكرنا مما هو مقتضي طبع الناس في كل فعل اختياري مقصود، بل هو مقتضي سيرة المتشرعة في أكثر الأمور العبادية من الزيارات و الأدعية و الأوراد و الأعمال، و مراعاة ذلك من بعض المتنبهين في الصلاة و نحوها ناش من الاهتمام بها بعد التنبيه لهذا الأمر، و قد وقع كثير منهم في مشاكل من جراء ذلك.

و مما يشهد بما ذكرنا، اتفاقهم علي الاكتفاء بالنية الحكمية أو استدامة النية بعد الشروع مع أنه لا يفرق في دليل النية بين الحالين.

و التفريق بينهما بالسيرة أو بلزوم العسر، في غير محله، لقلة من يتعمد الإخطار و نشوء ذلك منه بسبب التنبيه، لا بمقتضي ارتكازياته العقلائية أو المتشرعية ليكشف عن أخذه من الشارع أو إمضائه له.

و العسر إنما يمنع من استيعاب تمام العمل بالنية الإخطارية، و لا يميز أول

ص: 520

و يكون الباعث إلي القصد المذكور أمر اللّه تعالي (1). من دون فرق بين أن يكون ذلك بداعي (2)

______________________________

العمل عن غيره من أجزائه.

هذا، و قد أطال في الحدائق و مفتاح الكرامة و الجواهر في إنكاره و توهينه، فراجع.

(1) كما صرح به غير واحد، و أرجع في الجواهر غيره من الغايات إليه، لدعوي: توقف العبادية- التي عرفت تسالمهم عليها في الوضوء- علي القصد المذكور.

لكن الظاهر عدم توقف العبادية عليه، بل علي قصد ملاك المحبوبية من حيثية إضافته للمولي، و إن فرض عدم فعلية الأمر علي طبقه، لقصور في الآمر بغفلة أو نحوها، أو لمانع خارجي صالح لأن يكون عذرا للمكلف، كالمزاحمة بالضد و نحوها.

و لأجل هذا صح عندهم التقرب بالملاك في مورد المزاحمة.

و منه يظهر أن قصد الأمر إنما يكون محققا للتقرب من حيثية كشف الأمر عن الملاك المذكور، فهو مقصود في طوله.

نعم، لا بد من قصد الملاك من حيثية محبوبيته للمولي و نسبته إليه، حتي يصح جعل الفعل في حسابه و لأجله و يكون سببا للقرب منه، و إلا فمجرد قصد الملاك أو المصلحة لا يكفي في العبادية التي هي فناء العبد في طريق المعبود و منتهي الخضوع له، و إن أوهمه إطلاق بعضهم.

و قد أوضحنا الكلام في ذلك في مبحث التعبدي و التوصلي و مبحث الضد، فراجع.

(2) فإن قصد أمر اللّه تعالي قد لا يكون صالحا لدفع المكلف بنفسه، بل قد تكون دافعيته عرضية بلحاظ جهة تترتب عليه و تلازمه، فتكون تلك الجهة هي الداعي الأصلي الذي يعبر عنه بداعي الداعي.

ص: 521

الحب له سبحانه أو رجاء الثواب أو الخوف من العقاب (1).

______________________________

(1) قد ذكرت في كلماتهم هذه الدواعي و غيرها، كتعظيمه تعالي، و كونه أهلا للطاعة، و القربة منه.

و لم يظهر منهم الخلاف في الصحة مع الجميع إلا في قصد ترتب الثواب و الفرار من العقاب و القربة بناء علي تفسيرها بما يرجع إلي الأول.

حيث وقع الخلاف منهم فيها، فاختار في الحدائق الصحة و نسبه إلي جماعة من متأخري المتأخرين، خلافا لما عن المشهور من البطلان، بل عن السيد رضي الدين بن طاوس القطع به، و عن قواعد الشهيد نسبته إلي قطع الأصحاب، قال في الجواهر: «لأنه من قبيل المعاوضات التي لا تناسب مرتبة السيد».

و الذي ينبغي أن يقال: قصد الأمور المذكورة.

تارة: يكون في طول قصد امتثال الأمر أو ملاك المحبوبية بنحو داعي الداعي، بحيث يكون المقصود الإتيان بالعمل لحسابه تعالي، كي يرضي عنه و يكون أهلا لرحمته و بعيدا عن نقمته، نظير التحبب للعشيرة بالإحسان إليهم، كي يعينوه في شدائده.

و اخري: يكون في عرضه، بحيث يستغني بها عنه، فيكون العمل في قبال هذه الأمور رأسا، نظير استئجار الإنسان شخصا ليعينه في أموره، حيث لا ينظر في دفع الأجرة الإحسان إليه و رضاه، بل محض مقابلتها بالعمل.

أما الأول، فلا ينبغي الريب في صحة العمل معه و عدم منافاته للعبادية، بعد النظر في المرتكزات العقلائية و سيرة المتشرعة و الآيات و الروايات الحاثة علي الطاعة و الزاجرة عن المعصية ببيان ما يترتب علي الأولي من جليل الثواب و علي الثانية من أليم العقاب، و كذا ما تضمن بيان مراتب العبادة «1»، كالصحيح الآتي.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات.

ص: 522

______________________________

بل تضمن بعض النصوص الترغيب علي العمل طلبا لما عند اللّه تعالي، كالنبوي «1» المتقدم في وجوب النية، و بعضها حثّ علي العمل لما يخاف و يرجي «2».

بل لا ينبغي التأمل في عدم قدح قصد الثواب الدنيوي، كسعة الرزق و طول العمر و نماء العدد و نحوها، لأجل السيرة و النصوص المتضمنة لبيان تلك الآثار علي بعض العبادات الظاهرة في الحث عليها ببيان ذلك.

و لا مجال لقياسه بالمعاوضات المنافية لمقام المولي. لفرض أن الملحوظ هو ترتب هذه الأمور بما أنها جزاء من المولي بعد رضاه للقيام بعبادته.

و منه يظهر أنه لا مجال لدعوي: أن داعي الداعي هو الداعي الحقيقي، فمن أطاع زيدا بداعي رضا عمرو، كان رضا عمرو هو الداعي الحقيقي له، و لم يكن العمل مقربا من زيد و لا موجبا لاستحقاق الجزاء منه، فإذا كان الداعي الحقيقي هو ترتب الثواب لم يكن العمل عبادة له تعالي و لا مقربا منه ليستحق عليه الثواب.

لاندفاعها بأنه بعد فرض كون الثواب ملحوظا بما أنه جزاء منه تعالي متفرع علي عبادته و رضاه لم يكن منافيا لهما، نظير التحبب للمؤمنين و الإحسان إليهم بداعي أمر الشارع، فإنه لا يمنع من استحقاق الشكر عليهم جزاء عليهما و قياما بمقتضاهما، فتأمل جيدا.

نعم، الاطلاعة بقصد المنافع الدنيوية و الأخروية مرتبة دانية من الإطاعة، و قصد ما يعود للمولي من حبه و أهليته و شكره أرفع منها بمقتضي الارتكازات العقلائية و النصوص، ففي صحيح هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن العبادة ثلاثة: قوم عبدوا اللّه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالي طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، و قوم عبدوا اللّه عز و جل حبا له

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب جهاد النفس حديث: 5.

ص: 523

______________________________

فتلك عبادة الأحرار. و هي أفضل العبادة» «1»، و قريب منه غيره لكنه أمر آخر لا ينافي الأجزاء الذي نحن بصدده.

و أما الثاني، فتشكل صحة العمل معه، لعدم مناسبته للعبودية بعد فرض عدم ارتباطه بالمولي و عدم وقوعه في طريق رضاه.

لكن هذا إنما يمكن فرضه في الآثار الوضعية المترتبة علي العمل رأسا، نظير ترتب الإحراق علي النار، دون المقاصد الدنيوية و الأخروية المترتبة بعنوان الثواب و الجزاء منه تعالي، لأن جزاء المولي علي العمل فرع وصوله إليه و الإتيان به لحسابه، فقصده من قبل المكلف غاية للعمل مستلزم لقصد الامتثال و موافقة ملاك المحبوبية به، لأن ذلك هو المعيار في نسبته للمولي و صيرورته في حسابه يتوقع منه جزاؤه عليه، فتأمل.

هذا، و ظاهر غير واحد ممن منع من الصحة مع قصد الثواب و الخوف من العقاب إرادة هذا الوجه، بل هو صريح بعضهم، و إن لم يناسب ما ذكروه من الصحة في بقية الدواعي، مع وضوح ابتنائها علي قصد الامتثال.

كما أن من القريب أن يكون مراد من بني علي الصحة معهما إرادة الوجه السابق، بل هو كالصريح مما ذكروه في قصد القربة، فكأن النزاع في البين غير حقيقي، و إن كان استقصاء كلماتهم يضيق عنه المقام و يخلو عن الثمرة.

ثمَّ إنه لا ريب في كون محل النية القلب، و لا يجب التلفظ بالأمر المنوي بلا إشكال ظاهر، كما صرح به جماعة، بل في كشف اللثام و عن ظاهر التذكرة الاتفاق عليه.

بل لا يستحب أيضا، كما صرح به جماعة، بل لا يبعد عدم الخلاف في عدم استحبابه لذاته، لعدم الدليل عليه، و إن وقع الكلام في استحبابه بالعرض، لأنه زيادة مشقة، فيستتبع الثواب أو لأنه أعون علي خلوص القصد كما عن التذكرة

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

ص: 524

و يعتبر فيها الإخلاص، فلو ضم إليها الرياء بطل (1).

______________________________

- بل يجب لو توقف عليه، كما عن نهاية الإحكام- أو عدم استحبابه، بل كراهته في الصلاة، لأنه كلام بعد الإقامة، بل مطلقا لأنه إحداث شرع، كما عن البيان، بل في الجواهر: «الأحوط الترك مع الاختيار فرارا من التشريع».

لكن الظاهر عدم دخل اللفظ في خلوص القصد، كما عن الذكري، غاية الأمر أنه قد يكون أعون علي استحضار الفعل و إخطاره، و قد عرفت عدم اعتباره.

كما أن زيادة المشقة إنما توجب زيادة الثواب إذا كانت في طريق الطاعة، لا في ما هو خارج عنها.

و أما التشريع فلا إشكال في حرمته، إلا أنه موقوف علي التعبد بما ليس من الدين، و لا يكفي فيه محض الإتيان به.

(1) كما صرح به غير واحد، و نسب في المدارك للأكثر، و في كشف اللثام للمشهور، بل عن الذكري: «لا نعلم فيه خلافا إلا من السيد» و عن جامع المقاصد:

«قولا واحدا إلا ما يحكي عن المرتضي».

و قد يستدل عليه.

تارة: بما تضمن الأمر بالإخلاص من الآيات الكثيرة و النصوص، كصحيح ابن مسكان المتضمن تفسير قوله تعالي حَنِيفاً مُسْلِماً بقوله عليه السّلام: «خالصا مخلصا لا يشوبه شي ء» «1»، و صحيح عمر بن يزيد المتضمن قوله عليه السّلام: «و كل عمل تعمله للّه فليكن نقيا من الدنس» «2»، و غيرهما.

و اخري: بتوقف العبادية علي الإخلاص.

و يندفع الأول: بأن الآيات قد تضمنت الأمر بالإخلاص في الدين، و هو ظاهر في التوحيد، كما سبق عند الكلام في وجوب النية.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

ص: 525

______________________________

و كذا صحيح ابن مسكان بقرينة ورود الآية في سياق نفي اليهودية و النصرانية عن إبراهيم عليه السّلام قال تعالي مٰا كٰانَ إِبْرٰاهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لٰا نَصْرٰانِيًّا وَ لٰكِنْ كٰانَ حَنِيفاً مُسْلِماً «1»، و لا سيما مع روايته بطريق آخر هكذا: «خالصا مخلصا ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان» «2».

مع أن مدح إبراهيم عليه السّلام بذلك لا يستلزم وجوبه في كل عبادة.

و صحيح ابن يزيد ظاهر في الإرشاد لتجنب ما يفسد العمل من دون تعيين له، كما يظهر من قوله عليه السّلام قبل ذلك: «إذا صليت فأحسن ركوعك و سجودك، و إذا صمت فتوقّ ما فيه فساد صومك.» و غيرهما ظاهر في الاستحباب، فراجع الباب الذي عقده في الوسائل لذلك.

و أما الثاني: فهو ممنوع، لإمكان اجتماع داعيين أو أكثر في العمل الواحد.

و لو تمحض العمل في الرياء خرج عن محل الكلام، بل لا يبعد خروج صورة ما إذا لم يصلح الداعي القربي بنفسه للداعوية، لضعفه، لما يأتي في الضمائم المباحة.

فالعمدة في مبطلية قصد الرياء حرمة العمل معه المانعة من التقرب به، لأن الظاهر من أدلة حرمة الرياء حرمة نفس العمل الذي يراءي به، لأن الرياء هو تظاهر الإنسان بالخير و الدين و إراءة الناس ذلك منه، و هو ينطبق علي نفس العمل الظاهر، لا علي القصد المصاحب له.

مضافا إلي موثق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته يقول اللّه عز و جل:

اجعلوها في سجّين، ليس إياي أراد» «3»، فإن جعل العمل في سجّين ظاهر في حرمته بنفسه.

______________________________

(1) سورة آل عمران: 67.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

ص: 526

______________________________

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من حمله علي جعل العمل في مرتبة نازلة من القبول في مقابل جعله في عليين، لحمله علي الرياء الخفي الذي لا يمكن الالتزام بإبطاله للعمل، فيحمل علي مكلف خاص يكون هذا العمل منه كالسيئة، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، كل ذلك لعدم خفاء شرائط الصحة علي الملائكة فابتهاج الملك مستلزم لحصولها.

فهو تكلف لا ملزم به، إذ كما يمكن خفاء شرائط القبول علي الملائكة يمكن خفاء شرائط الصحة عليهم إذا كانت من سنخ النية.

هذا، و اختصاص كثير من نصوص حرمة الرياء بما إذا تمحض في الداعوية- الذي تقدم خروجه عما نحن فيه- لا ينافي البناء علي العموم لما إذا اشترك مع الداعي القربي فيها- الذي هو محل الكلام- لإطلاق بعض نصوصه، خصوصا ما تضمن تطبيق عنوان الشرك عليه، بل صراحة بعضها في العموم له، كصحيح زرارة و حمران عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا. و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من عمل للناس كان ثوابه علي الناس. يا زرارة كل رياء شرك. و قال عليه السّلام: قال اللّه عز و جل: من عمل لي و لغيري فهو لمن عمل له» «1».

هذا، مضافا إلي ما تضمنه ذيل الصحيح و غيره «2» من عدم الاعتداد بالداعي القربي الذي يضم إليه الرياء، لظهوره في الردع عن تخيل حصول كلا المقصودين بتحصيل كلا الداعيين، و مقتضي إطلاقه عدم الاعتداد به حتي في الإجزاء، لا في خصوص ترتب الثواب.

و بهذا يظهر عدم الفرق بين دخل الرياء في الداعوية بنحو الشركة مع الداعي القربي- لصلوح كل منهما للداعوية، أو داعوية مجموعهما- و كونه بنحو التبعية مع كون الداعي القربي تام الداعوية، لعموم النصوص المتقدمة.

و إشكال شيخنا الأعظم قدّس سرّه في الأخير، لاختصاص أكثر أدلة الرياء بالأول،

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7.

ص: 527

______________________________

فتنزل النصوص المتقدمة عليه. في غير محله، لعدم التنافي بين النصوص مع اشتراكها في الإثبات.

و لا سيما مع تأيد العموم بالموثق و الخبر «1» المتضمنين أن من علامات المرائي النشاط أمام الناس و الكسل وحده و حب أن يحمد في جميع أموره، و خبر مسمع المتضمن لقوله صلّي اللّه عليه و آله: «ما زاد خشوع الجسد علي ما في القلب فهو عندنا نفاق» «2» و خبر ابن أبي يعفور المتضمن لقوله عليه السّلام: «من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه» «3».

علي أن أكثر النصوص ظاهر في صورة انفراد الرياء بالداعوية، لا بالصورة المذكورة، و النصوص المذكورة تشمل جميع صور دخله، فإن بني علي الاقتصار علي مفاد الأكثر لزم عدم الحرمة في جميع صور دخله، و إن عمل بهذه النصوص التعميم لجميع الصور، و هو المتعين.

هذا، و لا يخفي أن ما ذكرنا من الوجه إنما يقتضي البطلان مع الالتفات لحرمة الرياء، أما مع الغفلة عنها، فيلزم الصحة لو فرض حصول الداعي القربي، و يلحقه ما يأتي في الضمائم المباحة.

إلا أن الإشكال في حصوله، لأن مبغوضية الرياء و منافاته للتقرب ارتكازية.

بل مقتضي ما تقدم من أن ظاهر ذيل صحيح زرارة و حمران المتقدم و غيره عدم الاعتداد بالداعي القربي مطلقا حتي في الإجزاء هو البطلان مطلقا، فتأمل.

ثمَّ إنه لا يبعد أن يكون المراد بما تقدم من نسبة الخلاف للمرتضي قدّس سرّه ما في الانتصار في تعقيب النبوي: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به» حيث قال:

«و لفظة «مقبول» يستفاد منه في عرف الشرع أمران: أحدهما: الإجزاء، كقولنا: لا يقبل اللّه صلاة بغير طهارة. و الأمر الآخر: الثواب عليها، كقولنا: إن الصلاة المقصود بها الرياء غير مقبولة، بمعني سقوط الثواب و إن لم يجب إعادتها»، حيث قد يظهر

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1، 2.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 15.

ص: 528

______________________________

منه عدم مبطلية الرياء، بل المفروغية عن ذلك.

فإن كان وجهه أن عدم القبول أعم من البطلان، فقد سبق أن الدليل لا ينحصر بما تضمن ذلك. و إن كان وجهه دليلا خاصا مخرجا عما سبق، فهو مطالب به.

و مال في كشف اللثام للإجزاء، للأصل، لمنع دخل الإخلاص في مفهوم العناوين العبادية من الوضوء و الصلاة و نحوهما، غايته أنه واجب مثلها، فيأثم المكلف بالإخلال به من دون أن يبطلها.

و يندفع: بأن الإثم بالرياء مانع من التقرب بالعمل المراءي به.

إلا أن يرجع إلي دعوي أن المحرم هو قصد الرياء لا نفس العمل، ليمتنع التقرب به المعتبر في عباديته. و يظهر ضعفه مما سبق.

بقي في المقام أمور.

الأول: أن الرياء.

تارة: يكون في أصل العمل.

و اخري: يكون في تشخصه بفرد خاص، كالصلاة جماعة أو في أول الوقت أو في المسجد.

و ثالثة: يكون في مقارناته الخارجة عنه، كالتحنك و التخشع في الصلاة.

و رابعة: يكون في أجزائه الواجبة، كما لو اختار السور الطوال، أو المستحبة، كالاستعاذة، بناء علي أنها أجزاء مستحبة لا مطلوب في ضمن مطلوب، و إلا كانت من القسم الثالث.

و الجميع محرم بمقتضي العموم المتقدم.

و الأول متيقن من مبطلية الرياء، لاتحاد العبادة مع الحرام.

و مثله الثاني، لأن التقرب إنما يكون بالفرد، فيمتنع مع حرمته.

و أما الثالث، فاختار فيه سيدنا المصنف قدّس سرّه عدم البطلان، لفرض التباين بين العبادة، المتقرب بها و الرياء المحرم.

ص: 529

______________________________

و هو إنما يتجه فيما إذا لم تكن العبادة دخلية في تحقق الرياء، كما لو صلي بالداعي القربي و تصدق حين الصلاة رياء لبيان سخائه في الصدقات، و لا يتم فيما إذا كانت العبادة دخيلة في ذلك، كالمثالين المتقدمين، فإن خصوصية حال الصلاة دخيلة في تحقق الرياء بالتحنك و التخشع، فحرمة الرياء تقتضي مبعدية ما يكون دخيلا في تحققه و إن كان خارجا عن موضوعه، فيمتنع التقرب به و يبطل.

نعم، إذا وقع في أثنائه من دون أن يقارن شيئا من أجزائه، كالاستعاذة- بناء علي عدم كونها جزءا مستحبا- اتجه عدم بطلان العمل بها إذا لم يقصدها المكلف إلا حين إيقاعها، أما إذا كان عزمه عليها مقارنا لبعض أجزاء العمل تعين بطلانه، لكونه دخيلا في تحقق الرياء.

و منه يظهر الحال في الرابع، فإنه يبطل تمام العمل إذا كان مقصودا من أول الأمر، أما لو تجدد قصده في الأثناء حين حصول محله اختص البطلان به.

نعم، لو اقتصر عليه و كان جزءا واجبا بطل العمل للإخلال بجزئه، و كذا لو كانت زيادة الجزء مخلّة بالعمل، لا من جهة الرياء.

الثاني: بعد أن ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه أن الرياء إيقاع العبادة لأجل طلب المنزلة عند الناس ذكر أن ذلك لا يكون محرما إذا كان الغرض منه دفع ضررهم، لعدم الدليل علي حرمته، بل قد يجب، و حيث كان ظاهر الأخبار حرمة الرياء بقول مطلق فلا بد من خروج ذلك عنه موضوعا، بأن يختص الرياء بما يكون الداعي له ترتب النفع.

و فيه: أن أخذ الداعي المذكور في مفهوم الرياء لا يناسب معناه اللغوي، و لا نصوص تحريمه، لظهورها في أن المدار فيه علي قصد إرضاء الناس من حيثية الدين.

بل لا يناسب ما هو المعلوم من صدقه علي عبادة المنافقين، التي هي علي الظاهر مورد قوله تعالي:

ص: 530

______________________________

فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ. الَّذِينَ هُمْ يُرٰاؤُنَ. وَ يَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ «1»، مع أن عملهم قد يكون لتجنب إضرار المؤمنين بهم لو ظهرت حقائقهم، و لا ينحصر بجلب المنفعة.

و من هنا يكون الدليل علي حرمة الرياء في الفرض عموم أدلته.

فالعمدة في وجه الجواز، هو حكومة قاعدة نفي الضرر علي العموم المذكور.

لكنه يختص بمن لا يشرع إضراره، فمن شرع إضراره، كالمنافقين و العصاة، حيث يرجح الإضرار بهم قمعا للفساد و ردعا عن المنكر، لم تنهض قاعدة نفي الضرر بدفعه، و كان المرجع عموم حرمة الرياء.

الثالث: الغرض من التحبب و التقرب للناس بالعبادة.

تارة: يكون أمرا حاصلا منهم، كمدحهم و إحسانهم و دفع شرهم.

و اخري: يكون أمرا راجعا للّه تعالي، إما لرجحان إرضائهم ذاتا، كالوالدين، أو عرضا كمن يتقوي به في دفع المنكر و ترويج الحق.

أما الأول، فهو المتيقن من الرياء موضوعا و حكما إلا في دفع الشر، كما سبق.

و أما الثاني، فقد استظهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه عدم دخوله في الرياء، لأن مرجعه إلي طلب المنزلة عند اللّه تعالي.

لكن رجوعه إلي ذلك لا ينافي دخوله في الرياء إذا كان هو عبارة عن طلب الرفعة عند الناس.

نعم، لا يبعد أن يكون ذلك موجبا لانصراف عموم التحريم عنه، لأن المنصرف من فرض رضا شخص غاية للعمل كون غائيته بلحاظ ما يعود إليه من نتائج رضاه، دون ما يعود للّه تعالي، لأن داعي الداعي هو الدافع الحقيقي.

و يناسبه إطلاق الشرك علي الرياء، لظهوره في كون الملحوظ فيه إرضاء غيره تعالي في عرض إرضائه، لا في طوله، فيلحقه ما يأتي في الضمائم الراجحة.

______________________________

(1) سورة الماعون: 4- 6.

ص: 531

______________________________

و لذا لا ريب ظاهرا في عدم حرمة العبادة إذا تأكد الداعي القربي فيها بمثل إرضاء الوالدين و طلب دعائهما.

هذا، و لو فرض عموم التحريم، فلا مجال لما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من معارضته بعموم رجحان الداعي المفروض، لخروج المورد عن تعارض العمومين، و دخوله في تزاحم الحكمين، الذي يتعين فيه تقديم الحكم الإلزامي، و هو في المقام تحريم الرياء.

و لذا لا ريب في عدم تحليل المحرمات إذا ترتب عليها غايات راجحة، كما لو كان الغرض من الغناء إرضاء الفاسق ليعين المؤمن.

الرابع: الظاهر أن الرياء لا يختص بالعبادات، بل يجري في غيرها من الأفعال الراجحة شرعا إذا ابتني الإتيان بها علي ملاحظة مشروعيتها، و كان الإتيان بها بداعي تحصيل المنزلة الدينية في نفوس الناس.

بل يجري في التروك أيضا إذا ابتنت علي ذلك، كما لو تجنب الغيبة أو الكذب، مظهرا أن ذلك منه بداعي التدين لإرضاء الناس، فإنه لو فرض عدم صدق العمل عليها- الذي أخذ في أكثر نصوص المقام- إلا أن الظاهر إلغاء خصوصيته عرفا بمقتضي المناسبات الارتكازية القاضية بفهم أن المعيار علي كون الغاية من الطاعة رضا الناس.

نعم، لو كان الغرض هو التحبب للناس و تحصيل المنزلة في نفوسهم لا من حيثية التدين، بل لمحض ملائمة الترك لأعرافهم أو رغباتهم خرج عن الرياء، لابتنائه علي إراءة ما هو خلاف الواقع من الأمر الخفي الذي يظهره العمل، و هو التدين.

بل يخرج عنه حينئذ الفعل العبادي، فضلا عن غيره، كما لو كان الغرض من دفع الزكاة لشخص التحبب إليه من حيثية الإحسان، فيلحقه حكم الضمائم الأخر، التي يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالي.

الخامس: الظاهر اختصاص الرياء بما إذا كان الغرض من العمل رفع منزلة

ص: 532

______________________________

العامل بشخصه عند الناس و تقريبهم إليه، و ليس منه ما لو كان الغرض تزكية النوع الذي ينتسب إليه من فرقة أو جماعة أو عنوان، كما لو حسّن طالب العلم عمله، ليقرّب الناس لأهل العلم و برفعهم في عيونهم، بل يختلف حكم ذلك باختلاف ذلك النوع في رجحان حفظه و عدمه.

و قد تضمن غير واحد من النصوص حث المؤمنين علي أن يكونوا دعاة لمذهب الحق بأعمالهم، ففي صحيح ابن أبي يعفور: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع و الاجتهاد و الصلاة و الخير، فإن ذلك داعية» «1»، فإن التنبيه علي الأثر المذكور ظاهر في جواز قصده حين العمل.

و في موثق عبيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يدخل في الصلاة فيجود صلاته و يحسنها رجاء أن يستجر بعض من يراه إلي هواه. قال: ليس هذا من الرياء» «2».

السادس: لا بد في صدق الرياء من دخله في الداعوية، أما مجرد أن يخطر في ذهن الإنسان أن فائدة العمل ظهور الخير منه للناس و ثناؤهم عليه من دون أن يكون دخيلا في الداعوية فليس من الرياء و لا يبطل.

و لعله هو المراد مما في الجواهر و غيرها من أنه لا عبرة بالخطرات التي هي غير مقصودة و لا عزم عليها، كما يتفق كثيرا لأغلب الناس.

بل لعله هو المراد مما في حسن يونس بن عمار، بل صحيحه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب، فقال: إذا كان في أول صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك، فليمض في صلاته، و ليخسأ الشيطان» «3».

إذ لو كان السؤال عن العجب، كما هو مقتضي الجمود علي اللفظ، لم يكن الجواب مناسبا له، لعدم التنافي بين الخلوص و العجب، لا في أول العمل و لا في

______________________________

(1) الوسائل باب: 16 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

ص: 533

______________________________

آخره، و لا سيما مع إباء نصوص العجب عن الحمل علي خصوص ما يكون في أول العمل، لغلبة حصوله في الأثناء أو بعد العمل، بل هي كالصريحة في ترتب محذورة إذا حصل بعد العمل، فضلا عما لو حصل في أثنائه.

و لو أريد به طروء الرياء الدخيل في الداعوية في أثناء العمل لم يناسب قوله عليه السّلام في الجواب: «و ليخسأ الشيطان»، لظهوره في أن قطع الصلاة لأجل ذلك تحقيق لغرض الشيطان، مع أن الشيطان دخيل في طروء الرياء، لا في قدحه، بل هو تابع للشارع.

و من ثمَّ كان الحمل المذكور بعيدا. و لا سيما مع إباء نصوص الرياء عن الحمل علي خصوص ما يكون أول العمل.

فمن القريب أن يكون المراد هو الخطور الذي ذكرناه، و نحوه مما يلقيه الشيطان في روع المكلف موحيا إليه أنه لا فائدة في عمله، ليقطعه، بل قد يزهده بذلك في العمل. فأراد عليه السّلام ببيان الضابط المذكور التنبيه علي أن ذلك ليس من الرياء، لعدم داعويته، لأن الدخول في العمل بنية خالصة ملازم غالبا لإتمامه بالداعي الأول.

و إنما أطلق علي ذلك في كلام السائل العجب بلحاظ أن الخطور المذكور راجع إلي تخيل أهمية العمل خارجا، بنحو يوجب ظهور فاعله بمظهر الخير للناس، و يحسن ظنهم به.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا مجال لما أشار إليه في الجواهر من الاستدلال بمفهوم الرواية علي قدح العجب المقارن لأول العمل، و بإطلاق منطوقها علي عدم قدح ما يطرأ في الأثناء من عجب أو رياء أو نحوهما، فإن ما ذكرنا إن لم ينهض بتقريب ظهور الرواية في المعني المذكور فلا أقل من كونه موجبا لإجمالها، فلا تنهض بالاستدلال، فلاحظ.

السابع: إذا كان العمل بتمام خصوصياته الراجحة متمحضا في الداعي القربي، فلا يكون إظهاره رياء، سواء كان الغرض من الإظهار اقتداء الغير به أم طلب

ص: 534

______________________________

رضاه أم دفع شره و صون النفس عن تهمة.

و أولي بذلك سرور الإنسان باطلاع غيره علي عمله، من دون أن يسعي لذلك. ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الرجل يعمل الشي ء من الخير، فيراه إنسان، فيسره ذلك. قال: لا بأس، ما من أحد إلا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» «1».

نعم، لا إشكال في استحباب الإسرار بالعبادة و كتمانها، كما تظافرت به النصوص «2»، لما في الإظهار من التعرض للرياء، و لا سيما الإظهار لتحصيل رضا الناس و مدحهم، لالتباسه كثيرا بالرياء، و في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه قال: الإبقاء علي العمل أشد من العمل. قال: و ما الإبقاء علي العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له فكتبت له سرا، ثمَّ يذكرها، فتمحي فتكتب له علانية، ثمَّ يذكرها فتمحي و تكتب له رياء» «3»، و لا بد من تأويل ما في ذيله بحمله علي حبط الثواب أو نقصه، لخروجه عن حقيقة الرياء بعد كون الداعي القربة خالصة.

لكن تضمن بعض النصوص استحباب الإعلان في الفرائض، ففي صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و كلما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من أسراره، و كلما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه.» «4».

الثامن: ذكر غير واحد أن السمعة من الدواعي المحرمة كالرياء.

و الفرق بينها و بين الرياء اشتقاقها من السماع، و اشتقاقه من الرؤية، فهي راجعة إلي كون الغرض من العمل السمعة الحسنة و الصيت الجميل، و من ثمَّ كانت غاية للعمل، لأنها من آثاره المباينة له المترتبة عليه، لا عنوانا له كالرياء.

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 14، 17 من أبواب مقدمة العبادات، و باب: 13 من أبواب الصدقات و غيرها.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 54 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

ص: 535

و لو ضم إليها غيره من الضمائم الراجحة- كالتنظيف (1)- أو المباحة- كالتبريد-

______________________________

و الوجه في حرمة العمل معها، ما يستفاد من نصوص الرياء بعد إلغاء خصوصية الرؤية عرفا، لكونها طريقا محضا.

و إطلاق بعض النصوص الظاهرة في أن المعيار كون الغرض ظهور الخير للناس، بنحو يكون العمل لإرضائهم، لا لإرضاء اللّه تعالي وحده.

و خصوص بعض النصوص المصرحة بها، كخبر ابن القداح: «و اعملوا للّه في غير رياء و لا سمعة، فإنه من عمل لغير اللّه وكله اللّه إلي عمله يوم القيامة» «1»، و غيره «2».

التاسع: يشارك الرياء في المانعية و المبطلية غيره من العناوين المحرمة المنطبقة علي العمل، لامتناع التقرب بالمحرم، سواء كانت منتزعة من خصوصية مقارنة له، كالسجود لغير اللّه تعالي، أم من خصوصية تسبيبية، كصب الماء علي الوجه إذا استلزم جريانه علي محل مغصوب.

بل يكفي في المانعية قصد بعض الغايات المحرمة من العمل، و إن لم تكن مسببات توليدية له، بل كانت قابلة للتخلف عنه، لاحتياجها لاختيار مستقل، كما لو قصد بالسعي الوصول لإيذاء مؤمن، لأن قصد الغاية المحرمة موجب لمبعدية العمل، لكونه مظهرا للتمرد علي المولي، فيمتنع التقرب به، و يبطل إذا كان عبادة.

و نسأله تعالي العصمة و السداد.

(1) الظاهر أنه لا إشكال في استحبابه في الجملة، كما قد يستفاد مما تضمن استحباب دخول الحمام «3»، و استحباب غسل اليدين قبل المائدة و بعدها، و غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

(2) راجع احاديث الباب السابق.

(3) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب آداب الحمام و الزينة.

ص: 536

فإن كانت الضميمة تابعة، أو كان كل من الأمر و الضميمة صالحا للاستقلال في البعث إلي الفعل لم تقدح، و في غير ذلك تقدح (1).

______________________________

(1) أما الضميمة الراجحة، ففي المدارك أن المتجه الصحة فيها مطلقا، و هو مقتضي إطلاق المحكي عن المشكاة، و إطلاق ما في الشرائع من عدم قدح نية التبرد و غيره، و يستفاد بالأولوية ممن اقتصر علي عدم قدح نية التبرد، كما يأتي التعرض لهم، بل في الجواهر: «في شرح الدروس الاتفاق عليه، و يظهر من بعضهم نفي الخلاف فيه».

لما قيل من عدم منافاته للإخلاص، بل هو مؤكد له.

و استشهد له في الجواهر- مضافا إلي ذلك.

تارة: بما تضمنته الأخبار من التنبيه علي ترتب كثير من الأمور الراجحة علي كثير من الواجبات و المستحبات، إذ لو كان قصدها مخلا لم يحسن التنبيه عليها، كي لا تقصد.

و اخري: بما ورد منهم عليهم السّلام من الوضوء و الصلاة بقصد التعليم، و الأمر بإطالة الركوع في الجماعة للانتظار، و إعطاء الزكاة للاقتداء، و التكبير للإعلام و نحوه.

لكن الوجهين لا يناسبان ما ذكره من أن خصوصية الضمائم الراجحة موقوفة علي قصد رجحانها شرعا، و إلا كانت كالضمائم المباحة، لوضوح عدم قصد الرجحان في أكثر الجهات التي وردت فيها النصوص المشار إليها.

نعم، تأكيدها للإخلاص موقوف علي قصد رجحانها شرعا.

كما أن الثاني منهما لا يناسب ما ذكره هو و غيره من عدم الصحة فيما لو كانت الجهة الراجحة مقصودة بالأصل و العبادة مقصودة بالتبع، لوضوح أن إطالة الركوع في الجماعة كثيرا ما يكون المقصود الأصلي به الانتظار، و كذا التكبير للإعلام.

ص: 537

______________________________

نعم، قد يمنع أصل الاستدلال بذلك بعدم الدليل علي وجوب التقرب و العبادية بإطالة الركوع و بتكبير الإعلام، بنحو يكون عدمه مخلا، بعد كون أصل الركوع الذي يتحقق به الجزء عباديا، و عدم صدق الزيادة عليه، و عدم قدح التكبير و غيره من أفراد الذكر في الصلاة.

فيلزم النظر في دليل الاستثناء المذكور، و قد ذكروا في وجهه عدم صدق الإطاعة لأمر العبادة مع قصده تبعا.

بل صرح في العروة الوثقي بعدم الصحة أيضا مع كون تمام العلة قصد المجموع، خلافا لما في الجواهر من التصريح بالصحة حينئذ.

و وجّهه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأنه مقتضي الإجماع علي كون الوضوء عبادة، مع وضوح استقلال الأمر العبادي في البعث، بل جعل ذلك قرينة علي إرادة ذلك من الإجماع المدعي علي عدم قدح الضميمة الراجحة.

لكنه موقوف علي كون مرادهم من الإجماع علي عبادية الوضوء و نحوه من العبادات لزوم التقرب و التعبد بأمره عند الامتثال، و هو غير ظاهر، لإمكان إرادتهم لزوم إيقاع العمل بوجه قربي، و لو بقصد أمر آخر متعلق به بعنوان آخر، فيلزم الاقتصار عليه، لأنه المتيقن في الخروج عن الإطلاق و الأصل القاضيين بعدم العبادية رأسا.

نعم، لا بد من قصد الجهة الراجحة من حيثية رجحانها شرعا، كما سبق من الجواهر، لتوقف العبادية علي ذلك.

و من ذلك يظهر الجواب عما تقدم من عدم صدق الطاعة لأمر الوضوء مع قصد أمره تبعا لأمر الضميمة الراجحة، إذ لو أريد من طاعة أمر الوضوء ما يناط بقصده فلزومها أول الكلام، و لو أريد منها موافقته فهي لا تتوقف علي قصد التقرب إلا بالمقدار الذي ثبت لزومه بالدليل.

اللهم إلا أن يقال: مقتضي ذلك إجزاء التقرب بأمر الضميمة الراجحة من دون قصد أمر الوضوء أصلا، بل من دون نية الوضوء، و الظاهر عدم الإشكال

ص: 538

______________________________

عندهم في عدم الإجزاء حينئذ، خصوصا مع الثاني، و هذا كاشف عن رجوع الإجماع علي عبادية الوضوء أو نحوه إلي لزوم التعبد و التقرب بأمره عند الامتثال، و هو موقوف علي تمامية داعويته، كما يأتي.

و بالجملة: ظاهر الإجماع علي عبادية العبادية عبادية أمرها، بمعني لزوم قصده عند الامتثال، لا عبادية الفعل و لو لقصد أمر آخر غير أمرها.

نعم، يأتي في المسألة الواحدة و السبعين أن عبادية الوضوء تمتاز بوجه آخر، لكنه لا أثر له فيما نحن فيه كما يأتي هناك أيضا، فراجع.

و أما الضميمة المباحة، فقد وقع الخلاف فيها بين الأصحاب، فقد صرح بعدم قدح ضم نية التبرد في المبسوط و المعتبر و المنتهي و الإرشاد و محكي الجامع، و قواه في محكي التذكرة بعد أن زاد عليه التنظيف، و مال إليه في جامع المقاصد و محكي الذكري بعد أن زاد التسخين، و تقدم من الشرائع التعميم لغير التبرد، و في المدارك أنه أشهر القولين، و عن قواعد الشهيد نسبته لأكثر الأصحاب.

و استشكل في القواعد في ضم نية التبرد، بل منع منه في الروض و محكي نهاية الإحكام و الإيضاح و البيان و جامع المقاصد و المجمع.

و في كشف اللثام: «و احتمل الشهيد في قواعده أن يقال: إن كان غرضه الأصلي القربة ثمَّ طرأ التبرد عند ابتداء الفعل لم يضر، و إن انعكس أو كان الغرض مجموعهما لم يصح، و هو الوجه، و عليه ينزل إطلاق الأصحاب»، و حكاه في مفتاح الكرامة عن مشكاة أستاذه، و كأنه راجع إلي ما في المتن.

و قد يناسبه تعليل بعضهم الجواز بعد المنافاة بين الداعيين، فإن التعرض لعدم المنافاة ظاهر في المفروغية عن فرض تمامية الداعي القربي بالنحو المعتبر، لا قصوره في نفسه و تتميمه بالداعي الآخر، و إلا كان المناسب حينئذ دعوي كفاية.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 539

الداعي القربي الناقص و لا يقتصر علي بيان عدم المنافاة.

نعم، حمل إطلاق المانعين علي خصوص صورة قصور الداعي القربي لا

ص: 539

______________________________

تشهد به كلماتهم، فما في الجواهر من إمكان الجمع بين القولين، فيرتفع الخلاف، غير ظاهر.

و كيف كان، فيكفي في الفساد في فرض قصور الداعي القربي- لتبعيته، أو لكون الداعي هو المجموع- عدم تحقق العبادية، التي هي محل الكلام مع ذلك.

و تنزيلها في كلامهم علي ما يستند للداعي القربي في الجملة بعيد جدا، بل مخالف لمعاقد الإجماعات الظاهرة في إرادة العبادية العرفية الموقوفة علي استناد الفعل الداعي القربي العبادي.

فما عن بعض متأخري المتأخرين من الصحة حينئذ في غير محله.

نعم، لا مجال لما في الجواهر من الاستدلال علي الفساد بما تضمن الأمر بالإخلاص في العبادة، لأنه أجنبي عما نحن فيه، كما يأتي.

و مثله الاستدلال بعدم صدق الامتثال حينئذ، لما عرفت من أن الامتثال إن كان بمعني ما يتوقف علي تمامية داعوية الأمر، فاعتباره محل الكلام. و إن كان بمعني موافقة الأمر، فهو لا يتوقف علي قصد التقرب إلا بالمقدار الذي ثبت لزومه.

و أما الصحة في فرض تمامية داعوية الداعي القربي- إما لتبعية الداعي الآخر، أو لتمامية كلا الداعيين في الداعوية- فيكفي فيها الإطلاق و الأصل المشار إليهما المقتضيان لعدم العبادية رأسا، حيث يجب الاقتصار في الخروج عنهما علي المتيقن.

و دعوي: منافاة ذلك للإخلاص المعتبر في العبادة.

ممنوعة، لما تقدم في آخر الكلام في مانعية الرياء من ظهور أكثر أدلة الإخلاص في الإخلاص المقابل للإشراك و عدم ظهور باقيها في الوجوب.

مضافا إلي ظهور بعض هذه النصوص في أن المنافي للإخلاص هو الرياء و نحوه مما يرجع إلي قصد إرضاء الناس دون بقية الضمائم، ففي خبر سفيان بن عيينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الإيقاء علي العمل حتي يخلص أشد من العمل،

ص: 540

______________________________

و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا اللّه عز و جل» «1»، فلاحظ.

ثمَّ إنا قد جرينا في تحرير المسألة علي ما جروا عليه، ليتنسي لنا نظم أقوالهم و بيان نهج استدلالهم.

و الذي ينبغي أن يقال: الضميمة.

تارة: تترتب علي العمل بالوجه الذي يكون به امتثال الأمر، فهي في عرض الامتثال، كغسل المسجد الذي قد يكون لتطهيره، و قد يكون لرفع الاستقذار عنه، و صلة الرحم التي قد تكون لحبه، كما قد تكون امتثالا للأمر الشرعي.

و اخري: تترتب علي الامتثال و في طوله، كما لو أمر الوالد بالعبادة، فإن مراده امتثال أمر الشارع بها، فيكون امتثال الأمر مقصودا عند قصد امتثال أمر الشارع من باب داعي الداعي.

و ثالثة: تكون مترتبة علي ذات العمل، من دون دخل للعنوان الذي يتوقف الامتثال علي قصده، كالتنظيف و التبرد المترتبين علي ذات الغسل لا بعنوان كونه وضوءا أو غسلا، مع توقف قصد الامتثال علي قصد أحد العنوانين و لو إجمالا.

أما الأول، فهو المتيقن من محل التفصيل المتقدم. لكن الظاهر أن جميع موارده من التوصليات التي لا تتوقف صحتها علي وقوعها بالوجه العبادي، و لا أثر لقصد التعبد بها إلا ترتب الثواب عليها، و لا إشكال في تبعية مقداره لمرتبة داعوية الداعي القربي، و لا يظهر أثر للتفصيل المذكور فيه.

كما لا يبعد دخول الثاني في محل الكلام و جريان التفصيل المتقدم فيه، لأن داعي الداعي هو الداعي الأصلي، فإذا فرض قصور الداعي القربي في نفسه لم يكن قصده تبعا للداعي الآخر كافيا في تحقق العبادية.

إلا أن تكون الضميمة دخيلة في داعوية الأمر بنفسه، بحيث تكون موجبة لتمامية داعويته مع- نظير الوعظ و التذكير- فلا إشكال في عبادية العمل و صحته حينئذ، لدخوله في الشق الأول من التفصيل المتقدم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.

ص: 541

______________________________

نعم، لا يبعد الاجتزاء مع قصور داعوية الامتثال لو كانت الضميمة راجحة شرعا، و كانت داعويتها بلحاظ رجحانها، لما تقدم من أن داعي الداعي إذا كان راجعا إلي الآمر لم يخل بالعبادية، فلو فرض قصور أمر النافلة عن الداعوية إلا بضميمة أمر الأب بلحاظ حسن طاعته شرعا، كفي في عبادية النافلة.

و أما الثالث- الذي منه أمثلة الأصحاب- فالظاهر خروجه عن محل الكلام، لأن قصد بالعنوان يكون بنية القربة خالصة، لعدم توقف الضميمة عليها، فلا بد من تمامية داعويتها بلحاظ ذلك.

و مجرد كون أصل الذات بداعي الضميمة لا دليل علي قادحيته، غاية الأمر أن الضميمة تكون دخيلة في فعلية داعوية الداعي القربي نحو الخصوصية، بحيث يكون بسببها تام الداعوية، و قد عرفت أنه لا يخل بالعبادية، نظير سهولة العمل و ارتفاع المعوقات عنه في بعض الحالات.

و قد يشهد بما ذكرنا صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلي أهله، فيقول: عندكم شي ء؟ و إلا صمت، فإن كان عندهم شي ء أتوه به، و إلا صام» «1».

و لعله مقتضي سيرة المتشرعة، لوضوح توقف داعوية أمر كثير من العبادات المستحبة في حق كثير من الناس علي تحقق الدواعي الخارجية لأصل العمل، كالحج و الزيارة مع كون أصل السفر للتفرج أو التجارة، بل هو الحال في بعض العبادات الواجبة في حق بعض الناس، كالزكاة التي لا يدفعها بعضهم لو لا وجود بعض المستحقين الذين يهتم بصلتهم.

إن قلت: هذا يجري في الرياء، أيضا إذ يكفي في تحققه الإتيان بصورة العمل، فقصد عنوان العبادة يكون بنية خالصة.

قلت: لما كان الرياء محرما، كان اتحاده مع العمل العبادي خارجا مانعا من التقرب به، بخلاف غيره من الضمائم و العناوين غير المحرمة، و لذا يكون قادحا لو

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7.

ص: 542

و الظاهر عدم قدح العجب حتي المقارن (1)،

______________________________

لم يتعلق بأصل العمل، بل بخصوصيته الفردية كالصلاة جماعة، مع عدم قدح الضمائم غير المحرمة فيها بلا إشكال.

(1) قال في الجواهر: «و ربما ألحق بعض مشايخنا العجب المقارن للعمل بالرياء في الإفساد، و لم أعرفه لأحد غيره، بل قد يظهر من الأصحاب خلافه، لمكان حصرهم المفسدات، و ذكرهم الرياء و ترك العجب، مع غلبة الذهن إلي الانتقال إليه عند ذكر الرياء».

هذا، و عدم قدح العجب هو مقتضي إطلاق أدلة العبادة، و الأصل، المشار إليهما آنفا. بل قد يستدل عليه في الجملة بصحيح يونس بن عمار المتقدم في الأمر السادس من لواحق الكلام في الرياء، و إن تقدم الإشكال في ذلك، فراجع.

و أما الاستدلال علي قدح العجب بما يأتي من النصوص الناهية عنه و المتضمنة أنه من المهلكات و نحو ذلك. فلا مجال له، إذ غاية ما تدل عليه حرمة العجب، و هي لا تستلزم إفساده للعبادة، لعدم الاتحاد بينهما.

و كذا الاستدلال بصحيح علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات، منها: أن يزين للعبد سوء عمله، فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنه يحسن صنعا، و منها: أن يؤمن العبد بربه فيمنّ علي اللّه عز و جل، و للّه عليه فيه المن» «1».

لأن تطبيق العجب فيه علي تزيين العمل السيئ و المن بالإيمان غير القابلين للفساد بالمعني المقصود ملزم بحمله علي معني آخر من الفساد راجع إلي عدم ترتب الغرض الكامل من الإيمان، لعدم فعلية داعويته لعمل الخير و الانزجار عن الشرّ، بسبب تزيين العمل السيئ المستلزم للاستكثار منه، و الإدلال بالإيمان المستلزم للاتكال عليه و استقصاء الحساب منه تعالي الذي يهلك العبد، و لا يكون

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.

ص: 543

______________________________

أهلا للرحمة.

أو يراد من إفساد العجب للعمل إفساده لغير العمل المعجب به، فيحمل علي الإحباط، إذ لا إشكال في عدم بطلان العمل بسبب العجب بغيره.

و مثله ما في النبوي: «قال اللّه تبارك و تعالي: ما يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، و إن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة، فأكفه عنه، لئلا يدخله عجب فيفسده» «1».

لأن ظهوره في كون محذور العجب أضر من ترك العمل، حيث يكون مقتضيا للمن عليه بصرفه عنه تكوينا ملزم بحمل الفساد فيه علي فساد حال العبد، لإفساد العمل بالمعني المقصود الراجع إلي محض عدم الانتفاع به، لأنه ليس محذورا صالحا، للامتنان عليه بصرفه عنه.

نعم، في خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أتي عالم عابدا، فقال: كيف صلاتك؟ فقال: مثلي يسأل عن صلاته و أنا أعبد اللّه منذ كذا و كذا! قال:

فكيف بكاؤك؟ فقال: أبكي حتي تجري دموعي. فقال له العالم: فإن ضحكك و أنت خائف أفضل من بكائك و أنت مدل، إن المدل لا يصعد من عمله شي ء» «2».

لكن سنده لا يخلو عن اضطراب، فقد رواه الكليني بسنده عن محمد بن سنان عن نضر بن قرواش عن إسحاق، و ابن قرواش مجهول أو ضعيف، و عن ابن سعيد روايته عن نضر بن سويد عن محمد بن سنان عن إسحاق، و ابن سويد ثقة، و من البعيد جدا تعدد الطريق، إذ مع رواية ابن سنان له عن إسحاق لا وجه لروايته له بواسطة بن قرواش، فالظاهر وقوع التصحيف في أحد الطريقين المانع من الاعتماد علي الثاني منهما، و إن كان صحيحا في نفسه، بل هو الأقرب بلحاظ قلة الوسائط فيه.

مضافا إلي قرب كون صعود العمل كناية عن خصوص ترتب الثواب عليه، بحيث يذخر لصاحبه في كتاب الحسنات، الذي هو في عليين، كما هو الحال في

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 17.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9.

ص: 544

و إن كان موجبا لحبط الثواب (1).

______________________________

البكاء، و إلا فكل عمل محصي و صاعد له تعالي و إن كان محرما أو مباحا أو فاسدا.

و لعل ذلك هو المنصرف من عدم القبول في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم من ثلاث لم أبال ما عمل فإنه غير مقبول منه: إذا استكثر عمله، و نسي ذنبه، و دخله العجب» «1».

مضافا إلي ما يأتي من خروج الصحيح و الخبر عن محل الكلام، و هو العجب بالعمل الخاص، لأنه الذي يحتمل مبطليته للعمل، و أما العجب بمجموع الأعمال بنحو يقتضي الاتكال عليها و الأمن بسببها فلا يظن من أحد البناء علي مبطليته، فلاحظ.

(1) كما يستفاد من خبر إسحاق و صحيح عبد الرحمن المتقدمين، فإن استكثار العمل في الصحيح راجع إلي العجب به و اعتقاد قبوله، لا محض البناء علي كثرته خارجا.

و لا بد من حمل العجب فيه علي العجب بالنفس، كما لعله مقتضي إطلاقه.

نعم، هو مختص بمن اجتمعت فيه الصفات الثلاث، و لا يبعد تلازمها، لأن المراد باستكثار العمل ما يساوق البناء علي نفعه و النجاة بسببه مستغنيا به عن عفو اللّه تعالي و رحمته، و هو مناسب لنسيان الذنب، الذي لا يبعد كونه كناية عن تناسيه و استصغاره و الاستهوان به، كما يأتي في مرسل يونس، كما أن العجب بالنفس يحصل مع ذلك غالبا بتسويل الشيطان، و قد أشير في بعض النصوص «2» إلي أن العجب بالعمل موجب للرضا عن النفس.

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1، و هو خبر أبي عبيدة الآتي.

ص: 545

______________________________

و أما ما تضمن أن الذنب خير من العمل الذي يعجب الإنسان، كقوله عليه السّلام:

«سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك» «1».

فلا يصلح شاهدا للإحباط، لإمكان أن يكون التفضيل بلحاظ خطر العجب و إن لم يكن محبطا لأجر العمل، أو بلحاظ أن الخوف المصاحب للذنب الذي هو من المنجيات أهم من ثواب العمل، كما قد يناسبه ما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «و قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق، ثمَّ يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب به، فقال: هو في حاله الأولي و هو خائف أحسن حالا منه في حال عجبه» «2»، و غيره.

فالعمدة ما ذكرنا من الصحيح و الخبر.

لكن الظاهر منهما إرادة العجب بمجموع أعمال الإنسان، بالنحو الراجع إلي الاعتماد عليها و الأمن بسببها من العقاب، كما هو مقتضي الإدلال في الخبر، لأن الإدلال علي الشخص هو الجرأة عليه، للوثوق بمحبته، كما أن المنصرف من استكثار العمل في الصحيح ما يرجع إلي ذلك.

أما الإعجاب بالعمل الخاص لاعتقاد جمعه لشرائط القبول، و إن خيف معه بسبب قلته، أو الذنوب، الذي تقدم أنه محل الكلام، فهو خارج عن مفاد الصحيح و الخبر، و لا يظهر الوجه لكونه محبطا للثواب.

ثمَّ إنه قد يستفاد حرمة العجب- بالمعني المتقدم- زائدا علي إحباطه للعمل من النصوص الكثيرة المتضمنة للحث علي أن يري الإنسان من نفسه التقصير في العمل «3»، و النهي عن استكثاره «4»، و أنه من قاصمات الظهر «5»، و من الذنوب الموجبة لاستحواذ إبليس عليه «6»، و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 22.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1، 2.

(4) الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6.

(6) الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3. و سيأتي ذكره.

ص: 546

______________________________

و دعوي: أن النهي المذكور ليس مولويا، بل للإرشاد إلي أن اللّه تعالي لا يعبد حق عبادته، و أن العمل مهما عظم لا يبلغ قدر الثواب الأخروي المرغوب فيه، لأجل الحث علي الاستكثار من العمل، كما يشهد به صحيح خلف عن أبي الحسن موسي عليه السّلام: «قال لبعض ولده: يا بني عليك بالجد و لا تخرجن نفسك من حدّ التقصير في عبادة اللّه عز و جل و طاعته، فإن اللّه لا يعبد حق عبادته» «1»، و خبر أبي عبيدة أو صحيحه المتضمن لقوله تعالي- في حديث طويل-: «لا يتكل العاملون لي علي أعمالهم التي يعلمونها لثوابي، فإنهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم و أفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلي في جواري.» «2».

ممنوعة، لمخالفتها لظاهر ما تضمن أن استكثار العمل و العجب به مبعد للعبد من اللّه تعالي، و معرض له للمداقة في الحساب و حرمانه من عفو اللّه تعالي و رحمته، و أنه من الذنوب الموجبة لاستحواذ إبليس عليه، ففي صدر خبر أبي عبيدة أنه تعالي يقول: «و لو اخلي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيره العجب إلي الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه، لعجبه بأعماله و رضاه عن نفسه، حتي يظن أنه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حدّ التقصير، فيتباعد مني عند ذلك، و هو يظن أنه يتقرب إلي.» «3»، و في مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله- في حديث موسي و إبليس-: فقال موسي: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه.

قال: إذا أعجبته نفسه، و استكثر عمله، و صغر في عينه ذنبه، و قال: قال اللّه عز و جل لداود:. و أنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم، فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك» «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

ص: 547

مسألة 71 لا يعتبر نية الوجوب و لا الندب

(مسألة 71): لا يعتبر نية الوجوب و لا الندب (1)،

______________________________

(1) كما في المعتبر و ظاهر المقنعة و النهاية و المبسوط، للاقتصار في الأولين علي القربة، و في الأخير علي رفع الحدث و الاستباحة، و هو المحكي عن المرتضي و البصروي و غيرهما، و في الجواهر: «و إليه ذهب كثير من متأخري المتأخرين و جملة مشايخنا المعاصرين، بل نقله الشهيد في نكت الإرشاد عن. الشيخ في الاقتصاد و عن المصنف في الطبرية، بل ربما كان ظاهر سلار و الجعفي، لإطلاقهم النية، علي ما قيل، كظاهر النافع. بل قد يكون ظاهر المتقدمين، لتركهم التعرض للنية أصلا.».

و الوجه في ظهور ذلك منهم: أن اعتبار ذلك محتاج إلي التنبيه للغفلة عنه بدونه، فإهماله في مقام بيان الماهية ظاهر في عدمه، بخلاف أصل نية التقرب، حيث يحسن الاتكال فيها علي المفروغية عن عبادية الوضوء، مع وضوح توقف العبادية عليها.

و هو الوجه في ظهور حال من اقتصر علي إطلاق النية في عدم اعتبارها فيها، كما في المراسم و الخلاف و غيرهما.

هذا، و قد صرح باعتبار نية الوجوب أو الندب في الوسيلة و إشارة السبق و الشرائع و القواعد و اللمعة و صلاة المبسوط و المعتبر و الروضة و غيرها، و حكي عن جماعة كثيرة، كالراوندي و معين الدين و ابن البراج و غيرهم، بل عن غير واحد نسبته للمشهور، و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه.

علي خلاف منهم في اعتبار نية أحدهما وصفا أو غاية أو بالوجهين.

و لا بد أن يراد بالغاية الداعي، لوضوح أن الحكم يدعو للفعل، و ليس غاية له مترتبا عليه، بل الامتثال مسقط للحكم كالمعصية.

و قد استدل غير واحد لاعتبار الأول بتوقف تعيين الفعل المأتي به عليه، لاختلاف وجوهه، فصلاة الظهر المبتدأة- مثلا- واجبة و المعادة جماعة بعد

ص: 548

______________________________

صلاتها فرادي مندوبة، و لا مميز لوجه المأتي به إلا بالنية، و بدونها لا يقع الفعل امتثالا لأمره، لعدم المرجح.

كما قد يستدل لاعتبار الثاني بما عن المتكلمين من وجوب إيقاع الفعل لوجوبه أو ندبه أو لوجههما.

و يندفع الأول بعدم توقف تعيين الفعل بالنحو المحقق لامتثال الأمر الخاص علي قصد إحدي الخصوصيتين، إذ مع وحدة الأمر فقصده قصد لمتعلقه و إن لم يعلم وجهه، و مع تعدده يمكن تعيين ما يراد امتثاله المستتبع لتعيين متعلقه بطريق آخر غير قصد الوجه، كقصد الأمر الوارد أولا مثلا.

كما يندفع الثاني بعدم وضوح الوجه في ما ذكروه، كما نبه له غير واحد.

قال في الروضة- بعد أن نقل ذلك عنهم-: «و وجوب ذلك أمر مرغوب عنه، إذ لم يحققه المحققون، فكيف يكلف به غيرهم؟!»، و في المدارك عن المحقق أنه قال في بعض تحقيقاته: «الذي ظهر لي أن نية الوجوب و الندب ليست شرطا في صحة الطهارة، و إنما يفتقر الوضوء إلي نية القربة. و ما يقوله المتكلمون من أن الإرادة تؤثر في حسن الفعل و قبحه، فإذا نوي الوجوب و الوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل علي غير وجهه، كلام شعري، و لو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيته و لم تكن النية مخرجة للوضوء عن التقرب به».

بل لعل مراد بعض المتكلمين توقف الحسن الفاعلي الذي هو المعيار في المدح و الثواب علي قصد جهة حسن الفعل الشرعية أو العقلية في مقابل قصد الدواعي الآخر، لا اعتبار قصد خصوصية الجهة المذكورة من وجوب أو ندب، كما هو المدعي.

هذا، و أما الاستدلال لاعتبار أحد الوجهين أو كليهما.

تارة: بتوقف تحقق الامتثال عليه.

و اخري: بأنه مقتضي أصالة الاشتغال، إما في سائر موارد الشك في اعتبار مثل هذه الأمور مما يمتنع التقييد به في الخطاب، لكونه من شؤون الأمر المتأخرة

ص: 549

و لا غيرهما من الصفات و الغايات (1).

______________________________

عنه فلا تؤخذ في متعلقه، بل لا بد من الإتيان به مع احتماله، للشك في سقوط الأمر بدونه أو في خصوص الطهارات، حيث لا يكون مرجع الشك فيها إلي الشك في قيد الواجب، بل في محصله، كما تقدم غير مرة.

فهو كما تري! لمنع الأول جدا، بل يكفي في الامتثال الإتيان بالمأمور به و إن لم يعرف وجهه، كيف و لا إشكال في إمكان الامتثال عند تعذر معرفة الوجه، و من الظاهر عدم دخل القدرة في كيفية الامتثال؟

و أما الثاني، فيظهر اندفاعه مما أشرنا إليه في أول مباحث النية من أن مقتضي الإطلاقات المقامية، بل اللفظية نفي مثل هذه القيود، فيخرج بها عن مقتضي قاعدة الاشتغال، التي هي المرجع في موارد الشك في المحصل. و أما في غيرها فيكفي أصالة البراءة منها لو فرض عدم الإطلاق، كسائر موارد الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

بل الإنصاف أن النظر في النصوص و كلمات الأصحاب موجب لوضح عدم اعتبار ذلك، لعدم الإشارة فيها إلي هذه الجهات الموجب للغفلة عنها، بل هو مقتضي سيرة المتشرعة الارتكازية، و لا سيما مع كثرة الخطأ في تشخيص حال الأمر، لاستنكارهم بطلان العمل حينئذ، كما أشار إلي بعض ذلك الشهيدان و صاحب المدارك و الوحيد و غيرهم.

(1) كنيّة رفع الحدث التي ذكرها في محكي عمل يوم و ليلة، و نية الاستباحة التي ذكرت في اللمعة و حكيت عن المرتضي و الشيخ في الاقتصاد، و جمع بينهما في إشارة السبق و الغنية و الوسيلة، كما حكي عن أبي الصلاح الحلبي و ابن البراج و الإصباح، و عن التذكرة أنه الأولي، و خير بينهما في المبسوط و المعتبر و المنتهي و القواعد و جامع المقاصد و محكي السرائر و التذكرة و الدروس و الألفية و الذكري و غيرها. و عن السرائر: «إجماعنا منعقد علي أنه لا تستباح الصلاة إلا بنية

ص: 550

______________________________

رفع الحدث أو نية استباحة الصلاة بالطهارة».

و هل المراد بالاستباحة استباحة خصوص الصلاة، كما هو مقتضي الاقتصار عليها في الوسيلة و ما تقدم عن السرائر، و في مفتاح الكرامة: «لم يجوز بعضهم الدخول في الصلاة بغير الوضوء الذي وقع لاستباحة الصلاة»، أو استباحة كل ما يشترط بالطهارة، كما في المبسوط و إشارة السبق و الغنية و المعتبر و القواعد و غيرها؟.

بل عمم في المعتبر و جملة من كتب العلامة و الشهيد- علي ما حكي عن بعضها- لما نوي ما تكون الطهارة شرطا لفضيلته لا لاستباحته، كقراءة القرآن، لكن منع منه في المبسوط و محكي السرائر و الإيضاح و نسب لجماعة، قال في المبسوط: «لأن فعله ليس من شرطه الطهارة» و في المعتبر: «و لو قيل: يرتفع حدثه كان حسنا، لأنه قصد الفضيلة و هي لا تحصل بدونه» و نحوه حكي عن العلامة.

و يظهر من ذلك اختلاف محل الكلام، فمن منع نظر إلي قصد استباحة هذه الأمور، و من أجاز نظر إلي قصد كمالها، فلا نزاع في الحقيقة، كما نبه له بعضهم.

إذا عرفت هذا، فنقول:

أما وجوب نية الرفع، فقد يستدل عليه بأن الوضوء إنما شرع لذلك، فإذا لم يقصد لم يقصد الوضوء علي الوجه الذي شرع له.

و فيه: أنه لا ملزم بنية الغرض من التشريع و يكفي في تعيين الفعل المشروع و تحققه القصد إليه إجمالا، و لو بقصد أمره، لأن الأمر لا يدعو إلا إلي متعلقه، كما تقدم نظيره.

و أما وجوب نية الاستباحة، فقد يستدل عليه بما أشرنا إليه عند الكلام في وجوب النية من ظهور الآية في كون الوضوء للصلاة و مع عدم نية الصلاة لا يتحقق ذلك، كما تضمنه كلام غير واحد في المقام.

و قد أشرنا هناك إلي ضعف الاستدلال المذكور.

تارة: بعدم ظهور الآية في تقييد الوضوء الواجب بذلك.

ص: 551

______________________________

و اخري: بمنافاته لما هو المتسالم عليه من عدم اعتبار قصد الصلاة في الوضوء الذي هو شرط فيها.

و توضيح هذا الأخير: أن مفاد الآية الكريمة لزوم إيقاع الوضوء عند القيام للصلاة، فلو فرض ظهورها في التقييد لزم توقف كل صلاة علي الوضوء لها، فلا يبيح الوضوء إلا الصلاة المنوية حينه و إن تعددت، و يدفعه ما تضمن جواز إيقاع الصلوات الكثيرة بوضوء واحد من النص «1» و الإجماع، إذ غاية ما قيل هو ما تقدم من عدم جواز إيقاع الصلاة إلا بالوضوء الذي وقع لاستباحة الصلاة.

و العمدة في وجه ذلك: هو أن مقتضي الجمع بين ما دل علي الأمر بالوضوء قبل الصلاة- كالآية الشريفة- و ما دل علي اعتبار الطهارة فيها هو كون الأمر بالوضوء قبل الصلاة لأجل إيقاعها عن طهارة، فمع فرض حصول الطهارة بوضوء سابق لا يبقي موضوع للأمر به، كما يناسبه ما في ذيل الآية من قوله تعالي وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ «2» و ما تضمن تفسيرها بالقيام من النوم «3». و مقتضي ذلك الاجتزاء بكل وضوء محصل للطهارة و إن لم يقصد به الصلاة، لا تقييد الوضوء الذي يبيح الصلاة بما قصد به استباحتها، فضلا عن تقييد الرافع للحدث بذلك، كما هو المدعي لهم.

علي أن ذلك لو سلم دل علي اعتبار القصد إلي فعل الصلاة، و لا ريب في عدم اعتباره، كيف و قد تظافرت النصوص بتشريع الوضوء لأمور كثيرة غير الصلاة بنحو تكون هي المقصودة دونها؟ و الظاهر عدم الإشكال في ترتب الطهارة علي الوضوء المذكور، و ليس المدعي لهم إلا اعتبار نية استباحة الصلاة، بمعني رفع المانع عنها و إن لم يقصد فعلها، و هو أجنبي عن مفاد الآية الكريمة.

و منه يظهر أنه لا مجال للاستشهاد له بما في خبر الدعائم من قول علي عليه السّلام:

«لا وضوء إلا بنية، و من توضأ و لم ينو بوضوئه الصلاة لم يجزه أن يصلي به، كما لو

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 2، 3 من أبواب نواقض الوضوء.

(2) سورة المائدة: 6.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.

ص: 552

______________________________

صلي أربع ركعات و لم ينوبها الظهر لم تجزه من الظهر» «1».

و حمله علي إرادة استباحة الصلاة لا نفسها بعيد عن ظاهره غير مناسب للتشبيه بنية الظهر في الصلاة.

فلا بد من طرحه لضعف سنده و هجره.

هذا، و قد يستدل في المقام باشتراك الوضوء بين الرافع و غيره- كوضوء المسلوس- و بين المبيح و غيره- كوضوء الجنب للنوم- فلا بد من تعيين كل من الرافع و المبيح بالنية و إلا لم يتعين للامتثال.

و يظهر ضعفه- مع غض النظر عن الأمثلة- مما تقدم من كفاية قصد الأمر مع وحدته في التعيين، لوضوح عدم اجتماع أمر الواجد و الفاقد في حال واحد.

هذا، و لا يخفي أن هذا الوجه يقتضي التخيير في النية بين الأمرين في فرض اجتماعهما، و نية خصوص أحدهما عند انفراده، و عدم نية أحدهما لو فرض خلو الوضوء عنهما معا، كما قد يدعي في وضوء الجنب للنوم.

كما أن التخيير بين الأمرين- الذي تقدم من جماعة- يبتني علي التلازم بينهما، كما يظهر من كلام بعضهم، بل في المعتبر: «و معناهما واحد، و هو إزالة المانع». و لو تمَّ أمكن إرجاع الأقوال الأربعة إلي ذلك.

لكنه يشكل في مثل وضوء الجنب للنوم، لظهور أنه غير مبيح، و إن لم يبعد كونه مخففا للحدث و موجبا لمرتبة من الطهارة.

و قد ظهر من جميع ما تقدم أنه لا ملزم بنية أحد الأمرين، لعدم الدليل عليه، فالمرجع إطلاق أدلة شرح الوضوء المقتضي لعدم اعتبارهما، و لا مجال لتوهم امتناع الإطلاق من هذه الجهة كما توهم في نية القربة، لعدم كون أحد الأمرين متفرعا علي الأمر.

و لعله لذا استظهر في الشرائع عدم وجوب نية أحد الأمرين، و قواه في كشف اللثام و غيره، و حكي عن جماعة من المتأخرين، و هو مقتضي الاقتصار علي

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 47 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 18.

ص: 553

______________________________

القربة في المقنعة و النهاية و إطلاق النية في الخلاف و المراسم و النافع، بل ربما يستظهر ممن لم يتعرض للنية بالتقريب المتقدم في نية الوجه.

نعم، لا بد من قصد التقرب بقصد الأمر الواقعي الداعي للوضوء و إن لم يعلم بخصوصيته، كما لو علم المكلف بوجوب الوضوء عليه ثمَّ الصلاة و لم يعلم مقدميته لها بلحاظ اقتضائه الطهارة، بل و إن احتمل وجوبه نفسيا مقدما عليها كالظهر قبل العصر، حيث يكفي قصد التقرب بلحاظ الأمر المذكور علي إجماله.

بقي في المقام أمران.

الأول: أنه لا إشكال ظاهرا في عدم اعتبار قصد موجب الوضوء من النواقض من بول أو نوم أو نحوهما، كما صرح به غير واحد، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده»، و ظاهر كشف اللثام الإجماع عليه، و في المدارك: «هذا مذهب العلماء كافة»، بل هو مقطوع به، لامتناع خفاء الحال في مثل ذلك مما يكثر الابتلاء به.

نعم، وقع الكلام بينهم في حكم قصد ذلك حسب اختلاف صوره، فإن المقصود.

تارة: رفع طبيعة الحدث.

و اخري: رفع جميع الأحداث.

و ثالثة: رفع بعض الأحداث الواقعة مع إهمال الباقي.

و رابعة: رفع بعض دون بعض.

و خامسة: رفع غير ما وقع للخطإ في تشخيص الواقع.

و لا إشكال في الصحة في الصورة الأولي، بل هو المتيقن مما ذكروه من وجوب نية رفع الحدث.

و أما الثانية، فلا بد من رجوعها للأولي، بناء علي ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من وحدة الحدث، لأنه عبارة عن نقض الوضوء، الذي تضمنته نصوص الأحداث، و هو غير قابل للتعدد، بل أمر واحد يستند للسبب الأول، و لا

ص: 554

______________________________

أثر لبقيتها.

لكن ذلك وحده لا يكفي في نفي التعدد الذي يظهر من بعض كلماتهم الآتية المفروغية عنه، إذ لا معني لنقض الوضوء بعد تماميته إلا بنقض أثره، كما لا معني لرفع الوضوء لموجبه- من بول أو نوم- إلا برفع أثره، و لا مانع من تعدد جهات أثر الوضوء و استناد ارتفاع كل منها إلي سبب من تلك الأسباب، فمع اجتماع أسباب الحدث ترتفع تمام تلك الجهات، و مع تبعضها يرتفع بعضها. بل لو فرض وحدة الجهة لأثر الوضوء أمكن تأثير كل سبب للحدث باحداث ضدها، و يكون أثر تعدد الأسباب تأكد الضد المذكور، لقابليته للتأكد، نظير البياض الذي يرتفع بأدني مراتب السواد مع تأكد وجود السواد بتعدد أسبابه.

بل هذا هو الأنسب بالمرتكزات في المقام، بسبب ارتكاز مشابهة الأحداث للقذارات العرفية، و لعل التعجيل في صلاة مستمر الحدث- كالمستحاضة- مبني علي ذلك، و لا سيما مع ثبوت نظيره في الأسباب الموجبة لاستحباب الوضوء المعبر في النصوص عنها بالناقض، حيث يتعين حمله علي النقض بلحاظ بعض المراتب.

نعم، في بلوغ ذلك حد الحجية، إشكال.

و من ثمَّ يتعين بناء هذه الصورة علي ما يأتي من التفصيل في تخلف القصود بين التقييد و عدمه، فيتوقف في صورة التقييد، لعدم ثبوت مشروعية الأمر المنوي، و يبني علي الصحة في غيرها.

و من هنا يشكل الحال في الصور الثلاث الباقية، لابتنائها علي تعدد الحدث بتعدد الأسباب.

فإن قيل بوحدة الحدث، تعين البطلان في الجميع في فرض التقييد.

و من ثمَّ أطلق في المدارك الإشكال مع قصد رفع بعض الأحداث.

إلا أن ترجع إلي قصد رفع طبيعة الحدث الحاصلة ببعض الأسباب دون بعض، فيتجه حينئذ ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من الصحة في الصورة الثالثة

ص: 555

______________________________

و الرابعة في فرض نية رفع ما يستند للسبب المتقدم، و البطلان في فرض نية رفع ما يستند للسبب المتأخر، لعدم وجوده، فما قصد لم يقع، و ما يمكن وقوعه لم يقصد. كما يتعين البطلان في الصورة الخامسة لذلك.

و إن قيل بتعدد الحدث، فالمتعين الصحة في الصورة الثالثة، لعدم منافاة المقصود لما شرع له الوضوء، فلا ينافي نيته، ليمنع من صحته. بل يتعين البناء علي ارتفاع الجميع، لأن الوضوء الصحيح رافع لها.

نعم، يشكل ذلك بناء علي اعتبار نية الرفع، لأن مقتضي بعض أدلته لزوم نية رفع الجميع، فإنه الذي شرع له الوضوء.

و لعله لذا احتمل العلامة في محكي النهاية البطلان.

و أما احتمال ارتفاع خصوص المنوي- كما احتمله فيه أيضا- فلا يظهر وجهه بعد ظهور الأدلة في كون الوضوء الصحيح موجبا للطهارة التامة.

و منه يظهر أن المتعين البطلان في الصورة الرابعة، كما في جامع المقاصد و عن نهاية الإحكام و قواعد الشهيد و الدروس و البيان، من دون فرق بين وجوب نية الرفع و عدمه، لمنافاة نية ذلك لنية الوضوء المشروع.

قال في المدارك: «و يتوجه البطلان هنا للتناقض». و كذا الحال في الخامسة، لأن ما قصد لم يقع و ما يمكن وقوعه لم يقصد.

هذا كله في فرض التقييد، و أما في فرض عدمه- لابتناء النية المذكورة علي محض الداعي أو نحوه مما يأتي توضيحه- فالمتعين الصحة في الجميع.

و لعله عليه يبتني ما في المدارك، حيث قال: «و يمكن أن يقال بالصحة و إن وقع الخطأ في النية، لصدق الامتثال بذلك، و هو حسن».

كما لا يبعد أن يبتني عليه ما في كلام غير واحد من إطلاق الصحة و ارتفاع الجميع مع نية رفع البعض، و في المدارك: أنه الذي قطع به أكثر الأصحاب و لا يبعد ظهور بعض كلماتهم فيما يعم الصورة الرابعة.

الثاني: لو نوي استباحة صلاة معينة مع إهمال غيرها، فحيث لا تنافي نية

ص: 556

و لو نوي الوجوب في موضع الندب، أو العكس، فإن رجع ذلك إلي تقييد الأمر بطل، و إلا صح (1).

______________________________

الوضوء المشروع تعين صحة الوضوء، و إن قيل باعتبار نية الاستباحة، لأن ظاهر أكثر كلماتهم إرادة استباحة ما يتوقف علي الوضوء في الجملة، و عليه فيباح به غيرها.

و قد صرح بذلك في القواعد، و ظاهر غير واحد المفروغية عنه.

أما لو نوي استباحة صلاة معينة دون غيرها، فقد صرح في القواعد بأنه كذلك. و يجري هنا ما تقدم في نية رفع الحدث الواحد دون غيره من منافاته لنية الوضوء المشروع، فالمتعين البطلان، كما في جامع المقاصد و عن الدروس و الذكري و البيان.

إلا أن لا يرجع إلي التقييد، لنظير ما تقدم.

و أما لو نوي أن لا يصلي به إلا صلاة واحدة و إن استبيح به غيرها- كما قد يظهر من تحرير المنتهي للمسألة- فلا ينبغي التأمل في الصحة و جواز مخالفة النية المذكورة، عملا بمقتضي تشريع الوضوء المفروض صحته في المقام.

(1) الخصوصية المقصودة حين الامتثال المتخلفة في الواقع.

تارة: تكون مقومة للأمر الممتثل.

و اخري: تكون خارجة عنه.

أما الأولي، فكخصوصية أمر الظهر لمن اعتقد انشغال ذمته بها مع أنه قد أداها و ليس في ذمته إلا العصر. و تخلفها مستلزم لعدم تحقق الامتثال، لعدم الموضوع له، و هو الأمر.

و أما الثانية، فهي علي أنحاء:

الأول: أن تكون أمرا مقارنا للامتثال لا دخل له فيه، كما لو دفع زكاته لفقير معتقدا أنه زيد، بحيث لو لم يكن زيدا لأعطاه أيضا.

ص: 557

______________________________

الثاني: أن تكون داعيا له، كما لو صلي في مسجد بتخيل أنه مسجد البلد.

الثالث: أن تكون قيدا له معلقا عليه.

و دعوي: أن الامتثال فعل خارجي لا يقبل التعليق و التقييد.

مدفوعة: بأن الفعل الخارجي هو ذات الفعل الممتثل به، أما عنوان الامتثال فهو أمر إنشائي جعلي راجع إلي تعيين الفعل المأتي به ليكون تحقيقا للمأمور به و إيجادا له، فيقبل التعليق كسائر الإنشائيات، كتعليق العتق و التمليك علي الموت في التدبير و الوصية.

و منه باب الاحتياط مع الجهل بثبوت الأمر أو بحال المأتي به، فمن صلي قصرا برجاء وجوب القصر عليه فقد علق الامتثال و قيده بوجود الأمر الممتثل، و من توضأ بمائع مردد بين الماء و غيره فقد علق الامتثال و قيده بكونه ماء.

و ليس المعيار فيه كون المكلف بحيث لو علم بعدم تحقق ما قصده لما أقدم علي الامتثال، لاشتراك الداعي مع التقييد في ذلك، لأن الداعي هو ما يكون علة بوجوده الذهني العلمي، فمع فرض العلم بعدمه لا مجال لتحقق الامتثال لعدم تمامية العلة له، كما لا يقدم المكلف علي الامتثال مع علمه بعدم تحقق القيد.

بل ليس الفرق بينهما إلا في أن الداعي بوجوده الذهني علة تكوينية من دون أن يكون لوجوده الخارجي أثر في تحقق الفعل، أما القيد فهو بوجوده الخارجي علة جعلية، بتبع الإناطة و التقييد المتقوم بالجعل.

و منه يظهر أن تخلف القيد في المقام مستلزم لعدم تحقق الامتثال، بخلاف تخلف الداعي، حيث لا ينافي تحقق الامتثال بعد فرض قصده فعلا بسبب الاعتقاد- و لو خطأ- بتحقق الداعي لفرض عدم دخل الداعي بوجوده الخارجي.

و أوضح منه في ذلك الأمر المقارن المحض، و هو القسم الأول المتقدم، لفرض عدم دخله لا بوجوده الذهني، و لا بوجوده الخارجي.

ثمَّ إن التقييد محتاج إلي عناية خاصة، لابتنائه علي ملاحظة نحو نسبة بين الامتثال و القيد زائدا علي ملاحظة الامتثال بما يقومه من الأمر و الفعل. بل لا

ص: 558

______________________________

يحسن التقييد و التعليق علي الأمر الحالي، إلا في فرض الشك في وجود القيد، أما مع القطع به، و لو خطأ- كما هو المفروض في المقام- فهو لغو خال عن الفائدة.

و من ثمَّ لا مجال غالبا للحمل عليه في المقام في فرض الشك في حال الخصوصية المقصودة.

كما لا مجال لتردد بين الاعتقاد المحض و الداعي، لأن الفرق بينهما ارتكازي، بسبب دخل الثاني بوجوده العلمي دون الأول.

علي أنه لا أثر للتردد بينهما بعد ما عرفت من اشتراكهما في عدم اختلال الامتثال بتخلفهما.

و المهم إنما هو التردد بينهما و بين ما يكون مقوما للأمر، حيث لا امتثال مع تخلفه، كما تقدم في الصورة الأولي.

فإن كانت الخصوصية المقصودة بنحو من الأهمية بنظر المكلف بحيث لو علم من أول الأمر بتخلفها لم يندفع نحو الامتثال، فقد تردد بين ما يكون مقوما للأمر و الداعي الخارج عنه، كما لو بادر للصلاة لتخيل بقاء الوقت، حيث يتردد الأمر بين قصد امتثال الأمر الأدائي- بناء علي مباينته للأمر القضائي- لتخيل وجوده، و قصد امتثال الأمر الفعلي بداعي كونه أدائيا، فتصح علي الثاني قضاء و تبطل علي الأول.

كما أنها لو لم تكن لها الأهمية بالنحو المذكور، فقد تردد بين ما يكون مقوما للأمر و المقارن المحض الخارج عنه، كما لو نسي أنه قد أتي بالظهر فصلي أربع ركعات، حيث قد يتردد الأمر بين قصد امتثال الأمر الفعلي مع الخطأ في اعتقاد كونه أمر الظهر، و قصد امتثال أمر الظهر لتخيل الأمر الفعلي بها، فتصح عصرا علي الأول و تبطل علي الثاني.

و دعوي: أن الخصوصية إن كانت من شؤون الأمر المميزة له، كالأدائية و القضائية و الظهرية و العصرية تعين كونها مقومة للأمر الممتثل، فيبطل العمل بدونها، و إن كانت خارجة عنه، ككون المسجد مسجد البلد، أو كون الثوب

ص: 559

______________________________

المصلي به كتانا، تعين كونها داعيا أو مقارنا محضا، فلا يخل تخلفها بصحة العمل، و لا مجال لفرض الاشتباه بين القسمين في مورد.

مدفوعة: بأن كون الخصوصية من شؤون الأمر المميزة له لا يستلزم لحاظها مقومة للأمر في مقام الامتثال، بل قد تلحظ داعيا أو مقارنا محضا مع كون الامتثال للأمر الفعلي بذاته، فينطبق علي الخالي عنها و إن اعتقد المكلف كونه واجدا لها.

ثمَّ إنه اشتهر في هذه العصور الترديد بين التقييد و غيره، و الحكم باستلزام التخلف للبطلان مع التقييد.

فإن أريد بالتقييد ما ذكرناه من تقييد الامتثال- كما هو ظاهر العبارات، و تقتضيه مقابلته بالداعي- فقد عرفت أنه لا مجال لاحتماله في المقام.

و إن أريد ما تقدم في الصورة الأولي، و هو ما يكون مقوما للأمر الممتثل- كما تناسبه عبارة المتن- فليس هو من التقييد في شي ء، لوضوح عدم الشيوع في الأمر الممتثل، بل ليست الجهة المقصودة فيه إلا معينة له من بين الأوامر المتعددة.

كما أن سيدنا المصنف قدس سره ذكر أن التقييد يكون.

تارة: علي نحو وحدة المطلوب.

و اخري: علي نحو تعدده، و أن البطلان بتخلف القيد إنما هو في الأول.

و لا يخلو المراد من الثاني عن غموض، سواء أريد بالتقييد تقييد الامتثال، أم تعيين الأمر الممتثل، لأن التقييد في النسبة كنسبة الامتثال في المقام- راجع إلي إرادة نسبة خاصة لا تشمل غير حال وجود القيد، كما أن تعيين الأمر الممتثل يقتضي عدم إرادة غيره، و لا يتضح معني لتعدد المطلوب في كلا الوجهين.

و أما ما اشتهر من أن بعض القيود مأخوذ بنحو تعدد المطلوب، فليس المراد به إلا اختصاص التقييد بحال القدرة علي القيد و سقوطه في حال تعذره، مع كون المطلوب في حال القدرة ليس إلا واحدا، و هو المقيد و لا تعدد فيه، و لذا لا يشرع الفاقد للقيد، لعدم كونه مطلوبا رأسا، فإن كان مشروعا و مطلوبا كان المورد من موارد المطلوب في المطلوب، كما في كثير من المستحبات، لا من باب التقييد،

ص: 560

______________________________

و حيث كان حال الامتثال حالا خاصا، ففرض التقييد فيه لا يناسب إلا وحدة المطلوب.

هذا هو مقتضي القاعدة في تخلف الخصوصيات المقصودة حين الامتثال.

و عليه العمل في سائر العبادات. بل في غيرها من الأمور الموقوفة علي القصد، كوفاء الدين، فمن دفع للدائن دينارا وفاء عن دين خاص لتخيل حلوله وقع وفاء له و إن لم يحل واقعا، أما لو دفعه وفاء لدين حال، فبان سقوطه بإبراء أو وفاء سابق لم يقع عن دين آخر لم يحل أجله.

ففي المقام لما كان الوضوء موردا للأوامر المختلفة باختلاف الغايات المترتبة عليه، كالأمر به للكون علي الطهارة، و للمقدمية للصلاة و الطواف و قراءة القرآن و غيرها.

فإن رجع قصد الوجوب أو الاستحباب إلي تشخيص الأمر الممتثل بما لا ينطبق علي الأمر الفعلي- كما لو قصد امتثال أمر الفريضة، فانكشف عدم ثبوته، و ثبوت استحباب الوضوء للكون علي الطهارة- تعين البطلان.

و إن رجع إلي تشخيص حال الأمر الممتثل وصفا له، أو داعيا لامتثاله، لم يخل تخلفه بالصحة، إذا كان الأمر الممتثل ثابتا، كما إذا قصد امتثال أمر صلاة نافلة مع تخيل وجوبها، أو قصد الأمر الفعلي بالوضوء مع تخيل انشغال الذمة بالفريضة، فانكشف سقوطها بأداء سابق، و استحباب الوضوء للكون علي الطهارة.

لكن يصعب البناء علي ذلك، لما يلزمه من كثرة موارد بطلان الوضوء، لانكشاف عدم الأمر الغيري به المقصود في طول قصد الأمر النفسي، إما لعدم ثبوت الأمر النفسي رأسا، أو لسقوطه بامتثال سابق.

بل بناء علي ما هو الظاهر من عدم وجوب المقدمة غير الموصلة، يلزم بطلان الوضوء لو لم تترتب الغاية المقصودة لتعذر أو نسيان أو لبطلان العمل المأتي به.

بل يلزم عدم جواز ترتيب أثر الصحة ظاهرا علي الوضوء المأتي به لأجل

ص: 561

______________________________

الغايات التي لم تثبت مشروعيتها، كما في موارد الاحتياط اللازم أو الراجح بالإتيان بأصل العمل، أو بإعادته، و في موارد قاعدة التسامح في أدلة السنن.

و لا مجال لذلك كله بالنظر لسيرة المتشرعة، لبنائهم علي صحة الوضوء في جميع ذلك و غفلتهم عن اللازم المذكور.

و دعوي: أن القصد في جميع هذه الموارد امتثال الأمر الفعلي بالوضوء المنطبق واقعا علي الأمر الاستحبابي بالكون علي الطهارة أو غيره من الأوامر الفعلية، و ليس قصد خصوص الأمر الحاصل من الغاية المقصودة إلا لتخيل انطباقه عليه، أو لأنه داع لامتثاله، فلا يقدح في الصحة، كما تقدم.

كما تري! لابتناء ذلك علي تكلف ظاهر لا يتعمده إلا بعض الخاصة المتنبهين لهذه النكات الدقيقة، دون عامة المتشرعة الجاري عملهم علي مقتضي السليقة الأولية غير المتكلفة.

و مثلها دعوي: أن المقصود بالوضوء في جميع الموارد هو امتثال الأمر بالكون علي الطهارة الذي هو فعلي دائما، و إن كان الداعي لذلك في بعض الموارد هو التوصل إلي بعض الغايات المذكورة. لمخالفتها للوجدان في حق أكثر الناس، لعدم اهتمامهم بالأمر المذكور، و إغفالهم له، و لا سيما مع جهل كثير منهم بثبوته، بل ليس المقصود لهم إلا امتثال أمر الغايات الخاصة.

نعم، لا يبعد كون قصد ترتب الطهارة علي الوضوء ارتكازيا عند الأكثر، إلا أن ذلك لا يستلزم قصد أمرها المذكور، بل المقصود بها غالبا ترتب الغايات.

و لعل الأولي أن يقال: أشرنا عند الكلام في الضميمة الراجحة إلي أن مرجع الإجماع علي عبادية العبادة- الذي هو عمدة أدلتها- إلي عبادية الأمر بها، الراجعة إلي تقييده بقصد امتثاله، و لازمه ما ذكرنا من عدم امتثال الأمر الفعلي مع تشخيص الأمر الممتثل بخصوصية لا تنطبق عليه.

لكن عبادية الوضوء لا ترجع إلي ذلك، لوضوح أن ما هو المستحب أو الواجب ليس إلا الطهارة بالمعني الاسم المصدري، الذي هو نتيجة الوضوء،

ص: 562

______________________________

و ليس الأمر بالوضوء إلا غيريا، و الأوامر الغيرية لا يقصد بها إلا التوصل لذيها، فهي توصلية لا تعبدية، و لذا لا يعتبر في امتثال كل منها قصد امتثاله، بل يكفي تحقق الطهارة و لو بقصد امتثال أمر غيره.

بل مرجع عبادية الوضوء إلي توقف ترتب الطهارة عليه بالمعني المصدري علي الإتيان بالأفعال الخاصة بوجه قربي.

فهي راجعة إلي تقييد سببية الأفعال المذكورة للطهارة، لا تقييد الأمر بالطهارة نفسيا أو غيريا.

و حينئذ يلزم الاقتصار في التقييد المذكور علي المتيقن، و هو القربة التي اقتصر عليها بعض الأصحاب، و هي المتيقن من إطلاق بعضهم، سواء كانت بلحاظ التوصل إلي امتثال أمر محقق- كما لو قصد الكون علي طهارة، أو صلاة مشروعة فصلاها- أم امتثال أمر مقطوع به لا واقع له- كما لو توضأ لصلاة بتوهم مشروعيتها- أم تخيل امتثال أمر محقق- كما لو توضأ ليصلي، فلم يصل- أم امتثال لأمر محتمل- كما لو توضأ لصلاة احتياطية- فإن السعي لتحصيل الطهارة في جميع ذلك مورد للتقرب و مظهر للعبودية، فيكفي في تحقق العبادية المعتبرة قيدا في سببية أفعال الوضوء للطهارة.

و لا دليل علي اعتبار خصوص القربة الناشئة من الأمر الفعلي الوارد علي الطهارة، كي يكون عدم ثبوت الأمر المتقرب به و عدم تحقق امتثاله مبطلا له، كما يبطل سائر العبادات.

بل هو لا يناسب السيرة التي أشرنا إليها.

و من ذلك يظهر أن تقييد الوضوء بالعبادية ليس موردا للإشكال المشهور في الواجبات التعبدية من امتناع تقييد المأمور به بما هو من شؤون الأمر المتأخرة عنه رتبة.

لعدم رجوع عباديته إلي اعتبار التقرب بأمره في امتثاله، الراجع إلي تقييد المأمور به، بل إلي تقييد تسبيب الأفعال الخاصة للطهارة علي التقرب بأي وجه

ص: 563

و كذا الحال إذا نوي التجديد و هو محدث، أو نوي الرفع و هو متطهر (1).

______________________________

فرض، و القيد المذكور غير متفرع علي المقيد، بل أجنبي عنه.

كما ظهر أن المتعين هو صحة الوضوء مع الخطأ في نية الوجوب أو الندب، و إن رجع إلي الخطأ في تشخيص الأمر الذي يراد امتثاله، خلافا لما في المتن من التفصيل، الذي عرفت أنه المتجه في سائر العبادات.

نعم، لو رجع ذلك إلي تقييد القصد إلي الوضوء و التقرب به اتجه البطلان، نظير ما تقدم في تخلف قيد الامتثال.

لكنه مثله يبتني علي تكلف لا مجال للحمل عليه.

ثمَّ إنه بما ذكرنا هنا يمكن تصحيح الوضوء قبل الوقت لأجل التهيؤ للصلاة فيه، فإن التهيؤ المذكور مورد للقربة و إن لم يكن مستحبا شرعا، لما يتضمنه من الانقياد للمولي و الخضوع له. و يأتي تمام الكلام فيه في غايات الوضوء عند الكلام في الوضوءات المستحبة إن شاء اللّه تعالي.

بقي شي ء، و هو أن الظاهر، بل المتيقن من الإجماع علي عبادية الوضوء و لزوم إيقاعه عن قربة لزوم التقرب بالأفعال من حيثية عنوانها الخاص، و هو عنوان الوضوء و الطهارة، بحيث تكون جهة التقرب قائمة به، فلا بد من قصد ذلك و لو إجمالا بقصد الأمر الوارد عليه من جهة أن الأمر لا يدعو إلا إلي متعلقه، و لا يكفي قصد التقرب بالأفعال من حيثية أخري كالتنظيف.

و عليه، لا بد من كون التقرب بالوجه المذكور تام الداعوية، علي ما تقدم توضيحه عند الكلام في الضمائم الراجحة و المباحة. فما ذكرناه هنا تتميم لما ذكرناه هناك، و استدراك لما فات فيه. فراجع و تأمل جيدا.

(1) صرح غير واحد من الأصحاب بأن من توضأ للتجديد ندبا فانكشف كونه محدثا صح وضوؤه، و إليه يرجع ما ذكره غير واحد من أن من أغفل شيئا من

ص: 564

______________________________

أعضاء وضوئه الرافع للحدث ثمَّ توضأ للتجديد صح وضوؤه.

و قد استشكل عليهم بأنه لا يناسب ما ذكره جملة منهم من اعتبار نية الرفع أو الاستباحة، أو نية الوجوب أو الندب، في الوضوء.

و أجاب عنه غير واحد- منهم الشهيد في محكي الذكري- بأن ظاهر الأصحاب و الأخبار أن شرعية التجديد لتدارك ما عساه فات بالأول.

و مرجعه إلي أن نية التجديد مستلزمة لنية الرفع أو الوجوب بالوضوء علي تقدير الحدث، كما في الوضوء المعاد احتياطا.

و هو كما تري لا شاهد له من النصوص، بل هي ظاهرة في أن الوضوء التجديدي لتأكيد الطهارة، كما هو مقتضي التعبير عنه فيها بالتجديد، و بأنه نور علي نور، و غير ذلك «1».

و من هنا جزم غير واحد بالبطلان، و بناه في الشرائع علي القول باعتبار بعض ما تقدم، إذ لا مجال للإشكال المذكور بناء علي عدم اعتبار أمر غير القربة، و من ثمَّ جزم بعضهم بالصحة حينئذ، و في الجواهر: «من غير إشكال يعرف عندهم فيه، بل في كلام بعضهم القطع به».

لكن بناء علي ما تقدم من المعيار العام في سائر العبادات يتعين التفصيل الذي أشار إليه في المتن، و هو أن نية أحد الأمرين إن رجعت إلي تشخيص الأمر بنحو لا ينطبق علي الأمر الفعلي تعين البطلان، و إن رجعت إلي نية أحدهما مقارنا محضا لامتثال الأمر الفعلي أو داعيا له خارجا عنه، مع نية امتثاله علي ما هو عليه تعينت الصحة.

أما بناء علي ما ذكرنا في عبادية الوضوء، فاللازم بناء المسألة علي أن الوضوء الرافع و التجديدي ماهية واحدة مشتركة في الأثر- و هو الطهارة- و تأكيد الطهارة بالتجديدي ناش من قبول الأثر المذكور للتأكد، أو ماهيتان لكل منهما أثرها المختص بها.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء.

ص: 565

مسألة 72 لا بد من استمرار النية

(مسألة 72): لا بد من استمرار النية (1)،

______________________________

فإن قيل بالأول، تعينت الصحة، لفرض القصد إلي الماهية المذكورة و قصد التقرب بها، و إن أخطأ المكلف في اعتقاد الخصوصية الفردية علي خلاف ما هي عليه.

و إن قيل بالثاني، تعين البطلان، لعدم القصد للماهية المشروعة ذات الأثر الخاص، بل للماهية الأخري المفروض عدم مشروعيتها، فهو كما لو قصد الغسل بغسل أعضاء الوضوء، حيث لا يقع وضوءا و إن لم يكن عليه غسل.

هذا، و ظاهر النصوص الأول، لانصرافه من التعبير عن التجديدي بالوضوء علي الوضوء، و بالطهر علي الطهر، بل هو الظاهر من فرض التجديد، إذ لا يجدد الشي ء إلا بمثله، و نسبة التجديد إليه لا تكون إلا بلحاظ بقاء أثره و تأكده، بل سبر جميع النصوص «1» يشرف بالناظر فيها علي القطع بذلك، فلاحظ.

(1) لا ينبغي التأمل في ذلك، لوضوح أن الوضوء بتمامه عبادة موقوفة علي النية.

نعم، لما كان مراد بعض الأصحاب بالنية ما يساوق الإخطار، و استمراره متعسر أو متعذر، فقد جعلوا محلها مقارنا لأول العمل، و اكتفوا في غيره باستدامتها حكما، مع خلافهم في تفسير الاستدامة الحكمية، حيث فسرت في كلام جماعة كثيرة- بل يظهر من محكي بعضهم دعوي الإجماع عليه- بعدم الانتقال إلي نية أخري تنافيها- كما في المبسوط و المعتبر و المنتهي و كثير غيرها- و فسرت في الغنية و محكي السرائر بأن يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها، مدعيا عليه في الأول الإجماع، و فسرها الشهيد في محكي الذكري بالبقاء علي حكمها و العزم علي مقتضاها، و عن قواعده عن بعض تفسيرها بتجديد العزم كلما ذكر.

و ظاهر بعضهم أن الاختلاف بين هذه الوجوه عملي.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء.

ص: 566

بمعني صدور تمام الأجزاء عن النية المذكورة (1).

مسألة 73 لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفي وضوء

(مسألة 73): لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء، كفي وضوء (2)

______________________________

إلا أن الظاهر رجوعها جميعا إلي ما هو مقتضي السيرة من الاكتفاء في الاستمرار بالقصد الإجمالي الارتكازي، و إلا فلا يظن من أحد الالتزام بجواز خلو شي ء من أجزاء العبادة عن النية.

و كيف كان، فقد تقدم- عند الكلام في حقيقة النية- الاكتفاء بالقصد المذكور في الابتداء أيضا، و أنه لا ملزم بالنية التفصيلية المساوقة للإخطار في أول العمل، فراجع.

ثمَّ إن المراد من استمرار النية ما يساوق وقوع جميع الأفعال عن نية فعل المجموع، فيؤتي بكل منها علي أنه جزء من العمل المنوي حين الانشغال بها، كما هو مقتضي الارتباطية بينها، لا علي أنه عمل مستقل قائم بنفسه.

نعم، يكفي نية ذلك إجمالا، كما لو توضأ الجاهل بأجزاء الوضوء متابعا للعالم بها، فإنه و إن لم يعلم بتمام أجزاء الوضوء حين الشروع فيه، إلا أنه ينوي الإتيان بكل فعل منها بالوجه الذي ينويه العالم.

و لهم كلام طويل في تحديد ذلك لا مجال لاستقصائه، كما لا مجال لاستقصاء غير ذلك مما ذكروه في المقام، لضيق الوقت، و قلة الفائدة، و ظهور الحال مما تقدم.

(1) فلا يخل انقطاع النية بالعدول عنها ثمَّ الرجوع إليها قبل فعل بعض الأجزاء، أو بعده إذا أعاده عن نية، مع المحافظة علي الموالاة، كما صرح به غير واحد.

لعدم الدليل علي اعتبار الاستمرار زائدا علي وقوع تمام الأفعال عن نية، بل يدفعه الإطلاق الذي أشرنا إليه غير مرة.

(2) هذا مذهب العلماء كافة، كما في المدارك.

ص: 567

______________________________

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك، و إلي السيرة القطعية- أدلة سببية الوضوء للطهارة، سواء قلنا بوحدة الحدث، و أنه يستند لمجموع الأسباب مع تقارنها، أو للأسبق منها مع تعاقبها، أم بتعدده علي ما سبق الكلام فيه في ذيل مسألة وجوب نية الرفع و الاستباحة.

أما علي الأول، فظاهر.

و أما علي الثاني، فلأن مقتضي إطلاق ما دل علي وجوب الوضوء، و الطهور الذي يظهر من النصوص إرادة الوضوء به- للغايات الاكتفاء بالوضوء الواحد «1».

بل ما تضمن ناقضية النواقض للوضوء ظاهر في أنه ليس هناك إلا وضوء واحد ينتقض بكل منها، لا أن لكل حدث وضوء ينتقض به، و إلا كان المناسب تنكير الوضوء أو إضافته لحدثه.

و أما دعوي: أنه مخالف لأصالة عدم التداخل.

فيدفعها ما أشرنا إليه عند الكلام في اعتبار طهارة الأعضاء قبل غسلها للوضوء من اختصاص أصالة عدم التداخل بالتكاليف، لاستحالة تعدد التكليف مع وحدة المكلف به، بخلاف الأسباب، إذ لا مانع من وحدة السبب مع تعدد المسبب، فيكون الوضوء الواحد في المقام رافعا للأحداث المتعددة.

و منه يظهر أنه لا مجال لتقريب أصالة عدم التداخل في المقام بما تضمنته بعض نصوص الأحداث من الأمر بالوضوء عقيبها و التعبير بأنها توجبه.

ففي صحيح محمد عبد اللّه بن المغيرة و محمد: «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» «2»، و في صحيح ابن الحجاج: «من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء» «3»، و في صحيح زرارة: «لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول.» «4».

و الوجه فيه: أن الأوامر المذكورة ليست مسوقة للتكليف بالوضوء، بل

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 1، 5، 6 من أبواب الوضوء، و غيرها.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.

ص: 568

واحد بقصد رفع الحدث (1). و لو اجتمعت أسباب للغسل أجزأ غسل واحد (2)،

______________________________

للإرشاد إلي انتقاضه بالأمور المذكورة، و سببيتها للحدث الذي يرفع به، فحيث لا تجري أصالة عدم التداخل في الأسباب لا تنهض الأوامر المذكورة لتنقيح موضوعها.

بل مقتضي إطلاق الأمر فيها الاكتفاء بالوضوء الواحد لرفع كل من الأحداث المذكورة و إن قارن غيره من الأحداث، فلاحظ.

(1) أما لو قصد رفع حدث خاص أو جميع الأحداث، فقد تقدم الكلام فيه في ذيل مسألة نية الرفع و الاستباحة، كما تقدم عدم اعتبار نية الرفع في صحة الوضوء، بل تكفي نية الوضوء المشروع.

(2) لا يخفي أن إجزاء بعض الأغسال عن بعض مخالف للقاعدة الأولية، لظهور أدلة الأحداث و الأغسال في تباينها.

أما الأحداث، فلأن المنصرف من نسبة الغسل للجنابة و الحيض و نحوهما تباين ما يضاف الغسل له و يزيله، لا تباين سببه مع وحدته.

و هو المناسب لتباين أحكام الأحداث، ككراهة وطء المرأة المحدثة بحدث الحيض دون المحدثة بحدث الجنابة، و عدم جريان أحكام الحدث الأكبر، علي من يمس الميت، بل يجري عليه حكم الحدث الأصغر، و استحباب الوضوء أو وجوبه منضما للغسل فيما عدا الجنابة.

بل ظاهر بعض النصوص مشروعية رفع بعض الأحداث دون بعض، ففي موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل، قال: إن شاءت أن تغتسل فعلت، و إن لم تفعل فليس عليها شي ء، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة» «1»، بل هو مقتضي ما يأتي من

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 7.

ص: 569

بقصد الجميع (1).

______________________________

تباين الأغسال، إذ مع وحدة الحدث يمتنع تعدد الرافع له.

و أما الأغسال، فتباينها مقتضي تعدد عناوينها، لأن الأدلة لم تتضمن بيان محض رفع الأحداث المذكورة بالغسل، ليكون مقتضي الإطلاق رفع الغسل الواحد لكل حدث منها و لو قارن غيره المستلزم للتداخل، نظير ما تقدم في الوضوء، بل إضافة كل غسل لحدثه، و ظاهر الإضافة الاختصاص، نظير إضافة الغلام لزيد و السرج للدابة و الباب للدار، و لازمه تعدد الأغسال، تبعا لتعدد ما أضيفت إليه، و لا تنطبق علي غسل واحد، و لا مميز بينها إلا النية، و إجزاء غسل واحد عن الجميع مخالف للأصل.

و كذا الحال في الأغسال المستحبة غير الرافعة للحدث، لأن أصالة عدم التداخل في التكاليف مع تعدد أسبابها تشمل المستحبات و لا تختص بالواجبات، لعموم الوجه الذي أشرنا إليه عند الكلام في اعتبار الطهارة في أعضاء الوضوء.

و علي هذا لا بد في تداخل الأغسال من دليل خاص يخرج به عن مقتضي القاعدة المذكورة، و هو ما يأتي الكلام فيه.

(1) أما إذا كانت كلها واجبة و كان فيها غسل الجنابة، فقد نسب في الجواهر لظاهر جماعة، و قال: «و الظاهر أنه المشهور، بل لم أعثر فيه علي مخالف صريح، بل عن شارح الدروس: الظاهر أنه موضع وفاق. و قد يدعي شمول ما نقل من الإجماع علي الاجتزاء في المسألة الثانية، و هي ما لو نوي الجنابة، لاشتمال نية الجميع عليها، بل في كشف اللثام: أن الصحة فيها أولي من تلك».

و يقتضيه كثير من النصوص، كصحيح زرارة: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة [الحجامة. خ ل كافي] و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة، فإذا اجتمعت [للّه عليك حقوق] عليك حقوق [اللّه] أجزأها

ص: 570

______________________________

عنك غسل واحد. قال: ثمَّ قال: و كذلك المرأة يجزؤها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها «1»، و مرسل جميل عن أحدهما عليهما السّلام: «أنه قال: إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم» «2»، و النصوص المتضمنة أن المرأة الجنب إذا حاضت اغتسلت بعد طهرها غسلا واحدا «3»، منها موثق عمار المتقدم، و خبر شهاب المتضمن أن الجنب الذي يغسل الميت يجزؤه غسل واحد لهما «4»، و النصوص المتضمنة أن الميت الجنب أو الحائض أو النفساء يغسل غسلا واحدا «5».

و دعوي: أن الغسل المذكور غسل الميت لا غير، لسقوط الأغسال الأخري بارتفاع موضوعها، أو لعدم الخطاب بشي ء من غاياتها بعد الموت، فيخرج عما نحن فيه.

مدفوعة: بأن ذلك خلاف المنصرف من نصوص المقام و لو بلحاظ ظهورها في تقرير ما في نفس السائل و عليه ابتني سؤاله من الاهتمام برفع الأحداث المذكورة، و إلا كان المناسب التعبير عن الغسل الواحد بأنه غسل الميت، و لا سيما مع ظهور نصوص غسل الميت في أنه لأجل رفع حدث الموت كي يلقي ربه و هو طاهر، بل ظاهر بعضها أنه مسانخ لحدث الجنابة «6»، فالاهتمام برفعه يناسب الاهتمام برفع حدث الجنابة، الذي هو المناسب أيضا لما ورد في قصة غسيل الملائكة «7» و فيمن فجر بالميتة «8».

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 2.

(3) راجع الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة.

(4) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 3.

(5) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت.

(6) راجع الوسائل باب: 1، 3 من أبواب غسل الميت.

(7) راجع تنقيح المقال ج: 1 ص: 382 في ترجمة حنظلة ابن أبي عامر الراهب. و قد روي الصدوق حديث تغسيل الملائكة له من دون أن يشير لجنابته، الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 2. بل قد يظهر منه أنه لغسل الميت لا للجنابة. لكنه لا يناسب تخصيص حنظلة بذلك.

فلاحظ.

(8) أمالي الصدوق المجلس: 11 ص 38 طبع النجف الأشرف.

ص: 571

______________________________

مضافا إلي التعبير في صحيح زرارة بإجزائه للجنابة و لغسل الميت معللا بقوله عليه السّلام: «لأنهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة» «1».

و هذه النصوص- كما تري- شاملة لما إذا نوي بالغسل الواحد الجميع، الذي هو المتعارف ممن يعلم بها.

و لا سيما مثل موثق عمار المتقدم، فإن قوله عليه السّلام فيه: «للحيض و الجنابة» و إن أمكن أن يكون بيانا لما يقع له الغسل الواحد، لا بيان الداعي المقصود حينه، إلا أنه يبعد عن مثل هذا التعبير مانعية قصدهما معا غاية البعد.

نعم، قد يشكل الاستدلال بمرسل جميل بأن أضافه الغسل فيه للجنب مانع من إطلاقه بنحو يشمل نية الجميع، لوروده لبيان إجزاء غسله عن غير الجنابة بعد المفروغية عن إجزائه للجنابة، فإذا احتمل قدح نية الجميع في إجزائه للجنابة لم ينهض بإثبات إجزائه لها، فضلا عن إجزائه لغيرها، بل المتيقن منه صورة قصد الجنابة وحدها و لو للغفلة عن غيرها، لكنه غير مهم بعد وفاء غيره بالمطلوب.

و منه يظهر ضعف ما عن ابن إدريس من إيجاب إيقاع الغسل للجنابة. إلا أن يكون مراده ما يعم نيتها في ضمن الجميع، أو في مقابل نية ما عداها، فلا يكون مخالفا في المقام.

و أما إذا لم يكن فيها جنابة، فمقتضي إطلاق بعضهم و صريح آخرين الاجتزاء بالغسل الواحد بنية الجميع، بل قد يظهر من الجواهر المفروغية عنه، حيث لم يشر للخلاف فيه.

و يقتضيه إطلاق صحيح زرارة الأول و عموم التعليل في صحيحة الثاني الوارد في غسل الميت الجنب.

خلافا لما قد يظهر من كشف اللثام من عدم التداخل حينئذ، حيث ذكر أن

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 572

______________________________

الأولي الاقتصار علي منطوق الصحيح الأولي، المختص بصورة وجود الجنابة.

و فيه: أن الحكم في الصحيح بإجزاء الغسل الواحد عن الأغسال المذكورة ظاهر في الانحلال بمعني إجزائه عن أي منها فرض، فيشمل ما لو لم يكن فيها جنابة، لا في المجموعية، ليختص بصورة وجود الجنابة، بل غيرها مما تضمنه الصحيح.

مضافا إلي أنه لا مجال للاقتصار علي ما ادعاه من منطوقه بعد قوله عليه السّلام فيه:

«و إذا اجتمعت عليك حقوق.» و عموم التعليل في الصحيح الثاني.

و أما إذا كانت كلها مستحبة، فقد صرح بالإجزاء مع نية الجميع في المعتبر و الروض و المدارك و محكي التذكرة و الذكري و أمان الأخطار لابن طاوس و الذخيرة و الكفاية و المفاتيح و الدلائل و غيرها. و هو المتيقن من إطلاق المنتهي و محكي نهاية الإحكام و البيان و المسالك و الأردبيلي و غيره. بل ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه أنه المشهور ظاهرا.

خلافا للإرشاد و القواعد و جامع المقاصد و محكي التحرير و الموجز و مجمع الفوائد، فلا تداخل في المستحبات مطلقا.

و كأنه لأصالة عدم التداخل، لعدم المخرج عنها من النصوص المتقدمة إلا ما يوهمه إطلاق صحيح زرارة الأول، لكنه لو لم يكن ظاهرا في خصوص الواجب، فلا أقل من كونه المتيقن منه، للتعبير فيه بالحقوق.

و فيه: أنه لو فرض ظهور الحق في الواجب بدوا فلا بد من حمله علي الأعم بقرينة الصدر و الذيل المشتملين علي القسمين، لظهور الفقرة المذكورة في بيان كبري الحكم المذكور فيهما و ضابطه. و احتمال كونه كلاما مستقلا، مخالف للظاهر جدا.

علي أنه يكفي إطلاق الصدر و الذيل، لما أشرنا إليه في الصورة السابقة من أن الحكم فيهما بإجزاء الغسل الواحد عن الأغسال المذكورة ظاهر في الانحلال لا المجموعية، فيشمل ما لو كان الثابت خصوص المندوبة منهما، و يتعدي لبقية

ص: 573

______________________________

صور انفراد المندوب بعدم الفصل، بل بإلغاء خصوصية المورد عرفا.

كما ظهر من ذلك ضعف ما قد يظهر من كشف اللثام من اختصاص الخبر بصورة وجود الجنابة، و عدم شموله لصورة اجتماع المندوب مع غير الجنابة من الواجب، فضلا عما لو انفرد المندوب، كما هو محل الكلام.

هذا، و قد يستدل للإجزاء هنا بالصحيح عن ابن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلي الليل في كل موضع يجب فيه الغسل، و من اغتسل ليلا كفاه غسله إلي طلوع الفجر» «1».

بتقريب: أنه لا مجال لإبقاء الوجوب فيه علي ظاهره، و هو ما يقابل الندب، لعدم مناسبته للاستمرار المذكور فيه، سواء حمل علي الاستمرار بلحاظ تجدد أسباب الحدث الموجبة للغسل، أم بلحاظ الغاية التي يراد إيقاعها بالغسل، لوضوح أن تجدد الحدث ملزم بتجديد الغسل و لا يكفي الغسل الواحد في اليوم أو الليل، كما أن الغاية التي يجب لأجلها الغسل- كالصلاة- لا تحدد بالوقت المذكور، بل يجوز إيقاعها به و إن بعد زمانها عنه، فلا بد من حمل الوجوب فيه علي محض الثبوت، ليمكن إرادة ما يستحب لأجله الغسل، لبيان كفاية الغسل الواحد في اليوم أو الليل لجميع ما يقع فيه مما يستحب له الغسل، فيدل علي التداخل في فرض اجتماع الأغسال المستحبة وحدها.

و يشكل: بأنه كما يمكن حمله علي ذلك، يمكن حمل الاستمرار فيه علي كونه بلحاظ الغاية التي يراد فعلها بعد الغسل المستحب من إحرام أو زيارة أو حلق أو ذبح أو غيرها، و أنه لا بد من المبادرة إليها في اليوم أو الليل الذي أوقع فيه الغسل، من دون نظر للتداخل و عدمه، و هو المناسب لما في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثمَّ أحرم من يومه أجزأه غسله، و إن اغتسل في أول الليل ثمَّ أحرم في آخر الليل أجزأه غسله» «2».

اللهم إلا أن يقال: لا إشعار في الصحيح و لا الموثق في أخذ غاية خاصة قيدا

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام من كتاب الحج حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام من كتاب الحج حديث: 5.

ص: 574

______________________________

في الغسل المفروض إجزاؤه، بمعني فرض الإجزاء فيهما بالإضافة إلي خصوص الغاية التي أوقع لأجلها الغسل.

بل مقتضي إطلاقهما كفاية الغسل الواحد لكل ما يحتاج فيه إلي الغسل مما يكون في يوم الغسل أو ليلته و إن كان متعددا، فيساوقان صحيح زرارة المتقدم مع تضمنهما بيان الغاية له، فيدلان علي التداخل مثله.

بل قد يدل عليه غيرهما مما تضمن كفاية غسل اليوم لليوم، و غسل الليل لليل «1»، فلاحظ.

و أما إذا كانت الأغسال مختلفة في الوجوب و الندب، فقد صرح بالاجتزاء بالغسل الواحد مع نية الجميع في المبسوط و المعتبر و الروض و المدارك و غيرها، و هو المحكي عن ابن أبي عقيل و الدلائل و الذخيرة و الكفاية و المفاتيح.

و يقتضيه إطلاق الشرائع و محكي الاشراف و أمان الأخطار و البيان و المسالك و الأردبيلي.

بل في الخلاف دعوي الإجماع علي إجزاء الغسل الواحد المنوي به الجنابة و الجمعة.

و قد تقدم من جماعة إطلاق عدم التداخل في المستحبات، و من كشف اللثام الميل لعدم التداخل إذا لم يكن فيها جنابة.

كما صرح بالبطلان مع نية الواجب و المستحب في المنتهي و محكي التذكرة و المختلف و النهاية. و ظاهر المحكي عن غير واحد التوقف.

و قد يستدل للتداخل بإطلاق صحيح زرارة الأول، و عموم التعليل في صحيحه الآخر الوارد في غسل الميت، و مرسل جميل، و الصحيح المتقدم عن ابن يزيد.

لكن لا إطلاق للصحيح المذكور يشمل المقام، لما تقدم من أن المنظور فيه التعميم من حيثية الأسباب و الغايات المتجددة في يوم الغسل أو ليلته، و أنه لا بد

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الإحرام من كتاب الحج.

ص: 575

______________________________

من حمله علي تجدد أسباب استحباب الغسل و غاياته، و لا نظر فيه إلي ما ينوي رفعه به حين وقوعه ليشمل نية الواجب و المستحب، و ينفع فيما نحن فيه، فتأمل.

و أما مرسل جميل، فقد تقدم في الصورة الأولي الإشكال في شمول إطلاقه لصورة نية الجميع، مع أن المتيقن من التعبير باللزوم فيه التداخل في الواجبات.

و مثله التعليل بالحرمة في صحيح زرارة الآخر.

فالعمدة صحيح زرارة الأول الشامل لنية الجميع، بل هي الصورة المتعارفة الملتفت إليها، كما تقدم.

و تقدم في الصورة الثانية ضعف ما قد يظهر من كشف اللثام من اختصاص التداخل بصورة وجود الجنابة، كما تقدم في الصورة الثالثة ضعف إطلاق عدم التداخل في المستحبات.

و أما من منع من التداخل في خصوص المقام، فعمدة الوجه لهم في ذلك ما في كلام جمع من تضاد النيتين، لاستحالة اجتماع الوجوب و الندب في فعل واحد.

و لا يخفي أن استحالة اجتماعهما إنما هي لاستحالة اجتماع الضدين، بعد فرض تضاد الأحكام و منها الحكمان المذكوران، و لو لزم ذلك من التداخل في المقام لزم نظيره من التداخل في الواجبات فقط أو المستحبات كذلك، لاستحالة اجتماع المثلين كالضدين، كما نبه له شيخنا الأعظم قدّس سرّه، و لازمه امتناع التداخل مطلقا، و هو مخالف لصريح النصوص المتقدمة المعمول عليها عند الأصحاب و منهم المانعون في هذه الصورة، لتسالمهم علي العمل بها في الجملة، و إن حكي في الجواهر عن بعضهم إنكار التداخل مطلقا، و هو من الشذوذ بمكان.

و من هنا ناسب التعرض لحقيقة التداخل، لابتناء اندفاع الإشكال علي ذلك، و لا سيما مع قرب ابتناء بعض وجوه الاستدلال في الفروع الآتية عليه.

فنقول: سقوط الأوامر المتعددة بالفعل الواحد.

تارة: لامتثالها به بسبب تصادق عناوينها عليه.

ص: 576

______________________________

و اخري: لوفائه بملاكها، و إن باينها.

و ثالثة: لكونه رافعا لموضوعها الذي يناط به ملاكها، كتطليق الزوجة المسقط لأحكامها من وجوب الإنفاق عليها و القسمة لها و غيرهما.

و رابعة: لكونه مانعا للمولي من استيفاء ملاكها بالتكليف، إما لإحداث ما يزاحم ملاكها، كما لو أمر بالدرس و المطالعة للتعلم فأحدث المكلف ما يوجب إضرارهما ضررا أهم من مصلحة التعلم، أو لإحداث المانع من ترتب الملاك علي الفعل، كما لو أحدث في المثال ما يوجب النسيان فلا يترتب التعلم علي الدرس و المطالعة، أو لتعذر الفعل مع تمامية ملاكه، كما لو عجّز المكلف نفسه في المثال عن المطالعة و الدرس.

و الظاهر رجوع الصورة الثانية للأولي، لتبعية التكليف للملاك سعة و ضيقا، فمع فرض وفاء الفعل المذكور بملاك الأوامر المذكورة لا معني للأمر بمتعلقاتها المباينة له تعيينا، بل لا بد من دخوله في حيز الأمر، و لو لكون الأمر تخييريا لو فرض عدم الجامع العرفي بين متعلق الأمر و الفعل المذكور، كما لو فرض حصول ملاك العقيقة بالأضحية، حيث يلزم حينئذ التخيير بينهما في فرض مشروعية الأضحية، لا الأمر بالعقيقة تعيينا، مع سقوط أمرها بالأضحية، فتكون الأضحية امتثالا للأمر التخييري المذكور، كما في الصورة الأولي.

و حينئذ، فمن الظاهر عدم رجوع التداخل في الأغسال و غيرها للصورتين الأخيرتين، لظهور التعبير بالإجزاء في أدلته في كون الفعل المجزي عن الأوامر المتعددة مسانخا لامتثالها و محصلا لملاكها، و لذا يكون مقربا مثلها، مع عدم صلوح المسقط في الصورتين المذكورتين للمقربية، لعدم وفائه بملاك فعلي مورد للتكليف، بل هو في الصورة الثالثة طرف للتخيير العقلي، دون الشرعي، و في الرابعة قبيح عقلا و مبعد من الشارع، لما فيه من تفويت الملاك الفعلي، بل لا بد من رجوعه للصورتين الأوليين اللتين عرفت رجوعهما للصورة الأولي.

و هو لا ينافي ما سبق من أن مقتضي الأصل الأولي عدم التداخل، لظهور

ص: 577

______________________________

أدلة الأوامر المذكورة في تباين متعلقاتها مفهوما و مصداقا بنحو لا تمتثل بفعل واحد.

إذ لا مانع من رفع اليد عن الظهور المذكور بدليل التداخل الظاهر في تحقق الامتثال للكل بفعل واحد برفع اليد إما عن ظهورها في تباين المتعلقات مفهوما، بحملها علي أن المأمور به في الكل مفهوم واحد صادق علي الفعل الواحد المستلزم لوحدة الأمر، لامتناع اجتماع المثلين، غايته أنه أمر مؤكد بسبب تعدد ملاكاته، تبعا لتعدد الجهات المقتضية له، و إما برفع اليد عن ظهورها في تباينها مصداقا، مع المحافظة علي تباينها مفهوما، بأن يكون المأمور به في كل منها خصوصية مباينة للخصوصية المأمور بها في الآخر، و إن أمكن اجتماع الخصوصيات في فرد واحد.

و مما ذكرنا، يظهر ضعف ما في الجواهر من امتناع التداخل الحقيقي الراجع إلي امتثال الأوامر المتعددة بالفعل الواحد. قال: «إذ لا يتصور جعل الشيئين شيئا واحدا حقيقة، و ما يطلق عليه الأصحاب أنه تداخل فالمراد أنه شبه التداخل من الاجتزاء بواحد عن متعدد، و بهذه المشابهة يمتاز عن الإسقاط».

و بهذا تخلص عن محذور اجتماع الضدين في محل الكلام، لأن الفعل الواحد و إن أسقط الوجوب و الندب، إلا أنه ليس امتثالا لهما، لمباينته للواجب و المندوب معا، فلا يكون منصفا بهما.

وجه الضعف: أن امتثال كلا الأمرين بالفعل الواحد لا يرجع إلي جعل الشيئين شيئا واحدا، بل إما أن يرجع إلي اندكاك أحد الأمرين بالآخر و رجوعهما لأمر واحد مؤكد، لوحدة متعلقهما مفهوما، أو تعددهما لتعدد متعلقيهما مفهوما مع انطباق المفهومين علي الفعل الواحد، الذي لا محذور فيه، لوضوح أن الفعل الواحد مجمع لعناوين كثيرة.

و مع ذلك لا يمكن الخروج عن ظهور النصوص و الفتاوي في كون التداخل حقيقيا بالمعني المذكور، و لا سيما مع اعترافه قدّس سرّه بأن الفعل الواحد واجد لملاكات

ص: 578

______________________________

الأوامر التي يجزئ عنها، حيث لا مجال مع ذلك لقصور المأمور به عن شموله، لوضوح تبعية الأمر للملاك.

ثمَّ إنه عرفت أن التداخل يبتني علي أحد وجهين.

الأول: أن تتحد متعلقات الأوامر مفهوما، فيلزم اندكاك الأوامر بعضها ببعض و رجوعها لأمر واحد مؤكد، تبعا لتعدد الملاك.

الثاني: أن تتباين متعلقات الأوامر مفهوما مع اجتماعها في الفعل الواحد، حيث يكون مصداق الكل منها.

و أما إذا كان الكل مفهوما واحدا من دون تأكد في الأمر، فهو خارج عما نحن فيه من تداخل الأوامر في الامتثال، بل يكون من تداخل أسباب الأمر فيه، حيث يكون المؤثر له هو السبب السابق- واحدا كان أو متعددا- دون اللاحق، نظير تداخل أسباب الحدث للوضوء، بناء علي وحدة الحدث.

إذا تقرر هذا، فالظاهر أن التداخل في الأغسال المستحبة غير الرافعة يبتني علي الوجه الأول، لوضوح أن مرجع الأمر بها- بعد فرض كونها طهارة- إلي كون المطلوب بكل منها مرتبة من الطهارة زائدة علي مجرد عدم الحدث، نظير الوضوء التجديدي، و لذا تشرع من غير المحدث، و أدلتها و إن كانت ظاهرة بدوا في تباينها المقتضي للجمع بينها عند اجتماع أسبابها المستلزم لحصول مرتبة مؤكدة من الطهارة المذكورة، و لذا كان الأصل عدم التداخل، إلا أن دليل التداخل كاشف عن كون المطلوب في الكل مرتبة واحدة تحصل بغسل واحد، فلا بد من اندكاك الأوامر بعضها ببعض و يكون هناك أمر واحد مؤكد.

و أما التداخل في الأغسال الرافعة للحدث، فهو يبتني علي الوجه الثاني، حيث أشرنا في وجه أصالة عدم التداخل فيها إلي ظهور الأدلة بدوا في تعدد الأحداث، و في اختصاص كل حدث بغسله، المستلزم لتباين الأغسال مصداقا، و دليل التداخل إنما ينافي الثاني دون الأول، فلا ملزم برفع اليد عنه، و إذا كانت الأحداث متباينة في أنفسها كان رفع كل منها مباينا لرفع الآخر مفهوما، فيكون

ص: 579

______________________________

حدوث كل منها سببا لحدوث الأمر برفعه، فتتعدد الأوامر تبعا لتعدد متعلقاتها مفهوما، كما أن فرض الاكتفاء في رفع جميع الأحداث بغسل واحد راجع إلي كونه امتثالا لكل منها بلحاظ كونه مجمعا لعناوين متعددة ناشئة من رفعه لكل حدث حدث.

و كذا الحال في التداخل بين الأغسال الواجبة و المستحبة، لكشفه عن أن الغسل الواحد كما يرفع الحدث محصل لمرتبة من الطهارة زائدة علي ذلك، فهو مجمع للعنوانين الواجب و المستحب، غايته أن المرتبة الزائدة من الطهارة الحاصلة به ليس من شأنها البقاء كمرتبة رفع الحدث، بل تبقي إلي أمد خاص حسبما تضمنته النصوص من إجزاء غسل اليوم لليوم، و غسل الليل لليل و غير ذلك مما هو شرط التداخل.

بقي الكلام في دفع إشكال اجتماع الضدين، الذي تقدم إيراده علي القول بالتداخل في الواجبات و المستحبات، و إشكال اجتماع المثلين الذي تقدم إيراده علي باقي صور التداخل.

و قد تصدي غير واحد لدفع ذلك بما حاصله: أن اللازم في المقام هو اجتماع جهتي الحكمين المتماثلين أو المتضادين، لا اجتماع الحكمين الفعليين، بل ليس الحكم الفعلي إلا واحدا، لاندكاك أحد الحكمين بالآخر وجوبيين كانا أم استحبابين أم مختلفين.

و لا يمنع منه اختلاف الوجوب و الاستحباب في الإلزام و عدمه، بل هو كسائر موارد اجتماع جهتي الاقتضاء و اللااقتضاء، حيث يكون المؤثر هو الأولي دون الثانية، فيكون الحاصل في المقام طلبا واحدا إلزاميا مؤكدا من حيثية الطلب دون الإلزام.

و ما ذكروه و إن كان وجيها في نفسه، لكن لا تصل النوبة إليه إلا في بعض فروض المقام.

و توضيح ذلك: أنه لا مجال لإشكال اجتماع الضدين قبل دخول وقت

ص: 580

______________________________

إحدي الغايات الواجبة الموقوفة علي رفع الحدث- بناء علي عدم فعلية وجوب المقدمة قبل وقت ذيها- فلا يكون الغسل إلا مستحبا، لاستحباب الكون علي الطهارة بتمام مراتبها.

بل لا مجال للإشكال المذكور حتي بعد دخول الوقت، بناء علي ما هو التحقيق من عدم ثبوت الأمر الغيري، و أن لزوم المقدمة عقلي لأجل امتثال الأمر النفسي، حيث لا يلزم اجتماع الأمرين الشرعيين في موضوع واحد، بل موضوع الوجوب هو الغاية المقيدة برفع الحدث- كالصلاة- و موضوع الاستحباب هو التطهر بمرتبة زائدة علي رفع الحدث.

و مجرد اقتضائهما معا الغسل ليس من اجتماع الحكمين المتضادين، لتوقف التضاد علي وحدة الحاكم، و المفروض أن أحد الحكمين شرعي و الآخر عقلي.

بل حتي بناء علي ثبوت الأمر الغيري ليس المطلوب هو الفعل الخارجي بذاته، ليلزم اجتماع الوجوب و الندب فيه، بل من حيثية كونه محصلا لقيد المطلوب النفسي، فالواجب الغيري في الحقيقة هو الغسل من حيثية كونه رافعا للحدث، و المستحب هو الغسل من حيثية كونه محصلا للمرتبة الزائدة علي ذلك من الطهارة، فيكون متعلق كل من الأمرين مباينا مفهوما لمتعلق الآخر و إن اجتمعا خارجا في مصداق واحد يكون به امتثال الأمرين معا، كما تقدم في حقيقة تداخل الأغسال.

و دعوي: أن فرض امتثال الأمرين معا بالفعل الواحد و اجتماع عنوانيهما فيه مستلزم لاتصافه بكلا الحكمين المتضادين.

مدفوعة: بأن تعلق الأحكام التكليفية بالماهيات ليس علي حدّ تعلق أكثر الأحكام الوضعية- كالطهارة و الحرية- أو العوارض الخارجية- كالبياض و الحرارة- بها، فان تعلق الأخيرة بالماهية إنما هو بمعني تعلقها بأفرادها الخارجية، إذ لا وجود لها لولاها، فمع فرض تضاد العرضين يمتنع اتصاف الماهيتين المتصادقتين

ص: 581

______________________________

في بعض الأفراد بهما، لئلا يلزم اجتماعهما في الأفراد المذكورة، بل لا بد من قصور أحدهما عن مورد الاجتماع.

أما الأحكام التكليفية، فتعلقها بالماهية لا يقتضي اتصاف أفرادها الخارجية بها، لوضوح أن وجود الفرد و تشخصه يستلزم سقوط الحكم بالطاعة أو المعصية، و لا وجود له معه ليتصف به، بل متعلق الحكم ليس إلا الماهية بمالها من حدود مفهومية عامة.

و تعلقه بها يقتضي إيجادها.

تارة: - كما في الوجوب و الاستحباب- و عدمها.

و اخري: - كما في الحرمة و الكراهة- و لا يقتضي شيئا منهما ثالثة- كما في الإباحة- و ليس معني تعلق الحكم بالفرد إلا اقتضاء تعلق الحكم بالماهية لإيجاده أو عدمه، بحيث يكون به أطاعته أو معصيته.

و حيث فرض اختلاف الماهيتين في المقام بالحدود المفهومية، لم يلزم من اتصاف إحداهما بالوجوب و الأخري بالاستحباب اجتماع الضدين و إن تصادقا في الخارج في فرد واحد كل منهما يقتضيه.

و إنما يمتنع اجتماع الوجوب و التحريم أو الاستحباب و الكراهة في الماهيتين المتصادقتين في بعض الأفراد أو تمامها لتنافي مقتضاهما، فيلزم من جعل كل منهما نقض الغرض من الآخر، نظير باب التزاحم، لا لاجتماع الضدين.

و هذا في الحقيقة راجع إلي جواز اجتماع الأمر و النهي بمعني. و تمام الكلام في محله.

و بهذا يندفع محذور اجتماع المثلين لو فرض اختلاف عنواني المأمور به مع اتفاق الأمرين في الوجوب أو الندب، كما في اجتماع الأغسال الواجبة بعد الوقت، أو قبله، أو اجتماعها مع المستحبة قبل الوقت.

و أما مع اتحاد عنواني المأمور به- كما في اجتماع الأغسال المستحبة

ص: 582

و لا يحتاج إلي الوضوء إذا كان فيها جنابة (1)،

______________________________

فالمتعين البناء علي الاندكاك و التأكد، كما ذكروه، و تقدم منا في بيان حقيقة التداخل.

هذا، و لا يخفي أن القول باعتبار نية الوجه لا يزيد في الإشكال، فإنه إن كان الفعل الواحد المجزي عن الجميع امتثالا لكلا الأمرين لزم نيتهما معا، و إن كان امتثالا لأحدهما دون الآخر لزم نية خصوص ما يكون امتثالا له، و إن لم يكن امتثالا لأحدهما- كما تقدم من الجواهر- فلا وجه للفعل كي تجب نيته، إذ لا يراد باعتبار نية الوجه إلا نيته في ظرف ثبوته علي نحو ثبوته، فمع عدم ثبوت أحد الوجهين للفعل لا موضوع لنية الوجه، كي يلزم الإخلال بها.

و إن قيل بامتناع التداخل لامتناع اجتماع الضدين، فلا يرفع المحذور المذكور عدم اعتبار نية الوجه.

فما عن العلامة في محكي النهاية من الصحة مع نية المطلق و عدم تعيين خصوصية أحد الأغسال بناء علي عدم اعتبار نية الوجه و البطلان بناء علي اعتبارها، غير ظاهر الوجه. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(1) أما بناء علي إجزاء كل غسل عن الوضوء فظاهر، و أما بناء علي اختصاص ذلك بغسل الجنابة فظاهر المنتهي أن الإجزاء عن غسل الجنابة مستلزم لسقوط الوضوء، و هو المصرح به في الجملة في كلام غير واحد، بل في المستند و عن الغنائم أنه ظاهر الجميع، بل يظهر من محكي شرحي الدروس و الموجز دعوي الإجماع عليه.

و قد يستدل له بإطلاق ما تضمن إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء «1»، بناء علي ما تقدم من رجوع التداخل لكون الغسل الواحد امتثالا للكل و فردا منها، لأن الغسل في المقام يكون من أفراد غسل الجنابة.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 33، 34، 35 من أبواب الجنابة.

ص: 583

______________________________

بل حتي بناء علي عدم كونه فردا منها، لأن إطلاق الإجزاء، يقتضي قيام المجزي مقام المجزي عنه في تمام آثاره و أحكامه.

لكن الإطلاق المذكور لا يستلزم في الإجزاء مثل المقام مما فرض فيه وجود غير الجنابة من الأحداث الكبيرة التي يحتاج غسلها للوضوء.

و توضيح ذلك: أن كفاية غسل الجنابة عن الوضوء دون غيره من الأغسال.

تارة: لعدم اجتماع الحدث الأصغر مع الجنابة و اجتماعه مع بقية الأحداث الكبيرة، سواء كان مسببا عن أسبابها أم عن أسبابه.

و اخري: لرفع غسل الجنابة للحدث الأصغر و إن كان مسببا عن سبب الحدث الأكبر، بخلاف بقية الأغسال.

و ثالثة: لاستقلال غسل الجنابة برفع حدثه، دون بقية الأغسال، حيث لا ترفع أحداثها إلا بضميمة الوضوء.

و رابعة: لأن حدث الجنابة لا يوجب الحدث الأصغر، بخلاف بقية الأحداث الكبيرة.

أما علي الأولين، فلا حاجة للوضوء، لعدم الموضوع له في فرض الجنابة علي الأول، و في فرض ارتفاعها بغسلها علي الثاني.

و أما علي الثالث، فلا بد من الوضوء، إذ لا إطلاق لنصوص التداخل يقتضي بنفيه، لعدم ورودها لبيان الاكتفاء بالغسل الواحد في رفع الأحداث المذكورة، بل لبيان إجزائه عن أغسالها و إن لم تكن تامة الرافعية، في مقابل تكرار الغسل لتعدد الحدث. بل هو صريح قوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «و غسلها من حيضها» و في مرسل جميل: «من كل غسل يلزمه.».

و دعوي: أن سقوط الوضوء حينئذ مقتضي إطلاق ما تضمن نفي الوضوء مع غسل الجنابة و إغنائه عنه، لرجوعه إلي ترتب آثاره عليه، و منها تتميم رافعية بقية الأغسال لإحداثها.

مدفوعة: بأن مفاد أدلة إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء ليس هو تنزيله

ص: 584

______________________________

منزلته، لتلحقه تمام آثاره بمقتضي عموم التنزيل، بل استقلاله بالرافعية لما يسبب عنه من حدث أكبر أو أصغر، و لا عموم فيه لبقية آثار الوضوء مما يرجع لرفعه لبقية الأحداث الكبيرة البانية لما يتسبب عن الجنابة من حدث.

و لذا لا ريب ظاهرا في أنه بناء علي عدم التداخل لا مجال للبناء علي الاجتزاء بغسل الجنابة عن الوضوء المتمم لرافعية بقية الأغسال لإحداثها، فلاحظ.

و كذا الحال علي الرابع، لأن عدم الحاجة للوضوء، من جهة الجنابة لعدم تأثيرها للحدث الأصغر، لا ينافي لزومه بسبب بقية الأحداث، لتأثيرها له و إن اجتمعت مع الجنابة.

لكن لا تأمل في بطلان هذا الوجه، كيف و لازمه وجوب الجمع بين الوضوء و الغسل لو اجتمع سبباهما؟! كما أن الظاهر بطلان الثالث، بل نفي في جامع المقاصد الريب فيه، إذ لا إشكال ظاهرا- كما في الجواهر- في ارتفاع الآثار المختصة بالحدث الأكبر في غير الجنابة بالغسل، فيجوز الدخول للمساجد و قراءة العزائم و الصوم و نحوها، فلكل من الغسل و الوضوء أثره المختص به، كما يظهر من التعبير في الهداية و الرضوي «1» بعدم إجزاء الغسل عن الوضوء، لأن السنة لا تجزئ عن الفريضة، و يظهر من غير واحد من الأصحاب المفروغية عنه، لظهور كلامهم في أن الوضوء لأجل الصلاة.

قال في النهاية بعد الحكم بوجوب الطهارة الصغري مع الغسل في غير الجنابة: «و تقديمها أفضل إذا أراد به الدخول في الصلاة. فإن لم يرد الصلاة في الحال جاز أن يفرد الغسل من الوضوء»، و في المبسوط: «و يلزمها تقديم الوضوء، ليسوغ لها استباحة الصلاة. فإن لم تتوض قبله فلا بد منه بعده» و نحوه في الغنية، و قريب منه عن السرائر، و هو المناسب لما في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن طهرت بليل من حيضها ثمَّ توانت في أن تغتسل حتي أصبحت

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 1.

ص: 585

______________________________

عليها قضاء ذلك اليوم» «1»، المؤيد بمشروعية الوضوء مع الحيض «2» الكاشف عن استقلاله في رافعية حدثه حينه، فضلا عما بعد انقطاعه.

و احتمال كونه تعبدا محضا لا للتطهير بعيد جدا، كيف و لازمه جواز تخلل الحدث الأصغر بينه و بين الذكر أو الأكل اللذين ندب الوضوء لهما؟! مضافا إلي مرتكزات المتشرعة في استقلال كل من الوضوء و الغسل في الأثر، و أن الفرق بين غسل الجنابة و غيره من الأغسال في إجزائه عن الوضوء دونها، لا في استقلاله برفع الحدث و عدم استقلالها.

و ذلك كله صالح للقرينية علي صرف ما قد يظهر بدوا من نصوص وجوب الوضوء لبقية الأغسال من كونه متمما لها، كقولهم عليهم السّلام: «كل غسل قبله وضوء» و:

«في كل غسل وضوء» و: «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ و اغتسل» «3».

و منه يظهر ضعف ما عن الذكري من استبعاد استقلال كل من الطهارتين برفع كل من الحدثين «4»، و كذا ما في المدارك من احتمال اشتراكهما في الرفع مع وحدة الحدث أو تعدده.

و من هنا كان المتعين أحد الوجهين الأولين.

و لعل الثاني منهما أنسب بمفاد النصوص المتضمنة إجزاء الغسل عن الوضوء، لظهورها في تحقق الحدث المرتفع بالوضوء.

بل هو الظاهر مما تضمن استحباب وضوء الجنب للأكل «5» و النوم «6».

و علي كلا الوجهين يتعين البناء علي عدم الحاجة للوضوء، و هو المناسب

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 1، 2، 3.

(4) الظاهر عدم تمامية النسبة علي ما يأتي في ذيل الكلام في كيفية غسل الحيض.

(5) راجع الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة. و الاستدلال به مبني علي أن المراد به وضوء الصلاة كما هو غير بعيد لا غسل اليدين.

(6) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة.

ص: 586

و كذا لو قصد الجنابة فقط (1)

______________________________

لما يأتي من ظهور مفروغيتهم عن ذلك لو نوي خصوص الجنابة، مع عدم الفرق بينهما بمقتضي القواعد المتقدمة.

(1) فيجزئ عن غيره و لا يحتاج إلي الوضوء.

أما إجزاؤه عن غيره فيما لو كان الجميع واجبا، فهو المصرح به في كلام غير واحد، و في المدارك و محكي الذخيرة و الكفاية و البحار أنه المشهور، بل في بعضها: «قيل: إنه متفق عليه» و عن شرحي الموجز و الجعفرية نفي الخلاف فيه، و في جامع المقاصد و عن السرائر و مجمع الفوائد و الدلائل دعوي الإجماع عليه.

و يقتضيه- مضافا إلي مرسل جميل بالتقريب المتقدم في أول المسألة- إطلاق صحيح زرارة الشامل لصورة نية خصوص بعض الأغسال المجتمعة، بل هو من أفراده الظاهرة، لأنه وارد لتشريع التداخل في فرض إيقاع الغسل، لا لإحداث الداعي للغسل الذي به التداخل، فلا يفرض فيه العلم بالتداخل- موضوعا و حكما- حين إيقاع الغسل، بل هو شامل للغفلة عنه و الجري علي مقتضي الأصل من قصد الغسل لحدث خاص.

نعم، صورة قصد الجميع ظاهرة أيضا، لأنها الصورة المتعارفة مع الالتفات للجميع و لتشريع التداخل- كما تقدم- و لا مجال لإخراج صورة العلم بمؤدي الدليل عن إطلاقه.

و هذا بخلاف بقية النصوص المتضمنة لإجزاء غسل واحد للجنابة و الحيض أو للجنابة و مس الميت، لأنها واردة لإحداث الداعي للغسل المجزي عن الكل، فالصورة الظاهرة منها نية الكل تبعا للتشريع المذكور.

بل قد يدعي قصور إطلاقها لأجل ذلك عن صورة نية البعض.

هذا، و لكن نية خصوص الجنابة ترجع.

تارة: إلي قصد رفعها بالغسل من دون نظر لتخصيصه بها.

ص: 587

______________________________

و اخري: إلي قصد تخصيص الغسل بالجنابة، بنية الماهية الخاصة، كما لو لم يكن التداخل مشروعا.

و الظاهر من حكمهم بأقوائية غسل الجنابة أن محل كلامهم الصورة الثانية.

و إنما يتجه فرضه بناء علي ما سبق من الجواهر من رجوع التداخل إلي إجزاء غير المأمور به عن المأمور به.

إذ عليه يكون تشريع الأغسال علي نحوين مترتبين.

الأول: تشريع الأغسال المختصة بالأحداث، و هو يعم بمقتضي إطلاق أدلته حالي انفراد أحد الأحداث و اجتماعها.

الثاني: تشريع إجزاء غسل مباين للغسل المختص بحدث عنه، إما بأن يكون مباينا لجميع الأغسال، بأن لا ينوي به غسلا مختصا، أو يكون أحدها، بأن ينوي غسلا مختصا- كالجنابة- فيجزئ عن غيره من الأغسال المختصة بالأحداث الأخر.

فيقع الكلام حينئذ في قيام الدليل علي كلا القسمين، أو خصوص الأول أو الثاني منهما، و المعول فيه علي عموم النصوص السابقة و خصوصها.

و الظاهر أن إطلاق صحيح زرارة واف بإثبات القسمين معا، للتقريب المتقدم. كما أن مرسل جميل واف بإثبات إجزاء غسل الجنابة عن غيره، و هو من أفراد القسم الثاني.

و أما بقية النصوص، فهي وافية بإثبات القسم الأول فقط، لظهورها في تشريع الغسل الواحد للحدثين معا بنحو يظهر منها اتفاق نسبة الحدثين للغسل و عدم خصوصية أحدهما فيه، فيكون مباينا لكلا الغسلين المختصين.

أما بناء علي ما تقدم منا في حقيقة التداخل من رجوعه إلي كون الغسل الواحد امتثالا للكل، المستلزم لكون المشروع في الكل هو الماهية المطلقة الصادقة علي الواحد، و أنها رافعة لجميع الأحداث، فلا تشريع للغسل المختص، و لا تشرع نيته، بل يبطل.

ص: 588

______________________________

إلا أن تكون نيته لا علي نحو التقييد، بل علي نحو الاعتقاد المقارن- كما هو الظاهر عند الجهل بمشروعية التداخل- أو الداعي- كما هو الظاهر عند الجهل بتعدد الحدث- مع كون المقصود هو الغسل المشروع، فيرجع إلي الصورة الأولي، التي يظهر إرادتهم لها من حكمهم برجوع نية الجميع لنية الجنابة، و بأولويتها منها في الإجزاء. و عليه يحمل مرسل جميل و صحيح زرارة الظاهران في الصحة مع نية بعض الأحداث، إذ ليست هي بصدد إجزاء ما ليس بمشروع، بل بصدد بيان سعة التشريع، كما تحمل بقية النصوص عليه أيضا، و كون المتيقن منها نية الجميع إنما هو بلحاظ أنها الوجه المتعارف من قصد ما هو المشروع مع الالتفات لكبراه و صغراه.

و في الحقيقة لا اختلاف بين الجميع، إذ ليس المفروض فيها إلا قصد ما هو المشروع، غايته أنه بداعي رفع الجميع عند الالتفات لثبوته و ارتفاعه بالغسل الواحد، و بداعي رفع البعض، أو باعتقاد ذلك، عند الغفلة عن أحد الأمرين.

هذا، و قد يستدل علي التداخل عند قصد خصوص الجنابة.

تارة: بما في كلام غير واحد من أن غسل الجنابة لما كان أقوي من غيره من الأغسال، لإجزائه عن الوضوء دونها، تعين إجزاؤه عنها.

و اخري: بما قد يظهر من الجواهر الاعتماد عليه، من أن ارتفاع الأصغر مع غسل الجنابة مستلزم لارتفاع بقية الأحداث الكبيرة، لامتناع ارتفاعه مع بقائها.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 589

و يشكل الأول: بأن القوة المستلزمة لإجزاء الأقوي عن الأضعف إنما هي بمعني اندكاك أثر الأضعف في أثر الأقوي، لوجوده في ضمنه، و إنما يصح فرض ذلك في المقام بناء علي وحدة الحدث الأكبر مع تعدد أسبابه.

و هو- مع أنه خلاف الظاهر- خارج عن مبني النزاع، لابتناء نزاعهم علي فرض تعدد الأغسال، فضلا عن الأحداث.

أما بناء علي تعددها، فلكل من الغسلين أثره المختص به و إن امتاز غسل الجنابة برفع الأصغر أيضا، و لو فرض صدق الأقوائية بذلك فليست هي مستلزمة

ص: 589

______________________________

لإجزاء الأقوي عن الأضعف.

أما الثاني، فيشكل بعدم الوجه في امتناع رفع الأصغر مع بقاء الأكبر، بل قد يناسب ذلك استحباب الوضوء للحائض لأجل الأكل و الذكر في أوقات الصلاة، بناء علي ما تقدم من استظهار كونه رافعا للحدث، و كذا استحباب تقديم الوضوء عند الاغتسال.

و ما ذكره قدّس سرّه من عدم ارتفاع الأصغر إلا بعد الغسل بعيد جدا، لا يناسب ما سبق منه من استقلال الغسل برفع الحدث الأكبر و إن لم يتحقق الوضوء.

مضافا إلي ابتناء الوجهين معا علي وجوب الوضوء مع بقية الأغسال، و هو محل الكلام. فالعمدة ما عرفت من النصوص.

نعم، قد يستشكل في مشروعية نية الجنابة وحدها، و في صحة الغسل لها، فضلا عن إجزائه لغيرها، لنصوص تداخل الجنابة و الحيض، كقوله عليه السّلام في صحيح أبي بصير: «تجعله غسلا واحدا» «1»، و في صحيح ابن سنان: «غسل الجنابة و الحيض واحد» «2» و غيرهما، لظهورهما في عدم الاجتزاء بنية الجنابة وحدها.

لكنه يندفع- بناء علي ما ذكرنا من وحدة الغسل و أن اختلاف الأحداث ترجع إلي تعدد أثر الغسل الواحد- بأن النصوص المذكورة واردة لبيان الاكتفاء بالغسل الواحد، و لا تدل علي اعتبار قصد رفع الحدثين معا، في صحته كما لا تدل نصوص غسل الجنابة علي اعتبار نية رفع حدثها.

و أما بناء علي تباين الأغسال تبعا لتباين الأحداث، فالنصوص المذكورة و إن كانت ظاهرة في تشريع غسل خاص بالحدثين معا مباين لكل من الغسلين المختصين بكل منهما، و هو لا يتحقق بنية غسل الجنابة، إلا أن من القريب ورود هذه النصوص لدفع توهم وجوب التعدد، لا لتعيين الغسل المذكور و عدم مشروعية الغسلين المختصين.

و لا أقل من حملها علي ذلك لأجل ما تقدم، فإنه أولي من رفع اليد عما

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 9.

ص: 590

______________________________

تقدم مما يقتضي الاجتزاء بنية الجنابة لأجلها.

ثمَّ إنهم قد تعرضوا في المقام لما لو نوي عدم رفع غير الجنابة بغسل الجنابة. و يظهر من الجواهر الميل إلي التداخل فيه أيضا، عملا بالوجه المذكور، و في مفتاح الكرامة: «و لو نوي أمرا بشرط عدم غيره صح في المنوي- كما يظهر من بعضهم- و أما غيره فإن كان من اللوازم الشرعية التي يستحيل انفكاكها صح أيضا، و إلا فلا».

و الذي ينبغي أن يقال: لما كان ظاهر الأدلة أن الإجزاء عن بقية الأغسال قهري لا قصدي، فنية عدم الحدث الآخر إن رجعت إلي تشخيص الغسل بذلك أو تقييد امتثال الغسل المشروع به، تعين بطلان الغسل، فلا يرفع به الحدث المقصود به، فضلا عن غيره، لعدم مشروعية الغسل المأتي به في الأول، و عدم تحقق قيد الامتثال في الثاني.

و إن رجعت إلي الخطأ في تشخيص حكم الغسل أو التشريع فيه مع الإطلاق في امتثال الغسل المشروع، تعين البناء علي الصحة و الإجزاء عن غير ما قصد إيقاع الغسل له.

و أما إن كان بعض الأغسال مستحبا، فقد حكم بإجزاء غسل الجنابة عنها في المبسوط و الخلاف و كشف اللثام و ظاهر الوسيلة و عن السرائر و ابن سعيد و البيان و محكي المسالك، و نسب للمشهور، بل هو داخل في معقد إجماع السرائر.

و استشكل فيه في المعتبر، بل صرح بعدم الاجتزاء في المنتهي و محكي نهاية الإحكام و التذكرة و المختلف و غير واحد من متأخري المتأخرين، و هو مقتضي ما تقدم من جماعة من إطلاق عدم التداخل في المستحبات.

لكن تقدم في صورة نية الجميع أنه لا وجه للإطلاق المذكور، كما يظهر مما تقدم هنا عدم الفرق بين الواجبات و المستحبات، لصحيح زرارة.

و أما إجزاؤه عن الوضوء، فهو المصرح به في كلام غير واحد، و يظهر من كل

ص: 591

بل الأقوي ذلك أيضا إذا قصد منها واحدا غير الجنابة (1)،

______________________________

من تعرض له و أغفل التنبيه علي الوضوء، لظهور كلامهم في المفروغية عن ترتب سائر أحكام غسل الجنابة عليه، و أن إجزاءه عن غيره ليس لانطباق عنوانه عليه ليتوهم ترتب حكمه عليه، و هو الحاجة للوضوء، و لا سيما بملاحظة ارتكاز أن عدم إجزاء بقية الأغسال عن الوضوء لقصورها، فلا ينافي الاستغناء عنه بغسل الجنابة.

بل مقتضي الوجهين الأخيرين المتقدمين لإجزائه عن بقية الأغسال المفروغية عنه، و من هنا كان هو المنساق من مرسل جميل، بل الظاهر أنه مقتضي سيرة المتشرعة الارتكازية.

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك- ما تقدم في صورة نية الجميع، الذي أشرنا إلي اعتضاده بمفروغيتهم عن الإجزاء هنا.

(1) البحث في ذلك في مقامين.

الأول: ما إذا كان المقصود واجبا، فيقع الكلام.

تارة: في صحته لنفسه.

و اخري: في أنه مع وجود الجنابة هل يجزئ عن غسلها، و عن الوضوء أيضا تبعا له.

و ثالثة: في إجزائه عن الأغسال الأخري الواجبة.

و رابعة: في إجزائه عن الأغسال المستحبة.

أما الأول، فهو المصرح به في كلام غير واحد، و قد يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. و يقتضيه إطلاق تشريع الغسل لكل حدث من الأحداث المذكورة، حيث يشمل صورة اجتماعها، فيكون مقتضاه زواله بنيته و إن قيل بعدم إجزائه عن غيره.

و لا ينافيه مشروعية التداخل و إجزاء الغسل الواحد بنية الجميع أو

ص: 592

______________________________

خصوص الجنابة- كما تقدم- لعدم ظهور دليله في الإلزام بمؤداه، بل في محض تشريعه لبيان عدم وجوب التعدد، إلا ما توهمه بعض نصوص تداخل الجنابة و الحيض، و قد تقدم لزوم رفع اليد عن ذلك.

و من ذلك يظهر عدم الفرق بين وجود الجنابة في ضمن الأحداث و عدمه.

لكن عن التذكرة الإشكال في صحة الغسل لما نوي له مع وجود الجنابة، قال فيها: «فإن نوت الجنابة أجزأ عنها، و إن نوت الحيض فإشكال ينشأ من عدم ارتفاعه مع بقاء الجنابة، لعدم نيتها، و من أنها طهارة قرنها الاستباحة، فإن صحت فالأقرب وجوب الوضوء، و حينئذ فالأقرب رفع حدث الجنابة، لوجود المساوي في الرفع».

و في الجواهر أنه ربما ظهر من بعضهم الجزم بعدم الصحة، و ربما أراد ما عن السرائر من حصره النية بالجنابة، و ما في كشف اللثام من عدم وجوب غسل الحيض للغايات المشتركة بينه و بين غسل الجنابة، كالصلاة.

و كأنه مبني علي عدم إغنائه عن غسل الجنابة، إما لأنه غير منوي، أو لأنه أضعف منه بناء علي لزوم الوضوء معه. و امتناع ارتفاع الأضعف مع بقاء الأقوي.

و فيه- مع ضعف المبني المذكور، لأن الظاهر إغناؤه عن غسل الجنابة و إن لم ينو، و لا يمنع منه أضعفيته بالمعني المذكور، إذ غايته وجوب الوضوء معه-: أن أضعفية غسل الحيض لوجوب الوضوء معه لا يستلزم أضعفية حدثه. بل صدق الأضعفية إنما يتجه مع اندكاك الأضعف في الأقوي، لوجوده في ضمنه، و هو غير محرز في المقام، لقرب امتياز كل حدث بنفسه عن الآخر.

علي أن امتناع زوال الأضعف مع بقاء الأقوي إنما هو مع بقائه بتمام مراتبه، و لا مانع من الالتزام بزوال بعض مراتب الجنابة، و إنما يحتاج لغسلها لإزالة بقية المراتب.

و أما الثاني، فقد ذهب إلي إجزائه عن الجنابة في المبسوط و الشرائع و المعتبر و جامع المقاصد و الروض و المدارك، و حكي عن ابن سعيد و الشهيد

ص: 593

______________________________

و جماعة، و عن شرح الجعفرية أنه المشهور، و عن الذكري: أن الفرق بين غسل الجنابة و غيره تحكم.

و يقتضيه إطلاق صحيح زرارة المتقدم. و لا مجال لدعوي اختصاصه بنية الجميع، لما تقدم في صورة نية الجنابة. بل تقدم هناك أنه بناء علي ما هو الظاهر من رجوع التداخل إلي التكليف بطبيعة الغسل أن نية الحدث لا بد أن تكون بنحو الداعي، فيتجه الاستدلال بجميع نصوص التداخل، لعدم ظهورها في لزوم نية الحدث زائدا علي نية الغسل المشروع، بل مقتضي إطلاقها لزوم إيقاع الغسل الذي تضمنته بأي داع فرض، و إنما ينحصر الاستدلال بصحيح زرارة بناء علي اختلاف ماهيات الأغسال، و رجوع التداخل إلي إجزاء غير المأمور به عن المأمور به، و عليه يبتني بعض استدلالاتهم في المقام، فراجع.

هذا، و قد أشير للاستدلال أيضا- كما في جامع المقاصد و غيره- بأنه لو لم يجز عن غسل الجنابة غيره عند اجتماعهما لزم عدم وجوب ذلك الغير، لعدم إجزائه و عدم الفائدة فيه بعد فرض وجوب الجنابة لا غير.

و فيه: أنه يكفي في صحة التكليف به أجزاؤه في رفع حدثه، بناء علي ما سبق من تعدد الأحداث.

علي أن الالتزام بعدم وجوب ذلك الغسل مع وجوب رفع حدثه بغسل الجنابة ليس محذورا، غايته استلزامه تقييد دليل سببية الغسل لرفع حدثه، و ليس هو بأبعد من رفع اليد عن ظهور دليل سببية غسل الجنابة لرفع حدثه في التعيين، بل يتساقطان، و يكون المرجع قاعدة الاشتغال المقتضية للاقتصار علي نية الجنابة، لأنه المتيقن في رفع الحدث. فالعمدة ما ذكرنا.

هذا، و قد استشكل في إجزائه عن الجنابة في المنتهي، بل صريح الوسيلة و القواعد و محكي السرائر و التذكرة عدمه و نسبه شيخنا الأعظم قدّس سرّه لأكثر من تعرض للمسألة، و قد يظهر من السرائر دعوي الإجماع عليه.

و المذكور في كلماتهم الاستدلال له بأمور.

ص: 594

______________________________

الأول: موثق سماعة عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهم السّلام: «قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة. قال: غسل الجنابة عليها واجب» «1».

لكن لما كان مقتضي الأصل الأولي وجوب غسلي الجنابة و الحيض معا، فظاهر الجواب بوجوب غسل الجنابة كون السؤال عنه في مقابل احتمال سقوطه مع المفروغية عن وجوب غسل الحيض، فيكون ظاهرا في وجوب الجمع بينهما علي ما هو مقتضي الأصل المذكور، و هو مخالف للإجماع و صريح النصوص المتقدمة، فلا بد إما من حمله علي تعيين الواجب منهما مع الفراغ عن عدم وجوب الجمع بينهما، أو حمل غسل الجنابة فيه علي الغسل الرافع للجنابة دفعا لتوهم ارتفاع موضوعه، و هو الجنابة أو اندكاكه بالحيض، لا ما يقابل غسل الحيض، فلا ينافي إجزاؤه عنه، أو حمل وجوب غسل الجنابة علي مشروعيته حتي في حال الحيض، كما تضمنه موثق عمار المتقدم في أول المسألة.

و هذه و إن اشتركت في مخالفة الظاهر إلا أن مقتضي الأول لزوم نية الغسل المختص بالجنابة و عدم إجزاء نية الجميع، و هو مما تأباه نصوص تداخل الحيض أو مس الميت و الجنابة جدا، لظهورها في كون الغسل الواحد للحدثين معا بنسبة واحدة، لا لخصوص الجنابة.

فالأقرب أحد الأخيرين.

و ربما كان الأقرب منهما حمل الموثق علي التقية لموافقته للمحكي عن الحسن و النخعي من وجوب غسلين.

الثاني: ما أشير إليه فيما تقدم عن التذكرة من تبعية العمل الصالح لأكثر من وجه واحد للنية، فمع عدم نية الجنابة لا مجال لارتفاعها.

و فيه: أنه مع فرض تعدد حقائق الأغسال، فذلك إنما يقتضي عدم تعيين الغسل لغسل الجنابة، لا عدم إجزائه عنه برفع حدثها لو دل الدليل عليه، و قد

______________________________

(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الجنابة حديث: 8.

ص: 595

______________________________

عرفت وفاء الدليل به كما يفي بغيره من موارد التداخل.

و أما مع فرض وحدة ماهية الغسل- كما سبق- فهو لا يقع إلا علي وجه واحد، و لا يحتاج إلي نية التعيين.

الثالث: أن غسل الجنابة أقوي من غيره، لإجزائه عن الوضوء، و لا يلزم من نية الفعل الضعيف حصول القوي، كما في المنتهي و عن السرائر.

و فيه- مضافا إلي ابتنائه علي عدم إجزاء غير الجنابة عن الوضوء- أنه مع فرض وحدة ماهية الأغسال فالمتعين الإجزاء، لأن القوة و الضعف من حالات الغسل الواحد، غايته أنه يلتزم بقوته و إجزائه عن الوضوء لتحقق الجنابة، أو بضعفة لتحقق غيرها، علي ما يأتي الكلام فيه. و مع فرض تباينها، فالأصل عدم إجزاء كل من القوي و الضعيف عن الآخر إلا بدليل، و قد سبق وفاء الدليل بذلك، كما يفي بغيره.

و يتفرع علي هذا الوجه ما تقدم عن التذكرة من أنه لو صح الغسل مع نية غير الجنابة وجب ضم الوضوء، فإن ضمه فالأقرب رفع حدث الجنابة، لوجود المساوي في الرفع.

و هو مبني علي وحدة الحدث الأكبر، و قد عرفت أنه خلاف الظاهر.

و لعله لذا استشكل في ذلك في القواعد و المنتهي معللا له في الثاني بأن الغسل لم يقع للجنابة، و الوضوء غير رافع لها.

ثمَّ إنه يظهر من المعتبر و محكي التذكرة و غيرهما المفروغية عن إجزاء غسل غير الجنابة عن غسلها بناء علي اشتراكهما في عدم الاحتياج للوضوء.

و كأنه لكونه مساويا في الرافعية حينئذ، أو لاستلزام ذلك اتحاد حقائق الأغسال.

لكن الأول إنما يسلم بالإضافة للحدث الأصغر، و أما بالإضافة للأكبر فهو موقوف علي وحدته، و هي ممنوعة كما تقدم.

و يندفع الثاني بمنع الملازمة، لإمكان اختلافها و اختصاص كل غسل بحدثه

ص: 596

______________________________

الأكبر، و إن اشتركت في رفع الأصغر.

فالأمر منحصر بالنصوص المتقدمة، فإن نهضت بالإجزاء- كما تقدم- لم يمنع منه اختلاف الأغسال في الحاجة للوضوء، و إلا لم ينفع اتفاقها في عدم الحاجة له.

هذا، و قد صرح في المعتبر و المنتهي بأنه بناء علي الإجزاء عن غسل الجنابة لا يحتاج إلي الوضوء، و لعله متسالم عليه بينهم، و إن قل من صرح به منهم.

و يظهر الوجه فيه مما تقدم في صورة نية الجميع، فراجع.

و أما الثالث، و هو الإجزاء عن غير الجنابة من الأغسال الواجبة، فالظاهر أنه مختار كل من ذهب إلي إجزائه عن الجنابة، و إن قصرت عبائر بعضهم عنه، لأولويته منه، حيث لا تردد فيه بعض الشبهات السابقة.

و من ثمَّ ضعف الخلاف هنا، بل عن شرح الدروس أنه استظهر الإطباق علي الإجزاء هنا.

لكن لا طريق للجزم بإطباقهم، و لا سيما مع ما عن الدلائل من الميل لاعتبار نية الأسباب في التداخل، و ما تقدم من كشف اللثام من الميل للاقتصار علي صورة وجود الجنابة، بل جزم في الجواهر بعدم الإجزاء، و قواه شيخنا الأعظم قدّس سرّه لدعوي اختصاص نصوص التداخل عدا مرسل جميل بصورة نية الجميع، و الأصل عدمه.

و يظهر ضعفه مما تقدم في صورة نية الجنابة من تقريب إطلاق صحيح زرارة بالإضافة إلي نية خصوص أحد الأغسال.

و أما الرابع، و هو الإجزاء عن الأغسال المستحبة، فهو مقتضي إطلاق ما في المبسوط و عن الجامع و البيان و المسالك، و مال إليه في المدارك. خلافا للمنتهي و محكي نهاية الإحكام و التذكرة و المختلف.

و يقتضيه ما تقدم من جماعة من إطلاق عدم التداخل في المستحبات، و من كشف اللثام من الميل للاقتصار في التداخل علي صورة وجود الجنابة، و ما تقدم في الأمر السابق من غير واحد من إطلاق توقف التداخل علي نية السبب،

ص: 597

______________________________

و ما في المعتبر و عن الذكري و غيرها من إطلاق. توقف التداخل في المستحبات علي نية السبب.

و تقدم ضعف الأولين في صورة نية الجميع.

كما يظهر ضعف الثالث مما تقدم في صورة نية الجنابة من تقريب إطلاق صحيح زرارة بالإضافة إلي نية خصوص بعض الأغسال.

و أما الرابع، فكأن الوجه فيه أن الغرض من المستحب تحصيل الثواب بالامتثال، و مع عدم نيته لا امتثال و لا ثواب.

و فيه: أن الذي لا يحصل هو الامتثال بمعني التعبد بالأمر، لا بمعني موافقته.

و عدم حصول الثواب لا ينافي الأجزاء المستلزم لعدم مشروعية التكرار.

المقام الثاني: ما لو كان المقصود غسلا مستحبا. و الكلام فيه.

تارة: فيما لو كان معه مستحب فقط.

و اخري: فيما لو كان معه واجب فقط.

و ثالثة: فيما لو كان معه واجب و مستحب.

أما الأول: فلا ريب في صحته في نفسه، لإطلاق أدلته.

و أما إجزاؤه عن غيره فهو مقتضي إطلاق غير واحد، و يقتضيه إطلاق صحيح زرارة السابق، المعتضد بالصحيح عن ابن يزيد، و نحوه مما تقدم الكلام فيه في صورة نية الجميع إذا كانت الأغسال مستحبة فقط.

خلافا لمن سبق ممن اعتبر في التداخل نية السبب، أو حكم بعدم التداخل في المستحبات مطلقا أو مع عدم نية المسبب.

و تقدم ضعف الجميع قريبا.

و أما الثاني: فالكلام فيه من جهتين.

الاولي: صحته في نفسه، و هو إنما يتجه ممن يقول بعدم إجزائه عن غيره، فقد منع في الخلاف من صحة غسل الجنب مع نية الجمعة فقط، معللا بأن الغرض منه التنظيف، و لا يصح مع بقاء الجنابة.

ص: 598

______________________________

و حكم بالصحة في المنتهي و محكي السرائر و الجامع و التذكرة و المختلف.

و يقتضيه إطلاق دليل الغسل المستحب الشامل لصورة اجتماعه مع سبب الواجب، المقتضي للاجتزاء به عن نفسه حينئذ و إن لم يجز عن الواجب.

و ما ذكره في الخلاف لا يصلح لرفع اليد عن ذلك، إذ لا مانع من حصول النحو الخاص من التنظيف مع بقاء الحدث. و لا سيما مع ثبوت مشروعية غسل الإحرام للحائض، كما نبه لذلك في المنتهي و محكي السرائر و المختلف.

الثانية: في إجزائه عن غيره. و هو ظاهر المدارك، و يقتضيه إطلاق محكي البيان و المسالك، و قد يستظهر من الصدوق في الفقيه لروايته المرسل الآتي مع تصريحه في أوله بأنه لا يودع فيه إلا ما يفتي به و يكون حجة بينه و بين ربه. و يشهد له إطلاق صحيح زرارة بالتقريب المتقدم في صورة نية خصوص الجنابة، و مرسل الصدوق: «و روي في خبر آخر: أن من جامع في أول شهر رمضان ثمَّ نسي الغسل حتي خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل و يقتضي صلاته و صومه، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنه يقضي صلاته و صيامه إلي ذلك اليوم و لا يقضي ما بعد ذلك» «1».

خلافا للمبسوط- و الخلاف في فرض اجتماع الجنابة و الجمعة- و محكي السرائر و الجامع و جملة من كتب العلامة.

و كأنه لتخيل أن الأغسال المندوبة لا ترفع الحدث، و لذا تشرع مع عدمه، و مع بقائه كما في الإحرام للحائض، بل المقصود بها مرتبة من الطهارة مباينة لرفع الحدث.

و هو كما تري، لأن مشروعيتها لأجل المرتبة المذكورة لا تنافي رفعها للحدث أيضا لو وقعت حينه و أمكن ارتفاعه، كما هو مقتضي الدليل المتقدم.

و أما الثالث، فيظهر حال صحة الغسل في نفسه و إجزائه عن الواجب مما تقدم في الثاني، كما يظهر إجزاؤه عن المندوب مما تقدم في الأول.

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

ص: 599

و الأحوط حينئذ ضم الوضوء (1). و لو قصد الغسل قربة، من دون نية الجميع و لا واحد بعينه، فالظاهر البطلان (2)،

______________________________

كما أن الظاهر إجزاء الغسل في هذه الصورة و ما قبلها عن الوضوء مع وجود الجنابة، لما تقدم في صورة نية الجميع، فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم، و هو ولي التوفيق و السداد.

(1) الاحتياط المذكور استحبابي، لأنه مسبوق بالفتوي.

لكن لما كان مبني سقوط الوضوء في فرض الإجزاء عن غسل الجنابة كون الغسل غسل جنابة، لاتحاد حقائق الأغسال أو مباينا له مجزئا عنه لاختلاف حقائقها، فلا بد أن يكون منشأ الاحتياط هنا احتمال عدم كونه غسل جنابة، مع احتمال عدم إطلاق إجزائه عنه بنحو يشمل رفع الحدث الأصغر، و أن المتيقن رفع الحدث الأكبر.

و هذا جار في صورة نية الجميع أيضا، لعدم صدق غسل الجنابة حينئذ بمعني الغسل المختص الذي هو موضوع الإجزاء عن الوضوء في ظاهر الأدلة، فاللازم تعميم الاحتياط لها.

و أما احتمال أن يكون وجهه شدة الخلاف هنا في تداخل الأغسال، فهو يقتضي الاحتياط بالغسل لا بالوضوء.

(2) كما قواه صاحب الجواهر و شيخنا الأعظم قدّس سرّهما و نسبه في مفتاح الكرامة لظاهر النهاية، قال: «و لم أجد لهم في ذلك نصا، و إنما نص عليه الفاضل المقداد في نضد قواعد الشهيد، حيث قال: الناوي للغسل المطلق تقربا معرضا عن السبب في شرعية الغسل ملتزم بشرعية غسل لا لسبب، و هذا لا وجود له في الشرع».

لكن ظاهر الشرائع و صريح المدارك و عن محكي الذكري أنه من التداخل.

و الظاهر ابتناؤه علي ما تقدم من وحدة حقائق الأغسال و تعددها.

فيصح علي الأول، لانطباق الغسل المشروع علي المأتي به. و اعتبار نية

ص: 600

إلا أن يرجع إلي نية الجميع إجمالا (1)

______________________________

السبب في صحته خلاف الإطلاق.

و لا يلزم تشريع غسل لا لسبب، كما تقدم من المقداد، لأن عدم تعيين السبب لا ينافي قصد الغسل الواحد المشروع في نفسه، الذي هو في الواقع مشرع للأسباب المجتمعة، نظير ما لو نوي بالوضوء أو الغسل مع وحدة الحدث الأكبر القربة و لم ينو السبب.

أما علي الثاني، فلا يصح، إذ مع تعدد الغسل المشروع ينحصر تعيينه بالنية، فمع فرض عدم نية أحد الأغسال المختصة، و لا الغسل المجزي عن الكل المباين لها، لا ينطبق شي ء منها علي المأتي به، لعدم المرجح، و يتعين البطلان.

(1) كما جزم به قدّس سرّه في مستمسكه. و هو قد يتم مع الالتفات للجميع و العلم بتوقف صحة الغسل الواحد علي نية بعضها معينا أو جميعها، لأن عدم المرجح للبعض قد يستلزم انصراف القصد الارتكازي للجميع، لفرض قصد ما هو المشروع.

أما لو فرض تخيله كفاية قصد القربة في الإجزاء عن الجميع، فقد لا يقصد الجميع، لعدم تحقق الداعي له لذلك، بل ينحصر الداعي لرفعها في الجملة.

و كذا لو فرض جهله بوجود الجميع، كما لو علم إجمالا بثبوت أحد غسلين فنوي القربة، و كانا ثابتين معا عليه.

هذا، و قد جزم في المعتبر بكفاية الغسل بنية رفع الحدث، بل قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «و الظاهر أنه لا خلاف في التداخل فيه أيضا، كما في شرح الجعفرية».

و علله غير واحد برجوعه لنية الجميع. لكنه إنما يتم لو لم يكن عليه إلا الأغسال الرافعة للحدث، أما لو كان عليه غيرها كغسل الجمعة، فهو راجع لنية بعض الأغسال، فإن كان الحدث واحدا لحقه حكم نية غسل ذلك الحدث، و إن كان متعددا اتجهت صحته بناء علي ما تقدم من وحدة حقيقة الأغسال، أما بناء

ص: 601

______________________________

علي تعددها، فيشكل إحراز مشروعية الغسل المذكور، إذ عليه يكون المتيقن من نصوص التشريع الأولية هو الأغسال المختصة بكل حدث وحده، و من نصوص التداخل هو الغسل المنوي به الجميع.

و أما الغسل المنوي به أكثر من حدث واحد دون جميع الأغسال، فلا طريق لإحراز مشروعيته.

اللهم إلا أن تستفاد من إطلاق ما تضمن كفاية الغسل الواحد للجنابة مع الحيض أو مس الميت أو غسله حيث يشمل صورة ثبوت غسل آخر، فيتم المطلوب بضميمة إلغاء خصوصية مواردها، و لا سيما بضميمة تسالمهم المدعي في المقام، فتأمل.

و منه يظهر الحال في نية استباحة الصلاة التي جزم في المعتبر بالاجتزاء بها.

و الإنصاف أن ذلك مؤيد لما ذكرناه من وحدة حقائق الأغسال.

بقي في المقام أمران.

الأول: أنه أشير في كلام بعضهم إلي الكلام في أن التداخل رخصة أو عزيمة. و لا يخلو المراد به عن إجمال.

فإن أريد به أنه في فرض التداخل و العمل علي طبقه هل يبقي الغسل المجزي عنه مشروعا أو لا؟.

فالظاهر الثاني، إذ لا محرز لمشروعيته إلا الأمر به، فمع فرض الإجزاء و سقوط الأمر به لا طريق لإحرازها.

و دعوي: أن مقتضي إطلاق الأمر بقاء مشروعيته ما لم يمتثل، و دليل التداخل إنما يقتضي سقوط الإلزام لا غير، كما هو مقتضي التعبير بالإجزاء الظاهر في مجرد السعة.

مدفوعة: بأن إطلاق الإجزاء عن شي ء ظاهر في ترتب تمام غرضه عليه، و هو يقتضي سقوط مشروعيته به، خصوصا في مثل المقام مما كان الفعل مطلوبا لأثره، كالطهارة.

ص: 602

______________________________

علي أن بعض الأدلة لم ترد بلفظ الإجزاء، بل بالسنة أخر ظاهرة في رفع مشروعية الفعل.

و من هنا ذكرنا أن أدلة التداخل تكشف عن انطباق جميع الأغسال المجزي عنها علي الغسل الواحد و امتثالها به، و لازمه اتحاد حقائق الأغسال.

و إن أريد بذلك أنه في فرض اختصاص التداخل بوجه خاص هل يجب سلوكه أو يجوز تركه و امتثال الأغسال بالوجه الأولي؟.

فالظاهر الأول، فلو قيل باعتبار نية الجميع في التداخل هل يشرع الامتثال لا بنحو التداخل، بل بتكرار الغسل مع تعيين كل غسل لحدث، و لو قيل بإجزاء الواجب عن المستحب دون العكس يشرع الإتيان بالمستحب أولا ثمَّ بالواجب، و هكذا.

لعدم ظهور أدلة التداخل في الإلزام بمؤداها و رفع مشروعية الأغسال الأولية. بل هي واردة لدفع توهم وجوب التعدد، كما تقدم نظيره في صورة نية خصوص الجنابة، و عند الكلام في صحة الغسل في نفسه عند نية غير الجنابة من الواجب أو المستحب.

و إن أريد أنه في فرض مشروعية التداخل هل يمكن التخلص منه بنية عدمه أو لا، بل يكون قهريا؟.

فالظاهر الثاني، كما تقدم التعرض له في صورة نية خصوص الجنابة، فراجع.

الثاني: حيث تضمن صحيح زرارة التعبير بالإجزاء الظاهر في مشروعية المجزي عنه في المرتبة السابقة عليه، و كان ظاهره ترتب الإجزاء علي الغسل بمجرد وجوده، كان ظاهره الإجزاء في فرض اجتماع الأغسال و تحقق موضوعها قبل الغسل، بل هو كالصريح من قوله عليه السّلام: «فإذا اجتمعت.» الذي هو كالكبري لما تضمنه الصدر و الذيل من التداخل.

لكن ظاهر مرسل جميل التعميم لما تجدد مشروعيته في يوم الغسل، كما هو المناسب لفرض الإجزاء عن كل غسل يلزمه ذلك اليوم، إذ لو أريد خصوص

ص: 603

______________________________

المشروع قبل الغسل ناسب أن يقول: «عن كل غسل لزمه».

بل تقييد الغسل المجزي بما يكون بعد الفجر مناسب لإرادة ما يتجدد في اليوم، لبيان مبدأ التداخل و منتهاه، و إلا فالتداخل في الأغسال المجتمعة لا يفرق فيه بين ما يكون قبل الفجر و بعده، فهو مساوق لما في الصحيح عن ابن يزيد و غيره مما تضمن إجزاء غسل اليوم لليوم و غسل الليل لليل، علي ما تقدم في صورة نية الجميع.

بل قد يحمل صحيح زرارة عليه لأجل ذلك، حيث تضمن الغسل بعد الفجر. و لا سيما مع إضافة الإجزاء في صدره للأسباب لا للأغسال.

بل هو المناسب لفرض إجزاء الغسل الواقع بعد الفجر لكل من الحلق و الذبح و الزيارة، لوضوح عدم مشروعيتها إلا مترتبة بعد طلوع الشمس، فمقتضي التشريع الأولي استحباب الغسل لها حينئذ لا بمجرد طلوع الفجر.

و من هنا يقرب حمل اجتماع الحقوق فيه علي ما يعم ذلك، و يكون المراد بالإجزاء ما يعم ارتفاع موضوع الخطاب بالغسل في وقته، لتحقق أثره.

و هو المناسب لما هو المرتكز من أن تشريع الغسل لأجل أثره، و هو الطهارة، فمع فرض حصولها قبل تحقق موضوع الخطاب به لا مجال لتشريعه، نظير إجزاء الغسل و الوضوء الرافعين للحدث للغايات الكثيرة المتعاقبة. غايته أن المستفاد من هذه النصوص و نصوص التحديد باليوم و الليل أن المرتبة الزائدة علي رفع الحدث من الطهارة لا تستمر أكثر من ذلك، و يكون ذلك أمدا للتداخل.

نعم، أسباب الغسل الواجب و المستحب يراد بها.

تارة: ما هو من سنخ الناقض للمرتبة الواجبة و المستحبة من الطهارة، كالجنابة و الحيض و التفريط في صلاة الكسوفين مع احتراق القرص كله، و مس الميت بعد التغسيل.

و اخري: ما هو السبب في مطلوبية مرتبة خاصة من الطهارة كالصلاة و الإحرام و يوم الجمعة و غيرها.

ص: 604

و منها مباشرة المتوضي للغسل و المسح

و منها: مباشرة المتوضي للغسل و المسح (1).

______________________________

و استمرار التداخل إنما هو في الثاني، و عليه يحمل الحق و اللزوم في الصحيح و المرسل.

أما الأول، ففرض النقض فيه مانع من فرض التداخل، بل هو كما ينقض الغسل المختص ينقض الغسل الذي يكون به التداخل، فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(1) كما في المبسوط و النهاية و الشرائع و القواعد و المنتهي و غيرها، بل ظاهر غير واحد المفروغية عنه، و في الانتصار أنه مما تفردت به الإمامية، و في المعتبر أنه مذهب الأصحاب، و في المنتهي أنه مذهب علمائنا، و في جواهر القاضي و محكي نهاية الإحكام و الذكري و المقاصد العلية أن عليه الإجماع. و في الروض أنه إجماع ممن عدا ابن الجنيد.

و أما ما عن ابن الجنيد من استحبابه، فلو أراد منه ظاهره أشكل قدحه في تحقق الإجماع الحجة في المقام مع تسالم الأصحاب علي خلافه، لعدم خفاء الحكم في مثل ذلك عادة مما يكثر الابتلاء به، و تكشف السيرة فيه عن صدق نقل الإجماع.

اللهم إلا أن يقال: لما كان تولي الغير للوضوء محتاجا إلي عناية في نفسه و كان بنفسه مرجوحا شرعا فسيرة المتشرعة علي تركه لا تكشف عن وضوح قدحه عند الطائفة الحقة في قبال العامة كي يوثق بنقل الإجماع في الانتصار بسببها، و لا سيما مع عدم تصريح أهل الفتوي به قبل السيد المرتضي، كالصدوق في الهداية و المقنع و المفيد في المقنعة، و إنما أودع أهل الحديث النصوص الناهية عن الاستعانة في الوضوء المحمولة عندهم علي الكراهة.

و أما تسالم الأصحاب علي ذلك من بعد الشيخ و نقلهم الإجماع، فلعله مبتن علي فهمهم ذلك من ظاهر الأدلة و تخيلهم وضوح الحكم عند الطائفة بسببها

ص: 605

______________________________

و بسبب السيرة، و لا سيما مع ذهاب السيد و الشيخ له و تصريح الأول بالإجماع، مع إهمالهم لخلاف ابن الجنيد، كما جروا عليه في كثير من الموارد.

و من هنا يشكل الاعتماد علي الإجماع، و إن كان مضمونه قريبا جدا، بل يلزم النظر في غيره.

و قد جري غير واحد علي الاستدلال بظاهر الخطابات السمعية في الكتاب المجيد و السنة الشريفة المتضمنة لإسناد الوضوء و أفعاله من الغسل و المسح للمكلف، لظهور نسبة الفعل للفاعل في مباشرته له. و لا أقل من فرض إجمال الأدلة من هذه الجهة، فيكون المرجع قاعدة الاشتغال التي عليها المعول في الوضوء و نحوه من الطهارات، كما سبق مرارا.

لكن قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «اللهم إلا أن يقال: ظاهر الخطابات اعتبار صحة النسبة إلي المخاطب، فما دل علي مشروعية النيابة من بناء العقلاء يكون حاكما عليه».

و فيه: أن ظاهر النسبة المباشرة، و الاكتفاء بالتسبيب مبني علي نحو من التوسع فيها، فلا مجال للبناء عليه إلا بقرينة. و لذا يندفع احتمال التوسع المذكور بالتأكيد في مثل قولنا: فعل زيد نفسه كذا، مع أن التأكيد رافع لاحتمال المجاز لا مقيد لإطلاق الكلام.

و بناء العقلاء علي مشروعية النيابة، راجع إلي اكتفائهم بالتسبيب و عدم اعتبارهم المباشرة، و هو يختص بالأمور التي يدرك العرف و العقلاء كيفية تسبيبها لمسبباتها، كالعقود و الإيقاعات، دون الأمور التعبدية التي يخفي عليهم المقصود منها، حيث يلزم الجمود فيها علي ظواهر أدلتها.

نعم، يدرك العرف قابلية العبادات و نحوها من العلاقات العاطفية بين الرؤساء و المرؤوسين و المتحابين- كالسلام و العبادة و نحوهما- للنيابة، إلا أنهم يدركون أن قيام النائب بها لا يؤدي تمام الأثر الحاصل بفعل الأصيل، بل مرتبة منه لا غير، و ليس هو كفعل النائب في العقود و الإيقاعات حيث لا فرق بينه و بين فعل

ص: 606

______________________________

الأصيل في ترتب الأثر المقصود بنظرهم، فلا بد في تشريع النيابة فيها من إحراز مطلوبية تلك المرتبة مطلقا أو عند تعذر المرتبة التامة، و لا مجال لذلك في المقام بعد ظهور الأدلة في المباشرة، و لا سيما مع كون عبادية الوضوء- كأثره- غير عرفية.

علي أن المقام أجنبي عن باب النيابة، لابتناء النيابة علي قيام فعل النائب مقام فعل المنوب عنه و الاكتفاء بامتثاله عن امتثاله، و هو إنما يتم في مثل صلاة النائب عن المنوب عنه. لا في مثل المقام مما فرض فيه قيام الفعل بالمكلف نفسه، و ليس من الغير إلا إحداثه فيه، نظير الحلق في الحج، و لذا تكون النية- في فرض مشروعيته- من الأصيل، فالإجزاء في المقام يبتني علي سعة المأمور به بنحو ينطبق علي فعل الغير، و هو- كما ذكرنا- خلاف ظاهر الأدلة.

بل الإنصاف أن سير النصوص الواردة في الوضوء علي كثرتها يشرف بالفقيه علي القطع باعتبار المباشرة، لعدم مناسبتها للعموم لفعل الغير جدا. بل قد يظهر من بعضها المفروغية عن ذلك، مثل ما تضمن تعليل استحباب الوضوء باليمين بأنه صلّي اللّه عليه و آله تناول الماء بيمينه «1»، و ما تضمن استحباب التسمية و الدعاء للمتوضئ عند وضع يده في الماء «2».

نعم، لا مجال للاستدلال بالوضوءات البيانية- و إن تضمنته كلماتهم- لما تكرر في المباحث السابقة من عدم نهوضها بإثبات الوجوب.

ثمَّ إن الأصحاب و إن عبروا بعدم الجواز، الظاهر بدوا في الحرمة التكليفية، إلا أن الظاهر إرادتهم الوضعية الراجعة لبطلان العمل، لأنه المنصرف في أمثال المقام مما كان الغرض المهم فيه ذلك، و لأنها مقتضي دليلهم المتقدم.

نعم، قد يستدل علي الحرمة التكليفية المستتبعة للوضعية في أمثال المقام من العبادات بما تضمن نهي الغير عن صب الماء للوضوء، معللا بقوله تعالي:

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 2، 10.

ص: 607

______________________________

فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «1»، و لا سيما مع ما في خبر الوشاء من قول الرضا عليه السّلام في ردعه عن صب الماء علي يديه طلبا للأجر: «تؤجر أنت و أؤزر أنا» «2»، بعد حمله علي الصب الذي يتحقق به الغسل الوضوئي لا الصب في الكف و نحوه مما يكون مقدمة للوضوء، فلا يحرم إجماعا.

و فيه: أن الآية الشريفة ظاهرة في نفسها و بسياقها في الإشراك في المعبودية، و هي مفسرة في خبري أبي الجارود «3» و جراح المدائني «4» و غيرهما بالرياء الذي هو نحو من الشرك في الداعوية، لا في العبودية، و علي كليهما يتعين إبقاؤها علي ظهورها في التحريم التكليفي.

أما في هذه النصوص، فقد طبقت علي الاستعانة بالغير في تحقيق العبادة، و لا إشكال في عدم عموم حرمة ذلك، بل يشرع في بعض الموارد اختيارا، كما في الحلق للحج، أو اضطرارا، كما في المقام مع إباء الآية عن التخصيص، بل لا إشكال في جواز الاشتراك في تعظيم شعائر الدين و كثير من أفعال البر و الخير و القربات، بنحو لا يناسب عموم المنع، غايته أنه يوجب نقصان الأجر عما لو استقل الإنسان في العبادة.

فلا بد من حمل الآية علي الإرشاد لذلك، كما يناسبه قوله عليه السّلام: «تؤجر أنت و أوزر أنا»، حيث يؤجر المعين للإعانة علي الخير، و ينقص أجر المعان لعدم استقلاله فيه، و لو كان مأزورا حقيقة لم يؤجر المعين، و يناسبه أيضا التعبير في ذيله بالكراهة، حيث قال عليه السّلام: «و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة، و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد»، فإن كراهته عليه السّلام الشي ء لنفسه كالظاهر في عدم حرمته.

______________________________

(1) سورة الكهف: 110.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 13.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6.

ص: 608

______________________________

كما أنه المناسب لما في موثق السكوني: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: خصلتان لا أحب أن يشاركني فيها أحد: وضوئي، فإنه من صلاتي، و صدقتي، فإنها من يدي إلي يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمن» «1»، لمناسبة التعليل الثاني فيه للكمال الموجب لمزيد الثواب.

مع أن النصوص قد تضمنت تطبيق الإشراك في العبادة بلحاظ عبادية الصلاة، لا عبادية نفس الوضوء، مع وضوح أن الاستعانة فيه كالاستعانة في سائر مقدمات الصلاة لا ينافي الاستقلال المعتبر فيها، كما نبه له غير واحد.

فلا بد من حمل النهي علي الكراهة، كما جري عليه الأصحاب بعد أن حملوها علي الصب في الكف و نحوه مما لا يتحقق به الغسل الوضوئي، بل يكون مقدمة له.

بل لعله هو المنصرف منها في نفسه، لأنه المتعارف، بخلاف ما نحن فيه، حيث يبعد الحمل عليه، خصوصا في خبر الوشاء الوارد في قضية خارجية.

علي أن حملها علي ما نحن فيه محافظة علي ظهورها في التحريم ليس بأولي من حملها علي الكراهة لأجل عموم الصب أو انصرافه لخصوص ما يكون مقدمة للوضوء، فلاحظ.

هذا، و قد يستدل لعدم اعتبار المباشرة بما رواه الكشي مسندا من حديث قنبر حين سأله الحجاج عما كان يليه من أمير المؤمنين عليه السّلام، حيث قال: «كنت أوضيه.» «2» و ما عن أمالي الصدوق بسنده عن عبد الرزاق. قال: «جعلت جارية لعلي بن الحسين عليه السّلام تسكب عليه و هو يتوضأ للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية.» «3»، و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الرجل لا يكون علي وضوء، فيصيبه المطر حتي يبتل رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه هل

______________________________

(1) الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(2) رجال الكشي ص: 70 طبع النجف الأشرف.

(3) مستدرك الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 609

______________________________

يجزيه ذلك من الوضوء؟ قال: إن غسله فإن ذلك يجزيه» «1». و بما يأتي مما تضمن تغسيل المريض، و أن المجدور و الكسير يؤممان، لعدم استلزام المرض و الكسر للعجز عن المباشرة، و يتم الاستدلال بذلك في المقام بضميمة إلغاء خصوصية الغسل و التيمم عرفا، أو عدم الفصل.

لكن الخبرين- مع ضعف سندهما- لا مجال لحملهما علي ما نحن فيه، لظهور الأول في تكرر ذلك منه، و لا مجال لاحتمال تعوده عليه السّلام علي التولية في الوضوء، إذ لا أقل من مرجوحيتها. و ظهور الثاني في توليه عليه السّلام للوضوء لاستناده إليه، فلا بد من حمل التوضئة في الأول و سكب الماء في الثاني علي ما لا ينافي المباشرة في نفس الأفعال الوضوئية، بإرادة المقدمات.

و أما الصحيح، فهو ظاهر في كون الوضوء توصليا يكفي فيه إصابة الماء من دون فعل اختياري و لا قصد، لظهوره في السؤال عن الإجزاء في فرض إصابة المطر و لو لا عن قصد، و هو معلوم البطلان، إذ غاية ما يمكن هو الاجتزاء بتولية الغير للوضوء بحيث يستند للمكلف و لو بالتسبيب، أو بحيث يستقل الغير به بنحو النيابة، و لا ينهض الصحيح بذلك.

فلا بد إما من تنزيله علي صورة تعريض المكلف نفسه للمطر، أو دلكه لمواضع الوضوء بعد وقوع المطر عليها، كي يستند الغسل له، فلا ينافي اعتبار المباشرة، كما سيأتي، أو طرحه، لمنافاة ظاهره لعبادية الوضوء، و لما دل علي وجوب الترتيب في نفس الأعضاء، و بينها، و عدم إجزاء الغسل عن المسح في الرأس و الرجلين.

و لعل الثاني أولي، لصعوبة تنزيله علي ما لا ينافي جميع ذلك، كما تقدم في المسألة الثامنة عشرة.

و أما ما ورد في تغسيل المريض، فهو وارد في قضية خاصة لا إطلاق لها. كما أن ما ورد في المجدور و الكسير منصرف لصورة العجز، لمناسبتهما لذلك، و لا أقل من كونه مقتضي الجمع عرفا بينه و بين ما ظاهره وجوب المباشرة عليهما، فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 610

فلو وضأه غيره علي نحو لا يستند إليه الفعل (1) بطل،

______________________________

(1) يعني: استقلالا، إما لعدم استناده إليه أصلا، لعدم صدور فعل منه يستند إليه الغسل أو المسح، أو لاستناده له و لغيره بنحو الاشتراك، لأن ما تقدم كما يقتضي المباشرة يقتضي الاستقلال.

فرعان.

الأول: يكفي في تحقق المباشرة فعل ما تترتب عليه الأفعال الوضوئية بواسطة توليدية بنحو لا يتوسط فعل الغير في ترتبها، كبروز الإنسان تحت المطر أو الميزاب الجاري، الموجب لجريان الماء علي بدنه بتوسط تدافعه، حيث لا يخل توسط ذلك في نسبة الفعل إليه، بل هو نظير صب الماء علي أعلي العضو الموجب لانغسال أسفله بجريانه إليه بتأثير الجاذبية.

أما لو استند لفعل غير القاصد للغسل و المسح، كما لو صب شخص الماء من مكان عال فعرض المتوضي العضو له فانغسل، فقد مال في العروة الوثقي إلي عدم إخلاله بالمباشرة المعتبرة، و أمضاه غير واحد من محشيها.

و وجهه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن القصد من أحدهما دون الآخر يوجب نسبة الفعل للقاصد، كما يظهر من كلامهم في حكمهم بضمان المسبب القاصد دون المباشر الغافل.

لكن الظاهر أن المعيار في نسبة الفعل للشخص استناد آخر مقدمة له، بحيث لا يتوسط بين فعله و المسبب فعل لآخر، فإذا أمال زيد الإبريق و لم يحرك يده و استمر جريان الماء، فوضع عمرو يده تحت الماء انتسب غسل اليد لعمرو، و إذا كشف عمرو يده و لم يحركها، فأمال زيد الإبريق، فأصابها الماء، انتسب غسلها لزيد، و إن أمال زيد الإبريق أو حركة حين جريان الماء و حرك عمرو يده انتسب غسل اليد لهما معا، و لا دخل لقصد كل منهما ترتب غسل اليد علي فعله، لعدم

ص: 611

إلا مع الاضطرار، فيوضؤه غيره (1)،

______________________________

توقف النسبة علي قصد عنوان الفعل، و لذا ينسب في فرض الخطأ فيه، كما في القتل الخطائي، و ينسب لهما الفعل في الفرض لو فرض عدم القصد منهما معا.

و أما ضمان المسبب القاصد دون المباشر الغافل، فهو- لو تمَّ- يبتني علي أمر آخر مختص بالضمان، لا دخل فيه لانتساب الفعل الذي هو المهم في المقام.

الثاني: لا تقدح الاستعانة حتي في المقدمات القريبة إذا استند الفعل الوضوئي للمكلف. و منها ما لو صب الغير الماء علي العضو، مع نية المكلف الوضوء بدلكه بعد ذلك، إذ تحقق مسمي الغسل الواجب بالدلك، كما مال إليه في المستند، و استظهره في العروة الوثقي، و وافقه غير واحد من شراحها و محشيها.

خلافا لما في كشف اللثام «1»، و مفتاح الكرامة من عده من التولية القادحة، و هو مقتضي إطلاق ما في جامع المقاصد و الروض من أن صبّ الماء علي العضو من التولية.

و كأنه لتحقق الغسل بنفس الصب.

لكن تحققه به لا ينافي تحققه بالدلك أيضا، و مقتضي الدليل المتقدم وجوب تحقق مسمي الغسل من المكلف، لا مانعية تحققه من غيره أيضا.

نعم، لو لم يستقل الدلك بتحقيق المسمي اتجه المنع.

(1) كما صرح به غير واحد بنحو يظهر منه المفروغية عنه، و في المعتبر: أن عليه اتفاق الفقهاء، و في المنتهي أنه إجماع.

و ما في الروض من الاستدلال له بأن المجاز يصار إليه عند تعذر الحقيقة.

كما تري! لأن الخطاب بالوضوء كما هو ظاهر في المباشرة ظاهر في العموم للعاجز عنها، و حيث يمتنع الجمع بين الأمرين فإن رفعت اليد عن قيد المباشرة لم

______________________________

(1) في المطبوع منه هكذا: «(و يحرم التولية) و هل هي التوضئة بصب الغير الماء علي أعضاء الوضوء كلا أو بعضا و إن تولي هو الدلك (اختيارا) لأنه.» و الظاهر زيادة «هل». منه عفي عنه.

ص: 612

______________________________

تجب حتي علي القادر، و إن رفعت عن العموم لم ينهض الخطاب بإثبات وجوب الوضوء الفاقد لها علي العاجز.

و التفكيك في العموم بين وجوب أصل الوضوء و وجوب المباشرة، موقوف علي تعدد الخطاب بهما، و لا يتجه مع وحدته و ظهوره في كون المباشرة قيدا في الوضوء الواجب.

نعم، لو ورد الخطاب بالوضوء للعاجز عن المباشرة بالخصوص، لزم حمله علي الفاقد لها، لتعذر الحقيقة.

و مثله الاستدلال في المعتبر بأنه توصل إلي الطهارة بالقدر الممكن.

لاندفاعه بأن مقتضي الجمع بين إطلاق الخطاب بالوضوء الظاهر في المباشرة، و إطلاق الخطاب بالتيمم للعاجز عن الوضوء، هو حصول الطهارة بالتيمم، لا بالوضوء الفاقد للمباشرة.

إلا أن يرجع إلي المفروغية عن ابتناء التقييد بالمباشرة علي الميسور، كما هو ظاهر المنتهي، حيث استدل بلزوم المشقة من التكليف بالقيد المذكور.

و كأن ذلك هو الوجه في مفروغية الأصحاب عن الحكم.

و يشهد بذلك ما ورد في الغسل، كصحيح سليمان بن خالد و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيه: «قال: و ذكر أنه كان وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة و هو في مكان بارد، و كانت ليلة شديدة الريح باردة، فدعوت الغلمة، فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنا نخاف عليك، فقلت لهم: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني علي خشبات، ثمَّ صبوا عليّ الماء فغسلوني» «1».

و ظهوره في وجوب الغسل و إن لزم الضرر، مع أن الظاهر مشروعية التيمم، و في احتلام الإمام عليه السّلام و هو منزه عنه، كما قيل، لأنه من عبث الشيطان، لو تمَّ لا يسقطه عن الحجية فيما نحن فيه، إذ لا بأس بالتفكيك بين مضامين الحديث في الحجية.

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 3.

ص: 613

و لكن هو الذي يتولي النية (1).

______________________________

و كذا ما ورد في الميت الجنب، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:

«يغسل غسلا واحدا يجزئ ذلك للجنابة و لغسل الميت، لأنهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة» «1»، لظهوره في تحقق وظيفة الجنابة للميت بتغسيله.

و هو و إن كان مبنيا علي تكليف المغسل، لا علي سقوط قيد المباشرة عن المكلف، كما في المقام، إلا أنه يدل علي عدم كون مباشرة المحدث قيدا في سببية الغسل للطهارة من حدث الجنابة مطلقا، بنحو يستلزم تعذره تعذرها.

و نظير المقام أيضا ما ورد في التيمم، كمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يؤمم المجدور و الكسير» «2»، و قريب منه مرسل الصدوق «3».

و يكون التعدي من الغسل و التيمم للوضوء بإلغاء خصوصيتهما عرفا، لاتحادها سنخا، و لا سيما بعد الأمر بالثلاثة في الآية الشريفة في مساق واحد، أو بعدم الفصل.

(1) كما في المعتبر و المنتهي و القواعد، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، و عن الذكري أنه لا تجزئ نية المباشرة قطعا.

لما في كلام غير واحد من أن العاجز هو المكلف بالوضوء و المخاطب به، فيكون هو المتقرب به، غايته أنه لم يكلف بفعل نفسه، بل بما يعم فعل غيره و لو بتسبيبه إليه، و لا دليل علي مشروعية النيابة، لتجزئ نية المباشر، كما في ذبح الهدي.

إن قلت: تقدم في مسألة تخلف بعض القصود في مقام الامتثال أن عبادية الوضوء ليست من قبل أمره، بل لأخذها قيدا في سببية الأفعال للطهارة، فمجرد

______________________________

(1) الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 12.

ص: 614

______________________________

تكليف العاجز بالوضوء لا يستلزم اعتبار تقربه، بل لا بد من الرجوع لأدلة سببية الأفعال، و حيث يعلم بتقييد إطلاقاتها بالنية فمع ترددها بين نية المكلف و نية المباشر يتعين الجمع بينهما، لعدم إحراز الطهارة بدونه.

قلت: التقرب بأفعال الوضوء المعتبر في سببيتها للطهارة إنما هو بلحاظ مقربية الطهارة بنفسها أو لمقدميتها لما هو المقرب، و من الظاهر أن المتقرب بالطهارة ليس إلا المتطهر نفسه، لا المباشر.

نعم، لو كلف المباشر بإحداث الطهارة أمكن تقربه به لنفسه، كما في تغسيله للميت.

لكن من المعلوم عدم كون المباشر في المقام كذلك، و أن اعتبار نيته لو تمَّ يرجع إلي نيابته عن العاجز في امتثاله، فينوي امتثال العاجز، لا امتثال نفسه، و لا دليل علي مشروعية النيابة في المقام، فضلا عن وجوبها، بل المتيقن من دليل عبادية الوضوء لزوم تقرب المتطهر نفسه بفعل المباشر، بلحاظ تقربه بأثره- و هو الطهارة- لتسبيبه له و لو بتهيئة نفسه و تقبله لتوضئة الغير له.

هذا، و لكن عن السيد الصدر أنه لا معني لقصد شخص فعل غيره.

و لعله إليه يرجع ما في المدارك من لزوم نية المباشر، لأنه الفاعل للوضوء حقيقة.

و فيه: أنه ليس المدعي قصده أن يفعل غيره، بل أن يتقرب بفعل غيره، و لا محذور فيه بعد فرض عموم ما كلف به لفعل الغير، و لذا يجب عليه تسبيبه إليه.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن ذلك إنما يتم لو كلف العاجز بحيثية الصدور، حيث يجب حينئذ النيابة فيها، فينوي المباشر امتثال أمره، و لا تكفي نية العاجز.

فهو لا يرجع إلي محصل ظاهر، إذ لا معني لتكليف العاجز بحيثية الصدور منه، و تكليفه بحيثية الصدور و لو من غيره لا يقتضي إلا تسبيبه لذلك و تقربه بما كلف به بعد فرض عبادية الوضوء، لا نيابة المباشر عنه في الامتثال.

ص: 615

و الأحوط أن ينوي الموضئ أيضا (1).

______________________________

نعم، لو كان مرجع العبادية إلي لزوم تقرب من يصدر منه الفعل، لزم تقرب المباشر رأسا- لو فرض محبوبية الفعل منه- كما يتقرب في تغسيل الميت، لا نيابته عن العاجز في امتثاله، و قد عرفت أنه لا مجال لذلك في المقام.

ثمَّ إنه قد استدل أيضا علي وجوب نية العاجز.

تارة: بأنه قادر علي النية، فلا مجال لاجتزائه بنية الغير.

و اخري: بأن الوضوء منسوب له، فيكون هو الناوي له، و ليس هو كالذبح في الإحرام منسوب للمباشر.

و ثالثة: بما في الجواهر من أن الوضوء وضوء العاجز، و المباشر إنما ينوب عنه في مقدماته.

و يشكل: الأول: بأنه لو فرض اعتبار نية من يصدر عنه الوضوء فالعاجز عن الوضوء عاجز عنها، و لو فرض اعتبار نية المتطهر تكون نية المباشر مباينة للشرط، فتأمل.

و الثاني: بأن الواقع في المقام هو التوضئة، و التقرب بها، و هي منسوبة للمباشر.

و الثالث: بأن الوضوء بالمعني الاسم المصدري ليس فعلا صالحا للتقرب، بل التقرب إنما يكون بالفعل الذي هو مفاد المصدر، و هو في المقام أعم من وضوء المحدث و توضئة المباشر له، و ليس فعل المباشر مقدمة لما هو المقرب.

إلا أن يرجع إلي ما ذكرنا من أن التقرب بالوضوء إنما هو بلحاظ مطلوبية الطهارة المسببة عنه، فلا يتقرب به إلا من تطلب الطهارة في حقه، دون المباشر، فالعمدة في المقام ما تقدم.

و منه يظهر أنه لا يعتبر تمييز المباشر، فضلا عن بلوغه، كما لا يعتبر إيمانه، لأنه كالآلة للعاجز الذي هو الناوي و الممتثل.

(1) خروجا عن شبهة الخلاف المتقدم.

ص: 616

______________________________

هذا، و في جامع المقاصد و الروض أنه يحسن ضم نية المباشر للعاجز، و نحوه عن الذكري قال: «لأنه الفاعل حقيقة، كذبح الهدي، و قد نص جماهير الأصحاب علي جواز تولي الذابح النية».

و يظهر ضعفه ما تقدم.

و الاجتزاء بنية الذابح ترجع إلي نيابته، و لو شرعت في المقام لأجزأت نيته و لم يحتج لنية العاجز، و قد تقدم عنه القطع بعدم إجزائها.

فروع.

الأول: يجب المسح ببقية البلل بيد العاجز، و لا يجوز المسح بيد المباشر، لعموم أدلته المتقدمة.

نعم، مع التعذر يجوز المسح بيد المباشر بعد أخذ البلة من يد العاجز لو أمكن، و بدونه مع التعذر، لقصور أدلة وجوب المسح ببلة الوضوء عن صورة تعذر المسح بها، كما تقدم في المسألة السادسة و العشرين.

و أما الغسل، فلا يجب أن يكون بيد العاجز، لعدم تقييد الغسل بها مع القدرة علي المباشرة، فضلا عن تعذرها.

الثاني: لو أمكنت المباشرة في بعض الأعضاء وجبت و إن كانت في بعض عضو، لخروجه عن المتيقن من دليل جواز التولية مع التعذر.

و ما في المستند من الفرق بين القدرة عليها في تمام العضو و بعضه، فتجب في الأول، للأمر بغسله، دون الثاني.

كما تري، لأن الأمر بالمباشرة كما هو ظاهر في الارتباطية في العضو الواحد ظاهر في الارتباطية بين الأعضاء، فمع التبعيض يخرج عن مقتضي الإطلاق في الموردين، و إنما تجب المباشرة في البعض مع القدرة للجمع العرفي بين إطلاق وجوب المباشرة و جواز التولية بحمل الإطلاق علي القدرة و لو في البعض بنحو الانحلال، لارتكاز ابتناء التولية علي الضرورة- التي تقدر بقدرها- أو للأصل، لعدم

ص: 617

______________________________

إحراز الطهارة مع التولية في الجميع حينئذ، لخروجه عن المتيقن من دليلها، و لا يفرق في ذلك بين القدرة علي تمام العضو و بعضه.

و منه يظهر الحال فيما لو عجز المكلف عن الاستقلال و تمكن من المباشرة مع الاستعانة بالغير، بحيث يسند الفعل إليهما بنحو الاشتراك، فإنه و إن خرج عن إطلاق دليل وجوب المباشرة، لما تقدم من أنه كما يقتضي المباشرة يقتضي الاستقلال، إلا أن خروجه عن المتيقن من جواز التولية المبنية علي استقلال الغير يقتضي الاقتصار علي الاشتراك، لعدم إحراز الطهارة بدونه. خلافا لما في المستند من عدم وجوبه.

الثالث: لا بأس بتعدد المباشر، كما في المستند، إذ ليس مبني الاستعانة به علي الاستنابة، ليدعي أن موضوع النيابة لما كان هو الامتثال لزم تحققه بعمل النائب، و مع التعدد لا يكون عمل كل منهم محققا له، و قيام النيابة في الامتثال الواحد بالمجموع غير ثابت و لا معهود، فتأمل.

بل هي مبنية علي تكليف العاجز بما يعم عمل الغير، كما تقدم، فلا مانع من عمومه لعمل التعدد، و لذا شرعت المباشرة في البعض، كما تقدم. و قد يشهد بذلك ما تقدم في صحيح سليمان بن خالد.

الرابع: لو شك العاجز في تمامية عمل المباشر، فهل تجري في حقه أصالة الصحة فيه، كما تجري في سائر موارد الشك في عمل الغير، أو لا بد له من إحرازها بالعلم و نحوه؟ صرح بالمستند و مصباح الفقيه بالثاني.

و كأنه لاختصاص قاعدة الصحة في عمل الغير بما إذا كان هو المتولي للعمل، بحيث يكون موكولا إليه، و لا تعم مثل المقام مما يبتني علي محض الاستعانة، من دون نيابة.

و لا يخلو عن إشكال، فإنه و إن لم يكن متوليا للامتثال، إلا أنه متول للغسل و المسح، نظير ما لو أوكل إليه غسل الثوب لتطهيره من الخبث.

و منه يظهر الحال في قبول قوله في صحته، فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي ولي العصمة و السداد.

ص: 618

و منها الموالاة
اشارة

و منها: الموالاة (1)، و هي التتابع في الغسل و المسح بنحو لا يلزم جفاف (2)

______________________________

(1) فقد صرح الأصحاب (رضي اللّه عنهم) بوجوبها في الوضوء، و ادعي الإجماع عليه في ظاهر الناصريات و صريح الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهي و كشف اللثام و المدارك، و محكي التذكرة و الذكري و شرح الإرشاد للفخر و غيرها، و نفي الخلاف فيه في الروض.

و لا ينبغي التأمل فيه، بعد النظر في كلماتهم و كيفية تحريرهم للمسألة، و يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنها.

و كأن ما في الحدائق من أن الظاهر عدم الخلاف فيه مبني علي محض التورع عن الجزم في النقل. و إلا فلم يشر هو و لا غيره إلي ما يوهم الخلاف فيه من أحد من الأصحاب.

هذا، و الظاهر اتفاق الكل علي إرادة الوجوب الشرطي، و إن كانت بعض كلماتهم قد تشعر بإرادة الوجوب التكليفي أيضا، بلحاظ بعض معاني الموالاة، علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي. قال في الجواهر: «الموالاة واجبة في الجملة وجوبا شرطيا إجماعا محصلا و منقولا».

(2) اختلفت كلمات الأصحاب (رضي اللّه عنهم) في تحديد الموالاة الواجبة، كاختلافهم في أن وجوبها راجع إلي شرطيتها فقط، أو إلي الإثم بالإخلال بها أيضا بلحاظ بعض مراتبها.

و لا يخلو كلام بعضهم عن إجمال و إيهام.

و المتيقن من كلام الكل هو اعتبار عدم الفصل بين أجزاء الوضوء بالنحو الموجب للجفاف- علي كلام في تفصيله يأتي التعرض له إن شاء اللّه تعالي- فيبطل الوضوء مع الإخلال بالنحو المذكور، و في الجواهر: أن عليه الإجماع محصلا و منقولا علي لسان جملة من الأساطين من المتقدمين و المتأخرين.

ص: 619

______________________________

و يستدل له- مضافا إلي أنه المتيقن مما تضمن الأمر بالاتباع في الوضوء و إعادته بمخالفة الترتيب، علي ما يأتي التعرض له في أدلة وجوب المتابعة- بموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا توضأت بعض وضوئك و عرضت لك حاجة حتي يبس وضوؤك فأعد وضوءك، فإن الوضوء لا يبعّض» «1»، و صحيح معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ربما توضأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي. فقال: أعد» «2»، فإن المتيقن منهما قدح الفصل الموجب للجفاف.

نعم، يعارضهما في ذلك صحيح حريز المروي في التهذيب و الاستبصار مضمرا، و عن مدينة العلم للصدوق مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الوضوء يجف، قال: قلت: فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه. قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي. قلت: و كذلك غسل الجنابة. قال: هو بتلك المنزلة، و ابدأ بالرأس ثمَّ أفض علي سائر جسدك، قلت: و إن كان بعض يوم؟ قال: نعم» «3».

فإن إطلاق صدره شامل لما لو كان الجفاف مسببا عن الفصل، و لا سيما بضميمة الذيل المتضمن لجواز الفصل الطويل في غسل الجنابة بعد التصريح بأنه بمنزلة الوضوء.

بل ظاهر السؤال فيه عن مقدار الفصل فهم جواز أصل الفصل من الصدر، فيكشف عن كون المراد بالجفاف في الصدر هو الجفاف المسبب عن الفصل الذي هو محل الكلام، لا الجفاف من حيث هو ليدل علي محل الكلام بالعموم أو الإطلاق.

و من هنا يشكل الجمع بينه و بين الموثق و الصحيح بحمله علي الجفاف مع عدم الفصل- كما ذكره الشيخ قدّس سرّه و قد يظهر من الصدوقين قدّس سرّهما [4]- و حمل ما

______________________________

[4] قال في الفقيه: «قال أبي رضي اللّه عنه في رسالته إلي: إن فرغت من بعض وضوئك و انقطع بك الماء من قبل أن تتمه فأتيت بالماء فتم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا، و إن كان قد جف فأعد وضوءك. و إن جف بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فاغسل ما بقي جف وضوؤك أو لم يجف». و قريب مما في الرسالة في المقنع. (منه عفي عنه).

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 4.

ص: 620

______________________________

تضمنه من تنزيل غسل الجنابة منزلته علي اشتراكهما في عدم قادحية الجفاف مع اختصاص غسل الجنابة بعدم قادحية الفصل.

نعم، لا إشكال في أن دلالتهما علي إرادة الجفاف المسبب عن الفصل أقوي من دلالته علي إرادته.

لكن في كفاية ذلك في الجمع العرفي إشكالا، بل منعا.

و مثله الجمع بحملهما علي الاستحباب، لإباء موثق أبي بصير عنه جدا، بملاحظة التعليل فيه، لقوة ظهوره في عدم قابلية الوضوء للتبعيض.

علي أنه لا مجال لذلك بعد ظهور إعراض الأصحاب عن مضمون صحيح حريز، المسقط له عن الحجية فيه.

و دعوي: ابتنائه علي تخيل استحكام التعارض و الغفلة عن الجمع المذكور، فلو فرض إمكانه لم يصلح إعراضهم لإسقاط الصحيح عن الحجية.

مدفوعة: بأن إطباقهم علي وجوب الموالاة مع عموم الابتلاء به كاشف عن وضوح الحكم متصلا بعصر المعصومين عليهم السّلام بنحو يمنع عن حجية الصحيح في خلافه.

بل إهمالهم للجمع المذكور كاشف عن عدم كونه عرفيا.

فلا بد من طرح الصحيح، أو تأويله، أو حمله علي التقية، لموافقة كثير من العامة، كما ذكره الشيخ قدس سره.

ثمَّ إنه لا يبعد أن يكون الاكتفاء بهذا المقدار في الموالاة هو المشهور بين الأصحاب، لأنه المتحصل من مجموع عباراتهم علي اختلاف خصوصياتها، لتعبير كثير منهم بعدم التأخير بين الأعضاء بما يؤدي إلي الجفاف، كما في المقنع و الفقيه- حاكيا عن رسالة والده- و الناصريات و المراسم و الغنية و الوسيلة و عن المصباح و الجمل و العقود و السرائر و الكامل و الكيدري و غيرها علي اختلاف عباراتها.

نعم، اقتصر بعضهم علي عدم الجفاف، كما في إشارة السبق و الشرائع و اللمعتين و جامع المقاصد و عن جماعة كثيرة، بل في جامع المقاصد و الروض

ص: 621

______________________________

نسبته للأكثر، و عن الروضة أنه الأشهر، و عن غيرها أنه المشهور.

و مقتضي الجمود عليه مبطليته الجفاف و لو مع المتابعة، لحرارة الهواء و نحوها، فيخالف السابق.

إلا أن الظاهر بناؤهم علي عدم مبطليته، كما صرح به بعضهم و يشير إليه تقييد بعضهم ذلك بالهواء المعتدل، بل هو المصرح به في كلام غير واحد، و في محكي الذكري: «و تقييد الأصحاب بالهواء المعتدل، ليخرج طرف الإفراط في الحرارة»، حيث قد يظهر منه الاتفاق علي ذلك.

و احتمال أن العفو عنه عندهم للضرورة، لا للتوسع في الموالاة بعيد جدا، و إن ادعاه بعضهم، إذ لازمه الاقتصار فيه علي صورة عدم المندوحة لتعذر الوضوء في مكان آخر، و هو بعيد عن مساق كلامهم.

و من ثمَّ كان الظاهر رجوعه للقول السابق.

نعم، قد ينافيه ما عن الدروس و البيان من أنه لو والي و جف الوضوء بطل إلا مع إفراط الحر و شبهه، و ما عن الذكري من أن ما ذهب إليه الصدوقان من عدم قدح الجفاف إذا لم ينقطع الماء مخالف لظاهر الأخبار الكثيرة. و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

فلم يبق في المقام إلا قولان آخران مخالفان للمشهور ينبغي التعرض لهما هنا:

الأول: أن ما هو الشرط في الوضوء هو الموالاة بالمعني المتقدم، إلا أنه يجب فيه تكليفا المتابعة، فلو فرّط فيها اختيارا أثم.

الثاني: أن الموالاة بالمعني المتقدم شرط في حال الاضطرار، و أما مع الاختيار فالشرط هو الموالاة بمعني المتابعة و عدم الفصل بين الأعضاء، و لازمه أنه لو أخل بها اختيارا بطل الوضوء و لو مع عدم الجفاف.

و هذان القولان يتردد بينهما كلام جملة من الأصحاب ممن أوجب المتابعة أو فسر بها الموالاة، مطلقا أو في حال الاختيار، مع تصريحه بأنه لو فرق لانقطاع

ص: 622

______________________________

الماء أو لغيره و لم يجف الوضوء أتم وضوءه و لم يستأنف، كالمفيد في المقنعة، و الشيخ في النهاية و المبسوط و محكي الخلاف، و المحقق في المعتبر، و العلامة في القواعد و الإرشاد و المنتهي و محكي التذكرة، و حكي عن مصباح السيد و أحكام الراوندي و موضع من السرائر.

و مقتضي انصراف الأمر في مقام بيان الماهيات المركبة إلي الوجوب الشرطي إرادتهم القول الثاني، و هو المناسب لاستدلالهم- كما عن شرح المفاتيح- للانصراف المذكور في الأدلة أيضا.

لو لا ظهور كلام بعضهم و تصريح آخر بعدم بطلان الوضوء بالإخلال بالمتابعة اختيارا إلا مع الجفاف، حيث قد يلزم لأجل ذلك تنزيل كلامهم علي القول الأول.

قال الفخر في محكي شرح الإرشاد: «اتفق الكل علي أنه لو أخر العضو الأخير عن السابق مختارا زمانا يخرج به عن المتابعة اختيارا و لم يجف ما تقدم و غسله قبل الجفاف، فإنه يصح وضوؤه، فلا تظهر فائدة الخلاف في البطلان، و إنما تظهر في الإثم و عدمه، فإنه علي القول بالمتابعة يأثم بالتأخير اختيارا، و علي مراعاة الجفاف لا يأثم»، و نحوه ما عن المقداد في التنقيح، و قريب منه ما في جامع المقاصد، و من ثمَّ أنكر فيه القول الثاني.

لكن كلام المبسوط ظاهر في إرادة القول الثاني، لتصريحه بعدم الإجزاء، قال: «و الموالاة واجبة في الوضوء، و هي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار، فإن خالف لم يجزه. و إن انقطع عنه الماء انتظره، فإذا وصل إليه و كان ما غسله عليه نداوة بني عليه، و إن لم يبق فيه نداوة مع اعتدال الهواء أعاد الوضوء من أوله».

بل ظاهر المنتهي أن عدم البطلان مع الإخلال بالمتابعة لا ينافي كونها شرطا، لأنه فسر الموالاة بعد حكمه بشرطيتها في الوضوء بالمتابعة من دون فرق بين الاختيار و الاضطرار، ثمَّ ذكر أن وجوب الإعادة مشروط باليبس- كما تضمنه موثق أبي بصير- و قال: «و ذلك غير ما نحن فيه».

ص: 623

______________________________

و لو تمَّ ما ذكره لا يكون ذهابهم لعدم وجوب الاستئناف مع الإخلال بالمتابعة اختيارا منافيا لإرادتهم القول الثاني، الذي عرفت أنه مقتضي الانصراف للوجوب الشرطي في مقام بيان الماهيات.

و لا سيما مع بعد القول الأول في نفسه جدا، إذ لا إشكال ظاهرا في جواز قطع الوضوء بالإعراض عنه حتي يجف أو بالحدث، كما أشار إليه في الجواهر، فيلزم كون ترتب الإثم بترك المتابعة مراعي بالإتمام، و هو من الغرابة بمكان.

لكن ما تقدم من المنتهي من عدم التنافي بين شرطية المتابعة و عدم البطلان بالإحلال بها مما لم نتعقله.

و توجيهه بأن عدم البطلان بالإخلال بالمتابعة و عدم الجفاف مع شرطيتها إنما هو لأجل أن الفاقد لها بدل اضطراري كخصال الكفارة المرتبة، لا لأجل التوسع في الموالاة ليكون فردا اختياريا، موقوف علي الاقتصار في الاجتزاء علي صورة الإخلال بالمتابعة اضطرارا، و هو لا يناسب ما تقدم.

علي أنه قدّس سرّه صرح بترتب الإثم.

و من ثمَّ كان كلام هؤلاء في غاية الغموض و الإشكال، لو بني علي الجمود علي ظاهره في مخالفة المشهور.

و ربما أمكن تنزيل كلام بعضهم علي ما يطابق قول المشهور، بحمل المتابعة علي ما يساوق عدم الجفاف، و تكون شرطا من دون أن يترتب الإثم بتركها.

إلا أنه لا يتأتي في الكل، لتصريح بعضهم- كالمنتهي- بترتب الإثم بالإخلال بها، و لعدم مناسبته لتخصيص آخرين وجوب المتابعة بحال الاختيار.

و كيف كان، فقد استدل في كلماتهم لوجوب المتابعة.

تارة: بالأصل.

و اخري: بالوضوءات البيانية، للقطع بعدم ابتنائها علي الفصل المعتد به.

و ثالثة: بأن الأمر في المقام للفور، إما لأنه الأصل فيه، أو لاقترانه بالفاء

ص: 624

______________________________

المقتضية للتعقيب من دون تراخ.

و رابعة: بالنصوص المتضمنة للأمر بالمتابعة في الوضوء، و الآمرة بإعادته بدونها مما يأتي تفصيله.

لكن الأصل محكوم للإطلاقات.

و الوضوءات البيانية لا تنهض بإثبات الاستحباب، فضلا عن الوجوب، كما تقدم توضيحه في وجوب غسل الوجه من الأعلي، خصوصا في مثل الموالاة مما هو مقتضي الوضع الطبيعي، و لم ينبه له الراوي.

و لا ظهور للأمر في الفور، علي ما هو المشهور المنصور، خصوصا في مثل المقام مما ورد الأمر فيه إرشادا للمقدمية، لا للتكليف الناشئ عن محبوبية متعلقه.

و الفاء إنما تقتضي تعقيب الجزاء علي الشرط، و هو في المقام الأمر لا المأمور به.

بل لا إشكال في عدم فورية الأمر في المقام، لا في الوجه و لا في غيره من الأعضاء، و لذا لا تجب المبادرة لغسله، لا لنفسها، و لا لمقدميتها للمبادرة فيها، و إنما المدعي وجوب المبادرة لإكمال الوضوء بالشروع فيه، بل عدم جواز الفصل بين الأعضاء و لو مع التراخي فيها نفسها بالتأني في غسلها أو مسحها، و ما تقدم لا ينهض بإثباته.

و أما النصوص، فما يمكن الاستدلال به في المقام طائفتان.

الأولي: ما تضمن عنوان المتابعة، كصحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: تابع بين الوضوء كما قال اللّه عز و جل: ابدأ بالوجه ثمَّ باليدين.» «1» و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه، فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه، فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنما نسي شماله فليغسل الشمال، و لا يعيد علي ما كان توضأ. و قال: اتبع وضوءك

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 625

______________________________

بعضه بعضا» «1»، و صحيح حكم بن حكيم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي من الوضوء الذراع و الرأس، قال: يعيد الوضوء، إن الوضوء يتبع بعضه بعضا» «2».

الثانية: ما تضمن إعادة الوضوء بمخالفة الترتيب فيه، كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان» «3»، و قوله عليه السّلام في موثق أبي بصير: «إن نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك» «4»، و قوله عليه السّلام في خبر علي بن أبي حمزة البطائني: «ألا تري أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد [أراه. علل] أن يعيد الوضوء» «5».

فإنه لو لا وجوب المتابعة لم يجب إلا إعادة ما قدّم، لكفايته في حصول الترتيب.

و الجواب عن الطائفة الأولي: أن التبعية الحقيقية موقوفة علي فناء التابع في المتبوع، بحيث يكون في طوله، كتبعية المأموم للإمام و تبعية الأثر للمؤثر.

و استعمالها في التعاقب الزماني إنما يكون لمشابهته للمتابعة الحقيقية في سبق المتبوع علي التابع رتبه أو زمانا.

لكن من الظاهر عدم اطراد استعمالها في جميع موارد التعاقب الزماني، بل لا بد من لحاظ جهة تربط بين المتعاقبين، إما ادعائية صرفة كما في الأمور المتعاقبة صدفة، حيث قد يطلق التتابع فيها بعناية ادعاء اشتراكها في جهة واحدة، أو حقيقية إما بلحاظ وحدة الغرض، حيث يكون الداعي للمتبوع داعيا للتابع، أو الاتفاق في سنخ الأثر، حيث يكون التابع موجبا لاستمرار الأثر الحاصل بالمتبوع و عدم انقطاعه، كمتابعة علف الحيوان و خدمة البستان، أو نحوهما مما يصلح للارتباط بين المتعاقبات.

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 8.

(5) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 3. و باب: 10 من أبواب السعي حديث: 4. و علل الشرائع باب: 385 باب نوادر العلل حديث: 18 ص: 581. طبع النجف الأشرف.

ص: 626

______________________________

و عليه، لا يتوقف صدق المتابعة علي عدم الفصل الزماني، بل قد يكون معه، لعدم إخلاله بالجهة الرابطة المصححة لإطلاقها، كما في متابعة سقي البستان، حيث لا يخل بها الفصل بمقدار لا ينقطع به الأثر المسبب عن السقي السابق، و هو ارتواؤه بالوجه المطلوب.

نعم، إذا أطلقت المتابعة في مقام البيان، فإن أحرزت الجهة المصححة لإطلاقها لزم الاقتصار في الفصل علي ما لا يخل بها، كما في المثال المذكور، و إن لم تحرز لزم الحمل علي ما يساوق وحدة العمل عرفا، بلحاظ اتصال أجزائه و عدم الفصل المعتد به بينها، و هو المراد بالمتابعة العرفية، لأن ذلك نحو من الربط يدركه العرف، و لو لا الحمل عليه لزم عدم صلوح الإطلاق للبيان الذي يترتب عليه العمل، فالمتابعة العرفية بالمعني المذكور ليست مقومة لمفهوم المتابعة، بل معيارا في تشخيصها تستفاد من إطلاقها الصادر في مقام البيان عند عدم القرينة المعينة للجهة المصححة له.

إذا عرفت هذا، ظهر عدم نهوض صحيح زرارة بالدلالة علي وجوب المتابعة العرفية، لعدم وروده لبيان وجوب المتابعة، بل لبيان كيفيتها من حيثية التابع و المتبوع، و أن اللازم تقديم ما قدمه اللّه تعالي.

و أما صحيح الحلبي، فهو و إن أطلق فيه الأمر بالاتباع، إلا أن صدره يأبي الحمل علي المتابعة العرفية، للتصريح فيه بالاكتفاء بالمحافظة علي الترتيب عند نسيان غسل إحدي اليدين و عدم وجوب غسل الوجه مع تحقق الفصل بتقديم ما حقه التأخير.

فلا بد إما من ورود الأمر بالاتباع فيه لتعيين المتبوع من التابع، لا لإيجاب المتابعة، كما في صحيح زرارة، أو لبيان وجوب المتابعة بالنحو المساوق لعدم الجفاف، لقرينة اختفت علينا.

هذا بناء علي أن الذيل فيه تتمة للصدر، أما لو كان كلاما مستقلا- كما هو غير بعيد- فمقتضي إطلاقه و إن كان هو إرادة المتابعة العرفية، إلا أنه لا بد من

ص: 627

______________________________

الخروج عنه بما تضمنه الصدر و نحوه من النصوص الدالة علي الاكتفاء بما يحصل به الترتيب عند الإخلال به، و الدالة علي كفاية تدارك الجزء المنسي من الوضوء إذا ذكره و هو في الصلاة «1».

و كذا الحال في صحيح حكم أيضا.

علي أن منشأ حمل الإطلاق علي المتابعة العرفية لما كان هو عدم إدراك العرف لجهة من الربط غيرها تصلح لوحدة العمل و تصحح إطلاق المتابعة، كان محكوما لموثق أبي بصير المتقدم المتضمن تطبيق تبعيض الوضوء علي الفصل المستتبع للجفاف، لكشفه عن ملاحظة الشارع نحوا من الوحدة بين أجزاء الوضوء لا يخل بها إلا الفصل المستتبع للجفاف، و حيث كانت هذه الوحدة مصححة لإطلاق المتابعة بلحاظ عدم الجفاف تعين حمل المتابعة عليها، و لا يحتاج معها للحمل علي الوحدة العرفية المتقومة بالمتابعة العرفية، لصلوح الموثق للبيان.

و دعوي: اختصاص الموثق بصورة العذر، لفرض الحاجة فيه.

مدفوعة: بأن التعليل فيه ظاهر في إعطاء الضابط العام للوحدة المعتبرة حتي في غير مورده.

مضافا إلي أن عروض الحاجة لا يستلزم العذر، لظهوره في جواز الانشغال بالحاجة و لو مع إمكان تأخيرها بعد الفراغ من الوضوء.

و من بعض ما تقدم يظهر الجواب عن الطائفة الثانية، فإنها- لو تمت دلالتها، و كان الوجه فيها ما سبق- حيث كانت معارضة بالنصوص المتضمنة للاكتفاء بإعادة ما حقه التأخير- كصحيح الحلبي و غيره مما يأتي إن شاء اللّه تعالي- تعين الجمع بينها و بين تلك النصوص بالتفصيل بين فوت الموالاة و عدمه، من دون أن تنهض بتحديد الموالاة، و يكون المرجع فيه ما سبق.

بل حيث كان صريح تلك النصوص عدم قدح الإخلال بالمتابعة العرفية،

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء.

ص: 628

______________________________

لزم تقييد إطلاق هذه النصوص المقتضي لقادحية الإخلال بها.

بقي في المقام أمور.

الأول: أن جميع ما استدل به لوجوب المتابعة لو تمَّ يقتضي شرطيتها في الوضوء، لا وجوبها تكليفا، كما يظهر بأدني تأمل فيها.

فدعوي ترتب الإثم بتركها خالية عن الدليل. إلا أن يبني علي حرمة قطع الوضوء، و قد أشرنا آنفا إلي مفروغيتهم ظاهرا عن جوازه. مع أن ظاهر القائلين به، بل صريحهم عدم البطلان بترك المتابعة إلا مع الجفاف.

الثاني: أن أكثر النصوص التي تقدم الاستدلال بها لشرطية المتابعة واردة في صورة النسيان، الذي هو من الأعذار، و هو المتيقن من إطلاق الباقي، و قد تقدم أن القائل بها لا يلتزم بشرطيتها مع العذر، فلا مجال لاستدلاله بالنصوص المذكورة.

إلا أن يريد من العذر ما يساوق التعذر لا ما يعم النسيان.

لكن تدفعه حينئذ النصوص المعول عليها عند الكل، المتضمنة جواز أخذ ناسي المسح البلة من اللحية و الأشفار «1»، فلا بد من تنزيل نصوص المقام علي صورة جفاف البلل المذكور، و لا تصلح للاستدلال.

الثالث: قال في الجواهر: «و من العجب ما في الدروس بعد اختياره أن الموالاة مراعاة الجفاف، قال: و لو فرق و لم يجف فلا إثم و لا إبطال، إلا أن يفحش التراخي، فيأثم مع الاختيار، و مثله عن البيان. و لم أعثر لغيره علي ذلك، كما أنه لا دليل عليه».

قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «و يمكن أن يكون قائلا بالإثم في ترك المتابعة إلا أن التفريق الغير المتفاحش غير قادح عنده في صدق المتابعة».

لكن إمكان ذلك لا ينافي ما أشار إليه في الجواهر من غرابته.

______________________________

(1) تقدم الكلام في هذه النصوص في المسألة الخامسة و العشرين، و راجع في هذه النصوص الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء.

ص: 629

تمام السابق (1) في الحال المتعارفة،

______________________________

(1) بعد ما تقدم من أن المدار في الموالاة علي بقاء بلل الوضوء مطلقا أو في حال الاضطرار، فالظاهر أنه يكفي بقاؤه و لو في بعض الأعضاء، كما في المعتبر و جامع المقاصد و الروض و كشف اللثام و المدارك و المبسوط و النهاية و الغنية و الوسيلة و المنتهي و اللمعتين و عن أبي الصلاح و الكيدري و الخلاف و التذكرة و البيان و غيرها، و عن المفاتيح نسبته للأكثر، و عن شرحه و المقاصد العلية أنه المشهور.

لأنه الظاهر من موثق أبي بصير، و المتيقن من صحيح معاوية في الخروج عن الإطلاقات.

و هو المناسب أيضا لما تضمن جواز الأخذ من بلل اللحية و الأشفار لناسي المسح، بناء علي ما هو ظاهرهم من إلغاء خصوصية النسيان و التعدي لجميع موارد جفاف البلة.

اللهم إلا أن يقال: المتيقن منهم التعدي من حيثية جفاف البلة بلحاظ سقوط شرطية المسح ببلة اليد، لا من حيثية الموالاة بلحاظ عدم الإخلال بها، فلا مانع من البناء علي عدم جواز الأخذ منها في غير النسيان مع الجفاف المستند للفصل، و أن جواز الأخذ منها مطلقا في النسيان و غيره مختص بالجفاف المستند لغير الفصل.

لكن لم يشر أحد منهم للتفصيل بالوجه المذكور.

و كيف كان، فيظهر مما تقدم ضعف ما عن ابن الجنيد من اعتبار بقاء البلل في جميع الأعضاء مطلقا أو في غير الضرورة، ليقرب من الموالاة الحقيقية.

إذ مع قيام الدليل علي اعتبار الموالاة الحقيقية لا وجه للاكتفاء بما يقرب منها، و بدونه لا وجه لاعتباره.

علي أن الموالاة الحقيقية لا تنافي جفاف بعض الأعضاء.

ص: 630

فلا يقدح الجفاف لأجل حرارة الهواء أو البدن الخارجة عن المتعارف (1).

______________________________

و مثله ما في الناصريات و إشارة السبق و عن المصباح و المهذب من اعتبار رطوبة خصوص الذي يكون منه الانقطاع، و ما في المراسم و عن السرائر لزوم غسل اليدين و الوجه رطب، و مسح الرأس و الرجلين و اليدان رطبتان، و ما عن موضع آخر من السرائر من لزوم الرجوع و التدارك من موضع الجفاف.

لخلو جميع ذلك عن الدليل، بل مخالفته لما تقدم.

ثمَّ إنه حكي في مفتاح الكرامة عن أستاذه الشريف الاكتفاء ببلل الغاسل، كما لو فرق بين الوجه و اليد بما يوجب جفافه دون الكف الغاسلة له، لأنه بلل الوضوء، و لذا يجوز المسح به.

و فيه: أن ظاهر الصحيح و الموثق أن البلل الذي يكون جفافه معيارا في الموالاة هو بلل الأعضاء الموضأة لا بلل الآلة الغاسلة له، و لا يهم مع ذلك صدق بلل الوضوء عليه. علي أن الظاهر عدم صدقه، بل هو كالمتقاطر من المغسول علي الأرض، و جواز المسح به إنما هو لظهور الأدلة في وجوب المسح بما يبقي في اليد بعد إكمال الوضوء، و لذا لا يجوز به لو لم يكن الغسل بيد المتوضي.

و أشكل من ذلك ما حكاه عنه من أنه يتفرع عليه فروع كثيرة، كما إذا غسل بكف غيره أو بآلة أو نحو ذلك.

لظهوره في كفاية بقاء رطوبة الآلة في تحقق الموالاة. مع وضوح أن ما استشهد به من جواز المسح بها، لا يتأتي فيه. مضافا إلي غرابته في نفسه و بعده عن مفاد النصوص و الفتاوي.

(1) فقد أشرنا آنفا إلي أن المذكور في كلام جماعة هو قادحية الجفاف المستند للفصل، و أن إطلاق آخرين قادحية الجفاف قد يرجع إليه بقرينة تقييدهم بصورة اعتدال الهواء، بل صريح الصدوقين و جماعة عدم إخلال الجفاف الحاصل

ص: 631

______________________________

مع المتابعة «1»، بل لعله متفق عليه في الجملة.

و كيف كان، فلا ينبغي الإشكال في عدم قادحية الجفاف مع الموالاة العرفية أخذا بالإطلاقات بعد خروجه عن المتيقن من صحيح معاوية بن عمار و موثق أبي بصير، لاختصاصهما بالجفاف المسبب عن الفصل.

و دعوي: أن مقتضي الجمع بينهما و بين مثل صحيح حكم هو اعتبار المتابعة التي لا يلزم معها الجفاف، و هي غير حاصلة في المقام و إن حصلت المتابعة العرفية.

مدفوعة: بأن الجمع بينهما لا يقتضي التقييد المذكور، و إلا لزم الجمع بين المتابعة و عدم الجفاف، بل التوسع في صدق المتابعة بحملها علي عدم الفصل بالمقدار المستلزم للجفاف- الذي هو مفاد الموثق- و هو حاصل في المقام، لفرض أن الجفاف الحاصل في المقام ليس هو الملزوم للفصل.

و لا فرق في ذلك بين كون سبب ذهاب الرطوبة اختياريا و غيره.

و استبعاد الصحة في الأول في غير محله. بل لو كان السبب الاختياري مثل المسح بخرقة كان أبعد عن الإشكال، لأنه و إن صدق معه جفاف الأعضاء، إلا أن ظاهر الصحيح و الموثق أن العبرة بجفاف الماء، و هو لا يصدق في الفرض، غاية ما يدعي هو فهم عدم الخصوصية لذلك.

و أما إن كان الجفاف مع الفصل القليل، فإن حصل بسبب خارجي لا دخل للفصل فيه عرفا، اختياري- كالمسح بثوب- أو قهري- كما لو وقع الثوب علي العضو بلا قصد فجف- فالظاهر عدم قادحيته، عملا بالإطلاقات، بعد خروجه عن المتيقن من الصحيح و الموثق.

و إن حصل الجفاف بسبب الفصل عرفا لحرارة الهواء و نحوها مما هو علي خلاف المتعارف، فهل يبطل الوضوء أو لا؟.

وجهان، يجريان في عكس الفرض أيضا، و هو الفصل الكثير الذي لا

______________________________

(1) تقدم نقل كلامهما في الكلام علي أدلة وجوب الموالاة عند الكلام في وجه الجمع بين أدلته و صحيح حريز.

ص: 632

______________________________

يحصل معه الجفاف لأمر غير متعارف من رطوبة الهواء أو كثرة الماء أو نحوهما.

و توضيح ذلك: أن مقتضي الجمود علي عنوان الجفاف في كلماتهم إرادة الجفاف الفعلي المعبر عنه عندهم بالحسي، فمعه يبطل الوضوء، و إن قصر الفصل لأمر غير متعارف، و بدونه يصح و إن طال الفصل لأمر غير متعارف.

لكن ظاهر غير واحد ممن قيد الجفاف بالهواء أو الزمان المعتدل الصحة في الأول.

نعم، لو لم يريدوا به إخراج صورة الجفاف مع الفصل القليل، بل مع المتابعة، كما قد يناسبه استدلال بعضهم علي الصحة فيه بالضرورة، كان أجنبيا عن ذلك.

لكن كلام كثير منهم يأبي الحمل عليه، لأخذهم له قيدا في التفريق الموجب للجفاف.

و أما الثاني، فقد صرح بالصحة معه في جامع المقاصد و الروض و الروضة و المدارك و محكي الذكري و المقاصد العلية و المشكاة و غيرها.

بل قد يظهر من محكي الذكري الاتفاق عليه، حيث قال: «لو كان الهواء رطبا جدا، بحيث لو اعتدل جف البلل لم يضر، لوجود البلل حسا. و تقييد الأصحاب بالهواء المعتدل ليخرج طرف الإفراط بالحرارة. و كذا لو أسبغ الماء بحيث لو اعتدل جف لم يضر».

لكن حمل التقييد علي خصوص ذلك لا يناسبه إطلاق الأكثر، بل ظاهرهم تحديد مقدار الفصل و إن لم يحصل الجفاف فعلا.

و لذا استظهر المحقق الخونساري و غيره- فيما حكي عنهم- البناء علي البطلان من كل من ذكر القيد المذكور.

نعم، يتوجه في كلام المبسوط المتقدم في تحقيق القولين المخالفين للمشهور في الموالاة، حيث قيد بالاعتدال البطلان مع الجفاف دون الصحة مع عدمه.

ص: 633

______________________________

و مثله من استثني صورة شدة الحر و لم يقيد بالاعتدال، كما عن المهذب و التحرير.

و كيف كان، فمن الظاهر أن البطلان في الأول و الصحة في الثاني مقتضي الجمود علي التعبير بالجفاف و اليبس في الصحيح و الموثق.

لكن ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه لا مجال لذلك بملاحظة التعليل في ذيل الموثق بأن الوضوء لا يبعض، لظهوره في أن الوضوء عمل واحد له هيئة اتصالية، فلا بد من حمل ذكر اليبس فيه علي تحديد الفصل القادح بما يؤدي إليه بحسب المتعارف.

و فيه: أن ظاهره أن القادح في وحدة الوضوء هو الفصل المؤدي لليبس فعلا، لا تقديرا في الحال المتعارف، و لا مجرد اليبس من دون فصل.

و كأن هذا هو مراد من ذكر أن الوحدة بلحاظ الأثر، و هو البلل، بأن يكون مرادهم كفاية بقاء الأثر في الوحدة، لا كونه معيارا فيها.

و إلا لزم قدح الجفاف مع المتابعة، كما أشار إليه قدّس سرّه، و تقدم أنه لا مجال للبناء عليه.

و دعوي: أن ذكر اليبس ليس لدخله بنفسه، بل لتحديد أمد الفصل به، فلا بد من تنزيله علي الحال المتعارف، لأنه الصالح للتحديد، لامتناع التحديد بما يتردد بين الأقل و الأكثر.

مدفوعة: بمخالفة ذلك للظاهر في نفسه، لظهور ذكر العنوان في كونه دخيلا بنفسه، لا طريقا لتحديد ما هو الدخيل.

بل ما تضمنه صحيح معاوية من فرض الجفاف في كلام السائل كالصريح في إرادة الجفاف الفعلي، فعدم الاستفصال في الجواب عن كونه في الحال المتعارف ظاهر جدا في دوران الحكم مداره.

مضافا إلي شدة اختلاف الحال في أفراد المتعارف، بسبب اختلافها في مقدار الماء و الهواء و حرارتهما و حرارة الوقت و البدن و كيفية الغسل و مقدار الشعر،

ص: 634

______________________________

و نحو ذلك مما له الدخل في اختلاف أمد الجفاف، و التحديد بالمتوسط من جهة الكل مما لا مجالا له، لعدم تيسر ضبطه للخاصة، فضلا عن العامة.

و مثله ما قد يظهر من الجواهر من اختلاف المتعارف الذي يكون معيارا في المقام باختلاف الأزمنة، فهو في شدة الصيف غيره في شدة الشتاء.

فإنه و إن كان أقل اختلافا، إلا أنه- مع تعسر ضبطه- يبتني حمل النص عليه علي تكلف و يبعد عن ظاهره جدا.

بل لا مرجح للاختلاف من جهة الزمان علي الاختلاف من سائر الجهات التي ذكرناها، فاختلاف معيار الحكم باختلافه دونها تحكم.

إن قلت: لازم ذلك عدم بطلان الوضوء لو استند الجفاف لأمر غير الفصل و إن طال الفصل بعد ذلك، لما تقدم من ظهور الحديثين في الجفاف المستند للفصل، و هو غير حاصل في الفرض إلا تقديرا، فإذا لم يعتد بالجفاف التقديري فلا موجب للبطلان.

قلت: لا يبعد كون البطلان في ذلك مناسبا لارتكازية التعليل، القاضية بأن جعل الجفاف المستند للفصل معيارا في انقطاع الوحدة إنما هو بلحاظ تحديد الفصل الزماني و بيان مقداره، كما هو المناسب للتعليل بالاتباع في صحيح حكم، و لا دخل في ذلك لفعلية استناد الجفاف للفصل، بل يكفي تحقق الفصل المستلزم للجفاف و إن لم يستند له الجفاف لاستناده لسبب سابق.

و هو لا يستلزم الاكتفاء بالجفاف التقديري بالمعني المتقدم الراجع لكون المعيار هو الفصل المستلزم للجفاف نوعا بلحاظ الحال المتعارف، بحيث لا يقدح الفصل المستلزم له بشخصه بوجه غير متعارف، و لا ينفع عدمه مع الفصل الشخصي كذلك و لذا يكون المعيار في البطلان في فرض استناد الجفاف لسبب سابق هو الفصل المستلزم للجفاف في الحال الخاص، لا بحسب المتعارف.

فإن تمَّ هذا الوجه، و إلا فلا وجه للبطلان إلا الاستبعاد المحض، و لذا بني علي الصحة في المستند، فإن بلغ الاستبعاد حدا لا مجال معه للبناء علي الصحة

ص: 635

______________________________

لزم الاقتصار علي مورده، و هو التعدي للجفاف التقديري من حيثية عدم وجود الماء، لا جعل المدار علي الجفاف التقديري بالمعني المتقدم مع ما عرفت من مخالفته لظاهر الأدلة، بل صعوبة تنزيلها عليه جدا.

هذا، و يظهر مما حكي عن المحقق الخونساري الاستدلال علي البطلان مع بقاء البلل بوجه غير متعارف بانصراف الإطلاق للغالب الشائع، و لا يشمل الشاذ النادر.

و فيه- مع أنه لا يعتد بالانصراف الناشئ من الغلبة- أن الصحة في الفرض مقتضي الإطلاقات الأولية، فلا يهم قصور الموثق عن إثباتها بمفهومه بسبب الانصراف المدعي، لوضوح أن مقتضي الانصراف إجماله بالإضافة للفرد المذكور أو عدم تعرضه لحكمه، لا ظهوره في البطلان فيه.

نعم، ينفع الانصراف المدعي في إثبات الصحة في الفرض الأول، و هو ما لو حصل الجفاف بالفصل القصير علي خلاف المتعارف، لأن قصور الإطلاق عنه يقتضي الرجوع فيه للإطلاقات الأولية المقتضية للصحة.

و لعل هذا هو الوجه في بناء من تقدم علي الصحة في الفرضين معا.

لكن الظاهر عدم تمامية الانصراف فيه، و لا سيما في صحيح معاوية، حيث لا يكون الاستدلال بإطلاقه، بل يترك الاستفصال فيه، الذي هو كالعموم، و انصراف القضية المسؤول عنها إلي خصوص ما تكون بالوجه المتعارف بعيد جدا.

تنبيهات.

الأول: لو استأنف الوضوء قبل فوات الموالاة بالوجه المعتبر أما لإدراك جهة راجحة فيه- كما لو أوقع بعض الوضوء ببعض المياه المكروهة الاستعمال- أو لتخيل بطلان الوضوء الأول- للخطإ في تشخيص بعض ما يعتبر فيه من الموالاة أو

ص: 636

______________________________

غيرها- أو للاحتياط- لاحتمال بطلانه- فلا ينبغي التأمل في عدم بطلان ما أوقعه، لعدم الدليل علي مبطلية الإعراض، بل إطلاق أدلة الوضوء قاض بصحته بمعني تحقق الوضوء المشروع به لو انضم له بقية الأجزاء، بلا حاجة لاستصحاب الصحة.

بل لا مجال له- و إن ظهر من بعضهم التمسك به في أمثال المقام- لما هو المعلوم من عدم جعل الصحة شرعا، بل هي منتزعة من تمامية العمل و مطابقته للمأمور به، و هي أمر واقعي ليس موضوعا لأثر شرعي، بل للإجزاء العقلي.

مع أنها لا تحرز إلا بعد إتمام العمل، و ليس ثبوتها للإجزاء قبله إلا مراعي به، فلا يقين بها كي تستصحب.

فالعمدة ما ذكرنا من الإطلاق.

لكن صحة ما أعرض عنه بالمعني المذكور لا تمنع من صحة ما استأنفه أيضا بذلك المعني، لاشتراك الفردين في الدخول تحت الإطلاقات بعد فرض عدم تمامية الامتثال المسقط للأمر، فللمكلف أن يقصد الامتثال بتمام ما استأنفه، و يصح منه.

و لا مجال لتخيل البطلان لو لزم تثليث الغسلات، لعدم مشروعية الغسلة الثالثة، لاختصاص ذلك بما إذا نوي الامتثال بمجموع الغسلات، و لا يعم ما إذا نوي الامتثال بخصوص الأخيرة، للإعراض عما سبق.

و أولي بالصحة ما لو فاتت الموالاة بالإضافة إلي الأول بعد الاستئناف قبل الوصول إلي مكان القطع، لبطلانه حينئذ المانع من قابليته لالتحاق ما قطع منه به، بل ينحصر الأمر بالمستأنف، فيتم العمل به. و أولي منهما ما لو لم يجزم بالامتثال بالمستأنف، بل ردد فيه بين الامتثال بالتام و تتميم الأول، بنحو يكون الامتثال بالأول مراعي ببقاء الموالاة متمما بما يكون بعد الاستئناف، و إلا يكون بالثاني بتمامه.

نعم، لو كان الاستئناف بعد إكمال غسل اليدين أشكل ذلك باحتمال لزوم المسح بغير ماء الوضوء، لعدم فوت الموالاة المستلزم للغوية الغسل المستأنف،

ص: 637

مسألة 74 الأحوط عدم الاعتداد ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن حد الوجه

(مسألة 74): الأحوط وجوبا عدم الاعتداد ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن حد الوجه (1).

______________________________

فلا يكون المسح ببلة مسحا ببلل الوضوء، بخلاف ما لو نوي الامتثال بالمستأنف رأسا.

الثاني: لو شك في حصول الجفاف بني علي عدمه، لأخذه شرعا بعنوانه في موضوع المانعية، فيستصحب عدمه.

نعم، بناء علي تحديد أمد الفصل الزماني به بلحاظ الحال المتعارف، فإن رجع إلي الشك في تحقق المقدار المتعارف، جري استصحاب عدمه، و إن رجع إلي الشك في مقدار المتعارف لم يجر الاستصحاب، لكونه من استصحاب المفهوم المردد.

و كذا الحال لو لم يستند الجفاف للفصل، بناء علي ما عرفت من تقريب قدح الفصل المستلزم للجفاف تقديرا حينئذ، فيجري الاستصحاب لو شك في تحققه، لا في مقداره، فلاحظ.

الثالث: لا إشكال ظاهرا في أن اشتراط الوضوء بالموالاة بالمعني المنوط بالجفاف لا يسقط بالتعذر رأسا، فضلا عن التعذر في الوضوء الذي شرع فيه، بل يتعذر الوضوء بتعذرها، و ينتقل للتيمم، و لذا لم يشيروا لاستثناء صورة التعذر هنا، و إنما ذكروها في الموالاة، بمعني المتابعة، كما تقدم.

و يقتضيه إطلاق التعليل في موثق أبي بصير بأن الوضوء لا يبعض.

نعم، تقدم الكلام في جواز استئناف الماء للمسح مع تعذر حفظ ماء الوضوء لحرارة الهواء و نحوها.

لكنه خارج عما نحن فيه، لعدم إخلال الجفاف بالموالاة مع المتابعة العرفية، كما تقدم.

(1) تقدم منه قدّس سرّه في المسألة الخامسة و العشرين تقييد بلل اللحية الذي

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 2، ص: 639

ص: 638

و منها الترتيب بين الأعضاء

و منها: الترتيب بين الأعضاء (1)،

______________________________

يجوز المسح به بما يكون داخلا في الحد، و تقدم أنه لا مجال للتقييد المذكور بالنظر لأدلة تلك المسألة، من دون فرق بين القول باستحباب غسل مسترسل اللحية و عدمه، خلافا لما يظهر من الجواهر من بناء الكلام هناك و هنا علي ذلك.

و أما بالنظر لأدلة هذه المسألة، فقد يشكل بعدم صدق بلل الوضوء عليه، بناء علي عدم استحباب غسله، فلا يكون معيارا في بقاء الموالاة، و إن أمكن المسح به لو فرض تحققها، و لو لعدم استناد جفاف الأعضاء للفصل.

بل يشكل الاكتفاء ببلل ما دخل في الحد من باطن اللحية و الشعر، لعدم وجوب غسله، فلا يكون من الوضوء، و لا ملزم بإلحاقه به و لو تبعا.

اللهم إلا أن يقال: لما كان المفروض في بعض نصوص تلك المسألة ذكر المكلف لنقص الوضوء و هو في الصلاة كان ظاهرا في عدم قدح الفصل الطويل، فإذا فرض عموم البلل المأخوذ منه لما يكون في مسترسل اللحية كانت ظاهرة في كفايته في تحقق الموالاة المعتبرة.

لكنه مختص بنسيان المسح، و التعدي منه لسائر موارد الفصل بين الأعضاء مبني علي ابتنائه علي سعة الموالاة، لا علي التسامح فيها في المورد المذكور لأجل التسهيل، و هو غير ظاهر.

هذا، و أما غير ذلك مما خرج عن الحد من أطراف الأعضاء المغسولة تبعا أو مقدمة، فلا ينبغي الإشكال في عدم الاكتفاء ببقاء بللها، لقصور أدلة المسألتين عنها.

فما يظهر من السيد الطباطبائي في العروة الوثقي من كونها نظير مسترسل اللحية، في غير محله.

نعم، لا ينبغي التأمل في كفاية الرطوبة المتخلفة عن الغسل الوضوئي غير الواجب، كماء الغسلة الثانية، إذ لا يصدق معها جفاف الوضوء.

(1) إجماعا، كما في الغنية و المعتبر و المنتهي و عن الخلاف و التذكرة

ص: 639

______________________________

و غيرها، و عن غير واحد نفي الخلاف فيه، و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كاد يكون متواترا».

و يقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: تابع بين الوضوء كما قال اللّه عز و جل: ابدأ بالوجه ثمَّ باليدين ثمَّ امسح الرأس و الرجلين و لا تقدمن شيئا بين يدي شي ء تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد علي الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح علي الرأس قبل الرجل ثمَّ أعد علي الرجل، ابدأ بما بدأ اللّه عز و جل به» «1»، و صحيح منصور ابن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال:

يغسل اليمين و يعيد اليسار» «2»، و غيرهما مما ورد فيمن يخالف الترتيب و غيره مما يأتي التعرض له.

و به يخرج عن إطلاق الآية الشريفة.

و أما ما في المنتهي من قريب ظهور الآية في الترتيب، إما لظهور الواو فيه، أو لأن الفاء تقتضي تعقيب القيام للصلاة بالغسل، فيجب تقديمه علي غيره، و كل من أوجب تقديمه أوجب الترتيب.

فيندفع بأنه لا ظهور للواو في الترتيب، و ما أقامه من الوجوه عليه غير تام، كما يظهر بمراجعتها.

و الفاء لتعقيب وجوب الغسل، لا لتعقيب نفس الغسل، كما تقدم توضيحه في مبحث وجوب الموالاة. مع أن عدم القول بالفصل لو تمَّ لا ينفع ما لم يرجع إلي الإجماع علي عدمه، و هو غير ثابت في المقام.

و هناك بعض الوجوه الأخر ذكرها لا مجال لإطالة الكلام فيها.

هذا، و قد ينافي وجوب الترتيب ما في صحيح علي بن جعفر الوارد في الوضوء بالمطر «3».

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 640

بتقديم الوجه، ثمَّ اليد اليمني، ثمَّ اليسري، ثمَّ مسح الرأس (1).

و الأحوط تقديم الرجل اليمني علي اليسري (2). و كذا يجب الترتيب في أجزاء كل عضو (3)، علي ما تقدم. و لو عكس الترتيب سهوا أعاد (4)

______________________________

لكن لا مجال للخروج به عما تقدم، كما أشرنا إلي ذلك في المسألة الثامنة عشرة و في مبحث وجوب المباشرة.

(1) يعني: قبل مسح الرجلين، لما تقدم في صحيح زرارة و غيره.

(2) تقدم الكلام في ذلك عند الكلام في وجوب مسح الرجلين.

(3) يعني: مغسول، حيث تقدم الكلام في وجوب البدء بالأعلي في الوجه، و البدء من المرفق في اليدين. أما الأعضاء الممسوحة فقد تقدم عدم وجوب الترتيب فيها.

(4) و لا يسقط الترتيب في السهو بلا خلاف علي الظاهر، لعدم تعرضهم لاحتماله، بل يظهر من كثير من كلماتهم المفروغية عن عدمه، و ظاهر كشف اللثام دعوي الإجماع عليه.

و ظاهرهم عدم الفرق بين مخالفة الترتيب نسيانا، و نسيان المتقدم رأسا.

و تقتضيه- مضافا إلي القاعدة- النصوص الكثيرة في الموردين مما تقدم و يأتي.

نعم، قد يظهر من بعض النصوص عدم وجوب تدارك الترتيب في المسح مع عدم مخالفته في الغسل، كصحيحي الحلبي و مالك بن أعين و مرسل حماد «1» الواردة في نسيان مسح الرأس، و المتضمنة للأخذ من بلل اللحية، لظهورها في الاجتزاء بمسحه، لعدم التنبيه فيها لإعادة مسح الرجلين، مع الغفلة عن ذلك،

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 2، 7، 1.

ص: 641

______________________________

لابتناء الحكم علي التدارك و الرجوع، فلا ينصرف الذهن إلا إلي ما نبه إليه، و لا سيما مع قلة البلل غالبا. و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن رجل توضأ و نسي غسل يساره، فقال: يغسل يساره وحدها، و لا يعيد وضوء شي ء غيرها» «1»، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه، فغسل شماله، و مسح رأسه و رجليه، فذكر بعد ذلك، غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنما نسي شماله فليغسل الشمال، و لا يعيد علي ما كان توضأ.» «2».

لكن ظاهر جملة من النصوص وجوب التدارك حينئذ، كخبر زرارة- الذي لا يخلو سنده عن اعتبار- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل ينسي مسح رأسه حتي يدخل في الصلاة، قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل» «3»، و صحيح منصور: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن نسي أن يمسح رأسه حتي قام في الصلاة. قال: ينصرف و يمسح رأسه و رجليه» «4»، و صحيح أبي بصير عنه عليه السّلام: «في رجل نسي أن يمسح علي رأسه، فذكر و هو في الصلاة. فقال:

إن كان استيقن ذلك انصرف فمسح علي رأسه و علي رجليه، و استقبل الصلاة.» «5»، و موثقه عنه عليه السّلام: «و إن نسيت مسح رأسك حتي تغسل رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك» «6». فإنه و إن لزم حمل غسل الرجلين علي التقية، إلا أن ذلك لا يسقطه عن الحجية في الترتيب الذي ورد لبيانه.

فلا بد من رفع اليد عن ظاهر ما سبق، بتنزيل نصوص الأخذ من بلل اللحية علي عدم المفهوم، و تنزيل الوضوء في الصحيحين علي خصوص الغسل، لبيان عدم وجوب إعادة ما سبق علي المنسي، فإنه أقرب من حمل هذه النصوص علي استحباب تدارك الترتيب، لإباء سياقها له جدا، و لا سيما مع ظهور إعراض

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 8.

(6) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 8.

ص: 642

______________________________

الأصحاب عن ظهور تلك النصوص في سقوط الترتيب.

هذا، و ظاهر الأصحاب عدم الفرق في مخالفة الترتيب بين تمام العضو و بعضه، فلو فاته بعض العضو لزم تداركه مع بقاء حفظ الموالاة، ثمَّ الإعادة علي ما بعده من العضو نفسه و من بقية الأعضاء، لعدم تنبيههم لاستثناء ذلك، و في الجواهر أنه قد يظهر من بعضهم دعوي الإجماع عليه. و هو المطابق لإطلاق الأدلة.

لكن في الجواهر عن ابن الجنيد أنه إذا كان المنسي لمعة دون سعة الدرهم كفي بلها من غير إعادة.

لما نقله هو من أنه روي توقيت الدرهم ابن سعيد عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و ابن منصور عن يزيد بن علي، و منه حديث أبي أمامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و يقتضيه إطلاق خبر سهل بن اليسع- الذي رواه في العيون بسند لا يبعد حسنه-: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يبقي من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء، فقال: يجزيه أن يبله من بعض جسده»، و نحوه مرسل الفقيه عن الكاظم عليه السّلام «1»، و إن لم يبعد اتحادهما.

لكن لا مجال للاعتماد علي مراسيل ابن الجنيد، و لا سيما مع نقلها بالمعني، و ظهور إعراض أرباب الحديث و الفتوي عنها.

و أما الخبر و المرسل، فربما كان المراد بهما بيان ما يجزئ في خصوص الموضع المتروك، دفعا لتوهم وجوب صب ماء جديد له، لا ما يجزئ لإتمام الوضوء، كي يدل علي سقوط الترتيب في الفرض.

فالخروج بهما علي مقتضي القاعدة المعول عليها بين الأصحاب لا يخلو عن إشكال. و لا سيما مع عدم ظهور اعتماد أحد عليهما حتي ابن الجنيد، لتصريحه بالاعتماد علي نصوص أخر بالسنة أخر.

و مجرد ذكر الصدوق للمرسل في الفقيه و ذكر الحر لهما في الوسائل لا يشهد باعتمادهما عليهما في الخروج عن مقتضي القاعدة المذكورة، لاحتمال حملهما لهما علي ما ذكرناه، الذي هو لا ينافيها، فتأمل جيدا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الوضوء حديث: 1 و ملحقة.

ص: 643

علي ما يحصل به الترتيب (1) مع عدم فوات الموالاة،

______________________________

(1) المحتمل في المقام، بعد النظر في كلمات الأصحاب و النصوص وجوه ثلاثة.

الأول: الاقتصار علي إعادة ما يحصل به الترتيب، كما هو مقتضي إطلاق غير واحد، كالشرائع و القواعد و غيرهما، بل قد يستظهر من إطلاق وجوب الترتيب في الهداية و إشارة السبق و المراسم و الغنية و الوسيلة و غيرها، لأن مقتضاه الاكتفاء بحصوله بذلك، بل هو صريح المعتبر، و في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا»، و عن محكي اللوامع الوفاق عليه.

و يقتضيه إطلاق الأدلة.

و توهم: أن مقتضي اعتبار الترتيب بطلان ما قدم و أخر معا، لوقوع كل منهما في غير محله.

مدفوع. أولا: بأن ظاهر أدلة الترتيب عرفا هو اعتبار المتقدم في المتأخر لا العكس، و لذا لو لم يؤت بالمتأخر أصلا صح المتقدم في غير الارتباطيين، كالظهر و العصر، و إنما يبطل في الارتباطيين لجهة أخري، كالإخلال بالموالاة في مورد اعتبارها.

و ثانيا: أن مقتضي اعتبار الترتيب بطلان المتأخر إذا قدم، كما لو وقع بالماء المضاف، فالمقدم المأتي به بعده واقع في محله. و احتمال مانعيته من إتمام العمل نظير الزيادة في الصلاة، مدفوع بالإطلاق. و لذا لا إشكال ظاهرا في الاجتزاء بالإتيان بالمتقدم مرة واحدة لو لم يأت به أصلا.

و يدل علي ذلك أيضا موثق ابن أبي يعفور المروي عن مستطرفات السرائر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثمَّ استيقنت بعد أنك بدأت بها غسلت يسارك ثمَّ مسحت رأسك

ص: 644

______________________________

و رجليك» «1»، و رواية منصور بن حازم عنه عليه السّلام: «ألا تري أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد علي شمالك» «2».

الثاني: وجوب إعادة ما أخره مما حقه التقديم أيضا، فلو غسل اليسري قبل اليمني ثمَّ ذكر بعد غسل اليمني أعاد اليمني ثمَّ اليسري.

و قد نسب- فيما عن محكي المناهل- للمقنعة و النهاية و السرائر.

لكن الموجود في الأولين كالمقنع فيمن قدم اليسري علي اليمني مثلا أنه يغسل اليمني و يعيد اليسري، و تخصيص التعبير بالإعادة باليسري ظاهر في فرض عدم الإتيان باليمني رأسا، لا تأخيرها عكسا للترتيب الذي هو محل الكلام.

نعم، قد يستظهر ذلك من المبسوط، حيث قال: «و إن قدم شيئا من الأعضاء علي شي ء رجع فقدم ما أخر و أعاد علي ما بعده». فإن التعبير بتقديم ما أخر قد يظهر في فرض سبق الإتيان بما أخر، فتأمل.

كما أنه قد يظهر من الفقيه التخيير بينه و بين الوجه الأول أو التردد بينهما، لأنه بعد أن ذكر صحيح زرارة المتقدم في أول المسألة، قال: «و روي في حديث آخر فيمن بدأ بيساره قبل يمينه أنه يعيد علي يمينه ثمَّ يعيد علي يساره. و قد روي أنه يعيد علي يساره».

و كيف كان، فقد يستدل له بغير واحد من النصوص، كصحيحي زرارة و منصور المتقدمين في أول المسألة، و خبر علي الصائغ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «.

أ لا تري أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثمَّ يعيد علي شماله» «3»، و خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه، كيف يصنع؟ قال: يعيد الوضوء من حيث أخطأ: يغسل يمينه ثمَّ يساره ثمَّ يمسح رأسه و رجليه» «4»، و موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 14.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب السعي حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 15.

ص: 645

______________________________

نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك، ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد علي غسل الأيمن ثمَّ اغسل اليسار، و إن نسيت مسح رأسك حتي تغسل رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك» «1».

و فيه: أن ظاهر الصحيحين و خبر علي الصائغ صورة ترك المتقدم رأسا، لا الإتيان به علي خلاف الترتيب الذي هو محل الكلام، لعدم التعبير فيها بالإعادة إلا بالإضافة إلي المتأخر الذي قدم.

بل حيث يصدق غسل اليسار قبل اليمين بمجرد فعل اليسار، و لا يتوقف علي فعل اليمين بعدها، كان محققا لموضوع الأمر فيها بالبدء باليمين و غسلها، فلو فرض غسلها قبل التذكر فقد امتثل ذلك الأمر، فلا يجب عليه الإعادة بعد الالتفات.

و أما خبر علي بن جعفر، فالتعبير فيه بإعادة الوضوء من حيث أخطأ ظاهر في أن الإعادة لتدارك الخطأ العرفي المعهود، فلا بد فيه من فرض الخطأ باليمين بتركها، إما لأن المراد بالوضوء في السؤال الشروع فيه، أو المراد إكماله علي النقص و عدم غسل اليمين.

و أما فرض الخطأ في اليمين مع غسلها بعد اليسار، فهو غير عرفي، لما تقدم من أن الترتيب يقتضي بطلان ما قدم علي خلافه دون ما أخر، بل يبتني علي تعبد شرعي، لا ظهور للكلام فيه، فما ذكرناه إن لم يكن أظهر فلا أقل من كونه محتملا احتمالا لا يمنع من الاستدلال.

و أما موثق أبي بصير، فهو و إن عبر فيه بالإعادة بالإضافة إلي ما حقه التقديم الظاهر في فرض إيقاعه بعد فعل ما حقه التأخير، إلا أنه لا يناسب فرض النسيان فيه في الصدر و الذيل الظاهر في ترك ما حقه التقديم رأسا.

و ليس تنزيل النسيان علي نسيان المحل دون نسيان أصل الفعل بقرينة

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 8.

ص: 646

______________________________

الحكم بالإعادة بأولي من تنزيل الإعادة علي إرادة الرجوع بلحاظ عبور محل المتروك، بل لعل الثاني أولي.

بل هو المتعين بلحاظ ما سبق في موثق ابن أبي يعفور و خبر منصور.

الثالث: وجوب إعادة الوضوء رأسا.

و قد يستدل له بإطلاق صحيح زرارة: «سئل أحدهما عليهم السّلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه، قال: يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان» «1».

لكن الظاهر منه إعادة ما بدأ به مما أخره اللّه تعالي، لا إعادة تمام الوضوء.

نعم، في خبر علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الا تري أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد «2» أن يعيد الوضوء» «3».

إلا أنه لا ينهض برفع اليد عن النصوص الكثيرة المتقدمة و غيرها، الصريحة في عدم وجوب الاستئناف، فلا بد من تنزيله علي صورة فوت الموالاة.

و يناسبه ورود نظيره في الناسي لبعض الأعضاء رأسا، و لزوم الجمع بينه و بين ما تضمن الإتمام فيه مع الترتيب و عدم لزوم الاستئناف، بقرينة صحيح حكم بن حكيم المتقدم في الموالاة المتضمن تعليل وجوب الاستيناف بأن الوضوء يتبع بعضه بعضا، فإنه بعد تنزيله علي الاتباع بالمعني المنوط بالجفاف بقرينة بقية أدلة الموالاة يصلح لأن يكون شاهد جمع بين الطائفتين المذكورتين، فينفع فيما نحن فيه، لقرب إلغاء خصوصية المورد.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل بعد النظر في النصوص الواردة فيمن يعكس الترتيب و في الناسي لبعض الأعضاء رأسا و في نصوص الموالاة في التفصيل بين

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) هكذا في الكافي و الوافي و العلل في الطبعة الأولي و الوسائل في كتابي الطهارة و الحج. و عليه يكون.

ذلك من كلام الراوي اجتهادا منه في تفسير مراد الإمام عليه السّلام فلا ينهض بالاستدلال.

نعم، الموجود في العلل المطبوع في النجف الأشرف حديثا هكذا: «أراه أن يعيد الوضوء»، فيكون من كلام الإمام عليه السّلام فيصلح للاستدلال. لكن لا طريق لإحراز صحته في قبال النسخ السابقة.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 13.

ص: 647

و إلا استأنف (1). و كذا لو عكس عمدا (2)،

______________________________

صورتي فوت الموالاة فيستأنف، و عدمه فيتم وضوءه علي الترتيب، و هو المطابق لإطلاقات أدلة الوضوء، و عليه جري الأصحاب.

نعم، في التذكرة: «لو أخل بالترتيب ناسيا بطل وضوؤه. و لو كان عامدا أعاد مع الجفاف، و إلا علي ما يحصل معه الترتيب».

و لعل مفروض كلامه في النسيان ما لو التفت بعد الجفاف، و إلا كان خاليا عن الدليل، بل غريبا في نفسه، إذ من البعيد جدا كون النسيان أشد من العمد.

و أما ما في التحرير من إطلاق البطلان مع العمد، و التفصيل فيه في السهو بين الجفاف و عدمه، فيأتي الكلام في وجهه عند الكلام في حكم العامد.

(1) يظهر وجهه مما تقدم.

(2) كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب.

و يقتضيه إطلاق أدلة الوضوء بالوجه المتقدم، و إطلاق خبر منصور المتقدم، دون موثق ابن أبي يعفور، لظهور قوله عليه السّلام: «ثمَّ استيقنت» في وقوع ذلك منه سهوا.

نعم، أشرنا إلي أن العلامة في التحرير خص التفصيل بين الجفاف و عدمه بالسهو و أطلق الاستئناف مع العمد.

و لعله مبني علي مختاره في الموالاة من أنها المتابعة اختيارا و مراعاة الجفاف اضطرارا.

أو علي أنه مع العمد لا يقصد امتثال أمر الوضوء الشرعي، لاختصاصه بالترتيب، بل أمر آخر خطئي أو تشريعي.

أو علي الرجوع لما دل علي إطلاق وجوب الإعادة من دون تفصيل بين الجفاف و عدمه بعد حمله علي خصوص العامد، بقرينة موثق ابن أبي يعفور الذي عرفت اختصاصه بالناسي.

ص: 648

إلا أن يكون قد أتي بالجميع عن غير الأمر الشرعي، فيستأنف (1).

______________________________

و يشكل الأول: بضعف المبني المذكور، علي ما تقدم في مبحث الموالاة.

و الثاني: بأن تعمد مخالفة الترتيب لا يستلزم قصد أمر آخر غير أمر الوضوء الشرعي، لابتنائه غالبا علي الخطأ أو التشريع في نفس الأمر الشرعي مع قصد امتثاله.

نعم، مع الالتفات لحرمة التشريع يكون العمل عليه مبعدا لا يتأتي معه قصد التقرب، فإذا شرع في الوضوء بانيا علي مخالفة الترتيب يكون الشروع مقدمة إعدادية للتشريع، فيكون مبعدا، نظير ما تقدم في الوضوء التدريجي من الإناء المغصوب.

لكنه يختص بما إذا نوي ذلك حين الشروع، كما لا يجري مع الجهل بوجوب الترتيب.

و أما الثالث، فيندفع- بعد تسليم نهوض ما تقدم بوجوب الاستئناف- بأنه لا مجال لحمله علي العمد، بقرينة موثق ابن أبي يعفور، بعد كون الموثق مقيدا بأدلة الموالاة لكشفه عن تقدم أدلة الموالاة عليه، بل يلزم حمله علي صورة فوت الموالاة- كما تقدم- و لو لأنه مقتضي إطلاقات الوضوء الأولية.

(1) كما تقدم في الوجه الثاني للاستدلال، علي ما تقدم من التحرير، و تقدم لزوم الاستئناف أيضا لو كان الشروع مبنيا علي قصد مخالفة الترتيب تشريعا.

كما أنه يتعين لو كانت مخالفة الترتيب مأخوذة بنحو التقييد في امتثال الأمر الشرعي، فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم. و له الحمد و المجد، و الصلاة و السلام علي محمد و آله محمد.

انتهي الكلام في فصل شروط الوضوء شرحا لكتاب منهاج الصالحين، ليلة الأربعاء السادس من شهر جمادي الآخرة سنة ألف و ثلاثمائة و سبع و تسعين

ص: 649

______________________________

للهجرة، في النجف الأشرف علي مشرفه أفضل الصلاة و السلام، بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) عفي عنه، نجل العلامة حجة الإسلام السيد (محمد علي) الطباطبائي الحكيم دامت بركاته. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل. و نسأله سبحانه و تعالي أن يتقبله بقبول حسن و يجعله مورد نفع لنا و لإخواننا المؤمنين من طلبة علوم أهل البيت عليهم السّلام، إنه ولي التوفيق.

كما انتهي تبييضه بعد تدريسه ضحي السبت التاسع من الشهر المذكور بقلم مؤلفه الفقير في النجف الأشرف حامدا مصليا مسلما، راجيا راغبا راهبا. و اللّه ولي التسديد و التوفيق.

ص: 650

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.